إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس

ابن زَيْدَان السجلماسي

الطبعة الأولى 1429 هـ - 2008 م حُقُوق الطَّبْع مَحْفُوظَة للناشر الناشر مكتبة الثقافة الدِّينِيَّة 526 شَارِع بورسعيد - الْقَاهِرَة ت: 25922620 - 25938411 - فاكس: 25936277 E-mail: [email protected] بطاقة الفهرسة إعداد الْهَيْئَة المصرية الْعَامَّة لدار الْكتب والوثائق القومية إدارة الشئون الفنية إتحاف أَعْلَام النَّاس بِجَمَال أَخْبَار حَاضِرَة مكناس ج 1 تأليف: ابْن زَيْدَانَ عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد المكناسي, تَحْقِيق: عَليّ عمر، ط 1، الْقَاهِرَة: مكتبة الثقافة الدِّينِيَّة 2008 م 5 مج: 24 سم تدمك: 6 - 389 - 341 - 977 1 - الْفُقَهَاء - معاجم أ - عمر، عَليّ (مُحَقّق) ب - العنوان ديوى: 922.58 رقم الْإِيدَاع: 7666/ 2008

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مقدمة هذه الطبعة

مقدمة هذه الطبعة * * * المؤلف وإسهاماته في الحياة الثقافية بالمغرب: ابن زيدان: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن على بن الشريف العلوى السجلماسى، أبو زيد: مؤرخ من أعيان المغرب الأقصى ولد سنة 1290 هـ. كان السلطان محمد بن يوسف يخاطبه بابن عمنا، نقيب عائلتنا ومؤرخ دولتنا. ولد ونشأ في "مكناسة الزيتون"، واستكمل دراسته في جامعة القروين بـ"فاس" سنة 1324 هـ، وولى نقابة الأشراف بـ "مكناس" و "زرهون". وزار "مصر" حاجا في سنتى 1331 - 1357، واستقر في "الدار البيضاء"، يدير المدرسة الحربية المغربية فيها، وتوفى بـ"مكناس" سنة 1365 هـ. من كتبه: "إتحاف أعلام الناس بجمال حاضرة مكناس"، وهو الذى نقدم له اليوم، و"الدرر الفاخرة بمآثر الملوك العلويين بفاس الزاهرة"، وديوان شعر، أكثره مدائح نبوية. وجمع خزانة كتب تعد من أكبر الخزائن في المغرب. والكتاب الذى نقدم له اليوم يتناول تاريخ مكناس منذ الأجيال القديمة ومنذ ملوكها الأولين حتى عصر المؤلف. وهو للباحثين قبل غيرهم يجدون فيه ما تضن عليهم به المراجع الأخرى حيث تناول في إسهاب تاريخ مكناس وفق منهج لا يتوافر في المراجع المماثلة.

وقد اعتمدنا في طبعتنا هذه الطبعة الأولى لهذا الكتاب بالرباط سنة 1347 هـ، وذلك بعد تنقيحها. هذا وقد تركنا النص على حاله في بعض المواد دون تدخل في تعديل أسلوب الكتاب، وذلك وفق منهج المؤلف حيث أشار إلى ذلك بقوله: "وقد أتينا لك أيها المطالع بالنصوص المتبادلة بين نواب الدول الأجنبية ونواب الحكومة الشريفة في المؤتمرات السياسية والاجتماعات الرسمية على ما فيها من علل التركيب وركاكة الإنشاء، وعدم التنظيم، محافظة على نص الأصل وعدم تغييره، واعتمادًا على همة القارئ اللبيب، الذى لا تعزب عنه الحقيقة، وسترى بقية من ذلك بعد هذا بقريب". أما ما عدا ذلك فقد قمت بتصويبه عند موضعه، ولم أشر في تعليقاتى إلى كل ما قمت به من تصويب، وإنما نبهت على بعضه فقط.

الموضوعات والصور التي صدرت بها طبعة الرباط سنة 1347 هـ

[صورة] {جلالة السلطان الأعظم سيدى محمد بن يوسف} {أيد الله نصره وعلاه}

الإهداء

الإهداء (إلى صاحب الجلالة) (مولانا السلطان سيدى محمد بن يوسف أيده الله) * * * أحسن أثر، عن يراعى يؤثر، فيحمد ويشكر، ويقر بفضله ولا ينكر، مثل إتحاف أعلام الناس، بجمال حاضرة مكناس، عاصمة فخر جدودك الكرام، واسطة عقد الملوك العظام، السالك في تدبير الممالك، أحسن المسالك، السلطان الجليل، أبو النصر والفدا إسماعيل، وجدك الإمام، الذى خضعت لعزه المشام، أبو زيد عبد الرحمن بن هشام، قدس الله أرواحهما في دار السلام. وبما أن جنابكم المرفوع أمره على المفارق، أحق أن تهدى إليه نفائس الذخائر والمهارق، قدمته هدية، لسمو جلالتكم الزكية، وكل الرجاء أن يحل لديها محل القبول والإقبال، وينظر بعين الاحتفاء والاحتفال. ولا غرو فإنه حسنة من حسنات عصرك، ومفخرة من مفاخر قطرك ونتيجة اجتهاد أحد أبناء، عائلتك العلية، ومؤرخي دولتك العلوية، فإليكه يا مولاى هدية، وطرفة سنية، تفخر بحلول ناديك، ويناجيك مهديها ويناديك: مولاي يا سبط الرسول محمد ... من اسمه المحمود من أسمائه من علمه البحر الذى حارت عقو ... ل ذوي النهى والفهم في إملائه من حلمه أنسى سماحة أحنف ... وتجاوز المأمون عن أعدائه من جوده الغيث الذى لو رامه ... معن أقر بعجزه وعنائه أهدى لحضرتك الشريفة منشدا ... بيتى فتى أربا على نظرائه

(أهدى لمجلسه الكريم وإنما ... أهدى له ما حزت من نعمائه) (كالبحر يمطره السحاب وماله ... فضل عليه لأنه من مائه) أهدى كتابا جامعا آثار من ... فازوا بنعمة ربهم ورضائه أسلافك الغر الآلى أنباؤهم ... كالروض في أرواحه وبهائه فاقبل فديتك تحفة من عابد الـ ... ــرحمن مخلص وده وولائه ذاك ابن زيدان الذى يزداد في ... علياك حسن مديحه وثنائه ولتبق يا مولاي في نصر وفى ... عز يفوق النجم سمك بنائه فلأنت من تزهو الدنا بوجوده ... ولأنت من يبقى الهنا ببقائه * * * الله خصك بالسيادة والعلا ... وحباك ما ترجوه من آلائه وإلى مراقى السعد ترقى صاعدا ... ما لاح بدر ساطعا بسمائه

[صورة]

كلمة تقديم

كلمة تقديم * * * بقلم المشير ليوطي ماريشال فرنسا ووزير حربيتها ومقيمها العام بالمغرب سابقا وعضو المجمع العلمى الفرنسى وهى كلمة خاطب بها فضيلة المؤلف بما ترجمته: طوري في 19 غشت 1929 صديقى العزيز: قبلت مع مزيد السرور تقديم كتابكم القيم الذى ألفتموه عن تاريخ مكناس، وإن لكم من المزايا ما يجعلكم أجدر الناس بالخوض في هذا المجال، أوليس اسمكم رمزًا لتلك التقاليد التي اعتنت أسرتكم الكريمة بتتبعها على مر العصور، أوليست أسرتكم تتصل مباشرة بعظمة السلطان مولاى إسماعيل الأكبر، وهذا وقد جمعتم مع احترامكم للماضى أفكارا حديثة قيمة فأظهرتم ذلك بمعاونتكم في العمل المشترك بين حكومة المخزن والحماية لترقية ذلك المغرب الذى لا يزيد إلا قوة ورفاهية. لقد أحييتم لنا في فصول عديمة النظير تاريخ مدينتكم منذ الأجيال القديمة ومنذ ملوكها الأولين، ثم صورتم لنا مجد ملك المولى إسماعيل وكيف شيد القصور وخطط البساتين فتتبعناه في عمله المدهش العظيم الذى شمل جميع أطراف المملكة، وكم يلذ لنا أن نتتبع أعماله وراء البحار فنحيى صلاته الودية مع ملكنا العظيم لويس الرابع عشر.

إن كتابكم هذا هو للأدباء قبل غيرهم فيجدون فيه ما تضن عليهم به المجلدات الكثيرة، ثم هو لتلاميذ مدارسكم وتلاميذ مدرستنا "مدرسة الدار البيضاء" حيث سيبقى اسمكم محبوبا محترما، ثم هو للفرنسيين الذين سيجدون فيه ما يقوى إعجابهم بمدينتكم. إننى خصصت لكتابكم "عبير الآس" مكان الشرف بين أعز الكتب لدى وبين الذكريات التي تحوط بى وتذكرني سنوات ماضية قضيتها بينكم ولا أنساها أبدا -وتجعلنى دائم الاتصال ببلادكم العزيزة. ليوطي

تصدير تواريخ المغرب

تصدير تواريخ المغرب " نبذة صغيرة" * * * التاريخ أنباء الخلف بأحوال السلف، وهو معيار توزن به أعمال الأمة في هذا الوجود ويعلم منه مكانها بين الأمم غيرها على هذه الأرض، وهو السائق للعزة والدليل الخريت في الدلجة. وللمغرب تاريخ معروف في إجماله، مملوء بالبطولة، حفيل بالمآثر العظمى والوقائع الفاصلة الكبرى، وصحفه دالة على استبحار عمرانه وتمدن سكانه وإدراكه البسطة في أغراض الحياة ومذاهبها، وبلوغه يفاع المجد وذُرَا الحضارة، لما قام فيه الأفذاذ الذين قادوا الأمم فأحسنوا مقادها وساقوها إلى مواطن العزة فبلغوها ومثله في ذلك كمثل هذه الأقطار المتألف من مجموعها عالم الإسلام ولا سيما وقد كان منها عضوا بارز المكانة محسوس الأثر. و"مراكش" و"فاس" و"سبتة" و"سجلماسة" ثم "مكناسة" حواضر مغربية كان لها شأن في العلم والأدب والحضارة بحيث يصح إدراجها بجانب غيرها من كراسى الإسلام وحواضره في الشرق والغرب. وقد نشأ التاريخ المغربى متدرجا على ناموس النشوء والارتقاء، فلذلك يغلب على عهوده الأولى أن يكون مؤرخوها المعاصرون لها أجانب من هذه الديار، ثم لما استقام للبلاد أمرها وبلغت أشدها صار لكل دولة وعصر مؤرخون معاصرون يحفظون للأجيال القادمة أنباء العصور السالفة وينقلون للآتى خبر الذاهب بما استطاعوا من جمع وتدقيق، وأعانهم على ذلك أن جمهورهم كان متصلا بالدولة مطلعا على ما قد يحتاج إليه إذ ليس فيهم -في الغالب- إلا وزير أو كاتب أو نحوهما.

فكان منهم في عهد المرابطين شاعرهم أبو بكر بن الصيرفى الغرناطى (-557) وكان في عهد المهدى والموحدين مؤرخون منهم: "صاحب الأنساب" في معرفة الأصحاب أصحاب الإمام المهدى، وأبو بكر بن على الصنهاجى البيذق صاحب "تاريخ الموحدين"، وعبد الواحد بن على التميمى المراكشى مؤلف "المعجب" وغيرهم كالقاضى يوسف بن عمر الإشبيلى وابن حمويه السرخسى والقاضى الأكرم على بن يوسف القفطى (568 -) صاحب تاريخ المغرب ومن تولاه من الموحدين فلما انقرضت دولتهم وقام المرينيون بجليل أعمالهم ونضجت في عهدهم الحضارة بالمغرب قام بتدوينها أصحاب الذخيرة السنية وروضة النسرين وروض القرطاس وشاعر ذلك العصر الكاتب عبد العزيز الملزوري في نظم السلوك وغيرهم كالسفير الخطيب بن مرزوق في المسند الصحيح الحسن في مآثر أبى الحسن وكاتب الدولة ابن خلدون وضيفها ابن الخطيب في آثاره، ثم دالت الدولة للوطاسيين منهم فما لبثوا بها إلا أياما واستلمها منهم السعديون، فظهر بليغهم الوزير الفشتالي بمناهل الصفا والجزولي بالنفحة المسكية، والرئيس ابن عيسى بالممدود والمقصور من سنا الملك المنصور، وابن القاضي بالمنتقى المقصور ودرة الحجال، وغيرهم بغير ذلك، ثم صار الأمر للعلويين فكان لهم مثل ما تقدم فكتب عن صدر دولتهم اليفرني ثم تلاه ابن إبراهيم الدكالي والغزال والضعيف والزياني، ومثله في الدولة العلوية كمثل ابن القاضى في الدولة السعدية في الاعتبار بالتاريخ والتدوين فيه، واكنسوس وابن الحاج والسملالي والسباعي وصاحب الاستقصاء وغير هؤلاء. ومن المؤرخين طائفة تخللت تلك الأدوار وعاشت في ظل أفيائها ولكنها انتحت بكتبها ناحية خاصة منها، ولهؤلاء في ذلك طرق مختلفة وأساليب شتى: فمنهم من كان ذا منزع صوفى فرأى الاقتصار على أخبار الزهاد والمتصوفة، وعددهم في هذه الأمة كثير ولهم فيها أى تأثير، وتدوين أحوالهم وما يتصل بهم

من قول أو عمل وهؤلاء فريقان: فريق له مؤلفات عامة كتآليف ابن الزيات المراكشي والبادسى والصومعى. وفريق له كتب ورسائل تخص أبا محمد صالحا، وأبا يعزى وأضرابهما ومؤلفات هؤلاء وموضوعاتهم كثيرة. ومنهم من ألف في أنساب الملوك والقبائل والبيوت الجليلة القدر الكريمة الأصل وأكثر ما ألف في هذا المعنى في أهل فاس وأقله في غيرها من الجهات والكاتبون هنا كثير. ومنهم أرباب الفهارس والأثبات وهى تفيد من شاء الاطلاع على حالة المغرب العلمية في الجملة، وقد ألف في ذلك عياض كتابه "الغنية"، ثم ابن رشيد وابن الشاط وعبد المهيمن الحضرمى وأبو زكريا السراج وزروق وابن هلال وابن غازى والمنجور والجادرى وابن القاضى وعبد الواحد السجلماسى المراكشى والفاسيون والعراقى ويحيى البكرى السوسى والمنجرة واليوسى والمرغيثي والحضيكى والعميرى والبنانيان ابن عبد السلام وابن الحسن والتاودى والهشتوكى والورزارى والكوهن وغيرهم. ومنهم من كتب في طبقات الرجال وتراجم الأعلام كطبقات المالكية للقاضى عياض وتسمى بالمدارك، وقد اختصرها ابن سهل وابن علوان المصرى وابن حمادة السبتى تلميذ القاضى وزاد عليها زوائد، وطبقات الأعيان لابن عجيبة ورجال القرن العاشر لابن عسكر وطبقات القرنين الحادى عشر والثانى عشر للقادري ورجال القرن الحادى عشر المسمى بالإِعلام بمن مضى وغبر لعبد الله الفاسى وطبقات أهل الحساب والفرائض لابن القاضى وله ذيل علي ابن خلكان هو المسمى "بدرة الحجال في أسماء الرجال" وله ذيل آخر على ابن قنفذ من أول المائة الثامنة إلى تمام العاشرة وكذلك ذيل على الصلة أحمد بن فرتون الفاسي (-660) وابن عبد الملك المراكشى (634 - 703) قاضى أبى يعقوب المرينى على مراكش في كتابه "الذيل والتكملة على الموصول والصلة"، وسلك الفتح بعض أدباء المغرب في

قلائده التي خدم بها مجلس الأمير إبراهيم ابن أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ثم جمع ابن هانى السبتى كتابا في شعراء المائة السابعة سماه "الغرة الطالعة" وجاء بعده أبو الوليد ابن الأحم فجعل لأدباء العدوة قسما من كتابه نثير الجمان فيمن ضمه وإياهم الزمان، واقتصر العلمى على من لقيه من أدباء عصره في أنيسه المطرب، ومن هذا الباب ما وضع خاصا ببعض الأفراد الممتازين كاليحمدى وزير مولاى إسماعيل والعياشى زعيم السواحل وأمثالهما من الفضلاء. ومنهم المؤلفون في المدائن يذكرون أخبارها وما تقلبت فيه من الأحوال وكيف تداولتها الدول ومن كان فيها من الرجال والأسر النبيهة وقد ألف محمد بن يوسف الوراق القيروانى (292 -) في أخبار سجلماسة ونكور والبصرة تآليف حسانا كما يقول ابن حزم. وفى فاس ألف عبد الملك بن موسى الوراق كتابه "المقباس في أخبار فاس" وألف في تاريخها ابن حنون وابن عبد الكريم وابن أبى زرع وفى رجالها ابن القاضى وابن الأحمر وابن عيشون والمدرع والفاسى والكنانى وجمع المقرى كتابا فيمن لقيه من الأعلام بها وبمراكش. وألف ابن أبى بكر الحضرمى السلسل العذب والمنهل الأحلى في سلك من تحلى سلكهم في الأربعين من جيل فاس ومكناسة وسلا. وفى سبتة ألف القاضى عياض العيون الستة وهى من كتبه التي لم تتم. وألف غيره بلغة الأمنية ومقصد اللبيب فيمن كان بسبتة في الدول المرينية من مدرس وأستاذ وطبيب والكوكب الوقاد فيمن دفن بسبتة من العلماء والزهاد. وفى مكناسة ألف ابن جابر نزهة الناظر وابن غازى روضه الهتون والجبلى النفحات الوردية. وفى راوية الدلاء ألف الحوات واليازغى. وفى درعة ألف محمد المكى الناصرى الدرر المرصعة. ولا يزال هذا التاريخ المغربى تعمل فيه الأقلام وتنضب في تدوينه المحابر وتعمل فيه الليالى والأيام وهو لا يزداد إلَّا نُدْحَة في البحث واستقصاء وتنقيبا ومن

ذلك هذه الحركة المباركة التي قام بها ثلة من أرباب الأقلام في بعض أرجاء المغرب فاختص كل واحد بتدوين تاريخ مدينة من مدنه -كمراكش وفاس وسلا والرباط وطنجة- وتبيان ما كان لها من عهد زاهر ومجد غابر وذكر زعماء رجالها الذين كانت لهم يد في العلم والأدب منها، وجمع ما كان من ذلك متناثرا بعد أن أدركه التلاشى وكاد يصبح مضمحلا داثرا، وهى فكرة حميدة كان سعى أربابها مشكورا وعسى أن تعم أصقاع المغرب فيقوم بتنفيذها من يأنس من نفسه اقتدارا على ولوج هذا الميدان والإجادة من نصيبه منه حتى نرى تلك التواريخ يوما وقد أحكم وضعها وأتقن ترتيبها وجمعها وأصبحت مادة فوارة لتاريخ المغرب العام. وهذا أثر جليل من ذلك النحو قد جمع فأوعب واستدرك فأعجب وأغرب، وسيكون ولا ريب من أهم مؤلفات المغرب التاريخية وأغزرها مادة وأكثرها إفادة وجمعا، وقد اجتمعت فيه ثلاث من كن فيه كان حقيقا بالامتياز عن غيره والحظوة بالخصوصية ألا وهى، قيمة الكتاب وأهمية الموضوع واقتدار المؤلف في فنه: أما عن المؤلف فسماحة الأستاذ النقيب مؤلف هذا الكتاب أحد حملة التاريخ عندنا الذين يقول لسان حالهم: فجسمى في دهره ماكث ... وعقلى في أول الدهر ناء وهو غنى بشهرته ومكانته وخزانته الزيدانية عن زيادة التعريف والتبيين. وأما عن الموضوع فإن مكناس جمعت بين الطريف والتليد والقديم والجديد، وهى إحدى حواضر المغرب بعد سجلماسة مركز بنى مدرار وفاس كرسى الأدارسة ومن اقتفاهم ومراكش دار المرابطين ومن بعدهم. وقد مرت عليها أيام كسيت فيها نضارة الحضارة وظللها جلال الملك والإمارة وكانت فيها قلب المغرب ومأوى الوزراء والكتاب والشعراء وأرباب العلوم والصنائع والفنون.

وأما عن الكتاب فإن المؤلف متى كان قائما على فنه مضطلعا بأعبائه منقطعا إليه جاء في كتابه بنتيجة ذلك كله، وفى هذا الكتاب ما لا يكاد يتأتى لغير مؤلفه الإتيان به أو العثور عليه، وقد أحيا الله به مواتا ونشر بإبراره رفاتا وإن فيه فوائد هى أعز ما يطلب، ووثائق تكشف عن كثير من الأسرار المكتومة وتراجم هى لب التاريخ وحليته، ولولاه ذهبت وكأن لم يكن أربابها شيئًا مذكورا إلى ما حلى به من نادر الصور وقيم الغرر. وإن أقل ما يجارى به مؤلف وقد أبدى للناس كتابه -بعد أن أنفق عليه من ذهنه ووقته وجهده ويده- أن يقال له: أحسنت وأفدت ولا زال قلمك منهلا. الرباط 11 جمادى الثانية 1348 عبد الكريم بن الحسنى

الحمد لله حق حمده وللفقيه الأديب السيد محمد غريط لما وقف على رسم المؤلف: يا مرسل الفكرة في جنة ... أتت من الزهر بألوان جنة أخبار يتوق لها ... من ليس بالمستكبر الجانى إن شئت أن تبصر مبرزها ... نزهة ألباب وأعيان فانظر إلى رسمه تلف به ... لوصفه أحسن تبيان وهو أبو زيد النقيب الذى ... ينمو لفرع الملك زيدان

[صورة] علمي غذا روحي وراحة بنيتي ... وتفكري فرضي وخير مجالس وتدبري راحى وريحاني وكتـ ... بي في انفرادي مطربي ومؤانس وأرى حياتي دون ذلك ما لها ... نفع كعيشة عابث متقاعس عبد الرحمن بن زيدان

إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس لابن زيدان

مقدمة المؤلف

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد وآله مقدمة المؤلف * * * حمدا لمن تعالت عظمته عن أن تحيط بها الأخبار. وتقدس في سلطانه فقصرت الأفهام عن كنهه على مر الأجيال والأعصار. لا يعزب عن علمه ما كان وما يكون. ولا تخفى عليه خافية من أحوال الظهور والبطون. كل يوم هو في شأن، وإليه ترجع الشئون. مدارك العقول في موقف الحيرة تحت ذيل القصور. وتحريرات النقول في قصوى العي على بساط الفتور. عقل العقل أن يكون محيطا ... ليس ربى مركبا أو بسيطا حجب الكل عن دراية كنه ... وهو بالكون لا يزال محيطا سبحانه ما أجل بره، وأوسع امتنانه، أسدل على كل مكون قبل نشأته وبعدها فضله وإحسانه. لم يخل قط عن إمداد وإيجاد ... مكون رائحا قد كان أو غاد فالاعتراف له بالبر يورث أن ... يزيد من فضله من غير تعداد فله الشكر ما تحلت الألسن بذكر الوقائع، وقامت في صحائف الأذهان أخبار الرقائع. شكرا لرب تعالى ... وفضله قد توالى من يصرف العمر منه ... في طاعة ما تغالى

ونشهد أنه الله الذى لا إله إلا هو شهادة تعصم من الأوهام والشكوك وترشد الجازم بها إلى الاتباع في المآخذ والتروك. تعالى أن يشارك في صفات ... وكل خلقه كيف الشريك تقدس أن تحيط به عقول ... وجل الله مولانا المليك ونشهد أن سيدنا ونبينا ومولانا محمدا عبده ورسوله الصادق فيما قص من الأنباء، وأبدى من أسرار من تقدمه من الرسل والأنبياء. برى الله خير العالمين مكملا ... وأولى علاه فوق ما منه أملا وصور منه الشكل غير مشارك ... على كل موجود جلاه مفضلا فصل اللهم عليه صلاة تملأ الأرض والسماء، وتدوم بدوام ملكك، فلا يأتى عليها إحصاء ولا استقصاء، وعلى آله نجوم الاهتداء وأمان الأمة، القاعدين على صهوة المجد البالغين من كل مقصد همه، وأصحابه الذين نصروه وشدوا أزره، وحملوا عنه إلى من لم يحضره نهيه وأمره. أما بعد: فيقول خديم العلم والتاريخ عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن ابن على بن محمد بن عبد المالك بن زيدان ابن فخر ملوك المغرب وجد سلاطينه مولانا إسماعيل بن الشريف الحسنى السجلماسى: إن لله تعالى في أجيال العوالم -من مكنون السر وخفى الدقائق- ما لا تحتوى على بيانه فنون المجازات وأنواع الحقائق، أودع فيها حكما ترجع دون تمام إدراكها الأمانى حسرى، وتقف في مشاهد إبداعها فتخر آونة شكرا وأخرى برقائقها سكرى. كيف وهى مظاهر قدرته الباهرة، وتجلياته التي تكل أولاها والآخرة. فأعقل الناس من رآها بلب الاعتبار، وعرف أن منها ما سبيله الادكار، وما أبرز للاختبار، فاعتبروا يا أولى الأبصار، فوقف به ما رأى وسمع من أحوال القرون الشاسعة، على هدى يجده في المعاش والمعاد من الأعمال النافعة.

وإن الفن الذى يجمع من ذلك زبدة الأوطاب، ويميز بين ما خبث وطاب، علم التاريخ الذى هو من أجل ما يدخر، وتقدم أهميته ولا تؤخر، يريك من المعدوم موجودا، ومن المقطوع سابقا فصلا ممدودا، حتى كان من انقرض الآن ينطق، وشمس حياته لا زالت تشرق، فلم يفت المتقدم المتأخر إلا بالأشباح والصور، إذا جليت منهم العبر وتليت عليهم السور. أخبار من سبقوا إدراك عصرهم ... وجودهم يجتلى في طى نشرهم ناجوك دون لسان إذ تبين من ... حديثهم ما خلا في مر عمرهم فاعرف قدره ما بين الفنون، ومتن فخامته إذا تليت المتون، فقد نوه الذكر الحكيم بإنافة شأنه. وقص على المعتبر فائدته وبدائع حسنه، وناهيك بما ضمنه من أسراره، وكشف للألباب من خبايا أستاره، فقد أرى أخبار المرسلين وحميد سيرهم، وما لقوا من نشأتهم إلى انتقالهم عن عالم الدنيا ورحلتهم، ومن أجل ذلك أمر الله أشرف الموجودات، أن يتأسى بهم في سنى تلك الحالات فقال: (فبهداهم اقتده). ولهذا ومثله تصدى الأعلام لتدوينه، والتنقير عن تفصيل حوادثه وشئونه، اقتفاء لما ذكر الله في الكتاب، وانتحالا لما يستعذب ويستطاب ما بين موجز ومطنب، ومشرق فيه ومغرب. بيد أنى لم أجد من يشفى العلة، ويبرد من الصادى الغلة، بشرح أنباء مكناسة الزيتون، ونظم ما تناثر من درها المكنون، بعد بلاغ الجهد في القديم والحديث، فيمن يروى مسند ذلك الحديث، وما صنفه إمام المحققين وخاتمتهم ابن غازى في روضه الهتون، نقطة من بحر ولقطة عجلان لا تأتى على البعض من عجائب بيت الملك وسرها المصون، ولا تروى من هو بقيظ الجهل بها صديان،

وعذرا له لأنه أول قارع لأبوابها، وغير مسبوق بشيء يعتبر في اختراعه من لبابها، وتلك العادة المحكمة في أول متكلم. غير أن له الفضيلة بسبقيته على العالم والمتعلم، فالهجوم على ما يصعب لا يحكمه إلا البطل، وبعد جناية النحل يجنى العسل، إذ الفضل كل الفضل لمن إذا الليل عسعس، طرق العقيلة في حيها وقد أحدق بها الحرس، ومن تكلم بعده في شيء من هذا الموضوع في ديوان فيه أو في غيره مشروع فعلى أثره عول وبإضاءته فرع ما فرع وأصل ولم أر منهم من هز لنشر طيها عطفا ولا من اقتطف من مشكاة أنوارها قطفا بل هم عن تدوين شئونها في انقباض وكل يدعى أنه خالى الوفاض إجماعا على الوفاق والتراض، وجنوحا إلى الزمانة بدلا عن الانتهاض، وما أراهم إلا لما تكامل فيها الحسن والإحسان، بهتت العقول فكل عنها منهم اللسان وتركوا القول جملة وتفصيلا، وتساقطوا على غيرها قبيلا فقبيلا تكاثرت الظباء على خداش ... فما يدري خداش ما يصيد وليس هذا بالرأى الحميد، ولا بما يلوى اللبيب فيحيد فقد أطبق العقلاء على أن ما لا يدرك كله لا يترك بعضه أو جله. وطالما رمت الأخذ بهذه القاعدة فأجد النفس عن الجولان في ذلك الميدان قاعدة، إذ فقد مواد تقص تلك الأنباء يوجب العجز عن أن تتحمل منها الأعباء سيما وقد ضن على أغبياء جهلاء هذه المدينة التي كانت كل البلاد من محاسنها مدينة وتقاعدوا على ما لديهم وطووا كشحا دون الاقتراح فيه عليهم، مما عسى أن يظن به خبر ذلك الحى، ونشر ما أصبح الآن منه في ربقة الطى أو له بسالفه أدنى استمداد، يكون عند النهوض عمدة استعداد، بل آل سؤالى منهم ما أملت من الدفاتر، أن أصبح ودهم من قبيل العفا الداثر فكان تقلص ظل الوداد نتيجة

القضية، وسهام البين عي المعروف والغطية، ظنا منهم أن العلم منحصر في الحصول على ذلك الوطر انحصار المبتدأ المعرف بلام الجنس في الخبر، وما دروا أن في بذل ما لديهم إنقاذها من البلا ورفعها عن أن يحل بها من الأرضة البلا فجمعوا بين رذيلتى البخل وكتم العلم جمعا، والحال أنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. فنهض من إجابته عندى فرض عين، وخلافه في سماء الوداد كسوف وغين يحثنى بإزعاج على أن أجوب تلك الفجاج لأنظم ما سعت الأيام في نثره وأكمل من الروض ما يحسب من بتره وأضيف إلى أغراضه ما حدث بعد عصره مرسلا عنان القول غير لاحظ لحصره بدائع تزهو من سناها الخرائد ... ونظم نثار ما حوته القلائد أصول لذى التحقيق يبقر باطنا ... وفى ظاهر الأرقام تلك زوائد فقلت حملتنى في قصدك أصرا، وقد فقدت من أبناء العصر تأييدا ونصرا، فلم تزده الإباية إلا حثا واقتراحا ولا نظم البراهين على الإعواز إلا شغفًا وارتياحا فحرك منى ما كان سكن هبوبه وقوى عزمى على فتح ما أغلقت جيوبه فأجبته مستعيذا بربى من حسد سابقى ودونى وتربى لائذا بحوله ومعونته في السر والنجوى سائلا منه سبحانه أن يجعلنا ممن اعتصم بحبله الأقوى، وأدرجه في سلك أهل الطاعة والرضا، ووفاه من قصده ما يحب ويرضى. وعنونته (بإتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس) ولك أن تسميه عبير الآس من روض تاريخ مكناس، أو حسن الاقتباس من مفاخر الدولة العلوية وتاريخ مكناس. ورتبته على مقدمة وأربعة مطالب تهذب علم الشيخ، وتفتح ما أغلق على الطالب.

المقدمة

المقدمة حشوتها من نفيس الفوائد ما يعود على الخبير بالصلات والعوائد وينسى الغرثان (¬1) لذيذ الموائد والعاشق الولهان محاورة الغيد والخرائد. والمطلب الأول في اختطاط البلاد، وذكر الخلاف في نشأتها بين الرؤساء والأفراد. وثانى المطالب في نعوتها التي أسلت عن الحسناء والحسن، وأنست من البقاع سواها كل سهل وحزن. وثالث المطالب في تفصيل تراجم علمائها وذوى الفضائل والحيثيات من رجالها ووجهائها، وإن انتقلوا إلى غيرها من البلاد، سيان عندى حاضرها والباد. ورابعها وجيز الإشارة إلى ما توارد عليها من الأحوال وما مر بها من أنواع الحبور والمحال. المقدمة التاريخ لغة: تعيين الوقت مطلقا، وعرفا علم يبحث فيه عما مضى من سالف الدهور وعن أحوال المتقدمين من الأمم وأسماء المشاهير منهم ومعرفة أزمنتهم وأمكنتهم، وسيرهم وعوائدهم، وما يتعلق بحياتهم ووفياتهم. وينقسم إلى أثرى وبشرى: فالأول ما قصته الكتب المنزلة، والسنة النبوية، والثانى ما دونه علماء الأمم من الوقائع والحوادث والحروب، وينقسم أيضا إلى قديم وحديث، فالقديم: ما كان قبل الإسلام والحديث: ما كان بعده. وعلى هذا التقسيم جرى جل مؤرخى العرب، ولكل أمة وجيل تقاسيم اصطلحوا عليها لسنا بصدد التعرض لها، ثم ما دون أو يدون في التاريخ إما عام وإما خاص، فقد يقع في الدول من بدء الدنيا، وقد يختص بالدولة الإسلامية ¬

_ (¬1) الغَرْثَان: الجَوْعان.

مثلا، وقد يكون في أعمار الأعيان ووفياتهم، وقد يكون في اختطاط البلدان والمساجد والربط وغير ذلك. وأما أصل موضوعه فأعمال البشر في كل زمان ومكان، والفحص عن سير المتقدمين من الملوك والعلماء والصلحاء والوقائع الحربية وغيرها، وحالة المدنية والعمران، وقوة الدول وفشلها، وأسباب تقدمها وتأخرها واضمحلالها. وأما واضع الأثرى منه فهو الله تبارك وتعالى، أنزله على رسله الكرام في كتبه الناطقة بالحق وأعظمها القرآن، فقد تكررت فيه أقاصيص المتقدمين وأحوال الماضين وخصوصا مع الأنبياء والمرسلين، حتى قال مولانا تبارك وتعالى فيه خطابا لنبينا - صلى الله عليه وسلم -: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ... (120)} [سورة هود آية 120]، وقال: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ... (5)} [سورة القمر آية 4، 5]. وفى هاتين الآيتين الكريمتين تنبيه على ما يقصده العاقل من الاطلاع على أحوال الماضين والوقوف على سير الغابرين من الاعتبار والاتعاظ والاستبصار، ولذلك نرى القرآن يتفنن في إيراد القصة الواحدة وإعادتها بأساليب. من طرق البلاغة ويبرزها في صور شتى على قدر ما فيها من وجوه العبر وضروب النظر، حتى احتوى من ذلك على جم مما كان لا يعرف الوجه الواحد من علوم أقاصيصه إلا أفراد الرهبان، ورؤساء الأحبار، ولذلك وصف نبينا - صلى الله عليه وسلم - كتاب ربنا هذا بقوله: "فيه نبأكم وخبر ما كان قبلكم". وكذلك أوحى الله تعالى من هذا الفن التاريخى إلى أنبيائه -في غير ما أنزله عليهم من الكتب أيضا- ما لا يستطاع استقصاؤه، وقد حدث نبينا - صلى الله عليه وسلم - من ذلك بما ملأ الدفاتر، وعلى ذلك جرى سلفنا الصالح، فلم يزل الصحابة رضوان الله عنهم يتفاوضون في حديث من مضى، ويتذاكرون في أخبار من تقدمهم من الأمم، واقتدى بهم في ذلك سادات التابعين وأتباعهم بإحسان إلى يومنا هذا. وأما واضع البشرى فهو الإنسان وهو قديم الوضع من عهد نبى الله آدم عليه الصلاة والسلام، ومأخذ ذلك هو قوله عندما تيقظ من نومته التي ألقاها الله عليه

-ليخلق حواء من ضلعه- كما ورد في التوراة: (هذه عظم عظمى ولحم لحمى) إذ قوله هذه حكاية حادثة شاهدها وواقعة حال حققها، ثم ترقى التاريخ بهذا المعنى شيئا فشيئا كسائر العلوم البشرية حتى دون ذلك، وكل شيء يبدو صغيرا ثم ينمو كما هو مشاهد، "سنة الله التي قد خلت في عباده ولن تجد لسنة الله تبديلا". والتاريخ أيضا بمعنى التوقيت أى تعيين الوقت، كذلك قديم الوضع، فقد روى ابن عساكر في تاريخه بإسناده إلى الزهرى والشعبى، قالا: لما أهبط آدم عليه الصلاة والسلام من الجنة وانتشر بنوه في الأرض، أرخوا من هبوطه إلى أن بعث الله سيدنا نوحا عليه السلام، فأرخوا من مبعثه إلى وقعة الطوفان، فأرخوا حتى جاءت حادثة نار سيدنا إبراهيم عليه السلام فأرخوا بها. ثم اجتمع رأى كل أمة من الأمم على شيء، فأرخ الروم واليونان بميلاد إسكندر الرومى، وأرخ المسيحيون بظهور سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، وأرخ بنو إسحاق من مبعث نبى إلى مبعث نبى آخر، وأرخ بنو إسماعيل -من بنيان البيت- حين بناه إبراهيم وإسماعيل- حتى تفرقوا، فكان كلما خرج قوم من تهامة أرخوا بخروجهم ومن بقى بتهامة منهم أرخ بخروج سعد ونهد وجهينة بنى زيد من تهامة حتى مات كعب بن لؤى فأرخوا من موته، ولا زالوا يؤرخون بما كان من الحوادث حتى أتى عام الفيل فجعلوه تاريخا إلى أن حصلت الهجرة فأرخوا بها وبقيت مبدءا للتاريخ الإسلامى إلى الآن (¬1). ويعتبر التاريخ بالليالي، لأن الليل عند العرب سابق على النهار، لأنهم كانوا أميين لا يحسنون الكتابة ولم يعرفوا حساب غيرهم من الأمم، فتمسكوا بظهور الهلال، وإنما يظهر بالليل فجعلوه مبدءًا للتاريخ. ¬

_ (¬1) مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 1/ 30.

وأما ثمرته فالانتفاع بتذكر الحوادث التي حصلت في الكون خيرا أو شرا، والتبصر في الأمور والاسترشاد بما فات في كل ما هو آت للتخلى عن الصفات الذميمة والتحلى بالآداب والأخلاق الحميدة، إذ قصص من قبلنا عبرة لأولى الألباب في أحوال الدين والدنيا وما يعقلها إلا العالمون. فإذا اطلع العاقل على سير المتقدمين من الأمم الراقية وأخلاقهم وسياستهم تاسى بهم وقاس نفسه عليهم، فانتصح بأحوالهم في دينهم ودنياهم، واكتشف عن عورات الكاذبين فيجتنب سوء أعمالهم ووخيم منقلبهم، ووقف على أحوال الصادقين فيقتدي بهم ويحرز لنفسه من معلومات العالمين وتصانيفهم واكتشافاتهم ما يشحذ ذهنه ويزيد في قوة إدراكه بأقرب الطرق وأيسرها مما لم يحصل عليه من سبقه إلا بعد العناء والكد. وأما فضيلته فهو من أعظم العلوم وأعزها وأشرفها وأنفعها وأجملها وأكملها فهو أكبر مرب للأذهان ومرق لحالة الإنسان والعمران، وهو في الحقيقة برنامج ما مضى وتذكرة ما عناه الأولون من أحوال وتقلبات، وتبصرة لأولى الألباب في المستقبل، وعمر جديد للمطالعين يغنم ولا يهمل وفى فضله قيل: ألا إن في التاريخ علما وحكمة ... وفيه اعتبار بالقرون الأوائل إذا لم تكن بالجسم شاهدت من مضى ... فبالفضل قد شاهدتهم والشمائل لذاك اعتنى بالكتب فيه أئمة ... جهابذة أولو التقى والفضائل وهم كل قاض أو فقيه مدرس ... وذو أدب لم يدره باسم جاهل وقال لسان الدين ابن الخطيب في صدر أرجوزته رقم الحلل في نظم الدول: وبعد فالتاريخ والأخبار ... فيه لنفس العاقل اعتبار وفيه للمستبصر استبصار ... كيف أتى القوم وكيف صاروا

يجرى على الحاضر حكم الغائب ... فيثبت الحق بسهم صائب وينظر الدنيا بعين النبل ... فيترك الجهل لأهل الجهل وقيل: إن شئت تكثير عقل فيه مصلحة ... لأجلها دارت الأفلاك أدوارا فانظر لمعنى المواليد التي اختلفت ... واقرأ تواريخ من في الدهر قد صارا وقيل: ليس بإنسان ولا عاقل ... من لا يعي التاريخ في صدره ومن درى أخبار من قبله ... أضاف أعمارا إلى عمره وقيل: إذا عرف الإنسان أخبار من مضى ... توهمته قد عاش حينا من الدهر وتحسبه قد عاش آخر دهره ... إلى الحشر إن أبقى الجميل من الذكر فكن عالما أخبار من عاش وانقضى ... وكن ذا نوال واغتنم آخر العمر وقيل: وما التاريخ إن فكرت إلا ... رياض تجتنى منها ثمارا تنادم تارة فيها ملوكا ... وأخرى سادة علما كبارا وآونة تنادم شرب راح ... أداروا في مجالسهم عقارا تفيدك حالة الماضين علما ... ولا تألوك نصحا وادكارا ترى فيها البلاد وساكنيها ... كأنك حاضر معهم جهارا

به يعرف من خلف سير من سلف، ولولاه لجهلت الأنساب، ونسيت الأحساب، وتقطعت الأسباب. ولم يعلم الإنسان أن أصله من تراب ومآله إلى خراب. وقد ضمنت مقالتى التاريخية التي أمليتها بنادى الخطابة بمكناس خمسة عشر وجها من فضائله فلتنظر ثَمَّة. وأقوى دليل على فضله وشفوف شرفه بين العلوم وقوع الاستدلال به والاحتجاج في القرآن الكريم -الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه- في قوله جل من قائل: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65)} [سورة آل عمران آية 65]، وهذا كما قال العلماء من لطائف الاستدلالات وأنفسها. وأما حكمه فإنه يكون مطلوبا في غالب الحالات، وربما كان فرض كفاية، وبالجملة فالقول الفصل ما أفصح به أبو على اليوسى -في قانونه- إذ قال: كل ما يحتاج فيه إلى شيء من أمور الشرع كتاريخ سكة معلومة، أو مكيال معلوم، أو مسجد عتيق، أو التقى فلان بفلان من الرواة، أو إمكان التقائه، أو كان فلان من المتقدمين أو من المتأخرين أو من الصحابة أو لا، وغير ذلك فهو داخل في العلوم الشرعية المهمة، وما سوى ذلك بخارج عنها غير أنه إن أفاد فائدة أخرى كالاعتبار والاستبصار والاهتزاز بوصف محمود بسماع أخبار من اتصف به من صلاح، أو عبادة، أو زهد، أو شجاعة أو حلم، أو سخاء ونحوه والانتهاء عن مذموم عند ذكر من نعي به، أو تعليم صنعة أو حيلة نافعة، أو غير ذلك من المصالح فهو محمود كسائر العلوم التي ليست من أمور الدين كالحرف والصنائع التي تجلب للإنسان -كما هو مشاهد- جزيل المنافع وذلك إن لم يعطل عما هو أهم منه وإلا فالأهم المقدم. وأما نسبته إلى غيره من أصول العلوم الأدبية فهو جزئى لها، وهى اللغة والصرف والاشتقاق والنحو والمعانى والبيان والعروض والقافية والخط وقرض

الشعر والإنشاء والمحاضرات، نعم الثمانية الأولى أصول، والأربعة بعدها فروع، كما صرح بذلك أبو البقاء في كلياته وغيره، قال: ومنها التواريخ والبديع ذيل للمعانى والبيان، وقد جمعها الشيخ حسن العطار في قوله: نحو وصرف عروض بعده لغة ... ثم اشتقاق وقرض الشعر إنشاء كذا المعانى بيان الخط قافية ... تاريخ هذا العلم العرب إحصاء وقد توقف الشيخ الأمير في عد التاريخ من علوم العرب وقوفا مع ظاهر كون الأمية فيهم هى الأصل وعمدة التاريخ الكتابة. ونحن نقول توقفه غير ظاهر، لأن العرب أكثر الناس اعتناء بالمحافظة على معرفة الأنساب وأشد الأمم ولوعا بحكاية الوقائع والأخبار والحروب والقصص، وذلك في أشعارهم كثير، وغير خاف أن شعر العرب مستودع أخبارها، ففيه علومهم وأخبارهم وحكمهم وهو ديوانهم الجامع لمآثرهم، وقد جعل الله تعالى أناجيلهم في صدورهم، وأغناهم بقوة الحفظ وسيلان الأذهان عن الاحتياج للكتابة وما يتبعها من الوسائل، ولو دفعنا عنهم التاريخ بعدم كتابتهم لدفعنا بذلك أيضا عنهم سائر العلوم الأدبية التي لا ينازعهم فيها أحد وذلك باطل بالضرورة، وسترى في كلام الحسن بن سهل الآتى قريبا أن علم النسب وأيام الناس عربى الأصل وكفى به ردا لتوقف الأمر. ثم إن إطلاق الأدب على الاثنى عشر المذكورة مولد حدث في الإسلام كما أفصح بذلك شارح القاموس، فإن علم الأدب لغة هو: تعلم رياضة النفس ومحاسن الأخلاق. قال أبو ريد الأنصارى: الأدب يقع على كل رياضة محمودة يتخرج بها الإنسان في فضيلة من الفضائل، والأزهرى نحوه كما في المصباح، ونقل الخفاجى في العناية عن الجواليقى في شرح أدب الكاتب أن معناه لغة حسن الأخلاق وفعل المكارم هـ.

وقال ابن خلدون في مقدمته: هذا العلم يعنى الأدب لا موضوع له ينظر في إثبات عوارضه أو نفيها، وإنما المقصود منه عند أهل اللسان ثمرته وهى الإجادة في فنى المنظوم والمنثور على أساليب العرب ومناحيهم، فيجمعون لذلك من كلام العربَ مما عساه تحصل به الملكة: من شعر عالى الطبقة، وسجع مَبْثُوثة (¬1) أثناء ذلك متفرقة يستقرى منها الناظر في الغالب معظم قوانين العربية، مع ذكر بعض من أيام العرب يفهم به ما يقع في أشعارهم منها، وكذلك ذكر المهم من الأنساب الشهيرة والأخبار العامة، والمقصود بذلك كله أن لا يخفى على الناظر فيه شئ من كلام العرب وأساليبهم ومناحى بلاغتهم إذا تصفحه، لأنه لا تحصل الملكة من حفظه إلا بعد فهمه، فيحتاج إلى تقديم جميع ما يتوقف عليه فهمه (¬2). ثم إنهم إذا أرادوا حد هذا الفن قالوا: الأدب هو حفظ أشعار العرب وأخبارها والأخذ من كل علم بطرف، يريدون من علوم اللسان أو العلوم الشرعية من حيث متونها فقط وهى القرآن والحديث إذ لا مدخل لغير ذلك من العلوم في كلام العرب إلا ما ذهب إليه المتأخرون عند كلفهم بصناعة البديع من التورية في أشعارهم وترسلهم بالاصطلاحات العلمية، فاحتاج صاحب هذا الفن حينئذ إلى معرفة اصطلاحات العلوم هـ (¬3). ونقل أبو على اليوسى في محاضراته عن الحسن بن سهل قال: الأدب عشرة أصناف: ثلاثة شهرجانية وهى ضرب العود ولعب الشطرنج واللعب بالصوالجة، وثلاثة أنوشروانية وهى الطب والهندسة والفروسية، وثلاثة عربية وهى الشعر والنسب وأيام الناس، والعاشر مقطعات الحديث والسمر وما يتعاطاه الناس بينهم في المجالس وهذا عام هـ. ¬

_ (¬1) تحرف في المطبوع إلى "ثبوتة" وصوابه لدى ابن خلدون الذى ينقل عنه المصنف. (¬2) مقدمة ابن خلدون 3/ 1139. (¬3) مقدمة ابن خلدون 3/ 1139.

وفى نفح الطيب أن علم الأدب في الأندلس كان مقصورا على ما يحفظ من التاريخ والنظم والنثر ومستظرفات (¬1) الحكايات، قال: وهو أنبل علم عندهم، ومن لا يكون فيه أدب من علمائهم فهو غفل مستثقل (¬2). وإنما كان التاريخ من الفنون الأدبية لأنه أكبر مرشد للتخلق بمكارم الأخلاق ومجانبة أهل الرذائل والنقائص والفرار من الأشرار، ولأنه أقوى معين ومساعد على نمو قوة ملكة الإنشاء نظما ونثرًا للاستشهاد بشواهده والاستمداد من فوائده والائتمار بأوامره والانتهاء بنواهيه وزواجره لمن أبصر رشده وأراد الله هدايته. وأما استمداده فهو إما من الكتب المنزلة كالتوراة والإنجيل والزبور والفرقان. وإما من أخبار الأنبياء أهل التحقيق والعرفان. وإما من الحوادث المشاهدة بالعيان. والآثار الضخمة العظيمة الشان. وإما مما دونته رواة الأخبار وأولاه ما نقلته عن مشاهدة وعيان. فإن ذلك يغنى هم كل برهان. ويكسب صاحبه علما يقينا لا يشككه فيه ثان. وإما من الوقائع المسموعة ممن شاهدها من المعاصرين الأعيان. نعم لا غنى لمن يعول في النقل على هذا الأصل من اعتبار أحوال المسموع والمسموع منه، أما الأول فبأن يعتبر إمكانه في نفسه باعتبار العقل والحقيقة فإن دخل في حيز الإمكان بهذين الطريقين نظر فيه، واعتبره ثانيا باعتبار حال المسموع منه بأن يكون ثقة غير مغفل فإن لم يكن فيهما مانع فحينئذ يعول عليه ويجعله أصلا لديه، وإنما اعتبرنا الإمكان شرطا في قبول ما جاء من هذه الطريق وفى الحقيقة كل الطرق مثلها لأن غير الممكن لا نظر فيه، إذ هو ملطوم به وجه الآتى به، وأما ما صح عن المعصوم فلا يكون إلا ممكنا إذ: ¬

_ (¬1) في المطبوع "ومستطرفات" والمثبت لدى القرى في نفح الطيب الذى ينقل عنه المصنف. (¬2) نفح الطيب 1/ 222.

لم يمتحنا بما تعيا العقول به ... حرصا علينا فلم نرتب ولم نهم وبهذا يأمن الخائض في هذا الفن من البناء على المستحيل، وإنما اعتبرنا حال المسموع منه لأنه لا التفات لنقل كذوب، ولا لمن ليس بضابط، فإنه لا بناء إلا على أساس صحيح، وإلا كان الإنسان عاقبته الخيبة، ومن هنا تعلم أن صاحب هذا الفن لا غنى له عن التبصر في علم الحقائق والرقائق والمهارة في المواد والطرائق حتى يكون ناقدًا بصيرًا، وبإماطة أذى غثه من سمينه كفيلًا خبيرًا. ومن طرق استمداده أيضا الآثار القديمة والبناءات الضخمة العظيمة كقصر البنت الموجود أثره بالحِجر بكسر الحاء وسكون المعروف اليوم بمدائن صالح في وادى القرى على طريق المار من الشام إلى مكة المعظمة، وبقايا الرواق الأعظم، وقصر بصرى حوران، وقلعة صلخد في حوران، وبقايا قصر المشتى، وبقايا القصر الأبيض، وبقايا الأهرام وما بصعيد مصر من الآثار، وما بمصر أيضا عند أطلال مدينة طيبة القديمة. وما بالقدس الشريف من بقايا بناء نبى الله سيدنا داود عليه الصلاة والسلام، وما كان شاخصًا من الأطلال قبل، بل وفى الحين الحالى الكائنة بمدينة وليلى (¬1) من جبل زرهون المعروفة في زماننا الحاضر بقصر فرعون مع ما اكتشفه علماء الفن من الآثار العجيبة الهائلة ذات البال في هذا العهد هنالك أيضا وغير ذلك مما يطول. ومنها السكك المضروبة من ذهب وفضة وغيرهما كورق أهل الكهف، وبعث أحدهم به إلى المدينة كما نص الله تعالى في كتابه الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ونقود السبَّئِيّين في اليمن , ونقود الرومانيين الموجودة في الزمن الحاضر بمتحف الآثار المكتشفة بمدينة وليلى المشار لها ووهب اللات وغيرها. ¬

_ (¬1) لدى ياقوت: وَلِيلَى: مدينة قرب طنجة.

وقد شاهدت عين البعض مما ذكر وصور البعض في كتب المعتنين بذلك الشأن، وكالرسوم والأعمدة والقوائم الضخمة التي يستدل ببقائها من زمان نشأتها القديم إلى رمان الوقوف عليها على أنها منظور إليها بعين العناية والاعتبار والرعاية والرسوم والأطلال مع ما رقم عليها، وسيمر بك بعض ذلك إن شاء الله فترقب، وكل ما يشهد لحقيقة الأمر وينتفى به الشك في حكاية الواقع. ثم بعد تحصيل الناظر في هذا الفن لهذه الأصول فعليه أن يعضدها بأصل رابع وهو التثبت والتحرى ولزوم الصدق وعدم الميل مع غير الحق حتى يتجرد بالكلية، عن الأغراض الشخصية، والمحاباة والحمية، وحكاية غير الواقع ونسبة الأمور والواقع ونسبة الأمور والوقائع لغير أربابها، إذ بالتثبت يثمر مقاله، ويزكو بين البرايا حاله، وبالعلم ينفذ من مهاوى السقوط في الزلات والأغاليط، وبالأمانة تنتفى عنه الشهوات والأغراض، فيتكلم بلسان الحوية، متجافيا عن الشهوات النفسية، وواقفا عند حد العدل والمدنية. ولا غرو أن فحول المؤرخين قد استوعبوا أخبار ما تكلموا عليه من أيام الأمم وسطروها على صفحات الدفاتر، ولكن خلطها المتطفلون بدسائس من الباطل لاحظوها بطرف فاتر، ولفقوها بزخارف واهى الروايات، ولم يلاحظوا أسباب الوقائع والأحوال في تلك الحكايات، ولم يرفضوا ترهات الأقاويل، ولم يميزوا بين الصحيح وما ليس عليه تعويل، فتحققهم في أمرها قليل، وطرف تحقيقهم في الغالب كليل. وعن ذلك نشأ ما حشيت به التواريخ من كثرة الدخيل، الذى لا يلتفت إليه إلا سقيم الإدراك عليل، ولا يؤبه به لا في قبيل ولا في دبير. والغرض من التنبيه على هذا تحذير مطالع التواريخ من التعويل على كل قيل، والبناء عليه من غير تفرقة بين صحيح أصيل، وباطل دخيل.

أما الذين ذهبوا بفضل الشهرة والأمانة المعتبرة في التاريخ فهم قليلون، منهم اليعقوبى في منتصف القرن الثالث، وابن جرير في "تاريخ الأمم والملوك" المتوفى عام عشرة وثلاثمائة، والمسعودى في تواريخه الثلاث "أخبار الزمن" و "الأوسط" و"مروج الذهب" المتوفى سنة خمس وأربعين وثلاثمائة، وابن الأثير في كامل التواريخ المولود سنة خمس وخمسين وخمسمائة، المتوفى سنة ثلاثين وستمائة. وابن خلدون في كتاب العبر وديوان المبتدإ والخبر، المتوفى رمضان سنة ثمان وثمانمائة. وتواريخ هؤلاء من بدء العالم إلى أيامهم، وقد جاء من بعدهم في كل رمان ومكان من استدرك ما فاتهم وذيل عليهم بتدوين ما قصرت عنه حياتهم واستمر ذلك إلى وقتنا هذا وهو ثانى عشرى رجب الفرد الحرام عام تسعة وثلاثين وثلاثمائة وألف، فكثرت بسبب ذلك موضوعات هذا الفن وتنوعت أساليبه، وتعددت أسبابه، حتى لو رام أحد تقصى ذلك لعجز. وقد ذكر المسعودى جملة كبيرة منها وتاريخه لغاية سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة فما ظنك بما بعد ذلك. وقد عد الشيخ عبد الرحمن بن حسن الجبرتى في كتابه "عجائب الآثار" جملة صالحة منها، وسرد صاحب "كشف الظنون" من التواريخ في زمانه ثلاث عشرة مائة، وقد أوجز إذ لا موقع لهذا العدد في جانب ما فاته من ماض عنه فأحرى ما هو آت بعده. فعلى الإنسان أن يستفرغ في الاستطلاع جهده ولا يوقع نفسه في ورطة الحصر، فإنه ما رامه أحد إلا تعدى طوره. وأفنى عمره ولم يبلغ غوره. وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها. وأما مسائله فهى عبارة عن كليات حكمية مأخوذة من التمحيص التفصيلى يهتدى بها في أحوال الدول ومآل حياتهم، كقولهم: كل دولة لا بد لها من عصبية

في أول نشأتها، وقولهم: الطمع والترف يؤديان إلى دمار الممالك، وتعطيل المسالك، وقولهم: إن الدول إذا تهممت بالطرف والذخائر وقصرت هممها على الحلى والحلل والفرش الهائلة والمبانى المشيدة دل ذلك على تحلل تركيبها واضمحلال ضخامتها وفناء رونقها وحسنها ونقصان كمالها وآل أمرها إلى الاندثار والدمار، وقولهم: العدل سور لا يغرقه ماء ولا تحرقه نار ولا يهدمه منجنيق وقولهم: عدل قائم، خير من عطاء دائم، وقولهم: لا يكون العمران، حيث لا يعدل السلطان، وقولهم: قيمة العدل ملك الأبد وقيمة الجور ذل الحياة، وقولهم: العدل يسع الخلق والجور يقصر عن واحد، وقولهم: من كثر ظلمه واعتداؤه قرب هلاكه، وقولهم: رأس المملكة وأركانها وثبات أحوال الأمة وبنيانها العدل والإنصاف، وقولهم: الظلم نقيصة لا يألفها إلا كل متوحش جاهل، والعدل فضيلة عظيمة لا يتحلى بها إلا كل متمدن عاقل. العدل روح به تحيا البلاد كما ... دمارها أبدا بالظلم ينحتم الظلم شين به التعمير ممتنع ... والعدل زين به التمهيدي ينتظم وقولهم: إن خير السلاطين من عمل في أمر الرعية بالعدل والإنصاف ولم يقبل بغى بعضهم على بعض، وقولهم الملك لا يتم عزه إلا بالشريعة والقيام لله بطاعته والتصرف تحت أوامره ونواهيه، وقولهم: بالعدل تطول المملكة وتصح الرعية وتكثر العمارة، وقولهم: إذا هم الوالى بالجور وعمل به أدخل الله النقص في أهل مملكته حتى في التجارات والزراعات وفى كل شيء، وإذا هم بالخير أو عمل به أدخل الله البركة على أهل مملكته حتى في التجارات والزراعات وفى كل شيء ويعم البلاد والعباد. واعلم أن مدار جل هذه الكليات على العدل {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [سورة

النحل آية 90]، وأن العدل هو القسطاس المستقيم في الرعايا والعوالم، فإن الله تعالى خلق العوالم مختلفة متقابلة متضادة مزدوجة، ويعسوب ثباتها الكفيل بسعادة حياتها هو العدل فيها يربط شئونها بالطريق الوسط، الخالى من التفريط والشطط، فإن ذلك به تطمئن القلوب من الشعوب، وبه ترتبط على التعاضد في مدلهمات الخطوب، وبضده تنال مهاوى الفشل والتفرق والاندثار، وتلاقى الأمة من شقاوة الحياة سائر الأخطار. فحقيق على كل دولة رامت السعادة والثبات أن تجعل العدل أساس تصرفاتها، ومركز سائر تقلباتها، وأن تتعاهد إصلاح ما اختل من ذلك كل حين، وأن تجعله محور دوائر المراقبة منها على ممر الأوقات والسنين، وليس يتأتى ذلك إلا بإدمان النهضة لتصفح أحوال المتولين، والمبادرة لطرد الظالمين، والضرب على أيديهم، وإظهار مزايا من وجد منهم لطريق العدل سالكا، ولسائر الأغراض الشخصية في ولايته تاركا، فقد قيل لبعض الحكماء: بم يزول الملك؟ قال: بغش الوزير، وسوء التدبير. وفساد الطوية، وظلم الرعية، {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [سورة ص آية 26]. هذا وقد آن أن نتخلص للمقصود فنقول: حيث كان فن التاريخ تقصر الحافظة عن الإحاطة بإفادته، وتنقض خطا القلم عن الإلمام بسائر مهماته، تعين صرف العنان من الإنسان لتحرير ما هو الأهم به في طوره الآن. وذلك شيئان أصل تخطيط بلدة أقيم فيها. وأحوال دولة هو الآن بين رجالها، وأهمية الأول هى باعتبار أن جاهل تخطيط بلدته، التي بها مسقط رأسه ومحط رجال أهل جلدته، يكاد مع انتفاء الموانع أن لا يضرب له في الإنسانية بسهم من فئته، ويعد ذاهلا حتى عن أصل نشأته.

المطلب الأول: في مكناسة والقبيلة المؤسسة لها والبعد بينها وبين فاس وغير ذلك من الفوائد

وأهمية الثانى هى باعتبار أن جاهل ما هو بين الأظهر حال، يكاد يحصل اليأس منه بمعرفة ما لمن بعد عنه ممن تقدم من الأحوال. فكانت معرفة الشخص بتخطيط بلدة إقامته، وأحوال رجال دولته، عنوانا كاملا لنجابته، ومحكا واضحا لشفوف قدره ومكانته. وبهذه الطريقة تعين عليّ أن أجعل إفادة الطالب بملخص تخطيط وتقلبات بلدتنا، ووقائع وأحوال رجال دولتنا، من واجب الحقوق المرعية، والتحف السنية المرضية. فأقول: من الرازق الوهاب أرجو هداية ... وتسديد قول بين كل الخليقة وفتحا قريبا يذهب الرين عن حشا ... أقام بها عجب وداء ضغينة ويشرح صدرا ضيقا حرجا بما ... ألم من الأوزار من سوء سيرة المطلب الأول بلدتنا مكناسة الزيتون بكسر الميم كما جزم به ياقوت الحموى في معجم البلدان والفيروزابادى في القاموس. وقد تقال بدون هاء عند عدم الإضافة، ولم تكن إضافتها للزيتون مقارنة لنشأتها، وإنما حدثت بعد ذلك عند إنشاء الزيتون بها، وإنما صارت تضاف إليه وقتئذ للتحرز عن مكناسة القبيلة الحالة أحواز تازا التي بينها وبين فاس مائة وثمانية وعشرون كيلو مترا للذاهب من باب الساكمة بالكاف المعقودة أحد أبواب فاس، والساكمة التي ينسب هذا الباب إليها هى امرأة مجذوبة توفيت قرب عام خمسين ومائة وألف ودفنت يسار الخارج من الباب المذكور، فصار الباب ينسب إليها ذلك. ووجه تسمية بلدتنا بمكناسة سكنى طائفة من القبيلة البربرية الشهيرة بمكناسة بها وذلك في سالف الدهور ونسبة هذه القبيلة هى لجدهم مكناس بن ورصطيف البربرى، وتلخيص ما في المقام أن فرقة من قبيلة مكناسة نزل البعض منها شرقى

مدينة فاس وهم الذين أفصحنا سابقا بكون مقرهم أحوار تازا ونزل بعض آخر منها غربى مدينة فاس على مسافة ستين كيلو مترا وهم سكان هذه المدينة في الأعصر المتقادمة. وأشار ابن الرقيق إلى أنهم هم الذين أنشئوها، وأن سكانهم أولا كانت في بيوت الشعر، ثم حملتهم الثروة على التخاصم وإجلاء الأقوى للأضعف، فصاروا بذلك يتخذون الدور بموقع مكناسة ويتابع بعضهم في ذلك بعضا إلى أن كثرت دورها وصارت من أعاظم المدن، وصرح بذلك حسن بن محمد الوزان الغرناطى ثم الفاسى الشهير في أوربا بجان ليون في "رحلته" وعليه فنسبتها إليهم لإنشائهم لها وسكانهم بها، وقد كان اختطاطهم لها قديما قبل الإسلام كما أفصح به بعض المؤرخين، وصرح بعض المعاصرين من الأوربيين في مؤلف له في مكناسة بأن ذلك كان في القرن الرابع قبل ميلاد سيدنا عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وكان تمدنها وقتئذ عبارة عن قرى متعددة كما يأتى عن ابن غازى. تنبيهان اثنان: الأول: ما سبق من أن بين فاس ومكناسة ستين كيلو مترا هو الذى حرره أهل الفن من الدولة الحامية الآن، وقد حققوا ذلك بعلامات نصبوها على رأس كل عدد كما هو شأنهم في أمثال ذلك، وعليه فما وقع في رحلة حسن ابن محمد الوزان من أن بين فاس ومكناس ستة وثلاثين ميلا (¬1) وكذا ما وقع في كتاب فتوحات مولاى رشيد، ومولاى إسماعيل لمؤلفه مويت الفرنسى، من أن بين مكناسة وفاس الجديد ثمانية وأربعين ميلا. وكذا ما وقع في الروض الهتون هنا من قوله مرة إن بين مكناس وفاس نحوا من ثلاثة برد ونصف بريد. وقوله: مرة أخرى إن بينهما نحو أربعين ميلا. هـ. ¬

_ (¬1) وصف إفريقيا لابن الوزان -ص 219.

كله مبنى على المتعارف عند أهل كل وقت أو ناحية في قدر الميل فإنه يختلف باعتبار ذلك؛ ولذلك وقع الاختلاف في حد الميل إلى أقوال كثيرة كما في القاموس وغيره وأيضا فقد كانت التقديرات مبنية على التقريب غالبا عند المتقدمين، وكذا يقال في المسافة التي بين تازا وفاس فإن القدر الذى قدرناه فيها هو الذى حرره أهل الفن الآن وحققوه على الوجه السابق، فينبغى أن يختبر به قول الروض هنا إن بينهما نحوا من سبعة برد. ومن أبين طرق التوفيق أن يقال: إن المسافة التي قدر من قدمنا ذكرهم هى باعتبار الطرق التي كانت مطروقة في أزمنتهم والطرق الموجودة الآن هى غير تلك، لأنها تفارقها تارة وتجامعها أخرى، بحسب ما يقتضيه الخط الهندسى العصرى بالنسبة للسهل والوعر منها كما هو مشاهد وهو جمع حسن والله أعلم. ولا تظن أن تحرير هذا المبحث لا أهمية له فإن عليه ينبنى مشروعية قصر الصلاة وعدمه لقاطع تلك المسافة، وذلك مما كان يتردد فيه أهل العلم لعدم تحرير قدرها. الثانى: جزم في الروض هنا بأن مكناسة فرقة من زناتة، والذى جرى عليه ابن خلدون والقلقشندى في صبح الأعشا وابن الخطيب في الحلل الموشية وغيرهم أن مكناسة قبيلة مغايرة لزناتة، وإنما جعلت الإضافة للزيتون فارقا لأن الشيء يتميز عن غيره بخاصته التي اختص بها، إما باعتبار الوجود، وإما باعتبار الكثرة، والثانى هو المراد هنا. فإن مدينتنا هذه كانت امتازت بكثرة زيتونها كثرة تليق بإضافتها إليه، وإنما قيدت بقولى كانت وبقولى كثرة تليق إلخ، لأن تلك الكثرة امتازت بها قبل لم تبق لهذا العهد ولا فيما قبله بكثير بما توالى عليها من الفتن والأهوال والحروب واختلاف الدول وتقلبات الأحوال، سنة الله التي قد خلت في أرضه وعباده ولأن

[صورة تقريبية تمثل الهيأة التي كان عليها قصر الستينية على عهد السلطان الأعظم مولاي إسماعيل]

زيتون فاس كان يزيد على زيتونها بنحو ثلاثة أعشار وما وقع في كتاب الاستبصار بعجائب الآثار المؤلف سنة سبع وثمانين وخمسمائة من أن زيت مكناسة أكثر زيت في جميع المغرب (¬1) يتعين تأويله بما يوافق ما ذكرناه. قال ابن غارى في روضه: وغارس جل زيتونها وزيتون المقرمدة بفاس وزيتون رباط تازا هو عامل بلاد المغرب محمد بن عبدو الله بن واجاج أوائل أيام الموحدين، وقد كان يبلغ ثمن حب زيتونها عام حمله خمسة وثلاثين ألف دينار - أى مائة وخمسة وسبعين ألف فرنك تقريبا باعتبار صرف وقتنا هذا وهو رجب عام تسعة وثلاثين وثلاثمائة وألف = وذلك قبل أن يستولى على المغرب تخريب بنى مرين عند اختلال أمر الموحدين (¬2). قلت: وهذا القدر الذى كان يبلغه ثمن الحب إذ ذاك له بال بالنسبة لذلك الزمان وسكته وسنبينه فيما يأتى بحول الله على مبدأ الدولة الموحدية وعلى وجه نسبتها للتوحيد وابن غازى المذيل بهذا على روضه تأتى ترجمته في المحمدين من رجال مكناسة إن شاء الله. ومكناسة من البلادات العظيمة كما في شرح القاموس وكتاب الاستبصار ودونك لفظ الاستبصار: وهى من البلادات العتيقة المجيدة، إلى أن قال: وهى من عز (¬3) بلاد المغرب، لها أنظار واسعة (¬4) وقرى عامرة وعمائر متصلة (¬5). وقال غيره: وكانت المداشر محدقة بها من كل جهة، كل مدشر بمزارعه وغراساته ومرابعه إلى أن ظهر فساد السعيد بن عبد العزيز في أرض المغرب، ¬

_ (¬1) الاستبصار في عجائب الأمصار، ص 188. (¬2) الروض الهتون. ص 50. (¬3) في المطبوع: "أعز" والمثبت من الاستبصار الذي ينقل عنه المصنف. (¬4) في المطبوع: "متسعة" والمثبت رواية الاستبصار الذي ينقل عنه المصنف. (¬5) الاستبصار، ص 188.

وذلك في العشرة الثانية من القرن التاسع، فخلا المداشر وانجلى عنها أهلها، خلا من مداشرها اثنا عشر ألف مدشر والبقاء لله تعالى. قلت: وهى واسطة عقد عواصم المغرب فاس ومراكش. واقتصر ياقوت الحموى المولد الرومى الأصل البغدادى الدار المتوفى بحلب سنة ست وعشرين وستمائة في كتابه "معجم البلدان" على أنهار اسم جامع لمدينتين صغيرتين على ثنية بيضاء بينهما حصن [جواد] اختط إحداهما يوسف بن تاشفين والأخرى قديمة (¬1). قلت: وكأنه يعنى بالقديمة تاورا المشتملة زمن عمارتها على الحمامات والمسجد الجامع، وغير ذلك مما يأتى لأن الخراب وإن وقع في مكناسة القديمة سنة خمس وأربعين وخمسمائة فإن تاورا وغيرها عمرت بعد ذلك إلى سنة ست عشرة وستمائة كما يأتى بحول الله فترقب، وقد كان ياقوت في هذا التاريخ موجودًا وتأخرت وفاته عنه بنحو عشر سنين كما تقدم. لكن في "نشق الأزهار" لشمس الدين محمد بن أحمد بن إياس الحنفى ما نصه: أجل مدائن مكناسة مدينتان إحداهما تسمى تاقررت (¬2) وهى مدينة مرتفعة عن الأرض، وشرقها نهر عليه أرحاء بالماء، وبها بساتين، وأهلها ذوو مال وثروة، وإليها ينسب عسل النحل المكناسى. والمدينة الأخرى تسمى بنى زياد، وهى مدينة عظيمة لم يكن في المغرب أنزه منها وبها نهر يجرى في شوارعها وأسواقها ودورها، وبها حمامات وهى مدينة مشهورة. وكتاب "نشق الأزهار" هذا فرغ مؤلفه من تأليفه في رابع عشر شعبان عام اثنين وعشرين وتسعمائة هجرية فصاحبه متأخر عن ياقوت، وقد صرح بأن ثانى ¬

_ (¬1) معجم البلدان 5/ 181. (¬2) في المطبوع: "أكرارت" والمثبت رواية نزهة المشتاق 1/ 244 التي ينقل عنها المصنف.

المدينتين المعتبرتين في مكناس بنى زياد، فمن الجائز أن تكون هى المرادة لياقوت بالمدينة القديمة، ويقوى ذلك ما يأتى عن نزهة المشتاق من أن مكناسة مدينة بنى زياد وأنها مدينة عامرة لها أسواق وحمامات وديار حسنة والمياه تخترق أرقتها، وأنها لم يكن في أيام الملثم أعمر قطر منها إلخ. ولا يمكن أن يكون عنى بالقديمة وليلى لأن مدينة وليلى لا تعرف باسم مكناس، وإن كانت مجاورة له، ولأنها كانت بطلت عمارتها وخربت إلا النادر منها قبل ولادة ياقوت بما يزيد على مائتين من السنين، ولأن مكناسة القديمة بربرية كما تقدم وليلى رومانية كما يأتى ولغير ذلك مما سيفصل بعد. ولا تنافى بين الصغر الموصوفة به مدينة مكناس في نقل ياقوت وبين العظم الموصوفة به في نقل شارح القاموس لأن شارح القاموس تأخر زمنه عن رمن ياقوت بالكثير فكل منهما وصفها بما كانت عليه في زمنه. وزمن شارح القاموس متأخر عن زمن المولى إسماعيل مصير مكناسة على ما هى عليه من العظم حتى الآن فلذلك وصفها به، وأما المدينة الثانية في كلام ياقوت فهى الموجودة الآن. وقول المعجم على ثنية بيضاء قال الراغب: الثنية من الجبل ما يحتاج في قطعة وسلوكه إلى صعود وحدور فكأنه يثنى السير. هذا هو الواقع هنا فإن الآتى لمكناسة من ناحية زرهون يكون من عبوره وادى بُورُوح -بضم الباء وسكون الواو وضم الراء بعدها واو ساكنة ثم حاء مهملة - في صعود إلى أن يدخلها، وكذلك الآتى إليها من ناحية فاس من عبوره وادى وَيْسَلَنَ بفتح الواو وسكون الياء وفتح السين المهملة بعدها وفتح اللام -كذا رأيته- مضبوطا بخط صاحب الروض الهتون- يكون أيضا في صعود إلى أن يدخلها من سائر أبوابها والخارج منها ينحدر.

فصل: وفيه الكلام على تازجا وقصر فرعون وخيبر وجبل زرهون والزاوية الإدريسية والفروق التي بين هذه المسميات وغير ذلك من الفوائد والاستطرادات كتعريف المجوسية والنصرانية

وقول المعجم بينهما حصن كأنه يعنى به قصر عامل مكناسة قديما الآتى في كلام ابن غارى وسيأتى عنه أيضا إطلاق اسم الحصن عليه كما أطلقه ياقوت، والظاهر أن هذا الحصن كان في زمن ياقوت لازال قائم الجدران فلذلك اعتبره، وإن كان قد خلا قبل ذلك ومسته أيدى التخريب وقت فتح مكناسة الآتى، ثم اضمحل أثره بعد بالكلية، ولا يصح أن يعنى به القصبة الأمرينية لأنها إنما حدثت بعد وفاة ياقوت بما يقرب من خمسين سنة كما يأتى في محله ولعدم صدق الثنية عليها في كلامه. وقوله اختط إحداهما يوسف بن تاشفين. هـ. يوسف هذا هو أعظم أمراء المرابطين ولد سنة أربعمائة وتوفى في مهَل محرم فاتح سنة خمسمائة، فيكون عمره على هذا مائة سنة. وقد صرح ابن غازى بأن المدينة المسماة بمكناسة في زمنه إنما أحدثها المرابطون بعد ظهور الموحدين، وأول الموحدين ظهوراً المهدى بن تومرت، وهو إنما دخل عاصمة المرابطين مراكش في صفة ناسك قبل الإمارة عام أربعة عشر وخمسمائة كما قاله غير واحد منهم علي بن محمد بن أحمد بن عمر بن أبى زرع من أهل المائة الثامنة في كتابة الأنيس المطرب. والأمير وقت دخول المهدى بن تومرت لمراكش هو علي بن يوسف المذكور، وأيضا قد اقتصر ابن أبى زرع على أن بناء حصن تاجرارت كان سنة خمس وأربعين وخمسمائة كما يأتى، وحينئذ فكيف يكون مختط المدينة الحادثة هو يوسف وهو قد مات قبل اختطاطها بنحو ست وأربعين سنة، فالصواب أن المختط لها من المرابطين من بعده. فصل: قال في الروض وكانت البلاد قبل فتحها ديار كفر مجوس ونصارى، وحاضرتها إذ ذاك مدينة يقال لها وليلى سميت باسم ملكها وليلى، وآثارها عظيمة

[صورة] آثار مدينة وليلي الأزلية

باقية لهذا العهد بأرض خيبر من ناحية جبل زرهون تعرف اليوم بقصر فرعون، هـ. من خطه (¬1). وقال بعد هذا: وبأسفله -يعنى جبل زرهون- على اثنى عشر ميلا من مكناسة بموضع يقال له تازجا أثر بناء عتيق ضخم يسمى قصر فرعون، وكان ثَمَّ سوق غبار يجتمع فيه يوم الأربعاء، وتنسب هذه السوق لَوَلِيلَى، ويذكر أن وليلى كان ملك الروم وكان له هناك تلك المدينة، وهى كانت حاضرة تلك البلاد كذا ذكره بعض المؤرخين (¬2). ولما استولى الفتح على المغرب شمل مدينة وليلى وغيرها وبها نزل السيد الطاهر النقى التقى إدريس بن عبد الله رضى الله تعالى عنه على شيخ أوْرَبَة حسبما هو مذكور في تاريخه من خطه (¬3). قلت: تازجا ضبطه ابن غازى بفتح الزاى، ومدينة وليلى رومانية فتحها سيدنا عقبة بن نافع عام اثنين وستين، واعتنق أهلها الدين الإسلامى على يد والى سيدنا عمر بن عبد العزيز عام مائة، ثم استقلوا أيام العباسيين وقام بالأمر عبد المجيد الأوربى إلى عام اثنين وسبعين ومائة سنة، وفيه نزلها مولانا إدريس بن عبد الله الكامل ثم بنوه من بعده إلى أن تغلب موسى بن أبى العافية عام خمسة وثلاثمائة، وفى عام خمسين وأربعمائة دخل أميرها مهدى بن يوسف الجزنائى في طاعة يوسف بن تاشفين، وبقيت في طاعة لمتونة إلى عام واحد وأربعين وخمسمائة، فحاصرها عبد المؤمن بن على الموحدى ولما تمكن منها طمسها وخرب آثارها. وفى عام أربعة وخمسين وخمسمائة جدد بالقرب منها حصنا سماه تاقرارت، كذا وقفت عليه بخط بعض عدول أعلام مكناسة الأثبات، وسيأتى لنا مزيد كلام ونقد في ذلك، وكون البلاد كانت ديار كفر إلخ، لا يخالف ما سبق من كون مكناسة بربرية، لأن أنواع الكفر التي ذكرها كلها كانت موجودة في بربر هذه البلاد. ¬

_ (¬1) الروض الهتون - ص 51. (¬2) الروض الهتون - ص 69. (¬3) الروض الهتون - ص 69 - 70.

وقول ابن غازى: وكانت البلاد -يعنى بلاد مكناسة وما والاها وما هى منه من بلاد المغرب الأقصى هذا هو المتعين في محمل كلامه بقرينة قوله: قبل فتحها إلخ، لأنه أشار به للفتح الذى كان في صدر الإسلام، إذ هو الذى كان فيه أهل البلاد على ما وصفهم به وهو كان عموميا في المغرب الأقصى لا في خصوص مكناس، وبقرينة قوله وحاضرتها إلخ لأن مسمى مكناس لم يكن في القديم قطرًا ولا جهة متسعة فيها الحواضر والبوادى والقواعد وغيرها، وإنما مسماه بلاد مخصوصة في مساحة معينة ذات قرى بعضهم يطلق على جميعها اسم المدينة كما تقدم عن ابن الرقيق وغيره، وبعضهم يتسامح فيطلق على كل قرية مدينة كما يقع ذلك في القرطاس وغيره، وبعضها لا يسمح لها بواحد من الإطلاقين كما يأتى عن ابن غازى، وذلك باعتبار تقلبات الأحوال عمارة وخرابا ولما سبق من أن مكناسة سميت باسم مختطيها وسكانها ولا قائل بأن مدينة وليلى بناها مكناسة ولا سكنوها بل سيأتى أن مكناسة بمعنى القبيلة هى التي خربت أولا مدينة وليلى. فإن قلت قول ابن غازى من قطر مكناسة وضواحيها جبل يقال له زرهون وبأسفله على اثنى عشر ميلا من مكناسة بموضع يقال له تازجا، أثر بناء عتيق ضخم يسمى قصر فرعون ويذكر أن وليلى كان ملك الروم، وكان له هناك تلك المدينة إلخ، صريح في كون مكناسة قطرًا من قوله من قطر إلخ، وفى كون زرهون ومن جملته وليلى منه لقوله ومن ضواحيها إلخ، فإن ضواحى البلاد جهاتها. قلت: لا صراحة في ذلك ولا متمسك فيه أصلا، أما قوله قطر مكناسة فليست الإضافة فيه بيانية، وإنما هى على معنى في أى من القطر الذى فيه مكناسة بقرينة قوله: على اثنى عشر ميلا من مكناسة، وأما قوله: وضواحيها فإنه تصحيف والذى في نسخة عتيقة ونواحيها بالنون أى جمع ناحية وعليه فالأمر واضح، إذ النواحى بمعنى الجهات، وهى ظرف متسع لا تعيين فيه. وعلى فرض

أنه لا تصحيف فيه وأن الواقع في النسخ كلها وضواحيها بالضاد نقول: إنه لا حجة فيه لأن الضواحى لها إطلاقات منها النواحى وحينئذ فالنسختان متوافقتان، ثم بعد كتبي هذا وقفت على نسخة "الروض الهتون" التي بخط مؤلفها فإذا فيها ما، لفظه: من نظر مكناسة وضواحيها جبلا كبيرًا إلخ فانزاح الإشكال من أصله وظهر أن النساخ صحفوا نظر بقطر، وعليه فمعنى كون جبل زرهون من نظر مكناسة أنه تابع لها، ثم إن كلام ابن غازى في غير موضع مبين للتغاير بين مكناس وزرهون، من ذلك قوله: في قصر فرعون الذى هو من جملة جبل زرهون أنه على اثنى عشر ميلا من مكناسة إلخ، فهو ظاهر في مغايرة ما هو من زرهون لمكناسة بل وصريح في مغايرة قصر فرعون الذى هو مدينة وليلى عنده لمكناس. ويعضد ذلك أيضا قوله وهى، أى وليلى كانت حاضرة تلك البلاد انتهى فإنه مبين للمراد من عبارته الأولى أعنى قوله: وحاضرتها إذ ذاك مدينة إلخ، وأنه لم يرد بها بلاد مكناسة بالخصوص بل هى وما جاورها ويعضده قوله قيل ولم تكن مكناسة في القديم ممدنة وكانت حوائر إلخ، فإنه صريح في أن مسمى مكناسة مغاير لحاضرة البلاد مدينة وليلى ويعضده أيضا قوله قبل ذلك: إن مكناسة هى كما وصف ابن الخطيب إذ يقول: وكفاك شاهد حسنها وجمالها ... أن أوثرت بالقرب من زرهون فهو اعتراف منه ومن ابن الخطيب بأن زرهون ليس منها وإنما هو قريب منها وهو كذلك، ويعضده أيضا قوله: قيل ولم يكن لهذه الحوائر قديما مدينة مسورة إلخ، فهو كالصريح في أن ما كان قديما ممدنا مصورا وهو حاضرة البلاد وليلى ليس من مكناسة إلى غير هذا من نصوصه ونصوص غيره الدالة على المراد، وأن زرهون ووليلى أعنى قصر فرعون لا دخل لهما في مسمى مكناسة، وحينئذ فلا يشكل قوله أولا وثانيا أن مدينة وليلى هى حاضرة البلاد على ما تقرر -والعيان

يغنى فيه عن البيان- من أن مدينة وليلى هى من جبل زرهون الموالى لمكناسة لا من نفس بلاد مكناسة، ولا يكون في ذلك أدنى متمسك على أن مكناس القديمة هى مدينة وليلى كما قد توهم لما بيناه، ولأن ذلك ليس بمعروف، وقد تضافرت (¬1) نصوصهم على أن مولانا إدريس الأكبر لما قدم المغرب الأقصى نزل بمدينة وليلى ولم يقل أحد منهم نزل بمدينة مكناس، ولا صرح أحد من متقدمى المؤرخين بنسبة مدينة وليلى إلى مكناسة، وعليه فما وقع لبعض المعاصرين من الأوربيين في مؤلف له وصف فيه مكناس من قوله جعلت مكناس قاعدة وقتية لمولاى إدريس في القرن التاسع قبل بناء فاس، هـ. لعل مستنده فيه فهم كلام ابن غازى على غير وجهه، وقد بان لك وجه الحق فيه، وهذا والله أعلم هو الذى أوقع صاحبنا النحرير النقاد أبا عبد الله محمد بوجندار في الجزم بأن مدينة مكناس القديمة هى المدينة الأثرية التاريخية وهى مدينة وليلى في كلماته الذهبية. وقول ابن غازى سميت باسم ملكها جزم بهذا هنا وتفصي عن بعد ذلك في قوله ويذكر أن وليلى إلخ. وقد رأينا مؤرخى الأوربيين اليوم ينكرون وجود ملك مسمى، بذلك ويقولون: إنه اسم بربري يراد به في لسان البربر النبات المسمى بالدفلا، هذا أصله عندهم، ثم أطلقوه على المدينة ولعله لكونه كان كثيرًا بواديها وانظره مع ما جزم به البكرى في المسالك، مِنْ أنّ وليلى هى طنجة بالبربرية، نعم إن كان وليلى في لسان البربر يطلق على الأمرين النبات المذكور وطنجة فلا إشكال. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "وقد تظافرت" وتضافرو عليه -بالضاد المعجمة- تعاونوا وضافر كل منهم الآخر.

وقول ابن غازى بأرض خيبر كذا سمى هو محل قصر فرعون فيما نقلناه عنه أولا، وقد سماه فيما نقلناه عنه ثانيا بتازجا، والاسمان معا غير معروفين في موضع قصر فرعون المعروف بهذا الاسم الآن ولا قبله فيما نعلم، والمعروف إطلاق خيبر عليه هو الجهة العليا الشرقية المقابلة الداخل من باب الحجر أحد أبواب زاوية زرهون التي بها ضريح البضعة النبوية الطرية الطيبة الإمام إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن مولانا علي بن أبى طالب، ومولاتنا فاطمة الزهراء بنت إمام المرسلين وحجة الله على العالمين نبينا محمد صلى الله عليه وآله وأصحابه الكرام الطاهرين. كما أن المعروف بتازجا، هو الجهة العليا غربا التي تلى يمين الداخل من الباب المذكور للزاوية المذكورة، وما نزل عن الباب المذكور خارجا عنها يقال له تحت تازجا بهذا الاسم الإضافى يعرف حتى الآن، نعم يوجد في عرصة بعد وادى وليلى هناك أثر قوس كان قائما هناك على هيئة عمل قصر فرعون فيظهر من ذلك أن عمارة قصر فرعون كانت واصلة لهذا المحل وأن ابن غازى لذلك أشار بالاسم الثانى، وأن اسم المحل حدث فيه بعد ابن غازى تصرف بما ذكرناه وأما الاسم الأول فالله أعلم كيف وقع له فيه. وقول ابن غازى في المنقول عنه أولا من ناحية جبل زرهون اهـ. مع قوله في المنقول عنه ثانيا وبأسفله يعنى جبل زرهون أسفل منه، وليست هى منه حقيقة، وأظن أن أبا القاسم الزيانى في رحلته به اقتدى في قوله أن مدينة وليلى قرب زرهون وليس الأمر كذلك فالصواب قول ابن أبى زرع في أنيسه، والجزنائى في جَنَازَهرْ الآس، والحلبى في دره، أن مدينة وليلى قاعدة جبل زرهون ومثله ما نقله في القرطاس عن البرنسى من أن وليلى التي دفن بها المولى إدريس هى من زرهون زاد غيره أنها بالطرف الغربى منه، اهـ.

قلت: والابتداء الطبيعى لجبل زرهون المتميز عن أرض بلاد مكناسة في طريق الذاهب منها للزاوية المذكورة هو أصل المحل المعروف هناك بعقبة العربى -بفتح العين والراء وياء ساكنة بعد الباء- فكل ما بعد ذلك فهو منه ومن جملته قصر فرعون المعروف بهذا الاسم الآن، وهو في شمال شرقى. مكناسة على ثمانية وعشرين كيلو مترا، وأما ابتداء جبل زرهون في طريق فاس فهو فيما قاله ليون الإفريقى في رحلته من أوطاسايس، زاد غيره على أربعة عشر كيلو مترا من فاس. قال ليون يمتد جبل زرهون للمغرب على مسافة ثلاثين ميلا وعرضه عشرة أميال (¬1). وقال غيره: يمتد للمغرب على أربعين كيلو مترا. قال ليون: وهو بين مدينتين كبيرتين إحداهما شرقية وهى فاس والأخرى غربية وهى مكناس (¬2). قلت: وليون هذا كان حيا سنة ثلاثين وتسعمائة من الهجرة النبوية واسمه حسن بن محمد الوزان وهو في الأصل غرناطى، وقرأ بفاس بعد أن سكنها، كان ركب البحر فأسره الطاليان وذهبوا به لسلطانهم، وهو الذى أسس تعليم العربية برومة، وكان يحسن اللسانين الطاليانى والفنيولى، ويعرف عند الأوربيين بجان ليون ورحلته هذه باللسان العجمى في ثلاثة أجزاء ضخام طبعها المؤرخ شفير الفرنسى في باريز عام ألف وثمانمائة وخمسة وتسعين مسيحية، وعلق بهوامشها فوائد وتنبيهات من كلام مرمول في تاريخ إفريقية له وبكلام غيره. ثم ما قدمناه عن ابن غازى في مدينة وليلى وقصر فرعون صريح في اتحادهما، ومثل ذلك له في تكميل التقييد، وقد سبقه إلى الجزم بذلك البكرى في ¬

_ (¬1) وصف إفريقيا، ص 294. (¬2) وصف إفريقيا، ص 295.

كتاب الاعتبار والرشاطى -بضم الراء- في اقتباس الأنوار، ومثل ذلك للحلبى في الدر النفيس وابن زكرى في شرح همزيته وغيرهم. وقد عين ابن غازى مسمى ذلك باعتبار الموقع بأنه أسفل جبل زرهون، وباعتبار المسافة بأنه على اثنى عشر ميلا وهى أربعة فراسخ من مكناس، كما عين ذلك أيضا بنزول مولاى إدريس به على شيخ أوربة حين ورد من الحجاز، ولا نعلم له مخالفا في كون نزول مولانا إدريس كان بمدينة وليلى، وإنما الخلاف في اتحاد مسماها ومسمى قصر فرعون، ففى رحلة ليون (¬1) الإفريقى أن وليلى مدينة بناها الرومان قديما على رأس الجبل حين تملكهم بغرناطة وأداروا بها سورًا مبنيا بحجارة كبيرة منحوتة (¬2)، وجعلوا لها أبوابا عالية واسعة، وطول سورها نحو ستة أميال، ثم خربت وأصلحها مولاى إدريس حين ملك بها وبعد موته دفن بها، ولم يبق بها إلا اثنان أو ثلاثة من الديار يسكنها المكلفون بخدمة ضريح مولاى إدريس (¬3). قال: وبها عينان تسقى بهما غراستها، اهـ. (¬4) فعلق على كلام ليون هذا طابع رحلته المتقدم الذكر ناقلا عن تاريخ إفريقية لمرمول أن وليلى تسمى توليت يعنى بالبربرية، وأن بانيها الرومان على رأس الجبل، وأنها محاطة بسور من الحجر المنجور (¬5) طوله ثمانية كيلو مترا وأن المكناسيين كانوا خربوها وأن مولاى إدريس أصلحها وجعلها عاصمة، ثم خربها يوسف بن تاشفين من المرابطين وحينئذ تفرق ¬

_ (¬1) وصف إفريقيا، ص 295 - 296. (¬2) في المطبوع: "سورًا وحجرًا كبيرًا منجورًا" والمثبت رواية ليون الذي ينقل عنه المصنف. (¬3) وصف إفريقيا، ص 296. (¬4) وصف إفريقيا، ص 296. (¬5) منجور -سبق هذا التعبير من قبل. والنجر في الأصل: نحت الخشب، والمراد هنا الحجارة المنحوتة.

أهلها في الجبل وبطلت عمارتها ولم يبق بها إلا نحو خمس عشرة دارا يسكنها الفقهاء القائمون بخدمة الضريح الإدريسى المقصود المزوار من نواحى المغرب وفيها عينان من الماء جاريتان. زاد شفير أن مدينة وليلى تسمى في وقته زاوية مولاى إدريس، اهـ. وهذا التصريح منه يطابق بعض ما وصفها به ليون ومرمول ككونها في رأس جبل فإنها أعنى الزاوية الإدريسية كذلك بالنسبة لما نزل عنها وباعتبار حومتى تازجا وخيبر منها لا مطلقا، وكالعينين الجاريتين إن قلنا إن المراد بهما منبعان وسقايتان وإن لم يكن أصلهما داخل البلد فيكون المراد بهما عين خيبر وعين فَكْرة -بفتح الفاء وسكون الكاف بعدها راء مفتوحة ثم هاء ساكنة- فإن ماءهما هو الجارى داخلها، وأن جريان الثانى قاصر على ناحية مخصوصة بخلاف الأول فإن معظم انتفاع السكان به وكونها لم تكن متمدنة وقتئذ ولا آهلة بالسكان وإنما كان يسكنها خَدَمة الضريح، وهذا والله أعلم هو وجه اشتهارها باسم الزاوية، إذ لم تكن تستحق في القديم عنوانا سواه، ولعل كثرة سكانها ووقوع تمدنها، إنما تنافس الناس فيهما بعد أن شيد سيدنا الجد المولى إسماعيل الضريح الإدريسى فيها وتنافس الملوك حفدته للتذييل عليه في ذلك حسبما سيمر بك مفصلا، حتى صار من أعظم القصور والمشاهد، وانضم لذلك احترام الملوك للسكان رعيا لحرمة الجار، إلى أن صارت إحدى مدن المغرب كما هى عليه الآن، ومن ثم والله أعلم لم يذكرها مؤرخو الأزمنة السالفة في مدن المغرب كابن الخطيب في مقامات البلدان وكتاب معيار الاختيار، في ذكر المعاهد والديار، وفى ريحانة الكتاب، ونجعة المنتاب، التي نقل ابن غازى منها آخر روضه والمقَّرى في نفح الطيب وكذا الزيانى في رحلته فإنه تعرض لمدن المغرب ولم يذكر الزاوية فيها بهذا العنوان وإنما ذكر مدينة وليلى هذا مع تأخر زمنه.

ويكون عمارتها نشأت تدريجا لأجل الاحترام المذكور صرح في الأزهار العاطرة وكذا صرح مويت الفرنسى الذى كان أسيرًا عند مولاى رشيد ومولاى إسماعيل في كتابه فتوحات مولاى رشيد ومولاى إسماعيل بأن زَرْهُون لم تكن فيه مدينة في ذلك الوقت ولم تكن به إلا المداشر، وكذا صرح بذلك ليون في رحلته، وكل ذلك يعضد أن ابن غازى لم يقصد بما قدمناه عنه الزاوية الإدريسية، وإنما قصد بمدينة ولِيلَى خصوص المعروف اليوم بقصر فرعون، وهو الذى شيدت فيه الدولة الحامية قصور السكان المكتشفين لآثاره القديمة كل يوم، وحينئذ يتحقق أن مسمى وليلى في كلام ابن غازى خاص بالمعروف اليوم بقصر فرعون، ولا يشمل الزاوية البتة، وإنما أهمل ذكرها مع ذكره لجبل زَرْهُون ولسوقه لكونها غير موجودة على الهيئة التي تستحق الذكر في تاريخه، ولأن كذلك مسمى ولِيلَى في كلام ليون ومرمول فإنه على ما ذيله به شفير، خاص بمسمى الزاوية الآن، ولا تعلق له بالمسمى بقصر فرعون البتة. فإن قلت حيث كان الأمر هكذا فمن لازمه أن مخالفى ما جرت عليه طائفة ابن غازى يفرقون بين وَلِيلَى وقصر فرعون وحينئذ فما مسمى قصر فرعون عندهم هل هو المعروف بهذا العنوان الآن أو غيره؟ قلت قال ليون: قصر فرعون مدينة صغيرة قديمة بناها الرومان على رأس جبل قريب من ولِيلَى بنحو ثمانية أميال، قال وأهل جبل زَرْهُون يقولون باني قصر فرعون موسى ولم تظهر لى حجة ذلك ولم يوجد في التاريخ تقدم ملك لفرعون ولا للمصريين على المحل قال: وتوجد حروف لتينية منقوشة في بعض أحجاره تدل على أن الرومان هم الذين بنوه قال: ويوجد بالمدينة نهران متخالفان كل واحد يأتى من ناحية وأودية المدينة ورباها كلها مغطاة بأشجار الزيتون، وبقرب المدينة غابة يكثر فيها الأسد والنمر (¬1) هـ. فعلق عليه شفير نقلا عن مرمول: يوجد من ناحية من رأس الجبل مدينة صغيرة على بعد اثنى عشر كيلو مترا من وليلى وأهلها ينسبونها لفرعون مصر، ولا يوجد في التاريخ أن فرعون والمصريين ملكوا إفريقية، ومشاهير المؤرخين إنما يسمونها قصر زَرْهُون وتقرأ إلى الآن كتابة قوطية في بعض سورها تدل على أنها ¬

_ (¬1) وصف إفريقيا، ص 296 - 297.

بناها القوط وبقربها نهران صغيران خروجهما من رأس الجبل، والسهول والرُّبَى كلها مغطاة أى بالأشجار، وقد خربت هذه المدينة وقت تخريب تيوليت أى مدينة وليلى، ولم تعمر لكون الأهالى يحيون السكنى بالبادية دون المدن، وبقربها سوق على ربوة يعمر يوم الأربعاء يقصدها المكناسيون والفاسيون ومن بات بها احترس من كثرة الأسد هـ. ثم نقل شفير عن جغرافية موريطانية الطنجوية لتيسو أن أثر قصر فرعون هو أثر بولبيس يعنى نواحى وليلى يدل على ذلك كتابتان في حجر قال: وهذا الأثر يوجد في ربوة مستديرة مستطيلة من جبل زرهون وهذه الربوة تمنعها شعبتان عميقتان نحو المشرق والمغرب، وبقربها وادى فرعون يمر نحو الجنوب ويستخرج من هذا الأثر أحجار للبناء منها ما بنيت به باب منصور العلج بمكناس الذى فيه سوارى من الرخام بصنعة عجيبة هـ. فقول ليون قريب من وليلى إلخ مع قول مرمول على بعد اثنى عشر كيلو مترا من وليلى الخ كلاهما صريح في مغايرة قصر فرعون الذى قصدا بيانه لوليلى التي تقدم أنها هى الزاوية عندهما، وكذا قول شفير عن مرمول خربت هذه المدينة وقت تخريب تيوليت الخ صريح في ذلك أيضا ثم وصف ليون ومرمول لها بأنها على رأس جبل يجوز تنزيله على المعروف الآن بقصر فرعون باعتبار ما سفل عنه من الجبل، فإن من نظر لبسيط قصر فرعون صار في عينيه كأنه على رأس الجبل الذى انحط عنه، وكذا النهران المختلفان فإنهما قد لا ينافيان ذلك التنزيل ويحملان على وادى وليلى والوادى المعروف بوادى الميت، فإنهما بالنظر لقصر فرعون كل واحد يأتى من جهة له ومن رأس جبل في الظاهر، وإن كانا في الواقع متحدين فإن الثانى من أصول الأول وإليه صيرورته ودورانه، وكذا يتنزل على ذلك استخراج أحجار البناء منه فإنه لا زال مشاهدا، وكذا لا ينافى ذلك وصف الرُّبَى

والسهول بأنها كلها مغطاة بالزيتون فإن بعض ذلك بقربه لا زال كما وصف، والباقى لعله كان ثم سقط. وإنما المنافى لذلك ما نقله شفير عن تيسوا من وصفه بأنه على ربوة مستديرة مستطيلة تمنعها شعبتان عميقتان، فمان هذه الصفات تقرب من المسمى بقصبة النصرانى الكائنة بناحية من الجبل المذكور المكتنفة بين مداشر الهروشى وآيت سيدى حساين وسيدى أقضات -بسكون القاف وفتح الضاد مشبعة وسكون التاء- بل هذه برأس الجبل أشبه حتى إن الحال بها يشرف على بسيط سانس ومدينة فاس من شدة علو موقعها، وكذا وصف قربه من الغابة فإنه بها أشبه، وكذا قربه من السوق المذكورة وهى المسماة بالسوق القديم الواقعة في سفح بل وأعلى باب الرميلة فإنه بالقرب من قصبة النصرانى أمَسّ وكذا تغطية الرُّبَى والسهول بالأشجار فإنه بها أمس وكذا الوصف بالصغر فإنه لائق بها إذ دور سورها المحيط بها يبلغ ستمائة متر واثنين وعشرين مترا تختص كل جهة من طولها بمائتى متر وعشرين مترا وكل جهة من عرضها بشطر باقى العدد المذكور واتساع جدرانها متر واحد وخمسون سنتيمترا. ولا زال غالب جدرانها قائما إلى الآن بخلاف المعروف اليوم بقصر فرعون فإن دور سوره يقدر بخمس وعشرين مائة متر فهو يزيد على سور قصبة النصرانى بثلاثة أضعافه وشئ. فائدة: مما أظهره الاكتشاف الحالى داخل محيط سور قصر فرعون هذا أثر سقاية منحوتة في الحجر وقد أثرت فيه كثرة الأوانى التي كان يسقى بها منها أثرا بين الوضوح، وهذا مما يدل على طول العمارة هناك وكثرة السكان، ويوجد هنالك أيضا قوس عظيم من الحجر المنحوت يسمى قوس النصر لا زال قائما إلى الآن والأمير الذى أقيم له هذا القوس هو كراكلة، وبانيه ماركيس أصله فينيقى، وكان على قوس النصر هذا عربة تجرها ستة من الخيل مصورة من النحاس بهيئة كبر

الخيل الطبيعى، ويستفاد من الكتابة المرموقة في الحجر هنالك أن ذلك القوس نصب لتذكير واقعة تاريخية. وطول شارع قصر فرعون هذا أربعمائة وخمسة وأربعون مترا، ويقدر سكانه وقت عمارته باثنى عشر ألف نسمة، وبعد قصر فرعون من الزاوية الآن خمسة كيلو مترا تقريبا نبه على ذلك رئيس الآثار القديمة بالرباط شاتلان القائم على ذلك الاكتشاف في مقالته الاكتشافية التي أملاها لجماعة الجغرافيا بالدار البيضاء. ولنرجع لما كنا فيه فنقول: وكذا القرب من وادى وليلى فإن ذلك يصح أيضا لأن القرب نسبى، وبخارج جدارها الغربى عينان صغيرتان يظهر أن أصلهما عين كانت داخلها وردمت بالهدم فتفرق بذلك ماؤها خارجا على منبعين، نعم قصبة النصرانى ليس سورها من الحجر المنجور بل هو كغالب البناءات المغربية المعهودة، ولا هى بالصفة التي يستخرج منها حجر البناء، بل وصولها لا يتأتى الآن للراكب، وإنما يتأتّى للراجل لوجود الشعبتين المانعتين. فالحاصل أن الصفات التي وصف بها ليون ومن وافقه مسمى قصر فرعون منها ما لا يقبله إلا مسمى قصر فرعون المعهود الآن، ومنها ما لا يقبله إلا قصبة النصرانى المذكورة، ومنها ما هو محتمل، ثم إن كان مرادهم به قصبة النصرانى وحكمنا حينئذ بأن الصفات المنافية لها إنما هى توسع باعتبار ما في تلك الجهة أو غلط يتوجه البحث معهم حينئذ بأنهم جعلوا المقصود من مسمى قصر فرعون غير المعروف به عند الخاص والعام بهذا العنوان في زمنهم وقبله وبعده إلى الآن، وذلك غير لائق. وإن كان مرادهم بقصر فرعون مسماه المعهود وحكمنا بأن ما لا يقبله من الصفات الواقعة في كلامهم جارية على ما قدمناه اتجه بحث آخر، وهو أن تفرقتهم بين وليلى وقصر فرعون وجعل مسمى الأول هو الزاوية لا دليل عليه.

لا باعتبار الآثار القديمة لفقدها بالكلية في الزاوية، وهو موافقون لغيرهم في أن وليلى مدينة أثرية قديمة فلم تجز مخالفتهم لغيرهم بعد إجماعهم معهم على هذا بغير دليل. ولا باعتبار نصوص من تقدمهم من المؤرخين، ولا يقال إنهم تمسكوا في ذلك بكون الضريح الإدريسى بالزاوية وذلك دليل كونها هى وليلى من جهة أن تملكه وموته كانا بوليلى بلا خلاف، وما وقع للسهيلى من أنه مات بإفريقية يرجع لذلك عند التحقيق لأنا نقول إن من تقدمهم ومن تأخر عنهم من المتأخرين كالبرنسى، وابن أبى زرع والجزنائى، والحلبى، وابن القاضى وغيرهم قد نصوا على أنه وإن كانت وليلى عاصمة ملكه وبها توفى لم يدفن داخلها، وإنما دفن خارجها بصحراء رابطتها. وبعضهم يقول رباطها وبعضهم يبدل الصحراء بالصحن فيقول بصحن رابطة باب وليلى. وقد حكى في الأزهار العاطرة تبعا لغيره اتفاق المؤرخين على مضمون ما تقدم وبإضافة هذه الرابطة لوليلى يجاب عن قول ابن خلدون دفن إدريس بوليلى هـ. فيكون معناه بمحل مضاف إليها والرابطة كما في تاج العروس عبارة عن العلقة والوصلة واسم لجماعة الخيل المرابطة على بلد. والرباط كما في القاموس يطلق على معان منها واحد الرباطات المبنية، ومنها ملازمة ثغر العدو، ومنها المحافظة على أوقات الصلاة ومنها حديث فذلكم الرباط هـ. الحاصل من هذا أنه دفن خارجها بصحراء أى بصحن المحل المتعلق بها إما لعبادة يقيمها أهلها به، وإما لملازمة الحراس من غارة العدو عليها.

فالرباط والرابطة إما حصن أهل العسة على وليلى، وهو الأظهر، وإما متعبد أهلها كصوامع الرهبان التي تكون دائما خارج مدنهم، وأيًّا ما كان فهى من أثارات وليلى، ومن جملة بناء أهلها الذى له تعلق خاص بها، فصحت إضافتها إليها. وعليه فإن كان مراد من جعل الزاوية هى مدينة وليلى هذا المعنى الذى شرحناه فلا بحث معه إلا من جهة تخصيصه لوليلى بالمحل التبعى منها وإهماله للمحل الأولى الأصلى منها، واللائق العكس، ويمكن أن يجاب عن ذلك بجواب لطيف ظريف وهو أن الإهمال الذكرى تابع للإهمال الحسى، فحيث انعكس الحال وصار التبعى عامرًا والأصلى خرابًا استحق التبعى بعمارته واسترسالها حكم الأولية والأصالة، واستحق الأصلى بخرابه وانقطاع عمارته حكم التبعية والفرعية، والمنظور إليه غالبا هو المتبوع لا التابع، إلا أن قول ليون ولم يبق بها إلا اثنان أو ثلاثة من الديار الخ. وقول مرمول: ولم يبق بها إلا نحو خمس عشرة دارا إلخ لا يقبله لأن المقالين المذكورين مقتضيان لكون العمارة كانت بها كثيرة وتلك بقيتها للتخريب الذى شرحه مرمول، مع أن ذلك إنما كان في وَلِيلَى الأصلية، ولم يكن في رابطة صحرائها التي هى وليلى التبعية، وإلا لم تكن صحراء وقت الدفن الإدريسى بها مع أنها كانت صحراء، ولذلك عنون عنها بها ولم تحدث فيها العمارة تدريجا إلا بعد الدفن كما تقدم، نعم إن كان المحل المسمى رابطة أو رباطا عبارة عن حصن كما اخترناه سابقا وأن هذا الحصن كان مشتملا على دور عديدة وقد شملها التخريب السابق، وبقية دوره هى التي استثناها من تقدم ذكره صح الجواب المذكور ولم يكن في قول من ذكر ولم يبق إلخ ما ينافيه. هذا والأقرب عندنا نظرا لما تقصيناه من شواهد الحال وقرائن الآثار، أن قصبة النصرانى، إنما كانت من توابع مدينة وليلى التي هى قصر فرعون المعروف، فمن أطلق عليها قصر فرعون أو وَلِيلَى بهذا الاعتبار صح إطلاقه وإلا فلا.

فتحرر من هذه المباحث المتعلقة بمدينة وليلى التي اعترف ابن غازى بأنها كانت قاعدة البلاد وحاضرتها، أنها من نفس جبل زرهون بل هى قاعدته، وأنها ليست هى مكناسة القديمة، كيف وهى رومانية! ومكناسة القديمة بربرية، وأنها هى التي تعرف الآن بقصر فرعون، وأن الزاوية الإدريسية ليست هى مدينة وليلى الأصلية، وإنما كان موقعها تابعا لها ومن إضافاتها ومتعلقاتها، فهى من وليلى تبعا لا أصالة، وأنها لم تكن عامرة كما هى عليه الآن، وإنما تتابعت عمارتها بعد أن شيد المولى إسماعيل الضريح الإدريسى بها، ولذلك لم يتعرض لها ابن الخطيب في كتبه ولا ابن غازى، ولا من وافقهما طبق ما أشرنا إليه سابقا، وأن اسم الزاوية هو الذى كانت تستحقه قبل العمارة فاستمر عليها بعدها، وأن قصبة النصرانى ليست هى قصر فرعون الأصلى، وإنما هى من إضافاته فيصح إطلاقه عليها تبعا لا استقلالا، ولو لم يكن من دلائل ذلك إلا تعين كل باسمه الخاص قديما وحديثا لكفى وأن ما خالف ذلك كله إما توسع أو غلط والله أعلم. ملاحظات: الأولى: من الغريب ما نقله في الأزهار العاطرة عن بعض الطلبة من أن مدينة وليلى هى عين القصر لا قصر فرعون قائلا: لأنه قد خلا قبل البعثة على ما قيل هـ. وعين القصر هذه هى الكائنة بالضفة اليسرى لوادى وليلى المار أسفل باب. الحجر أحد أبواب الزاوية سميت عين القصر لقربها من قصر على مثال بناء قصر فرعون كان قديما هناك ثم سقط وبقى منه قوس، وإليه تنسب عرصة هناك، فيقال عرصة القوس أيضا كما سبقت الإشارة لذلك ولم يوجد هناك أثر لغير هذا القصر وحينئذ فلا يصح أن يكون ذلك المحل هو مدينة وليلى إلا على سبيل الإضافة والتبعية نظير ما قدمناه، على أن ذلك الطالب بنى دعواه على التفرقة بين وليلى وقصر فرعون وقد سبق تحرير اتحادهما ورد ما خالفه، وأما تعلق ذلك الطالب

بالقيل الذى حكاه وهو أن وليلى خربت قبل البعثة فهو تعلق بما هو أو هن من بيت العنكبوت لما سبق أن وليلى خزبتها قبيلة مكناسة أولا ولما جاء مولاى إدريس نزل على شيخ أَوْرَبَة بها ثم لما بايعوه أصلحها وصيرها عاصمة ملكه، ثم لما بنيت مدينة فاس وصارت هى العاصمة تناقصت عمارة وليلى إلى أن خربها يوسف ابن تاشفين وحينئذ بطلت عمارتها وتفرق أهلها في الجبل، وقد سبق أن موت ابن تاشفين كانت فاتح القرن الخامس. ولا يقال إن هذا التقدم لا حجة فيه لما تقدم مما يشير لاضطراب كلام قائله، لكونه جمع بين ما لا يصح تنزيله إلا على الزاوية وبين ما لا يصح تنزيله إلا على وليلى ولكونه جعلهما شيئا واحدا وهما شيآن متغايران في الواقع، لأنا نقول قد نبهنا فيما سبق على الجمع بين ذلك بأن موقع الزاوية هو من وليلى بحسب التبع والتعلق والإضافة، فلا اضطراب إِذَنْ، وإنما على العارف أن ينزل كل شئ في محله، ولكون نزول مولاى إدريس على أوربة بوليلى التي هى قصر فرعون هو كالمتفق عليه عند أهل المعرفة، وأما ما يذكر من أن عين القصر لم تكن قبل مولانا إدريس وإنما نبعت بركزه لحربته في محلها، فهو إن صح لا يعين أن محلها هو نفس مدينة وليلى الأصلية كما لا يخفى. الثانية: زعم بعض المؤرخين المعاصرين ألا وهو صديقنا الناقد أبو عبد الله محمد بوجندار في كتابه المذكور آنفا أن الذى خرب مدينة وليلى هو عبد المؤمن الموحدى، وذلك لا يصح ففى الأصل أعنى "الروض الهتون" أن أمر الموحدين زمن عبد المؤمن لم يزل يتقوى وسكان الجبال ينزلون إليهم من صياصيها مذعنين، حتى إن من نظر مكناسة وضواحيها جبلا كبيرا مانعا حصينا يقال له زرهون، وفيه من الخلق أمة كثيرة لا تحصى عدة، أرسلوا بيعتهم مع جماعة منهم إلى عبد المؤمن ابن على وهو بين الصخرتين من أحوار تلمسان، وجَرَّأوا الموحدين على دخول

المغرب وأعانوهم على محاصرة مدينة مكناسة، فكانوا أبدا مبغضين لأهل تلك البلاد وكانوا بسبب سبقهم أحرارا من المغارم كتب لهم بذلك صكوكا كانت بأيديهم ولم يتعرض لأموالهم كما فعل بالأملاك التي أُخذت عنوة. هـ من خطه. وهو صريح في أن أصل زرهون بايعوا عبد المؤمن قبل دخوله لمغربنا، وفى أنهم كانوا محترمين عنده، وفى أنه ما تعرض لأموالهم ولا لأملاكهم بعد دخوله، وكيف يجتمع مع هذا تخريبه لقاعدة بلادهم مدينة وليلى! وأى موجب بعد ما تقدم يدعوه لذلك! الثالثة: حيث كان أهل وليلى تفرقوا في جبل زرهون بسبب تخريب يوسف ابن تاشفين لقاعدة بلادهم مدينة وليلى على ما سبق في نقل شفير عن مرمول، ومن الواضح أنه ما فعل ذلك بها إلا لتمنّعهم بها واستعصائهم عليه فيها، فهم حينئذ قد ذاقوا وبال مخالفة الملوك ونالتهم خسارتها العظيمة بالفعل، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، والعاقل من اعتبر بالحوادث التي مرت عليه، وأوصلها العلم اليقينى إليه. والسعيد من وعظ بغيره وحينئذ فبدارهم بالطاعة لمن ظهرت غلبته، وقويت شوكته، وبايعه أكثر الإيالة المغربية ولا سيما مع تظاهره بالعدالة وانتدابه لهد منكرات من قبله وتحصنهم بها من إعادة التشديد عليهم والهلاك والمجاعة هو من حسن تدبيرهم وسداد نظرهم، ولا ملام عليهم في ذلك، ولا سيما حيث كان ذلك وقت تقلص الدولة المرابطية واضمحلال قوتها وصيرورة الرعية في حكم الإهمال من جهتها، وفى أيدى الهلاك من جهة الدولة القائمة عليها ففى "شرح القصيد" للشيخ السنوسى من شروط الإمام. قدرته على تنفيذ الأحكام هـ. وقد نقل ابن يونس وغيره أن مالكا سئل إذا بايع الناس رجلا ثم قام آخر فدعا الناس لبيعته فبايعه بعضهم، فقال: إن كانت بيعة الأول على الخوف فالبيعة للثانى إذا كان عدلا هـ.

وفى "شرح المقاصد" من صار إماما بالقهر والغلبة ينعزل بأن يقهره آخر ويغلبه هـ. وفى البكى السبب المتفق عليه أى في خلع الإمام كل ما يختل معه مقصود الإمامة هـ. قال رأس العارفين في حواشيه فدخل فيه العجز عن القيام بالمصالح وينبغى اعتباره من حيث كونه نسبة وإضافة بحيث يوجد أقدر منه فيولى هـ. وفى "المواقف" وشرحها وللأمة خلع الإمام وعزله بسبب يوجبه مثل أن يوجد منه ما يوجب اختلال أحوال المسلمين وانتكاس أمور الدين كما كان لهم نصبه لانتظامها وإعلائها هـ. وأما إعانتهم للموحدين في محاصرة مكناس فذلك من لازم الطاعة، ومن الواجب في حق من أبى أن يدخل فيما دخلت فيه الجماعة، وقد نقل ابن عرفة وغير واحد من متأخرى فقهاء المالكية فقها مسلما عن الصقلى وهو ابن يونس أن شيخه القاضى أبا الحسن صوب قول سحنون إن كان الإمام غير عدل وخرج عليه عدل وجب الخروج معه ليظهر دين الله هـ. كما نقلوا أيضا عن عز الدين كذلك أنه إن كان فسق الإمام القائم أخف من فسق الإمام المقوم عليه ككون المقوم عليه فسقه بانتهاك حرمة الأبضاع، والقائم بأخذ المال بغير حق، فإنه يجوز القتال مع القائم لإقامة ولايته وإدامة نصرته دفعا لما بين مفسدتى الفسوقين ودرءا لما هو أشد من معصية القائم هـ. قال ابن عرفة: ونحوه خروج فقهاء القيروان مع أبى يزيد الخارج على الثالث من بنى عبيد وهو إسماعيل لكفره وفسق أبى يزيد والكفر أشد هـ. ونقل شيخ شيوخنا في اختصار الرهونى عن "شرح المقاصد" ما نصه ابن عبد السلام تجوز إعانة الأخف ظلما على الأثقل كالمنتهك للأموال أو الأبضاع على المنتهك للدماء هـ.

ووزانه جواز إعانة الأخف مفسدة متطرقة على الأشد، ثم قال: ويجوز الدفع عن الأخف ضررا ومفسدة والقتال معه لدفع ما هو أشد هـ. وعليه فقول خليل فللعدل أى ولو بالإضافة هـ. ولا خفاء أن حال عبد المؤمن مع المقوم عليه من بقية المرابطين لا يخرج عن الحال التي تكلم عليها سُحْنُون والحالة التي تكلم عليها عز الدين، وحينئذ فبُغْض المكناسين للزرهونيين لأجل مبادرتهم لبيعة عبد المؤمن وإعانتهم له في حصار مكناس خارج عن القوانين الشرعية والسياسية، وإنما هو أمرٌ قَادَتْهُمْ إليه طبيعة النفوس على عادتها في مخالف هواها إلا من عصمه الله وقليل ما هم. ويكفى اللبيب هنا أن يتذكر أن المغرب كله إنما سعد بقيام مولانا إدريس على بنى العباس فيه، وأن أهل وليلى الذين تفرقوا في جبل زرهون هم أهل اليد البيضاء في تلك الساعة بِبِدَارِهم دون غيرهم لمبايعته، وبكون سعادة باقى قبائل المغرب مكناسة وغيرهم في ذلك إنما كانت على يدهم وبحسب التبعية لهم ومن نتائج نصرتهم له وإشهار سيوفهم على كل من انقبض عن طاعته، ولم يحتم بمعاهدته، فسبقهم إلى ميادين هذه الخيرات عتيق، وقديما آووا منه إلى الركن الوثيق، فالإنصاف مقابلتهم على ذلك بالشكران، ولله در أبى العباس الحلبى إذ قال شاكرًا لهم على ذلك ومترنما بمديحهم في دره النفيس: إن مدحت الماجدين أوربه ... وجد القلب بمدحى أَرَبَهْ مدح من أيد إدريس الرضا ... ابن طه المصطفى ما أطيبه ورضا مولى الموالى استوجبوا ... إذ أجابوه بما قد طلبه وامتثال الأمر منهم فيهم ... كل فرد منهم قد أوجبه واحمدن عبد الحميد المرتضى ... إذ دعاهم وإليهم حَبَّبَهْ

قاتلوا بين يديه جملة ... طالبين بره أو قربه ليس منهم من فتى عند الوغى ... عن قتال خوف موت حجبه بل لقد كان إذا مات الفتى ... منهم ألفى بموت طربه ليس منهم ماجد إلا غدا ... لعدو بحسام ضربه فاحمدن أنصار إدريس الرضا ... حمدهم قول المحب استوجبه فعل أنصار بطه فعلوا ... مع إدريس الكرام أوربه ربنا ارحمهم وأدخل جمعهم ... جنة الفردوس ذات المرتبه اهـ. وليت شعرى أى فضيلة حصلها المكناسيون وقتئذ من هاتيك الحروب والتفرد بالخلاف سوى الدمار والهلاك للآلاف المستكثرة من النفوس وتخريب البلاد والديار وهتك الحريم وإضاعة الأموال، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. الرابعة: سبق أن أهل مصر وهم القبط قوم فرعون لم يحفظ في التاريخ تقدم ملك منهم ولا سلطنة على هذه الديار المغربية، وأن الكتابة الموجودة في أحجار قصر فرعون الدالة على بانيه ومملكته قديما هى لاتينية وقوطية نسبة للقوط بالواو بعد القاف المضمومة، وهم قبيل قيل إنهم من الإفرنج كما في تاريخ ابن خلدون وغيره. وعليه فما وقع في "الدر النفيس" و "شرح الهمزية" لابن زكرى والأزهار العاطرة من أن قصر فرعون يذكر أنه من بنيان القبط أى بالباء الموحدة الساكنة بعد القاف المكسورة لا تعويل عليه ولا حجة في اشتهار ذلك القصر بالإضافة إلى فرعون، لأن الظاهر حمل ذلك على التشبيه، البليغ أى أن ذلك البناء القائم من تلك الأحجار العظيمة المحكمة الترصيف المقتضى للخلود في العادة هو كبناء فرعون المدعى للربوبية المقتضية للخلود.

الخامسة: جزمنا أولا بأن بين مكناسة وقصر فرعون ثمانية وعشرين كيلو مترا، وبذلك جزم أيضا بعض من ألف في وصف مكناس من الأوربيين المعاصرين اعتمادًا على ما تحرر الآن بطريقة في المسافة المذكورة بعد تعيين نهجها وترصيفه، وعليه فما نقلناه بعد ذلئه عن ابن غازى من أن بينهما اثنى عشر ميلا يحمل على ما قدمناه في المسافة التي بين فاس ومكناس وفاس وتازا. السادسة: قول ابن غازى السابق وكان ثم سوق غبار إلخ يعنى في المحل الذى به آثار البناء العتيق الضخم المذكور، وقد نسخ هذا السوق لا باعتبار الزمان ولا باعتبار المكان، وإنما يعمر السوق منذ أدركنا داخل الزاوية يوم السبت وعشية يوم الجمعة، نعم بعد انبساط الحماية كان بعض الحكام أشار بإبراز سوف البهائم لظاهر البلد فحول أولا بإشارته خارج باب عين الرجال منها، ثم نقل لوسعة عين خيبر خارج باب عين فكرة منها وعلى ذلك استمر الحال إلى الآن. السابعة: بالسودان مدينة تسمى وليلى وأخرى تسمى أوليلى نبه عليهما الزيانى في رحلته، وقد قيل إن وليلى زرهون تسمى بطنجة أيضا حكاه ابن غازى في تكميل التقييد، وكذا كانت تسمى تيوليت وبوليبل، وقد يقال بوليبس كما تقدم، كما أن مكناسة كانت تسمى صلدا بالصاد وسلدا بالسين، وبحفظ المؤرخ لهذه الأسماء يفهم المراد من عبارات المؤرخين. الثامنة: علم مما سبق أن قبيلة أوربة هم أهل وليلى في الزمن الإدريسى، وأن أهل وليلى هم الذين تفرقوا بجبل زرهون لما خربت قاعدة جبلهم وحاضرة البلاد وليلى، فيخرج من ذلك أن أهل زرهون هم قبيلة أوربة ولا زال الأوربيون به وخصوصا بالزاوية منه، وقد حفظت رسومهم القديمة العديدة هذه النسبة لهم، ومنهم أولاد ابن الخياط وأولاد بو يحيى وبيد بعضهم ظهائر ملوكية قديمة باحترامهم وتسويغ بعض الأملاك لهم رعيا لسابقتهم وهم متمسكون بها إلى الآن،

وعليه فما وقع في "الروض" هنا بعد ما قدمناه عنه من قوله ويذكر أن أصل أهله يعنى جبل زرهون روم هـ لا يلتفت إليه وكأنه لذلك أشار بحكايته له بلفظ يذكر الحاكم بعدم ثبوته. وقول "الروض" كانت البلاد ديار كفر مجوس ونصارى إلخ، قلت: أما المجوس فهو في الأصل معرب منج كوش -بضم الكاف- ومعناه قصير الأذن عرف به رجل صغير الأذنين كان في قديم الزمان اخترع دين المجوسية ودعا إليه فتوبع عليه، ثم بعد زمن سيدنا إبراهيم عليه السلام نشأ رجل آخر اسمه زرادشت الفارسى فجرد هذا الدين المجوسى وأظهره وزاد فيه، وعلى يده دخلت الفرس فيه لثلاثين سنة خلت من ملك ملكهم يستاسب، فتمجسوا حينئذ عن آخرهم بعد أن كانوا في الطور الأول على دين سيدنا نوح عليه السلام، ثم صاروا في الطور الثانى لدين الصابئة واستمروا عليه نحو ألف سنة، ثم بعد ذلك صاروا في طورهم الثالث للمجوسية بدعوة زرادشت الذى يعتقدون فيه أنه نبى مرسل، وبإعانة ملكهم يستاسب كما بينا، ومدار دين المجوسية على تعظيم النار وسائر الأنوار والقول بتركيب العالم من النور والظلمة واعتقاد القدماء الخمسة، وهى عندهم: البارئ تعالى، وإبليس لعنه الله. والهيلولى، والزمان، والمكان وغير ذلك من تفاصيل المجوسية كما بينه صاعد الأندلسى في طبقات الأمم، وقد تولى بسط. تفاصيل هذا وبيان فرق أهله الإمام الشهر ستانى في "الملل والنحل" وغيره، فمن تعلق له غرض بها فلينظرها هناك، ومن نحل أهل المجوسية تفضيل الفرس على العرب وعلى سائر الأمم كذا في "صبح الأعشى" للقلقشندى المولود سنة ست وخمسين وسبعمائة المتوفى يوم السبت عاشر جمادى الأخيرة سنة إحدى وعشرين وثمانمائة. قلت: وتفضيل المجوس للفرس على غيرهم هو تفضيل لأشراف أهل ملتهم على الغير اتباعا لحمية الجاهلية لا غير، ولعلهم بعد دخول الفرس في الإسلام لا

يقولون بتفضيلهم كفعل اليهود في تفضيلهم لعبد الله بن سلام قبل علمهم بإسلامه وتنقيصهم له بعده والقضية في الصحيح، وأما حديث لو كان الإيمان بالثريا لأدركه رجال من فارس يعنى الفرس كما يأتى عن زروق فهو خاص في خاص ثم هو بيان لفضلهم لا لتفضيلهم. والنصارى جمع نصران كالندامى جمع ندمان، ونصران صفة مشبهة كعطشان وسكران إلا أنه غير مستعمل، والمستعمل هو نصرانى بزيادة الياء التي للمبالغة، هذا إذا عبر به المفرد الواحد، وإذا أريد التعبير عن الأفراد المتعددة يقال نصارى، سموا بذلك لأنهم نصروا المسيح عليه السلام، أو لأنهم كانوا معه في قرية اسمها نصران أو ناصرة فسموا باسمها، أو من اسمها وعلى هذا فالياء ياء نسبة لا زائدة للمبالغة، ثم هى نسبة للملة والدين المسيحى فكل آخذ به فهو نصرانى من أى فريق كان وفى أى بلد كان. وكذا النسبة في المجوسى فإنها دينية فكل آخذ بدين المجوس فهو مجوسى أيا كان، ولا كذلك الرومى والفرنجى وأشباههما، فإن النسبة في ذلك طينية وبلدية لا دينية. وقرية ناصرة هى بطبرية على ثلاثة عشر ميلا منها، وفى معجم ياقوت وكان فيها مولد عيسى عليه السلام، ومنها اشتق اسم النصارى، وكان أهلها عيروا مريم فيزعمون أنه لا يولد بها بكر إلى هذه الغاية، وأن لهم شجرة أُتْرُج (¬1) على هيئة النساء وللأترجة ثديان وما يشبه اليدين والرجلين وموضع الفرج مفتوح، وأن أمر هذه القرية في النساء والأترج مستفيض عندهم لا يدفعه دافع وأهل بيت المقدس يأبون ذلك ويزعمون أن المسيح إنما وُلد في بيت لحم، وإنما انتقلت به أمه إلى هذه ¬

_ (¬1) الأُترج: شجر يعلو، ناعم الأغصان والورق والثمر، وثمره كالليمون الكبار، وهو ذهبي اللون، زكي الرائحة، حامض الماء. وهو كثير بأرض العرب، وتبقى ثمرته عليه جميع السنة.

القرية، قال ياقوت: فأما نص الإنجيل فإن فيه أن عيسى ولد في بيت لحم، وخاف عليه يوسف من هاردوس ملك المجوس فأُرى في منامه أن احمله إلى مصر، فأقام بمصر إلى أن مات هاردوس فقدم به القدس، فأُرى في المنام أن انطلق به إلى الخليل، فأتاها فسكن مدينة تدعى ناصرة (¬1). كذا في تاج العروس. قلت: ما في نص الإنجيل من أن عيسى عليه السلام ولد ببيت لحم به جاءت رواية شداد بن أوس رضى الله عنه في حديث الإسراء والحديث خرجه الطبرانى والبزار، وابن أبى حاتم وابن مردويه، والبيهقى وصححه خلافا لإنكار ابن تيمية له وإن كان تابعا في إنكاره لابن حبان وابن الجوزى في موضوعاته، وقد وافق على ذلك الذهبى في الميزان. لكن كلام هؤلاء إنما هو في إنكاره من رواية أبى هريرة ومع ذلك فقد قال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" إن الموضوع في تلك الرواية شئ خاص وهو قوله ثم أتى بى إلى الصخرة فقال يا محمد، من هاهنا عرج بِكَ إلى السماء وأما باقى الحديث فقد أتى من طرق أخرى منها الصلاة في بيت لحم وردت في حديث شداد بن أوس والله أعلم ثم هذا الذى نقله في تاج العروس عن ياقوت عن الإنجيل هو في إنجيل متى إلا أن الذى نقله عنه الشيخ عبد الله الأسلمى أحد أحبار النصارى الذين أسلموا وحسن إسلامهم، وساقه بواسطته الزيانى في رحلته هو أن الخائف على عيسى هى أمه مريم، وأنها هى التي أمرها ملك في المنام بالخروج به لمصر قال وهذا الذى وقع في إنجيل متى لم يقع في بقية الأناجيل الأربعة. انظر تمامه فقد استدل بذلك مع غيره على أن متى ساق ذلك في إنجيله تبعا لبعض الكذابين لا غير. ¬

_ (¬1) الخبر بطوله لدى ياقوت - 5/ 251.

فصل: وفيه الكلام على تاورا وأبي العمائر والعيون التي خارجه وعين تاكما

فصل: قال في الروض قيل: ولم تكن مكناسة في القديم ممدنة وكانت حوائر (¬1) كثيرة متفرقة (¬2) وهى تاورا وبنو عطوش، وبنو برنوس، وبنو شاوش، وبنو موسى، وهذه كلها على الضفة الغربية من وادى فلفل المذكور، إلا تاورا فإنها بضفتيه الغربية والشرقية، وغراساتها كلها منتظمة متصل بعضها ببعض لا فاصل بينها، قال: وفلفل يعرف الآن بأبى عمائر، وفيه يقول شيخ شيوخنا الأستاذ أبو عبد الله ابن جابر في نزهة الناظر: فلن ترى في سائر العمائر ... مثل محاسن أبى العمائر يمر النهر المذكور من قبلة إلى الجوف قريبا من سورها أصله والله أعلم من جبل فازاز. هـ من خطه ملفقا (¬3). قلت: تاورا بفتح الواو والراء حسبما ضبط ذلك ابن غازى بخطه، ويعنى بكونها أى مكناسة ليست بممدنة أنها لم تكن مجتمعة الديار ولا عامة المنافع ولا منضمة الشمل بسور حافظ كما قدمه. وإلى وادى أبى العمائر المذكور ينسب باب أبى العمائر من أبواب هذه الميدنة، وإنما نسب إليه لقربه منه وعبور الداخل إليه والخارج منه من تلك الناحية عليه، والباب المذكور هو أحد أبواب المدينة وهو واقع في شمال غربى مستقبل حمرية من باب ضريح الشريف أبى الحسن على بن محمد بن على دعى بمنون أحد رجال العلوم والمعارف المرجوع إليه بالعاصمة قديما المتوفى سنة أربع وخمسين وثمانمائة. ومركز الباب المذكور الطبيعى هو في مقابلة باب دار البارود المعدة لتصفية ملحه، وهى إحدى آثار فخامة العاصمة قديما وهناك دار بارود أخرى كانت معدة ¬

_ (¬1) حوائر: جمع لحائر، وهو المكان المطمئن الوسط المرتفع الحروف، ومن ذلك سموا البستان بالحائر. (¬2) في المطبوع: "مفرقة" والمثبت من الروض الذى ينقل عنه المصنف. (¬3) الروض الهتون - ص 45، 53.

لصنعه وهى التي موقعها بالمحل بين الباب المحدث عنه وبين الباب الأخرى هناك للمدينة المسماة بباب المرس لوقوع المرس الإسماعيلى الهائل خارجها، وموقع هذا. الباب الثانى بالناحية الشرقية ومنه الآن يقع النزول لعيون أبى العمائر وكلتا الدارين من فخامة العاصمة، وقد صارت الدار الثانية التي ينزل من بابها للعيون المذكورة محلا الآن للأشغال العمومية الدولية كما أضيفت الأولى في العصر الحاضر للجنان العمومى المسمى موقعه في القديم بالحبول المعد فيما سلف مربضا لبقر الأهالى المتجرين في بيع اللبن الذى هو من أهم حاجيات تموين العاصمة. ومن ضروريات مستشفياتها اختار الأقدمون من أهاليها مكان الحبول المذكور لاستقرار بقرهم لما فيه من الجمع بين منفعة القرب والتحصين بسور العاصمة وبابها ودفع مضرة عفوناتها باتصاله بالباب وانفصاله عن غالب المنازل، وحيث جعلت الدولة الحامية المربض المذكور بستانا عموميا وتفرقت جموع بقره بسبب ذلك داخل العاصمة، صارت الانتقادات الطبية تتوجه إلى أرباب ذلك البقر كل حين لاتصال مضرة عفوناته بالأهالى، وقد كان استقرار البقر بالحبول حاجزا عن ذلك الاتصال. وقاضيا على مضاره بالبعد والانفصال. وباب أبى العمائر المذكور قد هدته الدولة الحامية عند حلولها بالعاصمة المكناسية ولم تبق له عينا ولا أثرًا، والقصد من ذلك إزالة الحاجز بين العاصمة القديمة والمدينة الجديدة الآتى ذكرها حتى لا تسد باب الأولى في وجه الثانية، ويتيسر سير العربات والسيارات بين المدينتين بدون أدنى حرج ولإمكان المواصلة بينهما في سائر الأوقات. ومن هذا الباب يخرج قاصد غابة الزيتون المعروفة بحمرية المحدث بها تخطيط المدينة الجديدة وبخارجه على يمين الذاهب لفاس أو للمدينة الجديدة عيون متدفقة بالزلال العذب الفرات، كانت الدولة الحامية حصنتها بالبناء وصانتها عما

كان معششا بها من القذرات، وحجرتها على خاصة الأهالى وعامتهم، وانتقتها لشربها ومن حصلت له رغبة من وجهاء الأهالى في الورود من موردها المعين طلب الترخيص من لدن الحكومة الأجنبية، فتنافس رؤساء الأهالى وأعيانهم في التحصيل على الترخيص في السقى منها، وذلك بعد أن لم تكن لديهم تلك العيون شيئا مذكورا في ماضى العصور بل كانت تعافها النفوس وتشمئز من الشرب منها القلوب، لأنها كانت محل غسل أوساخ الصوف والثياب الخلقة وأبوال الدواب والمواشى وأرواثها، ولكن النفوس ميالة ومجبولة على حب الجديد. ومحاكاة الطالع السعيد. وحريصة على الاتصال بما منه منعت، كما أنها حريصة على الانفصال عما إليه ألجئت. هذا والمحنكون وذوو المعرفة من قدماء الأهالى كانوا يحققون أن ماء تلك العيون هو وإن كان حسنا فهو أحط رتبة عما رشح له بالنسبة لغيره، ثم لما طال استيطان الفرنسيين بمكناسة أنتج البحث المدقق من عرفائهم أن أحسن ماء يوجد بالبلد خفة وصفاء وعذوبة هو ماء عين تاكما -بالكاف المعقودة- الكائنة شرقى المدينة على مسافة تنيف على أربعمائة متر تقريبا. فحينئذ صرفت حامية مكناسة وجهتها عن ماء عيون أبى العمائر، وأباحت ورده لمن يريده من وارد وصادر، فضعفت رغبة الأهالى في السقى من ذلك الماء بعد الحرص الشديد، ورجع لها بعض ما كان بها قبل من المستقذرات كغسل الأثواب الوسخة وأدخلت الدولة الحامية ماء عين تاكما للمدينة الجديدة وقصرته عليها واستغنت به عما سواه، ثم بعد كتبي هذا أدخل ماء عين تاجما للمدينة الأهلية أيضا لمكناسة واتخذت له سقايات عمومية بأزقتها وأبيح إدخاله للدور لمن تعلقت له به رغبة بالشراء من الإدارة البلدية، وقد كان ماء هذه العين في سالف الدهور مسوقا للمسجد الأعظم بالعاصمة في ساقية وسط حائط حذو الوادى في ناحية ضريح أبى زكرياء الصبان المعروف الآن بسيدى بوز كرى، إلى أن يجرى في

باب الحفاة وغيره من المسجد المذكور في الأخدود المعدلة إلى الآن هناك لتطهير أرجل الحفاة الداخلين للمسجد حفظا ونقاوة وإبعادًا لأسباب الدنس عن المسجد لما انبنى عليه الدين الحنيفى من النظافة في سائر وجهاته المقدسة المعضوض عليها بالنواجذ من رؤساء الملة الحنيفية قديما وخصوصا المؤسسين لمعابده، القائمين بتشييد محامده، ولكن لما كانت من سنة الله التي قد خلت في بلاده وعباده ولن تجد لسنة الله تبديلا إحالة الأحوال وصيرورة الكل إلى خبر كان، توفرت عوامل الإهمال، الموجبة للخراب والاضمحلال، حتى صار ذلك المجرى وما انبنى عليه نسيا منسيا، وأضيف ماء الساقية للوادى كما أضيف إليه ماء عيون أبى العمائر وغيرها مما هو بإزائه. والوادى المذكور يسمى في ماضى الزمان بفلفل وأبى العمائر، وفى حاضره بأسامى متعددة بحسب الأمكنة المار فيها، منها بوفكران، ومنها عين معروف، ومنها در دورة. وقد تحقق لدينا أن أصل منبعه من الكهف الكائن بقبة جبل بُوْزَ كُّو -بضم الباء وسكون الواو وبعدها وفتح الزاى وتشديد الكاف المعقودة مضمومة- الكائن هو أى الجبل بأقماشن من آيت بورزون فخذ من قبيلة بنى مطير، ويعرف الكهف المشار له بكهف الريح، سمى بذلك لشدة الرياح الصاعدة من جوفه، حتى إنه لا يكاد يمكن الإشراف على قعره ولا يكاد يمكن المشرف عليه أن يمسك نفسه معها عن السقوط في هوته كذا قيل. وبسفح هذا الجبل بالمحل المعروف بَمزَّعتِوالْ -بفتح الميم وتشديد الزاى المفتوحة وسكون العين المهملة وكسر التاء وفتح الواو المشبعة بعدها لام ساكنة- عيون، أصل معظمها وأكثرها ماء من الكهف المذكور بدون أدنى ريب يلحق في ذلك سكان ذلك المحل، قالوا: لأنه مهما سقط بذلك الخرق شيء خرج في بعض

فصل: وفيه الكلام على قرية الأندلس وتلاجدوت

تلك العيون، وذلك أقوى دليل وأصدق برهان على أن أصلها منه، وهذا المحل لا يعرف اليوم ببنى فازاز ولا الجبل المذكور بالنسبة إليهم، أما في غابر الأزمان وقد كان يطلق فازاز على تلك الجبال كلها حتى جبل آزرو الشهير المعروف، والمحل الذى يعرف اليوم بفازاز عند تلك القبائل البربرية بينه وبين الجبل الذى يخرج منه الماء المذكور مهامه فيحه تنيف على سبعين كيلو مترا. ومعنى مزعتوال بلسان البربر منفر البقر سمى بذلك لوجود ضريح به إذا مر البقر أمامه نفر وشرد على ما أخبرنى به غير واحد من الثقات سكان ذلك المحل، ومن أصول منبع بوفكران العظيمة عين معروف ويمتد خمسين كيلو مترا يبلغ منبعه في اليوم أربعين ألف متر مكعبا على ما حققه بعض الفرنسيين فصل: قال في "الروض" (¬1): إلا تاورا، فإنها بضفتيه الشرقية والغربية وغراسلتها كلها منتظمة متصل بعضها ببعض لا فاصل بينها، وتاورا أقرب الحوائر من المدينة من جهة باب البراذعيين ومن حوائرها أيضا بنو زياد وتقع غربا من الحوائر المذكورة وليست على الوادى المذكور، لكن لها جدول من نوع ساقية طويلة المسافة صعبة المجرى. قال: وببنى زياد أيضا عيون يسقون منها بعض أملاكهم، ويسقون بعضها بالساقية المخرجة من وادى فلفل المذكور، وبعضها بعل وكان العنب البعلى بها في غاية الطيب بموضع هنالك يقال له المتروئي إليه ينسب العنب المتروئي هنالك، قال الأستاذ أبو عبد الله بن جابر في "نزهة الناظر" بعد ما ذكر أصناف العنب التي بمكناسة: لكننى أقول دون سوء ... ما فاق الأعناب سوى المتروئي وهو عنب أبيض شديد الحلاوة ولا سيما الأنثى منه، ويذكر أنه من قوته لا يستحيل خمرا إلا عند اعتدال الزمان، ومن غلوهم فيه أنهم يقولون إنه يستصبح ¬

_ (¬1) الروض الهتون - ص 53 وما بعدها.

بخمره، وهنالك قرية كان يقال لها قرية الأندلس كانت (¬1) من عمل بنى زياد سكنها على قديم الزمان قوم أندلسيون وتناسلوا بها وأقاموا دهرًا لم تتغير ألسنتهم ولا أشكالهم إلا من كان منهم كثير الامتزاج بأهل البلد (¬2) فإنه تغير لسانه وكانت لهم بالقرية المذكورة كرمات بعل في أرض رملة حمراء كذا قيل، وهذه القرية والله تعالى أعلم هى المسماة في هذه الأعصر تلاجدوت، وبها جرى المثل السائر "دار الكرامة يا تلاجدوت" ومنها كان الشيخ أبو الحسن علي بن يوسف التلاجدوتى المدعو بسيدى علي بن يشو، وهو من شيوخ شيخنا الفقيه الحافظ سيدى أبى عبد الله محمد القورى، والخطيب البليغ المصقع سيدى أبى العباس أحمد بن سعيد الحباك الغفجميسى وكلامهم اليوم برطانة البربر المفرطة في العجمة من خطه. قلت: أما الساقية الصعبة المجرى فلم يبق لها أثر لهذا العهد، وأما قرية الأندلس المسماة تلاجدوت فلم يبق لها أيضا أثر ولا خبر، وكون مسمى تلاجدوت هو قرية الأندلس يخالفه ما في كتاب الاستبصار، بعجائب الأمصار، المؤلف سنة سبع وثمانين وخمسمائة، فإن فيه أن من مدن مكناسة الأربعة تلاجدوت (¬3) وتفسيره المحلة، قال: وهو محدث البناء، وهو مشرف على بطاح وبقاع مملوءة بياضا (¬4) كثير الثمار، وأكثرها الزيتون فسميت به، وهذه المدينة عليها سور كبير وأبراج عظيمة، وهى مدينة حفيلة. هـ. وهذا الذى وصفها به لا ينطبق إلا على تاكرارت المدينة الآن، فعليه لها اسمان كل منهما فسر بالمحلة فالله أعلم. وأما الشيخ أبو الحسن التلاجدوتى والقورى والحباك فستأتى تراجمهم في محالها بحول الله فترقب. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "كأنها" والمثبت من الروض الذى ينقل عنه المصنف. (¬2) في المطبوع: "البلاد" والمثبت من الروض الذى ينقل عنه المصنف. (¬3) في الاستبصار الذي ينقل عنه المصنف "تاقرارات" وقد أشار المصنف فيما بعد إلى الاسم الوارد في الاستبصار. وقال: فعليه لها اسمان كل منهما فسّر بالمحلة. (¬4) في الاستبصار: "مملوءة بفيضات" وفي نسخة أخرى منه بالهامش "بيضات".

فصل: وفيه الكلام على تاورا وحوائرها وفواكهما وسكانها وبساتينها

فصل: قال في "الروض" وكانت حارة تاورا التي هى أقرب الحوائر إلى المدينة الآن يشقها وادى فلفل ديارها على ضفتيه شرقا وغربا، والغراسات بها وبسائر الحوائر متصلة بالديار، وبتاورا أرحاء كثيرة كان أكثرها يحتوي على أربعة أحجار، وكان من جملتها بيت واحد للزغابشة يحتوي على خمسة أحجار، وكان فيها حمامان اثنان، أحدهما منسوب للزغابشة والثانى للمختص يعرف بحمام أبى الخيار بإزائه عين كبيرة تنسب كذلك لأبي الخيار، ماؤها عذب معين صاف تُسقى به طائفة كبيرة من أملاك تاورا، ومن أملاك من تحتها، وكانت حارة تاورا تنقسم أقساما: قسم يقال له: بنو عيسى ديارهم بالضفة الغربية من الوادي يذكر أنهم أصل بني زغبوش، لكن لا تعلم صحة ذلك، غير أنهم كانوا يجدون في بعض العقود القديمة نسبتهم إلى عيسى بلفظ فلان بن فلان العيسوي، ويستدلون بذلك على أن بني زغبوش من بني عيسى، والله تعالى أعلم (¬1). وقسم بالضفة المذكورة قبله من بني عيسى يقال له بنو يونس ويسمى أيضا هذا القسم تاورا الفوقية، وبهذا القسم كان المسجد الجامع، وبين هذين القسمين موضع عال جدا يعرف بالجهنمية، وقسم بالضفة المذكورة يقال له: فاس الصغيرة، كأنها سميت بذلك لاختراق الماء خلالها كمدينة فاس، وبالضفة الشرقية من الوادي قسم يقال له الجنان الصغير، وقسم يسمى بني أبي نواس، وقسم يسمى حارة بنى زغبوش، وحارة الزغابشة، وثم كانت ديار بني محمد بن حماد وغيرهم، وكان ببني زياد حمام وببني مروان حمام يعمران، وكان ببني موسى حمام تعطل قبلهما والله تعالى أعلم. من خطه (¬2). قلت: أما الحارة فكل محلة دنت منازلها كما في "القاموس" (¬3) وهو معنى قول "المصباح" الحارة المحلة تتصل منازلها، والجمع حارات. وأما حوائر المعبر به في "الروض" فهو جمع لحائر وهو كما في شرح "القاموس" عن أبى حنيفة المكان الطمئن الوسط المرتفع الحروف، ومن ذلك سموا البستان (¬4) بالحائر. هـ. ¬

_ (¬1) الروض الهتون - ص 57. (¬2) الروض الهتون - ص 58. (¬3) القاموس (ح ي ر). (¬4) القاموس (ح ي ر) وانظر لذلك أيضًا: المعجم الوسيط.

وهو منطبق تمام الانطباق على موقع تاورا الطبيعي، فإنها مطمئنة الوسط مرتفعة الجوانب من جهاتها الأربع كالحياض، يسبب لوسطها مسيل ماء الأمطار ضرورة كانت ذات بساتين متعددة تتصل كل دار ببستان كحالة دور سكان الأروى الإسماعيلي ونواحيه في عصرنا الحاضر. وحارة تاورا المذكورة وما عطف عليها هي الكائنة شرقا عن يمين الذاهب لزرهون الخارج من باب البراذعيين والحوائر الأخرى عن يساره غربا. وأما الخارج من باب تريمي الصغيرة أحد أبواب المدينة اليوم وقيدنا بالصغيرة احترازا عن تريمي الكبيرة القصبة الشهيرة الكثيرة السكان الكائنة داخل باب البراذعيين المحدث فيها اليوم الباب الذي أعد لدخول البقر عند إيابه من المسارح فتبقى الحوائر التاورية وما عطف عليها عن يساره. وجميع تلك الحوائر لا يعرف اليوم إلا بتاورا، إلا حارة بني موسى فإنها لازالت معروفة باسمها القديم والطريق المارة لزرهون فاصلة بين حوائر تاورا وحوائر بني موسى، وغراسات تلك الحوائر والبساتين الزيتون والتفاح وأنواع الإجاص (¬1) والسفرجل (¬2) والرومان والخوخ وأنواع كثيرة من التين لا تكاد توجد في غيرها والمشمش والبرقوق والعنب والتوت الشهي، والليم (¬3). وقد عفت تلك الحوائر ودرست الأطلال والرسوم، ولم يبق لهذا العهد بالمدينة لنسل سكان تلك الحوائر أثر غير بني حموش المعروفين في الزمن الحاضر بالحمامشة، فإنه لا زال البعض موجودا أعرف واحدا منهم يتعاطي خطة العدالة، ¬

_ (¬1) الإجاص: شجر من الفصيلة الوردية، ثمره حلو لذيذ، يطلق في سورية وفلسطين وسيناء على الكمثرى وشجرها، وكان يطلق في مصر على البرقوق وشجره. (¬2) السفرجل: شجر مثمر من الفصيلة الوردية. (¬3) الليم: الليمون.

وغير زغبوش المدعوين اليوم بالزغابشة فإن بقية نسلهم موجود بالمدينة اليوم على قلة وما لغيرهما من باقي تلك الشعب والقبائل من بقية فالبقاء لله وحده وكل شيء هالك إلا وجهه، وسنأتي بعد إن شاء الله تعالى على بيان وقت تخريب هذه الحوائر ورجوع العمارة إليها ثم انقطاعها عنها بالكلية. ومن الحوائر والبساتين الشهيرة في هذه الأعصر بضفتي تاورا: البستان المعروف بعرصة النصراني ولم أدر ما وجه هذه الإضافة وابن شملاك وابن العلام والقادرية وخواش والنجار والحارة وبوخيار ولا زال جل ما ذكر يسقى من وادي أبي العمائر، وبعضها يسقى من عين أبي الخيار المارة الذكر، ولا زال ماؤها العذب المعين يتدفق، وهي إحدى المواضع التي أعدت لغسل الصوف والثياب بعد منع ذلك وإزالته من عيون أبي العمائر السالفة الذكر، كما يسقى أيضا بعض الحوائر المشار لها بماء عيني الغولة وعرصة النصراني وأيس بالكثير ماؤهما ولا يوجد بتاورا اليوم من العيون غير ما ذكر. ومن أشهر حوائر بني موسى في العصر الحاضر: جنان العريفة ومولاي زيان والظاهر، وبهذه البساتن عيون منهمرة بالعذب الزلال مبنية عليها الصهاريج المهمة تسقي منها غراساتها كما تسقي كغيرها من الساقية المرعوفة بقشمارة -بفتح القاف وسكون الشين المعجمة وفتح الميم المشبعة وتشديد الراء مفتوحة بعدها هاء وماء هذه الساقية يخرج من ماء أودية المدينة المضاف ويسقي أيضا بعض تلك الأجنة بماء عيون حربل -بفتح الحاء المهملة وسكون الراء- النابعة أسفل قصبة تولال خارج باب سيدي سعيد أحد أبواب المدينة كما سيمر بك بحول الله. تنبيه: قد سبق ابن غازي إلى وصف هذه الحوائر الإدريسي في "نزهة المشتاق" فقال: مكناسة مدائن عدة وهي في طريق سلا ومدينة مكناسة هي المسماة

تاقررت (¬1) وهي الآن باقية على حالها لم يدركها كبير تغيير، وهي مدينة حسنة مرتفعة على الأرض يجري في (¬2) شرقيها نهر صغير له أرحاء وتتصل بها عمارات وجنات وزروع، وأرضها طيبة، ولها مكاسب وأموال طائلة، ومكناسة سميت باسم مكناس البربري لما نزلها مع بنيه عند حلولهم المغرب، وأقطع (¬3) لكل ابن من بنيه بقعة يعمرها مع ولده، وكل هذه المواضع التي أحلهم بها تتقارب وتتجاور أمكنتها، وبلاد مكناسة منها التي تعرف ببني زياد وهي مدينة عامرة لها أسواق عامرة وحمامات وديار حسنة والمياه تخترق أزقتها، ولم يكن في أيام الملثم بعد تاقررت أعمر قطرا من بني زياد، وبينهما نحو من ربع ميل، ومنها إلى بني تاورا وتاقررت نحو ذلك وكانت مدينة تاورا (¬4) متحضرة جامعة غامرة وأسواقها كثيرة والصناعات بها نافقة، والنعم والفواكه لا تقضى بها حاجة -أي لكثرتها ورخصتها- والماء يأتيها من جنوبها من نهر كبير فينقسم في أعلاها ويمر ما انقسم هناك من المياه فيخترق جميع أزقتها وشوارعها وأكثر دورها (¬5). وبين تاورا وبني زياد مدينتان صغيرتان إحداهما القصر وهي مدينة صغيرة في الطريق من تاقررت إلى السوق القديمة على رميتي سهم، وهذه المدينة بناها أمير من أمراء الملثمين وجعل لها سورا حصينا وبني بها قصرا حصينا ولم تكن بها أسواق كثيرة، ولا طائل تجارات، وإنما كان ذلك الأمير يسكنها مع جلة بني عمه والمدينة الأخرى في شرقي هذه تعرف ببني عطوش، وهي ديار متصلة وعمارات في بساتين لهم هناك، ولهم أشجار وغلات وزيتون كثير وشجر تين وأعناب وفواكه جمة وكل ذلك بها رخيص (¬6). ¬

_ (¬1) في المطبوع: "تاكرارت" والمثبت في نزهة المشتاق 1/ 244، التي ينقل عنها المصنف. (¬2) في المطبوع: "على" والمثبت رواية نزهة المشتاق. (¬3) في المطبوع: "اواقتطع" والمثبت رواية نزهة المشتاق. (¬4) في نزهة المشتاق: "تاورة". (¬5) نزهة المشتاق 1/ 244 - 245. (¬6) نزهة المشتاق 1/ 245.

وأسفل هذه المنازل على مجرى الماء الذي يأتي من بني عطوش قبيلة بني برنوس من مكناسة، وهي في منازل وديار ومزارع وكروم وعمارات وزيتون كثير وفواكه تباع بالثمن اليسير، وفي شمال قصر أبي موسى سوق يقصد إليها في كل يوم خميس يجتمع إليه جميع قبائل بني مكناس وتسمى السوق القديمة، ومن قبائل بني مكناس المجاورة لهذه البلاد بنو سعيد وبنو موسى ويسكنها من غير قبائل مكناسة، بنو يسيل، ومغيلة، وبنو مصمود، وبنو على، وورياغل، ودمرو، وأَوْرَبَة (¬1)، وسبغاوة (¬2). فقوله مدائن عدة قد سمى منها بعد تاقررت وبني زياد وتاورا والقصر أي المعنون عنه سابقا بالحصن وبني عطوش، وقد بين تقارب بعضها من بعض بأن بين واحدة والأخرى نحو ربع ميل، وبعد أن وصف بني زياد وتاورا بذلك بين أن مدينتي الحصن وبني عطوش واقعتان بينهما، فيكون تباعد هذين المدينتين فيما بينهما وفيما بين ما هما واقعتان بينه أقل من ذلك بكثير، وأنت تراه قد وصف العامر والغامر من هذه المدن ولم يعد منها مدينة وَلِيلَي، مع كونها لو كانت من مكناسة عنده لكانت أولى بالتوصيف من جميع ما ذكر لما تقدم من قدمها، وأنها مدينة أزلية، وأنها حاضرة البلاد، فدل ذلك على أنه لا يراها منها ولا أن موقعها من بلاد مكناسة. وقوله وهي في طريق سلا، يعني للقاصد لها من فاس وأحوازه، وقد صرح في كلامه الذي اختصرنا ذكره بأن بين فاس ومكناسة أربعين ميلا، وكل ذلك منه ¬

_ (¬1) في نزهة المشتاق: "دمر وواربة". وأوربة: قبيلة شهيرة من البربر البرانس، كانت في القديم تشتمل على بطون وعمائر كثيرة، مثل: جاية، ونفاسة، وزهكوجة، ومزيانة، ورغيوة، ودقيوسة. وقد عظمت تلك البطون فيما بعد حتى صارت في عداد القبائل. كانت مواطن هذه القبيلة عند دخول الإسلام إلى المغرب بجبل زرهون وما جاوره، وكان أميرها يدعى سكرديد بن زوغى، ولى عليهم مدة 73 سنة، وأدرك الفتح الإسلامى، ولما مات سنة 71 بقيت زعامة البربر في هذه القبيلة حتى دخل إدريس الأول المغرب، فتنازل له إسحاق بن محمد الأوربى عن الإمارة وقام بنصرته، وبعد ذلك اندمجت وربة في عداد القبائل البربرية واندثر اسمها، ونسب أهلها إلى الجبل الذى يسكنون به (زرهونى - الزراهنة) ولم يبق يحمل اسمها إلا بطن تحول إلى ناحية تارة واندمج في قبيلة البرانس (وربة) ولكن بقى ما يذكر بها كأولاد الوربى، وحومة الوربية بفاس. (¬2) نزهة المشتاق 1/ 245.

تعيين لموقع مكناسة بالجهة والمسافة، حتى يعلم أن ما بعد عن طريق سلا وعن المسافة المذكورة ليس من مكناسة، وقد تضمن وصفه لبعد ما بين مدنها الإشارة لقدر مساحته أيضا حتى لا يقع في وهم أحد اشتباه شمول موقعها بموقع غيرها مما خرج عنها. وقوله: ومدينة مكناسة يعني أعظم مدنها عمارة وحضارة كما يؤخذ من قوله ولم يكن في أيام الملثم بعد تاقررت ... إلى آخره، أو مراده المدينة القائمة المرعوفة بذلك في وقته. وقوله: الآن، يشير به لتاريخ تأليفه لكتابه المنقول منه، وذلك أواسط القرن السادس من الهجرة كما بينه ابن خلدون في مقدمته وغيره. وقوله سميت باسم مكناس البربري لما نزلها مع بنيه (¬1) ... إلخ، صريح في أن جد القبيلة نفسه نزل بها، فيستفاد من ذلك وجه كونها تسمى تارة مكناس، وتارة مكناسة، وهو أن الأول ملحوظ فيه اسم أكبر الحالين بها، وهو جد القبيلة، والثاني ملحوظ فيه اسم القبيلة. وقوله ولم يكن في أيام الملثم (¬2) ... إلخ، الذي ينصرف إليه هذا الوصف عند الإطلاق هو يوسف بن تاشفين فرد تلك الدولة الكامل أعظم أمراء المرابطين، وإنما قيل له الملثم لكونه كان يستعمل اللثام في وجهه على عادة قومه، وعلى ذلك جرى أمراء بنيه وقومه من بعده، وأيامه كانت في النصف الأخير من القرن الخامس كما علم من تاريخ وفاته الذى قدمناه، وحينئذ يكون هذا مقتضيا لكون تاقررت كانت موجودة زمن يوسف بن تاشفين، وذلك موافق لما قدمناه عن ياقوت الحموي من أن يوسف هو المختط لمكناس الحادثة أي تاقررت، ولكن قدمنا تصريح ابن غازي من أئمة مكناسة بأن تاقررت إنما اختطت بعد ظهور الموحدين، وذلك إنما كان بعد موت يوسف بسنين، وعليه فيحمل الملثم في عبارته على من اختطت تاقررت في أيامه من أمراء بنيه. ¬

_ (¬1) نزهة المشتاق 1/ 244. (¬2) نزهة المشتاق 1/ 244.

فصل: وفيه الكلام على البربر وجبل درن وذي القرنين والدفاع عن البربر مما رموا به وذكر بعض مفاخرهم وما ورد في فضل إفريقية

وقوله: أعمر قطرا من بني زياد، قد قدم أن بني زياد مدينة محصورة، وذلك يدل على أن مراده بقطرها موقعها ومساحتها لا غير. وقوله: في الطريق من تاقررت إلى السوق القديمة على رمتي سهم (¬1) ... إلخ، يعني أن مدينة القصر التي هي حصن عامل مكناسة واقعة في طريق السوق القديم، وبينهما وبين تاقررت القدر المذكور وهو رميتا سهم بالتثنية. وقد تحصل من كلامه هذا وما ذكره قبله أن موقع هذا الحصن يعتبر بين كل من تاورا وبني زياد ومن تاقررت والسوق القديم. وقوله وفي شمال قصر أبي موسى إلى قوله السوق القديمة كذا هو في نسختين اثنتين من نزهة المشتاق قصر بالصاد المهملة وأبي موسى بلفظ الكنية ولا أتحقق الآن المراد بهما، وقد تقدم البحث عن موقع السوق القديمة فارجع إليه. وقوله ومن قبائل بني مكناسة المجاورة لهذه البلاد (¬2) إلى قوله وأَوْرَبَة (¬3) ... إلخ صريح في أن هؤلاء خارجون عق موقع مكناسة وإن جاورها، وفي أن من جملتهم أوربة الذين هم أهل زرهون كما تقدم، والله أعلم وأحكم. فصل قال في الروض: وكانت هذه المواضع كلها في غاية من الخصب وكثرة المياه والأشجار، وكان أهلها آمنين مطمئنين في عيش رغد ونعمة تامة منذ ملك أمراء المسلمين بنو تاشفين بلاد المغرب وأخمد (¬4) الله تعالى بسيوفهم نار الفتنة البربرية فانقطعت مطامع رءوس النفاق من بربر المغرب (¬5). من خطه. قلت: قال بعضهم يشير والله أعلم إلى فتنة جور مغرواة في دولتهم عند انشغالهم بنهب أموال الرعية والفسق وتمزيق الأعراض وما لا يحل سماعه. ¬

_ (¬1) نزهة المشتاق 1/ 245. (¬2) نزهة المشتاق 1/ 245. (¬3) في نزهة المشتاق: "واربة". (¬4) في الروض الهتون: "وأغمد". (¬5) الروض الهتون - ص 58.

والبربر: اختلف فيهم اختلافا كثيرا فقيل إنهم من ولد فارق بن بيص بن حام، والبربر يزعمون أنهم من ولد إفريقش بن صيفى الحميري، وزناتة منهم تزعم أنهم من لخم، والأصح عند أهل التحقيق أنهم من ولد كنعان، وأنه لما قتل ملكهم جالوت الفلسطيني وتفرقت بنو كنعان قصدت منهم طائفة بلاد المغرب وسكنوا تلك البلاد وهم البربر. وقبائل البربر كثيرة جدا، منهم كتامة وبلادهم بالجبال من المغرب الأوسط وكتامة هم الذين أقاموا دولة الفاطميين مع أبي عبد الله الشيعي، ومنهم صنهاجة ومن صنهاجة ملوك إفريقية بنو بلكين بن زيري، ومن قبائل البربر زناتة وكان منهم ملوك فاس وتلمسان وسجلماسة ولهم الفروسية والشجاعة المشهورة، ومن البربر المصامدة وسكناهم في جبال درن، وهم الذين قاموا بنصر المهدي بن تومرت وبهم ملك عبد المؤمن وبنوه بلاد المغرب وانفرد من المصامدة قبيلة هنتاته -بنون فتاء ثم تاء بعد الألف فهاء السكت- وملك منهم إفريقية والمغرب الأوسط أبو زكريا يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص، ثم خطب لولده أبي عبد الله محمد بن يحيى بالخلافة واستمر الحال على ذلك إلى سنة اثنتين وخمسين وستمائة، ومن قبائل البربر المشهورة برغواطة ومنازلهم في تامسنا على البحر المحيط، وقيل إن برغواطة منسوبون إلى برغاطي وهو صالح بن طريف اليهودي نسب إلى الموضع الذي نشأ به وهو برغاطة موضع بفحص شريش من بلاد الأندلس، فعربت العرب هذا الاسم، وقالوا برغواط، وقد كانت هذه الفرقة على غير الإسلام وفيهم من تنبأ كذبا وزورا وقد قطع الله دابرهم فلم تبق لهم من باقية. والبربر مثل العرب في سكنى الصحاري ولهم لسان غير العرب قال ابن سعيد: ولغاتهم ترجع إلى أصول متحدة وتختلف فروعها حتى لا تفهم إلا بترجمان كذا في تاريخ أبي الفداء مع زيادة من غيره.

ودرن بالتحريك جبل عظيم من جبال البربر بالمغرب فيه عدة قبائل وبلدان وقرى، وهو المعروف في كتب المسالك والجغرافيا بالأطلس، ويعرف في كل محل باسم فيعرف في بلاد المصامدة بالكلاوي وهو المطل على مراكش ويعرف بداخلية بلاد البربر بجبل العياشي. قال ابن سعيد: وهو جبل شاهق مشهور لا يزال عليه الثلج أوله عند البحر المحيط الغربي في المغرب وآخره في جهة الشرق على ثلاثة مراحل من إسكندرية من الديار المصرية ويسمى طرفه الشرق المذكور رأس أوتان فكون امتداده نحو خمسين درجة. قال ابن خلدون ويسكن هذا الجبل من البربر أمم لا يحصيهم إلا خالقهم ثم قال: إن جبل درن هذا من جهة غربيه مطل على بلاد المغرب الأقصى وهي في جوفه ففي الناحية الجنوبية منها بلاد مراكش وأغمات وتادلا، وعلى البحر المحيط منها بلاد آسفى ومدينة سلا، وفي الجوف عن بلاد مراكش بلاد فاس ومكناسة وتازا وقصر كتامة وهذه هي التي تسمى المغرب الأقصى في عرف أهلها، وعلى ساحل البحر المحيط بلدان أصيلا والعرائش، وقد سميت هذه البلاد شرقا بلاد المغرب الأوسط وقاعدتها تلمسان. وسيأتي عن ابن سعيد وغيره ما يخالف ما قاله ابن خلدون هنا في تفسير المغرب الأقصى، وفي القاموس وشرحه والبربر جيل من الناس لا تكاد قبائله تنحصر. قال أبو عبد الله الحميري المتوفى سنة تسعمائة في الروض المعطار في أخبار الأقطار: إنهم والحبشة من ولد حام وقيل إنهم من بقية نسل يوشع بن نون من العماليق الحميرية وهم رهط السمياع وأنه سمع لفظهم فقال ما أكثر بربرتكم وقيل غير ذلك الجمع البرابرة زادوا الهاء فيه إما للعجمة وإما للنسب وهو الصحيح.

قال الجوهري: وإن شئت حذفتها، وهم أي أكثر قبائلهم بالمغرب في الجبال من سرس وغيرها متفرقة في أطرافها وهم زناتة وهوارة، وصنهاجة، ونفزة، وكتامة، ولواته، ومديونه، وشباته، وكانوا كلهم بفلسطين مع جالوت فلما قتل تفرقوا كذا في الدرر الكامنة للحافظ ابن حجر. وقال البلاذري: حدثني بكر بن الهيثم، قال: سألت عبد الله بن صالح عن البربر فقال: هم يزعمون أنهم من ولد قيس بن عيلان وما جعل الله لقيس من ولد اسمه بر. وقال أبو المنذر: هم من ولد فاران بن عمليق بن يلمع بن عابر بن شليخ بن لوذ بن سام بن نوح، والأكثر الأشهر أنهم من بقية قوم جالوت وكانت منازلهم فلسطين، فلما قتل جالوت تفرقوا إلى المغرب، أو هم بطنان من حمير صنهاجة وكتامة صاروا إلى البربر أيام فتح والدهم إفريقش الملك بن قيس بن صيفي بن سبأ الأصغر، كانوا معه لما قدم المغرب وبني إفريقية، فلما رجع إلى بلاده تخلفوا عنه عمالا له على تلك البلاد فتقووا إلى الآن وتناسلوا، انتهى. وما أنكره عبد الله بن صالح في نسب البربر هو الذي اقتصر عليه ابن أبي زرع في أنيسة في خصوص زناتة ومنهم بنو مرين، وبين في رفع نسبهم لقيس أن جالوت من حملة أجدادهم، وعلى مثل ذلك اقتصر أيضا ابن الخطيب في الحلل الموشية لكن قال ابن خلدون: إدخال جالوت في نسب البربر خطأ والحق أن جالوت من بني فلسطين أحد شعوب حام وهم إخوة القبط والبربر والحبشة والنوبة كما ذكرنا في نسب أبناء حام، وقد دثرت أمة فلسطين وكنعان وشعوبهما لهذا العهد ولم يبق إلا البربر، واختص اسم فلسطين بالوطن الذي كان لهم. والتحقيق الذي لا ينبغي التعويل على غيره أن البربر من ولد كنعان انظر أوائل الجزء السابع من تاريخه فقط بسط فيه رد ما يخالف ذلك معتمدا على ما

حرره إماما الفن حافظا الأندلس أبو محمد ابن حزم وأبو عمر ابن عبد البر قائلا فهم ولد كنعان بن حام بن نوح واسم أبيهم مازيغ، انتهى. وقد جزم الحافظ ابن حجر في الفتح بأن بني مرين من البربر. ومما يستملح إيراده هنا في مناسبة ذكر هذا الاسم أعنى اسم أبيهم ما ساقه في الاستقصا من كتاب الجمان إذ قال: لما كانت خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه واستفتحت مدينة مصر وكان عليها عمرو بن العاص، قدم عليه ستة نفر من البربر محلقين الرءوس واللحي، فقال لهم عمرو ما أنتم وما الذي جاء بكم؟ قالوا: رغبنا في الإسلام فجئنا له لأن جدودنا قد أوصونا بذلك، فوجههم عمرو إلى عمر رضي الله عنهما وكتب إليه بخبرهم، فلما قدموا عليه وهم لا يعرفون لسان العرب كلمهم الترجمان على لسان عمر، فقال لهم: من أنتم؟ قالوا: نحن بنو مازيغ، فقال عمر لجلسائه: هل سمعتم قط بهؤلاء؟ فقال شيخ من قريش: يا أمير المؤمنين هؤلاء البربر من ذرية بر بن قيس بن عيلان، خرج مغاضبا لأبيه وإخواته فقالوا بربر أي أخذ البرية، فقال لهم عمر رضي الله عنه: ما علامتكم في بلادكم؟ قالوا نكرم الخيل ونهِين النساء، فقال لهم عمر: ألكم مدائن؟ قالوا: لا، قال: ألكم أعلام تهتدون بها؟ قالوا: لا، قال عمر: والله لقد كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض غزواته فنظرت إلى قلة الجيش وبكيت فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا عمر لا تحزن فإن الله سيعز هذا الدين بقوم من المغرب ليس لهم مدائن ولا حصون ولا أسواق ولا علامات يهتدون بها في الطرق، ثم قال عمر: فالحمد لله الذي منّ عليّ برؤيتهم ثم أكرمهم ووصلهم وقدمهم على من سواهم من الجيوش القادمة عليه، وكتب إلى عمرو بن العاص أن يحملهم على مقدمة المسلمين وكانوا من أفخاذ شتى (¬1)، انتهى. قلت: وهذه الحكاية غريبة جدا فهي في عهدة صاحب الجمان، في أخبار الزمان، وهو العلامة المؤرخ الأجل المشهور بالشُّطَيْبِى. ¬

_ (¬1) الاستقصا 1/ 130.

وقد استفيد مما تقدم أن أكثر سكان المغرب من قبائل البربر، وعليه فلا ريب أنهم ممن ينسحب عليه ذيل القوم الذين وجدهم ذو القرنين عند مغرب الشمس الذين ذكرهم الله تبارك وتعالى في محكم ذكره لكل ما يعاملون به من الخير وضده كما قال جلت قدرته: {فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86)} [سورة الكهف آية 86، 85]. قال الشيخ زروق في القواعد: لكل بلاد ما يغلب عليها من الحق والباطل، فإذا أردت أن تعرف صالح بلد أي أن تقف على الحقيقة فيما ينسب إليه من الخير والدين فانظر لباطل أهلها، أي الذي غلب على أهلها من الأوصاف المذمومة شرعا هل هو بريء منه أو لا؟ فإن كان بريئا منه فهو ذاك، أى فهو صالح كما يقال عنه، وإلا بأن كان غير سالم من تلك الأوصاف الرذيلة القبيحة في عين الشرع فلا عبرة به، أي لأن مشاركته لهم في باطلهم هي عنوان مساواته لهم في ضلالهم، فلم يتميز حينئذ عنهم بصلاح حال ولا بزكي من الأفعال، فمن أين يكون صالحا فيهم، وبحسب هذا فاعتبر في أهل المغرب الأقصى من الأوصاف المحمودة شرعا السخاء وحسن الخلق، أي لأن الباطل الغالب على أهله هو الشح وسوء الخلق، فإن وجدته أي فيمن ينسب لصلاح منهم فاعلم أنه كما يقولون، وإلا فدع أي لكونه من جملة أهل ذلك الباطل الذين تطلب أنت ضدهم، وفي أهل الأندلس كذلك، وفي أهل المشرق الغيرة لله وسلامة الصدر، لأن الباطل الذي غلب عليهم هو الأضغان والأحقاد وعدم الغيرة الدينية إلى غير ذلك، وقد أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهذا الأصل أي ما غلب على أهل البلاد من خير أو شر فذكر أوصاف البلاد. وعوارضها كقوله في المشرق: الفتنة ها هنا. وكذا نجد، وفي الفرس: لو كان الإيمان عند الثريا لتناوله رجال من فارس، وفي أهل اليمن: إنهم ذوو أفئدة. وفي أهل المدينة: إنهم خير الناس مع ما وصفهم الله به من قوله: يحبون من هاجر إليهم.

وقال عليه الصلاة والسلام: السكينة والوقار في أهل الغنم، والفخر والخيلاء في أهل الخيل، والغلظة والجفاء في الفدادين، تبع أذناب الإبل والبقر. وقال عمر رضي الله عنه في إفريقية: بلاد مكر وخديعة. وقال مولانا جلت قدرته لذي القرنين في أهل المغرب الأقصى {إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} فدل على استحقاقهم لكل ما يعاملون به من خير أو شر وأنهم لذلك أهل والله أعلم، انتهى. من القواعد بزيادة شرح وإيضاح. ولا ريب أن البربر من أهل الغنم والخيل، وأنهم من تباع أذناب الإبل والبقر كما هو مشاهد، وعليه فقد توفرت فيهم دواعي الخير والشر كما علم مما تقدم. ثم إن أشار إليه الشيخ زورق من حمل الآية على التخبير عليه اقتصر أكثر المفسرين. ومنهم من حمل (إِمَّا) فيها على التنويع والتقسيم، ثم الذاهبون إلى الأول اختلفوا في تصويره -وفي طريق تحريره- ففي أبي السعود إما أن تعذب بالقتل من أول الأمر وإما أن تتخذ فيهم حسنا بالدعوة إلى الإسلام والإرشاد إلى الشرائع. ثم قال وخير بين القتل والأسر والجواب من باب أسلوب الحكيم، لأن الظاهر التخبير بينهما وهم كفار، ثم قال: ويجوز بأن تكون (إما)، (وإما) للتنويع دون التخيير أي وليكن شأنك إما التعذيب وإما الإحسان فالأول لمن بقي على حاله والثاني لمن تاب، انتهى. وفي الخازن إما أن تعذب بقتل من لم يدخل في الإسلام، وإما أن تتخذ فيهم حسنا، يعني تعفو وتصفح، وقيل: تأسرهم فتعلمهم الهدى خيره الله بين الأمرين، انتهى. وفي النسفي خير بين أن يعذبهم بالقتل إن أصروا على أمرهم، وإما أن تتخذ فيهم حسنا بإكرامهم وتعليم الشرائع إن آمنوا والتعذيب القتل، واتخاذ الحسنى الأسر، انتهى.

وفي النيسابوري: خيره الله بين أن يعذبهم بالقتل وأن يتخذ فيهم حسنا وهو تركهم أحياء فاختار الدعوة والاجتهاد، انتهى. وفي روح البيان أنت مخير في أمرهم بالدعوة إلى الإسلام، إما تعذيبك بالقتل أن أبوا وإما إحسانك بالعفو والأسر، وسماهما إحسانا في مقابلة القتل ويجوز أن يكون إما وإما للتنويع إلى آخر ما سبق عن أبي السعود، انتهى. وفي البيضاوي فخبره الله بين أن يعذبهم أو يدعوهم إلى الإيمان كما حكى بقوله قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب -أي بالقتل على كفرهم، وإما أن تتخذ فيهم حسنا- بالإرشاد وتعليم الشرائع. وقيل خيره الله بين القتل والأسر وسماه إحسانا في مقابلة القتل ويؤيد الأول قوله: (أما من ظلم) إلى (نكرا) أي فاختار الدعوة وقال أما من دعوته فظلم نفسه بالأسرار. ثم قال: ويجوز أن تكون (إما)، (وإما) للتقسيم دون التخيير، انتهى. وفى البحر، وقوله: إما أن تعذب بالقتل على الكفر، وإما أن تتخذ فيهم حسنا بالحمل على الإيمان والهدى إما أن يكفروا فتعذب وإما أن يؤمنوا فتحسن فعبر في التخيير بالمسبب عن السبب. قال الطبري: إيجاد الحسنى هو أسرهم مع كفرهم، يعني أنه خيره مع كفرهم بين قتلهم وبين أسرهم وتفصيل ذي القرنين أما من ظلم ... إلخ يدفع هذا القول، انتهى. وفي ابن جرير يقول: إما أن تقتلهم إن لم يدخلوا في الإقرار بتوحيد الله ويذعنوا لذلك بما تدعوهم إليه من طاعة ربهم، وإما أن تتخذ فيهم حسنا، يقول: وإما أن تأسرهم فتعلمهم الهدى وتبصرهم الرشاد، انتهى. وفي الفخر: خير الله ذا القرنين فيهم بين التعذيب لهم إن أقاموا على كفرهم، وبين المن والعفو عنهم، وهذا التخيير على معني الاجتهاد في أصلح الأمرين، كما خير عليه السلام بين المن على المشركين وبين قتلهم.

وقال الأكثرون هذا التعذيب هو القتل وأما اتخاذ الحسنى فيهم فهو تركهم أحياء. قلت: والتخيير في الآية في أهل المغرب الأقصى على أحد القولين بين التعذيب والإحسان اللذين شرحتهما التفاسير سابقا هو بالنظر لحالهم الكفري وقتئذ أما من صار منهم بعد مسلما فليس إلا الإحسان في حقه باحترام نفسه وماله كما قال عليه الصلاة والسلام في حديث الصحيح، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها الحديث. وأما ما يتبادر من قول زورق سابقا، فدل على استحقاقهم لكل ما يعاملون به من خير أو شر وإنهم لكذلك، انتهى. من كونهم يستحقون ذلك حتى في زمنه الذي هم فيه على الإسلام فيتعين أن يكون محله ما يستحقونه بالذنوب التي يرتكبونها وقتئذ وإلا فالإسلام عاصم للدم والمال قطعا كما رأيت نص صاحب الشرع عليه فلا تغتر بالظواهر المقطوع بتعطيلها وعدم الوقوف معها، على أن الآية إنما هي خبر عما قيل لذي القرنين في قوم معينين فلا مساس لها بما فهمه الشيخ زورق. وقد أشار في "صبح الأعشى" تبعا لابن سعيد إلى ما أومأ إليه الشيخ زروق من كون أهل المغرب الأقصى بعد كون الإسلام وصفهم فيهم أوصاف خيرية تقتضي الإحسان وأوصاف شرية تقتضي عدمه بقوله: قد تقدم أن معظم هذه المملكة في الإقليم الثالث أي في بعضه، قال ابن سعيد: الأقليم الثالث هو صاحب سفك الماء والحسد والقتل والغل وما يتبع ذلك قال وللمغرب الأقصى من ذلك الحظ الأوفر سيما في جهة السوس وجبال درن، فإن قتل الإنسان عندهم على كلمة وهم بالقتل يفاخرون، ثم قال: إن الغالب على أهل المغرب الأقصى كثرة التنافس المفرط والحماقة وقلة التغاضي والتهور والمفاتنة، أما البخل فإنما هو

في أراذلهم بخلاف الأغنياء، فإن في كثير منهم السماحة المفرطة والمفاخرة بإطعام الطعام والاعتناء، بالفاضل والمفضول (¬1). قلت: وما وسم به أهل جبال درن هو الشائع عنهم لحد الآن، وخصوصًا عن جبابرة رؤسائهم، وأما التهور والمفاتنة فقد كان ذلك ديدنا شائعًا في نواحي المغرب الأقصى وخصوصًا عند أهالي البدو من بربره إلى أن أخمدت جل ذلك جيوش الحماية، وهذه السمات وأمثالها هي التي تأهلوا بها بعد الإسلام للدخول تحت قوله تعالى: {إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ}، ولكنهم قد اتصفوا مع ذلك بسمات حسنة التي منها السماحة المتقدمة في كلام ابن سعيد وإن خالفه ما تقدم عن زروق، ويمكن الجمع بينهما بحمل كلام كل واحد منهما على جهة من المغرب الأقصى مخصوصة، وإن أطلق كل واحد منهما في العبارة، ولكن الجمع يتعين عند الإمكان ومنها غير ذلك من الفضائل والفواضل التي امتاز بها المغرب على غيره وحفظها التاريخ، وبمثل ذلك تأهلوا بعد إسلامهم أيضًا للدخول تحت قوله تعالى: {وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا}، فإن قلت مقتضي التخيير استواء الطرفين مع أن المسلم إذا أتى أحد الأمور الداخلة تحت قول الحديث السابق إلا بحقها من كفر بعد إيمان أو زنى بعد إحصان أو قتل معصوم، فقد ارتهن في موجب حد، وقد تقرر أن الحدود لا يسوغ شرعًا التساهل فيها، فأين التخيير حينئذ؟ قلت: التخيير الحقيقي الموافق لظاهر الآية هو فيما عدا ما يوجب حدًا من حقوق الإسلام، وأما التخيير فيما يوجب حدًا فهو بالنظر إلى قتل النفس حقيقي أيضًا، لأن الولي له العفو فهو مخير، وأما حد الكفر، فإنما يتعين إن لم يتب، وأما إن تاب وراجع الإسلام فلا، وهذا أيضًا تخيير بالنظر إلى مرتكب ذلك بين الرجوع عما صدر منه فيخلي سبيله وبين الاستمرار عليه فيقام عليه الحد فهو تخيير في الجملة. ¬

_ (¬1) صبح الأعشى 5/ 178.

وكذا الزاني بعد إحصان، فإنه إن ثبت عليه ذلك بإقرار، له الرجوع عنه، فهو في التخيير على وتيرة الذي قبله يليه، وإن لم يكن تخييرًا بالنسبة للحاكم الذي هو مقتضى الآية، ثم إنك إذا أعطيت النظر فيما سبق حقه تجد سائر الأقطار الإسلامية أهلها بهذا الصدد فيهم الخير والشر والفاضل والمفضول، وإنما تمايزت الأقطار والجهات بكون الخير أو الشر الذي في جهة غير ما يكثر منها في جهة أخرى، وهذا هو الذي سبق مشروحًا في كلام زروق. وبهذا البيان يلوح لك أن آية تخيير ذي القرنين في أهل المغرب حالة كفرهم هي من أعظم مناقب المغرب وأهله، بحيث كانوا بوصف قاض عليهم بالتعذيب لا غير، ومع ذلك نصت الآية على أن العدول عنه لاتخاذ الحسنى فيهم هو أمر لا تأباه قوالبهم، ولا تقصر عن استحقاقه عواملهم، فالشر الحالي وقتئذ وبعدئذ فيهم عارض، والخير هو العرق الأصلي النابض، وكذلك كان ويكون فإنهم لا يدلون دلالة ثقة عارف ماهر على خير إلا وقصدوه، ولا يحملون حمل مجد راسخ على صلاح حال إلا وتشبثوا به وألفوه. ولهذا جاء في بعض روايات حديث الطائفة التي لا تزال ظاهرة على الحق أنها بالمغرب، وعضدت ذلك رواية لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة، واللفظ محمول على حقيقته حتى تدل قرينة على أن المراد خلافه أو يؤدي ظاهره إلى محال، فعند ذلك يتعين صرفه عن الظاهر، على أن الحديث شامل لأهل المغرب حتى على صرفه عن ظاهره في بعض تأويلاته. هذا ولكون ياقوت الحموي شرقيًا ضدا للمغرب وأهله أساء في معجمه حيث تكلم على البربر الذين هم معظم سكانه فأورد آثارا في ذمهم لا توجد في الأصول المعول عليها، ولا تكاد تصح عند ذوي الأنظار السليمة لمضادتها للأصول المقطوع بها، ولم يكترث بما ورد في إثم من كذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - وكثر سواد ذلك

بكلمات أضافها لابن حوقل التاجر تنبيء عن سفه القائل والناقل، من حيث إن لكل ساقطة لاقطة ونطق الأراذل العوراء من يعن بالمجد لم ينطق بما سفه ... ولم يحد عن سبيل المجد والكرم والعيان مكذب لتلك التقولات، ومنزه للملموزين بها عن سفسافها، والنادر إن وجد لا حكم له، إذ لا يحسب الخلق السيئ على الأمة إلا إذا كان فاشيًا عند أفرادها مألوفًا عند جميعهم، يفعله فاعله منهم من غير أن يحاذر نكيرا أو يخشى لومة لائم، لا يخالفه أحد منهم إلا مستترا، ويخاف المذمة إن ظهر بالمخالفة أمام الجمهور. فإن كان الخلق السيئ يتصف به فرد أو جماعة يستترون به أو يعلنونه مع اشمئزاز الجمهور منهم، كانت المذمة قاصرة على الفاعلين لا تعدوهم إلى الأمة بأسرها، وحينئذ يكون من الخطأ الفاحش ما ألصقه ياقوت بجنب الأمم البربرية ونبهنا على ذلك هنا لئلا يغتر به الجهول ومن في قلبه مرض ويقع في مهواة مرتعه الوخيم، وقديما حذر الناصحون من الاغترار بكل ما في بطون التواريخ حسبما مر بك فيما أسلفناه من التنبيه على ذلك في المقدمة فلا تغفل. وقد وقع لصاعد الأندلسي وهو من أهل القرن الخامس في كتاب "طبقات الأمم" (¬1) أن البربر خصهم الله بالجهل والطغيان ومراده جهل العلم الفلسفي الذي هو موضوع مدحه وأن البربر لم يستنبطوا شيئًا منه بعقولهم قديمًا ولا عرفوا بالمهارة فيه. وأقول: العلم الفلسفي لم ينفرد البربر بالخلو عنه بل قد شاركهم في الخلو عنه قديمًا أمم كثيرة، منهم العرب الذين هم أشرف الأمم حسبما تظاهرت على ¬

_ (¬1) طبقات الأمم - ص 18.

ذلك الأدلة، وخلو العرب من العلم الفلسفي هو بشهادة صاعد نفسه، إذ قال (¬1): فهذا ما كان العرب من المعرفة، وأما علم الفلسفة فلم يمنحهم الله شيئًا منه، ولا هيأ طباعهم للعناية به ... إلخ. وحينئذ فالفلسفة إن كانت شرفًا فالمصيبة إذا عمت هانت وإن لم تكن كذلك وهو دليل خلو شرف الأمم عنها فقد طهرهم الله منها، ولذلك لما فتح الصحابة - رضوان الله عليهم - بلاد فارس زمن ثاني الخلفاء الراشدين الفاروق رضى الله عنه ووجدوا الكثير من كتب الفلسفة بها، وكتب إليه أمير الجيش سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه يستشيره فيما يفعل بها؟ أجابه بقوله: اطرحوها في ماء يمحوها فإن يكن فيها خير فقد أغنانا الله بأهدى منه، وإن يكن شرًا كفانا الله إياه، انتهى. فامتثلوا ما أشار به من إعدامها بغرق أو حرق نقله ابن خلدون وغيره. وأما تفرقة صاعد بين العرب والبربر بأن العرب كانت عارفة بفنون لغتها فهي مردودة بأن كل أمة ذات لغة كذلك، وشفوف لغة العرب تابع لشفوف أهلها وتأكد بورود الكتاب والسنة موافقين لها، فإِذَنْ إنما فزع صاعد لإظهار تلك التفرقة بين العرب وغيرها من الأمم الخالية عن الفلسفة قديمًا ليدفع الشناعة اللازمة بأن ما ذم به البربر واقع في العرب أيضًا، فكأنه يقول العرب وإن خلت عن ذلك فلها علم في الجملة وليس ذلك بدافع لها عنه، لأنه إنما يمدح بما شرف بنفسه عنده وهو الفلسفة لا بما شرف بغيره، ولأن البربر لما علموا من الشرع شفوف فنون لغة العرب سارع علماؤهم إليها حتى حصلوا على ما أدركته العرب منها، وقبل الشرع لم يتقرر شفوف لغة على أخرى، وكل الأمم كانت على علم من فنون لغتها، فلا وجه حينئذ لتلك التفرقة على أنه وإن تستر بتلك التفرقة أَوَّلاً فقد وقع في الشناعة التي فر منها ثانيًا بقوله فلم يمنحهم الله ... إلخ، فصار ذا ما بذلك للفريقين وكفاه بذلك قبحًا. ¬

_ (¬1) طبقات الأمم - ص 61.

وأيضًا شرف الفلسفة إنما هو في الدنيا لا غير، وقد ذم الله تعالى علما هذه صفته بقوله: يعلمون ظاهرا عن الحياة الدنيا وهم عن الآخرة ... إلخ. وكل شرف لا نتيجة له في المآل. فهو في الحقيقة وبال. على أن ابن خلدون قد عقد في الفصل السادس من مقدمته ترجمتين اثنتين بين فيهما بطلان علمي الفلسفة والتنجيم كما أومأ إلى المفاسد التي دخلت على أهل الدين من الفلسفة، وحينئذ فالشفوف الحقيقي، إنما هو لمن شرفه علمه في الحال والمآل، ولعلماء البربر من ذلك الحظ الوافر والحمد لله. وناهيك مهم في القرن الثالث وأوائل الرابع بأبي جعفر أحمد بن نصر بن زياد البربري أحد العلماء الراسخين، ومن بهم في حفظ المذهب المالكي يضرب المثل، وبابن القوطية من أئمة العربية وهو من أهل القرن الرابع، وبأبي الحسن الجزيري من أئمة علم الوثائق وهو من أهل القرن السادس، وبشهاب الدين القرافي من أئمة المعقول والمنقول وهو من أهل القرن السابع، وبأبي محمد عبد الله بن أبي بكر الصَّودي بفتح الصاد من أئمة الحساب والفرائض وهو أيضًا من أهل القرن السابع، وبأبي محمد صالح الفاسي، وأبي محمد التادلي وهما من أئمة الفقه المضروب بهما المثل في حفظه وإتقانه علما وعملا، وهما أيضًا من أهل القرن السابع، ومثلهما في ذلك وفي الفرائض الحافظ السطي الأوربي نسبة إلى أوْربة -بفتح الهمزة والراء المهملة والباء الموحدة- بطن من البرانس كذا في سبائك الذهب، وهو من أهل القرن الثامن، وبابني الإمام أبي زيد وأبي موسى التلمسانيين من أئمة المعقول والمنقول، وهما من أهل النصف الأول من القرن الثامن، وبالإمامين العارفين سيدي إبراهيم التازي، وسيدي إبراهيم المصمودي وهما ممن حار طرفا من القرن التاسع الى غير هؤلاء ممن حفظ التاريخ شرفهم العلمي. وقد حقق كونهم من البربر أهل الخبرة بالأنساب، العارفون بالقواعد في هذا

الباب، وأما من تأخر منهم واشتهرت معارفه في الآفاق كأبي على اليوسي، وأبي سالم العياشي فهم كثيرون والحمد لله وقد عقد البكري في المسالك والممالك، ترجمة أتى فيها بنبذة من تدقيق البربر في السياسة وحسن التلطف في استخراج الحقوق ممن غمصها والوصول إلى تحصيل المصالح بعد درء المفاسد. وبذلك كله يتبين لك أن القول الفصل في هذا البساط هو ما نبه عليه صاحب "الاستقصا" إذ قال: البربر من أعظم الأجيال وأعزها ولهم الفخر الذي لا يجهل، والذكر الذي لا يمهل. وقد تعددت فيهم الملوك العظام. وكان لهم القدم الراسخ في الإسلام. واليد البيضاء في إعلاء كلمة الله، ومنهم أئمة وعلماء وأولياء وشعراء وأهل المزايا والفضائل (¬1)، انتهى. وبعد أن كتبت ما تقدم وجدت الباقعة أبا زيد ابن خلدون سبق إلى تحرير ذلك فقال: قد ذكرنا من أمر البربر وأخباره ما يشهد بأنه عزيز على الأيام، وأنهم قوم مرهوب جانبهم، كثير جمعهم، مظاهرون لأمم العالم وأجياله من العرب والفرس واليونان والروم، وأما تخلقهم بالفضائل الإنسانية وتنافسهم في الخلل الحميدة وما جبلوا عليه من الخلق الكريم ومرقاة الشرف والرفعة بين الأمم، ومراعاة المدح والثناء من الخلق من عز الجوار، وحماية النزيل، ورعي الوسائل، والوفاء بالقول والعهد، والصبر على المكاره، والثبات في الشدائد، وحسن الملكة والإغضاء عن العيوب، والتجافي عن الانتقام، ورحمة المسكين، وبر الكبير، وتوقير أهل العلم، وحمل الكل وكسب المعدوم، وقرى الضيف، والإعانة على النوائب، وعلو الهمة، وإباية الضيم ومشاقة الدول، ومقارعة الخطوب، وغلبة الملك، بيع النفوس من الله في نصر دينه فلهم في ذلك آثار نقلها الخلف عن السلف، وحسبك ما اكتسبوه من حميدها واتصفوا به من شريفها، أَنْ قَادَتْهُم إلى ¬

_ (¬1) الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى 1/ 120.

مراقي العز وأريت (¬1) بهم على ثنايا الملك، حتى علت على الأيدي أيديهم ومضت في الخلق بالقبض والبسط أحكامهم، وأما إقامتهم لرسوم الشريعة، وأخذهم بأحكام الملة ونصرهم لدين الله، فقد نقل عنهم منه ما كان ملاكا لعزهم ومقادا إلى سلطانهم، وقد كان للمبرزين من ملوكهم كيوسف بن تاشفين، وعبد المؤمن ويعقوب المريني من الاهتمام بالعلم والجهاد وتشييد المدارس، واختطاط الزوايا وسد الثغور وبذل النفوس في ذات الله، وإنفاق الأموال في سبيل الخير، ومجالسة أهل العلم، وترفيع مكانهم، والوقوف عند حد إشاراتهم، والتعرض لشكوى المتظلمين، وإنصاف الرعايا من العامل والضرب على يد أهل الجور ما شهد لهم بها آثارها الباقية بعدهم، وأما وقوع الخوارق فيهم، وظهور الكاملين في النوع الإنساني من أشخاصهم، فقد كان فيهم من الأولياء المحدثين أهل النفوس القدسية، والعلوم الوهبية، ومن حملة العلم عن التابعين ومن بعدهم من الأئمة كسعيد بن واسول جد بني مدرار ملوك سجلماسة، أدرك التابعين وأخذ عن عكرمة، وكأبي زيد مخلد ابن كيداد (¬2) اليفرني الخارج على الشيعة سنة ثنتين وثلاثمائة، وكمنذر بن سعيد قاضي الجماعة بقرطبة المتوفي عام ثلاثة وثمانين وثلاثمائة، وكأبي محمد بن أبي زيد أحد أعلام المغرب، وككبير علماء أنساب البربر سابق بن سليمان وغيرهم من علماء الفنون (¬3) هذا ملخص الغرض من كلام ابن خلدون وناهيك به في هذا الباب. تنبيه: ما سبق عن زروق عن سيدنا عمر في إفريقية لا يعارضه ما أورده غير واحد كالبكري في "المسالك والممالك" وابن الدباغ في "معالم الإيمان" من الأحاديث في فضل إفريقية، لأن تلك الأحاديث لم تصح. ¬

_ (¬1) في تاريخ ابن خلدون الذي ينقل عنه المصنف "وأوفت". (¬2) في المطبوع: "كيداء" والمثبت عن ابن خلدون. (¬3) الخبر بطوله لدى ابن خلدون في تاريخه 6/ 103 - 106.

فصل: وفيه الكلام على ورزيغة والروم على اختلافهم وبحث في الأسد والفهد والنمر

بل قال ابن ناجي في ذيل "معالم الإيمان" بعد ايرادها سمعت شيخنا أبا القاسم البْرزُلي يقول عن شيخه وشيخنا أبي عبد الله ابن عرفة يغلب على الظن أنها موضوعة. فصل: وحيث أتينا بشرح ما يتعلق بمن بهم سميت بلدتنا هذه مكناسة فلنرجع لتتميم ذلك بذكر من انضاف إليهم في حلولها وقت تخطيطها فنقول: قال في "الروض": وورْزِيِغَة يذكر أن أصل أهلها روم (¬1)، انتهى. قلت: ورزيغة -بفتح الواو وسكون الراء وكسر الزاي وسكون الياء وفتح الغين المعجمة بعدها هاء تأنيث. والروم بالضم ويقال لهم بنو الأصفر جيل معروف يجمع فرقًا شَتَّى، واختلفوا في نسبتهم، فقيل: هم من ولد الروم بن عيصو بن إسحاق عليه السلام سموا باسم جدهم، وقيل: سموا روما، لأنهم كانوا سبعة رَامُوا فتح دمشق ففتحوها وقتلوا أهلها، وكان سكانها سَكَرة -بفتحات- للعازر بن نمروذ بن كبوش بن حام بن نوح عليه السلام والسكرة الفعلة ثم جعلوا يتقدمون حتى انتهوا إلى أَنْطَاكِيَة، ثم جاءت بنو العيص فأجلوهم عما افتتحوا وسكنوه حتى انتهوا إلى القسطَنطينية فسكنوها فسموا الروم بما رَامُوا من فتح هذه الكور، وقيل في وجه تسميتهم غير هذا. وقد حكى المسعودي في "مروجه" أقاويل ترجع كلها إلى أنهم من ذرية عيصو، لكن قال ابن خلدون قد أنكر ذلك المحققون، والصحيح نسبهم إلى يافث. وقد خطَّأ ابنُ حزم قول من نسبهم ليعصو قال: وإنما وقع هذا الغلط لأن موضع بني عيصو الذي يقال له يسعون يسمي أروم فظنوا أن الروم من ذلك الموضع وليس كذلك، لأن الروم إنما نسبوا إلى رُوملُس (¬2) باني رومة (¬3)، انتهى. ¬

_ (¬1) الروض الهتون - ص 54. (¬2) في المطبوع: "روماش" والمثبت لدى ابن حزم الذي ينقل عنه المصنف. (¬3) جمهرة أنساب العرب - ص 511.

قال ابن خلدون: ثم المحققون ينسبون الروم جميعًا إلى يونان الإغريقيين منهم واللطينيين ويونان معدود في التوراة من ولد يافث لصلبه، انتهى. واقتصر في روح البيان على أن الروم الأولى من ولد يافث والأخيرة من ولد عيصو بن إسحاق ... إلخ. قلت: وهذا الذي اقتصر عليه قد نسبه السهيلي قبله لغير واحد فقال في روضه: وليس كل الروم من ولد بني الأصفر فإن الروم الأولى فيما زعموا هم من ولد يونان بن يافث بن نوح والله أعلم بحقائق هذه الأشياء وصحتها، انتهى. فإن صح هذا القول المفصل أمكن الجمع به بين ما نقله ابن خلدون وما نقله غيره ولم يحتج إلى تخطئة ما نقله غير ابن خلدون على كثرتهم. قال ابن خلدون وأما الإفرنج فنسبهم هروشيوش (¬1) مؤرخ الروم إلى غطرما ابن عومر بن يافث. وقال ابن سعيد فيما نقل عن البيهقي وغيره: أن يونان هو ابن علجان بن يافث ولذلك يقال لهم العلوج، ويشاركهم في هذا النسب سائر أهل الشمال من غير الترك، فالإغريقيون من ولد إغريقش بن يونان، والروم من ولد رومي بن يونان، واللطينيون من ولد لطين بن يونان، فالشعوب الثلاثة من ولد (¬2) يونان. قال: وأعظم من أخذ بدين النصرانية الإفرنج، وقاعدة بلادهم فرنجة ويقولون فرنسة بالسين، وملكهم الفرنسيس وهؤلاء فرنسة أعظم ملوك الفرنجة ومن الفرنجة البنادقة والجلالقة، انتهى كلام ابن خلدون ملخصًا. وحاصل ما نقله عن ابن سعيد أن اليونان يجمع الروم بفرقهم والإفرنج يفرقهم لأن الإفرنج من جملة أهل الشمال. وقد حكى المسعودي في مروجه الاتفاق على أن الإفرنج من ولد يافث بن ¬

_ (¬1) في المطبوع: "هيورش" والمثبت لدى ابن خلدون 2/ 184. (¬2) تاريخ ابن خلدون 2/ 184.

نوح إلا أنه لم يعين الواسطة التي يدلون بها إليه وقد سبق بيان واسطتهم في نقل ابن خلدون عن مؤرخ الروم وعن ابن سعيد، وذلك مصرح بأن الروم غير الإفرنج الذين من جملتهم الإفرنسيس. لكن يشكل على ذلك ظاهر قول الحافظ ابن حجر في فتح الباري: أنبأني غير واحد عن القاضي نور الدين ابن الصائغ الدمشقي، قال حدثني سيف الدين فليح المنصوري، قال أرسلني الملك المنصور قلاوون إلى ملك المغرب بهدية فأرسلني ملك المغرب إلى ملك الإفرنج في شفاعة فقبلها وعرض على الإقامة عنده فامتنعت، وقال لي لأتحفنك بتحفة سنية، فأخرج لي صندوقًا مصفحًا بذهب فأخرج منه مقلمة ذهب فأخرج مها كتابا قد زالت أكثر حروفه وقد التصقت عليه خرقة حرير فقال: هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر ما زلنا نتوارثه ... إلخ. ونحوه في عمدة القاري للعيني من غير ذكر سنده فانظر قوله ملك الإفرنج مع قوله هذا كتاب نبيكم إلى جدي ... إلخ، فإنه ظاهر في كون هذا الملك من جنس رعيته الفرنج وخصوصا الفرنسيس منهم لما تقدم عن ابن خلدون من أن فرنسة أعظم ملوك الإفرنجة، انتهى. فتكون الأفرنجة وخصوصا فرنسا منهم من الروم، إذ لا خلاف أن قيصر الذي قال فيه ملك فرنجة في هذه القضية -إنه جده- من عظماء الروم. وعلى هذا فما وقع في كتاب سيدنا الجد الأكبر المولى إسماعيل لسلطان فرنسا في حينه وهو لويز الرابع عشر من قوله: أنت من سلالة عظيم الروم الذي كتب له جدنا وسيدنا ... إلخ. وكذا ما وقع له في كتابه لسلطان إنكلترا حيث غاضبه قومه وفر إلى سلطان الفرنسيس من قوله له فيه كما خاطب أي النبي - صلى الله عليه وسلم - قيصر ملك الروم جد هذا الملك الذي لجأت إليه، وأنت مقيم لديه ... إلخ. كلاهما صحيح.

وفي ذلك كله حجة لما كلف قرره بعض محققي مشايخنا في درسه على البخاري من أن هرقل الذي كتب له - صلى الله عليه وسلم - هو جد للدولة الحامية، انتهى. والحاصل أن الاعتماد على هذا أولى من الاعتماد على ما نقله ابن خلدون في نسب الإفرنج عن مؤرخ الروم، ويعضد ذلك ما جزم به الشيخ فريد وجدي في "دائرة معارفه" من أن فرنسا أصلها من اللاتينيين، انتهى. واللاتينيون هم اللاطينيون وقد سبق أنهم من الروم، ويعضده أيضًا قول ابن أبي زرع في أنيسه أن ملك الفرنسيس الرومي نزل على تونس ليلة خمس وعشرين من ذي الحجة سنة ثمان وستين وستمائة قال: وكانت الروم في أربعين ألف فارس ومائة ألف رام. ومائة ألف راجل، انتهى. فأنت تراه جعل ملك الفرنسيس روميا وجعل جنده وقومه روما، وإن كان ابن خلدون أشار للجواب عن مثل هذا بقوله وما يسمع في كتب الفتح من ذكر الروم في فتح إفريقية فمن باب التغليب، لأن العرب يومئذ لم يكونوا يعرفون الفرنج وما قاتلوا في الشام إلا الروم فظنوا أنهم هم الغالبون على أمم النصرانية، فإن هرقل هو ملك النصرانية كلها فغلبوا اسم الروم على جميع النصرانية ونقلته الأخبار عن العرب كما هي، فجرجير المقتول عند الفتح من الفرنج وليس من الروم، وكذا الأمة الذين كانوا بإفريقية غالبين على البربر ونازلين بمدنها وحصونها إنما كانوا من الإفرنجة، انتهى. ولا يتأتى جوابه هذا فيما ذكره ابن أبي زرع لأنه ليس نقلا عن العرب وقد قبل في الاستقصاء ما اعتمده ابن خلدون فالله أعلم. قال في "الروض": وتقع ورزيغة شرقا من نهر فلفل وبينهما مسافة، وفى ولِوَرْزيغة حارتان قريبتان منها: بنو مروان وبنو غفجوم، وبنو مروان أقرب إليها، وماؤها من وادي ويسلن من أودية مكناسة وبها عيون (¬1)، انتهى. من خطه. ¬

_ (¬1) الروض الهتون - ص 54.

قلت: أما غفجوم -فبفتح الغين المعجمة وسكون الفاء وضم الجيم بعدها واو ساكنة فميم- وأما وَيْسَلَنْ -فبفتح الواو وسكون الياء بعدها سين مهملة فلام مفتوحة فنون ساكنة- كما تقدم ولا يعرف في الوقت الحاضر محل بورزيغة يطلق عليه اسم من الأسماء المارة غير زنقة بني مروان بالمحل المعروف في زماننا بحَجَر الذئب -بفتح الحاء المهملة والجيم- وهو اسم للنهج المار بين البساتين لوادي ويسلن المذكور. ومن حوائر ورزيغة الشهيرة في الوقت الحاضر السلاوي وبو عشرين ولا يوحد بها في هذا الزمان من العيون غير العين المعروفة بعين الكبير وجميع غراسات حوائرها تسقي من وادي ويسلن المار الذكر، وويسلن هذا هو على طريق المار من العاصمة المكانسية لفاس على سبعة كيلو مترات من العاصمة وماء هذا الوادي لا يدخل منه للمدينة شيء. قال في "الروض" وكانت ورزيغة مخصوصة بالأمن يسكن أهلها الخيمات بالجنات فلا يلحق أحدهم خوف ولا يتوقعه إلا من جهة الأسد خاصة (¬1)، اهـ. من خطه. قلت: ولم يبق لهذا العهد أثر للأسد بها ولو بنواحيها القريبة، نعم يوجد بقبيلة حروان المجاورة للمدينة بالمحل المعروف بأَشَمّاس -بفتح الهمزة والشين وتشديد الميم المشبعة وسكون السين المهملة- كما يوجد أيضًا بالمحل المسمى لديهم ببُوعْشوش -بضم الباء الموحدة وسكون الواو والعين المهملة وضم الشين المعجمة مشبعة وسكون الشين المعجمة أيضًا- في الغابة ثم على بضع آلاف من الأمتار من المدينة، وسيأتي نص بعض مؤرخي الأورباويين وبين على كثرة وجوده قرب قصر فرعون أيضًا، وحينئذ فلا التفات لمن يزعم منهم عدم وجوده، ويجزم بأنه لم يبق له اليوم ولا قبله بكثير أثر بهذه الديار المغربية ولا بنواحيها، ويعلل ذلك بضعف ¬

_ (¬1) الروض الهتون - ص 55.

حرارة القطر في هذه الأعصر الأخيرة على ما كانت عليه في الأعصر الغابرة، وبأنه لو بقي له أثر لوجد جلده وتداول بين مجاوري ساحة استقراره وغير ذلك من العلل الواهية. هذا والأسد ويقال له الليث والضرغام في أسام كثيرة هو من أعظم الحيوانات المفترسة يصطاد عادة بالليل وهو في إفريقيا أكثر وأكبر جسما منه في آسيا ولا يوجد في أمريكا ولا في الجهة التي تحل فيها الأسلحة النارية. وكأن حدوث هذه الأسلحة بهذه النواحي هو الذي أبعده منها للمحل الذي ذكرنا. قال في "حياة الحيوان": قالوا وللأسد من الصبر على الجوع وقلة الحاجة إلى الماء ما ليس لغيره من السباع، ومن شرف نفسه أنه لا يأكل من فريسة غيره فإذا شبع من فريسته تركها ولم يعد إليها وإذا جاع ساءت أخلاقه، وإذا امتلأ من الطعام ارتاض ولا يشرب من ماء ولغ فيه كلب، وقد أشار إلى ذلك الشاعر بقوله: وأترك حبها من غير بغض ... وذاك لكثرة الشركاء فيه إذا وقع الذباب على طعام ... رفعت يدي ونفسي تشتهيه وتجتنب الأسود ورود ماء ... إذا كان الكلاب ولغن فيه (¬1) انتهى. وقد تعقب الفاضل الشيخ محمد فريد وجدي كلام صاحب حياة الحيوان بما لفظه: نقول يستبعد العقل امتناع الأسد عن ماء ولغ فيه كلب، أوّلاً لأن الأسد والكلب لا يجتمعان على ماء واحد حتى يرى أحدهما الآخر، وليس للأسد من خصيصة تطلعه على الغيب فتدله على أن كلبًا ولغ في هذا الماء أو ذاك، ويظهر لنا أن السبب في هذا القول هو ذلك الشعر، فإن الشاعر لما ذكر ترفع نفسه شبه نفسه ومعشره بالأسود ونظراءهم بالكلاب، وقرر أن الأسود لا ترد ماء ورد فيه الكلاب، ¬

_ (¬1) حياة الحيوان الكبرى للدميرى 1/ 3.

فجاء الباحث عن طباع الحيوانات فنقل ذلك نقلا وجعله من صفات الأسود الحقيقية وهو خيال، انتهى. وأقول إن ذلك الانتقاد، الذي لا سند له عند ذلك الفاضل المنتقد سوى ما تخيله من الاستبعاد. لا مسلك له في سبيل السداد: أما أولا: فإن المنتقد لم يزد على الميل للنفي من غير جزم والناقل لذلك قد أثبته جازما به فله بذلك مزيد علم، فكان إثباته مقدما لا محالة على ميل المنتقد للنفي. وأما ثانيًا فقوله: وليس للأسد من خصيصة ... إلخ هو أيضًا نفي بمجرد التَّوهُّم والتخيل، فإن الأسد ذكر أهل هذا الفن له خصائص جمة، منها أنه لا يتعرض للمرأة الحائض مع أن الحيض هو أمر باطني في المرأة، وعدم تعرضه للمتصفة به لا يكون إلا بخصيصة توجب للأسد إدراك ذلك كتمييز المتصفة به برائحة أو نحوها، وإذا جورنا هذا بالنسبة للأسد في حق الحائض لزم أن نجوز ذلك في حقه أيضًا في غيرها كالماء الذي ولغه كلب، على أن مثل هذا موجود حتى في الكلب الذي هو الغاية في الخساسة، فقد جاء فيه أنه لا يلغ في دم مسلم كما في "الشفا", ومن البديهي أن تفرقة الكلب بين دم المسلم وغيره لا بد لها من خصيصة تؤدي الكلب إليها، وإذا جاز اتصاف الكلب بمثل هذه الخصيصة فلأن يجور في أعظم السباع بالأحرى. وأما ثالثًا: فإن من جملة ما وجه به أهل العلم عدم دخول ملائكة الرحمة لبيت فيه كلب قبح رائحته، انتهى. ولا مانع من أن توجد بقية هذه الرائحة الشديدة القبح في الماء الذي ورده وولغ فيه، وكفى فيها دليلا للأسد الذي يعافه على كونه ورد ذلك الماء قبله حتى يتجنبه.

وأما رابعًا: فقد قال في "حياة الحيوان" (¬1) في الكلب من اقتفاء الأثر وشم الرائحة ما ليس لغيره من الحيوانات، انتهى. أي ولذلك ترى كلب الصيد لا يزال يتشمم ويقتفي الأثر حتى يخرج الصيد دلالة عليه بأنفاس بدنه وبخار جوفه كما في "عجائب المخلوقات" (¬2). ولا شك أن الأسد هو أعظم الكلاب كما دلت عليه قصة دعائه - صلى الله عليه وسلم - على عتبة بن أبي لهب بقوله: اللهم سلط عليه كلبا من كلابك، فكانت الإجابة بتسليط أسد على المدعو عليه فافترس رأسه. وأما خامسًا: فقول المنتقد ويظهر لنا أن السبب في هذا القول هو ذلك الشعر ... إلخ، يرده ما قدمناه عنهم في الحائض وعدم ولوغ الكلب في دم مسلم، فإنا ما رأيناهم ذكروا شعرا في ذلك يدعى استنادهم إليه، مع أن الخاصية المطلعة على ذلك الغيب ثابتة فيهما كما شرحناه، وإذا ثبت للأسد والكلب فيما ذكر فما المانع من ثبوت مثلهما لهما أو لأحدهما في غير ذلك، وبهذا كله يتبين لك أن استبعاد ذلك الفاضل المنتقد ممنوع، وأن دعوى أن مثبت ما استبعده، إنما استند لذلك الشعر مدفوعة، على أنا لو فرضنا أن المستند هو ذلك الشعر لا غير لم يجز تكذيب الشاعر فيه ولا صرف كلامه فيه عن ظاهره إلا ببرهان، لا بمجرد التخمين العاري عن الحجة والبيان، ولو ساغ ذلك لكان كلام الفاضل المنتقد بذلك أولى والله تعالى أعلم. وتسمى البربر الأسد إزم -بكسر الهمزة وفتح الزاي وسكون الميم- ومن طبعه أنه لا يؤذي الإنسان في حال تمام ميزه وإدراكه غالبًا، والغالب على الإنسان فقد الشعور وتمام الذهول عند رؤية الأسد. ¬

_ (¬1) حياة الحيوان للدميري 2/ 279. (¬2) عجائب المخلوقات - ص 336.

فصل: وفيه الكلام على قصر ترزجين وتاجرارت وبرج ليلة وسوق الغبار وقبور الشهداء وبحث يتعلق بمهدي الموحدين

وكما يوجد السبع بالمحلين المذكورين بجروان، يوجد النمر والفهد بهما أيضا وكلاهما ضرب من السباع. الأول يشبه الأسد غير أنه أصغر منه وأخبث أخلاقا وأشجع قلبا منقط جلده بنقط سود يقال له بلسان البربر أَغَلْياس -بفتح الهمزة والغين المعجمة وتسكين اللام بعدها مثناة تحتية- وهو لا يعدو على الإنسان غالبا وإنما يفتك بالمواشي ولا يتخذ محلا لسكناه غير رءوس الشجر. والثاني ضيق الخلق شديد الغضب طويل النوم يضرب بكثرة نومه المثل فيقال أنوم من فهد، ويسمى بالبربرية ووغل -بواوين أولاهما مفتوحة وثانيتهما ساكنة بعدها غين معجمة مفتوحة- ولا يؤذي من الإنسان إلا من هجم عليه بمحله، ويعدو بكثرة على ما سواه، ويوجد الكل بكثرة بقبيلتي زيان وبني مجيلد النازلتين وراء قبيلة جروان. فصل: قال في "الروض" قيل: ولم يكن لهذه الحوائر قديما مدينة مسورة وكان واليها يسكن قصرًا أدركه القدماء خرابا يعرف بقصر ترزحين، ولعل جيمه معقودة، وهو على ربوة من الأرض شرقا من بني زياد، وغربًا من وادي فلفل وجوفا من المدينة الآن. فلما ظهر أمر الموحدين أحدث المرابطون على الوادي المذكور غربا منه حصنا سموه تاجرارت بالجيم المعقودة وكذلك بقي اسمه، وتفسير هذا اللفظ المحلة أو المجتمع بلسان البربر هكذا قيل (¬1)، انتهى. من خطه. قلت: أما ترزجين -فبتاء مضمومة بلسان بعدها راء مضمومة فزاي ساكنة فجيم مكسورة فياء ساكنة فنون- وكأن هذا القصر هو الحصن الذي عناه صاحب معجم البلدان فيما قدمناه عنه من قوله بينهما حصن، انتهى. كما تقدم. والبينة ظاهرة مما وصفه ابن غازي هنا كما فيما سبق أيضًا على أن ما حكاه ابن غازي هنا من أن مكناسة القديمة وهي التي عبر عنها بالحوائر لم تكن فيها مدينة مسورة، دليل على أن مدينة وَلِيلَي ليست داخلة عنده في مسمى مكناسة ¬

_ (¬1) الروض الهتون - ص 59.

القديمة وقد مر بسط ذلك، وأما تاجرارت -فبتاء مفتوحة بعدها ألف فجيم فراء فألف فراء فتاء ساكنة- وما وصف به قصر ترزجين ينطبق تمام الانطباق على ناحية برج العريفة الشهير الكائن بحارة بني موسى قرب الجنان المنسوب للعريفة المشار لها أيضًا بالمحل. فالظاهر أن القصر كان هنالك فخرب وأحدث بعده البرج المذكور زمن سيدنا الجد المولى إسماعيل قدس سره، وإن كان عدم تعيين ابن غازي لقصر ترزجين بكونه من ورزيغة أو بمجاورته لها وعدوله إلى التجوير بغيرها كما تراه يبعد ما قلناه كما يبعده أيضًا ما يأتي قريبًا في سوق الغبار من كونها إزاء قصر ترزجين ... . إلخ، والله أعلم. وتفسير تاجرارت بالمحلة في لسان البربر به جزم ابن خلدون في تاجرارت التي حور تلمسان فلعل ابن غازي إليه أشار بقليل، وكذلك جزم بذلك الزياني في رحلته وهو من علماء البربر، وإن كنت قد سألت غير واحد من البربر عن تفسير تاجرارت بالمحلة فنفاه وجزم بعدم وجوده في لسانهم، وأنهم وإنما يقولون المحلة وبعضهم يقول تمحلت بزيادة مثناة فوقية قبل الميم. كما أني بحثت عن لفظ أسكل الآتي قريبًا وإطلاقه على مفرد الاهرية المتخذة من الدوم فجزم بعدم وجود هذا اللفظ عندهم. ثم قال في "الروض": وهذا الحصن هو المدينة الموجودة لهذا العهد، فلما أخذوا في بنائها اجتهدوا فيه وأعجلهم الأمر حتى احتاجوا على ما يحكي إلى إقامة شقة من سوره بالأهرية المتخذة من الدوم لادخار الأطعمة، وسمى واحدها بلسان البربر أسكل، وملئوها ترابا، وقاتلوا دونها حتى أكملوا البناء بعد ذلك (¬1). وفي القطر الغربي من أبراج سورها برج مبني بالحجر والجيار بناء محكمًا يسمى برج ليلة، سموه بذلك، لأنه بني من ليلته فيما زعموا، ونقل الوالي بدر بن ¬

_ (¬1) الروض الهتون - ص 59 - 60.

ولجوط - بالجيم المعقودة إلى المدينة المذكورة وجوه الناس وأغنياءهم ولم يترك من الأقوات شيئا إلا نقله إليها، وترك جمهور الناس في مواضعهم. فأول غارة شنها المُوَحّدون على تلك الأرض بسوق الغبار يوم الأحد، وذلك أنه لما وضعت هذه الموضوعات على الصفة المذكورة من التفرق كانت لهم سوق غبار بإزاء قصر ترزجين المتقدم الذكر، وهو الذي يسمى بالسور القديم -بالراء- أو بالسوق القديم -بالقاف- كما يجرى على ألسنة الناس اليوم. ومسجد الحصن المذكور وصومعته لم يزالا قائمين لهذا العهد، وكان أهل القصر وأهل الحوائر يجتمعون إلى تلك السوق كل يوم أحد، فبينما هم يوم أحد قد اجتمعوا وكملوا بالسوق المذكورة وهي بأرض مرتفعة إذ أشرفوا على خيل مقبلة إليهم في زي المرابطين اللثم والغفائر القرمزية والمهاميز التاشفينية والسيوف المحلاة والعمائم ذوات الذؤابات فلما رأى القوم هذا الزي، قالوا: تقوية السلطان جاءتنا وسارعوا للقائهم فرحين بهم وهبطوا عن آخرهم، فلما خرجوا عن منع القصر والسوق حسر الفرسان اللثم، ونادوا أبابا يا المهدي! وكان ذلك شعارهم وأجالوا السيوف عليهم، ولم ينج منهم فيما ذكروا أحد وكانوا آلافا -رحمهم الله (¬1). وما زال الناس لهذا العهد يتحدثون أن المقابر التي عند باب مسجد السوق القديم هي مقابر شهداء، فلعلهم هم والله تعالى أعلم (¬2). وكان الموحدون حينئذ يسمون الناس المجسمين ويقاتلونهم قتال كفر وكان الناس يسمونهم الخوارج (¬3)، ولم تزل الغارات تشن عليهم فيقتل الرجال وتسبى النساء والذرية وتستباح الأموال، والتضييق يتوالى والمكايد تدبر والحيل تدار حتى ضاق ذرع الناس بكثرة الوقائع عليهم (¬4). ومن الأخبار التي كانت مشتهرة عند أهل الوطن أنه كان بأحواز تاورا شجرة ¬

_ (¬1) الروض الهتون - ص 61. (¬2) الروض الهتون - ص 61. (¬3) الخوارج: أى المخالفين للمهدى. (¬4) الروض الهتون - ص 61.

كبيرة من النشم الأسود المسمى بالتغصاص بإشمام الصادين زايين، وربما يكتبه المتفاصحون، التقصاص -بقاف وصادين- فبينما الناس قد انبسطوا لتدبير أشغالهم ومعايشهم إذ فاجأتهم الخيل وأحاطت بهم فلجأوا إلى تلك النشمة وظنوا أن النجاة فيها، فتعلق بها منهم خلق كثير، وضم الموحدون الحطب لتلك الشجرة وأضرموا النيران حولها، فسقط كل من كان فيها واحترقوا عن آخرهم، واحترقت النشمة بقيت منها بقية مدة من الزمان، وكانت عند أهل الأوطان من جملة مواعظ تلك الفتنة (¬1)، انتهى. من خطه. قلت: ومما يرجع للخبر الأخير ما رأيته في كتاب "أخبار المهدي ابن تومرت" لعصريه مؤرخ دولته أبي بكر الصنهاجي المدعو البيدق صحيفة 65: أنه لما خرج المعصوم من فاس نزل بمغيلة عند يوسف بن محمد وعبد الرحمن بن جعفر ثم منها نحو مكناسة، فلما أشرفوا على الكدية البيضاء نظر إلى الكدية فإذا بها مملوة رجالا ونساء تحت شجرة لوز، قال فدخل المعصوم فيهم ميمنة وميسرة وبددناهم يمينا وشمالا، ثم سار إلى السوق القديم ونزلنا به بمسجد أبي تميم عند الحسن بن عشرة، انتهى. فلينظر مع ما لابن غازي. أما الموحدون فهم دولة بني عبد المؤمن من كومة القائمين بمملكة المغرب بعد دولة المرابطين، سماهم بذلك أول قائم بدعوتهم، وهو المهدي بن تومرت لزعمه أن كل من لا يجري على مقتضى العقيدة التي جمعها هو بلسان البربر المبنية على اعتماد طريق الخلف من تأويل المتشابه ومنافرة طريق السلف من إقرار نصوص المتشابه كما جاءت، فهو كافر مجسم، وأن التوحيد منحصر في أصحابه الذين تعلموا عقيدته، وبهذا السبب أباح لأصحابه قتل من عداهم قتال كفر، وسوغ لهم سباياهم وغنائمهم وسهل على نفسه وعلى أصحابه بذلك سفك دم المسلمين من غير توقف، وارتكب بذلك داهية عمياء. ¬

_ (¬1) الروض الهتون - ص 61 - 62.

وقد كان المرابطون الذين اغتصب هو وأتباعه ملكهم على طريق السلف في اعتقادهم، وكانوا من متانة الدين بالمكان المكين، ومن دوام العدل ما أكسبهم مزيد التمكين، إلا أنهم كانوا على سذاجة بداوة لم تفارقهم. ومن رشحاتها أن الإمام أبا حامد الغزالي لما صنف في أيامهم كتابه "إحياء علوم الدين" ووصلت نسخة إلى الأندلس وإلى المغرب الأقصى فرآها علماؤه على طرز جديد لم يعهد، أنتجته مهارة أبي حامد في العلوم التي من جملتها علوم الفلسفة، أنكروها وبثوا إنكارها في قلوب أمرائهم المرابطين حتى اتفقوا معهم على التقاط نسخة وجمعها وإحراقها، ونفذ الأمر بذلك بقرطبة من الأندلس، فوصل خبر ذلك إلى الإمام أبي حامد وكان ابن تومرت وقتئذ يتعلم عنده في مدرسته ببغداد فحينئذ رفع أبو حامد يده إلى السماء ودعا بتمزيق ملك المرابطين كما مزقوه، فعلم ابن تومرت أن دعوة أبي حامد في ذلك دعوة مظلوم لا ترد فقال له: يا إمام، ادع الله أن يجعل ذلك على يدي، سأل ذلك منه مرتين فأجابه الغزالي في الثانية بقوله: اخرج يا شيطان فسيجعل الله ذلك على يدك فخرج قاصدا لذلك في زي ناسك متقشف ينشر العلم ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلى أن تم له بذلك الناموس الأمر مع ما سبق في علم الله الأزلي من قضاء ابن تومرت أول أمراء الموحدين على دولة المرابطين، مع ما وصفنا من متانة دينهم ومزيد عدلهم وكون أيامهم كانت أيام خصب وفتح بقطع شافة ملكهم، ومن توغل الموحدين في سفك دماء المسلمين بدون توقف هذه الوقعة التي حكاها ابن غازي التي أوقعوها على غدر وغفلة بعمار السوق القديم من أهل مكناسة الزيتون، فإن قال قائل إن ما جزمتم به من حضور ابن تومرت حين دعاء الغزالي على المرابطين بتمزيق الملك يخالفه توقف صاحب الاستقصا في ذلك حيث عبر بقوله يقال إنه كان حاضرًا ... إلخ، قلنا: إن صاحب الاستقصا حيث عدم في الجزم المناط. تحرى

في النقل واحتاط، وذلك شأن الفضلاء أهل الصدق والأمانة في هذا البساط، لاسيما وهو إنما كتب ما حنشه ابن خلدون بقوله: ولقي أبا حامد فيما زعموا ... إلخ، وأما الانتقاد على الجازم بالمتوقف كما فعل السائل فهو محض غلط إذ المهيع المعروف والمنهج المتبع المألوف، هو أن من حفظ حجة على من لم يحفظ لا العكس. والذي جزمنا به هو الذي جزم به الحفاظ قبلنا وقبل صاحب الاستقصاء بأزمنة طوال، ودُهُورٍ خَوالٍ، ففي الصحيفة الثالثة والثلاثين والمائة من الجزء الأخير من النسخة المطبوعة من "معيار" الحافظ أبي العباس الونشريسي عن ابن القطان في كتابه "نظم الجمان". فيما سلف من أخبار الزمان. عن عبد الله بن عبد الرحمن العراقي شيخ مسن من سكان فاس، قال: كنت ببغداد بمدرسة أبي حامد الغزالي فجاء رجل كث اللحية على رأسه كرزى صوف فدخل المدرسة وحياها بركعتين ثم أقبل على الشيخ أبي حامد فسلم عليه فقال: ممن الرجل؟ فقال: من أهل المغرب الأقصى، قال: دخلت قرطبة، قال: نعم، قال: فما فعل فقهاؤها؟ قال: بخير، قال: هل بلغهم الإحياء؟ قال: نعم، قال: فماذا فعلوا فيه؟ فلزم الرجل الصمت حياء منه، فعزم عليه ليقولن ما طرأ فأخبره بإحراقه وبالقصة كما جرت. قال: فتغير وجه الشيخ أبي حامد ومد يده إلى الدعاء والطلبة يؤمنون، فقال: اللهم مزق ملكهم كما مزقوه، وأذهب دولتهم كما حرقوه، فقام محمد بن تومرت السوسي الملقب بعد بالمهدي عند قيامه على المرابطين فقال له: أيها الإمام ادع الله أن يجعل ذلك على يدي فتغافل عنه أبو حامد فلما كان بعد جمعة إذا شيخ آخر مثل شكل الأول فسأله أبو حامد فأخبره بمثل الخبر المتقدم فتغير وجهه ودعا بمثل دعائه الأول فقال المهدي على يدي فقال: اخرج يا شيطان سيجعل الله ذلك على يدك فقبل دعاءه وخرج ابن تومرت من هناك إلى المغرب برسم تحريك. الفتن، وقد علم أن دعوة ذلك الشيخ لا ترد فكان من أمره ما كان، انتهى.

وفي كتاب "المعجب في تلخيص أخبار المغرب". ما مضمنه: وحكي أنه ذكر للغزالي ما فعل بكتبه، وابن تومرت حاضر ذلك المجلس فقال الغزالي حين بلغه ذلك: ليذهبنَّ عن قليل ملكه -يعني فاعل ذلك بكتبه- وليُقتلنَّ ولده وما أحسب المتولي لذلك إلا حاضرا مجلسنا! وكان ابن تومرت يحدث نفسه إذ ذاك بالقيام فقوي طمعه، وكَرَّ راجعا من بغداد إلى ما قدر له (¬1)، انتهى. وكان تاريخ هذا الإحراق سنة سبع وخمسمائة هـ. وعلي هذه الصورة جلبه عنه الشيخ الرهوني في الشهادات من حواشي الزرقاني له مسلما، وإن كانت النسخة المنقول عنها من المعيار وقع فيها إسقاط بعض ما هو ثابت في نقل الرهوني الذي اعتمدناه، وكذا نقل هذه القصة على الوجه المذكور ابن الخطيب في "الحلل الموشية" إلا أنه أسقط منها قول الغزالي: اخرج يا شيطان ... إلخ. وقد كانت بيعة المهدي بخصوص جبل درن منتصف رمضان عام خمسة عشر وخمسمائة، ومن ذلك الحين ظهر أمره وصارت زحوف أتباعه تهاجم كل من انقبض عن بيعته، ومنهم أهل مكناسة كما نبه عليه ابن غازي فيما تقدم، نعم بناء حصن تاجرارت محل المدينة الآن كان سنة خمس وأربعين وخمسمائة كما جزم به. ابن أبى زرع، وفيه كان تخريب مكناسة القديمة، وفيه فتح الموحدون مكناسة بعد حصارهم إياها سبع سنين فأزيد، كذا عند أبي زرع لكن الذي صحح ابن غازي أن المدة أربع سنين وأشهر، وذلك في إمارة عبد المؤمن بن علي. قلت: هذا كلامهم في هذا المحل ولي فيه إشكال، وهو أن حصار سبع سنين أو أربع إن كان على مكناسة القديمة التي أفصح ابن غازي بأنها كانت حوائر غير ممدنة ولا مسورة، فحصار ما كان بهذه الصفة من عدم التحصين لا يستدعي ¬

_ (¬1) المعجب في تلخيص أخبار المغرب - ص 245 - 246.

تطويل المنازلة إلى هذه السنين، لا سيما والحوائر في محل ليس بمنيع، إذ لا تحول دون منازله عقبة كئود ولا جبل عال شديد، كيف وقد قتل منازلوهم منهم في أول غارة شنوها عليهم آلافا متعددة في ساعة واحدة كما سبق عن ابن غازي، زد على ذلك ما ذكره واصفو هذا الحصار من أن الموحدين خندقوا على مكناسة في حصارهم إياها خنادق متعددة، ولا خفاء أن عيش أهل مكناسة على كثرتهم طول تلك المدة مع هذا الحصار الموصوف بعيد لأن ذلك الطول يهلك الزرع، والظهر، والضرع، وسائر ضروريات العيش. ومن المعلوم أن الثروة التي تحمي صاحبها من الهلاك مع الطول إنما توجد في كل زمان عند بعض الأفراد لا عند عموم الناس ولا عند جمهورهم، ثم لو فرضنا أن أولئك الأفراد شركوا العموم في منافع ثروتهم، فإن ذلك مع انقطاع المادة يئول عن قريب بالجميع إلى الإفلاس، فأني يتأتي والحالة هذه الخلاص لمقاومة ذلك الطول: وإن كان الحصار على المدينة الجديدة المحصنة وهي تاجرارت كما يصرح بذلك كلام ابن غازي الآتي، فقد سبق عن ابن أبي زرع أنها فتحت في العام الذي بنيت فيه، فأين كانت حينئذ مدة حصار سنة كاملة فضلا عما راد عليها؟ ثم كلام ابن غازي في هذا المحل خال عن الترتيب. بعيد عن التحرير والتهذيب، فإنه ذكر أولا بناء تاجرارت وأن القتال وقع قبل إكمال سورها، وهذا يقتضي أنها بنيت كلا أو بعضا وقت الحصار، ثم ذكر قضية السوق القديم بعدها وهي دالة على أن أهل مكناسة وقتئذ لم يكونوا على أهبة قتال ولا استعداد لحرب، وهذا لا يتأتي إلا قبل الحصار، وهو خلاف ما دل عليه ما سبق من كلامه وكذا هذا التنافر واقع بين ما ذكره في قضية النشمة وما قدمه في بناء تاجرارت ولو قدم حكاية السوق القديمة والنشمة على حكاية تاجرارت لمسلم من هذا التدافع كلامه فتأمل ذلك كله.

وأما برج ليلة الذي ذكره ابن غازي فقد اندثر ولم يبق له الآن رسم ولا طل، وقد قيد بعضهم على كلام ابن غازي هنا ما صورته هدم هذا البرج سنة خمس وتسعين أو أربع وتسعين وزيد موضعه في المدينة حين هدم جميع سورها وزيد ما وراءه غربا في المدينة، وبقي موضع هذا البرج إلى سنة إحدي وعشرين، وبني في موضعه الوزير أبو زكريا يحيى المعروف بالمريني سقاية نفيسة ومسجدا فوق صاباط على ممر بين الباب الجديد وباب البراذعين وصومعة، وأوقف عليه أحباسا كثيرة كما هي عادته تقبل الله منه. وسميت هذه الزيادة التي وراء السور جناح الأمان، وكان يعرف هذا السور عند من أدركناه ببرج الانفاض، انتهى. قلت: أفادني بعض أجلاء فضلاء العصر ممن له معرفة بخطوط الأئمة أن خط ذلك التقييد والنسخة المقيد على هوامشها هو خط الفقيه الصالح الرحال أبي على الحسن صديق الشيخ السيد صالح الشرقاوي العمري وناسخه، وعليه فلا ريب أن هدم البرج المذكور كان في دولة سيدنا الجد المولي إسماعيل لأنه هو الذي هدم سور المدينة، وزاد ما وراءه غربا في المدينة فيكون المراد بسنة خمس في عبارة التقييد المذكور سنة خمس وتسعين بعد الألف. والمسجد الذي بناه زكريا لا زال إلى الآن قائم العين والاسم فوق الساباط المذكور ويعرف بمسجد سيدي يحيى، وقد كان فيما سلف أشرف على الاندثار، وفي هذه الأزمنة الحاضرة جدد كما جددت سقايته بعد ما تناولتها أيدي الاندثار أزمنة طوالا، بعد أن كان تعذر وصول الماء إليها، إلا أنها ليست الآن على ما وصفت به من النفاسة، ومن هذا الساباط إلى ناحية الباب الجديد يسمى الآن سويقة زعبول -بفتح الزاي المعجمة وسكون العين المهملة بعدها باء موحدة فواو ساكنة فلام- وسويقة مصغر: سوق، ومن هذا المحل إلى مسجد باب البراذعيين

كله يسمى بجناح الأمان وجناح الأمان هو الذي على يسار المار من باب الجديد إلى مسجد البراذعيين. وأما ما على اليمين فإنما اكتسب تلك التسمية بالمجاورة، وأما الصومعة التي ذكر فلم يبق لها لهذا العهد رسم ولا وسم، وأما يدّر -بتشديد الدال وسكون الراء- فهو لفظ بربري، معناه بالعربية: يعيش، وولجوط لفظ بربري أيضا معناه بالعربية الشجاع، والمعنى يعيش ابن الشجاع. وأما سوق الغبار الذي وصفه فلا يعرف له اليوم اسم ولا رسم، نعم ما وصفه ابن غازي به يكاد ينطبق على المحل المعروف بذراع اللوز الكائن خارج باب البراذعيين أحد أبواب العاصمة المكناسية الآن شمال المحل المعروف هناك ببرج العريفة يمتد عنه للغروب، وهو مشرف على حارة تاورا شمالا وعلى حارة بني موسى غربا، وبطرفه أعلى المحل المعروف بباب جَمّال -بفتح الجيم وتشديد الميم- أشجار من اللوز والزيتون، وقرب برج العريفة المذكور أثر بناء قديم يعرف الآن بالفنيدق. وأما قبور الشهداء المشار إليها فهي التي على يمين المار من الباب المذكور لضريح الولي الشهير مولانا عبد الله بن حمد، وعلى يسار المتوجه منها لباب تزيمي أحد أبواب العاصمة أيضا الذاهب في الطريق المعروفة بقصبة الأعواد تصغير قصبة، والمقابر المذكورة تحيط بها أطلال سور قديم وليس ثم أثر صومعة، أما المسجد فلا زال أثره قائم الأطلال ممتلئ بالأزبال والقذرات، موقعه على يمين الخارج من باب البراذعيين بمقربة من قبور الشهداء، وكان به أثر سقاية وقنوات، وربما لا زالت تحت الأزبال إلى الآن، ويطلق الآن اسم السوق القديم على محل بزرهون موقعه بالموضع المعروف باب الرميلة بين الزاوية الإدريسية ومداشر موساوة وحمراوة، والأمغاصيين، إلا أن ما وصف به ابن غازي السوق القديم لا ينطبق على هذا المحل.

فصل: وفيه الكلام على جامع مكناس الأكبر بأبوابه وذخائره التوقيتية وصفوفه وصومعته وخزائنه ومجلس القراء الأسبوعي وبحث في الوطاسيين والتعريف بالصاعقة ثم الكلام على مساجد مكناس والمعد منها للخطبة وصوامعها وسقاياتها

فصل: قال في "الروض": وكانت في المدينة بداوة ثم تمدنت واكتسبت حضارة، وزيد بعد [عام] الستمائة في جامعها الأكبر زيادة ظاهرة، وجلب إليها الماء على ستة أميال من عين طيبة الماء، عجيبة القدر بموضع يقال له تاجما، وأجري الماء إلى الباب [الشرقى] الجوفي من أبواب الجامع وسمي باب الحفاة، وكان متصلا بالباب الذي يسمي لهذا العهد باب الزرائعيين، وبنيت قريبا من هذا الجامع دار للوضوء حفيلة على مثال دار الوضوء بفاس، وهذا كله في أيام الموحّدين (¬1). وقال إن الإمام أبا زكريا الوطاسي لما دخلها في القرن التاسع جدد بعض رسومها الدارسة وأنشأ بجامعها المجلس المسمي بالأسبوع لكون القراء يختمون فيه القرآن العزيز في كل أسبوع، وأمر بتحويل باب الحفاة إلى قرب دار الوضوء الكبرى التي تقدم ذكرها، ورأي أن ذلك أنسب من الباب الجوفي الذي كان قبل ذلك للحفاة كما تقدم، فلما حفر الصناع في الباب الموالي لدار الوضوء المذكورة ليبنوا به مجرى للماء وجدوا ذلك هنالك مبنيا بناء متقنا، ولم يكن عند أحد به علم، ولا بقي من مسني المدينة من عنده من ذلك خبر، فقضي الناس العجب من فطنة الأمير المذكور رحمه الله تعالى (¬2). قال: ويقال بلغت عمارتها إلى أن كان بها أربعمائة مسجد قال الأستاذ ابن جابر: وحول كل مسجد سقاية فالله أعلم من خطه. قلت: أما أبو زكريا الوطاسي فإن تعبير ابن غازي عنه بالإمام مشعر بأنه كان سلطانا ولم يحفظ التاريخ ذلك فيما علمناه، وأبو زكريا يحيي بن زيان الوَطَّاسِي المريني الفاسي كان في القرن التاسع كما قال، ولكنه إنما كان وزيرًا لعبد الحق المريني وكان عادلا، توفي قتيلا غدرا سنة اثنين وخمسين وثمانمائة، أورد ذكره تقي الدين ابن فهد في لحظ الألحاظ بذيل طبقة الحفاظ (¬3). ¬

_ (¬1) الروض الهتون - ص 74 وما بين حاصرتين منه. (¬2) الروض الهتون - ص 95. (¬3) لحظ الألحاظ - ص 343.

وكذلك ولي الوزارة لمن ذكر ولده أبو زكريا يحيي بن يحيي المذكور، ولكن هذا لم يكن له من أفعال الخير ما يذكر، بل كانت وزارته شرا على الأمة وعلى عائلته بالخصوص حتى إن وزارته لم تدم إلا سبعين يوما وأعقبها ذبحه وذبح جمهور عائلته، وذلك سنة ثلاث وستين وثمانمائة. وهناك أبو زكريا وطاسي ثالث، وهو أبو زكريا يحيي بن أبي عبد الله الوطاسي المدعو البرتقالي، وهو أخو السلطان أحمد الوطاسي إلا أنه إنما كان أميرا من قبل أخيه على القصر، توفي فيه أسر السعديين سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة فهو متأخر عن التاريخ الذي ذكره ابن غازي. وفي كلامه السابق تنبيه على ما كان للمتقدمين من الاعتناء بالمشروعات، فانظر إلى الحد الذي بلغه اعتناء أهل الدين بمحال تعبدهم وكل ما ينضاف إليها مما يتوقف عليه المتعبد، وناهيك بما قد بلغ من الاعتناء بماء عين تاجما المتقدمة الذكر من وقوع التحبيس على إصلاح مجاريه حتى لا يقع مانع من وصوله للمسجد الأعظم فمن ذلك دار بحَوْمَة القرسطون، إحدى حومات العاصمة، حبستها على ذلك امرأة مكناسية بتاريخ أوائل جمادى الأولى عام خمسة وعشرين ومائة وألف، وذلك في دولة السلطان مولانا إسماعيل، أما نفس العين فقد رأيت التصريح بأن إجراء مائها للمسجد المذكور كان في دولة الموحدين. وكلام صاحب الروض في باب الحفاة أولا وثانيا صريح في أنه هو الذي أجري إليه الماء أيام الموحدين بعد الستمائة، وهو الواقع جوفي المسجد، ولا شك أن هذا الباب الجوفي هو المعروف بذلك الاسم الآن، وهو المقابل لعنزة المحراب المقابلة لمحرابه على ما في ذلك المحراب من تمام الانحراف عن القبلة. وعليه فالتحويل الذي فعله الوَطَّاسي لم يستمر، بل رجع بعد ذلك اسم باب الحفاة إلى مسماه أيام الموحدين، واستمر على ذلك إلى الآن وإن خلا عن

المناسبة المعهودة في مثله من أبواب حفاة المساجد، وهي إعطاء ذلك الاسم للباب القريب من باب ديار وضوئها. وكأن موجب ذلك سهولة وصول الماء من صحن المسجد إلى الباب الجوفي لقربه منه واتصال الصحن به، بخلاف الباب القديم فإن وصول الماء منه إليه ملزوم بطرف من محصر المسجد والمرور المذكور ملزوم لتعاهده بالإصلاح عند. موجبه، والتعاهد المذكور من لازمه تعذر التعبد في ذلك الطرف من المسجد في أزمنته المتكررة عادة، وإن شئت قلت دائما نظرا لإدمان وجود بلل أقدام الحفاة فيما حاذي الباب المذكور للمسجد الموجب لتعفين حصر المحل بذلك واتقاء المتعبدين لها، وقد تقرر أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وبه اتجه لك وجه تكرر النسخ في القديم واستمرار العمل على نسخه، مع وجود مناسبة وجه التسمية فيه دون الناسخ، على أن هذه المناسبة وإن فقدت في الناسخ فقد خلفتها فيه مناسبة أخري وهي موافقته للمعهود في غالب أبواب حفاة المساجد الكبار من كونها جوفية، كبابي الحفاة في القرويين والأندلس بفاس، فإنها نافذة في الصحن وبهذا كله اتضح الحال، وانزاحت كل شبهة عن المجال. وقول ابن غازي وكان متصلا ... إلخ، اسم كان فيه لا يرجع لهذا الباب الذي أجري إليه الماء أيام الموحدين، وإنما يرجع للمسمي باب الحفاة قبل ذلك، وهو القديم الذي وجدت آثار كونه باب الحفاة حين أمر الوطَّاسي بالتحويل إليه كما بينه بعد، أي وكان باب الحفاة قبل ذلك متصلا ... إلخ. فاهتدي إليه الوطاسي بوجود وجه التسمية فيه بعد ذهاب العلم بكونه كان هناك عن جميع أهل البلد من طول العهد بالتحول. وهذا تسجيل من ابن غازي على أهل بلدته بأن إهمال التاريخ بلية قديمة فيهم وفيه إيماء إلى إقامة العذر لنفسه حيث اقتصروا على ذلك النزر في رَوْضِهِ هذا

وهو البحر علما، فيكون تقصير غيره معفوا بالأحري كما أومأنا لشئ من ذلك في ديباجة هذا الكتاب. وبما تقدم بأن لك التئام كلام ابن غازي ومناسبة أوائله لأواخره ومطابقته للواقع الخارجي في كون باب الزرائعيين المعروفة بذلك في عهده وكذلك في عهدنا هذا، كان متصلا بباب الحفاة القديم الذي اهتدي إليه الوطَّاسي. وزبدة الخبر أن باب حفاة هذا المسجد الجامع كان أولا هو المقابل لباب دار الوضوء وهو المتصل بباب الزرائعيين، ثم صار في أيام الموحدين هو الباب الجوفي الذي يدعي بذلك الآن، ثم رده الوطاسي إلى مسماه القديم، ثم رجع بعده في زمن غير معروف لدينا إلى الباب الجوفي، واستمر العمل على ذلك إلى الآن. والماء الجاري لهذا الباب هو من الصهريج الصغير الواقع في صحن المسجد بمقربة من الخصة هنالك، ويعرف هذا الصهريج اليوم عند العامة بالكسيكيس بالتصغير، وماء هذا الصهريج يمر وسط المسجد في ساقية مزلجة غير مقبوة إلى أن يصل لباب الحفاة، والنهج الذي به هذا الباب يعرف في ماضي الأعصر بالشماعين، وفي حاضرها بقبة العطارين. وأما مسمى باب الزرائعيين فهو البويب الصغير المتصل بباب الحفاة القديم الشرقي المعد هو أي البويب المذكور لدخول المؤذنين ليلا للمسجد ولا أذكر الآن وجه إضافته للزرائعيين. وباب الكنيف المشار له قد حول منذ أعصر خوال وصار في محله، وكان للبيع والابتياع وأحدث لها باب بمنعطف الأصلي القديم، ولا زال قوس ذلك الباب ظاهرا للعيان في أعلى الدكان المذكور محدثا، كما أنه لا زال أثر قنوات باب الحفاة القديم ومحل انصباب فيض مائة للوادي المضاف الكبير المار بالشارع

العمومي إلى الآن، وقد كان باب الزرائعيين الماء الجاري كماجوره المتصل به، وبقربه عن يمين داخله أمام درب الفَرَسْطون -بفتح القاف والراء وسكون السين المهملة وضم الطاء بعدها واو ساكنة فنون- تنور كبير أي مجل يمتلئ من الماء الجاري في البابين المذكورين، وفي أعلى التنور ثقب نافذ لرحاب مستودع المسجد الأعظم يتناول منه الماء القيم بوظيف التوقيت والمؤذنون بحبل ودلو صونا لحرمة المسجد وأخذا بالأحوط فيما عسي أن يحدث لهم من الحدث الذي لا يبيح دخول المسجد، ولا زالت تلك الآثار المقدسة إلى حد الآن. ومن ذخائر هذا المستودع الموجودة به إلى الحين الحالي الأسطرلاب (¬1) البديع الشكل المتقن الصنع مرقوم فيه بخط كوفي ما صورته: الحمد لله حبس هذا الأسطرلاب الباشا محمد بن الأشقر على منار الجامع الأعظم من محروسه مكناسة، انتهى. وفيه بالقلم المشرقي: هذا حبس خديم المقام العالي المولى الإسماعيلي الباشا محمد الأشقر على منار الجامع الأعظم من محروسة مكناسة بتاريخ شقيح، انتهى. وفي دائرته صنعه محمد بن أحمد البطوطي لطف الله به في سنة شقيح، انتهى. قلت: والتاريخ المشار له بحروف لفظة شقيح (بشين معجمة فقاف فياء ومثناة تحت فحاء مهملة) هو عام ثمانية عشر ومائة وألف. وجملة أبواب المسجد المذكور الآن أحد عشر بابا الثلاثة السالفات الذكر وباب الحجر سميت بذلك لأحجار ثلاث مسبوكات كانت مغروسة بين بابي المسجد والمدرسة المعروفة الآن بالفيلالية وفيما سلف بمدرسة القاضي ومدرسة الشهود، يمر على تلك الأحجار المتوضئ بالمدرسة المذكورة إذا رام الدخول ¬

_ (¬1) الأَسْطُرلاب: جهاز استعمله المتقدمون في تعيين ارتفاعات الأجرام السماوية. ومعرفة الوقت والجهات الأصلية.

للمسجد وكان لهذه الأحجار قيّم على تنظيفها كل حين، وله على ذلك جراية شهرية من الحبس المعين لذلك. ولم تزل تلك الأحجار قائمة والقَيّمَ على تنظيفها بالمرصاد طبق ما وصف إلى أن رصفت الدولة الحامية ذلك النهج كله بالحجر المنجور في الحين الحالي فأزيلت تلك الأحجار وانقطعت الجراية وأبطل العمل. وباب الخضر وهو لا يفتح إلا يوم الجمعة ولا أدري ما وجه هذه التسمية ولا العلة في كونه لا يفتح إلا في يوم المذكور. وباب تربيعة الذهب سمي بذلك لكونه في مقابلة تربيعة القيسارية المعدة الأزمنة الماضية لبيع الحلي والجواهر الثمينة النفيسة، وكانت محكمة القاضي متصلة بهذا الباب في تلك الأعصر، وهي الآن دكان تباع بها أنواع المتاجر، وهذه الأبواب الخمسة كلها في شرقي المسجد بالنهج المسمى في الماضي بسماط الشهود وفي الحاضر بزقاق ساباط السبْع -بسكون الباء. وباب الخضارين وبجانبه متصلا به بويب صغير يدخل منه النساء لصلاة الجمعة والمؤذنون ليلا مثل باب الزرائعيين، وهذان البابان هما المقابلان لباب مدرسة الخضارين، وكان بين باب الخضارين هذا وباب المدرسة قبالته حجارات بالأرض على نحو ما كان في باب مدرسة الشهود وباب المسجد قبالتها، وباب سماط الشهود الآن، ويقابل هذا الباب المكتب الذي كان محكمة القضاة فيما سلف، ولم يزل معدًّا لذلك إلى زمان تولية شيخ بعض شيوخنا العلامة المتضلع النقاد حامل لواء المعقول والمنقول في زمانه سيدي أحمد بن سودة المري خطه القضاء بالعاصمة، وهذا المكتب لا زال إلى الآن قائم العين وسط سماط العدول المذكور، وقد كان هذا السماط فيما سلف وغَبَر، مُعَدًّا لبيع الخضر، ثم رجع سماطا لباعة الحرير يعرف بالحرارين، ثم رجع سماطا للعدول ولا زال كذلك إلى الحين الحالي.

وباب الكتب وإنما اكتسب هذه الإضافة لقربة من المكتبة العلمية، وهو الذي جعل بداخله شيخ الشيوخ القاضي ابن سَوْدَة المذكور المحكمة الشرعية بعد أن أهمل المكتب المعد لذلك لدي من تقدمه، ثم اقتفي أثره في اتخاذها لذلك نوابه ومن تولي بعده. ولم تزل معدة لذلك إلى أن عينت الدولة الحامية المحكمة الشرعية أولا بدار اللب الشهيرة المعقبة على مؤذني الليل بالمسجد دون مؤذني النهار وقفت على رسم تحبيسها ولفظه: الحمد لله حضر لدي شهيديه التاجر الأوجه الخير الدين الأرضي الأبر السيد الحاج مسعود ابن المرحوم بفضل الله تعالى السيد الحاج محمد اللب الأندلسي، وأشهدهما على نفسه أنه متي حدث به حادث الموت الذي لا بد منه ولا محيد لكل مخلوق حي عنه، فجميع داره الكائنة بقبلة المسجد الأعظم من الحضرة العلية بالله مكناسة المفتوح بابها للمر الكبير الطالع للحمام الجديد المجاورة له ولزنقة المزطاري ولدار حرزوز التي هي الآن على ملك ولد عمه الأرضي الماجد المرتضى الخير الدين السيد الحاج محمد بن إبراهيم اللب النسب تكون حبسا على جميع بنات صلبه، مع زوجه معتقته الحاجة عافية، من تأيمت منهن واحتاجت للسكنى تسكن برأسها فقط من غير زوج ولا أولاد، فإن انقرضن عن آخرهن رجعت الدار المذكورة حبسا على أولاد السيد الحاج محمد بن إبراهيم اللب المذكور ذكورا وإناثا، للأنثى شطر ما للذكر في منفعة السكني وتسكن برأسها من غير أولاد ولا زوج، ثم أولاد الذكور منهم ذكورا منهم وإناثا، ثم عقب الذكور على نحو ما ذكر ووصف طبقة بعد طبقة ما تناسلوا وامتدت فروعهم، ولا يسكن الأبناء مع الآباء ولا من هو أحط رتبة من الأعلى إلا من استحق السكني لحاجة وفاقة، فيسكن مع من قبله إن حملتهم الدار، وإلا بأن كثروا فيخرج الغني للفقير ولو كان سابقا عنه، ولا يسكن من الإناث إلا من تأيمت واحتاجت للسكنى تسكن برأسها فقط كما ذكر، وجميع من ذكر من المحبس عليهم أولا وآخرا يسكن الدار

بنفسه، ولا يكري لأحد وإن اتسعت واحتاج لمن يسكن معه فيسكن من احتاج للسكني من الطبقة التي بعدها أو التي بعدها، ولا يكري أحد لأحد فإن انقرضوا عن آخرهم والبقاء لله وحده رجعت الدار حبسا على مؤذني الليل بمنار المسجد المذكور يشتركون في ذلك على حد السواء، ولا يدخل معهم مؤذنو العشاءين في ذلك حبسا مؤبدا ووقفا مخلدا، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، ومن بدل أو غير فالله حسيبه وسائله وولي الانتقام منه، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، إشهادا صحيحا طوعيا قصد به وجه الله العظيم والدار الآخرة، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا ولا يخيب لراجيه وقاصده أملا، شهد عليه بذلك عارفا قدره وهو بحال كماله وعرفه وفي أوائل جمادي الثانية عام خمسة وثلاثين ومائة وألف، انتهى. عينت المحكمة الشرعية الدولة الحامية ثانيا من دور الحبس كان يسكنها في غابر الأعصر مزاور المؤذنين المكلف بالتوقيت وآلاته بالمسجد الأعظم، وآخر من سكنها من أولئك المكلفين السيد الجيلاني الرحالي وإن لم يعط وسم مزوار وبها توفي، كما سكنها قبله قاضي مكناس أبو محمد العباس بن كيران مدة، وكان بابها داخل باب الجنائز الخارجي أحد أبواب المسجد المذكور المقابل -هو أي الباب- لمسجد الحجّاج عَلَى يسار الداخل منه للمسجد، تنفتح دفة الباب على بابها رحم الله آباءنا المتقين، ما أشد اعتنائم واحتياطهم لأمور الدين، اختاروا لسكني الموقت الذي عليه المدار في معرفة أوقات الصلوات التي هي من الدين بمنزلة الرأس من الجسد هذه الدار التي كادت أن تكون من نفس المسجد تيسيرا عليه ورفقا به وجمعا له بين مصلحتي المحافظة على القيام بحق الرب المعبود وحق الأهل. ولما عينت هذه الدار محكمة أغلق بابها الأصلي المشار وأحدث لها باب بالشارع العمومي المار وسط سماط العدول بين باب الكتب المذكور في جملة أبواب المسجد وباب الجنائز.

وهذه الأبواب الخمسة كلها في الجهة الغربية من المسجد الجامع وفي هذا المسجد العظيم المقدار ثريات ثلاثة من الصفر (¬1) مكتوب بالدائرة الأولى من كبراها: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا ... إلخ السورة، وفي دائرتها الثانية بعد الاستعاذة والبسملة والصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا ... إلخ السورة، وفي دائرتها السفلي صنعت هذه الثرية بمدينة فاس حرسها الله لجامع مكناسة شرفه الله بذكره، وكان الفراغ من عملها في العشرين من شهر ذي القعدة عام أربعة وستمائة. وفيه مائة وثلاثة وأربعون قوسا، ومن الأساطين مائة أسطوانة (¬2) وأربعة وثلاثة أسطوانة وهذا العدد غير شامل للأساطين الملصقات بالجدارات. فائدة: أول من أحدث الأساطين للظلال وهي مجانب مسقفة تظل الناس وتكنهم من الشمس والمطر عبد الملك بن مروان وذلك عام ثمانين، انتهى. وفي المسجد من الصفوف المصطفة المتباعدة الأكناف، البالغة في محاسن الأوصاف، تسعة الصف الأول منها عديم النظير في اتساع العرض، إذ عرضه ستة أمتار وأربعة وثمانون سنتيما (¬3)، وهذا القدر لم أر ما يحاكيه في عرض صفوف غيره من المساجد، نعم عرض الصف الأول من جامع المنصور بمراكش يزيد عليه بواحد وأربعين سنتيما إذ عرضه سبعة أمتار وخمسة وعشرون سنتيما، وطوله خمسة وسبعون متر، أما عرض صفوف جامع بني أمية بدمشق الشام فيفوق الجميع إذ عرض كل بلاط من البلاطات الثلاث نحو التسعة أمتار. وطول مسجدنا المكناسي من جدار المحراب إلى العنزة تسعة وثلاثون مترا وعشرون سنتيما، وعرضه من الجدار الشرقي إلى الجدار الغربي أربعون مترا ¬

_ (¬1) الصفر: النحاس الأصفر. (¬2) الأسطوانة: العمود والسارية. (¬3) أى سنتيمتر.

وخمسة وتسعون سنتيما، وطول صحنه واحد وعشرون مترا وأربعة عشر سنتيما، وعرضه سبعة عشر مترا وواحدا وأربعون سنتما، وعرض الجناح الأيمن خمسة عشر مترا واثنان وعشرون سنتيما، وعرض الجناح الأيسر أحد عشر مترا وأربعة عشر سنتيما، وعرض كل ربع من أرباع مناره خمسة أمتار وخمسون سنتيما، وسعة كل جدار منها متر واحد وسبعون سنتيما، وعدد درجها مائة درجة، وثلاث عشرة درجة علو كل درجة عشرون سنتيما. قال في الروض: وكانت الصاعقة نزلت أيامهم يعني -بني مرين- على صومعة جامعها أي مكناسة الأعظم والناس في صلاة العصر فقتلت نحو سبعة رجال وهدت بعض أركان الصومعة ودخلت في تخوم الأرض بباب بإزاء الصومعة يعرف اليوم بباب الزرائعيين، فانتدب لبنائها شيخ الإسلام الفقيه أبو عمران موسى بن معلى المعروف بالعبدروسى، واستنجد أهل اليسار منهم فجمعوا من المال ما أصلحوا به ما انثلم من الصومعة المذكورة فيما حدثني به والدي والشيخ المعمر أبو زيد عبد الرحمن النيار موقت الجامع المذكور ومزوار (¬1) مؤذنيها، انتهى. من خطه (¬2). قلت: الصاعقة نار تسقط من السماء لها رعد شديد. قال في روح البيان: ولا دخان لها وتتوالد في السحاب، وهي أقوي نيران هذا العالم فقد تغوص في البحر، وتحرق الحيتان داخله، وعن ابن عباس رفعه: إن الملك الذي يسوق السحاب إذ اشتد غضبه طارت من فيه نار وهي الصاعقة. وعند الحكماء أنها أثر اصطكاك كهربائتين إحداهما صاعدة والأخرى نازلة. وعند النيسابوري في تفسير قوله تعالى (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ... إلخ، إن القوى الفلكية إذا وقعت على العناصر بإذن الله فحركتها وخالطتها حصل من اختلاطها موجودات شتى من سحاب ومطر وطل وثلج وبرد ¬

_ (¬1) مزوار: هذه التسمية انفردت بها بلاد المغرب، وصاحبها بمثابة صاحب الحسبة في قبيلته. (¬2) الروض الهتون - ص 93.

وريح ورعد وصواعق، وبعد أن بين كيفية تولد ذلك قال: فهذا القدر من الحقائق في هذا المقام لا ضير في معرفتها، بعد أن يعتقد انتهاء أسبابها إلى مدبر الكل سبحانه، انتهى. ونبه بهذا على رد ما شرحه الحكماء الفلاسفة في هذه الحقائق إلى الأصل الأصيل الديني من أنه لا فاعل إلا الله سبحانه، وأن ذلك لا ينافي إجراء الموجودات على ما تقتضيه الحكمة من قرن الأمور بأسبابها العادية. وقد أشار لمثل ذلك الرازي أيضا عند قوله تعالى: هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا ... إلخ، وإن أنكر ذلك عليه أبو حيان قائلا: هذا الرجل غرضه جريان ما تنتحله الفلاسفة على مناهج الشريعة وذلك لا يكون أبدا، انتهى. وبحثه هذا مع الرازي غير وجيه، لأنه لم يقصد تنزيل كلام الحكماء من حيث كونه رأيا لهم على مناهج الشرع، وهم لا يرون ذلك، ولا يقولون بالفاعل المختار وينسبون الأفعال للطبيعة، بل قصده ربط المسببات بأسبابها، وأما ما قدمناه عن النيسابوري فهو بيان لكيفية ربط هذه المسببات بأسبابها العادية التي اقتضتها. الحكمة الإلهية وأتقنت كل شئ صنعا من غير تعريج على نسبة ذلك لرأي الحكماء، بل مع التصريح بمنافيه وهو كونه فعلا ومن آثار قدرته وبديع حكمته. وحينئذ فبحث أبي حيان مع الرازي لا يرد على النيسابوري وعلى ذلك والله أعلم حمل الشيخ زكريا والحافظ السيوطي صنيع البيضاوي في تخريجه آي التنزيل في هذه الحقائق على مثل الكيفية التي شرحها النيسابوري، ولذلك أرى كلامه في حواشيهما على تفسيره، وبه يجاب عن تعقب الإبريز بقوله: على ناصر الدين البيضاوي درك في تفسير قوله تعالى: وينزل من السماء من جبال فيها برد بطريقة الفلاسفة، والعجيب من سكوت الحافظ السيوطي في الحاشية على ذلك وكذا شيخ الإسلام زكريا في حاشيته عليه، انتهى. فليتأمل. قيل والصاعقة تسقط عادة على أرفع شيء وخصوصا البارز كالجبال دون الأرض السهلة والحارة، وقد يؤيد ذلك نزولها هنا على خصوص الصومعة. المرتفعة

لكن قال في الإبريز: القول بأن الصاعقة لا تنزل في الأرض السهلة المستوية الحارة غير صحيح، فإنا شاهدناها تنزل في سلجماسة وهي أرض مستوية سهلة حارة صحراء، ولا أحصي كم شاهدناها تنزل فيها. وقد ذكر السيد في شرح المواقف أن صبيا كان في صحراء فأصاب رجليه صاعقة فسقط ساقاه ولم يخرج منه دم، وقد ذكر المفسرون نزولها في الصحراء عند قوله تعالى: ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء، انتهى. وترجمة أبي عمران العبدوسي تأتي بعد. وطول محراب مسجد هذه الصومعة متران اثنان وثمانون سنتيما وعرضه متر واحد وسبعون سنتيما. وفي الجهة الغربية منه المكتبة العلمية الجامعة لمحاسن الكتب القديمة لولا اختلاس جُلّ نفائسها ومد اليد العادية في ذخائرها الثمينة وإضاعة باقيها من ولاة الأحباس بعدم التعاهد والإصلاح أولا وتعطيل منفعتها بغلق أبوابها عن القراء ثانيا، حتى آل الأمر بسبب ذلك إلى أن صار الكثير مما بقي من كتبها التي يعز أن توجد في غيرها إلى حد لا ينتفع به أصلا لتمزقه وتلاشيه ووضعه في محل الكناسة والأزبال، وذلك من المفاسد التي لا تباح. ومن العظائم التي أوقعت في الجناح، مع كون جانب الحبس غنيا، وبتجديد ذلك ورده إلى حال شبابه مليا، وهلا أيقظ ولاة الأحباس فعل الدولة الحامية فيما شيدته من المكتبة العلمية العديمة المثال بالمدرسة العليا بعاصمة الرباط وجلبت إليها نفائس الكتب المغربية وغيرها، ونصبت بها القيمين المهرة الحازمين المتلقين للقراء في كل حين بأوجه ضاحكة، مع تسهيل مناولة مقصد القارئ منها وإعانته على نيل بغيته، مع أنك إذا نظرت في مصارف الأحباس تجد الكثير منها يخرج في مقابلة لا شئ، إنما هي أسماء لا حقيقة لمسمياتها، كما تجد العدد الوافر منها

يخرج فيما لا أهمية له في نظر المحبس ولا في نظر الشرع، زد على ذلك وقوع التعذير في كل حين في غير المرموق بعيون أولي الأمر من المساجد ورباعها، فإذا تهدم جانب أو منفعة من منافعه أو ربع ينتفع به فيه مما هو بعيد عن التفات من ذكر ترك نسيا منسيا، حتى تعمل في مجموعه عوامل الخراب ولا يبقي له رسم ولا طل والأمر لله من قبل ومن بعد، اللهم يا مولانا وفق ولاة أمرنا لما فيه حياة شعبنا، وصلاح ديننا وسددهم وأعنهم على ذلك. وأما مجلس الأسبوع الذي ذكر ابن غازي أن الوطاسي أحدثه، فهو الذي في أعلى ساباط الأسبوع المحمول على الجهة العليا من الجدار الشرقي للمسجد الجامع المذكور، وعلى الجدار المقابل لذلك من جدارات مدرسة القاضي المشار لها، وباب هذا المجلس هو في الصف الأول من المسجد، وقد بين ابن غازي وجه تسميته بذلك فيما مر عنه، لكن ذلك الوجه لم يستمر بل خلفه وجه آخر وهو قراءة سبع القرآن به في المصحف الذي حبسه جدنا من قبل الأم فخر الدولة العلوية بعد جده مولانا إسماعيل سيدي محمد بن عبد الله، فمن مناقبه -قدس الله روحه- تحبيسه لمصحف عتيق بخط بارع، تراجمه وسوره وأجزاؤه بالقلم الكوفي الذي لا يوجد له مثيل، سفره من ألواح الساج البديع المرصع بالصفائح المموهة بالذهب اللطيفة الشكل، قرأت عقد تحبيسه بأول ورقة من ذلك المصحف بتاريخ الثامن عشر من رجب عام سبعة وسبعين ومائة وألف، على خزانة الجامع المذكور. وفي هذا المصحف كانت تكون قراءة السبع الواحد من القرآن بالمجلس المذكور كل يوم، وافتتاح أولها يوم السبت، وختم آخرها عند جلوس الخطيب على المنبر يوم الجمعة، وتقسيم هذه السباع على النهج المبين في قول القائل: فإن تشأ فقف على ما قد وقف ... عليه خير مرسل مع السلف وذاك في العقود لا النساء ... ويونس وسورة الإسراء والشعرا وسورة اليقطين ... وقافها والختم بالتبيين

ومعنى هذه الأبيات إن أردت أيها القارئ المتعبد بالتلاوة موافقة السنة وعمل سلف الأمة في تعبدك وتلاوتك، فقف وقفا ليس بالواجب عليك في يوم افتتاحك على سورة العقود، وفي ثانيه على سورة يونس، وفي ثالثه على سورة الإسراء وفي رابعه على سورة الشعراء، وفي خامسه على سورة اليقطين، وفي سادسه على سورة قاف، وفي سابعه يكون الختم ويدل لهذا ما في النوع الخامس والثلاثين من الإتقان من أن قراءة القرآن في سبع هي أوسط الأمور وأحسنها، وهو فعل الأكثرين من الصحابة وغيرهم، وما أخرجه الشيخان عن عبد الله بن عمرو، قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اقرأ القرآن في شهر، قلت: إني أجد قوة، قال: اقرأه في عشر، قلت: إني أجد قوة قال: "اقرأه في سبع ولا تزد على ذلك". وما أخرجه أبو عبيد وغيره بن طريق واسع بن حَبَّان (¬1)، عن قيس بن أبي صعصعة وليس له غيره أنه قال: يا رسول الله في كم أقرأ القرآن؟ قال: "في خمسة عشر قلت: إني أجد أقوي من ذلك، قال: اقرأه في جمعة". وقول ابن أبي زيد في الرسالة ومن قرأ القرآن في صبع فذلك حسن، انتهى. قال الشيخ زروق: يعني أن الختم في كل أسبوع حسن، وعلى ذلك كان السلف فمنهم من يجعلها بين الليل والنهار، ومنهم من يجعل ختمة بالليل وختمة بالنهار فيختمون الليلة ليلة الجمعة، والنهارية يوم الاثنين، ويكون ذلك أول الليل وأول النهار يستغفر له الملائكة في بقية يومه، وقد اختلفت طرقهم في التجزئة وأحسنها في اليوم الأول ثلاث سور، وفي الثاني خمس، وفي الثالث سبع، وفي الرابع تسع، وفي الخامس إحدي عشرة، وفي السادس ثلاث عشرة، وفي السابع يختم بقيته إلى أن قال: ومنهم من يجزئ بالأحزاب والآي ونحو ذلك، وكلٌّ واسع وفعل السلف أحسن. وقال الإمام أبو حامد الغزالي في الإحياء: "قيل إن أحزاب القرآن سبعة، ¬

_ (¬1) بفتح المهملة ثم موحدة ثقيلة، قيده ابن حجر في التقريب - ص 509.

الحزب الأول ثلاث سور، والحزب الثاني خمس سور، والحزب الثالث سبع سور، والحزب الرابع تسع سور، والخامس إحدى عشرة سورة، والسادس ثلاث عشرة سورة، والسابع المفصل من قاف هكذا حزبه الصحابة، وكانوا يقرءونه كذلك". قال العراقي في حديث تحزيب القرآن سبعة أحزاب رواه أبو داود وابن ماجه من حديث أوس بن حذيفة في حديث فيه قال أوس فسألت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف تحزبون القرآن؟ فقالوا ثلاثا وخمسا وسبعا وتسعا وإحدى عشرة وثلاث عشرة وحزب المفصل. وفي رواية للطبراني فسألنا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحزب القرآن؟ فقالوا كان يحزبه ثلاثا فذكره مرفوعا وإسناده حسن، انتهى. وقال أبو حامد أيضا ينبغي أن يكون الختم ما بين الشهر إلى الجمعة فيكون إذا أبطأ ختم القرآن في الشهر مرة، وإذا عجل لم ينقص من الجمعة. ولم يزل العمل مستمرا على قراءة ذلك المصحف بالمجلس المذكور ويختم في كل أسبوع كما تقدم إلى زمن نظارة ابن عمرو على الأحباس بمكناسة، وقد كان ناظرا عليها في دولة الأمير المطاع الأمر مولانا الحسن قدس الله روحه في فراديس الجنان، وابن عَمْرو هذا، هو الحاج محمد بن عمرو الصنهاجي أصلا، المكناسي نشأة ودارا ووفاة، كان من رؤساء مكناسة وذوي الوجاهة بها والصيت الذائع والثروة ذات البال بالنسبة لأهل جلدته، تقلب في عدة وظائف مخزنية منها ولاية رياسة الأمانة على الأملاك المخزنية، ومنها الولاية على البناءات السلطانية الحسنية، ومنها الولاية على غير الرشداء من أولاد أفراد أعيان العائلة الملوكية لما كان له عند الجلالة السلطانية من المكانة، والحمل على الصدق والأمانة، ومنها ولاية النظر على عموم الأوقاف المكناسية والزرهونية مما عدا الزاوية الإدريسية فقد

كان لها ناظر مستقل، اتفق في نظارته أن مات القيم بالأسبوع المذكور في المجلس المشار وحين رام من له النظر في الأمور الشرعية بمكناس وقتئذ إقامة خلف للقيم المذكور وأمر الناظر أن يجرى له من الأحباس مثل ما كان لمن قبله زعم أن القيم السابق لم يكن له راتب معين في الحبس، وإنما كان متطوعا، فكان في جوابه هذا وامتناعه من دفع الإعانة إبطال ذلك المشروع الحسن، في ذلك المجلس المستحسن نعم ذلك المجلس هو وإن هجر عن المشروع المتقدم فقد تلافته بقايا السعادة بأن جعل الآن مكتبة علمية على ما سبق فيها، ونسيت المدرسة المتقدمة الذكر للقاضى لكون القاضى أبى على الحسن بن عطية (¬1) الونشريسى كان يدرس بها، وأضيفت للشهود لأنها كانت بأعلى سماطهم وهو محل باعة الخضر الآن ويعرف بنهج الخضارين كما تقدمت الإشارة لذلك. ومؤسس هذه المدرسة هو أبو يوسف المرينى (¬2) كما سيمر بك قريبا، وأضيف الساباط للأسبوع لارتفاع المجلس الأسبوعى السالف الذكر عليه. وبالمدينة اليوم من المساجد ما بين صين وساقط ومتداع للسقوط نحو ثمانية وسبعين والباقى من العدد السابق عن ابن غازى، منه ما صار دورا، وبساتين وقصورا، ومنه ما اندثر ولم يبق له خبر ولا أثر. والمعد للخطبة منها اليوم اثنا عشر مسجدا ودونك عدّها: 1 المسجد الأعظم المعروف بالجامع الكبير، و 2 المسجد العتيق وهو المعروف بجامع النجارين، و 3 جامع الزيتونة، و 4 جامع باب البراذعيين، و 5 مسجد سيدى عبد القادر العلمى، و 6 مسجد سيدى سعيد، و 7 مسجد القصبة السلطانية، و 8 مسجد قصبة هدراش ويعرف بجامع لال خضراء، و 9 مسجد الأزهر الموسوم بجامع الأروى، و 10 مسجد قصبة بريمة، و 11 مسجد السيد الحاج القدوة الولى الشهير، و 12 مسجد بقصبة تولال. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "أبى الحسن بن عطية" وصوابه لدى الونشريسى في وفياته في موسوعة أعلام المغرب 2/ 692. وانظر لذلك أيضًا: الروض الهتون - ص 88. (¬2) الروض الهتون - ص 88.

فصل: في حماماتها ودورها ودكاكينها وحرماتها وأرحاء مائها وأفرانها وعدد سكانها

وبها من الصوامع التي ينادى بها للصلاة ثمانية وعشرون: 1 صومعة العتق وهو جامع النجارين، و 2 صومعة المسجد الأعظم، و 3 صومعة جامع الزيتونة، و 4 صومعة جامع باب البراذعيين، وه صومعة سيدى أحمد بن خضراء، و 6 صومعة سيدى عبد القادر العلمى، و 7 صومعة جامع الصباغين، و 8 صومعة جامع التوتة، و 9 صومعة جامع براكة، و 10 صومعة جامع ابن عزو، و 11 صومعة جامع الزرقاء، و 12 صومعة جامع الساباط، و 13 صومعة سيدى اليابورى، و 14 صومعة جامع القصبة المعروف بلال عودة، و 15 صومعة الضريح الإسماعيلى، و 16 صومعة باب مراح، و 17 و 18 صومعتان اثنتان بدار المخزن السعيدة، و 19 صومعة جامع قصبة هدراش المعروف بلال خضراء، و 20 صومعة. جامع الأروى، و 21 صومعة سيدى سعيد، و 22 صومعة جامع الدار البيضاء بآجدال، و 23 صومعة سيدى الحاج القدوة، و 24 صومعة بريمة، و 25 صومعة جامع سعدون، و 26 صومعة سيدى الورزيغى، و 27 منار جامع تولال، و 28 منار جامعه جراوة بالجبابرة. وبها من السقايات نحو السبعين والباقى أمسى في خبر كان والبقاء لله وحده. فصل: قال في "الروض": وكان بهذه المدينة في أيام الموحدين ثلاث حمامات البالى والجديد والصغير، وهى باقية لهذا العهد، وكان أحدث فيها أبو زكريا يحيى بن غُنْصَالْبَهْ المهاجر المعروف بابن أخت ألفنش في العشرة الثانية من القرن السابع حماما كبيرا حفيلا محكما فجاء في غاية الإتقان، وكان أبو زكريا هذا فنشيًّا، هاجر إلى سلطان الموحدين واستوطن مكناسة مظهرًا لدين الإسلام، وكان يسكن بها في دار كبيرة بشرقى الجامع الأعظم مقابلة لأحد أبوابه تنسب لعلى بن أبى بكر أحد حفاظ الموحدين، [كان] قد ولى العمل بها، وكان أبو زكريا

هذا قائد فرسان يتصرف في ردع شرار البربر الرحالين، وكان في زى الموحدين فاعلا للخير محبا في أهله، وله في إِحداث هذا الحمام مناقب اشتهرت عنه من إرضائه أصحاب الديار التي اشتراها لذلك في أثمانها وغير ذلك، وعمر هذا الحمام ما شاء الله ثم خرب منذ زمان، وآثاره باقية لهذا العهد عند سوق الغزل منها، وفيه يقول الأستاذ أبو عبد الله بن جابر في رجزه المسمى بنزهة الناظر: وإنما الحمام كان الفنش ... ذاك الذى إذ كان كان العيش إلى أن قال وقد كان الشيخ أحمد اللحيانى الورتاجنى أيام قيامه بمكناسة أحدث بها حماما حول داره ودثر بعده، ثم عمر لهذا العهد ينسب إليه فيقال له حمام المرينى، وهو الآن رابع حماماتها، انتهى. من خطه (¬1). قلت: قوله غُنْصَالبه هى -بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح الصاد مشبعة بعدها لام ساكنة فباء مفتوحة فهاء سكت- هكذا ضبطه بخطه. وسلطان الموحدين الذى كان في العشرة الثانية من القرن السابع هو المنتصر بالله بن الناصر بن يعقوب المنصور، وأما الحمام البالى فإنه لا زال قائم العين إلى الحين الحالى، إلا أنه لا يعرف اليوم بهذا الوصف، وهو المعروف بحمام مولاى عبد الله بن أحمد، ويدل لذلك تصريح بعض المقيدات الحبسية الموثوق بصحة خبرها بذلك ودونك نصها: ومنها أى من العقارات الحبسية الكوشة المتصلة بالحمام البالى المعروف بحمام مولاى عبد الله بن أحمد، انتهى. وأما الحمام الجديد فإنه لا زال قائم العين معروف الاسم إلى الآن. وأما الحمام الصغير فإنى لم أقف على تعيين مسماه الآن، إلا أن الغالب على الظن أنه حمام التوتة، إذ هو أصغر حمام يوجد في البلد مع ظهور قدمه. وأما حمام أبى زكرياء الفنشى فقد قال بعض من تأخر زمانه في طرة قيدها ¬

_ (¬1) الروض الهتون - ص 75 وما بين حاصرتين منه.

على كلام "الروض" هنا ما لفظه: أدركنا هذا الحمام وقد اتخذ معصرة للزيتون، وبقى كذلك سنين متطاولة والآن جعل محلا لعمل البارود بسويقة باب البراذعيين في قبلة ضريحى الوليين سيدى عبد الله الدراوى وسيدى أحمد بن خضراء نفع الله المسلمين ببركاتهما، وما زال الحمام على قبتين محكمتى البناء على أعمدة من الحجر المنحوت، انتهى. قلت: هذه الأوصاف تنطبق تمام الانطباق على المعصرة القائمة العين الآن المجاورة للفرن الكائن بالسويقة المذكورة المعروفة اليوم بسويقة جبالة، ولا زالت إحدى القبتين شاخصة إلى الآن بالمعصرة المذكورة ولم يبق أثر لتلك الأعمدة الحجرية، نعم يوجد ثَمَّ بناء بالحجر المنحوت لا يبعد أن يكون هو حجر تلك الأعمدة، كما أن الذى تعطيه القرائن أن ذلك الفرن المتصل بها هو عين القبة الثانية هدمت وبنى الفرن في محلها والله أعلم. وأمام حمام المرينى فهو الحمام المعروف اليوم بحمام السويقة ويستفاد ما يدل لذلك من بعض التقاييد الحبسية الموثوق بخبرها أيضا، إذ فيها تجوير درب الست هنو بحمام المرينى والحمام المجاور لذلك الدرب هو حمام السويقة. وأما سوق الغزل بالمحل الذى أشار له ابن غازى فلا يعرف الآن، والذى أدركناه موضعه بمقبرة سيدى أحمد الدراوى التي كان يخرج إليها من الباب الذى كان بوسط العشابين خارج باب بريمة، وقد حول حين حلت الفتن وكثر الهرج أواخر الدولة العزيزية إلى زاوية من روايا بطحاء الهديم وأُغلقت باب المقبرة المذكورة خوف هجوم الرعاع على العاصمة منها، وكان غلق هذا الباب فاتح واحد وعشرين وثلاثمائة وألف، -ولا زال سوق الغزل يعمر بالهديم إلى الآن كل صباح. هذا وعدد حمامات المدينة اليوم أحد عشر ودونك أسماءها: 1 حمام سيدى

فصل: في بناء قصبة مكناسة ومدرستيها وزاويتها وما شيده أو أسسه أو جدده الملوك العلويون بها إلى الآن من قصبات وأبواب وقناطر وأضرحة ومساجد وقصور وأجنة وبساتين ومدارس ومكاتب وغير ذلك من الآثار ثم ذكر أبوابها من عهد ابن غازى إلى الآن

ملوك، 2 حمام التوتة، 3 حمام تربيعين، 4 حمام السويقة، 5 حمام مولاى عبد الله بن أحمد، 6 حمام باب البراذعيين، 7 حمام مولاى إسماعيل، 8 حمام لال خضراء، 9 حمام جامع الزيتونة، 10 حمام الجديد، 11 حمام الحرة ويعرف بحمام سيدى عمرو بو عوادة، ويمكن أن تكون الحرة التي أُضيف إليها هذا الحمام هى أم أيمن بنت على البطوئى (¬1) أم السلطان يعقوب بن عبد الحق المرينى لأنه كثيرا ما تذكر في الكتب التاريخية بالحرة والله أعلم. والذى يعين أنه هو المضاف اليوم لبوعوادة الولى المتبرك به هو ما في "ممتع الأسماع" ولفظه: أبو حفص عمرو بن عوادة دفين حومة حمام الحرة من مكناسة، وأما الدار التي كان يسكنها الفنشى فوصف ابن غازى لها يقضى بأنها في موقع مدرسة الشهود المتقدمة الذكر، أو سوق البز المعروفة بالقيسارية. وعدد دور المدينة الآن ثمانية آلاف دار وخمسمائة وخمس عشرة دارا. وعدد دكاكينها أربعة آلاف تقريبا. وعدد حوماتها تسعة وعشرون وهى حومة حمام الجديد، وزقاق القلمونة، وأروى مزيل، وجامع الزيتونة، وقعر وردة، وفرن النوالة، وسيدى أحمد بن خضراء، وعقبة الزرقاء، والتوتة، وتزيمى الكبرى، وتزيمى الصغرى، وجناح الأمان، وزنيقة الأنوار، وجامع النجارين، وظهر السجن، والصباغين، وبريمة، وقصبة هدراش، وباب مراح، وسيدى عمرو الحصينى، وسيدى النجار، والدريبة، والستينية، والدار الكبرى، والأروى، والجبابرة، وبنى محمد، والدار البيضاء، والملاح. وأما بالنظر إلى التقسيم فمكناس كغيره من مدن الإِيالة ينقسم كما في البستان، في تخطيط البلدان، ثلاثة أقسام: القصبة المولوية، والمدينة الأصلية، والملاح، والسور محيط بالجميع. ¬

_ (¬1) بضم الطاء مشددة، فواو وهمزة قبل ياء النسب، قيده صاحب نشر المثانى في موسوعة أعلام المغرب 3/ 1285.

وعدد أرجاء الماء بها اليوم اثنتان وأربعون، وعدد الأفران اثنان وثلاثون، وعدد الطرازات المعدة لنسج الصوف ثمان وعشرون، وعدد الإصطبلات تسع وأربعون، وعدد معامل الزليج والأوانى الخزفية وما شاكلها تسعة عشر. وعدد سكانها من الأهالى ثمانية وعشرين ألف نسمة ومائتان وسبع على ما أنتجه الإحصاء الأخير، والذى يظهر من تساهل المكلفين بهذا الإحصاء وعدم ضبطهم أن عدد السكان يزيد على ذلك بما ينيف على العشر، وأما عدد سكانها من الإسرائليين فخمسة آلاف وسبعمائة وثلاثة وستون، وأما سكانها من الفرنسيين المدنيين فألف وتسعمائة، وأما سكانها من الأجانب غير الفرنسيين فسبعمائة وتسعة وخمسون، فجميع السكان على هذا ست وثلاثون ألفا وستمائة وتسع وعشرون، وقد أشرنا إلى أنه لا معول لمن رام التحقيق على هذا الإحصاء فقد أغفل أهله عائلات كثيرة من الأهالى والأجانب. فصل: قال ابن غازى: وذكر ابن خلدون أن السلطان أبا يوسف المرينى لما فرغ من بناء البلد الجديد المسمى بفاس الجديد، أمر ببناء قصبة مكناسة، انتهى من خطه (¬1). زاد غيره وجامعها، انتهى. أى أمر ببناء جامع القصبة معها، وزاد ابن خلدون فشرع في بنائها من سنته، انتهى. يعنى سنة أربع وسبعين وستمائة كما بينه هو وابن أبى زرع وغيرهما. والشروع في بناء فاس الجديد اتفقت كلمتهم على أنه كان في شوال من السنة المذكورة زاد في "روضة النسرين" وغيرها أن ركوب ابن يوسف من القصبة القديمة بفاس وخروجه لتأسيس فاس الجديد وحفر، أساسه كان ضحى يوم الأحد ثالث شوال عامه، وزاد ابن أبى زرع أن أمره ببناء قصبة مكناسة كان في شوال المذكور. قلت: فعلى هذا كان الشروع في فاس الجديد والفراغ منه في ظرف نحو العشرين يوما لا غير، وهو في غاية البعد، والذى عند ابن خلدون أن كمال ¬

_ (¬1) الروض الهتون - ص 87 - 88.

بناء المدينة المذكورة وسكنى الأمير المذكور بها كان سنة أربع وسبعين وستمائة، انتهى. فلم يصرح باليوم والشهر اللذين كان فيهما ذلك، فجاز أن يوافق ما صرح به ابن أبى زرع، وجار أن يخالفه وهو الظاهر، ويعضد ذلك ما في الحلل الموشية لابن الخطيب، وهذا لفظ ما في النسخة المطبوعة الآن منها، وفيها أى في سنة أربع وسبعين وستمائة ابتدئ بناء البلد الجديد بخارج مدينة فاس وهو المدينة البيضاء وتم في ذى الحجة سنة سبع وسبعين وستمائة، انتهى. والظاهر صحة ما قاله ابن الخطيب، فإن العادة في البناء الكثير وخصوصا مدينة أن لا يتم إلا في أعوام، وسيمر بك أن مدة بناء سيدنا الجد المولى إسماعيل للقصر الكبير بمدينتنا مكناسة ثمانى سنين مع ما كان عليه من ضخامة الملك وشدة الحرص على البناء، مما لا يساويه فيه بل ولا يدانيه بانى فاس الجديد، وسيمر بك في كلام الزيانى وغيره شاهد ذلك، وفى كلامه زيادة على ما لابن خلدون بتعيين الشهر الذى وقع الفراغ من بناء فاس الجديد فيه وهو ذو الحجة، وفيه مخالفة أيضا لابن أبى زرع في وقت الشروع في قضبة مكناسة، فصريح كلام ابن أبى زرع أنه كان في شوال، ومقتضى ما لابن الخطيب أنه في ذى الحجة وهو الظاهر والله أعلم. ثم هذه القصبة قصبة مكناسة المحدث عنها لم يتنازل أحد من المؤرخين فيما رأينا للتصريح بما يحقق تحديدها وتفاصيلها، غير أن الشواهد والقرائن التي تعطيها نصوصهم ترشد إلى أن موقعها كان فيما بين منتهى جامع القصبة المعروف بهذا الاسم قديما وحديثا وبجامع لآل عودة أيضا، وبين السور الواقع بإزائه الذى هو آخر القصبة الإسماعيلية المحيطة بالقصور الملوكية المعدة لسكنى العائلة الآن. وأما تحقيق حدود القصبة المرينية في هذه المساحة التي أرشدت إليها قرائن

نصوصهم وكذلك الجزم ببقاء شئ من عينها بعد الإضافات الكثيرة والتجديدات الهائلة التي أنشأتها الهمة الإسماعيلية هناك، فهو مما لا سبيل إليه في هذه الأزمنة الحاضرة، وحسب الواقف هنا قبول هذا الخبر التاريخى من غير تطلب لمطابق له خارجا، وسنأتى بحول الله من تفاصيل تأسيسات الجد مولانا إسماعيل وهائل تخطيطاته في قصبته ما يزيح عنك البين، ويدفع عنك فيما سطرناه المين. نعم جامع القصبة المذكور سيأتى لنا ترشيح أنه هو جامعها المرينى المأمور ببنائه معها، وإن كنا لا نجزم بأن البناء الموجود فيه الآن هو الأصلى وسننبه على ما عينه النص فيه أنه من الأعمال الإسماعيلية أو غيرها والله أعلم. وأبو يوسف بانى القصبة المذكور، هو أمير المسلمين يعقوب بن الأمير أبى محمد عبد الحق الزناتى المرينى وهو سادس سلاطين الدولة المرينية لقبه القائم بأمر الله والمنصور بالله، مولده سنة تسع وستمائة، وبويع سنة ست وخمسين، وتوفى سنة خمس وثمانين وستمائة، فعمره خمس وسبعون سنة، ومدة ملكه تسعة وعشرون سنة وستة أشهر واثنان وعشرون يوما، كذا في "روضة النسرين". وما ذكره في هذه ملكه يقتضى أن مبايعته كانت قبل فاتح عام ستة وخمسين بستة أشهر، وهو مخالف لما تقدم عنه من أنها سنة ست وخمسين فاعرفه. صفته: أبيض اللون، تام القد، معتدل الجسم، حسن الوجه والصورة، واسع المنكبين، أشيب كأن لحيته قطعة ثلج من بياضها ونورها وإشراقها، وكان شجاعا حازما، من فضائله أنه لم تهزم له راية ولم يقصد عدوا قط إلا قهره، ولا جيشا إلا هزمه، ولا بلدًا إلا فتحها. استرجع سَلاَ من يد الإصبان في ظرف أربعة عشر يوما من احتلالهم بها وذلك سنة ستمائة وثمان وخمسين، وانتصر عليهم الانتصارات الباهظة وغنم غنائم طائلة، وقد نقل بعد وفاته فدفن في روضة شالة من رباط الفتح.

تنبيه: قال ابن أبى زرع: ومن تابعه ومن سعادتها يعنى فاسا الجديد وسعادة طالعها أنها لا يموت فيها خليفة ولم يخرج منها لواء إلا نصر، ولا جيش إلا ظفر، انتهى. وأقول كم لواء خرج منها فكسر. وجيش فهزم ودمر. والعيان أكبر شاهد وحسبك ما وقع أواخر الدولة العزيزية في فتنة أبى خمارة التي قضت على ما كان من بقية الرمق بالمغرب، وسيمر بك بحول الله وقوته تفصيل ذلك، نعم إن قصرت تلك المقالة على ما سلف كما هو مقتضى ظاهر لفظها فلا بحث إلا من جهة أن المقالة تقتضى أن عدم وقوع ذلك في سالفه لأجل خصوصية هناك، مع أن ذلك إنما كان اتفاقيا وإلا لدام، والله أعلم. ثم قال في الروض: وبنى السلطان أبو يوسف أيضا بمكناسة مدرسة الشهود التي بأعلى سماطهم هنالك، ويقال لها مدرسة القاضى، لأنها كان يدرس بها القاضى أبو على الحسن بن عطية الونشريسى وسيأتى ذكره إن شاء الله تعالى، ثم نوه بها أبو الحسن المرينى المسمى بأبى الحسنات الكثير الآثار بالمغرب الأقصى والأوسط والأندلس، فبنى فيها مرافق كثيرة كزاوية القورجّة، وزاوية باب المشاوريين وغير ذلك من السقايات والقناطر في طرقاتها ونحوها، ومن أجلِّ ذلك المدرسة الجديدة، وكان قدم للنظر على بنائها قاضيه على المدينة المذكورة أبا محمد عبد الله بن أبى الغمر (¬1). فحدثنى والدى (¬2) -رحمه الله- أنه كان يسمع ممن أدرك من الشيوخ أن السلطان أبا الحسن رحمه الله تعالى لما أخبر بتمام بنائها جاء إليها ليراها، فقعد على كرسى من كراسى الوضوء حول صهريجها، وجئ بالرسوم المتضمنة للتنفيذات اللازمة فيها، فغرقها في الصهريج قبل أن يطالع بما فيها وأنشد: لا بأس بالغالى إذا قيل حسن ... ليس لما قرت به العين ثمن ¬

_ (¬1) الروض الهتون - ص 88. (¬2) الروض الهتون - ص 90.

ولما ولى بعده ولده أبو عنان نوه بها أيضا وتفقد أحوالها، وكان من جملة ذلك أن أمر بالاقتصار على عشرة من الشهود بها وعزل الباقين على كثرتهم، انتهى من خطه (¬1). قلت: أما مدرسة القاضى فقد قدمنا بعض ما يتعلق بها وهى المعروفة اليوم بالمدرسة الفيلالية، وكأنها تنسب لمن كان يسكنها من طالبى العلم أهل تافيلالت، وقد نبهنا فيما سبق على أن سماط العدول حول عنها للدكاكين المسندة للجهة التي عن يمين المصلى بالمسجد الأعظم. وأما أبو الحسن المرينى فهو السلطان أبو الحسن على بن السلطان عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المرينى لقبه المنصور بالله، مولده في صفر سنة سبع وتسعين وستمائة، وبويع يوم الجمعة الخامس والعشرين من ذى القعدة سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، وتوفى بجبل هنتانة ليلة الثلاثاء السابع والعشرين من ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، ودفن بمقبرة السعديين الشهيرة بمراكش يوم الأربعاء التالى ليوم وفاته المذكور، ونقل إلى تربة أسلافه بشالة في اليوم السادس عشر من جمادى الأولى من العام المذكور حسبما هو منقوش في رخامة على القبر الذى نقل منه بالروضة المذكورة قد وقفت على ذلك بنفسى، ورأيته بعين رأسى. قال في "روضة النسرين": فمدة ملكه عشرون سنة وثلاثة أشهر ويومان اثنان وعمره ستون سنة، انتهى. ومما ذكره في مدة عمره مخالف لما ذكره في تاريخ ولادته ووفاته, فإن مقتضاها أن عمره خمس وخمسون سنة ونحو شهرين اثنين لا غير. صفته: طويل القامة، عظيم الهيكل، معتدل اللحية، حسن الوجه، سالكا سبيل العدل والتقوى، محبا للصالحين، حبب إليه الطيب. ¬

_ (¬1) الروض الهتون - ص 91.

تنبيه: قال في "روضة النسرين" وجميع ما ولد له ما بين ذكور وإناث وسقط وغيره ألف وثمانمائة واثنان وستون، أخبرنى بذلك ثقته الشيخ المعمر علال بن آمصمود الهسكورى اهـ. وأبو الحسن هذا هو فخر الدولة المرينية وواسطة عقدها، ومشيد منار مجدها يعرف عند العامة بالسلطان الأكحل لسمرة لونه، عهد له بالملك والده. قال ابن خلدون: ولما هلك السلطان أبو سعيد اجتمع الخاصة من المشيخة ورجال الدولة لولى عهده الأمير أبى الحسن وعقدوا له على أنفسهم وآتوه طاعتهم وبيعتهم. قال: وتولى أخذ البيعة له يومئذ على الناس المزوار عبو بن قاسم رئيس الورعة والمتصرفين، انتهى. وأبو الحسن هذا هو صاحب وقعة غرق الأساطيل بمرسى بجاية الشهيرة، وكان عدد تلك الأساطيل التي تراكمت عليها الأمواج من كل مكان نحو الستمائة أسطول، قال، في نفح الطيب (¬1): إن أساطيل السلطان أبى الحسن كانت نحو الستمائة فهلكت كلها ونجا هو على لوح وهلك كل من كان معه من أعلام المغرب وهم نحو أربعمائة عالم، منهم: أبو عبد الله محمد بن سليمان السطى شارح. الحوفى، ومنهم: أبو عبد الله محمد بن الصباغ المكناسى، وتأتى ترجمته في رجال مكناسة، ومنهم الأستاذ الزواوى أبو العباس وغير واحد. وكان غرق الأسطول على ساحل الأندلس، وهو الذى استرد جبل الفتح من يد الإصبان وهو جبل طارق بعد أن أنفق عليه الأموال وصرف إليه الجنود والحشود ونازلته جيوشه مع ولده وخواصه وضيقوا به إلى أن استرجعوه ليد المسلمين، وذلك سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة، وبعد استرجاعه اهتم ببنائه وتحصينه وأنفق عليه أحمال مال في بنائه وحصنه وسوره وأبراجه وجامعه ودوره ومحاريبه، وكان ¬

_ (¬1) نفح الطيب 6/ 214 - 215.

بقاء هذا الجبل بيد العدو أربعا وعشرين سنة، إذا كان استيلاؤهم عليه سنة تسع وسبعمائة، وكانت مدة حصار أبى الحسن له ستة أشهر، وكم خلد في المغربيين من مفاخر تستلفت الأنظار، وتبرهن عما كان له من ضخامة الملك والاقتدار، ولم يزل أمره بين نمو وظهور إلى وقعة غرق أساطيله المذكورة ثم صارت ضخامة ملكه بعدها تتراجع ودولته تتناقض إلى أن لبى داعى مولاه. وأما زاوية القورجّة -بتشديد الجيم كما رأيته في خط ابن غازى- فقد عفى منذ أزمنة طوال اسمها، وإن بقى إلى الحين الحالى رسمها في الجملة وموقع مسماها بالمحل المعروف اليوم بعقبة الزيادين، ويقال لها عقبة الزيادى، كان فيما سلف تطاول على جانب منها بعض أولى الأمر وصيره من جملة روض له وذلك الروض هو المعد الآن محكمة للمراقبة المدنية على الحكام الأهليين والشئون البلدية والكوميسارية، وصار طرف آخر من تلك المدرسة معدا لربط الدواب، والفاضل عن ذلك جعل معملا لطبخ الحبص، وعهدى بمحرابها فيما مر قائم العين، أما الآن فلا أدرى. وهذه الأمكنة كلها بيد الأجانب اليوم. ولا عجب في صدور هذا وما ضارعه من قوم لا يهمهم تعظيم حرمات الله ولا يرعوون عن السعى في تخريبها وانمحاء ما أثله حماة الدين من الأعمال الشريفة المبرهنة على شممهم. وعلى هممهم. أولئك الذين عاشوا وشغلهم الشاغل إقامة معالم الدين، والمحافظة على كيان عزه المتين. ومن خرب قلبه من التقوى، ونشأ في عماية وتغذى بلبان الجهل العريق والاستبداد التام واتخذ إلهه هواه فترك بيوت المجد بلاقع. وأدار من بلاياه كئوس السم الناقع، وظن الخيانة أمانة، وسفاهة الرأى عبادة وديانة، أنى يستغرب منه صدور ما ذكر من إهانة حرمات الله والتطاول عليها! هذا وسلاطيننا الجلة الأماجد لم تأخذهم سنة في زمن من الأزمنة عن تنبيه رعاياهم وولاة أمرهم، وإعطائهم

الأوامر كل آونة بالتحفظ على الشعائر الإسلامية والأخذ بالحزم في صيانتها، وكف كل يد عادية رامت التوصل إليها لأغراضها الشخصية. فمن ذلك ما أصدره أمير المؤمنين السلطان سيدى محمد بن عبد الرحمن بن هشام لبعض ولاة أمره. ودونك نص ما كتبه لعامله الطالب محمد بركاش: الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، ولفظ ما بداخل الطابع الشريف محمد بن عبد الله وليه خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، أعانك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد: فقد تساهل الناس خصوصا الأغنياء وأهل الوجاهة في أمر الأحباس حتى صاروا يتوصلون لما أرادوه منها بأى وجه أمكنهم ويجعلون ذلك في صورة المعاوضة، وصار النظار والقضاة يعتبرونهم فلا يردون إليهم حاجة، حتى انتقل بذلك كثير من الأحباس فبلغ لمولانا الوالد المقدس بالله ذلك فأمر الولاة خصوصا القضاة الذين لهم دخل في هذا الأمر بعدم معاوضتها رأسا، وتقرر هذا الأمر بمراكشة وفاس فلا يوجد أحد يعاوض شيئا منها، وحتى إن تعينت المصلحة فيها فلا بد من رفع أمرها لسيادته ينظر فيها بما اقتضاه نظره ولما ولانا الله سبحانه هذا الأمر اقتفينا أثره في ذلك وسددنا الأبواب في وجوه طلابها، على أن هذه المعاوضة إنما قال من قال بها من العلماء على شروط وأين هى تلك الشروط وما تقرر في هذه المدن أردناه أن يتقرر في ذلك الثغر السعيد، وها نحن أمرنا القاضى هناك وأكدنا عليه في عدم الموافقة على المعاوضة رأسا، كما أمرنا وصيفنا القائد محمد بن عبد الكريم الجبورى بأن لا يساعد أحدا عليها بوجه وأعلمناك لتكون على بصيرة وقد توعدنا القاضى والعامل على ذلك والسلام، في الربع من صفر عام تسعة وسبعين ومائتين وألف هـ. وأما راوية باب المشاورين فهى التي بدرب سيدى غريب بمقربة من ضريح سيدى سلامة على يسار الداخل للدرب المذكور من نهج الحمامصيين، غير أن هذا

الاسم لا يعطى لها الآن ولا يعرفها به أحد، وهي اليوم على حالة يرثى لها عششت بها الأوساخ والأزبال والقذرات وباضت وفرخت، إذ كانت مدت لها فيما سلف اليد العادية كسابقتها القورجية فصيرتها إصطبلا لربط الدواب آونة ومربضا للبقر أخرى من غير رادع ولا زاجر. ولا استحياء من الملك القاهر، مبيد الأكاسرة وكل جبار عنيد. وأما المدرسة الجديدة فهي المعروفة اليوم بالبوعنانية نسبة لأبي عنان، ولا أعرف وجهًا لهذه النسبة والحال أنها إنما أنشأها والده أبو الحسن وهي مراد ابن غازى هنا لوجوه: أحدها: قوله ومن أجل ذلك ... إلخ فإنه مشعر بفخامة بنائها وعلو شأنَّه، وهذه الصفة لا توجد على الكمال في غيرها من مدارس مكناس، لا سيما مع ما سبق عنه من أن بانى مدرسة القاضى هو أبو يوسف، فلم يبق الاحتمال حينئذ إلا في مدرسة الخضارين، وهذا الاحتمال يدفعه كونها على غير الصفة المنوه بها. ثانيها: تصريحه بأنه بناها على يد قاضيه ابن أبي الغمر وقد وافق ذلك التنصيص عليه في سادس أبيات القطعة الشعرية المنحوتة في جبص محرابها كما يأتى. ثالثها: أن التاريخ المعين لبنائها في البيت السابع من القطعة الآتية الذي كان ملكا فيه هو أبو الحسن المذكور فهو الأمر بتأسيسها والحاضر عند كمالها وتمام تخطيطها والعيان في ذلك كله يغنى عن البيان، فإنه يوجد إلى الحين الحالي منقوشا على يمين وشمال محراب قبتها ما صورته. نزه جفونا منك في مدرسة ... أربت على كل سنى ونزهة لقد تبدت في فنون وشيها ... كروضة غب انسكاب ديمة أكملها البانى على إتقانها ... فكمل الحسن بها وتمت

بأمر مولانا المطاع أمره ... على العالى الندى الخليفة من شرف العلم وأعلى قدره ... وأظهر الحق بكل وِجهة على يدي قاضيه في مكناسة ... ابن أبي الغمر الحميد السيرة عام ثلاثين وستة خلت ... من بعد سبعمائة للهجرة فنصر الرحمن من زان بها ... مكناسة الغرب أتم نصرة ونفع الذي أقام حسنها ... بفضل جد وكريم نية ما رفعت بيوته في أرضه ... وتلى الأذن لها برفعة وكان مجيء السلطان أبي الحسن لرؤية هذه المدرسة عند انتهاء بنائها من فاس، وقد بقى على ابن غازى التنصيص على ثالثة المدارس بمكناس الموجودة فيه إلى الآن، وهي مدرسة الخضارين المعروفة بمدرسة مولاى عبد الله بن حمد، وهى المقابلة لسماط العدول الآن مع ظهور قدومها، وسنذكر ما تجدد فيها من المدارس بعد. ولنذيل ما تقدم بما شيدته الدولة الحالية العلوية شيد الله منارها في هذه البلدة فنقول: قد بني بمكناسة الملك المطاع، الذي ملأت جلالته القلوب مهابة ورعبا في سائر الأصقاع، تاج مفرق الدولة العلوية العلية ومؤسس فخرها ومؤثل مجدها، سيدنا الجد الأكبر المولى إسماعيل برد الله ثراه وفسح له في عدنه مساجد ومدارس ومعالم دينية، ووسع كنافها ومهدها ومدنها وأتقنها، وأحكم صنعها، وحصنها بالأسوار الشاهقة والمعاقل الضخمة الشامخة، والصقائل والأبراج العديدة ذات البال وأدارها بقصبات عديدة، منها ما هو متصل بسور البلد، ومنها ما هو منفصل عنه كما سيمر بك مفصلا بحول الله. فمن تأسيساته بها قصوره الفاخرة الجميلة المتنافسة المزرية بدائعها بالبديع وضخامة آثارها بما بناه الأولون على اختلاف عناصرهم، وتباين أديانهم وتباعد

أزمنتهم المضروب بهياكلها المدهشة الأمثال بين عظماء الدول سلفا وخلفا الخالدة الذكر في بطون تواريخ الأمم السالفة. فمن تلك القصور التي ما زالت ولا تزال صفحات التاريخ المغربى موشاة بذكر جمالها وكمالها قصر المحنشة والمدرسة اللذان بهما اليوم القصور السلطانية. وفيهما سكنى حرم العائلة الملوكية الكريمة في العصر الحاضر وقبله بكثير. ومنها داره الكبرى ذات القصور العديدة والمصانع المنيعة المريعة، والحصون المدهشة الحصينة، والأوضاع العجيبة المتناسقة، والأسوار الضخمة الشامخة الرائقة في أعين عشاق الآثار المتجولين من سواح أقطار المعمور، المستعذبة في أذواق أولى الألباب الرحّالين المعتنين المتأملين، تفيد ذوى الأبصار عبرة وذكرى تقصر النعوت دون وصفها، وتنحت البيوت في جوفها. قال أبو عبد الله أكنسوس في "جيشه العَرَمْرَم (¬1) ": لو شاهد المنصور الذهبي سورًا واحدًا من أسوار السلطان مولانا إسماعيل لعلم أن ما أفنى فيه عمره من ذلك المنزل المسمى بالبديع، إنما هو في التمثيل كدار إبليس التي تباع في عاشوراء يلعب بها البنات. ولا تحتاج المشاهدة إلى إقامة البينات، انتهى. تبلغ سعة جل جدرانها مترا ونصفا، ويبلغ ارتفاع سمك غالبها خمسة عشر مترا. فمن القصور المربعة في هذه الدار، الجامعة أصناف المحاسن والفخار، (قصر الستينية) الفسيح الفائق ذو المنظر البهج الذي تجسم فيه الانشراح، ورفرفت على طالعه الميمون أعلام الأفراح، وجر ذيول العجب على الزوراء، وازدرى بالزاهرة والزهراء، وأخجل قباب الشام، والخورنق والأهرام، ينيف طوله على مائة متر وعرضه على خمسين، كان له أيام شبابه مباح فسيح محيط بجوانبه الأربعة ¬

_ (¬1) العرمرم: الجيش الكثير.

محمول السقف على أعمدة الرخام الناصع البياض، على رأس كل عمود كرسى من المرمر البديع المزخرف بالنقش العالى المبرهن على كمال براعة الصانع واقتداره على إبراز كل غريب فتان، تستوقف لطافته الأنظار، ويحير عجيب إتقانه النظار، اصطفت تحت ظل ذلك المباح الظليل أبواب قبب متقابلة بسائر جوانبه الأربعة، تتخللها دور وقصورها فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، تجسمت فيها الأبهة والبهاء، وحير وضعها الهندسى أهل النهي، ورصع فسيح تلك الأرض، طوله والعرض، بالزليج المختلف الألوان، وصهاريج صافى الرخام وجوابيه الباهض جمالها وترتيب نظامها القاذفة عن أنابيبها الماء المعين، الذي يغار من صفائه الزئبق واللجين، وألبست جدرانه حلل الجبص الموشاة بأبرع وَشْي وأغلاه وأعلاه، وتمنطقت بمنطقة من الزليج ذى الألوان المختلفة المذهل بمتقن تطريزه المرضعة عن الرضيع، حوت من كل أصفر فاقع وأحمر قانى وأبيض ناصع وأسود حالك وأخضر وأزرق ما تنشرح بمرآه الصدور، وتنطفى به لواعج المصدور، لا يقصر ارتفاع تلك المنطقة عن قامة، في غاية الاستقامة. بشمال هذا القصر منار يسر الناظرين متجل في حلة سندسية خضراء، متوج بتاج مموّه بخالص الإبريز (¬1) تلوح على نواحى القصر منه لوائح السراء. ووجه تسمية هذا القصر بالستينية وجود قبب بها لها مزيد أبهة وبهاء، ومن جملته كونها مسقفة بالعمل المعروف عند أهل حرفة النجارة بالستينى فأعطيت التسمية للقصر كله من باب تسمية الكل باسم الجزء الأعظم، وما عدا ذلك وهو جل القبب الإسماعيلية في سائر قصوره مقبو بالجيار والآجر مزخرف بالجبص البديع النقش. وفي هذا القصر صار محل سكنى مؤلف هذا الكتاب وفي روضه فيه قال صديقه الحميم الفقيه المؤرخ أبو عبد الله سيدي محمَّد بو جندار مساجلا للأديب ¬

_ (¬1) الإبريز: الذهب الخالص.

الشهير نابغة لبنان الشيخ رشيد مصوبع وقت اتفاق اجتماعهما بذلك الروض وذلك ثانى عشر جمادى الأولى عام ستة وثلاثين وثلاثمائة وألف. أبو جندار: قم بي إلى اللذات قبل فواتها ... هذى الرياض الزاهرات فواتها مصوبع: نشتاقها بعد الفراق لأنها ... أحيت لنا الأرواح بعد مماتها أبو جندار: طاب الغبوق بها على شمس الأصيـ ... ــــل وطيرها الشادى على دوحاتها مصوبع: قد زينت مكناسة بجمالها ... كالخال زين للدمى وجناتها أبو جندار: فكأنما هي جنة الفردوس فيـ ... ــــها ما يروق العين من لذاتها مصوبع: إن قام يعبس قلب مكروب اسى ... أهدت لعابس قلبه بسماتها أبو جندار: وإذا تنسم طيبها ميت الهوى ... أحياه ما حياه من نسماتها مصوبع: حسناتها ليست تعد وحسبنا ... أن السرور يكون من حسناتها

أبو جندار: والحسن والإحسان بعض صفاتها ... والأنس والإيناس بعض هباتها مصويع: نرنو لها فنخال طلعة ربها ... في البشر والإشراق من زهراتها أبو جندار: ونجار هل حاكت جميل صفاته ... أو أنه الحاكى جميل صفاتها مصوبع: نشرت لنا كفاه من طيب النهي ... ما كان أطيب من شذا نفحاتها أبو جندار: وطوت عواطف قلبه ودًّا لنا ... مثل المدام الصرف في كاساتها مصوبع: لا زال بدر علاه في سمواته ... يسمو على الجوزاء في سمواتها وقال أيضًا أبو عبد الله بوجندار مساجلا لصفى ودنا حليف الفضل والأدب الفقيه سيدي محمَّد بن اليمنى الناصرى حين اجتماعهما الذي فيه أيضًا قال مفتتحا: ب: لله من مجلس رقت حواشيه ... وشاه بالحسن والإحسان واشيه صرى: تغشى قلوب الأولى حلو أبساحته ... من السرور على المدى غواشيه ب: وكيف لا وأريج الروض أرجه ... بما به تنتشى عقول ناشيه صرى: أما ترى الروح في أرجائه رقصت ... زهوا وعجبا ببادى الفضل فاشيه

ب: ذاك العلى الذي العلياء تخدمه ... والسعد يقدمه لدى مماشيه صرى: بحر العلوم أبو زيد ابن زيدان من ... بدر العلا في علاه لا يماشيه ب: لا زال يرقى من العلياء ذروتها ... ولا أنيل مناه فيه واشيه صرى: ما سرى الهم عمن أم ساحته ... وطاب في مجلس رقت حواشيه ومنها أعنى القصور الإسماعيلية (قصر النصر) الذي كان أسسه زمن خلافته في دولة أخيه السلطان الأفخم مولاى الرشيد، ذلك القصر المتسع الأكناف المعروف اليوم بدار لال بانى المحدث الباب بحومة الدريبة، بمقربة من مسجد القصبة الملوكية الذي تقام به الصلاة يوم الجمعة، وبه يكون احتفال الجلالة المولوية لصلاتها عند حلول ركابها الشريف بالعاصمة المكناسية حتى الآن. ومنها قصر مولاى زيدان، ومنها قصر الشعشاع ولا يقصر قصر من هذه القصور عما فصلناه في القصر السابق قصر الستينية في الأبهة والزخرفة، وإن اختلفت أوضاعها في الاستطالة والتربيع، ولا يخلو واحد منها عن صروح شامخات يشرف منها على ضواحى مناظر مكناس الطبيعية المختلفة الشكل ما بين منخفض ومرتفع وأرجائه الأريجة، كما أنه لا يخلو واحد منها من مسجد للتعبد أو مساجد. فمنها المسجد الأنيق الحافل ذو الصفوف التسعة، والأساطين الرخامية والقبة ذات الخصة العظيمة التي لا زالت قائمة إلى الزمان الحاضر، ومنها يدخل اليوم للضريح الإسماعيلى، طول هذه القبة كعرضها يبلغ طول هذا المسجد سبعا وثمانين مترا وعرضه تسعة أمتار وعشرون سنتيما، ويعرف هذا المسجد في العقود الحبسية بمسجد الرخام، والظاهر أنه إنما كان معدا للصلوات الخمس، فإن ثبت أنه كان للجمعة احتمل حينئذ أن يكون هو المراد بمسجد القصبة في قول أبي القاسم الزيانى: ولما ضاق مسجد القصبة أسس الجامع الأخضر أكبر منه، انتهى.

[صورة] الرخامة الشمسية الموجودة الآن بجامع القصبة

[صورة] صحن مسجد القصبة الإسماعيلية

ويكون الجامع الأخضر هو جامع لال عودة، فيكون كل منهما من تأسيساته ولكن الأظهر كما سنبينه بعد خلاف ذلك، ومع الأسف فقد خرب هذا المسجد وخرب سقوفه ومزقت أثواب بهجته كل ممزق، وفرقت أعمدته الرخامية أيدى سبأ ولم يبق منها غير خمسة منها أربعة لا زالت قائمة بمحالها ممثلة لما كان عليه ذلك المسجد من الضخامة، ومنها واحدة ملقاة على الأرض، والمسجد صار بعضه ممرا يدخل منه للضريح المذكور وللضريح المجذوبي في طريق الخراجة التي كان يخرج منها المولى إسماعيل قيد حياته لأداء الخمس في المسجد المذكور والبعض الآخر مقبرة ولله الأمر من قبل ومن بعد. وجامع لال عودة ينتظم من صفوف خمسة، وجناحين وصحن فسيح ينيف طوله عن خمس وعشرين مترا وعرضه عن ستة عشر، به قبتان إحداهما في الجهة الشمالية طولها أحد عشر مترا وعرضها ستة أمتار وسنتيمات، والأخرى في الجهة الجنوبية طولها سبعة أمتار وسنتيمات وعرضها ينيف على ستة أمتار، وبوسطه خصة من المرمر واسعة الأكناف يتفجر منها العذب الفرات ومدرسة بأسطوانة على يمين الداخل ذات بيوت تسعة، وغرفة يصعد إليها بدرج ستة عشر، وبإزاء هذه المدرسة المنار المتقدم الذكر في قصر الستينية يصعد إليه بمائة وإحدى عشرة درجة، وبهذا المنار مستودع معد لآلات التوقيت ولاستقرار القيم بالعمل بها في غاية اللطف تكتنفه منافع ومرافق. ومن جملة آلات التوقيت العديمة المثال التي لا يوجد لها نظير رخامة شمسية في غاية الإتقان وقد كانت هذه الرخامة الشمسية آية في تحقيق الوقت، فيحكى أن ذلك استمر فيها إلى أن وقعت بين القيم بها وبين القيم بمثل ذلك بمستودع المسجد الأعظم داخل المدينة وهو الميقاتى الشهير السيد الجيلانى الرحالى منافسة في ذلك, حملت الثاني على أن أغرى من عوج شاخص الرخامة المحدث عنها فوقع الخلل

فيها بذلك وهذا الخلل الأعوجاجى وإن تلافاه القيم بالنظر في ذلك حينه، وهو الفقيه سيدي الحسن المنونى لكنه مات بعد ذلك فأدرك الرحالى بعد ذلك منيته في تعطيلها ولا زالت معطلة إلى الآن ملقاة في زوايا الإهمال غير مكترث بها، وقد كانت هذه الرخامة من صنع من كان في قبضة الأسر من النصارى العالمين بذلك الفن، ويدل لذلك تاريخها المسيحى المرقوم فيها بالقلم الرومانى وهو عام ثمانية وتسعين وستمائة وألف. وقد جور بعض الفرنسيين أن تكون هذه الرخامة مهداة لمولانا الجد من سلطان فرنسا المعاصر له لويز الرابع عشر، وعضد ذلك بما كان بين السلطانين من المواصلة، وبما كان لسلطان فرنسا المذكور من الاعتناء بالآلات الشمسية على اختلاف أنواعها حتى كان يدعى بالسلطان الشمسى، فأجبته بأن هذا الاحتمال يبعده خلوها من نقش اسمى المهدي والمهدى له مع أهمية ذلك في الموضوع لما فيه من تخليد الفخر للجانبين، وبأنها لو كان الأمر فيها كذلك لكانت على جانب من الزخرفة عظيم، وما ظنك بهدية من أمير عظيم في قومه لأمير طائر الصيت في المشارق والمغارب فاستحسن ذلك مني. ووراء المدرسة المشار لها غربا صحن فسيح طوله أمتار ثلاثون وعشرة سنتيمات وعرضه سبع وعشرون ونيف، وفي غربه مباح ذو أقواس خمس وأساطين أربع بناؤها باللبن والجيار، خر سقفه في هذه الأزمنة الأخيرة طول هذا المباح ثمانية عشر مترا ونيف وفي الجانب الشرقى منه سقاية ماء. ولهذا المسجد بابان باب القصر الستينية المار الذكر -وليس هو الباب الذي تدخل منه الجلالة السلطانية اليوم للمسجد، بل سد ذلك الباب وأدخل في بيت من بيوت إحدى الدور ولا زال إلى الآن ظاهر الأثر، وإن تنوسي المرور منه وانقطع السبيل الموصل إليه واندثر- وباب نافذ إلى المدينة يدخل منه عامة المصلين من جيش وحشم وأتباع.

[صورة] باب مقصورة مسجد القصبة

قلت: كذا وصف الباب الثاني من هذا المسجد غير واحد، وقولهم: وباب إلى المدينة إما أن يعني به بعد الانفصال من باب القصبة الموالي لجهته وهو باب منصور العلج, لأن الجامع المذكور داخله، وإما أن يبقى على ظاهره ويحمل ذلك على أن السور الذي به باب منصور لم يكن وقتئذ، وإما أن يقال إن مراد الزيانى ومن تبعه بالمسجد الأخضر المنتقل إليه من مسجد القصبة المعروف بهذا الاسم اليوم الذي كلامنا فيه، هو جامع الأنوار الكائن عن يسار الخارج من القصة على باب منصور العلج، والاحتمال الأول بعيد لخروجه عن الظاهر، والثانى أبعد منه لكون الواصفين لباب المسجد الذي الكلام فيه كلهم تأخرت أزمنتهم عن تلك البناءات كلها، مع تصريحهم بأن المولى إسماعيل أفرد قصبته عن المدينة وجعل براح الهديم بينهما والثالث موافق لحقيقة وصف البابين, لأن أحدهما وهو الكبير العمومى مفض للمدينة، والثانى وهو باب دويرية الكتب المقابلة الآن لدار أولاد عم الجلالة السلطانية العلامة المرحوم مولانا العباس مفضية للقصبة بلا شبهة، فلم يبق حينئذ إلا كون جامع الأنوار لا يعرف بالأخضر الذي عبر به الزيانى ومن تبعه، وهذا أمر قريب لأن أسماء الأماكن وما تعرف به تتبدل وتنتقل مع طول الزمان بما يعرض لها كما مر بك كثير من ذلك في هذا التقييد. وأما كون جامع الأنوار من الإنشاءات الإسماعيلية فسيتبين لك أمره بعد وهناك تأتى بقية هذا المبحث إن شاء الله. وقد قرأت في نقش زليج أعلى باب مسجد القصبة القائم الآن ما صورته: الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على سيدنا محمَّد نبيه وعبده، أمر بعمل هذا الباب المبارك مولانا إسماعيل أمير المؤمنين أيده الله ونصره، وكان الفراغ من إنشائه أوائل جمادى الثاني سنة تسعين وألف، وفي المسجد الأخضر قال بعض شعراء عصره من قطعة ما لفظه:

وإن ذكرت مصر بجامع أزهر ... ففي القبة الخضرا بدور كوامل وقرأت أعلى باب المقصورة الملوكية في نقش الخشب بالخط الكوفي الرائق من جامع القصبة المذكور ما لفظه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)} [الحج: 77] صدق الله العظيم. صنع هذا عام ثمانية وثمانين وألف بالقلم الغباري، وقد كان أصلح هذا الخشب فسقط الصفر الموالي للألف إما لجهل مباشر الإصلاح أو غلطه، فأوقع الكثير من الناس في الوهم وأن ذلك اللوح صنع عام مائة وثمانية وثمانين، وذلك لا يصح بحال، قال بعضهم: وكل هذا لا يدل على أن أصل جامع لال عودة من الإنشاءات الإسماعيلية، أما المكتوب على الباب فلكونه لا ذكر لبقية الجامع فيه، وأما المكتوب على المقصورة فكذلك إما لكونه كان أنشأها به قبل ضيقه به فأقرت هناك بعد التحول عنه، وإما لكونها نقلت إليه بعد تخريب جامع الأنوار. وفي هذا المسجد تقام حفلة صلاة الجمعة لدى الملوك أحفاد مولانا إسماعيل إلى الزمان الحاضر والغاية داخلة كما تقدم، وقد لعبت أيدي التلاشي والتخريب أدوارًا كثيرة بهذا المسجد رغما على ملازمة ملوكنا الجلة لصلاة الجمعة فيه وقت ما حل ركابهم الشريف بالعاصمة المكناسية، ولولا أن الله تعالى تداركه بذلك حتى رمم أكثره لأصبح كغيره في خبر كان. ومن قصور الدار الكبرى أيضًا قصر الكشاشين، وهو عبارة عن فسيح مستطيل ذي أساطين مصطفة مبنية بالجيار واللبن والحجر عليها أقواس مرتفعة فاقع لونها تسر الناظرين، بعضها قبالة الداخل، وبعضها عن اليمين والشمال كلها مقبوة السقف، كان هذا القصر معدا للطبخ وشئونه وخزن لوازمه وسكنى القيّمات بمباشرة ذلك من وخش الرقيق وحشم الحاشية الملوكية تتخلل هذه القصور وتكتنفها مناهج مستطيلة مقبوة السقف ذات أُبهة ومهابة، في سقوفها كوات ينفذ منها

[صورة] منبر جامع القصبة الإسماعيلية

الضوء لتلك الشوارع التي ساد السكون فيها، من تلك الشوارع ما خر سقفه، ومنها ما هو قائم السقف حتى الآن رغما عن التخريب الذي استأصل شأفة تلك المحاسن، وغير ماء بهجتها الذي كان غير آسن، فمع الأسف خلعت تلك المباني حلل الزينة وتوحشت بعد الأنس تلك الربوع، وأخنى الدهر بجديدها، وتولى متسلط النحس على سعيدها، فانتثر عقد نظامها وتفرقت أنقاضها في أقطار المغرب وبنيت منها المساجد والمدارس والرباطات والدور حسبما أفصح بذلك أبو القاسم الزياني في روضته وحفظته لنا تقاييد أسلافنا الكرام، وتلقيناه عمن تلقاه منهم وكشطت حلل تلك الجدرات التي طالما جرت على المتطاول ذيول الإعجاب وبدت عيون كواتها العديدة التي جفت جفونها المنام، لما دهاها حال اطمئنانها من الاغتيال وحق لمن بقي به رمق بعد أن أخذ على حين غفلة أن يتنبه، وبأعين النجوم في السهر يتشبه، وقد حفر هطال دموع تلك العيون في خدود تلك الجدرات أخدودا أسفر عن كونه كان وعاء لقنوات مجارى ماء الأمطار المنسدلة من أعلى السطوح إلى أسفل الوادي الساري في تخوم الأرض. وقد أحاط هذه الدار العظيمة المقدار التي هي في الحقيقة مدينة بالأسوار الضخمة الشاهقة والأبراج والسقائل حتى صارت كأنها مركز حربي هائل. وَلاَ فَنَدَ (¬1) إذا قلت: كانت مركزا حربيا من أعظم مراكز العالم الحربية، وقد أدركنا بقية أعمدة الرخام وكراسيه التي كانت محمولة عليها مباحات القصور الملوكية متراكما بعضها فوق بعض، منها ما هو ظاهر، ومنها ما غطاه الثرى يعثر عليه بالحفر، وقد كان الكثير من ذلك ملقى بباب قصر المحنشة، ولم يزل كذلك إلى أن دخلت الدولة الحامية فنقلت بعضه لدور كبراء موظفيها، والبعض الآخر للجنان العمومي الذي أحدثته بالمحل المعروف بالحبول -بفتح الحاء- وقد تلقينا من آبائنا ¬

_ (¬1) فَنَدَ فَنَدًا: ضعف رأسه من الهَرَم، وكَذَبَ، وأتى بالباطل.

أنهم تلقوا من آبائهم أن جميع تلك الأعمدة مع كراسيها كان ملقى بقصر الستينية وغيرها من القصور المذكورة، ومنها نقله السلطان المولى الحسن لباب قصر المحنشة المشار له أوائل دولته، وكم اتخذت من ذلك الرخام من جوابي وصهاريج وزليج وألواح لعتبات الأبواب وغيرها ورتج وغير ذلك، وفرقت في بقاع المغرب وكثيرا ما كان يقع العثور على الأعمدة والكراسي الرخامية تحت الثرى عند حفر أساس أو غيره في ردم تلك المباحات التي لا زالت الآثار الدالة عليها شاخصة إلى الآن، كما أنه لا زال يعثر على زليج الأرض وقنوات مجاري المياه للصهاريج والجوابي سائر فروع القصور السلطانية عند ما تدعو الحاجة لنقل تراب أو حفر أساس ونحوه. وكانت مدة الاشتغال في بناء قصور هذه الدار أعني دار الخلافة الموسومة باسم الدار الكبرى حتى الآن ثمانية أعوام، إذ كان الشروع في ابتداء تأسيسها على ما قاله الزياني وغيره بعد وفاة السلطان المولى الرشيد وجلوس السلطان المولى إسماعيل على منصة الملك، قال اليفرني في "النزهة" وكانت مبايعته رحمه الله في الساعة الثانية من يوم الأربعاء سادس عشر من ذي الحجة متم عام اثنين وثمانين وألف، ووافق ذلك ثالث عشر إبريل، انتهى وقريب منه في "روضة التعريف". قلت: والذي في "الدر المنتخب" أن مبايعته بفاس كانت في الثانية من زوال يوم الأربعاء الخامس عشر من الشهر المذكور وأن ذلك وافق ثالث إبريل، انتهى. وكون البيعة كانت في الخامس عشر من الشهر المذكور هو الذي في "نشر المثاني" (¬1) أيضا. واقتصر في "السلوة" على حكايته الخلاف المذكور في ذلك وأما الزيانى في "البستان" وأبو محمَّد عبد السلام بن الخياط القادري في جزئه فقالا: إن وصول ¬

_ (¬1) نشر المثاني - موسوعة أعلام المغرب 5/ 1999.

[صورة]

خبر موت المولى لرشيد بفاس كان في الخامس عشر من الشهر المذكور وفيه كانت البيعة، انتهى. وفيه تسامح. وقال صاحب السر الظاهر: إن وفاة الرشيد كانت ثاني عيد الأضحى وأن بيعة المولى إسماعيل كانت في اليوم الخامس من وفاته، انتهى. وهو محتمل لدخول يوم الوفاة في الأيام الخمسة المذكورة، فيكون قائلا إن البيعة في الخامس عشر ولزيادة الخمسة عليه، فيكون مارا على أنها في السادس عشر ولعل التحقيق ما جرى عليه صاحب النشر ومن وافقه، وكان انتهاء العمل فيها سنة تسعين وألف ويشهد لذلك ما هو متوج به بابها من الكتابة المتضمنة لتاريخ تمام العمل فيها ودونك نصه: دار الخلافة لاح نور قبابها ... تختال بين رياضها وهضابها فكأنما الأنهار في جناتها ... يمنى المليك الفخر يوم عبابها مولاي إسماعيل من جُرْثُومَةٍ (¬1) ... نقل الأئمة جده أوصى بها يا راصدا لطوالع من سعدها ... فنظام شملك في عضادة بابها ومن تأسيساته السرداب الهائل الكائن تحت أرض فسيح قبة الخياطين ذو الأساطين المحكمة البناء والأقواس الضخمة الشاهقة، تمر فوقه الركبان، وتجر الدواب عليه الصخور العظيمة، وتسير السيارات البخارية المشحونة بالأثقال ذات البال آناء الليل وأطراف النهار، بل جعلت فوقه جنات ذات أشجار وبقول وصارت تسقى بالماء كل آونة فلم يؤثر عليه شيء مما ذكر، يعرف هذا البناء اليوم بحبس قارة، ويقال: إنه كان من جملة السجون المعدة للأسارى وغيرهم من أصحاب الجرائم العظيمة يبيتون به ليلا ويخرجون نهارًا للخدمة. ¬

_ (¬1) جُرْثُومة الشئ: أصله.

قال أبو القاسم الزياتي: وكان في سجونه من أسارى الكفار خمسة وعشرون ألف أسير ونيف، وكانوا يخدمون في قصوره منهم: الرخامون، والنقاشون، الحجارون، والحدادون، والبناءون، والنجارون، والزواقون، والمهندسون، والمنجمون، والأطباء ولم تسمح نفسه بفداء أسير بمال قط -أي وإنما كان يفدي ببعضهم من أسر من المسلمين- وكان في سجونه من أهل الجرائم العظيمة كالسارق والقاطع والقاتل نحو الثلاثين ألفا كلها تقيل بالخدمة مع أسارى الكفار ويبيتون بالسجون والدهاليز تحت الأرض. قال: وأمر الشيخ الحسن اليوسي مع المعتصم ابنه عام حجمها وهو عام واحد ومائة وألف بأن يبعث النصارى أسرى العرائش لحضرته فبعثوهم وكانوا ألفا وثمانمائة فكان يخدمهم في بناء قصوره -أي الخارجة عن قصور الدار الكبرى لانتهائها قبل التاريخ المذكور كما تقدم- من جملة غيرهم من الأسارى والمساجين ومن الليل يبيتون بالدهليز، انتهى. قلت: استعمال المساجين بالخدمة نهارا وجعلهم بالسجن ليلا هو السنن الذي تفعله الدولة الحامية مع المساجين من الأهالي وكأنها أخذت ذلك من فعل المولى إسماعيل ولا يعرف اليوم الباب الذي كان يدخل منه لهذا السرداب والدخول إليه في الوقت الحاضر، إنما يقع من ثقب في سطحه حذو الجدار المحيط ببراح قبة الخياطين المذكورة من الجهة الغربية. ومنها الصرح الشاهق المبني فوق ساباط الباب المعروف الآن بباب الرايس ذو الأقواس العشرة، خمسة عن يمين المار فيه، ومثلها عن شماله المحمولة على الأعمدة الحجرية العظيمة التي لا زالت موجودة قائمة لهذا العهد، أربعة عن اليمين ومثلها عن الشمال.

ومنها الصرح الهائل الذي كان فوق القصر المعروف اليوم بأروى الجزارة الواقع بعقبة الضريح الإسماعيلى أمام مكتب الاستعلامات الآن، والهري العظيم الموجود إلى الوقت الحاضر داخل عرصة البحراوي الشهيرة، كان هذا الهري في زمن السلطان المولى الحسن مُعَدًّا لخزن الحطب والصرحان معا أصبحا في خبر كان، وإنما سمي القصر بأروى الجزارة لأنه كان معدا لنزول الجزارين الملازمين للحضرة السلطانية في الظعن والإقامة وربط دوابهم به بعد تخريبه فيما خرب وزوال زينته وقد جدد بعضه الموالي للعقبة المذكورة بعد حلول الدولة الحامية بين أظهرنا. ومنها القصر المعروف اليوم ببين القبب الكائن بباب ابن القاري الداخلي المجاور لجنان البحراوية والأترجية من الجنة السلطانية. ومنها القصر المعروف بدار لال صفية الذي به اليوم سكنى أبناء عم الجلالة السلطانية العلامة النقاد مولانا العباس بن عبد الرحمن بن هشام المقابل بابه الحالي لباب منصور العلج. ومنها الهريان العظيمان الموجودان بإزاء صهريج السواني أحدهما يحتوي على ثلاثمائة وخمس وأربعين أسطوانة طوله مائة ونيف وثمانون مترا وعرضه لا يقل عن تسع وستين مترا، كان هذا الهري على جانب من الضخامة عظيم يشخص للعيان بسطة ملك منشئه ومقدرته على الإتيان بكل عجيب، كان سطحه بمثابة برج عظيم يوضع عليه من الآلات الحربية كل مدهش غريب الشكل، متناه في العظم بالنسبة لزمانه الغابر. وقد لعبت أيدي البلى بجديده، وخرت سقوفه التي كانت تضاهي شوامخ الجبال، ومع الأسف فلا زالت عوامل الخراب عاملة فيه إلى الوقت الحاضر وهو اليوم وكر للبوم والهوام وأنواع الحشرات، وهذا الهري هو الذي قال فيه

أبو القاسم الزياني: وجعل بها هريا لخزن الزرع مقبو القنانيط يسع زرع أهل المغرب كله اهـ. وقد كان جعل لسطحه طريقا تستوي مع الأرض في بعض الجهات يقال إنها كانت مصعدا للجمال الحاملة للقمح فتذهب بأحمالها فوق السطح حتى يوضع حول الكوة المفتوحة فيه لصب القمح لذلك الهري منها فيستغني بذلك عن فتح باب الهري اللاصق بالأرض إلا عند حصول موجبه، ولو لم يكن من آثار عظم ثروة ملكه قدس الله روحه إلا هذا الهري وما أعد له وما ذكر من صفات الخزن فيه لكفى، فكيف وسائر تصرفاته الهائلة إنما هي بعض آثار ثروته البعيدة عن الوصف. والهري الآخر بإزاء سابقه متصل به لا زال سنين السقف حتى اليوم رغما عما نبت عليه من الأشجار حتى صار كأنه غابة من عدم المباشر ومن يهتم بتعاهد إصلاحه، بهذا الهري عدة آبار في غاية العمق ذات مياه عذبة طافية وجعل لكل بئر دولابا عظيما ينقل منه الماء ويصبه في المجاري المعدة له إلى أن يصب بالصهريج صهريج السواني المذكور، يبلغ طول هذا الهري سبعا وسبعين مترا وكسرا، وهو الذي قال فيه أبو القاسم الزياني: وجعل بجواره يعني جوار الهري المتقدم الذكر سوانى (¬1) للماء في غاية العمق مقبو عليها، وفي أعلاها سقالة مستديرة لوضع المدافع والمهاريز ترمي لكل ناحية، اهـ. قلت: وقد تهدمت تلك السقالة ولم يبق لها في الوقت الحاضر أثر، وجعل بمقربة من هذين الهريين صهريجا كالبحيرة يجتمع فيه الماء الجاري في تلك المجاري تسقى من فيضه رياض وبساتين ينيف طول هذا الصهريج على ثلاثمائة متر، وعرضه على مائة وأربعين، ولم يكن مقصده المحمود في حفر تلك الآبار واختراع ¬

_ (¬1) السَّانِيَةُ: استقت أو أخرجت الماءَ من البئر ونحوها. والسّانيةُ الأرضَ: سَقَتْهَا.

ذلك الصهريج يرمي لتلك الغاية فقط، بل لغرض أشرف وأسمى وأهم لا يعقله إلا المهرة السياسيون العالمون. وتلك الغاية هي بقاء سكان المدينة في اطمئنان وأمان في حالتي المسلم والحرب مع عتاة البربر، إذ المياه الداخلة للمدينة إنما تأتى من بحبوحة القبائل. البربرية، وقد حفظ التاريخ ما كان لهم من التمرد وإباية الامتثال للأوامر المخزنية وعدم تلقيها بالسمع والطاعة والنظر لمن عداهم، وبالأخص سكان الحواضر بعين الصغار والاحتقار، وأقل ما يتوصلون به لأذاهم صرف مواد المياه عنهم والماء ضروري في حياة عموم الإنسان بل كل شيء حي، ولذلك يرى كل كيس متأمل لا تعزب عن علمه مقاصد العقلاء ذوي الآراء السديدة والأفكار المصيبة، أن مطمح نظر هذا السلطان العظيم الشأن فيما يوطد الأمن ويجلب الراحة لرعيته عموما ولمن بعاصمة ملكه من السكان خصوصا, ولذلك تراه بالغ في تحصين هذه القلعة فأحاطها بأسوار عديدة لا يخلو سور منها عن سقائل وأبراج مشحونة بالعدة والعدد، وادخر بها من الأقوات والذخائر والقوة الحربية ما تؤمن معه كل غائلة وتكسر به شوكة كل عاد باغ ومارق عن الطاعة ولزوم الجماعة، ولم يزل يبالغ في التحصين حتى صير عاصمة ملكه حاضرة في بادية وبادية في حاضرة بحيث يمكن لأهلها الاستغناء عن كل ما يجلب إليها من الخارج من زرع وضرع، فلهم من المزارع بداخل سورها ما هو فوق الكفاية لأنواع الحراثة ورعي الماشية والجدران الحصينة وراء الكل ومحيطة بالجميع، والأبواب ذات الأبراج والسقائل المدهشة الحصينة مغلقة في وجوه البغاة ذوي الشقاق. ولم يكن ذلك لخوف منه ولا لجبن فيه كما توهمه الجهلة الحاسدون ومن في قلبه مرض من الملحدين والقاصرين، إذ قد نص التاريخ لنا ما كان مجبولا عليه من الشجاعة والإقدام وقوة الجأش، فقد قال مؤرخ الدولة العلوية أبو القاسم الزياني: وبالشجاعة أدرك السلطان إسماعيل ما أدرك وبلغ ما بلغ رحمه الله،

وكيف يتوهم جبنه وخوفه ذو بصيرة والبربر الذين احتاجت العاصمة إلى كل هذا التحصين من أجلهم، لم يستقر لمحصنها أبي النصر مولانا إسماعيل قرار حتى نهض إليهم وأوقع بهم الإيقاعات التي تحدث التاريخ بها حتى استأصل قوتهم وسلبهم السلاح والكراع وصيرهم عملة لبيت المال ولأهل العاصمة يعيشون في مهنة ذلك لا غير، حتى كانت المرأة تخرج والذمي من وجدة إلى وادي نون ولا يوجد من يسألهما من أين وإلى أين، ولم يبق بالمغرب سارق ولا قاطع ومن ظهر عليه شيء وهرب يؤخذ في كل قبيلة مر بها وفي كل قرية، وكلما بات مجهول الحال بحلة أو قرية يثقف بها إلى تبيين براءته، وإن تركوه فإنهم يؤاخذون به ويدون ما سرقه واقترفه من الجرام كالقتل وغيره كما قاله الزياني وغيره، أم كيف يرمي إلى ذلك فكر ذي لب وهو يرى ويسمع ما حفظه التاريخ من أحوال عواصم الدول الكبار من المبالغة في التحصين، حتى إن الآستانة عاصمة تركيا قد أحاط بها بنوها الأولون من الروم قبل حلول تركيا بها جدران ثلاثة عظيمة متوالية في كل جهاتها الثلاثة. وأما الرابعة فالبحر متصل بها وحتى إن عاصمة مدينة دهلي أعظم مدن الهند بل مدن الإِسلام كلها بالمشرق، سورها المحيط بها لا يوجد له نظير. قال ابن بطوطة وغيره: عرضه أحد عشر ذراعا ويمشى في داخل السور الفرسان والرجل من أول المدينة إلى آخرها قال: وأسفله مبني بالحجارة وأعلاه بالآجر وأبراجه كثيرة متقاربة، قال وهي من بناء الكفار وحتى إن تَدْمُر -بفتح التاء وسكون الدال وضم الميم- إحدى مدن الشام الشهيرة التي بلغت من التوثيق وشدة التحصين ما نسبت به إلى البناء السليماني بمباشرة الجن والشياطين. وفي توصيف بنائها قال في "معجم البلدان": هي من عجائب الأبنية، موضوعة على العمد الرخام، زعم قوم أنها مما بنته الجن لسيدنا سليمان عليه السلام، ونعم الشاهد على ذلك قول النابغة الذبياني:

إلا سليمان إذ قال الإله له ... قم في البرية فاحدُدْها عن الفَنَد وخّيِّس (¬1) الجِنَّ (¬2) إني قد أمرتهم ... يبنون تَدْمُرَ بالصُّفَّاحَ والعَمَد (¬3) وأهل تدمر يزعمون أن ذلك البناء قبل سليمان بن داوود عليهما السلام بأكثر مما بيننا وبين سليمان ولكن الناس إذا رأوا بناء عجيبا جهلوا بانيه أضافوه إلى سليمان وإلى الجن (¬4) اهـ. وأصله للجاحظ. وفي كتاب مذاهب الأعراب وفلاسفة الإِسلام ما نصه، قالوا: ولكنكم إذا رأيتم بنيانا عجيبا وجهلتم موضع الحيلة فيه أضفتموه إلى الجن ولم تعانوه بالفكر. وقال العرجي: سدت مسامعها لقرع مراحل ... من نسج حسن مثله لا ينسج اهـ. وهكذا السور المحيط بأنطاكية فقد تحدث التاريخ بعظمه عرضا وعمقا (¬5). ولنقصر السير في متسع هذه المهامه، وفيما ذكرناه تنبيه للمصنف من سنة أوهامه. على أن مباهاة العظماء من ملوك الجاهلية والإِسلام بالبناءات الهائلة أمر معروف، ومهيع مسلوك غير مخوف، ففي "نفح الطيب": ولا خفاء أنه أي البناء يدل على عظم قدر بانيه، ولذلك قال أمير المؤمنين ناصر الدين المرواني باني الزهراء رحمه الله تعالى حسبما نسبهما له بعض العلماء: ¬

_ (¬1) تحرف في المطبوع إلى: "وجيش" وصوابه لدى ياقوت. (¬2) تحرف في المطبوع إلى: "الجنى" وهو غير صحيح عروضيا، وصوابه لدى ياقوت، والبيتان من بحر البسيط. (¬3) معجم البلدان 2/ 17. (¬4) معجم البلدان 2/ 17. (¬5) انظر في ذلك ياقوت، مادة (أنطاكية).

هِمَمْ الملوك إذا أرادوا ذكرها ... من بعدهم فبَألْسُن البُنْيان إن البناء إذا تعاظم قَدْرُهُ ... أضحى يدلّ على عظيم الشان (¬1) ومن إنشاءات مولانا إسماعيل في قلعته القصر المسمى لهذا العهد بدار البقر وهو المعنون على بابه بباب مسعود بن العربي، وهو متصل بقصر المحنشة والمدرسة، ومجاور لباب مراح مقر المماليك الملوكية وموقع هذا القصر شرقي صهريج السواني، ومن جهة الجنوب النهج العمومي هناك أضيف القصر للبقر لأن السلطان الأكمل المقدس مولانا الحسن كان جعله مقرا للبقر الحلوب الذي يقام من حليبه في سائر الظروف السنوية تموين الحليب لداره العلية، وكذا جعله مقرا للقيمين بحليبها تحت إشراف أمين حتى يصل لمحله بالدار المولوية ليد المكلف بتقسيطه على أفراد العائلة الملوكية ثمة، والزائد على التقسيط من الزبد المستخرج منه على ما اقتضته أنظاره السمية وأوامره العلية، يجمع ويحمل لجنابه العلى كل سنة حيثما كان من إيالته السعيدة. والعادة في كل بقرة انقطع حلبها نقلها للعزائب السلطانية ويؤتى بالحلوب بدلها، وبذلك كان الحليب لا ينقطع من الدار السعيدة في سائر فصول السنة، وعلى ذلك استمر العمل إلى آخر الدولة العزيزية، ثم انقطع وفني السكان القيمون وخرب القصر وصار براحا تزرع فيه البقول والخضروات، والعادة المحكمة إلى الوقت الحاضر هي دخول سلطان الوقت عند الإياب من حفلة صلاة الأعياد من باب مسعود المذكور للدار العلية تيمنا بالسعادة التي في اسم من نسب إليه وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يغير الأسماء القبيحة ويحب الفأل الحسن. ومن فاخر تأسيساته في قلعته الإصطبل بل القصر الذي أعده لربط خيله ذلك القصر الباهي الباهر، الذي لم يزل أثر بنائه التاريخي دينا للأوائل على ¬

_ (¬1) نفح الطيب 1/ 521. .

الأواخر، ذلك القصر هو المعروف اليوم باسم الأروى ذلك القصر هو الذي أشار إليه أبو القاسم الزياني بقوله: وجعل لها إصطبلا لربط خيله وبغاله، طوله فرسخ مسقف بدائرة البرشلة على سواري وأقواس هائلة كل فرس مربوط اثنى عشر ألف فرس وبين الفرس والفرس عشرون شبرا، يقال إنه كان مربط اثنى عشر ألف فرس مع كل فرس سائس ونصراني من الأسارى لخدمته، وفي هذا الإصطبل ساقية للماء مقبوة الظاهر، وأمام كل فرس محل مفتوح كالمعدة لشربه، وفي وسط هذا الإصطبل قبب متعددة لوضع سروج الخيل على أشكال مختلفة اهـ. وفي هذا الإصطبل هري عظيم على طول الأروى لخزن الشعير المعد للعلف يسع شعير المغربين، وهذا الهري لا زال قائما حتى الآن، إلا أنه قد خرَّ بعض سقفه، وهذا السقف بعضه الآن مساو لأرض الأروى والبعض الآخر بارز عنها وبه أبوابه، ومن الغريب أن الزياني ومن تبعه لم يتعرضوا لذكره مع كونه من هائل المباني الإسماعيلية التي لا زالت قائمة العين كما ذكرنا. قال أبو القاسم الزياني: وبجوار هذا الإصطبل بستان على قدر طوله فيه من شجر الزيتون وأنواع الفواكه كل غريب عجيب طوله فرسخ وعرضه ميلان اهـ. قلت: صار هذا البستان قبل اليوم دورا للجيوش السلطانية، وغالب دوره لا تخلو عن غراسات ويعرف اليوم باسم الزيتون، صار هذا الاسم علما له بالغلبة. ومن المباني الهائلة بهذا الإصطبل أيضا هيكل الهري المائل الآن فيه وهو هيكل عظيم هائل اشتمل على أهرية منها هري سبع قبب. وقد دخلنا هري سبع قبب هذا فوجدناه انتصب من بناء مهول مدهش يمثل عظمة بانيه وكمال اقتداره، وبه ست قبب محيطة بالقبة الوسطى العظيمة التي هي سابعة القبب، يقال: إن هذا الهري كان معدا لوضع السلاح الحربي فيه حتى يحتاج إليه، وقد كان السلطان العظيم الشأن المولى حسن عين هذا الهري لخزن البارود ثم بعد مدة طرأ عليه ما

أوجب نقل البارود منه، وذلك الطارئ هو حدوث بلل بأرضه لم يعهد فيه قبل فنقل منه ووضع بهري آخر حذوه، ولم يزل مصونا به إلى أن حلت الدولة الحامية وألقته في صهريج السواني التقمته أفواه قنوات مجاري مياهه أيام امتلائه. وبطرف هذا الهيكل باب يصعد منه في مطلع بدون درج على هيئة مطلع منار حسان برباط الفتح وجامع الكتبيين بمراكش إلى الصرج العظيم المحمول على هذا الهيكل الفاخر المساوي له طولا وعرضا وارتفاعا، وهذا الصرح هو المعروف اليوم باسم المنصور، اشتمل على عشرين قبة في كل جهة قبب خمس، الخامسة في كل ربع هي الوسطى وهي أكبر قبب ذلك الربع مع كونها مربعة ومساوية لمقابلتها، وبكل قبة شباك يشرف الناظر منه إما على العاصمة تماما وبسيطها، وإما على ما حواليها ينيف طول ذلك الصرح والهيكل المحمول هو عليه على مائة متر، وعرضهما سبعون وفي هذا الصرح يقول الكاتب أبو حفص الحراق: أنا قصر العتاق من الجياد ... بناني الله في نحر الأعادي على يد عبده المنصور حقا ... وصلت على القصور بكل نادي وكيف لا أصول على المبانى ... وإسماعيل قد أسمى عمادي وشيدنى بتوفيق ويمن ... وعمرني بآلات الجهاد وروع بي الصليب وعابديه ... فنال العز من رب العباد أدام الله ملكه في هناء ... وأعقابه إلى يوم التنادي قلت: قوله بناني -هو بالباء في أوله من البناء ضد الهدم ولا يصح أن يكون بالفاء من الفناء بمعنى العدم, لأنه إنما يتعدى بالهمز وهو في البيت متعد بنفسه ولأن الإتيان به في طالعة مديح بناء ذلك القصر مما يتشاءم منه لأنه دعاء

بإعدامه، وهو كالمنافي للمقصود. هذا وليس يقصر ارتفاع هذه الهياكل وصرحها عن أربعين مترا وذلك أيام بهجته وشبابه. ومن المفاخر الإسماعيلية المعصرة الفاخرة البناء الواقعة في الجانب الشرقي من أروى مزيل التي صارت اليوم معملا للصناعة الحديدية، يقال إن زيتون حمرية كان يطحن بهذه المعصرة. وقد وصف هذه القصبة الإسماعيلية بعض من كان مستخدما في بنائها من أساري الأورباويين وهو مويت الفرنسي في كتابيه اللذين وضعهما في وصف المملكتين الرشيدية والإسماعيلية وفتوحاتهما وقضية أسره فيهما فقال: إنها في الجنوب الشرقي للمدينة، وأن ابتداء بنائها عام أربعة وسبعين وستمائة وألف مسيحي، وطولها أكثر من عرضها، كما أن عرضها من الجانب الجنوبي الغربي أقل من عرضها من الجانب الجنوبي الشرقي. ولها ثلاثة أبواب أعظمها الذي بالجانب الجنوبي الشرقي ويسمي باب الخلاء أي المفضي لخارج المدينة، على جانبيه برجان عظيمان عاليان مربعان على كل واحد منهما ثلاث شرافات على هيئة نور السوسان بنتهما الأسارى عام سبعة وسبعين وستمائة وألف مسيحي. وهذا الباب يقابل المقبرة. والباب الثاني يسمى باب الحجر لبنائه بالحجر المنحوت وهو المقابل لروى مزين. والثالث يسمى باب المدينة وهو المقابل لها ثم هذه القصبة لها ثلاثة أسوار من جهة الشمال الشرقى عرض أولها ستة أشبار، وعلى طرفيه برجان مربعان ذوا شرافات، وعرض السور الثاني ثلاثون شبرا، وبين هذين السورين فسيح مربع يسمى روى مزين والثلاثون شبرا التي في عرض الحائط الثاني لم تستمر في عرض

الحائط كله، بل أسقط البناءون منها حتى صار البارز منه عشرة أشبار بني على طرفيه جداران صغيران عرضهما ثلاثة أشبار وعلوهما قامة وبينهما داخل الجدار المذكور يطوف على القصبة العبيد الساكنون بالأبراج من غير أن ينظر إليهم أحد لا من داخل القصبة ولا من خارجها. وأما السور الثالث وهو سور قصر الحريم وهو أعلى من الأولين وبه كوات وفرج وعليه يطوف عبيد الدار المخصيون وليس على القصبة من الجهة الأخرى إلا سور واحد عرضه عشرة أشبار، وله أبراج متينة شاهقة مربعة من جملتها معقلان: أحدهما في جانب القصبة الشرقي، والآخر في جانبها الغربي. وفي الجانب الجنوبي من هذه القصبة قصبة صغيرة بنيت سنة ثمانين وستمائة وألف مسيحية تسمى الأوَدايَة، عرض أسوارها ستة أشبار، ولها أبراج مربعة بشرافاتها تفضل بين القصبتين مقبرة، قال: وللقصبة الإسماعيلية منظر رائق من بعيد. قال: وتتصل بها مدينة مكناس من الجهة الشمالية الغربية. قال: وفي عام واحد وثمانين وستمائة وألف اشترى مولاى إسماعيل الجنات المجاورة للجنان الذي أنشأه على هيئة أكدال بمراكش، وكان قصده أن يجعل دائرته ثلاثة كيلو مترات، وقد كمل عمله في شهر واحد استخدم فيه في أبان المطر الغزير الأسارى والعبيد والقواد والأشراف وغيرهم كما خدم فيه بنفسه وكذا خدم بنفسه في بناء قصوره اهـ. قلت: أما باب الخلاء المذكور فهو المعروف اليوم بباب الرايس، وإنما كان يسمى باب الخلاء زمن خدمة هذا الأسير بالبناءات الإسماعيلية، وإلا فقد صار باب العمارة، وفي وسط القصبة ومن هنا يفهم أنه لم يصف القصة بتمامها لأنها زادت بعده كثيرا، والباب المفضى للخلاء من تلك الجهة هو باب الناعورة البراني والمقبرة التي أشار لمقابلة باب الرايس لها هي مقبرة سيدى عمرو الحصيني، ومقابلتها له ليست حقيقية، بل هي مقابلة في الجملة لأن الخارج من باب الرايس

تكون المقبرة عن يساره، وقد حال الجدار المار فيه ماء شرب المدينة المقابل لباب القصر الملوكي المسمى بالمدرسة بين المقبرة والباب المذكور. وأما باب الحجر فإنه لا زال يعرف بهذه الإضافة إلى الآن، وهو الذي يدخل عليه لحومة سيدي النجار ويمر فوقه لحومة الدريبة وكلام هذا الأسير فيه يدل على أن باب أبي العمائر الواقع خارج هذا الباب لم يكن في رمنه وكذا باب المرس وإنما حدثا بعده، وهو قد كان المولى إسماعيل مَنَّ عليه بالفكاك من الأسر في جملة سبعين أسيرًا عام واحد وثمانين وستمائة وألف مسيحى. وأما باب المدينة الذي ذكره فهو المعروف بباب منصور العلج، وكلام هذا الأسير نص في كون أصل هذا الباب للمولى إسماعيل فولده مولاي عبد الله إنما نمقه كما يأتي ذلك بحول الله. وأما القصبة الصغيرة التي قال الأسير إنها في الجانب الجنوبي الشرقي فهي قصبة هدراش، ونسبته إياها للأوداية لعل ذلك كان لسكنى الأوداية بها أول الأمر، والمقبرة الفاصلة بين القصبتين هي مقبرة الحصيني المتقدمة، وأما قوله: روى مزير، فهو عنده آخره راء، الشائع في ألسنة العامة آخره نون، والذي يكتبه الموثقون والمتفاصحون آخره لام، ويذكر أن مزيل المضاف إليه كان قيما على أروى خصوصية هناك، وهو من أرقاء السدة الملوكية، وبالأسف فقد أصبحت مشيدات هاتيك القصور بلاقع، ولم تلف لتلافي أشلائها من راقع، استعمرتها أنواع العصافير والحشرات ودرست معالم تلك الزينة الثمينة، وخربت تلك القبب بل انمحت آثارها وجعل عاليها سافلها وإلى الله عاقبة الأمور. ولما وقفت على تلك الرسوم الدارسة، المستوحشة بعد أن كانت مؤنسة، وطال تدبري في مبداها والمآل، تذكرت ما أنشاه ابن عربي الحاتمي في كتاب "المسامرات" لما دخل الزاهرة فوجدها بلاقع إذ قال:

ديار بأكناف الملاعب ترتع ... وما إن لها من ساكن وهي بلقع ينوح عليها الطير من كل جانب ... فتصمت أحيانا وحينا ترجع فخاطبت منها طائرا متفردا ... له شجن في القلب وهو مروع فقلت على ماذا تنوح وتشتكي ... فقال على دهر مضى ليس يرجع وخيل لي أنها تنشدني قول من قال: الله أخر مدتي فتأخرت ... حتى رأيت من الزمان عجائبا وليس ببعيد من طريق الاعتبار أن تكون الحكمة في سرعة تخريب تلك القصور وغيرها مما يأتي من البناءات الإسماعيلية على عظمها وثخانة بنائها القاضيتين بالنظر للعادة بتأبيدها في الجملة جعل ذلك في مقابلة هدم قصر البديع الذي كان أسسه بمراكشة السلطان أبو العباس أحمد المنصور السعدى الملقب الذهبي، لفيضان الذهب في زمانه حتى قيل كانت ببابه أربع عشرة مائة مطرقة تضرب الدينار دون ما هو معد لغير ذلك من صوغ الأقراط والحلي وشبه ذلك -المبتدأ تأسيسه في شوال عام ستة وثمانين وتسعمائة، واتصل العمل فيه إلى عام اثنين وألف ولم يتخلل ذلك فترة، وفي عام تسعة عشر ومائة وألف أمر مولانا إسماعيل بهدمه فهدمت معالمه، وبددت مراسمه، وغيرت محاسنه وفرق جمع حسنه وعاد حصيدا كأن لم يغن بالأمس. قال في "نزهة الحادي" تأملت لفظ البديع فوجدت عدد نقط حروفه بحساب الجمل مائة وسبعة عشر، وهذا القدر هو الذي بقي فيه البديع قائما عامرًا فإنه فرغ منه عام اثنين وألف، وشرع في هدمه عام تسعة عشر ومائة وألف، فمدة بقائه بعد تمام بنائه مائة وسبعة عشر سنة على عدد اسمه وذلك من غريب الاتفاق اهـ، وكون الجزاء من جنس العمل أمر معهود في التصاريف الإلهية في كثير من

الجزئيات، وليس هذا بمزاحم لما أشار البعض إليه في حكمة هدم البديع من كون أنقاضه صارت بعد هدمه كالراجعة لأصولها، إذ ما من نقطة مغربية إلا وصار إليها في الأغلب بعض أنقاضه، كما أن القوة المخزنية كانت ألزمت وقت بناء البديع سائر النقط المغربية حمل ما قدرت عليه مما لديها من مقومات بناء قصر البديع المذكور وإيصاله إلى محل بنائه. قال في "النزهة" حتى إنه وجدت بطاقة فيها إن فلانا دفع صاعا من جيار حمله من تنبكتو وظف عليه في غمار الناس اهـ. فكان تفريق أجزائه بعد الهدم وفق ما جمعت عليه حين البناء وذلك أيضا جزاء من جنس العمل جزاء وفاقا والحكم والنكت لا تتزاحم على أن ما ذكروه هو حكمة لهدم البديع، وهذا الذي أشرنا إليه هو حكمة لهدم ما شيده سيدنا الجد هادم البديع برد الله ثراه. وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه الواحد فليعتبر بذلك البصير، وليراقب فيما يأتيه وما يذره الآخذ بالنواصي الوارث الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين، وليعلم أنه كما يدين يدان. ومن تأسيساته الفائقة العجيبة التي لم ينسج على منوالها ناسج مدينة الرياض العنبري، جوار قصبته السعيدة لا زال موقعها إلى الآن بدخول الغاية يعرف لدى الجمهور بالرياض، خارج باب زين العابدين، أخذ أبواب المدينة اليوم كان عينها لأخواله الأوداية عام ألف وثمان وثمانين كما في "الروضة السلمانية" وأمرهم ببناء دورهم بها. وفيها كانت دور العمال والكتاب وذوى الحيثيات من أعيان الدولة، قال أبو القاسم الزياني: وكانت مدينة الرياض زينة مكناسة وبهجتها، وبها آثار أهل دولة مولانا إسماعيل كل من كان له وظيف بخدمته بني داره بها وتنافس العمال والقواد

في بناء القصور والدور، فقد كان بدار على بن يش أربعة وعشرون حلقة يجمعها باب واحد، وكانت دار عبد الله الروسي وأولاده أعظم منها كانت حومة وأمثالها من القواد، وبنى كل عامل مسجدًا في حومته وبوسطها المسجد الأعظم الإسماعيلي ومدرسته وحمامه وفنادقه وأسواقه الموقوفة عليه وكانت تنفق فيها البضائع التي لا تنفق بغيرها. اهـ. هذا وقد طارت الركبان وقص التاريخ لنا ما كان لسيدنا الجد الأكبر السلطان المولى إسماعيل من الاهتبال بأمر هذه المدينة مدينة الرياض المذكورة، وما كان لذويها لديه من شفوف المكانة، وناهيك أنها كانت كرسي الوزارة في دولته، بل كانت محيي رحال أولي الأمر من رعيته في عصمته، شيد فيها المسجد الأعظم الحافل الذي فاخرت به الأواخر الأوائل، وشيد بها الدور والقصور والأسواق، والحمامات، وغير ذلك من الرباع والعقار، ووقف الجميع على ذلك المسجد الفاخر. ولقد وقفت في بعض التقاييد التي يكاد القطع يحصل بصحتها والعقود القديمة التي لا مطعن فيها على ما صورته: الحمد لله الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا, ولا يخيب لمن أخلص له النية أملا، والصلاة والسلام على سيدنا محمدا آخرا وأولا، وبعد فإن مولانا أمير المؤمنين، الموفق بتوفيق المعين المتوكل في جميع أموره على رب العالمين، المنتخب من عترة النبي الطاهر لصلاح الدنيا والدين. عز الإِسلام والمسلمين. تاج الملوك المجاهدين، الملك الهمام الذي اعتز الإِسلام تحت لوائه، ورتع الأنام في ظل هديه الصالح واهتدائه، وأسس قواعد الملك الذي أناف على ثواقب الكواكب شامخ بنائه، ذو المجد الأثيل، والفخر الأصيل. أبو الوليد مولانا إسماعيل، شكر الله أنظاره، وخلد مآثره وآثاره، وعمر بالنصر العزيز منازله ودياره، ابن مولانا الشريف، العلى القدر المنيف، لما وصل

الله لخلافته العلية ما عود، ومتع مما خول وأعان على ما خلد، أعلى الله منار عدلها، وشكر مكارم قولها وفعلها، جاهد في الله حق جهاده، حتى استخلص من أيدي الكفار رقاب عباد الله وحصون بلاده، وجدد ما اندثر من العمائر، وشيد ما تركه الأوائل للأنام من المآثر، إلى غير ذلك من المآثر الحسان، الدالة على معاليه في كل زمان، اللهم كما نصرت به الدين، وأيدته على أعدائك الكافرين، وجعلته رحمة للعباد، وعصمة للبلاد، ونقمة لأهل الفساد، فأكرم اللهم خلافته العزيزة بطول البقاء، وألزم أوامره وصوارمه أقوم الاضاء. وحين بوأه الله المراتب العلية، والأفعال الزكية المرضية. صرف همته لتشييد المساجد، وتشهير المعاهد، وخصوصا مسجد المدينة العليا الجديدة العنبرية الذي جعل له من الأوقاف داخل المدينة وخارجها ما هو مرسوم بالورقات الثلاث قبل هذه المواليات لها وقف شهيداه الواضعان لاسميهما عقب تاريخه مع ناظر المسجد في حينه، وهو المكرم عبد الوهاب ابن الناظر المكرم عبد العزيز حجاج على عين جميع أوقاف المسجد المذكور عمره الله بدوام ذكره داخل المدينة المذكورة وخارجها، كل وقف منها على انفراده، وحازه معاينة، وجدد الحوز، ولما تحقق عند العلامة القاضي بحضرة مولانا العلية، وخطيب منبرها العالي المخصوص لديه بترفيع المزية. المصروف إليه خطاب القضاة بإيالته الحسنية، قاضي الجماعة، ومصرف الأحكام المطاعة، سيدي محمَّد أبو مدين بن حسين السوسي ما عليه الناظر المذكور من الحزم، والسعي في المصالح والعزم، أوصاه أن يعمل على ما يقربه عند الله من مرضاته، ويظفر بجزيل مثوباته، وفي أواسط رجب الفرد عام ثمانية ومائة وألف الحمد لله شهد واضع اسمه عقب تاريخه بمعرفة المواضع المقيدة بالقوائم الست بمحوله مع ما في القائمتين أعلاه معرفة تامة كافية ويشهد مع ذلك بأنها محبسة على المسجد الأعظم، من المدينة العليا المختطة عن الإذن العلى بالله

من قبل مولانا المنصور بالله الإمام العدل المعظم المتواضع لذكر الله ورسله، فرع الدولة الحسنية وأمكن ركنها، حامي حمى خلافة الإِسلام، مولانا إسماعيل بن مولانا المقدس مولانا الشريف الحسني أمده الله بعزيز تأييده وبمعونة نصره ورشده آمين. وهي المسماة بالرياض العنبري عمره الله بدوام ذكره وحرسها حبسا يجري مجراها ولا يحيد عن طريقها وسبيلها مؤبدا ووقفا مخلدا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، ومن بدل أو غير فالله حسيبه وسائله وولي الانتقام منه، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، فمن عرف ذلك كما ذكر قيد به شهادته في أواخر جمادى الثانية عام ثمانية ومائة وألف، الحمد لله الذي جعل الخلافة شمسا من عنصر النبوءة فأضاءت على أديم البسيطة أنوارها، وارتفع إلى السها والفراقد منارها، وتألق بالإصباح نهارها, ولاحت في سماء المجد بدورها وأقمارها، وهزت عطف الزمان انتشاء مناقبها الشريفة وأخبارها، وفاض لبركتها على أكناف المعمور خضمها الزاخر وتيارها، والصلاة والسلام على سيدنا محمَّد الذي ظهرت نبوءته قبل ولادته، وبشرف الأحبار والرهبان بعموم رسالته، وخرقت له حجب الآفاق، وفرجت له السبع الطباق، فحاز على كافة الأنبياء والمرسلين خصال السباق، صلى الله عليه وعلى آله والرضى عن أصحابه صلاة كاملة ورضى تاما وسلم كثيرًا أثيرًا، أما بعد: فإن الله تعالى قد اختار لصلاح هذه المغارب، من سعد به البادي والحاضر والشاهد والغائب، الإِمام المنتخب من عترة النبي الذين علوا مناقب ومناصب، ورقوا إلى أشرف المنازل والمراتب، الملك الهمام، حافظ بيضة الإِسلام وكافل أمة النبي عليه السلام، صاحب الفتوحات المنسقة النظام، جمال الأنام، تاج الإمارة عز الإِسلام، الذي أسفر عن صبح النصر العزيز نصله، واشتمل على خواص الشرف الأصيل جنسه وفصله، وطابت فروعه

لما استمد من ريحانتي الجنة أصله، ذا العزم الأمضى، والسعي الأَرْضَى، الملك المنصور أبا المآثر الحسان والمفاخر السلطان المجاهد في سبيل ربه وابتغاء مرضاته، مولانا إسماعيل بلغه الله من رضاه أقصى مسئوله، وأعانه على جهاد عدو الله وعدو رسوله، ابن مولانا الشريف بن مولانا على جدد الله عليهما ملابس الرحمة. وجزاهما أفضل ما جزى الصالحين من ملوك هذه الأمة، لما ولاه الله أمر عباده، وبسط يده في أرضه وبلاده، ونصره على أعدائه، وأيده في أرضه بملائكة سمائه، واستقر ملكه الشامخ البناء بمدينة العز مكناسة الغراء، دار ملك الجهاد، وكرسى دار الإمارة المظفرة العساكر والأجناد، عصمها الله ووقاها، وحفظ بها كلمة الإِسلام وأبقاها، فلما استقر بها ملكه الأشرف وانعقدت بالنصر العزيز راية الفتوحات على قناة العدل الذي عليه مدار الأمور، وعشا إلى نور سراجه الوهاج الخاصة والجمهور، ضاقت المدينة المولوية بجيشه المنصور، أمر أيد الله أمره، وأبد فخره، وأدام تأييده ونصره، ببناء المدينة الجديدة العنبرية المختصة بأمره السلطاني، المؤيد بالتأييد الرباني، لا زال نافذا بعون الله ميسر المآرب، ومطاعا له في جميع أقطار المغارب، فبنيت صانها الله من طوارق الحدثان وحاطها من سوء ما يجري به الملوان، وأسس بها مسجدا للخطبة عتيق، وبنى عن أمره العالي البناء الحسن الوثيق، وصل الله عوائد صنعه الجميل لديها، وعمره بدوام الذكر والعبادة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ولما كمل بناؤه وأعانه من له القوة والعون سبحانه على ذلك حمد الله تعالى، وأثنى عليه الذي وفقه وأعانه عليه، ورجا كمل الله رجاءه أن يدخل تحت عموم حديث الصادق المصدوق، صلوات الله عليه وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من بنى لله مسجدًا بنى الله له قصرًا في الجنة"، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من بنى لله مسجدًا يبتغي به وجه الله العظيم بنى الله له مثله في الجنة" وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من بنى لله مسجدا بنى

الله له في الجنة أوسع منه" إلى غير ذلك من الأحاديث النبوية. وصحاح الأخبار المصطفية. وأمر أيد الله أمره عام ستة ومائة بعد ألف بجلب الماء له من عين البيضاء في قادوس مختص به ويكون الموضع الذي يجري فيه القادوس حبسا عليه من العين المذكورة إلى المسجد الجامع المذكور في جميع الأملاك السلطانية، وألزم ناظر المسجد المذكور في حينه وهو المكرم عبد الوهاب بن الناظر المسن المكرم محمَّد بن عبد العزيز حجاج مع من له النظر العام والأمانة الكاملة في أمر البناءات كلها السلطانية على اختلاف أنواعها وأجناسها بداره العلية حرس الله رفيع أعتابها، وصان من طوارق الحدثان على أبوابها، ناصح خدمته السلطانية، في السريرة والعلانية، وهو الطالب محمَّد بن الثقة الخير خديم أهل كتاب الله المحب لآل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله محمَّد الكاتب شُهِر الأندلسي نَجِارًا، الفاسي دارًا، ومنشأً وقرارًا، بالوقوف التام على خدمة ذلك الماء على أن يصل إلى المسجد الجامع المذكور فوقفا عليه، وصرفا كليتهما إليه، حتى بلغ على مقتضى غرضه السلطاني فجعل نصره الله ثلاثة أرباعه للمسجد الجامع المذكور، والربع الواحد الباقي منه للسقاية التي هنالك بإزاء المسجد. تقبل الله عمله، وبلغه في نصر الإِسلام وصلاح الأنام أمله، ولما علم من قوله - صلى الله عليه وسلم - ما علم من أنه عليه السلام قال: "من بنى لله مسجدا بنى الله له في الجنة أوسع منه" أراد حصول تلك الفضيلة فأمر أيده الله بزيادة صفين اثنين ليوسع بهما، فزيدا على نظر الإمام المقرون بالبركة قبلي المسجد الجامع المذكور وصل الله سعده، وأناله من الثواب الجزيل قصده، والحمد لله ولي التوفيق والتسديد، المتكفل لمن شكره بالمزيد، ولمن توكل عليه بالإعانة والتأييد. وصلى الله عليه سيدنا محمَّد نبيه الذي اصطفاه من العبيد، وجعله السبب الأوصل في نجاة الناجي وسعادة السعيد، وعلى آله وصحبه صلاة لا تنقطع أبد الأبد ولا تبيد.

فحبس عليه من الأوقاف بداخل المدينة وخارجها ما يذكر، ويعين ويفسر بعد إن شاء الله، فالذي بداخلها أمنها الله وسماها جميع الدار المتصلة بغربي المسجد المذكور، وجميع الدر ذات البيوت المتصلة بشرقي المسجد المذكور، وجميع الطراز المسند للسقاية الكبرى المنشأة هناك قرب المسجد المذكور وهو الذي صار الآن دارا، وجميع الحمام الجديد المقابل لقبلى المسجد المذكور بفرنه ومنافعه، وجميع الفرن الذي بأعلى الحمام قبلي المسجد المذكور، وجميع النصف الواحد على الشياع في كافة فندق ابن عزور صاحب إفراك في شركيته بالنصف الآخر على مقربة من باب الرياض، المواجه لسيدي سعيد بن أبي بكر نفعنا الله به، وجميع الحوانيت الثلاثة التي بأسفل باب المِيضَأَة (¬1) مع البيوت المسندة إليه، وجميع الحانوتين المتصلتين بالقنت المواجه لداخل الرياض من بابه الأكبر باب ثلاثة فحول أسفل دار الباشا منصور الرامي، وجميع التسع حوانيت المتصلات بداخل الرياض أمام بابه النافذ لقرب الولى سيدي سعيد، مبدؤهن من الحانوت. الثانية لحانوت القنت المواجه للباب المذكور بصف واحد، وجميع الحانوت الصغرى التي برحبة التبن عن يسار الصاعد غربا بعد دخوله من الباب المذكور، والذي بخارجها جميع الأربعين حانوتا عن يمين الصاعد لباب المشاوريين، أحد أبواب مكناسة، وجميع موضع الثاني عشر حانوتا المتصلة بها من جهة روضة سيدي عبد الرحمن القرشي، وجميع التسع حوانيت المتصلة بها من أعلى التي بناها حجاج، وكل الحوانيت صف واحد في اعتمار صنعة الذميين، عددها إحدى وستون حانوتا بجميع ما لذلك من المنافع والحرم وكافة الحقوق الداخلة والخارجة، ليصرف من فوائد الحبس ما يفضل عما يحتاج إليه أصله من الوجوه الضروريات مما يبقى أصل الحبس معه محوطا فيما يحتاج إليه المسجد الجديد المذكور من إصلاح مبانيه ومياهه وحصره وزيت الاستصباح به وراتب القائمين بأموره وغير ذلك مما يحتاج إليه. ¬

_ (¬1) المِيضَأة: الإدواة فيها ماء يُتوضَّأ به، والموضع يتوَضَّأ فيه.

ومن إنشاءاته المحبسة جميع المكتب المسند إلى المسجد المذكور لتعليم أولاد المسلمين قراءة القرآن، وجميع السقاية التي هناك، صير في بنائها مائة مثقال دون الخشب، وجميع المنجرة المتصلة بالمسجد المذكور لخدمة الخشب لإصلاح المسجد وأوقافه، وصير في جلب الماء من العين البيضاء إلى المسجد المذكور ما يذكر مفصلا، من ذلك ثمانية وعشرون قنطارا من الزيت من معصرة مولانا المظفر المنصور، وثمانية وعشرون ألفا من القادوس الثلثي مدفوع في جملته بيد الفخار ألفا أوقية اثنان دراهم وأربع كوشات من الجير مدفوع فيها مائة مثقال، وأجرة المعلم القوادسي عن مدة خدمته عشرة أشهر ثلاثمائة أوقية دراهم، وأن المال المدفوع على يد الناظر المذكور في الصفين اللذين أمر مولانا بزيادتهما قبلي المسجد المذكور صرة من التبر بيعت بمائة وثلاثين مثقالا دراهم، وكل المال المصير في بنائهما وفي جلب الماء للمسجد المذكور وفي بناء السقاية والمكتب هو من مال مولانا الخاص به. وحبس نصر الله أعلامه ماء آخر يطوى له قادوسه وحده من الوادي إلى أن يصل للمَسجد المذكور. اهـ. ومع هذا الاهتمام العظيم بتحصين هذا السعي المشكور المكين من هذا الإمام العظيم منشئ مدينة الرياض، حتى تدوم قائمة بنفسها في سائر الشئون والأغراض، لم ينفع حذر من قدر فلم تعش المدينة بكل بناءاتها الدينية والدنيوية إلا خمسا وخمسين سنة قضتها كلها في ازدهاء وازدهار، لا تحوم نحو ساحتها الأكدار، وطالع السعد على أرجائها مشرق، وخميس اليمين والأمانى بأكنافها محدق. وفي هذه المدينة يقول الفقيه الكاتب أبو حفص عمر الحراق من قصيدة يخاطب بها كتاب الحضرة الإمامية.

أكتاب الإِمام لقد سعدتم ... بآثار لسيدنا سديدة دنوتم من قصور أبي المعالى ... وقد كانت منازلكم بعيدة وما دار تقرب منه إلا ... مباركة بلا ريب سعيدة قال في "الدر المنتخب المسْتحسن" وقد أجازه السلطان على هذه القصيدة بأربعمائة مثقال نفذها له عند عامله الباشا على بن عبد الله الريفى فقبضها منه في الحال. اهـ. قلت: هذا وأبيك الكرم ونخوة الملك، فالأربعمائة مثقال في ذلك الزمان من الأمر ذى البال تقوم بما لا تقوم به اليوم أربعمائة ألف فرنك، ثم لما قضى الله بخرابها ونثر نظام عقد محاسنها، قيض لنقض محكم بنائها السلطان المولى عبد الله نجدٍ مؤسس قواعدها على تقوى من الله ورضوان، فأمر النصارى وغيرهم بهدمه لأمر عرض له في الحال اعتراه بسببه شبه اختلال، وذلك الأمر هو ما ذكره صاحب "الدر المنتخب" من إنه كان إذا جن الليل اجتمع من سكانها القواد والأعيان وتذاكروا الأمور الواقعة في الآفاق والبلدان، وتذاكروا فيما بينهم وإن أرادوا أمرا عليه صمموا ويدبرون الأمر حتى يكون ما عليه عولوا، فنصر مولاى أحمد الذهبي أولا كان في مدينة الرياض المذكورة، وفيها اتفقوا على عزله ونصر مولاى عبد المالك في الرواية المشهورة، وفيها عزلوا مولاى عبد المالك وردوا مولاى أحمد، وفيها اجتمع رأيهم على نصر مولاى عبد الله وكان مولاى عبد الله إذا فعل فعلا اجتمعوا وتحدثوا، فكان مولاى عبد الله لأجل ذلك لا يبلغ مناه، وإن أراد مولاى عبد الله أن يبرم أمرا اجتمعوا وقالوا هذا أمر لا نفعله بوجه ولا بحال، فبلغ الخبر لمولاى عبد الله فأعرض عن ذلك الأمر الذي أراد كأنه لم يبق له ببال، وأرسل إلى العبيد الذين بمشرع الرملة ومن كان غائبا من جنوده وكساهم وفرق عليهم الأموال، وزادهم في الراتب وقدمه لهم على الكمال.

ففي فجر يوم السابع والعشرين من شوال عام ثلاثة وأربعين ومائة وألف حشد تلك الجنود وأعد آلة الهدم وركب فرسه ووقف على تل مشرف عليها وأمر بالهدم من كل ناحية والناس نيام فمن أسرع وحمل رزقه وقشه نجا، ومن لا معين له بقى قشه تحت الردم وارتحل الوداية لفاس الجديد مع إخوانهم وتفرق غيرهم بالمدينة، فما مضت عليها عشرة أيام إلا وصارت كدية من تراب يعشش فيها اليوم، ولم يبق بها إلا الأسوار والجدرات قائمة كما قاله أبو القاسم الزيانى وغيره، والبقاء لله وحده، وله سبحانه وتعالى الأمر من قبل ومن بعد. وقد صارت موقعها من مزارع العاصمة المكناسية ومراعى مواشيها, ولا زالت إلى الوقت الحاضر بعض الأطلال قائمة بها، وقد كانت تلك المزارع فيما سلف معدة لنزول الجيوش السلطانية عند ما يحل ركابها الشريف بالعاصمة المذكورة، وأحدث بها الآن محالا لسكنى اليهود لضيق حارتهم عنهم. ومن تأسيساته حارة اليهود التي بها سكناهم الآن، أسسها عام ثلاثة وتسعين وألف كما بتأليف الضعيف وغيره، وأمر بإخراج أهل الذمة من المدينة وإسكانهم بالمحل المؤسس لأجلهم فسكنوه، وأخليت دورهم التي كانت وسط دور المسلمين بالمدينة، ثم سكنها أهل تافيلالت الذين بفاس بأمر من السلطان. ومن تأسيسات مولانا إسماعيل قصبة بريمة التي لا زالت قائمة العين والاسم إلى الحين الحالي الواقعة غربا من قصبة قصور الملك السعيدة، وقد وقفت في بعض العقود الموثوق بها على بعض ما يتعلق بذلك ونص الغرض منها: كان الجناب العالى بالله مولانا أبو النصر تملك جميع أرض بريمة خارج الحضرة الهاشمية محروسة مكناسة، وأعطى مولانا المنصور ثمنها وأمر ببناء حوانيت خارج باب المشاوريين بالثمن المذكور، لكون الأرض المذكورة من أوقاف جامع الخضراء، وفضل من الثمن المذكور من بناء الحوانيت مائة مثقال، وكان المتولى لذلك عن أمر

مولانا المنصور بالله تعالى القائد الأرضى. الأجل الأحظى، خديم المقام العالى بالله أبا العباس أحمد بن الأجل الفقيه الأكمل المرحوم بكرم الله سيدي أبي يعزى العرايشى، أشهد الآن أنه صير لجانب الحبس في المائة مثقال كذا في سنة اثنتى عشرة ومائة وألف، اهـ. ومن تأسيساته قصبة جناح الأمان الشهيرة إلى الآن. ومنها قصبة قعر وردة التي لا زالت قائمة العين والاسم إلى الحين الحالي، وكان تأسيسه إياها عام واحد ومائة وألف. ومنها قنطرة دردورة الشهيرة المعروفة قبل بقنطرة ابن يشو، أسسها عام واحد ومائة وألف على ما في بعض التقاييد، وأنشأ بهذه القنطرة سقاية اهتم بشأنها اهتماما زائدا حتى حبس عليها عدة أوقاف من رباع وعقار، كانت تعرف هذه السقاية بسقاية الذهب، ودونك بعض النصوص الشاهدة لما لمنشئها من الاهتمام والاعتناء بأمرها: الحمد لله ضهد لدى شهيديه أمين الدار العالية بالله، وناظر سائر الإيالة الشريفة المعلم محمَّد بن محمَّد الكاتب الأندلسى أن مولانا المنصور بالله تعالى مولانا أمير المؤمنين، المجاهد في سبيل رب العالمين، مولانا إسماعيل أبد الله أوامره، وخلد مفاخره الكريمة ومآثره، آمين، حبس جميع الحوش المستدير بالحيطان -غير ربع واحد منه بلا حائط- الكائن بقصبة تزيمي المجّاور من أسفل الحوش حبس مسجد صواغة الذي بيد الوقاد على وجه الجزاء على إصلاح الماء المجلوب لسقاية الذهب التي أحدث بناءها مولانا المذكور بقنطرة دردورة خارج مدينة مكناسة، وهذا العقد بتاريخ جمادى الأولى عام سبعة عشر ومائة وألف، ولما رأى أنجاله ورؤساء أعيان دولته العظيمة ما لمتبوعهم الأمير الطائر الصيت من الاهتبال والاهتمام بهذه السقاية، تسارعوا لاقتفاء أثره في التحبيس عليها، فحبس عليها نجله المظفر أبو الحسن مولانا على كوشة وحانوتين حسبما بعقد تحبيس ما

ذكر المؤرخ بعام ثمانية وأربعين ومائة وألف، وحبس عليها خديم مقامه العالى القائد على بن يشو اليازغى عقارا حسبما بعقد وقفت عليه بتاريخ أواسط جمادى الثانية عام سبعة وعشرين ومائة وألف، ومع الأسف فقد اندثرت هذه السقاية وعفت منها الآثار, ولم تنتج لها أحباسها العديدة أدنى وقاية من يد الاضمحلال والاندثار. ومنها مسجد باب البراذعيين الشهير، وكان تأسيسه له تحت نظر وزيره على ابن يشو، وذلك عام واحد وعشرين ومائة وألف، وهذا التاريخ هو الذي رسم بخشب باب مقصورة المنبر بالجامع المذكور في أبيات لعمل منبره، ونصُّ ذلك: أنا منبر للذكر والوعظ أنصب ... دوائى لأمراض القلوب مجرب ومولاى إسماعيل عز عن امره ... تأنق في صنعى الوزير المهذب على بن يشو راجيا فضل ربه ... وإن رمت تاريخى بحقّ سيحسب (¬1) ومنها جامع الأنوار المعروف بهذا الاسم إلى الزمان الحاضر الذي بابه الأكبر عن يمين الداخل للقصبة الإسماعلية من باب منصور العلج، ففي "زهر البستان". في نسب أخوال سيدنا زيدان بن مولانا إسماعيل، أن مما شيده مولانا إسماعيل مسجد الأنوار الذي هو لأشتات المحاسن جامع، فمن سوارى رخامية يقارب عددها المائتين، ومن صحن بديع الشكل بهى المنظر رجب المتسع عدم النظير بالعدوتين، بوسطه قبة ارتفعت عن أن تقاس بمثال، قائمة على أعمدة من الرخام مختلفة الأشكال، بزواياها الأربع شبابيك مصنوعة من الخشب أمسكت بصفائح مذهبة أركانها، أرضها مفروشة بالرخام، وسماؤها وشيت من خشب ملون ¬

_ (¬1) في المطبوع: "وإن رمت تاريخي (شاقك) يحسب" وهو غير صحيح عروضيا. ولعل المناسب ما أثبتناه. والأبيات من الطويل.

منقوش بأبهى من طرق الحمام، يدخل إليها من جهاتها الأربع وبداخلها خصة رخام لم ير الراءون مثلها في ضخامة الشكل وسعة الدائرة وإحكام صنعة ترصيف ما أحدق بها من الرخام، وبإزاء القبة بئر أحدق به أربع خصص صغار وإلى جنب كل خصة حوض يمتلئ منها، وبإزاء الصحن المذكور بالركن الذي التقى فيه الربع الشرقى بالربع القبلى منار يرقى فيه بغير مدارج، بل بترصيف مستوى المعارج، مطبق الأعلى فلا يصيب فيه المؤذن حر شمس ولا مطر، ولا ينال بصره من محارم المسلمين قطاف وطر. ومن محاسن هذا الجامع أن أسند إليه بربعه القبلى من حيث اتصاله بالربع الشرقى خزانة الكتب مشملة على قبتين قائمة حلقتها على أربعة قوائم من الرخام، وبها من الكتب العلمية ألوف عديدة ... إلخ ما وصفه به مما لا ينطبق إلا على جامع الأنوار المعروف بهذا الاسم الآن وذلك الانطباق وقت شبابه، وقبل انقلابه وإيابه، أما بعد ذلك فلم يبق من دلائل ذلك الانطباق إلا شهرته قديما وحديثا بجامع الأنوار مع ما أدركناه من بقايا دار الوضوء الموصوفة في الجهة الشرقية إلى أن استأصلتها الدولة الحامية، ومع بقايا خزانة الكتب الموصوفة في كلام زهر البستان، فإن بابها بالمحل المعين في كلام زهر البستان مع ما سمعته من والدى عن والده رحمهما الله أن تلك الباب هي باب خزانة الكتب الإسماعييلية التي فرق السلطان سيدي محمَّد بن عبد الله كتبها على مساجد المملكة، وإنما قلت لم يبق من دلائل الانطباق إلا ذلك, لأن جامع الأنوار قد مسخ، وتقلب في أطوار النحس والمسخ، حتى إنا ما أدركنا شيئًا مما وصف من بهجته، ولا بعض ما يمثل حسن صورته، سوى الجدرات المحيطة به وأطلال بعض ما عداها، أما ما عدا ذلك فلم ندرك منه رسما ولا طللا وليت هو أنه انتهى عند هذا الحد، ولكنه زاد على. ذلك بأن أُعِدَّ تارة لربط الدواب وأخرى لاستقرار من هم شر من الدوابِ، وهم

أخلاط أوباش العساكر الذين كانوا يأتون فيه كل الفواحش بكل معنى الكلمة، وآونة يكون سجنا للمتمردين، وطورًا يجعل خزينًا للشعير، إلى أن حازته الدولة الحامية وصيرته مدرسة لقراءة لغتها وغيرها, ولا ينافى كونه من الإنشاءات الإسماعيلية ما هو منقوش في زليج بأعلى بابه ولفظه: ما للخورنق والبديع كمال ... إلخ ما سيمر بك قريبا بحول الله لأنه إنما أسند في هذه الأبيات لمولاى عبد الله إنشاء حلة تلك الباب لا غير وتلك الحلة وذلك الكمال يحملان على إنشائه بها خاصة تنميقا وتزويقا، أما أصل ذلك فهو لوالده المولى إسماعيل لما قدمناه عن زهر البستان من أن المولى إسماعيل هو المنشئ لذلك المسجد بكماله، وقد وصفه بذلك قيد حياة منشئه كما ينبنى عنه ما ترجم المولى إسماعيل به في الكتاب المذكور. وقد قدمنا أن هذا المسجد هو الذي يقوى في نظرنا أنه المسجد الذي أسسه لما ضاق به مسجد القصبة الذي لا زال يعرف بهذا العنوان إلى الآن، وكذا قدمنا أن دليل ذلك قول واصفى المسجد الذي أسسه بعد ضيق الأول وجعل له بابين بابا إلى المدينة ... إلخ، فإن الباب الذي للمدينة بدون حاجز لم يوجد إلا في هذا، ويزاد على ذلك أن ما وصف به "زهر البستان" جامع الأنوار مع قبته أظهر في وصف الأخضر الذي أطلقه على المؤسس بعد الضيق واصفوه من وصف مسجد القصبة به، وكذلك ما في بيت ذلك الشاعر السابق وهو قوله ففي القبة الخضرا، البيت، القبة الموصوفة في جامع الأنوار أحق به وأليق، ويتأكد ذلك يكون الزيانى ومن تبعه لم يفصحوا في البناءات الإسماعيلية بجامع الأنوار بهذا العنوان، مع أنه أحق بالذكر من كل مسجد بناه, لأن ما وصف به زهر البستان بناءه لم يوصف به شيء من المساجد التي شيدها، فدل ذلك على أنه هو مرادهم بقولهم أسس المسجد الأخضر إلى قولهم وجعل له لابين بابا المدينة ... إلخ. ويحمل المسجد الذي وصفنا تهدمه داخل الباب الأول للضريح الإسماعيلى

على أنه كان معدا عند المولى إسماعيل للصلوات الخمس، ومسجد القصة المعروف بهذا الاسم لصلاة الجمعة، وقد يصلى فيه الخمس أيضا عند ما يجده الوقت في قصر الستينية المتصل به، أو لمقتض آخر، مقتضيات عظم المملكة وشامخ أبهنها. والظاهر أن ذلك الاحتفال الهائل الذي خص به المولى إسماعيل جامع الأنوار، حتى إنه جعل أعمدته على كثرتها كلها رخاما مع تلك الخصة التي لم ير الراءون مثلها عظما وحسنا وغير ذلك، ولا سيما مع حصول الاستغناء عنه بعد العظمة الإسماعيلية لا بالنظر للمدينة ولا بالنظر للقصبة، فتكون خطبة مسجدها مع تخريب هذا رجعت إلى محلها الأصلى والله أعلم. وكان تأسيسه لهذا المسجد العظيم المقدار عام عشرة ومائة وألف كما في "الدر المنتخب". ومن إنشاءاته أيضا مسجد الأنوار المعروف في العصر الحاضر بمسجد سوق السباط، ويدل لذلك ما هو منقوش في لوح خشب ببعض جدراته ولفظه: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وصلى الله على سيدنا محمَّد وآله وصحبه وسلم تسليما، الحمد لله الذي جعل أهل العلم أنجما يقتدى بهم في كل وقت وزمان وزين بالاهتداء بهم كل مكان، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمَّد سيد ولد عدنان، وعلى آله وأصحابه ما تتابع الملوان، هذا وإن مولانا المؤيد بالله الهمام محيى الملة والدين، وسالك سبيل الأئمة المهتدين، المجاهدين في سبيل رب العالمين، أمير المؤمنين، مولانا إسماعيل بن الشريف الحسنى أيده الله ونصره، لما أنهى إليه أمر المسجد الذين أنشأه الناظر الأسعد, الموفق الأرشد، أبو عبد الله سيدي محمَّد بن محمَّد الكاتب القيسى الأندلسى أصلا ونجارًا، الفاسى نشأة ودارًا، المسمى بمسجد الأنوار أمر نصره الله بإحضار علماء التوقيت العارفين بدلائل القبلة وهم السيد محمَّد بن عبد الرحمن المرابط والسيد العربي بن عبد السلام الفاسي والسيد حسيت الكامل، والسيد محمَّد بن سليمان العونى وحضروا بالمسجد المذكور واستعملوا البحث والنظر بطرق علماء الفن والأسطرلابات والدائرة ومقاييس الشمس، فأداهم اجتهادهم إلى أن

المحراب هو سمت مكة شرفها الله تعالى على المشهور، وأن طول مكة سبعة وسبعون درجة، وعرضها اثنان وعشرون درجة، وطول مكناسة خمسة وعشرون درجة، وعرضها أربع وثلاثون درجة بتقاطع خطي الطولين والعرضين بالدائرة الهندسية، قيدوا به شهادتهم لسائلها وفي أوائل جمادى الثانية عام اثنين وعشرين ومائة وألف الحمد لله لما ثبت بشهادة أهل العلم المذكورين الواجب تقليدهم للخاص والعام فيما ذكر وجب المصير إليه واتباعه "إذا قالت حذام فصدقوها" وهذا سبيل الحق وطريقه ففي الخبر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال كل صنعة يرجع فيها إلى صانعها أو كما قال (¬1) عليه الصلاة والسلام وكتب سعيد العميرى الحمد لله أعلم بأعماله عبد الله تعالى عبد الوهاب العرائشى هـ. وأسس باب الخميس القائم العين إلى الآن، وهو أحد أبواب مدينة الرياض السالفة الخبر، وذلك عام ثمان وتسعين وألف، ويدل لذلك ما هو منقوش في الزليج المتوج به أعلى الباب المذكور ودونك لفظه: ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: قال الحافظ ابن النجار في تاريخه: "قرأت على أبي القاسم سعيد بن محمَّد الهمدانى عن محمَّد بن عبد الباقي الأنصاري، قال: كتب إلى أبو عبد الله محمَّد ابن سلامة القضاعى، حدثنا أبو الحسن على بن نصر الصباح، حدثني أبو النضر المفضل ابن على كاتب الراضى، أنه حضر مجلس أبي الحسن بن الفرات وعنده القاضى أبو عمر محمَّد بن يوسف فسأل عن شيء، فقال القاضى أبو عمر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "استعينوا على كل صنعة بأهلها" وفيه يرد قول أبي الخير السخاوى في المقاصد الحسنة، إنه لم يرد بهذا اللفظ في الحديث، وإن تبعه الشيبانى في تمييز الطيب، والبيروتى في أسنى المطالب، ويقويه شاهدا له ما أخرجه أحمد عن طلق بن على، قال بنيت المسجد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان يقول: قربوا اليمامىَّ من الطين فإنه من أحسنكم له مَسًّا. وفي رواية ابن حبان فقلت: يا رسول الله، أنقل كما ينقلون؟ قال: لا, ولكن اخلط لهم الطين فأنت أعلم به. وما أخرجه أبو داود عن سعد قال: مرضت مرضا فأتانى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعودنى، فوضع يده بين ثدي حتى وجدت بردها على فؤادى، وقال في: إنك رجل مفئود، فأت الحارث بن كلدة من ثقيف فإنه يتطبب. وهو يدل على جواز الاستعانة بأهل الذمة في الطب كما في الإصابة. وعلى كل حال: فكل أمر له قوم به عرفوا ... فاندب لكل مهم أهل بلواه انتهى مصحح. وفي حواشى كنز العمال 3/ 108 أن طلق بن على بن المنذر، هو أبو على اليمامى، وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمل معه في بناء المسجد، وروى عنه.

أنا الباب السعيد سموت فخرا ... سمو البدر في الفلك السعيد سنا مولاى إسماعيل يبدو ... على ذاتى المنوطة بالسعود ففي وقت سعيد قد بنانى ... وورخ نشأتى (جود المشيد) وأسس باب الجديد على ما في بعض التقاييد الموثوق بصحتها عام خمس ومائة وألف. وجدد المسجد الأعظم عام سبعة ومائة وألف، وكان انتهاء العمل فيه عام تسعة ومائة وألف، ويشهد لذلك ما هو منقوش في لوح خشب بباب المقصورة التي يخرج منها الخطيب بالمسجد المذكور ولفظه: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}، صدق الله العظيم، وبلغ رسوله المصطفى الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا، أمر بتجديد هذا المسجد الأعظم مولانا إسماعيل بن الشريف أيده الله عام سبعة ومائة وألف، وكان الفراغ منه عام تسعة ومائة وألف: يا أيها المنظر الجديد ... زينك الطالع السعيد وقر منك الأمير عينا ... ومات من غيظك العنيد وما هو منقوش بأعلى السقاية من المسجد المذكور ولفظه: الحمد لله وحده وصلى الله على من لاَ نَبِىَّ بعده. تأمل بعد حمد الله حسنى ... وصل على محمد الشفيع فما أبصرت في الدنيا كشكلى ... أذكر زهر أيام الربيع وللوراد أسقى سلسبيلا ... فلى فخر بذاك على الجميع بجامعنا الكبير سموت فخرا ... علا شرفى بجانبها المنيع بأمر إمامنا المنصور شادورا ... بنائي الرائق الأبهى الرفيع وتاريخى أمعطاش هنيئا ... وقاك الله من ظما وجوع

وما هو منقوش بخشب عنزته البديعة الإتقان العجيبة الصنع اللطيفة المنظر ودونك لفظ ما هو منقوش في الجهة الموالية للصحن: ذى عروس من المحاسن تجلى ... باليواقيت وشحت واللآلي وسراج الملوك بالغرب اسما ... عيل من دأبه اكتساب المعالي كان عن أمره المطاع وجودى ... كن له حافظا أيا خير والي وما هو منقوش بها أيضا ولفظه: بحمد الله يفتتح الكلام ... كذاك صلاة ربى والسلام على المختار مع آل وصحب ... كعرف المسك ما انسكب الغمام آدم يا رب عز الدين وانصر ... إِماما لا يعادله إمام وما هو منقوش بدائرة هذه العنزة من الجهة المذكورة أيضا ولفظه: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وصلى الله على سيدنا محمَّد وعلى آله، {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبَّة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين}، وبوسط هذه الدائرة ما لفظه: لك الحمد يا ألله والأمر كله ... فصل على سر الوجود محمد إمام الورى طرا وقبلة آدم ... نبى أتى بالخمس في كل مسجد ومعجزة القرآن أكبر آية ... فطوبى لمن يتلوه عند تهجد على العنزات الفضل لي لتقرري ... بمكناسة دار الإِمام المؤيد وجامعة أكرم ببيت إلهنا ... فكم حله من عالم متعبد وتاريخ إنشائى وإظهار بهجتى ... وحسنى فشا مسجد تراه بمشهد وصل إله العرش في كل لحظة ... على أحمد الهادى وأشرف سيد

ومنقوش بدائرة هذه العنزة أيضا من الجهة المقابلة لمحراب المسجد الداخلى ما لفظة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، صلى الله على سيدنا محمد {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) [آل عمران]، إلى غير هذا مما هو منقوش بالقلم الكوفى وغيره في هذه العنزة المباركة. وجدد مدرسة الشهود المتقدمة الذكر عام ثلاثين ومائة وألف، ودليل ذلك ما هو منقوش بها على جدارها الشرقى قبالة الداخل وذلك في زليج أخضر على صورة محراب ونصه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما بحمد إلهى أبتدى وصلاته ... على أحمد المختار طول المدى تترا تأمل جمالى كى ترى الآية الكبرى ... أحاكى لزهر في السنا والعلا زهرا تأنق في البنيان والوشى صانعى ... أنا منزل القراء حزت بذا فخرا عن أمر أمير المؤمنين الذى سما ... بنسبته للمصطفى وعلا قدرا أبى النصر إسماعيل كمل بهجتى ... بناظره السهلى قد سهل الأمرا سليل العلا مزاج عبد الرحيم من ... بإتقانه الأوقاف يلتمس الأجرا وكملت عام الألف مع مائة وزد ... ثلاثين شهر المولد أحبب به شهرا فقوله كمل بهجتى ... إلخ، معناه بتجديد إصلاحها وتنميقها. وقد غلط في فهمه بعض المتأخرين واغتر به صاحب "الدر المنتخب المستحسن" فقال: قال بعض المتأخرين: وأما المدرسة التي عن يسار المقابل لمحراب المسجد الكبير المقابلة بابها لباب المسجد فقد رأيت تاريخها في رخامة مقابلة

للخصة، وأن أمير المؤمنين مولانا إسماعيل هو الذى بناها نصه نظما: بحمد إلهى ... إلخ، الأبيات المارة ولا شك في خطأ هذا النقل، إذ تقدم بناء هذه المدرسة وهى المعروفة بمدرسة القاضى وبمدرسة الشهود وذكرها في "رَوْض" ابن غازى أشهر من نار على علم، كما أنه أخطأ في نسبة التاريخ للرخامة، فإن الأبيات التي بها التاريخ إنما هى منقوشة هناك في زليج أخضر كما قدمنا، وكفى بالعيان برهانا، وأشنع من هذا أن صاحب "الدر المنتخب" المذكور ما ذكر هذا الذى قدمناه عنه حتى قدم متصلا به أن مدرسة القاضى والشهود بانيها هو أبو يوسف المرينى، ومعلوم خارجا أنها هى التي عن يسار المقابل للمحراب المذكور، ثم أثره ذكر أن بانى التي على اليسار المذكور هو المولى إسماعيل، وهذا أقوى دليل على أنه لا يتصور أن المدرسة المذكورة هى التي على اليسار المذكور، فلم يميز بين مدرسة الشهود والقاضى وبين المدرسة الجديدة في كلام ابن غازى، وظن أن التي على اليسار هى غير مسمى مدرسة الشهود فخلط، وما حرر ولا ضبط. (رجع) والمولى إسماعيل هو الذى نصب المنبر المرونق بالمسجد الأعظم الموجود لهذا العهد يوم الجمعة ثانى عيد الأضحى عام اثنى عشر ومائة وألف على ما في بعض التقاييد التاريخية. وجدد مسجد سهب الملح وهو المعروف اليوم باسم مسجد ابن عزو على يد المسن المكرم السيد عبد الرحمن بن أحمد بن عزو، كما وقفت على ذلك في بعض التقاييد، وكان تجديده له عام واحد وثمانين وألف. (فائدة) قال القلقشندي: أول من عمل المنبر في الإسلام سيدنا تميم الدارى عمله للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان قد رأى منابر الكنائس بالشام. (¬1) اهـ. قلت: ويدل له ما في أبي داود عن الحسن بن على عن إبراهيم بن أبي داود عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بدن قال له تميم الدارى: ألا أتخذ لك منبرا تجمع أو تحمل عليه عظامك؟ قال: "بلى"، فاتخذ له منبرًا مرقاتين. اهـ. وما في طبقات ابن سعد من حديث أبى هريرة وغيره، قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) صبح الأعشى 1/ 421.

يخطب يوم الجمعة إلى جذع، فقال: إن القيام يشقّ علىّ، فقال تميم الدارى: ألا أعمل لك منبرا كما رأيته بالشام؟ فشاور النبى - صلى الله عليه وسلم - المسلمين في ذلك، فرأوا أن يتخذه، فقال العباس بن عبد المطلب: إن لي غلاما يقال له كلابٌ أعمل الناس، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: مره أن يعمله، فعمله درجتين ومقعدا، ثم جاء به فوضعه في موضعه. (¬1) اهـ. وتميم هذا هو أيضا أول من أسرج السراج في المسجد كما في "الإصابة" (¬2) من رواية الطبراني. (رجع) ومن تأسيسات الأمير المذكور بناء قنطرة السيد على بن منصور الشهير، الآتي الذكر بحول الله، وكان تأسيسه إياها عام أربعة ومائة وألف. ومنها القبة التي أمام المدرسة الجديدة الشهيرة اليوم بالبوعنانية عام تسعة ومائة وألف. وجدد ضريح الولي المتبرك به سيدي يوسف الشريف أحد الصلحاء الذين ضمتهم داره الكبرى المتقدمة الوصف، وكان تجديده له عام ألف ومائة واثنين وعشرين ويدل له ما هو منقوش في رخامة بضريح الولي المذكور نقشا بديعا ودونك لفظه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما، كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، هذا ضريح الولي الصالح أبو المحاسن سيدى يوسف الشريف الشهير بأبي قنادل نفعنا الله ببركاته آمين، أمر بتجديد هذا الضريح المبارك الملك الإمام الجليل أبو النصر مولانا إسماعيل أيده الله ونصره أوائل المحرم فاتح سنة 1122 هـ. هكذا بالقلم الفاسي، ويوجد هذا الضريح وراء دفة الباب للدار المذكورة دار الخلافة على يسار الداخل. ¬

_ (¬1) كتاب الطبقات الكبير لابن سعد 1/ 215. (¬2) الإصابة 1/ 368.

ومنها ضريح الولي الصالح المولى أحمد الشبلي رضي الله عنه وأرضاه، ويدل لذلك ما هو منقوش بأعلى القوس الواقع يسار الذاهب من نهج القبابين لضريح سيدي عبد الواحد الأشقر المجاور هو أي القوس للسقاية يسار الذاهب منه لضريح الشبلي المذكور ولفظه: يا ناظرا حرم الولي أحمد الـ ... شبلي وحسن جماله المتوقد مولاي إسماعيل أسسه وهو ... تاج الملوك ونجل آل محمد ومثله أيضا باللفظ ما بأعلى القوس الذي يذهب منه للضريح المذكور الأتي من ساباط الزمراني. وضريح سيدي عبد الله القصري الولي الشهير. وأسس جامع الزيتونة عام تسعة وتسعين وألف كما صرح بذلك صاحب الدر المنتخب المستحسن، ونصب منبرها في التاريخ المذكور وشاهده ما هو منقوش عليه الآن ولفظه: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وصلى الله على سيدنا ونبينا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [الأحزاب]، صنع هذا المنبر المبارك عام تسع وتسعين وألف، وقد كان سرادق ملكه في هذا التاريخ على الأنام ممدودا وأنت ترى سائر الآثار الدينية وخصوصا في عاصمته التي قصرنا الكلام فيها إنما كانت تبرر عن أوامره وهذا منها. ومن تأسيسات مبانيه القصبات العديدة المحيطة بعاصمته المتصل منها بسور البلد والمنفصل عنه. فمن المتصل القصبات الثلاث المتقدمة وهي: بريمة، وجناح الأمان، وقعر وردة ومنها القصبة المعروفة بقصبة هدراش وقد سبق بيان موقعها وتاريخ بنائها، ولا زالت قائمة آهلة إلى الآن.

ومنها القصبة المعروفة اليوم بقصبة سيدى سعيد، خارج باب وجه العروس المعروف اليوم بباب الملاح، أحد أبواب المدينة، ولا زالت قائمة آهلة أيضا إلى الآن. ومنها القصبة المعروفة بتزيمي الكبرى خارج باب البراذعيين القديمة التي موقعها الآن عن يسار الداخل لباب البراذعيين الجديد، وهو الذي يعنون عنه بهذا الاسم الآن، فالجدار الذاهب عن اليسار المذكور من الباب الجديد المذكور إلى الباب القديم أمامه هو لقصبة تزيمي الكبرى المذكورة، والباب الذي عن يسار الداخل للباب القديم المذكور هو لها وبين البابين البراح الذي يباع فيه الخشب الآن كل يوم جمعة بعد الصلاة، ولا زالت هذه القصبة قائمة آهلة أيضا إلى الآن ولفظ تزيمي -بكسر أوله وثانيه المعجم بعده ياء ساكنة وميم مكسورة بعدها ياء ساكنة- هو اسم لقبيلة من عمل سجلماسة نقلت لسكنى القصبة المذكورة. ومن القصبات المنفصلة التي أسسها سيدنا الجد المولى إسماعيل حوالي مكناسة وعلى مقربة منها قصبة الكدارة بكاف معقودة وقصبة حَرْطَان -بفتح الحاء المهملة وسكون الراء وفتح الطاء المشبعة ثم نون- وقصبة المولى المستضئ. وقصبة بوفكران. وقصبة المنزه. أما قصبة الكدارة فنسبتها لفرقة من فرق الجيوش المولوية أنزله بها مؤسسها على ضريحه صيب الرحمات وموقع هذه القصبة في الجهة الجنوبية من المدينة وهي الآن خراب بيد المكلف بالأملاك المخزنية يكتريها منه من شاء لكون عمارتها الأصلية بطلت. وأما قصبة حرطان فموقعها غربا من المدينة يسكنها فريق من قبيلة الخلط، وأصل الخلط من العرب لا من البربر كان نقلهم السلطان سيدي محمد زمن خلافته عن والده السلطان المولى عبد الرحمن بن هشام في شهر قعدة الحرام عام سبعين ومائتين وألف على القول الصحيح من بلاد سفيان وبني مالك وأحواز

العرائش وعددهم إذ ذاك مائتان وثمانية عشر نفرا وأنزلهم بأرض مَكَّس -بفتح الميم والكاف المشددة بعدها سين مهملة- وزكُّوطة -بفتح الزاى المعجمة وضم الكاف المعقودة مشددة بعدها واو ساكنة ثم طاء فهاء ساكنة- وأضافهم إلى الجيش البخاري، ثم صار يلحق بهم إخوانهم من القبيلة المذكورة إلى أن صار عددهم ألفا وخمسمائة، ثم نقلهم إلى وادي الشجرة مع القصبة المذكورة ونقل من القصبة والوادي المذكورين من كان بهما من أهل تادلا وأنزلهم بأرض مكس، ولا زال بها نسلهم إلى الزمان الحاضر. وأما قصبة مولاي المستضيء فموقعها غرب المدينة قرب قصبة حرطان، وليس بها اليوم إلا البوم وأنواع الحشرات، ولذلك تعرف بالخالية، قالوا: ووجه إضافتها للمولى المستضيء أن السلطان المولى إسماعيل كان مخيما في بعض أسفاره بالمحل الذي موقعها به، فجاء الطلق لبعض حظاياه ثَمَّ فولدت المولى المستضيء، وأقام السلطان هنالك مدة نفاسها، وفي ذلك الوقت أمر ببناء القصبة، كذا تلقيته من غير واحد من ذوي السن العالية. وأما قصية بوفكران، فإضافتها للوادى الشهير الداخل للمدينة يسكنها اليوم فريق من الأشراف العلويين، تقع في جهة الشمال من المدينة على مسافة ثمانية عشر كيلو مترا، وبمقربة منها قصبة المنزه يسكنها مثل سابقتها فريق من العلويين. ومنها أنه لَمَّا تملك أرض حمرية التي كانت تسمى قبل بأبي حفص بالمعاوضة الشرعية مع مالكها حسبما وقفت عليه في نسخة مسجلة ثابتة نص ظهير تقديم النائب في عقدها بعد الافتتاح: من عبد الله تعالى أمير المؤمنين، المتوكل على رب العالمين، المجاهد في سبيله ناصر الدين مولانا إسماعيل بن مولانا الشريف الحسني، ونص الطابع: اليمن والإقبال اليمن والإقبال اليمن والإقبال إسماعيل بن الشريف الحسنى رعاه الله، أيد الله تعالى بعزيز نصره أوامره، وظفر عساكره، وخلد في الصالحات

مآثره، وأسعد بمنه موارده ومصادره، آمين آمين، قدمنا بحول الله وقوته خديم جانبنا العالى، والنجد الذى أحرز من اشتراط النباهة والنجابة المقدم والتالى، القائد الأوجه، الأثير الأنبه، الأحفل الأرضى، الحازم الأحظى، القائد على بن يعقوب اليوسفى المكناسى دارا، وصل الله أنجاده وأحرس على المسالك الحميدة والمساعى الجميلة إصداره وإيراده، لحيازة الأراضى التي لنا بحوز حضرتنا العالية بالله مكناسة وبيان حدودها وتعيينها وإخراجها من يد من كانت وعلى عقد المعاوضة فيما يظهر له منها بغيرها التي هى على ملك أناس المتصلة بأراضينا المجاورة لحضرتنا المذكورة، وعلى الصلاح في ذلك والسداد تقديما أمضاه بعلائه وكساه رائق هلاله، لعلمنا بأنه أهل لما إليه قدمناه، وأحق بما أسديناه إليه وأوليناه، والله يصل توفيقه، ويجعل السداد والنجح رفيقه، بمنه والسلام وفى يوم الأحد رابع وعشرين المحرم الحرام فاتح سنة ثلاث وتسعين وألف عرفنا الله خيره وبركاته. اهـ. ونص المعاوضة: الحمد لله انعقدت المعاوضة ببركة الله تعالى بين الشريف الأوجه الخير الأنزه الأحظى الأنقى السيد محمد دعي بسيدي حمّ بن إدريس بن وحود الحسنى المنونى، وبين القائد الحاج على بن يعقوب المذكور أعلاه النائب عمن ذكر أعلاه بحكم ما ذكر أعلاه في جميع الأرض المعروفة بأبى حفص المشتملة على سقى وبعل، التي على ملك الشريف المذكور الكائنة خارج باب القورجة، أحد أبواب مدينة مكناس، يحدها سهب الطبال والطريق الممرور عليها لفاس، وتتصل بساقية خنفر وبطريق عين الشلوقى، وفى جميع الأرض التي للجانب العلى البعل الكائنة ببراكة خارج باب البراذعيين من المدينة المذكورة، يحدها الأرض المعروفة ليوسف النحال قبلة ومقطع الريح غربا، ويحدها أرض سيدى على بن قاسم الشريف المنونى من الجهتين، والطريق الآتية من قبور الطوال وتتصل بأرض عزور التي على ملك الشريف المذكور أولا، وذلك بأن أخرج

الشريف المذكور نفس ملكيته عن أرض أبى حفص التي كانت له عوضا عن أرض براكة التي صارت له بسبب المعاوضة المذكورة، كما أخرج القائد المذكور نفس ملكية المنوب عنه عن أرض براكة، التي صارت للشريف عوضا عن الأرض التي صارت للجانب العالى المعروفة بأبى حفص المشتملة على سقي وبعل، معاوضة صحيحة تامة بتلة بتة على سنة المسلمين في معاوضتهم، ومرجع دركهم، وتملك كل واحد ما صار له عوضا عما صار عنه تملكا تاما على السنة في ذلك، والمرجع بالدرك بعد النظر والتقليب والرضا صحيحا كما يجب من ناب عن نفسه فعن نفسه ومن ناب عن غيره فعنه عرفا قدره، شهد به عليهما بحال كمال الإشهاد وعرفهما أواخر القعدة من عام ستة وتسعين وألف الحق فيه والطريق الآتية من قبور الطوال صح به شهد عليهما بما ذكر أواخر صفر اثنين ومائة، ألف، أحمد بن محمد لطف الله به وعبد السلام بن محمد. اهـ. غرسها (¬1) كلها بأشجار الزيتون حتى تمت فيها مائة ألف شجرة من الزيتون ثم حبسها على الحرمين الشريفين، ثم لما توالى على مكناس ما توالى بعده رحمه الله من الهرج والمرج، وشبت نيران الفتن بين أولاده، وتمكن عيث العبيد على البلاد والعباد ومد الفساد والخراب في الأرض أطنابه، كان مما امتدت إليه اليد بالحرق والقطع هذه الغاية، حتى تلفت من شجرها كمية ذات بال، ولما تمهدت البلاد، وانقادت العباد لسيدى محمد بن عبد الله واستتب الأمن وخضعت له الرقاب وانكسرت راية أهل الزيغ والفساد، قام على ساق من رتق ما أنتجته تلك الفتن من الفتق، فكان من جملة ما تلافاه بهمته الفعالة إحياء ما اندثر من تلك الأشجار، بإعادة غرس ما قلع وحرق منها حتى رجعت لشبابها، ثم بعد ذلك فصل التحبيس، فجعل النصف حبسا على الحرمين الشريفين تختص المدينة المنورة على منورها أفضل الصلاة وأزكى التسليم بالثلثين، ومكة المشرفة بالثلث، ¬

_ (¬1) جواب قوله: لما تملك ... إلخ، المتقدم.

والنصف الأخر للمسجد الأعظم بمكناس يخرج منه كل سنة نحو الخمسمائة فرنك، يوجه منها خمسة وثلاثون فرنكا ونصف الفرنك تقريبا لجد العائلة المالكة مولانا على الشريف دفين سجلماسة، تصرف في مهمات الروضة والطلبة الذين يقرءون الحزب ودلائل الخيرات، والمؤذنين وقيم الروضة وطعام ليلة المولد النبوى، ومنها ثلاثة عشر فرنكا تقريبا تورع على الطلبة الموظفين لقراءة الحزب والصلاة على النبى - صلى الله عليه وسلم - على قبر والدة المحبس الثانى وأعمامه بروضة أبي زكرياء الصبان نفع الله به، وقد كان لهذا القدر التافه الآن إذ ذاك شأن وبال، كما يخرج من النصف المذكور كل يوم رطل زيتا لضريح سيدى أبى يعزى ورطل لضريح مولانا إدريس الأزهر بانى فاس رضى الله عنهم جميعا وعنا بهم آمين. ومنها أى الآثار الإسماعيلية جر الماء من بوفكران لزيتون حمرية في ساقية وسط جدار ضخم لازالت بقاياه جهة باب القرمود وسيدى الشريف الوافى لهذا العهد. ومنها بناؤه الجدار المحيط بغاية حمرية، ولا زال بعضه قائما إلى الآن. ومنها جر ساقية لجنان العريفة طوطو ببنى موسى في جدار عميق إلى أن يمر ماؤها فوق أقواس باب ثلاثة فحول التي هد منها قوس في هذا التاريخ، والعريفة طوطو هذه هى: بنت بوشتى السفيانى، كانت عريفة للمولى إسماعيل وخلفت أولادًا منهم: القائد قاسم المجاهد، والحاج سليمان، وهنية المدعوة بالنسيم والتومية، وقد كان المولى زين العابدين بن المولى إسماعيل تزوج بالنسيم المذكورة فولدت له الشاد بالله، ومليكة وخلفت العريفة المذكورة أموالًا طائلة من العقار وغيره بمكناسة وغيرها. ومن تأسيسات المولى إسماعيل ومآثره الخالدة التالدة الضريح الإدريسي الأفخر، والمشهد العلوى الأنور، الواقع بزاوية جبل زرهون التي قال غير واحد من أئمة الدين، حملة شريعة سيد الأولين والآخرين، بتفضيلها على سائر الأقطار

المغربية، لضمها جسد هذه البضعة الطرية، وكان تأسيسه لذلك المشهد الفاخر، الزهي الزاهر، سنة عشر ومائة وألف. ويدل لذلك ما هو منقوش في الرخامة الأولى المثبتة في الجدار المواجه للداخل من باب قبة الضريح الإدريسي زاده الله بهاء ونورا ودونك لفظه: هذه روضة بها خير هاد ... بضعة المصطفى وعين الرشاد ملك طهر الإله به الغر ... ب من الشرك والشقا والعناد واستقامت له الحشود وقد كا ... نت زمانا بالغى في كل واد فإذا ما نسبته فرسول اللـ ... ـه في القرب رابع الأجداد وتأدب فأنت ما بين صوم ... وصلاة وسنة وجهاد وتلطف فأنت ضيف إمام ... في حماه علاج كل فؤاد خصه خالق الخلائق بالفضـ ... ـل وأحيا به أقاصى البلاد فسل الله ما تشاء من الفض ... ـل فليس لفضله من نفاد وتوسل بالمولى إدريس واقصد ... في علاه بلوغ كل مراد وابتهل للإله في نصر مولى ... شأنه السعى في صلاح العباد شاد هذا المقام والفعل منه ... خالص لكريمه الجواد عام ألف ومية بعد عشر ... من سنين السرور والإسعاد وهذا تاريخ بناء نفس الضريح، وأما باب حفاته المقابل للباب المعروف هناك بباب المعراض، فكان تمامه في السنة التي بعد التاريخ المذكور اتصالا كما يدل له المنقوش في الزليج أعلى باب الحفاة المذكور ولفظه:

هذا مقام الحسنى الذى ... وصل أهل الله من بابه أنشأه السلطان محتسبا ... لله في موصول أسبابه على يد الكاتب في (ايقش) ... ناظر الأحباش في آلائه بشبرى لمن قد جاءه زائرا ... ومرغ الخد في أعتابه (¬1) اهـ. على ما في البيت الثالث مما لا يجور في الصناعة الشعرية وعلى ما في البيت الرابع من المبالغة الشعرية التي لا ينبغى الاغترار بها، إذ لا يجوز في الشريعة الإسلامية تمريغ الخدود بالأعتاب كيفما كانت، وقد عده ابن حجر الهيثمى بل وما هو أدنى منه من الكبائر، هذا إن لم يقصد به العبادة وإلا فهو كفر كما في غير ما ديوان. وقد ذكر السيخ زروق في "قواعده" أن الزيادة لا تجور إذا كان هناك منكر من تقبيل جدرات القبر وغيرها، فكيف بالتمريغ، والتاريخ المذكور هو المشار إليه بلفظ أيقش، اهـ. قلت: انظر هذا مع ما وقع لصاحب البستان وغيره من أن البناء كان سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف، وتيقن أن الحق ما نقلناه، وبالدليل القاطع أيدناه. وما هو منقوش في خشب بباب المدرسة المعدة لسكنى الطلبة المهاجرين لقراءة العلم والقرآن الكريم المقابلة لباب الحفاة المذكور، ولفظه: النصر والتمكين، والفتح المبين، لمولانا إسماعيل أمير المؤمنين، لكن هذه الخشبة يجور أن تكون من أنقاض الدار الإسماعيلية الكبرى التي جلبها سيدى محمد بن عبد الله مثل رخامتى خدى باب القبة كما يأتى. وما هو منقوش في خشب مظل باب المسجد الإدريسى المتصل هو أى الباب ¬

_ (¬1) بعض الأبيات غير سليم ونبه المصنف على ذلك عقب ذكرها.

[صورة] رخامة ضريح أبي القناديل سيدي يوسف الشريف

بالجدار الشرقى من المدرسة المذكورة ولفظه: النصر والتمكين، والفتح المبين، لمولانا إسماعيل أمير المؤمنين، فإن قلت المسجد المذكور قديم ليس لمولانا إسماعيل فيه غير يد التجديد والتنميق. قال الحلبى في الدر النفيس: أما المسجد الجامع الذى حذاء الروضة فقديم والله أعلم؛ أنه من عهد مولانا إدريس فيما يظهر ولم أقف على خبر أمره، ولكن فهمت ذلك بالعرف المألوف أن المسجد بنى بقرب قبره المبارك كما يفعل بقبور الصالحين وقيل إنه محدث. اهـ. قلت: يمكن أن البناء الحالى هو بناء للمولى إسماعيل أحدثه بعد زمن تأليف الحلبى وعليه فلا مخالفة وقوله وقيل: إنه محدث يعنى أحدثه غير المولى إسماعيل لأن الحلبى كان في رمانه وألف تأليفه المذكور قبل بناء المولى إسماعيل لهذا الضريح، وكان فراغه من تأليف الدر النفيس يوم الأربعاء العشرين من ربيع الثانى سنة ثمان وتسعين وألف. ثم بعد كتبى هذا وقفت في الدر المنتخب على ما لفظه: ثم بنى جامع الخطبة الكبير المتصل بمولانا إدريس بزرهون وهذا لا شك فيه ولا ترديد، ورتب رواتبها، وجعل لها ما هو معلوم للمساجد العظام، واشترى بذلك فضلا يبقى على التأبيد، يعم الأهل والآباء والوليد، إذ ذاك من الأعمال التي لا تنقطع بالمنية، وتبلغ فاعلها في الدارين غاية الأمنية، ثم بنى المنار وشيده ورتب فيه المؤذنين ووقت لهم الأوقات، وعلم القائم بذلك ما يحتاج إليه في سائر الحالات، ونصب لهم ما يحتاجون إليه من الآلات، ثم بنى المدرسة المتصلة بما ذكر على الشكل الذى هو الآن معروف، ورتب فيها طلبة للقراءة على الأمر المألوف، ثم بنى دار الوضوء وجلب إليها الماء وأحسن في ذلك وأتقنها، وبنى دوراً ومكاتب ومواضع عديدة لنزول الزوار والضعفاء والأضياف وأعلنها، ثم بنى المساجد والمكاتب لتعليم الصبيان، ووقف على ذلك أوقافا عالية الأثمان، وبين لمن يقوم بكل وظيف ما له

من الأوقاف المختصة به وما يشترك فيه اثنان، ثم بنى الحوانيت والفندق والحمام والسقايات، وأجرى الماء في سائر النواحى والجهات، وبنى قبة سيدى راشد المتقدم ذكره، وبنى حول ذلك بناءات ثم أدار البناء على الجميع ليطمئن الزائر والساكن ولا يخشى العاهات، وبنى قنطرة الوادى وقنطرة أخرى بناحية قصر فرعون وسهل الطرقات، وأمر ببناء الدور في المواضع المرتفعات، وذلك كله على يد خادمه الباشا ابن الأشقر، وبعض كتابه ومن له الأمر. وعند ذلك رغب الناس في سكنى زَرْهُون، وصار منازل الأشراف وأهل الفضل والدين، وان كان قديما هو مأوى الصالحين، ومحل إجابة السائلين وملجأ الراغبين، لكن كان غير مقصود للسكنى، وبوجود مولانا إسماعيل صار يغبط السكنى فيه الناس، وتقصده القبائل والرؤساء من سائر القبائل والأجناس. وحين تم بناؤه على الوجه الذى أراده السلطان، وزاره ورأى ذلك بالعيان، ورأى عمارته واغتباط الناس في البنيان، سجد لله شكرا، وحمد الله على عادته سرا وجهرا. اهـ. وإنما تعرضنا هنا لذكر هذا الضريح الأعظم في جملة تأسيسات مولانا الجد مولانا إسماعيل بعاصمته المكناسة لأن متبوعنا الإمام ابن غازى تعرض لذكر صاحبه ولذكر عاصمة ملكه التي كانت حاضرة البلاد مدينة وليلى ولكون المحل من جملة الأحواز المكناسية، وهذا هو ملحظ ما نأتى به بعد إن شاء الله مما يتعلق بزرهون وأهله. وأما باقى بناءاته في غير مكناسة فقد أتينا على جملة صالحة منها في كتابنا المنزع اللطيف مفصلة وما أشرنا إليه من التأسيسات المتقدمة من هذا الإمام في العاصمة المكناسية، فإنما هو قُلٌّ من كُثْر، إذ لا نسبة لما انهد منها واندثر أثره مع ما بقى منها مما مر بك.

قال أبو القاسم الزيانى: ومن يوم مات المولى إسماعيل والملوك من بنيه وحفدته يخربون تلك القصور على قدر جهدهم وما أكملوا نصفها مدة من نحو مائة سنة. اهـ. قلت: ولا زالت يد التخريب عاملة إلى الحين الحالى في تلك الحصون والأسوار الهائلة. ولضخامة الآثار الإسماعيلية وانتشارها في سائر الأقطار المغربية، توهم بعض الجاهلين أن ذلك فوق مقدور البشر وأنه من عمل الجان، وليس الأمر كما توهم أولئك الأغبياء، وإنما بناءات مولانا إسماعيل الهائلة أثر من آثار على همته، ووافر ثروته، وعظم دولته، ونفوذ كلمته، وكمال اقتداره، وحزمه وصرامته، في سائر أطواره، ولذلك أزرت مبانيه بما بناه الفراعنة والأكاسرة حتى قال بعض حذاق الشعراء: لقد بنت الملوك بناء فخر ... به ذكرت على مر الدهور وأبنية الإمام أبى الفداء ... سليل المصطفى الليث الهصور أتم ضخامة وأجل قدرا ... وأجمل منظراً أبهى قصور وفى كل البلاد له حصون ... لتأمين المسافر في المرور ولو قيست مبانيه بما قد ... بناه من تقدم في عصور لكان لها اعتزاز وافتخار ... ببهجة حسنها وبنا الأمير فدونك فاستمع قولى مصيخا ... فإن مقالتى ليست بزور وفى مكناسة الغرا دليل ... كمثل الشمس في صفة الظهور فرحمة ربنا عدد الرمال ... على ملك تسامى عن نظير

وقال الوزير ابن إدريس: قال للذين استعظموا من جهلهم ... إيوان كسرى أو بنا الأهرام لم يبن ملك قد تقدم ما بنى ... مولاى إسماعيل في الإسلام وقال صديقنا المؤرخ النقاد أبو عبد الله محمد بوجندار الرباطى مساجلا صديقنا الفقيه الأديب الكامل أبا عبد الله محمد بن اليمنى الناصرى وكان ابتداؤها من الأول إذ قال: مآثر إسماعيل أسمى المآثر ... ففاخر بما شاهدت منها وكاثر ونزه جفونا في محاسن صنعها ... تجد مفخرا يسمو جميع المفاخر مفاخر إلا أنهن بدائع ... بدائع إلا أنها صنع ماهر مصانع إلا أنهن نواصع ... نواصع إلا أنها كالزواهر فعج بى رعاك الله نحو ضريح من ... غدت عن مزايا ملكه خير سافر مزايا غدت علوية علوية ... علت بمليك كامل الفضل وافر وقول الوزير ابن إدريس لم يبن ملك ... إلخ، إشارة إلى تعضيد قول مؤرخ الدولة العلوية أبى القاسم الزيانى إن مبانى المولى إسماعيل بقلعة مكناسة وقصوره ومساجده ومدارسه وبساتينه شيء تذهل عند مشاهدته العقول، وتعجز عنه قدر الدول القديمة والحادثة، قال: ولا تلحق ضخامة مبانيه ما بنى كسرى في المدائن، ولا الفراعنة في مصر، ولا الروم برومة والقسطنطينية، ولا اليونان بأنطاكية والإسكندرية، ولا العماليق بالشام، ولا ما بناه بنو أمية ولا بنو العباس ولا العبيديون ولا المرابطون ولا الموحدون، ولا بنو مرين، ولا السعديون، قال: ولقد شاهدت الكثير من آثار الدول المذكورة فما رأيت أثرا أعظم من آثاره وأضخم من

بنائه، وأكثر من قصوره لأن من بنى من هذه الدول إنما يعتنى بتشييد قصر وتنميقه، والمولى إسماعيل لم يقتصر على قصر ولا على عشرة ولا على عشرين، بل جعل مبانى الدول كلها في بطن قلعته بمكناسة كما يقال: كل الصيد في جوف الفرا. اهـ. وقد تابع الزيانى على مقاله هذا من نسج على منواله كصاحبى "الجيش العرمرم" و"الاستقصاء" وعليه جرى الوزير ابن إدريس كما رأيته. وأما تعقب بعض فضلاء العصر وهو الشيخ محمد فريد وجدى ما في الاستقصاء بقوله نقول في هذا الكلام غلو عظيم لا يصحّ أن يصدر من مؤرخ على أنه يَدُلُّ في الجملة على ما كان لهذا السطان من المبانى العظيمة. اهـ. فغير سديد لأن الغلو مدفوع بما بينه الزيانى من اقتصار كل دولة على تشييد بناء عظيم خاص، والولى إسماعيل شيد في بناءاته الضخمة الهائلة ما يوارى بناء كل دولة، وجمع ذلك في قلعته فصارت قلعته جامعة لا يماثل ما شيدته الدول كلها، وهذا شيء انفرد به دونهم فاستحق بذلك تفضيل جملة مشيداته على ما شيده كل فرد منهم، إذ لم يتفق لفرد من تلك الدول من كثير المبانى الضخمة الممثلة لسائر مبانى من عداه من الدول ما اتفق للمولى إسماعيل، فأين الغلو في ذلك حينئذ! وأين ادعاء أن ذلك لا يصدر من مؤرخ! كيف وقد صدر عن مؤرخين كما رأيت وأولهم الزيانى، ما أعلن بذلك حتى أخبر بمشاهدته لمبانى الفريقين فريق الدولة الإسماعيلية وفريق من عداها من الدول المتقدمة عليها في أقطار المعمور، وجناب الشيخ الفاضل المعترض ليس معه إلا تحكيم الاستبعاد، الخالى عما يدعمه من وجوه الاستناد، وذلك هو منشأ الفساد، على أنه سيوافيك في ترجمة المولى إسماعيل من مشيداته في الأقطار المغربية الخارجة عن مكناسة ما يزيح عنك كل تشكيك وشبهة.

هذا والذى حدانا لشرح نقض ذلك الانتقاد، زيادة المنتقد قوله لا يصدر عن مؤرخ المعنونة بأن الغلو المنتقد به غير مقبول، لخروجه عن مناهج المعقول، أما لو طوى بساط تلك الزيادة المفسدة واقتصر على مجرد التنبيه على الغلو لقبلناه، وحملناه على الفرد المقبول عند سماسرة الفن ولم يعبأوا بمن خالفهم فأباه، وقلنا حينئذ بمجالات المديح التي لا غنى للمؤرخ عنها هى معدن ذلك ومأواه. (تنبيه) علم مما سبق اهتمام المولى إسماعيل وغيره ممن تقدمه من ملوك المغرب بتشييد المساجد العظيمة والمدارس البهية والمشاهد العلية وتجديدهم لما وهى من ذلك تجديدًا أرفع مما كان، لكن مع التجافى في الجملة عن الإسراف وعدم التجاور عن حدود الإمكان. وعليه فما وقع في رحلة الزيانى بعد بيان فخامة مسجد السلطان حسن بمصر من قوله: فرحم الله أفاضل الملوك الذين درجوا، والذين من خلفهم على مناهجهم نهجوا، لقد خلدوا من المآثر الدينية ما أوجب خلود الثناء عليهم ووصول الدعاء ممن بعدهم إليهم، ولم يزل أهل المشرق إلى الآن لهم فضل اعتناء ببناء المساجد والخانات، ويبالغون في تعظيمها ويتنافسون في ذلك ويبادرون إلى إصلاح ما وهى منها. وأما مغربنا فلا تكاد ترى في مدنه مسجدًا عظيمًا قد أحدث بل مهدوما قد جدد، أو واهيًا قد أصلح، بل إن سقط شيء من أكبر مساجدهم فأحسن أحوالهم فيه إن كان مبنيا برخام أن يعاد بجص وآجر، وإن كان مجصصا أن يعاد بطين، بحيث تجد المسجد كأنه مرقعة فقير من كل لون رقعة، وما أرى سبب ما لمغربنا من الوهن إلا أمثال هذا من عدم تعظيم الله ولو في الأمور الظاهرة، فضلا عن الباطنة، ولم يعتن بإقامة معالم الدين إلا أمير المؤمنين سيدنا محمد بن عبد الله فقد شيد بمدنه مساجد ومدارس ورباطات، واقتفى آثاره في ذلك سلطاننا مولانا سليمان في تشييد معالم الدين بكل مدينة. اهـ.

قلت: هذا مخالف للحقيقة، وبعيد عن سوى الطريقة، أما تأنق أهل المشرق في بناء المساجد في ينكر، وأما مبالغتهم في تعظيمها فإن عنى بتأنق البناء فهو ما تقدم وإن عنى تعظيم الحرمات الشرعية فيها الذى نسب ضده لأهل المغرب فهو من مجازفاته المعهودة منه رحمه الله، فإن المقرر والمعهود عند الثقات وأفاضل الرحالين عكسه، وقد قدمنا في الكلام على البربر وأهل المغرب كلام الشيخ زروق في قواعده "الناص" على أن الغيرة الدينية عزيزة في المشرق ولا توجد إلا في أهل الخصوصية من أهله. وقد نبه أبو سالم العياشى في "رحلته" على ما يعضد ذلك من تهاون المشرقيين بحرمات المساجد، وإذا لم تكن حرمات المساجد قائمة وبأنواع التعبدات التي بنيت لها آهلة، فأى ثمرة للمبالغة في تزويقها وتنميقها! هذا لو كان ذلك التزويق مأذونا فيه شرعا، فكيف وقد أباه الكثير من السلف، وكراهته هى مشهور مذهب أهل المغرب وهو مذهب مالك. وفى صحيح البخارى أن سيدنا عمر بن الخطاب أمر ببناء المسجد وقال: أُكِنُّ الناس من المطر وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس. وقال أنس: يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلا، وقال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى كنائسهم. قال القسطلانى: فيه كراهة زخرفة المساجد لاشتغال قلب المصلى بذلك أو لصرف المال في غير وجهه. اهـ. وقال الخطيب ابن مرزوق في "شرح العمدة": وقعت المسألة بمجلس أمير المؤمنين أبى الحسن المرينى في المسجد الجامع الذى أنشأه بظاهر تلمسان بضريح سيدى أبى مدين، إذ زوقت قبلته وذهبت، فأفتى أبو زيد وأبو موسى ابنا الإمام ومن حضر من أئمة المغرب بزواله وأبيت لهم ذلك، قال: والحق منعه ابتداء وأما

بعد عمله فلا أرى أن يزال، وقد أمر أمير المؤمنين بإزالة ما قرب من المصلى من ذلك، قال: وهذه المسألة مما عمت به البلوى، لا سيما في بلاد المشرق، انظر المعيار فانظر قوله: مما عمت به البلوى لا سيما في بلاد المشرق، فهو ضد ما جازف به الزيانى من مدح أهل المشرق به، ثم استثناؤه خصوص سيدى محمد بن عبد الله ومولاى سليمان يدل على أنه قصد المولى إسماعيل في الدخول في الذم الذى ذكره، وربما كان هو المقصود عنده به، وأنت ترى مما تقدم كثرة ما شيده من المعاهد الدينية في خصوص مكناس وفى ترجمته المنزع اللطيف بعض ما شيده في غيره والله المرشد بفضله. هذا وقول ابن مرزوق وأما بعد عمله فلا أرى أن يزال لا وجه له حيث إنه ممنوع ابتداء، والعلة هى شغل المصلى كما هو في كلام عمر، فالواجب هو زوال ذلك الشاغل والإقلاع عن ذلك المنهى عنه فالحق مع ابنى الإمام لا يقال في زواله إضاعة المال بلا فائدة، لأنا نقول وفى بقائه ضياع المال مع مفسدة شغل المصلى ودوام ارتكاب المنهى عنه. وإذ قد أتينا على ما بلغه علمنا وما شاهدناه مما أسسه المولى إسماعيل من عظيم المبانى والغروس بعاصمته مكناسة الزيتون فلنعطف للتنبيه على ما أسسه فيها أيضا الملوك من بنيه وحفدته وعائلتهم الكريمة فنقول: من تأسيسات السلطان الأصيل العريق المجد والفخار مولانا أحمد الملقب الذهبى بمكناسة ضريح والده الإمام الجليل، أمير المؤمنين مولانا إسماعيل، ذلك الضريح الذى أصبح في باب الإتقان آية، البالغ في التنميق والتنسيق الغاية، ذلك الضريح المحكم الصنع، العجيب الوضع، المنتظم من قبة لا نظير لها في الأقطار المغربية بل ولا الشرقية فيما أعلم، يقال إنه اخترع بناءها على الشكل والهيئة التي كان عليها إفراج والده صاحب الضريح المذكور الذى كان معدا لديه في حركاته

[صورة] باب قبة ضريح السلطان مولاي إسماعيل

[صورة] دويرية الشريح الإسماعيلي ومحرابها

لدى أسفاره وتجولاته في إيالته لتوطيد الأمن، وكسر صولة المتمردين، وبخدى باب هذه القبة الزكية البهية لوحتان رخاما بديعتان منقوشتان أبدع نقش وأعلاه، طول كل واحدة مترا وسبع وستون سنتيما وعرضها خمس وتسعون سننتيما منقوش في أعلى التي عن يمين الداخل ما لفظه: باب ضريح إمام الغرب ذا فبه ... بدر الهناء ونجم الدين قد غابا وبأعلى التي على اليسار ما لفظه: فافسح له يا عظيم المن منزلة ... في الخلد وافتح إلى الغفران أبوابا وبراح أمام هذه القبة طوله عشرة أمتار وعرضه كذلك محيط بمباحات أربع محمولة على اثنى عشر أسطوانة من بديع المرمر، وبوسطه خصة مرمرية لطيفة الشكل، وبهذا البراح أيضا قبة في الجهة الجنوبية تقابل قبة الضريح تعرف باسم الخراجة لكون الأمام أبى النصر مولانا إسماعيل كان يخرج منها من داره العلية إلى المسجد الذى وصفنا تهدمه الكائن الآن داخل الباب الأول للضريح الإسماعيلى، وهو الذى كان يؤدى فيه الصلوات الخمس كما أشرنا لترشيحه سابقًا، وحذو هذه الخراجة قوس صغير بمثابة بيت القنادل بالجانب الغربى منها، وبإزائه بهو يقابله في الجانب الشرقى محراب الصلاة وتحيط بجدرات الضريح والبراح المربع أمامها منطقة من الزليج المرصع أبدع ترصيع وأتقنه، ينيف ارتفاع تلك المنطقة على متر وبأعلى منطقة زليج قبة الضريح قصيدة رائقة منقوشة في زليج أسود بخط بديع رائق محيط بدائرة القبة، شاهدة بأن مولانا أحمد المذكور هو البانى والمؤسس لذلك المشهد الحفيل الفائق، بيد أنه ضاع أول تلك القصيدة وآخرها، ووقع اختلال في أواسطها ودونك لفظ ما هو موجود منها الآن مع إصلاح يسير فعلى يمين الداخل:

فتح المدائن والحصون بجنده ... وجهاده وحسامه البتار نشر العطا غفر الخطا ستر الغطا ... أغضى الحيا من حلمه الستار مد الأمان على الأنام بظله ... وشقى الحيا من كفه المدرار قل للمفاخر لا تفاخر واعترف ... لكماله بالعجز والإقصار ماذا تقول لفضل آل محمد ... وهم الغياث لكل خطب طارى وهم الكرام إذا حللت بجاههم ... وهم الأمان لأرضهم والجار وهم هم من أمهم وأبوهم ... متوسلين بجاههم للبارى من ذا يعد على فضلا في الورى ... وأنا طويت المجد تحت جدار فلى الفخار على المبانى كلها ... آثاره تنبيك عن أخبار قد شادنى البانى ولله ما بنى ... وأطال في سمك السماء منار وأنالنى شرفا وفخرا باذخا ... وبالانتساب له علا مقدار خير الملوك من البرية كلها ... الذهبى أحمد نخبة الأخيار غيث البلاد إذا البلاد قد أمحلت ... غوث الأنام لكل هول عار جبر الإله به الأنام وصدعها ... وكَسَابِهِ في الفضل من هو عار ورث الخلافة عن أبيه وإنه ... أهل لها من سائر الأنظار عقلا ودينا سؤددا وشجاعة ... حزما وعزما دائم الأمطار يغنى إذا أعطى وإن هو قد سطا ... فتخاف فتكته أسود الضارى ما مات والده المخلف مثله ... فكأنه ما غاب، عن أبصار حسب على حسب تكامل مجده ... وكذا ذوو الأحساب والأقدار

أبقاك مولانا لنصرة دينه ... ظلا ظليلا في سما الأمصار تغشاك ألطاف الإله ونصره ... يتلو عليك معالى الإظهار وسواك مفضول وقدرك فاضل ... وعلاك فوق الكل في الأسطار ما رام شأوك في العَلا مسابق ... إلا وكنت أبا السنا المضمار فعلى ضريح أبيك رضوان الإلـ ... ـه وألف ألف سلامه المعطار وسقاه مولانا شآبيب الرضا ... تغشاه بالآصال والأبكار في عام (لباشوق) داع إلهه ... قد صار في كرم مع الأبرار وقول البيت الثانى: ستر الغطا معناه إما ستر السوء من قولهم فعل به ما غطاه أى ساءه كمال في المحكم، وإما ستر الكثير من قولهم ماء غاط أى كثير كما في تاج العروس، أو ضمن ستر الغطا انسداله إن لم يكن الأصل سدل فتصحف على الكاتب وهذا الاحتمال أظهر وقع تصحيف أو لم يقع، وقول السابع وهم هم من أمهم وأبوهم يقرأ من يكسر الميم في قوله من أمهم ويكون قوله وأبوهم مبتدأ خبره محذوف أى كذلك، وعلى يسار الداخل منها ما لفظه: تاج الملوك إمامهم وضياؤهم ... سبط الرسول ونبعة المختار مولاى إسماعيل خير بيوتها ... نجل الشريف وطلعة الأسرار بيت المكارم والسيادة والندى ... قطب الجلالة معدن الإكبار ورث المجادة كابرا عن كابر ... والمجد مجدهم بلا إنكار قد طالما عبد الإله بليله ... ونهاره وسطا على الفجار جبر الكسير وكم أسير قد فدى ... بنفائس الأموال والأحجار وبنى المساجد والمدارس طائعا ... متواضعا لمليكه الجبار كم عفر الوجه الكريم على الثرى ... بسجوده شكرا بلا استكبار

انتهى. تبرج أعلى سطح هذه القبة بزينة حلة قرموده المزدرى بالزبرجد في الاخضرار، تعلو تلك الحلة السندسية طاسات خمس من صفر مموهة بخالص الإبريز منتظمة في قضيب من حديد سفلاها هى أكبرها والتى تليها دونها في الكبر وهكذا، وعلى رأس ذلك القضيب لوح حديد لطيف مغشى بورقة من خالص الذهب يعرف ذلك اللوح باسم الخلالة منقوش في إحدى جهتيها ما لفظه: هذه رتب الكمال تبدت ... ولواء النبى خير البرية وفى الجهة الأخرى ما لفظه: فالتمس من شذاه أطيب نشر ... واغتنم طيبه بحسن الطوية كان يعتقد كثير من الناس أن ذلك اللوح كله من خالص الذهب ويزعمون أنه كان لبعض حظايا الجناب المملوكى الإسماعيلى لما لبى مولاي إسماعيل داعى مولاه وبنى ضريحه على الوصف المذكور أمرت بجعله ثَمَّ، ولم يزل ذلك الاعتقاد ساريا في الناس حتى اعوج ذلك القضيب الحديدى الذى ركبت نيه تلك الطاسات الصفر وذلك اللوح المغشى بسبب هبوب عواصف الرياح توالت ثلاثة أيام أقلعت الأشجار، وكان ذلك في ثانى عشر جمادى الأولى عام خمسة وثلاثين وثلاثمائة وألف، فعند ذلك. أنزل ذلك القضيب بقصد إصلاحه فكشف الغيب أن اللوح إنما هو من حديد مغشى بالذهب وقد أعيد تمويه ما يحتاج للتمويه من تلك الطاسات لكن جاء التمويه الجديد بالنسبة للقديم بمثابة تشويه، إذ الأول قد مرت عليه قرون والثلوج تتراكم عليه وغزير الأمطار وعواصف الرياح تحمل إليه من الغبار، ما يغطى بهجته ويستر بريقه ولمعانه عن الأبصار، ومع ذلك فلم يؤثر ذلك أدنى تأثير، ويجد بباب الدويرية المذكورة باسم البراح السالفة الوصف زليج مكتوب في نفس تزديجه ما لفظه:

لساكنها السلامة والسعادة ... بطول الدهر ما غنت حمامه وعز لا يدانيه هوان ... وإقبال إلى يوم القيامة وما لفظه أيضا: ألا إن دخلت القصر فانظر محاسنى ... وهل أبصرت عيناك مثل هذا الخد تبارك الله ما أرق شمائلى ... على من الرحمن عز بلا حد انتهى. وقد اختلست في هذه الأيام الأخيرة زليجتان بهما البيت الأول وهو لسكانها. . إلخ، ويوجد خارج هذه الدويرة صحن فسيح طوله أمتار ثلاثون ونيف وعرضه أربعة عشر مترا به مباحان: أحدهما في الجهة الشرفية والآخر قبالته بالجانب الغربى، ومزارة يصعد إليها بدرج خمس يشرف منها على قبة الضريح الأقدس على تلك المزارة شباك من حديد مموه بالذهب، وذلك في الجانب الشرقى، وفى الجانب الشمالى من هذا الصحن قبة بها قبور بعض حرم السلطان المولى إسماعيل وبعض أنجاله وأحفاده تعرف هذه القبة بقبة الحاجبات، وفى قبالتها من الجهة الجنوبية ضريح العارف الكامل السيد عبد الرحمن المعروف بالمجذوب، وبوسط الصحن المشار أمام الضريح المجذوبى بئر حفرته امرأة بمال من صداقها بقرب عام ستة وخمسين وألف كما في "ابتهاج القلوب" ويأتى في ترجمة المجذوب بعض ما يتعلق بروضته المذكورة، وبعد الصحن المحدث عنه يوجد صحن آخر طوله يقرب من العشرة أمتار، وعرضه كذلك، بجانبه الشرقى صفة يقال إن بها مدفن الفرس الذى كان يركبه الشيخ المجذوب وحملت عليه جثته لمحل إقباره المشار، ومن هذا الصحن يخرج لمسجد صلاة الخمس المحدث عنه آنفا الذى بابه الأصلى القديم هو المعروف اليوم باسم باب مولاى إسماعيل، فإذا أراد الإنسان زيارة ذلك الضريح الأنور كلما وصل لصحن من الصحون المارة الوصف يصعد في درج، وهكذا إلى أن يصل قبة الضريح.

[صورة] صحن البير بالضريح الإسماعيلي

ولأجل هذا العلو وارتفاع بقعة الموقع تتراءى تلك القبة المتبرجة بحلتها الزبرجدية وتاجها المغشى بالذهب من مسافة ليست بالقريبة من سائر نواحى جهات البلد، لا يرى الرائى أعلى منها ولا أروق في النظر، يغشاها نور نبوى تقر به أعين المحبين، ويكون قذى في جفون المارقين والملحدين. ومن تأسيسات السلطان مولانا عبد الله بن مولانا إسماعيل بهذه العاصمة الفاخرة تنميق باب جامع الأنوار الشهير الواسع الأكناف الواقع بين باب زين العابدين أحد أبواب المدينة الآن، وباب منصور العلج، وكان تأسيسه لذلك عام ستة وأربعين ومائة وألف، ويدل لذلك ما هو منقوش في زليج بخط بارع على الباب المذكور ولفظه: ما للخورنق والبديع كمال ... شرفي بمنشئ حلتي وكمالي مولاي عبد الله من دانت له ... شم الأنوف أجلة الأقيال حسبي من الفخر المخلد أنني ... أثر له والسعد في الإقبال وقتي (مشوق 1146) كل نفس ودها ... تحظي به موصوله الآمال وقد قدمنا أن أصل الجامع المذكور بكماله من أعظم منشآت والده المولى إسماعيل وشرحنا القول في ذلك بما له وما عليه فارجع إليه. ومن تأسيساته أيضا تجديد باب القصبة الإسماعيلية المعروف باسم. باب منصور العلج على الطرز الذي هو عليه الآن على إصلاح للدولة الحامية فيما كان تصدع منه إصلاحا لم يغير ما كانت عليه، وهذا الباب أبت الأقطار المغربية أن تعزره بثان فهو وحيد الحسن بين أترابه، أنشأ تجديده عام أربعة وأربعين ومائة وألف وشاهد ذلك ما هو منقوش في زليج أسود بخط مشرقي بارع في أعلى ذلك الباب ولفظه: الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد الذي لا نبي بعده:

[صورة] منظر باب منصورالعلج أحد أبواب القصبة الإسماعيلية

طلعت مطالع سعدها أبراجى ... وأضاء في فلك الجمال سراجي وحللت من أوج المعالي صهوة ... تسمو على الصهوات والآراج بوجود من أحيا الوجود وجوده ... وأناره بسراجه الوهاج من شاد بالنصر العزيز قواعدي ... وأدار بالفتح المبين رتاجي بيت النبوءة والجلالة والعلا ... كهف الضعيف وغنية المحتاج مولاي عبد الله متى أضحى به الـ ... إسلام معقود اللوا والتاج ملك يطاع محبة ومهابة ... فتجيء في زمر وفي أفواج في كل صالحة آثار تو ... فيق تنادي باسمه وتناجي فانظر وقس ما غاب عنك بما ترى ... هذا قياس صادق الإنتاج هل ورخت مثلي (دمشـ 1144 ـق) أو وشت ... صنعى يد صنعاء في ديباجي أم خصت الإسكندرية بالذي ... يصفون من عمد ومن أزاج أم في الملوك نظير مولانا الذي ... هو للعباد كفاية الأماج فالله يبقيه لرحمة خلقه ... ولغيثها بالصيب الثجاج والله يبقى دينه بوجوده ... بادي المعالم واضح المنهاج ونوافل الخيرات تجبى نحوه ... من مغنم وهدية وخراج وتحية المولى السلام تحفه ... مسكية النفحات والآراج أشار بحروف لفظة دمشق للتاريخ المشار له. والآماج -بالفتح- جمع أمج بالفتح أيضا وهو الحر والعطش كما في القاموس (¬1). ¬

_ (¬1) انظر القاموس (أم ج).

ومن تأسيسات السلطان الأعظم، والملاذ الأفخم، سيدي محمد بن عبد الله بقلعة مِكناسَة عاصمة ملك جده المولى إسماعيل المسجد الأزهر، الرافل في حلل الأبهة والفخار، ذلك المسجد الحافل الفاخر المعروف اليوم باسم جامع الأروى، وكان تأسيسه له عام تسعة وثمانين ومائة وألف، وشاهد ذلك ما هو منقوش في الجبص على يمين المحراب وشماله ودونك لفظه: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هذا محراب مبارك سعيد قد بناه بمسجدنا سيدنا ومولانا المنصور بالله المحروس بعين رعاية الله المجاهد في سبيل رب العالمين، المتوكل على الله القوي المتين، محمد بن عبد الله ابن إسماعيل في عام تسع وثمانين ومائة وألف. اهـ. ينتظم هذا المسجد من صفوف أربعة ذات أقواس محمولة على أربعة وأربعين سارية مبنية بالجيار واللبن، وصحن فسيح لا يوجد له نظير في القطر المغربي فيما أعلم، طول هذا المسجد ثمان وثمانون مترا ونيف، وعرضه ستون مترا، بوسط صحنه الرحب جابية من أصفى المرمر، وأعلاه من أكبر وأوسع ما أنت راء جوانبها الأربع أعني ما اتصل بها من الصحن مفروشة بزليج الرخام البديع، وباقي الصحن مفروش بالزليج الملون الفاتن الباهي. ولهذا المسجد ثلاثة أبواب لعموم المصلين أحدها في الجهة الغربية، وثانيها في الجانب الشمالي، وثالثها في الجانب الجنوبي وبويب صغير بالجانب الشمالي من الصفِ الأول يختص السلطان بالدخول منه لكيلا يقع في ورطة تخطي رقاب المصلين، ومع الأسف فقد أهمل هذا المسجد إهمالا ليس عليه من مزيد حتى عشش فيه عرمرم الخراب والتلاشي والدمار وباض وفرخ، رغما عن كونه تقام فيه الجمعة والجماعة، وكونه من المعاهد الإسلامية السامية ذات البال، اندثر زليج أرضه ونبت الكلأ في صحنه، وتكاثف، ونبت الكرم في خشب سقفه الذي كان على جانب من الزينة والزخرفة عظيم، هذا فيما بطن منه، فما ظنك بما ظهر من سطحه إلى غير هذا مما لا أذكره.

وبخارج الباب الشمالي من هذا المسجد توجد مدرسة تحتوي على بيوت ستة وثلاثين عن اليمين والشمال بوسطها خصة لطيفة وبئر، وبآخرها قبة بديعة الشكل كانت على جانب من الزخرفة والنقش عظيم، وبهذه المدرسة منار المسجد المحدث عنه، كما يوجد خارج الباب الجنوبي مرحاض حافل محتو على خمس وعشرين مِيضَأَة، بوسط صحنه صهريج للماء مستطيل كان في غاية اللطف، وخارج هذا المرحاض في جداره الشرقي صهريج مستطيل طوله نحو المترين منحوت في حجرة واحدة، ومع الأسف فقد أصبحت بهجة ذلك كله في خبر كان، ومدت الأيدي العادية لاختلاس مَائِهِ. وقد كان السلطان المولى الحسن في عزمه إحياء هذا المعهد الإسلامي الذي هو من آثار أسلافه الكرام وأياديهم البيضاء ورده إلى شبابه وشرع في ذلك بالفعل ولكلن حالت المنية بينه وبين بلوغ مراده، ولولا تلافيه بجبر بعض ذلك الصدع لخرت سقوفه ولأصبح أحدوثة في خبر كان. ومن تأسيسات الأمير سيدي محمد هذا قصره البهيج الموسوم باسم الدار البيضاء محل المدرسة الحربية الآن المعدة لتعليم ضباط المغاربة، أسس بهذا القصر الشامخ مسجدا منتظما من صفوف أربعة وصحن، وجعل له منارًا ومستودعا لوضع آلات التوقيت، وأسس بجانبه الشرقي مدرسة لطيفة وأحاط السور بالفسيح الطويل العريض المعروف باسم أجدال، وأسس بصدر هذا الفسيح قبة مرونقة بديعة على جانب من الإتقان والتزويق مكين، وجعل بإزائها حماما له باب ينفذ إليها وكنيفا، وكل ما يحتاج إليه من منافع ومرافق بحيث لا يحتاج القاطن فيها إلى الخروج منها لما تدعو إليه الحاجة اللازمة للإنسان أعد هذه القبة لفسحته، والجلوس لسماع مظالم رعيته، وأعد البسيط المذكور أمامها لرعي إناث الخيل العتاق أطلقها تغدو في مروجه وتروح إذ كان له ولوع تام بانتقاء الصافنات الجياد، وجلبها من كل صوب، وتربيتها والإنتاج منها.

وأسس بجوار هذا القصر جناني أسوفيط الكبير والصغير، وجنان باب القزدير، وجنان ابن حليمة وعرصة السنطرجية، والعرصة الجديدة حذوها المعروفة بالبحراوية وحبس جنان ابن حليمة المذكور مع العرصتين المشار لهما على المسجد الأعظم، ودونك نص عقد التحبيس: الحمد لله حبس مولانا الإمام، السلطان المؤيد الهمام، ناصر الدين، المجاهد في سبيل رب العالمين، صدر الأفاضل المقدام، علم الأعلام، وابن سيد الأنام، العلامة الشهير، الداركة النحرير، صاحب الفتوحات الإلهية، والمواهب الربانية، الذي أشرق الوجود بكريم محياه، أمير المؤمنين سيدي محمد ابن أمير المؤمنين مولانا عبد الله ابن السلطان الجليل، الماجد الأثيل، مولانا إسماعيل، أدام الله عزه ونصره، وخلد في الصالحات ذكره، جميع جنان ابن حليمة وجميع عرصة السنطرجية وجميع العرصة الجديدة المجاورة لها والجميع داخل القصبة السعيدة على المسجد الأعظم من مكناسة تحبيسا مؤبدا، ووفقا مخلدا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين، ومن بدل أو غير فالله حسيبه وولي الانتقام منه، تقبل الله من مولانا عمله، وبلغه سؤله وأمله، وبسط للناظر الأحظى السيد الحاج الطيب ابن السيد أبي القاسم المسطاسي يد الحوز على ذلك يتصرف فيه للحبس المذكور من بيع غلته وعلاجه مهل رمضان عام اثنين ومائتين وألف. وقد أفردت الكلام على ماضي هذا القصر الملوكي وحاضره وعلى الأجنة المحتفة به بما يهم القارئ في رسالة مستقلة. وأسس مسجد قصبة هدراش السالفة الذكر، ويعرف هذا المسجد اليوم بجامع لال خضرا، وقد تقدم لنا أنه من المساجد التي تقام بها الجمعة، وينتظم هذا المسجد من بلاطين وجناحين وأسس به كنفا وحماما بمقربة منه. قلت: هكذا ذكر تأسيسه لهذا المسجد الزياني ومن تابعه، وانظره مع ما

قدمناه عن ذلك العقد القديم الموثوق به، من أن أرض بريمة كانت من أوقاف جامع الخضرا، ثم انتقلت للمولى إسماعيل ... إلخ، وليس يعرف بمكناس جامع الخضرا غير هذا، فالظاهر أن سيدى محمد بن عبد الله جدد بناءه لا أنه أنشأ تأسيسه والله أعلم. وأسس ضريح الشيخ محمد بن عيسى الشهير بالشيخ الكامل المتبرك به حيا وميتا، دفين خارج الباب المعروف باسم باب السيبة، أحد أبواب العاصمة المكناسية يقال إنه بناه من أنقاض ما هده من الدار الكبرى دار الخلافة الإسماعيلية المارة الذكر، وكان تأسيسه له عام ألف ومائة وتسعين، يدل لذلك ما هو منقوش داخل مزارة الضريح المذكور ولفظه: أشاد أمير المؤمنين محمد ... علاه فلا زال العلي يؤيده وجاء على أيدي ابن وعزيز طالعا ... يؤيده (نصر وفتح واسعده) أشار للتاريخ المشار بحروف نصر وفتح واسعده، وما يوجد أيضا في نقش الجبص فوق المنطقة الزليجية المحيطة بجدار قبة الضريح ولفظه: نزه جفونك في المشيد العالي ... لترى بدائع نشأي وكمالي ما زهر أيام الربيع ووشي صنـ ... ـعاء يشابه حسن جيدي الحالي حزت البهاء بجمع كل محاسن ... من ذا يزاحم رفعتي وجمالي أو ما ابن عيسى القطب هذا من له ... سر شهير فاق كل جلال بحر تلاطم موجه بعناية ... ومهابة وسعادة ونوال قصاده خصوا بنيل مرامهم ... في عاجل أوْ آجل ومآل لا يعرفن الضيم عبد يحتمي ... في حادث الدنيا له بظلال

قد سالمت كل السموم جميع من ... يعزى له في سهلها وجبال غياث من في الأرض يهتف باسمه ... ومفرج الأزمات والأوحال أنزل به كل المنى تجد الذي ... أملت من وجود ومن إفضال من يستقم لا ينكرن ما قد يرى ... فحذار كل تعرض وجدال أمؤمل المعروف هذا منهل ... من جاءه يسقي بعذب زلال لكن كأس شرابه التسليم والـ ... ـظن الجميل وصادق الإقبال كم كربة ومضايق قد فرجت ... بركاته بتضرع وسؤال وغريب أوطان توطأ حبه ... فاقتاد ما يبغيه من آمال ووضيع قدر قد رفعت حضيضه ... فوق النجوم فنال حسن منال وبذا الإمام فزر تراه تبركا ... مولاي عبد المالك المفضال إن الإمام محمد بن محمد الـ ... ـهادى الرسول به استقامة حالي كم من مزايا نالها ظهرت كما ... أمن الورى بجلال ذي الإجلال من ذاك أن أمر الخديم محمدا ... ولد العزيز بمبرر الأشكال واشتد في أمر الأمير محمد ... ببنا ضريح مكثر الأفعال قد حاز من حسن القوام لطافة ... أقسم بأنه فاقد الأمثال واستنجز الأنصاف من كل غاية ... إن الصواب موضح الأقوال وقل لمن رام ارتقاء كماله ... قصر فلا تدن بغير وصال ولقد أتيت بما بدا أعلا الرضا ... فلعله من صالح الأعمال ثم الصلاة على الشفيع محمد ... عين الوجود نهاية الإكمال

ولا يخفى ما في هذه القصيدة من التغالي الذي لا يكاد يخلو منه مديح في الغالب. وبني قبة ضريح سيدي سعيد أبي عثمان. وأسس مدرسة الشاوية وهي الواقعة أمام الداخل من المدينة لباب منصور العلج شرقا أحد أبواب القصبة الشهير، وهي المجاورة للباب المحدث لقصر الستينية المار الوصف، وبهذه المدرسة قرأت القرآن العظيم، وبها قرأه آباؤنا وأسلافنا الكرام برد الله ثراهم، ولقد تخرج بها من حملته منهم ما يناهز الألف، ومنا منهم إلا من له الخط الرائق الفائق، ولا زالت هذه المدرسة إلى حد الآن مكتبا لتعليم الصبيان ومسجدا لعبادة الرحمن، وقد كان الدهر أخنى عليها وبقيت في زوايا الإهمال دهرا طويلا إلى أن خرت سقوف صفوفها، واغتصب محرابها، ولعبت بجدراتها أيدي البلى، ونبتت بأرضها الكروم، وعششت بها البوم، وتكاثرت أنواع الطيور، وأخيرم صارت مقبرة معدة للدفن، وفي هذه الأزمنة الحاضرة أصلح ما يواجه الداخل منها. وقد كان أول من انتدب لإصلاحه والدي قدس الله ثراه، فابتدأ مباشرة ذلك من ماله الخالص له ثم بعده أتم جانب الحبس ما كان ابتدأه من الإصلاح وبقي ما وراء ذلك وهو معظم المدرسة على ما وصفناه من الخراب والإهمال، مع توفر مادة الأحباس، إذ للمسجد الأعظم وما أضيف إليه من المساجد التي من جملتها المدرسة التي كلامنا فيها بالعاصمة المكناسية من الرباع ما بين دور ودكاكين وإصطبلات ومعاصر وديار الصابون وطرازات وحمامات ما قوم ثمن رقبته في أوائل رجب الفرد الحرام عام ألف وثلاثمائة وواحد وثلاثين بمائة ألف ريال وتسعة وأربعين ألف ريال ومائتى ريال وأربعين ريالا ونصف ريال. وفي منفعته ثلاثة عشر ألف بليون ومائة وثمانية وخمسون بليونا، وفي مدخوله الشهري ثلاث وثلاثون مائة مثقال وستون مثقالا، وثلاث أواق ونصف

الأوقية حسبما وقفت عليه في صك الإشهاد بذلك بتاريخ أوائل رجب عام ألف وثلاثمائة وواحد وثلاثين. وله من الأوقاف خارج المدينة بين بلادات وزيتون وجنات ما قومت رقبته بخمسائة ألف ريال وخمسة وثمانين ألف ريال وسبعمائة ريال واثنين وسبعين ريالا حسبما وقفت على ذلك أيضا في صك تقويم العراف المرجوع إليهم في ذلك بالتاريخ المتقدم. ولمساجد السور من الأوقاف بداخل المدينة من حواديت وديار وفنادق ومعاصر وغير ذلك ما قومت رقبته بثمانية وتسعين ألف ريال 9 مائة ريال بالإفراد وتسعة وخمسين ريالا، وفي المنفعة عشرة آلاف بليون وخمسائة بليون وسبعة وخمسين ريالا، وفي المنفعة عشرة آلاف بليون وخمسمائة بليون وسبعة وستون بليونا وفي المدخول خمس وثلاثون مائة مثقال وأربعة وثلاثين مثقالا وثمن المثقال حسبما وقفت عليه في عقد الإشهاد بذلك بالتاريخ المتقدم، وهذا خارج عن الأحباس الصغرى وما انضم إليها وعن أحباس مولاى عبد الله بن حمد، بل وعن المعاوضات التي وقعت في أرض حمرية ومدخولاتها. وكذلك أسس السلطان سيدى محمد بن عبد الله أيضا بالقصبة مسجد باب مراح ومناره، وباب مراح هذا هو المعد إلى اليوم لسكنى مماليك الجناب السلطانى، وموقعه ما بين قصر المحنشة السعيدة وصهريج السواني المحدث عنه سابقا، وجوار جنان ابن حليمة الشهير، وجدد ما افتقر للتجديد من المسجد الأعظم، وجدد بناء مناره وذلك عام سبعين ومائة وألف، ويدل له ما هو مكتوب في نقش زليج بجدار المنار المذكور في الجهة الموالية للصحن ودونك لفظه: الحمد لله وحده، وصلى الله على من لا نبي بعده.

بنى هذا المنار أمير صدق ... محمد الرضا في عام (عشق) وجدد فيه مسجده فحازت ... به مكناسة قصبات سبق أشار للتاريخ المذكور بحروف لفظة عشق، وجدد مسجد باب البراذعيين المذكور فيما مر كما جدد ضريح الولي الشهير سيدى سعيد المَشَنْزَائى ومسجده: تنبيه: عدّ أبو القاسم الزياني من جملة ما شيده السلطان سيدي محمد بن عبد الله من المعاهد الدينية مسجد سيدي سعيد المذكور، ومسجد بريمة، ومدرسته، ومدرسة الصهريج، وقد تبعه على ذلك صاحبا "الجيش" و"الاستقصاء". قلت: ويتعين حمل كلامهم في ذلك على تشييد الإصلاح والترميم، وإلا فقد قدمنا أن مؤسس تلك المعاهد الثلاثة الأولى ومشيد بناءاتها هو جده مولانا إسماعيل، وقد ألممنا بشواهد ذلك في تأسيسات المباني الإسماعيلية، كما أن الزياني وتابعيه قد أغفلوا من مباني سيدي محمد بن عبد الله بعاصمة جده مكناسة ما نبهناك عليه هنا فلتكن من ذلك على ذكر. وأما مدرسة الصهريج فلا يعرف لها اليوم أثر ولا موقع، بعد أن كانت هي وغيرها من مدارس الدولة العلوية المتقدمة الذكر آهلة بما بنيت له، معتني بسكانها بمحافظة سلاطيننا على تفقد رواتبهم، ومن ذلك ما أصدره الإمام الذي افتخرت به الأواخر على الأوائل والمغارب على المشارق السلطان العادل سيدي محمد بن عبد الله لناظر الأحباس بهذه العاصمة ونصه: نأمر أحباس مكناسة الحاج الطيب المسطاسي أن يجعل طلبة باب مراح في المرتب مثل المدارس الست، وهي: مدرسة الدار البيضاء، ومدرسة باب مراح ومدرسة قصبة هدراش، ومدرسة الصهريج، ومدرسة جامع الشاوية، ومدرسة

سيدنا ومولانا إسماعيل رحمه الله بحسب سبع أواقي لكل واحد من الطلبة المذكورين في الشهر، ومثقال للمؤذن، وخمس عشرة أوقية للإمام، وخبزة لكل واحد في اليوم من عند الزياتينية كما تقدم لك أمرنا بذلك وراتبهم من الأحباس، كما هو مرسوم عندك ولا فرق بين الطلبة المذكورين فكلهم في ذلك سواء. وأما طلبة مدرسة الأوداية فلا يقبضون إلا الراتب فقط، كما أمرناك قبل، وأما الخبز فلا تعطهم شيئا لأنهم في ديارهم ومع أهليهم هنالك، والسلام في ثاني عشر شوال من سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف. ومن تمامه أن الخبز المذكور يكون من أربعة في الرطل، وكل ما يدفع الرياتينية من الخبز، فأعطهم خط يدك والسلام. اهـ. فبمثل هذا الاعتناء من أمراء الملة كانت معالم الدين قائمة، وبه دامت المحافظة عليها حسا ومعنى ولا حول ولا قوة إلا بالله. ومن تأسيسات سيدي محمد بن عبد الله أيضا ما جدده بالضريح الإدريسي الأكبر المقدس، قال شيخنا الشريف البركة العلامة الأقعد سيدي محمد بن جعفر الكتاني في كتابه "الأزهار العاطرة الأنفاس" ما لفظه ثم لما ولى السلطان الأسعد، الهمام الأصعد، الأنوه الأرشد، مولانا محمد بن عبد الله بن مولانا إسماعيل المذكور، جدد بناء هذه القبة وما هو متصل بها مرة أخرى، وجلب لها المرمر الحسن مما كان بدار جده بمكناسة الزيتون، وبالغ في إتقان ذلك وإحكام عمله، وكان بناؤه له على ما هو مرقوم إلى الآن بالقلم الغباري برتاح دفة باب القبة المذكور سنة ثمانية وثمانين ومائة وألف. اهـ. قلت: رتاج الدفة الذي به التاريخ المشار له هو الأسفل عن يمين الداخل للقبة، ولا زال ذلك التاريخ إلى الآن مفروشا فوقه الحصير لا تمكن رؤيته إلا برفع

الحصير عنه، ولعل من آثار هذا التجديد اللوحتين القائمتين في خدي باب القبة المصنوعين من المرمر الرفيع المنقوش في يمناها ما صورته: يا ناظرا بهجتي الله يرعاكا أمر بعمله مولانا إسماعيل بن مولانا الشريف عام ألف وسبع وثمانين. اهـ. وفي يسراهما ما صورته: أبشر بما ترتجي من خير مولاكا فرغ من عمل هذا سنة سبع وثمانين وألف لمولانا إسماعيل أيده الله بعزيز نصره. اهـ. فإن هذا التاريخ متقدم على تاريخ بناء المولى إسماعيل للقبة الإدريسية بنحو ثلاث وعشرين سنة كما قدم علم مما قدمناه، مع كون تاريخ اللوحين لا مزيد فيه على أنهما معمولان للمولى إسماعيل، وذلك يؤذن بأنه كان عملهما لقصور نفسه فنقلها حفيده مولانا محمد بن عبد الله لخدي القبه الإدريسية لما جدد ما احتاج للتجديد منها، وليسا هما بأصلين فيها ولا مصنوعين لأجلها، وإلا لكان تاريخهما موافقا لتاريخ البناء الإسماعيلي المتقدم للقبة، ولكان فيه أيضا ما يؤذن بأن إنشاءهما للضريح الإدريسي، على أن تجديد مولانا محمد بن عبد الله لنفس قبة الضريح هو عندنا الآن مجمل، لأنه لا دليل عندنا على أنه جددها بعد أن نقضها من أصلها، فتكون الرخامة التي في مواجهة الداخل المكتوب فيها ذلك القصيد المختوم ببيان تاريخ المولى إسماعيل لبناء القبة، إنما أعيد إلى محله بعد التجديد، أو إنما كان التجديد في بعضهما، فيكون رخام ذلك القصيد لم ينزل عن محله منذ وضعه البناء الإسماعيلي بذلك المحل، والعادة قاضية بهذا، فإنه يبعد كل البعد أن يحتاج الضريح كله إلى التجديد في المدة التي بين السلطانين مولانا إسماعيل

وسيدي محمد، مع متانة الأبنية الإسماعيلية ومزيد اعتنائه بإتقان الأضرحة، ومع هذا فعلم الحقيقة عند الله تعالى. ومن المتصل بالقبة الساحة أمامها المحيطة من جهاتها الأربع بالمباحات الأنيقة المحمولة على اثني عشر عمودا من الأعمدة الرخامية البديعة، وبوسط الصحن المحيط بتلك المباحات خصة تقذف من جوفها المعين الفرات المزدري باللجين صفاء، ويوجد بجدار الجهة الشرقية بهذا البراح محراب للصلاة يقابله بالجهة الغربية باب بيت القناديل، وبالجهة الشمالية باب لدار الزاوية بهيج أنيق، يقابل باب قبة الضريح الأقدس. ودار الزاوية هذه أسست وأعدت لسكنى المنقطعات من الشريفات وجراية النفقة عليهم، وعلى طلبة المدرسة هنالك، والملازمين لدار الأضياف المعدة لسكنى المنقطعين والغرباء والفقراء من الرجال، وكانت دار الزاوية المذكورة يؤكل فها كل يوم بضميمة ما يضاف إليها نحو خمسة أمداد من القمح وما يلزم ذلك من إدام (¬1) وحطب وتوابل، وكان معظم ما يقام به ذلك أعشار سكان الزاوية الإدريسية، وبعض المداشر التابعة لها حبا وزيتونا، وبسبب ذلك كانت تعظم ثروتها في بعض السنين حتى يكون لها المطامير العديدة موفورة حبا، والخزائن مملوءة زيتا. وكانت الملوك تنفذ من مدخولات دار الزاوية هذه إعاناتى، قمحية وزيتية شهرية لبعض ذوى الحاجات وبالأخص الأشراف، كما كانت نفرق الخبز المستعمل هناك، وكذلك الكسكوسون على ديار المضطرين من آل البيت بالزاوية، وبسبب ذلك وجدت الأيدي العادية سببا إلى الاستيلاء منها على ما لا تستحقه، حتى أفضى ذلك إلى إغلاق باب دار الزاوية بعض السنين في وجوه المستحقين، وبقي من كان تجري عليه النفقة منها يتكفف الناس للإجحاف كثرة الخارج في غير ¬

_ (¬1) الإدام: ما يُستمرَأ به الخبز.

وجوهه من مدخولها حتى استسلف لها بأمر المخزن، ولم يوجد ما يرد منه السلف لكون الأعشار التي كانت منفذة لها إنما هى أعشار بعض العامة، وهم المقيمون بالزاوية والمجاورون لها وبقية الزراهنة كانت تدفع أعشارها بمكناس، وأما الشرفاء فقد كانت الملوك تسوغ لهم دفع أعشارهم لضعفائهم وتكل ذلك لأمانتهم، فلما رأى ذلك كثير من العامة تسارعوا لادعاء النسب النبوي الطاهر وفتحوا الطريق لتمشية ذلك وقبوله منهم وتأييد دعاويهم الباطلة ببذل المال لأولي الأمر، فآل ذلك إلى الإجحاف بدار الزاوية وإلى غلقها بالكلية كما تقدم، وهكذا عاقبة كل أمر أسند إلى غير أهله. ثم لما رأى ذلك متأخرو الولاة والنظار اختصروا خارجها حتى ردوه لنحو خمس الخارج قبل، وصار لا يعطى منه إلا للمقيمات بدار الزاوية المذكورة مع طلبة المدرسة والقليل من المساكين المقيمين بدار الأضياف، ويدفع قليل منه لبعض محتاجي الشرفاء الساكنين بالزاوية، ثم لما أحدث الترتيب وقطع المخزن النظر عن التداخل في الزكاة لم يبق لدار الزاوية داخل إلا من بعض الأصول المحبسة عليها وخراجها يضعف عن القيام بخارجها، فكان المخزن بعد اختياره لذلك صار يؤدي لها مما يجيبه من الضرائب كل سنة خمسة عشر ألف بسيطة لتتميم الخارج اللازم لها، وكانت صورة الطعام المستعمل فيها في سائر الظروف المتقدمة أن القمح يطحن ثم تزال نخالته القوية بالغربال، وما عدا ذلك يستعمل منه الخبز والكسكوسون من غير تصفية، بل الغالب أن لبابه يستولي عليه نصف الخبزة السوقية وهو الذي يفرق على من عدا طلبة المدرسة ونوع فوقه، وهو الذي يدفع للطلبة. ثم لما حسنت حالة الأحباس وتوفرت مادة ماليتها في الأقطار المغربية على يد المخزن حيث جعل لها وزارة خاصة تحت نظرها نظار ومراقبون، وعظم وفر

الأحباس بكل بلد، جاء وزير الأحباس المشار له لاختبار الأحوال بالزاوية وتعاهد الشئون، وذلك يوم الخميس فاتح صفر عام أربعة وثلاثين وثلاثمائة وألف، وحين شاهد حالة الخبز والكسكوسون الموصوفة أنكر ذلك وأباه، وأمر في الحين بأن يكون يشترى ذلك صافيا من السوق وتكون الخبزة لا تنقص عن السوقية، كما أمر باشتراء قدر معين لها من اللحم وتوابعه كل يوم ليطبخ مع الكسكوسون، وقد كان اللحم قبل ذلك لا يشترى لها إلا يوم السبت الذي يعمر فيه السوق هنالك، فكان ذلك من أعظم حسناته، وإنما فسد ما فسد بإهمال الولاة، وتقاعسهم عن القيام بمثل هذه النهضات، ألهمنا الله وإياهم الرشد في الحال والآت. ودار الأضياف المشار لها هي الواقعة في أسراك وهي الأولى عن يسار الداخل للحرم الإدريسي من باب المعراض الشهير، وتلك الدار عبارة عن مربع محيط بمباحات أربع محتو على عدة بيوت وكنيف حافل. ومن تأسيسات الأمير الفخيم الليث الهصور مولانا اليزيد بن محمد بن عبد الله بن إسماعيل الزيادة الواقعة في الجهة الغربية من المسجد الإدريسي، يفصل بينها وبين المسجد القديم الصحن، وذلك عام أربعة ومائتين وألف، ويدل له ما هو منقوش في خشب بباب المسجد المذكور ودونك لفظه: يا سائلا عمن بنى طلعتي ... ومن لدين الله شكلي يشيد أنشأني المولى الملك الرضى ... محمد المهدي الإمام اليزيد أعطاه مولانا جميع المنى ... وزاده نصرا وفتحا يزيد ونشأتي من رام تاريخها ... فإنني (رشد) أراه يزيد أشار بلفظ رشد للتاريخ المذكور، ويدل له أيضا اختلاف البناء القديم مع الزيادة في الشكل.

ومنها أيضا المسجد الشهير بجامع مولاي اليزيد إلى الآن بالزاوية المذكورة موقع هذا المسجد بالحومة المعروفة بتازجا من الزاوية المشار لها، تقام بهذا المسجد الجماعة والجمعة. ومنها الدار الجديدة وهي قصبة سكني الأشراف العلميين الآن بزاوية زرهون كان أنشأها لسكناه ولكنها لم تكمل في حياته. ومن آثار السلطان العالم العامل الخاشع مولانا سليمان بن محمد بن عبد الله بن إسماعيل الدار المعروفة اليوم بالدار الجديدة مع روضها، جوار جعده المولى إسماعيل، وتلك الدار وروضها بها الآن إدارة شئون حاكم الأحواز المكناسية وما يضاف إليها. ومنها تلافيه بالتجديد والترميم والإصلاح ما افتقر لذلك من القصور السلطانية المحنشة، والمدرسة وما انضم إليهما، قال أبو القاسم الزياني عاطفا على ما أسسه وشيده المولى سليمان بالأقطار المغربية كما ستقف عليه مفصلا في ترجمته بحول الله ما لفظه: ثم جدد قصور الملك لمكناسة بعد تلاشيها. اهـ. قلت: مراده بالقصور قصر المحنشة، والمدرسة وما أضيف إليهما، أما قصور الدار الكبرى دار خلافة جده الأعلى فإنها إذ ذاك كانت خربة بيد بعض أفراد العائلة الملوكية الإسماعيلية، خربها والده سيدي محمد بن عبد الله وسلمها لمن استحقها من العائلة المذكورة حيث قاموا بطلب حقوقهم وراموا السكنى بدار والدهم، ولم يجد السلطان سيدي محمد بن عبد الله مناصا من ذلك لما لهم من الحق في بيت مال المسلمين، ورأى أن تسليمها لهم على بهجتها وضخامتها الملوكية التي مر بك بعض وصفها ليس من العدل والإنصاف في شيء لتعلق حقوق غيرهم من الخاصة والعامة ببيت المال.

ولذلك مَدَّ يَدَ الهدم والتخريب فيها لإزالة كل ما له قيمة، ولما صيرها بلاقع ولم يبق بها غير شاهق الجدرات المنسلخة عن كل زينة وما لا قيمة له توجب الالتفات نحوها، فعند ذلك سلمها لهم فتملكوها وبنوا فيها دورهم وأنشأوا بها غراسات متعددة واستقروا بها، ولا زال بها عقبهم إلى الحين الحالي يتصرفون فيها بالبيع والابتياع وسائر أنواع التصرفات. ومن تأسيسات هذا السلطان الجليل المقدار مولانا سليمان السقايات التي على يمين ويسار الداخل من الباب المقابل لباب المعراض الشهير بالحرم الإدريسي بالزاوية، وكان تأسيسه لها عام ثمانية وعشرين ومائتين وألف، ويدل لذلك ما هو منقوش في زليج مثبت بالجدار الذي به السقايتان اللتان عن يمين الداخل ودونك لفظه: تأمل بهجتي وبديع حسني ... وما ألبست من حلل البهاء تجد عزي ومجدي وارتفاعي ... يفوق البدر في أفق السماء جمعت من المحاسن كل فرد ... وأعظمها جوار أبي العلاء إمام الغرب إدريس ذي المعالي ... سليل الأكرمين ذوي الوفاء وقمت بباب روضته بجد ... أطهر زائريه بطيب ماء بإذن إمامنا الأسمى بنوني ... وتاريخي (تجليت بالسناء) أشار للتاريخ المذكور بحروف تجليت بالسناء. ومن تأسيسات الأمير الأورع السلطان مولانا عبد الرحمن بن هشام بن محمد بن عبد الله بن إسماعيل بالعاصمة الإسماعيلية قبب الخشب البديعة الشكل العجيبة المثال المعروفة باسم الخيمة، وهي الواقعة بجنان ابن حليمة في الجهة الشرقية منه المحمولة على ساقية وادي بوفكران التي يجري فيها ماؤه الداخل

للمدينة، وهذه القبة تحتوى على مباحات ثلاث محمولة على الأعمدة الخشبية، وثلاثة بيوت وبهو بوسطها إلى ما يتبع ذلك من منافع ومرافق، وجعل في الساقية المذكورة أمام المباح الجنوبي دولبا يحمل الماء من الساقية ويصبه في القنوات الموصلة له للخصة الواقعة أمام المباح المذكور وإلى غيرها من الفروع التي يجري فيها الماء، ثم مع السقاية التي بأسفل القبة المذكورة ويصعد لهذه القبة بدرج، وتحيط بجوانبها الثلاثة أبواب الزجاج الملون تركب هذه الأبواب هناك وقت حلول السلطان بالعاصمة المكناسية، وعند سفره تزال وتصان بالخزائن السلطانية إلى أن يعود من سفره فترجع لمحلها، وعلى هذا استمرار العمل إلى أواخز الدولة العزيزية. ومنها إنشاء الباب الثاني لجامع القصبة المار الذكر والمباح داخله المشار له آنفا. ومنها المباح الواقع على يسار الخارج من باب منصور العلج لبطحاء الهديم المحمول هو أي المباح على أساطين ستة حجرية، وكان إنشاؤه إياه على يد عاصمة سلفه المكناسية الباشا الأنصح القائد الجيلاني بن العواد الشهير، وكان ذلك المباح مُعَدًّا لجلوس أعيان الجيوش المظفرة وذوي الحيثيات منها في أوقات الأحكام المخزنية، حيث إن باب منصور العلج المذكور كان هو المحكمة الرسمية لباشا مكناس، يجلس به لفصل الخصوم وسماع المظالم كل يوم صباحا ومساء، وبهذه المحكمة الواقعة بباب قصبة الدار العالية بالله كانت العادة جارية في كل يوم جمعة يتناول الباشا وقواد اراحي الجيش الغداء أثر الفراغ من أداء فريضة الجمعة بجامع القصبة المار الذكر، وصائر ذلك من بيت المال ولم يزل العمل مستمرا على ذلك إلى انصرام دولة السلطان مولاي عبد العزيز، كما كانت العادة جارية بأن سائر الاحتفالات والأفراح المخزنية الرسمية التي تقام تحت رياسة الباشا إنما تكون بالباب المذكور، واستقر على ذلك الحال إلى أواخر الدولة الحفيظية. ومن تأسيساته المباحان خارج باب قصر المحنشة السعيدة المحمولان على

اثنين وثلاثين عموم من الأعمدة الحجرية، وأعدهما لجلوس الموظفين ورؤساء رجال البساط الملوكى وذوي الحيثيات وقت جلوس السلطان للنظر في أمور الرعية كل غدو ورواح عندما يكون جنابه بالقصر المذكور، وعند جلوسه في غيره من القصور السلطانية، أو نهوض ركابه الشريف من العاصمة يعمر الحرس المباحين المذكورين ليلا ونهارا ظعن السلطان أو أقام، ومع الأسف فقد استولى الخراب على تلك المباحات وعما قريب يستأصل شأفتها إن لم تتداركها يد الإصلاح. ومن آثاره إتمامه لمسجد ومنار ضريح الولي الشهير مولانا عبد القادر بن محمد بن بلقاسم العلمي، ونقل الخطبة من مسجذ سيدي أحمد بن خضراء إلى مسجده وذلك بعد وفاة صاحب الضريح، ووفاته كانت يوم الاثنين وقيل الجمعة سادس عشري رمضان المعظم سنة ست وستين ومائتين وألف. كما أن السلطان مولانا عبد الرحمن المذكور هو الأمر والمنشئ لأحباس المسجد المذكور، وذلك من متخلف الولى سيدي عبد القادر المذكور حسبما تضمن ذلك ظهير له شريف هذه صورته: خديمنا الأرضي الناظر الطاهر بن عثمان وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد: فقد بلغنا كتابك أن الولى الصالح سيدى عبد القادر العلمي نفع الله ببركاته، خلف من الناض اثني عشر ألف مثقال ومائة مثقال واحدة وواحدا وستين مثقالا وست أواقي وريع الأوقية، وقد كنا مهتمين بأمر مسجد زاويته المباركة الذي ابتدئ بناؤه في حياته من أين يكون الصائر على إكماله، حتى بلغنا تخليفه لهذا القدر المذكور فسري عنا، وعلمنا أن ذلك من بركاته رضي الله عنه، فنأمرك أن تقف في حيازة ذلك ووضعه تحت أيدي الأمناء هناك على وجه الحفظ والأمانة، وتشرع في إكمال المسجد المذكور وإتمام تلك الحسنة على حسب ما كان يشير به السيد المذكور في حياته، وجد في ذلك كل

الجد ومهما احتجت إلى ما تصيره عليه يدفعه لك الأمناء، فإن عندهم أمرنا بذلك، وكن في خلال ذلك عينا وأذنا على الأصول التي تباع بمكناسة الزيتون وزرهون، فمهما ظهر لك أصل نفاع يشتريه الإنسان لنفسه فاشتره للزاوية المذكورة، ويؤدي الأمناء ثمنه حتى يستوعب بناء المسجد والأصول التي تشترى للزاوية من جميع متخلفه من الناض وغيره، ومهما اشتريت أصلا لذلك فأعلمنا به لنمضي تحبيسه ومتخلفه من الأثاث والبهائم، ثم أجره على ما تقتضيه السنة من البيع ونض الثمن، فإن السيد إنما ترك ذلك في حياته لأسرار لا نعلمها نحن، ولا يليق به بعد مماته إلا البيع، وما يتجمل في ذلك بعد التنضيض، يضاف لما تحت أيدي الأمناء ويسلك به سبيله من الصائر على المسجد وشراء الأصول التي تحبس على الزاوية، والسلام في سابع شوال المبارك عام ستة وستين ومائتيين وألف. وقد امتثل الناظر المذكور أمره الشريف فاشترى أصولا هي الآن من أحباس ما ذكر بإمضاء الأمير المذكور لتحبيسها، ومن جملتها حظ في رحى وقفت على إمضائه لتحبيسه هذه صورته: الحمد لله أمضينا بحول وقِوته شراء الحظ في الرحى المذكور أعلاه يليه، وتحبيسه على الزاوية ومسجدها حيث أشير وبسطنا اليد للناظر على التصرف التام فيه وعلى الواقف عليه أن يعلمه ويعمل به، ولا يحيد عن كريم مذهبه، والسلام في ذي الحجة الحرام عام 1266. وأول من خطب بذلك المسجد العلمي الفقيه السيد قاسم بن حلام. كان رحمه الله من أهل الدين والورع ومن خاصة أصحاب صاحب الروضة العلمية، ثم بعده خطب سيدي محمد فتحا بوزكري من آل الولي الصالح سيدي أبي زكرياء الصبان أحد صلحاء مكناسة المشهور، ثم خطب بعده أخوه سيدي عبد الحق بوزكري، ثم بعده النقيب المفضال سيدي المختار الإدريسي الشبيهي، ثم بعده نجله

النقيب الأجل سيدي مشيش، ثم بعده أخوه سيدي محمد بن المختار المذكور وهو الخطيب الحالي. أما الزاوية التي بها الضريح العلمي فمؤسسها هو صاحبها سيدي عبد القادر المذكور، كانت داره ورثها من أبيه، وكان يسكن بها مع أخته السيدة خديجة، ولما توفيت دفنها في بيتها الذي كانت تسكن فيه، وهو القبة المدفون معها هو فيها، كما أنه هو الذي شرع في تأسيس المنار واخترمته المنية قبل إتمامه، وكان تأسيسه لهذه الزاوية عام تسعة وخمسين ومائتين وألف، ويدل له ما هوه نقوش في الجبص فوق الشرجب الذي عن يسار الداخل لقبة الضريح ولفظه: سمت روضة لله فتح بابها ... وفاض بسر الهاشمي عبابها فللواردين من هناها ظلالها ... وللصادرين من جناها رطابها وللزائرين بالمكارم عمرت ... على بركات الله جل رحابها وباليمن والإقبال والسعد خاطبت ... لقاصدها فوزوا فهذا لبابها هلموا إلى كهف السعادة والرضى ... وكيف وللتاجين صح انتسابها (وبالشكر) للمولى مطالع أفقها ... مدى الدهر ترجوا أن يدوم احتسابها فذي روضة ورحمة الله غيثها ... إلى البعث لا ينفك عنها انصبابها فطوبى لمن يأوي إليها وينتمي ... ويلقاه من بشرى الكريم خطابها أشار للتاريخ المشار بحروف لفظ وبالشكر، وهو مؤسس مسجد ضريحه القديم أيضا، أما الزيادة التي وقعت فيه مع الحالة التي هو عليها الآن فإنما أحدثت - بعد على ما سيمر بك بحول الله قريبا. ومنها تأسيس ضريح الولي الشهير سيدي عمرو الحصيني عام اثنين وخمسين

ومائتين وألف ويدل لذلك ما هو منقوش في الجدار الشمالي من قبة الضريح المذكور المقابل الداخل ولفظه: متع جفونك في محاسن شاني ... عاد الشباب فعاد عيشي الثاني ألبست من حلل الجمال قلادة ... كسيت بنور بهائها أركاني فأنا الحصيني الشهير مقامه ... ما بين قِاص في البلاد وداني فالله يمنح من يشا بهباته ... كمليكنا المنصور ذي السلطان ملك الملوك الصالحين وفخرهم ... نور الخلافة عابد الرحمن ابن الهمام هشام نجل محمد ... من آل أحمد سيد الأكوان عرفت بصيرته المعارف والهدى ... فلذاك جاد بجوده فبناني في عام (بشرى لي) بنيل مسرتي ... إذ أتى البشير بدولة السلطان بقيت مآثره الحسان مصانة ... كبقاء مجده سائر الأزمان الله يكرمه بكل كريمة ... وينيل قلبه منتقى الإيمان بأجل مبعوث وأكرم مرسل ... وبآله والصحب والتبيان ثم الصلاة عليهم ما صافحت ... أيدي النسيم ذوائب الأغصان أشار للتاريخ المذكور بحروف: "بشرى لي". ومنها إحداث بَابَىْ السيبة ووجه العروس مع السور الممتد من الأخير إلى باب بريمة على ما سيمر بك لدى الكلام على الأبواب. ومنها مسجد السلامي بحومة الحفرة من الزاوية، وكان صدور إذنه بذلك في حادي عشر صفر عام تسع وثلاثين ومائتين وألف، ومحبس هذا المسجد المذكور وما بني به هو سيدي عبد

السلام بن على الإدريسي الشبيهي، جَدّ أولا سيدي عبد الله المعروفين بهذا الاسم الإضافي إلى الآن بالزاوية الإدريسية. ومنها القصبة المعدة الآن لسكنى الشرفاء آل سيدي أبى الغيث بالزاوية المذكورة، قد كان أسسها للشرفاء الأمرانيين أهل يفران، وقفت على بطاقة من عامل الزاوية الإدريسية لخليفته بها إذ ذاك. لفظها بعد الحمدلة والصلاة: محبنا وخليفتنا القائد قاسم بن علال أعانك الله وأرشدك، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته عن خير مولانا نصره وأيده، وبعد: فيرد عليك ساداتنا الشرفاء العلاويون أولاد سيدي بلغيث، فاعلم أنه قد أتى أمر مولانا المولوي المطاع وها نص كتابه: وبعد فإن أربعة وعشرين رحيلا من أبناء عمنا الشرفاء أهل سيدي بلغيث قد أنعمنا عليهم بالمحل الذي كنا أسسنا بناءه للشرفاء أهل يفران بزرهون، فأمر خليفتك أن يمكنهم من النزول به والسكنى فيه والبناء فيه لأنفسهم، فإن هؤلاء الشرفاء أهل سكينة وخير، وفيهم ثلاثة أناس طعنوا في السن، فانظر لهم دورًا بزرهون يسكنون بها والسلام، في ثامن رمضان عام ستة وخمسين ومائتين وألف. وأنت نفذ الأمر المطاع على ما أمر به مولانا المنصور بالله. اهـ. ومن تأسيسات نجله السلطان الأفخم سيدي محمد القبة الواقعة في الجهة الشمالية من جنان ابن حليمة السالف الذكر، وكان بناء هذه القبة على يد أمينه الصادق الأحزم الطالب بوعزة الفشار البخاري. ومنها قبة الزجاج الواقعة على الصقالة المشرفة على الغرصة المعروفة بالبحراوية، تلك القبة هي التي بين قصري سكنى الجناب السلطاني من قصور المدرسة المولوية وبين الباب المعروف إلى الآن بباب الشبكة.

ومن آثاره زيادته في سمك قبة الضريح الإدريسي الأنوه بزاوية زرهون ورفعها في الهواء زيادة على ما كانت عليه من قبل، وتزيين ذلك بالحزام الأخضر الزليجي الكائن أعالي القبة الآن، وكان انتهاء العمل في تلك الزيادة سنة ثلاث وثمانين ومائتين وألف، والزيادة المذكورة هي من ابتداء حزام الزليج المذكور الذي لا يقل ارتفاعه عن متر، فالحزام داخل في الزيادة، ويوجد تاريخ البناء مرموقا بالقلم الغباري بلون أحمر فوق الحزام المذكور، ومنها في حرم ذلك الضريح أيضا المباح الأول خارج الباب الذي يدخل منه للصحن الذي به السقايات الذي تقدم، أن السلطان المولى سليمان كان أنشأها وكان السلطان سيدي محمد هذا المباح عام تسعة وثمانين ومائتين وألف على يد ناظره على ذلك الحرم الإدريسي الحاج قدور ابن عبد الرحمن بن الحاج محمد السراج دفين أبي العباس السبتي رضي الله عنه. ويدل لذلك ما هو منقوش في زليج أسود بأعلى القوس الوسط من المباح المذكور ودونك محل الشاهد منه: وانصر إماما عادلا في حكمه ... أعلى الإله بأمره هذا البنا ذاك الأمير محمد المنصور نجـ ... ـل هشام البدري نجل نبينا ولتذكر السراج ناظر وقفه ... إذ لم يزل في ذا النظارة محسنا وقل إن تسل يا صاح عن تاريخه ... (يا زائرا إدريس سعدك قددنا) أشار بحروف كلمات الشطر الأخير للتاريخ المومى إليه. ومنها أيضا المدارج الرخامية المفضية لداخل ذلك الحرم الإدريسي مع تسوية الصحن المفضي لهذه المدارج وتزليجه على ما هو عليه الآن وتبديله الخصة الرخامية أمام قبة الضريح بالخصة العديمة المثال الموجودة هناك الآن.

ومن تأسيسات نجله السلطان العظيم الشأن مولانا الحسن بالقصور الملوكية قبة الباهية الواقعة بقصر المدرسة. وقبة الزجاج المشرفة على غراسات جنان البحراوية. ومنها الصرح البديع الذي أنشأه وشيده بقصر المحنشة وأحدث له بابا بالنهج المستطيل المعروف بأسراك وذلك عام خمسة وثلاثمائة وألف. وفق ما وقعت الإشارة للتاريخ المذكور بلفظ خذه في نقش زليج بأعلى الباب المذكور وسط أبيات لطيفة دونك لفظها: تكامل هذا الباب حسنا وبهجة ... وحاز ضروب الوشي والرقم والحكم ولم لا ومبناه على العز والتقى ... كما الحسن المولي به أمر الخدم فقف وانشق الرحمى يهب نسيمها ... به فهو باب الله فتح للكرم بداخله الرضوان والأمن والهنا ... وروض أريض فيه منزهه الأشم فمن أمه يظفر بنيل مرامه ... ويرجع مسرورا ويكفي الذي أهم أدم ربنا العلياء والملك للذي ... بناه وحطه في البنين وفي الحرم وأوله عزا دائما متوافرا ... ونصرا عميما ثابتا راسخ القدم وجدد قصر المحنشة وأنشأ به قبة عظيمة وجعل لها بابين بابا للمحنشة وبابا للعرصة المعروفة بعرصة الرخام، إحدى البساتين التي تتخلل تلك القصور السلطانية، وهي التي على يمين الداخل للنهج المستطيل المعروف يبين العراصي من باب المحنشة السعيدة المعد لاستقرار عبيد الدار الخصيان الذين هم عند الملوك بمثابة الحرس الداخلي، وأنشأ بهذا البستان أيضا حماما حافلا وجعل له بابين، بابا لقصر المحنشة المذكور وبابا بالبستان المحدث عنه.

ومنها الصقالة الشاهقة العظيمة المتصلة بساباط قصر سكنى جنابه السامي بالمدرسة السعيدة الطالع، وكان قصده من تأسيس هذه الصقالة إنشاء صرح عليها تتراءى منه بواسطة المرآة المكبرة المقربة الديار الفاسية، وشرع في بناء ذلك الصرح بالفعل إلا أنه لم يتم لذلك أمر، وحال حلول المنية دون الوصول إلى الغاية المقصودة، وكان ابتداء تأسيسه له عام ستة وتسعين ومائتين وألف على ما هو منقوش بالغباري في رخامة بخد الباب الذي يصعد منه للصرح المذكور، كما أنه منقوش على الخد الموالي ليمين الصاعد له ما لفظه: باب السعود ومظهر الإقبال ... منه الصعود لغاية الآمال ظهرت نتيجته وصين أساسه ... فبدا مشيدا في المقام العالي وعلى الأيسر ما لفظه: فتنافس الصناع والحكماء في ... إتقانه بمواهب المتعالي تاريخ منشئِه علا من مجد ذا ... الحسن الأمير سلالة الكمال أما الإشارة للتاريخ الواقعة في البيت الأخير فإنها لم تظهر لي صحتها بعد الإمعان فلتتأمل. وفي دولة السلطان المولى عبد العزيز أمر بهد ما كان أسس من ذلك الصرح المشار لعيب حدث به، وكان في عزمه اقتفاء أثر والده في تشييد ذلك الصرح إلا أن ذلك لم يكن في الكتاب مسطورًا، ولا زالت تلك الصقالة شاخصة للأبصار تتراءى من مسافة بعيدة. ومنها تأسيس منار جامع المحنشة، إلا أنه اخترمته المنية دون إتمام عمله وفق ما رام.

ومنها القبب الخمس المتصلة بالمنار المذكور من الجهة الجنوبية، كان أعد تلك القبب لجلوس وزرائه وذوي الحيثيات والكبراء والوجهاء من الموظفين في خدمة جنابه الأسمى. ومنها الصهريج المحدث أمام مسجد المحنشة المذكور المحتوي هو أي الصهريج على الجوابي الرخامية الخمس، في رأس كل ركن من أركانه الأربع واحدة والخامسة بوسطه وهي أكبرها. ومنها قبتا الزجاج الواقعة إحداهما شمال المسجد المشار والأخرى جنوبه أحدهما لجلوسه على كرسي ملكه للنظر في أمور رعيته وعرض قضاياها عليه. ومنها التربيعة المعروفة باسم الوسعة الواقعة بين بابي الدار العالية بالله المحنشة الباب الذي به استقرار عبيد الدار المذكورين وباب سي مسعود أضيف هذا الباب لبواب كان به من جملة وصفان الجلالة السلطانية اسمه مسعود كان متفقها، وأنشأ بالساحة المشار لها قبة ذات بال يجلس بها لسماع المظالم وإعطاء الأوامر، وجعل لها مباحا يضارعها في التنميق والزخرفة وجعل أمامها، صهريجا لطيفا بوسطه جابية من الرخام الرائق تتدفق زلالا، وجعل عن يمين هذه القبة قبة دونها في الرونق والأبهة، وعن شمالها كذلك، وأمام هذه القبة على يسار الداخل من باب سي مسعود المتقدم الذكر عدة قبب معدة للشئون المخزنية، ومع الأسف فقد أسرع الخراب لذلك كله لعدم المعاهد والمباشر ومتلافي ما انصدع فخر جل تلك السقف وانقلع الزليج وزالت تلك المحاسن ونبت الكلأ والكروم على عالي تلك الأسطح. ومنها الدويرية التي بداخل باب سكنى عبيد الدار المتقدمي الذكر الكائنة على يمين داخله، وقد كان أعدها مكتبا لتعليم البنات القرآن العظيم، واستمر العمل على ذلك فيها إلى أن هَرِمت الدولة العزيزية.

ومن آثاره تجديد الباب المعروف بباب سي مسعود الذي مرت الإشارة إليه وذلك عام ألف وثلاثمائة، ويدل لذلك ما هو متوج به في نقش زليج ودونك لفظه: باب السعود وبهجة الأمان هذا ... وباب الجود والإحسان رفعت على التقوى معالم عزه ... محروسة بعناية الرحمن فانظر محاسن طلعتي شمس الضحى ... منها استمدت أشرق اللمعان (أوج شريف) صار تاريخي به ... يزهو بطلعته على كيوان أسمي بديع محاسني ومعالمي ... ملك همام مز بني عدنان فهو الشريف السيد الحسن الرضا ... فخر الملوك وكهف كل أمان ذاك المجدد للشريعة ركنها ... في غاية الأحكام والإتقان فالله ينصره ويبقي ملكه ... متحصنا في عزة المنان ومنها الأروى السعيد لربط خيله وبغاله بقصر المحنشة الميمون، وقد تهدم السور المحيط بهذا الأروى في هذا الأيام الأخيرة من الجهة الموالية لباب مراح المار الذكر، فسد بابه الاعتيادي الواقع بداخل المحنشة على يسار الداخل من باب هذا القصر الشهير بالباب الفوقانى، وهو الباب المقابل لباب الناعورة السالف الذكر وصار الدخول اليوم لهذا الأروى من الجهة المتهدمة السور بباب مراح المشار له. ومنها الطريق السرى المعروف بـ (طالع وهابط) الموصل من قصْر المحنشة المنيف لجنان ابن حليمة، بحيث يتيسر خروج الحرم الكبير من القصور السلطانية إلى جنان ابن حليمة الذى سبقت الإشارة إليه من غير أن يمر بالنهج العمومى الذى كان يمنع المارون من سلوكه وقت ما أرادت الجلالة السلطانية إخراج حرمها الطاهر

وحاشيتها الكريمة للتفسح في ذلك الجنان، وبسبب ذلك ارتفع عن سكان تلك الناحية ضرر منع المرور من النهج العمومى كل آونة. ومنها القبب التي بالنهج المستطيل المسمى بأسراك -بالكاف المعقودة- الكائنة هى -أى القبب- على يمين الذاهب، لقصر المدرسة الخارج من باب الرائس الشهير، وأعدها لجلوس وزرائه وأعَيان كتابه وقت جلوسه للأحكام وسماع المظالم، وجعل لتلك القبب مباحات أعدت لجلوس بقية الكتاب مع أعيان رؤساء ذوى الحيثيات والموظفين. ومنها الروض الجديد الذى أنشأه بالبحراوية بصهر يجيه. ومنها قبة الزجاج التي على الصقالة بأعلى الروض المشار المشرفة عليه، بل وعلى عرصتى البحراوية والاترنجية. ومنها الصرح الذى بأعلى باب المحنشة المقابل لباب الناعورة المذكور، إلا أنه لم يكمل. ومنها تلافيه صدع مسجد الأزهر، المعروف بجامع الأروى. ومنها تأسيس منار الضريح الإسماعيلى. ومنها تجديد سقف المباح الشرقى بصحن الضريح المذكور. ومنها زيادته في مسجد الضريح العلمى المذكور آنفا لما كثر أتباع ذلك الولى وضاق بهم المسجد، وكانت زيادته فيه على يد ناظره إذ ذاك الحاج محمد بن عمرو الصنهاجى السابق الترجمة، وهو الذى رد محرابه إلى عين القبلة حيث هو الآن، إذ كان قبل في الجهة الجنوبية موضع الخزين في العصر الحاضر، وذلك بعد هرج ومرج بين أتباع صاحب الضريح والمعدل الميقاتى بمكناس إذ ذاك السيد الجيلانى الرحالى، وطال ذلك وتفاحش إلى أن رفع الأمر إلى الجلالة السلطانية فقام لذلك

وقعد وحضر بنفسه وأحضر مهرة المعدلين العارفين بأدلة القبلة من فاس ومراكش ومكناس، فأداهم اجتهادهم إلى أن الأصوب هو جعل المحراب بالمحل الذى أشار به ميقاتى مكناسة المذكور، وأنه لاَ وجه لرده للجهة الجنوبية التي كان بها قبل لقيام الأدلة على خطأ الواضع الأول، فأمر السلطان حينا بإمضاء ما قالوا وبسببه انحسمت مادة النزاع. ومن تأسيسات هذا السلطان قصبة أهل تولال -بضم التاء وسكون الواو وفتح اللام المشبعة- وتولال اسم لواد من أودية صحراء تافلالت كان نقلهم السلطان المقدس مولانا عبد الرحمن بن هشام بن بلادهم لتمردهم وأنزلهم بنواحى فاس قرب دار دبيبغ، وجعلهم تحت نظر باشا الوقت بباب الدار العالية بالله ثمة وهو القائد فرجى الشهير، ثم نقلهم نجله السلطان سيدى محمد من فاس إلى نواحى مكناس وذلك عام اثنين وثمانين ومائتين وألف، وأدرجهم في جملة الجيش البخارى، وكانت سكناهم إذ ذاك في الخيام. ثم في دولة نجله السلطان مولاى الحسن أنشأ لهم القصبة المذكورة التي هى مستقرهم الآن، وموقع هذه القصبة غربا من المدينة، وقد أحدثت بها اليوم عدة دور ومسجد للصلاة. ومنها قصبة الحاجب الشهيرة ببلاد بنى مطير على اثنين وثلاثين كيلو مترا من المدينة، وهذه القصبة هى التي صارت اليوم محلا لإدارة الأحكام الإدارية ومتعلقاتها. ومنها المسجد الذى أنشأه بالساحة المقابلة للمزارة السفلى للضريح الإدريسى الأكبر التي كانت مستقرا للأوساخ والقذرات، ومحلا لذبح ما يهدى لضريح ذلك الإمام العظيم ليفرق، وعلى أبناء صاحبه وعلى من انتظم في سلكهم من المقيمين بذلك الضريح الأقدس من الإنعام، وكان تأسيسه لهذا المسجد ولدار الذبائح المذكورة خارجه عام ثلاثة وثلاثمائة وألف، وفى هذا التاريخ أو قبله بيسير أنشأ

بالزاوية الإدريسية أيضا الحمام الجديد البديع سعة وشكلا، إلى غير هذا مما ليس لغايته وصول. ومن تأسيسات نجله السلطان المولى عبد العزيز تجديد بعض القنوات التي يجرى فيها الماء للمساجد والمدارس بالمدينة وغيرها. ومنها بناء الساقية مع القنطرة ذات الأقواس التي يمر فوقها الماء المجلوب من عين شانش النابع أصلها قرب مدشر موساوة أحد مداشر جبل زرهون ليزاد ذلك الماء على ماء عين خيبر الداخل للحرم الإدريسى وغيره من الأماكن التي يجرى بها الماء من تلك الزاوية المباركة، إلا أن هذا الماء إلى الآن لم يحصل منه المقصود الذى جلب لأجله، وهذا الماء هو الجارى اليوم بالمحل الذى أحدثته الدولة الحامية بأرض خيبر المعروف بالبئر ولسائر فروعه. ومن ذلك أيضا تلافيه بالترميم والإصلاح ما كان تلاشى بذلك الحرم الإدريسى ومضافاته، كتجديدة لقرمود القبة الإدريسية وتبييضه لصومعتها ولمسجدها وتزويقه لمحرابه وترميمه لدار الزاوية ولدار الأضياف ولدار المخزن التي تستريح بها الجلالة الملوكية عند زيارتها لذلك الضريح. ومن ذلك أيضا إنشاؤه للفندق الجديد المعروف بهذا الاسم بالزاوية الإدريسية وكانت هذه الأعمال جلها على يد الناظر السيد إدريس بن زاكور الفاسى، وبقيتها على يد بدله الناظر السيد الحاج الهادى غلاب أحد الأعيان بفاس الآن. ومن آثار المولى زين العابدين تزليج أرض ضريح سيدى سعيد المَشَنْزَائى (¬1) السالف الذكر وما انضم إليه، وبناء الصفة الواقعة خارج بابه، وذلك أيام الفتنة البربرية التي حدثت في دولة أخيه السلطان المولى عبد الحفيظ عام سبعة وعشرين وثلاثمائة وألف. ¬

_ (¬1) تحرف في المطبوع إلى: "المشترائى" وصوابه من دوحة الناشر في موسوعة أعلام المغرب 2/ 880.

ومن آثار سلطاننا الحالى المعظم الملحوظ بعين الإجلال والإكبار مولانا يوسف أعز الله أمره، وأيده وأدام فخره، تجديد جبص المسجد الأعظم بمكناسة وتبليط أرضه بالجص وتزليج جناحيه. ومنها إصلاح جامع القصبة وتجصيص صحنه الخارجى الموالى لبابه. ومنها إصلاح مدرسة الشاوية المعروفة اليوم بجامع الستينية وتسقيف صف واحد منها. ومنها إعادة تبييض جبص قبة ضريح جده الأكبر المولى إسماعيل قدس سره، وإعادة ما أزيل وتلاشى من زليج بعض جدراتها. ومنها تجديد مسجد سيدى يحيى وسقايته المار الكلام فيها. ومنها تجديد جامع الكرمة المعروف بزنقة حومة الأنوار قرب سيدى سلامة الولى الشهير. ومنها إصلاح المسجد العتيق المعروف بجامع النجارين. ومنها إصلاح مسجد الزيتونة ومسجد البراذعيين وزاوية مولاى عبد الله بن حمد المعدة للمعتوهين والضعفاء والمنقطعين، ومسجد باب عيسى وضريح سيدى على بن نون، وضريح الست كلينة -بالكاف المعقودة. ومنها إصلاح حمام باب البراذعيين، وتجديد ما افتقر منا للتجديد وكذلك حمام الزيتونة، وحمام مولاي عبد الله بن حمد، وحمام النجارين، وحمام السويقة، وحمام الجديد، وحمام سيدي عَمْرو بو عوادة، وحمام التوتة. ومنها تجديد بعض سقف القصور السلطانية، وترميم ما دعت الحاجة الأكيدة لترميمه، وبالأخص قصور المدرسة الشريفة.

ومنها تجديد السقاية التي ببطحاء الهديم قبالة باب منصور العلج، تلك السقاية العجيبة الشكل العديمة المثال التي لم ينسج على منوالها في حاضر الأزمان ولا في غابرها ناسج، فما شئت من تزويق وتنميق، ونقش رقيق، يستلفت الأنظار، ويستوقف الأبصار، وكان تجديده لهذه السقاية على ما وصفناه عام اثنين وثلاثين وثلاثمائة وألف، ويدل لذلك ما هو منقوش في أعاليها ولفظه: يا ناظرا في بهائي ... ورونقي وازدهائي فبغيتي ومنائي ... منك جميل الدعاء إلى جناب تسامى ... به ابتداء انتهائي مولاي يوسف أضحى ... محبوب دان ونائي مع المقيم العمومي ... رئيس ناس الولاء وأهل مجلس نصح ... وهمة في ارتقاء فادع لكل بخير ... شكرا على جري ماء وقل مؤرخ هذا ... تاريخ زين بنائي أشار للتاريخ المومي إليه بحروف الشطر الأخير من القطعة، ومع الأسف فقد مد الخراب لهذه السقاية يد الاعتداء ولم تجد منجدا، فإن دام حالها هكذا رجعت إلى ما كانت آلت إليه قبل، فإن هذه السقاية هي التي يعبر عنها في العقود الحبسية القديمة بالسقاية الكبرى، ففى بعض العقود الحبسية ما لفظه: أرباب البصر سئل منهم الوقوف على عين مسجد رواغة الكائن بالهديم من الحضرة المذكورة المجاور للسقاية الكبرى التي هناك. اهـ. وقد كان الدهر أخنى على هذه السقاية حتى تعطل وصول الماء إليها وصارت

مقر الأوساخ والأزبال، كما أخنى على المسجد المشار له في العقد السابق ولعب به شوطا في أدوار الامتهان، بعد العزة ورفعه الشان، إلى أن مزق مجتمعه أيدي سبا فصار بعضه مربضا للغنم المعدة لتموين البلد وبعضه جرنة (محلا لذبح المواشي) ثم صار محل المربض من جملة روض لبعض عظماء الموظفين، وذلك الروض هو الواقع في الجهة الغربية من بطحاء الهديم المذكور المتصل بباب رواغة الشهير ذلك الروض هو الذي صار اليوم مكتبا اقتصاديا للدولة الحامية بالعاصمة المكناسية وأما الجرنة فقد صارت دكانا لبيع السلع. ومن التأسيسات والآثار الخالدة التالدة الواقعة في دولة جلالة سلطاننا الأعظم أيضا القيسارية الجديدة المعدة لبيع أنواع البز الواقعة خارج باب بريمة المجاورة لسوق البز القديم المستندة على سوق السلالين، وقد كان موقعها قبل فندقا معدًّا لبيع الفحم وربط الدواب. ومن أعظمها وأفخرها تأسيس المدينة الجديدة الكائنة بأرض غابة الزيتون المعروفة بحمرية، التي كان أنشأها سيدنا الجد الأعظم مولانا إسماعيل برد الله ثراه، وحبسها على الحرمين الشريفين مكة والمدينة حسبما مرت الإشارة إليه، وكان الشروع في تسطير طرقها في شهر غشت سنة ست عشرة وتسعمائة وألف مسيحية، وصدر الأمر العالي بتعويض أرضها معاوضة نقدية لمن يريد البناء بها من الأجانب والأهالي عام خمسة وثلاثين وثلاثمائة وألف موافقة شهر جوليت سنة سبع عشرة وتسعمائة وألف، وشرع في البناء بالفعل في محرم فاتح سنة ست وثلاثين وثلاثمائة وألف، وكان ثمن المتر المربع إذ ذاك فرنكا واحداً وخمسا وسبعين سنتيما. ولما كثرت الرغبة وتهافت الأجانب والأهالى على الشراء ولاحت لوائح الاستعمار، بلغ ثمن المتر المربع سبعين فرنكا، ولا يسوغ لمشتر أيا كان أن يترك شراه بدون بناء فوق سنتين، ومثل ترك البناء أصلا بناء ما لا يبلغ صائره خمسة

عشر فرنكا لكل متر، فإن ترك البناء أصلا أو بنى ما لا يبلغ صائره ما ذكر ومرت السنتان، فإنه يحاز منه مشتراه ويسلم لجانب الحبس ويرد للمشترى ما خرج من يده بعد إسقاط قدر معين في الصوائر. ومنها تشييد بناءات دار السمن وروى مزيل الصلة بباب أبى العمائر على الطراز الأورباوى الذى هى عليه الآن، حتى دخل بذلك المحلان في طور جديد، وصارا منظوراً ومرغوبًا فيهما بعد أن كانا مهملين ومرغوبا عنهما. ومنها تأسيس الباب المتصل بجدار البوسطة لدار السمن، تمرّ عليه العربات والسيارات الداخلة لدار السمن وترجع من القديم حذوه متصلا به فرارا من التصادم الناشئ عن الورود والصدور من مورد واحد، وقد كان بمحل هذا الباب المحدث مكتب لتعليم الصبيان: ومنها إحداث الصف الأول بمسجد الشافية مع مِيضَأة به، وإحداث مباح آخر في المسجد المذكور، وإحداث مكتب عليه لقراءة الصبيان عوضا عن المسجد الذى جعل بمحله الباب المحدث بدار السمن المذكور. وباب المكتب المحدث وهو النافذ للزقاق العمومى يمين الداخل لمسجد الشافية المذكور. ومنها تجديد مسجد تيبربارين، وزيادة المكتب حذوه صفا فيه، ورد سقايته وكنفه إلى صحنه وقد كانتا بأسطوان بابه. ومنها تجديد سقاية أبى الحسن على بن منون، وإحداث أنبوبين للسبيل بزقاق روى مزيل، وتجديد سقاية جامع الزيتونة، وتجديد سقاية حومة حمام الجديد، وسقاية درب القرع، وسقاية التوتة، وسقاية ضريح أبى محمد عبد القادر العلمى، وسقاية سبع أنابيب مع تجديد سقفها وترصيف أرض مباحها، وسقاية حمادشة بتزيمى الصغرى، وسقاية تزيمى الكبرى، وسقاية براكة، وسقاية حومة جامع الساباط، وسقاية الغمادين داخل باب الجديد.

وإحداث سقاية وكنف بالوسعة داخل باب السيبة، وتجديد سقاية العوادين وسقف سقاية الشريشرة، وسقاية تبربارين، وإحداث سوق لبيع الخضر يدعى البلاصة بالعريصة المعروفة قديما باسم حبس قارة التي كانت معدة لنزول قائد حنطة الأتاى، وإنشاء المحكمة الباشوية حذو البلاصة المذكورة، وإحدات البوسطة بمحل الزواية العينية التي كان أحدثها القائد إدريس بن يعيش، وصرف على بنائها كمية ليست بالتافهة الكائنة بدار السمن. ومنها تجديد حائط محراب مسجد الولى الصالح عمرو بو عوادة، وتسقيف صفوفه وتزليج أرضه وإصلاح ميضاته، وإصلاح مسجد براكة، وتجديد مسجد سيدى الصفيفر بدرب سيدى عبد الله الجزار. ومنها إنشاء المستشفى للأهالى الكائن أمام ضريح سيدى سعيد. ومنها إنشاء الجرنة الحافلة لذبح الأنعام الكائنة خارج باب السيبة أحد أبواب المدينة. ومنها تجديد جبص الضريح الأنور ضريح مولانا إدريس الأكبر وتجديد جبص ما حوله كذلك، وتجديد صبغ خشب سقفه الفخيمة، وإعادة تزويق ذلك كله ورده لبهجته ورونقه، وكان الشروع في ابتداء العمل في ذلك صبيحة يوم الاثنين تاسع عشرى شوال عام أربعة وثلاثين وثلاثمائة وألف، وانتهاء العمل في غالب ذلك أواسط جمادى الثانية عام خمسة وثلاثين وثلاثين وثلاثمائة وألف. ومنها تزليج أسراك من باب المعراض إلى مباح باب الحفاة هناك، وترميمه لجدران أسراك المذكور. ومنها تزليج السقايات السليمانية الكائنة داخل باب الحفاة المذكور، وتجديد القف أعلاها.

ومنها تجديد قرمود قبة الضريح المذكور وسائر ما حوله من المسجد الأعظم هناك وغيره. ومنها ترميم وتجديد ما وهى من غير واحد من مساجد جبل، زَرْهُون. ومنها تجديد وتوسيع وتحويل باب فكرة أحد أبواب الزاوية على الهيئة التي هى عليها الآن. ومنها مسجد السوق البرانى بالزاوية الذى أنشأه وحبسه المرحوم الحاج أحمد ابن محمد الريفى بموافقة أميرنا الحالى مولاى يوصف أدام الله جلالته، فهذا ما حضرنا من التأسيسات والإشادات الواقعة بمكناسة وزرهون في هذه الدولة السعيدة العلوية، وهو في جنب ما جهلناه وما غاب عنا أو أغفلناه قُلٌّ من كُثْر، وليس إلا عند الله حقيقة الأمر. قال في الروض: وللمدينة ستة أبواب: باب البراذعيين، وباب المشاورين (¬1)، وبمقربة منه هوايمى ارتجمى، ودار الأشراف، وجامع الخطبة القديمة ويعرف لهذا العهد بجامع النجارين، وباب عيسى، وباب القلعة، وكان يسمى بهذا الاسم قبل أن تبنى هنالك القصبة على ما يظهر من كلام بعضهم والله تعالى أعلم وباب أقورج، وباب دردورة وربما قيل له باب الصفا. اهـ. من خطه (¬2). قلت: كتب بعضهم على هذا المحل ما صورته: كل باب من هذه الأبواب تغير عن حاله. أما باب البراذعيين فقد أدركناه على خمسة أقواس تحيط به أبراج كثيرة فهدم في سنة سبع وتسعين أو ثمانية ورحلق لناحية الجوف وبنى على ثمانية عشر قوسا محدقة بصحن فسيح، وبمدخله مسجد الخطبة مما صنعه وبناه الوزير على بن يشو. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "المشاوريين" والمثبت من الروض الهتون الذى ينقل عنه المصنف. (¬2) الروض الهتون - ص 78.

وأما باب المشاوريين فقد هدم أيضا لقريب من هذا العهد، وبنى وراءه غربا باب يسمى باب بريِّمة بتشديد الراء مكسورة. وأما باب عيسى فقد هدم قبل هذا التاريخ وزيد في القصبة وموضعه الآن بين باب سعيِّد -بكسر ياء مشددة- وضريح سيدى عبد الرحمن المجذوب نفعنا الله به. وأما باب القلعة فقد هدم وزيد في القصبة وموضعه الآن قريب من باب العلوج. وأما باب قورجة فقد هدم وزيد في القصبة وبنى جوفا منه باب يسمى عبد الرزاق. وأما باب دردورة فقد هدم ولم يبق وموضعه الآن بباب تزيمى، وتزيمى اسم قبيلة أخرج أهلها من الصحراء من عمالة سجلماسة وغربوا وأسكنوا في هذا الموضع، وقد أدركناه قبل دار عمل الفخارين، فأُخرج الفخارون إلى عدوة النهر شرقا، وكان هناك قنطرتان قديمتان فهدمتا وجعلت قنطرة واحدة. اهـ. قلت: إنما تكلم ابن غازى والمطرر عليه هنا على أبواب المدينة القديمة تاجرارت، ولم يتعرض واحد منها لأبواب القصبة القديمة ولا لأبواب القصبة الإسماعيلية سوى باب العلوج الذى ذكره الثانى فإنه هو باب منصور العلج المعروف للقصبة الآن، وكذا لم يشر ابن غازى لموقع القصبة المرينية إلا في قوله: قبل أن تبنى هناك القصبة يعنى والله أعلم خارج باب القلعة. ثم إن أبواب المدينة الموجودة لهذا العهد اثنا عشر بابا بضميمة أبواب القصبة إليها لصيرورتهما شيئا واحدا ودخولهما معا في مسمى مكناس كدخول سائر القصبات المتصلة المتقدمة فيما أسلفناه.

فأما باب البراذعيين فموقعة قديما وحديثا في الجانب الغربى للمدينة، غير أنه كما زحلق زمن ذلك المطرر إلى الباب ذى الثمانية عشر قوسا الذى ذكره كذلك زحلق بعده الى الباب الخارج عنه المقابل له الموجود الآن وهو باب في غاية الارتفاع والسعة والإتقان وإحكام البناء، يكتنفه برجان أحدهما عن يمين داخله والآخر عن شماله، وتنفتح دفتاه بين قوسين خرّ سقفها وانهد القوس الداخلى وغارباه الدالان عليه لازالا لهذا العهد. ومن هذا الباب يخرج لضريح الولى الكامل المولى عبد الله بن حمد وهو متصل من جهة يمين الخارج منه بالسور المحيط بقصبة تزيمى الممتد إلى الباب المعروف بباب تزيمى. وعن يمين الخارج أيضا روضة قبور الشهداء. وعلى يساره المقبرة العظيمة الجامعة لجم غفير لا يعلمه الا الله من العلماء والأولياء الكاملين التي بها ضريح الشيخ محمد بن عيسى الولى الشهير. وبينه وبين الباب ذى الأقواس الثمانية عشر صحن فسيح يقام فيه سوق لبيع الخشب كل يوم جمعة بعد صلاتها، وقد كان الداخل على الباب ذى الثمانية عشر قوسا المذكور ينعطف فيه لجهة اليمين حيث الفندق الموجود الآن، ويدخل للمدينة من قوس كان مجاورا للمئذنة فسد ذلك القوس، وأحدث في محله دكان للبيع والابتياع وروى صغير وجعل فوق الكل غرفة، والكل تحت القوس الذى فوقه المستودع محل القيم بالتوقيت، ولا زال كل ذلك قائم العين إلى الحين الحالى. ولما سد ذلك القوس المشار فتح نقب كالقوس مسامت للبابين المذكورين، ومنه الممر الآن لكل ذاهب وآت. أما الأقواس الثمانية عشر فمنها ما هو قائم العين والأثر حتى الآن، ومنها ما

هد وبقيت أساطينه أو بعضها شاهدة له، كان إذا دخل الإنسان من القوس المحدث في محله الدكان وما ذكر معه وجد خمسة أقواس في صف عن يساره، وأربعة كذلك عن يمينه، فيمر بينهما مستطيلا، فإذا وصل إلى القوس الخامس استدبره منحرفا عن اليمين فيجد قوسا آخر عن اليمين في مقابلة القوس الذى منه المرور الآن، وهو في الوسط بين خمسة أقواس: اثنان عن اليمين ومثلهما على اليسار. وهذا الذى يخرج منه الآن اشتمل على قوسين يحوطهما سقف واحد أحدهما مساو للأقواس التي عن اليمين واليسار، والآخر ملتصق بالجدار المحيط بالجميع. والأقواس الأربعة التي عن اليمين والخمسة التي عن الشمال مع قوسين من الأقواس الخمس المقابلة، هى التي صارت فندقا وهو الموجود الآن عن يمين الداخل هناك، وعن يسار القوس الذى ذكرنا نقبه وفتحه للصدور منه والورود قوس آخر أحدث الحمام الموجود الآن في محله، فمجموع الأقواس ثمانية عشر كما ذكر، منها ما هو قائم العين محكم البناء إلى الآن، ومنها ما أتى العفاء عليه ولم يبق البلى غير الأطلال الشاهدة لما كان عليه في الماضى مما بيناه. وكل هذه التغيرات حدثت بعد أن زحلق باب البراذعيين المعروف بهذا الاسم الآن، وذلك زمن سيدى محمد بن عبد الله كما بينا، وبانى الباب ذى الثمانية عشر قوسًا وكذا الباب المزحلق إليه هو المولى إسماعيل، فقول ذلك المطرر بنى عام سبعة أو ثمانية وتسعين يعنى وألف، وقد كان سرادق ملك المولى إسماعيل وقتئذ على الأنام ممدودا. وأما باب المشاورين وباب عيسى وباب القلعة وباب أقورج، وباب دردورة فقد بسط ذلك المطرر السابق ما يبين مواقعها وما آلت إليه، وقد أفاد كلامه أن باب دردورة كان خارج باب تزيمى أحد أبواب المدينة المعروف بهذا الاسم الآن،

والقنطرة التي أشار لها هناك هى والله أعلم التي يمر عليها الذاهب للفخارين وغيرها هناك، وقد كان سقط بعضها قرب التاريخ فتدوركت بالإصلاح. وموقع باب تزيمى في الجانب الغربى الشمالى تنفتح دفتاه بين قوسين يسترهما سقف أعلاه غرفة معدة للقيم بحراسته، ووجه إضافته تقدمت الإشارة إليها، وخارج هذا الباب كانت سقاية السبيل المعروفة بسقاية الذهب المشار لها فيما أسلفناه في ذكر الآثار الإسماعيلية، ولا زال إلى الآن سور صدر هذه السقاية شاخصا للعيان وكذلك غارباها، وقد أحدث في محلها بناء جعلته دولة الحماية من جملة مرافقها. ويوجد الآن باب بالنهج الموصل من باب منصور العلج لدار السمن، يسمى باب عيسى، وهو غير الأول قطعا، ولعله هو الذى كان يعرف بباب سعيد قديما، فلما هدم باب عيسى نقل اسمه إليه لقربه منه. وأما باب عبد الرزاق فقد أدركته قائم العين متقن البناء محكم الصنع كان يخرج منه للحبول محل البستان العمومى الآن، ثم هد في هذه الأزمنة الأخيرة ولم يبق له رسم ولا طلل، وصار محله براحا. وأما باب بريمة فلا زال قائم العين إلى وقتنا هذا، غير أن الجدار المتصل به هدته الدولة الحامية ولم يبق للباب بعد هد هذا الجدار فائدة. وأما باقى أبواب المدينة التي لم يقع لها تعرض ممن أسلفنا؛ فمنها باب السيبة وموقعه في الجانب الغربى الجنوبى خارج باب الجديد المعروف بهذا الاسم إلى الآن بُنِىَ باب السيبة هذا على عهد السلطان المولى عبد الرحمن بن هشام، وذلك لما أضرمت نار الفتن البربرية وتفاحش عيث أهل الزيغ والبغى وصارت لصوصهم توالى النهب لكل ما وجدت إليه سبيلا خارج بابَى الجديد وبريمة، وتفاحش الضرر

بالأهالى سكان البلد وضاقوا ذرعا من ذلك، بنى هذا الباب إذ ذاك على يد الباشا القائد محمد بن العواد الكبير، وهذا وجه إضافته للسيبة، تنفتح دفتا هذا الباب بين قوسين يعلوهما سقف وبين هذين البابين -أعنى باب الجديد والسيبة- سوق به دكاكين للبيع والابتياع وفسيح متسع كانت تباع فيه الخيل والبغال والحمير كل يوم خميس وأحد، ثم تعطل يوم الأحد وبقى يوم الخميس إلى إن نقل بعد نشر الحماية للمحل الذى يعمر فيه الآن خارج المدينة بين ضريحى سيدى سعيد المَشَنْزَائى (¬1) وسيدى محمد بن عيسى -رضى الله عنهما- كل يوم خميس كما يعمر كل يوم أربعاء بالمحل سوق بهيمة الأنعام. ومنها باب سيدى سعيد، ويقال له باب الملاح، وباب وجه العروس وموقع هذا الباب في الربع الغربى الجنوبى، وهو من تأسيس السلطان المولى عبد الرحمن ابن هشام أنشأه أيضا عند شق البرابر عصا الطاعة وامتداد تمردهم وإضرارهم بأهل الذمة بنهب أمتعتهم، حيث كانت حارتهم خارج سور البلد عن يسار الخارج من باب بريمة، فأنشأ المولى عبد الرحمن هذا الباب والسور الممتد منه إلى أن اتصل بباب بريمة أحد أبواب الفخامة الإسماعيلية لعاصمته المكناسية، وتنفتح دفتا هذا الباب بين قوسين يعلوهما سقف وإضافته لسيدى سعيد لوقوع ضريحه وراويته خارجه وللملاح لمجاورته له واتصاله ببابه، ولوجه العروس لكون المزارع خارجه تسمى بوجه العروس، وذلك لنضارة اخضراره وبهجة أنواره في سائر فصول السنة لأن جل الخضر التي تجبى للمدينة إنما تزرع ثمة. ومنها باب زين العابدين موقع هذا الباب في الجانب الغربى الجنوبى على يسار الخارج من باب منصور العلج لبطحاء الهديم، بنى هذا الباب المولى زين العابدين بن السلطان الأعظم المولى إسماعيل أيام إمرته، تنفتح دفتاه بين قوسين يعلوهما سقف فوقه غرفة. ¬

_ (¬1) تحرف في المطبوع إلى: "المشترائى".

ومنها باب ابن القارى موقعه في الجانب الغربى الجنوبى كسابقه، وهو باب محكم البناء يعلوه برج هائل يشتمل هذا الباب على بابين أحدهما يدخل منه لناحية القصور الملوكية من جهة صهريج السوانى، والآخر يدخل منه لناحية الأروى الإسماعيلى ومساكن الجيش الملوكى الذى كان بمثابة الحرس. ومنها باب البطيوى، موقعه في الجانب الغربى، وهو باب متقن البناء في غاية الإحكام، يدخل منه لناحية الأروى المذكور. ومنها باب كبيش -بصيغة التصغير- موقعه في الجانب الشرقى في ناحية الأروى كذلك أيضا. ومنها باب الناعورة وموقعه في الجانب الشرقى الشمالى يعلوه برج عظيم هائل محكم البناء عجيب الإتقان، أحدث السلطان العظيم الشان المولى الحسن في هذا البرج بإزاء هذا الباب بابا آخر قبالة قصر المحنشة السعيد، ومنه اليوم مرور كل صادر ووارد ممن يأتى من ناحيته، ووراء هذا الباب باب آخر يعرف بباب الناعورة البرانى وهو حديث البناء ولا أستحضر الآن بانيه. ومنها باب القزدير موقعه في الجانب الشرقى يخرج منه لناحية ضريح أبى زكرياء الصبان، تنفتح دفتاه بين قوسين عليهما سقف، ومن هذا الباب كان دخول جيوش فرنسا الاستعمارية لهذه الحضرة المكناسية، وذلك في زوال يوم الخميس ثامن جمادى الثانية عام ثمانية وعشرين وثلاثمائة وألف موافق شهر مايو بلغتنا سنة إحدى عشرة وتسعمائة وألف على ما يأتى مفصلا بحول الله. ومنها باب أبى العمائر خارب باب الحجر المتقدم الذكر كان موقعه أمام باب المرس الآتى، وقد تقدمت الإشارة لوجه هذه الإضافة وما آل إليه أمره. ومنها باب المرس وهو لناحية القبلة، وإنا أضيف للمرس لوقوع المرس

الإسماعيلى الهائل خارجه وهذه الأبواب الثمانية كلها -والله أعلم- من إنشاء المولى إسماعيل، والمرس المذكور هو من أعظم الآثار الإسماعيلية، وقد أدركنا هذا المرس يعمر بما يجبى إليه من زكوات الإيالة المولوية المجاورة للديار المكناسية وعليه قيمون يحرسونه وأمناء على محصولات ما تجبى إليه سنويا إلى أن اختل ذلك بحدوث الترتيب والضرائب الوقتية. فهذه أبواب المدينة الموجودة لهذا العهد، وكلها كما علمت من التأسيسات الإسماعيلية غير باب زين العابدين، وبابى السيبة، ووجه العروس. أما الأول فلولده من صلبه، وأما الأخيران فلحفيده مولاى عبد الرحمن بن هشام بن محمد بن عبد الله بن إسماعيل، وقد أسس غير ما ذكر من الأبواب العظيمة ذات الهياكل المدهشة التي صارت داخل المدينة وبالأخص في قصبته السعيدة. قال أبو القاسم الزيانى ومن تابعه: إنه جعل للقصبة عشرين بابا في غاية السعة والارتفاع مقبوة، وفوق كل باب منها برج عظيم عليه من المدافع النحاسية العظيمة الأشكال ما يقضى منه العجب. اهـ. قلت: هذا غالب ما يتعلق بتفاصيل التأسيسات المكناسية من لدن شأنها إلى الوقت الحاضر، وأما الإتيان على جميعها فمن قبيل المحال، لا يعلم حقيقة ذلك إلا الكبير المتعال، وما أتينا به من ذلك لم يحوه قبل تقييدنا هذا ديوان، ولا حاز فضيلة حفظه وجمعه واحد من أبناء الإنسان، على طول الآنات ومر الزمان، والفضل في ذلك للواهب الفتاح المنان، وأنت ترى جل تلك التأسيسات والمآثر الخالدة التالدة، إنما هى لملوكنا العلويين، وقاداتنا الأكرمين، ذوى الأيادى البيضاء على الإسلام والمسلمين، أعز الله كلمتهم، وأدام في سماء المعالى منزلتهم، آمين.

المطلب الثاني: في وصفها شعرا ونثرا بأقلام المتقدمين والمتأخرين

[المطلب الثاني] [في نعوتها التي أسلت عن الحسناء والحسن] [وأنست من البقاع سواها كل سهل وحزن] قال في الروض: ولو لم يكن من مفاخر مدينة مكناسة إلا اشتمال عملها على مدفن وليّ الله تعالى المجمع عليه شيخ المشايخ سيدى أبى يعزى، لكان كافيا وقد ذكرت في الفهرسة المرسومة بالتعلل برسوم الإسناد -بعد انتقال أهل المنزل والناد- بعض من لقيت بها كالشيخ الفقيه المتفق أبى زيد عبد الرحمن الكوانى، والشيخ الأستاذ أبى الحسن بن منون الحسنى، والشيخ الخطيب الأحفل أبى العباس أحمد بن سعيد الغفجميسى، كما ذكرت هناك شيخنا العلامة أبا عبد الله القورى فيمن لقيت بمدينة فاس كلأها الله تعالى، وكان هذان الشيخان قد ارتحلا من مكناسة إلى فاس وصبب ارتحالهما مشهور عند الناس، فلنقبض عنه العنان والله المستعان. اهـ. من خطه (¬1). قلت: أبو يعزى (¬2)، هو الولى الكامل العارف الشهير قال فيه اين أبى زرع في "روض القرطاس": قطب دهره، أعجوبة عصره، أبو يَعْزَى يِلَنُّور بن ميمون ابن عبد الله الهزميرى، قيل من بنى صبيح من هسكورة، مات وقد نيف على المائة وثلاثين سنة، أقام منها عشرين سنة سائحا في الجبال المشرفة على تنميل، ثم ارتحل إلى السواحل فقام بها منقطعا ثمانى عشرة سنة، لا يتعيش إلا من نبات الأرض، وكان أسود كبدى اللون طويلا رقيقا يلبس تليسا وبرنسا مرقعا وشاشية عزف على رأسه. اهـ. ونقل في المعزى عن عصريه مولانا عبد القادر الجيلانى أنه قال فيه إنه عبد حبشى. اهـ. ¬

_ (¬1) الروض الهتون - ص 125. (¬2) له ترجمة في شرف الطالب في موسوعة أعلام المغرب 1/ 365.

وكذا اختلفوا في اسم أبيه فقيل: ميمون كما تقدم، وقيل عبد الرحمن، وقيل عبد الله، وقد كان وجهه عاريا لا شعر فيه، وما وقع في كلام الشيخ زروق من أنه دكالى فهو باعتبار كثرة مكثه بدكالة، وليس هو من نفس دكالة كما بينه في المعزى، وكان بربرى اللسان أميا لا يحفظ إلا الفاتحة والإخلاص والمعوذتين، ومع ذلك كان يرد على من أخطأ في القراءة عنده، ويلنُّور هو اسمه وقيل يالبخث. من شيوخه: أبو شعيب أيوب بن سعيد الصنهاجى دفين آزمور خدمه كثيرا، ومن شيوخه أبو عبد الله بن آمغار وغيرهما من الشيوخ الذين لقيهم، وهم نحو أربعين. وممن أخذ عن أبى يعزى: أبو مدين الغوث المتوفى سنة أربع وتسعين وخمسمائة المدفون حذو تلمسان، وممن أخذ عنه أيضا الشيخ الفقيه الصالح، الإمام المرشد الناصح، سيدى على بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله بن حِرْزهم - بكسر الحاء المهملة وسكون الراء وبعدها زاى- وربما قيل ابن حرازهم كما في الطبقات الكبرى للسبكى (¬1) وغيره المتوفى بفاس آخر يوم من شعبان سنة تسع وخمسين وقيل ستة وستين وخمسائة وغيرهما من أئمة الشريعة والحقيقة رضوان الله عنهم. توفى أبو يَعْزَى كما سبق عن نحو مائة وثلاثين سنة في شهر شوال سنة اثنين وتسعين وخمسمائة (¬2)، ودفن بثاغية من جبل أيرجان ويقال فيه أركان -بالكاف المعقودة- وقبره هنالك إلى الحين الحالى مزارة عظيمة عليه مشهد فاخر، هو والله أعلم من بناءات مولانا الجدابى النصر مولانا إسماعيل. وكشف أبى يعزى وكراماته وطاعة الأسود له واستجابة دعاء زائريه وقضاء ¬

_ (¬1) طبقات السبكى 6/ 258. (¬2) في شرف الطالب: "سنة 561 هـ".

حوائجهم بإذن الله تعالى وإطعامه لزائريه الأطعمة المتنوعة كل وما يناسبه، واقتصاره في نفسه على نبات الأرض وما تأكله البهائم أشهر من أن يذكر، وأجلى من أن يسطر. وقد أفرد مناقبه ابن أبى القاسم الصومعى بمجموع فلينظر، وكان ابن غازى عنى بكون مدفن أبى يعزى من عمل مكناسة أنه كان داخلا تحت حكم ولاته، وقد انفصل محل دفنه من عمل عمال مكناسة قديما وصار من جملة عمل عمال قبيلة زيان، ولا ريب أن افتخار مدينة مكناسة بالقرب من مولانا إدريس الأكبر أجل وأعظم من افتخارها بالقرب من أبى يعزى. قال في "الروض": نقل عن ابن الخطيب السلمانى في وصف هذه البلدة في كتابه "نفاضة الجراب" ما صورته وأطلت مدينة مكناسة في مظهر النجد، رافلة في حلل (¬1) الدوح، مبتسمة عن شنب المياه العذبة، سافرة عن أجمل المرأى، قد أحكم وضعها الذى أخرج المرعى، قيد البصر، وفذلكلة الحسن، فنزلنا بها منزلا لا تستطيع العين أن تخلفه حسنا ووضعا، من بلد دارت به المجاشر المغلة، والتفت بسورة الزياتين المفيدة، وراق بخارجه للسلطان المستخلص الذى يسمو إليه الطرف، ورحب ساحة، والتفاف (¬2) شجرة، ونباهة بنية، وإشراف ربوة. ومثلت بإزائها الزاوية القُدْمى المعدة للوراد، ذات البركة النامية، والمئذنة السامية، والمرافق المتيسرة، يصاقبها الخان البديع المنصب، الحصين الغلق، الغاص بالسابلة والجوَّابة في الأرض يبتغون من فضل الله، تقابلها غربا الزاوية الحديثة المربية برونق الشبيبة، ومزية الجدة والانفساح، وتفق الاحتفال (¬3) انتهى. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "حلة" ومثله في الروض - ص 126 والمثبت من نفاضة الجراب - ص 371. (¬2) تحرف في المطبوع إلى: "والتفات" وصوابه من النفاضة. (¬3) الروض الهتون - ص 126، نفاضة الجراب - ص 371 - 372.

والزاويتان معا من بناء أمير المسلمين أبى الحسن المرينى، جدد الله تعالى عليه رحمته بفضله، إلا أن الأولى بناها في دولة أبيه، والثانية بناها بعد استقلاله بالدولة. ثم قال ابن الخطيب: وبداخلها مدارس ثلاث لبث العلم كلفت بها الملوك الجلة الهمم، وأخذها التنجيد، فجاءت فائقة الحسن: ما شئت من أبواب نحاسية وبرك فياضة تقذف فيها صافى الماء أعناق أسدية وفيها خزائن الكتب والجراية الدارة على العلماء والمتعلمين (¬1). وتفضل هذه المدينة كثيرا من لداتها بصحة الهواء وتبحر أصناف الفواكه، وتعمير الخزين، ومداومة البر لجوار ترابها سليما من الفساد، معافى من العفن، إذ تقدم ساحات منازلها غالبا على أطباق الآلاف من الأقوات تتناقلها المواريث، ويصحبها التعمير وتتجافى عنها الأرض، ومحاسن هذه البلدة المباركة جمة قال ابن عبدون من أهلها ولله دره: إن تفتخر فاس بما في طيها ... وبأنها في زيها حسناء يكفيك من مكناسة أرجاؤها ... والأطيبان هواؤها والماء (¬2) ويسامتها شرقا جبل زرهون، المنبجس العيون، الظاهر البركة المتزاحم العمران الكثير الزياتين والأشجار، قد جلله الله شكرًا ورزقا حسنًا فهو عنصر الخير ومادة المجبى وفى المدينة دور نبيهة، وبنى أصيلة، والله تعالى ولى من اشتملت ليه بقدرته. وفيها أقول: بالحسن من مكناسة الزيتون ... قد صح عذر الناظر المفتون ¬

_ (¬1) نفاضة الجراب - ص 372. (¬2) نفاضة الجراب - ص 372.

فضل الهواء وصحة الماء الذى ... يجرى بها وسلامة المخزون سحت عليها كل عين ثَرة ... للمزن هامية الغمام هَتُون فاحمر خدُّ الورد بين أباطح ... وافترّ ثغر الزهر فوق غصون ولقد كفاها شاهدا مهما ادعت ... قصب السياق القربُ من زَرْهُون جبل تضاحكت البروق بجوِّه ... فبكت عِذَابُ عيونه بعيون وكأنما هو بربرى وافد (¬1) ... في لوحه والتين والزيتون حييت من بلد خصيب أرضه ... مثوى أمان أو مناخ أمون وضفت عليك (¬2) من الإله عناية ... تكسوك ثوبى أمنة وسكون (¬3) انتهى. ما قصدنا نقله من نفاضة الجراب، ولم أكن وقفت عليها حين ابتدأت هذا المجموع فلذلك اقتصرت في صدره على الخمسة الأبيات التي علقت بحفظى من هذه القصيدة. وقال في "ريحانة الكتاب. ونجعة المنتاب": مكناسة مدينة أصيلة، وشعب للمحاسن وفصيلة. فضلها الله تعالى ورعاها، وأخرج منها ماءها ومرعاها، فجانبها مريع، وخيرها سريع، ووضعها له في فقه الفضائل تفريع، عدل فيها الزمان، وانسدل الأمان، وفاقت الفواكه فواكهها، ولا سيما الرمان، وحفظ أقواتها الاختزان، ولطفت فيها الأوانى والكيزان، ودنا من الحضرة جوارها، فكثر قصادها من الوزراء وزوارها، وبها المدارس والفقهاء، ولقصبتها الأبهة والبهاء، والمقاصير والأبهاء. انتهى. من خطه. ¬

_ (¬1) كذا نفاضة الجراب والروض الهتون. وفى المطبوع: "نافذ". (¬2) في نفاضة الجراب: "وضعت إليك"، وما هنا في الموضعين رواية: "الروض الهتون". (¬3) الخبر والأبيات في الروض الهتون - ص 128، ونفاضة الجراب - ص 372 - 373.

قلت: "نفاضة الجراب. في علالة الاغتراب. بمن بقى من الأصحاب" هى في أربعة أسفار. "وريحانة الكتاب. ونجعة المنتاب. في الرسائل والمكاتبات" في جزء ضخم وهى مما ضمته مكتبتنا، وقد وهم من قال إنها في ثمانية أسفار، وما نقله ابن غازى عنها مثله باللفظ لابن الخطيب أيضا في "معيار الاختيار، في ذكر المعاهد والديار"، ومراد ابن الخطيب بالحضرة فاس، كما نبه في "نفح الطيب" قائلا: ويعنى بالحضرة مدينة فاس المحروسة، لأنها إذ ذاك كرسى الخلافة ومكناسة مقر الوزارة، وأهل المغرب يعبرون عن المدينة التي فيها كرسى الخلافة بالحضرة (¬1) هـ. وأبو عبد الله بن الخطيب هو الإمام القدوة الهمام، بغية الآمل، العالم الأديب الكامل، الفقيه الأكتب المتحلى بأجمل الشمائل، الحافظ المتقن، المدرس المتفتن، ذو الوزارتين، لسان الدنيا والدين، وفخر الإسلام بالأندلس في عصره أبو عبد الله محمد بن الفقيه الرئيس عبد الله بن الفقيه الكاتب القائد سعيد بن عبد الله بن الفقيه الصالح ولى الله سعيد بن على بن أحمد السلمانى القرشى القرطبى الأصل ثم الطليطلى ثم اللوشى ثم الغرناطى المالكى المذهب. يعرف بيتهم قديما ببنى الوزير، وحديثا بلوشة ببنى الخطيب، ولد في الخامس والعشرين من شهر رجب سنة ثلاث عشر وسبعمائة، وقرأ القرآن أولا على أبى عبد الله بن عبد المولى العواد، ثم على أستاذ الجماعة أبى الحسن القيجاطى، وقرأ العربية والفقه والتفسير على العلامة أبى عبد الله البيري، وقرأ على الخطيب ابن جزى، وعلى قاضى الجماعة أبى عبد الله بن بكر، وتأدب على الرئيس ابن الجياب، وأخذ الطب والتعاليم وصناعة التعديل عن أبى زكريا بن هذيل، وقرأ على العلامة أبى القاسم محمد بن أحمد السبتى قاضى الجماعة بغرناطة المتوفى سنة إحدى. ¬

_ (¬1) نفح الطيب 6/ 213.

وستين وسبعمائة، وعلى العلامة شمس الدين أبى عبد الله محمد بن جابر المتوفى سنة سبعمائة وتسع وسبعين، وعلى العلامة محمد ابن محمد بن أحمد القرشى المَفرِى قاضى القضاة بفاس وغيرها من العلماء الأعلام. وأخذ عنه أفاضل الفطاحل من قادة العلم كابن المهنى، والوزير ابن زمرك، وأبى عبد الله الشريشى، وأحمد بن سليمان بن فركون، وأبى محمد بن عطية وغيرهم. وترجمته أفردت بالتأليف، توفى شهيدا بفاس سنة ست وسبعين وسبعمائة ودفن خارج باب الشريعة المعروف اليوم بباب محروق، وضريحه الآن عليه حوش صغير بمقابلة من روضة سيدى عبد النور، يفصل بينهما الطريق الممرور عليها لظهر الخميس. والزاويتان اللتان وصفهما ابن الخطيب في كلامه المتقدم، هما: الزاوية القورجية، وزاوية باب المشاورين، والمدارس الثلاث، هى: مدرسة الشهود، والمدرسة الجديدة، وهى المعروفة اليوم بالبوعنانية، ومدرسة سماط العدول الآن، والقصبة هى: المرينية وقد بينا فيما سبق ما يتعلق بذلك كله. وفى وصف هذه البلدة أيضًا يقول قاضى الدولة الإسماعيلية بها العلامة المبرز سيدى أبو مدين السوسى في كتاب رفعه لمولانا إسماعيل: هذه الحضرة المشرفة بعناية مولانا إذ جعلها من ثماره. واصطفاها لقربه وجواره. وشنفها من بديع الفراديس ورفيع القباب، بما لو رآه الإسكندر لاعترف بأنه العجب العجاب، قد حليت من المحاسن بمنتهاها، وأسعدها الإسعاف بنيل أرفع مشتهاها، والعلوم قد تدفقت بها أنهارها، وتفتقت على أرج التحصيل أزهارها هـ. وقد أكثر الشعراء والكتاب قديما وحديثا من وصف هذه المدينة التي كل بلد من محاسنها مدينة، وذكر شرفها الأصيل، والتفنن في نشر ذلك في قوالب

الإجمال والتفصيل، فمن ذلك قول العلامة الذى لا يحتاج إلى التمييز بعلامة سيدى محمد بن أحمد السناوى: كذب الذين ترفعت في زعمهم ... فاس على مكناسة الزيتون وأصاب من جعلت له مكناسة ... دار الإمارة والعلا والدين بأبى العمائر عمرت أرجاؤها ... وترنمت أطيارها في الحين وقول علامتها وقاضيها أبى القاسم بن سعيد العميرى مذيلا لهذه الأبيات، ومعددا ما أحرزته من فاخر محاسن الصفات: خطت قصيبتها بأسعد طالع ... فاختص فيها الملك بالتمكين وبمشتهاها منتهى ما تشتهى ... للعين والسلوان في وسلين وبباب جمال يفوق جمالها ... مرأى دمشق ومرأى قنسرين نشرت عليها محاسنا ورزيغة ... بالروح والريحان والنسرين وقوله من قصيدة تنيف على عشرين بيتا: أمكناسة الزيتون يا خير بلدة ... حدائقها تزهو على الحدق النجل وما القول فيمن حال حال وصاله ... فلا جعل الله الموانع في حل إذا لاح نحو الغرب برق هوت به ... دواعى الجوى بعد العلو إلى السفل وإن هبت الأرواح رق وراق من ... يسهل من أمريه ما ليس بالسهل لمان غنت الورقاء بالأيك روعت ... فؤادا دعاه الشوق بالجد والهزل وقول الشريف المنيف المولى محمد الغالى بن محمد الحسنى الإدريسى العمرانى اللجائى في كتابه "دوحة المجد والتمكين" في وزارة بنى العشرين

ومكناسة دار علم، وإدراك وفهم، كانبها علماء فضلاء، وأئمة نبلاء فقهاء، وبدور سافرة، لا تريد الا الدار الآخرة. انتهى. وقول بعض شعراء الدولة الإسماعيلية وظرفاء أدبائها: أمكناسة إنى لرؤياك آمل ... وإن عاقنى شغل من الدهر شاغل فأنت التي حزت المفاخر كلها ... ومنك تنشت في البلاد الفضائل إذا افتخرت مراكش ببديعها ... ففى القبة الخضرا تضيق الأقاول وإن ذكرت مصر بجامع أزهر ... ففى الجامع الخضرا بدور كوامل لك الفخر يا مكناسة قد حويته ... كأنك بحر والبلاد جداول وقول العلامة الأديب الماهر أبى العباس أحمد بن على بن أحمد مصباح من قصيدة طنانة يمدح بها سيدنا الجد مولانا إسماعيل: لئن مسها الأعياء أو شفها الظما ... فمكناسة راحاتها وارتواؤها بلاد هى الدنيا بأجمعها التي ... أضاء على كل البلاد ضياؤها فجنتها الزوراء والزهر أهلها ... وأربعها الزهرا ودجلة ماؤها إذا ما رأت أعلامها نفس مدنف ... معنى تداعى للرحيل عناؤها وقصر على أفنائها وقصورها ... مزايا جسام ليدس يخشى فناؤها فتانوتها مثل السما وقبابها ... بدور أمير المؤمنين سناؤها وقول الأديب سيدى إدريس بن أحمد الوكيلى كما بكناشة العلامة المفتى سيدى بو بكر بن عبد الرحمن المنجرة ومن خطه نقلت:

مكناسة دار علم ... وبالسرور بنيه تاج الملوك حباها ... لها بذاك مزيه وأهلها خير قوم ... لهم عهود وفيه وقول الفقيه الأديب العلامة العدل المدرس سيدى التهامى بن الطيب آمغار رحمه الله تعالى: لله ما أبهى عمائر الحمى ... معالم الأنس مطالع المنى معاهدا ما برحت محفوفة ... بظل أمن من فراديس الهنا قلبى إليها قد صبا كيف وهى ... أول أرض مسنى منها الثرا مكناسة قطب البلاد كلها ... وشمسها التي إليها المنتهى أعظم بها من حضرة عم الورى ... مددها ونفعها طول المدا فيا لها من بلد يجلو الصدى ... عن القلوب الماء منها والهوى أبو العمائر سقاها سلسلا ... عذبا معينا سالما من القذى وطود زرهون بقربها زها ... على الجبال كلها وقد سما فكل من أبصر معنى لفظها ... يود لو أنه فيها قد ثوى لا تسمعن قول جحود لم يجد ... إلى سماء مجدها من مرتقى ودت بقاع الأرض طرًّا أن ترى ... ما خصصت من السناء والسنا أشرقت الدنيا بها إذ أحدقت ... بها قصور وسط روض مشتها ما أعين رأت ولا قد سمعت ... أذن ولا خطر قط بحشا رفع سمكها شريف مصطفى ... من آل أفضل العباد المصطفى

مشرفة على حمى حمرية ... ذات المعانى والحلى والحلا تالله ما أبصر طرف مثلها ... في الكون طرا قط منذ نشا يكاد زيتها يضئ في الدجى ... من قبل أن يمسه جمر الغضا صفوفها جند لحاضرتها ... يحرسها ممن بغى ومن طغا محتميا بعلمى ورزيغة ... ذات السرور والحبور والهنا تأمل في أبى السلو إذ جرى ... مسبحا لله في در الحصا كسا الرياض حللا من سندس ... فسجدت لله شكرا للحبا حلى السواعد سوارى ذهب ... والساق خلخالى لجين قد صفا يغشى عيون الناظرين نورها ... من كل لون مشرق يذكى الحجا بالبنفسج زها بزرقة ... على يواقيت الشقيق وازدهى فانتصر الورد له لمرحم ... فسليا لسانه من القفا وصعد النرجس فيه طرفه ... أطراق كرا إن النعام في القرى فطأطأ الرأس صغارا وانثنى ... وأظهر الخجلة سنه واستحا شأن من طغى تجبرا ... لا بد أن ينبذ يوما بالعرا وأظهر الخيرى خيرا في الضحى ... وهو يشرق إذا الليل سجا مختفيا من الرقيب في الدجى ... وشانه النمام خبرا ففشا حروف خط فوق طرس أخضر ... مرصع جاءت لمعنى معتما أصل زكا فرع زها زهر ذكا ... نهر سلا روح جلا ظل ضفا تنازع الأذن العيون غبطة ... فيها إذا سجا الحمام أو شدا جنتها الدنيا التي قد زخرفت ... لمن أقر نفسه على الهوى

هوى لكن محجوبة في خدرها ... تحن للعشاق أرباب النهى أطرق طرف الشمس منها خجلا ... وربما غاب بسحب كالدمى فكم رشفنا ثغرها بمحضر ... من خلها الذى إليه تنتما وكم أدارت كاس أنس في الدجا ... حتى بدا وجه الصباح وانجلا وسبحت كأس ببحر من طلا ... ملتطم برشف ريق قد شفا أم الكنوز قد حوى مالكها ... من الكنوز الفاخرات ما حوا أم العشير حولها تفخر في ... حللها على بنى موسى الرضى وما رعت ذمام قصر مَرِض (¬1) ... ولا ذمام قصر (¬2) يكدر السها بل رغبت عنهم عساها أن ترى ... وجه العروس كى تفوز بالمنى لله ما أبهى محياه الذى ... جماله في كل عين قد حلا يحن شوقًا لجنان العافية ... شغفه الوهاد منه والربا وما استوى إلى مياه ملك ... فباب ريح اليمن منتهى الحمى محل أنس الغانيات في الضحى ... ومربع الظبا ومرتع المها فالنور منه شاخص كمقلة ... من ذهب إنسانها مسك ذكا يهوى شباب الشمس غضا ناضرا ... دابا ويذيل إذا الشبيب عرا ويحه أحرق حشاه حبها ... فصار أحوي من تباريح الجوى كأن أرضه سماء قد بدلت ... نجومها مشرقة وقت الضحى وحوله الرياض قدما قد محت ... رسومه أيدى الزمان فانمحى أين البروج والحصون حو ... والمسجد الأسمى السنى المبتنا ¬

_ (¬1) في المطبوع: "مرضن". (¬2) كذا في المطبوع.

أودى بها الدهر الديهار إن في ... ذاك لآية لأرباب النهى فيا لها من آية دلت على ... أن ليس يبقى غير من له البقا لا تعجبن ما دمت حيا يا فتى ... من كدر الدهر إذا هو سطا ما أبررت إلا حقيق نعتها ... لكن على غير منعوتها جرى ما زال يوم الأربعاء يذكرنى ... وحال هذه المغانى في الصبا على أنى في رتبة تسمو السها ... أحبر في روض العلوم والعلا أحرر النقل بذهن ثاقب ... ليلا وعند الصبح يحمد السرى فأحكم الدرس بقول رائق ... يملى على كل ضمير ما نوى أطواراً أطرب لحل مشكل ... وربما أنصب مما قد زوا مشمرا عن ساعد الجد وقد ... ساعدنا الجد بكل مبتغى ممتطيا ذرى المعالى دائما ... وقصد من شيمته العلو العلا موفقا بالله مهديا به ... مؤيدا بنصره كما أشا فقل لمن رام لحاق رتبتى ... شتان ما بين الثريا والثرا وهل ينال المجد يوما من ونى ... أم هل ينال الرشيد يوما من غفا بل ذاك محض فضل ربنا الذى ... أعطى العبد كل شئ فهدى ظنوا بأنى قلق وما دروا ... أنى امرؤ عن موقف الذل نأى والحر يستف الثرى ولا يرى ... عليه فضل أحد من الورى همته بالله لا بغيره ... بالله أخذه وبالله العطا ومن تمام فضله عليه أن ... منع ما أطغى وأعطى ما كفى أحمده حمدا يوافى ما حبا ... غير أن لا أحصى عليه من ثنا اهـ. كما وجد.

وقول بعض نبغاء الثغر التطوانى متوجا أوائل الصدور بما لفظهه "مكناسة حسناء": مكناسة الزيتون فردوس الدنا ... تزهو بهجتها على الزوراء كلفت بها النجم المنيرة فانثنت ... سكرى بها تدنو إلى البطحاء نور الغزالة مستمد جمالها ... حصباؤها در ترى للرائى أبناؤها أهل الذكاء سجية ... أهل السخا يسدون للغرباء سيما التمدن في جباههم فهم ... بين الورى كالشامة البيضاء تختال من رقص البلاغة ألسن ... لهم كميس الغادة العذراء حزت الفضائل والتقدم للعلا ... مكناسة والطيب في الأهواء سادت طرائقك الفسيحة غيرها ... نسخت بحسن آية الأقذاء نالت عذوبة كوثر أودية ... تختال فخرا من لجين الماء الله يعلم أننى أحببتها ... أو ما تراها مسكن النبلاء أهل بهم سعد الزمان وأخضبت ... أهل السخا بالبلدة الغراء وقول صديقنا المؤرخ الأشهر أبى عبد الله محمد بو جندار الرباطى دام إسعاده: مكناسة عهدى بها مرفوعة ... فلايما نصبت على التمييز فتأرجت وتبرجت وتبرزت ... مثل العرائس ساعة التبريز وكفاك أن رياضها وحياضها ... تنسيك في "فرساى" من باريز هاتيك إسماعيل أبدع صنعها ... ولهذه آثار صنع "لويز"

وكلاهما بلد عليه حلة ... في غاية الإبداع والتطريز وعلى قصورهما المحاسن أصبحت ... مقصورة كتقاصير الإبريز من لى بزورة تلك أو هذى فهل ... حكم القضاء أتى على التجويز لا خيب الله الرجا حتى أرى ... وعد الزمان اليوم في تنجيز وقوله: مكناس ليست لو ترى حجراتها ... إلا كناسا للظبا ومهاتها بلد بها يأتى إلى المضنى الشفا ... يا حسرة المضنى إذا لم يأتها طاب الهواء مع الهوى في حيها ... والماء كالصهباء في كاساتها إن جئتها تسقى بأكواب وكأ ... س من معين في أكف سقاتها فكأنما هى جنة الرضوان طا ... ف الحور والولدان في عرصاتها سافر إليها عاجلا أو آجلا ... واغنم بها السراء قبل فواتها وإذا لمحت معاهدا قد أومضت ... ومضت بها اللذات في أوقاتها حى ابن زيدان الرِّضا والأحمد يـ ... ـن الناظر الأسمى وخير قضاتها وقول الأديب الماهر الفقيه السيد إبراهيم بن أحمد السلوى العدل الأول بنظارة الأحباس بالدار البيضاء: إن مكناس بلدة خصها اللـ ... ـه برحب الفنا وطيب النسيم بلدة للمحاسن الغر أمست ... مركزا ينتديه كل كريم بلد طيب ومرعى فنسيح ... خصب معشب بصنع الحكيم فيها الاطمئنان ألقى عصاه ... وازدهت في معارف وعلوم

وبها كانت الفطاحل من كـ ... ـل وزير وقائد وزعيم وبها الدولة العظيمة كانت ... لأبى النصر والفخار الصميم كان فيها إذ ذاك وقع عظيم ... ودوى يروع كل مظلوم إلى أن قال: وبمكناس كم مآثر تتلى ... أودعتها الرواة بطن رقيم وكفى نهرها الذى حل منها ... بمحل السوار في زند ريم ما لغمدان ما لبغداد معنى ... مشبه بالذى حوت من رسوم ذاك باب المنصور يشهد بالعجـ ... ـز لمن رامه بعيّ ذميم واستجدت بهمة المتوليـ ... ـها فقرت جفون كل مقيم وإلى الآن لم تزل في ترق ... واعتناء معضدا بقروم وقول نابغة الشرق وناطورة الأدب الشيخ رشيد مصوبع اللبنانى: في المغرب الأقصى رأيت مدينة ... فيه تعد حديقة للناظر مكناس هاتيك الديار فحيها ... يا من مررت بها بشوق وافر لم يحك رقتها سوى ماء بها ... شبم وغير شذا نسيم عاطر وقول صاحبنا الفقيه الأديب الناظم النثر السيد محمد بن الحاج السلمى الفاسى: على مكناسة الزيتون سور ... يقول لساكنيهما لا تخافوا هى الدنيا جمالا وافتخارا ... وإنى في حياطنها لقاف وقوله على لسانها:

يمثلنى ذو اللب أول ما يرى ... حصونى بجيش للحروب عرمرم فيخشى من التمثيل ما ليس يختشى ... من المرهف البتار وهو مصرم فصينت دماء القوم والمال كله ... وأصبح شمل البغي وهو مهشم ولم لا وغصن الحسن منى أعاده ... جلال ملوك الغرب ذاك المقدم بمولاى إسماعيل كنت وحيدة ... وكل بحسن الوضع منى مغرم فلا زال رضوان من الله عاطفا ... على رمسه والشأن منى معظم وقوله: بمكناسة الزيتون من ملح الحسن ... معان بها تعلو على كل ذى زين لها الشرف الذاتى وفى الغير عارض ... إذا ما أعارت بعض ما لاح للعين فمن شام دور الحى منها وقد سمت ... تخيل أزهارا منوعة اللون وقول محبنا الفقيه العدل السيد عبد القادر العلمى المكناسى شهر بالعرائشى: يا ناظرا مكناسة الزيتون ... ذات البها والحسن والتحسين نزه لحاظك في أجنتها التي ... تحيى فؤاد العاشق المحزون وانظر إلى أسوارها وبروجها ... قد أسست للفخر والتحصين فكأنها ملك بدا في عرشه ... ليرى دفاع الهاجم المفتون أو أنها عذراء حسن أحرست ... بجبالها عن ناظر بعيون أحسن بها من بلدة فمياهها ... قد أجريت من كوثر ومعين يكفيك فيها شرحها بهوائها ... صدرا لمكلوم الحشا بعيون ولحسن منظرها البديع أنشدت ... (يا ناظرا مكناسة الزيتون)

وقول صاحبنا الأديب الفقيه القاضى السيد محمد الشنكيطى البيضاوى: لله لله ما أبهاك مكناس ... أرض هى الأرض بل ناس هم الناس بها القصور وأسوار مشيدة ... كالراسيات وأبراج وأقواس تجسم الفخر في تلك المعاقل والـ ... ـجلال والعزم والسلطان والباس وماؤها السلسبيل العذب باكره ... ريح هو المسك أنفاس فأنفاس يكفى مدينتها أن الكبير بها ... يضئ من علمه الفياض مقباس إلى روائح من أخلاقه عبقت ... ما الرند منها وما الريحان والآس وقول صديقنا العلامة المشارك المتضلع السيد أحمد بن العياشى سكيرج من قطعة: فما مكناسة الزيتون إلا ... جنان الخلد أو دار السلام هى الدنيا بها قد حاط قاف ... لها من كل ما يحتاط حام فمن فيها يحل ينال أمنا ... به يحظى بحفظ مستدام وفيها وسادة فقهاء فاقوا ... سواهم في جلال واحترام وقوله: عرج على مكناسة الزيتون ... فيها حلول الطالع الميمون بلد تريك ضخامة الملك العلى ... وتريك ما هو قرة لعيون بلد بها ماء الحياة جرى وقد ... طاب الهوى فيها، غير الدون لله من بلد تحلى أهلها ... بإقامة المفروض والمسنون ولهم من الآداب ما يسبى النهى ... مع حسن أخلاق برفع شئون

فعليهم أذكى السلام يعمهم ... بالطيب من صب بهم مفتون وقوله: سكنت في مكناس ... فعرفت خير الناس حتى تكون مفاخرا ... أولى الندا والباس بلد بها تحيا النفوس ... بطيب الأنفاس ما دمت لم تسكن بها ... لم تحظ بالإيناس قوله: مكنس الغزلان مكناس وهل ... مثل مكناس يري في المغرب بلد فاقت بمن حل بها ... وبماء وهواء طيب وقوله: هذه مكناس يا قوم بدت ... هل رأيتم حسنها يسبى النهى بلدة طابت وطابت ناسها ... وبها الأنفس قرت عينها وقوله: خليل فسر بى (¬1) بين سربى لمكناس ... ففيها تطيب النفس من بين أنفاس لقد زرتها أزمان كان مساعدى ... زمانى بناس كنت أعتادهم ناسى فشاهدت أرضا لا نظير لها ولا ... نظير لمن فيها لدى الجود والباس وقد زادنى فيها ابن زيدان غبطة ... بها وبه قد تم في الناس إيناسى فَسِر بِى كى تدوم مسرتى ... فإن لم تَسِرْ بالرجل سرت على الرأس ¬

_ (¬1) في المطبوع: "خليل سربى" وهو غير صحيح عروضيا، والأبيات من بحر الطويل.

وقول الأديب أبى على حسون بن على بن عمر القسمطينى المعروف بابن الفكون في قصيدة له في رحلته من قسمطينة إلى مراكش كتب بها إلى أبى البدر ابن مردانيش وهو بقسمطينة عدد فيها البلادات التي دخل فيها مطلعها: ألا قل للسرى بن السرى ... أبى البدر الجواد الأريحى إلى أن قال: فيها: وما مكناسة إلا كناس ... لا حوى الطرف ذى حسن سنى وقول الوزير السيد الشرقى الإسحاقى في رحلته: تذاكرنا الغرب يوما ونحن بمصر فذكرنا مطمح النفس، ومحل الأنس، مكناسة الزيتون وما بها من المعاهد التي استفتى القلب فيها نفسه وإن أفتاه المفتون، ففتت الشوق مناكل كبد، وبرح كل منا بما يجد، فأنشدنى صاحبنا الفقيه الأديب السيد بلقاسم بن الفقيه العلامة السيد سعيد العميرى لنفسه ما أنشده أيام نزوحه عن الحضرة المذكورة وجلائه عنها أيام الحادث الجارف، الذى استدعى التالد والطارف، بناحية جبل غمارة: يا للوى لعمارة ... شئمتها بغمارة أرابنى اليوم أمر ... كنت امتطيت غماره إلى أن قال: وكيف لى وبكره ... خلى الحبيب وداره فليس يبغى سواها ... مأوى ولو كان داره وقول حبيبنا الفقيه الكاتب الشاعر المطبوع الشهير السيد الحاج عبد الله القباج مشطرا للقطعة الشنجيطية المارة: لله لله ما أبهاك مكناس ... خصب ورخص وأغراس وأعراس

مكناس ما نظرت عينى نظيرتها ... أرض هى الأرض بل ناس هم الناس بها القصور وأسوار مشيدة ... ثشى وفيها من الإفضال أجناس وبين ساحتها الآثار ثابتة ... كالراسيات وأبراج وأقواس تجسم المجد في تلك المعاقل ... والفخار والعز قلب والعلا راس والمجد فيها مقيم والمهابة ... والجلال والعزم والسلطانه والباس وماؤها السلسبيل العذب باكره ... ريح الصبا وهواه الخمر والكاس ما مر منها امرؤ إلا ومر به ... ريح هو المسك أنفاس فأنفاس يكفى مدينتها أن الكبير بها ... هو الإمام الذى تصبو له فاس والأبلج الفرد من لو في الظلام سرى ... يضئ من علمه الفياض مقباس إلى روائح من أخلاقه عبقت ... فوق القياس وللأخلاق مقياس كأنها من جنان الخلد قد هبطت ... ما الرند منها وما الريحان والآس وقول المشطر المذكور لا زال يشنف الأسماع بخرائده، ويحلى النحور بفوائده: بمكناسة الزيتون أهل معالى ... وأهل عوالى بل وأهل علالى بلاد هواها لا يقاس به هوى ... بلاد حباها الله خير زلال بلاد هى السلوان للنفس والمنى ... وليس بها هم وغم كلال بلاد ويكفيك اسمها عن صفاتها ... كساها جمال الدهر ثوب جلال بلاد فما في الغرب من جنة ترى ... سواها وما فيما ذكرت تغال بلاد بها الجنات والحور غيدها ... وفيها من الولدان كل غزال

بلاد ولكن من هوى كل مهجة ... أقيمت بلا ريب ودون جدال بلاد لروح المرء روح وراحة ... وللجسم طب من أضر عضال بلاد متى تقبل بهمك نحوها ... دخلت وحد الهم باب جمال بلاد تنسى من أتاها بربعه ... وما غيرها ينسبه فيه بحال بلاد هى الدنيا فخذها غنيمة ... لنفسك دارا لم تسم بملال بلاد إذا أسقطت من أحرف اسمها ... وأوله حرفا ورمت سؤال يعود كناسا والكناس مخصص ... لسكنى الظبا والريم بين جبال بلاد بإسماعيل تزهو وتزدهي ... على كل مصر قد زها بظلال بأنحائها آثاره وفخاره ... وللملك والسلطان خير مثال وفي قلبها من نسله خير زمرة ... ومن آله الأطهار أفضل آل ومزوارهم في عصرنا وكبيرهم ... أبو زيد الغطريف راحة بال. حلاحل مغناها وجحجاح أهلها ... وأورعها مصباحها المتلالي سلالة زيدان الشهير بفضله ... قديما وأهل الفضل أهل نوال وإن أبا زيد لأكرم سيد ... بكناسة فاعلم وثق بمقالي شريف عفيف عالم متواضع ... وتاج فخار بل وسيف نضال وبحر من الآداب عذب مذاقه ... خضم وبحر العلم كنز لآلي له خلق كالزهر باكره الندى ... ووجه منير فديه ألف هلال فلا زال للعلم المقدس خادما ... ولا زال للتحقيق فيه موالي ولا زال للتاريخ كوكب أفقه ... ولا زال للآداب بدر كمال انتهى.

قاله وكتبه في ثاني عشري ربيع الثاني عام أربعة وأربعين وثلاثمائة وألف، ودودكم عبد الله القباج وفقه الله. انتهى. من خطه. وقول ابن عمنا الفقيه الأديب العدل مولاي الحسن بن النقيب الأبر البركة سيدي محمد بن العباس العلوي النَّجَار، الفاسي النشأة والدار والقرار: إذا افتخرت فاس بطيب معانيها ... ولطف أهاليها ورقراق واديها ومراكش الحمرا بطلع نخيلها ... وحسن سجايا أهلها وأغانيها وثغر رباط الفتح بالأدب الذي ... غدا مفرق العليا يصول به تيها فمكناسة الزيتون فاقت بتربة ... وطيب هواء وابتهاج مبانيها فما مثلها الزهراء في حسن منظر ... ولم لا وسبط المصطفى هو بانيها إمام همام ساعد السعد سعيه ... فكانت شموس الفضل مشرقة فيها وقول صفينا الشريف الأديب سيد محمد فتحا بن يحىي الصقلي: مكناسة ما لها في الحسن من ثاني ... تسبي عقول ذوي العرفان والشان وأهلها حسن أخلاق لهم جملت ... نسيت من لطفهم أهلي وأوطاني هواؤها عز أن يلفى له شبه ... به الدواء لمكروب وللعاني وماؤها السلسبيل العذب منهله ... يشفي السقيم به من كل أحزان هي العروس التي تجلي لمغربنا ... بين البلاد بحسن ثم إحسان فاقت برفعتها كل البلاد ولا ... يلفي شبيه لها قاص ولا داني وقول محبوبنا الأديب المفضال مراقب أحباس حضرتنا المكناسية سابقا وخليفة عامل فاس على فاس الجديد حينه السيد الحاج محمد بو عشرين.

يا رائدا للفخر والأيناس ... عرج لنيل المجد في مكناس بلد حباه الله كل مزية ... وحماه من زيغ ومن أدناس وكساه من ثوب الجمال أرقه ... ووقاه من شر ومن وسواس فغدا بوجه القطر شامة خده ... وبجيده عقد من الألماس تسمو معالمه بأقدس مشهد ... وبخير أرض أُخرجت للناس ونزاهة الأخلاق في نفس العلا ... وصيانة الأعمال في الأحباس وقول مالك أزمة الشعر الأديب الماهر السيد محمد بن المفضل غريط من قصيدة: يا نجل زيدان يا أندى الكرام يدا ... يا من أَضاءت به أرجاء مكناس مدينة من شكا ضيقا بمهجته ... ففي ترامسها لسقمه آس كان بركتها وجه سوالفه ... ما يبهج العين من أغصان أغراس يا حسنها إن حكت شمس الأصيل بها ... مخلص التبر محلولا بقرطاس تنال في حوزها أفكار زائرها ... ما لا تناله بالأوتار والكاس هوى يتيم من رقت طبيعته ... بلي يلين طبع النافر القاسي تلك الديار التي جلت ضخامتها ... فاستوجبت مدحها من جلة الناس وأُدعت من صنيع الملك ما وسمت ... بالعجز عن مثله ملوك أحناس ينبي بما كان للمجد المقدس من ... ملك عظيم جليل الفخر والباس يستوقف الفكر حتى لا يجيء له ... من كل أبنية الدنيا بقياس

وقوله من قصيدة: فلعله يجد السبيل لحضرة ... تسمو بنصرتها على "غمدان" بلد تصادق ماؤها وهواؤها ... كتصادق الأرواح والأبدان مغني القصور الشم والدور التي ... لم تلف في "شام" ولا "بغدان" مكناسة إحدى الشهود لمالك ... بعظيم منقبة ورفعة شان مجلى مآثر من تجول صيته ... في سائر الأقطار والأوطان إلى أن قال: بلد لها آوت أصولي عندما ... غمر" الجزيرة" وابل" الإصبان" فتبوءوا دارا يعز قطينها ... وتفيئوا في نعمة وأمان وتسنموا في دولة علوية ... رُتَبًا تُنَاهِضُ رتبة "السلماني" وتشرفوا بمراسم مرعية ... لم يخترم أحكامها الملوان بلد تكامل حسنها بفريدة الـ ... ـعقد قد الذي يغلو عن الأثمان وقوله: أهل الصفا والود من مكناسة ... الزيتون ذات البشر والسلوان وقوله بمكناس غنمت صفاء وقت ... وأنسا ما رأيته في سواها فإن أَكثرت ذكراها فإني ... شغفت بها وتيمني هواها وقول الفقيه الكاتب السيد محمد بن داني من قصيدة طنانة أنانة: لمكناس على البلدان فخر ... عميم والفخار لها قديم

وقول صديقنا الحميم العلامة سيدي المدني بن الحسني الحسني الرباطي: لله مكناس في حسن وإحسان ... يرنو لها كل إنسان بإنسان حديقة تدع الأحداق محدقة ... بمنظر يزدرى بـ"شعب بوان" بها يصح ضعيف الجسم من علل ... يرتد من حسنها صحيح أبدان لقد تجلت محاسن البديع بها ... على منصة ديوان وإيوان فمن مناخ بها صارت نسائمه ... بين الأماثل من أثمال ميدانى ومن روابي إذا اقتعدت صهوتها ... ترى القصي كـ (زرقاء) بميدان ومن قصور إذا رام البليغ لها ... وصفا يكون القصور وصفه الداني ومن دساكر فيها للعساكر قد ... كانت مبوأَة من نسل عبدان ومن حصون كغيل السيد ما فتئت ... مأوى الكمأة لمن يأتى بعدوان تناطح السحب و [الأهرام] من صعد ... ك [الدردنيل] و [واثور] (¬1) و [فردان] وقد تجلت مفاخر الإمارة من ... [أبي الفدا] فغدت تزري [بغمدان] يفتر ثغر (أصيلا) و (العرائش) مع ... [ثغر الزقاق] (¬2) لنصر فوق تبيانى ومن مدارس زانتها قد انبجست ... منها العلوم فأروت كل ظمآن ومن مساجد للعباد مزهرة ... كالكتبيين (¬3) بدت أو مثل حسان (¬4) ومن عيون بها للصادي مزهرة ... وكل راء وقاف ما (بوفكران) ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: بالروسيا. (¬2) في هامش المطبوع: طنجة. (¬3) في هامش المطبوع: بمراكش الحمراء. (¬4) في هامش المطبوع: الرباط.

ومن بساتين تحكي في منازهها ... حلي البدائع من در وعقيان وأخضر يانع وأبيض يقق ... وأصفر فاقع وأحمر قاني كأنها في جمالها وبهجتها ... آجام (جلق) (¬1) أو كغاب (بولان) (¬2) والورق تشدو على الأوراق من مرح ... والطير يرقص زهوا فوق أفنان والماء يعلو وقد أبدي لنا نغما ... كالناي وقعه (زرياب) (¬3) عيدان لذاك تنشد من أقوالها مثلا ... إذا سقتها السما بكل هتان إن البساتين (في الدنيا بلا عدد ... وليس فيها لعمري مثل) بستاني فقد تكامل فيها الحسن واتسقت ... لها الحلي فبدت عروس بلدان فأذكرتنا (فروق) (¬4) في مباهجها ... أو (الكنانة) (¬5) أو جسرا (ببغدان) (¬6) لما استعارت محاسن الشموس غدت ... عطر العروس وزادت بابن زيدان إذ صار بهجتها فضلا وكان بها ... [كاليحمدي] الرضا و [كابن حمدان] (¬7) عليك مني سلام عاطر أرج ... يعم ربعكم الزاهي إحسان وقول حبنا ناظر مكناسة الحالي الفقية الأديب أبي العباس أحمد الصبيحي السلاوي: ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: دمشق الفيحاء. (¬2) في هامش المطبوع: غابة بولينا ببارس. (¬3) في هامش المطبوع: مغني بالأندلس. (¬4) في هامش المطبوع: فروق الآستانة العثمانية. (¬5) في هامش المطبوع: مصر الفاطمية. (¬6) في هامش المطبوع: بغداد العباسية. (¬7) في هامش المطبوع: في حلب الشهباء.

عرج على مكناسة الزيتون ... متيمنا بالتين والزيتون وأنخ مطيك حيث منطلق الهوى ... يشفي الجوي والجسم بالتعيين حيث المياه الدافقات ترقرقت ... وجرت بأودية كما بعيون حيث البساتين الكثيفات التي ... كالغاب تحسبها بلا تخمين حيث الزياتين الكثيرات التي ... لا حد يدركها إلى زرهون حيث الصوامع شامخات في السما ... تقضي بكل عناية بالدين حيث المآثر جمة لملوكنا ... لا سيما المفضال إسماعين لا تنس منها دوره وقصوره ... ومعامل التحصين والتحسين وأماكن الأجناد والأسرى بها ... ومخازن التجنيد والتموين ولباب منصور تراه آية ... من أكبر الآيات في التمدين هذا وإن بها أفاضل جلة ... موتي وإحياء بهذا الحين ناهيك بالشيخ ابن عيسى منهم ... وكذاك رب الدار للمسكين واقصد بأحياء بها رب القرى ... من غير معرفة ولا تبيين عين البلاد أخو الوداد المرتضى ... العالم المخطوط في التدوين ذاك ابن زيدان النقيب ومن له ... في الخلق لطف الورد والنسرين أبقاه مولاه لنشر عبيره ... وسقي رياضا حلها بهتون وقولي: مكناسة الزيتون تيهي وافخري ... حزت الشفوف على بلاد المغرب بمناظر يسبي العقول جمالها ... وزلال مائك والهواء الطيب

وأريج أرجاء ولطف حدائق ... بك أَحدقت وبديع ربع مخصب وفواكه كالشهد إلا أنها ... مسكية تزري بثغر أشنب أعظم بما قد نلته من رونق ... يصبو له في الناس كل مهذب وقد شطر قطعتنا هذه قاضي مكناسة الحالي شيخنا أبو العباس البلغيثي حفظه الله بما لفظه: (مكناسة الزيتون تيهي وافخري) ... فالتيه من ذات المحاسن يعذب ولئن فخرت فلا غرابة حيث قد ... (حزت الشفوف على بلاد المغرب) (بمناظر يسبي العقول جمالها) ... جمد الذي بجمالها لم يطرب وجلال ربي قد سموت بموقع ... (وزلال مائك والهواء الطيب) (وأريج أرجاء ولطف حدائق) ... تحكي الفرادس من بهاها الأعجب لا غرو أن فقت البلاد بجنة ... (بك أحدقت وبديع ربع مخصب) (وفواكه كالشهد لولا أنها) ... فيها الشفا تغني عن المتطبب تغني عن الصباء إلا أنها ... (مسكية تزري بثغر أشنب) (أعظم بما قد نلته من رونق) ... هو موقف الأبصار للمتعجب فيه لنفس الأريحي راحة ... (يصبو له في الناس كل مهذب) وكذا صديقنا الأديب الماهر السيد عمر بري المدني: (مكناسة الزيتون تيهي وافخري) ... بالروض فيك كناس ظبي ربرب يكفيك أنك للجمال بأسره ... (حزت الشفوف على بلاد المغرب) (بمناظر يسبي العقول جمالها) ... وبطرز شكل ليس يفهمه غبي

وملاعب تلهو بلب ذوي النهي ... (وزلال مائك والهواء الطيب) (وأريج أرجاء ولطف حدائق) ... حدق الوري من حسنها لم تذهب وزهور أنوار الربيع بما احتوت ... (بك أحدقت وبديع ربع مخصب) (وفواكهه كالشهد إلا أنها) ... تنشي كسكر وسط كأس مذهب وتخال في استنشاق ريح أريجها ... (مسكية تزري بثغر أشنب) (أعظم بما قد نلته من رونق) ... راقت مدائحه لكل مؤدب أني يغض الذوق عنه وقد غدا ... (يصبو له في الناس كل مهذب) وخمس تشطير هذا بقوله: طاب الزمان يوجه روض أخضر ... الورد وجنته بخد أحمر زيتونه خال عليه عنبري ... (مكناسة الزيتون تيهي وافخري بالروض أنت كناس ظبي ربربي) كم فيك من لحظ يصيد بسحره ... ويصيب شاكلة الكمي بنحره لا حزم فيك مع المدل بمكره ... (يكفيك أنك للجمال بأسره حزت الشفوف على بلاد المغرب) زانت بك الدنيا فتم كمالها ... وتحسنت في نظمها أحوالها قد سلمت عند الورى أقوالها ... (بمناظر يسبي العقول جمالها وبطرز شكل ليس يفهمه غبي) ما حل فيك غريب دار قد وهي ... ألا تفتح من لهاك له اللهي بمنازه ما إن تقاس بمزدهي ... (وملاعب تلهو بلب ذوي النهى وزلال مائك والهواء الطيب)

أصبحت بين أزاهر وشقائق ... كقلائد القيان عند الرامق وبكل نعت قد حلا للعاشق ... (وأريج أرجاء ولطف حدائق حدق الورى من حسنها لم تذهب) فيك النفوس على مقاصدها استوت ... من كل شرب للظما منها روت ببلابل تنسيك (معبدا) إن روت ... (وزهور أنوار البديع بما احتوت بك أحدقت وبديع ربع مخصب) أما ثمارك إن أدلي فنها ... فكأنني للراح أفتق دنها ولديك في الأعناب ما ينهى النهى ... (وفواكه كالشهد إلا أنها تنشي كخمر وسط كأس مذهب) روح الشجي إن روعت بأجيجها ... وتغلغلت من حره بضجيجها فلروحها طب لرع مهيجها ... (وتخال في استنشاق ريح أريجها مسكية تزرى بثغر أشنب) حسناء نادي رفقها بترفق ... يا عاشقي هذي الملاعب فانتقي نزه عيونك في البهيج المونق ... (أعظم بما قد نلته من رونق راقت مدائحه لكل مؤدب) أما النعيم فتحت ذيلي قد بدا ... ولثغر أنسي رشفه فقد الصدى لا تدخر أُنسا تصابحه غدا ... (أني يغض الذوق عنه وقد غدا يصبو له في الناس كل مهذب)

وشطرها أيضا صديقنا الأديب الفقيه سيدي اليمني الناصري الرباطي النشأة والدار والقرار: (مكناسة الزيتون تيهي وافخري) ... بمفاخر تزهو بفخر مغرب جزت السماك ترفعا حتى لقد ... (حزت الشفوف على بلاد المغرب) (بمناظر يسبي العقول جمالها) ... تغني النفوس عن الأنيس المطرب طاب المقام لديك من طيب الهوي ... (وزلال مائك والهواء الطيب) (وأريج أرجاء ولطف حدائق) ... ضحكت على دمع الغمام الصيب وبأعين من نرجس حداقها ... (بك أحدقت وبديع ربع مخصب) (وفواكه كالشهد إلا أنها) ... تنسيك ذوقا كل ذوق أعذب فإذا ارتشفت أو اقتطفت وجدتها ... (مسكية تزري بثغر أشنب) (أعظم بما قد نلته من رونق) ... راق يروق لكل راء معجب قد هذبته يد الهنا حتى غدا ... (يصبو له في الناس كل مهذب) وكذا حبنا الفقيه ابن الحاج السلمي فقال: (مكناسة الزيتون تيهي وافخري) ... وطئى الثريا بالجمال المعجب أو ليس أنك فوق ما قد نلته ... (حزت الشفوف على بلاد المغرب) (بمناظر يسبي العقول جمالها) ... أسلت عن الحسنا ونغمه مطرب تصبو النفوس إلى مغانيك العلا ... (وزلال مائك والهواء الطيب) (وأريج أرجاء ولطف حدائق) ... كالهيف في حلي اللجين ومذهب فنون ما يهوي ويعشق حسنه ... (بك أحدقت وبديع ربع مخصب)

(وفواكه كالشهد إلا أنها) ... ساغت لآكلها كسوغ المشرب مدت له عند التناول نفحة ... (مسكية تزري بثغر أشنب) (أعظم بما قد نلته من رونق) ... يهدي لرائيه جميع المأرب لا زال عهدك والزمان رفيقه ... (يصبو له في الناس كل مهذب) وخمسها الشاب الأنجب الشريف الأديب المولي عبد المالك بن شيخنا البلغيثي المذكور: مكناسة حسناء بين الأظهر ... تختال في ذيل البهاء الأزهر ظهرت محاسنها بهذي الأعصر ... (مكناسة الزيتون تيهي وافخري حزت الشفوف على بلاد المغرب) بقصورك العليا العجيب جلالها ... وحصونك الشما العديم مثلها فكأنها الخضرا وأنت هلالها ... (بمناظر يسبي العقول جمالها وزلال مائك والهواء الطيب) عجبا لزخرفك القديم الرائق ... وبديع شكلك والبناء الشاهق وأريجك الأبهى الأنيق الشائق ... (وأريج أرجاء ولطف حدائق بك أحدقت وبديع ربع مخصب) ببنفسج وبنرجس ما بينها ... ورد يذكرك الخدود وحسنها وعصافير بالأيك تبدي لحنها ... (وفواكه كالشهد إلا أنها مسكية تزري بثغر أشنب) قد فقت صونا كل فرد أبلق ... وحويت فضلا ماله من ممحق وعليك ألوية الفخار تخفق ... أعظم بما قد نلته من رونق يصبو له في الناس كل مهذب)

إلى غير هذا مما يطول، وليس لغايته وصول. ثم إن ما توارد عليه هؤلاء الأدباء وغيرهم من محاسن مكناسة منظور فيه إلى الحسن الفعلى الحالي تارة وإلى الأصلي الذي عضدته آثاره أخرى، إذ لا محالة أنها كغيرها تعاورتها أطوار الزمان، وكسفت المرة بعد الأخرى بأيدي الامتحان. وما دام في العيش خير لا بد أن يقابل كل شروق بغروب، وَمِنْ أنْ يتقلب فصل الربيع المحبوب، في أطوار باقي الفصول وبذلك يكمل المرغوب، وعلى ذلك نبه علامة مكناسة ومؤرخها وأديبها ابن جابر الغساني بقوله: لا تنكرن الحسن من مكناسة ... فالحسن لم يبرح بها معروفا ولئن محت أيدي الزمان رسومها ... فلربما أبقت هناك حروفا هذا وحيث أتينا ببعض ما امتازت به هذه المدينة من الفخر، وجئنا للمطالع المنصف بما يجده نعم الذخر، ومنحناه تلك المنح المزرية برقة الملح، وروينا الظماء من عذوبة أخبارها، فلا بد أن نأتي على المطلب الثالث ونحلي تاج مفرقها بذكر ما لا غني عنه من تراجم من حفظت ترجمته من علمائها وأحبارها، مشاهير الإسلام وحماته، وحفاظه وحاملي راياته، ونظم نثار أوليائها شم الأنوف، الباذلين مهجهم في عرفان من هو بالديمومة معروف، أولئك الذين رفعوا بانتصابهم لنفع العباد، وإرشاد الخليفة حاضرها والباد، مرتبا تراجمهم على ترتيب حروف المعجم غير مبال في نظمها بتقديم من تأخر، أو تأخير من تقدم، لا أهمل من الحروف غير حرف عدمت تراجمه، أو جهلت معالمه. أذكر أولا ما حلي به كل واحد منهم بنصه، ثم أذيله بما وقفت عليه زائدًا من أحوال شخصه، وأطرز حلل أولئك الأعاظم، بذكر ما للناثر منهم إن وقفت

عليه والناظم. ملتزم التعرض لذكر من كان أصله منها، سواء استوطنها أو رحل عنها، ولمن كانت له ولاية أو إقبار بها، ولو كان من غير سر بها، أو هاجر إليه لما صح عنده من عموم برها، وتعجيل خيرها، واتخذ دار استيطان فأسلته عن تذكار الأهل والأوطان. معتمدا في النقل على ما يتلي عليك من الكتب الذي عرفت جلالة أربابها. وأجمع العقلاء على أنهم أتوا البيوت من أبوابها. كنفح الطيب، ووفيات ابن خلكان، وتكملة الصلة للحافظ أبي بكر ابن الأبار القضاعي، وفهرسة مسند فاس أبي زكرياء السراج، وخلاصة الأثر للمحبي، ودرة الحجال، والرياض الربانية، والمنح البادية، في الأسانيد العالية، ونيل الابتهاج، وكفاية المحتاج، ونشر المثاني والرحلة العياشية، ودوحة الناشر والصفوة، وفهرسة ابن غازي، وتعريف السلف، وروض القرطاس، وابتهاج القلوب، ومرآة المحاسن، وممتع الأسماع، وابن خلدون، وسلوة الأنفاس، والإحاطة، وتحفة الزائر، ببعض مناقب سيدي أحمد بن عاشر، لابن عاشر الحافي، وجواهر السماط وتعطير البساط، بذكر تراجم قضاة الرباط، والجيش العرمرم، وخمائل الورد والنسرين لأكنسوس، ودوحة المجد والتمكين لمحمد الغالي الإدريسي العمراني اللجائي، ورحلة النابلسي الكبري، وفهرسة النخلي، وفهرسة ابن سالم البصري، والسلسل العذب للحضرمي، والنبذة اليسيرة النافعة، التي هي لأستار بعض أحوال الشعبة الكتانية راجعة. لشيخنا الإمام سيدي محمد بن جعفر الكتاني، والفتح الوهبي للحاج العربي بن داود، وأداء الحق الفرض في الذي يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض، لأخينا النسابة المعتني مولاي عبد الحي الكتاني، وسلوك الطريق الوارية للشيخ والمريد والزاوية للإمام الزيادي، وفهرسة سيدي العربي الدمناتي وثبت الأمير الكبير، وثبت ابن الصباغ، والشجرة الشما لمولاي الزكي العلوي، وسلك

الدرلابي الفضل المرادي، وكتاب صله الصلة لأبي جعفر أحمد بن الزبير، ورحلة الإمام العبدري، والاستقصا، ورحلة ابن عثمان المكناسي، المسماة إحراز المعلى والرقيب، وبغية الوعاة، والبدور الضاوية، والدرر البهية، وفهرسة الشيخ التاودي، وفهرسة أبي القاسم الميري، وذيل السلوك وعجائب الآثار، والروض الهتون، والمعجم المختصر لشارح الإحياء، والقاموس، والإصابة، وما تلقيته من مشايخي النقاد، وأخلائي الأنجاد، أو نقلته من كنانيشهم أو شاهدته بالعيان إلى غير هذا مما يطول تعداده وقد اكتفيت بذكر المواد التي لي منها الاستمداد، عن نسبة النقل في التراجم غالبا فأقول:

المطلب الثالث: في تراجم السلاطين والأمراء والأعيان والعلماء

[المطلب الثالث] [في تراجم السلاطين والأمراء والأعيان والعلماء] [حرف الألف] 1 - منهم: أبو إسحاق إبراهيم بن يحيي بن أبي حفاظ مهدي الأمام المكناسي. حاله: فقيه نحوي، مشارك نبيل، ماجد وجيه، وقور أحد الفضلاء الرحالين. دخل الشام والعراق وأفاد واستفاد وكانت له يد في الشعر والأدب. ذكره الذهبي وأورده صاحب بغية الوعاة ونسباه لمكناسة. مشيخته: سمع من أبي الحسين بن زرقون وطائفة بإشبيلية. الآخذون عنه: أخذ عنه الحافظ الدمياطي وغيره. ولادته: ولد سنة ستمائة. وفاته: توفى بالفيوم سنة ست وستين وستمائة. 2 - ومنهم: أبو إسحاق إبراهيم بن موسى المصمودي التلمساني. حاله: كان عالما محققا مدرسا صالحا زاهدا ممن أوتي الولاية صبيا، وحل من رياسة العلم والزهد مكانا عليا، جاهد في العلم والعبادة إلى الغاية القصوي، ورعا وزهدًا وإيثارًا، متابعا على البر، متبعا طريق السلف أحب الناس لمذاكرة العلم، كثير الرغبة في الاجتماع بأهل العلم والفضل، شديد المحبة في المذاكرة، أعلم أهل وقته بالسير وأخبار السلف والعلماء كافة من متقدم ومتأخر. انقطع لخدمة الله تعالى فكفاه ما أهمه، له كرامات كثيرة، منها ما حدث به ¬

_ 1 - من مصادر ترجمته: بغية الوعاة 1/ 419، تاريخ الإسلام، وفيات (661 - 670 هـ) ص 219. 2 - من مصادر ترجمته: كفاية المحتاج 1/ 99، نيل الابتهاج 1/ 42.

3 - ومنهم: إبراهيم بن عبد الكريم أبو إسحاق.

أصبغ، وابن حبيب دون المشهور لعذر، ثم حصل لي ألم شديد، فاعتقدت أنه عقوبة لترك المشهور، ثم زرت الشيخ وأنا متألم فقال له: مالك يا فلان؟ فقلت: ذنوبى، فقال فورا: لا ذنوب على من قلد أصبغ وابن حبيب. وكان ربما يرد ما يهدي له من طعام فربما يتفقد المهدي فيجب موجب الرد من شبهة فيه من ضجر أهل البيت أو غيره. قال السوداني في "كفاية المحتاج" وذكر غير واحد أنه كان خارج البلد في وقت لا يدرك فيه الباب ثم يرونه في البلد، وكان يلبس جيد الكساء فقط يعري رأْسه أكثر الأوقات، وكان إذا وجد نوار الربيع أمعن النظر في ألوانه وصفته فيغلبه الحال ويتواجد ويتبختر ويقول هذا خلق الله الآية. ولد بمكناسة الزيتون وقرأ بفاس. مشيخته: أخذ عن الإمام موسى العبدوسي، والإمام الأبلي، وشريف العلماء أبي عبد الله التلمساني، والقاضي سعيد العقباني. الآخذون عنه: من جملتهم أبو عبد الله بن جميل وناهيك به. وفاته: توفي عام خمسة وثمانمائة وحضر جنازته السلطان على قدمه. 3 - ومنهم: إبراهيم بن عبد الكريم أبو إسحاق. حاله: كان فقيها مدرسا بمكناسة الزيتون، يقرر أقوال الأئمة وكلام الناس والمختصرين، ويعلم الصبيان ويدرس المدونة. وفاته: توفي بعد سبعة عشر وسبعمائة. 4 - ومنهم أبو إسحاق الشيخ إبراهيم بن أبي الفضل بن صواب الحجري (¬1) من أهل شاطبة). حاله: كان من أهل المعرفة بالعربية واللغة والأدب، وتجول البلاد معلما بها ¬

_ 4 - من مصادر ترجمته: بغية الوعاة 1/ 406، التكملة لابن الأبار 1/ 122، جذوة الاقتباس 1/ 88، صلة الصلة 5/ برقم 84. (¬1) تحرف في المطبوع إلى: "المجري" وصوابه لدى ابن الأبار الذي ينقل عنه المصنف.

5 - ومنهم: أبو إسحاق إبراهيم بن عبد القادر الزرهوني.

تعلم الطب وقعد للعلاج بطنجة، واستقر آخر عمره بفاس في نحو ست وخمسمائة. قال ابن الأبار في "تكملته" أكثر خبره عن ابن عُزَير (¬1) ذكره ابن عياد وفيه عن غيره. مشيخته: روى عن أبيه، وأبي عمر بن عبد البر، وأبي الحسن بن سيدة وأبي إسحاق بن خفاجة، وله فيه مدح. وفاته: توفي بمكناسة الزيتون وهو ابن إحدى وثمانين سنة. 5 - ومنهم: أبو إسحاق إبراهيم بن عبد القادر الزرهوني. حاله: كان من صدور كتاب الدولة الرشيدية العلوية الحسنية وأجل حملة الأقلام بها، أديبا نحريرًا منشئا بليغا وجيها مبجلا، فقيها نبيها أريحيا مهذبا، ملحوظا بعين الإجلال والإكبار من عظماء دولة السلطان الأفخم مولاي الرشيد بن الشريف بن على الحسني السجلماسي. وفاته: توفى عشية الاثنين سابع عشر شعبان عام ألف وثمانين رحمه الله. 6 - ومنهم: أبو إسحاق إبراهيم بن عبد العزيز الخياطي. من ذرية الولي الأكبر سيدي عبد الله الخياط دفين جبل زرْهُون. حاله: فقيه جليل قدوة، ماجد بركة، نزيه عالي المكانة، ولي صالح متبرك به أورده في جواهر السماط وقال: إنه دفين داخل باب الفتوح من فاس، ولم يذكر له غير هذا. ¬

_ (¬1) تحرف في المطبوع إلى "عزيز" بالزاي المعجمة في آخره، وصوابه ندى ابن الأبار الذي ينقل عنه المصنف. 5 - من مصادر ترجمته: الإعلام بمن غبر في موسوعة أعلام المغرب 4/ 156. 6 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2784 وفيه "وفاته سنة 1308 هـ".

7 - ومنهم: أبو إسحاق إبراهيم بن القائد الطبيب الأندلسي المراكشي ثم المكناسي ثم التونسي.

7 - ومنهم: أبو إسحاق إبراهيم بن القائد الطبيب الأندلسي المراكشي ثم المكناسي ثم التونسي. أحد أطباء الحضرة السلطانية الإسماعيلية. حاله: طبيب ماهر حكيم عظيم الشأن من أجلاء الحكماء المتقين الكامِلي المهارة، الملازمين لسيدنا الجد الأكبر السلطان الأعظم مولانا إسماعيل، المرجوع إليه في المعضلات من الداء، وكانت مسائله كلها متقنة. وكانت له بمكناس حانوت اتخذها ليقصده الناس للسؤال عن مسائل الطب ولاشتراء الأدوية منه، ثم انتقل إلى تونس واتخذ بها حانوتا لما ذكر وسمي نفسه هنالك محمدا الأندلسي، فغير اسمه لأمر معلوم أَحوجه إلى ذلك، والضرورات تبيح المحظورات، كذا أخبر عنه تلميذه ابن شقرون الطبيب المكناسي صاحب الشقرونية المتداولة بين أيدي عامة الناس وخاصتهم، حسبما وقفت على ذلك بخط العلامة الثبت المتقن السيد محمد فتحا الخياط بن إبراهيم المشنزائى -بنون فزاى- الدكالى الأصل، من أولاد ابن إبراهيم الدكاليين بفاس، بيتهم بيت علم وصلاح ومتانة دين ورياسة وجلالة. الآخذون عنه: أخذ عنه أبو محمد عبد القادر بن شقرون المكناسي مسائل كثيرة من الطب. 8 - أحمد الذهبي السلطان أبو العباس أحمد (¬1) الذهبي بن فخر ملوك المغرب وأعظم سلاطينه سيدنا الجد مولانا إسماعيل بن الشريف الحسني العلوي. آتي الترجمة قريبا بحول الله. ¬

_ 8 - من مصادر ترجمته: نشر المثاني في موسوعة أعلام المغرب 5/ 2001. (¬1) في هامش المطبوع: قال الحافظ العسقلانى في تبصير المنتبه بتحرير المشتبه: "والمشهور أن أول من تسمى بأحمد بعد نبى الله - صلى الله عليه وسلم - والد الخليل بن أحمد. لكن زعم الواقدى أنه كان لجعفر بن أبى طالب ابن اسمه أحمد. أفاد ذلك أبو بكر بن فتحون في ذيله على الاستيعاب.

حاله: كان جوادا كريما شفيقا حليما، وكل ما صدر من الشدة والقساوة وقتل الأنفس في دولته فبإلزام من العبيد وإكراه له على فعله، وقد كان قيد حياة أبيه ساعيا فيما يرضي ظاهره، استخلفه والده بقطر تادلا وغيره حسبما أوضحنا ذلك في "المنزع اللطيف" ولم يسمع عنه ما يريب مدة تقلباته في أطوار الخلافة على والده، وسيره مبسوطة بوافر العطاء الشامل للقاصي والداني. ولما نقل الله والده إليه -وذلك يوم السبت ثامن عشرين رجب عام تسعة وثلاثين ومائة وألف- اجتمع رأْي قواد العبيد ذوي الشوكة وأبطال الودايا ورؤسائها ثم العلماء والأشراف والوزراء والكتاب وصدور الدولة على بيعة المترجم فبايعوه بإلزام لهم من العبيد وزرعوا بيعته بذر الفوضي والعتو، وأوقدوا نيران الفتن. وحملهم على اختيار المترجم دون باقي إخوته ما عرف به من الجود والبذل الواسع، حتى إِن الأسير الإنجليزى البحرى "تومابلودام" حكى في رحلته المطبوعة باللغة الإنجليزية أن العسكر فرحوا بتوليته لكونه كان يسدل لهم جم العطاء، ولم يكن والده عهد إليه كما زعم الزياني، فقد ذكر صاحب "الجيش" أن السلطان العادل مولانا سليمان كان يحكي لهم مرارًا أن مولانا إسماعيل لما أيقن بالموت دعا رفيقه وعالم حضرته أبا العباس اليحمدي وأكد عليه في أن يشير عليه بمن يصلح للولاية على المسلمين من بعده، وكان آخر الأمر بعد الممانعة التامة قوله: يا مولانا، اعلم أنه ليس لك ولد، أوْلا ولد لك. فقال له السلطان صدقت والله، وودعه وخرج ولم يعهد لأحد، قال: وكان مولانا سليمان يحكي ذلك في شأن بعض أولاده، وأما قول الزياني: إن مولاي أحمد ولي العهد فليس كذلك، ومن العجب أنه قال إنه سمع هذه الحكاية من مولانا سليمان كما سمعناها منه ولا بعد فيه ثم يقول: إِنه ولي العهد، مع أن مولاي أحمد رحمه الله قيل إِنه كان لا ينفع نفسه لعدم صحوه فهو طافح دائما. انتهى. ولم يعرج على العهد له في "درة السلوك وريحانة العلماء والملوك" مؤلفه

العلامة الأصيل، المفوه الجليل، مولانا عبد السلام بن السلطان الأعظم سيدي محمد بن عبد الله، ورب البيت أدري بما فيه، وأهل مكة أدري بشعابها، ولا سند ولا سلف للزياني فيما تقوله واختلقه، وإنما التقديم والتأخير إذ ذاك كان بيد العبيد حسب أغراضهم الشخصية حسبما علم بالاستقرار من أحوالهم الاستبدادية: أشاعوا أن والده عهد إليه كي لا تتشوف نفوس إخوته لمنازعته الأمر، واختلقوا له طابعا باسمه وكتبوا عدة مكاتب لسائر البقاع المغربية وطبعوها بطابعه مظهرين أن والده عهد إليه بالخلافة من بعده، ومموهين بما كان له من الحظوة والمكانة مدة خلافته لديه، وأنه لم يحفظ عنه إذ ذاك ما يدنس سمعته أو ينتقد عليه، وأوعدوا من شق عصا طاعته بما يلزم البغاة المحاربين، وصرحوا بكينونتهم عند أمره في الشدة والرخاء والمنشط والمكره، والحال أنهم مصرون على خلاف ذلك إن لم يكن رهين نظرهم. ولما شاهد أهل مكناس الجد من المترجم وأنه عزم على تدمير مدينتهم بما نصبه عليها من المدافع -حسبما ذكر ذلك الأسير تومى الإنجليزي في رحلته ونقله عنه مختصر الرحلة صحيفة 9 - بايعوه خوفا من تدمير المدافع وصولة العبيد وقواهم على الامتثال ما سمعوا المترجم يعلن به من أنه لا يقبض من الرعية غير الزكوات والأعشار فتمت له البيعة بمكناس. وبلغ نعي والده أهل فاس -وقد كانوا قاموا قومة شنعاء في وجه عاملهم أبي على الروسي- فاجتمع العلماء والأعيان وذوو الحل والأبرام بالضريح الإدريسي الأزهر وبايعوا المترجم وأوفدوا عليه ببيعتهم للعاصمة المكناسة جماعة مؤلفة من وجوه الأشراف والعلماء والتجار وذوي الحيثيات، وقلوبهم مملوءة رعباً بما صدر منهم من الإيقاع بعاملهم المذكور ونهب أمواله، معتقدين أنه يقابلهم بما يقابل به من ارتكب ما ارتكبوه من الإجرام لا يدرون أي باب من أبواب الاعتزار يلجون، ولما مثلوا بين يديه لم يبال بما اقترفوه ولا رفع لافتياتهم رأْسا كأنه لم يكن

له أدني علم بذلك الحادث الجلل، مع أنهم قتلوا العامل وثمانين من أصحابه كما في اختصار رحلة تومي الإنجليزي. بَلْ هشَّ، وبشَّ، وأَكرم، وعظم، وخص كل واحد على حدته بعطاء له بال، وأجري عليهم ببلادهم جرايات مشاهرة ومسانهة ورشح الفقيه السيد محمد المسكيني لقضاء فاس والطيب المريني لحسبتها ولعمالتها القائد محجوب العلج، ورجع الوفد الفاسي يرفل في حلل النشاط والانبساط بعد الخوف والقنوط، وفي اختصار رحلة تومي الإنجليزي التصريح بأن أهل فاس تأخروا عن البيعة، ولعله شيء تخرصه أو تأخر نسبي، وإلا فسياق أحواله يقتضي أنهم بادروا بالبيعة قبل غيرهم والله اعلم. ثم وردت البيعات من سائر الأصقاع المغربية على الحضرة السلطانية وتلقي الوافدين على اختلاف طبقاتهم بكل بشاشة وطلاقة، وأحسن لكل فرد منهم على حدته، وأكرم مثواه، وأتبعه الكرامة حيث سار ورد كلا على منصبه الذي تركه فيه والده وأفاض المال ووصل سائر الرعية بصلات سنية فأحبته القلوب واطمأنت النفوس وابتهجت وفرحت الرعية واستبشرت. ولما رأي العبيد أن الملك لازال قائما تسوسه ساساته المهرة الذين حنكتهم التجارب وأثمرت غروس الإخلاص والصدق للملك في قلوبهم ونبذهم مخازي الشهوة والأغراض الشخصية وراءهم ظهريا، طبق حال تنظيم المملكة أيام والد المترجم، أَظلم الجو في أعينهم حيث حيل بينهم وبين ما يشتهون من نهب بيوت الأموال، وجعل الإمرة أُلعوبة بين أيديهم وكبر ذلك عليهم، وعلموا أنه لا سبيل لتحصيلهم على أعراضهم الفاسدة ما دامت المناصب عامرة بأربابها ذوي النجدة والأفعال السديدة والآراء المصيبة والسياسة المؤسسة البنيان، على تقوي من الله ورضوان. واتفق رأي كبرائهم على أن يوسوسوا للسلطان في أركان الملك ويختلفون لهم معايب يلصقونها بجنبهم ويدسون لهم دسائس حتى يوغروا قلب السلطان عليهم ويبالغون جهدهم وطاقتهم في إغرائه على قتلهم وتظافروا على ذلك: فصار

كل من اجتمع منهم مع السلطان يبدي له دسائس في قوالب نصائح ويقول له يا سيدي: إن ملكك لازال إلى الآن لم يتم، ولا يؤمن عليك من هؤلاء العمال والوزراء والكتاب الذين كانت بيدهم مقاليد الملك أيام والدك، فإنهم لا يرونك شيئا وأنت محجوب بهم عن الرعية، ولابد من قيامهم عليك وتقديم غيرك من إخوتك وترشيحه للملك دونك، وكان المترجم يميل إليهم كل الميل لضعف فكرته عن السياسة، وتدبير أمر الملك والرياسة، أي ولكونه مغلوبا على أمره يخاف بأسهم ولا يري رأْيا إلا رأيهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا. ولما تمكنوا منه وأوغروا صدره على من بيده الحل والإبرام من ولاة أمره وأمر والده من قبله أغروه أي بعد أن أقاموا له الحجج على الفتك بأركان السياسة الذين هم للملك عماد كأبي العباس أحمد بن على اليازغي وكان عامل الجبال كلها سهلها ووعرها نافذ الحكم فيها، يرسل رسولا واحد في قضايا متعددة فتنفذ الأوامر كلها وفق ما أمر في أقرب الأوقات، ويأتي الرجل الواحد إليه بالمساجين العديدة من صياصي الجبل والقبائل العظيمة من غير قيد ولا يحدث أحد نفسه بالهروب لعلمه بنفوذ كلمته وطول يده في طول البلاد والعرض، وأنه لات حين مناص، وقد كان هذا العامل ناصحا للسلطان يجمع المال من وجوهه ويودعه في خزائن السلطان يبذل النصح ولا يعرف غشا ولا خديعة، وكان السلطان مولانا إسماعيل يعرف أمانته وصدقه وينزله منزلته ويقدره قدره ولا يسمع فيه مقالة طاعن. وعلى بن يش: وكان قائد أهل الديوان وعامل البربر ورئيس العمال، وكان من ذوي الرأي والتدبير والعقل الراسخ، لا يقدر أحد من البربر أن يملك فرسا ولا مكحلة ولا يحوم حول ذلك، وبسبب ذلك صارت رءوس الجبال البربرية الصْعبة المسالك تمر فيها الأطفال وضعاف النساء في أمان واطمئنان لا يلحقهم أدني مروع ولا مشوش.

وابن الأشقر: وكان عاملا على جبل زَرْهُون، وعلى يده أعشار البوادي والحواضر من زروع ومواشي وزيوت وغير ذلك، وكان عليه مدار الجيوش، وإليه مرجع أمرها ذا رأْي مصيب وثبات ونصح وإخلاص وتيقظ وحزم وعزم. وحاجبه المملوك الخصي مرجان الكبير وكان بيده دفتر الداخل والخارج لا يطلع على ذلك غيره قريب أو بعيد، وكان العارف بالعوائد الجارية في الصلات مسانهة ومشاهرة، وما يدفع للجيوش وغيرهم في الأعياد والمواسم وغيرها لا يعرف ضبط ذلك وتحقيقه غيره، وقد كان محور شئون الدولة على هؤلاء الأربعة يدور لتحقق متبوعهم صدقهم وأمانتهم وسياستهم وكياستهم وعلمهم من أين تؤكل الكتف بعد السبر والامتحان والاختبار. وبموت هؤلاء الأربعة اختل النظام وضربت الفوضي والاستبداد الأطناب، ووقع من العامة استخفاف عظيم بأمر المملكة واشتد النهب في الطرقات وأغلقت المسالك، ولم يأمن المسافر من الوقوع في المهالك. وحصل أهل الزيغ على غاية مناهم وكثرت الشكوي بباب السلطان والسلطان داخل قصوره ضارب صفحا عما وراء بابه لا يسمع شكوي ولا ينتصر لمظلوم من ظالم، أي لكونه أسند الأمر لرؤساء العبيدِ المتعصبين، وذوي السلطة ومن لا ينفذ له أمر دونهم. ومن جملة من قتلوه وصلبوه الفقيه العلامة القاضي الوزير السيد محمد بن العياشي الذي كان بيده دواوين الحراطين (¬1). ¬

_ (¬1) وكذا رواية صاحب الاستقصا 7/ 58 - ولديه: والحرطانى معناه في عرف أهل المغرب: العتيق، وأصله الحر الثاني كأن الحر الأصلى حُرّ أول، وهذا العتيق حُر ثان، ثم كثر استعماله على الألسنة فقيل الحرطانى على ضرب من التخفيف.

ثم نظروا فيمن بقي شجي في نحورهم يحول بينهم وبين تمام مرادهم فلم يجدوا غير الحاجب المملوك الخصي مرجان الصغير فقتلوه، ثم قتلوا عامل مكناسة ابن عدو، ثم أشاروا بقتل من بقي ممن يشار إليه بجودة الرأي وحسن التدبير، والنصح للأمير، حتى خلا لهم الجو واتسع الخرق على المرتق. فبموت أحمد بن على اليازغي ثار أهل الجبال وأضرمت نيران العتو والفساد ورفضت الأوامر السلطانية وانقطعت الجبايات وانتشر العيث والنهب في الطرق واتبعت الأهواء. وبموت على بن يشو خرج البرابر من السلاسل والأغلال وتنافسوا في اشتراء الخيل والسلاح، ورجعوا لحالتهم الأولى من سفك الدماء وقطع الطرقات، ولم يبق لهم زاجر ولا رادع. وبموت ابن الأشقر كف الزراهنة عن الأداءات وتحصنوا بجبلهم خوفا من البربر وصمموا على قتال من أتاهم وضاعت أعشار القبائل وزكواتهم ولم يعرف منها نقير ولا قطمير. وبقتل مرجان الكبير جهل الخارج ولم يدر قدر الداخل وأخرقت الدفاتر الحافظة لذلك، وبسبب ذلك نال العبيد مناهم وحصلوا على ضالتهم المنشودة. ولما اختل النظام وتفاحشت المظالم وأكل القوي الضعيف واضطربت الأحوال، واشتبكت الأهوال، وثارت الثوار بسائر النواحي خرج المترجم من دار الملك وأفاض المال وزاد للعبيد فوق المعتاد ظنا منه أن ذلك يجدي في رتق ذلك الفتق العظيم، ثم رجع لقصوره أي حيث رأي أنه لا سبيل له لأكثر مما فعل. قال في "نشر المثاني" ووقعت هدنة بين الناس عن الحرب، إلا أن أهل فاس رفضوا جميع ما كان يجري عليهم من الوظائف السلطانية وحملوا الأسلحة وركبوا الخيل، وضج الناس بالفرح والسرور، واشتغلوا بالملاهي في النزهات والتأنق في اللباس والجلوس في الطرقات أفواجا مقبلين على اللهو واللعب والسريان (¬1) في ¬

_ (¬1) في نشر المثانى: "والهذيان".

كل متسغ من أرقة فاس، ولم يبق للأحكام السلطانية نفوذ فيها بل في سائر المغرب، وليس للسلطان سوى الدعاء على المنابر والاسم، وكمل العام كله على هذه الحالة -يعني عام تسعة وثلاثين- وكثر في المغرب الفتن والأهوال فكان هذا هو الأصل في الفتن التي ظهرت بعده. اهـ. من النسخة الصحيحة من نشر المثاني (¬1) قاله في الدر المنتخب. ومن جملة من ثار، وسعي في الأرض الفساد من الثوار: أحمد بن على الريفي واللصوص وقطاع الطريق ونهض بتلك الجيوش يريد دخول تطاوين ومبايعة أهلها له -وقائدهم إذ ذاك عمر الوقاش آتي الترجمة في حرف العين بحول الله وقوته- فقابلوه بأفواه القنابل ووقع بينهما قتال عظيم مات فيه كثير من الفريقين، قيل إنه دخلها وهمّ بأهلها فانتصروا عليه وصدوه. والذي صححه في "الدر المنتخب" أنه لم يدخلها، وأن الكرة كانت عليه من أول الأمر، ودعا الوقاش لنفسه وكثر الهرج والمرج واشتعلت نيران الفتن، وكتب أهل تطاوين للسلطان المترجم وقصوا عليه القصص وشرحوا له ما هم فيه من الضيق والحرج وطلبوا نصرته وتعزيزهم بجيش ينكس أعلام البغاة المتمردين ويكسر شوكتهم كي ترجع المياه إلى مجاريها ويستتب الأمن في تلك الناحية. ولما وصلته رسلهم بالكتاب وعلم فحواه، وأحاط علما بسره ونجواه عرضه على المسيطرين عليه من أعيان العبيد وهو إذ ذاك مضروب بأعلى يده من جانبهم فأجابوه بأن هذا الأمر لا يهم ولا يرفع إليه رأس، لأن عادة أهل الريف مع جيرانهم العداوة والقتال دائما، ولو علمنا أن الريفي ادعي هذا الدعوى لبادرنا إلى قتاله وأبدناه بجيوشه وصيرنا جميعهم في خبر كان، فاستصوب رأيهم قائلا هذا رأيي، ولم يدر أنهم إنما تنصلوا خوفا على أنفسهم وركونا للراحة لعلمهم أن الجيش الذي يبعثه السلطان لا يكون إلا منهم، فاختاروا الراحة وأعرضوا عن مصالح الإسلام والمسلمين، وبقيت رسل أهل تطوان منبوذة بالعراء لم يبال بها ¬

_ (¬1) نشر المثاني - ص 2000 في موسوعة أعلام المغرب.

أحد مسندًا الأمر لغير أهله، وإذا أخبر بحادث جلل، يقول: كل ما قدر الرحمن مفعول. ولما رجع رسل تطوان الى بلدهم وأخبروهم بحقيقة الحال وأنه لا سلطان في الحقيقة، وإنما هي فوضي منتظمة من شهاوي وأغراض قاموا في تحصين بلادهم على ساق واشتد القتال بين الريفي والقبائل التي أبت من متابعته على هواه وكان النصر حليفهم والخذلان قرين الريفي إلى أن قتل وأراح الله منه البلاد والعباد. وفي اختصار "رحلة تومي" الإنجليزي صحائف 12، 13، 14، 15، 16، ما فيه بعض مخالفة لما ذكره صاحب "الدر المنتخب" في الجملة وذلك أنه حكي أن الباشا أحمد هو الذي كان عاملا على تطوان، وأن أهل تطوان ومجاوريها من الجبال هم الذين قاموا على العامل المذكور مع رئيس الفتنة إذْ ذَاك بليز، فقاموا على الريفيين ونهبوا أموالهم وقتلوا منهم من لم يدخل معهم في افتياتهم، فطلب الباشا أحمد الريفي الإعانة على أهل الجبال ومن أقاموا الفتنة من أهل تطوان فامتنعوا، فعند ذلك وجه إليهم عسكر سبتة فامتنعوا من تلبيته وأن أخاه والي. طنجة لما علم بما ذكر لحق بأخيه أحمد المذكور في خمسمائة فارس، ولما وصل تطاوين ولاه أخوه أحمد مكانه بتطاوين وترك معه أدالة من العبيد وخرج هو في أثر الثائرين، ثم إن أهل تطاوين لم يقبلوا أخا الباشا عاملا عليهم فحصروه في داره وعند ذلك أمر الأخ الذي بتطاوين بإيقاد النار في دار البارود فانهدت وانهد ما حولها من الدور، ثم هرب العامل مع لفيف من أصحابه إلى بعض الأضرحة، ثم إلى طنجة، وأن أهل تطاوين أكلوا داره ونهبوا أجنته وأمتعته، ووجهوا بيعتهم للذهبي وأخبروه بأن سبب قيامهم على العامل هو ظلمه لهم فليحرر. ولما علمت القبائل حقيقة ما صار إليه الأمر بعد السلطان الأعظم مولانا إسماعيل نبذوا الأوامر السلطانية وراءهم ظهريا وامتطوا متن الاستبداد، وماجوا في الأرض بالفساد، وأكل القوي الضعيف واشتدت شوكة البرير وعظمت ولم يبق إلا

النهب والسلب واشتد الضيق بمكناسة والسلطان بها، حتى صار خارجها مسلوبا، وداخلها منهوبا، تغير البرابر على سرحها وتمنع أهلها من العمل بجنتها. ولما تيقن العبيد أن السيل بلغ الزبى، أجمعوا رأيهم على أنه لابد من شد الوطأة على متمردة البرابر وكسر شوكتهم قائلين إنهم آذونا وآذوا جوارنا واستضعفونا، ونحن ما مات سيدنا حتى تركنا أصحاب قوة وبأس شديد، يذيب رعبنا الحديد، فركب منهم ما يزيد على الخميس ألفا وأغاروا على سرح البرابر في سائر الجهات والنواحي ورجعوا لمكناسة من غير أن يتعرض لهم بربري ثم اجتمع رءُوس البربر ووجوه العبيد واتفق رأيهم على أن البرابر لا يتعرض لهم أحد داخل المدينة ولا خارجها، وأن البرابر لا يتعرضون لمن أتي لمكناسة ولا لمن خرج منها. انتهى، ما يعول عليه مما ساقه أيضا في "الدر المنتخب" وهذا بعض ما جري عام تسعة وثلاثين الذي جلس فيه المترجم على عرش مملكة والده المقدس. أما عام أربعين فقد قال العلامة المؤرخ ابن إبراهيم الدكالي في "تقاليد التاريخية"ما نصه: وفي ضحي يوم الخميس رابع عشر ربيع الأول عام أربعين أغار الوداية على سوق الخميس، واشتغلوا بالسلب والنهب وضربوا الناس بالرصاص، فانتدب أهل فاس لقتالهم من الزوال إلى الغروب من جهة المرس، فقبض الأوداية على بعض أهل فاس وسجنوهم بفاس الجديد، وفي آخر النهار أخذ أهل فاس قصبة شراكة واستولوا عليها. ثم بالغد وقع قتال أيضا بظهر الرمكة، ثم يوم السبت وقع قتال بينهم بناحية بستيون باب الجيسة وكانت الغلبة لأهل فاس. ثم وقع الصلح بينهم يوم الأحد وذلك بروضة سيدي أبي بكر بن العربي نفع الله به وسرحوا المسجونين بعد أن قتلوا منهم طائفة، ثم أخذ الأوداية في قطع الطريق.

ومن الغد جاء كتاب من عند السلطان يسأل عن الظالم من الفريقين وقرئي بمنبر مولانا إدريس، ثم لما سمع الحياينة وشراكة وأولاد جامع بهذا الأمر جاءوا إعانة لأهل فاس ظنا منهم أن ما فعله الأوداية ليس بإذن السلطان، فلما تحققوا أن ذلك بإذنه انصرفوا لمواضعهم وبقي الأمر يروج إلى يوم الأربعاء الموفي عشرين خرج الأشراف والعلماء بقصد الملاقاة مع السلطان. وفي يوم الخميس بعده وقع قتال بباب الفتوح وحضر فيه الحياينة ومن انضاف إليهم وبقي من خيل الأوداية نحو من ستة وثلاثين، ووقع قتال بالوادي المالح بباب الجيسة يوم السبت الثالث والعشرين من الشهر ومات فيه من أهل فاس نحو الستة. وفي الرابع والعشرين جاء شريف ممن ذهب لملاقاة السلطان وأخبر أنهم لم يتلاقوا مع السلطان وأن على ويش أمر بهم فسجنوا إلا هذا الشريف بخصوصه، وجاء كتاب من أخت الأمير تهددهم فيه وتذكر أُمورًا تقتضي أنهم ظالمون، ثم أجاب أهل فاس عن الكتاب المذكور وبقي الأمر يروج إلى يوم الثامن والعشرين قدم جماعة من عبيد مشرع الرملة يبحثون عن حقيقة الأمر لأن الوداية كتبوا لهم أن أهل فاس شقوا العصا على السلطان، فأضافهم أهل فاس أحسن ضيافة وأخبروهم بحقيقة الأمر، وانصرفوا يوم السبت الموفي ثلاثين، وفي عشية هذا اليوم وقع قتال مع محلة جاءت من عند السلطان قرب بستيون باب الفتوح ولم يمت فيه أحد من أهل فاس. ثم صار السلطان يبعث البعوث ويكثر الجيوش لحصار فاس وأمرهم بالتضييق على أهلها وقطع عنهم الداخل والخارج وركب الأنفاض والمهاريز ليرمي بها البمب. وفي ثاني ربيع الثاني رمي البمب على فاس سبع مرات ولم تضر أحدا،

وركب أهل فاس نفضا بالزيات يرمي لناحية المحلة النازلة بظهر الرمكة ثم كتب أهل فاس كتابا لعبيد مشرع الرملة. وفي زوال يوم الأربعاء رابع الشهر المذكور وقع القتال أيضا بقنطرة ابن طاطو مات فيه من أهل فاس نحو الستة. ومن الغد وقع قتال كبير واشتد من الزوال إلى الغروب بالموضع المذكور ومات فيه من أهل فاس نحو الثمانية ومن غيرهم عدد كثير، وفي صبيحة هذا اليوم هدم أهل فاس المنزه الذي بدار أبي على الروسي ونهبوا دار صهره المزوار. وفي الثاني عشر من الشهر كان قتال كبير بناحية باب الحديد، وامتد من الضحي إلى الغروب، مات فيه من أهل فاس نحو الثمانية ومن غيرهم من أهل المحلة نحو أربعين رجلا ونحو الثلاثين من الخيل. وفي عشية هذا اليوم قدم الأشراف الذين كانوا مسجونين بمكناسة ومعهم مولاي المستضيء (¬1) وأشراف مكناسة ليوقعوا الصلح بين الفريقين، ثم ذهب مولاي المستضيء مع جماعة من أعيان أهل فاس من أشراف وعلماء وتلاقوا مع السلطان ففرح بهم وسامحهم، وقال لهم: أرسل ولدي يسكن معكم وهو أمان بيني وبينكم، وقدم الذين ذهبوا مع مولاي المستضيء يوم الأربعاء الثالث والعشرين من ربيع الثاني المذكور بين المغرب والعشاء وضجت المدينة وظنوا أنهم عَدُو فتبين خلاف ذلك بعد ما وقع الحزام (¬2). وفي السادس والعشرين ورد أبو فارس والد السلطان، وتلقاه الناس بظهر هو بالناس، ثم إن بعض الشياطين من الناس أسر في أذنيه أن أهل فاس عزموا على قتلك إن دخلت إليهم فنكص على عقبيه وولى هاربا، فوقعت رجفة وأخذ أهل ¬

_ (¬1) في نشر المثاني - ص 2004 في موسوعة أعلام المغرب، إشارة إلى بعض هذه الأحداث. (¬2) في هامش المطبوع: "يريد بالحزام أخذ الأهبة -وسيعيد هذا المؤرخ- أعنى ابن إبراهيم- مثل هذا التعبير العامي.

فاس بعض أصحابه وقتلوه وبات مولاي أبو فارس بالمحلة وتغير الناس لذلك وبالغد أرسلو إليه وألانوا له القول واصطلحوا معه وأتي إلى المدينة معهم. وفي التاسع من جمادي الأول رحلت المحلة عن فاس بعد ما أصابتهم المشقة العظيمة من الكور والبمب. وفي يوم السبت الثالث عشر من الشهر خرج القائد المحجوب هاربا، وقد كان أهل فاس أعطوه الأمان حين كان القتال مع السلطان. وفي عشية هذا اليوم وقع الشر أيضا بين أهل فاس والوداية عند بستيون باب الجيسة. وفي العشرين كان آخر شر بالمحل المذكور وامتد إلى الغروب ومات كثير من الوادية ومن أهل فاس نحو خمسة عشر رجلا وجرح كثير منهم. وفي الثالث والعشرين كان شر كبير عند باب الجيف بفاس الجديد، وذلك أن أهل فاس اتفقوا أن يذهبوا لفاس الجديد ويأخذوها قهرا، فتحزموا وخرجوا على ظهر الرمكة بعدد كثير، فلما رآهم الوداية أيقنوا بالهلاك وتحققوا أنهم لا يقدرون على ملاقاتهم، ثم إن الله تعالى ألقى في قلوب أهل فاس الرعب فرجعوا من حينهم هاربين وتبعهم الوداية بالقتل والضرب والسلب والنهب، ومات منهم ما بين مفقود وساقط في الوادي ومقتول ما ينيف على عشرين. وفي يوم السبت خامس جمادي الثانية وقع قتال بوادي المالح خارج باب الجيسة، واشتد من الزوال إلى الليل مات من أهل فاس نحو العشرين ومن الوداية أكثر من ذلك. وفي ليلة الجمعة الخامس والعشرين رموا على فاس سبعة من البمب. ومن الغد وقع أيضا شر بالوادي المالح فجاء الوداية بعدد كثير وانهزموا وقطع منهم أهل فاس رءوسا وقتلوا منهم ما يزيد على الأربعين، وأما الجرحى

فكثير، ومات من أهل فاس نحو العشرة، ثم في هذا اليوم نفسه رموا على فاس تسعة من البمب ونزلت في المواضع الخالية، ثم رموا في يومين بين ليل ونهار نحو الثلاثين، ثم رموا تسعا. وفي يوم الجمعة ثاني رجب وقع حزام قبل الصلاة، وأخرج القائد عبد الوهاب الناس من المسجد خوفا على المدينة، وترك خطيب الأندلس نصر السلطان في الخطبة ونصره خطيب القرويين. وفي رابع رجب وقع شر كبير لم ير مثله ومع الوداية قبائل كثيرة مات من أهل فاس نحو اثني عشر رجلا. ومن الغد رموا اثني عشر من البمب. وفي سادس الشهر جاء جيش عظيم وأحاطوا بالمدينة واجتمعوا بدار ابن عمرو وجاء موسى الجراري إلى باب الجيسة وبعث رسولا يطلب الأمان حتى يتكلم مع علماء فاس، فأجابوه لذلك وتكلموا معه حتى لم يجد حجة وانصرف مع العصر يريد أن يصلح أهل فاس مع السلطان. وفي الثاني عشر رجب خرج علماء أهل فاس وأشرافها وجماعة من الأعيان صحبة موسى الجراري بعد ما أعطاهم رهائن من قومه تركهم بفاس وقدموا لمكناسة ولم يتلاقوا مع السلطان وإنما تلاقوا مع الدائرة ولم يحصلوا على طائل ورجعوا لفاس تاسع عشر الشهر المذكور. وفي السابع والعشرين فتح بعض رؤساء فاس باب الفتوح ليلا وأخرج منها بعض أحمال السلع بقصد التجارة على يد بعض أشراف تافيلالت، وقبض من صاحبها نحو العشرة مثاقيل ثم بلغ الخبر للجماعة فأرادوا الانتقام ممن فعله فوقعت فيه الشفاعة، وكان ممن أراد الانتقام منه مولاي عبد الله بن إدريس وأراد عزل

الغرناطي فلم تساعده الجماعة، فبعث إلى موسى الجراري وقال له: إن أهل فاس أرادوا مولاي إدريس فأخذت الجماعة بخاطره حتى سكن. وفي يوم الخميس التاسع والعشرين من الشهر وقع شر كبير بالوادي المالح مات من أهل فاس نحو الثلاثين، وجرح نحو الخمسين، ومات من الوداية نحو ثلاثمائة وجرح نحو الثمانين، وصاروا يرمون البمب في اليومين بعد على أهل فاس. اهـ، ما ذكره ابن إبراهيم ونحوه في نشر المثاني. قال في "الدر المنتخب" ولما ترك الأمير ما كان عليه والده من القوة وحسن التدبير في الأمور وقع في النكبات، حتى عزل ولم يبق إليه التفات، وهكذا يقع لكل ملك ترك التدبير، وعدم التفرقة بين الأمر اليسير والعسير، اجتمع أهل فاس وغيرهم من أعيان القبائل وصناديدهم -غير الأوداية لم تنتظم في سلكهم- واتفق رأيهم على خلع المترجم وبيعة غيره ممن يقوم بأمور المسلمين من إخوته (¬1). ولما وصل الخبر بالعبيد تيقنوا أنهم إذا لم يبادروا للدخول فيما دخل إليه أهل فاس ومن انضم إليهم يخرج الأمر من أيديهم وينبذون بالعراء ويحال بينهم وبين ما يشتهون من الاستبداد ونهب بيوت الأموال وأكل أموال الناس بالباطل، فأجمعوا أمرهم بينهم وتفاوضوا في تدبير حيلة يدخلون بها على أهل فاس ومن انتظم في سلكهم من عصبة القبائل، ورأوا أن لا حيلة تخلصهم إلا إظهار الأنفة والضجر من المترجم وتصميم العزم على خلعه لعجزه عن القيام بتدبير أُمور الرعية حتى عم الفساد وضربت الفوضي في سائر الأيالة الأطناب، وكتبوا لأهل فاس والوداية، بأن السلطان عجز عن الولاية، وأنه لابد من تقديم من يقوم بأمور المسلمين، من نبهاء إخوته المقتدرين، وأن هذا الخرق كان وقوعه منهم وأنهم يريدون جبر كسره ¬

_ (¬1) نشر المثاني - ص 2005 في موسوعة أعلام المغرب.

على أيديهم وأن مولاي عبد المالك (¬1) بسوس هو أحق وأولي بالقيام بأعباء الخلافة ورتق ما تسبب فيه أخوه المترجم من الفتق، وأنهم يطلبون من أهل فاس والوداية الموافقة على هذا الأمر الذي فيه صلاح الأمة وغلق باب التهور والافتيات، فاستحسن أهل فاس والوداية ذلك منهم وتمت الحيلة عليهم وأجابوا العبيد بتحبيذ ما رأوا، وأنهم لا خروج لهم عما أبرموه واتفق رأيهم عليه، ففرح العبيد واستبشروا وأرسلوا إلى مولاي عبد المالك بسوس، ولما بلغه الخبر لبي دعوتهم. وأجاب رغبتهم، وجد في المسير وطوى المراحل وصاحب الترجمة في غمرته ساه. ولما وصل مولاي عبد المالك لوادي بهت واتصل الخبر بالعبيد دخلوا على المترجم لدار ملكه وألقوا عليه القبض وأخرجوه من دار الملك وسجنوه بالدار التي كانت معدة لسكناه قبل ولايته على عهد والده، وأحاطوا به شرذمة من الحرس لحراسته ونادوا بخلعه والضرب على يده، وقيل: إنهم فعلوا به ذلك قبل تعيين السلطان في سابع شعبان، ومن الغد وصل الخبر لفاس. وفي تاسع شعبان قدم العبيد إلى مشرع الرملة والعلماء والأشراف على فاس فتهيأَ أهل فاس لملاقاتهم في ثمانين ألفا من الرماة ورحبوا بهم وأضافوهم أحسن ضيافة، وشرحوا لهم عجز المخلوع عن القيام بمصالح الرعية وما آل إليه بسبب إهماله البلاد والعباد، من انعدام الأمن، وتساقط القوى على الضعيف، وأن رأيهم اجتمع على بيعة أخيه المولي عبد المالك لنجدته وشجاعته وحزمه وعزمه وضبطه وحسن سيرته وسياسته وعدله وميله للسلم والإصلاح بين الناس، وأنهم شهدوا منه ذلك في حياة والده حيث خالف عليه وبويع بتارودانت، ففرح أهل فاس بولايته لأنهم حركوا معه فكان يحسن إليهم ويواسي ضعيفهم ويصبرهم ويطيب ¬

_ (¬1) خبر الخلع للمترجم له: أحمد الذهبي ومبايعة أخيه عبد المالك ورد في نشر المثاني - ص 2005 وما بعدها في موسوعة أعلام المغرب.

أنفسهم على ما يقاسون من أذي عمال والده، فتوافق الجميع على نصره وخلع أخيه المولي أحمد، وأعلنوا بذلك في الأسواق والأندية، قيل: كان ذلك في عاشر شعبان. وفي يوم الجمعة رابع عشر منه خطب به على المنابر في سائر المساجد وخلفوا بمكناسة الزيتون ولده، وأبردوا بريدا لمولاي عبد المالك يعلمه بسائر ما وقع ويحثه على تعجيل القدوم عليهم للعاصمة المكناسية، فصار الرسول يطوي المراحل متأبطا المكاتب بشرح الواقع، وبِفَور وصول الخبر لمولاي عبد المالك أسرع السير إلى أن حل بالضريح الإدريسي الأكبر تاسع رمضان، وهناك لحق به وفد شرفاء فاس وعلمائها وأعيانها ورماتها مع القبائل المجاورة لهم فكرم وفادتهم وأنزلهم بوادي الشجرة بجنان هلال وأفاض عليهم موائد الإنعام والإكرام والصلات الضافية فسروا واستبشروا. ومن الغد دخل مكناسة فتلقاه وجوهها على اختلاف طبقاتهم وقدموا إليه بيعتهم. وفي الثالث والعشرين من رمضان شرع في قراءة صحيح البخاري في جمع من أعيان العلماء وأصدر أوامره لجميع القبائل بحضور العيد بحضرته فامتثل الكل فغمرهم موائد وصلات وعوائد. وفي رابع شوال عزل التماق عن قضاء فاس، وولي مكانه العلامة أبا العباس الشدادي وولي العمالة العربي العسعاسي. ولما تم له الأمر واستقر على عرش ملكه بمكناس قام أهل فاس وغيرهم يطلبون أخذ ثأرهم من أخيه السلطان المترجم وألصقوا به أمورا زعموا أنه ارتكبها تبعا لأهل الظلم والتعدي. قال في "الدر المنتخب" نقلا عن نشر المثاني: إن مولاي

عبد المالك، استفتى العلماء في أمور شنيعة شنعوها على أخيه مولاى أحمد توجب القتل لمن ارتكبها وفعلها، وكثر بها الكلام على الألسنة منها طلب أهل فاس أن ينصفهم من أخيه مولاي أحمد المذكور بكونهم لم يخرجوا عنه ولا قدرة لهم على ذلك ولا على حرب من يريد ذلك ولا على موافقته بقول ولا فعل، فنهبت أموالهم وحطبت أشجارهم وهدمت دورهم بالبمب، وماتت نساؤهم وأولادهم وآباؤهم وأهلوهم بالهدم، مع أن من ينسب له الخروج عليه لم يتحقق منه ذلك ولم يثبت عليه وإنما يدفع عن نفسه الوداية وغيرهم من الجيش الذين كانوا ينهبون أموالهم ويريدون الوثوب على نسائهم كما فعلوا بالبوادي والحواضر فنسبوا الخروج إليهم ليحصلوا ما أرادوا فيهم، ووشوا بأهل فاس إلى مولاي أحمد ونسبوا لهم الخروج عليه فقبل منهم ذلك من غير ثبوت لهم على أهل فاس، فأَطلق يدهم عليهم فخاض العلماء في ذلك ولم تتفق أقوالهم ولا آراؤهم في شيء فلم يجيبوا عن شيء واتفقوا على أن التفويض في ذلك للسلطان يجتهد ويحكم باجتهاده، فاستشار في ذلك كاتبه أبا عبد الله محمد بن أحمد الفاسي فأجابه بأنه لم يتم موجب قتله بما طلبه به بعض الضعفاء من أهل فاس من المؤمنين فرجع عما استفتي فيه العلماء من قتله. انتهى. ثم أرسل مولاي عبد المالك أخاه الولي أحمد المترجم مسجونا لسجن فاس الجديد، فأُتي به إليه مقيدا بالحديد تاسع الشهر قيل إنه رق له بعد ذلك وسرحه وبقي مسرحا نحو ثمانية أيام، ثم بداله سجنه وإجلاؤه إلى الصحراء ظانا أنه يستريح منه، وقبض عليه ووجهه في الثامن والعشرين من الشهر المذكور، وأمر ولده بسمل عين عمه المترجم بمجرد وصوله إليه، فكان من لطف الله به أن بلغه ما أضمر له أخوه القائم عليه فهرب لزاوية أبي عثمان سعيد أحنصال بقبيلة آيت عطة، وكان قيم الزاوية إذ ذاك ولده أبو يعقوب يوسف بن سعيد -وكان من المحدثين- فأخبره برجوعه لملكه وعود الأمور إليه.

ثم لما بدا للعبيد من المولي عبد المالك ما لم يوافق هواهم من التبذير وتفريق الأموال في غير مستحقها بل حتى في مستحقها وقيامه بأمور المملكة بنفسه واستروحوا رائحة عزمه على الإيقاع بهم ضاق بهم المتسع وشمروا على ساق في خلعه، ورد المولي أحمد لبسط كفه وإلقائه زمام الملك بأيديهم يتصرفون في الرعايا والجبايات وبيوت الأموال كيف شاء هواهم. ولما أحَسَّ بذلك المولي عبد المالك أخذ في الاحتياط لنفسه وتربص الدوائر بهم، ولكن بادت حيله ولم تغن عنه احتياطاته شيئا كما سيقص عليك في ترجمته بعد بحول الله. وفي صبيحة عيد الأضحى من العام أعلن العبيد بخلع ربقة بيعته من أعناقهم ومنعوا خطيب مشرع الرملة من التعرض لذكره في خطبته وألزموه ذكر مولاي أحمد المترجم وطيروا الأعلام إليه، ولما اتصل به الخبر أسرع المسير إليهم وفي معيته صاحب الزاوية الحنصالية المذكور وقد انضم إليهم بنو حسن وتحالفوا وتعاقدوا على بيعته والموت تحت رايته وارتحلوا جميعا إلى مكناسة حيث عرش المملكة، فهم المولي عبد المالك بالبروز إليهم ومقاتلتهم، فجهر الوداية بالخروج عليه وبيعة أخيه وشرعوا فورا في قتال جيشه، ولحق بهم العبيد إلى مكناسة يوم الاثنين رابع عشري ذي الحجة عام أربعين (¬1). ثم نادي بعض رؤساء العبيد على بعض من بباب قصبة السلطان الموالي للقبة الخضراء بنصر أخيه مولاي عبد الله وكانت خناثة بنت (¬2) بكار المغفري -زوجة مولانا إسماعيل- هي الساكنة بتلك الدار الموالية لذلك الباب، فلما سمعت النداء بنصر ولدها فتحت الباب من ناحيتها فبينما الناس يقاتلون بنواحي مكناسة إذ سمعوا بدخول العبيد للقصبة فسقط في أيديهم، وخرج السلطان ناجيا بنفسه في ¬

_ (¬1) نشر المثاني - ص 2008 في موسوعة أعلام المغرب. (¬2) في نشر المثاني الذي ينقل عنه المصنف "خناته" وفى الاستقصا 7/ 58: "خناثى بنت بكار المغفرى".

نحو ثلاثمائة من أصحابه، وسلك غير طريق فاس المشهورة، ووقع في القصبة نهب عظيم وأعادوا الغارة على مكناسة بمثل ذلك نهبا وسبيا وهتكا للحرمات، وارتكاب سائر المحرمات، وكان ذلك ثاني اليوم المذكور (¬1). ولما وصل مولاي عبد المالك أبواب فاس اضطرب رأي أهلها، فمنهم من رأي أن الأولى صده عن الدخول إليها لعجزهم عن مقاومة حرب العبيد الساعين في الأرض الفساد، وخافوا أن يوقعوا بهم ما أوقعوه بمكناس وقصبته، ورأي السواد الأعظم منهم دخوله والمقاتلة دونه، لأنه الخليفة الذي بيعته في أعناقهم وطاعته واجبة عليهم والحال أنه بين أظهرهم فأدخلوه واستوطن دار القيطون، وما رأى الجمهور من إدخاله هو رأْي جل علمائهم، وانضم إلى أهل فاس كل من لم يخرج عن المولي عبد الملك من القبائل على ما سيبين في محله بحول الله (¬2). وقيل: إن مولاي أحمد المترجم وصل مكناسة في أواخر ذي الحجة من العام المذكور، وأن مولاي عبد المالك لما فر ترك رماة أهل فاس بقصبة مكناسة وكانوا نحو الألفين، وأن مولاي أحمد لما حل بمكناس قبض على الرماة المذكورين وقيدهم وأودعهم بالسراديب رجاء أن يرجع أهل فاس إلى طاعته، ولما اتصل الخبر بأهل فاس خرجوا خيلا ورجالا إلى زواغة ونهبوا للوداية جميع ما وجدوه من الماشية، وجاءوا بذلك لفاس، فبيع الكبش بثلاث موزونات والبقر بثمانى عشرة موزونة فاستغاث الوداية بإخوانهم الحالين بمكناس والعبيد. وفي أول يوم من المحرم جاء المولي أحمد لقتال فاس بجنود لا حصر لها وهم لا يشكون في دخول فاس والإيقاع بأهلها أفظع مما فعلوه بمكناس، ثم بدا لمولاي أحمد أن يوجه القائد صالح الليريني قائد الرماة المسجونين بكتاب لأهل ¬

_ (¬1) نشر المثاني - ص 2008 في موسوعة أعلام المغرب. (¬2) نشر المثاني - ص 2008 في موسوعة أعلام المغرب.

فاس يحذرهم ما صنعوا ويغريهم على بيعة المترجم والدخول تحت طاعته، ويعدهم بتسريح إخوانهم الرماة المسجونين، ولما وصل الليريني إليهم وقرءوا الكتاب المذكور وثبوا على الليريني فقتلوه وصلبوه على التوتة الكائنة بسوق الصفارين، وقتلوا الحاج الخياط عديل بداره بالمعادي، وتمادوا على قتل كل من ذكر المترجم حتى لم يبق لاسمه ذكر بفاس. وفي سادس محرم نودي في وقت الصلاة بهجوم العدو وخرج الناس من المساجد وصلوا الجمعة ظهرا فكشف الغيب أن لا عدو فاطمأنوا وأقاموا صلاة الجمعة وخطبوا بمولاي عبد المالك. وفي يوم السبت سابع محرم وقع قتال كبير بين أهل فاس والوداية والعبيد، مات من أهل فاس نحو ثمانية وجرح نحو العشرين، ومات من الوداية ومن انضم إليهم نحو أربعمائة. قال في "نشر المثاني" وفي تاسع المحرم قدم على السلطان مولاي أحمد مَن بقي (¬1) من جيشه من قبائل المغربْ فأحاطت الجيوش بمدينة فاس كالخاتم، فلما أصبح يوم عاشوراء برر (¬2) جيش العبيد على فاس، وأحاطوا بها إحاطة السوار بالمعصم، وقصدوها دفعة واحدة ولم يخرج لهم أحد من أهل فاس، وإنما حاربوهم من أسوارها إلا القليل خرج إليهم، فهزم الله تعالى الجيوش كلها، ولم يمت من أهل فاس أحد إلا الولي الصالح سيدي العربي بن عيسون، لأنه خرج على باب المسافرين فأصابته رصاصة فقتلته، وحكموا أنهم منعوه من الخروج أولا خوفا عليه فقال: إن لم تتركوني أخرج يدخل عليكم العبيد يشير أنه الطالب من الله تعالى أن يصرفهم عن فاس وأنه افتداهم بنفسه وأنه حصل لأهل فاس دهش ¬

_ (¬1) تحرف في المطبوع إلى: "ما بقى" وصوابه من نشر المثاني الذي ينقل عنه المصنف. (¬2) في نشر المثاني: "ميّز".

عظيم. ثم كتب لهم مولاي أحمد رسائل يدعوهم إلى خلع مولاي عبد المالك والدخول في طاعته فامتنعوا، وهو في ذلك مساعف للعبيد، وإلا فقد كان حاله إنما يريد الراحة لكن كان الأمر والنهي للعبيد، وليس له من الملك إلا الاسم لا المسمي لا يقطع أمرًا إلا بما يأمرونه [به] وبهذا اعتذر أهل فاس وامتنعوا من الدخول تحت العبيد. ثم حمي وطيس الفتنة وبقي الحرب سجالا (¬1). وورد الخبر بأن سفيان وبني مالك وشراكة وأولاد جامع والحياينة اجتمعوا يريدون أن ينصروا موالي عبد المالك لأنهم باقون على عهده ولم يخلعوه، فوجه لهم العبيد جيشا فاقتتلوا مع القبائل قرب وادي إينول (¬2) فانهزمت القبائل وبقي منهم قتلي كثيرون (¬3). ومن جملة من قتل مع (¬4) القبائل وزير مولاي عبد المالك مولاي المنتصر بن مولانا إسماعيل، وحمل إلى فاس ودفن بروضة سيدي الخياط بالدوح من فاس القروس، قتله الوداية وأرسلوه مع بعض المحبوسين من أهل فاس، وقصدهم بذلك تحقق مولاي عبد المالك بهزيمة جيشه، فحينئذ يئس وانقطع رجاؤه من المدد (¬5). وفي رواية أن الذي قدم بمولاي المنتصر سيدي عبد الله القصري في الرابع عشر من المحرم ودفن ليلا، وحضر جنازته السلطان مولاي عبد المالك وأعيان المدينة، وشد العبيد الحصار على فاس، وقطعوا الماء عن عدوة القرويين وأدنوا محلتهم لسورها. ¬

_ (¬1) نشر المثاني - ص 2018 وما بين حاصرتين منه. (¬2) في المطبوع: ايناون" والمثبت من نشر المثاني الذي ينقل عنه المصنف. (¬3) نشر المثاني - ص 2018 في موسوعة أعلام المغرب. (¬4) تحرف في المطبوع إلى: "من" وصوابه في نشر المثاني. (¬5) نشر المثاني - ص 2018 في موسوعة أعلام المغرب.

وفي ثامن عشر محرم ركبوا نفضين على المدينة قرب سيدي الحسن الدراوي، ورموا في ذلك اليوم نحوًا من أربع وعشرين كورة، وبالغد وقع قتال كبير على جميع الأبواب خصوصا باب الفتوح، لأنهم أرادوا أخذ البستيون وجاءوا إليه بالسلاليم فانهزموا، ومات من أهل فاس نحو العشرين ورموا في ذلك اليوم كورا كبير. وفي اليوم الموفي عشرين رَمَوْا نحو خمس وأربعين كورة، وبالغد رموا نحو العشرين. وفي يوم الأحد الثاني والعشرين وقع قتال عظيم عند سيدي الحسن الدراوي، وفيه مات الحاج عبد الرحمن المفرج قائد الأندلس ونحو العشرين رجلا بين قتيل وجريح. وفي السادس والعشرين وقع قتال عظيم بوادي المالح بباب الجيسة من الضحى إلى الظهر مات فيه من أهل فاس ثلاثة، وجرح ستة ومن الغير عدد كثير، ورموا في ذلك اليوم من الكور والبمب عددًا كثيرا في كورة واحدة نحو سبعه أرباع، وركبوا بقصبة شراكة بالخميس أربعة عشر نفضا وكانوا يرمون بها ليلا ونهارا من كل جهاتها وأحاطوا بها بأشبارات، فكان بينهم وبينها أقل من رمية بمكحلة، وربما كان رصاصهم يبلغ سطح الدور من بعض جهاتها فيصيب من يكون بالأسطحة، ووقع ضيق عظيم بالمدينة وهدم بالبمب كثير، ومات كثير من النساء والأطفال ومن لا يستطيع منعا ولا دفعا من الرجال العاجزين عن القتال، ونهب أهل الحلة المرس الكبير الذي بين سيدي على بن حِرازهم (¬1) وسيدي الحسن الدراوي إلى سور المدينة وحطبوا الأشجار وتجلدوا على دخول فاس، وأخلي من المدينة الدور التي يصل إليها الرمي بالكور والبمب واقتصروا على سبكني ما لا يصل إليه، ورتب أهل فاس الحرس على الأسوار وحفروا واديا خارج السور ¬

_ (¬1) تحرف في المطبوع إلى: "حرازم" وصوابه لدى السبكنى في طبقاته 6/ 258.

محيطا به وآخر أبعد منه من جهة باب الجيسة، وتجلدوا للمدافعة عن أنفسهم وعن أهل المسكنة من المؤمنين الذين لا يستطيعون دفعا ولا منعا العاجزين عن القتال وعن المنع أو القبول بالقول باللسان، متوجهين إلى الله في اللطف والنجاة وإخماد الفتن، متضرعين إلى الله لائذين بحمي الله وحمي رسوله وأوليائه، وظهر في ذلك لطف عظيم وأمور عظيمة وأهل المدينة يخرجون للجيش خارج السور لا يرضون بالاقتصار على السور، وكان جيش العبيد مع ما انضاف إليهم قدر مائة ألف. ثم إن القبائل التي انهزمت بوادي لشول أعادوا الجمع لأجل مولاي عبد المالك والمدافعة عنه وكانوا يتنهزون الفرصه كيف يصلون إلى فاس من الجيش المحيط بها، واستقروا بموضع يقال له تيسة من أرض الحياينة، وكان العبيد ينهبون زرع الحياينة الذي بأَمْرَاسِهِم ويأتون به للمحلة فخرج العبيد لنهب الحياينة على العادة، فرصدهم القبائل المجتمعة بتيسة واقتتلوا مع العبيد، فهزموا العبيد وقطعوا رءوسهم ونهبوا لهم من الدواب ما يزيد على الستمائة. ولما وصل الخبر للعبيد أرسلوا جيشا منهم ومن الأوداية ووقع القتال أيضا بتيسة فغلبهم جيش العبيد وهزمهم وتفرقت القبائل في الجهات. ولم تتبع العبيد إلَّا سفيان لكثرة حقدهم عليهم، حتى أدركوهم فأوقعوا بهم مقتلة عظيمة فهرب سفيان لحرم وزان ظنا منهم أن العبيد لا يتبعونهم للحرم، فتبعوهم ودخلوا عليهم داخل وزان، ونهبوا الأمتعة والديار، وكانت هذه الوقعة على الناس بوزان من أعظم الوقائع وذلك في الخامس والعشرين من صفر. ورجع جيش العبيد (¬1) من وزان إلى فاس ودخلهم من العجب ما أطمعهم بالاستيلاء على فاس، وقد كان العبيد حين دخلوا لقتال القبائل صادفوا الفقيه ¬

_ (¬1) نشر المثاني - ص 2019 في موسوعة أعلام المغرب.

السيد أحمد بن سيدي محمد القسمطيني بحوز الحياينة متوجها إلى فاس، وقد كان قاضيا بتازا فقتلوه ومثلوا به. وفي صفر أيضا وقع قتال عظيم على جميع أبواب فاس حضر فيه مولاي أحمد السلطان وأصحابه وجاءوا من ناحية باب الجيسة، وأظهر اللمطيون في ذلك اليوم قوة عظيمة وقتلوا من الجيش ما يزيد على مائة وخمسين وجاءوا بخَيْلِهم وأسلحتهم، ومات فيه من أهل فاس نحو خمسة عشر رجلا منهم التاجر بو عزة الشرايبي. وفي الخامس من ربيع الأول كان قتال كبير أيضا بباب الجيسة مات من أهل فاس نحو اثني عشر رجلا، وجرح نحو العشرين ومات من الفريق الآخر عدد كبير. وفي التاسع منه كان القتال بمصلي باب الفتوح وباب المسافرين وباب الجيسة، مات من أهل فاس عدد عديد يقارب المائة ومن القبائل أضعاف ذلك. وفي يوم الأربعاء الخامس عشر منه أو الرابع عشر سردوا جيشهم على أن يدفعوا على فاس دفعة واحدة من كل ناحية، وعلامة ذلك خروج نفض في كل محلة عند طلوع الفجر على حين غفلة من أهل فاس، فكان من قدر الله تعالى أن أخبر بذلك بعض أهل المخزن (¬1) بعض أهل الصلاح والولاية برسالة، فدفع الرسالة التي أَتته من المحلة لأهل فاس فباتوا على سهر يترقبون ذلك (¬2). فلما خرجت الأنفاض كان أهل المدينة على حذر، فإذا هم من كل حدب ¬

_ (¬1) في هامش نشر المثاني - ص 2020 هو: "صالح بن صالح الأودي، وكان من أصحاب الشيخ مولاي التهامي، والمراد ببعض أهل الصلاح: سيدي محمد بن التهامي المذكور، كان نازلا بحومة الشرشور"، والمخزن = الحكومة في بلاد المغرب. (¬2) نشر المثاني - ص 2020 في موسوعة أعلام المغرب.

ينسلون إلى أسوار المدينة، وجاء العبيد بسلاليم كل سُلَّم (¬1) يسع عشرة رجال في الدرجة الواحدة، وكانوا حفروا مينة تحت بعض الأسوار قرب سيدي الحاج بودرهم، وجعلوا فيها البارود وأوقدوا فيها النار، وكان من لطف الله أَن صعد السور بالبارود ورجع لمحله ولم يعمل فيه البارود صدعا فرجع العبيد في قيود الحزن ترتاع ولم ينالوا شيئًا (¬2). ولما بدا النهار ووضعت الحرب أوزارها وجدت قتلي العبيد صرعي على كل ناحية، وأكثرهم بباب الفتوح، وهم عدد كبير. ومات من أهل فاس نحو الخمسين منهم الطالب عبد الواحد الجامعي، والطالب مسعود بن محمد الفيلالي، والسيد علال التونسي (¬3). فمن هذه الوقعة أيس العبيد من دخول فاس عنوة، واستبشر أهل فاس وزال عنهم الفزع. ثم صرف العبيد وجهتهم إلى استعمال الحيلة والمكيدة، وإرسال الكور والبمب (¬4)، وطال الأمر وانقطع من يقوم بدعوة مولاي عبد المالك من كل موضع إلا بفاس، وانقطع عنها اللحم والصابون وجميع ما يجبي إليها من خارجها إلا الزرع والإدام كانا بها [كثيرا في هذا الحصار] (¬5). وبقي كل من الريفيين مصابراً للآخر إلى سادس عشر ربيع الثاني، جاءت محلة عظيمة ونزلت على فاس قائدها الباشا مساهل وهم أخلاط ملتقطون من بني ¬

_ (¬1) في المطبوع: "كل سلوم وبجانبها كلمة (كذا) والمثبت من مختار الصحاح، وفيه: المسلم، بفتح اللام واحد السلاليم التي يرتقى عليها. (¬2) نشر المثاني - ص 2020 في موسوعة أعلام المغرب. (¬3) نشر المثاني - ص 2020 في موسوعة أعلام المغرب. (¬4) في نشر المثاني: "البنب". (¬5) نشر المثاني - ص 2020 في موسوعة أعلام المغرب، وما بين حاصرتين منه.

حسن وغيرهم ودفعوا على القلة من باب الجيسة، مات منهم من (¬1) لا يحصي، ومن فاس نحو العشرين. ثم في يوم الأحد الرابع والعشرين منه وقع القتال بباب عجيسة، وبالوادي المالح، وبناحية القلل وامتد من الضحي إلى العصر، ومات من أهل فاس نحو الثلاثين، منهم القائد عبد الوهاب الغرناطي. ومن الفريق الآخر من لا يحصى. هـ بنقل "صاحب الدر المنتخب". ولما اشتد الأمر وطال وكثر الهرج والمرج وعظمت المصائب، واشتعلت نيران الفتن من كل جانب، واشتبكت وارتبكت، والمترجم وحاشيته مجدون في مراودة أهل فاس عن الخروج عن طاعة المولي عبد المالك والرجوع إلى طاعة المترجم، واختلفت آراء الأعلام والعوام في ذلك أفتي الفقيه سيدي محمد ميارة بأنه لا يحل الخروج عن طاعة مولاي عبد المالك ووافقه على ذلك الفقيه أبو عبد الله محمد ابن عبد السلام بناني وأبو عبد الله محمد بن زكري، وخالفهم أبو العباس أحمد ابن مبارك الفيلالي اللمطي قائلا بوجوب خلعه ودفعه لأخيه المتغلب، لأنه لا قدرة له على مقاومته، وبقي الأمر يروج ومال اللمطيون إلى فتوي ميارة ومن وافقه، والأندلسيون إلى فتوى ابن المبارك ومن تبعه كأبي العلاء إدريس المشاط وأبي الحسن على الحريشي. وفي ضحى يوم الإثنين رابع جمادى الأولى ذهب مولاي عبد المالك إلى زاوية سيدي عبد القادر الفاسي موهما أنه يزور وقصده الكلام مع الأندلسيين والأخذ بخواطرهم فلم يلتفتوا إليه على عادة الغوغاء في الرجوع عن أقوالهم. قال العلامة ابن إبراهيم الدكالي في "تقاييده التاريخية": ثم إن بعض الطلبة اجتمعوا بجامع الأندلس مع الفقيه السيد أحمد بن مبارك وكتبوا موجبا بإخراج مولاي عبد المالك وعزله ونصر الذهبي، وجعلوا يطوفون به على الناس في ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ما لا يحصى".

العسات فيقولون: هل تعلمون الشرع أم لا؟ فيقولون: نعم، نعمل الشرع، فيقولون إن الشرع حكم بإخراج مولاي عبد المالك ونصر الذهبي أخيه حتى طافوا بذلك الموجب على جميع أسوار المدينة فتغير الناس بسبب هذا الفعل أشد التغيّر (¬1)، وبقي الأمر كذلك إلى يوم الجمعة الخامس عشر من الشهر وجاءت غوغاء الأندلسيين إلى أئمة المنابر وأمروهم أن لا يخطبوا بمولاي عبد المالك، فبعضهم ترك نصره على المنبر، وبعضهم نصره، وبعضهم قال: اللهم انصر من نصره الحق المبين، واختلفت الكلمة وكثر الهرج والقيل والقال بين الفريقين، وكاد الأمر يعظم وغلت الأسعار خصوصا الصابون بيع بخمس موزونات للرطل. ثم اجتمع الأندلسيون واللمطيون بمدرسة الصارفين ليلا وأظهر الذين أرادوا خلع مولاي عبد المالك حجتهم وسكت المخالفون لهم فدل سكوتهم على موافقتهم وانفصل المجلس في الحين. وفي يوم السبت السادس عشر اجتمع رؤساء الأندلسيين منهم الحاج عبد الرحمن المرابي، والحاج محمد الأندلسي، والحاج محمد يويجر، وأحمد بن عبد الوهاب الغرناطي، والمجذوب اقلال اللمطي، والحاج أحمد بودة اللمطي بروضة سيدي محمد بن عباد مع من وافقهم من طلبة الوقت وكتبوا كتابا لمولاي أحمد الذهبي واشترطوا عليه شروطا إن وفي بها خلعوا أخاه ونصروه وبعثوا له ذلك الكتاب، وبالغد أجابهم بأنه قبل ما شرطوه وذهب إليه جماعة من العلماء والأشراف وأهل الحل والعقد ففرح بهم فرحا شديداً ووعدهم خيرا. وفي يوم الاثنين الثامن عشر قدموا من عند مولاي أحمد ومعهم كتاب لأهل فاس يشكر فعلهم ويحبذ صنيعهم ويعلن بمسامحتهم فيما صدر منهم ورد القائد المحجوب عليهم فقرأ الكتاب بصحن القرويين وأعلنوا بنصره. ومن الغد نودي بالأسواق على المخازنية الذين مع مولاي عبد المالك بأن لا ¬

_ (¬1) في المطبوع: "أشد الغيار" وبجانبها كلمة (كذا).

يشتري أحد منهم سلاحا ولا غيره، ومن اشتري منهم شيئا لزمته العقوبة، ونودي ثانيا لما دخل مولاي عبد المالك لحرم مولاي إدريس أن لا يدخل عليه أحد. وفي عشية هذا اليوم جاء كتاب من عند الذهبي بأنه سامح أخاه وشفع فيه أهل فاس، أنه إن أراد الخروج من الحرم الإدريسي والذهاب لتافلالت فله ذلك، ولما أخبر مولاي عبد المالك بذلك امتنع من الخروج وقال: إني في حرم الله ولا حاجة لي بالملك، فشهد عليه بذلك وأرسلت الشهادة للذهبي. ثم إن مولاي عبد المالك سمع ممن لا خلاق له من أهل فاس يقول في حقه: إن هذا الحرم لا يجير عاصيا، وسمع أن بعض الطلبة الذين أفتوا بخلعه أفتوا بإخراجه من الضريح الإدريسى، فبعث أحد أولاده لعبيد مشرع الرملة يطلب منهم لأمان لنفسه ويخرج معهم فأجابوه كتابة لذلك. قال ابن إبراهيم: وفي ضحي يوم الخميس الحادي والعشرين من جمادى الأولى قدم الباشا سالم الدكالي رئيس العييد ومعه نحو الخميس من أكابرهم ودخلوا لحرم مولانا إدريس وتكلموا معه وأعطوه الأمان وأنهم لا يغدرونه، فخرج معهم قرب الزوال مع جماعة من أصحابه وكلهم على خيلهم ولما كان مولاي عبد المالك عند السقاية التي بزنقة الحرم الإدريسي لقيه بعض الأندلسيين فقال له نريد من سيدنا السماح فقال لهم: هذا السيد بيني وبينكم وانصرف. وكان الذي جد في خلعه هم الأندلسيون، وكنا نسمع أن الذهبي بعث إليهم بدراهم كثيرة فاقتسموها بينهم وكانت العامة تقول: أهل الأندلس باعوا سلطانهم بالفلوس. ولما كان اليوم الذي دخل العبيد للحرم الإدريسي بقصد إخراج مولاي عبد المالك ضج الناس بالمدينة وسد بعضهم الدروب وتحزب اللمطيون وحلفوا أَن

لا يتركوا أحدًا يخرجه كائنا من كان، ثم دخل اللمطيون على مولاي عبد المالك وخيروه في المقام بالضريح الإدريسي والخروج مع العبيد، فاختار الخروج مع العبيد. ولما ذهب معهم للمحلة أرسلوه لفاس الجديد وتلاقي مع أخيه مولاي أحمد، فتأدب له ونزل عن فرسه وعانقه وسلم عليه وأعطاه مضمة من الذهب وفرسا سرجه ذهب وأنزله بدار ابن شقرة ففرح الناس بذلك. وفي الغد -وهو الثاني والعشرون من الشهر- بعث مولاي أحمد أخاه مولاي عبد المالك لمكناسة مسجونا فأصاب الناس كدر لا يعلمه إلا الله. وفي هذا اليوم ذهب أعيان فاس إلى فاس الجديد وصلوا معه الجمعة وفرح بهم وأخذوا بخاطره وقدموا له هدية وشكروا فعله وسرح لهم المساجين الذين كانوا بمكناسة بالدهاليز، وأمر أهل فاس بالصلح مع الوداية فاصطلحوا، وفي الغد وهو يوم السبت فتحت أبواب فاس كلها وأمن الناس بعضهم بعضا. وفي يوم الاثنين الرابع والعشرين قلعت المحلة ورحلت وذهب السلطان لمكناسة بعد الزوال، وودعه أهل فاس، وبعد ثمانية أيام ذهب أهل فاس إلى مكناسة طالبين من السلطان أن يرد عليهم ما نهبه لهم الودايا من الخماسي البلدي الذي كان بالبرج بفاس الجديد على يد القصارين فلم يرده لهم. وفي يوم الاثنين ثالث رجب جاء الفقيه السيد إدريس المشاط من عند السلطان، أنه عزل سيدي أحمد الشدادي عن خطة القضاء وولاها له فلم يقبله أهل فاس. وفي الرابع عشر رجب جاء المشاط لجامع القرويين وصلى الظهر وجلس بمقصورة القضاء ليحكم بين الناس، فدفع عليه جماعة اللمطيين فقام هاربا.

وفي ثامن عشر رجب جاء كتاب السلطان برد سيدي أحمد الشدادي للقضاء، وعزل المشاط وقرئ على المنبر وفرح الناس. ثم بعد إبرام الصلح مع أهل فاس مرض المترجم قيل خرج من فاس صحيحا وابتدأه المرض بمكناس، وقيل خرج من فاس مريضا حمله العبيد في المحفة لمكناس، وعلى هذا القول أعني الثاني اقتصر في نشر المثاني (¬1). ولما اشتد به المرض أرسل إلى أخويه سيدي محمد بن عريبة ومولاي سليمان ابن الجامعية -على ما قيل- وجماعة من العبيد أهل مشورته وأمرهم بقتل أخيه المولي عبد المالك ليلا من غير أن يشعر به أحد، فخنقوه ليلة الثلاثاء الموفي ثلاثين من رجب وغسلوه بالماء البارد على لوح بِمِيضَأة جامع الزيتونة. ولما قتل مولاي عبد المالك شهيدا -رحمه الله- وشاع الخبر في الناس منهم من صدق الخبر ومنهم من أنكره، وكانوا يتبايعون بالأجل الذي هو ظهور مولاي عبد المالك حتى أفضي الأمر إلى إخراجه من قبره برد الله ثراه ووضعه على الشافر حتى شاهدهْ الخاص والعام وزال الريب. ¬

_ (¬1) نشر المثاني - ص 2021 في موسوعة أعلام المغرب.

علائقه السياسة

علائقه السياسة لما لبي مولاي إسماعيل داعي مولاه، وانتقل لما قدمت يداه وجه ملك الإنجليزي القبطان "روسيل" سفيرًا للمترجم معزيا ومهينا وطالبا فداء الأسارى والدوام على حسن المعاملة مع التجار الذين بإيالته المغربية والأمنية على أنفسهم وأموالهم طبق ما كان الأمر جاريا عليه بينه وبين والده الفقيد. ولما بلغ علم المترجم أن السفير حل بطنجة كتب له بما حاصله -حسبما جاء في صحيفة 27 من "تاريخ انقلابات دول المغرب بعد وفاة مولانا إسماعيل" الذي ألفه القبطان "ابريط ويت" الإنجليزي الذي ورد في رفقة السفير "روسيل" المذكور المترجم من الإنجليزية إلى الفرنسية- وبعد: نقد أَخبرنا الباشا احمد بن على بن عبد الله الريفي أنكم وصلتم إلى جبل طارق ومعكم صاحب القائد المذكور الذي كان في عاصمة مملكتكم، وأخبرنا بما تؤملون منا من تجديد العهود التي كانت بين والدنا رحمه الله وبين دولتكم، وعليه فقدم لدينا صحبة الباشا أحمد بن على وها مكاتب الإيصاء عليك بالطريق حتى تصل لدينا مصونا من كل مروع أنت ومن معك من الأصحاب اهـ. ملخصا. والصاحب الذي أشار إليه في هذا المكتوب الذي سماه صاحب التاريخ المنقول منه ببوكلي كان وَجَّهَهُ الجدُّ المقدس مولانا إسماعيل سفيراً لملك إنكلترا وفي أُيوبته من سفارته اتصل به نعي مرسله أثناء الطريق. وكان هذا السفير من جملة أعوان القائد أحمد الريفي المذكور وهو الذي كان أشار على السلطان المرحوم بتعيينه سفيرا. ولما حدث ما حدث بين القائد أحمد وبين أهل تطوان مما تلي عليك وعلم بذلك السفير والحال أنه تطواني الأصل والاستيطان، كبر عليه ذلك ولم يدر إلى

أين تكون وجهته، فإن قصد الريفي لطنجة ربما لا يأمن على عائلته بتطوان من التضييق بهم وسلبهم أمتعتهم وما لهم نكاية له، وإن قصد أهله بتطوان لا يدري ماذا تلد له الليالي، وقد كان كل من الريفي وأهل تطوان لما علموا بقدومه وجه إليه يأمره بالنزول من البحر لديه فازدادت حيرته، حتى هم بالرجوع من حيث جاء إلى أن تطمئن البلاد وترجع المياه لمجاريها، وقد كان هذا السفير متأبطا لهدايا مهمة من ملك الإنجليز لمرسله. ولما اتصل الخبر بصاحب الترجمة أوفد إليه الحاج عبد القادر لبريس لجبل طارق يأمره بالقدوم لحضرته بمكناس، وعند ذلك لم يجد بدا من التوجه للقائد أحمد الريفي بطنجة فتوجه لديه ثم ذهب للحضرة السلطانية. وفي عشري قعدة الحرام عام تسعة وثلاثين ومائة وألف كتب المترجم لقنصل الإنجليز وتجار النصارى الذين بتطوان يعلمهم بانه ولي الباشا على بوشفرة مكان الباشا أحمد الريفي عاملا على إيالته سهلها ووعرها ماعدا طنجة والعرائش وأصيلا، فإنه أبقاها لنظر الريفي المذكور، وأنه أمر بوشفرة بسكنى تطوان وأَنهم لا يرون من المذكور إلا كمال المجاملة والصيانة التامة لأنفسهم وأموالهم حسبما بصحيفة 28 من تاريخ انقلابات دول المغرب المذكور. بناءاته: منها القصبة التي أنشأها بتادلا حذو قصبة والده، واتخذ بها داره ومسجداً أكبر من مسجد والده، كما أن قصبته أكبر، وزيادته في قبة ضريح والده كما تقدمت الإشارة لذلك في البناءات المكناسية. قضاته: منهم الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن التماق الأندلسي الغرناطي العلامة المشاور، ولي قضاء فاس بعد امتناع والخطابة بالقرويين منها سادس صفر سنة أربعين ومائة وألف، فعدل في الأحكام وتحري الإنصاف والورع ومشاورة العلماء وأُخر رابع شوال من السنة المذكورة عن غير

9 - أبو العباس أحمد بن محمد بن حماد بن محمد بن زغبوش المكناسي التاودي.

ريبة. له من المؤلفات: حواشي على شرح الحصن، وإزالة الدلسة عن أحكام الجلسة، وجمع الأقوال في لبس السروال، قبضه الله عشية الأربعاء عاشر الأربعاء عاشر جمادى الأولى سنة إحدى وخمسين ومائة وألف، ترجمه في "النشر" "والروضة المقصودة". عماله: منهم على بوشفرة الوديني، وأحمد الريفي، والمحجوب العلج. وفاته: توفي مسلولا رحمه الله ليلة السبت الرابع من شعبان عام أربعين ومائة وألف طبق ما هو منقوش في رخامة ضريحه، ودفن خلف ظهر والده بقبة الضريح رحمه الله وبرد ثراه وغفر له آمين. 9 - أبو العباس أحمد بن محمد بن حماد بن محمد بن زغبوش المكناسي التاودي (¬1). حاله: كان فقيها حافظا لكتاب الله تعالى كثير التلاوة له متدينا ماهرا في معرفة الهيئة والتعديل، عمي آخر عمره فلما كان عند الموت قلا: فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد، فحدث حاضروه أن الله تعالى رد عليه بصره، قال حفيد أخيه أبو الخطاب: فلا أدري أنص لهم على ذلك أم استدلوا بالتلاوة. ووالده محمد بن حماد هو الذي كان امتحنه يدر بن ولجوط في سبعة من أقاربه بالتثقيف إلى أن أصبحوا مذبوحين، ولا غرابة في ذلك إذ الجاهلون لأهل العلم أعداء سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا. 10 - أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن الولي الصالح المتبرك به عبد المغيث زغبوش القرشي المكناسي النشأَة والدار والإقبار. حاله: فقيه معظم، وجيه محترم، تقي زكي، بر طاهر مرضي، من بيت مجد وفضل وعلم وديانة، وعفاف ونباهة وصيانة، تقلَّد وظائف، إفراداً وجمعا، ¬

_ (¬1) في المطبوع: "التاوري" بالراء.

11 - أحمد بن عبد الملك بن محمد بن الحسين بن عميرة المخزومي بلنسي شفوري الأصل يكنى أبا المطرف.

وتقيد بمناصب هداية ونفعا، كم نشأ في هذا البيت الكبير من عدول، وكم تفرع من فطاحل عن تلك الأصول، وكم تفننوا في بلاغة النظم والنثر، حتى أصبح منهم روض العنم في نشر، تحمد عقباه يوم النشر، وتطيب الأكوان من ريا ذلك النشر، رمقتهم الجلالة الإسماعيلية بطرف القبول، وشملتهم عنايتها بإدراك السول وحملهم على كاهل المبرة والاحترام، وأفردهم من منشوراته بما يعد من المآثر الفخام، وناهيك بما يتلي عليك من ذلك بعد في مرسومه الأغر، فإنه شاهد صدق أغر. 11 - أحمد بن عبد الملك بن محمد بن الحسين (¬1) بن عميرة المخزومي بلنسي شفوري الأصل يكنى أبا المطرف. حاله: قال ابن عبد الملك: كان أول طلبه شديد العناية بشأن الرواية فأكثر (¬2) من سماع الحديث، وأخذ عن مشايخ أهله، وتفق في العلوم، ونظر في العقليات، وأصول الفقه، ومال إلى الأدب، فبرع به براعة عد بها من كبار مجيدي النظم. وأما الكتابة فهو علمها المشهور. وواحدها الذي عجزت عن ثانيه الدهور، ولاسيما في مخاطبة الإخوان، هنالك استولي على أمد الإحسان، وله المطولات المنتخبة، والقصار المقتضبة، وكان يعلم كلامه نظما ونثرا بالإشارة إلى التاريخ، ويودعه إلمامات بالمسائل العلمية متنوعة المقصد (¬3). ¬

_ 11 - من مصادر ترجمته: الإحاطة 1/ 173، بغية الوعاة 1/ 303، جذوة الاقتباس 1/ 145، الديباج المذهب 1/ 179، الذيل والتكملة 1/ 1/ 150، شجرة النور الزكية 1/ 477، عنوان الدراية - ص 298، المقتضب من تحفة القادم - ص 197، نفح الطيب 1/ 305، الوافي بالوفيات 7/ 133. (¬1) تحرف في المطبوع إلى: "الحسن". (¬2) في المطبوع: "فاستكثر" والمثبت لدى ابن عبد الملك الذى ينقل عنه المصنف. (¬3) الذيل والتكملة - السفر الأول - القسم الأول - ص 152.

وقال المَقَّرِى في "نفح الطيب" لدي تعرضه له ما لفظه: قال فيه بعض علماء المغرب قدوة البلغاء، وعمدة العلماء، وصدر الجلَّة الفضلاء، ونكتة البلاغة (¬1)، التي قد أحررها وأودعها، وشمسها (¬2) التي أَخفت ثواقب كوكبها حين أبدعها، مبدع البدائع التي لم يحظ قبله بها إنسان، ولا ينطلق عن تلاوتها لسان، إذ كان ينطق عن قريحه صحيحة، ورويَّة بدرر العلم فصيحة، ذللت له صعب الكلام، وصدَّقت رؤياه حين وَضَعَ سيدُ المرسلين -وهو الذي أُوتي جوا مع الكلام- في يده الأقلام (¬3). وقال ابن الأبار في تحفة القادم في حقه ما صورته: فائدة هذه المائة، والواحد يفي بالفئة، الذي اعترف باتحاده الجميع، واتصف بالإبداع فماذا يتصف به البديع، ومعاذ الله أن أُحابيه بالتقديم، لما له من حق التعليم، كيف وسَبْقه الأشهر، ونطقه الياقوت والجوهر، تحلت به الصحائف والمهارق، وما تخلت عنه المغارب والمشارق، فحسبي أن أجهد في أوصافه، ثم أشهد بعدم إنصافه، هذا على تناول العموم والخصوص لذكره، وتناوب المنثور والمنظوم على شكره (¬4). وقال في الإحاطة: قلت: وعلى الجملة فذات أبي المطرف فيما ينزع إليه (¬5) ليست من ذوات الأمثال، فقد كان نسيج وحْدِه، إدراكاً وتفتناً، بصيرا بالعلوم مُحَدِّثًا مكثرًا راوية ثَبتًا، متبحرا (¬6) في التاريخ والأخبار، ريَّانا مضطلعا بالأصلين، ¬

_ (¬1) في المطبوع: "البلغاء" والمثبت رواية المقري الذي ينقل عنه المصنف وهي المناصبة للمعنى. (¬2) في المطبوع: "وشمسه" والمثبت رواية المقري. (¬3) نفح الطيب 1/ 313. (¬4) نقله المقري في نفح الطيب 1/ 315. (¬5) في المطبوع: "وعليه" والمثبت لدى ابن الخطيب في الإحاطة الذي ينقل عنه المصنف. (¬6) في متن الإحاطة: "سَجِراً" وبالهامش: السجر: هو المليء".

قائما على العربية واللغة، كلامه كثير الحلاوة والطلاوة، جم العلوم (¬1)، غزير المعاني والمحاسن، شفاف اللفظ حر المعنى (¬2). انتقل إلى العُدْوة (¬3)، واستكتبه الرشيد أبو محمد بن عبد الواحد بمراكش مدة يسيرة، ثم صرفه عن الكتابة وولاه قضاء مِلْيانة من نظر مراكش الشرقي، فتولاه قليلا ثم نقله إلى رباط الفتح، وتوفي الرشيد فأقرّه (¬4) على ذلك الوالي بعده أبو الحسن المعتضد أخوه، ثم نقله إلى قضاء مكناسة الزيتون، ثم لما قتل المعتضد انفصل عن مكناسة ولحق بَسبْتة، وجري عليه بطريقها ما يذكر في محنته، ثم ركب البحر منها متوجها إلى إفريقيَّة، فقدم بجاية على الأمير أبي زكريا، ثم توجه إلى تونس فنجحت بها وسائله، وولي قضاء مدينة الأريس، ثم انتقل إلى فاس وبها طالت مدة ولايته، فاستدعاه المنتصر بالله محمد بن أبي زكرياء، ولَطُف محله منه، حتى كان يحضر مجالس أُنسه (¬5). مشيخته: روي عن أبي الخطاب بن واجب، وأبي الربيع بن سالم (¬6) وأبي عبد الله بن فرج، وأبي على الشلوبين، وأبي عمر بن عات، وأبي محمد بن حَوْط الله، لقيهم وقرأ عليهم وسمع منهم، وأَجاروا له، وأَجار له من أهل المشرق أبو الفتوح نصر بن أبي الفرج وغيره (¬7). ¬

_ (¬1) في الإحاطة: "جم العيون". (¬2) الإحاطة 1/ 174. (¬3) أي عدوة المغرب. (¬4) في المطبوع: "فأقامته" والمثبت من الإحاطة. (¬5) الإحاطة 1/ 17. (¬6) تحرف في المطبوع إلى: "سلام" وصوابه من الإحاطة والذيل والتكملة. (¬7) الإحاطة 1/ 174.

الآخذون عنه: أخذ عنه ابنه أبو القاسم، وأبو بكر بن خطاب، وأبو إسحاق البلقينى الحفيد، والحسن بن طاهر بن على الشقوري، وأبو عبد لله البري (¬1). وحدث عنه أبو جعفر بن الزبير، وابن شقيف (¬2)، وابن ربيع، وغيرهم ممن يطول ذكره. شعره: من ذلك قوله موريا بالعلوم: قد عكفنا على الكتابة حينا ... ثم جاءت خطة القضاء تليها مع كل لم يبق للجهد إلا ... منزلا نائيا وعيشا كريها نسبة بدلت ولم تتغير ... مثل ما يزعم المهندس فيها (¬3) وقوله: يا غائبا سَلبَتني الأنس غيبتُه ... فكيف صبري وقد كابدتُ بينهما دَغوَاي أنك في قلبي فعارَضَها ... شوقي إليك فكيف الجمعُ بينهما (¬4) وقوله: إن الكتاب أتي وساحةُ طِرْسِه ... دوح توشح بالبديع مبرقع وله حقوق ضاق وقت وجوبها ... ومن الوجوب (¬5) ضيق وموسع (¬6) ¬

_ (¬1) تحرف في المطبوع إلى "البزي" بالزاي. وصوابه من الإحاطة والذيل والتكملة. (¬2) في المطبوع: "وابن شنيف" والمثبت رواية الإحاطة. (¬3) الإحاطة 1/ 177. (¬4) الإحاطة 1/ 177. (¬5) في المطبوع: "العجائب" والمثبت رواية الإحاطة. (¬6) الإحاطة 1/ 177.

وقوله: وأجات فكري في وشاحك فانثني ... شوقا إليك يَجول في جَوَّال أنصفت غُصْنَ البان إذ لم تدعه ... لَتَأوُّدِ (¬1) مع عطفك الميال ورحِمْت در العقد حين وضعته ... متواريا عن ثغرك المتلالي كيف اللقاء وفعل وعدك سينه ... أبدا تخلصه للاستقبال وكماة قومك نارهم ووقيدها ... للطارقين أسِنّة وعوالي (¬2) وقوله: أري مَنْ جاء بالموسي مواسي ... وراحة ذى القريض تعود صِفْرا فهذا مخفقُ إن قص شِعْرًا ... فهذا مخِفُقُ إن قصَّ شَعْرَا (¬3) وقوله: كبَّرت بالبشرى أتت وسماعها ... عيدي الذي لشهوده تكبيري وكذلك الأعياد سنة يومها ... مختصة بزيادة التكبير (¬4) وقوله بايعونا مودة هي عندي ... كالمصرات بيعها بالخداع فسأقضي بردها ثم أقضي ... بعدها من مدامعي ألف صاع (¬5) ¬

_ (¬1) في المطبوع: "لتوادع" والمثبت رواية النفح. (¬2) نفح الطيب 1/ 315. (¬3) نفح الطيب 1/ 316. (¬4) الإحاطة 1/ 177. (¬5) الإحاطة 1/ 177.

وقوله: شرطت عليهم عند تسليم مهجتي ... وعند انعقاد البيع حتما يواصل فلما أردت الأخذ بالشروط أعرضوا ... وقالوا يصح البيع والشرط باطل (¬1) نثره: من ذلك قوله من رسالة أجاب بها العباس بن أُمية وقد أعلمه باستيلاء الروم على بَلتسِية: بالله أي نحو تنحو، أو مسطور تثبت أو تمحو، وقد حذف الأصل والزوائد، وذهبت الصلة والعوائد، وباب التعجب طال، وحال اليأس لا تخشي انتقال، وذهبت علامة الرفع، وفقدت نون الجمع، والمعتل أعدي الصحيح، والمثلث أودي الفصيح، وامتنعت المجموع من الصرف، وأمنت زوائدها من الحذف ومالت قواعد الملة، وصرنا جمع القلة، وظهرت علامة الخفض، وجاء بدل الكل من البعض (¬2). مؤلفاته: له تأليف في كائنة مَيُرْقَة (¬3) وتغلب الروم عليها نحا فيه نحو العماد الأصبهاني في الفتح القدسي، وكتابه في تعقبه على فخر الدين ابن الخطيب الرازي في كتاب المعالم في أصول الفقه منه، وردُّه على كمال الدين أبي محمَّد عبد الكريم السِّماكي في كتابه المسمي بالتبيان في عدم البيان، واختصار نبيل من تاريخ ابن صاحب الصلاة وغير ذلك من التعاليق والمقالات (¬4). ¬

_ (¬1) الإحاطة 1/ 178. (¬2) الإحاطة 1/ 176. (¬3) كذا في من الإحاطة 1/ 178 وهو الصواب، وبهامشها: "في بعض النسخ الخطية: المرية، وهو تحريف. وكائنة ميورقة يقصد بها هنا استيلاء النصارى على جزيرة ميورقة، كبرى جزائر البليار أو الجزائر الشرقية وذلك في سنة 627 هـ، على يد ملكهم خايمي ملك أرجون". وتحرف في المطبوع إلى: "المرية". (¬4) الإحاطة 1/ 178.

12 - أبو العباس أحمد بن على الزرهوني المكناسي.

ودون الأستاذ أبو عبد الله ابن هانئ السبتي كتابته وما يتخلَّلُها من الشعر في سفْرين بديعين أتقن ترتيبهما، وسمَّي ذلك "بغية المستطرف، من كلام إمام الكتابة ابن عميرة أبي المطرف" (¬1). محنته: لما قتل المعتضد اغتنم الفترة وانفصل عن مكناسة قاصدا سبتة فلقّي الرفقة التي كان فيها جمع من بني مرين فسلبوه وكل من كان معه، وكان المنهوب من ماله يعدل أربعة آلاف دينار، وكان ورقا وعينا وحليا أُصيب بما له أحوج ما كان إليه (¬2) وقد استقبل الكبر ونازعه سوء الحظ (¬3). مولده: ولد بجزيرة شُقر (¬4) وقيل بِبَلَنْسِية في رمضان عام ستة وخمسين قال عبد الملك: ووهم ابن الزبير في وفاته إذ جعلها في حدود الخمسين وستمائة أو بعدها (¬5). 12 - أبو العباس أحمد بن على الزرهوني المكناسي. حاله: فقيه علامة جليل محدث كامل ناقد أورده ابن لأبار في تكملته وغيره. ¬

_ (¬1) الإحاطة 1/ 178. (¬2) في الإحاطة: "أصيب بمالقة ما أحوج ما كان إليه". (¬3) الإحاطة 1/ 179. (¬4) جزيرة شقر كانت تطلق أيام الدول الإِسلامية على الجزيرة الكبيرة الواقعة في نهر شقر Jucar. قبل مصبه في البحر المتوسط جنوبي بلنسية. وكانت من أجمل البقاع في تلك المنطقة، وكانت تسمى أحيانا بالجزيرة فقط. وهو الاسم الذي استعير فيما بعد لبلدة Alcira الإسبانية الواقعة على نهر شقر على مقربة من الجزيرة المذكورة. وقد كانت جزيرة شقر موطن كثير من العلماء والأدباء. (¬5) الإحاطة 1/ 180. 12 - من مصادر ترجمته: التكملة لابن الأبار 1/ 112.

13 - أبو العباس أحمد: هو الفقيه القاضي أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد البكري.

الآخذون عنه: أخذ عنه أبو القاسم بن سمجون، وحدث عنه بموطأ مالك وأجاز له روايته قال ابن الأبار: ولا أدري أين لقيه. 13 - أبو العباس أحمد: هو الفقيه القاضي أبو العباس أحمد بن محمَّد بن أحمد البكري. من أهل شريش حاله: كان فقيها جليلا استوطن سلا وولي بها القضاء، ثم بمدينة مكناسة. مشيخته: روي عن أبي إسحاق بن قرقول. وفاته: توفي سنة إحدى عشرة وستمائة. 14 - الولي الصالح المولي أحمد الشبلي الشريف الحسني. لم أقف على من تعرض لترجمته ولا على من له أدني معرفة بشيء من حاله غير ما في بعض الرسوم من تحليته بالشريف الحسني، وما هو منقوش في جبص دائرة باب مسجد ضريحه ولفظه: ها روضة الشبلي كالمسراج ... وبهاؤها للزائرين يناجي نزه لحاظك فيهاء محاسني ... واغنم كرائم نوري الوهاج واعكف على عين الكرامة والهدي ... ذخر الأنام وواضح المنهاج فإذا دخلت ضريحه فاسأل به ... تحظ بأنوار نوره المسراج وابسط أكفك للمهيمن ضارعا ... متوسلا بسلالة الإنتاج السيد الحسني الهمام المرتضي ... كهف الآمال وبغية المحتاج واسأل تنل فوق الأنام جميع ما ... ترجو وتلق مواهب الفراج ¬

_ 13 - من مصادر ترجمته: التكملة لابن الأبار 1/ 93، الذيل والتكملة 1/ 1/ 387 رقم 543.

15 - أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن تميم اليفرتي الشهير بالمكناسي.

انتهي. يقال: إن هذه القطعة لبعض الأدباء المكناسيين من أولاد القنسود، وقصيدة في مدحه أيضًا تأتى فيما بعد. ويقال إن السيدة حبيبة بنت الحاج الطاهر بن العربي بادو، هي التي بنت ضريح هذا السيد ومسجده من مالها الخاص بها والخالص لها, لرؤيا رأتها وقد كانت كفيفة البصر فرد الله عليها بصرها فبنت الضريح ومسجده، وهذا إن صح يحمل على مزيد التنميق أو التجديد، وإلا فقد أسلفنا لك ما هو نص في أن باني الضريح المذكور هو سيدنا الجد السلطان الأعظم المولي إسماعيل عليه صيب الرحمات، والله أعلم بحقيقة الحال. 15 - أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن تميم اليَفَرتِي الشهير بالمكناسي. أخو أبي الحسن الطنجي، شيخ أبي عبد الله محمَّد بن سليمان السطي. حاله: فقيه عدل أستاذ نبيل فاضل زكي نزيه. مشيخته: منهم ابن هاني تلميذ ابن الشاط، وابن رشيد، وأبو يعقوب البادسي، وابن الزبير، وابن سليمان الوادياشي، وأبو عبد الله محمَّد بن قاسم ابن محمَّد الأنصاري المالقي الضرير الشهير بابن قاسم نزيل مكناسة الزيتون، رحل إليه من مدينة فاس إلى مكناسة، ورحل إليه الناس للأخذ عنه، ولما قفل إلى بلاده مدينة فاس صار يدعي بالمكناسي لذلك. وفاته: توفي بمدينة فاس سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة برد الله ثراه آمين. 16 - أبو العباس أحمد بن العربي الغُمَاري الكَومي، قاضي مكناس. حاله: فقيه علامة واعية موثق، وقفت على رسم تحبيس حلي فيه بالعلم ¬

_ 15 - من مصادر ترجمته: جذوة الاقتباس 1/ 122، درة الحجال 1/ 46.

17 - أبو العباس أحمد بن عمر بن محمد بن عاشر الأندلسي الأنصاري الجزيري

والجلالة، ولم أعرف شيئًا من أحواله ولا من الولادة والوفاة، إلا أنه كان متوليا خطبة القضاء بمكناس سنة 959 تسع وخمسين وتسعمائة (¬1). 17 - أبو العباس أحمد بن عمر بن محمَّد بن عاشر الأندلسي الأنصاري الجزيري. نزيل سلا، ودفينها، أصله من شمينة وبها نشأ. حاله: أفضل أهل زمانه علمًا وعملاً، وقال ابن سعد في "النجم الثاقب" في حقه ما ملخصه: كان أحد الأولياء الأبدال، معدودا في كبار العلماء ممن جمع له العلم والعمل وألقي عليه القبول من الخلق، شديد الهيبة، عظيم الوقار, كثير الخشية، طويل التفكر والاعتبار، قصده السلطان أبو عنان وارتحل عام سبعة وخمسين فوقف ببابه طويلاً فلم يأذن له وكرر ذلك مرارًا فلم يأذن له، وتبعه يوم الجمعة على رجله والناس ينظرونه وهو لا ينظر فقال: منعنا من هذا الولي، ثم أرسل إليه ولده مستعطفا فأجابه بما قطع رجاءه منه. اهـ (¬2). ودونك نص ما أجابه به: "الحمد لله من العبد الفقير إلى الله تعالى أحمد بن عمر بن محمَّد بن عاشر وفقه الله تعالى بمنه وكرمه، إلى أمير المؤمنين أبي عنان أيده الله تعالى بتقواه ورد حاله إلى ما كان عليه الخلفاء الراشدون ومن تعرض لنصيحة المسلمين آمين، وصلى الله تعالى على مولانا سيدنا محمَّد وآله وسلم تسليما، أما بعد: ¬

_ (¬1) هذا في المطبوع. وقد ترجم صابح الأعلام بمن غير -4/ 1455 موسوعة- لمن اسمه أحمد بن محمَّد العربي الغمارى، فقال: وفي هذه السنة -أعنى سنة 1063 هـ- توفي الفقيه الأصولى أبو العباس أحمد بن الفقيه العلامة أبي عبد الله محمَّد العربي بن محمَّد الكومى عُرف بالغُمارى، ولى قضاء بلده مكناسة فحمدت سيرته، وكان فقيها مدرسا. أخذ عن الفقيه المفتى أبي عبد الله الهوارى، ثم عن العلامة أبي عبد الله بن بد الحليم وغيرهما. قال خال الوالد الشيخ أبو عبد الله محمَّد المهدي الفاسى: قرأت على صاحب الترجمة الرسالة والمختصر. 17 - من مصادر ترجمته: درة الحجال 1/ 148، شجرة النور الزكية 2/ 34، كفاية المحتاج 1/ 37، نيل الابتهاج 1/ 92. (¬2) كفاية المحتاج 1/ 37.

فقد ورد على كتابكم المشرف بذكر الله تعالى وولدكم المكرم جعله الله تعالى من المتقين، وأنبته نباتا حسنا وعلمه علماً نافعا ولا يجعله من المبعدين، من رحمة رب العالمين، وصلي الله على سيدنا ومولانا محمَّد الكريم، ولتعلم أني ما شككت فيكم وقد أيقنت أنكم ما أرسلتموه إلا من أجل الله عَزَّ وَجَلَّ وطلب مرضاته، وبعد: فإني لم أكن للزيارة أهلا, ولا للقربة محلا، وإنما سترني الكريم بفضله، ولطف بي بحلمه، ولله الحمد على نعمته الظاهرة والباطنة، ولتعلم أنى قصدت بنصيحتى لك وجه الله العظيم خاصة فإني لا أطمع في مخلوق أن يكسبني مالا ولا جاها لاكتفائي بمولاي جل جلاله وتقدست أسماؤه. ولتعلم يا أمير المؤمنين وفقك الله للخير أن الله عَزَّ وَجَلَّ ناظر إليك في كل حين وفي كل ساعة وكل نفس وكل طرفة، ولابد لك من لقائه، ويسألك عما دق وجل، وينشر عليك عدله، ويسألك عن أمر خلقه وما صنعت، هذا إِن طالبك جل جلاله. وأما إِن عفا عنك ونشر عليك رحمته وفسح لك فلا راد لفضله ولا لحكمه جل جلاله وتقدست أسماؤه. وليكن أمير المؤمنين مشفقا على نفسه، وليعمل في يومه لما فرط في أمسه، ومن كان يومه شرا من أمسه فيا حسرته ويا وحشته ويا فجعته, وأعظم المصائب إعراضه عن ربه عَزَّ وَجَلَّ، وقد أشفق الصالحون والأولياء والمتقون على أنفسهم، كان عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه يقرأ قوله تعالى {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} وقال الله عز وجل: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: من يأخذها بما فيها يعني من الأجر الذي يعطي الإمام العادل إشفاقا على نفسه. وقد وقف الفضيل بن عياض بعرفة فقال: ظننت أن هذا الخلق غفر لهم حتى رأيت نفسي فيهم. وكان عطاء يقول: لو مات عطاء استراح الناس. وكسفت الشمس يوما فصاح عتبة الغلام بذنوبي كسفت الشمس. وعرك عثمان بن عفان أذن غلام له لأدب فقال: آه أوجعتني. فقال: عثمان خذ أذني فاعركها، فأبي الغلام فقال عثمان: لا بد من ذلك لأن تقتص مني في الدنيا خير من أن يقتص مني في الآخرة فعرك الغلام أذن عثمان فقال له: اشدد وزد، فقال: أمير المؤمنين

إن كنت تخاف القصاص فإني أخاف أيضًا، فهذا يدلك كله على شفقة الأولياء والأصفياء على نفوسهم لما علموا عدل الله عَزَّ وَجَلَّ في خلقه، ولك عبرة في آبائك وأجدادك فقد صاروا إلى الله عَزَّ وَجَلَّ ولا تدري ما قال لهم ولا ما قالوا له. وروي عن عيسى عليه السلام أنه مر بجمجمة فضربها برجله وقال تكلمي بإذن الله تعالى، قال: يا روح الله، أنا ملك زمان كذا وكذا فبينما أنا جالس في ملكي على تاجي على سرير ملكي وحولي جندي وحشمي إذ بدا لي ملك الموت، فزال عني كل عضو على حاله، ثم خرجت نفسي إليه، فيا ليت ما كان من الاجتماع كان فرقة، ويا ليت ما كان ذلك إلا حسرة ووحشة. وروي عن أبي بكر الصديق أنه قال في خطبته: أين الوضأَة وجوههم، أين الصباح الحسنة وجوههم، المعجبون بشبابهم، أصبحوا تحت الثرى. وروي عنه أيضًا أنه قال في خطبته: أين الذين بنوا المدائن، وحصنوا الحصون والحوائط، أين الذين كانوا يعطون من الغلبة في مواطن الحرب قد تضعضع بهم الحرب فأصبحوا تحت التراب والآكام. وروي عن حذيفة بن اليمان أنه قال لابن مسعود وبه ألم من آخر الليل: قم وانظر لي أي ساعة هذه، قال قد طلعت الجمرة يعني الزهرة، فقال حذيفة أعوذ بالله من صباح إلى النار. وقال معاذ بن جبل لما حضرته الوفاة لجاريته: ويحك انظرى هل أصبحنا؟ فنظرت فقالت: لا. ثم تركها ساعة فقال لها: انظري فقالت: نعم، فقال أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار. وقيل لعامر بن عبد الله بن قيس عند الموت وقد بكي: ما يبكيك؟ فقال: ما أبكي فرارا من الموت ولا حرصا على الدنيا, ولكني أصبحت في صعود مهبطة ثم لا أدري أين أهبط هل إلى الجنة أو إلى النار أو يعفو الله تعالى.

وقال محمَّد بن واسع عند الموت: يا إخواني، عليكم السلام إلى النار، أو يعفو الله تعالى. وروي جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأحاديث أن نفرا من بني إسرائيل مروا بمقبرة فقال بعضهم لبعض: لو دعوتم الله عَزَّ وَجَلَّ أن يخرج لكم من هذه المقبرة ميتا فنسأله، فدعوا الله عَزَّ وَجَلَّ فإذا هم برجل جلس بين عينيه أثر السجود قد خرج من قبر من تلك القبور فقال: ما أردتم مني؟ لقد ذقت الموت منذ خمسين عاما فما سكنت من قلبي مرارته. وروي عن كعب الأحبار أنه قال لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو لقيت الله بعمل سبعين نبيا لخشيت لك أن لا تنجو من هول ذلك اليوم. فعليك عافاك الله بالشفقة على نفسك فإن الدنيا لا تدوم لك، فقد كان في زمن من الأزمان على ما حكي: ملك من الملوك كان عادلا في رعيته فقد سمعه، فقالوا برحوا في الناس من كان مظلوما فليلبس ثوبا أحمر، فإني إن فقدت سمعي فما فقدت بصري، فهذا عافاك الله قد نصح لرعيته ولا أدري هل كان مؤمنا أو كان كافرا، وإن رجع أمير المؤمنين وأشفق على نفسه ورعيته رجوت أن يقبله الله تعالى وأن يمن عليه بفضله إنه جواد كريم. وقد قال بعض المشايخ: إذا وقع منك ذنب فلا يكن سببا يقصيك عن الاستقامة مع ربك، فقد يكون ذنبك ذلك آخر ذنب قدر عليك وليطالع أمير المؤمنين الرعاية للمحاسبي، أو كتاب النصائح للمحاسبي فلعل ببركة الشيخ يكسبك الله خوفا ورحمة فيكون سبب نجاتك، وإن سمعت بأمير المؤمنين أنه اجتهد في نصيحة رعيته وكف يد ظالمهم ونصر مظلومهم اجتهد له في السؤال لله عَزَّ وَجَلَّ في الأسحار، وأطراف النهار، وليعلم أمير المؤمنين أنه لا يخلصه أحد من خدامه ولا من حشمه بل يفرون منه يوم القيامة ويفر منهم، ولا عليك في هذا الأمر إلا أن تراقب الله تعالى وتعمل بما أمرك ونهاك يسهل الله عليك الخير فعساك

تموت وأنت مقبل على الله عَزَّ وَجَلَّ وهو أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وفقك الله لما يحبه ويرضاه وسخرك لخلقه ولا أدار عليك رحي المحنة، على قطب الفتنة، وصلي الله على سيدنا محمَّد وعلى آله فرحم الله امرءا نظر لنفسه وعمل ما يخلصه عند ربه. فلما وصل كتابه هذا للسلطان أبي عنان رحمه الله أيس من لقائه واشتد حزنه وقال: هذا ولي من أولياء الله حجبه الله عنا. وقد أجابه أبو عنان عن هذا الكتاب بما لفظه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، صلى على سيدنا محمَّد وعلى آله وسلم، من عبد الله المعترف بذنبه، الراجي رحمة ربه، فارس أمير المؤمنين بن على بن عثمان ابن يعقوب بن عبد الحق وفقه الله عَزَّ وَجَلَّ لطاعته، وجعله بفضله من أهل جنته، إلى وليي في الله وناصحي في ذات الله عَزَّ وَجَلَّ الولي العالم الزاهد الخاشع أبي العباس أحمد بن عمر بن محمَّد بن عاشر، أمتع الله بحياته أولياءه، ونفع بصالح دعواته أصفياءه، وأبقاه ذخرا للمسلمين ونوراً يهدي إلى سبيل المتقين، وبعد حمد الله بارئي النسم، على تتابع النعم، والسلام على سيدنا محمَّد خاتم أنبيائه ورسله إلى خيرة الأمم، وعلى آله وأصحابه ليوث الهيجاء ونجوم الظلم، فإنه وصلني كتابكم الذي ذكرتني بموعظته، وعرفتني مصالح نفسي بنصيحته، أعرب بلسان الصدق، ودعا إلى سبيل الحق، وأيقظ من النومة، ونبه من الغفلة، فجزاك الله خيرا يا أيها القاصد وجه الله العظيم في سره وجهره، الواقف عند حدوده عَزَّ وَجَلَّ في أمره ونهيه، لقد نصحتني وما غششتني، وندبتني لسعادتي وما كذبتني، فالله أسأل أن ينور بصيرتي، ويأخذ للخير بناصيتي، ويسلك بي فيما قلدني سبيل أوليائه المتقين. ويعينني على القيام بأمور عباده المسلمين. وهأنا إن شاء الله تعالى أجتهد في كف أيدي الظالمين، وأبذل جهدي في

إنصاف المظلومين، وأبتهل إلى الله تعالى بالضراعة في إعانتي بتوفيقه، وهدايتي لنهج طريقه، وهو سبحانه يعلم -وإن كنت مسرفا على نفسي مقصرا في عملي- أني لا اضمر إهمال مظلوم ولا إعانة ظالم، وكفي بالله شهيدا, وقد قل أعوان الحق، وكاد أن نعدم منقبة الصدق، فلا رجل ولي عملا إلا ظلم وتجبر، ولا مؤتمن يركن إليه إلا خان وفجر، ولا جليس يستعان بنهاه إلا آثر دنياه، واتبع هواه، لكن بالله أستعين في جميع الأمور، وعليه سبحانه أَتوكل وإن لم أُوف بحق التوكل في الورود والصدور، ونسأله جل وعلا أن يلهمنا ما يقربنا منه، ولا يجعلنا من المبعدين عنه. وأسألك أنت بمن كانت هذه المكاتبة ابتغاء وجهه الكريم إلا ما اجتهدت لي في الدعاء في غلس الأسحار، وأطراف النهار، أن يمكنني الله عَزَّ وَجَلَّ نفسي ويلهمني رشدي، ويجعلني من الناطقين بالحق، الفاصلين بالعدل، ويبلغني تعالى أملي في جهاد الكافرين، وينيلني قصدي في حج بيت الله الكريم، وزيارة قبره عليه أفضل الصلاة وأذكي التسليم، وأن يجعل ذريتي من عباده الصالحين ومن أهل القرآن العظيم وزوار قبر نبيه، وأن يختم لي ولهم بالحسنى، ويبلغنا في طاعته جميع المنى، بفضله وجوده. وأنا قد انتفعت بكتابك، وأنتفع إن شاء الله بنصيحتك وأجد بركة موعظتك، التي أردت بها وجه الله العظيم علام الغيوب فلا تخلني بعد من إشارتك. ولا من صالح دعواتك، ولا توحشنا من أنس جوارك، ولا تفقدنا من صالح إيثارك. وإن كنت قد استغنيت عنا فإني لا أستغنى عن مشاورتك الصالحة، ومكاتبتك الرابحة. إن شاء الله تعالى وهو سبحانه وتعالى يجزيكم أفضل الجزاء ويهدينا إلى الطريقة المثلي والسلام عليكم ورحمة الله". وذكر المترجم ابن الخطيب في نفاضة الجراب وابن الخطيب القسمطيني في رحلته ووصفه بأوصاف عالية منها: كثرة النفور من أصحاب الولاية في الأعمال

قال: وخرجت على يده تلاميذ نجباء أخيار وطريقه أنه جعل إحياء علوم الدين نصب عينيه واتبع ما فيه بجد واجتهاد، وصدق وانقياد. قال هو غيره: ولم يكن قوته إلا من نسخ "عمدة الأحكام" في الحديث وكان معجبا بهذا التأليف مؤثرا لحفظه وفهمه كثيرا ما يندب إخوانه لذلك، وكان يقوم على حفظه وربما أقرأه تفهما لكثير من أصحابه ينسخ منه ثلاث نسخ في السنة غالبا ويسفرها بيده، وربما صنع لها أغشية من جلد بيده ويبيعها ممن يعرف طيب كسبه بدينار من الذهب العين للنسخة ولا يأخذ إلا قيمتها. ولم تزل حالته وبركته في زيادة إلى أن توفي قال ابن عرفة: ما في زماننا مبرر إلا هو وأبو الحسن المنتصر. قال ابن عاشر الحافي في "تحفة الزائر": رحل يعني المترجم له وحج ثم آب للمغرب فقدم فاسا المحروسة وأقام بها مدة ثم ارتحل إلى مكناسة. اهـ. وفي "درة الحجال" رحل إلى مكناسة واستوطنها مدة وكانت بها إحدى أختيه والثانية بشمينة، وكان أبو عنان يجري على التي كانت بمكناسة جراية تعيش بها، ثم انتقل إلى سلا وقرأ القرآن والعلم ببلده شمينة، ثم انتقل منها إلى الجزيرة الخضراء وأقام بها زمانا مشتغلاً بتعليم كتاب الله ولقي الأكابر من أهل المقامات كمسعود الأبله -الرجل الصالح- قال وبإشارته خرج من الخضراء. وفي تحفة الزائر أنه نزل برباط الفتح بعد انتقاله من مكناسة دهرا طويلاً بزاوية الشيخ العظيم الشأن سيدي عبد الله اليابوري، ثم انتقل للعدوة الأخرى من سلا فنزل بها بزاوية الشيخ أبي زكرياء الكائنة بقرب الجامع الأعظم وبدار المقدم عليها إذ ذاك أبي عبد الله محمَّد بن عيسى تلميذ أبي زكرياء المذكور، وكل ذلك بعد وفاة الشيخ اليابوري. اهـ.

18 - أحمد بن يحيى بن أحمد بن يحيى بن أحمد بن عبد المنان أبو العباس الخزرجي.

الآخذون عنه: منهم العارف الكبير أبو عبد الله بن عباد شارح الحكم العطائية، وناهيك به وهو من أكابر أصحابه وخيارهم أقام معه سنين عديدة قال في رسائله: "كنت خرجت يوم مولده - صلى الله عليه وسلم - صائما إلى ساحل البحر فوجدت هنالك السيد الحاج ابن عاشر رحمه الله وجماعة من أصحابه معهم طعام يأكلون فأرادوا مني الأكل، فقلت: إني صائم، فنظر إلى السيد الحاج نظرة منكرة وقال لي هذا يوم فرح وسرور يستقبح في مثله الصوم كالعيد، فتأملت مقالته فوجدتها حقا وكأنه أيقظني من النوم". وفاته: توفي سنة خمس وستين وسبعمائة وضريحه بسلا مزارة مشهورة يقصدها الزوار ويفد إليها ذوو العاهات فيكشف الله أوصابهم والأعمال بالنيات. 18 - أحمد بن يحيى بن أحمد بن يحيى بن أحمد بن عبد المنان أبو العباس الخزرجي. أجرى ذكره تلميذه العلامة ابن جابر الغساني في شرحه على التلمسانية في الفرائض. حاله: وصفه تلميذه المذكور بالشيخ الفقيه العلم رافع راية الشعر والأدب في عصره القدوة الأحفل، المتفنن الأكمل، كاتب الخلافة العلية، المخصوص لديها بالمزايا السنية، وأنشده لبعض المشارقة: مفتاح رزقك تقوي الله فاتقه ... وليس مفتاحه حرصا ولا طلبا والعلم أفضل ثوب أنت لابسه ... فاجعل له علمين الدين والأدبا وكان إنشاده إياه البيتين المذكورين برباط الفتح من مدينة سلا أوائل عام ثلاثة وثمانين وسبعمائة. اهـ. ¬

_ 18 - من مصادر ترجمته: درة الحجال 1/ 53.

وحكي أنه قدم مكناسة مع أبي العباس أحمد المريني بن أبي سالم ونزل في مرستان مكناسة لكونه كان خاليا فكتب له السلطان المذكور هذه الأبيات: يا شاعرا قد خبرناه ففاض لنا ... بالشعر والكُتْب من تلقاء نجران نبئت أنك قد بدلت دارك في ... مكناسة فشجا من (¬1) عندك ابنان ما زال يتبعك الغاوون مذ زمن ... حتى لقد همت في وادي المرستان (¬2) وأجابه أبو العباس المذكور بقوله: لما بدا لي في حمي مكناسة ... مثوى الذين مضوا من الأتراب أيقنت أني لست ذا عقل بها ... أتبعت نفسي من هوي وتصابي فتركت داري لم أعرج نحوها ... ورأيت مارستانها أولي بي (¬3) و [قد] (¬4) تنسب له حكايته، وهي أنه كان ذات يوم في طريق مكناسة فبينما هو في أثنائها إذ سمع هاتفا ولم ير شخصه وهو يقول: أسرتم (¬5) السابح في لجة ... ولم تفلتوا ذوات الجناح هذا وقد عرضتم للفنا ... فكيف لو خلدتم يا وقاح (¬6) فأجابه ابن عبد المنان بقوله: ¬

_ (¬1) رواية المطبوع: "مكناسة فجشا من عنك انبان" والمثبت رواية المكناسي في درة الحجال. (¬2) درة الحجال 1/ 53. (¬3) درة الحجال 1/ 53. (¬4) من درة الحجال. (¬5) في المطبوع: "أكلتم" والمثبت رواية درة الحجال. (¬6) درة الحجال 1/ 54.

بالعقل قد فضلَنا ربُّنا ... وسخر الفلك لنا والرياح فالحوت والطير متاع لنا ... وما علينا فيهما من جَنَاحْ وإن غدونا عرضة للفنا ... فنقلتنا إلى دار الفلاح فإنه يُفْضي إلى دعوة ... لدار خلد ليس عنها براح (¬1) قال في "درة الحجال" وهذه الحكاية حدثني بها أبو راشد عن شيخه ابن إقمار (¬2) وعن شيخه ابن غازي وأوردها في فهرسته هكذا منسوبة (¬3) له. وأوردها الصفدي ونسبها لغيره فانظره. قال وذكري عن ولد الكاتب المذكور وهو يحيى بن أحمد أنه دخل على مخدومه أحمد المريني بمساء فقال له: مولانا نعم صباحك، فأنكر السلطان ذلك منه وتوهمه ثَمِلاً فتفطن الكاتب لما صدر منه فأنشأ يقول: صبحته عند المساء فقال لي ... ماذا الكلام وظن ذاك مزاحا فأجبته إشراق وجهك غرني ... حتى توهمت المساء صباحا (¬4) وعطس السلطان المذكور يوما وكان ابن عبد المنان حاضرا فقال: يرحمك الرحمن من عاطس ... وليهنك الحمد على عطستك ويغفر الله لنا كلنا ... وليسبل الستر على حوبتك الآخذون عنه: منهم أبو عبد الله محمَّد بن جابر الغساني حسبما ذكره عن نفسه في شرحه على المنظومة التلمسانية وجماعة. ¬

_ (¬1) درة الحجال 1/ 54. (¬2) في المطبوع: "ابن أكار" والمثبت رواية درة الحجال. (¬3) درة الحجال 1/ 54. (¬4) درة الحجال 1/ 54.

19 - أبو العباس أحمد بن سعيد القيجميسي

وفاته: توفي سنة اثنين وتسعين -بتقديم المثناة- وسبعمائة- بتأخير الموحدة عن السين. 19 - أبو العباس أحمد بن سعيد القيجميسي - بفتح القاف والجيم بينهما ياء ساكنة مثناة تحتية فميم مكسورة فياء ساكنة فسين بعدها ياء النسبة- المكناسي الورزيغي شهر بالحباك. حاله: كان فقيها علامة متصوفا شاعرا فصيحا ظريفا آية من آيات الله في النيل والإدراك مع حظ وافر من الأدب (¬1)، وله ذوق في التصوف تولي الخطابة في المسجد الأعظم من بلده مكناسة الزيتون مدة، ثم خطب بجامع القرويين بعد العبدوسي، ثم عاد لمكناسة فخطب بها، ثم عاد إلى فاس وعزل هو عن الخطابة، والفقيه القوري عن الفتوي، والقاضي الجنياري عن خطته في يوم واحد، ثم طلب للإمامة بجامع الأندلس فأبي، وقال: إن كان عزلي لجرحة فلا يحل تقديمي، وإن كان عن غير جرحة فقبولي من قلة الهمة، أي لأن منصب الخطابة في القرويين أشرف من منصب الإمامة في الأندلس، وقبول الانتقال من الأعلى للأدون انحطاط في الهمة والله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها وهذا ظاهر. وكان يدرس بالمدرسة المتوكلية المعروفة بأبي عنان، كان يسكن بورزيغة من مكناسة الزيتون ومنها ارتحل لفاس. مشيخته: كان تلمذ وهو صغير لسيدي سليمان الذي قال فيه ابن عباد: ما أعلم أحدًا في هذا الوقت أعلم منه بمواجيد القلوب، ولم يفارقه حتى توفي. وأخذ عن العلامة سيدي على بن يشو التلاجدوتي المكناسي، وعن الشيخ الأستاذ ¬

_ 19 - من مصادر ترجمته: التوشيح رقم 13 جذوة الاقتباس 1/ 127: درة الحجال 1/ 88، كفاية المحتاج 1/ 62، نيل الابتهاج رقم 118. (¬1) في المطبوع: "مع حفظ وافر في الأدب" والمثبت رواية القرافي في التوشيح.

ابن جابر الغساني المكناسي، والحافظ أبي القاسم التازغدوري، والحافظ المحدث أبي محمَّد العبدوسي وغيرهم. تآليفه: منها نظم مسائل ابن جماعة في البيوع محررة بما وضع عليه الإِمام القباب في رجز عذب بليغ أجاد فيه غاية قال ابن غازي: قرأْته عليه وأصلح فيه بقراءتي أشياء وأجازنيه، وإنشاءاته وإفادته كثيرة. الآخذون عنه: أخذ عنه الإمام ابن غاري حسبما أفصح بذلك عن نفسه في روضه، وحلاه بشيخنا الخطيب البليغ أبي العباس أحمد بن سعيد الغيجميسي هـ من خطه. وفيه الغيجميسي (¬1) -بالغين المعجمة بعدها ياء ثم جيم فميم مكسورة مشبعة ثم سين فياء نسب- فانظر مع ما نقلناه صدر ترجمته في النسبة وفق ما صرح به السوداني في تكميليه وغيره، وكذا أخذ عنه من في طبقته. شعره: من ذلك قوله: حضرة (¬2) آس وجمع ناس ... وصفوا راح فمن عذيري راح لها في القلوب قدْمًا ... محض سرور وفيض نور من يد ساق وأي ساق ... قدس في الحسن عن نظير فأسكر القوم دون كاس ... وكان سكري من المدير (¬3) وقوله: بُلِّغتَ آمالا ونلت مقاصدًا ... وغدوت ترجي في الأنام وترهب بهرتْ محاسنك الأنام فأصبحتْ ... أخبار جودك عن سعود تُعرب ¬

_ (¬1) الذي في المطبوع من الروض الهتون - ص 56: "الغفجميسىي". (¬2) في المطبوع: "خضرة" بالخاء المعجمة والمثبت رواية المكناسي في درة الحجال، وجذوة الاقتباس. (¬3) درة الحجال 1/ 89.

20 - أحمد بن سعيد المكناسي يكني أبا العباس.

برغت علاك وَحُزْتَ كل فضيلة (¬1) ... وَطِفقت من ذلك المعالي تَقْربُ بَرَقَت عيون الحاسدين ونالهم ... من رَوع عزك ذِلة وتغلبُ (¬2) ولادته: ولد بمكناسة أوائل القرن التاسع أَعني سنة أربع وثمانمائة. وفاته: توفي سنة سبعين وثمانمائة بفاس على ما في "جذوة الاقتباس" عن نيف وستين سنة كما في "كناشة" سيدي أحمد زروق وفي "درة الحجال" توفي بعد السبعين وثمانمائة (¬3). 20 - أحمد بن سعيد المكناسي يكني أبا العباس. حاله: فقيه خطيب. مصقع وجيه لبيب. أريحي أريب. ذكره في "درة الحجال". وفاته: توفي في المحرم الذي هو من شهور سنة اثنين وسبعين وثمانمائة. 21 - أحمد بن محمَّد الحباك المكناسي. ذكره في الدرة. حاله: فقيه أستاذ نحوي كان قوالا بالحق، وكان آيه من آيات الله تعالى، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم. مشيخته: أخذ عن سليمان الشهير ببوبغربين (¬4) اليزَناسْنِي. ¬

_ (¬1) في درة الحجال: "كريمة". (¬2) درة الحجال 1/ 89. (¬3) درة الحجال 1/ 89. 20 - من مصادر ترجمته: درة الحجال 1/ 89 21 - من مصادر ترجمته: درة الحجال 1/ 94، كفاية المحتاج 1/ 73، نيل الابتهاج 1/ 149. (¬4) في المطبوع: "سليمان بن يومين" والمثبت من ترجمته لدى المكناسى في درة الحجال 3/ 312.

22 - أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن بن محمد بن محمد بن على بن غازي العثماني المكناسي.

وفاته: قال في درة الحجال: توفي مسموما فيما حدثني به شيخنا أبو راشد بعد رجوعه من حركة الصلح مع المريني. اهـ. وذلك سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة. 22 - أبو العباس أحمد بن محمَّد بن أحمد بن بن محمَّد بن محمَّد بن على بن غازي العثماني المكناسي. حاله: إمام علامة واعية مشارك، حلاه العلامة ابن فهد في إجازة له بالشيخ الإِمام العلم الأوحد. العلامة الأمجد. مشيخته: منهم أبو فارس عبد العزيز بن عمر بن محمد بن فهد وأجازه عامة كما رأيته بخطه. وأخذ عن والده الأمام ابن غاري وأجاره أيضًا عامة ودونك نص إجازته له نقلا عن خطه: "أجزت لولدي أحمد ومحمد وللفقيه أبي محمَّد عبد الواحد نجدٍ العالم المطلق أبي جعفر أحمد بن يحيى الونشريسي، وللفقيه أبي الحسن على بن موسى ابن هارون المطغري، وللفقهاء الإخوة الجلة أبي عبد الله محمَّد، وأبي زيد عبد الرحمن، وأبي العباس أحمد أولاد الفقيه المحصل أبي عبد الله محمَّد بن إبراهيم الدكالي، وللفقيه أبي عبد الله محمَّد بن عبد الواحد الغزال جميع ما اشتملت عليه فهرستي هذه وذيلها إجارة تامة، مطلقة عامة، بشروطها. قاله وكتبه العبد الفقير المستغفر محمَّد بن أحمد بن محمَّد بن غاري العثماني، سمح الله تعالى له بمنه والحمد لله وكفي، وسلام على عباده الذين اصطفى". كما أجاره عامة أيضًا العلامة أبو عمرو عثمان بن محمَّد بن عثمان الديمي المصري، وأبو عبد الله محمَّد بن محمَّد بن أحمد بن مرروق العجيسي، حسبما أفصح بذلك والده في فهرسته وذيلها.

23 - سيدي أحمد الشبيه بن عبد الواحد بن عبد الرحمن

فرع الشجرة الزكية الولي الكبير، العلم الشهير، البركة. 23 - سيدي أحمد الشبيه بن عبد الواحد بن عبد الرحمن بن أبي غالب بن عبد الواحد بن محمَّد بن على بن عبد الواحد بن محمَّد بن عبد الرحمن بن محمَّد بن على بن حمود بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى بن محمَّد بن يحيى بن القاسم بن إدريس بن إدريس بن عبد الله الكامل بن حسن بن الحسن بن على بن أبي طالب ومولاتنا فاطمة الزهراء بنت سيد المرسلين. وحبيب رب العالمين، وآله الطيبين. حاله: علامة نبيل، قدوة جليل، إمام حفيل، شريف أصيل، صاحب قدم راسخ، وقدر شامخ، عارف ناسك، جهبذ مشارك، لقب بالشبيه لما بدا من علامة جده فيه، وهي الخاتم بين كتفيه، ويا لها من مزية عظيمة، ومنقبة جسيمة، وقد أثنى عليه صاحب "الدرة الفاخرة" قائلا: ثم الإِمام أحمد الشبيه ... وهو الإمام العارف النبيه كان به الشبه بالرسول ... بخاتم في وضعها المنقول وجده يحيى الشريف الجوطي ... بنسب أفق العلا منوط آخر تاسع المئين ولدا ... عن ابن يجبش الطريق أخذ وهي تبلغ إلى الجيلاني ... كان له بها علو الشان مضي ثلاثة وأربعون ... من بعد تسعمائة تعيينا قبره في مكناسة الزيتون ... من باب عيسى جل في العيون مشيخته: أخذ عن ولي الله تعالى سيدي محمَّد بن عبد الرحيم التازي المولود سنة أربعين وثمانمائة، وسيدي عبد الله الغزواني، والشيخ أبي عبد الله

24 - أبو العباس أحمد بن محمد بن ميمون المسطاسي المكناسي.

محمَّد الزيتوني دفين المسيلة من بلاد الجريد المتوفي سنة إحدي عشرة وتسعمائة، وعن الشيخ أبي محمَّد عبد العزيز القسمطيني المتوفي سنة ثلاث عشرة وتسعمائة وغيرهم. الآخذون عنه: منهم الولي المحبوب، أبو زيد عبد الرحمن المجذوب وجماعة كثيرة وطريقته رضي الله عنه جيلانية. ولادته: ولد رضي الله عنه وعنا به آخر المائة التاسعة. وفاته: توفي سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة ودفن بروضة سيدي عمرو الحصيني وقبره غير معروف لدينا اليوم قالوا إنما كان يعرفه الولي الشهير مولانا عبد القادر العلمي ويقال إن الدعاء عند قبره مستجاب. 24 - أبو العباس أحمد بن محمَّد بن ميمون المسطاسي المكناسي. حاله: كان فقيها، فاضلا نبيها، وجيها نزيها، قاضيا بالحضرة الهاشيمية المكناسية وقفت على رسم مسجل عليه بتاريخ خمس وتسعمائة محلي فيه بالفقيه القاضي بمدينة مكناسة ولم أَدر وقت وفاته. 25 - قاضيها أبو العباس أحمد بن أحمد بن على بن عبد الرحمن بن القاضي الأعدل الخير الدين أبي العز بن أبي العافية المكناسي. حاله: فقيه علامة نزيه أعدل قضاة زمانه له معرفة بالفقيه المالكي. قال في ابتهاج القلوب "وبسبب قضاء أبي العز -يعني جد المترجم- جري عليهم لقب ابن القاضي فيما نظن". والمترجم هو جد أبي العباس ابن القاضي مؤلف "الجذوة" و "الدرة" وغيرهما من التآليف المفيدة تولي خطة القضاء بمحروسة مكناسة الزيتون.

26 - أبو العباس أحمد بن على بن عبد الرحمن بن عبد الله المنجور.

مشيخته: أخذ عن الإمام ابن غازي وغيره. وفاته: توفي بفاس المحروسة سنة خمس وخمسين وتسعمائة ودفن بإزاء قبر الولي الصالح أبي عبد الله محمَّد بن غازي رحم الله الجميع بمنه. 26 - أبو العباس أحمد بن على بن عبد الرحمن بن عبد الله المنجور. المكناسي النجار، الفاسي الدار والقرار، كذا نسبه غير واحد ممن ترجمه. حاله: إمام فقيه معقولي، محدث أُصولي، آية من آيات الله في المعقول والمنقول وسعة العارضة والاطلاع والمهارة الكاملة في سائر الفنون، كان أحفظ أهل زمانه وأعرفهم بالتاريخ والبيان والمنطق وغير ذلك وكانت له معرفة برجال الحديث شديد العناية بالتحصيل قوي التحقيق حسن الإلقاء والتقرير، معتنيا بالمطالعة والتقييد والإقراء، لا يكل ولا يمل، شعاره الإنصاف في البحث والمذاكرة، يميل مع الحق حيث كان، صافي الذهن حاد الإدراك، مصيب الفهم، ذا خط رائق، وأدب فائق، خدم العلم حتى ألقت إليه العويصات زمامها، وبرر على الأقران، وصار شيخ جماعة الأعلام في وقته، وكان يحض على تعلم سائر العلوم ويقول: إن العلوم كلها نافعة، وكان يبحث عنها ويتعلمها حتى إنه تعلم لعب الشطرنج فأتقنه ومهر فيه وصار المشار إليه بالبنان في معرفة دقائقه وتعلم تلاحين العود فكان يحرك بجسه أوتاره أفئدة العاشقين، جمال حضرة رب العالمين، أما العقائد فهو ابن بجدتها، وانفرد عن أهل زمانه بمعرفة تاريخ الملوك والسير والعلماء على طبقاتهم ومعرفة أيامهم وكانت معه حدة في بعض الأوقات تمنع المتعلم من مراجعته، والإكثار من مباحثته. وكان مولعا بأمثلة العامة خصوصا عامة الأندلس يستحسن لغتهم ولكنتهم ¬

_ 26 - من مصادر ترجمته: درة الحجال 1/ 156، نيل الابتهاج 1/ 155.

ويثني عليهم وعلى بلادهم ويتشوق إليها وكان يقال فيه إن فهمه لا يقبل الخطأ وله صناعة في التدريس يجيد ترتيب النقول ويتأنق في كيفية الإلقاء، وكان من عباد الله الصالحين لا يفتر عن قراءة القرآن إلا في زمن المطالعة أو الإقراء أو ضروريات الإنسان، وكان أورع الناس في النقل، كاد أن لا يفارق لسانه لا أدري أو حتى انظر أو كلام يقرب من هذا. وكان دمث الأخلاق رقيق الحاشية متقشفا في الدنيا قانعا بما تيسر من المأكول والملبس لا يحسن تدبير الدنيا قال "في درة الحجال" صارت الدنيا تصغر بين عيني كما ذكرت أكل التراب للسانه والدود لبنانه. وفي "كفاية المحتاج" هو آخر فقهاء فاس لم يخلف بعده مثله، وأصله من مكناسة الزيتون كما صرح بذلك غير واحد ممن ترجمه. مشيخته: أخذ عن اليسيتني وهو عمدته، وسقين، وابن هارون، وعبد الواحد الونشريسي، والزقاق وغيرهم ممن اشتملت عليه فهرسته. الآخذون عنه: أخذ عنه الإمام المولي عبد الله بن على بن طاهر الحسني العلوي، وأبو المحاسن الفاسي، وأخوه العارف بالله، وولده أبو العباس أحمد، وأبو العباس ابن القاضي صاحب "درة الحجال" وغيرها. وأجاره عامة قال في درته لازمته كثيرا من سنة خمس وسبعين إلى وفاته وما فارقته إلا زمن رحلتي للمشرق أو زمن أسري فقط أو مرة أقمتها بمراكش في حياته رحمة الله عليه وأخذ عنه خلق عظيم. مؤلفاته: منها شرح المنهج المنتخب على قواعد المذهب، وحاشية على كبري السنوسي في العقائد، وأخري صغيرة عليها أيضًا، وشرحان على قصيدة ابن زكري في الكلام مطول ومختصر، وفهرستان كبري وصغري، ومراقي المجد في

آيات السعد، والمختصر المذهب، من شرح المنهج المنتخب، وشرح المختصر. من ملتقط الدرر. شعره: من ذلك قوله جوابا عن سؤال بعض السنوسيين سأل عنها قاضي الجماعة بفاس عبد الواحد الحميدي (¬1): جوابك في الأولى إباحة أكلها ... ومستقذر كل يباح وَصدِّقِ وأنكر في التنبيه نجل بشيرهم ... إضافة ذا للمذهب افهم ودقق وقد قيل في الأوزاغ يحرم أكلها ... وذلك في الكافي ليوسف فارتق وميت مجنون جري خلف حكمه ... بِعِلم كلام لا تكن غير متق وتحقيقه أن الجنون الذي طَرَا ... يصير كموتٍ فَصل الحَقَّ تَعْبَقِ فآونة بعد البلوغ طُرُوَّه ... وحينا يُرى قبل البلوغ فطبق وآونة إثر الصلاح وقوعه ... وحينا لِعصيان (¬2) الكبير يلتقي وحينا يدوم للممات وتارة ... يُفيق فخذ حكم الجميع ووثق ويندب للمسبوق دعوى تشهّدٍ ... وِفاق إمامٍ في الثلاثة فارْتَقِ وليس له فعل بحال واصله ... بكسر لياء فاكسرِ العين ترتقي وجمعك صاعا في القليل بأصْوعُ ... وسوغ لضم (¬3) الواو نهجا ونمق وإن شئت فاقلبه فيرجع آصُعا ... بضابط (¬4) تصريفٍ فللعلم شَوِّق ¬

_ (¬1) الأبيات لدى المكناسي في درة الحجال 1/ 158، والتنبكتى في نيل الابتهاج 1/ 157. (¬2) في المطبوع: "بعصيان" والمثبت من درة الحجال. (¬3) في المطبوع: "لهمز" والمثبت من درة الحجال. (¬4) في المطبوع: "لضابط" والمثبت من درة الحجال.

27 - أبو العباس أحمد بن عمر الحارثي السفياني.

وصاع كعام عينه فرع ضمة ... وتحريكه فتح فزِنْهُ وحقق ومقصود مِنْ في العود بدء لغاية ... فإبليسُ مبدا العود عند الموقف وجمع سواء فالذي منه جامد ... بأفعلة فاعلم يقاس ففرق ومشتقه وزن الخطايا قياسه ... سوايا به نقل في المدح فانطق يعني أن المشتق جمعه مسموع، وأما الجامد فلم يسمع له جمع لكن قياسه أفعلة كأقبية، قال في نيل الابتهاج إثر نقله لهذا الأبيات ما نصه: "وهذه الأبيات أرويها عن صاحبنا قاضي تامسنا إبراهيم الشاوي عنه" (¬1). ولادته: ولد عام ستة وعشرين وتسعمائة. وفاته: توفي يوم الاثنين سادس عشر القعدة الحرام سنة خمس وتسعين وتسعمائة كذا في "الدرة" والذي في نيل الابتهاج أنه توفي نصف ذي القعدة ليلة الاثنين والخطب سهل. 27 - أبو العباس أحمد بن عمر الحارثي السفياني. نسبة لفخذ من قبيلة الغرب المشهور. حاله: كان من أكابر الصالحين عارفا بالله تعالى رطب اللسان بذكره تعالى لا يفتر لسانه عن ذكره وكان دأبه أن يخبط أطباق العزف والقفاف فلا يدخل الخيط ويخرجه في كل مرة إلا بكلمة الهيللة شأنه مراقبة مولاه، في سره ونجواه، والدلالة عليه. مشيخته: أخذ عن الشيخ أبي عبد الله محمَّد بن سليمان الجزولي صاحب دلائل الخيرات. ¬

_ (¬1) نيل الابتهاج 1/ 158. 27 - من مصادر ترجمته: دوحة الناشر في موسوعة أعلام المغرب 2/ 814.

28 - أحمد بن إبراهيم الأوسي الجنان أبو جعفر.

الآخذون عنه: منهم الشيخ الكامل أبو عبد الله محمَّد بن عيسى السفياني الأصل ثم المختاري شيخ الطائفة العيساوية، ومنهم السيد عمر بن مبارك الحصيني من قبيلة حصين -بالتصغير- دفين مكناسة الزيتون والسيد سعيد بن السايح المالكي من عرب بني مالك، وغيرهم. وفاته: توفي في العشرة الأولى من القرن العاشر وقبره مشهور ببلدتنا المكناسية عليه مزارة جليلة خارج باب السيبة أحد أبواب المدينة. 28 - أحمد بن إبراهيم الأوسي الجنان أبو جعفر. من جملة شيوخ مكناسة الذين لقيهم ابن الخطيب عام إحدي وستين وسبعمائة حسبما ذكره في رحلته المسماة "بنفاضة الجراب". حاله: كان فقيها عدلا إخباريا مشاركا من أهل الظرف والانطباع والفضيلة عاقدا ناظما ناثرا مشاركا في فنون من العلم. مصنفاته: منها المنهل المورود في شرح المقصد المحمود، في ثلاثة أسفار شرح فيه وثائق ابن القاسم الجزيري فأربي على الإجادة، بيانا وإفادة، قال ابن الخطيب ناولني إياه وأذن في حمله عنه وأنشدني كثيرا من شعره. شعره قال في صدر رسالة يهني بها ناقها من مرض (¬1): البس الصحة بُردا قشيبا ... وارشف النعمة ثغرا شنيبا واقطف الآمال زهرا نضيرا ... واعطف الإقبال غصنا وطيبا (¬2) إن يكن ساءك وعكٌّ تُقضي ... تجد الأجر عظيما رحيبا فانتعش دهرك ذا في سرور ... يصبح الحاصد منه كئيبا ¬

_ 28 - من مصادر ترجمته: نفاضة الجراب - ص 376. (¬1) نفاضة الجراب - ص 376. (¬2) في المطبوع: "رطيبا، بالراء، والمثبت من النفاضة.

ومنه أيضًا ما رقم في الدور الخشبي الذي بالدار التي كان نزل بها ابن الخطيب عند حلوله بالديار المكناسية وهو قوله (¬1): انظر إلى منزل إذا نَظَرَت ... عيناك يعجبك كل ما فيه ينبيء عن رفعة لمالكه ... وعن ذكاءَ الحجا لبانيه يناسب الوشي في أسافله ... ما برقم النقش في أعاليه كأنه روضة مُدبَّجَة (¬2) ... جاد لها وابل بما فيه فأظهرت للعيون زخرفها ... وأوقفتها على تحليه فهو على بهجته تلوح به ... ورونق للجمال يبديه يشهد للساكنين أن لهم ... من جنة الخلد ما يحاكيه في أبيات أخر. قال ابن الطيب: وفاتحته محركا قريحته ومستثيرا ما عنده بقولي: إن كانت الآداب أضحت جنة ... فلقد غدا جنانها الجنان (¬3) أقلامه القضب اللدَان بدوحها ... والزهر ما رقَمته منه بنان قال فراجعني الجنان بما نصه: يا خاطب الآداب مهلا فقد ... ردك عن خطبتها ابن الخطيب (¬4) هل غيره في الأرض كفؤ لها ... وشرطها الكفاة قول مصيب ¬

_ (¬1) نفاضة الجراب - ص 376. (¬2) في المطبوع: "مدلجة" والمثبت رواية النفاضة. (¬3) نفاضة الجراب - ص 377. (¬4) نفاضة الجراب - ص 377

أصبح للشرط بها معرسا ... فاستفت في الفسخ فهل من مجيب؟ نثره: قال يخاطب ابن الخطيب: "أيها السيد الذي يتنافس في لقائه ويتغالي. ويصادم بولائه صرف الزمان ويتعالى (¬1)، وتستنتج نتائج الشرف بمقدمات عرفانه، وتقتنص شوارد العلوم برواية كلامه، فكيف بمداناة عيانه، جلوت على من بنات فكرك عقائل نواهد، وأقمت بها على معارفك الجمة دلائل وشواهد، واقتنصت بِشَرَك (¬2) بديهتك من المعاني (¬3) أوابد شوارد، وفَجَّرْتَ من بلاغتك وبراعتك حياضا عذبة الموارد، ثم كلفتني من إجراء ظالعي (¬4) في ميدان ضليعها، مقابلة الشمس النيرة بسراج عند طلوعها، فأخلدت إخلاء مهيض (¬5) الجناح، وفررت فرار الأعزل عن شاكي السلاح، وعلمت أنني إن أخذت نفسي بالمقابلة، وأدليت دلو قريحتى للمساجلة، كنت كمن كلف الأيام رجوع أمسها، أو طلب ممن علته السماء محاولة لمسها، وإن رضيت من القريحة بسجيتها (¬6) وأظهرت القَدْر الذي كنت امتحْتُ (¬7) من ركبتها. أصبحت مسخرة للراوين (¬8) والسامعين، ونبت عن أسمي دواوينهم كما تنبو عن الأشيب عيون العين ثم إن أمرك يا سيدي لا يَحُلُّ وثيق مبرمه، ولا يحل نسخ محكمه، فامتثلته (¬9) امتثال من لم يجد في ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ويعالى" والمثبت رواية نفاضة الجراب. (¬2) في المطبوع: "بشرارد" والمثبت رواية النفاضة. (¬3) في المطبوع: "المعالي" والمثبت رواية ابن الخطيب. (¬4) في المطبوع: "طالعنى" والمثبت رواية ابن الخطيب، وبهامشه: "الظالع الذي أصابه الظلع وهو شبه العرج". (¬5) في المطبوع: "قبيض" والمثبت رواية ابن الخطيب. (¬6) في المطبوع: "بسيمتها" والمثبت رواية ابن الخطيب. (¬7) في المطبوع: "استمحت" والمثبت رواية ابن الخطيب. (¬8) في المطبوع: "للراءين" والمثبت رواية ابن الخطيب. (¬9) في المطبوع: "فامتثلت" والمثبت رواية ابن الخطيب.

29 - أبو العباس أحمد بن سعيد المجلدى.

نفسه حرجا من قضائك، ورجوت حسن تجاوزك وإغضائك، أبقاك الله قطبا لفلك المكارم والمآثر، وفصا لخاتم المحامد والمفاخر والسلام (¬1) ". 29 - أبو العباس أحمد بن سعيد المِجْلَدِى (¬2). حاله: شيخ الجماعة في إقراء المختصر الخلَيلي محصل لمنطوقه ومفهومه، كثير الممارسة له، يختمه كل سنة، مستحضر للنوازل، عارف بإدراج الجزئيات تحت الكليات، ماهر في ذلك، حسن الأخلاق، لين العريكة، منصف متواضع، له إشراف تام على السير، ومشاركة وافرة في فنون عديدة نفع الله بعلمه جما غفيرًا من الأعيان. ولي قضاء فاس الجديد أزيد من أربعين سنة، فحمدت سيرته، ولم يحفظ عنه ما يشين عرضه ولا ما يغض من جلالة منصبه. وولي قضاء مكناسة الزيتون بعد عزل القاضي أبي مدين عنها، وذلك أواسط شوال عام ثمانية وثمانين وألف كما أفصح بذلك الضعيف في "تاريخه" وقد وقفت على عدة خطابات له تدل على ذلك. مصنفاته: منها اختصار المعيار في مجلد ضخم، وشرح على المختصر الخليلي سماه أم الحواشي يبين فيه الصورة أو لا بما فهمه ثم ينقل ما يناسبه من كلام الأئمة، ثم ينقل سائر لفظ الحواشي السابقة عليه، ومؤلف في الحسبة سماه "التيسير في أحكام التسعير" وقفت عليه في نحو الكراسة. مشيخته: أخذ عن أبي محمَّد عبد القادر الفاسي، وأبي سالم العياشي وأجازه الأخير عامة كما أخذ عن غيرهما. ¬

_ (¬1) الخبر بطوله لدى ابن الخطيب في نفاضة الجراب - ص 377. (¬2) في المطبوع: "المجيلدي" والمثبت في نشر المثاني. 29 - من مصادر ترجمته: نشر المثاني 4/ 1667 في موسوعة أعلام المغرب.

30 - أبو العباس أحمد الغماز أستاذها.

الآخذون عنه: منهم أبو على الحسن بن مسعود اليوسي كما في "نشر المثاني" وناهيك به. قال اليوسي في "فهرسته" أخذت عنه رسالة الأسطرلاب، وشيئا من الحباكية وشيئا من القلصادي، وحضرت عنده خليلا وأثني عليه رحم الله الجميع. وفاته: قبضه الله إليه مغرب يوم الاثنين خامس عشري صفر عام أربعة وتسعين وألف ودفن ظهر الغد خارج باب محروق أحد أبواب فاس. 30 - أبو العباس أحمد الغماز أستاذها. حاله: كان شديد الحفظ للقرآن العزيز يسأل عما قبل الآية فيجيب مسرعا وكان أستاذ الإقراء، وأستاذ الغناء، وكان له تلامذة يحسنون الصنعتين. 31 - الشاب أبو العباس أحمد بن عمر بن مبارك الحصيني المكناسي. حاله: فقيه من أعيان أهل مكناسة ذكره الغزال في تأليفه الذي تعرض فيه لترجمة الشيخ الكامل السيد محمَّد بن عيسى دفين خارج بَابَيْ السيبة والبراذعيين من مكناسة الزيتون قائلا فيما حكاه عن السيد محمَّد بن عمر بن داود المختاري أحد تلاميذ الشيخ المذكور، من أنه كان يوما بين يدي شيخه ابن عيسى إذ جاء الشيخ شاب فقيه من أهل مكناسة ومن أعيانها وعليه أثر الغيار، فجلس أمام الشيخ وصار يبكي بكاءً شديدا، فقال له الشيخ: ما يبكيك يا فقيه؟ فأخبره عن والده أنه سار إلى رحمة الله وله مدة يسيرة وأنه رآه الليلة في النوم وذكر له أنه يعذب في قبره، وأنه أمره بالتوجه إليه لعله أن يدعو الله له أَن يخفف عنه العذاب، فقال له الشيخ: نعم، وبسط كفيه وقال: اللهم بجاه سيدنا ومولانا محمَّد صاحب الجاه العظيم عندك خفف عن والده العذاب، وأمنا نحن على دعائه، ثم إن الشاب قبل يد الشيخ وقام وهو مسرور وأيقن بالفرج لما يتحقق من إجابة دعائه رضي الله عنه.

32 - أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد المكناسي الزناتي الشهير بابن القاضي.

ثم بعد ثلاثة أيام أقبل المترجم على الشيخ عند صلاة الصبح فصلاها خلفه وعليه آثار الفرح والسرور، ثم بعد الفراغ قام وجلس أمام الشيخ وقبل يده وقال: يا سيدي، رأيت البارحة والدى وهو في غاية السرور، وعليه عباءة خضرا، وقال: يا ولدى قد رفع الله عني العذاب ببركة دعاء الشيخ، فعليك با بني باتباعه وصحبته، ثم دخل الشاب المترجم في عهده وصحبته وصار من المفتوح عليهم. قال: وهذا الشاب الفقيه هو الشيخ سيدي أحمد بن عمر بن المبارك الحصيني رضي الله عنه. مشيخته: أخذ عن الشيخ ابن عيسى وغيره. 32 - أبو العباس أحمد بن محمَّد بن محمَّد المكناسي الزناتي الشهير بابن القاضي. من نسل موسى بن أبي العافية. صرح هو بذلك في كتابه جذوة الاقتباس. ورفع نسبه فيه إليه، ثم إلى مكناس بن وصطيف، ثم تبرأ من فعل جده ابن أبي العافية مع أهل البيت وهو ممن شمله عموم قول ابن غاري في "روضه" لدي تعداده علماء مدينة مكناسة الزيتون، إذ قال: ومنهم بنو العافية. حاله: كان فقيها مشاركا مؤرخا ضابطا نقادا مطلعا ثبتا وجيها متقنا حيسوبيا فرضيا له معرفه بالتاريخ والفقه والفرائض والحساب والهندسة وتولي القضاء بسلا فحسنت سيرته وحمدت. مشيخته: أخذ عن عدة شيوخ في المغرب، منهم: أبو القاسم المنجور، ومفتي مراكش أبو محمَّد عبد الواحد السجلماسي الحسني العلوي، وأبو زكرياء يحيى السراج، وأبو عبد الله بن جلال، وابن مجبر المساري، والشيخ القصار، والشيخ أحمد بابا السوداني. ثم رحل إلى المشرق فأخذ به عن عدة شيوخ أيضًا، وكان يتردد إلى الشيخ أبي المحاسن الفاسي ويحضر مجالسه. ¬

_ 32 - من مصادر ترجمته: نشر المثاني 3/ 1229 في موسوعة أعلام المغرب.

تآليفه: منها جذوة الاقتباس فيمن حل من الأعلام مدينة فاس، ومنها درة الحجال في أسماء الرجال. والمنتقي المقصور على مآثر الخليفة أبي العباس المنصور، ولفظ الفرائد من لفاظة حلو الفوائد، وله نظم ذيل به رقم الحلل لابن الخطيب، وغنية الفرائض في طبقات أهل الحساب والفرائض، والمدخل في الهندسة، ونظم تلخيص ابن البنا، وكتاب نيل الأمل فيما بين المالكية جري العمل، وفهرسته المسماة بزائد الصلاح، وله كلام على جداول الحوفي وتقاييد. محنته: كان في رحلته إلى الحج ركب البحر فأسر بيد النصاري وأذاقوه النكال الأليم والبلاء العظيم، من الجوع والضرب والتكليف بما لا يطاق، وقد كان المنصور -رحمه الله- كتب في شأنه لقواد الثغور بالبحث عن مستقره في أي موضع من بلاد النصاري لتعلق همته العلية بإخراجه من ربقة الأسر تعظيما لقدره حسبما أخبر بذلك عن نفسه في كتابه المنتقي. وكان أسره في يوم الخميس رابع عشري شعبان عام أربعة وتسعين، فتكون مدة أسره نحو أحد عشر شهرا، افتداه المنصور بما يعدل عشرين ألف أوقية من الذهب، بعد أن كان النصاري إنما طلبوا فداءه بكلب تعنتا. شعره: من ذلك قوله مستعطفا ومستصرخا المنصور الذهبي لفدائه من الأسر: تجلت عن المعاني الأسير المكبل ... همومُ سرت في الجسم في كل مفصل (¬1) بذكر الإمام الهاشمي الذي سما ... بسيمة خير الخلق في كل محفل إمام العلا المنصور فخر أئمة ... به قد تحلي كل جيد معطل به راق وجه الأرض وافتر ثغره ... وحُلي جيد منه بالدر والحلي إمام همام همه طول همة ... ظبي ماله (¬2) عين المعالي بصيقل ¬

_ (¬1) نشر المثاني - ص 1231 في موسوعة أعلام المغرب. (¬2) في المطبوع: "بانة" والمثبت من نشر المثاني.

فكم تضحك الخيرات في بطن كفه ... ويبكى (¬1) دماء كل رمح ومنصل وكم جاوز الغايات حتى لو أنه ... أراد الثريا أمها في التنزل فَغُر (¬2) الليالي من سناه توقدت ... ضياءً بنور بالخلافة مشعل زكي زهيّ للسماح سماؤه ... جناح لنسر النصر في كل محفل إمام الهدى بحر الندي قسور الردى ... إلى المعتفي والفاجر المتضلل بحق الذي ولاك (¬3) ملكا فنجني ... من الهلك يا قصد السبيل المكبل وكن يا إمام العدل في عون حائر ... أسير كسير ذي جناح مذلل لقد مزقت أيدي الزمان وريده ... ودارت عليه الدائرات كجلجل وأخني عليه الدهر من كل وجهة ... وداست عليه النائبات بأرجل فعافاك رب العرش يا ملك العلا ... ودمت أماما في علاء مزمل ولا زلت حج المعتفين وكعبة ... مطافا لأهل الفضل في كل محفل ولادته: ولد عام ستين وتسعمائة. وفاته: توفي عام ألف وخمسين وعشرين وقدر المكلاتي لوفاته بحروف (وهو شهاب) في قوله: وخر شهاب الدين أحمد من به ... (وهو شهاب) ظلمة الليل تنجلي ¬

_ (¬1) في المطبوع: "وتبكي" والمثبت رواية نشر المثاني. (¬2) في المطبوع: "فعز" بالعين المهملة والزاي، والمثبت رواية نشر المثاني. (¬3) في المطبوع: "أولاك" والمثبت من نشر المثاني.

33 - الولي الشهير. المجذوب الكبير. سيدي أحمد بن بلعيد المدعو ابن خضراء.

33 - الولي الشهير. المجذوب الكبير. سيدي أحمد بن بلعيد المدعو ابن خضراء. من بهاليل مكناسة الزيتون. حاله: كانت حالته حالة الغائبين المحبوبين له كرامات كثيرة. وأخبار بالمغيبات شهيرة. قال في "نشر المثاني" يتحققون ذلك أهل باده ويتحدثون عنه بعجائب. مشيخته: أخذ عن سيدي محمَّد الشرقي، قال في النشر: والتاريخ يقبله، إذ كان لصاحب الترجمة علو في سنّه؛ لأنه تقدم أن وفاة سيدي محمَّد الشرقي في العام العاشر بعد الألف وتوفي صاحب الترجمة عام خمسة وسبعين بموحدة وألف، فبين وفاتيهما نحو خمس وستين [سنة، وعمر صاحب الترجمة قرب المائة] (¬2). والذي في لوح خشب منقوش مبني عليه صدر جدار المباح يمين الداخل لضريح المترجم أنه أخذ عن سيدي عبد السلام الشرقي، وهو أخذ عن والده سيدي محمَّد فيكون أخذ عن سيدي محمَّد بواسطة والده سيدي عبد السلام، وقد رفع سنده في ذلك اللوح إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه. وفاته: توفي عن سن عالية في منتصف رجب الفرد عام خمسة وسبعين بموحدة وألف، وضريحه بمكناسة شهير من المشاهد المتبرك بها رحمه الله ورضي عنه. 34 - أحمد بن عبد القادر بن عبد الوهاب بن موسى بن الشيخ سيدي محمَّد بن مبارك التاستاوتي (¬3). ¬

_ 33 - من مصادر ترجمته: نشر المثاني 4/ 1527 في موسوعة أعام المغرب. (¬2) نشر المثاني - ص 1527 - 1528 في موسوعة أعلام المغرب، وما بين حاصرتين منه. 34 - من مصادر ترجمته: نشر المثاني 5/ 1954 في موسوعة أعلام المغرب. (¬3) في المطبوع: "التستوتي" والمثبت من نشر المثاني.

الولي الصالح العارف الشهير من حفدة الشيخ أبي عبد الله محمَّد بن مبارك الزعري. حاله": كان عالمًا عاملا، عارفا كاملا، ممتع المجالسة آية في نيل الفضائل. ومعرفة حقوق الأفاضل، فمن ذلك أنه كانت وقعت وحشة بينه وبين الشيخ الكامل، العارف الواصل، سيدي أحمد بن ناصر، فبقي مرة يترضاه، ويستنزل بمحاسن أدبه رضاه. إلى أن لبي مناديه، فدعا لتلقي تلك المنة ناديه، واستدعي الناس لحضور ذلك المهرجان الدعاء العام، وذبح كل ما ملكت يمينه من الأنعام، وأوقد لقراءة كتاب الشيخ الشموع بالنهار، وكاد أن يجري لكثرة ما ذبح من الدماء الأنهار، وأخرج من الفرش المرفوعة ما قدر عليه، وقام عاري الرأس حافي القدمين لقبض الكتاب الكريم الذي ألقي إليه. وإذا لم يكن من الذل بد ... فالق بالذل إن لقيت الكبارا ليس إجلالك الكبار بذل ... إنما الذل أن قبل الصغارا ومن ذلك أنه وفد على صاحب الترجمة فتية من أولاد الشيخ أبي يعزي في خروجهم لصيد فأكرمهم وطعموا وشربوا وحين خرج ليشيعهم وجد كلابا بالباب أعدوها لصيدهم، فقال: لمن هذه؟ فقالوا: لنا، فعاتبهم حيث، لم يخبروه بها، قائلا: أليس بعار أن تكون هذه الكلاب تصطاد لكم وتنزهكم ثم تدخلون وتتركونها ولا تخبرونني بمكانها! ما هذا شأن صحبة الكرام، ثم أقسم أن لا ينصرفوا حتى يصنع للكلاب طعاما وأخذ في مداعبتهم ومحادثتهم ومؤانستهم حتى حضر طعام الكلاب، فوضعه بين يديها ووقف عليها بنفسه حتى أكلت فودعهم وانصرفوا شاكرين.

قال أبو القاسم العميري: دخلت عليه في يوم الذي توفي ليه فوجدته جالسا على صندوق مرتفع عن الأرض، فقال: لي: إنما جلست هنا لأني صليت عليه هذه الصلاة يعني الظهر ويشق على إن نزلت أن أصعد لصلاة العصر فمات قبل العصر أو بعده. ذكر لي يوما باءته وأن من قوته فيها أنه إذا كان في داره لا يصلي صلاة من الصلوات إلا بغسل من جنابة، وكان إذ ذاك متسع الحال في المناكح والسراري، وتأتي له من ذلك ما لم يَتَأتّ لمثله، وكان له حسن بداهة في النظم حتى إنه قد يكتب الكتاب وحامله حاضر ينتظره له كأنه يحفظه. مؤلفاته: منها نظم ممتع الأسماع وشرحه، ونظم رجال التشوف وشرحه، ونظم رجال القشيرية وشرحه، وله كتاب النزهة ضمنه رسائله في جزءين، وله ديوان شعر في ثلاثة أجزاء ضخام وقفت على جزء منها في القالب الكبير، وله أسئلة فقهية لعلماء وقته، وتقاييد مفيدة تدل على تضلعه واقتداره وشفوف مكانته وعلو همته وتفوقه على أترابه. شعره: من ذلك قصيدته الدالية في مدح خير البرية، عارض بها دالية الشيخ اليوسي في مدح شيخ السنة وإمام الحقيقة سيدي محمَّد بن ناصر الدرعي ومطلعها. عرج بأطلال الأحبة واقصد ... آثارهم يوما لعلك تهتدي وأجز إذا جئت الديار بمنزل ... قد ضم أجداث العشير الهمد ولهيب قلبك إن أردت شفاءه ... فأت الربوع تريح قلب الأكمد

إلى أن قال: لولا النوى ما أقبلت من مغرب ... فوق المطايا عاشقون لأحمد صلى عليه الله ما هبت صبا ... وبكي لرؤية وجهه ذو أكمد بادر لزورته إذا ما اشتقته ... واذهب على الوجنات غير منكد ودع المطي بأرجل تشم الحصي ... وسمن بالأخفاف خد الأجلد وسمن كل مخيل من بارق ... وسمن بالركبات كل مبلد يعطش بالفلوات مثل ضبابها ... ولهن سبح في سراب صيهد وهي طويلة تنيف على الستمائة بيت وكان إنشاؤه لهذه القصيدة سنة خمس وعشرين ومائة وألف. ومن ذلك قوله في ثاني ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين وألف: عظمت نعمة الإله علينا ... واستزادت فما لها من نفاد كل يوم نري من الله فضلا ... وامتنانا ورحمة في أيادي لو نجازي على ذنوب جنينا ... ها نزلنا منازل الإبعاد فعفا رحمة ومنًّا علينا ... واهتدينا بنور أشرف هادي أحمد المصطفي الذي من سناه ... زان ما في الأغوار والأنجاد واهتدي كل سألك طرق الإر ... شاد من حاضر الأنام وباد وارتدي كل رائد منها التو ... فيق من رائح إليه وغاد إلى أن قال: عجبا كيف يدرك المرء هون ... والنبي الكريم رجب النادي

لذ به متوسلا تبلغ المأ ... مول في القرب من رحيم جواد وقوله في سنة ست ومائة وألف: أراعك أن شمت الطلول الدوارسا ... كأن لم تري فيها البدور الأوانسا وهل هاج منك الدمع لما رأيتها ... تذكر ظبي كان قبل مؤانسا نعم رحل الأحباب منها وأودعوا ... جوي للحشا في كل وقت ملابسا بكيت فلم تطف المدامع لوعتي ... وأصبحت من شوق من الصبر آيسا وما كنت أدري البين حتى تحملوا ... ولا كنت من قبل التفرق عابسا ولما استقلوا ظاعنين وخيموا ... بسلع أراني بعد ذلك ناكسا كأني من شجو فقدت ابن ناصر ... ولم أر شيخا شامخ المجد رائسا وقوله من قصيدة: إذا أنا باينت البلاد وأهلها ... وفارقت أهلي وابنعدت عن الولد ومت على دين النبي محمَّد ... فقد نلت آمالي وما خفت من كمد نثره: من ذلك قوله في طالعة الجزء الثالث من ديوانه الشعري ولفظه: "الباب الرابع من أبواب هذا الكتاب الشامخ المقدار، في ذكر ما فتح الله به علينا من مستملحات الأشعار، وهو باب اتسعت دائرته، وقويت عارضته، وجمع من رقيق المعاني، ودقيق البيان اللساني ما فيه مستراح للألباب، وارتاح للأحباب، فما شئت من جد مفروغ في قالب الهزل منسوج على منوال الجد الرفيع، فروضته الغناء لا تنفد أزهارها, ولا تفرغ من الثمار أشجارها، دانية المرام، غير مستصعبة على الأفهام، وقد رأيت أن أبتدئه بقصائد نبويات وأخري بذكرى الصالحين مشرفات، ثم أسكبه سكبا، وأذكره فاكهة وأبا، متاعا لكم ولأنعامكم، ونزهة لأرواحكم وأجسامكم، والله المستعان، وعليه التكلان.

مشيخته: منهم السيد عبد الكريم الجزيري أخذ عنه سند المصافحة، وهو عن سعيد قدورة، عن سعيد المقري، عن أحمد حجي، عن محمَّد الوهراني، عن إبراهيم التازي، عن صالح الزواوي، عن محمَّد الشريف الفاسي نزيل الجزيرة، عن والده عبد الرحمن وعاش أربعين ومائة سنة، عن أحمد بن عبد القادر القوصي، عن أبي العباس الملثم وهو صافح المعمر وهو صافح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وله سند في المصافحة عن سيدي عبد القادر الفاسي وأجاره، وقال له: صافحتك بما صافحني به الأشياخ إلى أنس بن مالك قال: صافحني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم أر خزا ولا قزا كان ألين من كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديث، فيه روايات. قال صاحب الترجمة في كتابه "نزهة الناظر" وصافحني أيضًا سيدي محمَّد ابن ناصر الدرعي، وأجازني عن أشياخه الذين صافحوه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. اهـ. بنقل صاحب الأزهار النادية ومن معتمد إمام السنة، وأعظمهم عليه منة، شيخ الشريعة والحقيقة سيدي محمَّد بن ناصر الدرعي وعلى يديه فتح به. الأخذون عنه: أخذ عنه العلامة الطيب السيد عبد القادر بن العربي بن شقرون المكناسي، وأحمد بن أبي عسرية بن أحمد بن أحمد بن يوسف الفاسي في خلق. محنته: سجن سنة أربع ومائة وألف بحبس فاس الجديد، لوشاية بعض أقاربه به للسلطان الأعظم سيدنا الجد الأكبر مولانا إسماعيل ثم سرحه وحمله ذلك على استيطان مكناسة الزيتون فرحل إليها, ولم يزل بها إلى أن توفي بها. وفاته: توفي رحمه الله ليلة الأربعاء فاتح رجب سنة سبع وعشرين ومائة وألف، ودفن قرب روضة الشيخ عبد الله بن حمد خارج باب البراذعيين، وقبره هنالك مزارة شهيرة عليه بناء لا بأس به، وله عقب ببلاد زعير يقال لهم القادريون.

35 - أبو العباس أحمد الخضر بن أبي عبد الله محمد بن أبي محمد عبد القادر زغبوش المكناسي النشأة والدار.

35 - أبو العباس أحمد الخضر بن أبي عبد الله محمَّد بن أبي محمد عبد القادر زغبوش المكناسي النشأة والدار. حاله: فقيه عدل ثقة مبرز وقور، صالح فالح بار مشكور، محمود الغريزة والطبع، معدود فيمن يترقب به للمعضلات الدفع، نبيه العقل وجيه في عهد الفضل، نجدة في الفهم، عمدة فيما يلم، منظور إليه من الجلالة السلطانية الإسماعيلية بعين الإكبار، مسبول عليه من لدنها رداء الوقار والفخار، وناهيك بمن يبجله ذلك الإمام، وأعظم بمن كان له منه ذمام. فقد وقفت على ظهير إسماعيلي يبرهن عما للمترجم من شفوف المكانة لدي سيدنا الجد المذكور ودونك نصه: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا ونبينا ومولانا محمَّد وآله وسلم تسليما، من الآمر العلى الإمامي المؤيد المنصور الإسماعيلي أمير المؤمنين، المجاهد في سبيل رب العالمين، الشريف الحسني، وبداخل طابعه إسماعيل بن الشريف الحسني الله له صدر هذا الظهير الزعيم، والأمر المطاع الجسيم، وهو الذي أعلن لماسكه بالرتبة المخصوصة بالتنويه، وشيد للمعتمد على الله وعليه مباني الاجتباء والتنويه، من الاعتناء الإمامي السلطاني الإسماعيلي الشريفين أبرم الله معاقده، وأجمل من إحسانه الجميل مساعيه ومقاصده، آمين يا رب العالمين. يستقر بحول الله وقوته بيد الأرضي الأحظي المرضي الأبر الأحفل الأنبل خديم الجناب الأسمى، والملاذ الأحمي، أبي العباس أحمد الخضر نجل الفقيه العدل أبي عبد الله محمَّد نجل الفقيه العدل أحمد بن عبد القادر دعي بزغبوش، حفيد الولي الصالح الزاهد الناسك قطب المشايخ الأعلام، وتاج الأولياء الصالحين الكرام، سيدي مغيث نفعنا الله ببركاته، وأفاض علينا وعلي بنيه من أسراره ونفحاته، اقتضى له ما يتوخي به الولاء الصريح، والصفاء الصحيح، من تكريم واضح الرسوم والإيثار، وتتميم لمواهب الاستصفاء الآمنة من الإبتار، اعتناء بقدره الذي سمت به رياسة أسلافه في أعلى المظاهر، ومتت بطرق العلم والعمل والمحبة

في جانب الخلافة المؤيدة بالود الباطن والظاهر، فاتخذ حفظه الله هذا الأمر الكريم راية يتناولها باليمين، لا يعتريها بحول الله ومنه الانفصام إلى يوم الدين، إنعاما عليه بالعناية والتوقير الذي لا ينسخ حكمه، ولا يبيد بحول الله وقوته على تعاقب الأيام رسمه، رعيا لما له من الخدمة والسبقية والنصيحة التي لاحت غررا في وجه الزمان البهيم، والأمور التي توسل بها أدام الله عليه نعمته في الحديث والقديم، ومن كثرة الاعتناء بشأنه والتنويه بمقدار حكمه. وقع له أيده الله بعد صلاة الجمعة من تاريخه بمحضر العلماء الجلة وفقهاء الملة والأشراف والكتاب والحجاب وأعيان القواد، المتصرفين تصرف الحق في البلاد، أن لا حكم عليه لأحد مدة حياته، فبينه وبين مولانا الإِمام فيما ذا عسي أن يكون من تصرفاته، ولا كلام له مع أحد من القواد ولا من العمال والولاة بوجه من الوجوه، اللهم إلا إذا كانت بينه وبين أحد من الناس دعوي شرعية فأحكام الشرع العزيز تجري على كل مسلم بمقتضاها, ولا سبيل لمؤمن موحد أن يتعداها أو يتخطاها، بهذا قضي وأمر صاحب الأمر المطاع وألزم أن يخط هذا في الدواوين والرقاع حكمًا التزمه أيده الله برورًا بخديمه المذكور، فلا سبيل لمن يتعقبه على مر الليالي والدهور، والواقف يعمل به والسلام وكتب في العشر من رمضان عام ثلاثة ومائة وألف. ومن عظيم منزلة المترجم لدى السلطان المذكور، وكمال رفعه على ألوية البرور، أن كتب له كتابا بخط يمناه أعرب له فيه، عما له من شرف المكانة لديه، مما هو فوق مناه حسبما وقفت على ذلك فتدبر تدبر الخبير، وأنقد نقد الذكي البصير، لما لهذا الإِمام العظيم الشأن من إنزال الناس منازلهم وإعطاء كل مستحق ما استحق مما هو الأولى به والأحق. وعلى نهجه وطريقه في اعتبار المترجم والتنويه بقدره، وإشادة منار فخره، نهج ولده وخليفته سيدنا الجد مولانا زيدان فقد وقفت على كتاب حافل له أصدره بتقرير ظهير والده والأمر بالوقوف عند حد أوامره المطاعة بالله بتاريخ عشري قعدة

36 - أبو العباس أحمد بن محمد بصري.

الحرام، عام أربعة ومائة وألف، تركت نصه اختصارا ووقفت على تحليته في بعض العقود الحبسية بأوصاف عالية غالية. 36 - أبو العباس أحمد بن محمَّد بصري. حاله: فاضل محلي بالأحظي الأجل، الأنوه الفقيه النبيه الأمثل، كان بقيد الحياة في العصر الإسماعيلي حسبما يظهر من ظهير إسماعيلي منوه فيه بقدر بيتهم الفخيم بتاريخ ربيع النبوي عام اثني عشر ومائة وألف، محلي فيه المترجم بالأوصاف المذكورة وسيأتي نص الظهير في ترجمة محمَّد بن عبد الرحمن بصري خاتمة الحفاظ والقراء من حرف الميم بحول الله. 37 - القاضي أبو العباس أحمد بن ناجي السجلماسي الأصل المكناسي الوفاة والإقبار. حاله: فقيه علامة محقق مشاور، معظم للعلم وذويه، ذو جاء ووجاهة، وعلو مكانة، ونفوذ كلمة عند سائر الطبقات, ولي قضاء فاس وعزل عنه وكان يتعاقبه مع القاضي أبي عبد الله بردلة، وقد كان أواخر القرن الحادي عشر تولي قضاء الرباط، وسلا، ثم قضاء فاس، ثم قضاء مكناسة. وقفت على عدة رسوم بخطاباته والتسجيل عليه محلي فيها بأوصاف عاليه. ووقع في أيام قضائه أن اليهود جاءوا إليه بنسخة رسم وأدلوا بها لديه، ينتهزون الفرصة فيه بخطابه عليه. ويتعزرون بما وصلوا منه إليه، وحين صدروا عنه ثار في أثرهم بالطلب، فأخذوا واستخرج منهم الرسم المجتلب، وانتهى الخبر لمولانا إسماعيل فنالت عقوبته جميع من بإيالته من اليهود. وأغرمهم عليه أموالا بوظيف غير معهود، ونص ما في تلك النسخة بعد البسملة والصلاة: "هذا ما عهد به مولانا محمَّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لموسى بن حيي بن أخطب وأهل بيت صفية زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، لهم أمن الله عَزَّ وَجَلَّ وأمن رسوله لشاهدهم ¬

_ 37 - من مصادر ترجمته: نشر المثاني 1943 في موسوعة أعلام المغرب.

وغائبهم وذامهم لا يحصرون ولا يغزون، ولا يطأ أرضهم جيش، ليس عليهم نزل ولا ربط ولا كسح، وعلى من أحب رسول الله أن يؤمنهم لذمة الله وذمة رسوله، ولهم ربط العمائم وأمر على اليهود، ثم لهم بعد هذا ما افترض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة دراهم في الشهر إن كان عليهم مقدرة فمن خالف كتابنا هذا الذي كتبناه لهم، وعهدنا الذي عاهدناهم، فذمتي منه بريئة وأنا بريء منهم، وأنا خصيمهم يوم القيامة فمن خاصمني خاصمته، ومن خاصمته كان في النار وكتب على بن أبي طالب ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - "في جلد أحمر طوله ثلاثون إصبعا وعرضه عشرون وعدد أسطره عشرون. ومما فيه "شهد الله على ذلك وعتيق ابن أبي قحافة وعبد الرحمن بن عوف والأقرع بن حابس، وكتب معاوية بن أبي سفيان شهادتهم في ذي قعدة سنة تسع من الهجرة والسلام على من اتبع الهدى" وبعده مقابلات بأصولها على اختلاف الأزمنة المارة بشهادة من باشر ذلك وخطابات من أئمة أعلام باستقلالات إلى سنة اثنتين وأربعين وألف. وقد أبطل أعيان علماء الوقت هذا الرسم منهم الإِمام سيدي محمَّد بن عبد القادر الفاسي قائلا إنه مخالف لأسلوب السلف وفصاحتهم، ولنهج ذوي التوثيق من المتأخرين وصناعتهم، ومصادم للإجماع، ولما عليه العمل في سائر الأزمنة والبقاع، فإنه - صلى الله عليه وسلم - أوصى بإخراج اليهود من جزيرة العرب من غير استثناء فأجلاهم الفاروق من غير تخصيص، وضربت الجزية عليهم زمن الخلفاء الراشدين كذلك، ولا يجوز اتفاقهم على تضييع حق ولا تهاونهم بتنفيذ عهد عهده رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، خصوصا وقد أشهد عليهم الخليفتين أبا بكر وعليا ومن معهما ولاتفاق أئمة الأعصار، وعلماء الأمصار، بعدهم على عهد ذلك وعدم نقله حتى ينقله إلينا بعد ما نيف على ألف ومائة سنة اليهود، إخوان القرود، وأيضًا أحكام أهل الذمة معروفة ملحوظة، والشروط التي عليهم محفوظة منها أن لا يتشبهوا بلباس المسلمين في العمائم ونحوها، وأن يشدوا الزنانير كما ذلك مبسوط في شروط الفاروق رضي الله عنه على نصارى الشام حين صالحهم.

38 - أبو العباس أحمد بن محمد العربي بن محمد الكومى عرف بالغماري.

روى ذلك ابن حبان وغيره، وعليها اعتمد سائر أئمة المذاهب الإِسلامية في أحكام أهل الذمة وأجمعوا على ذلك، نقله ابن حزم الذي إجماعاته أصح الإجماعات، وكذا نقل الماوردي الإجماع على أن يهود خيبر كغيرهم في الجزية وأيضًا تاريخ ذلك الرسم بتسع من الهجرة مخالف للمعروف من أن التاريخ بها إنما حدث في خلافة الفاروق وسائر كتبه - صلى الله عليه وسلم - المنقولة في السير فإنها خالية عن التاريخ إلى غير هذا من دلائل الكذب التي احتفت بالرسم المذكور ويطول تتبعها ملخصا. اهـ. وقد عضد هذا الجواب وصححه سيدي محمَّد القسمطيني وغيره من أهل تلك الطبقة، انظر فهرسة أبي القاسم العميري ونوازل الشريف العلمي. الأخذون عنه: منهم أبو العباس أحمد الحافي السلوي. وفاته: مات بمكناسة الزيتون عام اثنين وعشرين ومائة وألف ودفن بضريح السيدة عائشة العدوية المتبرك بها حية وميتة 38 - أبو العباس أحمد بن محمَّد العربي بن محمَّد الكَومى عرف بالغماري. أورد ذكره أبو محمَّد عبد الله بن محمَّد بن عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي في مؤلفه الموسوم بالإعلام بمن مضى وغبر في القرن الحادي عشر من الأعلام. حاله: حلاه أبو محمَّد عبد الله في كتابه المذكور بالفقيه الأصولي وقال: كان فقيها مدرسا ولي قضاء مكناسة فحمدت سيرته. مشيخته: أخذ عن أبي عبد الله الهواري، وأبي عبد الله بن عبد الحليم وغيرهما الآخذون عنه: منهم أبو عبد الله محمَّد المهدي الفاسي حسبما أفصح بذلك صاحب الإعلام المنقول عنه قائلا: قال خال الوالد الشيخ أبو عبد الله محمد المهدي الفاسي: قرأت على صاحب الترجمة الرسالة ومختصر خليل، فكان ينقل ¬

_ 38 - من مصادر ترجمته: الأعلام بمن غبر 4/ 1455 في موسوعة أعلام المغرب.

39 - أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن يعقوب الولالي -بفتح الواو وتشديد اللام دفين مكناس.

على الرسالة شرح ابن عمر، وابن ناجي، وعلى المختصر شرح بهرام الأوسط, وشفاء العليل لابن غازي كل ذلك باللفظ هـ. وفاته: توفي سنة ثلاث وستين وألف كما قاله في الإعلام 39 - أبو العباس أحمد بن محمَّد بن محمَّد بن يعقوب الوَلَّالي -بفتح الواو وتشديد اللام دفين مكناس. حاله ونسبه: فقيه نبيه، علامة وجيه نزيه، قدوة مشارك، دراكة فهامة ناسك، أحد الأعلام علما وعملا ومتانة دين، واتباعا لسنة سيد المرسلين، كان يدرس بقصبة الحضرة السلطانية الإسماعيلية من مكناسة الزيتون، وكان يجيد التعبير عن كل ما يريد متبحرا في العلوم عقليها ونقليها محققا لها. نسب نفسه في كتابه "مباحث الأنوار" فقال "قبيلة بني وَلاَّل هم قومنا الذين نشأ أجدادنا منهم، وأسلهم من بني عطَاء، قبيلة كبيرة معروفة بأقصى جبال ملوية، وفيهم إخوة قبيلتنا يسمون لديهم ببني ولال أيضًا، وبنو عطاء مشددا بوزن فَعّال -أصلهم من العرب كما تقرر ذلك في كتاب أنساب القبائل الموجودة بأيدي الفقراء أهل الصومعة، بل أخبرني بعضهم أن بني عَطاء أصلهم من أخص العرب وهم قريش، وكل ذلك لا بعد فيه لتبدل أحوال القبائل العربية وتنقلها من أرض إلى أرض، ومن رفع إلى خفض، فتتبدل الألسن بتبدل البلد" انتهى بنصه (¬1). مشيخته: تفقه بالزاوية البكرية واتصل بالولي العارف سيدي محمَّد بن عبد الله السوسي وانتفع به، وصحب العارفين سيدي أحمد اليماني وسيدي أحمد بن عبد الله معن وتردد إليهما، وأخذ عن الإمام اليوسي الحسن بن مسعود المنطق ومنظومة الأخضري في البيان ¬

_ 39 - من مصادر ترجمة: نشر المثاني 5/ 1956 في موسوعة أعلام المغرب. (¬1) نشر المثاني - ص 1956.

40 - أبو العباس أحمد بن أبي يعزى الأودي قاضيها.

الآخذون عنه: منهم أبو القاسم بن سعيد العميري، والعلامة الطبيب السيد عبد القادر بن العربي بن شقرون المكناسي، وناهيك بهما أخذ الأول عنه منظومته في علم الكلام وغيرها. مؤلفاته: منها شرحه العجيب على مختصر المنطق للشيخ السنوسي، ومنها شرحه المعروف على منظومة الأخضري المعروفة بالسلم، وشرحه على جمل الخونجي، وشرح رسالة السيد الجرجاني، وشرح تلخيص المفتاح صدره بشرح خطبة مختصر السعد، وشرح على لامية الأفعال، وحاشية على المحلي، وشرح على روضة الأزهار للجادري في التوقيت، ومباحث الأنوار في سلسلة الأخيار. وفاته: توفي ثاني رجب عام ثمانية وعشرين ومائة وألف ودفن بمكناسة الزيتون رحمه الله وفسح له في عدنه. 40 - أبو العباس أحمد بن أبي يَعْزَى الأودي قاضيها. حاله: فقيه جليل كان متوليا خطبة القضاء بهذه الحضرة المولوية الإمامية بتاريخ ثامن شعبان عام تسعة وثلاثين ومائة وألف، وقفت على ظهير شريف، مولوي منيف، يتضمن الأمر لناظر الوقت الحاج الطيب المسطاسي بتنفيذ إعانة له على القضاء من أحباس المسجد الأعظم قدرها ثلاثون أوقية بالتاريخ المذكور. 41 - أبو العباس أحمد الصيقال المكناسي حاله: قال في حقه عصريه أبو العباس أحمد المنجور لدى تعرضه لذكره في ترجمة شيخه ابن هارون من فهرسته: الشيخ المسند أحد عدول مكناسة. 42 - أبو العباس أحمد بن أحمد بن محمَّد الشدادي الشريف الحسني الإدريسي العمراني. حاله: كان مفتي الأنام، وأعدل قضاة الزمان، ووحيد عصره وأوانه

وأفضلهم وأزكاهم، وأجلهم وأسماهم، علامة متبحرًا في الفقه والنحو والحديث والتفسير صدر المحافل، في جمع الفضائل، مرجوعا له في النوازل، محتجا بما يقوله إذا خفيت الدلائل, له نظر في الفقه لا يجارى، ولإدراكه في حقائق مشكلاته الشأو الذي لا يدرك فلا يبارى، مجالسه العلمية نزهة الأفكار، لا يقع من أهل النجابة إلا عليها الاختيار، تصدى للتدريس بفاس وغيرها من حواضر المغرب وبواديه، وأسدى من وافر تحقيقه على الطالبين ففازوا بسابغ أياديه، تولى أولًا الفتوى بمكناسة وأقام فيها مدة، ثم نقل منها إلى قضاء الجماعة بفاس الإدريسية وفاس المرينية مع الإمامة والخطابة بالقرويين، ثم أخر عن قضاء فاس خاصة، ثم عن قضاء فاس الجديد لغير ريبة، ثم بعد مدة ولي القضاء والإمامة والخطابة بزاوية زرهون إلى أن توفي. مشيخته: أخذ عن سيدي محمَّد بن عبد القادر الفاسي، وأبي على اليوسي، وأبي عبد الله المسناوي، وأبي العباس ابن الحاج، وأبي عبد الله محمَّد العربي بردلة، وأبي عبد الله القسمطيني وغيرهم. الآخذون عنه: جماعة منهم القاضي أبو القاسم العميري لازمه مدة إقامته بمكناسة الزيتون، ومنهم الشيخ أبو عبد الله محمَّد التاودي بن سودة المري قرأ عليه المختصر من البيوع إلى الوديعة والعارية، وسمع عليه بعض التفسير من أوله إلى سورة النساء، وغيرهما من فحول أئمة العلم. مؤلفاته: له فتاوى لم تجمع ولو جمعت لأفادت ولاة الأحكام، وغاظت متعصبة الحكام، وشرح على لامية الزقاق، وتقييد على ابن عاصم، وتقييد على -العمل الفاسي- قال في نشر المثاني: فمن تلك الأبحاث استفاد أهل عصرنا وشرحوا الأنظام التي ذكرنا فهو بسبق حائز تفضيلا.

43 - الفقيه سيدي أحمد بن عزو

قلت: المعروف له والموجود بأيدي الناس هو حاشية شرح ميارة على الزقاق ولا يعرف له شرح مستقل لها أعني الزقاقية. وفاته: توفي على ما في "فهرسة القاضي العميري" و"الروضة المقصودة في الزاوية الزرهونية الإدريسية". قال في الروضة خامس عشر جمادى الثانية سنة ست وأربعين ومائة وألف. والذي في نشر المثاني أنه توفي بفاس ودفن خارج باب المحروق بين المدينتين، وبني أهله عليه قبة وبلغنا أن له عقبا بطنجة. انتهى. قال شيخنا الكتاني في "سلوة الأنفاس" ويشكل عليه ما تقدم من أنه توفي بالزاوية الزرهونية إلا أن يقال بنقله بعد الموت منها إلى هذه الحضرة ودفنه بها، ويكون قوله في النشر: توفي بفاس غلطا نشأ له من عدم التحقيق لوفاته، بدليل أنه لم يعينها بسنة والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ. قلت. ولا يعرف له قبر بالزاوية المذكورة وذلك مما يؤكد كونه مدفونا بفاس. 43 - الفقيه سيدي أحمد بن عزو. 44 - الفقيه سيدي أحمد الحزميري. 45 - الفقيه سيدي أحمد بن سعيد السوسي. 46 - الفقيه السيد أحمد بن مومو. 47 - الفقيه السيد أحمد بن مسطار. كل هؤلاء الشيوخ الأعلام الخمسة كانوا بقيد الحياة في حدود الخمسين ومائة وألف بحاضرتنا المكناسية حسبما وقفت على ذلك في زمام مرتب، العلماء الشهري وأسماؤهم مسطرة فيه بالتاريخ المذكور، ولم أقف لواحد منهم على ترجمة بعد البحث الشديد. 48 - السيد أحمد بن عبد الرحمن زغبوش الفقيه النبيه العدل الرضي الثقة.

49 - أبو العباس أحمد بن العباس النسب السيد الأتقى، الزكي الأنقى.

49 - أبو العباس أحمد بن العباس النسب السيد الأتقى، الزكي الأنقى. 50 - أبو العباس أحمد بن عبد القادر النسب الفقيه المعظم. المرتضى المحترم. المتقي الأصعد، الزكي الأسعد. 51 - أبو العباس أحمد بن الولي الصالح سيدي مغيث زغبوش القرشي الفقيه المرتضى الزكي الأحظى. أما أحمد بن عبد الرحمن زغبوش أول الأربعة فهو من أهل النصف الثاني من القرن الثاني عشر. وأما الثلاثة بعده ففيما بين ذلك وبين الألف فيما يظهر من ذكرهم في عمود نسب بصداق مؤرخ بأواخر رجب عام تسعة وثمانين ومائة وألف وتحليتهم فيه بما ذكر. 52 - أبو العباس أحمد بن سعيد العميري. حاله: من أعيان علماء الدولة الإسماعيلية، وحاملي لواء التدريس وبث العلم في صدور الرجال بها، وهو أحد الأعلام الذين شهدوا في عقد توثيق عرى الإخاء المصادر بين الأخوين الأكملين مولانا أحمد المدعو الذهبي وسيدنا الجد مولانا زيدان ابني الأمير الذي طار صيته في بقاع المعمور سيدنا الجد الأكبر، مولانا إسماعيل بندب والدهما لهما لذلك، وهذا العقد بعينه تحت يدي تاريخه منتصف رمضان عام سبعة وثلاثين ومائة وألف شهد فيه على إشهاد سيدنا الجد الأكبر بذلك وهو على كرسي مملكته بمكناس جمع وافر من العدول والفقهاء والقضاة منهم المترجم. مشيخته: منهم والده، وأبو على بن رحال، ومن في طبقتهما من المعاصرين لهما.

53 - أحمد بن عبد الرحمن المجاصي الشهير بالمكناسي الشيخ الأستاذ المقرئ الصالح.

الآخذون عنه: أخذ عنه العلامة أبو عبد الله محمَّد بن محمَّد بن عبد الرحمن بصري المكناسي المتوفي يوم السبت خامس شعبان عام ستة وثمانين ومائة وألف كما بثبت ولده "إتحاف أهل الهداية". وفاته: لم أقف على تاريخ وفاته بيد أنه كان بقيد الحياة سنة سبع وثلاثين ومائة وألف. 53 - أحمد بن عبد الرحمن المجاصي الشهير بالمكناسي الشيخ الأستاذ المقرئ الصالح. حاله: كان أستاذًا صالحا مقرئا فقهيا أديبا نحويا. الآخذون عنه: أخذ عنه ابن عباد القرآن العظيم بحرف نافع، وتفقه عليه في كثير من الجمل لأبي القاسم الزجاج وفي كتاب التسهيل لابن مالك وغير ذلك ذكره مسند فاس أبو زكريا يحيى بن أحمد السراج في ترجمة ابن عباد من "فهرسته" ولم يذكر له وفاتا. 54 - أبو العباس أحمد بن عبد الملك (¬1) البوعصامي. حاله: مجذوب غائب غيبة اتصال من صغره ساكت لا يتكلم مع أحد إلا ما قل، وكان بعد موت أبيه تارة يكون بمكناسة التي هي مقر والده وتارة يذهب لفاس ثم في آخر عمره بنحو العامين استقر بفاس بحومة السياج منها حتى توفي هنالك. وفاته: توفي ليلة الخميس حادي وعشري ربيع الأول عام تسعة ومائتين وألف. ¬

_ 54 - من مصادر ترجمة: إتحاف المطالع - ص 2453 من موسوعة أعلام المغرب. (¬1) تحذف في المطبوع إلى: "عبد المالك" وصوابه من إتحاف المطالع.

55 - الشريف أبو العباس أحمد بن على بن الحسن

55 - الشريف أبو العباس أحمد بن على بن الحسن بن محمَّد بن عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن على بن طاهر بن مولانا الحسن الحسني العلوي. حاله: له معرفة بالعلوم وبالأخص الفقه والنحو نشأ بالصحراء ببلد أسلافه الكرام، ورحل لحج بيت الله الحرام، وزيارة جده عليه من ربه أزكى الصلاة والسلام، ثم ارتحل لمكناسة الزيتون واستوطنها وصاهره السلطان ببنت السلطان مولانا سليمان تعرض لذكره صاحب "الشجرة الزكية" وقال إنّه حي بمكناسة في عصر تأليفه المذكور وهو من علماء الدولة العبد الرحمانية. 56 - أبو العباس أحمد بن أحمد الحَكمِي الأول الرباطي النشأة والدار المكناسي الوظيفة. حاله: حامل لواء التحقيق في زمانه، جهينة المعقول والمنقول، المرجوع إليه في الأدب والفروع والأصول، حلو النسيب بديع الترسيل إذا نظم سحر الألباب، وإذا نشر استولى على الأرواح بخالص اللباب، بديع الإنشاء سيال القريحة بارع في الإملاء، مع شجاعة وإقدام. وتقدم في الرماية والسباحة والمسابقة، يشهد له بذلك الخاص والعام، كثير العبادة والتلاوة والتهجد بالأسحار، معمر أوقاته بالدروس العلمية مع كثرة الأذكار، والصلاة على النبي المختار، واثق بربه محسن ظنه فيه لا يهتم لنائبة ولا يضجر لها، يتلقى ما تبرزه الأقدار بقلب سليم. رحل لفاس، وأخذ عن جلة أئمتها الأكياس، ثم رجع لبلده فأكب على التدريس، وأفادة الناس بإبراز كل نفيس، ثم أسند له قضاء العدوتين: سلا، والرباط، وذلك عام أربعة عشر ومائتين وألف ومكث في ولايته هذه نحو الخمس سنين، ثم أعفي عشية يوم السبت الثالث والعشرين من جمادى الثانية عام تسعة ¬

_ 56 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع - ص 2485 في موسوعة أعلام المغرب.

عشر ومائتين وألف وولي مكانه العلامة سيدي الطيب بسير -آتي الترجمة في حرف الطاء- بحول الله ثم خوطب بالقضاء مرة ثانية فامتنع من القبول فألزمه الكبراء أن يقبل فامتنع واعتذر عن ذلك بأنه كان يفاوض في القضاء الأول الفقيهين: الغربي والمير، وقد ماتا معا رحمهما الله كذا في "تعطير البساط". ووقفت في بعض مقيدات مؤرخ سلا السيد محمَّد بن على الدكالي الأصل السلاوي النشأة والدار نقلا عن أحد نبغاء تلاميذه السيد محمَّد بن التهامي بن عَمْرو الرباطي، أن المترجم ولي قضاء مكناس ولفظه لدى تعرضه لترجمة القاضي يسير: وقال معاصره الأديب ابن عَمْرو الرباطي إنه أخذ عن قاضي العدوتين ومكناسة الفقيه المشارك السيد أحمد الحكمِي الرباطي رحمه الله وانتفع به نفعا بيناه. انتهى. من خطه وانظر إن صح ذلك هل كان قبل ولايته بالعدوتين أو بعدها أجرى ذكره العلامة أبو إسحاق التادلي في تأليفه "أغاني السقا في علم الموسيقى" وأفاد أنه كانت له مشاركة حتى في علم الأغاني والألحان ونوبات الموسيقى وذكر له فوائد علمية، في خلال. مؤلفاته الأدبية وذكره الزياني في فهرسة أبي الربيع السلطان مولانا سليمان وغيرها. مشيخته: أخذ عن الشيخ بناني مُحَشِّي الزرقاني وأجازه عامة، وعن الشيخ محمَّد الشيظمي ومن في طبقتهما. الآخذون عنه: منهم نجله السيد صالح والسيد الطيب يسير، والسيد محمَّد ابن عَمْرو، والسيد محمَّد بن عبد الرحمن الشرشالي، والقاضي ابن جلون وغيرهم من عيون أعيان العلماء. شعره: من ذلك قوله يمدح العلامة أبا حفص سيدي عمر بن محمَّد المكي بن الشيخ المعطي الشرقي: للبين ما بين أفلاذ الحشا أثر ... وللمشوق إلى نحو الحمي نظر

وآية الصدق في دعوى المحبة أن ... يرى المشوق وفي عبراته عبر ومن يكن يرتجي يوما يسر به ... فوصلكم منتهي الآمال يا عمر ومن ذلك ما رآه صديقنا ابن على السلاوي منسوبا إلى المترجم يمدح النبي - صلى الله عليه وسلم -: دعتني فتاة الحي بادية نحرا ... هلم إلى نحو السعادة في الأخرى فلبيتها والدمع يهمي وأضلعي ... يفتتها بعد المزار بمن أحرى فقالت وقد ماطت عن الوجه برقعا ... على حسننا إن شئت (¬1) ... ألا تقدم يا أخا العشق إنني ... أنا كعبة العشاق مرضية الذكرى فإن شئت أن تهوى جمالي فلا تعد ... بعيدي إلى ليلى ولا تذكر الزهرا وكن خاليا عما سواي وعندما ... توفي بشرط الحسن أمنحك البشرى ومنها في التخلص لمدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقالت وقدَ حان الرضا وتبسمت ... عليك بمن أسرى إلى مانح الاسرى ومن ذلك قوله في المنام حسبما رأيت ذلك بخط بلديه تلميذه العلامة السيد محمَّد بن التهامي ابن عمرو في كناشة له منها نقلت: شم بارقا سحرا بالجو قد لاحا ... واشرب عليه من الأفراح أقداحا وقد أمر تلميذه المذكور بالزيادة عليه فخمسه بقوله: نفديك أهلا وأموالا وأرواحا ... يا من بسر علوم الشرع قد باحا بشراك قدرن طير السعد إفصاحا ¬

_ (¬1) كذا في المطبوع.

"شم بارقا سحرًا بالجو قد لاحا ... واشرب عليه من الأفراح أقداحا" وعش بريا من الأكدار في سعة ... لدى رياض عن الأسوا ممنعة ترى الأعادى بأشلاء ممزعة "واهنأ بأمن مع الإقبال في دعة ... وارقب لما أثلث الأيام إصلاحا" وقوله مخاطبا العلامة الأديب سيدي سليمان بن محمَّد الحوات وطالبا منه قراءة الخزرجية معه كما وجد ذلك بخط المطلوب منه ومن خطه نقلت: كم ذا نعاني وفرط الشوق أفنانا ... وطالما بت أرعى النجم يقظانا أكفكف الدمع حينا ثم أُرسله ... جمرا على الخد يصلي القلب أحيانا ذا لوعة برماح الحب طاعنة ... أسى ولم أر مثل الحب مطعانا وفكرة بسهام الحب راشقة ... وحيرة وزفير ليس ينسانا ولي إذا ما أُناجي الربع عن شحط ... أنين صب يواري الحب كتمانا تلك الديار وما شوقي لساحتها ... إلا لألقي مني قلبي سليمانا بدر المعالي رياض الإنس لا برحت ... أخلاقه تشتهي حسنًا وإحسانا بحر طما فصفا للفكر مشربه ... وعاد بالعلم فياضا وملآنا يزري بنظم اللآلي نظمه وكذا ... نثاره لم يزل بالحسن فتانا ليهن مولاي ما أولاه خالقه ... من الفتوحات ما لم يعط إنسانا طابت بمدحك يا ابن المجد أنفسنا ... وإن نواف قبولا منك أغنانا ومنتهى السول أن تسمح لناظمها ... ببث علم غدا للشعر ميزانا أزكى السلام على علياك ما سجعت ... ورق تردد فوق الغصن ألحانا وما ترنم حادي العيس ينشدها ... كم ذا نعاني وفرط الشوق أفنانا

57 - أبو العباس أحمد العمراني الفقيه الشريف.

وفاته: توفي بعد طلوع الفجر من يوم الثلاثاء تاسع عشر رمضان عام ستة وعشرين ومائتين وألف ورثاه ولده القاضي صالح بقصيدة مطولة لكنها دون الأولى، كما رثاه تلميذه ابن عمرو، ومطلع الأولى: عز المصاب وسله وانهض إلى ... ما أحتاج للتأنيس والإكرام ومطلع الثانية لابن عمرو: كفى الرزء خطبا أن يحل عرى الصبر ... ويرخص من دمع الوري غالي التبر 57 - أبو العباس أحمد العمراني الفقيه الشريف. حاله: فقيه جليل وجيه تولى الخطابة بالمسجد الجامع الإدريسي بعد وفاة خطيبه سيدي الفاطمي بن عبد القادر، وتولى نيابة القضاء بالزاوية الإدريسية. 58 - أبو العباس أحمد المكناسي. الشيخ الصالح الشهير شيخ الغماري الذي أخذ عنه والد صاحب "أنس الفقير وعز الحقير" رواية نافع في القراءة وحدثه برجز ابن بري عن مؤلفه ووالد صاحب الأنس المذكور هو القاضي أبو العباس أحمد بن الخطيب القسمطيني. 59 - مولاي أحمد بن عبد المالك العلوي. قاضي الجماعة بالحضرتين فاس ومكناس. حاله: له مشاركة في الفقه والتصريف واللغة والتاريخ والأدب والتوثيق والمعرفة الكاملة بصناعة الأحكام، حلاه ابن عبد السلام الناصري: بسيدنا الشريف الأجل، العلامة الأفضل، نور النبراس، سيدنا ومولانا أبي العباس، وقال في حقه تلميذه العلامة المثبت صاحب الإشراف على بعض من بفاس من مشاهير ¬

_ 59 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع 7/ 2523 في موسوعة أعلام المغرب.

الأشراف، ما لفظه: قاضي الجماعة بالحضرتين الإدريسية والمولوية شيخنا أبو العباس مولانا أحمد بن عبد المالك، له مشاركة في الفقه والتصريف واللغة مع المعرفة التامة بصناعة القضاء والوثائق واستحضار نصوص المختصر وقضايا التاريخ والأدب. انتهى. وكان متوليا خطبة العدالة بهذه الحضرة المكناسية، ثم ولاه السلطان أبو الربيع مولانا سليمان عام أربعة وثلاثين ومائتين وألف ورشحه لخطبة جامع قصبته المولوية أوائل محرم فاتح سبعة -بموحدة- وثلاثين ومائتين وألف، حسبما وقفت على تاريخ التوليتين بخط يده ومنه نقلت، وقد كان قبل ذلك من عدول مكناسة المبرزين، متصدرا للشهادة وقفت على عدة رسوم بخطه وشهادته وكثير من خطاباته والتسجيل عليه. وكانت توليته لقضاء فاس البالي وتأخيره عن قضاء مكناس فاتح شعبان عام سبعة وثلاثين ومائتين وألف حسبما ذلك بظهير السلطان أبي الربيع مولانا سليمان الصادر لولده خليفته مولاي الحسن، ودونك لفظه بعد الحمدلة والصلاة. "ولدنا مولاي الحسن السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فنأمرك أن توجه لحضرتنا العالية بالله قاضي مكناسة ولد عمنا مولاي أحمد بن عبد المالك بمجرد وصول كتابنا هذا إليك فورا فورا ليلاً أو نَهارا مع جروان أو مجاط، ومن أتى معه من البربر فقد سامحناه وأمناه وأهل مكناسة يجتمعون ويتفقون على رجل يرضونه لأنفسهم منهم أو من غيرهم، ويولونه عليهم، وأما مولاي أحمد فقد وليناه أمر القضاء بفاس البالي، وفي ثالث شعبان عام سبع وثلاثين ومائتين وألف". ولم يزل على خطته بفاس إلى أن بويع المولى عبد الرحمن بن هشام ثم رجع لمكناس ناجي بنفسه من أذى غوغاء أهل فاس كذا في بعض التقاييد الموثوق بصحتها.

مشيخته: أخذ عن عمه المولى عبد القادر بن محمَّد بن عبد المالك "شارح الهمزية" و"العاصمية" وأجاز له ابن عبد السلام الناصري في الطريقة الناصرية في رابع رمضان عام تسعة ومائتين وألف، وأخذ عن سيدي أحمد بن عبد العزيز الهلالي، وعن غيرهم من شيوخ فاس. الآخذون عنه: منهم المؤرخ النسابة القاضي أبو عبد الله محمد الطالب بن حمدون بن الحاج السلمي الفاسي صاحب "حواشي المرشد المعين" وغيرها من التآليف المتوفى بعد عصر يوم الجمعة سنة ثلاث وسبعين ومائتين وألف بفاس، وشيخ الجماعة بمكناس الحاج مبارك بن عبد الله الفيضي. مؤلفاته: له "تأليف في تحريم السكر" ويقال: إنه كان لا يقبل شهادة من يشربه لأن ما جهل حكمه يجب التوقف عنه حتى يعلم حكم الله فيه وقد حكي الغزالي في "الإحياء" والشافعي في "رسالته" الإجماع على أن المكلف لا يجوز له أن يقدم على فعل حتى يعلم حكم الله تعالى فيه هذا ملحظ المترجم، وإن كان التعويل على خلافه، وله أيضًا "مجموعة خطب" و "تقييد على الخطبة" التي أملاها السلطان العادل مولانا سليمان لما كان بهذه الحضرة المكناسية عام خمسة وثلاثين ومائتين وألف لما طلب منه أولاد الشيخ الكامل محمَّد بن عيسى دفين خارج باب السيبة من مكناس إقامة الموسم على المألوف عندهم حسبما وقفت، على هذا التعليق مع مجموعة الخطب بخط يده في مبيضته وسنورد الإملاء المقيد عليه بحول الله في محله. نثره: من ذلك قوله في بعض خطبه التي أنشأها "الحمد لله الجزيل الفضل، العظيم البذل، الحكم العدل، الذي لا يسأل عما يفعل، ومن سواه عن أفعاله يسأل، نحمده تعالى على ما أولانا من النعم، ونشكره جل وعز على ما زوى عنا من النقم، ونستعينه ونستغفره من جميع الذنوب، التي أورثتنا الأحزان والكروب،

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده بالهدي ودين الحق أرسله، صلى الله عليه وعلى جميع الصحابة والآل، ومن لهم بإحسان قال، صلاة تقينا جميع البلايا، وتكفر عنا جميع الخطايا، من يطع الله ورسوله فقد سعد وفاز، ومن يعص الله ورسوله فما له في عرسات القيامة من مفاز ... إلخ". ومن خطبة أخرى قال: "الحمد لله المجيب من دعاه، ومن توكل عليه كفاه، ومن احتمى به حماه، ومن التجأ إليه آواه، نحمده حمدا من غير عدو لا تناه، ونشكره على ما أنعم به وأولاه، ونستعينه ونستغفره من كل ما جنيناه، ونشهد أن لا إله إلا الله، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبده ومصطفاه، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته ذوي الثناء والجاه، وعلى كل منيب أواه، صلاة تملأ أرجاء العرش وما حواه، وتحول بها بيننا وبين الشر ومن نواه، من يطع الله ورسوله فيا سعداه، ومن يعص الله ورسوله فيا ويلاه، نسأله تعلى أن يجعلنا ممن لطاعته اجتباه ... إلخ ". ومن صدر خطبة أخرى "الحمد لله الملك المعبود، المقر بوحدانيته أهل الإيمان والجحود، نحمده تعلى ونثني عليه بما أثنى عليه أحب خلقه إليه، اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ونشكره شُكرا نستوجب من فضله المزيد، ونستعينه ونستغفره من كل ذنب به الكاتب علينا شهيد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الفعال لما يريد، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الحميد المجيد. صلى الله عليه وعلى من تبعه فيما أوحي إليه صلاة نستوجب بها من الله تعالى رضاه، ويلطف بنا بها فيما قدره وقضاه، من يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما، ومن يعص الله ورسوله فقد ساق إلى نفسه عذابا أليما" ... إلخ. وفاته: مات بمكناس لعشر ليال خلت من رجب سنة ألف ومائتين وإحدى وأربعين ودفن بروضة سيدي عبد الله القصري الولي الشهير.

60 - أبو العباس أحمد بن الرضي بن عثمان المكناسي.

تم أرادت زوجته أن تدفن بنتها معه فوقع بينها وبين أرباب الروضة شيء فأخذته ودفنته في دارها ودفنت البنت في محله، ثم بلغ الخبر لأمير الوقت جدنا من قبل الأم المولى عبد الرحمن بن هشام فقال: القبر حبس على صاحبه وأمر برده لمحله المذكور وإخراج البنت منه، أخبر من حضر من أهل الروضة أن البنت لما أخرجت من القبر كان الناس يسدون أنوفهم من شدة النتن، وأما هو فلم يوجد له شيء من ذلك لا أولا ولا ثانيا، وجسده لم يتغير ووضع يده على الكفن فوجده كالعنكبوت. وقبره في الروضة المذكورة معروف أخبرني بذلك شيخنا العرائشي. 60 - أبو العباس أحمد بن الرضي بن عثمان المكناسي. حاله: نابغة زمانه، علامة مشارك محدث نقاد فصيح بليغ، ذو ملكة واقتدار، ناظم ناثر، محاضر محبر نحرير، وجيه نزيه، استكتبه السلطان الأعظم سيدي محمَّد ابن عبد الله في بساط ملكه وقَدَّره قَدْرَه وأسبل عليه أردية الإجلال والإكبار. ذكره أبو القاسم الزياني في خاتمة في "يستانه" من جملة كتاب الحضرة السلطانية المحمدية ووصفه بالمشاركة، وحلاه النسابة الثبت المطلع سيدي سليمان الحوات: بالأديب البليغ الهمام فيما وقفت عليه بخط يده وذكر له أشعارا رائقة فائقة تدل على مهارة الرجل ومكانته في العلم والأدب والتفنن في أفانين البلاغة وحسن الصياغة. وهو من جملة العلماء المحدثين الذين نقلهم السلطان المذكور لمراكش وفرقهم على مساجدها بقصد تدريس العلم بها، وبثه في صدور رجالها، والذين يحضرون مجالس دروسه الحديثية وغيرها كما في "الترجمانة الكبرى" وناهيك بمن رشحه ذلك السلطان الطائر الصيت في المشارق والمغارب المتضلع في سائر الفنون المقتدر الريان.

مشيخته: أخذ عن أبي حفص الفاسي المتوفي منسلخ رجب عام ثمان وثمانين ومائة وألف المدفون بزاويته بالمخفية من مدينة فاس، والشيخ أبي عبد الله محمَّد التاودي ابن سودة، وأبي عبد الله محمَّد بن الحسن بناني، المتوفي سنة أربع وتسعين ومائة وألف وغيرهم، ممن هو في طبقتهم من أعلام عصره. شعره: من ذلك قوله مخاطبا شيخه أبا عبد الله محمَّد بن الحسن بناني: أبدرا لاح بين الشهب بدرا ... فنارت منه نيرة الشموس وروضا فاح مندله سحيرا ... فأحيا نشره ميت النفوس وبحرا خاض بحر العلم حتى ... انثني بالجوهر الصدفي النفيس بمالك من طريق الفخر شنف ... مسامعنا بمختصر السنوسي وألبس عاري الطلاب مما ... به حشيته أسنى لبوس وبرد غلة الصادي بأحلى ... مذاقا من معتقة الكئوس ولا تردد يد الأبيات صفرا ... وجد بمني ولو يوم الخميس بقيت لفك مشكل كل فن ... ففتحك في المجالس والطروس ولا تنفك بين الناس تاجا ... أبا عبد الإله على الرءُوس وقوله: وأشنب أبدى الحسن فيه بدائعا ... أزاهرها تجلى على غصن القد ترى العود إن جسته منه أنامل ... كغيداء قد تاهت فرنت من الوجد على أنه مهما ترنم منشدا ... أراك حلول الروح في الحجر الصلد فديتك بدرا في سما الحسن كاملا ... به بين أرباب النهي وريت زندي

وقوله مخاطبا بعض بطارقة الملك وخاصته، وواسطة عقد جهابذ الوزراء من دولته، على لسان بعض من لا يصل لمحتاجه من الأمير، إلا بواسطة هذا الوزير، وقد بلغ به الاحتياج الغاية، والإملاق فوق النهاية: عماد الملك ما أعلى منارك ... وما أجرى من الجدوى بحارك بك القلم استطال على رماح ... فلا لسن يشق له غبارك وصرت من المكارم في مقام ... تخذت به ذرى الجوزا وجارك فكم طوقت من در الأماني ... مخانق عاطل أضحى جوارك وإني مزقت ثوبي الليالي ... وأودت في نوائبها تدارك فلا زالت تخاطبك المعالي ... هلم معظما يا بن المبارك وقوله يرثي شيخه أبا حفص الفاسي: الدمع يروي عن فؤاد الأكمد ... بمسلسل وبمرسل وبمسند فاجعل حديث الدمع عندك حجة ... واطرح مقالة جاهل لم يرشد وابك العلوم أصولها وفروعها ... وابك الدروس ولا تكن كالجلمد وابك السماحة والصباحة والفصاحة ... والبراعة واليراعة تهتدي وابك المجادة والجلالة والمكانة ... والمهابة والنزاهة تسعد وابك المآثر والمفاخر والعلا ... وابك المواهب والمناقب تحمد أو ما فقدت الدين والدنيا معا ... لما فقدت حياة أفضل سيد عظم المصاب بفقد من ساد الألى ... قد أحْرَزوا رُتَب العلا والسودد بحر المعارف والعوارف والهدى ... كهف المريد السالك المسترشد

نور العلوم وتاجها وبهاؤها ... وضياؤها قطب الشيوخ الرشد العالم العلامة الفهامة ... النسابة الأسمى الولي المهتدي عمر أخو التحقيق والتدقيق ... والتحرير سبي العارفين الزهد من معشر فوق السماك منارهم ... شم الأنوف من الطراز الجيد ورث التقى والعلم ليس كلالة ... بل سيدًا عن سيد عن سيد لله يوم فيه غابت شمسه ... يوم يشيب الطفل قبل الموعد المسلمون جميعهم بنفوسهم ... وبمالهم يفدونه أن لو فدي ما شاءه الرحمن كان وإن ما ... لم يقضه في خلقه لم يوجد ياليت شعري من أرجي بعده ... أم من به أجلو ظلما قلبي الصدي أم من يزيح جهالتي وضلالتي ... وكآبتي عند اشتباه المقصد أم من يفرج كربتي أم من يؤ ... نس وحشتي في غربتي وتفردي أم من يزيل تولهي وتلهفي ... وتفجعي وتوجعي وتنهدي بخل الزمان بمثله هيهات لا ... يسخو به طول المدى والمسند أسفا لأيام مضت في سلوة ... ومسرة أوصافها لم تنفد ولألفة ومودة ومواصلات ... عذبة في كل وقت مسعد ومجالس قد أشرقت أنوارها ... وتلألأت فيها وفي كم مشهد يا جملة الإخوان صبرا إنه ... من لم يذق ما ذاقه فكأن قد والله يسقيه سحائب رحمة ... ويتيحه الفردوس دار الخلد وينيلنا ذاك المقر تفضلا ... معه وينعم بالنعيم السرمدي

فالمرء مع محبوبه هذا الذي ... يروي حديثا للنبي محمَّد صلى عليه الله خير صلاته ... والحمد للباقي العلي الأوحد وقوله: شعر نظامك أم رياض الآس ... متهذب الأخلاق والأنفاس فكأنما ألفاظه نشر الصبا ... أم كالمدامة طرسه كالكاس لولاك ما حي القريض لثامه ... عن ثغره متبسما للناس لازلت موفور المجادة والسنا ... طودا على من المكارم راس وقوله مادحا مخدومه السلطان العظيم المقدار سيدي محمَّد بن عبد الله برد الله ضريحه: غرام لا يحيط به بيان ... وشوق ليس يشرحه لسان وقلب لا يزايله اضطراب ... عظي كيف يمسكه العنان لحي الله المتيم لا يبالي ... بما يلقى وإن عظم الهوان أطارحه الهوى آثار قوم ... عليها الحصر يقصر والبيان تقروا مسلكا صعبا تساوى ... به البطل المسود والجبان ولكن لو لناظرهم تبدى ... سنا الملك المؤيد ما استكانوا مليك في بساط الحسن شدت ... مناطقها لخدمته الحسان بطاعته قضوا لما رأوها ... سبيلا فيه رشدهم استبانوا وقلبهم رأينا الشمس تعنو ... له وبذا لعمرك ما تهان تقبل أخْمَصَيْهِ لَدَى شروق ... وإن غربت كما شهد العيان

بديع الحسن من لحظيك هل لي ... إذا سددت أسهمها أمان أعارت أعينا حورا وثارت ... بصارمها يحدده سنان فكم مثلي صريع هوى لديها ... طريحا لا يطاوعه بنان أخدك ما أرى أم غض ورد ... وثغرك ما تنظم أم جمان كان سناه بالآجال يقضي ... لبارق مبسميك به اقتران تعالى الله حتى البرق يهدي ... لمكر لاَ تُمَاكِره القيان يؤمل أن يخادعه عسى أن ... بضوء من ثناياه يعان ولو أبدى قوامك بعض لين ... لسارع بالسجود إليه بأن بلى في كل عضو منك معنى ... تنزه أن يكفيه لسان وما ظني (وبعض الظن إثم) ... على الدنيا تجود بك الجنان متى يأمن أنال البدر حسنًا ... بقرب منك يسعدني الزمان رعاك الله من زمن تقضى ... وغصن الوصل وجه افتنان بربع كنت آلفه رياضا ... وبعدك ما به قمري يزان فلا صحبت رياح اليمن ركبا ... بنور سناك عن عيني ران أما علموا بأن الدهر حق ... عليه كما يدين فتى يدان مطايا الشوق أتبعهم كأني ... أسايرهم بذاتي حيث كانوا لمن أشكو ضني يعتاد جسمي ... ولا أشكو إذا ناب امتحان معاذ الله أن أسلو بشيء ... سواك ولا تنسيه دنان فكم أودعته صدرا فسيحا ... عسى أن لا يبين له عيان

قسمت العمر أجزاء لعلي ... على حمل الغرام به أُعان أرجي الوصل أحيانا وحينا ... أُشخصه فيعروني افتنان ولو أهل الصليب رأوه يوما ... على قدر بدين هداه دانوا وقوله مخاطبا بعض الأدباء وهو مريض: أحبتنا حتى الحروف تحرفت ... وحتى يراع المسلم قد حارب الحيرا فأصبح معمور الرسائل منكم ... مهامه لا تنفك موحشة قفرا وعذبتمونا بالجفا دون زلة ... كأنا جنينا الود في دينكم وزرا وقوله: ذوو الذوق إذ كانوا بروضهم مكثا ... بأجمعهم قالوا فجئت به بثا إذا موهت أقلام ذي أدب فمن ... خشونة طبع المرء يستعمل البحثا وليس كلام الشاعرين بعمدة ... يحث على تحقيقه ذو النهي حثا مغالطة حينا وحينا خطابة ... وحينا وحينا فهو لم يستدم مكثا وقد عده أهل اللطافة وردة ... تشم فإن تضمم تكسبها رثا فكن ناهقا إن لم تذق ذوقهم ولا ... تحثث علينا من فويهك الروثا وقوله مخاطبا شيخه أبا عبد الله التاودي ابن سودة: إن كان في العلوم روضا نضيرا ... فلقد كنت ثم لازلت مائي أو أكن هاديا فعلمك نور ... أو أكن نَجْمًا (¬1) فأنت سمائي ¬

_ (¬1) في متن المطبوع: "قمرا" وبهامشه "كذا" وما أثبته مناسب عروضيا. ولعله مناسب للسياق. والبيتان من المديد.

وقوله: ملئت بجهل جاهل قد جهلته ... ومن ظن فيك العلم في الناس جهلًا وهب عندك العلم الذي أنت تدعي ... ولا خير في علم من أسفل أُدخلا وقوله وقد أبدع: أهذي سطور أم بحور تدفقت ... فأكسبت البحر المحيط وجوما أهذي معان أم غوان ترقرقت ... فأطلعها ليل الحداد نجوما فتشرق نوراً يهتدي بسنائه ... وتحرق سراق القريض رجوما وقوله: رويدا فما قول الوشاة يضير ... وأنت على رغم الأنوف أمير ولا يوجب الهجران والعذر بين ... وأنت بما في الحالتين خبير فما لك يا بدر الجمال تركتنا ... وقد نميت في جنح السقام يسير وقوله متغزلا: لهفي على تلك العشايا التي ... قضيتها تحت وريف الظلال ما بين أزهار زهت بالرذا ... ذ أو بين أنهار جرت بالزلال والورق في الأوراق راقصة ... وجامات الراح براح الغزال قد اودعت في خده لونها ... وأثرت رقتها في الشمال وأكسبت ألحاظه فعلها ... وطعمها المرشف عند النوال لازلت في سكر لواحظه ... فكيف أقوي سكر بنت الدوال وكلما رمت اقتطاف جنى ... من وجنتيه رشقتني النبال

61 - أبو العباس أحمد بن على العلوي.

فإن رجعت القَهْقَرَى لدغت ... عقارب الصدغين مني القذال وإن أحم حول حمى ثغره ... تلسعني النحل فضاق المجال من منقذي من أسر طلعته ... من عاذري في حب بدر الكمال ولم أقف على تاريخ وفاته. 61 - أبو العباس أحمد بن على العلوي. نزيل زَرْهُون. حاله: فقيه معدل موقت فاضل جليل نزيه. مشيخته: أخذ عن السلطان الأعدل مولانا سليمان كما للزياني في "جمهرة التيجان". 62 - أبو العباس أحمد بن المجذوب ابن عزوز المكناسي. قاضيها الأعدل. حاله: فقيه جليل عالم فاضل تولى الأحكام الشرعية، بهذه الحضرة المرعية، المولوية السلطانية مدينة مكناس، وقفت على رسم مسجل عليه بتاريخ متم سنة سبع وثلاثين ومائتين وألف، وغالب الظن أنه هو الذي تولى الخطة بعد المترجم قبل الذي يليه؛ لأن آخر تسجيل وقفت عليه للمتقدم في أول سنة سبع وثلاثين وأول تسجيل للمترجم متم السنة المذكورة. 63 - أبو العباس الحاج أحمد بن محمَّد المعروف بالمزيان. ابن عامل سَلاَ، والرباط القائد بناصر الصفار الفاسي الأصل المكناسي الولادة والمدفن. حاله: فقيه بركة ذاكر معمر صالح متبرك به رحالة مشغول الوقت بالذكر

والعبادة، حج ثلاث حجج، الأولى عام ثلاثة عشر ومائتين وألف، ودخل مصر وبغداد، ولقي أهل الفضل واستفاد وأفاد، ورجع لمسقط رأسه وأقبل على عبادة ربه وإفادة خلقه، اعتقده عوام الناس وخواصهم وكان السلطان المولى عبد الرحمن ابن هشام يحبه ويحله ويذهب لزيارته في منزله. مشيخته: أخذ بالمشرق عن الشيخ إبراهيم شهاب الدين العباسي الإسكندري عن الشيخ مرتضى، وبالمغرب عن سيدي العربي بن المعطي الشرقي، وسيدي محمَّد بن أحمد المنوني من ذرية سيدي على بن منون، وعن مولاي عبد الرحمن الإمام عن أبي العباس أحمد الحبيب، عن شمهروش الجني، وعن أبي محمَّد ابن عبد الله بن بوبكر عن التونسي العوني الفرجي، عن شمهروش وعن غير هؤلاء من فحول النقاد، وسراة المشايخ الأمجاد. الآخذون عنه: منهم السلطان الأعظم مولانا عبد الرحمن بن هشام وأفاده وأجازه بقراءة {وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم إلى العالمين} [الآيتان 51، 52 من سورة القلم] وقال له: انو بها إصلاح أولادك ورعيتك وانضمام ملكك وانقياد العالم لك، يذكرها دبر كل صلاة سبع مرات كما وجد ذلك بخط نجل السلطان المذكور مولاي العباس ومن خطه نقلت، ومنهم قاضي مكناسة السيد العباس ابن كيران، ومولاي المهدي بن عبد المالك، والسيد عبد الكبير بن المجذوب الفاسي دفين شالة، والشيخ أبو عبد الله محمَّد بن عبد الواحد المدعو الكبير الكتاني، ومولانا العباس بن عبد الرحمن بن هشام وغيرهم. وفاته: توفي عام ثمانية وسبعين ومائتين وألف ودفن بداره بأقصى درب قبالة ضريح سيدي عبد الواحد الأشقر بالحومة المعروفة قديما بالقطانين بالبيت المقابل للمداخل بالركن الأيمن منه.

64 - السيد أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن الطيب بصري.

64 - السيد أحمد بن عبد الرحمن بن محمَّد بن الطيب بصري. المكناسي النشأة والدار، الولهاصي الأصل شيخ أشياخ شيوخنا. حاله: بيته بيت علم وإجلال وإكبار، وحسب ومروءة ووقار، ملحوظة بعين الاعتبار، كان ذا حظ وافر من النحو والفقه، بارع الخط له همة عالية، ورهد وورع يعلم الصبيان، وتخرج على يده عدة من حملة القرآن، ومنه فشا بارع الخط بالحضرة المكناسية حتى كان يضرب بجودته المثل واستكتب آخر عمره مع بعض قواد مجاط. وفاته: توفي في بلاد زعير بالوباء العام عام خمسة وثمانين ومائتين وألف ولم يعقب رحمه الله. 65 - أبو العباس أحمد بن على السوسي. العلامة المشارك النفاعة. حاله: علامة مشارك نقاد مدرس نفاعة، أخبرني ابن حفيده شيخنا محمَّد السوسي أنه حدثه غير واحد من ذويه وقرابته أن المترجم كانت له يد طولى في علم الأوفاق وسر الحرف، وأنه رحل إلى الحج، وأن قدومه من بلاده الساقية الحمراء كان في دولة السلطان أبي الربيع مولانا سليمان، وأن السلطان المذكور هو الراغب في مقدمه عليه، وأنه وجه من طرفه من يأتيه به من مسقطٍ رأسه، ولما ورد وجد السلطان بالحضرة المكناسية فكرم مثواه وَنُزُلَه وأنزله بمدرسة الجامع الأزهر المعروف اليوم بجامع الأروى بطلب من المترجم، وأنه لما سمع بمقدمه العارف بالله مولاي عبد القادر العلمي توجه إليه بقصد زيارته على عادته رضي الله عنه مع فضلاء وقته المشار إليهم بالخير والصلاح، فلما اجتمعا سأل كل منهما صاحبه عن اسمه ونسبه عملا بسنة خير الأنام في ذلك. ¬

_ 64 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع 7/ 2639 في موسوعة أعلام المغرب.

66 - الأستاذ السيد أحمد بن عبد الله بن محمد بن يوسف بن محمد الكبير ابن الشيخ محمد -فتحا- الناصري.

وأخذ سيدي عبد القادر العلمي عن المترجم سر أسماء الله الحسنى كما أخذ هو عن العارف العلمي المذكور، قال حفيد المترجم العلامة السيد المفضل بن المكي ابن أحمد المترجم: ولم أقدر أن أسأله يعني العارف العلمي عما أخذه الجد المذكور عنه أهابك إجلالا ... إلخ. وبعدما طالت مدة إقامته طلب من الأمير المذكور أن يرده لمحله ومسقط رأسه فامتنع من ذلك كليا، وزوجه بشريفة توفيت في الحين ثم بأخرى رجراجية. الآخذون عنه: منهم ولده العلامة المشارك السيد المكي أما وفاته فلم تحفظ. قلت: ولا يعرف له خبر ولا أثر من غير هذه الطريق بعد البحث الشديد وقرب العهد وبقاء غير واحد ممن عاصر المولى عبد القادر العلمي وضبط من أخذ عنهم ومن أخذوا عنه ومن تدبج معهم، وأغرب من هذا وأعجب كون المترجم بهذه المثابة القعساء وما مات حتى خلف ولده من أعيان علماء وقته وعدولهم المبرزين وهو لا يضبط زمن وفاة والده ولا تعيين قبره بل ولا في أي روضة دفن. 66 - الأستاذ السيد أحمد بن عبد الله بن محمَّد بن يوسف بن محمَّد الكبير ابن الشيخ محمَّد -فتحا- الناصري. حاله: كان فقيها علامة مشاركا متفننا ذا سمت حسن، وهدى مستحسن، لسانه رطب بذكر الله. وفاته: توفي سنة أربع وثمانين ومائتين وألف. 67 - السيد أحمد بن عبد الله الناصري: المقرئ من ذرية سيدي محمَّد الصغير ابن الشيخ سيدي محمَّد. حاله: كان أستاذا مقرئا فقيها متضلعا خيرا دينا مشاورا في علم القراءات يقصده الناس للأخذ عنه والاستفادة منه كثير التلاوة والأذكار، لم يتخلف عن

68 - أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن الطاهر بن محمد فتحا ابن أحمد الكنكسي الشهير بالجبلي.

دروس مشايخه العلمية، إلى أن اخترمته المنية، وكان متخذا دكانا بالصباغين يجلس فيه لإفادة الناس، وكانوا ينسلون إليه من كل حدب لأخذ علم القراءة وغيره عليه، وكان مقتصرا في إقرائه على المنطوق والمفهوم وتقييد ما يحتاج للتقييد انتفع به خلق كثير من المقرئين وغيرهم. مشيخته: أخذ القراءات عن الأستاذ الزموري، والأستاذ عياد البخاري والعلوم النقلية والعقلية عن ابن الجيلاني السقاط، وهو عمدته وعمن في طبقته من الأعلام. 68 - أبو العباس أحمد بن محمَّد بن أحمد بن الطاهر بن محمَّد فتحا ابن أحمد الكنكسي الشهير بالجبلي. الأغزاوي أصلًا المكناسي منشأ واستيطانا كذا قال عن نفسه. حاله: فقيه وجيه ميقاتي ماهر له معرفة بالفقه والنحو والتوقيت والتعديل وما يرجع لذلك، وأسند إليه ذلك في غير محل حسبما صرح بذلك في عدة تقاييد له وقفت عليها بخطه، ولي التوقيت بمنار أبي عثمان سعيد بن أبي بكر المَشْنَزَائى (¬1) دفين خارج باب وجه عروس من مكناسة، كما ولي توقيت منار مولانا إدريس الأكبر بزاوية زرهون. ومما وقفت عليه من فوائده صدر مؤلف له في المولد النبوي قوله: لما أن من الله علينا وألهمنا إلى الاشتغال بجمع ما قد قيل وصنف في المولد الشريف وذلك من أفضل الأعمال، والاشتغال به من أنجح الأفعال، وقد ورد في فضله ما يفوق أوقار الجمال، وقد وجب على كل مسلم أن يعرف نسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويعلمه لأهله وأولاده ويحفظه عن ظهر قلبه إن أمكنه ذلك، وإلا نظراً أو ¬

_ 68 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع 7/ 2548 في موسوعة أعلام المغرب. (¬1) تحرف في المطبوع إلى: "المشترائى" وصوابه من دوحة الناشر في الموسوعة 2/ 880.

69 - أبو العباس أحمد بن على بن أحمد بن على بن عبد الكريم بن على: ابن طاهر بن مولانا الحسن الحسيني العلوي.

كيفما أمكن، ولا يهمله إلا من لا خير فيه أو ممن حجب عن الله فكما يجب على المسلم معرفة الله عَزَّ وَجَلَّ بحفظ الستة والستين عقيدة فكذلك يجب عليه أن يعرف مولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورضاعه وبعثه للناس وجهاده وما وقع من يوم مولده إلى يوم موته باختصار من القول، هذا لِلأُمِّى، وأما القاري فيتعين عليه البحث على ذلك والإطناب فيه فليس بعد قراءة كتاب الله شيء أفضل من قراءة شمائله وأيام مولده ورضاعه. انتهى الغرض، ومن خطه نقلت. مشيخته: أخذ عن أبي عبد الله بن حلام إمام مسجد أبي العباس أحمد الشبلي المترجم فيما مر، والحمادي، وخميش، والشيخ أبي الفتح حمدون ابن الحاج السلمي، كذا قال عن نفسه فيما نقلته من خط يده. مؤلفاته: منها "النفحات الوردية والمطيبات الطبيعية في تاريخ مكناسة الزيتون المولوية" لكنه لم يكمل، وقفت على الموجود منه في ورقات بكناش لبعض أصدقائي الأعلام. "وروض الورد والزهريّ مولد المصطفى خير البشر" وقفت على بعضه بخطه. وغير ذلك. وفاته: توفي أواسط القرن الثالث عشر وقد كان حيا تاريخ ثمانية وأربعين ومائتين وألف. 69 - أبو العباس أحمد بن على بن أحمد بن على بن عبد الكريم بن على: ابن طاهر بن مولانا الحسن الحسيني العلوي. قاضي مكناسة الشريف الأصيل. حاله: كان إماما عادلا له همة عليه، ونفس أبية، حسن السيرة صلبا في أحكامه محدثا مسنداً راوية ممتازا بين أئمة التحرير، بالإتقان والنقد بدون نكير، خطيب بليغ مصقع، رحل إلى الحج وزيارة جده خير الأنام وكان متصدرا لخطة

الشهادة بسماط عدول هذه العاصمة العلوية، ثم رشح لخطة القضاء، وقفت على تحليته في رسم مسجل عليه بتاريخ أربعة عشر ومائتين وألف بما لفظه: الفقيه الأجل، العلامة الأفضل، الحافظ الحجة الأكمل, المدرس القدوة البركة الأمثل، الشريف المنيف العلوي المبجل، قاضي الجماعة بالحضرة الهاشمية الإمامية مدينة مكناسة الزيتون وهو أحمد بن على الحسني. انتهى. وآخر مسجل عليه أيضًا بتاريخ واحد ومائتين وألف وآخر بتاريخ ستة عشر ومائتين وألف، وآخر بتاريخ ثمانية عشر ذكره في "الشجرة الزكية" وغيرها. شعره: من ذلك قوله مرتجزا: يا ربنا مبلغ الآمال ... ودافع الكروب والأهوال يا ذا العطا والجود والإحسان ... يا واسع الفضل والامتنان إنا فقيرون إلى رحماك ... وأنت أولى من حبا بذاكا ونحن في غم شديد وحزن ... مما أصابنا بهذه الفتن قد عمنا جزع من قد نزلا ... من الطغاة فوقنا وأسفلا وبلغت قلوبنا الحناجرا ... كما ترى يا ربنا كن ناصرا كادت قلوب ضعفا النساء ... تذوب مما حل من بلاء يرق من حالتهن الحجر ... ودمعهن لؤلؤ منتثر وبلغ السيل الزبي والوادي طم ... على قَرِيِّه وذا الخطب أدلهم وقد علمنا أن ما حل بنا ... فإنما أصابنا من كسبنا لكن عفوك الجميل أوسع ... والرحمة العظمى لكل تسع فلا تؤاخذنا بذنب إِنّا ... عليك يا رب قد اعتمدنا

70 - أبو العباس أحمد بن مبارك.

ليس لنا مال ولا من نلجأ ... إليه غيرك فأنت الملجأ فبدلن ما نخاف أمنا ... وكف كف الظالمين عنا وشتتن شملهم تشتيتا ... ولتكفناهم بما قد شئتا بجاه مولانا رسول الله ... محمَّد كهف الوري الأواه صل عليه ربنا وسلم ... وآله مع الصحاب الأنجم والتابعين لهم بإحسان ... ومن على نهجهم من إنسان وفاته: توفي ليلة الأربعاء ثالث ربيع النبوي عام أربعة وعشرين ومائتين وألف بالحضرة، ودفن بضريح سيدي بو كتيب برد الله ثرى الجميع بفضله آمين. 70 - أبو العباس أحمد بن مبارك. وزير السلطان الأعدل مولانا سليمان واحد مواليه الذين نشئوا في خدمته من نعومة الأظافر إلى زمن المشيب. حاله: رجل صالح، تقي نقي فالح، لا يعرف لهوًا ولا لعبا، كان أوحد زمانه صدقا وأمانة ونصحا وإخلاصا لمخدومه، مع متانة دين ولين جانب، وتواضع للقوي والضعيف، ورفق وحنان على الضعاف والأيتام والأرامل، محافظ على الصلوات جماعة في أوقاتها لا تستفزه الدنيا بزهرتها, ولا يكبر في عينه شيء من زخرفها الفاني مقبل على شأنه قائم بأعباء مأموريته أحسن قيام، مواظب على قراءة دلائل الخيرات في سائر أوقات فراغه عالي المكانة تام النفوذ مسموع الكلمة مطاعها في سائر المملكة المغربية. ومع ذلك خرج من الدنيا كيوم ولدته أمه قال في "الجيش العرمرم": حدثنا السلطان العادل يعني المولى سليمان وقد ذكره يعني المترجم يوما وأكثر من الثناء

عليه حتى قال: والله لولا أنني كفنته وجهزته ما وجد ما يكفن به فإننا وجدنا في صندوقه الذي وجدنا مفتاحه معلقا عليه ستمائة مثقال، ووجدنا زماما بخطه عليه من الدين ستمائة مثقال فقضينا ذلك الدين بتلك الدراهم فخرج من الدنيا كيوم وضعته أمه مع ما ظفر به من الشهادة. انتهى. قال فمن سمع هذا وتحققه فليعلم أن من سبقت له السعادة لا يضره شيء، فهذا رجل قد خاض في غمرات الدنيا وقام في مقام مجموع الفتن وقرعة المظالم والسيئات التي تستفز الرجال، وتهد الجبال، ووقف مع الذين قيل إنهم دعاة على أبواب جهنم، فلم يتعلق به من تلك الأدناس شيء وأدرك الفور الذي وقف دونه أطماع السابقين فسبحان المتفضل الكريم، الواسع العلم، ومن تشوق إلى البرهان، على ما ذكرناه يقال له طلبك البرهان على مثل هذا مما لا تقول به أولو العقول والأذهان، فهل رأيت هذا الرجل شيد القصور أو غرس البساتين أو تأصل الأصول أو ادخر الذخائر أو استعد للنوائب كما يفعله من عمر دنياه. ولم يبال بما تخرب من أخراه، عافانا الله بفضله آمين. انتهى. وقال: ما نقلت عنه قط مظلمة ارتكبها ولا موبقة تعمدها ولا مسألة خان فيها مخدومه أو لبس عليه فيها أو مضرة كتمها عنه اتباعا ورواه أو موبقة لغيره، كان سلطانه العادل يذكر ذلك عنه ويمدحه به في كثير من المقامات وكانت وزارته ممتدة بطول ولاية سيده نحوا من ثلاثين سنة ولا أظنه فاتته صلاة في جماعة حضرًا وسفرًا ولا يفارقه دلائل الخيرات في قبة كلما وجد فسحة من الأشغال أخرجه وقرأ ما تيسر منه مع ملازمة أوراده وإقامة الرواتب المشروعة هكذا رأيناه. وأما مباشرته للناس وملاقاة الضعفاء وذوي الحاجات والضرورات فكان أرحم وأرفق بهم من الوالدة بولدها ولا يخاطبهم إلا بالسيادة والتبجيل، وأما أن يقهر أحدا أو يسبه فإنه في البعد الأبعد عن ذلك.

71 - أبو العباس أحمد بن الطاهر بادو.

وكان هو ووالده وإخوته مماليك لمولانا السلطان العادل رحمه الله أعطاهم له والده سيدنا محمَّد رحمه الله فنشأ الوزير المترجم في كفالته، وتخلق بأخلاقه من زمن الصبا إلى مماته، وكانت حياته مقرونة بسعادة السلطان العادل، فإنه من يوم قتل رحمه الله انتثر نظام مملكته واختلت أسبابها فلم تزل في اضمحلال حتى انطفأ سراجها. وكان قتله عبيد البخاري ظلما وعدوانا بعد رجوع السلطان من وقعة زيان. وكان السلطان بعد قتله يقول في كثير من الأمور: لو كان أحمد حيا ما وقع هذا ولكان هذا. انتهى الغرض. وبالجملة فترجمة الرجل طويلة الذيل، ومحامده بعيده النيل. وفاته: توفي سنة خمس وثلاثين ومائتين وألف ضربه عبيد البخاري برصاصة بغابة حمرية ودفن يمين الخارج على باب أبي العمائر، ولا زال على قبره إلى الآن بناء كان أحدثه بعض حفدته رحمه الله. 71 - أبو العباس أحمد بن الطاهر بادو. المكناسي النشأة والدار والوفاة. حاله: صالح فاضل صوفي سني ناسك ذاكر متبتل منحاش لأهل الله محب في الصالحين، معتقد في أهل الفضل والدين، لا تأخذه في الله لومة لائم، كانت له وجاهة ومكانة قعساء عند سيدنا الجد السلطان أبي زيد بن هشام محمول لديه على الصدق والأمانة، يرشحه للمهمات ويفوض له في الأمور ذات البال وبالأخص فيما يرجع للأحباس. وقفت في الحوالة الحبسية على عدة ظهائر من السلطان المذكور بالموافقة على ما وافق عليه المترجم وإمضاء ما أمضاه، وإيجاب العمل بمقتضاه، من ذلك ظهير

72 - أبو العباس أحمد بن عمر بن العربي بن عمر.

مثبت أصله بصحيفتي 76 و 77 من حوالة الزاوية العلمية بتاريخ 22 حجة عام 1286. ولي ببلده خطبة الحسبة وقام بوظيفها فوق ما يطلب منه جهده وطاقته، وقفت على جواب عن مكتوب له لقاضي مكناس أبي عيسى المهدي ابن سودة بخطه حلاه فيه: بالفقيه الفاضل الصوفي بتاريخ فاتح جمادى الأولى عام سبعة وسبعين ومائتين وألف، وقد كان له جاه واحترام عند الخاصة والعامة من أهل بلده وغيرهم وينتمي نسب قبيلهم للعارف بالله أبي عبد الله محمَّد بن مبارك التستاوتي على ما في بعض العقود الحبسية القديمة. 72 - أبو العباس أحمد بن عمر بن العربي بن عمر. أصله من أولاد غدو، فرقة من صنهاجة، قدم جده الأعلى عمر المذكور من الجبل واستوطن قصبة هدراش وتولى إمامه وخطبة مسجدها، وكان معتقدا عند أهلها معظما ملحوظا بعين الإجلال والاعتبار. حاله: كان فقيها زاهدا ناسكا ذا جد واجتهاد، وكانت، فيه دعابة، وله مكاشفات، وأحوال خارقات، ظهرت على يديه كرامات، حدثني بها غير واحد من مشايخي الجلة الذين وقعت لهم معه وشاهدوها منه المرة بعد المرة، وكان حسن الصوت مجوداً لكتاب الله حلو التلاوة. أخبرني صاحبنا الفقيه أبو العباس الناصري قاضي الأحواز المكناسية أنه حدثه أن من جملة أوراده اللازمة كل يوم ذكر ثلاثين ألفا من اسمه تعالى الحي القيوم، واسمه تعالى اللطيف أربعة آلاف وأربعمائة وأربعة وأربعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم خمسمائة مرة وعلى رأس كل مائة يقرأ سورة الإخلاص والمعوذتين وربما كرر الاسم اللطيف العدد المذكور سبع أو ثمانى مرات في بعض الأيام.

ولادته: ولد بمكناسة ولازم ضريح الشيخ محمَّد بن عب مني شيخ الطريقة العيساوية حتى أسند إليه التقديم عليه وقام بخدمته أتم قيام وأحسنه، ثم لما تفاحشت البدع من أهل النسبة العيساوية وتكرر نهيه لهم وهم يستعيرون له أذناه صماء، وعينا عمياء، وبالأخص في تماديهم على اللحن الفاحش في حزبهم المعروف لديهم بـ "سبحان الدايم" تنازل عن ذلك التقديم ولازم داره وصار لا يخرج إلا للجمعة، وأقبل على عبادة ربه حتى أتاه اليقين، وكان يشار إليه بالمهارة الكاملة في علم الأسماء والأوفاق واستخدام الجان تقصده الزوار من الجهات القريبة والبعيدة. مشيخته: أخذ الكتاب العزيز عن الفقيه البوسدراوي، والشريف سيدي محمَّد ابن إدريس البوعناني، والفقه عن العلامة الشيخ الحاج مبارك الفيلالي، وحصل ما قسم له من المعلومات وأخذ الطريقة العيساوية عمن تصدر لتلقينها إذ ذاك من مشاهير مقدميها. الآخذون عنه: أخذ عنه ابن عمنا العلامة النقاد، المتأني الذي له كل صعب انقاد، سيدي محمَّد بن أحمد العلوي قاضيْ زَرْهُون سابقا قراءة آية الكرسي عند النوم إحدى عشرة مرة حسبما أخبرني بذلك مشافهة ومكاتبة، وشيخنا العلامة المشارك المطلع أبو العباس أحمد بن المأمون البلغيثي قاضي مكناسة الحالي أخذ عنه الصلاة المشهورة وهي: اللهم صل على سيدنا محمَّد طب القلوب ودوائها، وعافية الأبدان وشفائها، ونور الأبصار وضيائها، وعلى آله وصحبه وسلم حسبما شافهني بذلك وبما وقع له معه من المكاشفات مرارا، وحدثني عنه أنه نعي له نفسه وذلك أنه ودعه ذات يوم عام 1309 فأنشده المترجم: يا مزمعا بالرحيل عنا ... كان لك الله خير واق أسعدك الله في ارتحالك ... أمنك الله في المهالك

73 - الوزير الأعظم أحمد بن موسى بن أحمد بن مبارك.

فائدة: من خط بعض العلماء ما صورته: وحكي عن بعض التابعين أنه كان إذا ودع مسافرا أنشده هذين البيتين. انتهى. وقال بعض العلماء هذان البيتان ما أُنشدا قط على أحد يريد سفرًا إلا رأى في سفره نجاحا. انتهى. وحدثني شيخنا البلغيثي أيضًا أنه زار هو وشريف من سكان فاس المترجم يوما من الأيام، وكان ذلك الشريف من خاصة أصحاب البركة الأشهر سيدي محمَّد الغياثي وبمجرد ما وقع بصر المترجم عليه سأله عن حال شيخه الغياثي قائلا في سؤاله له هل لازال سيدي محمَّد الغياثي منفردا في داره لا يقبل دخول أحد عليه فيها؟ فأجابه بنعم وَلَوْ هِرَّة، فقال المترجم: الله الله يهديه أنا والله لا أحب إلا أن تكون الخودات معي واحدة تعضني وواحدة تنشدني وقلبي مع الله، ثم اتفق اجتماع شيخنا البلغيثي بعد ذلك بمدة مع الغياثي فجرى ذكر المترجم فأثنى الغياثي خيرا، ثم سأله شيخنا المذكور هل له به معرفة؟ فقال: أعرفه في عالم الأرواح. وفاته: توفي في الساعة الحادية عشرة من صبيحة يوم الاثنين فاتح جمادى الثانية عام أحد عشر وثلاثمائة وألف ودفن بزاوية المولى التهامي بالبيت المقابل للداخل بإزاء قبر الشريف المتبرك به حيا وميتا سيدي محمَّد العربي الوراني رضي الله عنه. 73 - الوزير الأعظم أحمد بن موسى بن أحمد بن مبارك. الوزير ابن الوزير ابن الوزير. ولادته: ولد سنة سبع وخمسين ومائتين وألف. مشيخته: أخذ عن السيد فضول السوسي، والحاج محمَّد جنون وغيرهما

إسقاطه وزارة الجامعيين وسبب ذلك

من فحول أهل العلم بفاس ومكناس وغيرهما من البلاد، وكان جل أخذه على طريق المذاكرة والمباحثة. حاله: كان شعلة ذكاء ونباهة فقيها حازما ضابطا عفيف الأزار، طاهر الذيل، سياسيا آية في الدهاء وحسن التدبير كثير الصمت، محافظا على الطهارة والصلاة في أوقاتها مع الجماعة، صلبا في دينه، كثير الأذكار، حريصا على التعرف بالأخيار، طلق الوجه ظاهر البشر متواضعا بشوشا، ذا مكايد وحيل، مستبدا بالأمور، لا يشاور إلا فيما تتوقف الأنظار فيه على الأخذ برأْي غيره ذا حزم وعزم وثبات، مَجَالِسُه لا تخلو من العلماء ومذاكرتهم. حجابته: تولي الحجابة عن الخليفة السلطاني بفاس المولى إسماعيل أخ السلطان المولى الحسن، ثم الحجابة لدى الجلالة الملوكية الحسنية، وفيها تدرب على الخدمة الملوكية وحنكته التجاريب وعلم من أين تُؤكل الكتف. إسقاطه وزارة الجامعيين وسبب ذلك: ثم صار وزيراً صدرًا في الدولة العزيزية وفيها علا كعبه وارتفع صيته، وأوقع بأعدائه أولاد الجامعي واستنزلهم من وظائفهم، وذلك بعد أن قاسى أهو إلا وشدائد قيد حياة مخدومه الأعظم السلطان مولانا الحسن، كان اتهمهما بأنهما اللذان سعيا في إفساد ذات البين بينه وبين السلطان المذكور حتى انحرف عنه، وهمّ بالإيقاع به لولا أن المنية حالت بينه وبين ذلك والواقع خلاف ذلك كله. وحقيقة الأمر أن السلطان مولاي الحسن لما ولى الحاج المعطي منصب الوزارة العظمى أنف المترجم من ذلك، إذ كان يرى أنه ليس بكفء لذلك المنصب وقد تحقق السلطان باستياء المترجم وإطلاقه لسانه بالطعن والتنقيص، وأنه قال: إن هذا الرجل فقد عقله يعني السلطان فأسرها في نفسه ولم يبدها له، وصار يحض الحاج

المعطي ويوصيه بمخالفة المترجم والغض منه والتضييق به وعدم المبالاة فأظهر له من الغلظة والجفاء امتثالا لما أمر به ما زاده حنقا، وأخذ لنفسه بالأحوط، فكان كما ازداد الوزير غلظة وجفاء للمترجم زاد في إظهار اللين وخفض الجناح والخضوع والانحياش له ولأخيه السيد محمَّد الصغير وزير الحربية وهو يتربص بهم الدوائر وهم لا يشعرون، بل يعتقدون أن زمام الأمر بيدهما وأن الجو خلا لهما حتى صمم السيد محمَّد الصغير المذكور على القبض عليه بالرباط فمنعه من ذلك أخوه الصدر الحاج المعطي، وقال لا يسمع علينا أننا عقب موت السلطان فتحنا باب الشهوات والتوصل إلى الأغراض الشخصية، على أنه لا شيء بيننا وبين هذا الرجل والسلطان الذي كان يأمرنا بمضادته وعدم اعتباره قد لبى داعي مولاه. هذا والمترجم يدبر لهما الحيل ونصب شبك المكايد القاضية عليهما بالقاضية، فنسب لهما الخوض فيما لا تحمده عقباه. من ذلك أنه لما لبي السلطان مولانا الحسن داعي مولاه وبويع لولده المولى عبد العزيز بالمحل المعروف بالبروج من قبيلة بني مسكين استبد بالرأي دونهم، وصار يتداخل فيما هو خارج عن خطته اعتمادا على ما يعلمه من اختصاصه بالسلطان المولى عبد العزيز وتيقنه بعدم خروجه عن أمره، وأنه لا يركن لأحد سواه، وكان يعلم ذلك كل من له أدنى مسكة من بقية الوزراء، ولذلك تسارعوا لمحالفته، وتعاهدوا على تعزيزه ونصرته، والتزم هو لهم ببقاء كل واحد منهم بمحله وعلى وظيفه ما عدا الحاج المعطي الصدر ومحمَّد الصغير وزير الحربية، فإنهما كانا على خط مستقيم في مخالفته ومضادته، فأشاع عليهما أنهما يرغبان الناس في نقض بيعة السلطان المولى عبد العزيز المذكور وهما في سكرتهم يعمهون، لا يعلمان أن المترجم لهما بالمرصاد يترقب انتهار الفرصة في المكر بهما ولا يصده عن ذلك إذ ذاك إلا خوف انتشار الفتنة لقوة حزبهما من جيش شراكة وأولاد جامع والقوة الحربية كلها تحت سيطرتهما.

ولما فشا ما رماهما به من خلع السلطان استفتى العلماء في شأنهما وقرر لهم أن مرادهما شق العصار وافتراق كلمة الجماعة، فأفتى البعض بالقتل والبعض بالتخليد في السجن وأسر ذلك في نفسه ولم يبده لهما ورأى أنه لا يتم له مراده فيهما إلا بعد حلول السلطان عاصمة سلفه المكناسية. ولما نهض السلطان من الرباط صمم أولاد الجامعي على التوجه لفاس وقالا: إنها قاعدة المغرب، وصمم المترجم على التوجه لمكناس، وقال: إن العادة قاضية بالمرور بها لكونها دار الملك ومقر الجيوش ووسيلة لزيارة مولانا إدريس الأكبر، فجنح السلطان لما صمم عليه صاحب الترجمة وزيف قول غيره. ثم لما حل السلطان بعاصمة سلفه المكناسية، دخل عليه وهو على أريكة ملكه الوزير الصدر الحاج المعطي المذكور بصكوك الأوامر السلطانية على عادة الوزراء في تقديم المكاتب للتوقيع عليها، فأمره السلطان بدفعها للمترجم فامتنع وأبى، وطلب الأمير بالتمشي معه على العرف المألوف الذي كان يتمشى معه عليه والده السلطان المقدس، فقال السلطان مجيبا له: افعل ما آمرك به فغضب وترك الصكوك مطروحة بإزائه وخرج، فعند ذلك تم للمترجم ما أراد فأمر الأمير قائد مشوره وهو إذ ذاك إدريس بن العلام البخاري بأن يأمر الوزير الجامعي بالانسلاخ عن كل ما يرجع لوظيفه ولزوم داره هو وأخوه، وذلك أمر دُبِّر بليْلٍ. وكان من جملة ما خاطبهم به رئيس المشور المذكور، على لسان السلطان المنصور، قوله: لقد طغيتم في البلاد وكَفَرْتم نِعَمَ ما أسْدَاه لكم مولانا المقدس من النعم، وارتكبتم بدل المجازاة بالإحسان العقوق، وقد بلغ سيدنا أيده الله ما صممتم عليه من شق عصا الطاعة وإيقاد نار الفتن، ولولا رعاية محبة سيدنا المقدس فيكم وقرابتكم منه لأذاقكم سيدنا شديد النكال وأليم العذاب، قوما اذهبا لحال سبيلكما، فلم يسعهما إلا الانصراف ولزوم محلهما، واتفق أن كان يوم طردهما عن شريف الأعتاب يوم الثلاثاء.

[صورة] السلطان السابق مولانا عبد العزيز

[صورة] بيعة أهل فاس للسلطان مولاي عبد العزيز

ثم بعد ذلك أمر باشا مكناس حم بن الجيلاني بن حم البخاري به بإلقاء القبض عليهما، وذلك صبيحة يوم الجمعة ثم على صهرهما العربي الزبدي واستئصال أموالهما وأثاثهما، وبيعت تركتهما في العواصم المغربية، وبعد إلقاء القبض عليهم بذل المترجم العطاء للوفود وأسدى للضعفاء والمساكين بكل ناحية ولا سيما مكناسة وفاس ووجه بالمقبوضين مقيدين لسجن ثغر تطاوين، إلَّا الأخير فنقل لآسفي سجينا. وبسجن تطاوين مات الحاج المعطي وكانت مدة اعتقاله ثلاثة وثلاثين شهرا، ومن عجيب الاتفاق أن مدة وزارته كانت كذلك ثلاثة وثلاثين شهرا. وبقي به أخوه محمَّد الصغير إلى أن سرح أواخر الدولة العزيزية، ونقل لطنجة وبقي في حكم الثقاف بها في أتعس عيش، إلى أن اخترمته المنية. وأما الزبدي فقد سرح بعد وفاة المترجم بأيام قلائل ولحق بالسلطان المولي عبد العزيز بمراكش، فكرم وفادته ورده لوظيفه السابق، وأنزله بعرصة مولا يعلي الشهيرة بحومة الكتبية ولم يزل على وظيفه إلى أن بارح السلطان مراكش ووجهته محروسة فاس، وذلك في شعبان عام تسعة عشر وثلاثمائة وألف فكلف بإتمام حساب ما بيع من متخلف المترجم وحساب بناءاته التي كان السيد محمَّد بن عبد الهادي زنيبر مكلفا بها وتصفية ذلك أمر كله، فلم يزل في مأموريته هذه إلى متم عام 1320، فأصدر له الأمر السلطاني بالقدوم لفاس، ولما لحق بالجلالة طلب الخدمة بوطنه رباط الفتح فأسعفت رغبته وعين أمينا على الديوانة والمستفاد وخليفة مستقلا عن عامل الثغر الرباطي، وبقي على وظائفه المذكورة إلى أن حل الركاب السلطاني بالثغر المذكور عام خمسة وعشرين وثلاثمائة وألف، فأمر عندئذ بالطلوع لمحل خدمته بالبساط الملوكي، وأُقر زيادة على ذلك على أمانة المستفاد وأُذن له في جعل ولده نائبا عنه.

وزارته وصدارته العظمى

ولما جاءت الدولة الحفيظية عينته لوظيف الحسبة ببلده الرباط والخلافة الباشوية وأمانة الديوانة بها، ثم أعفي في عام 1331، ثم عين للأمانة بديوانة آسفي عام 1332. ثم طلب الانتقال فنقل لديوانة القنيطرة إلى سنة 1342، ولم يزل على وظيفه هذا إلى أن لقي ربه عام ستة وأربعين. وزارته وصدارته العظمى: هذا وبالقبض على أولاد الجامعي استقام أمر الملك لصاحب الترجمة وصفا له الجو وطأطأت له الرءوس ولم يبق له منازع في الوزارة العظمى، واستبد بأمر الملك كله وجعل أخاه السعيد وزيرا للحربية وأخاه إدريس حاجا, ولم يترك معه وزيرا أجنبيا إلا الفقيه السيد محمَّد المفضل غريط كان أبقاه على وزارة الخارجية، وأبا الحسن على المسفيوي أبقاه على وظيفه وزارة المظالم, وقد كان يجامله ويحترمه. ولم يزل على وظيفه إلى أن لبى داعي مولاه، وإلا صديقه الحميم المخلص السيد عبد السلام بن محمَّد التازي الرباطي فإنه بقي في وظيفه أمانة الأمناء (وزارة المالية) كما كان قلده مولاي الحسن إياه بفاس في رمضان عام 1307 إثر وفاة أخيه السيد محمَّد التازي الرباطي الشهير المترجم في الاستقصا [4: 256] , وقد كان المترجم يركن له ركونا خاصا مشهورا سيما في الخارجية إلى وفاة المترجم التي صادفته مريضا بمراكش فاستعفى بعده. وذهب للحج وأكرمه السلطان وأعانه على رحلته الحجازية، ثم ألقى عصا تسياره بالرباط إلى أن استدعاه السلطان مولاي عبد العزيز إلى فاس في العشرة الأخيرة من جمادى الأولى سنة 1322 وقلده أمر النيابة بطنجة عوض النائب

[صورة] وزير خارجية الدولة الحسنية والصدر الأعظم سابقا السيد محمَّد المفضل بن محمَّد غريط

بعثة السفارة لأسبانيا وما حصل لها

الحاج محمَّد الطريس، على أن خليفته قائد سلا الشهير السيد عبد الله بن سعيد ورجع للرباط لتهيئة الأسباب ومعه المكاتب السلطانية لعمال المغرب وولاته باعتماد أوامره في مأموريته، فدخله يوم الأحد 27 شعبان عامه في يوم مشهود، وجمع محشود، حيته فيه أبراج العدوتين وحُصُونهما بالمدافع الرسمية. ثم توالت الأحداث التي اقتضت تأخير ذاك وتتابعت تترى، فاستدعي السيد عبد الله ابن سعيد المذكور إلى طنجة آخر رمضان منه، وصعدت السفارة الفرنسية لفاس في شوال منه ثم استدعيت وفود مدن المغرب ومراسيه إلى فاس أواخر القعدة منه للمذاكرة في مطالب السفارة، ثم قدم غليوم إمبراطور الألمان إلى طنجة يوم الجمعة 24 محرم 1323 لمعاضدة السلطان ومعارضة السفارة الفرنسية، فقابله ابن سعيد المذكور إذ كان الطريس بفاس، ثم عقد المؤتمر الدولي بالجزيرة الخضراء في شوال منه ورئيس الوفد المغربي الطريس، وما يتبع ذلك من الحوادث فبقي التازي المذكور بالرباط إلى أن لقي ربه ليلة الخميس 27 صفر عام 1325 محمود المساعي مشكور الأعمال "والذكر للإنسان عمر ثاني". ولما نهض السلطان من مكناس لفاس أعفى الوزير غريط وولى مكانه عبد الكريم بن سليمان وكان كغيره لا يقطع أمرًا دونه قلّ أو جل، وأضاف عمالة فاس لإدريس بن العلام قائد المشور السلطاني، حيث إنه كان عونا له على الإيقاع بأولاد الجامعي زيادة على وظيفة. بعثة السفارة لأسبانيا وما حصل لها: وفي تاسع عشري رجب عام 1312 موافق 26 يناير سنة 1895 وجه الوجيه الحاج عبد الكريم بن محمَّد المدعور بريشة التطواني سفيرًا لدولة الإسبان لإدخال إصلاحات وتعديلات على الوفق الممضي بمراكش بين جلالة السلطان المقدس مولانا الحسن والجنرال (مرطنيس كبو) النائب عن دولته المذكورة فيما يتعلق

[صورة] سفارة الحاج عبد الكريم بريشة وابن سليمان لدى دولة اصبانيا

بحرب مليلية، وعزره بالسيد عبد الكريم بن سليمان، ولما وصلا لمدريد اقتبلتهما الدوائر الرسمية أحسن مقابلة وأكرمت وفادتهما واعتنت بشأنهما غاية الاعتناء رغما عن كون الشعب ينظر لهم شزرا، وأفكاره لا ترضى بمطالبهم. ولما حل وقت الملاقاة الرسمية مع الملكة وخرج السفير من محل نزوله للركوب في العربة المعدة له بقصد ما ذكر، اعترضه رجل إسباني بلباس مدني ولطمه على جيده على حين غفلة لطمة كانت تذهب ببصره فرجع السفير من طريقه وامتنع من الملاقاة مع الملكة التي كانت في انتظاره، ووقع القبض على المتعدي وبعد البحث عنه ألفي جنرالا متقاعدًا مختل العقل اسمه (يكل فونتينس) وفي الحين حكم عليه من المحكمة ببقائه طول حياته محجرا في المارستان. ثم قدم على السفير كثير من المستعطفين ما بين وزراء وكبراء وألح عليه في الاستعطاف غاية طبيب السلطان المقدس مولانا الحسن (روبيلو) والترجمان بسفارة إسبانيا بطنجة (منويل سيبدرا) واعتذروا له وأظهروا تحسرهم على ذلك الواقع الفظيع، ولم يزالوا معه حتى لأن وتوجه معهم للقصر الملوكي. ولما وصله أبي أن يدخل لملاقاة الملكة حالة كون شرفه ممسوسا فخرج إليه صديق وداده رئيس الوزارة الصنيور (ساقاسطا) والجنرال (مارتينس) وأقنعوه بما يرضي دولته ويحفظ شرفه فساعدهم إذ ذاك على ذلك، وتقدم لغرفة استقبال الملكة ولما دخلها أجملت الملكة استقباله فوق العادة جبرًا لخاطره، ومن غريب ما يذكر في ملاقاته هذه أن الملكة نزلت عن كرسيها وصافحته وهي قائلة: (يا سعادة السفير أتأسف من صميم فؤادي على التعدي الذي وقع عليك وإني أشعر بألم تلك اللطمة داخل قلبي). ولما تم الاقتبال على أحسن حال ورجع السفير لمحل نزوله تواردت عليه الوفود من المجامع وإدارات الجرائد وزاره كل الوزراء مطيبين لخاطره ورجع الذين

كانوا ينظرونه شزرًا من أخص المتأسفين، وقامت جملة الجرائد وأندية الشعب والأحزاب الساسية ومجلس الأمة ضد ما وقع من التعدي الشنيِع فلم يسع السفير المذكور إلا أن أبْرَقَ إلى جلالة السلطان مرسله بواسطة النائب أبي عبد الله محمَّد الطريس بما لفظه: إن ما يصلكم من التعدي على هو شيء لا أهمية له ولا يمس عاطفة الوداد الإسباني المغربي، ولا يرى جنابكم العالي إلا ما يسره فتقرر بمجلس النواب وشُورَى الوزراء أنه من شرف إسبانيا واللائق بنخوتها جبر خاطر السفير والاحتفال به كما يجب، وهكذا انقلبت لهجة الأمة كلها فكان لهذه الحادثة أثر عظيم في تعديل العقد المراكشي الممضي من الدولتين في 24 أفريل ومن أهم تعديلاته إسقاط 1,400,000 ريال (دوروس) من 2,300,000 التي كانت مقررة به، وبعد أن كان سيدفع بكيفية خاصة تعدل دفع المقدار في ستة أشهر الموالية للتعديل وعلى ما قرره مؤرخو الإسبان وصرحوا به في عدة مواضع أن دولة المغرب نجحت في هذه السفارة نجاحا لم يتقدم له مثيل. ثم بعد هذا عينت له بأَخَرَةِ خصوصية تحمله لطنجة زيادة في إرضائه وتكرمته، ولما وصل طنجة ورجعت الباخرة غرقت بما فيها على مقربة من طنجة. ولما رجع من مدريد رفع نتائج أعماله للمترجم فاستحسنها واستعظمها وأجازه باسم السلطان بخمسين ألف ريال (خمسمائة ألف فرنك) وسماه نائبا في جمعية السفراء بطنجة لسن قوانين إدخال الإصلاحات للمملكة، ولم يزل على وظيفه هذا إلى أن ختمت أنفاسه يوم الجمعة عاشر محرم عام 1315 موافق يوليو سنة 1878. استخلاصه طرفاية من الإِنجليز: وفي ثاني وعشري قعدة العام أوفد عن إذن السلطان لطرفاية صاحبنا الفقيه الميقاتي الحيسوبي السيد العلمي بن أحمد بن رحال بصفة كونه ميقاتيا والحسين بن خلوق الأودي بصفة كونه مهندسا، وإدريس بن

عبد الجليل خليفة باشا فاس إذ ذاك بصفة كونه أمينا، والعدل السيد العباس التطواني آل أبي عبد الله ابن مرزوق دفين أصيلا، والنجار الطالب الحسين المباركي، والبناء الحاج موسى مارسيل الرباطي، والحاج محمَّد زنيبر السلوي الطبجي، والرئيس البحري وخمسة وعشرين عسكريا بقصد حيازة المرسى التي كان أحدثها الإِنجليز بطرفاية افتياتا وتمكينه مما كان صرفه على بناء ذلك المحل. وذلك دار بوسط البحر محمولة على الأزهرية وهي على هيئة فندق بالفوقي والسفلي وبها هريان عظيمان لخزن البارود والقرطوس، وبسطح الدارستة مدافع وقصبة مربعة بها دور ثلاث إحداها كبيرة شبيهة بالمرسى المذكورة معدة لسكني رئيس تلك المرسى، والثانية صغيرة كان يسكنها البشير بن بيروك الودنوني، والثالثة يعمرها العسكر على هيئة قشلة إلا أنها بدون فوقي وبوسط القصبة خيام بعض العرب يدعون الأفيكات. والسبب الوحيد في مد أعناق الأجانب للبناء بذلك الشاطئ هو بيروك الودنوني التكني والد البشير المذكور, وكان ذلك في دولة سيدنا الجد السلطان أبي زيد عبد الرحمن بن هشام حسبما وقفت على التصريح بذلك في ظهير أصدره السلطان سيدي محمَّد لصنوه المولى العباس ودونك لفظه: الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا ومولانا محمَّد وآله وصحبه وسلم تسليما ثم الطابع الفخم بداخله محمَّد بن عبد الرحمن الله وليّه. "أخانا الأعز الأرضى مولاي العباس حفظك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد: فإن بيروك التكني كان على عهد سيدنا ومولانا قدسه الله تواطأ مع بعض النصارى على البناء بشاطئ أرضهم، فبلغ خبره لمولانا فوجه له نور الله ضريحه من ذكره وحلفه في المصحف الكريم على أن لا يعود لذلك. ولا يسلك مع الكفار تلك المسالك، وظهر منه من التوبة ما أوجب اعتباره ومراعاته

عند سيدنا ونفذ له دارا بالصويرة، وكان محررا من الإعطاء على سلعه التي ترد على الثغر الصويري تأليفا له، وبقي على ذلك إلى أن لقي الله تعالى. ثم خلفه من أولاده خلف أضاعوا تلك الوصايا، وأرادوا أن يعرضوا بلاد المسلمين للرزايا، ويبيعوا دينهم بدنياهم، فتواطئوا مع النصارى جنس الصبليون على البناء هنالك، فسمعت تلك القبائل المجاورة لهم بذلك واتفقت على قتالهم إن لم يرجعوا عن غيهم. ولا يخفى ما يترتب على ذلك من الفتن والأهوال واتساع دائرة القتال، وعليه فيتعين الكلام مع الصبليول في هذا الأمر الذي يجر إلى ما لا يليق ليرجعوا عنه إن بدءوك بالكلام فيه وإلا فلا، ومن المعلوم أن أهل تلك البلاد من جملة رعيتنا وإيالتنا، فليس لأحد منهمَ أن يفعل في شبر منها ما شاء ولا تسلمها تلك القبائل ولو أفناهم القتال عن آخرهم، ومرادنا أن تبقي هذا الأمر مكتوما حتى يبدأك به الصبليول، فإن بدءوك به فتجد عندك ما تقول لهم وتردهم به، وها كتاب المرابط السيد الحسين الأليغي يصلك فطالعه لتعلم ما ذكر فيه، وإن ذكروا لك أن أهل تلك الجهة هم الطالبون لذلك والراغبون فيه فأجبهم بأن الأمر بخلاف ذلك وبأن قبائل تلك النواحي رمت ولد بيروك عن قوس واحدة، وليس معه أحد فيما رام فعله، واذكر لهم في ذلك ما يليق أن يذكر، وإن لم يذكروا لك شيئًا فلا تذكر لهم شيئًا، ونسأل الله أن يرد كيده في نحره وقد أخبر خديمنا الطالب عبد الله أبهي بمثل ما أخبر به المرابط المذكور، ونسأل الله أن يعجل بهلاكه آمين والسلام في 11 من ربيع الأول عام 11278 هـ. من أصله بلفظه. وأدى السلطان في استرجاع ذلك ابرات 50000 خمسين ألف حيزت من طنجة بعد أن كانوا طلبوا ريال 10000 عشرة آلاف وقديما قيل إن للتأخير آفة ووقع الاتفاق على ذلك بشروط نصها:

"الحمد لله وقع الاتفاق بين الواضعين اسمهما عقب تاريخه وهما الفقيه الوزير الأعظم الأجل المبجل السيد أحمد بن الفقيه الوزير المنعم السيد موسى بن أحمد والكبلير المنيسطر (ارنيط ماسن ساطوا) على الشروط الخمسة التي ستذكر أسفله في شأن شراء المخزن لزينة البناء الذي للكبانية النجلزية المسماه (نرف وست افرك) بالمحل المعروف بالطرفايا الكائن ببلاد قبيلة تكنة. (الشرط الأول) إذا اشترى المخزن زينة المحل المذكور من الكبانية المذكورة لا يبقى كلام لأحد في الأراضي التي من وادي درعة إلى رأس بوخادورا المعروف بالطرفايا المذكورة، وكذلك فيما فوق هذا المحل من الأراضي لكون ذلك كله من حساب أرض المغرب. (الشرط الثاني) المخزن يعطي الكلمة لمخزن النجليز أنه لا يعطي شيئًا من الأراضي المذكورة أعلاه لأجنبي إلا بموافقة مخزن النجليز. (الشرط الثالث) إذا اشترى المخزن زينة البناء الذي بالمحل المذكور أعلاه من الكبانية المذكورة أعلاه يكون شراؤه لذلك عاما شاملا لزينة البناء حجراً أو خشبا الذي بالبحر والذي بالبر، كما يكون شاملا أيضًا شراء المخزن لذلك لجميع ما اشتمل عليه جميع البناء المذكور الذي في البر والذي في البحر من مدافع وغيرها، ولا يبقى كلام لأحد في ذلك ولا في قلب الأراضي، والثمن الذي يعطيه المخزن في ذلك للكبانية المذكورة قدره خمسون ألف ابره نصفها معجلا عند عقد هذه الشروط، والنصف الآخر مؤجلا عند حيازة المخزن للمحل المذكور من الكبانية المذكورة. (الشرط الرابع) مخزن المغرب إذا حاز المحل المذكور من الكبانية المذكورة بالشراء يبقيه مفتوحا للبيع والشراء والمخزن لا يبني فيه من بيت ماله دورا ولا خزائن للتجار لسكناهم ولوضع سلعهم، ولا يجعل فيه فلائك للوسق والوضع إلا

إذا اقتضى نظره الشريف جعل ذلك وقت ما شاء، وتكون أعشار السلع الداخلة له والخارجة منه مثل أعشارها بمراسي الكوشطة. (الشرط الخامس) من أراد من التجار الإتيان بسلعته للمحل المذكور وأتي بكتاب من باشدور جنسه يعطيه المخزن طرفا من الأرض بذلك المحل بالكراء عن مدة من عشرين عاما وحيث تنصرم يصير للمخزن". وكتب وزير الخارجية قبل ذلك لباشدور النجليز بما لفظه: "الحمد لله: لمحل العاقل الناصح الساعي في الخير بين الدولتين المحبتين منيسطر دولة (كريت ابريطن وانبريز) الهند الفخيمة الكبلير فلان، بعد مزيد السلام فقد انهينا لحضرة سيدنا العالية بالله ما تطلبه الكبانية الإِنجليزية من أداء خمسين ألف ابرة في الخسارة الواقعة لها في تعاطيها التجارة بالطرفايا بسبب تعرض ولاة المخزن لها في تجارتها، ووقوع التعطيل لها فأمرتني الحضرة الشريفة أن نجيبك بأنها قبلت أداء الخمسين ألف ابرة المذكورة للكبانية من قبل ذلك مقسطة على خمس سنين، بحيث تدفع للكبانية خمس العدد المذكور كل سنة وهو عشرة آلاف ابرة وتبقى قصبة نزول الكبانية بالطرفايا موقوفة كما كانت قبل وختم في 10 رجب عام 1308 محمَّد بن محمَّد غريط لطف الله به. ثم كتب تحت الشروط المذكورة يطلب من الباشدور المذكور ما لفظه: "وبعد فقد أطلعت شريف علم مولانا نصره الله بالشروط الخمسة المرقومة أعلاه الواقع الاتفاق بيننا وبينك عليها في شأن حضرته الشريفة زينة المحل المذكور أعلاه، فسلمها أيده الله وأمضاها كما سلم أيضًا شراء تلك الزينة لحضرته العالية بالله من الكبانية المذكورة أعلاه، بالخمسين ألف ابرة نصفها معجلا ونصفها عند حيازة المخزن للمحل المذكور، وذلك بعد مضي ستة أشهر ولها شهر شوال

وآخرها شهر ربيع الأول الآتيان، وأمرني نصره الله بالكتابة لك بهذا وبأن المخزن له أن يوجه للمحل المذكور من الآن قبل أن يحوزه أناسا من قبله وحيث يريد توجيههم يعلمك لتمكنهم من كتابك لمن هناك من النجليزيين بقبولهم وختم في 16 من رمضان عام 1312". وكان ذهاب هذا الوفد المذكورة أفراده في البابور المسمى بـ "التريكني" الذي كان اشتراه السلطان مولاي عبد العزيز ونفذت للوفد الكساوي بالصويرة. وكان وصولهم لطرفاية زوال يوم 10 محرم فاتح 1313 فوجدوا الباخرة الإِنجليزية في انتظارهم حاملة سائر ما كان لهم من القوة بتلك المرسى، وبمجرد ما أرسى البابور في المرسى جاءتهم الساندة حاملة كبراء تلك المرسى الذين بيدهم الحل والربط من الدولة الإنجليزية فيما يرجع لذلك ثم توجهوا بالمكلفين الذين جاءوا من قبل السلطان للمرسى المذكورة بقصد تسليم البناء المحدث جميعه ودفع مفاتيحه، ولم يتركوا لهم من الشئون الحربية عدا المدافع والبارود والقرطوس ومركبا دقاوء، أي كبيرا وبعض المؤن وسافروا حينا لبلادهم. وبقي الوفد المخزني بتلك المرسى ومكثوا هنالك نحو السنة وكانت المئونة تأتيهم من الصويرة على رأس كل ثلاثة أشهر. ولما استقر بهم النوى وجه لهم الشيخ ماء العينين ولده أبا عبد الله السيادة وهو أكبر أولاده إذ ذاك وفي معيته صهره على ابنته الشيخ الأمجد وحفيده السيد المحفوظ في لفيف من الأتباع يهنيهم بسلامة القدوم ويستقدمهم عليه ووجه إبلا تحملهم إليه. وكان وصول هذا الوفد إليهم صبيحة الاثنين 22 محرم وأقام مع الوفد السلطاني أياما خمسة ثم لبوا دعوته، وكان نهوضهم يوم السبت 27 محرم، ووصلوا لخيام الشيخ المذكور يوم الجمعة ثالث صفر وكانت المسافة التي قطعوها في

الوصول إليه ستة أيام كاملة، ومحل نزوله يسمى ذي النبط من ناحية الساقية الحمراء، فأكرم وفادتهم ونحر لهم ناقة هائلة على عادة الكرام، وكان جل ما يقدمه إليهم من الطعام النوع المعروف بالشعرية، وحضروا صلاة العصر مع الشيخ، ولما فرغوا من الصلاة قام بعض تلامذة الشيخ وهو العلامة الأديب السيد إبراهيم بن محمَّد البواري حول زرب المسجد وأنشد: أهلا بهم من خمسة أعلام ... بل خمسة كقواعد الإِسلام رسل الأمير ابن الأمير إمامنا ... عبد العزيز ابن العزيز الإمام من خصه المولى بأعلى رتبة ... تلك الخلافة رحمة الأنام لازال مخصوصا بكل فضيلة ... إذ خصنا بأئمة الأقوام هم خنصر مع بنصر وسطاهم ... سبابة كبراهم الإبهام يده إلينا مدها مبسوطة ... بمواهب مشكورة الإنعام لا تنس أن تذكرهم وسراتهم ... أعني ثلاثة سادة خدام ولأنتم من عند شيخ فاضل ... ماء العيون المصطفى بمقام ساقي الورى ساقية الحمرا متى ... عز الوري أسقاء ضيف ظام وكانت مبارحتهم لمحل الشيخ يوم الثلاثاء سابع عشر الشهر المذكور على غير الطريق الذي ذهبوا عليها، حيث إن الشيخ أخبرهم أنه مأذون من قبل الأمير بذلك والبلاد كلها رمال تجد اليوم جبالا منها فإذا هبت الريح نسفتها نسفا ونقلتها لموضع آخر. وطرفاية هذه هي آخر حجرة المغرب، وسميت طرفاية بذلك لوجود أشجار ثلاثة من الطرفاء بها وهي بلسان الروم (دكاب جوبي) عرضها 28 وطولها 12

ثورة الرحمانة بزعامة مبارك ابن سليمان

ودقائق 52 على ما حرره رئيس تلك المرسى، وطرفاية معتدلة في سائر الفصول ومهما بعد الإنسان عنها بنحو نصف ساعة يجد حرارة عظيمة. أخبرني صاحبنا ابن رحال أنه كان مسافرا في بعض الأيام وهو راكب جملًا فصارت تنزل عليه نقط في غاية الحر فإذا هي دموع الإبل تحملها الرياح وتلقيها عليهم. وليس بها ماء عَدَا بِئر ملح تأتي للسقي منه القوافل ليلاً، وتسافر به لخيامها، أما الوفد السلطاني فإنه كان يأتيه الماء الكافي من الصويرة، وأهل طرفاية يتخذون أحجارا مثل القصع يملأونها من ذلك الماء الملح فوق آنية أخرى فينزل الماء من تلك الأحجار للآنية فيستحيل عذبا. وكان في نية السلطان أن تبقي تلك المرسى مفتوحة يعمرها التجار وغيرهم وفق ما اقترح الإنجليز، ولذلك وجه النجار والبناء والمهندس ولكن أمر ذلك لم يتم. ثورة الرحمانة بزعامة مبارك ابن سليمان: وفي أواخر ربيع الأول من السنة المذكورة، نهض من فاس لتمهيد نواحي مراكش الذي أضرم نيرانها فساد تلك القبائل على ما يأتي بيانه، ورتب قواد قبائل الحوز بعد أن نظم جيشا عرمرما رأس عليه الشريف سيدي محمَّد الأمراني المترجم فيما يأتي بحول الله، ومعه عمال دكالة وباقي عمال الحوز، وخيموا على الرحامنة وندبوهم للصلح وحذروهم وأنذروهم عقوبة المخزن واشتداد شوكته وخوفوهم سطوته، فلم تنفع تلك المساعي ولم يرفعوا لمقامهم رأْسا واستعظموا عصبيتهم وتمادوا على عيثهم وتمردهم، ولما قربت الجنود المولوية من مراكش اختل أمر تلك المجموع الزائغة وانهزمت، وقد كان السلطان حشد الجيوش والقبائل المغربية برابر وأعرابا بخيلهم ورجلهم وأصحبهم معه.

ولما خيم على الرحامنة بوادي أم الربيع وأحاطت بهم الجيوش السلطانية المشار لها، بعد أن قسمها سبعة ملاحم، عقد عليها للشرفاء وكبراء الجيش كأعمام والد الجلالة العزيزية المولى الأمين، والمولى عبد القادر، والمولى عبد المالك فأوقعوا بالخارجين وقعة شنيعة وجاسوا خلال ديارهم ولم يسعهم غير الرضوخ للطاعة، والدخول فيما دخلت فيه الجماعة، وأدوا المغارم ذات البال، وأَسلموا عددا كثيرا من رؤسائهم أسرى وجه بهم في السلاسل والأغلال للحضرة المكناسية، ورجع عليهم العمال الذين نزعتهم الغوغاء عصبية مبارك بن الطاهر بن سليمان الرحماني -وكان عاملا للسلطان مولاي الحسن على درعة وأعمالها- الذي سعي في الأرض الفساد وخرب مدينة دمنات وغيرها، وشن الغارات على مدينة مراكش وهم غير مرة باقتحامها عنوة، ولولا قيام عاملها القائد (ودة) قيام الأبطال المخلصين ومبالغته في الدفاع عنها جهده وطاقته لخربت وديست سراتها وذوو الحيثيات فيها بالأقدام. وأتي بركن الفساد الزعيم المذكور من زاوية سيدي على بن إبراهيم بتادلا وذلك في رمضان عام 1313 ثلاثة عشر وثلاثمائة وألف وفي معيته ولده الفاطمي وأخوه سليمان فجعل في قفص من حديد وأُحدق به مع حزبه وكاهنهم مَهِيمَر -بفتح الميم وكسر الهاء مشبعة بعدها ميم مفتوحة فراء ساكنة- الحرس المخزني المسمى بالمسخرين، وبسبب ذلك انطفأت نيران البغي والفساد، وانكسرت شوكة أهل العتو والإلحاد، ووظفت عليهم أموال طائلة وعدد عديد من الخيل والسلاح، ودفعوا ذلك عن يد وهم صاغرون، وكان الرجل منهم يأتي بفرسه ومكحلته ويسلم كلا للمكلف بحوزه من قبل المخزن، ويأتي الرجل بنفسه ويسلمها للسجان فيدخله السجن إلى أن ضاق بهم، ففرقوا في سائر السجون المغربية وأكثر ما كانوا بسجن الصويرة. وقد كتب المترجم بنبأ هذا الفتح الباهر لسائر الأمصار والأقطار وكان من

[صورة] الخليفة مولاي الأمين في قضية غوغاء الرحامنة

جملة من كتب له بذلك ابن عمنا النقيب قبلي مولاي زيدان ودونك لفظ الكتاب بعد الحمدلة والصلاة: محبنا الأعز الأرضي نقيب الشرقاء، مولاي زيدان، أمنك الله وسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله، وبعد: فموجبه إعلامكم بأن سيدنا المنصور بالله لما نهض من الرباط، في عز وظفر وانبساط، مر بمحلته المنصورة السعيدة في جيوشه وعساكره الموفرة ذات الأعداد العديدة، على قبيلة الشاوية فوجدهم بفضل الله على غاية من الاستقامة مبتهجين بطلعته السعيدة ومن ببلادهم في عز كامل، وحفظ شامل، إلى أن خيم بعين كيسر من بلاد أولاد ابن داود وأقام هنالك مدة في استنشاق أخبار فساد الرحامنة ورئيسهم النحيس بن النجس, فلم تكن إلا مدة يسيرة حتى صار قوادهم القدماء يأتون للحضرة الشريفة ويتلاحق بهم أهل الصلاح الباطني منهم متبرئين من سعيهم في الفساد ومصرحين بأنهم كانوا مجبورين عليه من الفاسد الكبير وشيعته، ومعلنين بالتوبة والإنابة. وهنالك كانت الأخبار تتوارد بأن المرجفين لا زالوا يستحلون قدوم الجناب الشريف للحور وينكرون ذلك ويحسبونه عظيما وهو عند الله هين، وبإثر ذلك نهض أعزه الله في جيوشه السعيدة ونزل بمحلته المنصورة على ضفة وادي أُم الربيع، في زي بديع، ومكث هنالك أياما قلائل وأذن للمحلة في العبور وبقي هو دام علاه في الساقة إلى أن تكامل العبور، وعبر هو بعدهم في جنده الداخلي وخيم على الضفة الأخرى بتراب الرحامنة، فغشيهم من اليم ما غشيهم, وسقط في يدهم ما كانوا يدبرونه، ولم يسعهم إلا إعطاء يد الانقياد والقدوم للمحلة السعيدة خاضعين متذللين تائبين مصحوبين بالمشايخ والمتجالات والذبائح والعارات، ملتزمين بكل ما يؤمرون به ويشترط عليهم، ولا غرض لهم إلا في الإبقاء على أنفسهم، فوظف عليهم نصره الله أربعمائة ألف ريال وعشرين ألف

ريال وألفا من الخيل بسروجها وعدتها وألفين من العسكر، فالتزموا ذلك وشرعوا حينا في الدفع، ولم تكن إلا مدة يسيرة حتى أكملوا الخيل والعسكر وجل المال، ولم يبق منه إلا البعض ولا زالوا يدفعون، وفي أثناء هذه الإقامة أمكن الله من الفاسد الغوات الدمناتي الذي كان حامل راية فساد النحيس بن النجس وأتي به فطيف به في المحلة السعيدة على حمار وصفد وسجن. وبعده أُتي بسالم الرحماني كاتب الفاسد المذكور فألحق بالغوات في السجن، وكانا كالبشيرين بحصول رفيقهما الفاسد الكبير، فلم تكن إلا مدة يسيرة حتى أمكن الله منه كذلك، وأتي به للمحلة السعيدة مصفدا ذليلا حقيرا، فعاينه سيدنا المنصور بالله، وجمع عليه كبراء الجيوش والعساكر السعيدة وأعيان الحضرة وقواد القبائل، فعاينوه على هذه الحالة المقررة، ثم أُركب على جمل أعرج وطيف به في المحلة السعيدة عاري الرأس والصفع في قفاه وسخط الله ينزل عليه من كل ناحية حتى كاد أن يموت من العذاب، ثم صفد من يده ورجله وعنقه وسجن في قفص من حديد كالخنزير أو الكلب العقور. ولا زال أيده الله ينظر في أمره بعد أن جمع القضاة والعلماء على نازلته وحكموا عليه بما حكم به الشرع في المحاربين، وسجلوا الحكم ولم يبق من فضل الله وسعادة مولانا المنصور بالله من يشار إليه بفساد في الحور أصلًا فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين، وحتى رفيقهم دحان الصنهاجي السرغيني الذي كان معهم على الضلال ساقته العناية قبلهم في خفارة ولد سيدي ابن داود تائبا خاضعا متذللا، فاقتضت المصلحة تأمينه لظهور أدلة صدق توبته، وولاه سيدنا نصره الله على إخوانه، وهو الآن على غاية من الاستقامة، وأعلمناكم بهذا على سبيل الإجمال والتعجيل، ريثما ترد المكاتب الشريفة بتفصيله لما نعلمه من تشوفكم لأخبار ذلك، ولتسروا بحقيقة الواقع، ولم يبق إن شاء الله

ثورة الأعشاش

إلا دخول سيدنا أعزه الله لحضرته الشريفة المراكشية رافلا في حلل العز والسعادة والإقبال، بمنة الله الكبير المتعال، وهو المسئول سبحانه أن يحسن في الباقي كالماضي ويجزي الأحوال على ما يراد ويرضى، وعلي المحبة والسلام في 18 شعبان الأبرك عام 1313 أحمد بن موسى بن أحمد لطف الله به. ثم بعد استئصال شأفه العتاة المفسدين دخل المترجم بالمحلة المظفرة للحضرة المراكشية منتصف العشر الأواخر من رمضان عام 1313. ثورة الأعشاش: ثم في فاتح ربيع الثاني عام أربعة عشر نهض لناحية الشاوية لفرقة الأعشاش منها فنزل بساحتهم إلى أن قضى وطره منهم، وألقي القبض على أركان بغيهم واستصفى أموالهم واستولى على ذخائرهم وحز منهم نحو ثلاثمائة رأْس وقبض على خمس عشرة مائة رجل منهم وأودعهم السجون، وبقيت شرذمة متحصنة بالكهوف من أولاد محمَّد فتحا إلى أن هلك أكثرهم جوعا: ثم ارتحلت المحال عنهم فرجع أهل الغرب لبلادهم يرأسهم سيدي محمَّد الأمراني وأهل الحوز رجعوا في معية المولى الأمين بن عبد الرحمن بن هشام، وصاحب الترجمة إلى مراكش، وكان نزول هذه المحال بالمحل المعروف بصخرة الدجاجة وأودع الثائر الفتان المذكور سجن مصباح، ولم يزل به إلى أن لقي ربه. قصوره وجنّاته: ثم لما خلا الجو للمترجم وطأطأت له الرءوس العتاة وتمهدت له البلاد، واستبعد سراة العباد، وجبيت له الأموال الطائلة وامتص العمال دام الرعية صرف همته لتشييد القصور وغرس الجنات بفاس ومكناس ومراكش، وأنشأ بمراكش جنانا متسع الأكناف سماه (أجدال) وغرسه بأنواع الأشجار والأزهار، وأنبع له عينا

عبقريته السياسية

خاصة به وعمل صهريجا يجتمع فيه الماء للسقي منه، ولا زال قائم العين إلى الحين الحالي، ومن قصوره المدهشة بمراكش (قصر الباهية) المعد اليوم اسكني المقيم العام بالديار المغربية. عبقريته السياسية: وبالجملة فقد كان المترجم في الدهاء آية، وفي السياسة بحرًا ليس له من غاية، علم الخاص والعام رسوخ قدمه في التثبت والمهارة في تدبير الشئون الملوكية، ولا غرابة في ذلك إذ ليس لغيره من معاصريه ما له من الاطلاع على النواميس الملوكية والخبرة بسرائرهها وسرها تغذي بلبان ذلك من ثدي أبويه وجده، وشب في ذلك وشاب، وقد ساعده السعد فاشرأبت له الأعناق، وطأطأت له الرءوس، وخضع لسطوته المشروف والشريف، وامتلأت قلوب الحواضر والبوادي مهابة منه ورعيا, ولم يبق ناه ولا آمر سواه، واستولى بسبب ذلك على نفيس الذخائر الملوكية ولكنه صانها أي صون. أمانته: أخبرني صديقنا العدل الرضي السيد العلمي بن أحمد بن رحال وقد كان من جملة خاصة الملازمين لبابه المطلعين على حركاته وسكناته البيتية العالمين بتفاصيل خزائنه وذخائره أن المترجم لما حانت وفاته أمر صاحبه الخصوصي الطالب حمان بن عبد العزيز المكناسي أحد أصحاب الفراش السلطاني، أن يحمل بعد موته جميع ما بداره من الأموال السلطانية والذخائر الملوكية ويذهب به للقصور المولوية، ويحضر معه الوصيف ابن يدر أحد أصحاب الوضوء، إذ كان هو الواسطة في نقل تلك الأموال والذخائر من القصور السلطانية إلى القصور الوزيرية. وأن مفاتيح الصناديق الحاوية لتلك الذخائر النفيسة الغالية كان المترجم سلمها للسلطان مولاي عبد العزيز لما أحس بعضال دائه وأيقن بمبارحة دار الفناء.

كما أخبرني بعض العدول بأن الطالب حمان المذكور أظلعه على كناش إحصاء الأموال السلطانية التي كانت مصونة بدار المترجم وطلعت للدار السلطانية مختوم ذلك الكناش بخط صاحب الترجمة وأن ذلك القدر هو الذي دخل عليه للجناب السلطاني العالي من العمال وغيرهم. وقد تفرقت تلك الأموال شذر مذر، ولم ينفع حذر من قدر، انتهبها الخائنون وبذروها في شهواتهم وحرم منها المستحقون، وكان ما كان مما لست أذكره وما مكث السلطان بفاس، حتى أصيبت المالية بداء الإفلاس، قضت الظروف، بالافتراض من الدول للوازم المصروف، وما قدر على الجبين، يستوفى ولو بعد حين. وابن عبد العزيز المذكور هو الذي صار خليفة لحاجب الدولة العزيزية أبي العباس أحمد الركينة ثم صار في الدولة الحفيظية أمين الصائر على الدار السلطانية بالحضرة المكناسية وأمين مستفادات أسواقها، ثم انفرد بأمانة الصائر فقط أوائل المخزنية الدولة اليوسفية. ثم إن المترجم لما صفا له الجو وتم له الاستبداد رشح سائر إخوته للوظائف المخزنية الهامة كالحجابة لإدريس، ووزارة الحرب لسعيد، واستأثر بالسلطة الاستبدادية التي كانت عاقبتها خراب بيته وبيوت عائلته والمغرب أجمع. وفاته: توفي بمراكش سابع عشر المحرم عام ثمانية عشر وثلاثمائة وألف، وحضر السلطان فمن دونه جنازته، ودفن داخل قبة ضريح جد العائلة الملوكية المولى على الشريف حذاء ضريح القاضي عياض رحم الله الجميع ورضي عنهم وعنا بهم آمين.

متخلفه وما وقع فيه

وقد رمز لتاريخ وفاته الأديب الشهير أبو العباس أحمد بن المواز رئيس الاستئناف العالي أخيرا بقوله: قضى ابن موسى وزير الملك أحمد من ... تبقي مآثره في السن الزمن وسط المحرم من عام يؤرخه ... فالخير زف له من واهب المنن متخلفه وما وقع فيه: ولما لبي داعي مولاه أمر السلطان بحيازة جميع متخلفه عقارا وغيره لبيت مال المسلمين، وقفت على عدة ظهائر سلطانية أصدرت لأمناء الصائر بكل مدينة من مدن الإيالة ببيع أصوله، منها ظهيران لأمناء دار عديل بفاس دونك نص أولهما بعد الحمدلة والصلاة والطابع الشريف: خدامنا الأرضين أمناء الصائر السعيد بدار عديل المعفيين والجدد والمكلفين معهم ببيع الأملاك المتخلفة عن كاتبنا الطالب أحمد بن موسى وفقكم الله، وسلام عليكم ورحمة الله، وبعد: فقد وصل كتابكم صحبة تقييد بيان أملاك المذكور التي بخارج المدينة وعلى من وقفت عليه بالسمسرة والثمن الذي وقفت به وصار بالبال، فنأمركم ببيع جميعها لمن وقفت عليه على الضابط في ذلك بعد حيازة جميع الثمن ممن نزلت عليه من غير تأخير شيء منه، ومن عجز عن أداء شيء منها حالا أمضوها لغيره الذي يعجل جميعه، وأشهدوا البيع للمشترين لها نيابة عن جنابنا العالي بالله والسلام، في 7 محرم الحرام فاتح عام 1320. ونص الثاني بعد الحمدلة والصلاة والطابع: نأمر خدامنا الأرضين أُمناء صائرنا السعيد بدار عديل أن يمضوا البيع في أملاك كاتبنا الطالب أحمد بن موسى لمن وقفت عليه في السمسرة بالثمن الذي بينتم، كما نأمركم أن تشهدوا البيع في كل منها لمشتريه على الوجه الشرعي بعد

حيازتكم ثمنه منه نيابة عن جانبنا العالي بالله والسلام في 16 صفر الخير عام 1320 هـ. ومع الأسف فقد مدت في ذلك أيدي الخائنين، وتفرق شَذَرَ مَذَرَ، ولم يصل للمخزن من أمتعته المبيعة بأسواق المدن بعد سمسرتها إلا النزر اليسير، كما مدت أيدي النهب والاختلاس في أموال وأمتعة غيره ممن صدر الأمر بحيارة أموالهم لبيت المال كابن العلام قائد المشور السابق الذكر والفشار، ولم يقع الاقتصار على أخذ أموال من ذكر من المستخدمين وضمها لبيت المال، بل مدت اليد العادية في كل من له أدنى علقة واتصال بهما من الأقارب والأباعد، وكل من لباشا ذلك الوقت فيه شهوة وغرض بدعوى أن المذكورين أمنا عندهم من أموالهما وأمتعتهما فأخفوها، وبسبب ذلك توصل لغصب أموال كثير من الناس، ولم يقدر أحد من المنهوبين على النطق ببنت شفة فيما أصابه خوفا على نفسه من بطش ذلك الباشا المستبد المظلوم. ولما تفاحش ذلك وبلغ للجلالة العزيزية أمر الأمين السيد الحاج محمَّد بن عبد السلام المقري الذي هو الصدر الأعظم الآن بالبحث عنه والإعلام بحقيقة الواقع فيه، فأجاب بعد البحث بأن جميع ما بلغ لشريف العلم صحيح، وأن دخوله على تلك الدور يكون أولًا من غير الأمناء المكلفين معه ليستبد بما شاء من مال ومتمول، ثم يدخل ثانيا مع الأمناء والعدول أو يوجه من ينوب عنه وأن ضرره قد عم أهل البلَد ولم يقدر أحد منهم على رفع الشكاية به للحضرة السلطانية، وأن الفشار له الاطلاع التام على ما كان بدار ابن العلام وبسؤاله يظهر ما استبد به ذلك المستبد لنفسه وخان فيه السلطان، ثم تبرع المسئول المذكور بطلب إراحة أهل البلد من جوره وتفاحش ضرره بعزله عنهم حسبما ذلك مبسوط في جوابه بخط يده وهو بتاريخ 12 ربيع الثاني عام 1319.

اختلال الأحوال بعده

اختلال الأحوال بعده: وبموت صاحب الترجمة حدثت حوادث وفظائع يشيب لها الرضيع ووقع الدخيل في الدولة واختل النظام وفسدت الأحوال، وتراكمت الأهوال، وتنمرت الذئاب، وفرزنت البيادق، واتسع الخرق على الراتق. ولما استحكمت الفوضى وأشرفت الأمور على الانحلال وانتشرت الحمايات بالإيالة المغربية أي انتشار، وكثر تشكي الدولة الفرنسية من مسألة الحدود الجزائرية، وجدت الدول ذات المصالح بالمغرب السبيل للإلحاح في طلب الإصلاح، واقترحت على الدولة المغربية بفارغ صبر النظام ونصب ميزان العدل وفتح الطرقات بين العواصم لتسهيل المواصلات، وكانت الحكومة بينة العجز عن تنفيذ ذلك كله مع عدم إمكان تأجيله لوقت آخر. فعند ذلك ظهر للسلطان أن دعا لفاس جماعة من أعيان مدن المغرب الكبرى كمكناس ومراكش ورباط الفتح وسلا وطنجة وتطوان فأقاموا بحضرته بفاس كنواب الأمة يترددون كل صباح ومساء على أبواب القصور السلطانية حيث مجلس الوزراء، لأجل المفاوضة في الشئون الكبرى التي أحاطت بالبلاد، فكانت هذه الجماعة لا يحسن أعضاؤها سؤالا ولا يفقهون جوابا وإذا استشيروا أجابوا بقولهم الخير فيما اختاره سيدنا السلطان، فكان وجودهم وعدمهم على حد السواء، وقد أنفقت عليهم الخزينة أموالا طائلة. بعث السفارات لأوروبا ونتائج ذلك: ولما وقف تداخل الدول عند هذا الحد، وكانت قضية الاستيلاء على قصور توات قريبة العهد قرر رجال الدولة توجيه سفراء مندوبين لعواصم أوروبا لطلب النصير من الدول العظام مثل فرنسا وإنجلترا وألمانيا عن كيفية بث النظام.

[صورة] سفارة وزير الحربية سابقا السيد المهدي المنبهي لإنجلترا -الجلوس من اليمين المنبهي المذكور وعن يمينه قائد بعثة الحرابة الإنجليز القائد مكلين الواق من اليمين مستشار السفارة باشا الرباط الحالي السيد عبد الرحمن بركاش

فانتدب زعيم الدولة إذ ذاك ووزير حربيتها المهدي بن العربي المنبهي للذهاب إلى إنكلترا، وعين خليفة له ومستشارا لديه السيد عبد الرحمن بركاش باشا الرباط الآن، والسيد الزبير سكيرج ترجمانا، والسيد محمَّد بوستة كاتبا. ولما وصلت هذه السفارة للوندرة أقامت بها نحو شهر وفي تلك المدة عقدت شروطا رسمية تحتوي على أربعة فصول: الأول: بناء القناطر وإصلاح ما تلاشى منها بسائر الإيالة المغربية. الثاني: تشييد المنارات بالمراسي المغربية لعموم النفع بها. الثالث: تسريح وسن الحبوب بحرًا من مرسى إلى مرسى. الرابع: وسن البطاطا والخضر بأسرها من مرسى طنجة إلى مراسي الأجانب من حيث هي. وهذه هي الشروط الرسمية، وهناك شروط ومعاهدات سرية التزم رئيس السفارة للدولة البريطانية بالوفاء بها على ما قيل. وانتدب السيد عبد الكريم بن سليمان وزير الخارجية سفيرا لفرنسا وروسيا وألمانيا وبمعيته أبو عبد الله محمَّد فتحا الجباص الوزير الصدر سابقا، والأمين بناصر غنام كاهية النائب السلطاني بطنجة الحاج محمَّد الطريس التطواني. ولما اجتمع السفير بأعيان الدولة الفرنسية وعرض رغائب الدولة المغربية أجيب عن ذلك بما حقق لديه أن ما ألصقه بعض الدول بجانبها وقرره في شأنها محض افتراء وزور، وأنه لا داعي إليه سوى إرادة إيقاد نار الفتن بين الدولتين وتحقق لديه أنه لا تعلق لقضية قصور توات بالسياسة الفرنسية وإنما سبب الاستيلاء عليها ما عولوا عليه من اتصال قطر الإيالة الجزائرية بوطن السودان بالسكك الحديدية، وبعد استيفاء الغرض المقصود من الدولة الفرنسية توجهت السفارة للدولتين المذكورتين.

ثم بعد قضاء الوطر وفق المراد انقلب السفراء بما لديهم من المعلومات وقرروا للسلطان ورجال الدولة ما كان من سفارتهم وما رجعوا به من المقاصد المطلوبة. ثم بإثر ذلك زار إمبراطور ألمانيا (غليوم الثاني) مدينة طنجة فأوفد السلطان لمقابلته وتهنئته نيابة عنه سمو عم والده مولاي عبد المالك بن عبد الرحمن بن هشام وبعض الأعيان فاستاء لذلك الإمبراطور المذكور إذ كان اعتقاده أن السلطان يقابله بنفسه، وذلك ما كانت تقتضيه المجاملات السياسية وتوجبه مصلحة المغرب الوطنية، وكان نزوله بطنجة يوم الجمعة الرابع والعشرين من محرم 1323. كما زار قبله ملك الإِنجليز (ادوارد السابع) جبل طارق وذلك بعد زوال يوم الأربعاء تاسع محرم فاتح عام 1321، فأوفد السلطان لمقابلته وتهنئته نيابة عنه باشا فاس القائد عبد الرحمن بن عبد الصادق الريفي، وكانت مقابلة النائب الريفي الملك في عشية اليوم نفسه بدار حاكم مدينة جبل طارق، حيث كان نزول الملك. ومن نتائج سفارة ابن سليمان لفرنسا تعديل مسألة الحدود الجزائرية المغربية، وكان الذي رشح للوقوف على تصفيتها الجباص المذكور بصفة كونه رئيسا والسيد أحمد السعيدي باشا مكناس الحالي معينا أول والسيد محمَّد نجل الجباص المذكور معينا ثانيا، والسيد محمَّد بن عبد الواحد المندوب المخزني بوجدة وباشا الدار البيضاء سابقا كاتبا أول والفقيه السيد محمَّد الهواري قاضي طنجة والعضو الأول بالاستئناف الأعلى سابقا كاتبا ثانيا، والسيد لزبير سكيرج مهندسا واستمر مكثهم في هذه المأمورية من آخر سنة 1318 إلى آخر سنة 1321. وفي الوقت نفسه تخلت الحكومة المغربية عن القبائل الثلاثة: أولاد جرير، وذوي منيع، والقنادسة لعمالة الجزائر لما كانوا يحدثونه ويتسببون فيه من القلاقل والمشاكل مع الرعايا الجزائريين.

[صورة] استقبال الإمبراطور غليوم الثاني بطنجة (1) الخليفة السلطان مولاى عبد المالك بن عبد الرحمن, (2) السيد أحمد بن المواز خليفة الوزير الصدر, (3) مولاى إدريس البوكلي خليفة وزير الخارجية, (4) باشا طنجة حمزة بن هيمة الآسفي, (5) السيد عبد الله بن سعيد السلاوي, (6) السيد الحاج أحمد الطريس خليفتا النائب بطنجة, (7) الباشا عبد الكريم الشركي, (8) سيدي العربي الناصري, (9) السيد الطالب معنين, (10) سيدي محمود القادري, (11) السيد أحمد جفالف, (12) الحاج عبد السلام بن عبد الصادق, (13) السيد محمد غنام, (14) السيد اللبادي, (15) السيد العربي ملين, (16) السيد المهدي التازي ووراءه مولاي أحمد الصابونجي أعضاء دار النيابة وأمناء الديوانة وعدولها.

[صورة] زيارة الإمبراطور غليوم الثاني لطنجة

[صورة] الفتان أبو حمارة الجيلاني الزرهوني

ثورة أبي حمارة

ثم بإثر هذا وقع اتفاق الوزراء على أنه لا يختص واحد منهم بإبرام شيء أو نقضه من كل ما يتعلق بالأمور السياسية والأحكام المخزنية إلا بعد اجتماعهم على ذلك واتفاقهم عليه، وكل من وقع منه استبداد بنقض أو إبرام. تجري عليه العقوبة الصارمة ويطرد من البساط الملوكي، وتعاهدوا على ذلك وتحالفوا، وكل من تولى أمر شيء يحلف يمينا مغلظة بالمصحف الكريم أنه لا يخون فيما أُسند إليه، ومن كان متوليا كذلك يحلف هذه اليمين حتى حلف سائر الموظفين. كما اتفق رأْيهم على إنشاء الترتيب الجاري به العمل الآن فلم يتم أمر ذلك، إذ لم يكن وقع عليه اتفاق جميع الدول الأجنبية. وظهر في قبيلة بني مسارة اختلال وانحراف عن الطاعة، وكذلك قبيلة بني عروس وغيرهما من القبائل الجبلية التي أفضى بها الحال والاشتغال بالمحال إلى أخذ صبي وصبية من أبناء الإسبان بنواحي أصيلا على وجه التعدي، فجهز السلطان جيشا لإرغامهم على الرجوع إلى الطاعة، ورأس عليه الشريف المولى عبد السلام الأمراني وعزره بالآغا (¬1) الحاج على السوسي بمن معه من العساكر، وما بلغوا أمنيتهم من الانتقام من جميعهم حتى طلع طالع نحس الفتان أبي حمارة بتازا. ثورة أبي حمارة: ومن الأحداث العظيمة بعد وفاة المترجم الوزير أحمد بن موسى حادثة قيام الجيلاني الزرهوني المدعو أبا حمارة التي كانت أعظم حادث وأقوى سبب في فاس الدولة ووهن قوتها المادية والأدبية بل فشل ووهن المغرب كله. أصل هذا الفتان المارق من مدشر أولاد يوسف أحد المداشر الشهيرة بجبل زرْهُون، قدم في أول أمره فاسا وانتظم في سلك أعوان القائد عبد الكريم ولد أب ¬

_ (¬1) الآغا: كلمة تركية الأصل، تعنى: الأخ الأكبر، وفي اللغة التركية العثمانية تعنى: سيد ورئيس وقد منح هذا اللقب لكثير من الموظفين وبخاصة العسكريين.

محمَّد الشركي، ثم انتقل للخدمة مع الخليفة اللسلطاني بفاس رفيقنا في الطلب أبي حفص عمر بن السلطان مولانا الحسن، وكان أيا خدمته مع الخليفة المذكور يرافق السيد المهدي بن العربي المنبهي. ولما تولى المنبهي المذكور الخدمة مع صاحب الترجمة لم يزل يتقرب إليه حتى صار من أخص الناس به وأقرب أعوانه إليه لنباهته وحزمه وشدة ملازمته حتى حصل بعد وفاة المترجم على رتبة الوزارة، جاء الفتان المذكور إلى المنبهي زمن وزارته يمت إليه بسابقية التعرف والصحبة فلم يصادف منه قبولا حسنًا، فأقسم إذ ذاك الجيلاني الثائر يمينا ليرجعن أميرا، حيث صار رفيقه المنبهي وزيرا. وخرج من حينه يجوب البلاد في صفة ناسك متقشف يدعو إلى الله ودخل الجزائر وجاب أكنافها وأكثر التردد بين وهران ومعسكر ولقي أبا محمَّد عبد القادر ابن عدة أحد شيوخ الطريق ثَمَّةَ، وذلك بمدينة غيلزان قرب مستغانم، ولازمه مدة فبث له هذا الشيخ من التعاليم ما صيره متأهلا لإيقاد نيران الفتن بالأرض المغربية وذلك عام تسعة عشر وثلاثمائة وألف. وفي عام عشرين دخل وجدة على الصفة المذكورة، وتردد بين قبائل آنكاد وقرر لمن اتبعه ودخل في شبكة تدجيله مقاصده، ثم حل بثغر طنجة متخذا حلية المتصوفة شعارا، والتصنيع بزيهم دثارا، فتظاهر بين بعض بسطاء العقول بالنسك والخشوع، وربما قطع أمامهم ليله بالسجود والركوع، ومتر، قام للرقص معهم اعتراه ذبول وقوله، واصفرار وتدله، وأسمعهم من رقيق الأرجال، ما يطرب سامعه في الحال، وربما نطق بعبارات، كأنه من ذوي الإشارات. ولما عزم على مبارحة طنجة راود من كان يجالس فيها من الخياطين على مصاحبته، ليكون من أعوانه وبطانته، فلم ينخدع الخياط لدعوته، ولم يتابعه في غوايته، فغادرها إلى الموضع الذي اختاره لنشر دعوته، وأظهر النأفف من الحكومة

المخزنية، وأنها ذات خضوع للتمدن الأوربي، واختلق أشياء من هذا القبيل توجب النفرة من الحكومة ورؤسائها فوجد من أولئك الرعاع الساذج آذانا صاغية وقلوبا قابلة لما يبذر فيها من البغض والعداوة للسلطان ورجال دولته. وفي عام واحد وعشرين دخل مدينة فاس يتجسس الأخبار ويتطلع على الأحوال، ولقي بعض من له به معرفة وصداقة فعرفه بأن الملأ يأتمرون به وأن في ظهوره بالمدينة خطرًا، فخرج لقبيلة الحياينة حاملًا على أتان كتبا وأوراقا متلاشية، فصادف بالقبيلة المذكورة موسم أبي عبد الله محمَّد -فتحا- ابن الحسن الجاناتي معمورا بمجموع أعيان القبائل الزناتية من غياثة والتسول والبرانيس وغيرهم، فأخذ ينشر بينهم معايب الدولة ورؤسائها ويحبب لهم الخروج عليها، ورفض طاعة المخزن والسلطان ويرمي الجميع بالعار والشنار ويلصق بهم ما هم برآء منه. فوجد من بسطائهم من اتبعه ونقل أقواله الكاذبة، ونشرها في الآفاق الشاسعة، فصادفت قلوبا خاوية، فتمكنت فيها العداوة والبغضاء للمخزن ورجاله وأصبحوا يسعون جهدهم وطاقتهم في الانتقام من السلطان وأرباب دولته، ويرون أن الخروج عليه وخلع ربقة طاعته من أعناقهم قربة وطاعة لله تعالى وخدمة للدين والوطن، ثم بعد الموسم انتقل لجبل غياثة ونزل على أهل الطاهر منهم. وكان لهذا المعتدي الأثيم معرفة بفنون من السحر أضل بها كثيرا من الغوغاء، وصار يدعي أنه هو المولى محمَّد نجل السلطان المقدس مولانا الحسن وصنو السلطان المولى عبد العزيز، وأنه إنما يتستر باسم غيره خوفا على نفسه ممن استولى على ملك والده واستبد به واستعبد الرعية التي أمر الله السلطان بحمايتها ورعايتها والذب عنها والسعي وراء مصالحها، واشتغل ببيع دينه بدنياه، ومال كل الميل لشهواته ولذاته وتتبع أغراضه الشخصية، وفتح باب كنز زوره وبهتانه، وزعم

أن قسطاس العدل لا يقوم إلا على يده، وأنه قام يطلب ملك أبيه إذ هو أحق به من غيره. وبذلك ازداد مكانة في قلوب الرعاع والذين لا يعلمون، وقوي استيلاؤه على بعض سخفة العقول ومن في قلبه مرض من طاعة المخزن، فالتفت عليه أولا سفهاء تلك القبيلة وبايعوه على نصرة الدين، ولما فشا أمره أهداه بعض أشراف تلك القبائل فرسا من عتاق الخيل وخباء وصار يكثر في كل مجتمع الثناء عليه فاعتز الأعيان بذلك، وتهافتوا عليه، وإذا أراد الله أمرًا هيأ أسبابه. ولما رأى الزنيم إقبال الناس عليه وحصولهم في شبكة تدجيله وشعوذته وتيقن أن أفئدتهم هواء، أخذ عليهم المواثيق والعهود على تعزيزه ونصره وحمايته من كل من يرومه بسوء، فحالفوه على أن لا يخالفوه وأن يضحوا أنفسهم وأموالهم وأولادهم دونه شأن ضعفاء الأحلام سخفة لعقول المتمسكين بأذيال كل دجال أفاك. ولما حصل على ضالته المنشودة من الاستيلاء على عقولهم وتيقن بصلاح ما بذر في قلوب أولئك الأغبياء الأغمار من التمرد عن طاعة المخزن والعداوة والبغضاء له ولسائر أتباعه والمنتمين إليه، وكان من جملة من ركن إليه وقام بدعوته وتسابق إلى الإعلان بنصرته قبيلة غياثة، ولما تمت له البيعة بها تهافت عليه زعماء تلك النواحي من التسول والبرانيس وصنهاجة ومن جاورهم، فطير الإعلام بذلك عاملها وهو إذ ذاك الحاج عبد السلام الزمراني للحضرة السلطانية، وطلب إمداده بقوة عسكرية يبادره بها قبل اضطرام نار فتنته وتفاحش ضرره، فقوبل طلبه بالرفض ولم يرفع لمقاله رأْس، وأُهمل الثائر حتى استفحل أمره ونسلت إليه سماسرة الفتن والمتمردون من كل حدب وصوب.

[صورة] مولاي الكبير نجل السلطان مولانا الحسن رحمه الله

فعند ذلك جهز له السلطان جيشا عرمرما يرأسه صنوه مولاي الكبير ووجه له به، فنزلت المحلة بإزاء عين القدح من بلاد الهبارجة، وما استقر بهم الثوى حتى هجمت عليهم محال الزنيم الفتان صبيحة يوم الثلاثاء وكان من دعاته في سائر حروبه استقبال المحلة التي يروم قتالها يوم الاثنين وابتداءها بالقتال يوم الثلاثاء، كذا أخبرني من حضر جميع معاركه فانهزمت جيوشه أمام الجنود المخزنية هزيمة شنيعة، وأسر منه خمسة أنفار وقطعت سبعة رءوس ووجه بالكل للحضرة السلطانية بفاس. ولما اتصل الخبر بذلك لفاس فرح الناس واستبشروا، وظنوا أن الأمر قد تم، فأصدرت الأوامر لمولاي عبد السلام الأمراني الذي كان نازلا بجيش كثيف ببني مسارة بالإتيان بما معه من الجيوش والتخييم بها مع مولاي الكبير المذكور باوطى بوعبان ونهض السلطان لمراكش. ثم في يوم السبت من رمضان ساقت المحلة لهم مقتفية إثر الفتان بجبل غياثة من ناحية قصبة بني مطير فانهزمت المحال المخزنية هزيمة لم تعهد قبل، ولما علم السلطان بذلك رجع من وجهته ودخل فاسا وعقد لسيدي محمد الأمراني على جيش جرار من العساكر الأبطال، وأمره باللحوق بالمحلة التي هزمت، ثم عقد لعامله عيسى بن عمر العبدي على جيش من المحال الحوزية له بال وألحقه بهم أيضًا، ولما لحقت المحلتان الأخيرتان بالمحلة الأولى اتفق رأْيهم على النهوض من أوطى بوعبان والتخييم على قبيلة التسول، حيث لم يتمحض للمحال المخزنية منهم صداقة ولا عداوة قالوا: إذا نزلنا عليهم نقدمهم أمامنا لقتال الفتان، وبذلك يظهر ما تكن صدورهم فإن قاتلوه ضممناهم إلينا، وإلا ابتدأناهم بالقتال، فنهضوا ونزلوا بمحل يسمي قعدة الأرانيب على رأس وادي اللبن، وكان ذالك يوم الأربعاء، ثم وجهوا للتسول يأتون إليهم مرارا فلم تقع منهم إجابة، فعند ذلك

صممت المحال المخزنية على محاربتهم، ونهضت إليهم يوم السبت، وكانت الحرب بينهم سجالا في ذلك اليوم ثم رجعت المحال لمحل نزولها. وفي عشية يوم الأحد ورد الفتان على التسول وقابل الجند المخزني، ثم أصدر أوامره لقبية الحايينة بمناوشتها القتال مع المحال السلطانية، فإذا ساقت إليه يأتون هم من خلفهم ويحولون بينها وبين الأخبية والأمتعة فيهجم عليهم هو وجنوده، فإذا انهزموا يجدون الحياينة من خلفهم فلا يجدون خلاصا، وإذا كان العكس وتقدموا يقع الطعن والضرب فيهم من ورائهم فيفشلوا وتذهب ريحهم على كلا الأمرين. وفي يوم الاثنين مر المارق الفتان أمام المحال المخزنية كالمتفرج تقاد خلفه تسعة من عتاق الخيل مسرجة فرمتة المحال المخزنية ببعض قنابلها فلم يلتفت لذلك. وفي يوم الثلاثاء بدأت المناوشة بين الجيشين مع الزوال، ثم اشتبك القتال وارتبك ودام إلى غروب الشمس، وكانت الكرة على المحال المخزنية وتشتتت شذر مذر، ودخلت فاسا مهزومة شر هزيمة، جلها حفاة عراة، واستولى الثائر على الأسلحة والخيام والمئونة والدواب، وكان هذا الحادث المحزن في رمضان، ولما دخلوا فاسا على الصفة المذكورة عظم المصاب ووقع أهل الديوان الملوكي في حيص بيص، ثم جهزوا محلة أخرى وأمروها بالتخييم بالمحل المعروف بالمطافي قرب وادي سبو، من قبيلة أولاد جامع، وخيمت أحزاب الفتان على ضفة وادي ايناون بثلاثاء النخيلة، وفي يوم الخميس ساقت إليه المحال المخزنية فانكسرت جموعه وترك جل ما كان أخذ من الحال المخزنية في الهزيمة قبل، وفر نحو عين مديونة، وهجم على المحلة المخزنية التي كانت منتظمة من الشراردة وشراكة فأوقعت به فهرب وترك موتى أحزابه صرعى فريسة للذئاب والغربان

ومن الغد اقتفت المحال أثره بعين مديونة فمزقت جموعه الباغية كل ممزق، وبعد ثلاثة أيام أعادت المحلة السلطانية السوقة لهوارة الحجر فأوقعت بهم وأزاقتهم أليم النكال والنكاد. ثم بعد هذا حشد وزير الحربية المهدي المنبهى جنودًا جرارة تنتظم من القبائل المغربية من أقصى بلاد السوس وتافيلات إلى حضرة فاس وترأسها هو ورئيس المشور القائد إدريس بن يعيش، وتوجها بها لمدينة تازا التي اتخذها الفتان محل كرسي إمارتة، وخطب به على منابرها باسم مولاي محمَّد الحسن، ولما خيمت تلك الجنود المجندة التي تربو على السبعين ألف مقاتل بوادي الحضر هجمت عليها التسول والبرانيس شيعة الفتان ليلاً فردتهم المحال الخزنية ناكصين على الأعقاب، ولما أصبح الصباح اقتفت آثارهم وأخذت منهم المساجين وطردتهم طرد الرعاء للذئاب. ودخل الجنود المخزنية مدينة تازا عنوة وفعلت بالمستضعفين من أهل البلد الأفعال التي تخجل منها المروءة ولا ترضاها الإنسانية، فقد افتضت الأبكار. وهدمت الديار، وذلك في شهر صفر الخير سنة 1321. وكان دخول المنبهي المذكور بجنودة تازا بمساعدة الشيخ أبي هاشم المدني الوركيني السملالي الحسني المعتمد عند أولئك القبائل النافذ الكلمة فيها ولكنه لم يتخذ الاحتياطات اللازمة للخروج بعد الدخول، وفاته أن يسلك، مع المستضعفين من أهل تازا مسلك اللين والمجاملة فكان ما سيمر بك بعضه. ثم بعد دخول تازا رجع المنبهي الذي كان يرأس هذه المحال مع ابن يعيش لفاس والفتان إذ ذاك بوجدة كان قد احتلها بدون قتال في ربيع النبوي عام واحد وعشرين وثلاثمائة وألف حيث إن عاملها كان ملتجئا بمغنية. وذلك أنه لما ظهر أمر أبي حصيرة عبد القادر العتيكي اليزناسني الذي ثار بالمقام -محل بالظهراء- وزعم أنه الولي عبد العزيز السلطان هرب من لوندرة

وحج وجاء يعين أخاه مولاي محمَّد (أبا حمارة) عقد السلطان المزكور لعمه مولاي عرفة على شرذمة وأعطاه مالا ووجهه لتجهيز جيش من العرب وبربر بني يزنانس محافظة على وجدة من أبي حصيرة المذكور. ولما اجتمع الجيش توجه عامل وجدة أحمد بن كروم المكناسي الجبوري به إلى برديل قرب دار البشير ومسعود، وبمجرد ما أقبل عليه أبو حصيرة انهزم ورجع إلى وجدة فحمل منها ما يعز عليه والتجأ إلى مغنية هو ومولاي عرفة فأقبل أبو حمارة من الريف بعد طرده لسيدي محمَّد الأمراني من جنادة وسلوان واحتل وجدة وبويع له بها وخطب به على منابرها باسم مولاي محمَّد وهيأ بها لوازم الإمارة من صيوان ومظلة وأتباع وأرباب الخدمات الخصوصية، وبينما هو يهيئ هذه التراتيب إذ بلغه خبر دخول عسكر المخزن مدينة تازا فسقط في يده. وبينما هو يهيئي أسباب الانقلاب إلى المغرب إذ وصلت لحدود وجدة من طريق الجزائر هيئة من حكومة المخزن مؤلفة من الحاجب أحمد الركينة بصفة كونه رئيسا على تلك المحال المخزنية والقائد عبد الرحمن بن عبد الصادق الريفي بصفة كونه معينا ومستشارا، فنزلوا بمغنية وجعلوا يخابرون رؤساء القبائل وأعيانها ويحبذون إليهم الرجوع عن غيهم، وبسب ما نثروه من الدرهم والدينار أمكنهم استجلاب رؤساء قبائل آنكاد وترجيعهم لطاعة السلطان والبراءة من الدعي الثائر واسترجعوا مدينة وجدة وطردوا عنها حمية الثائر وجعلوها مركز أعمالهم. ثم إن ابن عبد الله الصادق المزكور دس للركينة عند السلطان ما أوجب عزله عن رياسة الحال واسترجاعه لفاس وإسناد الأمر في ذلك للداس. ولما بقي الثائر مع من بقي معضدا له من اللقطاء السقطاء بين نارين أكد العزم إلى الجهة الغربية وقصدت تازا، فبينما هو في الطريق إذ وافاه الطيب بن أبي عمامة في جماعة من ذويه وفي معيته عبد المالك بن عبد القادر بن محيي الدين

الذي جاء لتلك النواحي من فجيج يقصد ترويض النفس والسياحة ونزل على أبي عمامة. فلما ظهر هذا الثائر اشتاقت نفسه أن يطلع على كهنه على عادة رجال الحرب فتقوي بهم ونزل ماوية ولما قرب من قصبة مسون من أرض هوارة لقيتة مقدمة جيش تازا التي كان يرأسها القائد المدني ابن محمَّد الأجلاوي، وكان قد أنزل بالقصبة المزكورة حامية من الجيش تحت رياسة القائد عبد الملك المتوكي فوقع بين الفريقين معارك أصيب فيها الزنيم برصاصة أعجزته عن القيام والقعود ففر به أنصاره جريحا لقبيلة البرانيس، وعسكروا بوادي الأربعاء من بني فراسن من التسول في أوعار وحصن حصين، ودام القتال بين أشياعه والمحلة المخزنية بتازا وانقطع خط الرجعة بين من بتازا وأوطي بو عبان إلى أن دخلت سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وألف واندمل جرح المارق الفتان ودخل تازا من غير مقاوم ولا معارض. ثم إنه لما كان خرج الفتان من وجدة عمرها الجيش السلطاني الذي كان بمغنية مع فرقة عسكرية وجهت مددا من فاس على طريق طنجة ومنها نزلت بالغزوات ثم سعيدة عجرد ثم وجدة من غير قتال أيضًا وذلك في ربيع الثاني عام 132 واحد وعشرين. ولما ضاق المتسع بمن بتازا من الجنود المخزنية وذاقوا بسبب ذلك من العذاب ألوانا وكابدوا من الأهوال والخصاصة، وعدم القوت ما تحدثت به الركبان، وتيقنوا أن الفئة الباغية أجمعوا أمرهم وصمموا على الأخذ بثأرهم منهم فيما فعلوه بتازا من الأعمال الوحشية، طيروا الإعلام للسلطان بما وقعوا فيه وطلبوا منه أن يمدهم بمدد يخلصهم من الورطة التي ورطوا أنفسهم فيها، فرأى أنه لا بد له من التوجه لانقاذهم بنفسه فحشد الجنود من الأغوار والنجود، وأفاض فيها العدة والمال، وعزر تلك الجنود بعساكره الوافرة وسار إلى أن خيم ببلاد الحياينة وهناك انضم إليه الجيش السابق الذي كان بأوطى بوعبان.

ثم نهض إلى قبيلة التسول فتفرقت أتباع المتمرد الزنيم في وعر تلك الجبال ورموا بالقنابل المحرقة وشدد عليهم في الحصار، ولكن لم يمكن اجتثاث أصل عيثهم بالكلية حيث حان إبان (¬1) البرد والمطر، ورأى الأمير أن تمادى جيوشه على الحصار فيه أعظم خطر، انقلب إلى فاس وكتب لإيالته بشرح أسباب أوبته ودونك لفظ ما كتب به بعد الحمدلة والصلاة. وبعد، فقد كان الغرض من نهوض ركابنا الشريف هو القيام بما أوجبه الله من إخماد فتنة المفسدين، وتربية قبيلة التسول وأشكالهم المعتدين، وقد خيمت جيوشنا السعيدة على أوديتهم وهضابهم، وخفقت بنودنا المنصورة على جبالهم وشعابهم، ونحن نحاول استرجاعهم من الغى إلى الرشاد، ونسترعى عليهم قبل أن يعمهم من الهلاك ما لا يمكنهم معه استنجاد، وكررنا عليهما زحف الصوكات من جهات متعددة، وأشهدناهم أثر سطوة الله المتجددة، وضيقنا عليهم المذاهب، حتى أوهنهم الحصار في كهوف الشواهق ومغارات المسارب، وفي كل صوكة يقع فيهم عدد من الجرحى والقتلى، وتبلغ فيهم العقوبة مبلغا يزيدهم محنة وهولا ولما كان سبب تماديهم على ما هم فيه من الضيق والمحنة هو استعظامهم لما فرط منهم من الشقاق والفتنة، حتى عدوا ذلك من الذنوب التي لا تسلم من عاقبتها عواقبهم، ولم يعتبروا أن المقصود عندنا هو استرشادهم لما تصلح به أحوالهم، وتتطهر به عقائدهم. ورأينا استمرار الحرب عليهم يفضى بهم إلى عموم الهلاك والتدمير، مع أن المراد هو إنقاذهم من مصارع الضلال بتربية واسترشاد وتحذير، وتحققنا ببقاء الفاسد الفتان في حكم العدم، من الجرح الذي لم يطق معه من تحريك يد ولا قدم. وحل مع هذا إبان الشتاء الذي أشفقنا منه على المسلمين لاضطرارهم إلى ¬

_ (¬1) إبان الشيء: أوانه.

حراثة أقواتهم واقتناء معيشتهم وضرورياتهم، أمرنا محلتنا السعيدة التي كانت مخيمة بتازا للتوجه إلى نواحى وجدة وآنكاد، وتكميل الغرض بها هنالك في حسم مواد، ورددنا وجهتنا السعيدة لمحروسة فاس، مصحوبين بعناية الله التي هي عمدة التدبير وجنة الاحترس. ريثما نجدد تقويم الحركة والاستعداد، ونترقب ما يظهر من أحوال هؤلاء الأوغاد، فإن أراد الله بهم خيرا وتابوا وأنابوا فذاك، وإلا فننهض لهم في الإبان الذي يقتضيه بما لا قبل لهم بحول الله، وأعلمناكم لتعرفوا حقيقة الواقع وتأخذوا حظكم من فرح الأوبة في عناية الله التي ليس لها من دافع، ونسأله سبحانه أن يحتسب اجتهادنا في حياطة دائرة النظام والدين، إنه ولى التدبير والمستعين والمعين، والسلام في فاتح شعبان عام واحد وعشرين وثلاثمائة وألف. أما المحال التي كانت بتازا فقد أصدر السلطان أمره إليها بعد رجوعه لفاس بالذهاب لوجدة، وبعد رجوع السلطان لفاس ردت أحزاب الفتان، وجهتها للمحال الحالة بوجدة وذلك عام اثنين وعشرين. ولما وصلها نزل بلاد بني بوزكو فرقة من زناتة، وبعث إليه رئيسهم حمادة البوزكاوى بالطاعة، فطلب منه مصاهرته على ابنته، فأجابه لذلك واقترح عليه أن يوجه أعيان القواد والوزراء لمصاحبة العروس، فوجه الثائر من أعيان حزبه الخاسر نحو السبعين. ولما دخلوا دار الرئيس المذكور هش وبش وبالغ في الإكرام وبسط الموائد وعدد الأطعمة فأكلوا وشربوا وانبسطوا، ثم عرض عليهم دخول الحمام وأنه أحماه وهيأه لهم فتجردوا من سلاحهم ودخلوا الحمام زرافات فاستحال حماما، فكانوا طعمه لحد سيفه، ثم لحق الرئيس حمادة من ليلته في أهله وأولاده بمدينة وجدة ودخل في عموم المحلة المخزنية بها.

ثم فارق الطيب البوشيخى أبا حمارة واستأذن معتمد الدولة بوجدة ابن الصادق المذكور في اللحوق به، فأذن له، وتوجه إليه وفي معيته رفيقه الأمير عبد المالك في طائفة من فرسانه، وكان منهم في خدمة السلطان وحاربه طائفة الفتان، ما سارت به الركبان، رغما عن كون أبي عمامة والد الطيب لم يرض عن صنع ولده وظل مواليا للفتان بسائر قبيله وأتباعه فكان عمدته في حروبه، ومساعده فيما ظهر بعد ذلك من الخطوب وقسيمه في ذنوبه، ثم وقع الخلاف والنكران، بين أبي عمامة والفتان، ففارقه أبو عمامة وأبعد النجعة بقومه ونزل بأطرف، الظهرة. هذا ولما اتصل خبر مذبحة دار البوزكاوى بالثائر قصد محل وقوعها وضربه وعاث فيه، ثم نزل على وجدة وشب القتال بينه وبين المحلة التي بها، وكان الحرب سجالا ودام متواصلا بقية السنة وجزءا من سنة ثلاث وعشرين، ثم رجع الثائر لقصبة سلوان وخرجت المحال من وجدة وذهبت للمحل المعروف بالجزيرة قرب مليلة. ثم رجع ركن الفساد أبو حمارة لبلاد الريف مكسور الجناح، في عناء وجناح، ثم رجع لنواحى فاس وتازا تارة في انطفاء وأخرى في انضرام والأموال الباهظة تصرفها الدولة في سبيله، حتى نضب ما في خزائن الدولة وفرغت أفئدة بيوت أموالها واضطرت للاستقراض من دول أوروبا بعد ثرواتها الضافية، واقترضت منهم فعلا مرات متعددة والرؤساء النهاب يملئون جيوبهم وأوعيتهم من الآلاف المؤلفة من الدراهم والدنانير إلى زمن الدولة الحفيظية. ثم أفاق من نومته، وتوهم أنه آن زمان بلوغ أمنيته فنهض إلى بلاد الحياينة، وصار يشن الغارة المرة بعد الأخرى على القبائل المجاورة لفاس إلى أن بلغ لأولاد الحاج، فنظم السلطان المولى عبد الحفيظ جنودا مجندة من أبطال ذوى حزم وعزم ووجهها إليه، فلما التقى الجمعان كانت النتيجة بتبديد جموعه

[صورة] الفتان أبو حمارة الجيلاني الزرهوني في قفصه

والاستيلاء على أمواله وذخائرة وغنيمة عياله وعبيده ثم القبض عليه والإتيان به حقيرًا مهانا. وكان الظفر به بمدشر أولاد كنون من قبيلة بني مسارة في زريبة السيد عمران عشية يوم الأحد خامس من شعبان عام سبعة وعشرين وثلاثمائة وألف، موافق ثانى عشرى غشت سنة تسع وتسعمائة وألف، ودخل لفاس في قفص من حديد على جمل ضحى يوم الثلاثاء المتصل الولاء بيوم القبض عليه. وكان الذي تولى القبض عليه عسكرى من قبيلة الشاوية من طابور بوعودة يسمى العشى، ولما ظفر به نزع له المفاتيح التي كانت بطوقه والخاتم الذي كان بإصبعه ثم تسلط عليه النهاب والأوباش وسلبوه من كل ما يطلق عليه شيء وتركوه مكشوف العورة وأذاقوه أليم النكال، ولولا أن القائد الناجم كفهم عنه لأتلفوا مهجته، هكذا أخبرنى من حضر الواقعة وعاين ما ذكر من الثقات الأثبات. ولما مثل بين يدي السلطان مولاى عبد الحفيظ أظهر من التجلد والوقاحة ما لا مزيد عليه، ثم بنيت له دكة بمشور باب البوجات، ووضع عليه قفصه وشُهِرَ أيامًا حتى رآه الحاضر والباد، وأقيمت عليه الفرجات والأفراح في سائر البلاد، ثم بعد ذلك أدخل للقصور السلطانية بفاس، وكان ذلك آخر العهد به، وبها قتل تنفيذا للحكم الشرعى المتعين في شأنه الذي كان التخيير في كيفيته للإمام، فأعدم رميا بالرصاص في أصح الروايات خلافًا لما يشيعه بعض ذوى الأغراض من الأوروبيين وغيرهم، من أنه طرح للأسود التي كانت بالقصر السلطانى فمزقتْ شلوه. ولما لم يشهر قتله أمام الجمهور صار بعض الحمقى يعتقدون عدم موته، ولا سيما خاصته كصهره محمَّد بن شلال الريفى القلعى، فإنه كان يجزم بعدم موته ورجوعه يوما ما لسطوته، فحمله اعتقاده الفاسد على منع أخته التي كانت تحت

ثورة الريسولى

الثائر المذكور من التزوج بغيره لئلا يرجع ويجدها متزوجة فنعوذ بالله من الجهل والغباوة. ثورة الريسولى: ومن ذلك ثورة أبي العباس أحمد الريسولى الذي كان في أول أمره من اللصوص النهاب قطاع الطريق بالعقبة الحمراء وما والاها. وقد اتفق أن كان بين النائب السلطانى بطنجة الحاج محمَّد الطريس التطوانى، وبين عامل طنجة الحاج عبد الرحمن بن عبد الصادق منافسة وشحناء، فوشى الطريس بالعامل المذكور للسلطان زاعما أنه المغرى للريسولى على العيث في الطرقات وأنه يشاطره جميع ما سلب ونهب، وذلك محض زور وافتراء فأصدر السلطان عند ذلك بالعامل أمرا باتا بالقبض على اللص المذكور وإلا فيكون مسئولا ولما بلغه هذا الكتاب ضاق به المتسع وصار يضرب أخماسا في أسداس، ولما رأى أن لا ملجأ ولا منجى له إلا بنصب حبال المكر والخديعة، أوعز لبعض الخاصة من أصحاب الريسولى بأنه يريد أن يرشح المذكور شيخا ولكن لا بد من أن يدفع عن تسنم ذلك المنصب مبلغا من الدراهم لا يقل عن ثلاثين ألف بسيطة حسنية، فنشط الخدن لتولية صاحبه واستعظم العدة وصار يطلب من العامل الحط من ذلك القدر وهو يشدد ويظهر الإباية من أن يضع ولو شيئًا ما، ثم ذهب الصديق لصديقه وأخبره بما راج بينه وبين العامل في شأنه فارتاح لذلك، وأجاب لأداء العدة المذكورة، وإنما يطلب دفعها مقسطة، ثم تأبط ثلاثة آلاف بسيطة حسنية ليقدمها بين يدي نجواه للعامل، وتوجه مع الواسطة. فلما أخبر العامل بما ذكر أمر بإنزال الريسولى بمحل معدل الضيوف الأعيان، وكلف من يذهب إليه بالطعام والشراب وأظهر الاعتناء الزائد ودخل هو لداره مع الواسطة.

ثم نادى بعد الأبطال من خاصة أنواعه يسمى عبد السلام الأشخر وقال له: إنى أريد القبض على الريسولى، وأنه لا في قوم بهذه المأمورية غيرك، وإننى لم أفضى بهذا السر لبشر من خلق الله سواك، ولا يقبل منك عذر فيه بحال، فإن فهت بهذا أو توانيت فيه فإنك تقبض مكانه وتذوق ألم طويل المحن، فأجاب الشرطى بالسمع والطاعة، واختار من أصحابه من يعتمد على إخلاصه وشجاعته وأفضى إليه بما شافهه به العامل، وقال له: إنى إذا حضر الطعام وناولته الطست ومد يده للغسل أسقط عليه وأضمه إلى فإذا رأيتنى فعلت ذلك أدركنى وأعنى فيه فتوافقا على ذلك. ولما مد الشرطى يده في المسجون قال له: إنه مسجون السلطان فمد يده لجنبه يريد سل سكين كان متأبطا له فنزعه العون الآخر منه وأوثقوا يديه خلف ظهره، وذهبوا به للسجن، وجعلوا عليه السلاسل والأغلال ثم أعلموا العامل بالواقع، فارتاح بذلك وسر به، ثم وجه به سجينا لثغر الصويرة. وبعد مدة جاء أقاربه وبنو عمه وتطارحوا على الطريس في الشفاعة فيه فأسعف رغبتهم وتشفع فيه للسطان فسرح، ولما رجع لمحله ضاق المتسع بالعامل وشيعته فطلب الانتقال فنقل لعمالة فاس. وعاث الريسولى وزاد عتوا وفسادا وصار لا يرقب في إنسان إلا ولا ذمة، كم أباد من عائلات وأراق من دماء في سبيل شهواته وأغراضه الشخصية! وأوقد من فتن حبا في الرياسة حتى أهلك البلاد والعباد وأسر (القرونيل مكليل) الحراب الشهير في الدولتين الحسينة والعزيزية ودعا بالملك لنفسه وخطب به على منابر تازروت وما والاها، والتفت حوله الصعاليك وسخفاء العقول وسماسرة الفتن اللذين حبب إليهم تقدير الراحة والسلم العام وصار آونة يجنح للإسبان وأخرى يكون عليهم، وقد تفننت الجرائد والمجلات في نشر تفاصيل أخباره داخل الإيالة المغربية وخارجها فلا حاجة بنا لجلب ذلك وتتبع وقائعه.

مقتل الدكتور موشان واحتلال وجدة

ولم يزل على طيشه وتمرد إلى أن ابتلى بداء الاسستقاء واستفحل فيه، وأعيا الأطباء علاجه وصار كالزق يمج منه الماء المنتن مجا حتى كان يضطر إلى تغيير ثيابه وفراسة في اليوم مرات، ولا يمكن تحويله من محل إلى آخر إلا بجعله في إزار يحمل فيه ودام على ذلك ستة عشر شهرا وهو مع ذلك مسموع الكلمة نافذ الأمر صحيح اللسان بذاء، لا يقيم لأحد وزنا. ثم في أوائل رجب عام 1342 أحدق لفيف من الريفيين أشباه محمَّد بن عبد الكريم الريفى بداره بتازروت، ودخل عليه قوادهم وأشياخهم بعد أن دام البارود بينهم يوما وليلة، هلك فيه عدد عديد من الأنفس واتخذوا له محملا حملوه فيهم على عواتقهم إلى مرسى وادى (لو) ببنى سعيد على حد غمارة وركبوا به البحر وذهبوا به إلى آجدير، ثم أخرجوا عائلته وسائر نسائه من تازروت بكل احترام ووقار ووجهوا بهن لشفشاون. وفي تاسع رمضان العام لبى داعى مولاه، وبعد ذلك نقلت عائلته من شفشاون إلى (سنادة) وبقيت هنالك إلى أن قامت قيامة ابن عبد الكريم فنقلت لتطوان، ولاذت به إلى الآن ولله في خلقه شئون. مقتل الدكتور موشان واحتلال وجدة: ومن ذلك أيضًا ثورة قتل الدكتور موشان الفرنسى بمراكش، وذلك كما قدمنا أن بموت المترجم وتسنم المناصب العليا غير مستحقيها ظهرت الأوابد واختلفت العقائد، وتطلعت رءوس كأنها رءوس الشياطين، وتغير نظام الحكومة بالمرة، ووقع الانقلاب الفجائى في هيئتها, ولم يجد السلطان في دائرته رجلًا يعتمد عليه ولا بطلا يكل الأمر إليه، فجرت الأمور على غير المراد، وإذا أبرمت الأقدار الإلهية أمرا فليس له من راد، وعادت الفتنة الحوزية لشبابها، وكثر القتل والنهب والسلب بالطرقات، واذداد ذلك فشوا ونموا بمبارحة سلطان المولى عبد

العزيز للديار المراكشية ومقامه بالعاصمة الفاسية وذلك عام تسعة عشر وثلاثمائة وألف 1319. وتعدد رفع الشكايات للحضرة السلطانية بما لحق الناس من الأضرار وتورطوا فيه من الأخطار، بسبب سلب الأمن وتكاثف العيث في الطرقات، وقتل القوى للضعيف، فألقيت شكايتهم في روايا الإهمال وكتمها أولو الأمر من الديوان المخزنى عن السلطان واشتغلوا بلذاتهم وشهواتهم ولم يرفعوا لما يرفع إليهم ويقرر لديهم رأسا, ولا قرأوا لعاقبته الوخيمة حسبانا فكانت النتيجة فراغ الأفئدة من خوف سطوة السلطان وشديد بأسه ومهابة صولته وبطشه وتلاشى نفوذ ولاة أمره من قواد وعمال وخصوصا بمراكش، وبقى الناس كالفوضى لا سراة لهم. فاتفق أن ركب الطبيب المذكور علم دولته بباب محله بعرصة موسى، وذلك يوم السبت رابع صفر عام خمسة وعشرين وثلاثمائة وألف على ما حقق لي بعض الأعلام من عدول مراكش، والذي قرأته في بعض التقاييد أن ذلك يوم الثلاثاء خامس صفر المذكور في الساعة الواحدة بعد الزوال، وفي العين تسارع إليه همج الرعاع وقتلوه بالضرب والحجارة والعصى وتركوا جثته ملقاة على الأرض بباب داره، وانتشروا في أزقة المدينة يسرقون ويخطفون، واغتنم اللصوص النهابون تلك الفرصة لما علموا من أن من فرص اللص ضجة السوق والمجانين من الأوباش، وكثيرا ما هم يضحكون ويمرحون، ومن علم أن الفتنة أشد من القتل وتيقن المثال وذلك أول شرر لا ينطفئ وقع في المغرب بكى واستبكى وتكلم وتألم. ثم لما اتصل بالعامل هذا الخبر المحزن والحادث الجلل وهو إذ ذاك الحاج عبد السلام الورزازى قام من حينه يبكى بكاء الثكلى، ووجه قوة كافية من أعوانه لتسكين روعة البلد، وذهب هو بنفسه في لفيف من أعوانه لمحل القتيل، ووقف

عليه حتى جهز ووضع في تابوته وحمل لمضجعه، وحضر في معية العامل المذكور من كان بمراكش من الأوروبيين. ثم في يوم الجمعة الرابع عشر من صفر المذكور بقى احتلال وجدة من غير مقابلة ولا مشاغبة أخذا بثأر اقتيل وطلبا للإنصاف من الفعلة والفصال فيما لها من الحقوق والدعاوى غير ما ذكر مما هو مسطور في ظهير سلطانى خوطب به القائد عبد الرحمن بركاش وأعيان الصويرة ودونك لفظه: الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا ومولانا محمَّد وآله ثم الطابع الشريف بداخله عبد العزيز بن الحسن الله وليّه وبدائرته: ومن تكن برسول الله نصرته ... إن تلقه الاسد في آجامها تجم من يعتصم بك يا خير الورى شرفا ... الله حافظه من كل منتقم "خديمنا الأرضى القائد عبد الرحمن بركاش وأعيان أهل الصويرة المحروسة بالله وفقكم الله وسلام عليكم ورحمة الله، وبعد فإن طبيبا فرنسويا كان مقيما بمراكش فركب علماً بالمحل الذي هو به فتسارع الرعاع إليه وقتلوه، ومن قبله كان جرح فرنسويا آخر ببلاد تكنة، وكذلك في طنجة كان قتل آخر من كبراء فرنسا، وكذلك بفاس جرح آخر". ولما بلغ ذلك الدولة الفرنسوية حصل لها انزعاج واغتاظت لذلك وها لها ما وقع من هذه الحوادث التي يؤدى إليها طيش الرعاع الذين لا يعرفون مزية الهدنة والسكينة، ولا يتدبرون عواقب النزاع، ولا ينظرون لما نكابده من حسن المهادنة وسياسة الدفاع، مع أن ذلك لا حق له فيه من جهة الشروط، وأن المخزن قادر على رفع ما تشوشوا منه من غير ضرر منهم لصاحبة بطريق الإنصاف، وحملها الغيظ على احتلال عسكرها بوجدة طالبة الإنصاف، وقبض الحق في هذه القضايا

والفصال فيما لها من الحقوق والدعاوى وعلقت خروجها من وجدة على إيقاع الفصال في ذلك. إذ حلولها مؤقت لأجل ما تطلبه من المعوضات لأجل ذلك وها نحن جادون في مباشرة وجوه الفصائل معها بما يقتضيه الحق لها في ذلك, ومجتهدون في ارتكاب العلاج المخلص من ذلك، حتى يخرج عسكرها من وجدة بحول الله ولأجل هذا كنا نحذركم ونحذر غيركم من رعيتنا السعيدة ونبالغ في الاسترعاء والإنذار خشية التورط في مثل هذا، ونؤكد عليهم في إعلام جانبنا الشريف بكل ما تشوشوا منه، ورفع أمره إلينا ليتدارك على الوجه الأسلم من غير افتيات ولا مديد في أحد، وعلى كل حال فلا يأخذكم قوله ولا يروعكم تشويش، فإننا بحول الله مهتمون بهذا الأمر، ومبالغون في معالجتة حتى يخرج بسلام، فليسكن جأشكم ويطمئن بالكم؛ لأننا لا نألو جهدا في صيانتكم والدفاع عنكم بأموالنا ورجالنا بحول الله حالًا واستقبالا، كمل الله المراد، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخذنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد، والسلام في 18 صفر عام 1325 ". انتهى. من أصله. ثم بعد مدة قدمت على مراكش لجنة أوروبية بقصد البحث في السبب الداعى لقتل ذلك الطبيب ومن تولى قتله والحامل عليه، فهيأ لهم عامل البلد المذكور مأدبة فاخرة، ولما أحضر لهم الطعام امتنعوا من الأكل، وقالوا إنما أتينا للمباحثة لا للمواكلة، فلم يزل يلين لهم القول ويلاطفهم ويستعطفهم حتى أكلوا وزال ما بهم، ثم بعد الفراغ من الأكل بحثوا العامل عما ذكر بحثا مدققا، فحقق لهم أنه لا علم له بشيء ما أصلًا حتى وقعت الواقعة. وقد كشف الغيب بعد ذلك أن الذي أغرى على قتله هو رجل من الألمان كان قاطنا بمراكش، له إلمام ببعض العلوم الإِسلامية، وكان كثيرا ما يتذاكر في

تفسير القرآن ويتردد على العلماء ويحبب للمغفلين سيرة دولته، أوعز هذا الألمانى لبعض الأغبياء الساقطين أن الطبيب المذكور عازم على نصب الراية الفرنسية بمحله، وتلك دسيسة يدسها لهم، وحضهم على منعه من ذلك والتعرض له والقيام في وجهه ولو أدى الحال إلى قتله فإنه لا ينتطح عليه عنزان. ثم بعد مدة أمر السلطان بتوجيه ولد العامل المذكور صديقنا الفقيه البركة السيد محمَّد للمحاكمة بطنجة، ثم بعد أخذ ورد وبحث وتنقير اتضحت براءة العامل من كل تهمة ألصقت بجنبه في قضية القتل، وأنه لا مسئولية عليه ولا على أحد من أولاده وعشيرته. وبعد ذلك صدر الأمر بإلقاء القبض على المتهمين بالقتل فوقع القبض على خمسة عشر رجلًا، وأودعوا سجن مراكش، ثم نقلوا لسجن الصويرة وذلك في يوم السبت الخامس عشر من ربيع الثاني ثم نقلوا لسجن طنجة، ثم ردوا لسجن الصويرة بطلب من النائب الفرنسى بها حسبما وقع التصريح بذلك في ظهير سلطانى، ودونك لفظه بعد الحمدلة والصلاة والطابع الكريم: "خديمنا الأرضى القائد عبد الرحمن بركاش وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله، وبعد: فبعدما كان ورد لطنجة على يديك مساجين أهل مراكش المقبوضون في قضية الطبيب موشان القتيل بمراكش، جاء نائب الفرنسيس في ردهم للصويرة ليكون بحثهم بها على يد القنصل المكلف بالقضية، وقد اقتضت المصلحة المساعدة على ما ذكر، وأمرنا خديمنا النائب الحاج محمَّد الطريس بتوجيه المساجين المذكورين بحرا إليك صحبة من يعينهم لمصاحبتهم، ونأمرك أن تقبلهم وتختلى بهم بنفسك حتى تستوعب كلامهم وتستخرج ما في بواطنهم لتكون على بصيرة ثم تدعهم السجن، وإذا كتب لك خديمنا المذكور بالتنبيه على ما تسلكه في شأنهم بما يثبت أقدامهم عند مباحثاتهم، فنأمرك أن تجرى في ذلك على ما تقتضيه المصلحة

احتلال الدار البيضاء

مع الأخذ بالحزم والاحتياط، وإذا طلب القنصل المذكور إحضارهم للبحث، فإن أمكن أن يكون بحثهم بمحضرك فهو أولى، وإلا فيكون بمحضر من يمكن حضوره من نوابك النبهاء ولا تحتاج لزيادة إيضاح في بيان المقصود مما ذكر، والسلام في 8 رجب عام 1325". احتلال الدار البيضاء: ومن ذلك واقعة الدار البيضاء التي هي من أعظم الوقائع الشنيعة المفتتة للكبد القاضية على قوى المغرب المادية والأدبية بالوهن والانقضاء، تلك الواقعة التي تنفس بها صبح الخطوب في أعماق القلوب، قام بحمل أعباء طامتها الكبرى جهال رعاع الرعية وأخلاط الأوباش وسفهاء الأحلام، من سخفاء عقول قبيلة الشاوية الذين لا يتدبرون العواقب، ولا يعلمون أن الإنسان لا يحصد إلا ما بذر. وذلك أن الدولة المخزنية المغربية لما انهد ركن سياستها المتين بموت صاحب الترجمة، فرزنت فيها البيادق ووسد الأمر لغير أهله، وصارت الرءوس أذنابا والأذناب رءوسا، وانفجرت براكين الاستبداد التي هي ثمرة الإفراط في الضغط، وفشا ذلك في الحواضر والبوادى وعم جميع البلاد، ونامت الصقور، وصرخت الديكة، وادعى الصعلوك أنه ابن جلا، وأينعت أغصان التشاجر والتنافس في أفخاذ من قبيلة الشاوية المذكورة، وارتأت أن الخروج عن طاعة السلطان متجر ربيح، وتمكن في قلبها حب البغى والعدوان، وجار القوى على الضعيف، وغدا الفساد في كل آونة يزداد، ورؤساء الدولة لا يستطيعون لرتق ذلك الفتق حيلة ولا يهتدون سبيلا بل هم في غمرة ساهون، وعن الأخذ الأحوط لاهون، إلى أن مدّ يد العداء بعض الرعاع من سماسرة الفتن الموقدين لنارها من جوار الدار البيضاء وبالأخص مديونة وأولاد زيان، كما عينهم ظهير سلطانى شريف دونك لفظه:

"خدامنا الأرضين أمناء الوضع بمرسى الدار البيضاء المحروسة بالله، وفقكم الله وسلاما عليكم ورحمة الله وبعد وصل كتابكم بشرح الواقع هنا كم من رعاع مديونة وأولاد زيان وأنكم قائمون على ساق في ترتيب العسة لحراسة الديونات وخزائنها وصار بالبال، فقد بلغ ذلك لشريف علمنا وأمرنا فيه بالمتعين، ولتردوا البال لصيانة الديوانات والخزائن، والسلام في 27 جمادى الثانية عام 1325". وقد عاث المذكورون بأطرافها وقتلوا عددا من النصارى خارجها بسبب جلوس مراقب فرنسى مع أمناء مرسى الثغر المذكور للمراقبة على المداخيل المعينة لهم التي هي ستون في المائة من مَدْخول المراسى كما ينبئ عن ذلك ظهير شريف عزيزى دونك نصه بعد الافتتاح. "خدامنا الأرضين أمناء الموضوع بمرسى الدار البيضاء، وفقكم الله، وسلام عليكم ورحمة الله، وبعد: فنأمركم أن تكونوا تدفعون للأمين الطالب العربي بن كيران ما يتحصل لجلب المخزن في مدخول الأربعين في المائة السالمة له كل يوم بيومه، وأن تكونوا تعلمون جنابنا العالى بالله في كل أسبوع بقدر ما حازه فيه وأن يكون ابتداء إجرائكم هذا العمل من يوم التاريخ الذي هو الثامن والعشرون من رمضان هذا، والسلام في 28 رمضان عام 1326". وهذا القدر عليه كانت وقعت المصادقة من الجناب العزيزى والدولة المقرضة له دولة فرنسا, ولم يزل عتو أولئك الغوغاء يتفاحش حتى أوجس القنصل الفرنسى بالثغر المذكور في نفسه خيفة اضطر بسببها إلى إنزال بعض عسكرهم من مركب حربى كان لهم هناك، فلما نزلوا تعرض لهم بعض أهل الطيش بالضرب، وجرحوا منهم كبيرا وخمسة أنفار من العسكر، على ما سيمر بك إيضاحه. وكانت المدة التي وقع الاتفاق بين السلطان مولاى عبد العزيز وبين الدولة الفرنسية على جلوس أحد الفرنسيين مع أمناء الديوانة بصفة كونه مراقبا خمسة أعوام حسبما وقع التصريح بذلك في ظهير عزيزى شريف دونك لفظه:

بعد الحمدلة والصلاة والطابع الكريم: "خديمنا الأرضى القائد عبد الرحمن بركاش وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله، وبعد فلأجل مصلحة تحسين خدمة المرسى وزيادة الضبط في عملها اقتضى نظرنا الشريف على وجه الاختيار تنفيذ إجراء عمل المراقبة بالفعل على يد أرباب القرض الفرنسوى البخاري بجلوس أحد الأعضاء منهم بالديوانة السعيدة مع أمنائها لمدة خمس سنين من تاريخ الشروع في العمل، وقد أصدرت شريف أمرنا للأمناء المذكورين بقبوله للجلوس معهم وتمكينه من التصرف على مقتضى ضابط خدمته وعليه فنأمرك بقبوله لذلك والكون منه على بال وشد عضه فيما يتوقف عليه من أمور تكليفه الراجعة لخدمة المرسى، وضبط جميع أعمالها، والسلام في 10 جمادى الأولى عام 1325". ثم ثار كمين الفتن ولم يزل شرر شره يتطاير إلى أن عمد ذات يوم لفيف من تلك القبيلة الباغية المتمردة لشاطئ البحر، حيث يبنى المرفأ لمرسى ثغر الدار البيضاء الذي كان وقع الاتفاق على بنائه بين السلطان أبي فارس عبد العزيز وإحدى الشركات الفرنسية، وذلك لما رأى السلطان أن من المصلحة العائدة على بلاده وتوسيع نطاق تجارة رعيته وغيرها ممن يتجر بها من الدول الأجنبية الأوربية النازلين بإيالته، بناء المرفأ لتلك المرسى بناء نظاميا على الطراز العصرى، وبكل أسف فإن القابض على زمام إدارة الحكومة لم يتخذ فيما رامته الاحتياطات اللازمة لردع المفسدين وكسر شوكتهم بترشيح رجال حنكتهم التجارب للوقوف على تنفيذ ذلك الأمر المهم كما يجب، بل عزلت باشا ذلك الثغر الذي كان يعرف من أين تؤكل الكتف، وعينت خلفا عنه أبا بكر بن بوزيد السلوى، فحقد المنزوع وتجرد لإغراء إخوانه على إيقاد نيران الفتن وتشويش راحة البلد فأجابوه لذلك، والباشا الجديد أخلد إلى العجز، وأظهر غاية الجبن، وأبان عن عدم لياقته وكفاءته لما رشح له.

ولما تم الاتفاق على الوجه المذكور شرعت الشركة المذكورة في مد السكك الحديدية لسير القطار المعد لحمل الأنقاض اللازمة للبناء رفقا بالعملة وتسهيلا عليهم فاتخذ أولئك الرعاع الأخساء مكايد توصلهم لتكسير ذلك القطار شأن العتاة الأغبياء الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، المقرون تديرهم بتدميرهم وأعانهم على سوء فعلهم قرينهم اللعين. ولما وقع القطار في شبكة مكرهم بجعلهم أحجارا وأعوادا في ممره انقلب وتكسر ومات بسبب ذلك تسعة من العملة الفرنسيين وأسبانيين وإيطاليين، فمن الفرنسيين سائق القطار وهو المسمى (ربات) ورئيس الخدمة بمعدن الحجر ثم ذهبوا للمعدن وقتلوا من وجدوا به من العملة وذلك يوم الثلاثاء التاسع عشر من جمادى الثانية عام خمسة وعشرين وثلاثمائة وألف موافق 30 من يوليو سنة 1907. ثم إن أولئك الهمج لم يقفوا بخبثهم عند ذلك الحد بل دخلوا البلد ومدوا يد النهب والقتل وجاسوا خلال الديار والأسواق، وعززهم من استهوته الشياطين ممن هو على شاكلتهم من العسكر المخزنى المنظم الذي كان هنالك وأخلاط أهل البلد، فلم يتركوا بابا من أبواب الفحش إلا وطرقوه، ولا نهجا من مناهج الفسوق إلا سلكوه، نهبوا الديار والدكاكين والأبناك والملاح وأوقدوا النار في جميع تلك الأمكنة، وبالأخص جهة باب الرخى، وذلك بعد نهب ما بها من أموال ومتمول، ودام القتل والهرج والمرج بالبلد ثلاثة أيام بلياليها فعظم الخطب، واشتد الكرب، والولاة الذين بيدهم السلطة المخزنية أغلقوا عليهم أبواب بيوتهم وناموا وتركوا عيون العدا ساهرة. ولما تلاطمت أمواج الفساد، واضطرمت نيران الفتن وماج الناس بعضهم في بعض وبلغت القلوب الحناجر، واختلط الحابل بالنابل، وجهت الدولة الفرنسية إحدى بوارجها المعدة للمياه المغربية المسماة (كليلى عدد 66) حاملة لفرقة حربية

لحراسة قنصليتها طبق ما أشرنا إليه تنتظم تلك الفرقة من ستة وستين جنديا، فأخبر القنصل الذي كان تم عامل البلد إذ ذاك وهو بوبكر بن زيد السلاوى المذكور بنزول الفرقة المذكورة للصدد الذكور وحذره من التعرض لها بسوء وأعلمه أنها إذا مست بسوء، فإن البارجة الفرنسية لا بد من أن تضرب البلد فتكون العاقبة وخيمة. فاستشار العامل المذكور في ذلك مولاى الأمين بن الأمير مولانا عبد الرحمن بن هشام الخليفة السلطانى في ذلك العين هنالك، فأجابه بأنه لا دخل له في صعود ولا هبوط، وإنما هو مكلف بحماية البلد من عيث فساد الشاوية، ثم جمع العامل المذكور بعض أعيان البلد وفاوضهم في الأمر فأشاروا عليه بغض الطرف عنهم تحرزا من وقوعه في ورطة المسئولية التي لا تحمد عقباها مع السلطان. فاستحسن رأيهم الفاسد، ونظرهم الكليل الكاسد، فأمر أحد أعوانه المدعو البدوى بأن يأذن للمكلف بفتح باب مرسى الثغر قبل الوقت المعتاد لفتحه، والمكلف إذ ذاك المدعو محمَّد -فتحا- ابن القلوبى، فامتثل ما أمر به، ولما فتح الباب وجد الفارب الحامل لتك الفرقة على الشاطئ والعسكر شاكى السلاح فرام سد الباب في وجهه ثم التفت أحد البوابين الذين كانوا هناك قيل لم يعرف وقيل هو محمَّد الحيانى المسفيوى لمن حوله من حرس وقال قوموا اضربوا على أنفسكم وأولادكم يا كلاب، فإن النصارى جاءت لأخذ بلادكم فقام بعض من لا يبصر رشده من الحمقى وأطلق بندقة، في وجهه تلك الفرقة. ثم عزر فعلة المشئوم أحد المكلفين بحراسة الصقالة من رماة المدافع وهن محمَّد وشت -بفتح الواو وسكون الشين المعجمة والتاء المثناة- الحداد حرفة بكورة إذ كان العامل المذكور أوعز لهم ضرب تلك الدارعة، إذا هي ابتدأت الضرب. فعند ذلك تراصت تلك الفرقة على صف واحد وأطلقت بنادقها على من

رام مقاومتها واقتحمت باب المرسى ودخلت البلد عنوة بعد أن تركت المبتدئين لها بالضرب صرعى، وجرح بعض الضباط منهم وهو الفسيان (بلاند) المسمى باسمه الشارع الممتد من شريح أبي الليوث إلى الباب المجاور للسقالة القديمة المقابل الآن للبستان العمومى الكائن بحومة أبي الحسن علال القروانى صاحب المزارة الشهيرة إلى الآن بذلك الثغر، واثنان من البحارة، ثم إن الفرقة المذكورة توجهت لدار قنصليتها شاهرة سلاحها تطلق بنادقها على كل من صادفته في طريقها. ولما وصلت دار القنصلية وجدت الحرس المخزنى المعد لحراستها على الباب فقام وأدى التحية العسكرية، فأطلقت فيه تلك الفرقة مكاحلها وارتقت على سطوح الدار وصارت تتابع طلقاتها النارية على سائر المارة من جميع الجهات حيث كانت تعتقد عداء الكل، كما أن الدارعة المذكورة صات تمطر البلاد بوابل كور مدافعها المدمرة وذلك قبيل بزوغ شمس يوم الاثنين خامس عشرى جمادى الثانية من العام المذكور، موافق خامس غشت سنة سبع وتسعمائة وألف. وفي زوال اليوم نفسه وردت على الثغر المذكور دارعة أخرى تسمى (دوشيلة) حاملة لفرقة عسكرية أخرى أنزلتها تعزيزا للأولى تنتظم من ماتة وعشرين جندى يرأسها الكمندان (مانجان)، وشاركت الدارعة كليلى في إطلاق القنابل على المدينة، وفرق الكمندان المذكور العس على دور القناصل الأجنبية كالسويد والإِنجليز والبرتغال وأسندت إليه قيادة الجيش النازل ونظم البوليس فأحسن التنظيم والإدارة. هذا والمخزن باذل جهده في تطمين قلوب الرعية ونشر المكاتب لعمالة وولاة أمره بتحقيق الحقيقة وتقريرها لأولى العصبة من القبائل. قرأت في ظهير سلطانى عزيز بالتاريخ المذكور مخاطب به باشا الرباط في وقتنا الحاضر، حبنا السيد عبد الرحمن بركاش باشا الصويرة إذ ذاك بعض ما يتعلق

بما شرحناه جلبنا نصه هنا تتميما للفائدة ودونك لفظه بعد الحمدلة والصلاة والطابع المنيف: "خديمنا الأرضى القائد عبد الرحمن بركاش وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله، وبعد فإن بعض الرعاع من القبائل المجاورين لثغر الدار البيضاء مدوا يد العداء بخارجه بسبب جلوس المراقب الأجنبى مع أمناء الثغر المذكور، وصاروا يتحدثون في ذلك بأقوال غير مقبولة ولا معقولة لجهلهم بحقيقة الأمر وعدم معرفتهم إياه؛ لأن جلوس هذا المراقب مع من ذكر تقدمت له نظائر عديدة في عهد سيدنا الجد رحمه الله، وفي حياة سيدنا المقدس بالله للمراقبة على مال السلف الذي كان بحوزته من المراسى في السلف الذي اقترض منهم وقتئذ، ولما توصلوا به انصرفوا لحالهم وهكذا هؤلاء المراقبون الذين جلسوا الآن بالمراسى فإنهم فإنما جلسوا للمراقبة على مال سلفهم الذي اقترضه منهم المخزن على القاعدة الجارية في ذلك من قديم الأعصار، وبمجرد ما يتوصلون به ينهضون لشأنهم كذلك ولا ضرر على المسلمين. ولو كنا نعلم حصول أدنى ضرر لهم من ذلك ونحوه لدفعناه عنهم بأى وجه أمكن، نعم إن حدث عندهم ما فهموا فيه ضررا فليرفعوه لحضرتنا الشريفة على يد عاملهم لننظر فيه، فإن ظهر وجه لكلامهم ينفذ الأمر فيه بما يتعين، وإلا يجابون بما يرفع عنهم الإيهام والإشكال، وعليه فنأمرك أن تكون على بال من القبائل الذين بناحية ذلك الثغر إن حركوا معك كلاما في ذلك لتجيبهم بما قرر لك على الوجه الذي يفهمون منه المقصود ولا يبقى عندهم إشكال في حقيقة الأمر بحول الله، وها نحن كتبنا لهم بذلك أيضًا حسبما يصلك لتتركه تحت يدك احتياطا إن حدث ما يوجب دفعه لهم تجده تحت يديك، وإلا فاتركه عندك حتى تنكشف تلك العوارض ورده لحضرتنا الشريفة والسلام في 25 جمادى الثانية عام 1325 ".

ثم في اليوم نفسه في الثانية بعد الزوال وردت بارجة إصبانية صغيرة من جزر كنارية على الثغر المذكور حاملة لفرقة عسكرية لحماية قنصليتها أيضًا، وعززت الدارعتين الفرنسيتين في صب هاطل الكور على البلد، وكان الضرب بالغا حده فضج الناس وافتتنوا ولم يجدوا ملجأ ولا منجى وظل بعضهم يموج في بعض كأنهم سكارى يعربدون ونار الفتن تتوقد وشرر زفيرها يتطاير في قلوب العجزة من الرجال والنساء والصبيان. ولما جل الخطب وطم أمرهم الخليفة المولى الأمين المذكور بعد الموافقة مع القنصلية الفرنسية بالخروج للمحل المعروف بالسور الجديد الذي كان محل تخييمه بالقوة التي كانت إلى نظره من عساكر وخيل ورماة، وصرح لهم بأن كل من حل به فهو آمن على نفسه وماله فانقسم الناس قسمين: قسم ائتمر بما أمر به الخليفة المذكور فخرج مسرعا إلى السور الجديد حيث القوة المخزنية ومثوى الخليفة السلطانى الذي جاء لحياطة البلد وذويها. وقد كان هو دخل المدينة يوم الجمعة بقصد إطفاء نار الفتن وإجلاء البادية عن البلد ونزل بدار المخزن هناك وأقام بها يوم السبت والأحد وفي صبيحة يوم الاثنين وقعت الواقعة. ولما خرج من خرج للسور الجديد حيل بين مولاى الأمير، الخليفة المذكور وبين ما أراد من اللحوق بعائلتة والقوة التي كانت معه لتفاحش عيث المفسدين في الطريق ولم يبق معه بالمدينة غير وصيف وطباخ. وفي عشية يوم الأربعاء سابع عشر موافق سابع عشرى جمادى المذكور أطلقت الدارعتان الفرنسيتان قنابلهما على الملتجئين بالسور الجديد حيث رأت أحزاب العتاة المسدين تجمهرت حولة ورامت الهجوم على من به وقصدهما تبديد

جموعهم وتشتيتهم حتى لا يلحق من بالسور منهم أدنى أذى وعززتهما الدارعة الإصبانية فسار الكور ينزل على المفسد والمصلح وعم البلاء واشتبك وارتبك لعدم إمكان التحرز ولأن الخبث إذا أكثر هلك الصالح والطالح فهلك عدد عديد من أولئك البؤساء المرعوبين الجياع العطاش المسلوبين المنهوبين الذين كانوا بالسور الجديد، وولى الثوار ناكصين على الأعقاب ولم يبقى واحد منهم يروج بالمدينة ولا يحوم حول السور. وفي عشية ذلك اليوم نزل بالبلدة المذكورة القائد الجنرال (درود) واحتل البلد بخيله ورجله، وتم الأمر على يده وانتشر الهدوء والسكون. ثم بعد ذلك نزلت فرقة من العسكر الإصبانى للاحتلال أيضًا واتخذت المساجد أروية لربط بهائمها وألواح الصبيان الذين يقرءون القرآن حطبا وبالغت في الإفساد والتدمير داخل المدينة وخارجها. أما القسم الآخر فإنه انقسم إلى قسمين: قسم خرج ناجيا بنفسه إلى البادية للاستيجار بمن له به صداقة وسابقية مودة عساه أن يؤمن روعته، ويرحم لوعته، وقسم التجأ بدور بعض القناصل فانقلب على الحضرى الناجى بنفسه البدوى الأجلف الذي كان صديقا حميما عدوا مبينا فكان الحضرى يلقى صفيه البدوى فيحن له ويرتاح لرؤيته فيبادره بجفائه الغريزى المركوز في طبعه الخشن ويقابله بكل شدة وقساوة ويجرده من كل ما عسى أن يكون عليه من الثياب أو بيده من المتاع قل أو جل، ويتركه مكشوف العورة صفر اليدين ويقول له أنا أولى بسلبك من غيرى بلغ بهم الإفراط في الخبث والدناءة إلى أن شقوا بطن امرأة حامل وأخرجوا جنينها منها ظنا منهم أنها ابتلعت نقودا، ومخضوا شريفا مخضا ذريعا لاتهامهم إياه ببلع نقود كذلك. وكم افتضوا من أبكار واسترقوا من أحرار، فمن جملة من استرق وبيع

[صورة] الخليفة مولاي الأمين رئيس لجنة التعويضات ببزته الرسمية بالوسط وعن يمينه الأمين الصديق احرضان الطنجي وعن يسره الأمين بناصر غنام الرباطي مع نواب الدول والتراجمة والكتاب.

عبد الكريم نجل صديقنا ناظر الأحباس في ذلك الحين بذلك الثغر السيد إدريس الفيلالى، ثم بعد أخذ ورد أدى والده لمن كان اشتراه قبل مائة ريال سكة حسنية. ثم بعد انجلاء غياهب هذا الحادث المدلهم جمعت أكداس تلك الجثث المنتنة وذلك ثامن غشت وألقيت في أخدود وصب عليها الكاز وأطلقت النار وردم رمادها ورفاتها بالمحل الذي صار الآن جنانا عموميا مقاومة لتلك الروائح الكريهة المؤذية، وتحفظا عما ينشأ عنها من الأضرار الفتاكة المعدية المعدمة، وكان المكلف بجمع تلك الجثث والأشلاء المعين (بريط) الفرنسى الولوع بجمع الآثار العتيقة والنقود الثمينة الشهير إلى الوقت الحاضر بالدار البيضاء. أخبرنى أنه مات من اليهود نيف وأربعون، وجرح منهم خمسون، واختطف من فتياتهم مائه وخمسون كما اختطف من المسلمات عدد عديد. وبعد إطفاء نيران الفتن بالدار البيضاء قام أهل الحمايات بطلب تعويض ما ضاع لهم في الواقعة ومن نهبت له عشرة ادعى بالآلاف وشددوا في ذلك وأفرطوا، فاصدر السلطان ظهيرا بتشكيل لجنة تنظر في الخسائر وعين أعضاء من الوطنيين والأجانب وإليك نص الظهير. بعد الحمدلة والصلاة. "يعلم من كتابنا هذا أعلى الله مقداره، وثبت على الهدى مزاره، أننا أذنا بتشكيل جمعية بثغر الدار البيضاء للنظر في الخسائر الحاصلة بالثغر المذكور وقت حادثته للأهالى والأجانب وتحقيق الحق عنها وإبطال الباطل وتقدير التعويضات اللازمة في ذلك بموجباتها، وعيّنا من قبل جانبنا الشريف عمنا الأرضى مولاى الأمين للرياسة عليها وخديمنا الطالب بناصر غنام معتمدا أولا والطالب الصديق احرضان معتمدا ثانيا والطالب الحسن كاتبا ليقوموا بالمتعين في ذلك مع الأعضاء

المعينين من قبل الدول المحترمين ذوى العلاقة بالموضوع ويجروا في تحريرهم كذلك على طريق العدل والإنصاف ويعينوا المختبرين والمفتشين المحليين لأعمال الأبحاث الابتدائية، وأضفنا لأعضاء المخزن المحامى والمستشار إبراهيم بمنت والترجمان كرم والسلام، صدر به أمرنا الشريف في 27 ربيع الثاني عام 1326. والأعضاء الأجانب المشار إليهم في الظهير هم: معتمدوا ألمانيا وإصبانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا والبرتقال وهؤلاء مع نواب المخزن هم الذين لهم الحق في النظر في كل دعوى تعرض على بساط اللجنة، بخلاف النواب الخصوصيين، وهم نواب أميريكا والنمسا وبلجيكا والسويد والدانمرك وهولندا، فلم يكن لهم حق في سن ضابط ولا إبداء رأى في غير دعاوى تابعيهم، وقد ناب عن السويد معتمد دولة الألمان وعن الدانمرك المعتمد البريطانى. أما الدولة العلية العثمانية فكان ابتدأ بمباشرة دعاوى تابعيها وهي أربعة دعاوى معتمد فرنسا بصفة نائب الرئيس ثم بعد أن أعلنت قنصلية إنجلترا بالثغر أنها كلفت رسميا بحماية رعايا تركيا رجع إلى مباشرة الدعاوى، المذكورة معتمد إنجلترا (المستر تورون). فكان عدد الدعاوى التي عرضت على البحث 3506، والقيمة المدعى بها فرنكات 26، 478، 366، 17 والقيمة التي حكمت بها اللجنة فرنكات 13, 69، 642، 57. ثم أضيف لذلك دعاوى تقدمت على المواضع والأملاك التي احتلتها الجنود الفرنسية الإصبانية وعدد دعاويها 61 والقيمة التي حكمت بها اللجنة الدولية فرنكات 195، 710، 85.

[صورة] رئيس اللجنة التنجيزية لأداء غرامة الدار البيضاء الخليفة السلطاني سيدي محمَّد الأمراني عن يساره الحاج عبد الرحمن لحلو وعن يمينه الأمين السيد العربي بن كيران هؤلاء الثلاثة مغاربة وعن يسار الحاج عبد الرحمن لحلو طيطوتي نائب إيطاليا وبينه ويين الخليفة السلطاني ثورن الإنجليزي ورريو الفرنسي ولابليخا الإصباني وبين الخليفة السلطاني وابن كيران شامبير ذونفرو ومكى الفرنسي كاتب اللجنة.

ولم يتم أمر ذلك حتى جاءت الدولة الحفيظية، وتخلى الخليفة المولى الأمين عن وظيف الخلافة، وولى مكانه أبو عبد الله محمَّد الأمرانى آتى الترجمة، وفي مدة توليته تمت المسألة ووقع الأداء بطنجة. هذا وأما أبو زيد عامل البلد المذكور فقد ألقى عليه القبض وثقف على ظهر الدارعة "كليلى" عقوبة له على ما أجرم ثم سرح بعد. ووقع القبض على بعض النهاب، وأعدم البعض منهم حينا ودفن ما يزيد على ثلاثمائة من المسلمين، ووجد بين الأسوار وتحت أطلال الهدم والردم والجهة التي خرقت عدد عديد من الجثث. ثم بعد التطهير بالحريق ابتدئ في تنظيم أمور الديوانة، وكان المتولى للأمر إذ ذاك (الكمندان منجان) وعلال بن عب الطنجى خليفة الخليفة السلطانى المذكور. وأما السور الجديد -الذي ذكرنا أن الناس التجأوا إليه لما دهاهم من ضرب الدوارع الحربية ما دهاهم- فهو عبارة عن فسيح يحتوى على عدة هكتارات محاط بالسور من جهاته الأربع، بها أبراج محكمة البناء كان بناه السلطان المقدس مولاى الحسن وقصده أن يتخذ قصبة تختط بها دور الأجانب الأوروبيين النازلين بذلك الثغر من قناصل وتجار وغيرهم سعيا وراء جلب الراحة إليهم، وإبعادا لهم عمن يخالفهم في العوائد ويباينهم في الذوق، إذ لا تتم الراحة للإنسان إلا بجعله مع مجانسه وملائمه وتمكنه مما اعتاد على الطراز الذي ألف من غير منتقد ولا مشغب وكان بناؤه إياه على يد الأمينين محمَّد بن سعيد المعروف بالكدر، ثم الحاج عبد الخالق فرج محتسب الرباط الشهير بالمواقف والمناقب والغيرة الوطنية والصدق والإخلاص والأمانة، ثم لما مات السلطان البانى ولم يتم ما كان أراد بقى المحل معدا لتخييم الجيوش المخزنية وقتما مرت بذلك الثغر، وقد تتفسح فيه أهل

البلد عند فراغه من الجيوش وبالأخص في زمن الربيع، وتقام به نزهة سلطان الطلبة، ثم بعد الواقعة أحدث فيه شارع عمومى. واتخذ بجانب منه مستشفى عسكرى لا زال قائم العين إلى الآن. ولقد كان لهذه الحادثة الحالكة دوى ورنة في العالم تناقلتها السنة الجرائد الرائجة في ذلك العصر عربية وعجمية وذهب الكتاب في أسبابها كل مذهب كل على حسب أغراضه الشخصية ومغامزه السياسية والحقيقة وراء جل ما حبروا وخبروا. ومدينة الدار البيضاء هذه هى المعروفة في كتب التاريخ قديما باسم آنفا، وهى واسطة بلاد تامسنا وإحدى عواصم برغواطة، قد كان بعد تقلص ظلمهم أنزل بها يعقوب المنصور الموحدى عرب جشم بن معاوية وسليم وبنى هلال بن عامر، وقد هلك أكثر هؤلاء بالأندلس في واقعة الناصر الموحدى في قضيه العقاب، فقل عددهم ووقع الفراغ المحسوس في وطنهم، فلما كانت دولة بنى مرين عمد يعقوب ابن عبد الخالق لنقل طوائف من أهل المغرب الأوسط لما غلب على بنى زيان واستولى على جنوب بلادهم إلى جنوب الزاب، فكان ممن نقلهم لضواحى آنفا قبيلة المذاكرة من عرب سويد الهلاليين إخوة رباح، ومن المذاكرة قبيلة صبيح كان منهم في دولة بنى مرين الوزراء وأرباب الدولة، ونقل معهم أوزاعا من توجين ومزاب من زناتة ومغراوة من رنانة أيضا، وأشغلهم بالقيام على إبل الدولة وشائها، فأطلق عليهم اسم الشاوية وذلك سنة ست وسبعين وستمائة وجعلوا مقر رياستهم مدينة آنفا، فلم يلبسوا أن خالفوا على الدولة وقطعوا السابلة وأساءوا الجوار مع غيرهم، فزحف إليهم أبو ثابت بن يوسف بن يعقوب بن عبد الحق المرينى سنة سبع وسبعمائة فأرغمهم على الطاعة وقبض على ستين رجلا من شيوخهم وأودعهم سجن قصبة آنفا، وقطع رءوس عشرين من عتاتهم قاطمى السبيل وصلبهم على أسوار آنفا.

[صورة] باشا الدار البيضاء بو بكر ابن بو زيد على ظهر الباخرة أسيرا

وفى سنة ست وسبعين وستمائة نزل عليها أسطول البرتغاليين فهد أسوارها وخرب أبنيتها وصيرها أثرًا بعد عين وذهب لحال سبيله، ثم نزل إليها سنة عشرين وتسعمائة فأسس بناءها وسماها بلغته الدار البيضاء، وكان اسمها في القديم البيضاء كما ذكره أبو عبيد. ولم يزالوا بها إلى أن أخرجهم منها السلطان سيدى محمد بن عبد الله سنة أربع وخمسين ومائة وألف، وعمرها بقبائل الشاوية أهل الناحية، ولم يزل لملوك دولتنا من حفدته وبنيه اهتمام بها وبنظائرها من الثغور المغربية وحياطتها شرعا وسياسة إلى الدولة العزيزية. ولنذكر لك جزيئات على سبيل التمثيل ليقاس عليها. فمن اهتمامها أى الدولة العزيزية بحياطتها لو وجدت على ذلك أعوانا وأكفاء ما وقفت عليه في ظهائر عديدة دونك لفظ أولها بعد الحمدلة والصلاة والطالع العزيزى الشريف. "خدامنا الأرضين أمناء مرسى الدار البيضاء، وفقكم الله، وسلام عليكم ورحمة الله، وبعد: فقد أخبر الأمين الطالب عبد السلام والزهراش الرباطى بأن المهراسين الذين بالبرج اليزيدى أحدهما ملقى على الأرض والآخر بمحل الإشارة خارج البرج على سرير مكسر، وكانت له طبلتان تلاشى فراشهما واندثر بناؤهما بإهمالهما وتراكم الأزبال حولهما من النوائل والبناءات، وعليه فنأمركم بالوقوف على عين المحل الذى به مهراز الإشارة وتنظيفه وتصوينه ورده لحالته القديمة وتجديد سرير المهراسين كما كانا بما يحتاج إليه ورد البال لذلك في المستقبل، وقد أمرنا العامل بالوقوف معكم وشد العضد في ذلك والسلام في 17 جمادى الثانية عام 1325".

ونص ثانيها: "خدامنا الأرضين أمناء مرسى الدار البيضاء حرسها الله، وفقكم الله، وسلام عليكم ورحمة الله، وبعد: فقد بلغ لعلمنا الشريف أن محل ترسية الفلائك بتلك المرسى مفتقر للتحسين والإصلاح، وأن صائر حصول المقصود من ذلك قوم بنحو سبعة آلاف فرنك وعليه فنأمركم أن تشرعوا في إصلاح ذلك بما تحسن به هيئته من الصفات المرادة والسلام في 32 شوال الأبرك عام 1325". وينضاف إلى ما ذكر من حياطتها اهتمامها بحياطة الطرق والأطراف، ويكفى في التنبية فيه ظهيران شريفان وقفت عليهما دونك لفظهما بعد الحمدلة والصلاة والطابع الشريف: "خدامنا الأرضين أمناء مرسى الدار البيضاء المحروسة بانله، وفقكم الله، وسلام عليكم ورحمة الله، وبعد: فقد أخبر القائد قاسم الأودى أن المئونة مقطوعة عن إدالة إخوانه الذين بقصبة الصخيرات من وقوع الحادثة هناكم، وعليه فنأمركم أن تبينوا ما توفر لهم من المئونة في المدة التي لم يتوصلوا بها وتكونوا تؤدونها لهم على العادة والسلام في 5 قعدة عام 1325". "خدامنا الأرضيين أمناء مرسى الدار البيضاء المحروسة بالله وفقكم الله وسلام عليكم ورحمة الله، وبعد: فقد أخبرنا القائد قاسم الأودى إدالة إخوانه الذين بقصبة الصخيرات يسألون للأمناء قبلكم من قبل مئونتهم واجب أربعة أشهر كما يسألون لكم واجب ستة أشهر دفعتم لهم منها واجب شهر واحد وعليه فنأمركم أن تدفعوا لهم ما يسألونه لكم وللأمناء قبلكم من قبل ذلك والسلام في 22 حجة الحرام عام 1325".

ونص آخر بعد الحمدلة والصلاة: "خدامنا الأرضين أمناء مرسى الدار البيضاء المحروسة بالله، وفقكم الله، وسلام عليكم ورحمة الله، وبعد: فقد أخبر القائد إدريس بن العربى الأودى أن إدالة إخوانه الذين بقصبة الصخيرات يسألون من قبل مئونتهم المنفذة لهم بالمرسى هنا كم واجب عشرة شهور وقد لحقهم الضرر من ذلك وعليه فنأمركم أن تبينوا الواقع في ذلك وذمة من توفرت لهم هذه المدة وقدر ما توفر لهم فيها والسبب في عدم تمكينهم منها لنرى في ذلك السلام في 32 جمادى الأولى عام 1326". وكذا اهتمامها بضبط الصادر والوارد الذى يكفى في التنبيه عليه ظهيرانِ شريفان وقفت عليهما ودونك لفظهما بعد الحمدلة والصلاة والطابع السلطانى: "خدامنا الأرضين أمناء مرسى الدار البيضاء المحروسة، وفقكم الله، وسلام عليكم ورحمة الله، وبعد: فقد طلب من على جنابنا الفريلية الصبنيوليون إتمام الإنعام عليهم بعد بحث حوائجهم الخاصة بهم المسرح لهم دخولها بدون أعشار واستظهروا بظهائر شريفة لأسلافنا الكرام مصرحة بعدم فتح صناديقهم التي ترد لهم، وقد ساعدناهم على طلبهم ونأمركم أن تجروا حوائجهم مجرى حوائج القناصل في دخولها من غير فتح ولا تفتيش والسلام في 21 حجة عام 1325". لفظ الثانى: "خدامنا الأرضين أمناء مرسى الدار البيضاء المحروسة، وفقكم الله، وسلام عليكم ورحمة الله، وبعد: فالسلاح الذى تسرحون إدخاله للمرسى على مقتضى ضابطه نأمركم بأن تكونوا تقبضون من صاحبة ما يلزمه في أعشاره بحسب عشرة في المائة، لأن مضمن ما يأتى به إليكم من طنجة هو التسريح فقط لا إسقاط الأعشار، والسلام في 22 ربيع الثانى عام 1326".

ومن اهتمامها بالملاجئ الخيرية فيها وأمر المسجونين ما وقفت عليه في ظهائر شريفة عزيزة نص أولها: نأمر خديمنا الأرضى ناظر أحباس الولى الصالح سيدى أبى الليوث بمحروس ثغر الدار البيضاء أن يكون يدفع الأجرة المتعارفة للمعلمين الذين يختانون الصبيان اليتامى وأولاد الضعفاء بالزاوية القادرية هنالك، وأن يكسوهم بما يناسب حالهم كل عام وقت الاختتان من فتوحات الولى المذكور والسلام في 8 ربيع الثانى عام 1316. ونص الثانى: "خديمنا الأرضى ناظر الشيخ أبى الليوث بمحروسة ثغر الدار البيضاء، وفقك الله، وسلام عليك ورحة الله، وبعد: فقد بلغ علمنا الشريف أن المرضى. من الأفاقيين وأهل البلد الذين لا مأوى لهم يمرضون في الطرقات وينقلون لبيوت خارج المدينة ويبقون هنالك حتى يموتوا جوعا وعطشا، وقد اقتضى نظرنا الشريف جمعهم بالبيوت التي قرب ضريح الشيخ المذكور، فنأمرك أن تجمعهم فيها وتخص الرجال ببيوت منها والنساء ببيوت منها كذلك بعد أن تصلح ما لا بد من إصلاحه منها وتزيد ما يتوقفون عليه من البيوت وتكون تدفع لكل مريض خبزتين أو ثمنهما في كل يوم، ومن توفى منهم يقوم بتجهيزه ناظر المواريث، ومن حصلت له العافية بتوجه لحاله وتسقط مئونته، ومن زاد تزاد له مئونة أمثاله، وهكذا وقد أمرنا الخديم أحمد المديونى بالوقوف في ذلك وشد العضد فيه حتى ينفذ شريف أمرنا على مقتضاه، والسلام في 6 قعدة عام 1318". ونص الثالث: "خديمنا الأرضى ناظر أبى الليوث وأحباس الدار البيضاء الطالب إدريس

الفيلالى وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله، وبعد: فقد وصل جوابك عما أمرت به من تنفيذ الخبز للمرضى والأفاقيين وجعل البيوت لهم، بأنك نفذت ترتيب الخبز لهم من مستفاد الضريح المذكور غير أن العامل أطلعك على كتاب شريف بأن الصائر يكون من ربيعة الشيخ مع أن الربيعة تفتح على يد أمناء المرسى والقاضى ويفرق ما يوجد فيها، فالثلث على الضعفاء القاطنين بجوار الشيخ، والباقى يصير في ختان اليتامى وأبناء الضعفاء، وتعين عليك أن تصير على المرضى مما تحت يدك من المستفاد مبادرة لامتثال ما أمرناك به والعمل على ما يصدر لك في المستقبل، وعليه فإن الذى يكون عليه عملك هو أن الصائر يكون ثلثاه من وفر الأحباس الكبرى، والثلث الواحد هو الذى يكمل من فتوحات الولى المذكور، وما عداه من بقية الفتوحات ينفذ في مصالحه ووظائفه المعهودة فيه، فليجر عملك عليه، وقد كتبنا للقاضى والأمناء والعامل بمثله، والسلام في 15 قعدة عام 1319". ونص الرابع: الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله ثم الطابع الشريف بداخله عبد الحفيظ بن الحسن وفقه الله. "خديمنا الأرضى ناظر أحباس الدار البيضاء وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله، وبعد: فنأمرك بتنفيذ عدد الخبز الذى كان يدفعه أمين المستفاد كل يوم. للأفاقيين الذين بسجن البلد بعد تسرادهم مرتين في كل شهر, وصير ذلك من جملة صوائر الأحباس، وقد كتب لعامل البلد بذلك، والسلام في 28 محرم عام 1329 استقل".

ونص الخامس: "خدامنا الأرضين أمناء مرسى الدار البيضاء المحروسة وفقكم الله وسلام عليكم ورحمة الله، وبعد: فقد أخبرنا باشادور الفرنسيس أن المقبرة المعدة لدفن الأجانب هنالك ضاقت عليهم وطلب زيادة بقعة أخرى بجوار المقبرة المذكورة وبمحل آخر يكون طولها خمسين مترا وعرضها كذلك ليجعلوه مقبرة لذلك، وقد ساعدنا ونأمركم أن تجتمعوا مع عمنا مولاى الأمين وأمين المستفاد والناظر وتتفاوضوا في تعيين بقعة هنالك تصلح لما ذكر في مجاورة المقبرة القديمة أو بمحل آخر وتبينوا قدرها وتوجهوا لشريف حضرتنا صورتها ليظهر، وقد كتبنا لعمنا المذكور والخدام المذكورين بمثله، والسلام في 11 قعدة 1325". ونص السادس: "خديمنا الأرضى ناظر أحباس ثغر الدار البيضاء المحروسة، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله، وبعد: فقد أخبر باشادور الفرنسيس أن المقبرة المعدة لدفن الأجانب هنالك ضاقت عليهم وطلب زيادة بقعة أخرى بجوار المقبرة المذكورة أو بمحل آخر، يكون طولها خمسين مترا وعرضها كذلك ليجعلوها مقبرة كذلك، وقد ساعدنا ونأمرك أن تجتمع مع عمنا الأرضى مولاى الأمين والخديم المديونى وأمناء المرسى وأمين المستفاد وتتفاوضوا في تعيين بقعة هنالك تصلح لما ذكر في مجاورة المقبرة القديمة أو بمحل آخر، وتبينوا قدرها وتوجهوا لشريف حضرتنا صورتها ليظهر، وقد كتبنا لعمنا المذكور والخدام المذكورين بمثله، والسلام في 11 قعدة عام 1325".

ونص السابع: "خدامنا الأرضين أمناء مرسى الدار البيضاء المحروسة بالله، وفقكم الله، وسلام عليكم ورحمة الله، وبعد: وصل جوابكم عن أمرنا الشريف الصادر لكم بالاجتماع مع عمنا الأمين والخديم المديونى وأمين المستفاد والناظر للمفاوضة في تعيين البقعة التي طلب باشادور الفرنسيس زيادتها لدفن موتى الأجانب بها بجوار مقبرتهم القديمة ثمة، بأنكم اجتمعتم لذلك وبعد المفاوضة خرجتم لتعيينها صحبة القبطان نائب الفرنسيس ثمة وترجمان قنصلهم، فاختاروا البقعة التي سميتم ونفذ لهم القدر المطلوب منها وميزوه وشرعوا في الدفن فيه وصار بالبال، والسلام في 26 صفر عام 1326". ومن اهتمامها بالتعليم ونشر العلم ما وقفت عليه في ظهائر تتعلق بنصب المدرسين وتنفيذ الرواتب لهم وللخطباء دونك نص أحدها: "خديمنا الأرضى ناظر أحباس الدار البيضاء حرسها الله، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله، وبعد: فنأمرك أن تنفذ للطالبين المدرسين الواردين لهناك من فاس بقصد التدريس وبث العلم دارا من دور الأحباس لنزولهما وعشرين ريالا للواحد من مدخول الأحباس في كل شهر حتى تكمل مدتهما وهى سنة واحدة ليعين بدلهما عند انقضائها بحول الله على يد قاضى فاس والسلام في 16 جمادى الأولى عام 1326". ونص الثانى: "خديمنا الأرضى ناظر أحباس الدار البيضاء المحروسة بالله الطالب إدريس الفيلالى وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله، وبعد: فقد أصدرنا أمرنا الشريف لقاضى فاس بتعيين فقيهين مدرسين وتوجيههما على يد خليفة العامل ثمة واصلين

للثغر المذكور بقصد بث العلم ونشره وتدريسه به والتمشى على الضابط المبين بطرته، وأمرنا أمناء دار عديل لتوجهه لهم من وفر الأحباس المذكورة بعد بيانه، وعليه فنأمرك أن توجه لهم ما يدفعونه لهما في ذلك عند تبيينهم ذلك لك بفور وصوله إليك على يد العامل ثمة ليوجهه لهم بواسطة خليفة عامل فاس، فقد أمرناهما به كما نأمرك أن تعين لهما محلا مناسبا لهما للنزول وتنفذ لهما المئونة التي تحصل لهما للكفاية بها من الأحباس بعد إعلام جانبنا العالى بالله بقدرها والسلام في 13 صفر عام 1316". والضابط المشار له هو ما لفظه في أول النهار نصاب في المختصر بما يناسب المبتدئين، ومن الساعة العاشرة إلى الزوال نصاب في التحفة كذلك، ومن الظهر إلى العصر نصاب في النحو بالألفية، وبين العشاءين نصاب في الرسالة أو المرشد، وفى بكرة الخميس أو الجمعة نصاب بالجرومية لصغار المتعلمين. انتهى. ونص الثالث: "نأمر ناظر الأحباس بالدار البيضاء حرسها الله أن يكون يدفع من مستفادها آخر كل شهر لكل واحد من الفقيهين السيد محمد بن الطاهر بنانى، والسيد محمد بن محمد الصنهاجى ثلاثين ريالا في مرتبه الشهرى إعانة له على تدريس العلم الشريف بها والسلام، صدر به أمرنا المعتز بالله في عشرى رجب الفرد الحرام عام 1316". ونص الرابع: "خديمنا الأرضى ناظر الأحباس بمحروس ثغر الدار البيضاء، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله، وبعد: فقد أمرنا بإبدال الفقيهين المدرسين هنالك السيد محمد بنانى، والسيد محمد الصنهاجى، ونأمرك أن تدفع لكل منهما خمسين ريالا من وفر الأحباس صلة، والسلام في 25 رجب عام 1318".

ومن اهتمامها بضبط أحباسها ما وقفت علية في عدة ظهائر تتعلق بضبط أملاك أحباسها والإسراع لتدارك إصلاح ما يفتقر للإصلاح من رباعها وضبط المتصرفين فيها ورفع حساباتها دونك لفظ أولها: "خديمنا الأرضى ناظر الأحباس بالدار البيضاء حرسها الله، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله، وبعد: فنأمرك أن تجعل تقييدًا لجمع رباع الحبس الذى على يدك هنالك كل محل على حدته، وتقييد ما بإزائه اسم مكتريه وإن كان رعية فنبه عليه، وإن كان حماية فكذلك واذكر اسم حاميه، وإن كان أجنبيا فبين اسمه وجنسه، وقيد أمام اسم المكترى الكراء الذى يدفعه في ضلع وما يساويه اليوم كراء في ضلع آخر، ومن كان متقاعدا عن الأداء نبه عليه وبين سبب تقاعده، ثم قيد عقب ذلك المنفذ منها بدون كراء وبيد من هو، وهل يعتمره المنفذ له أو يكريه على يده، وهكذا إلى أن تأتى على جميعها على الوجه المذكور، ووجه التقييد بها واصلا لحضرتنا الشريفة والسلام في 28 جمادى الأولى عام 1315". ونص الخامس: بإمضاء النائب أبى عبد الله محمد بن العربى الطريس: "الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله، محبنا الأرضى ناظر أحباس الدار البيضاء: أمنكم الله، وسلام عليكم ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله، وبعد: فقد دعت الحاجة لمعرفة الأجانب وأهل الحمايات المتقاعدين على أملاك الأحباس هنا كم الممتنعين من إعطاء الواجب عليهم فيها، وعليه فبوصول هذا إليكم بينوا لنا كل من بيده ملك لجانب الحبس وهو متقاعد عليه ممتنع من أداء كرائه مع بيان قدر الكراء الذى يساويه كراؤه الآن، وعجلوا بذلك وعلى المحبة والسلام في 10 رمضان المعظم عام 1324 محمد بن العربى الطريس لطف الله به".

ونص السادس: بعد الحمدلة وما يتبعها من السلام والطابع السلطانى العزيزى الكريم: "خديمنا الأرضى ناظر الأحباس بالدار البيضاء حرسها الله، وفقكم الله، وسلام عليكم ورحمة الله، وبعد: فنأمرك أن تشرع في إصلاح ما لا بد منه من رباع الأحباس المتهدمة والمتخربة لما تقدم وقوعه هنالك وتتمشى على الضابط الممهد في إصلاحها بعد تقديم الأهم فالأهم منها، ومراعاة المصلحة في كل شيء، وقد أمرنا العامل بشد عضدك فيه والسلام في 13 قعدة الحرام عام 1325". ونص السابع: "خديمنا الأرضى ناظر أحباس الدار البيضاء، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله، وبعد: فنأمرك أن توجه لشريف حضرتنا العالية بالله حساب مدة خدمتك بالأحباس المذكورة داخلا وخارجا مبنيا على آخر محاسبة صدر بها أمرنا الشريف إن كانت، وإلا فمن يوم تصرفك إلى تاريخه مع بيان القدر الموفر الذى تحت يدك، كما نأمرك بأن تكون توجه لشريف أعتابنا عند استهلال المحرم من كل سنة نسخة من الحساب داخلا وخارجا مفصلا بكناش خاص والسلام في 17 صفر عام 1323". ومن اهتمامها بالتجارة والعدل فيها من غير مراعاة الجنسية ما وقفت عليه من ظهائر تعيين بقعة لنشر التجار الأجنبيين ما يشترونه من الجلود فيها، وظهير إنشاء بنك مغربى، وظهيرى إنشاء البوسطة، وظهير إنشاء المعاملة بالواردين ودونك نصوصها على التتابع، فلفظ الأول: "خدامنا الأرضين، أمناء مرسى الدار البيضاء المحروسة، وفقكم الله، وسلام عليكم ورحمة الله، وبعد: فقد كان طلب تجار الأجناس بذلك

الثغر البيضاوى المحوط تعين بقعة لغسل الجلود ونشرها هنالك، وكنا أصدرنا شريف أمرنا لكم وللعامل والناظر للمفاوضة في تعيين محل يصلح لذلك من محلات المخزن أو الأحباس، ويكون التجار يؤدون كراءه، ثم جدد الآن باشادور الألمان طلب تجاره ذلك، وعليه فنأمركم أن تجتمعوا مع خدامنا العامل وأمين المستفاد وناظر الأحباس وتتفاوضوا في تعيين بقعة لما ذكر مما لا ضرر فيه على المخزن ولا على أهل البلد بعد اتفاقكم مع التجار عليها وعلى قدر الكراء الذى يؤديه التجار فيه، وتعلمونا بذلك وقد أمرنا الخدام المذكورين بمثله والسلام في 28 قعدة عام 1325". ولفظ الثانى: "خديمنا الأرضى ناظر الأحباس بالدار البيضاء المحروسة، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله، وبعد: فقد أخبر نائب الألمان بأن التجار هنالك لما طولبوا بعدم نشر الجلود في المحل الذى ينشرونها به حرصا على تنظيف البلد احتاجوا لمحل آخر ينشرونها به وطلبوا تعيين محل بحومة السور الجديد هنالك لذلك، وقد أجيب بكون بقعة السور الجديد حوطها المخزن لغرض مهم ولا يمكن استعمالها فيما طلبوه، وأن أمرنا الشريف صدر بتعيين محل يصاح لما طلبوه وعند اختياره يحوطه ناظر الحبس ويكون التجار الذين ينشرون فيه يؤدون كراءه للحبس، وعليه فنأمرك أن تجتمع مع خديمنا القائد بو بكر بن بو زيد وأمناء المرسى والمستفاد وتتفاوضوا في تعيين محل مناسب لما طلبوه كالمحل الذى لجانب الحبس قبالة باب الرخى الفاصل عن محل الخزائن التي ستبنى للتاجر لام أو غيره، وإن يكن خارج البلد فهو أولى، ثم بعد اختياركم للمحل اللائق تشرع في تحويطه ويمكن التجار منه ويطالبون بأداء الكراء عنه للحبس، وقد كتبنا للعامل والأمناء بمثله، ولتعلم بالمآل في ذلك، والسلام في 18 رجب عام 1324".

ولفظ الثالث: "خديمنا الأرضى ناظر أحباس الدار البيضاء المحروسة، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله، وبعد: فقد كان طلب تجار الأجناس بذالك، الثغر البيضاوى المحوط تعيين بقعة لغسل الجلود ونشرها هنالك، وكنا أصدرنا شريف أمرنا لك وللعامل وأمناء المرسى بالمفاوضة في تعيين محل يصلح لذلك من محلات المخزن أو الأحباس، ويكون التجار يؤدون كراءه، ثم جدد الآن باشادور الألمان طلب تجارهم ذلك، وعليه فنأمرك أن تجتمع مع خدامنا العامل وأمناء المرسى وأمين المستفاد، وتتفاوضوا في تعيين بقعة لما ذكر مما لا ضرر فيه على المخزن ولا على أهل البلد بعد اتفاقكم مع التجار عليها وعلى قدر الكراء الذى يؤديه التجار فيها وتعلمنا بذلك، وقد أمرنا الخدام المذكورين بمثله والسلام في 28 قعدة عام 1325". ولفظ الرابع: "محبنا الأعز الأرضى الأمين السيد إدريس الفيلالى، أمنك الله، وسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله، وبعد: فلا يخفر، أن من جملة ما تضمنه وفق المؤتمر الدولى تأسيس بنك بالمغرب يسمى بالبنك المخزنى مؤلفا رأس ماله من بانكات الدول الذين حضر أعضاؤهم لجمع المؤتمر المذكور، وحيث لم يكن بهذه الدولة الشريفة بنك حالى يتولى دفع ما نابه في رأس مال البنك المخزنى من السهم المغربى، أنعم سيدنا أيده الله على بعض أعيان تجار رعيته السعيدة ليتولوا دفعه ويكون لهم السهم بالبنك المخزنى، ويستمدون نفعه على قاعدة أرباب السهام بالأبناك وليس من مقتضيات السياسة الوقتية والمصلحة الراجعة لجانب المخزن والرعية تسليم السهم المغربى لبقية الدول والإعراض عنه بالكلية، وقد رشح أيده الله للنيابة عن أرباب السهم المغربى بالبنك المذكور الأمين الحاج إدريس بن

جلون، وتوجه لما هو بصدده من ذلك العمل بطنجة ملتزما بواجب السهم المغربى ودفع ربعه حالا، وحيث كنت من جملة المقسط عليهم السهم المذكور فيأمرك مولانا أيده الله بمجرد وصول هذا إليك أن توجه للأمين المذكور واجبك في ربع السهم وقدره خمسون ابرة سكة الفرنك يجب فرنك 1250 وبنفس ما يعلمك بتوجيه الربع الثانى وجهه له من غير تأخير، وهكذا إلى أن تكمل له واجبك في ذلك وقدره مائتا ابرة، وما توجهه له من ذلك يكون يجيبك عنه بالتوصل وحلوله محله ليكون جوابه حجة لديك كما تكون مصارفتك معه فيما ينوبك من الربح في ذلك وعلى المحبة، والسلام في 12 حجة الحرام عام 1324 محمد التازى". ولفظ الخامس: "خديمنا الأرضى ناظر أحباس ثغر الدار البيضاء المحروس بالله، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله، وبعد: فإن سفير الفرنسيس بشريف أعتابنا أخير بأنهم توقفوا على محل متسع لترتيب بوسطاهم هناكم به وطلب جعل تأويل معهم في محل المخزن المعروف بأروى الأمناء ثمة إما بالكراء أو غيره ليجعلوه محلا للبوسطة، وعليه فنأمرك أن تقف مع خدامنا أمناء المرسى وأمين المستفاد ثمة على عين المحل المذكور، وتخطوا صورته على حالته الآن وتوجهوها لشريف حضرتنا وتبينوا قدر مساحته وقدر كرائه الآن وما يساويه من الكراء بعد أن يبنى على كيفية البوسطى وقدر ما يصير على بنائه ليظهر، وقد كتبنا لخديمينا المذكورين بمثله والسلام، في شوال عام 1325". ولفظ السابع: "الفقيه الأرضى السيد أحمد بن سودة سددك الله، وسلام عليك ورحمة الله، وبعد: فقد اقتضى نظرنا الشريف تأسيس ضابط لعقد المعاملات التي تكون بين تجار الأجناس وبين المشترين منهم بالواردين على وجه يرتفع به الضرر عن

الجانبين، وهو أن لا يبيعوا لأحد شيئا بـ (الوردن) إلا بشهادة عدول ثقات يعينهم القاضى لذلك بكل بلد، بحيث لا يشهدون إلا بإذنه مع إذن العامل لذلك على شرط أن يكون المشترى مليا وأن يضمنه أربعة من أهل خطته، ومن لم تكن بيده هذه الشهادة العدلية بإذنه وإذن العامل وبهذين الشرطين وادعى على أحد بشيء فلا تقبل دعواه ولا شيء له، نعم من أراد أن يبيع لأحد شيئا بدون هذين الشرطين بعد تقريرهما له وطلب من القاضى والعامل الإشهاد فقط من غير ضمان ولا ثبوت ملاء فيشهد عليه أولئك العدول أنه رضى ذمة ذلك المشترى بعد أن علم أنه ليس بملى وليس له ضامن وأنه منه إليه ولا يدعى بدعوى فيه إن تعذر له شيء عنده بخسارة أو عدم أو نحو ذلك، وكذلك يكون هذا الضابط بعينه في المخالطات التي تكون بغير الواردين من سائر المعاملات، وعليه فنأمرك أن تحضر مع الباشا حين يستدعيك لتأسيس هذا الضابط المذكور عند ظهور أحد من تجار الأجناس هناك بقصد إرادة المعاملة مع الناس بالواردين أو بغيرهما، وتحضروا تجار مكناس حرسها الله من مسلمين ويهود وعراف الحرف وتقرروا لهم أمره، وتعين أربعة من ثقات العدول وصدورهم وتبين أسماءهم لوصيفنا الباشا المذكور، وتقصر عليهم الإشهاد بما ذكر بعد أن تشترط عليهم أن يستأذنوك في كل شهادة، وكذلك الباشا لتكون على الشرط المذكور والضابط المحصور وتحذر من عداهم من الإقدام على الإشهاد لشيء من ذلك ومن خالف منهم تلزمه العقوبة الشديدة، وخذ في ذاك بالجزم ورد البال والتيقظ وعدم التساهل، لأن العدول في عهدتك وقد كتبنا للباشا بهذا وأكدنا عليه في الوقوف عنده والاحتياط فيه والمضى معك على مقتضاه، والسلام في 23 صفر عام 1313". ومن اهتمامها بضبط ماليتها ما تقدم من ضبط أمنائها والمراقبين عليها ما وقفت عليه في ظهيرى تعيين أجور الأمينين والعدلين وظهير توجيه حسابات مستفادات المرسى كل أسبوع، ودونك لفظ الأول بعد الحمدلة والصلاة والطابع. السلطانى:

"خديمينا الأرضين أمينى الموضوع بمرسى الدار البيضاء المحروسة بالله وفقكما الله، سلام عليكما ورحمة الله، وبعد: فنأمركما أن تكونا تقتصران في أجرتكما على مائتى ريال تثنية مشاهرة لكل منكما وفى أجرة العاملين معكما على مائة ريال مفردة مشاهرة لكل واحد منهما وذلك من شهر تاريخه، والسلام في 7 صفر عام 1326". ونص الثانى: بعد الحمد له والصلاة والطابع المنيف: "خدامنا الأرضين أمناء مرسى الدار البيضاء، وفقكم الله، وسلام عليكم ورحمة الله، وبعد: فلأجل مصلحة تخفيف صوائر المرسى من حيث هى: اقتضى نظرنا الشريف أن يكون قدر راتبكم الشهرى وراتب العدول معكم مائتى ريال بالتثنية وعشرين ريالا للأمين الأفاقى معكم، ونصفها وهو مائة ريال وعشرة ريال للعدل الأفاقى معكم، ومائة وخمسون ريالا للأمين البلدى منكم، ونصفها وهو خمسة وسبعون ريالا للعدل البلدى معكم، وعليه فنأمركم بأن يكون عملكم في تصيير الرواتب المذكورة على مقتضى ما ذكر ولتثبتوا نسخة من كتابنا هذا بمحله من كناش ضابط خدمة المرسى ليتمشى عليه الأمناء بعدكم، والسلام في 17 صفر الخير عام 1326". ولفظ الثالث: بعد الحمدلة والسلامة والطابع السلطانى: "خدامنا الأرضين أمناء موضوع مرسى الدار البيضاء المحروسة بالله وفقكم الله، وسلام عليكم ورحمة الله، وبعد: وصل كتابكم بمحصل الأسبوع المغيا بسابع شهره وصار بالبال زكاه الله ونماه والسلام في 23 جمادى الثانية عام 1326".

البيعة الحفيظية

فهذه جملة يعتبر بها غيرها استطردناها تنبيها على أن أمراءنا كان لهم الشغف بضبط ما ولوا عليه لو أسعدهم الدهر بولاة أهل كفاءة واقتدار مثل صاحب الترجمة. البيعة الحفيظية: ولم يزل أمر الدولة ينحل، ونظامها يختل، إلى أن قام بعض رؤساء من أعيان القبائل الحوزية يدبر في رتق ذلك الفتق عسى أن ترجع المياه لمجاريها، فأداه اجتهاده إلى أن ذلك لا يتم إلا بجمع الكلمة على مبايعة الخليفة السلطانى الذى كان بين أظهرهم بالحضرة المراكشية في ذلك الحين وهو المولى عبد الحفيظ لحزمه ونجدته ونباهته وتيقظه وعلمه، فأعلنوا بنصره وخلع أخيه المولى عبد العزيز بمراكش صبيحة يوم الجمعة سادس رجب عام خمسة وعشرين وثلاثمائة وألف، وفى ذلك قال الأديب السيد عبد الله التادلى الرباطى مؤرخا: قد بدا عبد الحفيظ المرتضى ... ملكا ما مثله قبل ملك سأل الإقبال ما تاريخه ... قلت يا إقبال (بشر بالملك) وأسباب الخلع والبيعة مبنية في صك بيعتهم التي وقعت بعد أخذ فتوى العلماء في المخلوع وكفاءته وتلت بيعة مراكش بيعة الجديدة وآسفى، إلا أنهما أعيدتا بعد لطاعة المخلوع. ولما قدم المخلوع للرباط بنية استرجاع طاعة مراكش إليه أعلن بخلعه أيضا بفاس يوم الجمعة ثانى وعشرى قعدة الحرام عام خمسة وعشرين المذكور بعد استفتاء العلماء في شأنه وإفتائهم بوجوب عزله ليقضى الله أمرا كان مفعولا، ومن

[صورة] السلطان السابق مولانا عبد الحفيظ

الغد بويع بها للمولى عبد الحفيظ بعد هرج ومرج تركت لغيرى تفصيله، وكان ذلك على شروط مندمجة في عقد البيعة وهى من إنشاء أبى العباس أحمد بن عبد الواحد بن المواز صدر الكتاب وواسطة عقدهم ودونك لفظها: الحمد لله الذى جعل كلمة الحق هى العليا، وأرشد المؤمنين من عباده لاتباع مقتضياتها أمرا ونهيا، وفضل الأمة المحمدية على سائر الملل والأجناس كما فضل آل بيته الكريم على الناس، وشرف هذا الوجود بمن يرقيه الله من خيارهم منصب الخلافة، فيتبع في الشريعة والعدل والسياسة سنة جده، ويقتفى في ذلك الكرام أسلافه، تصديقها لقوله - صلى الله عليه وسلم - ولاية أهل بيتى، أمان لأمتى. نحمده سبحانه أن تفضل على المسلمين بالهداية لقبلة الرشاد، والتمسك بحبل التوفيق والإسعاد، والعدول عن مواضع الزيغ والتفريط والعناد، ونشكره أن هدى خاصة الأمة وعامتها لتقليد من يوفى بالعهود الشرعية، ويقوم بحفظ الدين ومصالح الرعية. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذى يؤتى الحكمة من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء. ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الشفيع في أمته يوم يتميز القاسطون من المقسطين، والحافظون للأمانة من المفرطين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين اجتهدوا في كشف غياهب الضلال، وكانوا يميلون مع الحق حيث مال، ولا يحابون من يتساهل في أحكام الشريعة بحال. أما بعد: فإنه لما أراد الله تعالى أن يزيح ليل الجهالة عن عباده، وأن يجدد الدين بمن يطلعه شمسا في أرضه وبلاده، ليعود عز الإسلام لشبابه، ويبقى استناد الإمارة العلية إلى سنته وكتابه، وتعلقها من الشرع بأسبابه، تدارك سبحانه

الوجود، وأعز العالم الموجود، واستطارت الأنوار المضيئة للأغوار. والنجود، بمبايعة من يُعيد الله به شمس الخلافة إلى برج شرفها، ويرد به نقطة العدل والحلم إلى مركزها، ويحيى به أثر الخلفاء الراشدين، ومكارم الأسلاف الكرام المهتدين، وهو من حاز من الأوصاف الكاملة غايتها، وبلغ من المزايا الجسيمة نهايتها، فاكتسى العلم لباسا، والشجاعة أتراسا، واتخذ العلم أساسا، والحلم شعارا، والكرم دثارا، والدين قواما، والسياسة الشرعية نظاما، مولانا أمير المؤمنين ابن مولانا أمير المؤمنين الذى جعله الله خير آية ناسخة، وأثبت له في الكمالات قدما راسخة، نخبة الخلافة العلوية، وجوهرة عقد المملكة الإسلامية، المتفاءل باسمه، في حفظ الإسلام ورسمه، أبو المعالى مولانا عبد الحفيظ بن مولانا الامام المقدس بالله سيدنا الحسن ابن ساداتنا الملوك الكرام، المقدسين في دار السلام، لما ألقى الله له في قلوب الخلائق من الحب الجميل، والاعتقاد الذى هو بنصرة الدين كفيل فحبذا من إمام تهتز لذكره أعطاف المنابر، وتتقلد من شريف دعوته بأبهى من نفيس الجواهر، وتستضئ البلاد بإكليل شرفه الزاهر، وتسكن العابد تحت ظله المؤيد الوافر، أبقى الله أيامه، بقاء يستصحب النصر دوامه وخلد له ولأعقابه هذا الأمر الكريم إلى يوم القيامة، فانتدب من وقفت بهم مطية التوفيق، على حضرة الإخلاص والتصديق، وأخذت بهم أزمة السعادة إلى حيث الفوز برضا الله ورسوله حقيق، من جميع أهل فاس الإدريسية، لا زالت مصونة محمية، وسائر أشرافهم ورماتهم وعلمائهم وقضاتهم وكبرائهم ونقبائهم ومرابطيهم وصلحائهم وأعيانهم وخاصتهم وعامتهم وكذلك أهل فاس الجديد، لشمول التوفيق لهم والتسديد، على تقليد الجمع بيعة مولانا أمير المؤمنين المذكور، المختص بالسعد الباهر واللواء المنصور بيعة تؤسس على تقوى من الله ورضوان، ويشهد عقدها الكريم ملائكة الرحمان. فبايعوه كلهم على الأمن والأمانة، والعفاف والديانة والعدل الذى يشيد

للمجدار كانه، مبايعة شائعة على عقدها الكريم بحكم الوفاق، وعموم الاتفاق، والمواثيق الشديدة الوثاق، وبجميع الأيمان، الصادقة الإيمان، أعطوا بها صفقة أيديهم، ورفع العقيرة بها مناديهم. وندبوا إليها سائر القبائل التي بنواحيهم، عارفين أن يد الله فوق أيديهم وأمضاها الكل المجموعى والجميعى على السمع والطاعة، والانتظام في سلك الجماعة إمضاء يدينون به في الجهر والسر، والعسر واليسر، والتزموها رغبة منهم وطوعا، واستوعبوا شروطها أصلا وفرعا، وجنسا ونوعا، خالصة صادقة وعدة من الله بالخير لهم سابقة، وسعادة بالحسنى لاحقة، أبرءوا عقدها، وأحكموا عهدها، وعرضوا عليها أفرادا وأزواجا، وزمرا وأفواجا، وناداهم داعى السعادة إعلانا، لقوله تعالى {فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}. وكيف لا وهو المتصف بالكفاية الشرعية التي بينت في كتب الفقه بأن يكون مهتديا إلى مصالح الأمور وضبطا، ذا نجدة في تجهيز الجيوش وسد الثغور، وذا رأى مصيب في النصر للمسلمين، لا تروعه هوادة النفس عن التنكيل لمستوجبى الحدود. انتهى. فقد جعله الله زمام الأمور ونظام الحقوق والقطب الذى عليه مدار الدنيا وهو حمى الله في بلاده، وظله الممدود على عباده، به يمتنع حريمهم وينصر مظلومهم وينقمع ظالمهم ويأْمَنُ خائفهم قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ}. الآية، وقال أبو هريرة رضى الله عنه: "لما نزلت آية أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم قد أمرنا بطاعة الأئمة وطاعتهم من طاعة الله"، وفى الحديث عن مولانا على كرم الله وجهه: "إمام عادل خير من مطر وابل" وفى الحديث السلطان ظل الله في الأرض ورمحه، وفى الحديث من أجل سلطان الله أجله الله

وفى الحديث المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن وفى الحديث: "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" وسئل سهل أى الناس خير؟ فقال: السلطان، لأن لله في كل يوم نظرتين نظرة إلى سلامة أموال الناس، ونظرة إلى سلامة أبكارهم فيطلع في صحيفته فيغفر له ذنوبه وفى السراج ليس فوق السلطان العادل منزلة إلا نَبِىٌّ مرسل أو ملك مقرب. وقالت الحكماء: أسوس الناس برعيته من قاد أبدانها بقلوبها وقلوبها بخواطرها وخواطرها بأسبابها ولا غرو أن مولانا أمير المؤمنين، الذى انتظمت بيعته في أعناق المسلمين، أجل من صدقت فيه ظنونهم ونياتهم، وتوجهت إليه آمالهم وأمنياتهم، ومدت له الرعية أرمتها، وقدمت إليه الوفود أعنتها، راجين من شريف همته، وكريم عنايته، أن يلبسهم رداء نعمته. وينزلهم ظل كرامته، ويعمهم بسيرة المعدلة، ويشملهم بالحلم والفضل والرحمة المكملة، ويسعى جهده في رفع ما أضر بهم من الشروط الحادثة في الخزيرات، حيث لم توافق الأمة عليها ولا سلمتها ولا رضيت بأمانة من كان يباشرها ولا علم لها بتسليم شئ منها وأن بعمل وسعه في استرجاع الجهات المأخوذة من الحدود المغربية وأن يباشر إخراج الجنس المحتل من المدينتين اللتين احتل بهما ويزين صحيفته الطاهرة بحسنة استخلاصهما، وأن يستخير الله في تطهير رعيته من دنس الحمايات والتنزيه من اتباع إشارة الأجانب في أمور الأمة، لمحاشاة همته الشريفة عن كل ما يخل بالحرمة. وإن دعت الضرورة إلى اتحاد أو تعاضد فليكن مع إخواننا المسلمين كآل عثمان وأمثالهم من بقية الممالك الإسلامية المستقلة، وإذا عرض ما يوجب مفاوضة مع الأجانب في أمور سلمية أو تجارية فلا يبرم أمرا منها، إلا بعد الصدع به للأمة، كما كان يفعله سيدنا المقدس الحافظ للذمة، حتى يقع الرضا منا بما لا يقدح في دينها ولا عقائدها ولا في استقلال سلطانها.

وأن يوجه أيده الله وجهته الشريفة لاتخاذ وسائل الاستعداد، للمدافعة عن البلاد والعباد، لأنها أهم ما تصرف فيه الدخائر والجبايات، وأوجب ما يقدم في البدايات والنهايات، وأن يقرّ بفضله العيون والنفوس، برفع ضرر المكوس، ويحقق رجاء خدامه وكافة رعاياه بالذب عن حرماتهم ودمائهم وأموالهم وأعراضهم وصيانة دينهم وحياطة حقوقهم، وتجديد معالم الإسلام وشعائره بزيادة نشر العلم، وتقويم الوظائف والمساجد، وإجراء الأحباس على عملها القديم، وانتخاب أهل الصلاح والمروءة والورع للمناصب الدينية. وكف العمال عن الدخول في الخطط الشرعية، وترك ما أحدث من الجمع المستلزم لاستبداد الرؤساء بتنفيذ مراداتهم في القضايا والأغراض لما تحقق والحمد لله من كمال أوصاف مولانا الإمام، واعتماد المسلمين على كفايته في الأمر الخاص والعام. فهو أيده الله العضب الكافى، ورأيه العلاج الشافى، ومما يقتضيه حسن سيرته وكمال وفائه جميل الصنع بشريف القرابة وتقريب الصالحين، واعتبار مقادير الأشراف وأهل العلم والدين وإقرار ذوى الحرمة على ما عهد لهم من المبرات والاحترام، وظهائر الملوك الكرام، وإبعاد الطالحين، وإخساء المفترين والواشين، ومعاملة المؤمنين، بما تعودوه منه من أسلافه المقدسين، من إيثار العفو والحلم والأناة. وتجديد مآثر الخير في حالة العز والثبات وحسن الظن بسيدنا أيده الله حمل أهل مملكته الشريفة المتيمنين بكريم بيعته المنيفة على أن صدعوا لجلالته بما أثرت فيه مضرته، عالمين أنهم لا يكشف ما بهم إلا عناية مولانا المنصور وهمته، ومستسلمين مع ذلك إلى الله بالقلوب الخاشعة، ومبتهلين بالأدعية النافعة، أن يعرفهم الله خير هذا العقد الكريم بدءا وختاما ويمنحهم بركته التي تصحبهم حالا ودواما، لا رب غيره ولا خير إلا خيره، أشهدوا على أنفسهم بما فيه عنهم عموما

والواضعون أشكالهم عقبه خصوصا وهم عارفون قدره وأكمله وفى فاتح ذى الحجة الحرام عام خمسة وعشرون وثلاثمائة وألف. ولما خرج المولى عبد العزيز المخلوع إلى إرجاع مراكش لطاعته انكسر ورجع إلى الدار البيضاء، فبايعت طنجة أخاه المذكور يوم الأحد 24 رجب 1326 ثم العرائش والعدوتان سلا، وَالرباط -وكانت بيعتهما في يوم الثلاثاء 26 رجب المذكور- ثم الجديدة وآزمور يوم 28 منه ثم الصويرة يوم الأربعاء 12 شعبان عامه وهكذا. وكانت هذه البيعات مبعث ارتياح واستبشار من الناس بسلطانهم الجديد العالم فطفقوا يتفاءلون باسمه ويرجون أن يكون له من اسمه نسبة فتحفظ البلاد من أرزاء التفكك والانحلال، ويعود لها ما انتقص من أطرافها، وقال الشعراء في ذلك مظهرين شعور الأمة فكان من جملة ما قيل قول الأديب الكبير السيد أحمد ابن قاسم جسوس: بشرى الخلائق لا تزال تزيد ... هذا زمان كل أنه عيد ذهب العناء جميعه وتتابعت ... زمر الهناء بسيطها ومديد والبشر باد والسرور موفر ... والأنس يبدى ما يشا ويعيد وهى قصيدة من غرر منشآته. وقد حققت الأيام بعض ما كانوا يرجون على يديه، فقبض على أبى حمارة كما تقدم تفصيل ذلك قريبا، ولجسوس المذكور قطعة في ذلك يقول منها: لله من نبأ كدت أفراحه ... تترى لدينا بالنعيم الطيب نبأ الشقى المارق الفدم الذى ... كم شب من نار بقطر المغرب

74 - أحمد أبو العباس ابن الحاج عبد القادر بن علال العرائشى المكناسى النشأة والدار والإقبار.

نبأ الخبيث أبى حمارة والذى ... هو في المنابت لم يكن بالطيب أشقى الورى في عصره وقداره ... وغروره بتمرد وتوثب ولكن الفتق كان فوق قدرة الراتق فرغما عن هذا كله لم يزل الأمر ينحل، والرعية تتجرأ وتتمرد، إلى أن كان مما لست أذكره. هذا بعض مما حدث بموت المترجم أحمد بن موسى. ولو تتبعنا الأحداث التي وقعت بموته وتفاصيلها لاحتجنا لمجلدات، وبالجملة فترجمة هذا الرجل طويلة الذيل، بعيدة النيل، ما أجدرها بأن تفرد بالتأليف ولبعض الشاميين نزلاء المغرب فيه تصنيف سماه "الثغر البسام" في مآثر الوزير "أحمد بن موسى الهمام" في مجلد وسط أتى على تفاصيل من أحوله وسياسته ومزاياه وترجم لعدة من علماء المغرب بفاس والرباط. 74 - أحمد أبو العباس ابن الحاج عبد القادر بن علال العرائشى المكناسى النشأة والدار والإقبار. حاله: له معرفة بالفقه والنحو والفرائض، ومهارة تامة في الحساب والتوقيت والتعديل، ومعرفة الطوالع وأحكام النجوم والأوفاق والرمل، تولى خطة الكتابة مع شيخه العلامة الحاج المختار بن عبد الله، ثم الأمانة على أمراس خزن الحبوب والزيوت المولوية التي تجبى من أعشار الإيالة المغربية ثم الكتابة مع محتسب مكناس الحاج محمد بن العربى أجانا، ثم انسلخ عن ذلك كله وأقبل على تدريس الحساب والتوقيت والتعديل، ودرس القلصادى، ومنية ابن غازى، والمقنع وروضة الأزهار، وعمل الربع المجيب، والرسالة الستينية في الضرب، والقسمة، وتسهيل المطالب، ومنهاج ابن البنا، وابن العاشر، والجرومية، والألفية وغير ذلك فنفع الله به أقواما. ¬

_ 74 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2824

75 - أحمد بن الطالب بن سودة المرى.

مشيخته: أخذ عن العلامة الحاج المختار مختصر خليل والألفية، وعلى غيره ممن هو في طبقته من أعلام وقته، وأحذ التعديل والحساب والتوقيت وغير ذلك عن موقت مكناس السيد الجيلالى (¬1) الرَّحالى، وعن ميقاتى فاس السيد إدريس الحبابى، وبه كان كامل انتفاعه. الآخذون عنه: أحذ عنه الأستاذ المعدل أبو محمد عبد القادر بن المعطى دعى الصبيع بالتصغير، والوجيه الميقاتى الطالب العلمى بن رحال والعدل الفقيه ابو على الحسن المنونى، والطالب مصطفى بن موسى وخلق. وفاته: توفى رحمه الله في ذى الحجة عام ثمانية عشر وثلاثمائة وألف ودفن بالزاوية الناصرية من الحضرة المكناسية. 75 - أحمد بن الطالب بن سودة المَرِّى. قاضيها أبو العباس، وسودة بفتح السين وسكون الواو كما في شرح القاموس، وضم السين هو الجارى على الألسنة. حاله: كان أعجوبة الدهر، وفريد العصر، فقيها مشاركا بحرا لا يدرك له ساحل، جبلا راسخا في العلم والإتقان والتحرير والتحبير، عزيز المماثل، فارس مقدمة الفنون، محيط بعنوان تراجمها وأبواب وأسرار سرها المصون، عارفا بمعانيها وبديع محاسنها مع بيان ما انطوت عليه من فصيح الكلام وبليغة، من غير تنافر ولا مخالفة قياس في تأديته وتبليغه، حسن الإلقاء والتعبير، لا تكدر قاموس إملاءاته دلاء الباحثين، جهبذ حلاحل، بعيد الشأو في تحرير عويص المسائل. تولى نيابة قضاء مكناسة الزيتون بطلب من أخيه قاضيها أبى عيسى المهدى حسبما وقفت على جواب الوزير إذ ذاك للقاضى المذكور بإسعاف رغبته ونصه بعد الحمدلة: ¬

_ (¬1) تحرف في المطبوع إلى: "الجيلانى" وصوابه من إتحاف المطالع في الموسوعة 8/ 2789. 75 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع 8/ 2833 في موسوعة أعلام المغرب.

"محبنا الأرضى، العلامة الأحظى، السيد المهدى بن سودة، سلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته عن خير مولانا نصره الله، وبعد: فقد أنهينا لمولانا أيده الله ما ذكرت لنا في شأن ما أردت من استنابة أخيك الفقيه السيد أحمد فيما يكون من الدعاوى الصغار، فأذن لك في ذلك أثمر الله غرسه والسلام، في رابع رجب الفرد عام خمسة وسبعين ومائتين وألف محمد الصفار وفقه الله". ثم تولى خطة القضاء بآزمور مؤقتا عام خسة وثمانين ومائتين وألف على عهد السلطان سيدى محمد، ودونك نص ظهير توليته بعد الحَمْدَلة والصلاة والطابع السلطانى المحمدى: "أحباؤنا أهل آزمور كافة أعانكم الله وسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد: فإننا قلدنا الفقيه السيد أحمد بن سودة خطة القضاء بذلك الثغر السعيد على سبيل قضاء الحاجة مدة محدودة، وأياما معدودة، وأمرناه بفصل الخصوم، ومطالعة الرسوم، والحكم بمشهور مذهب الإمام مالك، أو بما به العمل سالكا في ذلك أوضح المسالك، فعليه بتقوى الله العظيم ومراقبته، في سره وعلانية، وعليكم بالسمع والطاعة، وتنفيذ جهده قدر الاستطاعة، والله ولى التوفيق، والهادى إلى سواء الطريق، والسلام في متمم رجب الفرد عام خمسة وثمانين ومائتين وألف". ثم طلب الإعفاء بواسطة الحاجب السلطاني إذ ذاك موسى بن أحمد فأسعف السلطان رغبته، وقفت على جواب الحاجب المذكور له عن طلبه ولفظه بعد الحمدلة والصلاة: "محبنا الفقيه العلامة القاضى أبا العباس سيدى أحمد بن الطالب بن سودة سلام عليكم ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله، وبعد: فقد وصلنا كتابك مجددا العهد بنا وسائلا عن أحوالنا، فأنا سائل عنك كذلك ونطلب الله أن يسلك

بنا وبكم أحسن المسالك، وعلمنا أنك تتشفع لنا بمولانا نصره الله في نقذك مما كلفت به لأنك أتيت على الأمر المحدود وطالبا أن تكون من العلماء الناشرين للعلم بالقرويين إذ هو الأسلم لدينك والأزكى لدنياك، ومستغيثا أن تحشر في زمرة ورثة الأنبياء لا زمرة القضاة، فقد أنهينا ذلك لمولانا نصرة الله ويسر الله في قضاء الغرض، وكتب مولانا أيده الله لنجله وخليفته الأسعد مولانا الحسن حفظه الله بأن ينظر من مراكش فقيها يصلح للغرض المذكور، وقد توجه له كتاب سيدنا أعزه الله بذلك وعلى محبتكم وطالب صالح دعائكم، والسلام في رابع قعدة عام 1285، موسى بن أحمد لطف الله به". ثم عين في جملة من عين من الأعلام للتوجه لطنجة بقصد فصل قضايا الأجانب مع الأهالى. ثم في سنة اثنتين وتسعين ومائتين وألف ولى قضاء ثغر طنجة في ثانى ربيع الثانى حسبما يظهر توليته ودونك لفظه: الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه ثم الطابع السلطانى الشريف بداخله الحسن بن محمد وليه ومولاه: يعلم من كتابنا هذا أسماه الله وأعز أمره، وجعل فيما يرضيه سبحانه لفه ونشره، أننا بحول الله وقوته، وشامل يمنه ومنته، ولينا خطة القضاء بثغر طنجة المحروس بعناية الله الفقيه الأجل الأرضى السيد أحمد بن سودة لما علمناه فيه من الجد والتحرى والوقوف في حقوق العباد، واتباع طريق الرشاد، وأسندنا له النظر في فصل الخصوم، وتصفح الرسوم والحكم بمشهور مذهب الإمام مالك، رضى الله عنه أو ما به العمل، فنعهد إليه أن يراقب الله تعالى في ذلك، وأن يسلك فيه أحسن لمسالك، وأن يقوم بأمره في حق المشروف والشريف، والقوى والضعيف،

فنسأل الله أن يسدده ويوفقه لما فيه رضاه أمين، والسلام في ثانى ربيع الثانى عام 1292". ثم في ثالث قعدة الحرام عام ثلاثة وتسعين -بتقديم المثناة على السين- ومائتين وألف أسند إليه النظر في جميع القبائل المضافة لطنجة وفوض له في قضاة باديتها بالتولية والعزل، ودونك نص الظهير الصادر له بذلك: الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه، ثم الطابع الشريف بداخله الحسن بن محمد بن عبد الرحمن، الله وليه وبدائرته: ومن تكن برسول الله نصرته ... إن تلقه الأسد في آجامها تجم من يعتصم بك يا خير الورى شرفا ... الله حافظه من كل منتقم يتعرف من كتابنا هذا أسمى الله قدره، وأعز أمره، وجعل فيما يرضيه سبحانه لفه ونشره، أننا بحول الله وقوته، وشامل يمنه ومنته. ولينا الفقيه السيد أحمد بن الطالب ابن سودة خطة القضاء بطنجة حرسها الله وبجميع القبائل المضافة إليها المحسوبة من عمالتها، وأذنا له في تصفح الرسوم، والفصل بنى الخصوم، والحكم من مذهب الإمام مالك بالمشهور أو ما به العمل عند الجمهور. وفى تفقد أحوال قضاة بادية العمالة المذكورة، وعزل من لم يصلح منهم، وتولية من يصلح فعليه بتقوى الله ومراقبته، والتحرى جهد استطاعته، وليتذكر ما ورد في حق أهل العدل من الوعد بالثواب والجنة، وفى حق أهل الجور من الوعيد بالعقاب والمحنة، وقوله عليه الصلاة والسلام قاضيان في النار وقاض في الجنة، ويعلم أن الله تعالى يراه، وأن جميع أحكامه تعرض عليه في أخراه، ونطلب الله أن يسدده ويوفقه لما يحبه ويرضاه.

والسلام في 3 ثالث قعدة الحرام عام 1293. ثم ولى ضاء مكناسة الزيتون والخطابة بجامع قصبتها السلطانية عام أربعة وتسعين ومائتين وألف، وفق ما بظهير توليته ونصه بعد الحَمْدَلة (¬1) والصلاة والطابع السلطانى الحسنى: يعلم من كتابنا هذا الراقى في أوج اليمن والسعادة قدره، النافذ بعزة الله في البسيطة نهيه وأمره، أننا بقوة الله وحوله، ومنته وطوله، ولينا الفقيه الأرضى السيد أحمد بن الطالب ابن سودة خطة القضاء بمكناسة الزيتون وزهون، وأذنا له في تصفح الرسوم، وفصل الخصوم، والحكم بينهم من مذهب الإمام مالك بالمشهور، أو بما جرى به العمل عند الجمهور فعليه بتقوى الله ومراقبته، والتحرى جهد استطاعته، وليتذكر وعدا منجزا ووعيدا، يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود له أن بينها وبينه أمدا بعيدا، ويعلم أن الله تعالى سائله عما حكم به وقضاه، وأنفذه وأمضاه، يوم لا تملك تفس لنفس شيئا، والأمر يومئذ لله، ونطلب الله تعالى أن يوفقه لما يحبه ويرضاه. والسلام في عاشر رمضان عام أربعة وتسعين ومائتين وألف. وأسند له تولية النظر في محاسبة نظار جبل زرهون ومكناس وقفت على إقرار السلطان المولى عبد العزيز له على ذلك، ودونك لفظه بعد الحَمْدَلة والصلاة والطابع السلطانى: أقررنا بحول الله وقوته ماسكه الفقيه الأرضى القاضى السيد أحمد ابن سودة على ما تضمنه كتاب سيدنا المقدس الذى بيده من الإذن له في محاسبة كافة نظار مساجد مداشر زرهون على نسق محاسبته مساجد مكناس ومسطرتها عندهم إقرارا تاما، وفى خامس عشرى صفر الخير عام اثنى عشرة وثلاثمائة وألف. ¬

_ (¬1) حمدل: قال: الحمد لله.

كما كان تولى قبل ذلك الخطابة بضريح الإمام الأشهر، مولانا إدريس الأزهر، وبقيت بيده إلى أن لبى داعى مولاه ثم صارت لولده من بعده إلى الحين الحالى. ورحل المترجم إلى الحج عام سبعة وستين ومائتين وألف على عهد السلطان المولى عبد الرحمن بن هشام في رفقة أنجاله المذكورين في ترجمة أخيه القاضى أبى عيسى المهدى رحمه الله فحج وزار، ولقى فطاحل مشايخ تلك الديار، ودخل مصر والإسكندرية وتونس وأفاد واستفاد. مشيخته: أخذ بفاس عن أخويه الحاج المهدى، والحاج عمر، وعن الشيخ الطالب ابن الحاج، والقاضى ابن كيران، والشيخ بدر الدين الحَمُّومى والفقيه الكردودى، والفقيه ابن عبد الرحمن، وسيدى عبد السلام بو غالب وغيرهم. وبمكة عن الحافظ العارف أبى عبد الله محمد بن على السنوسى الجغبوبى الطرابلسى. وبالإسكندرية عن الشيخ مصطفى ابن محمد الكبابطى الجزائرى المتوفى بالإسكندرية سنة ثمان وستين ومائتين وألف. وبتونس الشيخ محمد بن أحمد النيفر وأجازه الثلاثة الأخيرون عامة وغيرهم. الآخذون عنه: أخذ عنه جل بل كل شيوخ العلم بمحروسة فاس ومكناس وغيرهما من بلاد المغرب كشيخنا أبى عيسى المهدى الوزانى العمرانى مفتى الديار الفاسية، وشيخنا العلامة أبى العباس أحمد بن المأمون الشريف البلغيثى قاضى مكناسة الحالى، وشيخنا الناقد الخبير أبى العباس أحمد بن الجعلالى (¬1) الفيلالى الأمغارى ومن في طبقاتهم، وشيخنا العلامة أبى عبد الله محمد بن عبد السلام ¬

_ (¬1) تحرف في المطبوع إلى: "الجيلانى".

الشريف الطاهرى المكناسى قاضى مكناسة سابقا انتفع به كثيرا، وكان يخصه بدروس بداره كما أخبرنى لذاك قدس الله ثراه شفاهيا، وشيخنا الفقيه العلامة السيد الحاج المختار بن عبد الله، وحبنا المعقولى الناظم الناثر الغالى بن المكى السنتيسى، وشيخنا ابى عبد الله محمد بن الحسين العرائشى، ووالدنا روح الله روحه، وخلق. تآليفه: منها حاشية على صحيح البخارى حكى لى غير واحد من شيوخى أنها في أعلى طبقة من النفاسة والتحرير، وتحرير المقال، وشرح على الشمائل، وحاشية على المنطق لم تكمل، وشرح على الهمزية إلى قوله ليته خصنى برؤية وجه، وختمته لصحيح البخارى وغير ذلك. ومن بديع ما وقفت عليه من استنباطاته ما نقلته من خطه على هامش رحلة العياشى لما تكلم على تاريخ أخذ السلطان سليم مصر: قد رام بعض الناس استخراج دولة سيدنا ومولانا وإمامنا المنعم علينا بكل طارف وتليد مولانا الحسن أبقى الله فخره وعلاه، من حديث: "لا تزال طائفة من أمتى" ... إلخ فاستخرج من ذلك ما تمجه الأسماع، ففكرت في ذلك فألفيت على طائفة من أمتى هو عدد دولة الحسن ابنى وبنيه بعد فانتظم الحديث هكذا: لا تزال دولة الحسن ابنى وبنيه بعد ظاهرين على الحق ... إلخ، ولما أطلعته أعزه الله ونصره على ذلك أثابنى عليه بعطية سنية لها بال، كثر الله خيره وأدام عزه ونصره ومتعنى والمسلمين بطول حياته آمين، وذلك في شوال عام 1305. ومن مفاداته أيضا الدالة على عنايته بالتقييد ما لفظه ومن خطة نقلت: الحمد لله الذى استقر عليه عمل سيدنا ومولانا أمير المؤمنين، مدة تنيف على العشر سنين، في سرده لصحيح الإمام البخارى في الثلاثة الأشهر أنه يقرأه في ستة وثلاثين نصابا، وبيان أول كل نصاب هكذا، 1 بدء الوحى 2 الوضوء 3

76 - أحمد بن إدريس الخطابى أبو العباس المرابط الزرهونى.

التيمم 4 المواقيت 5 الصف الأول 6 أبواب العيدين 7 فضل الصلاة بمسجد مكة 8 الزكاة 9 سقاية الحاج 10 فضائل المدينة 11 يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا 12 كتاب الشرك 13 الهبة للولد 14 وابتلوا اليتامى 15 الجهاد بإذن الأبوين 16 بدء الخلق 17 ولقد آتينا لقمان الحكمة 18 مناقب عثمان 19 هجرة النبى - صلى الله عليه وسلم - 20 غزوة الحديبية 21 حديث كعب بن مالك 22 سورة الأنعام 23 سورة لقمان 24 سورة والشمس وضحاها 25 قوا أنفسكم وأهليكم نارا 26 وهزى اليك بجذع النخلة 27 الرقى بالقرآن 28 الأدب 29 أحب الأسماء إلى الله 30 الوضوء عند الدعاء 31 الأيمان والنذور 32 فمن لم يستطع منكم طولا 33 تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح 34 كتاب التمنى 35 عالم الغيب والشهادة 36 والله خلقكم وما تعلمون. ولادته: وجدت بخطة أنه ولد ليلة الثلاثاء تاسع عشرى رجب عام واحد وأربعين ومائتين وألف: وفاته: في بفاس عن خطته اثر شروق شمس صبيحة يوم الجمعة في الساعة السابعة عاشر رجب عام واحد وعشرون وثلاثمائة وألف، ودفن بعد العصر من يومه بزاوية الشرادى قبالة درب الدرج (¬1) من فاس. 76 - أحمد بن إدريس الخطابى أبو العباس المرابط الزرهونى. من راوية مولانا إدريس. حاله: فقيه ماجد، تولى نيابة القضاء بزاوية زرهون عن أبى عباس بن سودة المترجم قبله يليه واستمر على نيابته إلى أن توفى عنها. مشيخته: أخذ عن جمع من شيوخ فاس، وسمع البخارى على العلامة سيدى الفضل الحسنى الشبيهى بزرهون. ¬

_ (¬1) في المطبوع: الدروج، والمثبت من ترجمته في الموسوعة.

77 - أحمد بن الفاطمى بن محمد بن محمد بن النقيب مولاى عبد القادر الشريف الإدريسى الشبيهى.

وفاته توفى ببلدة ليلة يوم الأربعاء الخامس أو السادس من جمادى الثانية عام ثلاثة وعشرين وثلاثمائة وألف. 77 - أحمد بن الفاطمى بن محمد بن محمد بن النقيب مولاى عبد القادر الشريف الإدريسى الشبيهى. من زاوية زرهون. حاله: نشأ في عفاف وصيانة، ومهر في علم الحساب، وله معرفة بالهيئة والتعديل والتنجيم والجدول والأسماء حسبما ذلك بخط ولده المولى محمد، تولى رياسة فن الحساب في وقته، وأكب في آخر عمره على العبادة، التلاوة والأذكار، والتهجد في الأسحار، والاعتكاف وملازمة الزاوية الدرقاوية والمسجد الجامع ولم يزل على ذلك إلى أن لبى داعى مولاه. مشيخته: أخذ عن الشيخ عبد الله ابن الخياط العطار شهر بـ "اسى الخياط" وعن الإمام النظار شيخ الجماعة بفاس سيدى محمد بن عبد الرحمن الفيلالى الحجرتى، وأبى العباس أحمد بن محمد المرنيسى، وسيدى أحمد بنانى، وسيدى عبد السلام بو غالب، وسيدى محمد بن حمدون بن الحاج السلمى المرداسى ومن في طبقتهم من شيوخ فاس وقاداته، وكان يحضر دروس أخيه العلامة مولاى الفضيل، وأخذ الطريقة الدرقاوية عن سيدى مالك بن خدة دفين الزاوية. الآخذون عنه: أخذ عنه علم الحساب ولده سيدى محمد، وجماعة من طلبة الزاوية الإدريسية ولادته: كانت ولادته قبل ولادة أخيه سيدى الفضيل بثلاثة أعوام، وذلك أواسط العشرة الخامسة من المائة الثالثة بعد الألف. وفاته: توفى رحمه الله بفاس القرويين سادس عشرى قعدة الحرام عام أربعة

78 - أحمد بن محمد بن عزوز أبو العباس.

وعشرين وثلاثمائة وألف، ودفن بروضة بنونة بسيدى على بو غالب، رضى الله عنه وأرضاه 78 - أحمد بن محمد بن عزوز أبو العباس. حاله: كان فقيها وجيها عدلا مبرزا موثقا فرضيا حيسوبيا ماهرا، له معرفة حسنة بالنوازل، ويحفظ التحفة ولامية الزقاق حفظا متقنا، من أجل الناس وأتقاهم، يقصده وجهاء بلده وغيرهم في مهمات إشهاداتهم. مشيخته: أخذ عن السيد الحاج المهدى بن سودة، وأخيه الحاج احمد، والحاج مبارك، وابن الجيلالى (¬1) السقاط، والمفضل ابن عزوز، والسيد المختار الأجراوى ومن في طبقتهم من جلة الشيوخ. وفاته: توفى في ربيع الثانى عام ثلاثة وعشرون وثلاثمائة وألف ودفن بالزاوية الجيلالية من بلدة مكناسة الزيتون. 79 - أحمد بن شيخ الجماعة في وقته بمكناس السيد مبارك بن عبد الله السلجلماسى. حاله: كان فقيها عالما نحريرا أستاذا، رحل إلى درعة واستوطنها واستفاد فيها وأفاد. مشيخته: أخذ عن والده وغيره ممن في طبقته من الشيوخ، يروى عن والده دلائل الخيرات، وهو يرويه عن أبى حفص عمر بن المكى الشرقاوى عن شمهروش الجنى، عن مؤلفه ابن سليمان وبالسند إلى شمهروش عن النبى - صلى الله عليه وسلم - يروى: اللهم صل وسلم على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبى الأمى وعلى آله وصحبه وسلم تسليما بقدر عظمة ذاتك في كل وقت وحين، وأن مرة واحدة منها تعدل بستمائة فدية من النار. انتهى. أجاز له والده عامة. ¬

_ (¬1) تحرف في المطبوع إلى: "الجيلانى" وصوابه من ترجمته في إتحاف المطالع في الموسوعة 8/ 2761.

80 - أحمد بن الحاج رحال البخارى.

الآخذون عنه: منهم صديقنا المؤرخ الناقد السيد عبد الحفيظ بن الطاهر الفاسى أنه أجازه عامة. وفاته توفى بدرعة عام خمسة وعشرين وثلاثمائة وألف. 80 - أحمد بن الحاج رحال البخارى. حاله: لين العريكة رقيق الطبع حسن الخلق والخلق مزحه جد مشتغل بما يعنيه عدل رضى وجيه نزيه، حمص نبيه فقيه، مجود تال ذاكر خاشع ناسك، محب في آل بيت الرسول، لا يفارق نبهاء أعيانهم حتى كان يعتقد من لا يعرفه أنه شريف النسبة، تولى خطة العدالة عام سبعين ومائتين وألف وكان يقرئ الصبيان، وينوب عن أمين أمناء الحضرة المولوية المكناسية السيد بوعزة بن العربى الفشار في خطة أبى المواريث وغيرها، نسخ بخط يده كتابا عديدة، وكان له إلمام بالحساب والتوقيت، أخبرنى ولده العدل الرضى السيد العلمى أنه أخبره أنهم من ذرية ولى الله سيدى عبد القادر المدعو بوالكرينات -بالكاف المعقودة دفين دار ام السلطان وأحاله في رفع نسبهم إليه على عمه شقيق المترجم الأستاذ السيد عياد، ومع الأسف فإنه لم يلق بالا للسؤال عن ذلك، وفات استدراك تحقيق ذلك بموت الوالد وشقيقه. مشيخته: أخذ عن شيخ جماعة القراء في وقته بالحضرة المكناسية الأستاذ السيد اليزيد والعدل البركه السيد ابن يشو البخارى وغيرهم. الآخذون عنه: منهم ابن عمنا العلامة الأصيل مولاى إدريس ابن السلطان مولانا سليمان المترجم فيما يأتى كان يكتب له كل يوم نصف حزب من القرآن في لوحه ويكرر معه كذلك خمسة أحزاب مياومة بضريح سيدى محمد الغمارى المترجم في المحمدين.

81 - أحمد بن محمد بن المأمون بن هشام بن محمد بن عبد الله بن فخر الملوك وجد سلاطين المغرب المولى إسماعيل.

وفاته: توفى أواخر شوال الأبرك سنة تسعة وعشرين وثلاثمائة وألف ودفن بوسعة ضريح سيدى عمرو الحصينى رضى الله عنه. 81 - أحمد بن محمد بن المأمون بن هشام بن محمد بن عبد الله بن فخر الملوك وجد سلاطين المغرب المولى إسماعيل. حاله: كان وجيه نبيها حييا أريحيا تاليا لكتاب الله ذا تؤدة وصوت حسن مائلا إلى الأدب ماهرا في الحساب ومعرفة أحكام الزناتى والرمل والجدول ومخالطة فن التنجيم. مشيخته: أخذ عن شيوخنا الجلة منهم السيد محمد القصرى، والسيد محمد ابن الهادى الفيلالى، وسيدى حسن بن اليزيد وشيخنا العرائشى، وعن السيد فضول العرائشى موقت مسجد الضريح العلمى وغيرهم. وفاته: توفى رحمه الله عام ثلاثين وثلاثمائة وألف، ودفن بالضريح الإسماعيلى. 82 - أحمد بن الجيلالى (¬1) الطَّهَارى. من أهل الزاوية الإدريسية. حاله: كان فقيها عدلا تولى نيابة القضاء ببلده مرتين ثم أعفى ومات فجأة وذلك أنه صبيحة يوم وفاته خرج للتفسح مع عياله في بستان له بضواحى الزاوية وظل به مع أهله في أنس ونشاط وبعد أن تناول الغذاء معهم تقدمهم في الرجوع لمنزله فأدركته منيته في الطريق فمات من حينه قبل وصوله لمنزله. وفاته: توفى عشية يوم الخميس سادس عشرى رجب عام ثلاثة وثلاثين وثلاثمائة وألف. ¬

_ 82 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 8/ 2888. (¬1) تحرف في المطبوع إلى: "الجيلانى" وصوابه من ترجمته في إتحاف المطالع.

83 - أحمد بن القائد محمد الشاذلى البخارى.

83 - أحمد بن القائد محمد الشاذلى البخارى. حاله: كان فقيها حيسوبيا ماهرا متضلعا في جميع أنواعه وله المام تام بمهمات فن الهندسة وجهه السلطان سيدى محمد لقراءة الفنون المذكورة بحاضرة فاس. مشيخته: أخذ عن الولى أحمد الصويرى المتوفى بمراكش عام ثمانية عشر وثلاثمائة وألف وعمن في طبقته من المتضلعين المشار لهم في الفن. الآخذون عنه: منهم السيد محمد بن المدنى المكلف في دور الدولة العزيزية بخزائن العدة والسيد محمد الرجراجى وغيرهما. وفاته: توفى عام سبعة وثلاثين وثلاثمائة وألف بالحضرة المكناسية. 84 - أحمد بن العالم -اسما- ابن عبد الله الشريف القادرى. الرباطى النشأة والدار والوفاة. حاله: كان علامة نقادا أديبا نزيها وقورا حييا متواضعا ذا سكينة وتؤدة بساما في وجوه الطلبة، صدر لخطة الشهادة أواخر المائة الثالثة عشرة، ولم يزل على ذلك إلى أن توفى، وكان من ذوى الوجاهة التامة مبجلا عند سائر قضاة بلده وحكامها وكافة أهاليها واستخدم خدمات سلطانية في بعض البلدان كطنجة والعرائش والحديدية ومراكش ومكناسة الزيتون وكانت خدمته بمكناسة أواخر الدولة العزيزية ورحل لحج بيت الله الحرام، وزيارة روضة الحبيب الأعظم عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، أواخر هذه المائة. مشيخته: أخذ عن شيخ الجماعة برباط الفتح أبى إسحاق السيد إبراهيم التادلى المتوفى بعد غروب يوم الخميس لسبع عشرة خلت من ذى الحجة عام أحد عشر وثلاثمائة وألف، ودفن بمحل درسه من دار سكناه رحمه الله تعالى ورضى عنه لازمه في كثير من دروسه الفقهية والحديثية والعربية، وأخذ عن الفقيه المفتى

85 - أحمد بن الصديق المعروف بالتواتى.

السيد الجيلالى (¬1) ابن إبراهيم الرباطى المتوفى في أواسط جمادى الأولى عام ستة وثلاثين وثلاثمائة وألف، وعن الفقيه الصوفى العلامة الشهير السيد الحاج عمر عاشور المتوفى في ذى الحجة عام أريعة عشر وثلاثمائة وألف، وعن العلامة الأجل القاضى السيد على دنية الرباطى المتوفى عام ستة وعشرين وثلاثمائة وألف. تآليفه: منها شرح على المرشد المعين من مطولات الشروح أكثر فيه من النقول. وفاته: توفى رحمه الله أواخر عام سبعة وثلاثين وثلاثمائة وألف، ودفن بزاويتهم القادرية من رباط الفتح، أفادنى بجميع ما ذكر عنه بلديه العلامة النظار أبو حامد المكى البطاورى مكاتبه. 85 - أحمد بن الصديق المعروف بالتواتى. نسبه لتوات البلدة الشهيرة الشريف الحسنى العلوى. حاله: شاب نشأ في عبادة الله عالى الهمة ذو نفس أبية، وأخلاق نبوية مصطفية، فقيه نبيه، علامة مشارك وجيه نزيه، ذو مروءة وديانة، وعفة وصيانة، رحل إلى الحج عام تسعة وعشرين وثلاثمائة وألف، وهاجر لمدينة جده عليه الصلاة وأزكى التسليم، وطاب له بها المثوى، ودرس بمسجدها النبوى وأفاد واستفاد، لقيته أيام رحلتى لتلك الديار المشرفة وكان لى خير رفيق، وأجل صديق، مدة مقامى بالمدينة المنورة على مشرفها أفضل صلاة وأزكى سلام ما فارقنى ولا فارقته مدة من ثلاثة أشهر كملا. مشيخته: أخذ بمكناسة عن علمائها الجلة كشيخنا العرائشى، وشيخنا السوسى، وصيدى محمد الشبيهى وغيرهم. ¬

_ (¬1) تحرف في المطبوع إلى: "الجيلانى" وصوابه من ترجمته في إتحاف الطالع في الموسوعة 8/ 2901.

86 - أحمد بن العربى بن الحنفى بن الطالب بن العربى بن الطالب الشريف الحسنى العلوى الأمرانى يدعى صميم.

وبفاس عن شيخنا العلامة الناسك السيد الفاطمى الشرادى حفظه الله وغيره. وبالمدينة المنورة عن عالمها ومسندها شيخنا السيد أحمد البرزنجى، وعن شيخنا البركة القدوة سيدى محمد بن جعفر الكتانى أبقى الله وجوده، والعلامة المحدث المفسر شيخنا الشيخ توفيق الأيوبى الأنصارى الشامى، وعن صديقنا العلامة المفضال الشيخ عمر حمدان المحيرثى التونسى، وخلنا الشيخ الزاهد الناسك المعقولى عبد الباقى الهندى وغيرهم من فطاحل أهل العلم الجلة. الآخذون عنه: منهم الفقيه النجيب حسن الأخلاق محبنا في ذات الله حمزة التكريتى وجماعة. وفاته: توفى بالأرض المقدسة دمشق الشام بعد خروج المجاورين بالمدينة وغيرهم من أهاليها في الحادثة الشهيرة التي تتفطر لها الأكباد. 86 - أحمد بن العربى بن الحنفى بن الطالب بن العربى بن الطالب الشريف الحسنى العلوى الأمْرانى يدعى صميم. حاله: مجذوب مصطلم ساقط التكليف، ورد من بلدة تافيلات وهو بأتمه وكان يتعاطى حرفة الدباغة في أول أمره مشتغلا بما يعنيه تاركا لما لا يعنيه إلى أنْ حل به ما حل فسار لا يكلم أحدا ولا يأوى إلى أحد، يسكن دكانا خربا متهدما، حدثنى غير واحد أنه كان يأتى لمن يبيع الخبز ويأخذ منه ما شاء من غير أن يؤدى له ثمنا ولا يجد ذلك البائع نقصا في مدخوله، دام معه على ذلك أعواما، وأنه جاءه يوما بعض أوباش الأخلاط وسار يهزأ به ويسخر منه وهو يطلب البعد منه فلما لم يرعو رفع يده يهدده وأومأ لبطنه كانه يريد أن يطعنه من غير أن يمسه، فصاح ذلك المستهزئ وخر مغشيا فحمل لمحله فمات من حينه. ¬

_ 86 - من مصادر ترجمته: موسوعة أعلام المغرب 8/ 2930.

وفاته: توفى عشية يوم الخميس عاشر ربيع الثانى عام واحد وأربعين وثلاثمائة وألف، ودفن من الغد بالضريح الإسماعيلى بعد أن صلى عليه بالجامع الأعظم بعد خطبة الجمعة، ولم يتخلف أحد من أهل الفضل والدين عن تشييع جنازته رحمه الله رحمة واسعة. تم الجزء الأول

الطبعة الأولى 1429 هـ - 2008 م حُقُوق الطَّبْع مَحْفُوظَة للناشر الناشر مكتبة الثقافة الدِّينِيَّة 526 شَارِع بورسعيد - الْقَاهِرَة ت: 25922620 - 25938411 - فاكس: 25936277 E-mail: [email protected] بطاقة الفهرسة إعداد الْهَيْئَة المصرية الْعَامَّة لدار الْكتب والوثائق القومية إدارة الشئون الفنية إتحاف أَعْلَام النَّاس بِجَمَال أَخْبَار حَاضِرَة مكناس ج 2 تأليف: ابْن زَيْدَانَ عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد المكناسي, تَحْقِيق: عَليّ عمر، ط 1، الْقَاهِرَة: مكتبة الثقافة الدِّينِيَّة 2008 م 5 مج: 24 سم تدمك: × - 390 - 341 - 971 1 - الْفُقَهَاء - معاجم أ - عمر، عَليّ (مُحَقّق) ب - العنوان ديوى: 922.58 رقم الْإِيدَاع: 7667/ 2008

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حول ظهور الجزء الأول (¬1) (من هذا التاريخ) * * * لقد كان لظهور الجزء الأول من هذا التاريخ الحفيل في عالم المطبوعات رنة استحسان وصدى تقدير ودوى قوى في سائر النوادى العلمية والأدبية والتاريخية، وما بزغت شمسه حتى تخلل صيته الآفاق، واشرأبت إليه الأعناق، وأحدقت به الأحداق، وتناقل صحيح حديثه الرفاق، وتصفحه نقاد العلماء والكتاب والأدباء من أقطار المغرب الثلاث إلى مصر والشام وأوروبا على اختلاف الملل والنحل وكتبت في شأنه المجلات العلمية والصحف الأدبية شرقية وغربية عربية وعجمية وتهاطل على سماحة مؤلفه من رسائل التقريظ والثناء والتحبيذ من سائر المقامات ما سينشر عند انتهاء الكتاب إن شاء الله تعالى. أما الآن فسيتوج هذا الجزء الثانى بالظهير الشريف الذى أصدرته جلالة مولانا السلطان أعزه الله تقريظا للكتاب وجوابا للمؤلف عن إهدائه إياه لجنابه الكريم. وإن المؤلف ليشكر المحتفلين بكتابه على اعتنائهم والناقدين على ملاحظاتهم التي أبدوها عن إخلاص وصفاء. كما أنه يلتمس الأعذار للذين قدم لهم الجزء الأول هدية ودية، لمكانتهم العلمية وسمعتهم الأدبية فلم يتنازلوا -وقليل ما هم- حتى لرد السلام. وإليك رسم الظهير السلطانى الشريف متلوًا بالجواب المقيمى اللطيف. ¬

_ (¬1) نص ما جاء في صدر الجزء الثانى من إتحاف أعلام الناس.

[صورة] ظهير جلالة السلطان سيدى محمد بن يوسف للمؤلف

[صورة] كتاب من المقيم العام الحالى مسيو لوسيان للمؤلف

إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس لابن زيدان

87 - إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل

87 - إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل (¬1) أحد رجال صحيح البخارى ذكره في سنده مرة واحدة في أواخره -ابن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن على بن أبى طالب، ومولاتنا فاطمة الزهراء البتول. بنت أجل نبى وأفضل رسول صلى الله عليه وعلى آله وحزبه. حاله: ماذا عسى أن أقول فيمن كان جبريل لجده خديما، والله صلى عليه وملائكته، وأمرنا أن نصلى عليه ونسلم تسليما، واختاره على وحيه أمينا، وقرن طاعته بطاعته وجعل حبه ذخرا ثمينا. وماذا عسى يحبر اليراع. في محامد من طبقت مفاخره البقاع. ولو حاول المثنى عليه أقصى ما يحاول. فأين الثريا من يد المتناول. وبأى لسان أعرب. عن فضائل من محا آية الشرك من لوح المغرب. وأزاح ظلام الكفر والطغيان. بنور الهدى والإيمان. . ورضع عباب العلم غضا طريا. وجعل إمامه الكتاب والسنة ولم يأت شيئا فريا. وجاهد في الله حق جهاده. وصير كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله العليا وذلك أقصى مراده. وأبوه دنية ديباجة بنى هاشم ورءوس قريش على سيادته فيهم شدت منهم الحيازم. وجده الحسن روى عنه إمامنا مالك. طائر الصيت في سائر المسالك. وقال: إنه ممن يقتدى بفعله. اعترافا منه بورعه وفضله. وأخرج له البخارى في الصحيح. ووثقه الأئمة المرجوع إليهم في التعديل والتجريح. ورث ولده المترجم المجد لا عن كلالة. وتردى برداء الوقار والجلالة. تهيأت له الخلافة العظمى. إذ رأت مكانته أفخم وأسمى. فأمهرها القبول. ونهج فيها نهج جده خير رسول. كان في علم الكتاب والسنة من البحور الزواخر. لا تكدره المواخر بلغ مرتبة أهل الاجتهاد. وعلم جلالته ومكانته في العلم كل من ساد في أقطار البلاد. ¬

_ (¬1) من مصادر ترجمته: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى 1/ 208 وما بعدها.

حاضرها والباد. كان لا يتقيد بمذهب شأن السلف الصالح ذوى السعى الرابح. عاصر مالكا وغيره من صدور الأمة. المهتدى بهديهم في كل مدلهمة. فر بنفسه في وقعة فَخّ التي كانت في أيام موسى الهادى بن محمد المهدى العباسى على ما قاله غير واحد من أعلام هذا الشأن، وصححه الحلبى في دره. وفَخّ بفتح الفاء وتشديد الخاء-وقد وهم من أبدل الخاء جيما، وكانت هذه الوقعة الشنعاء يوم السبت وصادفت يوم التروية سنة تسع وستين ومائة، وكان هذا الإمام العظيم المقدار ممن حضرها هو وشقيقاه سليمان ويحيى في جملة أبناء عمه وغيرهم. ولما قتل فيها من قتل منهم ومن جملتهم شقيقه سليمان كما في "تاريخ ابن جرير" و"مروج الذهب" للمسعودى و"الدر السنى" للقادرى وفر من فر، كان صاحب الترجمة ممن فر ناجيا بنفسه وفى معيته مولاه راشد فتوجها من مكة شرفها الله إلى مصر ثم إلى إفريقية فأقاما بالقيروان مدة ثم سارا إلى تلمسان واستراحا بها أياما، ثم ارتحلا عنها قاصدين طنجة فعبرا في طريقهما وادى ملوية، ودخلا بلاد السوس الأدنى والسوس الأقصى وتجولا في جبل درن إلى أن وصلا مدينة طنجة، ثم رحلا عنها إلى مدينة وَلِيلى، ونزلا على أميرها الأوْرَبِى إسحاق بن محمد بن عبد المجيد، وذلك غرة ربيع الأول سنة اثنتين وسبعين ومائة باتفاق. قال علامة الآفاق ابن غازى في رجزه الذى ذكره في "تكميله": وعقدت راياته في القصب ... وجاءنا إدريس عام [قعب] إلى وليلى المغرب القصى ... إذ قام صنوه على المهدى وبعد ما سم سما النجل الأبى ... واختلط فاسنا لعام [قضب] وما وقع في "الدرر البهية" من أن ذلك كان سنة سبعين وهم.

وقد كان الأوْربى على مذهب الاعتزال، فرغب عنه رغبة في التمذهب بمذهب هذا الإمام العظيم الشأن الذى هو مذهب أهل السنة والجماعة، فتمذهب به، قال الحلبى: صرح بذلك جمع من المؤرخين. ثم جمع إخوانه وقبائل البربر فعرفهم بحسب ونسب هذا البضعة النبوية الطرية وما حوته من الأوصاف الحميدة وقرابتها من رسول الله، وأشار عليهم ببيعته فأجابوا بالسمع والطاعة، وكان ممن أسرع لبيعته غمارة وزواغة ولواتة وصدراتة ومكناسة ونفزة وغياثة وفى مقدمتهم قبائل أوْرَبَة أهل القوة والشوكة لذلك العهد، وكافة البرابر المخالفين لبرغواطة، فبايعوه على السمع والطاعة ولم يتخلف أحد منهم عن بيعته. وقد اتفقوا على أن بيعته كانت سنة قدومه وهى سنة اثنتين وسبعين ومائة، واختلفوا في شهر ويوم بيعته منها. فقيل فاتح ربيع الأول، وعليه جرى ابن أبى زرع في "الأنيس" وابن القاضى في "الجذوة" كلاهما في ترجمة الحسن ابن قاسم آخر ملوك الأدراسة. وقيل عند دخول رمضان وعليه اقتصر البكرى، والجزنائى، والحلبى. وقيل رابع عشر منه، وعليه جرى أولا ابن أبى زرع، وابن القاضى. ثم بعد مبايعة الناس له قام خطيبا فقال: أيها الناس، لا تمدوا الأعناق إلى غيرنا، فإن الذى تجدون من الحق عندنا لا تجدونه عند غيرنا (¬1). ثم بعد ذلك أتته قبائل زناتة وأصناف قبائل البربر وبايعوه على المنشط والمكره، فتمكن سلطانه وقوى أمره، ووفدت عليه الوفود من سائر الجهات وقصد إليه الناس من كل صوب وصقع. ثم حشد الجيوش وخرج غازيا إلى بلاد تامسنا، ففتح أولا مدينة شالة ثم بعد سائر بلاد تامسنا، ثم سار إلى بلاد تادلا، وقد كان أكثر أهلها على دين ¬

_ (¬1) الاستقصا 1/ 211.

النصرانية واليهودية والمجوسية، وكان قد بقى منهم بقية متحصنون بالمعاقل والجبال والحصون المنيعة، فلم يزل يستنزلهم ويقفو أثرهم حتى اعتنقوا الإسلام بالطوع والكره، وأباد من بقى منهم متعصبا بعد أن فتح مدائنهم ومعاقلهم. ولما امتد نفوذه بتلك الأصقاع رجع لمدينة وليلى فدخلها في النصف الآخر من جمادى الثانية سنة ثلاث وسبعين ومائة، فأقام بقية الشهر بها، والنصف الأول من رجب. ثم ظعن برسم غزو تلمسان، ولما وصل إليها أقام بظاهرها حتى أتاه أميرها محمد بن خزر بن صولات المغراوى الخزرى وطلب منه الأمان فأمنه وبايعه هو ومن معه بتلمسان من قبائل زناتة وغيرهم، فدخل المدينة صلحا، وأمن أهلها وبنى مسجدها وأتقنه وصنع فيه منبرًا، وكتب عليه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هذا ما أمر به إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم وعنا به. فتم له الأمر ودانت له رقاب أهل المغرب، ونشر الإسلام فيه على يده، ولم يتفق هذا الفتح الباهر الباهض قبله لأحد حتى لعظماء القياصرة ذوى العدة والعدد والقوة والبأس الشديد، ورجع إلى وليلى وقد امتدت إمارته ما بين نهر شلف إلى وادى نفيس. وقد وفد هذا الإمام للقطر الإفريقى الوافر العمران المتعدد الشعوب والقبائل واختلاف ألسنتها وأديانها وأهوائها وآرائها وتمنعها وعصبيتها، وهم أكثر من أن يحصوا، قال ابن خلدون: وكلهم بادية وأهل عصائب وعشائر، وكلما هلكت قبيلة عادت الأخرى مكانها وإلى دينها من الخلاف والردة. والحال أن مولانا إدريس في هذا الوطن غريب (ناء عن الأهل صفر الكف منفردا) لا زاد ولا مال، ولا استعداد ولا عشيرة، ولا تقدم له معرفة بأحوال البلاد ولا يعلم لهم لسانا، ولا يعرف منهم إنسانا، ودولة بنى العباس في عنفوان شبابها ذات سطوة قاهرة، وأساطيل متكاثرة وجيوش ذات قوة وبأس شديد، وكلمة نافذة

مسموعة، سوت بين الأحرار والعبيد، ولم تأل جهدا في اقتفاء أثره والرغبة في إلقاء القبض عليه، والبطش به حيثما وجد، وبالغت طاقتها في الإغراء حتى سموه في مشموم مسموم كما هو معلوم، فلم تقدر عليه، حماية وعناية من الله له، وأتاح له سبحانه من النصر والتمكين ما لم يعهد نظيره لأحد في غابر الأزمان، فاستولى على كثير من بقاع المغرب، وبدّل لغة أهلها من البربرية إلى العربية ودياناتهم العديدة إلى التوحيد الحق، فأشرقت أنوار الإيمان بأرجاء قلوبهم، وفتح به في أقرب مدة أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا، وهدى به الملايين من الخلق وأنقذهم من ظلام الإلحاد والإشراك، إلى ضياء الحق، وآثروه على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم وإخوانهم وعشائرهم. وقد غزاهم قبله من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا فلم يأخذهم رواؤه، ولا نجح فبهم دواؤه، إذ قد عاد وأبعده للثورة والردة حتى قال ابن خلدون نقلا عن ابن أبى زيد: ارتدت البرابر بالمغرب اثنتى عشر مرة ولم تستقر كلمة الإسلام فيهم إلا لعهد ولاية موسى بن نصير فما بعده. ويعجبنى هنا قول صديقنا العلامة الحافظ الشريف السيد المدنى بن الحسنى الرباطى من قصيدة (¬1) في عظماء المغرب مما أملى في حفلة مدرسية عام 1341 هـ. ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع مطلعها. بنى قومى أفيقوا من منام ... وجدوا في المعالى باهتمام ... فما نيل المعالى بالتوانى ولكن بالعزيمة والنظام ... لقد كنا وكان العرب قدما ... هداة الخلق من سام وحام أناروا الكون والأقطار طرا ... بهدى لاح فجرا في ظلام ... وكنا حائزى قصبات سبق بميدان المكارم في الزحام ... لقد سادوا وساسوا الملك دهرا ... بمصر والعراق مع الشام وأندلس ومغربنا وصين ... وسودان وهند باعتزام ... فسل فاسا وقرطبة ومصرا تنبيك أو فسل دار السلام ... وسل غرناطة الحمرا وشاما ... وتونس حيث تونس بالمرام وفاز الغرب. . إلخ.

وفاز (الغرب) بالقدح المعلى ... إذا استبق الجميع إلى السهام فـ (طارق) قد بدا علما تسامى ... بحد سنانه وظبا الحسام قد اعترفت شعوب الأرض طرا ... بفضل من مآثره الجسام وحاز لسان صدق في البرايا ... تضوع نشره بعد الرجام ألست تراه يعرض كل حين ... أساطيل العباد على الدوام. و (موسى) قد تسامى في سماء ... بنشر العدل فينا والسلام وأحيا دارسا (إدريس) لما ... بدا فينا كتاج فوق هام له فضل عظيم ليس يحصى ... على أبناء مغربنا العظام به الإسلام قر في قراه ... وأعطته البرابر بالزمام وأتباع الهداة على هداهم ... بميزان لهم بعد الحمام وسل سليله (إدريس) سيفا ... لإرغام العداة على الرغام بنى (فاسا) فكان العلم فيها ... ينير لنا دياجير الظلام فكم حبر وكم بحر تسامى ... ومد عبابه كالبحر طام وإن (الجامع القروى) فينا ... كنبراس يضئ لذى اعتصام به للمغربى على سواه ... فخار لا كفخر بالوسام جميع مدارس الدنيا تبدت ... متابعة كتلو للإمام وقد ضربت له آباط إبل ... لشيخ أو لكهل أو غلام ومن آفاق (أوروبا) خصوصا ... بنى التاميز من فرط الغرام وراهب (رومة) قد رام فيه ... علوم الكون من دون انتقام

أقر بذا الجحود وليس يخفى ... (هلال) (¬1) الأفق من تحت القتام وإن الحق ما شهدت عداه ... أقر الخصم من بعد الخصام (¬2) انتهى الغرض. ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "جاء في مجلة (الهلال) المصرية منذ ثلث قرن بتاريخ عام 1315 آخر المجلد الأول (508) أن "أقدم مدرسة كلية في العالم أُنشئت ليست في أوروبا كما كان يظن بل في إفريقيا في مدينة (فاس) عاصمة بلاد المغرب سابقا إذ تحققت بالشواهد التاريخية أن هذه المدرسة كانت تدعى (كلية قيروان) وأسست في الجيل التاسع للميلاد وعليه فهى ليست فقط أقدم كليات العالم بل هى الكلية الوحيدة التي كانت تتلقى فيها الطلبة العلوم السامية في تلك الأزمنة حيث لم يكن سكان باريز وأكسفورد وبارو وبولونيا يعرفون من الكليات إلا الاسم ولذلك كانت الطلبة تتوارد إلى كلية قيروان من أنحاء أوروبا وإنكليز فضلا عن بلاد الغرب الواسعة للانخراط في سلك طلابها وتلقى العلوم السامية باللغة العربية مع الطلبة الطرابلسيين والتونسيين والمصريين والأندلسيين وغيرهم. ومن جملة من تلقى علومه في هذه الكلية من الأوروبيين (غربرنا) والبابا (سلفستر) وهو أول من أدخل إلى أوروبا الأعداد العربية وطريقة الأعداد المألوفة بعد أن أتقنها جيدا في الكلية المذكورة كما يظهر من رسالته إلى الإمبراطور أتون مساعده التي أتى فيها على ذكر الصفر بقوله إنى أشبهك بالرقم الأخير من الأعداد البسيطة العشرة التي يزداد قيمة بوضع أعداد أخرى عن يساره ثم أبدى أسفه على حالتها الحاضرة ووصفه لما هى عليه الآن. أما قول العلامة الأستاذ فريد وجدى في كنز العلوم واللغة (532) أن "الأزهر هو أقدم مدرسة في العالم، بعد مدرسة بولونيا بإيطاليا" فهو خلاف الواقع كما ترى من الكلام السابق. وهو مجد سامق (والفضل للمتقدم) فإن القرويين بفاس بنته القانتة الصالحة أم البنين السيد فاطمة بنت محمد الفهرى القيروانى يوم السبت فاتح رمضان سنة (245) لما قدمت مع أبيها وإخوتها في وفد القيروان على مولانا إدريس بانى فاس وأن الأزهر بمصر بناه القائد جوهر يوم السبت 24 جمادى الأولى سنة 359 فالقروين أقدم من الأزهر بمائة سنة وأربعة عشر سنة. (¬2) تمامها: و (يوسف) صاحب الحمرا تبدى ... بأندلس إلى رعى الذمام أجاز إلى الجزيرة إذ دعته ... طوائفها فأحيا كالغمام و (يعقوب) ذو رباط الفتح لها ... تمادى المعتدون في الانتقام=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = فكان جوابه ما قد رأوه ... من البطش القوى المستدام وقد سالت بطاح الأرض طرا ... بنبال وسياف ورام وصب على الأعادى في البادى ... سياطا من عذاب كالضرام ومد (أبو عنان) عنان عزم ... إلى العلياء مرفوع المقام وفى وادى المخازن قد تراءى ... لنا (المنصور) يزأر كالهمام و (إسماعيل) كم أبدى وأسدى ... وأهدى من مفاخره الفخام فطنجة والعرائش في ثغور ... بدت تفتر منه بابتسام وما علماؤنا إلا معين ... معين نافع لكل ظامى ففى الحمراء عياض حفيد ... سهيليهم بدور في تمام كذا القاضى أبو بكر بفاس ... تراءى لنا بعيدا عن ملام وعباس بن فرناس تسامى ... وحلق في الفضاء بلا مسامى وإن الجوهرى سما بريش ... إلى العلياء معتدل القوام فكونوا خلفهم خلفا حميدا ... يجدد ما تناثر من نظام وكونوا مثلهم فضلا ومجدا ... فينجو الكل من موت زُؤَام "فليس تزال طائفة بغرب" ... بفضل الله قائمة السنام كما جاء الحديث بذا صريحا ... عن المختار مولانا التهامى فمسلم في الصحيح روى فأضحى ... صحيحا عندنا دون اتهام وكونوا في خلائفكم كروض ... تأرج من غرار أو بشام وقد بعث النبى لنا إماما ... لتتميم المكارم بالتمام وفى شعب الإيمان غناء ... لمن يغنى بحل عن حرام وإن حياءَنا منها فكونوا ... كعذراء الخدور من احتشام وإن قواعد الإسلام منها ... كأركان البنا دون انهدام فكونوا حافظين لها دواما ... وإلا فالجميع إلى انعدام تحلوا من خصال الخير طرا ... بأخلاق حسان كالوئام وإنصاف وحلم ثم صفح ... ونصح خالص بذل السلام وإغضاء وصبر مع وفاء ... وإقلال الشراب مع الطعام محبة كل ذى دين وعلم ... ومعرفة وهجران الطغام

بحث في أول من ضرب السكة قبل الإسلام وبعده وأول من ضرب السكة المركنة

ولا يعزب عن علمك أن مولانا إدريس ممن جاء بعد ابن نصير وأنه وجد قبائله أى المغرب ذات عقائد زائغة، وبدع فاشية، وأن استقرار الإسلام فيهم إلى الحين الحالى إنما هو على يد هذا الفاتح الأعظم، الذى هو أول قادم من آل البيت المطهرين من الرجس تطهيرا لقطرنا المغربى، وذلك فضل عظيم يعظم به مجده، ويطول به باعه، والمرء في ميزانه اتباعه. وهو من تابعى التابعين على الصحيح وقيل من التابعين وعليه جرى بعض قدماء العلماء الذين مدحوه حيث قال: زرهون أشرف ما في الأرض من بقع ... إذ فيه قبر عظيم من ذوى الكرم وذاك قبر الإمام التابعى الذى ... من آل بيت الرسول سيد الأمم إدريس أفضل خلق الله فيه إذا ... وهو الإمام لهم في الحشر والعلم وضرب السكة بتدغة عام أربعة وسبعين ومائة نقش في وسط وجه منها لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وبدائرته باسم الله ضرب هذا الدرهم بتدغة سنة ¬

_ = وبر الوالدين لكم أكيد ... لتربية لنا قبل الفطام ذروا كل القبائح والدنايا ... وأخلاق قباح من لئام ككبر أو كعجب أو ككذب ... وبهتان وإكثار كلام وحقد غيبة حسد وهجر ... وتطبيع الزمان من المنام فإن الوقت فينا سيف قطع ... فإن لم تقطع جاء بالفصام دعوا فخرا بما يفنى ويبلى ... ولا يبقى جديدا كل عام فليس الفخر إلا لذى علوم ... فقيمته به بين الأنام فجدوا في العلوم بلا توان ... ولا ضجر كفعل المستهام وليس العلم سهلا دون كد ... وليس ينال إلا لذى دوام وإنا نسأل المولى حظوظا ... توافينا على طرف الثمام ونسأله السلامة كل حين ... وتوفيقا إلى حسن الختام

174، ونقش في وجه صورة هلال، ثم محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتحت ذلك على ثم مما أمر به إدريس بن عبد الله: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا انتهى. رأيت هذه السكة من فضة وزنها أكرمان اثنان وتسع وستون 2، 69 - وعلى ذكر هذه السكة الإدريسية أذكر كلاما لصاحب "الدوحة المستكة في أحكام دار السكة" ونص الغرض منه: الفصل الأول في أول من ضرب الدينار والدرهم قبل الإسلام وبعده وأول خليفة كتب اسم الله تبارك وتعالى وعين الأماكن لضربها وشدد في تخليصها. قال القاضى أبو الحسن بن لبال في شرحه "لمقامات الحريرى": إن الناس في أول الزمان كانوا يتبايعون بالعروض فيما بينهم كالحنطة والشعير والحبوب والفواكه وما أشبه ذلك، فشكوا إلى ملكهم ما ساءهم من ذلك وما يخافون من إتلاف أموالهم إن بقوا على هذه الحالة، فأمرهم أن يختاروا ما لا يفسد على مكث الزمان، فاختاروا حجر الذهب الذى هو أبقى جواهر الأرض، وكلما بقى تحت الأرض صلح وطاب، وكلما دخل النار تخلص وحسن، وأمر بضرب الدنانير وطبعها بطابع الملك، ونهى أن تفسد وأن يكسر طابعها، وأن من فعل ذلك تقطع. يده يريد على سنّتهم، وأخبروه أيضا أنهم يحتاجون إلى ما لا يفى ثمنه بقيمة الدينار بأقل منه أو من أجزائه مما لا بد لهم من مصلحة أنفسهم من شراء الحوائج، فأمرهم باختيار حجر آخر دون الذهب يكون قيمة الدينار منه عشرة دراهم، فاختاروا الفضة وضرب منها الدرهم، وطبعه بطابع الملك فكانت قيمة العشرين دينارا مائتى درهم. ولم تزل الروم تستعمل الدنانير والفرس تستعمل الدراهم حتى جاء الإسلام فكان الناس يستعملون ذلك إلى زمن عبد الملك بن مروان، فضرب الدنانير والدراهم وكتب على الدنانير: الله أحد، وكانت قبل ذلك لا كتب عليها، وكتب على الدراهم كذلك.

وكانت الدراهم في أيام الفرس مختلفة على ثلاثة أوزان، منها درهم على وزن المثقال عشرون قيراطا، ودرهم على وزن عشرة قراريط، فلما جاء الإسلام واحتيج إلى تقدير الزكاة أخذ الأوسط من جميع الأوزان الثلاثة وهى اثنان وأربعون قيراطا، فاتفقوا على أن يكون الدرهم على وزن أربعة عشر قيراطا من قراريط المثقال، والمثقال أربعة وعشرون قيراطا كل قيراط من ثلاث حبات، وأربعة وعشرون في ثلاثة، اثنان وسبعون فهو من اثنين وسبعين حبة. ومن البرى لوتيمة بسنده عن ابن عباس، قال: إن أول سكة وضعت في الأرض الدنانير والدراهم وضعها ثمود بن كنعان، وكان الناس يتبايعون قبل ذلك بالتبر من الذهب والفضة، فلما ضربت الدراهم والدنانير نخر إبليس نخرة وقبض عليها في يده وقبلها، وقال: استمسكت من بنى آدم، بكما يقطعون الأرحام ويسفكون الدماء ويظلم بعضهم بعضا. وقيل: إن عمر بن الخطاب رضى الله عنه لما رأى اختلاف الدراهم نظر إلى أغلب ما يتعامل الناس فيه من أعلاها وأدناها، فجعل منها اثنى عشر دانقا، وأخذ نصفها فكانت ستة دوانق، فمتى زدت على الدرهم ثلاثة أسباعه كان مثقالا، ومتى نقصت من المثقال ثلاثة أسباعه كان درهمًا. وكان الفرس عند فساد أمورهم قد فسدت نقودهم، والنقد هو الخالص من الذهب والفضة، فاتسع فيه حين جعل المعجل من كل مدفوع نقدًا من كل شئ فميز المغشوش من الخالص. وقد اختلف في أول من ضربها في الإسلام، فقيل: عبد الملك بن مروان وكانت حينئذ الدنانير من ضرب الروم، والدراهم من ضرب الفرس كسرى وحمير، وكانت قليلة فأمر عبدُ الملك بن مروان الحَجَّاجَ بضربها سنة أربع وسبعين من الهجرة، وقيل خمس وسبعين، وكتب عليها: الله أحد الله الصمد.

ثم ولى ابن هبيرة في أيام يزيد بن عبد الملك فضربها أجود مما كانت، وشدد في تجويدها، ثم ضربها بعده يوسف بن عمر فأفرط في تجويدها فكانت الهبيرية والخالدية واليوسفية أجود دراهم بنى أمية، وكان المنصور لا يأخذ في الخراج غيرها. وقيل: إن أول من ضربها مصعب بن الزبير عن أمر عبد الله بن الزبير سنة سبعين على ضرب الأكاسرة، وعليها بركة من جانب والله من جانب، ثم غيرها الحَجّاج وكتب عليها بسم الله في وجه، وفى وجه الحَجّاج. انتهى. وقال: أول من ضرب السكة المركنة أبو عبد الله المهدى القائم بأمر الموحدين، وكانت الدراهم قبل ظهور الدولة الموحدية كلها مدورة، فأمر المهدى وعهد إلى خليفته عبد المؤمن أن تكون دراهمه مركنة فكانت كذلك إلى أن قال: وكان بمدينتى فاس القرويين والأندلسيين دار سكة فنقلهما الخليفة أبو عبد الله الناصر بن المنصور الموحدى إلى دار أعدها بقصبتها حين بناها سنة ستمائة، وأعد بها مودعا للأموال المندفعة بها ولطوابع سكتها وغالبا ما كان يسبك به الذهب. تنبيه: ما قدمته من أن مولانا إدريس هو أول آل البيت دخولا للمغرب به صرح غير واحد وأطلق، ولا إشكال في كونه كذلك بالنسبة للمغرب الأقصى، وأما غيره فقد وقع في "حجة المنذرين" أنه سبقه إلى دخول المغرب الأدنى أخوه سليمان هـ. أقول: ويرده قول ابن خلدون: وأما سليمان أخو إدريس الأكبر فإنه فر إلى المغرب أيام العباسيين فلحق بجهات تاهرت بعد مهلك أخيه إدريس. انتهى. وقال قبل هذا ولحق به -يعنى الإمام إدريس الأكبر- من إخوته سليمان، ونزل بأرض زناتة من تلمسان ونواحيها، ونذكر خبره فيما بعد. انتهى.

يشير إلى ما قدمنا بعضه عنه آنفا ونحوه لابن أبى زرع، وهو صريح في أن دخول مولاى سليمان للمغرب متأخر عن دخول شقيقه المترجم، لكن ينافى ذلك ما أسلفناه عن ابن جرير والمسعودى وغيرهما من كون المولى سليمان كان من جملة قتلى فَخّ، ومثله نقله الحلبى عن سبط ابن الجوزى، ويوافقه ما نقله الحلبى أيضا عن ابن حزم ومصعب، من أن الذى أتى تلمسان هو ابن سليمان محمد لا أبوه سليمان، وكذا ما نقله عن "بحر الأنساب" من أن محمد بن سليمان هو الذى خرج مع عمه المترجم إلى تلمسان. فدخول سليمان إلى المغرب مختلف فيه، قال الحلبى: والصحيح دخوله إياه لاتفاق مؤرخى المغرب عليه كالتنسى، وابن خلدون، وابن أبى زرع، وصاحب المسالك، ونقل عن النوفلى ذلك أيضا وهو محقق في التاريخ. انتهى. قلت: أما ابن خلدون وابن أبى زرع فكلاهما صريح في أن دخول سليمان للمغرب متأخر عن دخول أخيه الإمام إدريس، فلا شاهد فيه لمن ادعى الأولية لسليمان وإن كان شاهدًا لأصل الدخول، وأما كلام المسالك فقد وقفنا عليه في أصله فوجدناه صريحا فيما قصده الحلبى من أصل الدخول محتملا للتأخر والتقدم، وهو في الأول أظهر واعتماده في ذلك على كلام النوفلى لنفله له واقتصاره عليه في ترجمة مدينة فاس، ومن جملة ما اقتصر عليه في هذه الترجمة أن سليمان نزل مدينة تلمسان مع أنه فيما قدمه في ترجمة تلمسان اقتصر على قوله: نزلها محمد بن سليمان بن عبد الله بن حسن. انتهى. فاقتصر على أن النازل بها هو ولده محمد وبه يسقط احتجاج "الدر النفيس" بما في المسالك. وفى "العرف العاطر" لأبى محمد عبد السلام القادرى جد صاحب "النشر" ما نصه: بويع له -أى لسليمان- بتلمسان فيما قيل، ثم قال: وقال مصعب: إن سليمان المذكور قتل بفخّ، قال: وكان ولده محمد خرج إلى المغرب، ومصعب أعرف بهذا الشأن من غيره إذ كان معاصرًا له ومن أهل أرضه وبلاده ونحوه لابن حزم والأزورقانى. انتهى.

وبطرته بخط صاحب النشر ما صورته ما حكاه بقيل من أن سليمان بن عبد الله دخل المغرب ونزل بتلمسان هو الذى عند التنسى في نظم الدر والعقيان، وابن خلدون في كتاب العبر، وابن أبى زرع في الأنيس وأبى عبيد البكرى في المسالك. قلت: التنسى تابع لابن خلدون، فإن كل ما في كتابه مأخوذ منه إلا أنه لا يسميه، وابن خلدون تابع لصاحب الأنيس فكثيرا ما ينقل عنه ويصرح به ويعتْمده، وصاحب الأنيس تابع لصاحب المسالك فكثيرًا أيضا ما يعتمده وينقل عنه، وصاحب المسالك نقله عن النوفلى عن عيسى بن حيون قاضى أرشقول ولم نعثر على من قال إن هذا كان من الحفاظ فالصحيح المعتمد أن الداخل للمغرب هو محمد بن سليمان كما قاله الحفاظ الثلاثة النسابون: مصعب الزبيرى، وابن حزم، والأزورقانى. انتهى، من خط عم والدنا. انتهى، ما وجدته بخط صاحب النشر طرة المحل المذكور من كتابه المذكور. وقد رام في "حجة المنذرين" الجمع بين الخلاف في هذا المقام فقال: إن دخول مولاى سليمان المغرب كان صدر القرن الثانى فرارًا من أبى جعفر المنصور، ثم استخلف ولده في عين الحوت ورجع للحجار لأخذ الثأر زمن الهادى العباسى فاستشهد في وقعة فخ، ومن قال: إن مولانا إدريس أول داخل للمغرب يعنى المغرب الداخلى الأوسط فلا ينافى تقدم دخول عمه إلى المغرب الأدنى. انتهى. وعليه ملاحظات: الأولى: أن هذا الجمع لا يتأتى على قول ابن خلدون ومن وافقه إن دخوله للمغرب متأخر عن دخول شقيقه الإمام إدريس، ولا على قول مصعب وابن حزم، وابن جرير، والمسعودى ومن وافقهم أنه لم يدخله أصلا. الثانية: أن قوله تقدم دخول عمه سهو وصوابه أخيه.

الثالثة: أن جعله تلمسان وما حوله من المغرب الأدنى خطأ بل ذلك عندهم من المغرب الأوسط، بل تلمسان هى قاعدته كما في "جنى زهر الآس" و" الدر النفيس" وأصله لابن خلدون وغيره، وقد قدمنا ما بين ابن خلدون وغيره من الخلاف في تفسير المغارب. وفاته: اختلفوا في سنة وفاته، فقيل: سنة خمس وسبعين ومائة، وعليه جرى النوفلى، وابن خلدون، والبكرى، والتنسى، والجزنائى، وابن قنفذ وهو المرقوم في المشهد الإدريسى، وقيل: سنة ست وسبعين ومَائة وبه صدر في "الجذوة" ولم نره لغيره، وقيل سنة سبع وسبعين ومائة وعليه اقتصر ابن أبى زرع والحلبى وغيرهما. واختلفوا أيضا في شهر ويوم وفاته فقيل: فاتح ربيع الأول وعليه اقتصر في "الدر النفيس" ولم نره لغيره، وقيل: منسلخه وعليه اقتصر في "الجذوة" وقيل مفتتح ربيع الثانى وعليه اقتصر ابن أبى زرع ونحوه للكلبى في "الأنور" وقيل منسلخه وعليه اقتصر البكرى والجزنائى. وعلى ذلك انبنى قدر مدة الخلافة لهذا الإمام فعلى أن البيعة في سابع ربيع الأول والوفاة في منسلخ ربيع الثانى من عام سبعة وسبعين، وهذا أقصى الأقاويل المتقدمة تكون مدة الخلافة خمس سنين وأربعا وخمسين يوما. وعلى أن البيعة في أول رمضان، والوفاة في منسلخ ربيع الثانى سنة سبع وسبعين، تكون المدة أربع سنين وثمانية أشهر. وعلى أن البيعة رابع عشر رمضان والوفاة منسلخ ربيع الثانى سنة سبع وسبعين، تكون المدة أربع سنين وسبعة أشهر وسبعة أو ستة عشر يوما، فالأول على كمال شهر البيعة، والثانى على نقصانه.

وعلى أن البيعة سابع ربيع الأول والوفاة منسلخ ربيع الثانى سنة خمس وسبعين تكون المدة ثلاث سنين وشهرين اثنين عدا ستة أيام. وعلى أن الوفاة في متم ربيع الأول من سنة خمس وسبعين والبيعة سابع ربيع الأول، تكون المدة ثلاث سنين عدا خمسة أو ستة أيام. وعلى أن البيعة فاتح رمضان والوفاة منسلخ ربيع الثانى عام خمسة وسبعين، تكون المدة سنتين اثنين وثمانية أشهر. وعلى أن البيعة فيما ذكر والوفاة فاتح ربيع الثانى سنة خمس وسبعين، تكون المدة سنتين اثنتين وسبعة أشهر ويوما واحدًا، وإن كانت البيعة فاتح رمضان والوفاة منسلخ ربيع الأول سنة خمس وسبعين، تكون المدة سنتين اثنتين وسبعة أشهر لا غير. وعلى أن البيعة فيما ذكر والوفاة فاتح ربيع الأول سنة خمس وسبعين، تكون المدة سنتين اثنتين وستة أشهر ويوما واحدا. وعلى أن البيعة في رابع عشر رمضان والوفاة في منسلخ ربيع الثانى سنة خمس وسبعين، تكون المدة سنتين وسبعة أشهر، وستة أو سبعة عشر يوما. فإن كانت الوفاة فاتح ربيع الثانى والموضوع بحاله كانت المدة سنتين اثنتين وستة أشهر وسبعة أو وثمانية عشر يوما. فإن كانت الوفاة في منسلخ ربيع الأول والموضوع بحاله، كانت المدة سنتين اثنتين وستة أشهر وستة أو سبعة عشر يوما. فإن كانت الوفاة فاتح ربيع الأول والموضوع بحاله، كانت المدة سنتين اثنتين وخمسة أشهر وثمانية أو سبعة عشر يوما. فهذه تفاصيل المدة التي انبنت على الخلاف في تاريخى البيعة والوفاة وقد علمت أن أقصاها خمس سنين وأربعة وخمسون يوما، ومنه يعلم أن ما وقع في "الجذوة" و"الدر النفيس" من أن المدة خمس سنين وسبعة أشهر، إنما هو غلط

88 - إدريس المعروف بإدريس الأنور والأزهر والتاج والمثنى.

محض مخالف للأقوال كلها، وقد نبه على غلطهما في "سلوة الأنفاس" وإن لم يستوعب ما فصلناه. 88 - إدريس المعروف بإدريس الأنور والأزهر والتاج والمثنى. بانى فاس ودفينها رضى الله عنه وأرضاه. حاله: كان إماما راوية عارفا بأحكام السنة والكتاب، واقفا عند حدهما مؤتمرًا بأوامرها، منزجرًا بزواجرها، قائما بحدود الله لا تأخذه في الله لومة لائم، غضبه في الله ولله ورضاه كذلك، أمَّارًا بالمعروف نهَّاءً عن المنكر، ورعا جوادا كريما شهما صنديدا، سياسيا ماهرا مقتدرا، فصيحا بليغا، ناظما ناثرا ذا عقل راجح وحلم واسع، وإقدام في مهمات الأمور وحزم وصرامة، يباشر الحروب بنفسه، ويبلى البلاء الحسن، مع ثبات جنان ورسوخ قدم، وطلاقة وجه وبشر وارتياح عند لقاء العدو وفى ميادين القتال وخصوصا إذا حمى الوطيس. بويع له وهو ابن إحدى عشرة سنة، وذلك يوم الجمعة غرة ربيع الأول سنة ثمانية وثمانين ومائة، وقيل سابع ربيع الأول. قيل الذى أخذ له البيعة هو راشد مولى والده وكافله ومربيه، وقيل: مات راشد قبل أخذ البيعة له، والذى أخذ له البيعة هو أبو خالد يزيد بن إلياس العبدى. ولما بويع له صعد المنبر وخطب الناس، فقال: الحمد لله، أحمده وأستعين به وأستغفره وأتوكل عليه وأعوذ بالله من شر نفسى ومن شر كل ذى شر، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله أرسله إلى الثقلين بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، - صلى الله عليه وسلم - وعلى آل بيته الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا. أيها الناس، إنا قد ولينا هذا الأمر الذى يضاعف للمحسنين فيه الأجر وللمسئ الوزر ونحن والحمد لله على قصد جميل، فلا تمدوا الأعناق إلى غيرنا، ¬

_ 88 - من مصادر ترجمته: جذوة الاقتباس 1/ 160.

فإن ما تطلبونه من إقامة الحق إنما تجدوه عندنا، ثم دعا الناس إلى بيعته وحضهم على التمسك بطاعته، فتعجب الناس من فصاحته ونبله وقوة جأشه وثبوت جنانه على صغر سنه، ثم نزل فسارع الناس إلى بيعته وازدحموا عليه يقبلون يديه فبايعه كافة قبائل المغرب، من زناتة وأوروبة وصنهاجة وغمارة وسائر قبائل البربر فتمت له البيعة وتوطد له الملك وقويت جنوده وعظم سلطانه وأشياعه، وصارت الوفود تنسل إليه من كل حدب، وقصد الناس إليه من كل مكان من بلاد إفريقية والأندلس، فسر بذلك سرورا زائدًا وأكرم وفادتهم واصطفاهم وقربهم إليه، وركن إليهم. فمن الوافدين عليه: عمير بن مصعب، وعامر بن محمد بن سعيد القيسى الفقيه الورع وأبو الحسن عبد الله بن مالك الخزرجى، وداود بن القاسم بن إسحاق ابن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب استوزر الأول واستقضى الثانى واستكتب الثالث وقرب الرابع من دسته وخالطه بنفسه واصطفاه لأنسه. ثم لما تبحر استعمار الوافدين عليه من المشارق والمغارب وضاقت بهم مدينة وليلى اشترى مواضع أرض فاس من ملاكها بستة آلاف درهم ودفع لهم الثمن وأشهد عليهم بذلك، وشرع في بناء المدينة يوم الخميس غرة ربيع الأول عام اثنين وتسعين ومائة، قيل: كان يعمل فيها بيديه مع الصناع والفعلة والبنائين تواضعا منه لله تعالى ورجاء الأجر والثواب. أسس أولا عدوة الأندلس وسورها، وبعدها بسنة أسست عدوة القرويين، ولما فرغ من بناء المدينة انتقل إليها واستوطنها واتخذها دار ملكه ومقر كرسى إمارته. وفى سنة سبع وتسعين ومائة خرج لتمهيد البلاد ومحو آثار دعوة الخوارج من الصفرية ومذهب الواصلية الذى كان سائدا ومنتشرا، فوصل إلى سوس واحتل مدينة نفيس ودخل في حزبه قبائل المصامدة وحارب قبائل برغواطة أهل تامسنا، ثم عقد معهم الصلح ورجع لفاس.

وفى سنة تسع وتسعين ومائة خرج لتمهيد البلاد الشرقية فدخل تلمسان، وخضع لإمامته ملوك بنى خزرج من مغراوة واعترفوا بإمامته، وأقام بتلمسان ثلاثة أعوام فنظر في أحوالها وأصلح أسوارها وجامعها وصنع فيها منبرًا، ثم رجع إلى مدينة فاس فلم يزل بها إلى أن توفى. مشيخته: أخذ عن مولاه راشد، وعامر بن محمد بن سعيد القيسى الفقيه الصالح الورع، سمع من مالك، وسفيان الثورى، وروى عنهما كثيرا أخذ عنه موطأ مالك وأخذ عن غيرهما. شعره: من ذلك قوله رضى الله عنه فيما رواه عنه أبو هاشم داود بن قاسم الجعفرى: لو مد صبرى بصبر الناس كلهم ... لكل في روعتى أو ضل في جزعى بَانَ الأحبة فاستبدلت بعدهم ... همًّا مقيما وشملا غير مجتمع كأننى حين يجرى الهم ذكرهم ... على ضميرى مجبول على الفزع تأوى همومى إذا حركت ذكرهم ... إلى جوانح جسم دائم الهلع وقوله: أبهلول (¬1) قد شممت نفسك خطة ... تبدلت منها عولة (¬2) برشاد أضلك إبراهيم من بعد داره ... فأصبحت منقادا بغير قياد كأنك لم تسمع بكيد ابن أغلب ... غدا آخذا بالسيف كل بلاد ومن دون ما منتك نفسك خاليا ... ومناك إبراهيم شوك قتاد ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "بهلول هذا هو داعية الخوارج وعالمهم كان ممن بايع مولاى إدريس والد المترجم". (¬2) في هامش المطبوع: "أى جورا وميلا عن الحق".

89 - إدريس بن السلطان العادل المولى سليمان بن السلطان

ولادته: ولد بمدينة وليلى يوم الاثنين ثالث رجب الفرد سنة سبع وسبعين -بتقديم الموحدة على العين فيهما- ومائة وقيل سنة خمس وسبعين والخلاف في ولادته مبنى على الخلاف السابق في وفاة أبيه إذ لا خلاف أن أباه تركه حملا وأن مدة حمله لم تتجاور القدر المعتاد. وفاته: توفى سنة ثلاث عشرة ومائتين وهو ابن ست وثلاثين سنة وقيل توفى ليلة اثنى عشر من جمادى الأخيرة عام ثلاثة عشر ومائتين وسنه ثمان وثلاثون سنة وسبب وفاته أنه أكل عنبا فشرق بحبة منه فمات من حينه ودفن حيث قبره الآن من الحضرة الفاسية. 89 - إدريس بن السلطان العادل المولى سليمان بن السلطان سيدى محمد ابن السلطان المولى عبد الله بن فخر ملوك سلاطين المغرب المولى إسماعيل. حاله: فقيه علامة عامل مطلع له في الحديث القدم الراسخ، وفيه وفى غيره من سائر الفنون اليد الطولى، ناسك ذاكر، ذو هيبة ووقار، وجلالة في أعين الخواص والعوام، ذو أخلاق جميلة، وأفعال حميدة، وسجايا كريمة، واسطة عقد الصدور كثير التلاوة والأذكار. وكان يدرس العلوم بداره ومن عادته أنه يحضر أوانى الأتاى (¬1) وقت درسه وإذا رأى من الطلبة مللا أو سوء فهم أمر خادمه بمناولتهم كئوس الأتاى حتى تتشحذ أذهانهم وينتفى مللهم، ثم يعود للدرس وكان يطيل دروسه. مشيخته: أخذ عن والده "الورد الناصرى" و"دلائل الخيرات" بما معه من الأحزاب، وهو أخذه عن والده السلطان سيدى محمد بن عبد الله بمكناسة الزيتون عام ستة وتسعين ومائة وألف، وناوله إياه بالمسجد الأزهر المعروف اليوم بجامع ¬

_ (¬1) في تذكرة المحسنين في الموسوعة 7/ 2443 ترجمة: محمد بن عبد الله العلوى ت سنة 1204 هـ: "وفى أيامه أظهر الله بالمغرب عُشبَةَ الأتاى المشروب بسائر أقطاره، وهو من خصائص صاحب الترجمة وأثره ... ".

الأروى كما رواه عن غيره، وأخذ عن شيوخ العلم الذين كانوا بالحضرة المكناسية في الدولة السليمانية لا تحضرنى الآن أسماؤهم. الآخذون عنه: منهم الفقيه العدل السيد أحمد المدعو قرورو بن إدريس أجانا المترجم بعد صاحب الترجمة، والحاج محمد زغبوش، رحم الله الجميع بفضله. وفاته: حدثنى بعض العدول المبرزين العلماء الموثوق بأمانتهم أنه حدثه الولى الصلح، سيدى العربى بن السائح، بأنه كانت بينه وبين المترجم وصلة وصالح أخوة ومحبة زائدة، حتى إنه كان لا يمر عليهما يوم لا يجتمعان فيه ولو بباب دار المترجم يتذاكرون في المسائل العلمية والمعارف الذوقية، وأنه كان ظهر يوم خميس جالسا مع صاحب الترجمة بباب داره يتحدثان فيما حل بأهل مكناس من كثرة الموت ويأسفان على كثرة من أصيب بذلك الحادث الجلل، وإذا بالمترجم التفت إليه وقال: لعلنى يا سيدى العربى من زمام من يصاب بهذا الواقع، غير أننى أسال الله أن أكون سبب الفرج عن أهل البلد واللطف بهم، قال: ثم بقينا بعد ذلك نتحدث حتى حان وقت العصر فودعته وذهبت لدارى. ومن غده بلغنى بعد صلاة الجمعة نعيه فرعبت وفزعت لداره لأتيقن الخبر فوجدت أهله في تجهيز جنازته، ولما سألت عن كيفية الواقع أخبرت أنه بعد فراقنا دخل لداره وتوضأ وصلى العصر ثم توجه بصحبة ولده المولى سرور لزيارة الشيخ محمد بن عيسى الفهدى، وبعد الزيارة طلب من مقدم الضريح إحضار أعيان أولاد الشيخ إليه، فلما حضروا واجتمعوا جميعا بداخل قبة الضريح طلب منهم موضعا لإقباره داخل الضريح فأجابوه بعد تردد جميعا لذلك، ولما تم الأمر بينهم وجه ولده المذكور للإتيان له بالثمن الذى وقع التراضى عليه فأتاه به وسلمه لهم، وعين المحل الذى اختاره لنفسه قرب الدربوز على يمين الداخل لقبة الضريح المذكور، ثم رجع لداره قرب المغرب وبعد صلاة العشاء الأخيرة نزل به ذلك

90 - إدريس بن العلامة السيد التهامى أجانا.

الحادث، ولم يزل الأمر يشتد إلى أن ختمت أنفاسه عند أذان المؤذن الأول زوال يوم الجمعة أوائل شعبان عام واحد وسبعين ومائتين وألف. قال سيدى العربى رضى الله عنه: فازددنا يقينا بأنه ممن له عند الله منزلة كاملة، وأنه كوشف بما يحل به وقد حقق الله رجاءه في اللطف بعباده، فكان رحمه الله خاتمة المصابين بذلك الحادث. 90 - إدريس بن العلامة السيد التهامى أجانا. حاله: فقيه علامة خاشع متواضع زاهد ناسك ورع، كان يدرس في المسجد والقضيب بيده، ولا يدرس التوحيد إلا في محل خاص مستترا عن العوام، وتخرج على يديه طلبة كثيرون، وكان يؤدب الصبيان احتسابا لله تعالى، ورحل إلى الحج راجلا على ما أخبرنى به من وثقت بخبره من أهل العدل، ودخل مصر وقرأ بها. وكان يذهب كل يوم أربعاء وخميس لسجن بلاده المكناسية ومرستانها يخدم المساجين والمعتوهين ويقضى حوائجهم بنفسه، ويقول: لى في ذلك فائدتان: وعظ نفسى، وتعريفها بنعم الله عليها ومعافاتها مما ابتلى به كثير من الخلق من السجن والقيود والأغلال وغير ذلك كى تنزجر وترتاع وتقبل بكليتها على شكر المنعم وحمده. جعل كفنه بصدر بيته يشاهده ويعتبر ويتذكر به كلما دخل وخرج. وله أحوال كثيرة من هذا النوع، وكان يخيط أكفان الموتى ويباشر غسلهم ويحترف بتسفير الكتب وإصلاح المبتور منها ويبيعها ويتعيش بثمنها. الآخذون عنه: فممن أخذ عنه الوزير الفقيه السيد موسى بن أحمد، وأخوه السيد عبد الله عامل فاس وزَرْهُون، والسيد عبد السلام بن محمد بن الحاج

التهامى بن عبود، والسيد أحمد بن عمر الصوفى المتقدم الذكر، والفقيه العدل السيد محمد بن سميه فرموج، والفقيه السيد أحمد بصرى المترجم قبل ومن في طبقتهم. شعره: من ذلك قوله ومن خطه نقلت: جمع كاتبه سامحه الله بمنه كتب صحيح البخارى على ترتيبهم بصورة المخاطبة لغيره وأمره بما تضمنته معانيها في هذه الأبيات وهى: إذا رمت يا ذا الفضل عزا وأن ترى ... أخا شرف في الناس للحق مبصرا تحل بإيمان وعلم تسد به ... وكن بوضوء واغتسال مطهرا ولا تقرب الحيض الخسيس فإنه ... أذى وتيمم للصلاة مبادرا لدى وقت أد جمعة ثم عجلن ... وصل صلاة العيد والوتر أخرا ومد للاستسقا يدى متذلل ... وكن في كسوف للركوع مكررا وإياك أن تلغى سجود تلاوة ... وفى السفر المرضى صلاتك قصرا وعند هجوع الناس كن متهجدا ... وعجل سجود السهو إن صرت ذاكرا ومهما مررت بالجنائز فاعتبر ... وأد زكاة المال والفطر صابرا وإن كنت مسطاعا فبادر بحجة ... ورد عمرة واحلل إذا كنت محصرا ولا تؤذين صيدا إذا كنت محرما ... وأد جزاء إن فعلت لتطهرا وكن عارفا فضل المدينة واجتهد ... بصوم فإن الصوم للنفس قاهرا وفى شهره قم للتراويح واطلبن ... بآخر ذاك ليلة القدر ساهرا ولا تك فيه لاعتكافك تاركا ... وإياك عند البيع تفعل محظرا وإن كنت مسلما وإن كنت شافعا ... لشخص فكن بالحق للحق ناصرا

وكن للأجير في الإجارة مرضيا ... ولا تلزمنه بالحوالة مجبرا وإياك والتوكيل في الحرث واشربن ... زلالا والاستقراض عجله للورى وع عنك يا ذا الفضل كل خصومة ... ملازمة والقط إذا كن مشهرا ولا تقربن نحو المظالم والزمن ... لدى شركة حكما لها قد تقررا وإن حزت رهنا كنت فيه مخصصا ... وعجل بعتق للرقاب محررا وفى هبة اشهد وصالح بشرطه ... وأوص بخير المال إن صرت محضرا وجاهد عدو الله حق جهاده ... وفى بدء هذا الخلق كن متفكرا وكن بجميع الأنبياء مصدقا ... وصحب رسول الله فضل على الورى هم حضروا معه المغازى وقد شروا ... نفوسهم لله حقا بلا امترا وواظب على التفسير للذكر واعرفن ... فضائله إن كنت للرشد مبصرا ونفسك هذب بالنكاح وجانبن ... طلاقا وللإنفاق للأهل كثرا وأطعم صديقا من عقيقتك التي ... ذبحت وكن للصيد بالحل عاقرا ومن طيب الأموال قرب ضحية ... ولا تشربن يوما نبيذا مغيرا ومهما مرضت فانبذ الطب لابسا ... حِلَى أدب واضرع لمولاك صابرا وذا البيت فاستأذن ولا تك ملغيا ... دعاء وخوف بالزمان وذكرا وبالقدر المقدور ويحك صدقن ... ولا تك للأيمان والنذر مكثرا وكفر يمينا إن حنثت وصححن ... فرائض وأقسمها بعلم وحررا وإذ ما حدود قد أقيمت فسلمن ... ولا تك يوما للمحارب ناصرا وعن سبب الديات نفسك باعدن ... وذا ردة إن تاب بالفوز بشرا

91 - إدريس بن الطيب بن محمد بن حم بن إدريس

ولا تكرهن شخصا على فعل زلة ... ودع حيلا إن كنت يوما مخبرا وعن فتن كن قاعدا متقاعدا ... وعن خطة الأحكام نفسك أخرا ولا تكثرن قول التمنى وصدقن ... لقول امرئ فرد إذا كان مخبرا ومعتصما كن بالكتاب وسنة ... ومن كلمة التوحيد قلبك عمرا وكثر على خير الأنام محمد ... صلاة وتسليما وعظم ووقرا عليه صلاة الله ثم سلامه ... على عد ما أملى من الوحى للورى وآله طرا والصحابة كلهم ... ولله ربى الحمد بدءا وآخرا قلت: قد أبدع رحمه الله في الصنيع، وبرهن على أنه لا معرفة له بعلم القافية والكمال لله. وفاته: توفى أوائل دولة سيدنا الجد المولى عبد الرحمن بن هشام على ما أخبرنى به بعضهم، وقد كان عام ثلاثة وخمسين ومائتين وألف حيا يرزق، وضريحه بروضة سبعين لحية بين ضريحى المولى عبد الله بن حمد والسيد أحمد الحارثى، برد الله ثراه بمنه. 91 - إدريس بن الطيب بن محمد بن حم بن إدريس بن أحمد بن عبد الواحد -يدعى وحود- بن محمد بن قاسم بن عبد الواحد بن على منون الشريف الحسنى. شيخ الجماعة بالحضرة المكناسية. حاله: علَّامة مشارك متفنن نقاد، مقرئ أستاذ مجود، له اليد الطولى والمهارة الكاملة في علم الأوفاق وسر الحرف، كان يؤدب الصبيان على عهد والده، ثم تصدر للشهادة بسماط عدول العاصمة، وقفت على عقد إشهاد له بخط يده بتاريخ سابع عشرى ربيع الأول عام اثنين وعشرين ومائتين وألف.

92 - إدريس بن الطيب بن اليمانى بن أحمد بو عشرين.

ثم انتخب للإمامة بمسجد القصبة الإمامية المعروف اليوم بجامع القصبة فكان الإمام الراتب به، ثم أخر عنها، وولى مكانه سيدنا الجد المولى على بن محمد بن عبد الملك بن زيدان، وسبب ذلك أن السلطان العادل مولانا سليمان جاء يوما للمسجد المذكور بقصد أداء فرضه جماعة فيه، فاتفق أن الإمام الراتب تخلف لعذر وكان الجد المذكور من الملازمين المواظبين على الجماعة، فأمر مولانا سليمان بإقامة الصلاة على الجد وأمره بالتقدم فامتثل وأم، ومن ذلك الوقت صيره الإمام الراتب به، ثم لما علم المترجم بالواقع أبدى أعذارا مقبولة أباحت له التخلف، فعين إماما راتبا بالضريح الإسماعيلى، رحم الله الجميع بمنه. الآخذون عنه: أخذ عنه السيد محمد بن العباس آتى الترجمة في المحمدين في جماعة، ولم أقف على وفاته. 92 - إدريس بن الطيب بن اليمانى بن أحمد بو عشرين. حاله: من بيت علم وديانة وفضل وصيانة، قال في "خمائل الورد والنسرين": إن بنى العشرين من الخلف الصالح الأنصارى الذين ظهروا بأرض المغرب وشاع فضلهم وظهرت آثارهم من الخير والصلاح وشعائر الدين ونشر العلوم الشرعية، قال: والذى تحقق عندنا في أول استقرارهم بالديار المغربية أن انتقالهم لهذه العدوة كان من عدوة الأندلس، وأن أولهم الذى خرج من الأندلس هو أبو الحجاج يوسف البياسى، وكان من سادات زمانه علما ودينا وضخامة قدر وجلالة جاه، قال: والذى رويناه عن بعض الأثبات الثقات المعمرين الأخباريين من أهل مكناسة وذكرته للشيخ العلامة الكاتب سيدى اليمانى رحمه الله في حكاية ذكرتها في "الجيش العرمرم" فلما عرضت عليه ذلك الذى نذكره الآن أقره وصدق الذى حكاه لى، والذى حدث به ذلك المحدث المذكور، هو أن انتقالهم كان من تونس إلى تلمسان، ثم إلى فاس، ثم إلى سلا، ثم إلى جبال الزبيب، ثم إلى مكناس، فلما ذكرت ذلك للفقيه المرحوم سيدى اليمنى، قال: ذلك صحيح، إلا

أن الذى أعرفه أن الانتقال من تونس إنما كان إلى فاس لا إلى تلمسان ثم إلى فاس. انتهى. وقد زيف ما يخالف هذا مما قاله صاحب وفيات الأعيان في ترجمة البياسى. وكان المترجم فقيها أديبا كاتبا مجيدا وجيها استوزره السلطان سيدى محمد ابن عبد الرحمن بعد وفاة والده السيد الطيب صبيحة يوم السبت تاسع عشر شعبان عام ست وثمانين ومائتين وألف وذلك بالحضرة المراكشية، فقام بأعباء الوزارة أتم قيام مع الجد والحزم والنصح في الأعمال والإخلاص لجانب الأمير والمأمور. وقد كان رحل إلى الحج قيد حياة والده، وذلك عام تسع -بتقديم التاء على السين وسبعين بتقديم السين على الموحدة- ومائتين وألف فأدى فريضة الحج وزار قبر خير الأنام، وتاقت نفسه للجوار فاشترى داره الشهيرة بالمدينة المنورة، ثم آب للديار المغربية، ثم أعاد الرحلة إلى الحج فاتح عام أربعة وتسعين بأهله وذويه، وأقام بمكة إلى فاتح عام سبعة وتسعين، وفيه رحل لطيبة الطيبة بقصد الجوار فطاب له بها المثوى والقرار. وفى فاتح اثنين وثلاثمائة وألف دخل مصر والآستانة العظمى لمعالجة ألَمٍ ألَمَّ به فلقى من السلطان عبد الحميد ورجال دولته تكرمة وإجلالًا، ثم عاد إلى المدينة. ثم في فاتح سنة ثلاث وثلاثمائة وألف رجع إلى الديار المغربية لصلة رحم قرابته وقضاء بعض مهماته، فوجد السلطان بالثغر الرباطى فأجله واعتنى بشأنه ورافق جنابه العلى إلى الحضرة المكناسية، فراوده وألح عليه في المقام على وَظِيفِه فاعتذر واستعفى وأبى إلا العود لجوار المصطفى، فساعده الإسعاد بالمساعدة وعاد لمدينة خير رسول معرضا عن كل ما يثبطه ويلهيه، وأقبل على عبادة ربه حتى أتاه اليقين.

93 - إدريس بن أحمد بن التهامى مسامح.

شعره: من ذلك قوله مؤرخًا تمام بناء روضة الأنيق بالمدينة المنورة ولادته: بالله والجار طه ... حل الهنا والتدانى والفور دنيا وأخرى ... بنجل ابن اليمانى إذ تمم الله قصدا ... له بأسنى مكان تاريخه في حروف ... (أبشر به بأمان) ولد بمكناس فاتح عام ستين بتقديم السين على، لمثناة فوق ومائتين وألف كما أفادنى بذلك ولده الفقيه الحيي الأديب السيد الحاج محمد خليفة عامل فاس في العصر الحاضر. وفاته: توفى بالمدينة يوم الأربعاء خاص رجب سنة خمس وثلاثمائة وألف وصلى عليه بعد فريضة الظهر من يومه بالروضة الشريفة ودفن ببقيع الغرقد بين مشهد سيدنا إبراهيم بن خير العالمين ومشهد إمامنا مالك رضى الله عن الجميع. 93 - إدريس بن أحمد بن التهامى مسامح. حاله: كان فقيها أستاذا مقرئا علامة متقنا له مشاركة حسنة في الفقه والأصول والحديث والنحو والبيان والمنطق والقراءات وكان يؤدب الصبيان إلى أن اصطفاه وزير وقته السيد محمد بن العربى الجامعى لتأديب أولاده، فصار يظعن بظعنه ويقيم بإقامته في التنقلات السلطانية كلها إلى أن اخترمته المنية بالحضرة الفاسية. مشيخته: أخذ عن العلامة الصالح السيد المختار الأجراوى وهو عمدته وعن المفضلين السوسى، وابن عزور، وغيرهم ممن هو في طبقتهم.

94 - إدريس بن أحمد الخطابى الزرهونى.

94 - إدريس بن أحمد الخطابى الزرهونى. حاله: كان فقيها عدلا رضًا، تولى نيابة القضاء بالزاوية الإدريسية عن قاضى مكناسة ونواحيها السيد أحمد بن سودة المرى، إلى أن أعفى لعجزه وكبر سنه، وأقيم مقامه ولده المترجم آنفا، وقفت على رسم بخطابهِ مؤرخ بسبع وتسعين ومائتين وألف. وفاته: توفى ليلة الخميس مهل قعدة الحرام عام ثمانية عشر وثلاثمائة وألف، ودفن بعد صلاة الظهر من اليوم المذكور بمقبرة خيبر من الزاوية. 95 - إدريس بن أحمد بن محمد البخارى المدعو البرنوصى المكناسى النشأة والدار والأقبار. حاله: فقيه وجيه حيسوبى، جليل القدر نبيه، له مهارة كبيرة في الهندسة والرماية بالمدفع والمهراس. تولى الأمانة على دفع مُؤَن الجيوش السلطانية إلى أن مات عنها وحضر مع السلطان المولى الحسن في وقعة فاس الشهيرة الآتية الشرح والتوضيح بعد بحول الله، وهو الذى تولى رمى منار مدرسة الطالعة من فاس، ثم لما مرض بفاس واشتد به المرض طلب التوجه لأهله وذويه بمكناس، فأذن له فاخترمته المنية قبل وصوله. وفاته: توفى يوم الأربعاء ثامن عشرى محرم الحرام فاتح عام ثلاثة وعشرين وثلاثمائة وألف بأرض سايس، ودفن من الغد بضريح الولى الكامل سيدى محمد ابن عيسى المعروف بالشيخ الكامل يمين الداخل للضريح من باب المعراض. 96 - إدريس بن المكى البخارى. حاله: كان متوليا رياسة الجيوش المخزنية، وقورا مهابا مهما، حل بالبساط

97 - إدريس بن الحاج حفيد برادة الفاسى.

الملوكى، يقوم إجلالا له كل من به من الجيوش ولم يكن ذلك لأحد غيره ممن تقدمه أو تأخر عنه غير الوزير الصدر، وكان جوادا كريما شجاعا مقداما فصيح اللسان، قوى الجنان، ثبتا في سائر شئونه، عارفا بالسياسة ونواميس المخزن وضوابطه، له مهارة كاملة في الحساب والأوفاق واستخدام الجان، يتقن رواية ورش وقالون والبصرى إتقانا جيدا، خيرا دينا، ذا حزم وعزم، لا تكاد تجده في وقت من الأوقات على غير طهارة مهما حدث إلا وأسرع للوضوء حضرا وسفرا، تقى نقى، ذاكر ناسك. أخبر عنه بعض خواصه أنه كان يصبح تحت وسادته كل يوم مائة مثقال فيدفعها للقيم بصائر داره فيصرفها بتمامها ولا يدع منها شيئا، وأنه كان يغلق عليه بيته في بعض الأحيان ويأمر أهله بالتنجى عنه وعدم الوصول إليه إلا بعد إذنه لهم بالدخول عليه، فيسمعون كلام الغير معه، فإذا قضى أربه صفق إذ كان ذلك علامة على الأذن لهم في الدخول عليه، فإذا دخلوا عليه وجدوه وحده مستقبلا القبلة وسبحته بيده وقد تواتر هذا وأمثاله عنه. وكان لا يهاب لا رئيسا ولا مرءوسا، ومن عادته التي لا تتخلف إذا أمره السلطان بالدخول عليه أدخل يده تحت ثيابه وحل السراويل فإذا قام أوهم الرائين أن السراويل حل واشتغل بشده هنيهة قليلة، ثم يدخل على السلطان فلا يواجهه بما يكره ولو وشى له به، وربما صرح السلطان بأنه مهما رام مشافهته بسوء خرس لسانه بمجرد وقوع بصره عليه. وفاته: توفى بمكناسة عام ثمانية وثمانين ومائتين وألف ودفن بالزاوية الناصرية. 97 - إدريس بن الحاج حفيد برادة الفاسى. حاله: كان شابا نجيبا، حييا أريبا، فقيها نبيها، ذا سمت حسن، استخدم أمينا على الصائر على الدار السلطانية بالحضرة المكناسية، ودرس بجامعها الأعظم

98 - إدريس بن القائد محمد بن أحمد الفيضى الأصل المكناسى الدار والأقبار.

"الخلاصة" و"الآجرومية" وختمها ثم أعفى ورجع لمسقط رأسه فاس، ثم نقل لرباط الفتح وامتحن رحمه الله بالسجن، وبرباط الفتح كانت منيته. مشيخته: أخذ عن شيخنا ابن الجيلانى ولازمه في "المختصر الخليلى" وغيره، وكان القارئ لديه أيام حضورى دروس الشيخ المذكور زمن رحلتى في طلب العلم بالحضرة الفاسية. الآخذون عنه: أخذ عنه قاضى زَرْهُون الحالى ابن عمنا سيدى محمد بن إدريس، والفقيهان العدلان المبرزان: السيد عبد الله المدعو جمعان، والسيد محمد ابن سميه التراب ومن في طبقتهم. 98 - إدريس بن القائد محمد بن أحمد الفيضى الأصل المكناسى الدار والأقبار. حاله: فقيه نبيه ميقاتى ماهر متضلع حيسوبى متقن مطلع. وفاته: توفى بعد التاسعة من هذا القرن. 99 - إدريس بن شيخ الجماعة القراء في وقته الأستاذ البركة السيد اليزيد. حاله: كان فقيها أستاذا نحويا مقرئا مجودا، حسن الصورة، حسن الصوت، حلو التلاوة، تأتى الناس لاستماع قراءته من الحومات البعيدة، يحفظ السبع حفظا متقنا، فاق أقرانه بل شيوخه، فكان حامل لواء القراء في زمانه. وكان أول أمره لا يحفظ شيئا، بعيد الإدراك والفهم يسخر منه صغار الولدان، ولما ضاق ذرعا من ذلك رحل إلى الجبل وأظنه جبل العلم فمكث ثَمَّ زمانا طويلا يتعاطى التعليم بقريحة وقادة وجهد واجتهاد حتى وقع له شبه اختلال وأنف من الاجتماع بالناس، فصار يذهب بلوحه لغابة قرب جبل العلم حيث لا يصل إليه أحد، ودام على ذلك مدة حتى لقى بعض الأخيار ولقنه قراءة بعض

100 - إدريس الوزير بن محمد بن إدريس العمراوى بن محمد بن إدريس ابن محمد بن إدريس.

السور القرآنية، فذهب ما به وفتح له وذلك له الصعاب وحصل على حظ وافر من المعلومات. ثم رجع لمكناس بعد وفاة والده حافظا ضابطا متقنا، واشتغل بالإقراء والتدوير والتدريس، وأقر له بالتفوق الفقهاء والقراء المرءوس منهم والرئيس، درس "درس الشاطبية" و"تصوير الهمز" وغير ذلك مما لم يتصدر لتدريسه غيره، ويقال إنه من آل البيت الأطهار حسنى إدريسى والله أعلم، وكان يحترف ببيع الدقيق ولسانه رطب بالتلاوة. مشيخته: أخذ عن السيد فضول بن عزوز وغيره من علماء الجبل وأساتيذه، وعن السيد العربى بن شمسى. الآخذون عنه: أخذ عنه شيخنا العرائشى، وقاضى الأحوار أبو العباس الناصرى، والعربى بادو، وجماعة. وفاته: توفى مطعونا في ثالث رمضان عام خمسة وتسعين ومائتين وألف، وهو يصلى التراويح، يقرأ بحرف حمزة في قوله تعالى إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا وذلك بمسجد ضريح ولى الله سيدى أحمد بن خضراء. 100 - إدريس الوزير بن محمد بن إدريس العمراوى بن محمد بن إدريس ابن محمد بن إدريس. ثلاث مرات. يرفع نسبهم إلى محمد بن إدريس بن إدريس بن عبد الله الكامل، كان مقام سلفهم بقبيلة رمور من بنى عمر منهم من عهد قيام مغراوة على الأدراسة واختفاء الأدراسة في أغمار القبائل كذا في "الجيش العرمرم". حاله: كريم السجايا، طويل النجاد، صادق اللهجة، حازم ضابط فقيه، نبيه

أديب لبيب، من أبرع الكتاب وأنبههم، آية في الترسيل وقرض الشعر، صاحب أخلاق حسنة، وأفعال مرضية مستحسنة، سعاء في قضاء حوائج العباد، هين لين مقتصد بشوش. وجهه مستوزره السلطان سيدى محمد سفيرًا لفرنسا في ثالث عشر قعدة الحرام عام ستة وسبعين ومائتين وألف، وكان وصوله لباريز عشية يوم الأربعاء متم الشهر، وأقام بباريز اثنين وأربعين يوما، وقد ألف في رحلته هذه رحلة سماها "تحفة الملك العزيز بمملكة باريز" وصف فيها ما شاهده في سفره من المنتزهات ودور الآثار والسكك والسلاح والسياسة والنظام والمدن التي دخلها والعوائد والأخلاق التي رآها وصفا كاشفا. وقال: إن من جملة ما خاطبنا به وزير خارجية فرنسا منذ مقابلته لنا إن جميع مملكة فرنسا ممنونة ومتشكرة بإحسان مولانا السلطان مولانا محمد بإنعامه بهذه السفارة، وهى مبدأ كل خير بيننا فأجبناه بما يطابق كلامه وكِلْنا له بالمدّ الذى كَالَ لَنَا بِهِ. واتفق أن وجد في سفارته هذه عم السلطان في احتضار، وفى يوم الأحد سادس يوم من يوم الدفن صدر الإذن لهم بمقابلة السلطان بعد الزوال بساعة ونصف، ولما مثلوا بين يديه خاطبه السفير بقوله: بعد أن نهدى أيها السلطان العظيم لمقامكم الرفيع التحية التي تناسب حضرة عظماء الملوك، نعلم جنابكم المعظم أن سيدنا ولى نعمتنا سلطان المغرب أيده الله وأعزه، وجهنى إليكم سفيرًا لنسلم عليكم في اسمه الشريف، ونجدد العهد بدولتكم الفخيمة، ونهنيكم بلسانه العزيز على ما منحكم الله من السلامة ويسر لكم من الجلوس على كرسى ملك أسلافكم العظام، وجمع كلمة الجنس وزوال ما فيها، ونبين لكم ما عنده من السرور نصره الله بذلك على عادة الملوك المتحابين لا سيما مثل سلطنتكم التي لأسلاف سيدنا معها المحبة القديمة والمواصلة الأكيدة، ونقرر لكم ما عنده أعزه

الله من المحبة التي ورثها عن أسلافه والحرص على المحافظة على العهود والمواثيق التي تدوم بها وتتصل وتزيد المواصلة، وهذا كتابه العزيز نتشرف بمناولته لمقامكم متضمن لما ذكرناه، ونحن نرجو من الله أن تكون سفارتنا هذه ووصولنا إليكم زائدًا في عقد المحبة وتوثيقها وتعلية بنائها، وأن لا تزال في المستقبل تتجدد وتنمو وتعظم حتى يكثر نفعها ويعم خيرها على الرعيتين، كما أنا نشكر لحضرتكم هذه المقابلة التي قابلتنا بها الدولة وولاتها منذ خرجنا من بلادنا إلى أن وصلنا لحضرتكم، والبرور تلقونا به، ونذكره دائما، وذلك صدر عن أمركم وعليه نجازيكم بالخير الكثير. وكلما قرأت فصلا وقفت حتى يقرأ الترجمان عليه ترجمته حتى وصلت ذكر كتاب مولانا نصره الله فأخرجته وناولته إياه فقرب منى حتى قبضه بيده هنيئة وناوله للوزير المذكور خلفه. ثم أجابه السلطان بقوله: إنه لما بلغنا وفاة مولانا عبد الرحمن رحمه الله تأسفنا عليه غاية كما فرحنا بجلوس مولانا ابنه على التخت، لأن الشئ وقع في محله. وأما المحبة والمودة فهى عندى أعز من أن يضع ملك يده في يدى أو أضع يدى في يده ولعل سفارتكم تكون سبب الخير بين الدولتين، وكمال الاتصال بين الإيالتين. وأما ما قابلتكم به رعيتنا من البرور والإكرام فأنا الذى أمرتهم بذلك، وهو واجب علينا في حق كل رجل معتبر يأتى من عند دولة كبيرة سيما دولتكم التي هى أحب الدول عندنا، ولا يأتى تشويش بين الدولتين إلا من عدم المحافظة على الحدود. وأما المطالب فلا أقصر في قضائها على كمل وجه، وسنأذن للوزير في استماعها منكم والمفاوضة فيها معكم.

قال فأجبته بأن مولانا نصره الله غير مقصر في أمر الحدود، وحريص على إجراء الأمر فيها على القانون المعهود، وإن وقع شئ من رعاع الجيران وسفهاء الناس فعن غير رضا منه أيده الله ولا موافقة له، ولا يزال يسعى في زجر من يسعى في إفساد ما بين الإيالتين بغاية إمكانه، وحيث يسر الله في ثبوت المحبة والمودة فمباشرة أمر ذلك تسهل بحول الله. فأجاب بأن ذلك هو الظن وهو غاية ما نحب. قال ثم لما تم الكلام وسكت وسكتنا استأذناه في الانصراف فأذن لنا فانصرفنا. ثم وجه سفيرا للإصبان وكانت له حظوة ومكانة مكينة، ولا غرابة، فبيتهم من البيوت العريقة في المجد وممن تقدمت لهم خدمات مخزنية، وستأتى ترجمة والده في المحمدين بحول الله. (شعره) من ذلك قوله رأيت غزالا بباب أسير ... يصيد القلوب بلحظ كسير رمانى بسهم من أجفانه ... فغادر قلبى لديه أسير فيا أيها الركب قولوا له ... إذا ضاع قلبى بماذا أسير وقوله: يا راحة القلب مالى ... عن حسن وجهك راحه وكيف أبغى سلوا ... وأنت للقلب راحه فلا تردى محبا ... إن مد نحوك راحه تخذت وجهك روضى ... وروح قلبى وراحه

بالهجر كلمت قلبى ... داوى بوصل جراحه وطال بالصبر شجنى ... فلتطلقين سراحه فالبعد عنك عذاب ... والقرب منك إراحة وقوله في رجب سنة 1244 لما عزم مخدومه السلطان سيدى محمد على السفر للغرب: ما لذ لى العيش مذ فارقت حضرتكم ... كلا ولا طاب لى كأس ولا وتر بانت حياتى مذ بانت ركائبكم ... وحال حال فلا عين ولا أثر أفديه من قمر بالقلب مطلعه ... والقلب منزلة يحتلها القمر ركبت بحر الهوى في حبه خطرا ... وفى محاسنه يستحسن الخطر كم ليلة هاج أشواقى تذكره ... واعتادنى المؤلمان الفكر والسهر تبارك الله ما أحلى شمائله ... ما العنبر الشحر ما الريحان ما الزهر وقوله متشوقا لمراكشة الحمراء وأهلها: ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة ... بمراكش بين الأحبة ثاويا وهل أعبرن أم الربيع وأتركن ... مهامه تامسنا هواء ورائيا وهل أردن من واد صبرة منهلا ... ويبدو منار الكتبيين أماميا وقوله: ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة ... بمراكش حيث الغريب عزيز وهل أردن من واد صبرة منهلا ... وهل يبدون لى رمرم وجليز

وقوله: يا سيد الرسل إنى ... أنزلت رحلى ببابك وهل يخيب عبيد ... آوى لظل جنابك وقوله: شفاعة خير الرسل أرجو غدا ومن ... يقول إذا عز الشفيع أنا لها شفاعته يرجو المسئ وإننى ... جدير بأمداحى له أن أنالها وقوله: هنيئا أبا عبد الإله لك البشرى ... فهذا زمان السعد قد أظهر البشرا وهذى رياض الأنس تزهو أريضة ... وهذى بشارات السعود أتت تترا فرد من زلال الود غير مكدر ... وجل برياض الحسن واقتطف الزهرا فقد وصلت من بعد طول تشوق ... غزال بليل الشعر قد أطلعت فجرا سرت وظلام الليل أرخى سدوله ... وزارت على بعد الديار لنا بدرا عجبت لشمس زارت البدر في الدُّجَى ... وعهدى بأن الشمس لا تدرك البدرا حكت ظبية الوعساء جيدا وناظرا ... وأزرت بقد الغصن والصعدة السمرا يشوق منها القرط صوت خلاخل ... فأرسل للإتيان بالخبر الشعرا وقد غردت من فوق غصن قوامها ... حمائم حلى آذنت باللقا جهرا تريك عقود الدر عند ابتسامها ... وتسقيك من سلسال ريقتها خمرا ولا عيب فيها غير سقم جفونها ... وكفل رداح ثقله أنحل الخصرا وغير حديث قد حكى السحر رقة ... له في سويدا قلب سامعه مسرا

فواصل بها وصل السرور ودم على ... ذرى المجد والعلياء مرتديا فخرا وخذها كما شاء الوداد خريدة ... تفوق الذى أعطيت في وصلها مهرا ودونكها كالروض قد نثر الحيا ... بأرجائه من دمع ديمته درا ففتق من صون الكمام أزاهرا ... فأعبقت الأرجاء من طيبها نشرا ونادت طيور الشكر فوق غصونها ... "هنيئا أبا عبد الإله لك البشرى" وقوله من قصيدة في مدح الشريف مولاى المأمون أخ السلطان مخدومه: عذر المتيم في عيون العين ... وفتورهن على الغرام معين كم من شهيد بين أرجاء الحمى ... بفتور ألحاظ وسحر جفون ومسهد من نومهن ومنتش ... من سكرهن وهائم محزون لم ألف في زمر الأحبة مسعدا ... في حبهن سوى عيون عيون وخشيت من قلبى التقلب في الهوى ... لما اكتوى فطلبته بضمين دينى عليهن الوصال وقد وفا ... شرطى فهلا تركن مطل ديون يا عاذلى كن عاذرى في حب من ... قد طال شوقى نحوها وحنينى لو أبصرت عيناك أقمار البها ... من فوق كتبان سمت وغصون ورأيت طعن خناصر بمحاجر ... من تحت ليل ذوائب وقرون وشهدت برق مباسم كالدرفى ... أسلاكه والطلع في العرجون وشممت عرق مواسم بمباسم ... لشفاهها كالأرْي (¬1) والزَّرَجُون (¬2) ¬

_ (¬1) الأرى: العسل - والندى يسقط على الشجر. (¬2) الزرجون: قُضبَان الكَرم - والخمر.

لعذرت من ملك الجمال قياده ... ولدنت في شرع الهوى بالهون وعلمت أن لا شئ يفضله سوى ... مدح الخليفة سيدى المأمون علم تسربل في العلا حلل الرضا ... وعلا بتسليم وحسن يقين وسما به الظن الجميل لرتبة ... لم يرض قبل صعودها بالدون عرفت به همم سمت من رخرف ... فأبان عن سفسافه الوهون وأتى الرعية حظها من رفقه ... فإن رهبة حكمه في اللين عف الضمائر والجوارح فيهم ... عن نيل مظلمة وكشف ظنون خلق كأخلاق النسيم لطيفة ... وشمائل كالروض غب هتون ومواهب تحكى السحائب عفوها ... بعطاء لا نزر ولا ممنون مغناه مغنى للمبيت ولفظه ... مغن عن التوضيح والتلقين لم تلقه إلا مشمر ذيله ... متأهبا للخير غير ضنين أسنى الدخائر عنده ما يقتنى ... لعلا العساكر أو أمور الدين وألذ شئ عنده عرض الجيا ... د مع السلاح المنتقى المتقون وقوله يرثى العلامة سيدى حمدون بن الحاج لما توفى وذلك عشية يوم الاثنين سابع ربيع الثانى عام اثنين وثلاثين ومائتين وألف: حياض المنايا للبرايا مناهل ... وكل الورى للورد منها نواهل قضاء من الرحمن حتما على الورى ... وكل قضاء الله لا شك واصل فلا بد للأحياء من ورد حوضها ... كما وردتها في القديم الأوائل وما هذه الدنيا سوى دار رحلة ... ولا بد من يوم تشد الرواحل

فيا أيها المغرور والأمل البقا ... تزود من الدنيا فإنك راحل ولا تغترر منها بحسن زخارف ... فكل سوى الله المهيمن باطل فظاهرها للجاهلين محاسن ... وباطنها للعارفين رذائل وما نحن إلا كالجياد بمضمر ... وتسبق في الميدان منا الأفاضل رأيت المنايا تنتقى كل سيد ... لها كل يوم غارة وجحافل وتردى صميم المجد من فتكاتها ... كأن لها ثارا عليه تقاتل (تحامى الرزايا كل خف ومنسم ... وتلقى رداهن الذرا والكواهل (¬1) أما وجدت عنا الخطوب معرجا ... أما ردها عنا العلا والفواضل لقد هد ركن الصبر يوم نعوا لنا ... إمام العلا من في الفضائل كامل وقلت لا والله ما كنت داريا ... من الوجد والأحزان ما أنا قائل أحقا عباد الله حمدون قد قضى ... لقد ثكلتنا عند ذاك التواكل نعم قد قضى شيخ الجماعة والتقى ... وغالته من دون الأنام الغوائل لقد كورت شمس السيادة بعده ... وبدر العلا والمجد والعلم آفل وهد سماء الجود والمجد واعترى ... بفقدانه أرض القلوب الزلازل وغاضت بحور العلم بعد طفوحها ... وعاد رياض النظم والنثر ذابل وسدت طريق السالكين إلى العلا ... وعادت طريق المتقنين مجاهل. رزيته أزرت بكل رزية ... وفقدانه خطب لعمرى هائل لئن كان شمسا قد هوى فوراءه ... هلال بآفاق السيادة كامل ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "البيت الأول لأبى العلا المعرى ضمنه المترجم وأجاد" ..

وذكر سرى بين البرية طيب ... كما هب ريح عطرته الخمائل وأوضاع علم يستضاء بنورها ... ونظم ونثر للمحاسن شامل فصبرا أبا عبد الإله فإنما ... بقدر جبيل الخطب تعطى الجلائل وإن مصاب المسلمين بفقده ... مصاب عظيم هاج منه البلابل أحمدون من للمشكلات يبينها ... إذا قصرت عن فهمهن الأفاضل ومن لعلوم الدين يتقن درسها ... فتشرق نورا من ذكاه المسائل ومن للمعانى والبيان يبينه ... بعضب لسان للجهالة قاتل ومن لامتداح المصطفى بمدائح ... عليها من السحر الحلال دلائل ومن لذوى المعروف إن عنَّ حادث ... فيلقاهم بشر لديك ونائل لقد كنت غوثا للأنام ومنهلًا ... إذا ما عرتهم من زمان نوازل وكنت دليل السائرين إلى العلا ... وبدرا بآفاق الهدى متكامل وكنت لهذا الدهر زينا وحلية ... فها جيده من بعد بعدك عاطل وكنت لذى الحاجات خير وسيلة ... إذا عدمت في العالمين الوسائل فأصبحت مقصى في ديار جنيبة ... وقد عدمت تلك العلا والفضائل وأضحت ربوع العلم وهى كئيبة ... خوال ونور العز بعدك حائل وأصبحت الطلاب بعدك في ظما ... وقد كدرت للواردين المناهل وعاثت جيوش الحزن فيهم وحكمت ... على الرغم في الأحشا الظبا والعوامل ونار الجوى بين الجوانح أججت ... وسحب الدموع في الخدود هوامل فما عيشهم من بعد بعدك صالح ... ولا في الحياة بعد فقدك طائل

101 - إدريس بن الحاج بوعزة الميسورى.

فلو كنت تفدى بالنفوس تسابقوا ... ولم تغلهم فيك النفوس الجلائل ولكن قضاء الله حم فما امرؤ ... يرى دون ما قد قدر الله حائل لقد صرت للبدرين قبلك ثالثا ... به تم بين العالمين التماثل كأن لم ترى شبها لفضلك في الورى ... فأصبحت بالشبه المماثل نازل ثلاثة أقمار ثوين بروضة ... عليها من النور البهى شمائل جبال علوم راسيات لدى العلا ... بحار لعمرى ما لهن سواحل سقى ترب ذاك الروض شؤبوب رحمة ... وسحت عليه الساريات الهواطل وبوأ من قد حله الله جنة ... لهم بعلا الفردوس منها منازل بجاه إمام المرسلين وآله ... وأصحابه أهل الرشاد الأفاضل عليهم صلاة الله ما ذر شارق ... وما سجعت فوق الغصون البلابل وستأتى بعض قصائده الرائقة في ترجمة السلطان مولاى الحسن إن شاء الله. وفاته: توفى بالوباء برباط الفتح صبيحة يوم الخميس رابع عشر جمادى الثانية عام ستة وتسعين ومائتين وألف ولا زال عقبه بمكناس إلى الآن. 101 - إدريس بن الحاج بوعزة الميسورى. حاله: فقيه أستاذ مجود متقن ذو صوت حسن حلو التلاوة يحفظ القراءات السبع حفظا جيدا، عارفا بمخارج الحروف، رشح لتعليم بعض أفراد أبناء العائلة السلطانية بالدار المولوية المحنشة من الحضرة المكناسية، ثم رحل لفاس بصفة كونه مؤدبا لصنو مولانا المنصور بالله البركة الفاضل الذاكر المجتهد مولاى محمد فتحا نجل السلطان المقدس المولى الحسن وذلك بعد العشرين من هذا القرن، ومكث به مدة ثم رجع لمسقط رأسه مكناسة ولم يزل بها إلى أن لقى ربه. ¬

_ 101 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع - ص 2865 في موسوعة أعلام المغرب.

102 - إدريس الأمرانى بن عبد السلام بن محمد فتحا بن عبد الله

مشيخته: أخذ عن شيخ جماعة المقرئين السيد العربى بن شمسى، والسيد فضول السوسى، وشيخنا أبى عبد الله محمد القصرى، وغيرهم. وفاته: توفى سنة تسع وعشرين وثلاثمائة وألف ودفن بمقبرة سيدى الحريشى من هذه الحضرة المكناسية. 102 - إدريس الأمرانى بن عبد السلام بن محمد فتحا بن عبد الله بن الظاهر بن محمد بن عبد الواحد بن العربى بن محرز بن على بن يوسف بن على الشريف بن الحسن الصغير بن محمد بن الحسن القادم من ينبع النخيل إلى تافيلالت رحم الله الجميع بفضله وكرمه. وأمه الدرة المصونة السيدة نفيسة بنت السلطان الأفخم مولانا عبد الرحمن بن هشام. حاله: فقيه أديب نبيه لا تكاد تتمشى عليه الحيل في أخذ ما بيده، راوية محاضر، أريحى مهذب عالى الهمة، فخور وقور، يحب الفخر والتفرد بالمعالى ونفائس الأمور، آية في الإنشاء والترسيل، نشأ نشأة حسنة بين أبويه فتأدب وتهذب، وقرأ القرآن المجيد وجوده بحضرة مكناس وحفظ أمهات الفنون وأشعار العرب ووقائعها، وأكب على تلقى العلوم بجد واجتهاد حتى نبغ وبرع وفاق أقرانه، ثم بعد أن فتحت له النجابة بابها رحل لفاس ولازم مجالس دروس عظماء أعلامها مدة وشارك في فنون، ثم رجع لبلاده مملوء الوطاب واشتغل بالفلاحة وصرف كل وجهته إليها ولكنه لم ينس نصيبه من المطالعة. أصله من شرفاء راوية الأمرانى بسجلماسة، تلك الزاوية المباركة الشهيرة ذات الحرمة العظيمة، خرج جد المترجم السابع وهو المولى عبد الواحد من ¬

_ 102 - من مصادر ترجمته: موسوعة أعلام المغرب 8/ 2945.

سجلماسة مع السلطان المولى الرشيد، زمن فراره من أخيه المولى محمد، فنزل بالزاوية الدلائية بعد ما استقل مولاى الرشيد بالملك، وأخذ العلم بها عن أهله ثم نزل بأفران من بلادزيان واستوطنها، وبها توفى، وضريحه هنالك مشهور. وقد كان لبنيه من بعده جاه ووجاهة عند بنى عمهم الملوك العلويين، ولا زال عقبهم محل تجلة وإكرام إلى وقتنا هذا. صاهر المترجم السلطان المولى عبد الحفيظ بأخته السيدة حفصة، ورشحه لإخماد نيران فتن البربر التي ثارت عليه، وشقت عصا الطاعة، وتمردت وعاثت في السبل، وخيمت بحللها برأس الماء قرب فاس، وقطعت المواصلة بين فاس ومكناس بل سائر الجهات، ومدت يد النهب والسلب في المارة وبالأخص بسايس. وقد كانت فاتحة أعمالهم بنهب شيخنا العلامة السيد الحاج المختار بن عبد الله ابن عم الوزير أحمد بن موسى السابق الترجمة وخلفه في الوزارة، وستأتى ترجمته بحول الله. وكان ترشيح السلطان المذكور لصاحب الترجمة لهذه المهمة بإشارة من بعض من له في المترجم شهوة وغرض، وأفرغ ذلك للسلطان في قالب أن القبائل البربرية خدمة للشرفاء الأمرانيين لا يرفعون أمامهم رأسا ولا يردون عليهم كلاما ولا يعصون لهم أمرًا، وأن للمترجم ووالده وجده وسلفه من الحرمة والمكانة ما يقضى عليهم بالانقياد والرضوخ للطاعة. ولما استقر ذلك في ذهن السلطان أمر وزيره الصدر الأعظم حينه السيد المدنى بن محمد الأجلاوى بأن يأمر صاحب الترجمة بالتوجه لهذه المهمة، فوجه عليه وبلغه الأمر المولوى فتعلل واعتذر ولم يأل جهدا في التنصل، وذلك بعد أن كان السلطان وجه لهم القائد عبد المالك المتوكى أحد أعيان دولته، وكبار عمال

[صورة] مولاى إدريس الأمرانى

والده، وصنوه السلطان مولاى عبد العزيز من قبله، وذلك بصفة كونه بربريا وله مع بعض رعمائهم يَدٌ، وَسابقية معروفة، واجتمع بذوى رأيهم قرب دار دبيبغ، وراجت بينه وبينهم المخابرة في الرجوع عن البغى والتمرد والرجوع لطاعة السلطان، وتحمل لهم بكل ما يرومونه من السلطان، ولم تحصل من تلك المخابرة أدنى نتيجة سوى تحصيل الفئة الباغية على تسريح أساراهم الذين كانوا بسجون فاس. ولما سرحوا تمادوا، وحاولوا تشتيت محلة السلطان التي كانت مخيمة بمصلى باب الساكمة، أحد أبواب فاس الشهيرة، وعين قادوس، والاستيلاء على ذخائرها وعدتها وعددها واقتحام فاس، وصمموا على ذلك فكانوا كل يوم يهجمون على تلك المحال ذات العدة والعدد، ويشتد القتال بين الفريقين وتبقى الجثث مبعثرة طعمة للكلاب والغربان. ولما لم تقبل من المترجم معذرة ورأى أن لا مناص أخذ على الوزير المذكور العهد والميثاق على أن لا تخفر له ولا لهم ذمة إن هم أجابوه للرجوع للطاعة، وتكفل له بذلك قنصل الدولة الفرنسية إذ ذاك بفاس المسيو كيار. فعند ذلك وجه بعض أصحابه لمن له بهم معرفة من أعيان البرابر يستأذنهم في الخروج إليهم فأجابوه لذلك، فخرج إليهم لرأس الماء وفى معيته أخوه العدل الرضى مولاى سعيد، فتلقوه بالترحيب والإجلال، وأظهروا له من الخضوع والانقياد ما لم يخطر له ببال، وأمسكوا في ذلك اليوم عن الهجوم على المحلة احتراما له وتعظيما، وظل يومه يعظ ويذكر ويحذر وينذر ويعد ويمنى زعماء أولئك الأوباش الأنجاس كى يردهم عن طغيانهم. فتصدى للكلام معه من رؤساء فتنتهم القائد حم الحسين المطيرى البورزونى والقائد عق المطيرى البويدمانى والقائد محمد بوزومة الأغواطى، والقائد محمد

بو كرين المطيرى وغيرهم من أركان البغى والعتو، وبعد أخذ ورد تحلموا له بتشتيت تلك الجموع وتفريق كلمتها بكيفية لطيفة معينة على نقض ما أبرموه وتحالفوا عليه، وجعلوا معه على ذلك جعلا يؤديه لهم نقدا معجلا يفرقونه على رءوس تلك القبائل وذوى الرأى منهم، فالتزم لهم بذلك، وأخذ منهم عمامة وأخذوا منهم برنوسا على العادة البربرية في التحالف على عدم التخالف. وطير الإعلام للسلطان بالنتيجة فأجابه بواسطة وزيره المذكور بالمساعدة التامة على إمضاء ما أبرمه. وكانت مدة مقامه بين ظهرانيهم يومين يلياليهما فما راعه إلا ورقاص متأبط لكتاب لعق وبوزمة المذكورين من بعض رؤساء المحلة من خاصة حاشية السلطان يأمرهما برفض مطالب الترجم رفضا كليا، وأن يعيراه أذنا صماء ويردانه خاسئا، وحذرهما من صدور هذه المزية على يده، فقلبوا عليه ظهر المجن، وأظهروا له من النفور والجفاء ما صيره في حيص بيص، يتوقع الإيقاع به واحتجوا عليه، ثم بعد محاججة ومراجعة، منهم من رجع إلى الانقياد ومنهم من تمادى على النفور والشرود، ومنهم من أظهر الطاعة وأصر على المخالفة والشقاق كالمكتوب لهما بالتحذير من إسعاف رغبة المترجم. وكان آخر اتفاق وقع بينهم وبين صاحب الترجمة أنهم وقت ما أمكنهم تفريق كلمة تلك الجموع يطيرون الإعلام إليه ليأتيهم بالدراهم المتفق عليها، وبظهير سلطانى بالعفو عما جنوه والقبض على صاحب الكتاب الساعى في دوام توقد نيران الفتن وتوليته خليفة عليهم واسطة بينهم وبين السلطان. وبعد تحمله لهم بما ذكر رجع لفاس وتلاقى مع الجلالة السلطانية وقرر له جميع ما راج من المبدأ إلى المنتهى، فأجابه بجميع ما اشترطوا إلا القبض على صاحب الكتاب، وأمر الوزير الصدر بكتب الظهير بما ذكر وتنضيد ثمانية آلاف

ريال -أربعين ألف فرنك-، وتمكين صاحب الترجمة من الجميع وإلزامه الرجوع إليهم من حينه وعدم سماع كل عذر يبديه في التخلف، فلم يسعه إلا الامتثال مع تحققه سوء المنقلب فوجه رسولا إليهم يخبرهم برجوعه لطرفهم. ولما وصل إليهم الرسول وقص على الأصدقاء منهم القصص، أخفوه عن أعين رؤساء العتو المظهرين خلاف ما يبطنون، ورجعوه إلى مرسله المترجم، وحذروه من الخروج ولا سيما قبل القبض على من اشترط القبض عليه، وعرفوه بأنه إن خرج إليهم قبل إذنهم له ووقع في محذور فإنهم لا يغنون عنه شيئا، وربما كانوا عليه، هذا والأوامر المخزنية تتجدد وتتوارد على صاحب الترجمة بالإزعاج للخروج، حتى أتاه كاتب الصدارة الأول أبو العباس أحمد الزمورى بأمر بات، فلم يسعه إلا الامتثال فخرج في التاسعة صباحا وحمل ما يحتاج إليه من أخبية ومئونة، إذ كان في عزمه التخييم بين أظهرهم حتى تنحسم مادة البغى والعتو. ولما وصل لنزالة فرجى الشهيرة خارج باب فاس وفى معيته أخوه المولى سعيد المذكور آنفا، وكاتبه الفقيه العدل السيد محمد بنونة ناظر الصغرى الآن بمكناس، وجدوا الوطيس أمامهم قد حمى ومدافع المحلة تصب قنابلها صبا، فتقدم المترجم إليهم وأشار للفريقين بالإمساك عن القتال فأمسكوا، ثم تقدم للفئة الباغية فحياه حملة راياتها وأظهروا له من الخضوع والانقياد ما سُر به وتيقن نجاح مقصده. ولما لحقت به أوعيته وأثقاله بالنزالة المذكورة وجهها مع أخيه المذكور في خفارة بعض بنى مطير، ورجع هو بقصد الملاقاة مع السلطان والمفاوضة معه، فتعرضت له شرذمة من خيل الفساد وهجموا عليه وأنزلوه عن فرسه بغاية العنف والقساوة، بعد أن قطعوا حزام سرجه وجرحوه هو بمدية في رجله وجردوه من ثيابه بكيفية شنيعة كاد أن يموت بها خنقًا، ولم يتركوا عليه غير قفاز وسراويل،

ولولا أن رجلا من قبيلة مجاط رق لحاله وأركبه فرسا وألبسه برنسا على وجه العرية لهلك، ولم يأل جهدا في المدافعة عنه. ثم قصد المترجم خِبَاءِ كَبِيرِ المحلة المخزنية، وهو إذ ذاك الطالب أحمد بن مبارك الشاوى الحاجب في ذلك الحين فلم يجده، وإنما وَجد الطالب إدريس بن منو السوسى نزيل سطات في الحين الحالى، ورد الفرس والبرنس لصاحبه شاكرًا فضله وجزيل إحسانه. وبعد أن استراح واطمأنت نفسه دخل فاسا على حالة يرثى لها، وقص على السلطان القصص، وذهب لداره يتقلب في أليم الألم، وما قاساه من التنكيل والهوان، ولم يزل يقاسى من ذلك شدة بضعة أيام، والوزير في كل يوم يوجه له عن الأمر السلطانى مرات بترجيع الدراهم التي كان أخذ بقصد إنفاقها في سبيل الإصلاح طبق ما أوضحناه رغمًا عن نهبها له في جملة ما نهب من حوائجه وبهائمه. وأما أخوه المولى السعيد والكاتب والأثقال، فإن البرابر التفت بهم وقصدت بهم رأس الماء، وبينما هم في أثناء الطريق إذ وجدوا الرسول الذى قدمه المترجم للمتمردين أمامه، فأشار إليهم بخسر المسعى ووخيم العقبى، فلم يجدوا مناصا لحصولهم في شبكة إخوان الشياطين المتمردين المحدقين بهم، فصاروا يضربون الأخماس في الأسداس، ولات حين مناص، وزمر البرابر تلتحق بهم رجالا وركبانا إلى أن أشرفوا على رأس الماء محل تعشيش فسادهم، فوجدوا البقية الباقية في انتظارهم حول الخيام فالتحقوا بإخوانهم المفسدين، ومدوا يد النهب والسلب والضرب، ولما استولوا على جميع ما كان معهم من مال ومتمول تركوهم حفاة عراة كيوم ولدتهم أمهاتهم، غير المولى سعيد فإنهم أبقوا عليه بعض ما يستر عورته، وتفرقوا في رأس الماء شذر مذر، بين خيام البغاة المعتدين، بعد أن

سمسروا سلبهم أمامهم وهموا بإحراقهم وجمعوا الحطب لذلك فعلا، ولكن الله سلم، وباتوا شر مبيت لم يلتق واحد منهم بصاحبه ولم يدر ما فعل به. ومن الغد اجتمعوا ودخلوا فاسا في حالة تعساء، يقف لسان القلم عن وصفها والتعبير عن شرحها، ولما حل المترجم بفاس ومثل مولاى سعيد بين يدى السلطان، رق لحاله وأعطاه كسوة من ملبوسه. وأما العتاة فقد ازداد عيثهم وتكلبهم على النهب والقتل، وتمادوا على الهجوم على المحال المخزنية في كل بكرة وعشى، وأجلبت بخيلها ورجلها وضيقت بالعاصمة الفاسية، وقطعت عنها السبل وحاصرتها ونازلتها بين أسوارها، حتى فنيت صناديد رجال المخزن، وعدمت أمواله، وأصبحت المدينة وأهلها في خطر عظيم، وصار الكور والرصاص ينزل أمام السلطان بقعو داره، وأحزاب العتو والفساد في هيجان حتى صارت تشترط على السلطان الشروط وتهدده وتأمره بالرجوع للجادة في زعمهم وإبعاد بطانة السوء عنه، وحصروها في أفراد من حاشية بساطه وعظماء دولته، سموهم له وإعطائه كفيلا لهم يرضونه يلتزم بالوفاء بجميع ما شرطوه. فعند ذلك اضطر السلطان إلى الإرسال لدولة فرنسا يستنجد بها، فلبت طلبته ووصلت جنودها لفاس، ومزقت جموح أحزاب الفئة الباغية كل ممزق وانتشرت أعلام المسلم. ثم بعد ذلك قام العسكر المنظم ضد البعثة العسكرية المكلفة بتنظيم الجندية المغربية، وامتنع من قبول النظام والقوانين حتى وقعت مذبحة إبريل المشئومة على البلاد والعباد فلقد هم الجنرال موانى قائد الجيش الفرنسى بإطلاق أفواه المدافع على فاس، وتقويض أركانه، ولولا وجود سفير الدولة الفرنسية المعروف بالرزانة والثبات والعقل والسياسة رينو، ووقوفه أمام تيار غضب الجنرال المذكور وإقناعه

بالحجة بأن أهل فاس برآء مضروب على أيديهم لا دخل لهم في الواقعة لهدت صوامع ومساجد. ومع هذا فقد كانت النتيجة إعلان الأحكام العرفية بالبلاد، وانتزعت الأسلحة من الأهالى وقبض على كل من وقع الاشتباه فيه بمداخلة في القضية، وقتل كثير منهم صبرًا وخلد بعضهم في السجون، ولا زال البعض إلى الحين الحالى. وقد تقدمت له خدمات مخزنية، منها الترشيح لعمالة الدار البيضاء بعد وفاة عمه الذى كان خليفة بها سيدى محمد، وذلك عام واحد وثلاثين وثلاثمائة وألف، ثم أعفى بطلب منه، ودونك نص ظهير إعفائه بعد الحمدلة والصلاة والطابع السلطانى الفخيم: "يعلم من كتابنا هذا أعلى الله قدره، وأطلع في سماء المعالى شمسه المنيرة وبدره، أنه لما كان ابن عمنا ونخبة أصهار أسلافنا الكرام، مولاى إدريس بن المرحوم مولانا عبد السلام الأمرانى مطوقا ولاية عمالة الدار البيضاء بكمال واستحقاق، وقام بالواجب في تلك الولاية قياما يشهد له بحسن السيرة على الإطلاق، وتمشى فيما أنِيط به من أمورها على النهج القويم، والصراط المستقيم، ثم حدث له الآن من شئون عائلته وعائلة والده وعميه المتفرقات بفاس ومكناس، مع عدم من يعتمد فيها عليه، ما خشى معه صدور إخلال منه بالقيام بوظيفه المذكور، ومن أجل ذلك طلب من جانبنا الشريف كفاية مشقة تلك العائلات أو إعفاءه من ذلك الوظيف، فاخترنا له الوجه الثانى وهو الإعفاء من الوظيف المذكور نظرًا لمصلحة العائلات التي هى في نفس الأمر عائلاتنا، ليتفرغ لمقابلة ضرورياتهم كالنائب في ذلك عن شريف جانبنا، وقد أعفيناه من الولاية المذكورة ملاحظة لما ذكر، راضين عنه رضاء يتكفل له بزيادة الحرمة والوقار، والتمييز والاعتبار، وينيله

103 - الأمين: العطار دفين جبل زرهون.

في سائر المحافل الرسمية والهيآت المخزنية كمال العز والافتخار، فهو عند جنابنا العالى بالله اليوم كما كان بالأمس سواء بسواء، إذ على قدر العمل يكون الجزاء، ونأمر الواقف عليه من خدامنا وولاة شريف أمرنا أن يعلمه ويعمل بما فيه ولا ينافيه، والسلام، في ثالث عشر محرم الحرام عام ثلاثة وثلاثين وثلاثمائة وألف. قد سجل هذا الظهير بالوزارة الكبرى بتاريخ يوم كتبه صح به محمد الجباص وفقه الله" ومحمد الجباص هو الصدر الأعظم إذ ذاك. مشيخته: أخذ عن عمه المولى الكامل، وعن المفضلين ابن عزوز، والسوسى، والتهامى بن عبد القادر المدعو الحداد، وقاضى مكناسة أبى العباس بن سودة وشيخنا أبى عبد الله محمد القصرى، وأبى مروان عبد المالك الضرير، وأبى عبد الله محمد بن التهامى الوزانى، وشيخنا أبى عبد الله محمد القادرى، وأبى العباس أحمد بن الخياط الزكارى وغيرهم. ولادته: ولد أواخر ربيع الأول عام ثمانية وثمانين ومائتين وألف على ما كتب لى بخطه. وفاته: توفى رحمه الله في الساعة الحادية عشرة وثلث قبل زوال يوم الخميس رابع عشرى حجة الحرام عام ثلاثة وأربعين وثلاثمائة وألف ودفن من يومه بالضريح الإسماعيلى أمام المحراب بالمباح الشرقى من الصحن الكبير لصق الجدار الشرقى منه رحمه الله وبرد ثراه. 103 - الأمين: العطار دفين جبل زرهون. حاله: ولى كامل صالح فالح واصل، ظهرت له كرامات وخوارق عادات، وله مكاشفات صحيحة، وهو من الرجال الذين عدهم الشيخ زروق فيمن لقى.

104 - إسماعيل: أبو النصر بن الشريف بن على الينبوعى السجلماسى الحسنى السلطان.

مشيخته: ينتسب لسيدى عبد القادر الجيلانى، وأبى يعزى صاحب تاغيا، يقال إنه رآهما في المنام فأمداه، وكان عقد مع الله أن كل نافلة يعملها فثوابها لهما، فرآهما بعد ذلك وهو عند قبر أبى يعزى فأعطياه. الآخذون عنه: منهم العارف العالم العامل السيد أحمد بن عيسى البرنوصى الفاسى المعروف بزروق المتوفى ليلة الأحد ثامن عشرى صفر عام تسعة وتسعين بتقديم التاء فيهما وثمانمائة وناهيك به. وفاته: توفى سنة ستين وثمانمائة. 104 - إسماعيل: أبو النصر بن الشريف بن على الينبوعى السجلماسى الحسنى السلطان. الذائع الصيت في المشارق والمغارب، فخر ملوك المغرب الأقصى. حاله: رجل السيف والثبات، له في اجتثاث ما يسخط الله تعالى وَثَبَاتٌ، وطنى غيور، حر الضمير، صلب في دينه، متمسك بحبله المتين، يعاقب العقوبة الصارمة، كل من ظهرت منه مخالفة في الشعائر الإسلامية، أو مروق من الدين. قال مؤرخ فرنسا (سان الون) سفير لويز الرابع عشر ملك فرنسا للمترجم في رسالة وجهها لملكه المذكور يصف له أخلاق صاحب الترجمة: "أما أخص أوصافه فهو الاعتقاد الراسخ في الدين، لا تأخذه في الدين لومة لائم، مستحضر لآى القرآن في كثير من أحواله، ومضحيا نفسه في سبيل نشر الدين وعلو كلمته، وبالجملة فإنه لم يظهر ملك ذو قوة وثبات على أصول الدين مثل مولاى إسماعيل منذ قرون، مطلع على العلوم الدينية، متفقه مستحضر لمسائلها الأصلية، يتمذهب بمذهب مالك، يصوم زيادة على رمضان شهرين في ¬

_ 104 - من مصادر ترجمته: نشر المثانى في موسوعة أعلام المغرب 5/ 1996. .

[صورة] فخر الملوك وأعظم السلاطين مولانا إسماعيل بن الشريف بن على الحَسَنى دفين مكناسة الزيتون -رحمه الله

العام، وما شرب قط مسكرًا في عمره، ويعتمد على الله في سائر أحواله، وإذا دخل في صلاة توجه بكليته إلى ربه، ويتجرد من نخوة الملك وحلته، ويطلب من الصلحاء والحجاج والعلماء الإكثار من الدعاء له بظهر الغيب. وقد أقام سنة صلاة الاستسقاء في سنة الجدب التي كانت سنة 1680 فخرج بنفسه في اليوم السابع عشر من مارس حاسر الرأس حافى القدمين في بذلة خلقة مصحوبا بسائر حاشية ملكه، والجم الغفير من رعيته. وبعد إقامة الصلاة بذلك الجمع زار سائر مساجد المدينة واستغرق ذلك يوما كاملا، ولما رجع إلى قصره أصدر أمره لسائر المسيحيين الذين بإيالته بتنكيس سائر الأصنام التي بكنائسهم ومحال عبادتهم، ويعظم أرباب الزوايا وأهل الصلاح المشهورين بالاستقامة، ويدعو المسيحيين للدخول في دين الإسلام. صدرت منه مكاتب بذلك لجل دول أوروبا، أشهرها كتابه للويز 14 يذكره بكتاب النبى إلى هرقل عظيم الروم، ويدعوه إلى الإسلام، ويدعو الرهبان الموجودين بإيالته لحضرته، ويناظرهم في الدين ويأمرهم بإحضار ما لديهم من الكتب والحجج والدلائل على معتقداتهم، ويتناول ذلك بالنقد والبحث، معتمدا على التآليف الإسلامية التي كان يحضرها في المجلس. وله اهتمام كبير ببناء مكناس -عاصمة ملكه- وتعميرها وزخرفتها وتزيينها، كأنه يريد أن يحدث لأمته آية من آيات ملكه تكون عجبا لقومه، وآية لمن يأتى من بعده". قال: "وكان من مزيد اهتمامه تجاوز حد المهندسين الفنانين في أعماله، يهتم في هذا الأمر بجليله وحقيره، فيصدر الأوامر للبنائين بنفسه، ويراقب أعمال العملة بشخصه، ولا يترفع عن تناول المسحاة -الفاس- أو أى آلة من آلات البناء

بيده، ويختبر الجير والتراب وغيره خشية أن يكون فيه غش، كما يختبر أيضا استقامة الجدرات حتى لا يكون فيها ميل أو عيب من العيوب، ويهتم أيضا بنقل الأشجار وغيرها من الأمور اللطيفة حتى لا يقع فيها كسر، وبالجملة فإنه لا يفوته شئ ولو كان لا أهمية له. وقال: "إن سائر ما في مكناس من العظمة والضخامة راجع فضله للمولى إسماعيل، وكان يحبها حبه لأحدى بناته، وكان يفاضل بينها وبين فاس، ويفضلها عليها، والظروف السياسية والاقتصادية تطابق فكره في انتخابه لها عاصمة". انتهى. الغرض من الرسالة. وقال في حقه صاحبا الكلتاب الموسوم بأهم مراحل تاريخ المغرب المطبوع بباريز سنة 1921 صحيفة 67: "إن مولاى إسماعيل قام بأمر عظيم يمكن أن يشبه بأعاظم ملوك تاريخ فرنسا". وقال في حقه مؤرخ فرنسا الشهير الكنت دوكاسترى في الصحائف 23 و 24 و 25 و 26 من كتابه المعنون بـ"مولاى إسماعيل وجاك الثانى": بعد أن سرد ما وصفه به بعض مؤرخى أوروبا وبالأخص رؤساء الدين منهم من الشدة والقساوة ما ترجمته: "إننا نجد أشياء خالية عن كل حجة تتناقلها الأفكار بأوروبا مما كان يقاسيه الأسارى من النصارى عند مولاى إسماعيل من الشدة، مع أنه لم يكن يعاملهم بأكثر مما يعامل به غيرهم من الجناة، وإننا لم نجد ما يعتمد فيما نسبوه إليه إلا ما نقله الأوروبيون في تواريخهم وخصوصا رجال الدين منهم، وذلك بعيد جدا عن الصحة، فإنهم كتبوا ذلك بدون تروٍّ، إنما قصدهم إغراء القراء وإيغار صدورهم

وتهييج الأفكار لمقاومة هذا الملك لأن مؤرخى العرب لم يتعرض واحد منهم لشرح هذه القساوة". ثم قال: "فممن وصف مولاى إسماعيل بالإفراط في القساوة (بوسنو) و (الأب فرانسيسكو) فتلقى منهم ذلك المسيو (بلانطى) و (كاستيلانوس) بدون تروٍّ. وممن رفض ذلك واعتبره من باب الخرافات المسيو (الامارتنينلان) وأقربهم إلى الحقيقة المسيو (بودجيت ميكين) حيث قال: إن قساوة مولاى إسماعيل هى نتيجة أحوال زمانه الذى يعيش فيه، ولئن فاق الملوك قساوة فلقد فاقهم قوة، وبسبب جهل المؤلفين للزمان والمكان فإنهم أغفلوا التحفظ عند تتبعهم الأعمال الدموية التي قام بها مولاى إسماعيل، ومن أجل ذلك حكموا عليه بصرامة خالية عن كل إنصاف. ثم بعد أن وصف مولاى إسماعيل بالقوة الكاملة في الباءة التي أوجبت له تعدد الأزواج المباح له في شريعته السمحة وما علقه الأوروبيون على ذلك، قال: فإننا نرى مولاى -إسماعيل يطوف في مماليكه وتمر عليه الأربعة والعشرون سنة وهو على رأس جيوشه يحارب ويقطع الرءوس ويأخذ الجبايات ويستقبل سفراء دول النصارى ويناظر (الآباء دولا مرسى) مناظرة علامة موحد، ويخطب في المساجد، ويدير أمور مملكته، ويقابل بنفسه بناء قصوره العظيمة، وينظم حرسه الأسود الشهيرة، ويكتب لجاك الثانى، ويحاجج في دين المسيح. وحياة مملوءة بأعمال كهذه لا تترك وقتا للشهوات، وذلك قاض بالاعتراف بأنه لم يكن منهمكا فيها". ومن أكبر البراهين وأوضح الأدلة على ما كان بينه ويين عظماء ملوك أوروبا

من العلائق السياسية ما وقفت عليه في عدة مكاتب ومخابرات صدرت بينه وبينهم، ألم بكثير منها مؤرخ فرنسا الماهر الشهير الرحالة الفيلسوف الخبير الكنت دو كاسترى في عدة من كتبه، وإليك نصوص بعضها وصورها الفوتوغرافية، وقد خاطب فيها لويس الرابع عشر ملك فرنسا وجامس ملك الإنجليز ودرنكرلوس ملك إصبانيا. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، من عبد الله تعلى الإمام المظفر بالله أمير المؤمنين المجاهد في سبيل رب العالمين الشريف الحسنى، أيده الله ونصره، ثم الطابع بداخله إسماعيل بن الشريف الحسنى، والله وليه وبدائرته العز والإقبال. "إلى عظيم الروم بفرانصيص لوشى الرابع عشر من هذا الاسم، السلام على من اتبع الهدى، وباعد طريق الغى والردى. أما بعد: فاعلم أن الذى ظهر لنا أنك ليس عندك قول صحيح، ولا كلام رجيح، ولا أظنك إلا غلب عليك أهل ديوانك، وصاروا يلعبون بك كيف شاءوا ولا بقى لك معهم ضرب ولا لقب، ودليل ذلك أننا ما زلنا ما قبضنا منك صحة قول ولا أبرمت معنا شيئا، ففلا منك الذين ليس لهم رئيس وما عندهم إلا الديوان تكلموا معنا كلمة وقبضناها عليهم، وثبتوا فيها ووفوا بها، والإنجليز تكلموا معنا كلمة وقبضناها عليهم ووفوا بها، فحين ذهب خديمنا لبلادهم لما أن طلبوا منا ذلك فرحوا به وأكرموه وبروا به، وأتى من عندهم بعشر مائة مكحلة، وستة عشر مائة قنطارا من البارود ومائة وسبعة من المسلمين، أطلقوهم من الأسر لوجوهنا، وعملوا من الخير ما عملوا مراعاة لنا، وثبتوا في قولهم ووفوا بكلامهم، وأنت لا زال لم يصح منك قول ولا وفاء وأولئك الذين كانوا قدموا إليك من هذه البلاد، ليس هم من خدامنا ولا من أصحابنا ولا ممن له معرفة

[صورة] ظهير مولاى إسماعيل للويز الرابع عشر ملك فرنسا

معنا، فالحاج على معنين حيث أسر له ولده لاذ بالبعض من خدامنا واستحرم به، وقدم إليكم على شأن أولئك المسلمين، وجار على دار السباع ودار النعام، وأتى إليكم بما أتى ولا شعرنا به ولا عرفناه كم أخذ، وقلنا: إنه إن وصلكم ولا بد تعملون له غرضه في أولئك المسلمين، وتسرحونهم، فإذا به هو تحيل على ولده إلى أن جاء به وأنتم ما عملتم صوابا في غيره، ولا صدر منكم ما تراعون لأجله. ثم بعد ذلك قدم لعلى مقامنا صاحبكم انبشدور واتانا بشئ من الخرق مع فالصوا الحرير وهل نحن ممن يعجبه ذلك ويسره؟ فنحن معشر العرب لا نعرف إلا الصحيح، ولا يسرنا إلا ما فيه مصلحة المسلمين كلهم، ومع ذلك أعطينا لصاحبك عشرين نصرانيا سيفطناه بها، وظننا أنك ولا بد تراعى الخير وتبعث لنا ولو عشرين مسلما تجبر بها خواطرنا، وتكون هى الطريق للكلام الذى تريده منا، فإذا بك ما عملت شيئا من هذا، ولا جازيت بإحسان. وثانيا قبضنا لك سفينة قبل أن يقع الكلام بيننا وبينك بثلاثة أيام أو أربعة على التحقق، وهى موسوقة بالسكر وتبغة وثقفناها نحوًا من ثلاث سنين بقصدك، ولا تركنا أحدًا يمد يده فيها، وقلنا إنك تراعى خيرنا، وتعمل لأولئك المسلمين طريقا وتسرحهم، وإن كانوا ليس فيهم من هو خديمنا ولا من هو محسوب من جيشنا، ولا من هو معرفتنا، فما هم إلا من لا خلاق لهم، ولا يركب البحر عندنا إلا أهل التمرين، ولو أطلقتهم وإن كانوا ليسوا بشئ فتكون عملت الخير بذلك، وتقول إنك عملت مسألة تراعى عليها، وأعظم من ذلك كله هو أن رئيسا من بلادنا اسمه التاج كان أعطاه صاحبك الذى أتانا خط يده على أنه يشترى سفينة من الجزائر يسافر بها قرصان وما عليه فيمن لقيه من فرانصيص، فلما أن اشتراها وسافر بها وغنم قطارمة موسوقة بالرخام والريال مع ما فيها من الحرير وغيره وبعثها مع أصحابه ستة وعشرين مسلما، وتعرضوا لها سفنكم وأخذوها وثقفتها أنت أيامًا، ثم بعد ذلك مزقتها والمسلمون الذين كانوا معها خدمتهم في الغراب، فلماذا لم تردها وثقفتها ثلاث سنين كما ثقفنا نحن.

سفينتكم؟ وهل هذه هى صحة القول؟ فهذا مما يدل على عدم صحة كلامك ومما يثبت الإخلال بقولك، وقلة وفائك. فحتى الآن، فالذى ظهر لنا أنه ما يليق بنا معك إلا الشر، وإذا أردت تثبيت المهادنة وإبرام الكلام فيها وإمضاء حجتها، فابعث لنا من عندك قونصو بالتفويض على الأمر، ويجلس هنا في إحدى مراسينا ويكون الأمناء معه في هذا كله، ونبرم معه هذا الأمر ويكون من أهل الحل والربط عندكم، وإلا فإن ظهر لكم خلاف ذلك فأعلمنا، وعرفنا بما عليه عملك، وما أضمرته طويتك والسلام على من اتبع الهدى وفى التاسع من شعبان المبارك سنة خمس وتسعين وألف. وذكر المؤرخ الكنت المذكور في كتاب له طبع بباريز سنة 1903: أن المترجم كتب لسلطان الإنجليز بما نصه: الحمد لله وحده، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، لا رب غيره، ولا معبود سواه، ثم الطابع السلطانى بداخله إسماعيل بن الشريف الحسنى، وبدائرته إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، أيده الله بعزيز نصره وأمده بمعونته وشره وخلد في الصالحات شريف مناقبه، وجميل ذكره، آمين يارب العالمين: "إلى طاغية الإنجليز القاطن ببلاد الفرانصيص يعقوب المسمى بلسانهم جامس، سلام على من اتبع الهدى، وتجنب سبيل الغى والردى، وآمن بالله ورسوله ثم اهتدى. أما بعد: فإنا كتبناه إليك وأوردناه عليك وأوصلناك بهذا الكتاب. واعتنينا لك بهذا الخطاب لمسألتين اثنتين إحداهما دينية والأخرى سياسية دنيوية، وموجب إيرادهما عليك التنبيه لك والإيقاظ والنصح والإرشاد، وذلك أن أخاك الذى كان مملكا على الإنجليز من قبلك كان عرف لنا من الحق ما عرف، وتقرر عنده من لدنا ما لهذا الدين الشريف على غيره من الشفوف والشرف، فكان من أجل ذلك يطلب منها المهادنة على طنجة، فبعث لمقامنا العلى بالله من أصحابه وخدامه المرة

[صورة] ظهير مولاى إسماعيل لجيمس الخاس ملك الإنجليز

الأولى والثانية من بعث إنافة بمحلنا وتنويها بشريف مكاننا وكانت المواصلة بين الملوك والمراسلة مستنة ومشروعة وان اختلف اللسان وتباينت الأديان. فجاريناه على فعله. وكافيناه على شغله. ووجهنا له من خدامنا أنباشا دورا وصل إليه. وقدم عليه. كما شاهدته ورأيته ففرح بسفيرنا وأكرمه إكراما كثيرًا، وسر به وبمقدمه سرورًا كبيرًا. ورجع من عنده مغبوطا مسرورا. فلم نزل نراعى لهم ذلك، ووفينا له في جميع ما كنا عملنا معه في طنجة ولم نرد البال إلى شئ مما كان يعمله بها حين أراد الرحيل عنها، وكان ينقل خزائنها ومدافعها وسكانها، وأهل جوارها من المسلمين يرون ذلك وينهونه إلينا ويقصون ما يشاهدونه علينا وما ألقينا إليه في ذلك البال. ولا التفتنا إليه بحال من الأحوال. وما ذلك إلا مكافأة له على صنيعه مع سفيرنا، ووفاء بالقول الذى كان طلبه منا، ووددنا أن لو كان أخوك بقى حيا إلى أن يشاهد صنع الله الذى صنعه لنا في فتح العرايش من يد لصبنيول، ويرى محاصرة سبتة اليوم وما كان أهلها يصرفونه عليها من الأموال، وما كان يلزمهم في مؤنتها من ملايين الريال، لتحقق وفاؤنا له، وغضضنا الطرف عنه وعلم أن القول والعهد الذى أعطيناه لم ننقص شيئا منه، فالصواب الذى كان من أخيك والحق الذى كان يعرفه لنا هو سبب الكتب إليك مكافأة على صنيعه، وهو الذى أوجب مكاتبتك بهذه المراسلة لنعرض عليك فيها الأمرين المذكورين أول الكتاب، فأما الدينية منهما ففيها خير الدنيا والآخرة لما فيها من رشادك ونصحك إن وفقك الله تعالى. وذلك أن تعلم أن الله سبحانه جل جلاله، وتقدمت صفاته وأسماؤه، إنما خلق هذا الخلق ليعبدوه ويوحدوه ولا يشركوا به شيئا، قال الله سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} [سورة الذاريات].

وهذه العبادة التي أوجب الله على خلقه لا بد لها من وسائط يبلغون عن الله لخلقه ما أمرهم به، ومن رحمته بخلقه ورأفته بهم أن جعل لهم وسائط بينهم وبينه من جنسهم، أرسلهم إليهم من أنفسهم واختارهم من أنفسهم، فبعث لهم رسلا يبلغونهم عن الله ما جاءوا به من عنده، فآمن بهم من أراد الله سعادته، وكفر بهم من كتب شقاوته. وختمهم بخاتم أنبيائه سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وجعله خاتم النبيئين وسيد المرسلين، وجعل دينه خير الأديان، وشريعته أفضل الشرائع، وملته خير الملل. ولقد بشر به وبمبعثه عيسى، كما بشر بعيسى موسى بن عمران على نبينا وعليهما وعلى جميع الأنبياء الصلاة والسلام، ونبينا عليه السلام وإن كان آخر الأنبياء بعثا فهو أولهم خلقا. ومما يجب اعتقاده أن الأنبياء كلهم يجب الإيمان بهم فلا نفرق بين أحد منهم، وأن المسيح بن مريم على نبينا وعليه الصلاة والسلام هو أحد الرسل الذين جاءوا عن الله من غير ادعاء مما تدعون، ولا إطراء مما تطرون، قال الله تعالى في حق أمه الصديقة: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12} [سورة التحريم]: وقال تعالى في حقه: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59} [سورة آل عمران]: وقال تعالى: {... إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172)} [سورة النساء]. ومن المعتقد أن المسيح رفعه الله إليه، وأن اليهود لعنهم الله ما قتلوه وما

صلبوه ولكن شبه لهم، وأنه ينزل بين يدى الساعة فيجد المهدى من هذه الأمة من ولد فاطمة ابنة النبى - صلى الله عليه وسلم - يقاتل الدجال، ويجده قد أقيمت عليه الصلاة فيقول له تقدم يا نبى الله أو يا روح الله، فيقول له عليه السلام عليك أقيمت فيصلى خلف رجل من أمة نبينا - صلى الله عليه وسلم - ويحكم بشريعته، ويقتل الدجال فينكره النصارى، ويقتلهم ويقتل اليهود حتى يكلمه الحجر، ويقول يا بنى الله هذا يهودى ورائى فاقتله. وقد أخبرنا بهذا كله نبينا - صلى الله عليه وسلم - بقوله والذى نفس محمد بيده ليوشكن أن ينزل فيكم المسيح بن مريم حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ولا يقبل إلا الإسلام. وهو معدود في أصحاب نبينا - صلى الله عليه وسلم - وقد عرف هذا جماعة من أعلام النصارى وملوكهم الذين هداهم الله ومن عليهم باتباعه كالنجاشى ملك الحبشة حتى عد من الصحابة وصلى عليه نبينا - صلى الله عليه وسلم - يوم مات وهو بأرض الحبشة، وهو أحد من خاطبه النبى - صلى الله عليه وسلم - ودعاه إلى الإسلام، كما خاطب قيصر ملك الروم جد هذا الملك الذى لجأت إليه وأنت مقيم لديه، ولقد كتب إليه يدعوه إلى الإسلام، فلما قرأ كتابه ووعاه وكان عنده من العلم المكنون ما عنده، سأل من حضره من العرب عن صفاته وأحواله وسيرته وما يدعو إليه وما يأمر به وما ينهى عنه فقال إنه النبى المنتظر الذى بشر به عيسى، وسيملك موضع قدمى هاتين وشاور أرباب دولته وأهل ملته في اتباعه فضجوا وحاصوا حيصة الحمر الوحشية فساعفهم وساعدهم بخلا بملكه وحين بلغ خبره نبينا - صلى الله عليه وسلم - قال: ضن اللئيم بملكه فلقد رسخت في قلبه معرفة هذا الدين وفضله على سائر الأديان لكنه لم يسمح بملكه. وبكل حال من الأحوال فهذا الدين الحنيفى هو الذى اختاره الله دينا، وارتضى له نبيا أمينا، وجعله أفضل الأديان، قال الله سبحانه في محكم القرآن: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ... (19)}. وقال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ

{يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} [سورة آل عمران]. فمن أمعن النظر واستعمل الفكر ووزن الأديان بميزان الحق والعقل عرف أن دين الإسلام هو الدين، وأن غيره كله لعب وعبث من لدن بعث الله نبينا الذى ختم به الأنبياء، وتقرر لديه أنها كلها باطلة وأهلها للنار. وقد وقع اختبار الأديان وأيهم أفضل لبعض عقلاء النصارى، وقد نظر فيما عليه المسلمون وفيما عليه النصارى وفيما عليه اليهود فأراد أن يختبرهم من جهة المعقول، فأتى نصرانيا وقال له أى الأديان أفضل؟ دين النصارى أو دين اليهود أو دين المسلمين؟ فقال له النصرانى دين النصارى أفضل، فقال له وأى الدينين أفضل دين اليهود أو دين المسلمين؟ فقال له النصرانى: دين المسلمين. فأتى اليهودى وقال له أى الأديان أفضل دين المسلمين أو دين النصارى أو دين اليهود؟ فقال له: دين اليهود، فقال له: وأيهما أحسن أدين النصارى أم دين المسلمين؟ فقال له: دين المسلمين. فأتى المسلم وقال له: أى الأديان أفضل؟ فقال له دين المسلمين فقال له: وأى الدينين أفضل دين اليهود أو دين النصارى؟ فقال له: لا خير فيهما معا. فالدين القويم هو دين المسلمين، فعرف هذا النصرانى المذكور بعقله أن الدين هو دين الإسلام وأن ما سواه محض ضلال، وأن اليهود والنصارى ليسوا على شئ وقد وقع معنى هذا في كتابنا قال الله عز وجل: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ... (113)}. [سورة البقرة]. وها نحن قد أملينا عليك نبذة من الآى القرآنية والأحاديث النبوية والدلائل المعقولية المطبقة على أفضلية هذا الدين القويم، وغيره كله إنما هو في سواء

الجحيم، وأنت إن خممت مع رأسك وفكرت في نفسك واخترت الدار الآخرة على الدنيا ودخول الجنة على النار، فأنت عرفت سبيلهما، فاتبع هذا الدين الحنيفى وانطق بالشهادتين فإن من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله دخل الجنة ولو قالها مرة في عمره، ويدخلها بشفاعة النبى - صلى الله عليه وسلم - فإن له في أهل الكبائر والجرائم والذين نفذ الوعيد فيهم شفاعة عظمى خصه بها ربه في الموقف العظيم، والله إن أنت اعتقدت هذا الاعتقاد ووفقك الله إليه وعلمت ما عمله قيصر من اعتقاده بقلبه وتيقنه به في نفسه حتى تحمد ذلك حالا ومآلا إن شاء الله. فهذه المسألة الدينية التي نصحناك بها والمسألة الدنيوية هى إذا أنت أحببت الإبقاء على دين الكفر فدين قومك الإنجليز أخف وأيسر عليك من عبادة الصليب، ومتابعة الذين يجعلون لله الولد وينزهون عنه رهبانهم، وأى شئ رأيت في تغريبك عن وطنك وبعدك عن بلدك وخروجك عن ملة أبيك وجدك وتدينك بدين غير دين قومك، وإن كان الجميع على ضلال فدينكم أنتم معشر الريكس أيسر من أولئكم المتوغلين في الكفر، وحتى امرأتك الفرنسيسة التي كانت تحوزك على التعبد بدينها، هأنت الآن افترقت معها، فعلى ماذا أنت باق في جوار الفرنسيس تارك ملتك وادع ملك أبيك وأخيك لغيرك بالفلامك يتملك على جنسك وأنت بالحياة، فوالله ما أحببنا لداركم ولا لمملكتكم يتولى رياستها الفلامك أو غيره، فالغ عنك ما تقدم بينك وبين قومك فإن الصواب معهم في الإنكار عليك بسبب الدين الذى اختلفت معهم فيه، واعتذر لهم وعاودهم وراجعهم، والله لولا أنا أناس عرب لا معرفة لنا بالبحر، أو كان عندنا من يحسن معرفته، أو نستوثق به في الجيش ونطلقه في يده حتى نكاتب الإنجليز ونبعث لك من الجيش ما تدخل به عليهم وتتولى به ملكك. ولكن مسألة واحدة نعرفك إياها فحاول حتى تنتصل من بلاد الفرنسيس،

واقصد لجوبة بلاد البرتقال وها زوجة أخيك البرتقالية اليوم هنالك، ولقد كان لها عند أهل ديوانكم وجه وكلام ومن هنالك تقرب المسافة بينك وبين قومك، وتسهل عليك مناولة الكلام معهم، لكن بحيث لا يكون للافرنسيس بك شعور، وأما إذا عرفوا منك فلا يتركونك ولا يطلقونك لمسألتين: إحداهما لا يريدونك تترك دينهم وترجع إلى دين قومك، والثانية يخافون أنك إذا راجعت قومك ربما تعاديهم وتحاربهم لا سيما حيث عرفتهم وعرفت عزة بلادهم، والملوك دائما تحذر من مثل هذا، وقد نصحناك وأريناك ما يليق بك في دينك ودنياك ووالله ما نكره لك الهداية والرشاد. وقد بلغنا أنك تروم الوصول إلى رومة، فإياك وأن تحدث نفسك بشئ من ذلك، فإنك إذا دخلتها تحتل بها ولا تطمع في الخروج منها ولا في ملك بعدها أبدا، فعلى كل حال إن أنت راجعت قومك ودينك نجدد معك ما كان بيننا وبين أخيك، ووالله ما زال خديمنا الذى كان عنده يذكر لنا من صوابه وخيره ما أوجب مكاتبتنا لك بنصحنا، وقد أحببنا أن تكون المودة والمراسلة بيننا وبينك فتنتفع بها على كل حال إن شاء الله، والسلام على من اتبع الهدى. وكتب في النصف من شعبان المبارك عام تسعة ومائة وألف". ومن ذلك ما وقفت عليه خطابا لملك الإصبان وإليك لفظه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، من عبد الله إسماعيل المتوكل على الله المفوض أموره إلى الله، أمير المؤمنين المجاهد في سبيل رب العالمين الشريف الحسنى أيده الله آمين، ثم الطابع الملوكى بداخله إسماعيل بن الشريف الحسنى أيده الله ونصره وبدائرته: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا:

[صورة] ظهير مولاى إسماعيل لملك الإسبان في افتكاك بعض الأسارى وانتقاء بعض الكتب

"إلى عظيم الروم وملك أقاليم إصبانية وبلاد الهند والمتولى أمورها والمتصرف في أقطارها (دون كراوس) السلام على من اتبع الهدى. أما بعد: فقد بلغنا كتابكم صحبة خديمكم (دون منويل بيردلون) وخديمكم (دون ابيل مسيح) وهو الكتاب الذى وجهتم لنا جوابا عن كتابنا الذى أصدرناه إليكم ووصلكم صحبة الفرايلى قبل هذا وبعد أن قرأناه وفهمنا لفظه ومعناه وألقى إلينا خديمكم (دون ابيل مسيح) ما في خاطركم وما طلبتموه منا من فك هذه المائة من النصارى الذين وقع الكلام قبل هذا، رددنا إليكم جواب كتابكم، ووجهناه مع خدم دارنا العلية بالله كاتبنا ومتولى الخط الأقرب من بساطنا السيد محمد بن عبد الوهاب الوزير، ولولا مزيتكم عندنا ومعرفتنا بمنصبكم ما سمحنا بفراق كاتبنا عن بساطنا لمهمات أمورنا، وأذنا لخديمنا الأكبر الأعز الأشهر أبى الحسن القائد على بن عبد الله أن يبعث معه رجلا من أصحابه، فوجه خديمنا عبد السلام بن أحمد جسوس معاشرا له ومرافقا، وعند الكاتب المذكور قضية دخول جند الإسلام المظفر بالله على نصارى العرايش وفى علمه وعلى باله كان ما كان في ذلك من الكلام والأسباب، وكيفية الخبر في ذلك. فثقوا به وتعرفوا منه فإنه حفظه ووعاه من أوله إلى آخره لملازمته لبساطنا العلى بالله في سائر أوقاته، ونحن بلا شك كنا أعطينا القول لهذه المائة من النصارى بالسراح، ولكن وقع من النصارى ما اختل به منهم من الأنساب ما يوجب عدم الوفاء لهم بذلك، فمنهم من كان ينادى بلفظ مينا على رءوسهم، ومنهم من لم يرض بخروجهم على ذلك لذلك القول وكاد يفتك بمن دخل إليهم من خدامنا الذين أوفدناهم عليهم، وبعضهم ركب لجج البحر فارا بنفسه حتى أدرك وقتل على الموج، وحاجنا مع هذا كله كبار ملتنا وعلماء شريعتنا وأئمة ديننا بأن قالوا لنا: إن المسلمين كانوا أشرفوا على الغنيمة ساعتئذ ووقع الغلب والظفر،

ولم يبق للنصارى إلا الموت بالسيف أو بالغرق فلا وجه لسراحهم في الشريعة رأسا. وكنا في أثناء هذه المدة كلها نتراد الكلام مع هؤلاء العلماء حفظهم الله، وقالوا لنا: هؤلاء المائة يكونون أسارى ويسترقون من كل وجه، كيف وقد أخذوا العرايش من أول وهلة بلا موجب، بل أضغطوا الشيخ ابن السلطان الذهبى وقبضوا عليه حتى أنفقوا عليه أموالا عديدة ومسكوا أولاده بسببها حتى أعطاهم العرايش على ضغط منه وعلى غير تأويل حقيقى في ذلك. وذكرونا في مسألة غدر أسلافكم بأهل غرناطة وغيرهم بما يزيد على الأربعين ألفا بعد تعدد الشروط على ستين شرطا، ولم يوفوا لهم بواحد منها إلى غير ذلك من الغدر والمكر بأهل غرناطة وغيرهم من أهل الأندلس في كل بلد وقرية بعد بلد وقرية، فألفيناهم ما تكلموا إلا بالحق، وبقينا في حيرة من أجل هذه المسألة من وجهين: الأول لا نقدر نخالف شريعتنا التي هى أساس ديننا، والوجه الثانى ذلك القول الذى سمعه في تلك المائة أحببنا الوفاء به، وأنفت نفوسنا أن يسمع عنا الناس قلنا كلمة ولا نوفى بها، ولولا معاوضة العلماء لنا بهذا الاحتجاج القوى لكنا شرحنا هذه المائة مع الفرائلى وأصحابه الذين أتوكم قبل هذا مسرحين، فلأجل هذا أبصرنا كلام علمائنا في هذه النازلة لابد منه ولا محيد عنه، وأحببنا أن تسمع الناس أنا وفينا في قولنا ولم يلزم فيه حرج ولا معارضة ولا كثرة اعتراض ولم يلزم فيه من حجة الشرع إثم، فأردنا كم تعملون لنا وجه خلاص هذه المائة بالوجه الذى عملناه لكم وأعطيناكم فسحة فيه، وإلا فالمائة المذكورة أرقاء أسارى من جملة إخوانهم. وذلك أن تعطونا في الخمسين نصرانيا من هذه المائة خمسة آلاف كتاب مائة كتاب عن كل نصرانى من كتب الإسلام الصحيحة المختارة المثقفة في خزائنهم

بإشبيلية وقرطبة وغرناطة وما والاها من المدن والقرى حسبما يختارها خديمنا المذكور من المصاحف وغيرها وتعطون خمسمائة أسير من المسلمين في الخمسين الأخرى عشرة أسارى لكل نصرانى، وإن لم توجد الكتب التي هى مرادنا فاجعلوا عوضها من أسارى المسلميين وأعطوهم لنا من الأسارى الذين في الأغرية وغيرهم، وقبلنا منكم في العدد المذكور الرجل والمرأة والصبى والصغير أو الكبير والشيخ المسن من إيالتنا وغيرها، إذ ما لنا قصد إلا في الأجر والثواب في فكاك أسرى المسلمين كيفما كانوا، ومن أى بلاد كانوا. وإلا فالاعتناء الكلى إنما يكون بأهل الدواوين من الجند أو العلماء حملة الشريعة وعامة المسلمين إنما نقصد بفكاكهم وجه الله تعالى، فإن أنتم سارعتم لهذه المسألة فما عملكم إلا الخير في أرواحكم وفى إخوانكم، وإن ثقل عليكم هذا الأمر ولم تقدروا عليه فأرجعوا خديمنا الكاتب الذى وجهناه إليكم في أمان الله كما أتاكم والمائة من النصارى نصيرهم من جملة الأسارى إخوانهم يخدمون مثلهم. وإذا نحن أبصرنا منكم المسارعة لأغراضنا والجد في ابتغاء مرضاتنا وأنجزتم بأرواحكم في هذه المسألة فلا ترون منا إلا ما يعجبكم وحتى باقى نصاراكم الذين هم عندنا من أصحاب العرايش وغيرها من غير هذه المائة نعمل لكم الكلام في سراحهم بما يرضينا فيهم عندكم إن عملتم الواجب الذى لنا عليكم، وتعرفهم الصواب الذى تعين عليكم كما ذكرتم في كتابكم، وبرجوع خديمنا حامله بما ذكرناه في هذه المسألة نتلقاه هذه المائة نصرانى لسبتة ويكون ملتقى الجميع فيها ولا عندنا معكم في هذا إلا الجد الصحيح والعمل الصريح بحول الله تعالى. وكتب لسادس عشر ذى الحجة الحرام خاتم عام واحد ومائة وألف". وهداياهم للمترجم من الشائع الذائع الذى لا نحتاج معه لإقامة دليل ولا

برهان لوروده في غير ما تاريخ من التواريخ الأروبية المهمة كتواريخ الكنت المذكور وكتب مويت الأسير وغير ذلك. ومن الآثار الباقية من تلك الهدايا الملكية لحد الآن المشاهدة بالعيان البقية الباقية من آثار العربة التي وجه بها للمترجم الأمير العظيم الطائر الصيت لويز الرابع عشر. ومن ذلك هدية ملك الإسبان التي بعثها لمولاى إسماعيل وهى تشتمل على مائة وخمسين ألف (أبياسطر) عينا وفتاة تركية معها عدد من الفتيات الجميلات، ودبين، وأربعة كلاب من أرفع جنس، وأربعة من الغزلان الجبلية كما نقلت ذلك مجلة (سبريس) عن تاريخ دوكاسترى. ومما ذكرته المجلة المذكورة سنة 1928: أن الجزء الثالث في تاريخ العلويين من عيون التاريخ للمستعرب الكونت دوكاسترى الفرنسى الذى هو الجزء 15 من المجموعة كلها يحتوى على السنين الست التي ابتداؤها من ثانى شتنبر 1686 وآخرها 12 إبريل 1693. وأن هناك مخابرة كانت بين المغرب وفرنسا وقد تسببت هذه المخابرة بين دولة المغرب ودولة فرنسا على نقض الصلح المنعقد بينهما سنة 1682. وسبب نقض هذا الصلح هو استفحال أمر القرصنة بسلا -أو لا فقد كان عدد الأسرى من الفرنسيين وحدهم في ذلك الحين بالمغرب ما ينيف على 400 - وثانيا ما حدث من سوء التفاهم في المخابرة بين على بن عبد الله باشا طنجة وبين الدولة الفرنسية، لأن قنصل فرنسا وبعض قناصل الدول الأخرى لم يستطيعوا أن يخابروا المولى إسماعيل رأسا سنة 1686 لأنه كان غازيا بالسوس الأقصى إلى أن نشأ عن سوء التفاهم المذكور توجيه أسطول صغير لشواطئ المغرب تحت رياسة

[صورة] العربة التي أهداها لويز الرابع عشر لمولاى إسماعيل

(مونت مار) ينتظم الأسطول من قطع 7 فهبت عليه عاصفة فرقت شمله ولم ينجح، وأخفق سعيه في الكرة ثانيا لمصادفة الحال اشتغال ملك فرنسا في حروب داخلية مع فئة (أو كسبور). ثم أصدر لويز 14 أمره سنة 87 بقطع الوصلة التجارية بينه وبين المغرب لأنه كان لا يمكنه أن يحمل التجار الفرنسيين المتعاطين للتجارة بالمغرب على مبارحته وإخلائه لقضاء مصالحهم عليهم بالبقاء به، ورغما عن ذلك فإن التجارة بقيت مستمرة مع ضعف، ونجح تجار الإسبان والإنجليز في ذلك الوقت، وفى عام 88 ألزمهم مولاى إسماعيل بأداء غرامات باهضة اضطر بسببها لويز 14 للإرجاع في منع التجارة التي كان حجز بينه وبين الدولة المغربية، وذلك إثر رجوع مولاى إسماعيل من حركة السوس وعادت المواصلة لما كانت عليه، وأصدر مولاى إسماعيل أمره بجمع الأسرى الذين بالمغرب وتوجيههم لمكناس وجعلهم تحت نظره، وهذا أول حجارة وضعت في بناء أساس المودة بين لويز 14 وبين السلطان. ولما حل الأسارى بمكناس بالغ السلطان في إكرامهم وأجزل لهم العطاء وغمرهم في البر، وأسقط عنهم كل كلفة كان يتحملها أسارى غيرهم من الأجناس. ومع ذلك تأخر عقد المعاهدة في تلك السنة لاشتغال مولاى إسماعيل بمحاصرة العرايش وحرب باى الجزائر. ثم لم يلبث مولاى إسماعيل أن تكدر جو السياسة بينه وبين فرنسا بسبب حادثة غريبة، وهى أن أحد أشراف المسلمين كان قد أسر ولبث زمنا طويلا بفرنسا إلى أن افتداه مولاى إسماعيل مع جمع من الأسرى، فلما ورد مكناس وردها مجذوم الأنف أصلم الأذنين، فاستاء مولاى إسماعيل مما عومل به ذلك الشريف

ولم يسكن غضبه حتى قرر له سفير فرنسا أن الأسير المذكور استوجب ذلك عقابا لاغتياله بعض الناس بفرنسا. ثم اشتغل مولاى إسماعيل بقضية العرايش وافتداء أسراها مع الإصبان وأذعن الإصبان لأن يفتدى كل أسير من أسراها بعشرة من المسلمين، مع أن المفادات مع فرنسا كانت رأسا برأس، وأشار في هذا الجزء لقضية فتح العرايش بأمتع بيان، فليرجع إليه من أراد الاستقصاء. وبعد افتتاح العرايش تفرغ مولاى إسماعيل لإبرام المعاهدة مع سفير فرنسا فتمت في 12 إبريل عام 1693. وتجد أيضا في الجزء نفسه من الحوادث الداخلية التي وقعت في المغرب في السنين المذكورة كأخذة لترودانت من يد مولاى الحسن وغزوه للسوس واستيلائه ومحاصرته للعرايش إلى أن وقعت في يده ومحاربة باى الجزائر. قال: ولا ننس فضل دوكاسترى على تاريخ المغرب في تحقيقه لهذه المسائل ومن أراد مزيد البيان بمراجعة وصف هذه الحروب فليراجع ما كتبه الأتراك في التأليف المسمى دفتر التشريفات الذى نشره (ديفل) سنة 1652 وقد أعاد الكنت دوكاسترى طبعه باللسان التركى الذى كتب به مع الترجمة الفرنسية بقلم ديفل المذكور الناشر الأول، وترجمة أخرى بقلم دوكاستر الناشر الثانى مصححة معلقا عليها. هذا وقد وصف مولاى إسماعيل غير واحد ممن درس حياته بأنه آية في الدهاء والسياسة والنباهة وصدق اللهجة، نشأ في حرر وصون وعفاف، وكان ذا جد واجتهاد وحزم وعزم ونجدة وشهامة وشجاعة ومروءة وقناعة ومتانة دين. قال في تاريخ انقلاب دول الغرب (لابريط ويت) الانجليزى صحيفة 5:

[صورة] مولاى إسماعيل خارجا وسط جيشه من مكناس

"إن مولاى إسماعيل كان غير أكول قنوعا من كل شئ غير النساء محافظا على أمور ديانته محافظة تامة". وقد كان عارفا بفلسفة التاريخ وأيام العرب وأنسابها وأحوال الأمم ووقائعها، إماما مرجوعا إليه في السيرة النبوية وضبطها. استخلفه أخوه المولى الرشيد بفاس ومكناس فحسنت سيرته، ثم بويع له بالخلافة العامة بعد وفاة أخيه المذكور سنة اثنتين وثمانين وألف وهو إذ ذاك بمكناسة الزيتون كما في الترجمان المعرب، فوفد عليه علماء فاس وأعيانها وأهل القوة والبأس منها ببيعتهم، ثم تتابعت وفود القبائل المغربية على أعتابه ببيعتهم. فنهض بأعباء الخلافة وأقام للعدل قسطاسا، ورتب أمور المملكة ودوخ البلاد سهلها والجبل، واستنزل العصاة من صياصيهم وقام في وجه الثوار الأقارب من إخوانه وبنى عمه وأولاده وغيرهم من الأباعد، وكان النصر حليفه. وفتح من الثغور: المهدية والعرايش وأصيلة وطنجة، وضبط الأمور وبنى الدور والقصور والمساجد والرباطات والقلع في الغور والنجد من وجدة إلى وادى نون، وعمرها بالجنود السود لحراسة السبل وتأمينها ونزع السلاح والخيل من القبائل، ولم يترك شيئا من ذلك إلا لأهل الريف وآيت يمور من البربر والودايا وعرب المعقل وجيش العبيد، ومن نتج له فرس يكون للحكومة، وأمرهم بالاشتغال بالفلاحة والقيام على الماشية والاشتغال بما يعنيهم من صناعة وتجارة، فعظمت ثروة البلاد وكثر الروجان الذى لم يتقدم له نظير، وجمع أهل الذعائر من كل قبيلة وأودعهم سجونه فكانوا يخدمون في البناء مع أسارى الكفار ويبيتون في الدهاليس، فساد الأمن في دولته حتى كانت المرأة والذمى يسافران، المدة لطويلة في البلاد القفرة فلا يتعرض لهما أحد بسوء، بل ولا يسألهما من أين ولا إلى أين إلا ما كان من الحرس المكلف بتأمين السبل وحياطة المارة.

ونفقت في أيامه الزاهرة سلع العلم والأدب، وتوالى الخصب وعم الرخاء، وإلى ذلك أشار أبو القاسم الزيانى في ألفية السلوك بقوله: في عام جفش تم بدره وصال ... ومهد المغرب سهلا وجبال (¬1) وقال للسلاح والخيل اغربى ... من كل حى عجمى أو عربى وجمع الذعار في الدهالس ... وغيرهم من أرباب المناحس وجمع العبيد من كل بلد ... جند كل السود لم يترك أحد وصارت الغنم والذياب ... ترعى بسرح ما لها أنياب أيامه غزيرة الأمطار ... كثيرة الخيرات والثمار الزرع والإدام والمواشى ... رخيصة وكل شئ فاش وطهر الثغور من أهل الصليب ... وعمر الحصون وفق ما يجب حتى أتاه القدر المحتوم ... في شقطل فحلت الهموم ولا يخفى ما في هذا النظم من الكسر والركاكة (¬2) وإنما سقناه لفائدته التاريخية وشهرة صاحبه. وكان المترجم يرشح مهرة الطلبة العارفين بنسخ الكتب وضبطها وإتقانها أصحاب الخط البارع من فاس ومكناس وغيرهما من العواصم المغربية لنسخ كتب الأحاجى والروايات كألف ليلة وليلة، والعنترية سيرة عنترة بن شداد وغير ذلك، ويعدد النسخ منه ويفرقها في جيشه وكبراء عسكره ويلزمهم مطالعتها ومزاولتها ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "لم يراع الكسر وإلا فبيعته كانت في متم عام 1082 دون نزاع. انتهى. مؤلف". (¬2) أبقيناه كما هو لرغبة المؤلف.

مدينة المهدية

حتى تصير لديهم من الضروريات، وقصده بذلك صيروتهم على بال مما جمعته من مكايد الحروب والكر والفر وتدبير نزول الجيوش والأخذ بالأحوط في ذلك، وكيفية الهجوم وافتتاح المحاربة، وعقد الصلح والمهادنة، وترتيب الشروط، وتعلم الإقدام والمخاطرة، وإدراك المراتب بالمزايا زيادة على ما في ذلك من إعانة العسكر على السهر للحراسة وغير ذلك. ومن المقرر المعلوم أن المحاجات والأسئلة والأجوبة تحد الذهن وتذكى العقل وتعلم الصغار التحيل في الكلام واختيار ما يأتى وما يذر. وحكايات مجالس الحكام والوزراء لها أثر كبير في ردع رؤساء الدولة واحتياطهم في أحكامهم وتأنيهم في قضاياهم خشية أن ينقل عنهم ما يشين فيفتضح غرضهم، وهذا أمر محسوس في الأدب والتربية، ومن لم يكن يحفظ فصولا عدة من تلك الأحاجى والروايات لا يعد من عبيد البخارى الأحرار. استطراد: أما مدينة المهدية فهى من جملة مدائن يفرن في القديم، انتزعها من يدهم أمراء برغواطة وعَمّروا ساحتها ببنى حسن الذين هم بها لهذا العهد بالضفة اليسرى من وادى سبو، وخربوها فيما خربوه من المدائن. وفى سنة أربع وأربعين وثلاثمائة جدد بناءها جوهر الصقلى، ولما أنزل يعقوب المنصور الموحدى العرب من رباح الهلاليين ببلاد الهبط أنزل بنى مالك منهم على الضفة اليمنى من النهر المذكور، وجدد بناءها وجعلها مركزًا لرياسة العرب الهلاليين، فأعاروها جانبا من البداوة وبقيت على حالها إلى أن هدمها أسطول صاحب برشلونة سنة ثلاث وستين وستمائة، وبقيت على خرابها إلى أن نزل بها البرتقاليون سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة فشرعوا في تحصينها، وبعد ثلاث سنين أخرجهم منها أبو عبد الله الوطاسى. ثم في سنة ثلاث وثلاثين وألف استولى عليها الإصبان وحصنوها وعمروها

مدينة العرايش

إلى أن أخرجهم منها صاحب الترجمة سنة ثنتين وتسعين وألف، وأنزل بها جيش العبيد وأوزاعا من عرب الناحية وهى على ذلك لهذا العهد. وأما مدينة العرايش: فهى مدينة قديمة تعرف بـ"سفدد" بباء فسين ففاء فدالين، كان صاحبها من بقية الأدراسة أحمد بن القاسم جنون تحت طاعة محمد الناصر صاحب قرطبة سنة 337، ثم أخرجه منها جوهر قائد جيش الفاطميين، ثم صارت تابعة لعمال المروانيين ومن أتى بعدهم إلى أن أنزل بها يعقوب المنصور الموحدى العرب الهلاليين فجعلوها قاعدة رياستهم وأطلقوا عليها اسم العرايش، فصارت إلى البداوة أقرب، سيما وقد هدمها أسطول الإفرنج سنة 668 وبقيت على خرابها إلى سنة 910، فنزلها البرتقاليون وبنوها وعمروها إلى أن أخرجهم منها المنصور السعدى سنة 986، فاعتنى بها وحصنها وبنى قصبتها، ثم في سنة 1019 ساعد محمد الشيخ الإصبان بتسليمها لهم وبقوا بها إلى أن أخرجهم منها المترجم سنة 1101 وهى على ذلك إلى الحين الحالى. وأما أصيلة: فكانت ساحتها تقام بها سوق أوائل القرن الثالث يقصدها الناس من الأمصار بأنواع المتاجر وتكاثر البناء بها إلى أن صارت قرية آهلة، ثم قدم إليها القاسم بن إدريس عندما أخرجه أخوه محمد من البصرة فنزلها وزهد في الملك، وبنى مسجدها على ضفة البحر وسورها وبنى قصرها، ثم تولاها ابنه إبراهيم ولم تزل بِيَدِ بنيه إلى أن صارت للحسن الحجام، ثم لموسى بن العافية سنة 311 الى أن نزل عليها أسطول بنى العزفى وأهل سبتة سنة 663، فهدَّ أبو القاسم منهم قصبتها وخربها، وفى عام 876 قام بها أبو عبد الله محمد الشيخ ابن أبى زكرياء الوطاسى مؤسس دولة بنى وطاس واتخذها عاصمة. وفى السنة نفسها نزل عليها أسطول البرتقال واحتلها في غيبة أبى عبد الله، وظفر ببيت ماله وأسر ولده محمد فبقى في أسره سبع سنين ورجع، فكان يدعى بمحمد البرتقالى.

مدينة طنجة

وحصنها البرتقاليون وجددوا بناءها وأقاموا بها إلى أن فتحها صاحب الترجمة سنة ثنتين ومائة وألف، وعمرها أهل الناحية فهى على ذلك لهذا العهد. وأما مدينة طَنجة -بفتح فسكون- فهى بشاطئ البحر المحيط بمدخل الزقاق الفاصل بين قارتى إفريقية وأوروبا مقابلة للجزيرة الخضراء، أسس بناءها القرطاجنيون وكانت من أعظم مدائنهم بإفريقية، حازت من الضخامة وعلو الشأن ما لا يدرك شأوه، ثم طغى عليها البحر وبقى طرف منها لهذا العهد يعرف بطنجة القديمة جاء الفتح الإسلامى وخرائب هذه المدينة العتيقة قائمة للعيان. قال أبو عبيد البكرى في المسالك عند ذكر طنجة وليلى الحادثة وطنجة البيضاء القديمة المذكورة في التاريخ فيها آثار للأول كثيرة من قصور وأفناء وغيران وماء مجلوب في قناو رخام كثير وصخر منجور وتحتفر خزائنها فيوجد فيها أصناف الجواهر في قبور أولية وغيرها من المواضع وقد غلب على مدينة طنجة القديمة الرمل والعمارة اليوم فوقها انظر تمام كلامه فيه (¬1). ثم عندما دخل المسلمون قارة إفريقية فتحت طنجة على يد عقبة بن نافع الفهرى سنة ثنتين وستين من الهجرة، وولى عليها من قبله وعقد الصلح من يوليان صاحب سبتة، وأعمال غمارة على الجزية وبقيت طنجة تعلو وتسفل مع الزمان إلى أن استولى عليها البرتقاليون سنة تسع وستين وثمانمائة، فأقاموا بها إلى أن اندمج البرتقاليون تحت حكم دولة الإصبان، ثم تنازلت عنها لدولة انكلترا وبقيت تحت ولايتهم الى أن كانت سنة خمسى وتسعين وألف، فحاصرها أبو الحسن على بن عبد الله الريفى في جيوش أهل الريف بإذن سيدنا الجد السلطان صاحب الترجمة، ولما اشتد الحصار عليها عمد من بها من الانجليز إلى تخريبها وهدم حصونها وركبوا سفنهم وتركوها، فدخلتها الجنود الإسماعيلية من ¬

_ (¬1) المسالك والممالك للبكرى 2/ 781، 782، 788.

غير قتال، وجدد ما تهدم منها، وأسس مسجد قصبتها وغيره وهى على ذلك لهذا العهد. هذا وقد أفردت ترجمة هذا الإمام المترجم بمؤلف وسميته بـ"المنزع اللطيف، في التلميح لمفاخر مولاى إسماعيل بن الشريف" ورتبته على أربعة وعشرين بابا: - الباب الأول في التعريف به. - الثانى في سيرته. - الثالث في شفقته على الرعية وحضانه. - الرابع في شغفه بالعلم ورفعه منار أهله. - الخامس في صدق فراسته. - السادس في سيره في جيوشه. - السابع في فتوحاته. - الثامن في علائقه السياسية مع الدول الإسلامية والأوروبية. - التاسع في اهتمامه بتحقيق أحساب وأنساب سكان عاصمة ملكه مكناسة الزيتون وأمره بتدوين ذلك. - العاشر في قضاته. - الحادى عشر في خلفائه من أولاده. - الثانى عشر في وزرائه. - الثالث عشر في نسائه. - الرابع عشر في عماله وولاة أمره من أمناء ونظار وحجاب.

- الخامس عشر في سفرائه إلى الدول. - السادس عشر في أطبائه. - السابع عشر في شعراء دولته. - الثامن عشر في بناءاته. - التاسع عشر فيما غرسه من الجنات والبساتين. - العشرون في عدد ما خلفه من الأولاد. - الواحد والعشرون فيما خلفه في سجونه من الأسارى وأرباب الجرائم. - الثانى والعشرون في إخلاص رعيته في محبته. - الثالث والعشرون فيما قيل فيه من الأمداح. - الرابع والجشرون في وفاته، وكل باب يحتوى على فصول وفوائد تاريخية مهمة تسر الناظرين. مشيخته: أخذ عن وزيره اليحمدى حسبما صرح بذلك عن نفسه كما أخذ عن غيره من الأعلام. ولادته: ولد بالسوس عام ستة وخمسين وألف هكذا في بعض التواريخ والشائع عند جميع أشراف تافيلالت على ما شافهنى به الشريف العدل البركة الضابط مولاى عبد السلام بن محمد بن الشريف بن على بن عبد الرحمن بن الحران بن محمد بن على الصغير دفين باب إِيلان من مراكش قائلا: إنه تلقى من أعيان كبراء الأشراف وأعلامهم الأثبات أن المترجم ولد بتافيلالت بالقصر المعروف بامجار، وأن القبة التي ولد بها لا زالت معروفة محترمة، عند الخاصة والعامة إلى الآن وحتى الآن لا يلحقهم في ذلك أدنى شك ولا تردد وعند الله علم الحقيقة.

105 - أيويس

وفاته: توفى بمكناسة الزيتون عام تسعة وثلاثين ومائة وألف وقبره مزارة شهيرة عليه صيب الرحمات. 105 - أيويس: بفتح الهمزة وسكون المثناة التحتية وفتح الواو وسكون الياء والسين المهملة كذا ضبطه في الأزهار الندية قال وهذا من الأسماء التي يتعذر بيان معناها. حاله: فقيه علامة مفتى نوازلى ورد على فاس بعد العشرة السادسة ولازم الأخذ عن الشيوخ حتى برع في الفقه المالكى، ولازم أبا على بن رحال بمكناسة الزيتون مدة، ثم رحل لفاس وكان يذهب لباديتها ويحضر أسواقهم ويستفتونه ويأتونه بالهدايا، وربما أفتى بغير المشهور. مشيخته: أخذ عن أبى على بن رحال ومن في طبقته. وفاته: توفى بفاس عام سبعين ومائة وألف. ... ¬

_ 105 - من مصادر ترجمته: نشر المثانى في موسوعة أعلام المغرب 6/ 2287.

حرف الباء

(حرف الباء) * * * 106 - بوسلهام بن على بن المؤذن الخلطى البوجنونى الأصل المكناسى النشأة والدار والأقبار، من أولاد المؤذن، إحدى فرق قبيلة الخلط المشهورة. حاله: فقيه أستاذ حيسوبى ميقاتى كانت له وجاهة وحظوة ومكانة ورياسة على علماء الميقات في زمنه عند السلطان المولى عبد الرحمن بن هشام، وكان من الملازمين لحضرته السلطانية ظعنا وإقامة، وكان يحضره ويأمره بالقراءة بحرف حمزة وهو منصت له، وكلما ختم ختمة بالحرف المذكور أفاض عليه سجال عطاياه الملوكية وغمره ببره وإحسانه، فيجمع الأساتذة ويهيئ لهم أنواع الأطعمة الفاخرة ويبسط لهم موائد البر والإكرام إظهارًا لما هو مغمور فيه من النعم السلطانية، ولم يزل على ذلك إلى أن لقى ربه. وكان السبب في تصديه للقراءة هو أن السلطان المولى عبد الرحمن لما وقع بينه وبين الأوداية ما وقع من المخالفة والشقاق، والحال أن سائر الوظائف المخزنية الداخلية والخارجية بأيديهم لا يشاركهم فيها غيرهم إلا نادرًا، أمر عند مقدمه لمكناسة الزيتون باشاها القائد محمد بن العواد الخلطى البوجنونى بانتخاب عشرة من طلبة الجيش البخارى لتعلم التوقيت والحساب، فكان المترجم من جملة المنتخبين وكلف السلطان بإقرائهم العلامة المتضلع النقاد السيد عبد الرحمن بن محمد بصرى فبذل المجهود في التعليم، وأكب المرشحون على ما رشحوا له بجد واجتهاد حتى نبغ منهم أربعة وأحرزوا قصب السبق في التبريز في فنون شتى منها ما ذكر، وكان المترجم أنجب الأربعة وأمهرهم واستخدم الكل بالحضرة السلطانية ولازم الباب العالى حضرًا وسفرًا.

107 - بو عزة بن العربى بن بوعزة المدعو الفشار، السفيانى الأصل، المكناسى النشأة والدار والقرار والإقبار.

وفاته: توفى عام خمسة وستين ومائتين وألف ودفن بروضة الشيخ الكامل السيد محمد بن عيسى من ناحية باب البراذعيين أحد أبواب مدينة مكناسة الزيتون، وقبره ثَمَّ معروف. 107 - بو عزة بن العربى بن بوعزة المدعو الفشار، السفيانى الأصل، المكناسى النشأة والدار والقرار والإقبار. حاله: فقيه أستاذ حيسوبى ماهر خاشع ناسك متواضع، شديد الحب في آل بيت الرسول، منعزل عن الناس لا يحضر الولائم، ولا يأكل طعام أحد، ما شرب الأَتاى قط، ذاكر تال لكتاب الله عز وجل مواظب على قراءة دلائل الخيرات، يقوم الليل ويصوم الدهر، لا يفطر في غير الجمع والأعياد، ولا يركب دابة إلا نادرًا في المواكب الرسمية، يركب فرسا سرجه مغشى بكتان ولا يلبس من الثياب إلا ما خشن. استخدمه السلطان المولى عبد الرحمن في حنطة فراشه وكان ملازما لصلاة الخمس مع السلطان المذكور، وقراءة الحزب في كل بكرة وعشى، ولما آنس السلطان رشده كلف به من يقرئه الحساب، ولما حصل على الغاية القصوى فيما أريد منه وظهرت نجابته وصلاحه رشحه للأمانة فجعله أمينًا كبيرًا على جيوشه المظفرة في حركته للقطر السوسى. ثم في عام ثمانية وأربعين ومائتين وألف استخدمه أمينًا كبيرًا على رواتب الجيوش بالحضرة المكناسية، وأمينا على داره الكريمة ورئيسا على أمناء صائرها يأتمرون بأوامره وينتهون بنواهيه، مفوضا إليه في تنفيذ كل ما يحدث من زيادة أو نقص في المؤن والرواتب الشهرية بالدار السلطانية بالحضرة المكناسية، وتقييد ضحية النحر الموجهة لها، والوقوف عليها حتى تحل محلها والخليع اللازم لها، ودفعه في وقته بجميع ما يلزم من ضرورياته مع تنفيذ ما عهد لها من عوائد المواسم والليالى

الفاضلة، ولمن في حسابها من الشرفاء والشريفات خارج الدار وغير ذلك من كل ما هو من متعلقات داره وما هو منضاف إليها. ولا يقبل زمام صائر الأمناء على الدار العلية إلا بعد اطلاعه عليه وتسليمه له لإمضائه عليه بخط يده. وأنابه السلطان عنه في تولى قبض مفتاحه على بيت مال المسلمين وفتحه عند إرادة الإدخال إليه أو الإخراج منه في ظعن السلطان وإقامته، وذلك زيادة على المفتاح الذى بيده بصفة كونه أمينا، إذ لبيت المال هذا مفاتيح أربعة، والعادة فيها أن يكون أحدها بيد الجلالة السلطانية، وثانيها عند عامل البلد، وثالثها عند أمناء الصائر، ورابعها عند أمين الدار السلطانية الذى هو أكبر الأمناء لا يمكن فتحه إلا بالمفاتيح الأربع، وذلك كله أخذًا بالحزم والأحوط. وأقره على جميع ما ذكر السلطان سيدى محمد ونجله المولى الحسن، ولم يزل على تلك الوظائف العالية محبوبا مبجلا عند أولئك السلاطين العظام إلى أن توفى. وكان الوصى على سائر أبناء العائلة الملوكية، وكذا أبناء الجيش البخارى، ومن عجيب أمره في ذلك أنه كان لا يضيف مال أحد لمال آخر قل أو جل، يبقى كلا على انفراده، ولا يضيف سكة إلى أخرى مع كثرة الموصى عليهم ووفور أموالهم ومستفاداتهم وتنوع السكك، ومن ورعه أنه لا يأخذ على ذلك أجرًا. مشيخته: أخذ عن الفقيه البركة السيد محمد بن عبد الله من نسب المترجم وعمن عاصره من الشيوخ. وفاته: توفى رحمه الله يوم الأحد الثانى عشر من ذى الحجة عام ثلاثمائة وألف، ودفن بجامع الأقواس المعروف اليوم بالزاوية الدرقاوية بحومة بين العراصى من الحضرة المكناسية.

108 - بلقاسم بصرى وهو ابن محمد بن بلقاسم بن محمد الطيب

108 - بلقاسم بصرى وهو ابن محمد بن بلقاسم بن محمد الطيب بن الصغير بن مسعود المكنى بأبى سرحان بن محمد بن محمد فتحا بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن عبد الرحمن بن عمران الولهاصى. حاله: فقيه نبيه من بيت علم وفضل وصلاح ووجاهة، حسبما بيدهم من ظهائر عظماء ملوكنا العلويين، كمولانا الجد الأكبر المولى إسماعيل، برد الله ثراه مما سيمر بك بعضه في تراجم بعض أسَلاف المترجم فترقب. عدل رضى مبرز موثق ذاكر عابد متهجد ناسك خطيب مصقع، مبجل عند العامة والخاصة، محبوب عند الكبير والصغير يلقن الورد التجانى بل إمام الطريقة ومقدمها شديد المحافظة على صلاة الجماعة. رحل في طلب العلم للحضرة الفاسية بعد أن حصل ما قسم له من المعلومات بمسقط رأسه الحضرة المكناسية، وتصدر للخطبة بالمسجد الأعظم بعد وفاة والده، وولى خطة العدالة بالأحباس الكبرى من الحضرة المكناسية في رابع عشرى حجة الحرام عام ثلاثة وثلاثين وتسعين ومائتين وألف. مشيخته: منهم العلامة العامل السيد العربى بن السائح العمرى، والسيد العباس بن كيران، والسيد الحاج مبارك السجلماسى، والسيد المهدى ابن الحاج السلمى، والحاج محمد جنون مختصر الرهونى، والسيد أحمد بنانى المدعو كلًّا، ومن في طبقة هؤلاء الأئمة الجلة. ولادته: وجد بخط ولده أن والدته أخبرته أنها كانت تسمع من والده أنه سمع من والدته أن جده السيد بلقاسم توفى ليلة سابع ولادة المترجم، وذلك يوم ¬

_ 108 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2901.

109 - بو بكر المراكشى الأصل.

الجمعة تاسع عشرى جمادى الأولى عام ثلاثة وخمسين ومائتين وألف، فتكون ولادة صاحب الترجمة يوم الأحد ثالث عشرى جمادى الأولى عام ثلاثة وخمسين ومائتين وألف. وفاته: توفى بعد غروب يوم الأربعاء تاسع عشرى محرم الحرام فاتح سنة ست وثلاثين وثلاثمائة وألف، ودفن بروضة جده الشهيرة بالحضرة المكناسية سيدى بصرى رضى الله عنه، ورحم الجميع بمنه. 109 - بو بكر المراكشى الأصل. حاله: فقيه جليل نبيه كامل متفتن مدرس نوازلى مفت تولى رياسة الفتوى بحضرة مكناسة حسبما وقفت على ذلك برسم يتضمن الإشهاد على جملة من فحول الأعلام بصحة نسب فرقة من الأشراف الحسنيين الإدريسيين من أولئك الأعلام المترجم محلى فيه بالأوصاف المذكورة وذلك بتاريخ ثالث عشرى ربيع الأول عام عشرين ومائة وألف مكتوب ذلك العقد في رق غزال مزخرف الجوانب الأربع بالخطوط الذهبية الغريبة الصنع العجيبة الشكل. ...

حرف التاء

(حرف التاء) * * * 110 - التهامى بن عبد العزيز المرى. حاله: فقيه جليل عالم فاضل مبجل، تولى النيابة عن قاضى مكناسة السيد محمد الطيب بن محمد بصرى ووقفت على رسم مسجل عليه محلى فيه بالشريف وبالأوصاف المذكورة بتاريخ منتصف شوال عام مائتين وألف. 111 - التهامى الغياثى. حاله: علامة مدرس نفاع، لم أقف له على ترجمة غير أنه كان بقيد الحياة في جمادى الأولى عام تسعة وأربعين ومائة وألف من جملة مدرسى الأعظم كما بقائمة المرتب الشهرى للعلماء المدرسين في ذلك العصر. 112 - التهامى أبو الفتح بن المرابط البركة السيد حمادى بن عبد الواحد المطيرى الحمادى المكناسى. حاله: علامة مشارك مطلع نحرير، أديب أريب، نقاد محدث متقن متضلع، تولى خطة القضاء أو لا بمكناس ثم مراكش، وقفت على رسم مسجل عليه مدة توليته بمكناس بتاريخ ثلاث وثلاثين ومائتين وألف، محلى فيه بالعالم الناسك البركة الخطيب البليغ القدوة المدرس المحقق الحجة، ونص شكله التهامى ابن محمد المطيرى الحمادى. وكان شيخ الحديث في مجلس السلطان المولى عبد الرحمن، ثم اصطفاه للقراءة معه سفرًا وحضرًا يظعن بظعنه ويقيم بإقامته، ثم وجهه بين يديه لفاس فعاجلته المنية. ¬

_ 110 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 7/ 2520.

وأصله من بنى مطير القبيلة البربرية المشهورة من فخذ يقال لهم آيت حمادى، منازلهم الآن قرب فاس. مشيخته: أخذ عن العلامة إدريس بن زين العابدين العراقى، والشيخ الطيب ابن كيران وأجازاه عامة ودونك نصوص إجازتيهما له ومن خطوطهما نقلت: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله. الحمد لله الذى جعل حبل الإسناد. من أوثق الصلة بين الله والعباد. والصلاة والسلام على أجل واسطة. وأتم رابطة. مولانا محمد المختار. وعلى آله وأصحابه الأخيار. أما بعد: فإن المتمسك بهذا الاستدعاء الفقيه الألمعى النبيه. الأديب الأريب النزيه. السالك الإدراك المتثبت أبا عبد الله السيد محمد التهامى بن المرابط البركة السيد حمادى ألهمه الله رشده، ممن لزم الجثو بين أيدينا في مجالس العلوم. واقتنص في إشراك فهمه من إملائنا شوارد الفهوم. برهة واسعة من الزمان. كان فيها المجلى عن الأقران. حتى حصل بحمد الله على علم وافر. ويمن في حسن الملكة ظاهر. ثم لما أراد الرجوع إلى مسقط رأسه. الذى هو مناط لمثمر غرسه. وكان الإسناد من الدين ولولاه لقال من شاء ما شاء، طلب من هذا العبيد المظلوم لنفسه أن يجيزه. وينصف بعامل الانتساب إبريزه. وإنى وإن لم أكن لذلك بأهل. ولا ممن أحرز في مجاله الخصل. لكن مقابلة الرغبة بالإسعاف. كما قيل من شيم الأشراف. فأقول: قد أجزت السيد المذكور. وفقنا الله وإياه للسعى المشكور. فيما قرأه على وفى غيره من كل ما تصح لى روايته عن أشياخى المعتبرين من منقول ومعقول ومنظوم ومنثور إجازة تامة. مطلقة عامة. بالشرط المعتبر. عند أئمة

الحديث والأثر. وعليه بشكر الله على ما أولاه من العلم، لأن الشكر مناط الزيادة وليتق الله في السر والعلانية، لأن العمل ثمرة العلم والله ولى الهداية. في المبدأ والنهاية. وكتب أفقر العبيد لرحمة رب العالمين. إدريس بن على زين العابدين. حلاه الله بصفات اليقين. العراقى الحسينى أحسن الله حاله. وجعل إلى الفردوس مآله". "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما. حمدًا لمن رفع الذين أُتوا العلم درجات. وجعل نفوسهم تسرح من رياضه في حدائق نضرات. وأذاقهم حلاوة التحقيق فهاموا طربًا بما حصرت فيه اللذة الدنيوية من العلوم والإدراكات. وصلاة وسلاما تامين على سيدنا محمد أعلم من أسند عنه الحكماء والرواة. وعلى آله الأمجاد السراة. وصحابته الأنجاد الهداة. وبعد: فإنه لما تقرر لدى أولى الحجَا. واشتهر اشتهار الزبرقان في الدُّجَى. أن أنفس ما تنفق فيه نفائس الأعمار. وأبهج ما تلهج فيه الألسنة وتعمل فيه عوامل الأفكار هو إنشاء حقائق العلوم. والارتقاء إلى دقائق الفهوم. العلم نورِ مبين ... به اللبيب تحلى ... فقل لمن في سواه غلا وعنه تخلى ... شتان ما بين ليل ... داج وصبح تجلى العلم نور مبين يستضاء به ... وخطة ما لها في الحسن من مثل فاملأ جرابك منه غير مكترث ... بما يراه أخو كبر وذو خجل ولما مَن المولى الكريم. من فضله العميم. على كاتبه العبد الضعيف بصرف آونة من عنفوان الشباب الوريق الوريف. اقتطاف نبذة من أزهاره. واستطلاع

شئ من أنواره. وورود مورد عذب من موارده. واقتناص بعض من شواذه وشوارده. جرتنى الأقدار إلى إملاء بعض الدروس. إسعافا لطلاب عطشى الأكباد غرثى النفوس. فتصديت لا عن أهلية منى لذلك المنصب الوسيم. ولكن إذا اقشعرت البلاد وصوح نبتها رعى الهشيم. ثم إن المستدعى في الأوراق قبله الطالب الأرشد. الأنجب الأسعد. أبا عبد الله السيد محمد التهامى بن محمد الحمادى. بلغه الله أمله وأسبغ عليه جلائل الأيادى. كان ممن لزمنى مدة. وأعد للأخذ عنى عدة. فحضرنى في مجالس منقول ومعقول. وفروع وأصول. وآلات ومقاصد. ومباحث وفوائد. وحصل بتوفيق الله على ما يسر له من فهم وعلم. وظفر بما أتيح له من حفظ وقسم. وبدت آثار رشده وهدايته ولاحت معالم تحصيله ونجابته. ولذلك أسعفته فيما التمس من الإجازة تبركا بطريق السلف وإيثارًا للاتباع. وإن كنت أقول المدار اليوم على إظهار ما وصل إليه الباع. فهو الشاهد لك أو عليك. والحجة القاطعة لديك فأقول: قد أجزت الطالب المذكور فيما رويت أو دريت إجازة تامة. مطلقة شاملة عامة. بشرط التثبت والتحرى. وأن يقول فيما لا يدريه لا أدرى. فإنها مما يكمل وليست مما يزرى. ولقد أجاد من قال: ومن كان يهوى أن يرى متصدرا ... ويكره لا أدرى أُصيبت مقاتله وذكر ابن عبد البر في مقدمة التمهيد أن الإمام مالك بن أنس سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنين وثلاثين لا أدرى، واشتهر عنه في كتب الأصول أنه سئل عن أربعين فقال في ست وثلاثين لا أدرى والله يرشدنا وإياه إلى سواء السبيل. وهو حسبنا ونعم الوكيل. وصلى الله على سيدنا محمد المصطفى الكريم. وعلى آله وصحبه أفضل الصلوات وأزكى التسليم. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

وكتب عبيد ربه سبحانه وتعالى محمد الطيب بن عبد المجيد شهر بابن كيران. لطف الله به وعامله في الدارين بجزيل الإحسان". وقد أخبرنى من وثقت بخبره من أهل العلم أنه أخذ عن السيد أحمد بن التاودى بن سودة ومن في طبقته والله أعلم. الآخذون عنه: منهم أبو المواهب عبد الكبير بن المجذوب الفاسى الفهرى المتوفى بالطاعون ثامن عشرى رمضان عام خمسة وتسعين ومائتين وألف، والقاضى أبو زيد عبد الرحمن البريبرى الكبير الرباطى المتوفى عاشر شوال عام ثلاثة وتسعين ومائتين وألف، والأخوان القاضى الأعدل أبو عيسى المهدى بن سودة المرى وأبو حفص عمر المتوفى في متم ربيع الأول سنة خمس وثمانين ومائتين وألف، والمحدث الأشهر سيدى الوليد العراقى المولود سنة تسع بتقديم المثناة ومائتين وألف كما وجد بخط يده المتوفى في ربيع الثانى عام خمسة وستين ومئتين وألف، والعلامة السيد محمد بن عبد القادر الكردودى، وأخو المترجم السيد محمد، ومحشى ميارة السيد الطالب بن حمدون بن الحاج، وأجاز عامة للثلاثة الأخيرين باستدعاء منهم له وقفت على نص ذلك الاستدعاء ودونك لفظه: "حمدا لمن أطلع في سماء العلم للرواية والدراية شموسا وأقمارا، وعينهم لافتضاض الأبكار من غوانى الأفكار حتى أجرى من ينابيع حكمهم بحورًا وأنهارًا، وأهلنا للارتشاف من خلاصة رضابهم المغنى عن أحلى الضرب، حتى أسعدوه بالإرشاد نحو لمحة من فنون علمهم المزرية بشذور الذهب، وصلاة وسلاما على يتيمة الدهر، الجامع لأشتات الفضائل والفخر، المصطفى المختار، المجيز من استجازه دون إنكار، وعلى آله الأتقياء الأبرار، وأصحابه الأجلة الأخيار، وبعد: فالمطلوب من إحسان شيخنا قاضى القضاة ومن إليه المرجع في حل المشكلات الثقة الحجة، السالك من مناهج الدين أوضح محجة، الحافظ الضابط الثبت، الحسن

النعت والسمت، العلامة الدراكة المشارك، الذى لم يعقبه عن دائرة التحقيق متدارك، الإمام الذى به في كل فن يقتدى، النجم الذى هو ضياء في مشكلات العلوم وهدى، العلم الفرد الذى قصرت عن إدراك شأوه الجموع. العالم الذى انتصبت له في الخافقين أعلام الثناء المرفوع. إمام الفصحاء، وحامل راية البلغاء. هو البحر لا بل دون ما علم البحر ... هو البدر لا بل دون طلعته البدر هو النجم لا بل دونه النجم رتبة ... هو الدر لا بل دون منطقه الدر هو الكامل الأوصاف في العلم والتقى ... فطاب به في كل ما قطر الذكر ذى الخلال التي تكل عن الحصر. والخصال التي يعترف له بها نبهاء العصر. الجامع لأوصاف الجمال وجمال الأوصاف. الحائز لأصناف المحاسن ومحاسن الأصناف. ذى السر الواضح السامى. أبى الفتح سيدى محمد التهامى بن العارف الأكبر. الولى الأشهر. الذى يحدو بمحاسنه الحاضر والبادى أبى المواهب سيدى حمادى الحمادى. مذ أبصرت عينى محاسنه ... وشاهدت منه الجمال الجميل حملت قلبى من محبته ... ما لم يكن يحمل قبل جميل كيف لا وهو الفصيح الذى إن تكلم أجزل وأوجز، وأسكت ابن السكيت وابن العميد ببلاغته وأعجز، وأخمد نباهة قتيبة وابن قتيبة في علم اللغة والغريب. وأما السنة والكتاب، فقد أبدى فيهما ملكة مالك وابن شهاب. ولم يشك سامع أنه ابن القاسم أو ابن إدريس. إن توجه لعلوم الفقه بالفتوى والتدريس. بيد أنه هذب بتنبيهاته الحسان كل مختلطة من مقدمات المهرة الأعيان، وإذا تعرض للتصريف. أو انتحى للنحو الجليل. خلته معاذا الهَّراء العفيف. وابن أحمد الخليل. يتصرف في بديع الإنشاء. بما يشاء.

إن هز أقلامه يوما ليعملها ... أنساك كل كمى هز عامله غير أن كلامه في الألباء يسرى مسرى كئوس الصهباء لو قرطت بيواقيته آذان ابن عبد الحميد أصبح في صناعته غير حميد، والحريرى وابن خاقان لما اهتديا إلى جمع المقامات وقلائد العقيان، ما برز في موطن بحث إلَّا برز على الأقران، ولا أجرى جياد علومه إلى غاية إلا كانت مطلقة العنان. إيه وفيه جرى. كل الصيد في جوف الفرا. ضم إلى علمه العمل ووصل مما أراد إلى أقصى أمل، فهو الرئيس الذى به المفاخر تحمد كعبة المجد والوفا والسخا والدين والحلم والفخار المؤيد جرت في بحر محاسنه سفن الأذهان، فلم تدرك قراره، وعجز النظراء والبلغاء أن يخوضوا آثاره. سما في أهله طفلا وكهلا ... وأحرز كل مكرمة حقيقة فبالإكرام وإلا كبار حقا ... ترى أبدا سيادته حقيقة ولكن لا يستغرب من التبر الذهب، ومن معادنها الدرر، والسبط لا بد أن يقفو الأثر. وهل ينبت الخطى إلا وشيجه ... وتغرس إلا في منابتها النخل أن يمن بالإجازة على المتمسكين بأذيالكم والمترددين صباحا ومساء على مجالسكم والمقبلين ثرى نعلكم وأقدامكم المسندين لحماكم المنيع واللائذين بجنابكم الأعز الرفيع محمد بن عبد القادر بن أحمد الكلالى الحسنى الشهير بالكردودى، والفقيهين الأجلين أخيكم سيدى محمد وسيدى محمد الطالب بن العلامة سيدى حمدون بن عبد الرحمن بن الحاج السلمى المرداسى، ونحن وإن لم نكن لذلك أهلا فاقبلوا ذلك منًّا منكم وفضلا، عسى أن يهب علينا من نفحاتكم العظمى ما نستوجب به من الله مزيد الرحمى.

ولسنا لذا أهلا ولكن فضلكم ... به نرتقى والمرء يسمو بكم قدرا وتكون تلك الأجازة من سيدنا محققة مصرحة القرينة مطلقة على الشرط المعتبر في الأداء عند أهل الأثر، شاملة للمعقول والمنقول في كل حكم محصل أو معدول، جامعة للأصول والفروع في نوع المفردات والجموع، ليحصل لنا الدخول في حماكم العظيم، والتشبث بجانبكم الأعز الكريم، ونظفر بالمنى والنجاح ونتشبه وإن لم نكن مثلهم فالتشبه بالكرام رباح، دران رشحت ذلك بذكر من تحملت عنه العلم من الأئمة الأكابر الذين افتخرت بهم على الأوائل والأواخر، كان ذلك تمام الأمنية وإنما الأعمال بالنية، وحاشاك أن تمد إليك الأيدى فتردها خلوًا، وأنت الحائز لكل الفضائل والفواضل، أخا صنوا أو يقرع فضلك فلا تفتح بابك، ولا تسدل على المعتقين أطنابك وغير مستغرب إقبالكم على أمثالنا وإعطاء من لاذ بكم البغية والمنى: ولا غرو أن يعطى المنى لائذ بكم ... ويلقاه وجه السعد متضح البشر وفضلكم يغشى المطيع وغيره ... كما تمطر الأمطار بالترب والصخر ويعلم الله أن النفس لا تسمح بهذا الأمر لسواكم ولا تبوح بمرامها إلا لعلاكم: بقيت بقاء الدهر يا كهف أهله ... وهذا دعاء للبرية شامل وصلى الله على سيدنا محمد خاتم أنبيائه ومبلغ أنبائه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما". شعره: من ذلك قوله مادحا شيخه سيدى إدريس بن زين العابدين العراقى كما بنص استدعائه الإجازة منه:

ما كل ربة ملك جل بلقيسا ... ولا الذى يخرق العادات تأسيسا لا تحسبن الهدى بحسن بادية ... فكم ترى من وضى فاق إبليسا وكم حكيم ولكن ليس ذا حكم ... ويدعى أنه بجهله عيسى وكم أجوب بشوق كاد ينشرنى ... على أحظى بمن ما حام تدليسا فما ظفرت وهب أنى سمعت به ... فذاك أشبه بالعنقاء إن قيسا حتى تبسمت الآمال عن شنب ... كسا الليالى ترصيعا وتجنيسا فإذ أنا بابن زيان الذى شرفت ... به المعالى العراقى الحبر إدريسا دامت لنا طلعة النحرير في وهج ... وزاده الله تأييدا وتقديسا وقوله مادحا شيخه ابن كيران وموريا باسمه في استدعائه الإجازة منه: أكرم به لوذعيا عز تمثيلا ... ومفردا فاق إجمالا وتفصيلا لا عيب فيه سوى من قد ألم به ... ينال فخرا وتأييدا وتبجيلا قد طيب الدهر من طيب اسمه كرما ... فدام في مفرق الأيام إكليلا وقوله مادحا العلامة أبا العباس أحمد بن التاودى بن سودى بمناسبة ختمه المختصر الخليلى عام ثمانية عشر ومائتين وألف بفاس القرويين: حنانيك نبه غائبا يرقب السعدا ... بطلعة سلمى أو بجارتها سعدى وما زال يستشفى الغرام بطيفها ... فما منحت إلا التأرق والصدا فها عرفها ناجى الفؤاد ولم يبن ... يصافحنا مما به أخجل الوردا وكنت أخال الحلم حتى تبينت ... فأبدت ذكاء في دجى جمعت ضدا وحورا وريعا والقواضب والقنا ... بناعم خوط يغضب السمر والأسدا

وجيد منصى لا لتزداد بهجة ... ولكن ليبدى حسنه أيما وردا وطرف كحيل فاتر دون حاجب ... أزج فحيم يرهب العادى الوردا ومن عجب طعن الجفون وهل سرى ... طعان جفون دون أسيافها قدا وفرع أثيث حالك بذوائب ... ثلاث يغشى متنها رائقا جعدا عجبت له يغرى مسامع قرطها ... حديث خدام في خداه لها رأدا وبالغرة الغرا تردى تولهى ... بوجنته حتى انثنت خلتى رشدا فقلت لها رحماك يا روح مهجتى ... بصب رهين في جمالك لم يفدا وكم جاب من فرط الجوى ولواعج ... من الشوق صحصاح الفلا الغور والنجدا وكم لعجت منه الحوائج والحشا ... ولولا صبيب الغور أنضجت الجلدا وكم طلق الغمض الثلاث جفونه ... طلاق الحسام العضب يوم الوغى غمدا وكاد الهوى العذرى ينحو بعطفه ... إلى نحو عرف العطف منك فهل أبدا فقالت فأبدت منه أنفس جوهر ... فما خلت إلا أنها نثرت عقدا هنيئا وطب نفسا بدانى احتفالنا ... ودونك بعد البين من وصلنا ودا رشفنا كئوسا من معين رضابها ... فآونة صهبا وآونة شهدا ولا عيب فيها غير أن إزارها ... وثير كما بالخير قد وشحت بردا ومما أثار للفؤاد أنينه ... رنين جمال أو سوار علت زندا وقد خضبت رخص البنان بعندم ... تمثل دمعى رأد بينونة الغيدا وأعجب منه ظنها فتبسمت ... بأى نظام خلته الجوهر الفردا بذات أقاح كان طى لنشرها ... ورثنا الذى أبدى الشر ود له فقدا

فأعزز بها من منحه بين بضة ... رداح وبين جنة قد حوت خلدا ولا عاذل واش ينم بولينا ... عدا الأعطرين المسك إذ ذاك والندا كأنا وأفنان الرياض وزهرها ... همام يحلى جنده الدر والنقدا كان الربى إذ خدد النهر خدها ... بعذب فرات ناضر طيب الوردا أكف علاها الوشم أو طرس بارع ... يسجله أو أرقم رائد بيدا كأن الغضا والبان في حركاتها ... بأيدى الصبا صب يميس بها وجدا ولما تلت أوتارنا آية الهنا ... وباحت بتحليل العناق ولا حدا وشى بالذى نلنا بالبلابل غبطة ... فصاحت على الأدواح تلتمس الرصدا فسل لذاك الصبح صلت جبينه ... وأفضت إليها الشمش من رمضها جندا كأن سناه طلعة الحبر أحمد بـ ... ـن سودة في أفق العلا صافحت سعدا ولاحت على وجه الخوافق فانثنى ... صقيل الردى من بعد عمته السودا كما بدت الغراء للدين غرة ... فبان ذكاء لا كنار علت طودا فأعشى عيون الملحدين شعاعها ... وأمست ممضاة الجفون به رمدا وأصبح هذا الدهر يزهو مطاولا ... على صدره إذ حله فاقد ندا وحق له بالجهبذ المرى الذى ... أشاد سنام المجد من بعد ما هدا ومن بان في أفق المكارم مذ نشا ... هلالا ولكن لا أفول ولا أردا ومن لم يزل متن الثريا نعاله ... وما فوقها الجوزاء من تحته مهدا ومن عز بعض من حسان خلاله ... فعز فأضحى في براعته فردا ولا عجب من نقطة اليم والحيا ... ولا سيما إن كان صيبه جودا

وما ذاك إلا من عذول معنف ... يرى حصر أوصاف السميذع والحدا ولم يدر إن أربت على المزن والحصا ... ومن لى برد المزن أو حصرها عدا وهب حصرها ما كان ضرك لو سرى ... بك الفكر في آياته الألف والأحدا وهل يجحد الشمس المنيرة نورها ... سوى مائن أو من يرى الطعن واللحدا رويدك هل ما قد كفاك فإنه ابـ ... ـن فخر سرى أسس الفخر والمجدا وكعبة سؤدد وذروة عزة ... وبحر يموج بالعلوم وبالأسدا وبدر سبيل الدين والحق والتقى ... وطود الهدى ما أنفك رائده يهدا وأفضل ذى حلم وصفح ورأفة ... وكان بأمر الله منصلتا جلدا وخير إمام قلد العدل في الورى ... ومن قد تولى فيهم الحل والعقدا حلاحل من بالأرض شرقا ومغربا ... ومصقعهم من فاخر الفخر والسعدا له ضِئضِئٌ (¬1) قد طاب فرعا ومحتدا ... ولا زال يسمو ما سما ووفى جدا بدور سماء كلما انقض واحد ... بدا مثله أو فائق أثره سردا فدمتم سراة الناس يا آل مرة ... ولا زلتم فيهم مثقفة ملدا ولا زال نجل التاودى محمد ... سماء سحاب تمطر العلم والأجدا لعمرك قد أحيا موات قلوبنا ... حيا علمه الوبل الذى لم يزل رغدا فعاد غشاها من صداء جهالة ... نضيرا وغض العطف يحكى لنا الجدا وقلد أجياد العقول فرائدا ... منضدة في سلك لفظ له أندى فما الغانيات ما الرحيق معتقا ... وما الطير في أفنانه ينشد الرصدا ¬

_ (¬1) الضِّئضِئُ: الأصل.

إلى أن قال: عشيرتنا قد تمم الدهر ودنا ... بيوم وصال من خليل وفى وعدا فظلنا وهذا اليمن والسعد خادم ... وهذى سرادق الْهَنَا خيمت جدا فمن منح ما أسلف الدهر مثلها ... فلله ربى أُدمن الشكر والحمدا جزى بجزيل الجود والطول والولا ... أئمتنا من منهم بان أو أودى حماة حريم الدين من جنف الهوى ... ومن بذلوا في حمل أعبائه الجهدا أراحهم في رحب خير جنانه ... بخير جوار الخاتم الرسل والأهدا عليه صلاة الله ما قال منشد ... حنانيك نبه غائبا يرقب السعدا وقوله: هم بالذى سكن الوجود بسره ... ودع السوى في حبه وتجرد وأقم على النفس الحدود فإن أبت ... فجزاؤها من سجنها لا تفتدى وقوله: أتطمع في الحياة بغير موت ... ويعجبك الثناء وفيه داء وأقبح ما ترى من ذا وذاك ... غرام ليس يتبعه سخاء إذا ما البخل أصبح عند قوم ... فقد أمسى بأرضهم البلاء (¬1) نثره: من ذلك قوله في استدعائه الإجارة من شيخه سيدى إدريس بن زين العابدين العراقى المذكور: "الحمد لله الذى زان نوع البشر بإجازة أفراس فكره في مجال المعانى. ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "البيت للإمام الشافعى".

وأكمل مزاياه من بين سائر جنسه بترجمان البيان وعنوان المبانى. فلم ينفك مقتنصا ظباء الفرائد. ومعربا عن عرب العين الخرائد. إلى أن بدت رافلة في حلل الطروس وحلى السطور. شاهدة ببراعة القدرة وبداعة المقدور. وأشهد أنه الله الذى جل ثناؤه. وكمل سناه وسناؤه، وعمت رحمته وآلاؤه. وعذب لأوليائه لأواؤه. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده المحلى بحلى الفضائل والفواضل. والموشح بوسيم الوسائل. وسرى المسائل. الصادع بأحكام الأحكام المعنوية والحسية. والمفسر حديث أسرار الحضرة القدسية. أعظم الحائزين قصبات السبق في ميادين الكمالات. وأفخم الفائزين بروائع الخلال وجوامع المقالات صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الذين حملوا لنا راية الفروع والأصول. وظفروا بقصارى الأدب ونهاية الوصول. صلاة وسلاما دائمين صادقين بلا مين. وبعد: فإن أنفس ما تنافست فيه نفائس الأفكار. واصطفته على حسان حور الأبكار. وماست به طربا. وهويته منى واربا. واستطابته شذى وريا، وفاخرت به طلعة الثريا، وفيه عذب رشف كئوس المنية. وبه تمت الخلال السنية. وتحققت الحقائق. وكشفت البراقع عن وجوه الدقائق. وشيدت أركان المراقى. وميز بين السافل والراقى. وفى فضله تقاعست الألسنة. واستحوذ عليها فتور وسنة. فنون العلم التي ناهيك في علو شأنها. وعزة تدرها وسلطانها. أن منها ما عرف إيحاء. وما كان أنحاء. وما تفق عن ذى الأصول الجليلة وما هو إلى الكل وسيلة. بيد أن بعض القلوب جبل على الغبطة. وذلك أفلح مطلوب وأنجح خطة. وكيف لا وقد قرن الله تعالى شهادته بشهادة أهله. وجعل سبحانه البينونة بين إدراكه وجهله. كما جاء أنهما في غاية المباينة. وليس الخير كالمعاينة. وبعض الأفئدة طبع عليه بطابع الحسد. وأفصح بذلك عنوان الجسد. فعمل بموجبه ومقتضاه. وآثر

113 - التهامى: ابن المهدى المزوار المكناسى النشأة والدار.

للشيطان هواه ومرتضاه. غير مكترث بأنه من أعظم السيئات. وإن ما قدره سبحانه لا بُد آت. فما أخسر متجره ونصيبه. وما أعظمها عليه من مصيبة. ولقد ابتليت بقوم عميت عليهم الأنباء. وحملوا من الأضغان والإحن الأعباء. فهم عن غرر المحاسن لا يتساءلون. ولا بطلعتها يتفاءلون. وإنما يبحثون عن الأدون والمساوئ. دون الأرجح والمساوى. ومهما عاينوا تحبيرى في فن من الفنون. خاب رجاؤهم وساءت الظنون. وكادت تعاجلهم المنون. يودون حينى. واندثار رسمى وأينى. ومع هذا فهم كما قيل: لنا صاحب مولع بالخلاف ... كثير الخطاء قليل الصواب ألج لجاجا من الخنفساء ... وأزهى إذا ما مشى من غراب إلى أن قال إثر شعره المتقدم: "ثم هأنا أقترح من أنامل قرائح الجنان. وأستوهب من سحائب البنان. أن تسمح بإجازة رافلة في معرض الإتقان. على بهجة تخر لها الأذقان. ما نسج بارع على منوالها، ولا ظفر طامع بأحوالها. تزرى بكل أنيس مطرب، ويغبط في روائجها المشرق والمغرب" وهو أطول من هذا وأطنب فيه وأطاب وأباع ما شاء. وفاته: توفى فجأة برباط الفتح يوم الأربعاء حادى عشر صفر الخير سنة تسع وأربعين ومائتين وألف، ودفن بدويرة بالزاوية الناصرية بحومة أبى القرون. 113 - التهامى: ابن المهدى المزوار المكناسى النشأة والدار. حاله: نابغة أديب أريب، وجيه لبيب، ناظم ناثر، واعظ فصيح اللسان عدل رضى مبرز. تولى الوعظ بالضريح العلمى وبكرسى عنزة المسجد الأعظم وخطة العدالة بالحضرة المكناسية وتصدر للشهادة وكان يتعاطاها لتاريخ شعبان عام اثنين وتسعين

ومائتين وألف وقبل ذلك وبعده ثم استكتب بالديوان السلطانى مدة ثم أخر عنه مدة ثم أعيد إليه فصار يظعن بظعن الجناب الملوكى ويقيم بإقامته. له شعر رقيق يفرغه في قالب رشيق حلاه عصريه السيد أحمد بن الحاج الفاسى في بعض مؤلفاته بما لفظه: الفقيه الأديب الماهر الحائز قصبة السبق في الفصاحة والبلاغة الناظم الناثر الهمام الذى لا يقاوم والماجد الذى لا يزاحم، من سما في سماء التوثيق بدرا، وارتفع في سلم العلوم سرا وجهرا العدل سيدى التهامى المزوار المكناسى. انتهى. وكان معدودا من شعراء الدولة الحسنية وأعيان كتابها لو جمع شعره لجاء في مجلد ضخم لكن مع الأسف ضاع جله إن لم نقل كله. مشيخته: أخذ عن خاتمة المحققين الفقيه القاضى سيدى الحاج المهدى بن سودة والعلامة القاضى سيدى العباس بن كيران ووالده سيدى محمد المهدى وغيرهم. شعره: من ذلك قوله وهى قصيدة تسمى بالسحر الحلال في الذب عن أهل الكمال أو تشنيف المسامع بتوبيخ البذئ بأفظع المقارع أو نصرة الأماجد بقمع الأباعد: دع عنك أهل الجحد والأهواء ... وانبذ بشيع كلامهم بورا لاموك من حيث ارتضيت أخاهم ... لجناب عزك حارسا بفناء إيلام من لأخيه أصبح حاسدا ... في فعله ومقوله لسواء ما ذاك إلا من اليم العجز عن ... إدراك هذا الشأو دون مراء مع أن ذا شرف لهم بأخيهم ... إذ صار يحرس منزل العظماء لكنه قد فاقهم بالقرب من ... حبر شريف من بنى الصلحاء ذاك الشريف المرتضى مثواه من ... مثواه طال كواكب الجوزاء

من معشر أهل السيادة والسعادة ... والندا والفضل والآلاء من معشر حظى الزمان بعلمهم ... ووجودهم بسعادة شماء من معشر لهم المآثر والمفاخر ... قد سمت من قوق كل سماء سل عنهم الحطاب في كم موضع ... من شرحه لأبى الضياء ضياء وسل ابن رحال مع الفاسى في ... تثبيته في الليلة الليلاء وسل التتائى والمحشى تلق ما ... يشفيك في الأنقال والأنباء وسل الزمان وأهله عما حووا ... من رتبة ومزية ودهاء ومجادة وزهادة ونزاهة ... وكرامة مصحوبة ببقاء ناهيك من شرف فخيم قد غدا ... في الدهر مثل الغرة الغراء ناهيك من مجد تأثل واعتلى ... في عزة مسموكة علياء من ذا يطاول سادة قد خلدت ... آثارهم بدفاتر العلماء من ذا يطاول شبلهم علامة الـ ... أعلام في فهم وحسن وذكاء من ذا يضاهى مجده وكماله ... في حلة التقريب والإقصاء يا سيدا أهدى لنا من يمه ... دررا تبدت عن سنى سناء لا تنزعج مما عراك فمن عوى ... يرمى بها ذى الصخرة الصماء هذا وعن قرب ترى ما تشتهى ... في سائر الأعداء والرقباء فلأنتم من نسبة مبرورة ... جلت مفاخرها عن الإحصاء لا شك أن الله يحمى جاهكم ... ويغار في الإصباح والإمساء أوما درى القالى بأنك من سلا ... لة سيد الإرسال والأنباء

وبأن بدرك في حمى مولاى إدريس ... الرضى الحامى من الأسواء وبأن مولانا أمين الله قد ... غطاك منه بعطفه الوضاء أو ما درى ببنى الشهيد المرتضى ... السادة الحجاب والوزراء أن قد أحلوكم حمى أكنافهم ... بعناية ومبرة وولاء وحموك من أهل العناد فكل من ... قد رامكم يرمى بسهم بلاء أعظم بهم من ماجدين وسادة ... وأهلة وأئمة كبراء سادوا وأسدوا للأنام معاليا ... محفوفة بسوابغ النعماء عمت مكارمهم فأصبح جودهم ... في سائر الأقطار كالأنواء أحيوا مآثر قد تلافاها بهم ... رب العباد بسيرة حسناء أيلوم مثلك في اتخاذ الكلب من ... لم يعرفن أحكامه بوفاء لو كان مطلعا لما أبدى الذى ... أبدى من العذل الشديد الداء فالشرع نص على اتخاذ الكلبين ... حيث القياس على كلاب الشاء ومن الغباوة نكر ما هو ظاهر ... ومقرر في الشرع دون خفاء في كلب أهل الكهف منه كفاية ... في صحبة الأخيار والنبلاء بالقرب منهم نال فضلا شامخا ... ومزية عظمى وحسن ثناء فلأجل ذا نال المزايا كلها ... كلب الرضى مثواه دون خفاء فلم التمشدق بالأباطيل التي ... قد زخرفت بالحجة العمياء لا سيما في جنب بحر زاخر ... أسراره كالشمس دون غطاء هلا ارتدى برداء تسليم ولم ... يتعرضن لعداوة الفضلاء

يا ليته غطى بصمت جهله ... فالصمت منجاة من الأدواء ماذا من الأسواء جر لنفسه ... بإذاية الأشراف والفقهاء ولحوم أهل العلم يعلم أنها ... مسمومة تدعو لكل عناء فالكاملون يرون كلا كاملا ... من غير تنقيص ولا إزراء والناقصون يرون بالنقصان من ... لاقوا من الكمال والنبهاء وجميع أهل النقص ليس لهم شعور ... بالذى فيهم من البلواء فتراهم أبدا على طول المَدَى ... متلونين تلون الحرباء فكذا يكون الناقصون من الورى ... وكذا يكون معاشر اللؤماء ملئت بواطنهم بحقد كامن ... وعداوة في غاية الإخفاء يلقون من لاقاهم ببشاشة ... وطلاقة وتودد وحباء وقلوبهم من أجله محشوة ... مملوءة بمكايد البغضاء فالله يكفينا ويكفيكم أذى ... الجهال والأوغاد والبخلاء والله يكفينا جميعا كل ما ... نخشى مع الأحباب والأبناء بالمصطفى والآل والأصحاب والـ ... أقطاب والأبدال والنقباء صلى الإله وسلمن عليه ما ... مثواه راح بنصرة الشعراء ومن ذلك قوله في ختم السلطان الأفخم أبى على مولانا الحسن صحيح البخارى: حياك ما أملت من أوطار ... فاهنأ بعز شامخ المقدار وبشير سعدى قد أتاك مبشرا ... بسعادة الإيراد والإصدار

فلذكرها فيه ارتياح القلب والـ ... أرواح والأشباح والأفكار ما ذاك إلا أنها قد أحرزت ... شرفا بحب المصطفى المختار خير الوجود وحصنه وأمانه ... من سائر الأسواء والأغيار فهو الشفيع المرتضى يوم القضا ... في المذنبين لدى التهاب النار فبجاهه لله كن متوسلا ... تبلغ جميع السول والأوطار وكن المتيم دائما بحديثه ... في حالة الإقصار والإمرار واحضر مجالسه الشريفة تدركن ... ما شئت من فضل الإله البارى أو ما رأينا الحاضرين لها غدوا ... بالروح والخير العميم الجارى وانظر إلى الدنيا تلألأ نورها ... فرحا به وبختمه المعطار وانظر إلى الرحمات بين قبابه ... تسعى لدا الآصال والأبكار وتجر من طرب ذيول دلالها ... فكأنها ثملت بصرف عقار وتقول ياللأكرمين تمتعوا ... بحضوركم لمحافل الأخيار وردوا حياض علومه وتنعموا ... برياضه المتنوع الأزهار هذى نجوم الأرض دائرة به ... فكأنها الهالات بالأقمار بسكينة وتواضع وتخشع ... وتأدب وتنسك ووقار ختم شريف قد تحلى عصرنا ... بوروده وعلا على الأعصار في حضرة الملك الهمام المرتدى ... بردا النَّدَى والجود والإيثار المالك البر الذى حاشاه أن ... يلفى له في المعلوات مجار المالك المولى الشريف السيد الـ ... ـحسن الشمائل طيب الآثار

فرد المفاخر من ذؤابه هاشم ... فذ التقى في الجهر والإسرار مأوى الديانة والسماحة والدها ... والصفح والإغضا عن الأوزار رحمى الإله ومن بغرة مجده ... سعد الوجود ونال كل فخار النعمة العظمى التي عم الورى ... إحسانها كالوابل المدرار لله نهضته وفيه سكونه ... وقيامه في ليله ونهار ما همه إلا اكتساب محامد ... ومحبة العلماء والأبرار همم لعزته الشريفة تجمع الـ ... أعدا وتسكنهم بدار بوار قل للذين عن الطريق تحرفوا ... كفوا عن الطغيان والإصرار هذا خليفة ربنا المنصور قد ... وافى ليقطع هامة الفجار بشر عداه بأخذة سموية ... تردى جميع كبارهم وصغار هيهات لا وزر يقيهم لا ولا ... وطن ولا مصر من الأمصار هذى أسود الغاب تخشى بأسه ... وعزيز سطوته بلا إنكار فلم التحصن بعد هذا إنه ... لسفاهة الأوغاد والأشرار لكن عذاب الله حق عليهم ... فعموا وصموا عن نِدا الإنذار فليهن سيدنا ومولانا الرِّضا ... هذا الختام المشرق الأنوار أديت حقا للبخارى وافيا ... ورفعت ذكر صحيحه بمنار وجعلت يا نجل الرسول ختامه ... عيدا سعيدا نيط بالأسرار وأفضت فيه من المواهب أبحرا ... أزرت بجود البحر والأمطار ناهيك ما أوليت من نعم ومن ... بر سجيل فضة ونضار

فالله يبقى نصرك الممدود في ... عز وعافية مع استمرار والله يبقى الملك فيك مخلدا ... ما هبت الأرواح في الأسحار والفتح والتمكين والتأييد لا ... ينفك طوع يمينكم ويسار وبقيت منصورا بقاء الدهر يا ... كهف الأنام وقرة الإبصار بالمصطفى وبآله وصحابه ... والتابعين وسائر الأنصار أزكى الصلاة مع السلام عليه ما ... حياك ما أمنت من أوطار وقوله في ميلادية أنشأها عام ثمانية وتسعين ومائتين وألف وأنشدت بين يدى الجلالة السلطانية الحسنية بحضرته الفاسية: هذى السعادة قد مدت إليك يدا ... والوصل أنجز عزما ما به وعدا أم هذه نفحة الأحباب قد وفدت ... من نحو ليلى وهذا عطفها وفدا أهدت لنا طربا أهدت لنا إربا ... أهدت لنا قربا لا تنتهى أبدا قد طال ما كنت أرعاها وأرقبها ... قدما وأطلب منها الوصل والرغدا حتى غدوت بها في كل آونة ... أهفو وألهج لا أخشى بها أحدا هيهات لى كيف أسلو عن هواها وهل ... أقوى وهل أستطيع الصبر والجلدا لا يسلينى أبدا عنها سوى شغفى ... بمولد المصطفى أجل من ولدا خير الورى وشفيع الخلق قاطبة ... يوم الزحام إذ الإحجام عنها بدا أعلى الخلائق جاها عند خالقه ... وخير من يرتجى يوم القيام غدا أصل الوجود ومن لولاه ما خلقت ... أرض ولا كان كون لا ولا وجدا فهو البشير النذير المستغاث به ... وهو الذى رحم المولى به وهدى

كم آية ظهرت في آن مولده ... كم نعمة بهرت من دان أو بعدا يا سيد الرسل داركنا بمرحمة ... تكسو الجميع على مر المدى بردا وأسدل على نجلك الميمون سيدنا ... عطفا وهيء له من أمره رشدا هذا الإمام الذى جلت مآثره ... عن أن يحيط بها من رامها عددا هذا الإمام الشريف الطيب الحسن الـ ... ـبر الذى صهوة الإحسان قد صعدا هذا ابن فاطمة الزهراء من شرفت ... أخلاقه وعلت في المعلوات يدا هذا هو ابن رسول الله كعبتنا ... هذا الذى قد غدا في الحلم منفردا هذا الذى هو مأوى الخير أجمعه ... هذا الغنى للذى أبوابه قصدا هذا الذى أسعد الله الوجود به ... فضلا ومنا فلم يترك به أودا هذا الذى أصبحت فينا سيادته ... كهفا منيفا وحصنا لم يزل سندا هذا المؤيد والميمون طالعه ... هذا الذى بعلاه الخلق قد سعدا فجر الملوك ومن صارت مناقبه الـ ... ـغراء حرزا بها نستدفع الكمدا فليهن علياك يا تاج الملوك ويا ابـ ... ـن المصطفى ليلة خصت بكل ندى خصت بمكرمة خصت بمرحمة ... خصت بمرتبة قعسا وكل هدى نلنا بها من بها علياك كل منى ... نلنا بها الربح والأوطار والرشدا دم سيدى لابسا ثوب السرور على ... مر الدهور فما ترضاه قد وجدا لا زال نصر وفتح يخدمان معا ... هذا الجناب الذى أروى الورى مددا واليمن والسعد والأسعاد يتبعه ... مع السلامة إصدارا وإن وردا ما أم ركب أمين الله رحمته ... فراح والعطف قد أولى إليه يدا

وقوله في ميلادية عام واحد وثلاثما وألف ومن خطه نقلت: نور السعود بدا أم نور تجديد ... عم البلاد بعز منه ممدود أم هذه نفحة جاء البشير بها ... من نحو ليلى بوصل غير محدود سقيا لها أذكرتنا جيرة رحلوا ... يقفون بالعزم مغناها بتجريد قد غادروا الصب في شوق وفى قلق ... لا يستطيع حراكا حلف تسهيد يا ليتهم رحلوا بالقلب إذ رحلوا ... في حين يضرب بطن البيد بالبيد حتى إذا ما رأوا تلقاء كاظمة ... أنوار طيبة مأوى الخير والجود ألقوه فيها ففيها كل منيته ... فيها أجل شفيع خير مولود من خصه الله بالقرآن معجزة ... تبقى فلا تنقضى بقاء تخليد فهو الشفيع الرضا والمستغاث به ... إن أحجم الشفعاء يوم موعود أعلى البرية عند الله منزلة ... ومن أتانا بإيمان وتوحيد كم آية ظهرت في حين مولده ... ميمون من غير تكييف وتحديد في ليلة أكرم الله الوجود بها ... علت على القدر قدرا دون تفنيد من أجل ذلك مولانا وسيدنا ... يجدد الخير فيها أى تجديد يحيى سوائعها في كل ما سنة ... تبدو بمدح وتحميد وتمجيد سنت سيادته عيدا لمقدمها ... ناهيك من شيم ناهيك من عيد يحيى مواهبها يعلى دعائمها ... يشيد أعلامها وأى تشييد يأتى حجيج الورى بادى الضجيج إلى ... نادى نداه بوفد غير معدود فينظرون جمالا جل عن مثل ... ويشهدون بعلم لا بتقليد

وينظرون بحار الفضل فائضة ... على الوجود عطاء غير محدود وينظرون رياح النصر واقفة ... بالسباب خادمة من غير ترديد في حضرة الملك الأسْمَى الهمام ومن ... إِفضاله الجم عم كل موجود خليفة الله رحماه ونعمته المـ ... ـهداة للخلق من بيض ومن سود روح الوجود وبضعة الرسول ومن ... ساس العباد بتوفيق وتسديد ذاك ابن فاطمة الزهرا الشريف ومن ... أعد للبر بابًا غير مسدود المالك الحسن الأخلاق والحسن الـ ... أنباء والحسن الأسما إذا نودى ماضى العزائم موفور المكارم غفـ ... ـار العظائم مصدوق المواعيد مولاى يهنيك ما أولاك ربك من ... عز وفتح ومن نصر وتعضيد وليهن عزك غراء الليالى التي ... حيت يسعد وإسعاد ومقصود فيها أفضت أدام الله نصرك إحـ ... ـسانا غدا يمه محمود مورود شيدت للدين أعلاما أقمت له ... دعائما ترتضى من بعد تأويد مع نفحة نفحت من عطف عزك أر ... واحا بأذكى من النسرين والعود دامت مفاخرك العليا الشريفة في ... حفظ وعافية تكسى بتأييد بالمصطفى وبآل والصحاب وما ... في الأرض من صالح من غير تقييد دامت عليه صلاة الله ما طلعت ... أنوار سعد لمولانا بتمهيد وقوله مادحا الشريف الأصيل المولى المهدى بن عبد المالك الإسماعيلى: أمن البدور الغر نير حالك ... فتهللى بدرى برؤية حالك وتمنطقت أيد بدر خطابها ... ناهيك من در نضيد سالك

لما شممت نسيمها أحيا بنا ... ما كان ميتا من رميم حاسك يا عاذلى في حبها لو حمتها ... كنت السمير بها فهل من تارك أو لو نظرت أخى لطيف خيالها ... ما لمت حبى في هواها الفاتك جاءت تزور فقلت ها نفسى فدا ... أما القليب فإنه في عارك قالت فإنى لا أبقى لحظة ... حتى تصير لنا وحيد ممالك واها عليها ليتها جاءت على ... صب لها لو باللسان الماسك إذ من لسان أطرب الأحشا بها ... قولى فهل من عودة لهلالك حتى إذا استشعرت قطع وصالها ... أسعى أقول وكيف لى بخيالك لا يطلع البدر المنير بليله ... حتى يقول ليس ذا بالتارك كلا ولا شرقت شموس في الهوى ... إلا وقد ظفرت بلثم نعالك والصبح ما أهدى وحار ضياءه ... إلا بذوق من سنا إعطائك حل السقام بمهجتى فأتى لها ... شوقى يسألها بقوله مالك قالت له هذا اللهيب أضر بى ... فأجابها إذ قال إنى نارك لا تسدلى هجرا بزائر منظر ... حاشاك تبديه لصب جارك منك استمد العاشقون فأصبحوا ... سكرى فلا يدرون ذا من ذلك حتى غدت أجفانهم مَلأَى بما ... دمع من الشوق المذيب الضانك أبدانهم ممزوجة بسقامها ... لا تستريح سوى بوصل المالك الناسك بن الناسك بن الناسك بـ ... ـن الناسك بن الناسك بن الناسك أعنى الشريف اللوذعى المنتقى ... بدر الهنا نجل بن عبد المالك

شمسا عيون تقشعر بنورها ... أو مثل بدر في كمال ضاحك إن رمت ساحته يخاطب جهرة ... أهلا أنا المهدى فهل من دارك مجدا أصيلا حازه بوراثة ... عن قاسم عن نافع عن مالك مكناسة بعلائه ونواله ... وكماله في رخو عيش سامك منه ازدهت منه اقتنت كل الولا ... منه اقتنت عليا كمال بارك وافى كصبح ناسخ بضيائه ... ما هم من شر شديد شائك وافى بآداب بحر ذيوله ... حتى محا بالحلم سفك السافك هد المظالم أسس التقوى بما ... يرضى الإله فيا له من سالك من طيبه الأذكى كذاك بخلقه ... أسدى الهدى للهائم المتمالك فالله يحفظه ويكلاه بما ... يسلبه الدارين سلو تدارك ما أعذو ذبت شمس العشى بلونها ... الأبهى المجدد ذكر عهدها لك ما سبح الأطيار فوق غصونها ... سحرا وصبحا للكريم المالك إلا وتهدينى شميم نداكم ... يسمو سمو النور فوق الحالك وقوله مادحا الباشا عبد الله بن أحمد: ما ترتجيه من الإقبال والإرب ... وافاك مرتقيا في أبهج الرتب والوصل دان وشمل الود مجتمع ... والسعد ينبئنا بأنفس القرب هذا أوان اللقا هذا أوان الرضا ... هذا أوان الهنا فانهض إلى الطرب وهذه نفحات الخير لائحة ... فقر عينا وطب نفسا وطب وطب واعلم بأنك قد حللت ساحة من ... سادت مآثره بالعلم والأدب

وقد أنخت بباب من مناقبه ... قد طرزت بحلاها سائر الكتب وقد أتيت إلى من نور طلعته ... فيه الهدى والندى يصب كالسحب عبد الإله الذى تنجى محبته ... من حادث الدهر والأسواء والنوب إلى أن قال: بالأنجم الزهر قد حفت مجالسه ... والخيرين وأهل العلم والنسب ناهيك من شرف حازت ومن ظرف ... ضمت ومن كرم ضخم ومن حسب فليهن فاس حلول الألمعى بها ... فالآن قد أمنت حقا من العطب كما به أمنت مكناسة وسمت ... وبلغت كل ما ترجوه من طلب يا سيدًا شرفت أخلاقه وزكت ... أفعاله من بالإقبال واستجب ها وفد مكانسة قد جاء مرتجيا ... منك الرضا ولذاك خير مرتقب فامنحهم منك ما شاءوا وما طلبوا ... وجد بعطف سريع منك منسكب لا زلت في عزة تسمو وعافية ... في النفس والأهل والإخوان والعقب وقوله فيه أيضا: بدرية سلبت حشى وقلوبا ... ببديعها وأنالت المرغوبا جاءت تميس من الدلال فصاحة ... من حسنها راح الفؤاد سليبا إلى أن قال: شمس الأئمة والذى آلاؤه ... قد عمرت للقاصدين جيوبا عبد الإله وحجة الله الذى ... شرفت مآثره وفاحت طيبا بدر البدور وجنة الدنيا التي ... عمت بخير قاصيا وقريبا

والنعمة العظمى التي قد حببت ... في المكرمات وأهلها تحبيبا ما من أديب قد تأثل مجده ... إلا ومن نعماه كان أديبا فإذا أردت مديحه لاقاك إسـ ... ـعاد يكون ملبيا ومجيبا وإذا أتاه الطالبون لحاجة ... نظروا الغنا والسعد والترحيبا كل القلوب تحبه وتحب أن ... تلقى محياه الرضى المحبوبا يا من بعزته وعطفة مجده ... نلنا الأمانى مشهدًا ومغيبا وصلت هديتك السنية بالذى ... سلا وطيب نفسنا تطييبا نلنا بها آمالنا في محفل ... قد رتبت أقماره ترتيبا جمع المكارم والدهاء فلا ترى ... إلا إمامًا فاضلا وأريبا جمع الأئمة والنجوم وكلهم ... يحلو بأسرار العلوم كروبا وسراجنا من بيننا العلامة الـ ... ـمختار إكليل ينير قلوبا فتراه في أحيانه متفرغا ... للمكرمات مبادرا منسوبا وترى مجالسه على طول المدى ... مثل الثريا صوبت تصويبا أرواح سيرته الحميدة كل آ ... ن بالوداد لنا تهب هبوبا لا زال مجدكم ومجد علاكم ... بسلامة وسعادة مصحوبا في النفس والأولاد والإخوا ... ن والأزواج مع من أحرر التقريبا وقوله مادحا قاضى الحضرة المكناسية أبا العباس بن سودة المترجم آنفا: جاء وصل الرضى ووفى وعوده ... في ابتهاج أبقى الإله وجوده واستبانت فواتح من سعود ... عمت الكون غوره ونجوده

114 - التهامى بن الطيب أمغار المكناسى الأصل والإقبار.

ألبستنا من السرور برودا ... يا هناء الذى كسته بروده مثل ما قد كسا حبور قدوم ... للهمام الرضى الأجل ابن سوده بحر علم يموج فهما وحفظا ... وذكاء يبدى الفنون المفيده في غير هذا: وفاته: توفى في محرم الحرام فاتح عام عشرة وثلاثمائة وألف بمحروسة فاس. 114 - التهامى بن الطيب أمغار المكناسى الأصل والإقبار. حاله: فقيه علامة مدرس متقن أديب فاضل شاعر بليغ، نفاع لوذعى، لبيب ضابط، ملازم للصمت، كثير الحياء. مشيخته: أخذ عن السيد الغارى بن الحاج العربى بن عبود، وسيدى محمد ابن الحسن الوكيلى الشريف وغيرهما. الأخذون عنه: منهم السيد محمد -فتحا- بن محمد بصرى صاحب الثبت المعنون بإتحاف أهل الهداية والتوفيق والسداد، وناهيك به وغيره. شعره: من ذلك قوله من مقصورة تقصر عن الإتيان بمثلها نبغاء فحول الأقران وقد قدمناها بتمامها فيما نقلناه فيما قيل في مدح مكناسة: لله ما أبهى عمائر الحمى ... معالم الأنس مطالع المنى معاهد ما برحت محفوفة ... بظل أمن من فردايس الهنا وفاته: توفى صبيحة عيد الأضحى من عام ... (¬1) ومائة وألف. ¬

_ (¬1) مكان النقط بياض بالأصل.

115 - التهامى أجانا المكناسى الأصل والدار.

115 - التهامى أجانا المكناسى الأصل والدار. حاله: فقيه وجيه علامة مدرس نبيه. وفاته: كانت وفاته أواسط المائة الثالثة بعد الألف. 116 - التهامى البورى نسبا الدرعى منشأ. حاله: علامة مشارك متضلع نحرير فاضل ناسك مدرس نفاع محرر ضابط، حجة محقق خطيب مصقع بليغ. تولى القضاء بمكناسة الزيتون فحمدت سيرته، وقفت على رسم مسجل عليه بتاريخ سابع عشرى ربيع الثانى علم ثلاثة وثلاثين ومائتين وألف وآخر بمهل ربيع الأول عام أربعة وثلاثين ومائتين وألف، وآخر بتاريخ سادس عشر رجب عام ثمانية وعشرين ومائتين وألف، محلى بالفقيه الأجل، العالم العلامة الأفضل، الصدر النحرير الأكمل، القدوة والبركة الأحفل، الحافظ الحجة الأعدل قاضى هذه الحضرة السلطانية الهاشمية مدينة مكناسة الزيتون وخطيب مسجدها الأعظم وهو التهامى بن حم البورى وتولى أيضا قضاء مدينة صفرو. مشيخته: أخذ عن الشيخ الطيب بن كيران والشيخ حمدون بن الحاج والشيخ أبى عبد الله الزروالى والشيخ أبى عبد الله بن منصور وغيرهم. مؤلفاته: منها شرح أرجوزة شيخه ابن كيران في الاستعارات وعليه إقبال الطلبة الآن وبه يقرءون النظم المذكور. وفاته: توفى بمحروسة فاس سنة ثلاث وأربعين ومائتين وألف، ودفن بروضة العلماء شيوخه متصلا قبره بقبر شيخه ابن منصور عند رجل شيخهما معا سيدى الطيب رحم الله الجميع.

117 - التهامى بن عبد القادر المركشى المدعو بابن الحداد المكناسى النشأة والدار والإقبار.

117 - التهامى بن عبد القادر المركشى المدعو بابن الحداد المكناسى النشأة والدار والإقبار. حاله فقيه أستاذ مجود علام بقراءة السبع انتخبه السلطان المولى الحسن لتأديب إخوته بالحضرة المكناسية ثم رشحه لتأديب أولاده ووجهه معهم لبلاد أحمر بالقصبة الإسماعلية، ثم عينه السلطان المولى عبد العزيز لتعليم شقيقه الخليفة السلطانى الحالى بفاس سيدى محمد المهدى، فاستوطن فاسا لذلك مدة أعوام ثم رشحه السلطان المولى عبد الحفيظ لقضاء فاس الجديد إلى أن أعفى منه بطلب منه، وقلما باشر الأحكام بنفسه، وإنما كان له نائب وهو العلامة السيد محمد بن عبد القادر بن سودة يباشر الأحكام غالبا ويخاطب على الرسوم، ورحل إلى حج بيت الله الحرام وزيارة قبر نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام وذلك عام ثمانية وعشرين وثلاثمائة وألف، ودخل مصر وجرت له من ابن عمنا وشيخنا قاضى مكناسة الحالى العلامة ابن العباس بن المأمون البلغيثى قضايا عجيبة في هذه الرحلة، منها أنه أى المترجم ندبه إلى زيارة أبى طالب وأكثر الإلحاح في ذلك فقال له إنى لا أزور كافرًا فأجابه بأن الإجماع منعقد على إيمان أبى طالب، وإنما الخلاف في أبى لهب. ومنها أنه ذهب لدار أبى سفيان فلما دخلها ابتهج ابتهاجا زائدًا وصار يقول اللهم لك الحمد اللهم لك الحمد فقيل له في ذلك فقال لأنا آمنا لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال من دخل دار أبى سفيان فهو آمن وقد هجاه شيخنا المذكور بقصائد وقطع من ذلك قوله: رمانى ابن حداد بجهل ديانتى ... بمحفل علم بين قوم أفاضل فلما استبين الفدم عن وجه جهلها ... بدا أنه غمر وأجهل جاهل عجبت ولكن لا تعجب من فتى ... يرى العلم جهلا والبذا في الأفاضل

إلى أن قال: فإن عدت نحوى يا قمامة كانس ... بفرية كذاب على جنب كامل نعد عودة أخرى بنعل عددتها ... لقمعك تبقى نشدة في القبائل وإن تبت من إيذاء جانب أحمد ... نزلت بربع آهل غير ماحل فود ذوى القربى سعادة مهتد ... وبغض ذوى القربى شقاوة خامل ثم بعد تاب المترجم وأناب وشد الرحلة لشيخنا بالدار البيضاء مدة توليته خطة القضاء بها وقبل قدميه وطلب منه السماح فيما صدر منه في جانبه وذلك شأن الكرام المهتدين فعفا وصفح ثم في صدر دولة سلطاننا الأعظم المولى يوسف أبد الله نصره وزين بمزيد الترقيات عصره رجع المترجم لمسقط رأسه مكناسة الزيتون ولم يزل بها إلى أن ختمت فيها أنفاسه رحمه الله. مشيخته: أخذ عن المفضلين ابن عزور والسوسى، ومولانا عبد الله الكامل الأمرانى، وربما كان السارد بين يديه والشيخ ماء العينين، والفقيه الحاج محمد جنون مختصر الرهونى، وسيدى محمد بن التهامى الورانى، وشيخنا سيدى محمد القادرى، وغيرهم من عظماء شيوخ فاس ومكناس. وسمع من أبى عبد الله محمد الوادنونى المسلسل بالأولية عام ثلاثة وعشرين وثلاثمائة وألف ومن أبى جيدة الفاسى المسلسل بالقراء بوضع اليد على الرأس عند قراءة آخر سورة الحشر عام سبعة عشر وثلاثمائة وألف. الآخذون عنه: أخذ عنه السلطان السابق المولى عبد الحفيظ وقد ذكره في نظم مغنى اللبيب بقوله: كشيخنا طود العلوم الراسى ... بحر الهدى التهامى المكناسى

والعلامة السيد محمد السوسى، وسيدى مشيش بن المختار الشبيهى نقيب الأشراف والفقيه الأستاذ السيد محمد -فتحا- بن العربى بن شمسى، والفقيه العدل مولاى على بن الشاد الأمرانى وعم مولانا المنصور مولاى بو بكر بن السلطان سيدى محمد، ومولاى الكبير صنو مولانا المؤيد المنصور وغيرهم. مؤلفاته: له شرح على نظم المولى عبد الحفيظ السلطان السابق في علم القضاء الموسوم بالياقوتة في جزأين وكان يستعين في تأليفه ببعض نجباء الطلبة المكناسيين وغيرهم، وعهدى بهذا الشرح في الخزانة الحفيظية، وشرح على مولد شيخنا ابن جعفر الكتانى إلا أنه لم يكمل، وقد لعبت به بعد موته أيدى التلف والتأليف في الجهاد إلا أنه أصبح في خبر كان. وفاته: توفى رحمه الله يوم الاثنين في آخر يوم من شعبان عام ستة وثلاثين وثلاثمائة وألف، ودفن بضريح سيدى بوطيب. لطيفة: من عجيب الاتفاق أنه في ذلك اليوم عزل قاض وولى قاض ومات قاض والكل بمدينة مكناس فالمعزول هو شيخنا ابن عبد السلام الطاهرى، والمتولى هو القاضى أبو العباس عواد السلاوى نظرًا لكونه أسلم مباشرة الأعمال في ذلك اليوم وإن كان حلوله بمكناسة كان يوم الأحد، والمتوفى هو المترجم باعتبار تقدم قضائه بفاس. * * *

118 - الجيلانى بن الهاشمى بن محمد بن الجيلانى بن محمد -فتحا-

(حرف الجيم) * * * 118 - الجيلانى بن الهاشمى بن محمد بن الجيلانى بن محمد -فتحا- بن محمد بن الشيخ سيدى عبد الله الخياط دفين جبل زرهون. حاله: فقيه أستاذ عشرى ولى صالح، علم واضح، صاحب كرامات وعجائب، وكشوفات ومناقب. وفاته: توفى رحمه الله سنة أربع وأربعين ومائتين وألف وضريحه عليه قبة قريب من ضريح جده بجبل ررهون أسفل منه بيسير عن يمين الطالع إليه. 119 - الجيلانى بن حم البخارى المكناسى النشأة والدار. حاله: بطل شجاع عارف بالكر والفر ومكايد الحروب، ذو شيبة منورة وسمت حسن وهيبة ووقار ورياسة وكياسة وحدة زائدة وجد وحزم فقيه ماهر في فن الحساب والوقت والتعديل وأحكام النجوم والرياح والجفر والرمل والأوفاق وسر الحرف، وقد كان يدرس ذلك بمدرسة جامع الدار البيضاء من أجدال بالحضرة المكناسية. وكان خرج باهله من مكناسة زمن شبت نار الفق التي أضرمت آخر الدولة السليمانية ونزل وسط لصوص البرابر ولم يزل معهم إلى أن تم الأمر للسلطان مولاى عبد الرحمن وتمهدت له البلاد وطفئت نار الفتن البربرية واستقام الأمر، ثم رجع لمكناس بمن كان في معيته من أهله وذويه، وعرف به السلطان وبما له من المعلومات التي تفرد بإتقانها والمهارة فيها دون أبناء جنسه من معاصريه فعظم في عينيه وقابله بالترحيب والإجلال ونظمه في سلك خاصة حاشيته إلى أن أسند إليه ¬

_ 119 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب، 7/ 2660.

120 - الجيلانى المدعو القصعة البخارى المكناسى.

رياسة مشوره ولم يزل على وظيفه ذلك بقية دولة المولى عبد الرحمن وصدرا من دولة ولى عهده خلفه من بعده سيدى محمد، إلى أن رشحه لعمالة مراكش ثم رده لوظيفه رياسة المشور وتولى عاملا على الزراهنة ولا أحفظ تاريخ توليته عليهم. وبعد وفاة سيدى محمد ولاه ولده السلطان من بعده مولانا الحسن عاملا بفاس بعد قبضه على عاملها إدريس السراج وترحيله لمراكش في واقعة ابن المدنى بنيس الشهيرة، وذلك عام تسعين ومائتين وألف حسبما نشرحها بعد ثم نقله لطنجة عاملا بها عام واحد وتسعين، ولم يزل عاملا بها إلى أن نقله الله إليه، وبالجملة فقد تقلب في الوظائف العالية ما ينيف على الخمسين سنة. وفاته: توفى بطنجة عام خمسة وتسعين ومائتين وألف. 120 - الجيلانى المدعو القصعة البخارى المكناسى. حاله: كان في أول أمره شرطيا مستخدما في جملة الجيوش السلطانية مدة مديدة إلى أن جذبه الله إليه وكان مكاشفا بالمغيبات تواتر عنه ذلك على ألسنة أهل العدل والدين وغيرهم يلبس صيفا وشتاء نحو العشرين جلابة لا يفتر من إيقاد النار آناء الليل وأطراف النهار في سائر فصول السنة يخاطب كل الناس بقوله: أعز -بفتح الهمزة والعين وتفخيم الزاى تفخيما، تكاد تنقلب معه ميما. وكان يحب كل الرءوس المشوية حبا شديدا، ولما قرب أجله نقله محتسب الوقت وهو الحاج محمد ابن العربى أجانا لداره فمكث عنده ثلاثة أيام ولبى داعى مولاه. وفاته: توفى يوم الجمعة ثالث عشر قعدة الحرام عام أربعة وثلاثمائة وألف، ودفن بعد صلاة الجمعة من يومه بمحله الذى كان به قبل بروى مزيل، وكانت ¬

_ 120 - من مصادر ترجمته: اتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2789. .

121 - الجيلانى بن عزوز الرحالى من ذرية الشيخ أبى محمد رحال الكوش دفين زمران.

لجنازته رنة عظيمة لم يتخلف عنها أحد من الوجهاء والأعيان ولفيف الناس، وكان الذى تولى الصلاة عليه هو نقيب الأدراسة الفقيه سيدى المختار الشبيهى، والذى تولى وضعه في قبره هو عمنا الفقيه مولاى عبد القادر رحم الله الجميع. 121 - الجيلانى بن عزوز الرحالى من ذرية الشيخ أبى محمد رحال الكوش دفين زمران. حاله: كان رحالا جوالا بحاثا عن الصالحين وأهل المقامات والأسرار وقورا مهابا ملحوظا بعين الإجلال والإكبار عند الخاص والعام، فقيها نزيها، قدوة مرجوعا إليه في العلوم الفلكية ومتعلقاتها من تسطير الرخامات وغير ذلك، وله معرفة تامة بعلم الأسماء والأوفاق وسر الحرف وله إلمام بالنحو والفقه كثير الأذكار لا ينام الليل قط، كثير التهجد، ألوف للغرباء كثير البذل والمعروف لهم غريب الأحوال مسموع الكلمة عند رجال الدولة ذو همة عالية، ونفس آبية. أخبرنى من وثقت بخبره ممن كان يركن إليه ويسارره أنه لقيه ذات يوم خارجا من المسجد فأخرج له من تحته سبيكة ذهب وقال له: من يكون له علم بصنع هذا، كيف يطمع في أغنياء الوقت؟. ومما هو معروف بالاستقرار من حاله أنه كان مهما وجد امرأة أو رجلا يبيع رملا أو بقلا أو غير ذلك مما هو من هذا القبيل يبادر لشراء ذلك منهم بأجمعه بما يطلبونه فيه من الثمن، ولم يكن له فيه أرَب، ويقول مثل هؤلاء ما حملهم على تعاطى هذا السبب الدنى عند الناس إلا الحاجة وعلو الهمة عن السؤال فهم أولى بالصدقة من غيرهم يعنى والصدقة الخفية هى المقصودة من شراء ذلك منهم. وكان يلزم الأغنياء الإحسان إلى الضعفاء فيعطونهم وهم كارهون ولا يعصون له أمرا خصيصة خصه الله بها. ¬

_ 121 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2789.

وكان يشترى أمعاء الشاه ويطعمها الكلاب، حيث إن في كل ذى كبد رطبة صدقة، وكان يلبس الثياب الرفيعة الغالية الثمن تارة والخشن الذى لا يلبسه إلا أهل الكد والفلاحين، ويقول لمن رأى من حاله الإنكار عليه: تبدوا واخشوشنوا فإن الرفاهية لا تدوم، وهو حديث نبوى أخرجه أبو الشيخ في السنن وابن شاهين في الصحابة، والطبرانى في الكنى، وعنه أبو نعيم في المعرفة عن القعقاع بن أبى حدرد مرفوعا: "تمعددوا واخشوشنوا واحلولقوا وانتضلوا وامشوا حفاة" ورواه أبو الشيخ والطبرانى في الكبير عن عبد الله بن أبى حدرد مرفوعا وأبو الشيخ عن أبى هريرة والرامهرمزى في الأمثال عن رجل من أسلم، وأبو حفص العكبرى عن بلال بن أبى حدرد. قال الحافظ السيوطى في الجامع الكبير: الحديث مرسل لأن القعقاع لا صحبة له وفيه عبد الله بن سعيد ضعيف بمرة. انتهى. ونحوه قول السخاوى مداره على عبد الله بن سعيد، وهو ضعيف. ومن عجيب أخباره أيضا ما شافهى به الفقيه القاضى أبو العباس أحمد بن يوسف الناصرى وكان من أخص الناس به أن الفقيه السيد العباس الصريدى وكان ممن شارك المترجم في مصاهرة الباشا عبد الله بن أحمد، كان ملازما لذكر بعض الأسماء فبينما هو كذلك ذات يوم وقف جنى أمامه على بعد فأفزعه ذلك باطنا وصار هذا عمل الجنى معه في أوقات الذكر إلا أنه في كل يوم يزداد منه قربا فتحصن الصريدى منه بإدارة الكتب التي عنده بنفسه فلم تغن عنه شيئا وصار الجنى إذا قرب منه نفخ في وجهه فيسقط بعض شعر لحيته فاشتد على الصريدى الأمر في ذلك فذهب لصاحب الترجمة وشكا له ذلك فأمره أن يرجع لمحله وأن يوجه له آنية، ففعل فكتب له في الآنية وأمره بمحوها وأنه إذا حضر الجنى فليملأ فاه من مائها وليمجه أمام الجنى فلما فعل ذلك صار الجنى يضمحل قدامه إلى أن فنى بالكلية واستراح منه الصريدى المذكور.

122 - الجيلانى بن الباشا حم بن الجيلانى البخارى المكناسى الأصل والنشأة، والدار والإقبار.

مشيخته: أخذ عن تاضى مكناسة السيد العباس بن كيران، وعن السيد محمد بن الطاهر الأحبابى الفاسى بفاس، والسيد محمد الجنان الفاسى والطريقة المختارية عن أبى عبد الله محمد بن أحمد بن دح الأزمورى وغير هؤلاء وكان يلقن أورادها. الآخذون عنه: منهم السيد عبد الله الأحبابى موقت القرويين الحالى وأخوه السيد محمد الموقت سابقا بالقرويين أيضا وسيدى السعيدى المنونى الذى تولى خطة التوقيت بعده بالمسجد الأعظم من حاضرتنا المكناسية وخلق. وفاته: توفى في ربيع النبوى عام تسعة وثلاثمائة وألف ودفن بالزاوية الكنتية بمحروسة مكناس. 122 - الجيلانى بن الباشا حَمُّ بن الجيلانى البخارى المكناسى الأصل والنشأة، والدار والإقبار. حاله: فقيه نجيب دراكة، كاتب أريب لبيب، له إلمام بالفقه والنحو والتصريف والمنطق متجرد من لباس الدعوى منصف بالإنصاف لمن دونه فضلا عمن هو أعلم منه. وحل لطلب العلم بمحروسة فاس وجد واجتهد في تلقيه من فحوله العظام ثم آب لمسقط رأسه بعد تحصيله ما قسم له، ثم تولى خليفة عند ابن أخيه الباشا صالح بن بنعيسى صدر الدولة الحفيظية. مشيخته: أخذ عن شيخنا ابن عبد السلام الطاهرى وشيخنا محمد القصرى والمفضل السوسى والطاهر بوحدو، والسيد التهامى المدعو الحداد، وابن التهامى الوزانى، وقاضى فاس الحالى السيد محمد بن رشيد العراقى، وشيخنا أبى العباس ¬

_ 122 - من مصادر ترجمته: سل النصال ص 2930 في موسوعة أعلام المغرب.

[صورة] جلالة السلطان المقدس مولاى الحسن

ابن الجيلانى، وشيخنا أبى العباس بن الخياط، وشيخنا الحاج المختار بن عبد الله، وشيخنا أبى عيسى المهدى الوزانى المتوفى متم صفر عام اثنين وأربعين وثلاثمائة وألف بفاس، وغيرهم. وفاته: توفى فجأة بعد العشاء الثامن عشر من ربيع الأول عام واحد وأربعين وثلاثمائة وألف ودفن بمقبرتهم بسيدى الورزيغى. * * *

حرف الحاء

حرف الحاء * * * 123 - الحسن السلطان أبو على بن السلطان سيدى محمد بن السلطان مولاى عبد الرحمن بن السلطان مولاى هشام بن السلطان سيدى محمد بن السلطان مولاى عبد الله بن فخر السلاطين وجد عظام الملوك مولانا إسماعيل بن الشريف الحسنى الينبوعى السجلماسى. دفين مكناسة الزيتون. حاله: نشأ نشأة حسنة في حجر جده السلطان أبى زيد عبد الرحمن بن هشام وكان له بتأديبه وتهذيبه وتدريبه اهتمام واعتناء زائد، وكان يحبه محبة شديدة، ويختار لتعليمه جلة الأساتذة وفضلاء الأعلام، ولما شب وظهرت منه لجده مخايل النجابة والفلاح وجهه للقراءة ببلاد أحمر الشهيرة بأحواز مراكش، إبعادا له عن الاشتغال بالمألوفات عن تحصيل العلوم حسبما يستفاد من ظهير أصدره المولى عبد الرحمن جد المترجم لولده سيدى محمد ودونك لفظه: "الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه، عبد الرحمن بن هشام الله وليه، ولدنا الأبر الأرضى، سيدى محمد أصلحك الله ورضى عنك وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد: فإن الطالب محمد ابن عبد الواحد بن سودة طلب التوجه لصلة رحمه فأذنا له في ذلك فادفع له خمسين مثقالا من زكاة أهل فاس، وذكر أنه يقيم بداره هذه الأشهر الثلاثة حتى يصوم رمضان ويعيد بها، فإذا مضت أيام العيد فوجهه والسلام في 24 جمادى الأخيرة عام 1272. ومنه فإن سيدى حسن أصلحه الله أراد القراءة ولم نجد له فقيها فقد عرضنا ذلك على كل من هنا من طلبة مراكش فلم يرد أحد الذهاب لأحمر، وكتبنا لك

بذلك فلعلك لم تجد من يقبل ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإنه ظهرت فيه قريحة ومولع بقراءة الأمهات المختصر وغيره، فلا بد انظر وابحث عسى أن تجد من يصلح لذلك مادام الغصن رطبا فإن تعلم الصغر كالنقش في الحجر صح". وذلك بعد مكثه مدة بدار خاله الوزير الصدر السيد العربى الجامعى ليكتسب اطلاعا على ما لم يطلع عليه غيره من أفراد العائلة الملوكية المقصورين على المكث بالدار العلية. ومن اعتنائه به أن ضم إليه جماعة من كبراء السن من الخدام المطلعين على سير الملوك الذين أدركوا عصرهم وأمرهم بأن يكونوا يحدثونه بما شاهدوه وحفظوه من ذلك، فكانوا يجدون منه الرغبة الحارة في الاطلاع على ما عندهم من الأنباء زيادة على ما كانت تتوق إليه همته من تحصيل العلوم الدينية والأدبية والرياضية والاجتهاد في لقاء من له مهارة في العلوم وخصوصا أرباب العلوم الرياضية. وجمع شتات المؤلفات من سائر الفنون حتى خصص جماعة وافرة من مهرة النساخين المتقنين، ولما جلس على أريكة الملك ازداد شغفه وولوعه بذلك، ولم يزل عمله مسترسلا على ذلك في عواصم المغرب مدة حياته فرفع بهذا العمل المفيد للعلم راية وأفاد المعارف خدمة جليلة. ثم لما توفى جده المذكور وبويع لوالده ازدادت عنايته به ومثابرته على تعليمه ما يستحق به أن يكون أولى بنيه بولاية عهده، إلى أن ظهرت عليه ملامح النجابة والقيام بالمأمورية فاصطفى له من أعيان نبهاء الدولة وساستها ومهرة العلماء وقاداتها وعقد له على راية من صناديد الجيش الذين حنكتهم التجارب وتدربوا على الكر والفر ووجهه لقبائل الجبال من بربر نتيفة ومن جاروهم وكان على شاكلتهم من الانحراف عن الجادة، ولعرب السهل والسراغنة وبنى مسكين لما كان حصل في نظامهم من الثلم والخلل، وذلك عام ثمانية وسبعين ومائتين وألف.

فقام بمأموريته أتم قيام وبرهن على نجدته وحسن إرادته وصدق فراسة والده فيه وأصلح ما كان اختل من النظام وبث روح الطاعة والخضوع لسطوة المخزن في قلوب تلك القبائل الشاردة، ورجع منصور الراية وهو إذ ذاك يسحب ذيول مطارف الشباب في سن يقضى عادة باستحالة ولوج ذلك الباب. ولما قرت عين والده بأوبته ظافرا مصحوبا بسوابغ الآلاء والنعم واتضح له صدق فراسته فيه أخذ يدبر في عقد راية أخرى له أوفر من الأولى تنشيطا له وإظهارًا لترقيه، واعترفا بكفاءته، فعقد له عام ثمانين ومائتين وألف على جيش بقصد تمهيد قبائل قطر سوس الأقصى، وسياسة من دنا من تلك القبائل ومن استقصى، واختار له من صالحى العمال ومخلصيهم من يصلح لرفقته ويليق بديوانه، ومن العلماء صادق اللهجة والمقال العلامة أبا الحسن على المسفيوى، والنحوى البارع لطيف المذاكرة والمنادمة والمسامرة السيد محمد بن عزوز الرباطى، واستوزر معه الفقيه الكاتب الهين اللين المهذب السيد محمد بن دانى، ووجهه للقطر المذكور فتوجه والعناية تقدمه، والسعادة تخدمه إلى أن بلغ أقصى سوس ودوخ قبائله التي مضى عليها زمن طويل وهى معطلة من حلى طاعة الأمراء والسلاطين وأظهر من السياسة والدَّهَاء واللياقة ما سد عنه أبواب العتاب، ووحد وجهة والده إلى إيثاره بولاية عهده رغما على كل وسيلة كان يتوسل بها غيره إلى نيل تلك الولاية. وكان في حركته تلك بلغ وادى ماسة بل جاوزه ثم ثنى عنان عزمه لباقى بلاد سوس مثل هشتوكة وهوارة وراس الوادى فدوخها ومهدها، واستخلص واجب بيت المال المرتب في ذممهم. ثم ولى وجهه إلى الحضرة المراكشية ومر في طريقه على عمه المولى عبد القادر الذى كان مخيما بوادى القيهرة لاستخلاص ما توفر بذمم مزوضة ودويران وسكساوة ونتيفة ومتوكة وأولاد أبى السباع.

ولما وصل أرجاء الحضرة المراكشية أمر والده الجيوش والأعيان للخروج لملاقاته، وكان يوم دخوله من الأيام المشهودة، وكانت مدة غيبته في هذه الحركة عشرة أشهر. وبعد مقدمه بأيام قلائل نهض والده من مراكش ووجهته الديار الغربية لتفقد أحوال الرعية بها، فاستخلف المترجم بالعاصمة المراكشية فكان في ذلك إعطاء القوس باريها، وأبان صاحب الترجمة في ولايته عن كفاءته وحسن تدبيره وقيامه بالإدارة فيما أسند إليه النظر فيه من أمور النواحى الحورية، وربما كان يقابله بالشدة في موضع اللين والإعراض في محل الإقبال، إيقاظا له وإنهاضا لهمته وعروجا به عن الوقوف دون ما يراد به، وربما كان يعاتبه أشد عتاب ولسان حاله يقول: أدعو عليك وقلبى ... يقول يارب لا لا وكان عامل حاجة ولد أبهى ظهر له من السلطان سيدى محمد قبول وإقبال حمله على التصريح بأنه المعتمد في تلك الجهات الحوزية، وأنه لا دخول له تحت ولاية وخلافة المترجم، فكان من قدر الله أن قامت عليه إيالته، ومدت يد النهب والتخريب إلى داره حتى اضطر إلى الاستنجاد بصاحب الترجمة فأنجده حتى أفلت، وقدم على السلطان سيدى محمد لفاس وجعل يلوح إلى أن ما حل به هو بتدبير المترجم، فلم يلق السلطان إليه بالا لتمكن مكانة ولده لديه، بل وجه العامل المذكور مستخدما في حنطة أصحاب الفراش المعينين لصاحب الترجمة. وكان باشا مراكش القائد أحمد بن داود يستشعر من الأثرة والثقة لدى السلطان ما أداه إلى عدم المبالاة بالخليفة المترجم، فقضى الله عليه، أن خرج عنه أهل مراكش وهمّوا بقتله ونهب داره، ونصبوا أحد أولاد ابن عامر بمحله فقام المترجم بنصرته والذب عن نفسه وداره.

فكتب ابن داود إلى السلطان بما يفتضى إغراء صاحب الترجمة لأهل مراكش على ما فعلوه فقابل وشايته بالرد وفند زعمه وبرأ ساحة ولده المترجم من تلك الوصمة، ونهض من فاس إلى مراكش مصممًا على تأديب أهل مراكش وأخذ ثأر العامل منهم، ولما حل بمراكش عزم على تنفيذ ما هم به لهم فوقعت الشفاعة فيهم فقبلها على استثناء أفراد ممن قاموا بتلك الثورة. وبعد مدة يسيرة أنهض ولده المترجم للحركة إلى البلاد السوسية ليستوفى ما وظف على أهلها من الأموال، واستوزر له الفقيه أبا عبد الله محمد المفضل غريط الذى صار صدرًا أعظم في الدولة العزيزية. ثم في السادس والعشرين من ذى الحجة عام ثلاثة وثمانين ومائتين وألف عقد له راية متسعة الأكناف ووجهه لبلاد تادلة وجوارها من قبيلة الشاوية، ووالده إذ ذاك مقيم بالديار الغربية. ولما دوخ المترجم تلك النواحى وساسها وأسس نظامها وحسن أحوالها، أوقع القبض على القائد أحمد الفكاك أحد قواد الشاوية وخليفته أخيه زويويل لسوء سيرته واضطراب أمره واختلاطه، وولى مكانه القائد محمد بن العربى المعروفى، ولم يزل مقيما بدار الفكاك المذكور حتى لحق به والده السلطان بها، ثم نهضا معا وكل بمحلته إلى أن وصلا للحضرة المراكشية وذلك بعد استقامة كل معوج من الرعية في تلك الطريق، وصلحت الأحوال واستخلص الواجب المعين كما يجب. ولما جاوز الركاب السلطانى بلاد تادلا بدا له أن يولى عمالة مراكش خديمه الطالب أحمد بن داود فوجه له عقد ولايته قبل وصوله لتلك الحاضرة، وذلك بإشارة من حاجبه الناصح الضابط أبى عمران موسى بن أحمد، ورفيقه أبى محمد عبد السلام البقالى.

ولما حل السلطان بعاصمة مراكش وفرغ من مقابلة وفود التهنئة بسلامة القدوم، وانسلخ شهر رمضان، وانتهت حفلة إقامة سنة عيد الفطر، أمر جميع الواردين عَلَى عَلِى جنابه من العمال والقبائل وأعيان الرعية بالإقامة لحضور وليمة عرس فلذة كبده وقرة عينه وخليفته ولده المترجم، ثم أقام لذلك أفراحا وولائم أفيضت فيها أنواع الإكرام الضافية على سائر الطبقات، ووسع فيها على الأرامل والأيتام والضعفاء. وكان ابتداء الشروع في تلك الأفراح في واحد وعشرين من شوال عام أربعة وثمانين ومائتين وألف، وتفيأ بظلالها الظليلة جمع غفير من الأشراف والموالى، واندمجت أعراسهم في سلك متسع أكنافها، وزينت لاتخاذ تلك الولائم حدائق أجدال، وزينت بساتينه وفرشت بالزرابى المبثوثة، والنمارق المصفوفة، وأبيحت للدخول، فأتى الناس إليها أفواجا، ورتبت المراتب في الجلوس، وانضاف كل جنس إلى جنسه وامتدت أفراح تلك الوليمة سبعة أيام بلياليها. ثم في الخامس عشر من ربيع النبوى سنة تسع وثمانين ومائتين وألف عقد له والده على راية أخرى، وأمره بالتوجه لناحية قبائل تادلا والشاوية فنهض في اليوم المذكور وسار إلى أن خيم بالمحل المشهور بصخرة الدجاجة وأقام ثم نحوا من ستة أشهر. وبعد استيفاء الغرض المقصود من تلك المأمورية وتوطيد الأمن وحسم مادة البغى والعدوان بتلك الجهات، أمره والده بالنهوض واللحوق به بالمحل المعروف بطالع كرماط، ولما لحقت جنوده بجنود والده وقص عليه جميع ما راج في رحلته المذكورة سُرّ واستبشر، ودعا له بمزيد التوفيق والتسديد، وأمره بالتوجه للحضره المراكشية فسمع وأطاع، ونهض والسعادة تقدمه. واقتفى أثره والده فصار كلما رحل المترجم من محل نزل به والده إلى أن

نزل الجيشان على رأس الغابة بين قبائل زعير وأولاد محمد من الشاوية، ثم نهضا إلى المحل المعروف بالكيسان، ثم إلى محل تخييم المترجم أولا، وذلك ما قدمنا من تقدم المترجم في جنوده أمام والده. وفى يوم الجمعة ثالث جمادى الثانية من العام ثارت فتنة بين أهل مراكش وعاملهم أبى العباس بن داود المذكور، بسبب مد أصحابه يد العداء في بعض الخرازين، فقام الدباغون في وجه الشرطيين وكثر الهرج والمرج، واتقدت نيران الفتن بينهما واجتمع الغوغاء ومن في قلبه مرض من طاعة المخزن وانضم إلى صعاليك الدباغين، واجتمع الأعيان والعلماء وأهل المروءة والفضل للمفاوضة في كيفية التوصل لتسكين الهيعة وتطمين البلاد، وتخيروا وجه الخلاص ثم توجهوا بأجمعهم لأبواب القصور السلطانية لاستشارة من بالمنشية من العمال والخلائف لغيبة السلطان وخليفته المترجم، فاتفق رأيهم بعد أخْذِ وَرَدّ على أن تلك الفتنة لا تنحسم مادتها إلا بإلزام العامل المكث بقعر بيته وعدم العود للمداخلة في شئ من الأشياء إلى أن يقدم السلطان. ولما اتصل هذا الخبر بالأمير ساءه وأسره في نفسه وتمادى على ما هو بصدده من رتق ما انفتق من أمور الرعية وتأديب من يستحق التأديب ممن عتا وسعى في الأرض الفساد مثل بنى محمد وبنى زمور. ولما مهد البلاد، وكسر شوكة أهل العناد، نهضت المحلتان لدار ولد الراضى ثم للوادى المعروف بالزم ثم لعين القصب بابى جعد وخيمتا هنالك نحوا من خمسة عشر يوما، ثم رحلتا لقصبة تادلة بآيت الربع ثم للزيدانية ثم لبنى موسى ثم لوادى داى ثم دار بوزكرى العميرى فدار القائد الغزوانى ببنى موسى ثم لوادى العبيد فالدشرة فتاستاوت فالقاطر قرب أولاد محمد الصغير بالسراغنة فتملالت فزواية ابن ساسى بشاطئى وادى تنسيفت، وذلك يوم السبت متم شعبان العام

وهنالك خرج أهل مراكش بأشرافهم وأهل رواياهم وطوائفهم وصبيانهم بألواحهم متشفعين، وفى العفو عما أجرموه راغبين وتفرق الباقون من أهل مراكش في الحدائق والجنات المكتنفة بنهج مرور السلطان للمطارحة على وجه الصعيد أمامه طلبا لعفوه ورضاه. ثم إن بعض الأوباش ومن لا خلاق له تعرض للعامل المذكور وشهروا السلاح في وجهه ومنعوه من الخروج للقى السلطان، فاتصل بالسلطان ذلك الخبر فثار غضبه وتحفز للوثبة عليهم وأمر بالاستعداد لذلك، فلجأ القوم بأخبية العلامة مولاى العباس ليتدارك الأمر قبل إنتاجه، فانشال عن صهوة فرسه وقبل الأرض أمامه ولم يزل يستعطفه إلى أن سكن غضبه وعفا وصفح وسامح. ثم في ثامن عشر ربيع النبوى عام تسعين ومائتين وألف عقد لصاحب الترجمة على جيش عرمرم أكبر من الجيوش والرايات التي قبله، ووجهه لقبائل حاحة لرتق ما فتقوا وجمع ما فرقوا لهجومهم على عاملهم وهمهم بالإيقاع به حتى خلص ناجيا بنفسه وعياله، وهو إذ ذاك القائد محمد ولد الحاج عبد الله أبهى، وبقيت القبيلة المذكورة فوضى لا رئيس لها، ولم يزل المترجم يعالج أمرهم طبق ما تقتضيه الظروف من شدة ولين إلى أن انقادوا كلهم ودخلوا في سلك الطاعة أفواجا، كذا في البستان الجامع لكل نوع حسن. ثم إن السلطان عراه انحراف في مزاجه إلا أنه لم يمنعه من التحرك ومباشرة الأشغال، ثم إنه تناول أكل شئ من التين الرطب ولبن النوق فألم به بسبب ذلك ألم حاد، ألجأه إلى استعمال المسهل فلم ينجع، فكرره فأصابه خفقان مترادف وكان ذلك يوم الاثنين خامس عشر رجب عام تسعين، وبقى الألم بحاله ولكنه لم يمنعه عن الخروج ومباشرة الأشغال بنفسه، ولما كان زوال يوم الخميس دخل للغرفة المعدة للآلات التوقيتية فختمت بها أنفاسه.

بيعته وحوادث سنة 1290

ولما أنذر بذلك حاجبه موسى بن أحمد دخل عليه، ولما تيقن موته خرج كئيبا حزينا واستحضر أخاه العلاف الكبير السيد عبد الله بن أحمد، وخليفته السيد محمد الجامعى، والوزير الصدر إدريس بو عشرين، والسيد عبد السلام البقالى وأخبرهم بوفاة السلطان. فوقع اتفاقهم على جمع الكبراء والأعيان من الشرفاء والقواد للمذاكرة في مبايعة من يقوم بأمر المسلمين. ولما اجتمعت جموعهم بادر عامل الرحامنة المكين المكانة لدى السلطان المتوفى والمسمى عنده بشيخ العمال والمستشار لديه في مهمات الأمور، فصرح بمبايعة المترجم، وقال مسمعا لما استروح الخلاف: أنا أنصره على سكينى، ثم قام بعده عم المترجم وصهره العلامة مولانا العباس بن عبد الرحمن، وأبو عبد الله الجامعى المذكور مصرحين بما صرح به العامل المذكور، فلم يبق محل للنزاع وانعقدت البيعة لصاحب الترجمة وكان الذى تولى كتابتها أولا بخطه مولانا العباس المذكور ثم وضع من حضر من العلماء شهادتهم بذلك وشهد العدول على غيرهم وأدَّوا شهادتهم بذلك لدى القاضى. ثم كتب للمترجم عمه مولانا العباس المذكور وكذا المذكورون معه بوفاة والده، وانعقاد البيعة له، كما كتب له بذلك بقية الرؤساء معزين ومهنئين ومستقدمين له، وقفت على جواب صاحب الترجمة لعمه المولى العباس عما ذكر ودونك لفظه: "الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله، عمنا الأعز الأجل الأفضل مولانا العباس حفظ الله مجادة عمنا وسلام عليه ورحمة الله. وبعد: وافانا كتاب عمنا معزيا لنا في سيدنا الوالد رحمه الله، ومنبئا بما حل بعمنا من فراقه وفقده فوالله لقد عظم علينا المصاب وجرعنا الرزء أمرّ من العلقم

[صورة] كتاب السلطان مولاى الحسن لعمه مولاى العباس

والصاب، حتى بكينا نارًا ودما، وتمنينا مكان وجودنا عدما وأظلمت علينا الدنيا، فصرنا حيارى لا نميز العدوة القصوى من الدنيا، وفى سبيل الله، وإنا لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ونسأل الله العظيم، البر الكريم أن يحفظنا في عمنا ويجازيه عنا وعن المسلمين عن وقوفه وذبه وحمايته، وحسن قيامه ومدافعته، وعدم تقصيره قولا وفعلا ومداهنته ومصانعته فوق ما كنا نظن بعمنا بدرجات، ولقد والله كنا نعرف هذا قبل في عمنا ونتلمحه، لكن ليس كاليوم، وما راءٍ كمن سمع، فمن حق اليقين إلى عين اليقين. ومن أعظم نعم الله علينا ومننه لدينا وجودك في ذلك المقام وهو والله من عجيب صنع الله، ومن أسباب السعادة بفضل الله، وهذا كله إنما ذكرناه لكى يعلم مولانا العم بلوغه إلينا، وإلا فلا منة، لأننا ذات واحدة، ونفس متحدة من ولاه الله منا يغطى الجميع بكنفه ولا يفوت سواه إلا بحمل الكلفة والكل، وسيدنا العم والحمد لله صنو لا يخفى على من تأمل. والحاصل أن الفقيه السيد موسى وأخاه الحاج عبد الله قد شرحوا لنا ذلك وبينوه بيانا لا مزيد عليه، بحيث لو تصدينا لاستيعابه لما وسعه هذا الكتاب ولا مثله معه، وحيث تجتمع بحول الله نطالعك به وليدع عمنا معنا في كل لحظة ولا يقصر في كل شئ شئ مما يعرض أو يعن أو يقتضيه المقام، فأنت بصيرتنا، شد الله بك أزرنا، وشيد بك أمرنا، وأبقاك لنا وحفظنا فيك، فأى رجل مثلك لنا هيهات هيهات، ونسلم على أعمامنا كلهم مولاى عمر، ومولاى على حفظهم الله، ونُبْ عنا في تعزيتهم وتصبيرهم عوضا منا، ففيك حفظك الله تمام الكفاية وعلى الأخوة والسلام في 24 رجب عام 1290 حسن أمير المؤمنين".

وأدبا مع عمه المجاب وتنازلا لمقام عمومته لم يضع علامته باعلى الكتاب، وإنما وضعها أسفل، وزاد في مواضع من الكتاب بخطه لفظ مولاى ومولانا. وقد جزع المترجم جزعا شديدا لما بلغه نعى والده، ولما اتصلت به المكاتب الحاملة لذلك النبإ المحزن أحضر وزيره إذ ذاك أبا عبد الله غريط، وأطلعه على تلك المكاتب، ثم أحضر قائد مشوره إدريس بن العلام، وأمره بجمع كبراء المحلة وقوادها، وأمر الوزير بقراءتها عليهم، ولما قرئت عليهم أسفوا لموت السلطان الفقيد، وابتهجوا بنصر المترجم وأعلنوا ببيعته وأطلقت بالمحلة الطلقات المدفعية. ونهض المبايع له إلى مراكش، ولما شارفها وجد الوزراء والرؤساء والقواد والأعيان والجيوش المخزنية مستقبلين جنابه الشريف بالآلة الملوكية والخصائص السلطانية والشارة الحسنة، فدخل مراكش صبيحة يوم السبت سابع عشرى رجب واستقر على عرش ملكه، ووردت عليه الوفود والبيعات من كل ناحية. وفى ثانى شعبان بويع المترجم بطنجة ونواحيها ووجهت المكاتب لتطوان معلمين لهم بوقوع البيعة والأمر بالدخول في زمرة إخوانهم المسلمين حسبما وقفت على التصريح بذلك في كتاب من الحاج محمد بركاش، لموسى بن أحمد الحاجب السلطانى. وفى يوم الأحد ثامن عشرى رجب تحقق بفاس خبر وفاة السلطان سيدى محمد والبيعة لنجله وخليفته صاحب الترجمة، فاجتمع العلماء والأشراف والوجهاء والأعيان وعامل البلد السيد إدريس بن عبد القادر السراج، بين العشاءين بدار عديل الشهيرة بحومة الأمعادى، واعلنوا بنصر المترجم. ونودى بذلك بالأسواق والطرقات والحومات وبالاجتماع ضحوة غده الذى هو يوم الاثنين بمسجد أبى الجنود لكتب البيعة به وفق العادة المقررة في ذلك، ولما

أصبح الصباح هرع الناس للمسجد المذكور فرادى وأزواجا، ولم يتخلف أحد من أهل الحل والعقد وأولى العصبة، وأتى الخليفة السلطانى صنو المترجم مولاى إسماعيل للمسجد المذكور وفى معيته أعيان الجند وذوو الوجاهة ممن بفاس الجديد على اختلاف الطبقات. ثم فتحت مقصورة المسجد للخليفة والقاضى وأعيان العلماء والعدول وصاروا يدعون طوائف الناس لوضع خطوطهم بالموافقة على البيعة للمترجم طائفة بعد طائفة، الأشراف أولا، ثم العلماء، ثم الأعيان، ثم القواد والرؤساء، ووقع الإشهاد على الجميع بالبيعة للمترجم على المنشط والمكره والسمع والطاعة. وكان أول من وقع الإشهاد عليه بذلك الخليفة المذكور، ثم الفقيه العلامة مولاى إدريس بن عبد الهادى، ثم عم المترجم مولانا عبد القادر. وفى يوم الأربعاء مهل شعبان وردت جميع القبائل المجاورة لفاس التابعة له وأدوا بيعتهم كما يجب، ووقع الإشهاد عليهم وطير الإعلام لصاحب الترجمة، ووجهت له المكاتب بذلك. وبويع له بمكناس ونواحيه ووجهت لحضرته السلطانية كتب البيعات وقصائد التهانى. فمن ذلك قصيدة تهنئة وتعزية للفقيه الأديب السيد العربى بن على المشرفى الفاسى وهى: ضحكنا سرورا بعد ما عمنا الحزن ... وخفنا وعن قرب تداركنا أمن سرور وحزن دفعة قد تواردا ... كصيحة رعد بعدها قد هما مزن نرد هجوم الروع والقلب فارح ... كمن يتدلى بالثمار له غصن مزجنا بماء الأنس خمرة حزننا ... وأتلفها الساقى فليس لها عين لئن فل سيف الحق قد سل بعده ... حسام رقاب الجاحدين له جفن

وإن غاب نجم لاح في الأفق بعده ... ببرج سعيد نجم سعد به يمن وإن حل تحت الترب عنتر حربنا ... فذا شبله من دأبه الضرب والطعن لقد كاد ليل الحزن ينشر جنحه ... علينا ولكن ما استقام له كون بكينا ولكن ما استتم بكاؤنا ... إلى أن ضحكنا ليس بينهما بون فما هو إلا أن عبسنا وجاءنا ... بشير له بشر فقرت به العين أنخشى وفينا من نؤم خليفة ... هو الحسن المرضى والنجل والابن إذا خر ركن الملك فهو يعيده ... ويحميه حتى لا يطوف به وهن تعز أمولانا الإمام كذا القضا ... يسر ويبكى لا يدوم له شأن وأنت بحمد الله مالك ملكنا ... ومن ربنا لا شك يصحبك العون ولا زلت في نصر وعز عناية ... تصوغ مزايا ما وعت مثلها أذن وخذ من نفيس الدر عقدا منضدا ... على شعراء الوقت يبقى به دين وقول العدل الرضى العلامة السيد الطاهر بوحدو المكناسى ودونك لفظها: سعد الزمان وساعدت ... أيامه فلك البشائر والجيد منه قد تحـ ... ـلى بالعقود من المفاخر ظهرت بواهر من حسا ... ن بالعقود من الجواهر وتبسمت منه الثنا ... يا فأذهبت كرب الخواطر وأريض روض قام في ... أغصانه ميمون طائر فالعجب من ورق صغت ... لخطيب ورق في المنابر فتمايلت طربا لوعـ ... ـد صح نقلا في الدفاتر

بطلوع شمس المجد في ... أفق العود إلى النواظر يهدى سناها في سما ... ء سنائها من كان حائر حسنينا (الحسن) الحلا ... المحسن السير المآثر فإلى مسماه الإشا ... رة باسمه (الحسن) المظاهر ملك تملك من سياسـ ... ته الممالك والحرائر وعنت له منها وجو ... هـ بالبواطن والظواهر لجلاله دانت رقا ... ب الخلق وهى له صواغر وعلى محبته انطوت ... منها مضامر الضمائر نجل الملوك المالكيـ ... ـــن أرمة المجد الأكابر ما منهم ملك مضى ... إلا أتى ملك يفاخر بحر الندى والعلم ها ... آثاره كحل البصائر طود منيف سيد ... ملك عزيز النفس طاهر في وجهه نور الهدى ... وبكفه نور الأزاهر سامى الذرى حامى الورى ... من كل سوء بل وضائر تخشى لسطوته أسو ... د الغاب بالبيض البواتر للوائه نشر تضـ ... ــمن في الوغى نصر العساكر من كفه هامى الموا ... هب وَاكِف مثل المواطر وهاب طلاب الحبا ... ما ليس يخطر بالخواطر ما حاتم جودا على ... إسداء نائله بقادر

من رام طاعة ربه ... فركن طاعته يبادر فهو للإله خليفة ... في أرضه قطب الدوائر والطرق منه أمنت ... من طارق فيها وثائر ومجدد للدين يبـ ... ـــدو في البوادى والحواضر ابن الرسول المجتبى ... خير الأوائل والأواخر فبجاهه صلى عليـ ... ــه الله والآل الطواهر خلد له نصرا عزيـ ... ــــزا ظاهرا يا خير ناصر وأدم علاه لآمل ... فيئول بالمأمول ظافر وقول أبي عبد الله محمد بن المعطى المزطارى المكناسى خبرت بنصركم النجوم الطلع ... وعنت لمجدكم الجهات الأربع واستبشرت هذى الديار بنصركم ... وجرت بعرف جمالكم تتضوع وأمدكم رب العلا بفضيلة ... ملأ البسيطة نورها المتشعشع وعليكم فتح مبين ناشر ... رايات عز ما حواها تبع إن كنت في الهيجا فأنت غضنفر ... أسد تذل له الملوك وتخضع تروى رماحك من نحور عداكم ... فترى القناة مع الأسنة تلمع وترى الخيول كما اشتهاه في الوغى ... هذا يجئ بذا وهذا يصرع فالعز في نصب الخيام عليهم ... والنصر يأتى وجهه لك يسطع يا أيها البطل الذى لبس التقى ... درعا يدوم لباسها لا يخلع يا نبعة الشرف الذى بهر الورى ... عدلا وذاك غريزة لا تصنع

يا ابن الأعزة يا خلاصة هاشم ... يا درة الحسب الذى هو أرفع يا ابن الملوك الطاهرين وحرزهم ... وسلالة المجد الذى لا يدفع يا ابن الرسول وموضع الكرم الذى ... وسع الأنام فبذله لا يقطع إن قيل من ساد الملوك برفعة ... فإليك يا حسن تشير الإصبع أخليفة الله المتوج بالرضا ... يهنيك نصر بالسعادة يشفع ألفت سجاياك المروءة والندى ... وحلا لبانهما بثدى يرضع نظمت جواهر عقد فخركم على ... نحر الصدور وحقكم لا تنزع يا مالكا متبسما لسؤاله ... يقرى نوالا عاجلا لا يمنع يغشاكم نور النبى فجبينكم ... من حسن نور محمد يتضلع لم لا وقد ظهرت مخايل فضلكم ... ونشأت في أمر المهيمن تسرع وأخذت في كل العلوم مجاهدا ... بعزيمة ما مثلها يتوقع حتى وصلت وكنت فيها مقدما ... علم الحديث من جنابك يسمع وحويت من غر اللغات أجلها ... علم القريض زمامه لك أطوع هيهات فضل الله عمكم فلا ... أحد يساويكم بذا أو يطمع لكم المزايا والمواهب جملة ... وإليكم أمر الخليفة يرجع خذها أمير المؤمنين خريدة ... تختال في حلل الجمال وترتع وإليكها يا خير من حاز العلا ... كالروض يسقيه السحاب فيربع أمسيت مسرورا وهأنا ناشر ... خبرت بنصركم النجوم الطلع إلى غير هذا مما لو تتبعناه لجاء في مجلد.

كيف كان تأهبه للحركة

ثم لما تم أمر البيعة واطمأنت النفوس بطلعته، تاقت همته الأبية إلى التجول في أقطار البلاد والنظر في أحوال الرعية وتوطيد الأمن وقطع جرثومة البغى والتمرد، نهض من مراكش يوم الاثنين رابع رمضان وكانت مدة مقامه بها شهراً واحدًا وستة أيام، ووالى الأسفار لهذا المقصد الحميد بنجدة وجدة وحزم وعزم، ولم يزل يوالى الحركات والتجول بتوالى السنين والأعوام منذ جلس على أريكة ملك أبيه وأجداده إلى أن قبضه الله إليه. وكان إذا أراد الشروع في التأهب للنهوض للحركة يصدر أمره أولا للأمين بالشروع في صنع الخزائن والراويات والبراع ثم لأَمِينَىْ مستفاد آزمور الدار البيضاء بتوجيه العدد اللازم من قروش المجال وقدره ألف وخمسائة قرش، ومثل ذلك من الشواريات، ثم لعمال الديارة بتوجيه ألف تليس، وأخذ ما لجانب المخزن تحت يد القبائل من الخيل والبغال والإبل وبيان ما يقع عليه توقف من الأنواع الثلاثة للتفريق فيقسط على أولئك العمال، ويؤمر كل منهم بتوجيه ما قسط عليه في التاريخ الذى يعين لهم بعد تعويض الضائع، وإبدال الراك ثم للعمال كافة بالتأهب للحركة والكون على بال من النهوض مهما أمروا به. ثم يخرج أفراك وتضرب به الأخبية السلطانية، ثم يؤمر عمال الحوز بالقدوم للحركة للربط بالمحل الذى يعين لهم، وبعد ذلك يؤمر عمال الحور بالقدوم للحركة للربط مع أفراك، حيث يقرب نهوض الجناب السلطانى ثم يؤمر كبراء الأحناطى بالإتيان بتقاييد ما يخصهم من ضروريات عملهم وشغلهم فتدفع تلك التقاييد لأمين الصائر، ويؤمر بقضاء جميع ما فيها، ودفع ما لكل حنطة لكبيرها، ثم تكتب المكاتب بتيسير المئونة للمحلة في الطريق التي يكون المرور عليها، ثم يؤمر أمناء مرسى العدوتين باشتراء عدد من التبن والشعير ووضعهما تحت يدهم بقصد دواب المحلة.

ويؤمر محتسب الرباط بالشروع في طحن عدد من القمح وادخاره تحت يده، فإن احتيج إليه وجد ميسرًا، وإن كان للجناب السلطانى غرض في قبيلة من القبائل التي يكون المرور عليها أو معهم كلام في واجب ونحوه، فتتقدم إليها سرية من الجند والعسكر وبعض القبائل صحبة أحد من أصناء المترجم في محلة للشروع في مباشرة الغرض المولوى معهم، وإن كان الكلام بموضعين فتتقدم إليهما محلتان وحيث يصل إليهم صاحب الترجمة بجنوده الجرارة فتكون تلك المحلة تتقدم أمامه بمرحلة أو مرحلتين كالطالعة للجنود المولوية المنصورة، وغالبا يرشح أبو عبد الله محمد الأمرانى للغرب، بقصد تفقد أحوال البرابر أولا، ثم تجتمع عليه قبائل الغرب بحركتهم وينهض معهم للتخييم بالرباط إلى أن يؤمروا بما يقتضيه النظر السلطانى السديد من تقدم لملاقاته، أو مكث بمحلهم حتى يصل إليهم ركابه الشريف. هكذا كان نظام سائر حركاته ودونكها على الترتيب حسبما بكناشتى ميقاتييه الشهيرين المهندس الميقاتى الكبير أبي العباس أحمد بن الشادلى البخارى المكناسى، وأبى عبد الله محمد بن بو سلهام الخلطى الأصل المكناسى النشأة والدار والإقبار اللذين كانا يرافقانه في أسفاره كلها، ويتقدمان أمامه لضبط المراحل وتقدير مدة السير في كل مرحلة بغاية التحقيق والتدقيق بالسوائع والدقائق، ومن خطيهما نقلت جل ما أُثبته في هذا الموضوع، لأنهما أضبط من غيرهما وأتقن لمباشرتهما ذلك بأنفسهما ومشاهدتهما له بأعينهما، وما راءٍ كمن سمع، ولذلك ترانى ربما خالفت ما جاء في الاستقصا. الحركة الأولى من مراكش إلى فاس عام 1290: كان نهوضه من مراكش يوم الاثنين رابع رمضان عام 1290، ولما عزم على النهوض استخلف أخاه الأنجد المولى عثمان وعضده بباشا قصبة المنشية من الحضرة المراكشية أحمد بن مالك السوسى وباشا المدينة محمد بن داود المراكشى.

ولما أوقع الرحيل كتب لعامل فاس أبي العلاء إدريس السراج معلما له بمبارحة الأسمى الحضرة المراكشية، ومبينا مراحل الطريق التي رام المرور عليها، ودونك لفظه بعد الحمدلة والصلاة والطابع الكريم: "خديمنا الأرضى الطالب إدريس السراج، أعانك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد: فإنا قد كنا قفلنا من حركتنا السعيدة بحاحا وحللنا هذه الحضرة المراكشية المحروسة بالله حلول يمن وظفر وسعادة، كان المراد إذ ذاك أن ننهض في محلتنا المنصورة وجيوشنا الموفورة لناحية الغرب من غير مهلة، ثم اقتضت المصلحة المكث في هذه الحضرة أياما لترتيب أمورها، وإصلاح شئونها، وتسكين قبائلها، واستقرار كل أمر في مركزه حتى يبقى جميع ذلك على أحسن ما يراد وينبغى بحول الله، وقد يسر الله جميع ما نويناه ورتبنا جميع ما ذكر بحمد الله، وعلى قواعد الجد والحزم بحمد الله بنيناه، ووجهنا حينئذ بعون الله الوجهة لناحية الغرب، ونهضنا بحول الله ومنته. وطوله وقوته. يوم تاريخه معتمدين على ما دعونا الله من تيسيره وتأييده. ونصره وتسديده. وخيمنا بمحلتنا السعيدة بزاوية ابن ساسى والأحوال بحمد الله صالحة. ونعم الله غادية ورائحة. ونيتنا إن شاء الله المرور على الطريق التي ورد عليها سيدنا الوالد قدسه الله هذه المرة الأخيرة على طريق تادلا، ومنها لورديغة، ثم بنى زمور، ثم السماعلة، ومنها لزعير ومنها بحول الله لزمور، ومنها لمكناس إن شاء الله بحوله وقوته، وأعلمناكم لتشكروا نعمة المولى. وتشاركوا في حمده جل وعلا. على ما أسدى وأولى. وهو المسئول بنبيه - صلى الله عليه وسلم - ومجد وعظم. أن ييسر جميع الأمور. في الورود والصدور. آمين والسلام في رابع رمضان المعظم عام تسعين ومائتين وألف".

قضية ابن المدني بنيس

ثم بدا له لما بارح مراكش المرور على غير الطريق التي عين في هذا المسطور الفخيم لأمور، منها: أن الزمان كان زمن برد وشتاء يصعب بسبب ذلك سلوك ذلك السبيل مع قلة التبن والشعير لعلف الدواب في ذلك الإبان (¬1) بتلك القبائل. ومنها تطارح عمال الشاوية وأعيانهم على أعتابه الطاهرة، راغبين في مرور جنابه الشريف ببلادهم لأمور سياسية ومصالح عامة النفع. ومنها: طلب القائد الغزوانى الموسوى عدم مرور الركاب العالى ببلادهم لكونه رجا إصلاح إخوانه الذين خرجوا عليه بحسن السياسة ومرور المحلة ببلادهم تروعهم وتشردهم وتنفرهم، فتبطل طريق السياسة التي سلك معهم ويحتاج الأمر إلى إرغامهم للرجوع للجادة وذلك يؤدى إلى ضياع أموال ونفوس، فرأى أن المصلحة في إسعاف رغبة الجميع وجبر خواطرهم، حسبما وقفت على ذلك كله في ظهير مولوى أصدره المترجم للسراج المذكور بتاريخ 14 رمضان المذكور، فسار من مراكش لقبيلة السراغنة، ثم البروج، ثم كيسر من بلاد تامسنا، وهنالك اتصل به خبر ثورة الغوغاء من أجلاف رعاع أهل فاس الدباغين على أمين المستفاد بها أبي عبد الله محمد بن المدنى بنيس ونهبهم لداره وأمتعته وهمهم بقتله لولا أن الله عصمه منهم بالاختفاء عنهم في الحمام. وذلك أنه لما تقررت بيعة المترجم بعاصمة فاس أُزيلت المكوس التي كانت موظفة على الأبواب والأسواق، ومن جملتها ما كان يؤدى إلى بيع الجلد، وكان الأمين المفوض في ذلك هو أبو عبد الله بنيس المذكور، وكانت له عند السلطان والد المترجم يَدٌ ومكانة مكينة لما اتصف به من رجحان العقل والإصابة في الرأى وعدم التداخل فيما لا يعنيه. ¬

_ (¬1) إيّان الشئ: أوانه.

ثم في يوم الجمعة ثالث شعبان اجتمع بنيس الأمين ببعض من كان مرشحا لقبض الوجيبة المتحصلة من فندق بيع الجلد، وكان من أهل النسبة الطاهرة، فأظهر له الضعف وشدة الفاقة، واقترح عليه ترجيع المكس على سوق الجلد ليستعين بما كان يستفيده من الأجرة على ذلك، وأكثر الإلحاح وشدة الاضطرار، فرق له بنيس وواعده بالرجوع لذلك المحل في العاجل القريب. ثم بعد مفارقة الشريف له استشار بنيس بعض أصدقائه وهو الشريف المفضال سيدى الفاطمى الإدريسى، وكان ذا إصابة في الرأى فحذره وأنذره وأشار عليه بإرجاء الطالب الملح إلى مقدم صاحب الترجمة، ولا تحدث نفسك بالإقدام على شئ ولو قل، فإن عاقبته محققة الضرر. فتحقق صدق مقال المستشار وصمم على أن لا يفعل هذا، والطالب لم يزل مُجدًّا في الطلب مكثرًا في الإلحاح والترداد إلى أن واعده وعدًا غير مخلف، ونبذ التحذير والإنذار وراءه ظهريا {... لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ... (44)} [الأنفال]. ولما سمع بذلك الدباغون توجهوا لعامل البلد السيد إدريس السراج، وقصوا عليه القصص، فأشار عليهم بالتوجه للقاضى الشريف العلامة مولاى محمد - فتحا - بن عبد الرحمن العلوى، فتوجهوا إليه وطلبوا منه أن يعين لهم من يقيد لهم بيع الجلد بالفندق فأمرهم بأن يختاروا لأنفسهم من يصلح لهم وهو ينفذه لهم، فاختاروا ستة بعد أن فاوض بعضهم البعض فيمن يصلح لذلك. ولما علم بذلك بنيس توجه إلى القاضى المذكور، وسأله عن السبب في تعيين الطلبة للسوق المعدة لبيع الجلد، فأجابه بما ذكر، فقال له بنيس: إنى أريد أن أجعل نصف موزونة للمثقال تكون تؤدى عن البيع، فحذره وأنذره وذلك يوم الجمعة عاشر شعبان، فانتصح الأمين، والتزم أن لا يعود للكلام في هذا الأمر.

ثم إن الطالب الملح توجه للفندق من عندية نفسه وجلس ليقبض المكس فثار الغوغاء وسفلة الأخلاط من الدباغين وتجمهروا، وذهبوا لدار الأمين المذكور لعرض ما ذكر عليه وذلك يوم الأحد ثانى عشر شعبان من السنة، ولما وصلوا لباب داره وجدوا أحد عبيده جالسا هنالك فسألوه عن سيده بلهجة قوية وحالة مرعدة فسبهم وشتمهم وسد الباب في وجوههم ودخل الدار وأخرج مكحلة وأطلق عمارتها في الهواء ظنا منه أنهم ينزجرون بذلك وتتفرق جموعهم الفاسدة، فوجد النهاب السبيل لما أرادوا وتلاحق اللاحق بالسابق وتسلح القوم، واجتمع الغوغاء من كل حدب وصوب، وصمموا على الهجوم على الدار. ولما كثر الهرج والمرج أتى بعض الجوار بسلاليم ونصبها وراء الدرب، وطلب من نساء بنيس أن يخرجن لداره خوفا عليهن من الفضيحة، وأوعز إليهن أن يصبحن معهن ما لهن من الحلى والمجوهرات والذخائر النفيسة الخفيفة الحمل الغالية الثمن، فأَبَيْنَ ذلك وامتنعن من الخروج، فما شعرن إلا وباب الدرب انفتح، وأبواب الدار تكسرت والضجيج بالغ حده ونيران الفتن تتقد فطلع النساء إذ ذاك للسطوح وألقين بأنفسهن لدور الجوار، ودخل النهاب الدار واستولوا على ما بها من النفائس والذخائر والأموال، واستأسدت الذئاب وفقد القوم الشعور، حتى صار المضروب لا يبالى بمن ضربه، ولا يلتفت المجروح لمن جرجه، وهاجت الفتنة بالمدينة وماج الناس بعضهم في بعض وخصوصًا بالقطانين والعقبة الزرقاء. ولما اتصل الخير بقاضى الحضرة الفاسية المذكور ركب بغلته وقصد دار بنيس ظنا منه أن أولئك الغوغاء الأخساء يقيمون له وزنا وينصتون لمقاله، ولما وصل الدار لم يلتفت إليه أحد، ولا وقع بصره على من يعرفه وهو بوسط الدار يطوف على جموع تلك الطوائف الضالة الفاقدة للحياء والسمع والبصر، حتى كادت نفسه أن تتلف وهو يعظ ويذكر ويحذر وينذر، فلم يجد ذا أُذن واعية، ولا من له قلب يعقل به حتى غشى عليه من شدة الازدحام، وكاد أن يسقط على الأرض وتدوسه

الأجلاف بأقدامها، فحمله بعض من عرفه وأخرجه من الباب الضيقة المقابلة للحوانيت خوفا عليه، وذهب به إليه، إلى أن أوصله لحومة جرنيز، ولم يزل معه إلى أن أفاق من إغمائه، وتيقن أن هذا الخرق لا سبيل لرتقه، هذا كله وبنيس المذكور مختف بحمام ابن عباد بحومة القطانين حيث صادفه الحال يغتسل هنالك. ولما اتصل بالخليفة السلطانى بفاس مولانا إسماعيل وهو بفاس الجديد، خبر هذه الفتنة المدلهمة، أرسل الباشا الحاج سعيد لإطفاء تلك النيران الموقدة، ويأتيه بالخبر اليقين، والسبب الداعى لإيقاد نيران هذه الفتن ليطير الإعلام بحقيقة الواقع لصاحب الترجمة، وعززه بلفيف من الجند المخزنى، فتوجه ودخل الدار بمن معه من أهل النجدة فلم يعبأ به أحد، ولم يرفع إليه رأس، ولما رأى أنه لا طاقة له بكف أذاهم رجع من حيث أتى ناجيا بنفسه. ولما وقع الإتيان على ما كان بالدار من الأثاث والأمتعة بل حتى أوانى الخليع والسمن والزيت والدقيق وما أشبه ذلك، أتى عامل البلد الباشا إدريس السراج المذكور راكبا على بغلته، ولما وصل الدار ورام كف أولئك المتمردين باللين في القول لم يبال أحد بمقاله، وأعرضوا عنه إعراضا كليا، وتمادوا على فعلهم الذميم، ورجع الباشا وأعلم الخليفة بما شاهد. ثم إن أولئك الأوباش لم يكتفوا بنهب الدار التي بالقطانين، بل عمدوا حتى للعرصة التي له بالدوح ونهبوا جميع ما بها، بل أزالوا حتى الأبواب والسراجب وجوائز السقف وخربوها وتركوها بلاقع في أقرب الأوقات وأقصرها. ولما تم نهب الدارين، وهدأت الأصوات وتفرق معظم تلك الجموع، اجتمع بين العشاءين الشرفاء الأدراسة وغيرهم من الأعيان، وأتوا بنيس وأخرجوه من الحمام وجعلوه وسطهم كأنه واحد منهم وتوجهوا به للحرم الإدريسى، ولما حل به أدخله الشريف أبو حامد العربى الإدريسى لعلو له بزنقة الوادى، ولما اطمأن صار

الناس يفدون عليه يهنئونه بسلامة النفس من العطب، ويسلونه عما ضاع من مال ونشب. وسمع بعض الحاضرين يتحدثون بأن سبب هذا الحادث هو عزمه على رد المكس بفندق الجلد، فحلف يمينا جمع فيها كل الأيمان الراجعة للبتات وغيره، إنه ما أذن في ذلك ولا عزم عليه بمحضر جمع من الأعيان والعلماء، منهم أبو العباس أحمد بن الحاج السلمى صاحب الدر المنتخب المستحسن، الملخصة هذه الواقعة منه وبقى بنيس بالعلو المذكور أياما ثم انتقل لمنار ضريح أبي العلاء. مولانا إدريس الأزهر. ولما رفع للمترجم خبر هذا الحادث الجلل، عقد للقائد إدريس بن العلام على عشرين من الخيل ووجههم بكتاب شريف لكافة أهل فاس، وذلك يوم الخميس ثالث عشرى شعبان العام ووصل لفاس يوم الأربعاء سابع رمضان ومن الغد الذى هو يوم الخميس قرئ الكتاب الكريم على منبر القرويين وفق المقرر المألوف في المكاتب السلطانية، ودونك نص ذلك الكتاب بعد الحمدلة والصلاة والطابع الشريف: "خدامنا الأنجاد، كافة أهل فاس نخص منهم الشرفاء، والعلماء والأعيان والعرفاء، وابن عمنا الفقيه القاضى مولاى محمد بن عبد الرحمن، والعامل الطالب السيد إدريس السراج، وفقكم الله وأرشدكم وسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فإنكم منا وإلينا، والمعروفون بالخير والصلاح لدينا، ولكم القدم الثابت في محبة جانبنا العالى بالله وخدمته والنصيحة له مما لم يكن مثله لجميع الناس، ولم يزل لكم الذكر الجميل في كل منزل، والأثر الجليل في كل معضل،

وقد جريتم على سننكم المعهود في جمع الكلمة، وأظهرتم من أثر المحبة والنصيحة والخدمة، ما استوجبتم به علينا غاية الاعتبار والحرمة، وجددتم قديم تلك العهود، وأكدتم صالح تلك العقود، كما ظهر منكم عند وفاة سيدنا الوالد المقدس بالله رحمه الله أصلحكم الله ورضى عنكم. ثم بلغنا بعد ذلك أن بعض السفهاء ظهر منه طيش وبغى، واستهواهم الشيطان فاتبعوا سبيل الغى، فتمالئوا على خديمنا الأمين الحاج محمد بن المدنى بنيس ونهبوا داره ولم يراعوا ماله بسبب خدمتنا الشريفة من الحقوق، ولا خافوا سطوة الخالق، ولا استحيوا من المخلوق، وذلك لا يجمل الإغضاء عنه ولا السكوت عليه، ونحن على بصيرة فيكم، ونعلم أن أهل الخير والصلاح منكم لا يحبون ذلك ولا يرتضونه ولا يوافقون عليه في سر ولا علانية لكونه صدر بغتة، ولكن السفيه إذا لم ينه فهو مأمور. وعليه فبوصول كتابنا هذا إليكم تداركوا هذا الواقع، وقوموا على قدم الجد في رفء هذا الخرق قبل أن يتسع على الراقع، واعملوا ما تحبون أن نسمعه عنكم ويجلب لكم رضا الله ورضانا. واسعوا في مداواة هذا القرح إسرارا وإعلانا. واعلموا أنكم قدوة لغيركم وإنما ينتظر الناس ما يسمعونه عنكم وفى الحديث الشريف: "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة". وها نحن في الأثر قادمون عليكم بحول الله وقوته، فنحب أن نصل إليكم وصدورنا كما كانت سالمة عليكم ولم يبق من جهتكم سوء ولا مكروه، ونطلب الله لجميعكم الهداية والتوفيق. إلى أقوم طريق في 22 شعبان عام 1290.

ولما تلى هذا الكتاب على مسامع الخاصة والعامة فهم السفهاء منهم غير المقصود، وتوهموا أنه إيعاد لهم وتهديد، وأمر جازم برد ما نهب من دار بنيس، فتجمهروا واجتمعوا وسط مسجد القرويين وخافت الناس الفتنة ثانيا، ومد اليد في الأسواق ودكاكين التجار، وكثر اللغط وارتفعت الأصوات، واكتظ المسجد المذكور وما اتصل به من الطرقات بالأخلاط والأوباش، واتخذ المثرون العسس على أبواب دورهم ودكاكينهم، ووقع الناس في حيص بيص، ودخل المولى محمد القاضى والعامل السراج وبعض الأعيان من العلماء لمقصورة القرويين للمفاوضة في كيفية مقاومة تيار الغوغاء الذين لا يتدبّرون العواقب، وبعد المفاوضة وإمعان النظر في وجه الخلاص، اتفق رأيهم على أن يوجهوا لبنيس للحرم الإدريسى من يطلب مسامحته فيما نهب من داريه، ويخرج من الحرم آمنا، وعينوا للذهاب إليه الشريف أبا عبد الله محمد بن أحمد الصقلى، وأبا العباس أحمد بن محمد بن الحاج السلمى المذكور آنفا، وبيتا على التوجه إليه صبيحة الغد الذى هو يوم الجمعة، فتوجهوا إليه في عاشرة النهار ووجدوا معه جماعة من الأعيان وطلبوا منه الخلوة معهم ليفضوا إليه بكلام حملاه إليه، فأمرهم بالإفضاء إليه أمام جلسائه بما شاءوا، فسلوه ووعظوه وبالغوا في استعطافه في المسامحة، فأبى كل الإباية وصرح لهم بأنه ضاع له أضعاف ما ببيت المال. ولما لم يسعف بنيس رغبة الراغبين، توجه القاضى مولاى محمد صبيحة يوم السبت للخليفة السلطانى مولاى إسماعيل وأخبره بما راج، واقترح عليه أن يوجه للشرفاء وأعيان البلد وعاملها ويعرفهم بأن مراد السلطان في كتابه لهم إنما هو الإغراء على الانكفاف والزجر عن العود خوفا من أن يقع للغير ما وقع لبنيس، وليس المقصود من الكتاب السلطانى رد ما نهب الناهبون.

فأرسل الخليفة المذكور بالأمر بالحضور لمن ذكر فحضر القاضى والشرفاء والأعيان، ولم يحضر العامل لتوهمه أن ذلك الاستدعاء شبكة نصبت للقبض عليهم وجعلهم في الأغلال والسلاسل والتوجيه بهم للحضرة السلطانية على أقبح الحالات. فتحزب وجمع عليه ما يزيد على ثلاثمائة من الرماة وطلع لقصبة أبي الجلود يريد الدار العالية وهو راكب بغلته والرماة محدقة به وباقى الأخلاط الزائدة عن العد منتشرة بالأرقة والطرقات الموصلة للقصور السلطانية حيث الخليفة السلطانى، ولما سمع الخليفة المولى إسماعيل بذلك وجه للسراج وأمنه وشرح القصد من جمعهم، فلم يثق هو ولا من معه بأمان الخليفة ولا مقاله، فراجعه الخليفة وأقسم له بالأيمان اللازمة وأعطاه عهودا ومواثيق على أنه لا يرى ولا يسمع ما يكدر باله، وإنما مراده بهذا الجمع الإصلاح وتسكين الروعة وتفهيم من لم يفهم، فلم ينفع في السراج وأحزابه من ذلك شئ، وتمادوا على الامتناع والإباية، وازداد اللغط والهرج والمرج والضجيج ووقع التشاجر والتخالف حتى كاد أن يقع الضرب بالبارود، ورعب السراج وخاف لحوق الأذى عاجلا والمسئولية آجلا ورجع لداره بعد عناء شديد. ثم وجه للخليفة مولاى إسماعيل وقال له: إن كنت في قصدك صادقا فانزل لمسجد أبي الجنود وبه يكون اجتماعنا والمفاوضة فيما تريد، فحذر القاضى والعلماء مولاى إسماعيل من التوجه للمسجد المذكور لاختلاط الحابل بالنابل واشتداد شوكة السفهاء سخفة العقول الذين اعتقدوا أن الحل والربط صار بأيديهم، ورأوا أن يكتب الخليفة للسراج كتابا يشرح له فيه مراد السلطان من الكتاب الذى قرئ على منبر القرويين وفهمه العامة على غير وجهه، فاستحسن الخليفة رأيهم وكتب الكتاب بما ذكر، ووجه به للسراج مع العلماء والأعيان الذين كانوا بأبواب القصور

السلطانية ظنا منهم أن الملأ لا زالوا بأبى الجنود، ولما توجهوا بالكتاب وجدوا الجموع تفرقت بعضها ذهب مع السراج لحراسته بداره، والبعض الآخر للحرم الإدريسى بقصد قتل بنيس، فرجعوا بكتابهم إلى الخليفة وقصوا عليه القصص، فأشار القاضى بتوجيه الكتاب المذكور للسراج بداره وأن يؤمر بقراءته على منبر القرويين، فاستحسن رأيه. ووجه بالكتاب للسراج لداره فقام مظهرا بالامتثال لتنفيذ ما أمر به، فبلغه في أثناء الطريق أن البارود وقع بمولانا إدريس، فرجع لداره قائلا: لا أذهب لئلا يشتد الأمر ويقول الناس أنا المتسبب في ذلك والمغرى عليه. وأما الأوباش الذين توجهوا لقتل بنيس بمولانا إدريس فإن عاصف ريح التخالف نفخ فيهم أثناء الطريق، وفرقهم أى تفريق، ولم يصل منهم للحرم الإدريسي إلا النزر القليل، ولما رأى ذلك الشرفاء الأدراسة وأنصارهم، سدوا جميع أبواب الحرم وتقلدوا أسلحتهم وارتقوا لسطح الحرم والسطوح المجاورة له، وأخرج الشرفاء المذكورون بنيس من المحل الذى كان به وأنزلوه بشماسة وطاقة من شماسات قبة الضريح، وجعلوا عليه حراسة كافية وأطلقوا البارود من السطوح، فأصاب بعض الضعفاء. وضج من لا خلاق له من السفهاء وطلعوا للسطوح العالية المشرفة على سطح الحرم الإدريسى لقتل جميع من راج به، ففر جميع من كان بها، وتعذر على الناس المرور في الأزقة حتى إن رجلا درقاويا كان من الرماة يبيع شاربات، قال: اتركونى أصعد لبرج القرويين وأقابل سطح مولانا إدريس وكل من ظهر به أرميه بالرصاص وأقتله، فأجابه العقلاء بأن حرم مولانا إدريس هو حرم للمغرب بأسره. لا لخصوص الأدارسة القائمين بأمره، فوالله لا نترك أحدا يؤذى به من المحتمين بحماه.

ثم وقف القاضى ومعه جماعة عشية ذلك اليوم وقوف الأبطال، وكفوا السفهاء عما أرادوا، وتوجهوا للحرم الإدريسى من جهة الحمام، ونهى القاضى الأدارسة عن العود لإخراج البارود وسكنت الروعة في ذلك الحين، وبقى الحرم الإدريسى مغلق الأبواب والعسة على بنيس قائمة على ساق، وهذا كله في يوم السبت. ولما أصبح يوم الأحد رام الأخلاط ومن لا خلاق له مدّ يَدِ النهب في الأسواق والدكاكين، وحمل جل التجار سلعهم لدورهم، وجعلوا على أبوابهم وسطوحهم العسس الكافية، وازداد الأمر شدة والطين بلة، والقاضى والعلماء وجلة الناس ووجهاؤهم يُدَبِّرون في كيفية إطفاء هذه النار الموقدة المتطايرة الشرر. فجاءوا الأدراسة بحرم جدهم مولانا إدريس وأمروهم بفتح الحرم فأذعنوا لذلك، ورجع القاضى ومن معه للقرويين واجتمعوا بعامة الناس وخاصتهم، وتصدر القاضى لشرح الحقيقة والواقع في كتاب السلطان ومراد خليفته ووعظ وذكر. وحذر وأنذر. وخَوَّفَ بَأْسَ السلطان وسطوته، وضمن لهم أن لا يروا من السلطان إن هم أذعنوا وأطاعوا ما يكرهون، ولا يعنف أحدًا منهم، فرضوا بذلك والتزموه. وحينئذ رجع القاضى بمن في معيته للحرم الإدريسى، وأخبروا الأدراسة بالواقع، ففتحوا الأبواب وانكشف كثيف ما كان من سحاب الأهوال، ووضعت الفتن أوزارها، وبزغت شموس الأمن بأرجاء القلوب. انتهى. ملخصا من الدر المنتخب وجله بالمعنى. وفى صبيحة يوم الخميس تاسع عشرى رمضان حل برباط الفتح وأقام به سنة عيد الفطر وغمر الجند والأيتام والأرامل والأشراف والعلماء وذوى الحيثيات

والأعيان وسائر الموظفين الدينيين وغيرهم، وختم صحيح الإِمام البخارى، وكان شيخ مجلسه الحديثى السيد المهدى بن الطالب بن سودة المرى قاضى الحضرة المكناسية، وحضر ذلك الختم جم غفير من القضاة والعلماء والأعيان ووفود القبائل المغربية كالواردين بالبيعة الكريمة من فاس، وقيل في ختمه ذلك من الأماديح نيف وخمسون قصيدة، أجار عليها أصحابها كل بما يستحق. من تلك القصائد قصيدة الفقيه الكاتب الأديب البليغ الأبرع أبي العلاء إدريس بن محمد بن إدريس العمراوى ونصها: أرج القبول من المهيمن نام ... وندا التعوف بالمواهب هام وشذا الرضا هبت لنا نفحاته ... من مجلس قد جل في الإعظام حفت به أعلامهم فتراهم ... من طيبهم كالزهر في الأكمام بمقام مولانا الإمام تلألأت ... أعظم به من مجلس ومقام فبه البخارى الجليل جنابه ... وفت مواعده بحسن ختام فامْدُدْ أَكُفّك سائلا متوسلا ... برواته وقداته الأعلام واضرع بباب الله عند ختامه ... تنل المؤمل من حبا العلام واعلم بأنك في مواطن رفعة ... وإجابة ومنال كل مرام باب الإجابة منه يقرع فلتكن ... في السابقين إليه باستسلام ما أمه ذو حاجة في معضل ... إلا وعاد بنائل متسام أو خائف نال الأمان بسرده ... ذهبت مخافته مع الآثام فالهج به ورواته عدد تجد ... هم في سما العليا بدور تمام فهم الأئمة والسراة ونورهم ... يمحو عن الأوهام كل ظلام

وهم ذوو القرب الذين بذكرهم ... أمن الورى من سائر الأنقام أهل الحديث الفائزون بحفظه ... تتلى محاسنهم على الأيام ودعا الرسول منضر لوجوههم ... إذ أوضحوا معناه للأفهام وأميرهم في المعلومات إمامنا الـ ... ـــحبر ابن إسماعيل خير إمام جمع الصحيح الجامع الحق الذى ... حاز التقدم في ذرى الإسلام ومحا عن الدين الحنيفى القذى ... وحمى من الأضلال والأوهام وبنى معاهده المنيعة ديمة ... صوب الحيا من هاطل أو هام وجزى الإله أميرنا العدل الرضا الـ ... ــــحسن الخصال بأحسن الإنعام نهج السبيل المستقيم بسرده ... وأقر عين العلم في ذا العام أحيا مآثر صالحى آبائه ... مذ قام بالتيسير خير قيام حاط الشريعة بالسياسة فائزا ... من خلفها ويمينها وأمام وأباد جاحدها بعزم نافذ ... وسطا به كالماجد الضرغام مولى به الإسلام أصبح ظاهرا ... والكفر في ذل وفى إرغام مولى به ابتهج الزمان وأهله ... وبه الأمان بذى المغارب نام مولى بطيب حديثه افتخر العلا ... فالهند يتلو فخره بالشام من عصبة نبوية علوية ... سنية مهدية أعلام نور النبوة واضح من بشرهم ... غر الوجوه مطهرو الأجسام لألاء غرته الكريمة ساطع ... يزدان في الجدران والآطام ويمينه السخاء ضامنة الغنى ... لم يلوه للمنع قول ملام

ثورة المولى سليمان الكبير

ليث العدا غيث الندى رحب المَدَى ... علم الهدى ومواصل الأرحام من لى بحصر مديحه في مهيع ... كلا ولو كان الفضا أقلام أم كيف أسبح في خليج صفاته ... حاشا ولو عد النجوم نظام لكننى آتى بمقدور على ... وسعى وأرهف في الثناء حسام فلتهن مولانا الإمام مآثر ... قد حازها من وافر الأقسام وليهنه ما نال من أجر ومن ... ذخر ومن فضل ومن إكرام وليهنه شهر الصيام وما بدا ... فيه له من قربة وقيام وليهنه العيد السعيد فإنه ... عيد يعود بكل خير نام أبقاه مولانا لجبر عبيده ... وأناله نصرا مدى الأعوام وأطال في سعد ويمن عمره ... سامى اللواء مثبت الأقدام وبجاه مولانا الرسول سألته ... وحديثه العالى وخير عصام وبنيه والأصهار والأزواج والـ ... أتباع والأنصار والأعمام أن يجعل الفتح المبين ملازما ... لركابه في مظعن ومقام وعليه من ربى السلام تحية ... فاقت شذا مسك وريح خزام والآل والأصحاب أهل وداده ... ما جال في الأسماع صفو كلام واحتفل بهذا الختم احتفالا لم ير الراءون مثله حتى كان الطيب كالسحاب المتكاثف وعدد أصناف الأطعمة الفاخرة. وفى يوم السبت الثانى والعشرين من شوال خرج من الرباط قاصدا مكناسة الزيتون، حيث اتصل به خبر قيام المولى سليمان المدعو الكبير بن عبد الرحمن بن

السلطان أبي الربيع مولانا سليمان، الذى جاء من سجلماسة يطلب الملك اقتداء بأبيه من قبله الذى كان ثار أوائل دولة والد المترجم فلم تنجح مساعيه. وبقى يجوب البلاد البربرية وأطماعه الأشعبية تعده وتمنيه. إلى أن كانت عاقبة أمره سجنا طويلا، إذ لما حل المترجم بالصفافعة من قبيلة بنى حسن بلغه خبر القبض على القائم المذكور بقبيلة بنى سادن أو آيت يوسى والتوجيه به سجينا للخليفة السلطانى بفاس، وهو إذ ذاك أخو المترجم المولى إسماعيل وكتب بشرح ذلك لسائر إيالته ودونك لفظ ما كتب به بعد الحمدلة والصلاة والافتتاح: "وبعد: فإن عبد الكبير بن عبد الرحمن الذى سولت له نفسه ما سولت من الرأى المنكوس. والحظ المعكوس. كان تحزب بشياطين وأوباش من برابرة بنى مجيلد، وأتوا به لآيت عياش قرب فاس، فلما سمع بذلك خدامنا أهل فاس وأخوالنا شراكة وغيرهم من الجيش السوسى وقبائل الصلاح، قاموا على ساق في طرده وإبعاده. ونفيه من ساحتهم وتشتيت رماده. وقابلوه بالنكاية والوبال. ورأى منهم ما لم يخطر له ببال. ورجع بِخُفَّىْ حُنَين (¬1)، ثم بعد الطرد والإبعاد لم يبال. بما هو عليه من سوء الحال، ولا أقلع عما طمع فيه من المحال، ولا انتبه من نومته، ولا أفاق من سكرته، وبقى على دورانه عند البربر إلى أن ختم مطافه بالوصول لآيت يوسى فحكم الله فيه هنالك وأُتى به مقبوضا عليه وذهب ريحه وسقط في أيدى (¬2) من كان آواه من البربر وحصلوا كلهم على الخسران. والخزى والخذلان. وها الفتان مثقف تحت يد أخينا مولاى إسماعيل حفظه الله فالحمد لله حق ¬

_ (¬1) تحرف في المطبوع إلى: "رجع بخف حنين" وهو مثل يضرب عند اليأس من الحاجة والرجوع بالخيبة. (¬2) في المطبوع: "في أيد من كان". .

حمده. ولا نعمة إلا من عنده. وهو المسئول بنبينا - صلى الله عليه وسلم - ومجد وعظم. أن يؤدى عنا وعن المسلمين شكر نعمته. وأن يجرينا على ما عودنا من جزيل فضله ومنته. هذا وقد كتبنا لكم هذا بعد ما خيمنا بحول الله ببلاد الصفافعة من بنى حسن ومحلتنا المظفرة بالله محفوفة بالنصر والعز بحمد الله، وأعلامنا المنصورة بالله رياح السعادة واليمن تسوقها، والأرباح تكفل بها سوقها، وقد أعلمناكم لتأخذوا حظكم من الفرح بما خول مولانا جل وعلا من عظيم نعمه، فلله الحمد وله المنة والسلام في 23 من شوال عام 1290". قلت: ثم بعد مكث الثائر في السجن يرفل في قيود الهوان والصغار أمدًا بعيدًا عفا عنه المترجم وسرحه وأكرم مثواه، وأجرى عليه جراية تليق بأمثاله من أفراد العائلة. وقد عقد صاحب الفتوحات الوهبية في سيرة مولانا الحسن السنية وهو العلامة الحسن بن عبد الرحمن السملالى فصلا خاصا بثورة مولاى الكبير، وخلاصة ما ذكره أن اسمه سليمان، وأنه لقب بالكبير لأنه أكبر إخوته، وأنه اقتدى في ثورته على مولاى الحسن بأبيه مولاى عبد الرحمن بن سليمان حين ثار على سيدى محمد بن عبد الرحمن والد مولاى عبد الرحمن لاستصغاره إياه سنا وعقلا، فإنه خرج من تافيلالت ولما وصل "القصابى" بعث بريدًا لإعلام أهل فاس بأمره فأجابوه بالموافقة واستحثوه في السير قبل مجئ السلطان من مراكش، وواعدوه باللقاء في صفرو، متى نزل بها، فلما نزلها أخلفوا وعدهم معه وأبوا أن يخرجوا إليه حتى يصل إليهم، ولكنه لما وصل ظهر المهراز مع أتباعه البرابر وجد أمامه الباشا فرجى قد خرج للقائهم لما تواترت (¬1) أخبارهم، وكان ذا رأى وحرب وتدبير، فمزق جيشه أصحاب مولاى عبد الرحمن، واستلبوا خيلهم وبغالهم وأسلحتهم، وكاد المولى عبد الرحمن يقبض. ¬

_ (¬1) تحرف في المطبوع إلى: "تواثرت" بالثاء المثلثة.

فلما تبدد أتباع المولى عبد الرحمن ذهب ولده مولاى الكبير هذا في اثنى عشر فارسا لاستصراخ بعض الفرنسيس النازلين وقتئذ على بنى يزناسن لأمر بينهم، فوافقوه على الانتصار له، أى بعد أن تظلم إليهم ووعدهم المغانم، وأكرموا نزوله عند المسمى عبد القادر بن داود، وأوصوا هذا بمرافقته لوهران، ثم ارتحلوا عن بنى يزناسن إلى وجدة متهمين أهلها بممالأة بنى بزناسن، ووظفوا عليهم ذعيرة يدفعونها في أجل ثلاثة أيام فدفعوها. وارتحل الفرنسيون عنهم لتلمسان، فكان أول عمل لهم بها أن ضربوا السلك لملكهم يخبرونه بأمرهم مع مولاى الكبير، وأنهم قبلوا ما عرضه عليهم من النجدة والانتصار، فأجابهم بإنكار عملهم هذا وعاتبهم عليه فندموا على ما فعلوا إلا واحدًا منهم يقال له "القبطان عك" حاكم عرب وهران، كان هو المشير بقبول الانتصار، فإنه أكد على عبد القادر بن داود في إكرام ضيفه، فبقى مولاى الكبير عندهم أربعة أشهر إلى أن كانت نتيجة مساعى عك وغيره أن أعين بأربعة آلاف ريال له وألف لأصحابه يدفعها لهم بعض الأغوات إن مروا به ويرجعوا لوطنهم. فخرج مولاى الكبير من وهران، وأخذ ما ذكر ورجع لوطنه فبقى به ونفسه متعلقة بالملك، إلى أن سمع بموت السلطان سيدى محمد فأراد انتهاز الفرصة فسافر من أهله بعد أن سمع ببيعة مولاى الحسن، واجتمعت عليه البرابر وغيرهم، وسار إلى أن نزل بآيت عياش فتهافت عليه البربر والعرب -وكان مولاى الحسن يومئذ برباط الفتح- وبقى بها مدة ووفود البربر تذهب وتجئ وتبشر من وراءها بخبره، فاجتمع عنده خلق كثير من بنى مكيلد، وبنى مطير، والغرابة، زيادة على من كان عنده، فاستكثر الغرابة عدد أتباعه وراودوه هو وإياهم على أن يعينوهم على قائدهم "محمد اسعيد ابربر"، فاعتذروا ووعدهم بالانتصار لهم بعد تمام الأمر، ولكنهم لم ييأسوا بل ألحوا عليه وعلى البربر وهم يجيبونهم بأن زمامهم بيد الشريف.

وسمع المولى إسماعيل بنزول المولى الكبير بذلك الموضع بتنبيه كان عنده على ذلك، فأرسل إليه الشريف سيدى محمد بن محمد الأمرانى آتى الترجمة لمعرفته بلغة البربر واطلاعه في جل الأمور على مقاصدهم ليعظه ويذكره بفشل قضية أبيه، وأنه كان منتهى أمره أن خرج من أرض السلف إلى (صفطل) وهو محل بنى مكيلد، ففعل ذلك ووعده بصلة يأتيه بها من مولاى إسماعيل، فاتعظ وتذكر ورجع الأمرانى بعد أن شرط عليه أن يمكث بمحله حتى يعود إليه، فلما بعد عن ذلك المحل وجد رجالا من الغرابة فأخبروه بامتناع مولاى الكبير من نصرتهم وطلبوا منه التوسط بينهم وبين مولاى إسماعيل ليطلب من مولاى الحسن إنقاذهم مما هم فيه مع (محمد اسعيد ابربر) لأنه أطلق عليهم إخوانه آيت حلى فنهبوا أموالهم ومزقوا أعراضهم، وتكفلوا للسلطان بأمر مولاى الكبير حتى يسلموه إياه حيا أو ميتا. فسار بهم الأمرانى معه لفاس، فلما التقى بالخليفة أخبره بما كان منه مع مولاى الكبير وما كان من الغرابة فاستصوب عمله مع هؤلاء وقبل طلبهم والتزم الوفاء به كما التزم الغرابة الوفاء بقولهم، ولكنهم لما رجعوا وجدوا قومهم قد عرقبوا على مولاى الكبير وأصحابه ساعة غيبتهم، فسار معهم وانتقل من الدار التي كان بها إلى دار قريبة من آيت حلى، أما الأمرانى فإنه رجع بغير صلة لما كان من أمره مع الغرابة فوجد مولاى الكبير قد خالف شرط عدم الارتحال، فاتخذه عذرًا لعدم الإتيان بما وعد، فلما التقيا لامه على الارتحال فأجابه مولاى الكبير بما يخالف ما كان بينهما: إن هذا ملك أبي وجدى فلا أسلم فيه، فسكت الأمرانى فرحا بظهور النكث من جانب الآخر معتمدا على ما أبرمه مع الغرابة، ورجع وتركه وكان محمد اسعيد، قد استعد مع إخوانه آيت حلى لمقابلة الضاربين على حللهم، وتواصوا على مكيدة دبروها.

فلما دنت الغرابة ومن معها من حلل آيت حلى حملوا عليها فانهزم محمد اسعيد واشتغل الغرابة بالنهب وتشتتوا في الحلل، فلما رأى منهم ذلك كر عليهم بقومه ثم هزموهم وغنموا منهم وحزوا. وكان مولاى الكبير قد بقى في الدار لم يركب هو وشرذمة من آيت مرغاد، وآيت حديدو، وأهل الخنك ينتظر أنباء سريته ودخولها صفر، وجلب المساجين. فلما رأى ما رأى خاف وأمر بقلع الخزينة وركب هو ومن تبعه وقصدوا دار الشريف سيدى أحمد بن عبد الجليل الوزانى فنجاه الله من الغرابة؛ لأنهم لما انهزموا ساروا إليه يريدون أن ينفذوا فيه ما اتفقوا عليه مع الأمرانى في شأنه ليتمكنوا بعد ذلك من محمد اسعيد، فاقتفوا أثره جهة سبو فوجدوه قد عبره ونزل هو عند الشريف إلى انتصاف الليل، فطرقهم أعراب الحياينة وبنو سدن وبنو وراين وآيت شغروشن وأحدقوا بالدار، فلما خرج لهم ربها قالوا إنا قد جئنا لنبايع سلطاننا الذى دخل دارك فاطلب منه أن يخرج حتى نبايعه ثم يعود إليها، فلما خرج إليهم أخذوا بيده وعاهدوه وأمروا رب الدار أن لا يخرج حتى يراهم، فلما ذهبوا ورجع لمحله ندم على ما صدر منه وتيقن القبض لا محالة، فكتب للأمرانى يستحضره هو ومولاى عبد السلام العدوى لإتمام ما تحدثوا به في آيت عياش، فلما وصل الكتاب أخرجهما مولاى إسماعيل حالا مع فضول الرامى مقدم مولاى إدريس إليه، فلما وصلوا امتنع من الذهاب معهم لفاس إلا إذا حضرت لوحة مولاى إدريس أو الدليل أو السبحة، فأرسلوا في ذلك فوجه لهم به وباتوا ليلتهم تلك، فلما أصبحوا توجهوا لفاس. وكتب الشريف رب الدار وعمه السيد إدريس بن زين العابدين للسلطان وهو حينئذ بالرباط يطلبون أن لا تخفر لهم ذمة بمولاى الكبير، فأجابهما السلطان لذلك، فلما وصل لفاس البيضاء أمر الخليفة بمنزاله بدار بودلاحة أمارة على

سجنه؛ لأنه أول قفص من أقفاص الامتحان، ثم قال السملالى ما نصه: وكان سفهاء الأحلام حين سمعوا بتوجهه تشوفوا إليه وتلقوه خارج المدينة، وقصدوا مشافهته بما توسوست به نفوسهم من الأمانى الكاذبة، فأتوا إليه في محله أفواجا ظنا منهم أن النزول نزول إكرام واستراحة ولم يعلموا أنه نزول نكال وعقوبة، فمنعهم الرقيب من الدخول فردهم خاسئين، والرقيب هو الباشا الحاج سعيد بن فرجى. فسمع هو بذلك فتيقن أنه مسجون، وأن رأيه خاب وخسر، ثم بقى بدار بودلاحة إلى أن قامت قضية ابن المدنى بنيس فنقل لسجن الدكاكين ونزل بها بنيس. قلت: ثم نهض من الصفافعة إلى دار ابن العامرى وأوقع بأولاد يحيى فريق من بنى حسن وقعة شنيعة كادت أن تحص منهم كل شئ، وألزمهم غرامة طائلة عقوبة لهم على ما أجرموه من الافتيات على عاملهم عبد القادر بن أحمد وهد داره ونهب أمتعته، وسعيهم في الأرض الفساد، ثم ظعن ووجهته مكناسة ومر في طريقه على الزاوية الإدريسية الزرهونية. وكان حلوله بدار الملك عاصمة سلفه الأكرمين مكناسة الزيتون سابع ذى القعدة، وأقام بها سنة عيد الأضحى ووصل أشرافها وأعلامها وسائر ذوى الحيثيات بها بصلات وعوائد، وبالغ في الإحسان للضعفاء والأيتام. ثم وجه جيشه لقمع متمردة بنى مطير ومن انضم إليهم وانخرط في سلكهم من العصاة كمجاط، وبنى مجيلد، وآيت يوسى، فنالت منهم بعد أن كانت الحرب سجالا. ولما لم يكتف بذلك في تأديبهم خرج إليهم بنفسه في جيوش جرارة لاستئصال شأفة بغيهم وعيثهم وعبثهم وإيذائهم بالمارة، فسقاهم كأسا دهاقا من

حوادث سنة 1291 وثورة دباغى فاس

القهر والغلبة، وأحاط بهم جيوشه إحاطة السوار بالمعصم، واقتحم عليهم معاقلهم ومحال منعتهم، إلى أن دخل فم الخنيق أول بلاد بنى مجيلد وقبض منهم على عدد وافر من المساجين، بعد أن ترك قتلاهم صرعى للذئاب والنسور مرعى، ولما بارت منهم الحيل وعجزوا عن المقاومة والدفاع وحاق بهم سوء ما عملوا، ورأوا أنه لا منجى ولا ملجأ لهم، قدموا طاعتهم صاغرين وأتوا بصبيتهم ونسائهم متشفعين، وعما اقترفوه بالتوبة النصوح معلنين، فقبل توبتهم وعفا عفو قادر عنهم، وذلك منتصف محرم فاتح عام واحد وتسعين ومائتين وألف. ثم رجع للعاصمة المكناسية وأقام بها، وفى يوم الاثنين ثالث ربيع النبوى منها ظعن لفاس، ولما خيم بضفة وادى النجا خرج لاستقباله لفيف من الأشراف والموظفين والأعيان والكبراء، فأكرم وفادتهم ومثواهم وهش وبش فسروا واستبشروا، وفى صبيحة يوم الخميس سادس ربيع المذكور حل بها وكان ذلك اليوم يوما مشهودًا وفدت عليه فيه للتحية وتقديم مراسم التهنئة المؤذنة بإخلاص الطاعة الأشراف والعلماء والأعيان ومن بها من الجنود على اختلاف الطبقات، وأقام بها حفلة عيد المولد النبوى ووفدت عليه فيها وفود أعيان القبائل مع قوادها بالهدايا ذات البال وفق العادة المألوفة والعرف الجارى. وفى يوم الخميس -على ما في بستان السباعى والذى في الاستقصا يوم الثلاثاء- رابع ربيع الثانى من السنة أمر المترجم أمينه أبا العباس أحمد بن شقرون المراكشى بترتيب الوظيف المرتب على أبواب فاس وأسواقها وفق ما كان في حياة والده، وذلك أواخر شوال العام، فثقل ذلك على الدباغين ومرضوا فيه وأعلنوا بالتمرد والعصيان، وخلع ربقة الطاعة من أعناقهم، إذ أعجبتهم كثرتهم، وامتنعوا من أداء الوجيبة الواجبة عن بيع الجلد، وآل الأمر إلى إشهار السلاح والمبارزة والكفاح والصعود إلى المنارات المطلة على المدينة البيضاء فاس الجديد، ورمى المارة بالسبل الموصلة إليه، وصار الرصاص يتساقط ببطحاء أبي الجلود.

ثورة بوعزى الهبري

فعند ذلك أمر السلطان بمقابلتهم على قدر جريمتهم، فطافت بهم العساكر ورموهم بالكور من كل ناحية، ثم اقتحمت طائفة من العسكر سور فاس من جهة الطالعة وأخذوا في النهب والقتل وعظم الخطب واشتد الكرب، وفى أثناء ذلك بعث السلطان وزيره أبا عبد الله الصفار يعظهم ويعرض عليهم الأمان بشرط التوبة والرجوع إلى الطاعة، فأذعنوا وامتثلوا وانطفأت نار الفتنة الملعون موقدها. هذا ولم تكد نيران الفتن تسكن برحاب فاس حتى استفحل داء الثائر الفتان بوعزى بن عبد القادر العامرى الشركاوى المدعو الهبرى نسبة إلم بلدته هبرى -بالقصر بين أم العساكر ومستغانم- وكان ظهور هذا الفتان في أيام سيدى محمد سنة إحدى وثمانين ومائتين وألف في آنكاد ثم شتت جموعه. فلما بويع مولاى الحسن ظهر ثانية في غياثة واجتمعت عليه التسول والبرانس والحياينة وبنو وراين وكزناية وأولاد بريمة وآيت شغروشن وبنو سدن فنهض المترجم ثانيا في عام واحد وتسعين ومائتين وألف لقطع جرثومة الفساد خوف الانتشار والاستفحال والضرب على أيدى الساعين في إيقاد نيران الفتن، فاستأصل شأْفة متمردى بنى سادن وآيت شغروشن. وبعد أن طهر البقاع من سماسرة الفتن توجه لبلاد الحياينة ثم مدينة تارا فدخلها وكان عاملها إذ ذاك الباشا عبد الرحمن بن الشليح الشرادى الزرارى، وبعد استراحة الجنود المظفرة هجمت على المارق الهبرى المذكور وألقت القبض عليه، وأتى به للمترجم حقيرًا ذليلا فشهر وطيف به على جمل، ثم وجه به سجينا لفاس وبقى فيه إلى أن نقل لمراكش فمات في الطريق. ونهض صاحب الترجمة من تازا ووجهته القبائل الريفية وجعل طريقه على عين زورة، ولما وصل لقصبة سلوان أدركه عيد الفطر فأقام بها سنة عيد الفطر، ووجه على عامل وجدة القائد قدور حيطوط الجامعى وأمره بتأمين الحاج محمد

ولد البشير ومسعود اليزناسنى وأصحابه معه فوردوا عليه بالقصبة المذكورة، ولما مثلا بين يديه عزل حيطوط المذكور عن عمالة وجدة، وولى مكانه ولد البشير امسعود حيث رأى أن إطفاء نيران تلك النواحى لا يتم إلا بذلك، فانقلب المترجم لفاس على طريقه بعد أن وجه لوجدة عاملها الجديد، وأمر العامل المنزوع بمصاحبة ركابه الشريف ونهض بجنوده الجرارة قاصدًا فاسا، ولما وصل عقبة موكة المحل الشهير بمكناسة تراكمت الأمطار وتكاثف الوحل وحصل لتلك المحال بسبب ذلك مشاق عظيمة، وأصيبت بخسائر جسيمة. ولما حل المترجم بفاس وفدت عليه وفود التهانى لقصوره العامرة، ولما استقر به النوى أوقع القبض على الحاج محمد أومنو السوسى قائد الطابور السوسى ووجه به سجينا لتطوان، وولى مكانه على العسكر المذكور الحاج على السوسى الباعمرانى، ثم رشح لعمالة طنجة القائد الجيلانى بن حم، ولعمالة فاس السيد عبد الله بن أحمد. وبأثر ذلك عقد لأخيه المولى عَلِىّ عَلَى محلة لا يستهان بها، ووجه لاستخلاص المترتب على القبائل الريفية والقبائل القاطنة بنواحى تازا، ووجدة، وأسند قيادة تلك المحلة لباشا تازا القائد عبد الرحمن الزرارى، فاستاء جل القبائل وبالأخص المجاورة لوجدة وأنف عاملها ابن البشير من الرضوخ لأوامره، فكانت المحلة كلما أشرفت على قبيلة اشترط أهلها عدم دخول الرئيس المذكور لترابهم والتزامهم بالقيام بواجب المحلة ومقابلة أخى السلطان المولى على المذكور بما يليق به من الحفاوة والإجلال والخضوع والطاعة لأوامره. وقد كان ابن البشير تجمهر مع عدة قبائل وصمم على العصيان وشق عصا الطاعة أنفة من رياسة عامل تازا المذكور على المحلة دونه، إذ قد كانت بينهما

المنافسة والعداوة والبغضاء بالغة منتهاها، يطمع كل واحد منهما في ضم حكومة الآخر لحكومته، ويرى كل أنه الأحق والأولى بالتفرد بالرياسة. ولما سارت المحلة على طريق آنكاد قاصدة وجدة، قام في وجهها ابن البشير المذكور في جموعه ذات العدة والعدد، وناوشها القتال فرعبت ورأت أنها لا طاقة لها بمقاومة تلك الأحزاب، وأنه لا أنجح لها من الرجوع إلى فاس فرجعت أواخر شعبان، والسلطان المترجم في نزهة شعبانة بدار دبيبغ، وقص عليه القصص إخوة المولى على، فأسرها في نفسه، وكانت مدة مقامه بفاس ثمانية أشهر. ثم بعد مدة من رجوع المحلة نهض صاحب الترجمة من فاس لتفقد أحوال رعيته، وذلك منتصف رمضان من السنة فحل بالعاصمة المكناسية، وعزل محتسبها الحاج الطيب غريط المدعو كسكاس وولى مكانه الطالب المختار بادو. ثم بارحها إلى رباط الفتح، ولما خيم بضواحيه بالمحل المعروف بقرميم بلغه أن هلال عيد الفطر قد ثبت فارتحل ليلا ونزل خارج البلد وأقام سنة العيد قبل دخوله لقصره الفاخر العامر، وبعد ذلك دخل في موكبه عشية اليوم ترقب الهلال بنفسه وأمر العدول والأعيان من حاشيته برصده وكان الجو صافيا صقيلا فلم يظهر الهلال، فأمر باستئناف الصيام وسجن الشهود الذين زعموا رؤيته، وكان القاضى إذ ذاك أبا عبد الله محمد بن إبراهيم. ثم نهض المترجم إلى راوية ابن ساسى وخيم بها ستة عشر يوما، ووظف على الرحامنة أمولا طائلة، وفرض عليهم الخيل وألزمهم إعطاء العسكر تأديبا لهم على جرم أجرموه، ولم يبارح الزاوية المذكورة حتى أدوا جميع ما وظف عليهم وألزموا به. وبعد ذلك نهض للحضرة المراكشية، فدخلها آخر ذى القعدة الحرام، وكان يوم دخوله لها من أزهر الأعياد وأبهر المواسم.

حوادث سنة 1293

وفى ربيع ذى الحجة أوقع القبض على مائتين وثمانين نفرا من رؤساء أولاد أبي السباع الذين كانوا خرجوا على عاملهم عبد الله بن بلعيد، وعاثوا على القائد العربى الرحمانى في شرذمة من الخيل، فنزل بها عليهم وألزمهم أداء ستين ألف ريال ذعيرة لهم على التمرد وإيقاد نيران الفتن، فلم يسعهم إلا بيع ماشيتهم بأبخس الأثمان وأداء الموظف عليهم عَنْ يد وهم صاغرون، ورد عليهم عاملهم ابن بلعيد المذكور وهم له كارهون، فلم يكن لهم بد من الخضوع والرضوخ للطاعة، ولم يزل المترجم مجدا في الاستعداد لكسر شوكة كل من بغى وتمرد وجمع العساكر من القبائل إلى أواخر صفر من سنة ثلاث وتسعين ومائتين وألف. وفى هذا التاريخ وفد عليه أبو عبد الله محمد الكندافى (¬1) في صاحب جبل تنملل، أحد أشياخ تلك القبيلة الذى كان وشى به للمترجم عامله أحمد بن مالك، وأشاع عنه أنه خلع ربقة طاعة السلطان من عنقه، وأنه يحاول الدعاء لنفسه، وطلب ملك سلفه من قبله. ولم يزل يوسوس للسلطان المترجم حتى أوغر عليه صدره وأمره بالقبض عليه، فاعتقد ابن مالك أنه حصل على ضالته المنشودة، ووجه له فئة من الجند فأوقع بها الكندافى، شَرّ وقعة، إلا ما كان من الجيش السلطانى فإنه لم يمسه بسوء. فوجد ابن مالك متسعا لترويح أرجافه، وكتب للمترجم بما يزيد حنقا على الكنتافى، وبعد الواقعة وجه الكندافى ولده للحضرة السلطانية بفاس وشرح له حقيقة الواقع وعرفه بأنه من المطيعين المخلصين، وبما يكنه له ابن مالك من العداوة والبغضاء، وينصبه له من شبك المهالك، فشفعه المترجم فيه وولاه على إخوانه، ولم يزل صاحب الترجمة مقيما بالحضرة السلطانية إلى أن أقام بها حفلة العيد النبوى الكريم، وغمر وأفاض العطاء في الشرفاء والعلماء والجيوش. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "الكنتافى" والمثبت من موسوعة أعلام المغرب 8/ 2762.

وفى مهل ربيع الثانى نهض من مراكش يؤم الديار الغربية، فمرَّ على ثغر الجديدة وتفقد أبراجها وسقائلها، وأقام بها أياما كانت كلها أعيادًا ومواسم، ثم نهض لآزمور ووقف على أسوارها وأبراجها وصقائلها وأمر بإصلاح ما يفتقر لإصلاح من ذلك وصيانته، وبالأخص البرج المقابل للمرسى هنالك. ثم نهض من آزمور ودخل ثغر الدار البيضاء في الثالث والعشرين من ربيع الثانى، وأعفى عاملها محمد بن إدريس الجرارى في اليوم نفسه من ولايته عليها، وولاه عمالة ثغر الجديدة، وولى مكانه بالدار البيضاء الحاج عبد الله بن قاسم حصار السلاوى، وأقام بها يومين ووقف على أبراجها وسقائلها، وواعد بإصلاح ما هو مفتقر للإصلاح وخصوصا مَرْفَأ المرسى. ثم نهض من الدار البيضاء وأوقع بعرب الزيايدة لانحرافهم عن الجادة، ثم صار إلى أن دخل رباط الفتح، وذلك غرة جمادى الأولى من السنة، وأقام بها تسعة أيام، ثم نهض وسار على طريق زمور الشلح إلى أن دخل عاصمة سلفه مكناسة الزيتون ثامن عشر الشهر، فأقام بها خمسة أيام. ثم نهض لفاس، وتهيأ للسفر لحسم مادة الفساد من القبائل المتمردة قبل سريان دائها، واستعجال عدوانها، والقبض على رؤساء الفساد، وتقويض أركانه، فخرج في جيوش عظيمة جرارة تنتظم من أبطال من انتظم في سلك إخلاص الطاعة، وقبائل الغرب الأيمن والأيسر سهله والجبل، وذلك منتصف جمادى الثانية. وكان في نظره أن يجعل طريقه على الوادى الأخضر ثم مكناسة تازا لبعد طريق غياثة، فلاذ بعض كبراء المحلة ورؤسائها بأبى محمد عبد السلام البقالى وقد كان محبوبا لصاحب الترجمة مسموع الكلمة عنده، بأن يشير عليه بالمرور على مدينة تازا ويحسنه إليه لقضاء مآربهم بها والاستعداد بالتموين منها، ففعل

وصادفت إشارته من المترجم قبولا حسنا ليقضى الله أمرًا كان مفعولا، وجعل طريقه وفق ما أرادوا، فقامت غياثة بواجبات تموين المحال وفق المعتاد والمألوف أتم قيام وأكمله، وذلك في المرحلة الأولى والثانية، ولما كانت المرحلة الثالثة من إيالة باشا تازا وهو إذ ذاك محمد بن الطاهر الدليمى المتولى بعد عاملها المعزول عبد الرحمن الزرارى، تأخر الإتيان بالتموين ولوازمه عن وقته المعتاد لظنهم أن المترجم لا يمر بهم، وحملوا أعلام العامل الصادر لهم قبل بذلك على الكذب، وأنه إنما أراد جلب ذلك لنفسه. وضمه لكيسه. فتهاونوا حتى رأوا الجنود المولوية تضرب أخبيتها وتحط أثقالها بالمحل المعروف بذراع اللوز، فعند ذلك قاموا على ساق في أداء اللازم فلم يتيسر لهم الإتيان بذلك في إبَّانِهِ. وكان بينهم وبين العامل انحراف باطنى، فاغتنم فيهم هذه الفرصة وبلغ للمترجم عنهم ما أوغر صدره عليهم وأوجب همه بزجرهم، وتسنى للعامل المذكور إلقاء القبض على كل من يأتى منهم بمئونته، فكثر الضجيج فيهم، وصار من انفلت منهم يخبر الجائى بتأسد العامل عليهم، ويهول لهم بحالة المقبوضين، فيرجع بما أتى به، ولم يجئ أحد بعد، فثار غضب المترجم وأيد العامل بدعواه، واعتقد أنه بلغ فيهم مقصوده، فوجه لهم لفيفا من الجيش باغتهم به وذلك يوم الخميس الخامس والعشرين من الشهر المذكور. فاقتحم ذلك اللفيف عليهم حصونهم المنيعة، وسقوهم كأس المنون، وهدموا ما لهم من الدور، وأطلقوا النيران في الزرع والخيام وقطعوا الرءوس، وتركوهم يختالون في أردية الهوان والبؤس، ورجع الجيش ظافرا غانما. ولما رأى الشريف المعتقد أبو العلاء إدريس الوزانى المعروف بزين العابدين زيادة، اشتداد غيظ السلطان عليهم حاول إرضاءه عنهم بإظهار الحقيقة له، وكان

واقعة غياثة وخروج السلطان لتازا ووجدة

نافذ الكلمة مطاع الأمر عند غياثة، فلم ينجح في مسعاه، وصمم المترجم على إعادة شن الغارة عليهم واجتثات عصيانهم من أصله. فنهض لقتالهم بنفسه صبيحة الغد وهو يوم الجمعة السادس والعشرين من الشهر في شقة بين جبال وعرة المسالك، لا يأمن من لم يكن من أهلها من المعاطب والمهالك، وقدم أمام جيوشه الجرارة المدافع والمهاريس واقتحم الشقة وكانت القبيلة قد تأهبت للقتال، واحتاطت الاحتياط اللازم للأهل والأولاد والأموال، وتناوش الفريقان القتال ودامت المناوشة بينهما إلى أن توسطت المحلة الجبال قاصدة قصبة القلعة لظنها أن جموعهم بها مجموعة، والحال أنهم وضعوا الكمائن ورصدوا الرواصد وشحنوا الكهوف والأنقاب بالرماة، ولم يتركوا غير منفذ واحد يفضى إلى مهواة متلفة، فلم تشعر الجنود المخزنية، إلا ونيران أفواه المكاحل تلتهب، والرصاص كهاطل الأمطار من سائر الجهات وبالأخص من خلفها. فاشتد الخطب وامتلأت القلوب رعبا، وكثر القتل وعظم المصاب، وألجأ العدو المحلة إلى شعبة بوقربة وهى المعروفة بالشقة فتعذر الرجوع، وعلا الغبار وتكاثف، حتى أظلم الجو وصار الإنسان ربما لا يميز من بإزائه، وأصاب الناس هول عظيم، وتساقط القوم رجالا وركبانا في تلك الشقة، وكلما سقط واحد ظن الذى وراءه أنه قد وجد مسلكا فيتبعه وهكذا إلى أن امتلأت الشعبة بجثث الأموات من الآدمى والدواب. وظل الناس يومهم يمرون عليهم بالخيل والأرجل وهم لا يعلمون، ولما كان العشى سكنت الفتنة وقام من بقى يبحث عن السلطان، فألفى في الشعبة مع حاجبه أبي عمران موسى بن أحمد من غير أن يعرف واحد منهما صاحبه، فأخرجوهما بعد عناء، وكان ممن تولى إخراجهما قواد مسخرى الجيش البخارى

ابن الحفيان قائد المائة والطالب الجيلانى الجبورى المدعو البحر، ولما أطلعوهما من تلك الشقة أركب المترجم القائد إبراهيم الشركى خليفة قائد المسخرين وهو إذ ذاك القائد محمد بن قاسم ونادى القوم بسلامة السلطان وأمر الطبالون وأصحاب الموسيقى بالصدح إعلاما للأباعد بسلامة روح العالم، كى يلتئم صدع من بقى من الجيش وتطمئن النفوس، فصاروا يتلاحقون بالأمير. فرادى وأزواجا إلى أن التفت عليه تلك البقية الباقية وهان المصاب بسلامة المترجم. ومن الغد أمر صاحب الترجمة آغا العسكر البخارى القائد العربى بن حم، والطالب الميقاتى السيد الجيلانى بن أبي الخير بدفن جثت قتلى هذه المعركة التعساء، ولكثرتهم تعذر عليهم دفن كل على حدته فواراهم في التراب جموعا ووحدانا. ثم وجه المترجم جيشا ثانيا بقصد أخذ الثأر من هؤلاء الظلمة العتاة فخذل, وكان كلما وجه لهم جيشا رجع عودًا على بدء والسلطان يزداد غيظا ووجدانًا إلى أن قام أنصح القواد القائد الشافعى المسكينى وطلب من الجلالة السلطانية أن يذهب لأخذ الثأر منهم أى المتمردة في خصوص أبطال إخوانه، فساعده وتوجه إليهم وأوقع بهم وقعة شنعاء ورجع سالما منصورا حاملا لرءوس من مات منهم، فشكر السلطان صنيعه وأثنى على شهامته وصرامته. ثم بعد ذلك ورد الطغاة على شريف أعتابه نائبين وبنسائهم وصبيانهم متشفعين، ولجأو لمدافع المحلة واحترموا بهم وفق العرف الجارى في أمثال ذلك، فقبل توبتهم وقابلهم بالعفو والإغضاء، وعزل عنهم العامل ابن الطاهر الذى كان السبب الوحيد في إيقاد نيران هذه الفتنة، وولى عليهم القائد منصور حيطوط، وكان إذ ذاك بحنطة أصحاب السكين.

القبض على ابن البشير

ثم نهض المترجم قاصدًا الظفر بابن البشير أصل البلاء كله، ومر في طريقه على عين زورة من قبيلة المطالسة، ولما خيم بقصبة سلوان ودع صدر الوزراء أبا العلاء إدريس بن الطيب بو عشرين، وتصدر في محله أبو عمران موسى بن أحمد، ثم واصل السير إلى أن بلغ وادى ملوية فأقام هناك للاستراحة والاستطلاع على أحوال وأخبار تلك الأنحاء. ومن هنالك وجه بعض الساسة نسخة من دلائل الخيرات وسبحته للشريف السيد عبد الجليل الوزانى موهما له أنهما للسلطان، وأنه هو الذى أمر بتوجيههما إليه ليوجه بهما لابن البشير تأمينا له، ويأمره بالقدوم عليه والتوجه في معيته للحضرة السلطانية، فوجه الشريف المذكور بهما لابن البشير، وأكد عليه في القدوم لديه والتوجه في خفارته لصاحب الترجمة، فورد عليه وفى معيته جملة صالحة من الأشراف العلماء وسراة القوم من بينهم صهره ولد رمضان الذى كان اتخذه أمينا كبيرا بوجدة في جيش لا يحصى كثرة. ولما وصلوا إلى المحلة السلطانية بوادى ملوية رحب بهم السلطان وأظهر لهم مزيد الاعتناء والاعتبار وبالغ في إكرامهم وأنزل ابن البشير وصهره عند رئيس مشوره القائد محمد بن يعيش، وبعد أن اطمأنوا ألقى القبض عليهما وصفدهما بالأغلال، ووجههما لسجن فاس صحبة القائد الشافعى المسكينى وإخوانه وصاحب مكحلته القائد الجيلانى بن بوعزة البخارى، والقائد إبراهيم الشركسى وأكد عليهم بالأخذ بالأحوط في سفرهم بهما، ولمزيد الحزم أمر القائد الشافعى أن ينظم كلا من القائد المحجوب، والقائد إبراهيم مع المقبوضين في السلسلة كل لية إلى أن يحلوا بفاس، وأوصاهم إذا طرأ عليهم مشوش يبادر كل واحد منهما بقتل صاحبه الذى يليه من المصفدين.

ولم يزالوا يواصلون سير ليلهم بالنهار إلى أن بلغوا للحضرة الفاسية وقضوا مأمورياتهم طبق ما أمروا، ولما اتصل بالمترجم وصول السجينين بمحروسة فاس نهض من مسون ووجهته وجدة لتسكين بقية الروعة، وذلك بعد أن عين لكل قبيلة من القبائل التي جاءت مع ولد البشير المذكور عاملا. ولما بلغ وجدة ولى عليها القائد بوشتى بن البغدادى الجامعى والد عامل فاس الحالى وتاقت نفسه إلى رؤية المعدن الذى بجبل روبان، فوجه إلى الفرنسى المباشر لخدمته يعرفه بمراده فأظهر عدم الانشراح لطلبه، وأرجأه إلى أن يأتيه جواب رئيسه. ولما بلغ الخبر الرئيس تسارع للقدوم على المترجم في لفيف من العسكر والموسيقى فرحا بطلبه، ثم ذهب يستعد لزيارة جلالة السلطان للمعدن، وبعد ذلك توجه المترجم في موكب حفيل منتظم مِنْ فَارِهِ فرسان القبائل وولاتها وحاشيته الكريمة، وبعد الاستطلاع على المعدن واستيعاب أقسامه والإحاطة علما بجميع تعلقاته انقلب راجعا. ولما وصل إلى عيون سيدى ملوك بآنكاد، أمر ببناء قصبة بها وأقام هنالك حتى اختط بها مسجدًا لإقامة الجمعة ودور السكنى وفرنًا ودكاكين للبيع والابتياع وسوقًا ومحالا لسكنى لفيف من العسكر، وأنزل بها آغا بعسكره، ثم بعد ذلك نهض بجنوده الوافرة ووجهته تازا، وقد كان أصدر أوامره لعاملها حيطوط المذكور بإلقاء القبض على كل من يدخل سوقها من غياثة واستقبال جلالته بهم يوم حلوله بضواحى تازا وعين لهم يوم إناخة ركابه العالى بها، فبادر العامل لامتثال ما أُمر به. ولما بلغت الجنود المولوية لذراع اللوز خرج العامل للقعدة الحمراء وصحبته المساجين الصادر له الأمر بالقبض عليهم، وبات بها، ولما كان الغد وصلت المحال إليها واطمأنت وجه شرذمة من الخيل تحت رياسة القائد مبارك الشرادى الدليمى

المدعو ولد الشاوية، للإتيان ببعض الحظايا من تازا، كان تركهن بها، فلما توسطوا بهن الطريق قام في وجههم إخوان المقبوضين بسوق تازا أخذا بثأر إخوانهم ووقع بين الفريقين قتال شديد. ولما اتصل الخبر بالمترجم أمر جميع ما بالمحال من الخيول بشن الغارة على فساد غياثة، ولما لحقت بالشرذمة المتقدمة الذكر وأتى العتاة ما لا قبل لهم به، فروا منهزمين، ولحق الحريم ومن يخفره بالمترجم منتصرين، ومن الغد نهض قاصدًا العاصمة الفاسية، ومنها توجه لعاصمة آبائه وأجداده مكناسة الزيتون وأقام بها مدة وفيها انتهت الخامسة بسلام. ومما قيل في قضية غياثة وإخوانها قول الفقيه الأديب الكاتب السيد محمد غريط وأجاد: سيف اعتصامك بالإله مجرد ... ومهند وممهد ومؤيد سيف الحقيقة بالشريعة يزدهى ... ونجاده بضمان نصرك يعقد قلدته للفتح إرثا خالصا ... مع ما سواه من السيوف معدد متخلف الفور المبين وحسبكم ... المصطفى المختار جدك أحمد جاه له دون الوجود بأسره ... جاه عظيم بالشفاعة مفرد ما إن يبارى بأسها متورط ... في بغيه أو ظالم متبلد أو يستقيم الدين إلا بالظبى ... أو رسمه بسوى الظبى يتجدد وافتك إسعافا ومن أسمائها ... عضب بحكمك جازم ومحدد يفرى الظبى بجماجم فله الظبى ... وله الجماجم خاضعات سجد شقى الشقى بحده وأبيد من ... فتكات شدة ضربه المتمرد

حتف بسطوتك القوية قاصف ... مأثور أنباء الفخار مبدد أدهى السيوف كذى الفقار فمن يزغ ... عن أمرك العالى به يتقدد وكذاك مخدم في الشوى مستخدم ... ورسوب يرسب في الوريد ويغمد ومشوق الأملاك ساط حاسم ... حامى الذمار مفصل ومجسد وهو القضيب ودونه القلعى الذى ... منه الفرائس في المواقف ترعد بتار أعمار الطغاة براحة ... إسماحها أهل السماحة أعبد فكأنها بحر خضم مزبد ... فالخير مطرد الندى لا ينفد يمنى الإِمام أبي على من به ... صدر الجحافل ثابت لا يفأد [حسن] ملاذ المسلمين وغوثهم ... سلطان مغربنا الشريف الأيد إن سار في المحل استحال نضارة ... واخضرت الغبرا وأينع جلمد فاليمن والبركات في حركاته ... بهما المخوف عن المغارب يطرد أسد الكتائب سابق ومقدم ... إن ضن بالسبق الكمى الأبلد حيث المعاقل بالدواهى عقلت ... حيث البواتر والأسنة تشهد وهو المقدم كل ليث بيهس ... بشهامة عزت فليست توجد لله موقفه بكل ثنية ... وتنوفة فيها المنايا تورد وجبينه فيها بأنوار الهدى ... متلألئ بادى السنا متوقد كالحاجب السامى الذرى ونظيره ... كأبى قراب ذا الكئود الأقود أطواد طاولت السما لم ينفسح ... فيها مجال ينتحيه السلقد (¬1) ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "الفرس المضمر كزبرج".

سلها فعند جهينة من حزمه ... خبر اليقين مقرر ومقيد حيث استغاث غياثة واستنجدوا ... أوصاف رأفته ونعم المنجد وتطارحوا وتملقوا واستسلموا ... وأناب صالحهم له والمفسد فاستوثقوا بذمامه عن طاعة ... يتلو نتائجها البقاء السرمد فعفا وأصلح والوفا من شأنه ... والحلم من أخلاقه والسودد أكرم بمولانا إذا ما أمه ... بالتوبة الجانى المسئ الألود بشرى كما تتلى البشائر عنده ... في كل آن والبشائر أسعد إن البشير إذا أتى أبوابه ... لا يستراب حديثه أو يبعد خبر بمعلوم ولكن متنه ... يرويه من طريق الصحيح مسدد بشرى بصنع الله والظفر الذى ... أنباؤه فوق المنابر تسرد دوخت مولانا البلاد جبالها ... وسهولها بسياسة تتأكد ونصرت حزب المرملين فما ونى ... عن شكر برك بالدعاء موحد وكسرت شوكة كل عاث ناكث ... الغدر فيه سجية لا تنقد حتى وصلت إلى صحاريها التي ... لخلالها بدأ التنقل يحمد فشددت أزر الدين في أقطارها ... وبرا العدا من ذاك غم مجهد هذا وحقكم الصلاح وأجره ... جم الثواب من الإله معود وقول الفقيه الأديب السيد العربى المشرفى: أتت بشائر بالتهانى كالعيد ... والسعد لباك زال كل تنكيد واستحكمت من سماء الملك ثابتة ... طوالع السعد في أبراج تسديد

فأصبح الغرب فردا لا يعادله ... شرق بما جار من تقديم تقليد يغار منه عراق وهو ذو مدد ... والشام يغبطه من حسن تمهيد لذاك أرخى ذيول الفخر يسحبها ... عزا بملك أبي الموالى والسود هو الإِمام الذى من حسن طلعته ... وحسن صورته مستنبع الجود إمامنا (الحسن) المسدى فواضله ... وبالفضائل ساد كل موجود بالبيض والسمر دان كل منحرف ... ورائغ عن سبيل الرشد مصفود لما بدت لعصاة الشم رايته ... بواد غياث جال الجيش في البيد أتت قبائل ذاك الجو مكرهة ... لما أحيط بهم كالغل في الجيد وأذعنوا رغم أنفهم وأعينهم ... وشاهدوا الفتح لم يكن بمشهود بفتح مغلق أبواب لثبقتهم ... دعوا ثبورا فسحقا للمناكيد حصون قلعتهم كانت لمتعتهم ... قد عاينوا فتحها من دون تفنيد مآل سبيهم وكل ما اكتسبوا ... لمن ولاه إلهنا بتمجيد شدوا رحالهم من خوفه رهبا ... لم تنجهم غابة من شر تشريد هيهات ظنوا تكن لهم أخى وزرا ... فخيب الله ظنهم بتفريد من أهل طاهر لم تطهر شريعتنا ... من رجس بغيهم وظلم تعنيد وكل جان لهم وجان نسبته ... والخبث في نسلهم من جد مجدود بنو بوأحمد لم تحمد عواقبهم ... وأرضهم للجوار دون تحديد بنوا قلاعا في أعلى الشم يمنعهم ... من سطوة الله عزها في محمود غش الفساد وكر البغى حل به ... من النكال وبال غير محدود

سحقا لهم طالما منتهم كذبا ... نفوسهم بأضاليل وتمريد أعظم بداهية دهماء قد نزلت ... بساحة القرب منهم والأباعيد ظنوا شواهقهم للكل منجية ... فأين من أسد منجاء للسيد أمست ديارهم مأوى لبومهم ... وشتت الله شملهم بتشريد وكل صاعقة صماء محرقة ... لم ينجهم هرب في كل تصعيد عساكر الحرب للأعداء طالبة ... لم تغن عنهم جبالهم بتعديد يتلوها جيش من الأبطال عارفة ... ركض الجياد عليها كل صنديد قد ذاقوا طعم وبال الزيغ عن سفه ... فاستمطروا العفو إظهارًا لترشيد قد غرهم عفو جده ووالده ... والشأن أخذ مولد ومولود ناداهم الضيغم السلطان إنكم ... لستم بأهل لعفونا وترديد مذ عدتم عدنا وكان الله منتقما ... منكم وربنا للأعدا بترصيد تبارك الله هذا الفتح جل على ... عن أن يزان بمنشاد الأناشيد بشراك فأت عنان الحزم محتسبا ... لله فعليك واصحبه بتحميد ودر على كل باغ سل مديته ... واذبحه بالعضب قهرا دون تهديد وادخل قصورا طيور السعد تنشدكم ... أهلا وسهلا بألحان وتغريد قد طال ما غبت عنها وهى شيقة ... لطلعة من سناك دون تفنيد لك الهناء يقلك كل معضلة ... وفتح مغلقها بإذن مودود ما قال منشده في رسم دالية ... أتت بشائر بالتهانى كالعيد

حوادث سنة 1294

وقول الأديب الكاتب السيد محمد الصنهاجى من قصيدة: بنو وراين حكمت سيوفه في ... رقابهم فانثنت بالسعد والهمل أغاث غياثة بالحلم شنشنة ... بعد التمكن من أرض ومن قذل زناتة بسيوف العدل قد قصموا ... إذ شن غارته جيش الوغى الثمل سعادة قنصت فتانهم فزعا ... من سطوة بهرت أبطال ذى السحل حتى غدا كل فتان على وجل ... من ذى السيوف سيوف الله في الأزل يا رب مكن له في الأرض واقطع به ... حماية الكفر في الأوطان والنزل ولما كانت سنة أربع وتسعين ومائتين وألف نهض المترجم من مكناس ووجهته مراكش فخيم بسبع عيون، ومنها إلى عين عرمة، ومنها إلى أمحصى، ومن ثم إلى اربعاء بهت، ومنها إلى الخميسات، ومن ثم إلى ضاية رومى، ومنها لعبابو، ومنه على الطويجن ثم لتيداس من بنى حكم. وأقام هنالك وألقى القبض على عدد من المتمردين، ومن هناك نهض للمعازيز ومن ثم لأغبال، ومنه لظهر الشمس، ومنه للكراريط ومن ثم لأعويد الماء، ومنه إلى الدار البيضاء، ومنها إلى عين السبت، ومنها إلى طالع عك، ومنه إلى تاورتيست، ومنها إلى البيوت، ومنها إلى صبارة فطالع كرماط فأم زردة فمازى فونجين فالكريع فالكمكام فقيشر فبين السواقى فدار بوزكرى العميرى. وهنالك ألقى القبض على طائفة من بنى عمير كانوا حاولوا الاستيلاء على الادالة التي كان وجهها السلطان سيدى محمد والد المترجم عسة بقصبة آيت الربع، وهناك تعاهدوا وتظافروا على الإيقاع بها وتمزيقها كل ممزق لما بلغهم نعى السلطان المذكور، ولولا قيام أهل أبي الجعد آل الشيخ أبي عبد الله محمد -فتحا- الشرقى في وجوههم ومبالغتهم في التحذير والإنذار لفعلوا.

ثم نهض إلى السراغنة وألقى القبض على من تعدى حده وخرج عن طوره من آل الشيخ رحال، ثم لم يزل يواصل سيره ساعيا في حسم مادة ذوى الزيغ والطيش والشطط حيثما حل وارتحل إلى أن حل بحانوت البقال ثم مراكش. وقد نظم الشعراء المرافقين لهذه الحركة مراحلها ووصف وقائعها ومشاهدها فقال: مراحلنا للحوز أندية زهر ... ورائدها في الفتح يصحبه النصر هو الطالع الميمون لاحت سعوده ... بأفلاك عز دونها الشمس والبدر منازل من سبع العيون تعدها ... حماة لدين الله والبيض والسمر وجيش لهام حيث زمور أذعنوا ... إلى سيدى من أمره الجبر والكسر وأعطوا يد الطاعات في عين عرمة ... وما لهم في ذاك نقض ولا غدر وأقدمنا عون الإله وحوله ... لأمحص من جرعاؤه المورد الغمر أقمنا به يوما مقام كرامة ... فعاج بنا للأربعا الزمن النضر منازل مولانا اللواتى تشوقت ... إليه كما يشتاقه النيل والقصر هو القصر منصور بطلعة سيدى ... فما إن له عنها يقر به صبر يباكره فوح العبير ونشره ... ويهدى له أنفاس آراجه الزهر منازل مولانا بفسطاطه الذى ... سرادقه أمن وأطنابه خير معرج بهت من تسلسل ماؤه ... رضابا كأن قد شابه الذهب التبر فأزمع منها السير مالك رقنا ... وعسكره الساطى وجحفله المجر يصك به الأعداء صكا وبأسه ... مهنده زرق مطاعنها حمر

فخيم في الخميسات فأصبحت ... وما لمجال المجرمين بها ذكر وما لج في تلك التنائف صائل ... ولا ذعر إلا وحاق به المكر أباد وعفى بغيهم وعنادهم ... وأرهقهم من بطشه الخوف والذعر فأنهضه التأييد حتى استوى على ... أعز بلاد عندهم وهم كثر لضاية رومى والسلامة ردؤه ... وحاجاته حمت وقد قضى الأمر فطورا بترغيب يسوس وتارة ... بترهيب فتاك يدين له الدهر وحاول في أعباب تتميم رشدهم ... فتم بتداس له ونما الأجر ولما أجزنا بالطويخى هيأوا ... هداياهم فيها المحجلة الغر فنفذ حكما عادلا في فريقهم ... بنى حكم من حلمه عنهم ستر ثمال اليتامى عصمة لأرامل ... براحته طى المحارب والنشر فجاءوا حفاة صاغرين أذلة ... ولم يأوهم طود ولم يحمهم وعر وأدوا حقوق المسلمين فما ونى ... غشومهم عنها ولا الصالح البر مراحل للأملاك أسلافه الألى ... لهم بأبى السبطين قد ثبت الفخر هم نسخوا عز المعازيز بالظبا ... وما آدهم نجد بعيد ولا غور فأحيا أمير المؤمنين سبيلهم ... كما كان بل قد فاقهم ذلك الصقر إمام على الدين الحنيفى قابض ... فإرضاؤه ربح وإسخاطه خسر إمام له في كل شئ فراسة ... هى الحق والعلم اللدنى والسر إمام فحدث عن شمائله التي ... بها انفسحت في الغرب دولته البكر هو الحسن المنصور لذ بركابه ... وإن غال من أعدائك الهتر والمتر

هو ابن رسول الله أكرم راحم ... إذا ازورت عنك المعايب والوزر مواكبه أخنت على كل خائن ... بأغبال في الآثام أوثقه الجور وعاجله صرف الردى وأجاحه ... فليس له مأوى وليس له وكر فهل للسهول المارقين إنابة ... وهل في دنى يثبت العرف والبر أقمنا بظهر الشمس نخرج زرعهم ... من الغاب إذا أخفاه عن علمنا الطمر فعادوا ولاذوا بالمدافع رهبة ... وهم ورغ غدر وفعلهم نكر ومنهم لدى مولاى قدم نسوة ... عجائز والصيبان والأشيب القحر (¬1) وساقوا لأعتاب المؤيد إبلهم ... نجائب أدماها التطارح والنحر فأبقى عليهم والبقاء سجية ... به عرفت أخلاقه البدو والحضر وعاقب منهم من تولى ضلالة ... ولم يغن فيه الحلم والصفح والوصر (¬2) فهذا هو الفتح المبين فحدثن ... به لأعداك الفتح والنائل الغمر بمنتصف الشهر المعظم أقبلت ... فواتحه يتلو أواخرها اليسر مراحل لا أنفك أصبو لذكرها ... وهيهات لا تجدى الصبابة والذكر دخلنا على دار الكراريط عنوة ... ودلنا عويد الماء فانشرح الصدر وسرنا إلى الدار التي في بياضها ... أقيمت صلاة العيد واتصل الفطر وأقبل مولانا الإمام فأشرقت ... مصلاه والدين المؤيد والعصر تمنى مصلى كل أرض صلاته ... وتسبيحه فيها ومكة والحجر ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "القحر: الشيخ الهرم" .. (¬2) في هامش المطبوع: "الوصر - بالكسر - العهد والصك الذى يكتب فيه السجلات".

كما تأمل الأفلاك لو بسطت له ... بذا اليوم في محرابه الأنجم الزهر لتدرك من أقدامه لثم أخمص ... مواقفه أقدامها الفتك والدسر (¬1) ودون من بحر البلاغة مصقع ... له خطبة قد زانها الوعظ والنتر (¬2) فبورك من عيد سعيد مقره ... بأرض زعير ما استفيد به دمر وعنه انفصلنا واتصلنا بكل ما ... يسنى لنا البشرى وإن قصر السير لدار أبي عياد ذات مزارع ... وعين سبيت من تسلى بها الفكر وشمنا على قرب الديار زبيدة ... أماطت خمار البين إذا حسن الفسر (¬3) تحن إليها النفس وهى بعيدة ... فكيف وقد أدنى مقلدها اليسر وطالع عنها شوقنا كل تلعة ... وطالع عك والشوق لاعجه جمر بلاد بمولانا أذيل أسودها ... وكسر ناب البغى واقتطع الظفر فقاموا بحق الله والملك رهبة ... وسرهم بالنصر أعلن والجهر ورحنا لتا ورتيست حول زبيدة ... وشائننا أودى به الدحر (¬4) والتبر وراض بنا يمن البيوت سوابقا ... إليها ولكن ماء جيرانها نزر بدعوة مولانا تفجر سيبه ... وفى صبرا عنه انفاى الترب والصخر فآن بأسرار الأناة نزولنا ... بطالع كرماط وأسادنا جزر ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "الدسر: الطعن والدفع". (¬2) في هامش المطبوع: "النتر - بالمثناة - تغليظ الكلام وتشديده". (¬3) في هامش المطبوع: "الفسر: الإبانة وكشف المغطى". (¬4) في هامش المطبوع: "الدحر: الطرد والإبعاد والدفع". والتبر -بالفتح- الكسر والإهلاك.

ولوحظ في تلقاء زرض مخيم ... بأرض بنى خيران من شرهم قفر هنالك ولجين به كل شيظهم ... من العسكر الجرار أوحشه الزأْر (¬1) وقلب آجاما ودكدك ذروة ... وكسر هامات تخامرها الكبر على الفور أدوا واجب الملك في مزا ... هو الطارف الوجود والدخر والوفر وحيث أنخنا بالكريع جددوا ... قراهم كثيرا لم يلم به حصر ونافسهم فيه سماعلة فما ... تأخر منهم عن أدا واجب شفر (¬2) مراتع غزلان بقمقام نفز ... وفى قيشر قد زانها النفز والنفر (¬3) بتادلة أبقى الإله رجالها ... ملاذا لعان مسه الكرب والعسر وموئل تدبير الصلاح لصالح ... وتدمير حبان فيه لم ينفع الزجر من بين السواقى حذرته طلائع ... لسيدنا من شأنها الرفق والصبر وفى دار بوزكرى أقامت براهنا ... على أنه أعمى وفى أذنه وقر فصحبه سيف الإمام فلم يقم ... له في ابن عمير حديث ولا خبر مغيض فساد خيب الله سعيهم ... مشالم فيهم يعرف الظلم والختر وفى حلق الاغلال أدرج منهم ... عديد وأصمته العقوبة والأسر منازله في أثنائها كل عارف ... كبير علينا فاض من عطفه بحر كمولاى من يكنى أبا الهادى من له ... مناقب شتى ليس يجمعهما سفر ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "الشيظم -كحيدر- الطويل الجسم الفتى من الإبل والخيل والجمع شياظمة، والزأر: كالزئير - صوت الأسد". (¬2) في هامش المطبوع: "يقال ما بالدار شفرة وشفر وشفر أى أحد". (¬3) في هامش المطبوع: "نفز الظبى ونفر: شرد".

تلالا بالأنوار وجه ضريحه ... له الجاه عند الله أكبر والقدر ومولاى قطب الواصلين وسيدى ... سليمان من يدعوه مثر ومعتر إغاثته عند الشطيبى كأنها ... رماح إلى الغوغاء سددها الجبر مفاتيح مولانا الإمام حماته ... ببرهانهم قد شد للملك الأزر تبارك من أولاه منهم عناية ... بها لعصم خضعان أكنهم وجر (¬1) رأينا بنى موسى حيارى أذلة ... بدار ابن زيدوح يقودهم القسر نواكس للأذقان تسأل حلمه ... سؤال منيب قد أحاط به البور فلله ما أعلى وأغلى سماحه ... وأقربه من مجرم إثمه عذر منازل أحيا الله أمن سبيلها ... فبالحفظ فيها ينهض الشفع والوتر أبو عقبة منها قراه مهيأ ... به يحمد الترحال والظعن السفر وفى الدثرة الحسنا بشير حلولنا ... بتاستاوت يلقاك من بشره نشر يخبر أن الفور يوم مبيتنا ... حذاء أبي يعزى وذا السيد الغر كريم كريم منه كان انتقالنا ... لتاملت والقلب جذلان والفكر فقال إلى المنصور حال اعتباره ... زيادة أرباب التقى للعلى جسر وذا السيد الإبدال رحال سره ... يشير لمولانا وأعلامه الخضر فزار عماد الدين في الحين قبره ... وآب بغيث الله إذ أحجم القطر وبتنا برأس العين والدجن مطبق ... ومعه رذاذ عنه تندفع البغر (¬2) ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "الأعصم من الظباء والوعول ما في ذراعيه بياض وسائره أسود وأحمر. والوجر: كالكهف في الجبل". (¬2) في هامش المطبوع: "الرذاذ: المطر الضعيف، والبغر -ويحرك- الدفعة الشديدة من المطر".

ورحنا لكرمان رواح مسرة ... بذا الغيث من ينمو به الضرع والبذر تخال فويق الأرض كل سحابة ... يسح علينا من جوانبها نهر إمام إذا ما الليل أرخى جفونه ... جفا نومه قرآنه الملك الحبر إلى الله يدعو والإجابة بابها ... له صار مفتوحا ومفتاحه الذكر على ملكه أهل العناية أطبقوا ... وعن ملكه قد عنون الكشف والجفر فبانت لنا مراكش وربوعها ... ولاح عليها من سنا نوره فجر وبتنا على جناتها بقرارة ... ومما سواه راح آمالنا صفر ولما بدا وجه الصباح بدت لنا ... رجال بهم نال المفاخر ذا القطر بدور سماء الأصفياء بجاههم ... تبين من أعدائنا الصقر والبقر فسحقا لهم سحقا أتى المَلِكُ الذى ... به تأمن الدنيا به سعد الدهر وحل محل العز في دار ملكه ... فبشرى لنا والحمد لله والشكر ونظم تلك المراحل ناظم آخر نذكر نظمه لما فيه من الفائدة التاريخية قال: حمدا لمن هيأنا للحركة ... بقوة وصولة وشوكة نشكره شكر ضعيف عاجز ... ثنى عنانه عن العجائز فسنحت له مراحل السفر ... يعدها في ذا السجل المختصر فقال والله يسدد المقال ... وهو حسبى في مقام وانتقال مراحل السلطان مولانا الحسن ... أكرم أبناء حسين وحسن وسائل إلى صلاح المسلمين ... بسيفه المشهور بالفتح المبين أرخت بدأها بشكر بين ... على مواهب الإمام الحسنى

من دار مكناسة الغراء ... لبهجة الحواضر الحمراء أولها المبيت في سبع العيون ... وعين عرم وهى للحفظ عيون وامحصى وأربعاء بهت ... منازل السعد بهذا الوقت ثم الخميسات وضاية رومى ... وأعباب والكل لليمن نمى كلذا الطويجن وتداس ورد ... إلى المعازيز وأغبال تستفد ثم لظهر الشمس والكراريط ... ولعويد الما بحزم ضابط إلى الدار البيضا أبي عياد ... لعين سبت منهل الصواد لطلعك لتورتشت لبيوت ... لصبرا بالرفق لا بالجبروت لطالع الكرماط فالله معين ... وأُم زرض ومزا وونجين إلى الكريع وللقمقام ... لقيشر ظفرت بالمرام ثم إلى بين السواقى دمت في ... كلاءة الله ولطفه الخفى لدار بوزكرى لسيدى أبي الـ ... ـــهادى الولى الصالح المقرب إلى الولى سيدى سليمان ... إلى الشطيبى يا وزير السلطان يا ملجأ الأعيان والإخوان ... يا عمدة الملك أبا عمران بشراك بشراك بتحصيل الفتوح ... فهذه أعلام دار ابن زيدوح ومنها ننهض إلى بوعقبة ... صحبة مولانا لدار الدشرة لوادى تاستاوت لسيدى أبي ... الهادى مفيدى باعز مطلبى إلى تامللت بقيت عاليا ... وبمديح البلغاء حاليا لرأس العين ثم للنخلية ... لحانوت البقال خير نزلة

عمل المولد النبوي

ومنها سل عطف الرجال السبعة ... ذوي الِكمال والسنار والرفعة فمن هنا ببرهم نرتحل ... وتحت راية الإمام ندخل بحفظ ربنا لمراكشة ... في ذمة الأمان والسلامة فنسال الله دوام النصر ... لملك الأمر إمام العصر ثم الإياب معه لفاس ... بكرم الشيخ أبى العباس وبمراكش أقام حفلة عيد المولد وفق المعتاد من سلفه ذوى المفاخر العلية والمواهب السنية واقتداء بمن سن ذلك من أئمة الإسلام وحملة الشريعة في المشارق والمغارب. وذلك وان لم يكن في القرون الثلاثة، وإنما حدث بعد، فلا ريب أنه من أحسن ما ابتاع وأجمله، إذ كان مصونا مما حذر الشارع منه. قال الحافظ أبو الخير السخاوى في فتاويه: عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الماضية، وإنما حدث بعد، ثم لا زال أهل الإسلام في سائر الأقطار والمدن الكبار يحتفلون في شهر مولده عليه الصلاة السلام بعمل الولائم النفيسة ويتصدقون في لياليه بانواع الصدقات ويظهرون السرور ويعتنون بإقامة مولده الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم. انتهى. وقال الشامى: وأول من أحدث ذلك من الملوك صاحب إربل من أرض العراق الملك المظفر أبو سعيد كو كبورى، كان يحتفل به احتفالا هائلا ويصرف عليه كل سنة ثلاثمائة ألف دينار، وقد عد العلماء له من المآثر العظيمة ذلك وغيره، وأثنى عليه جماعة من العلماء منهم الحافظ أبو شامة شيخ النووى.

قال السيوطى في حسن المقصد في عمل المولد: وقد ألف الشيخ أبو الخطاب ابن دحية تأليفا مجلدا لهذا السلطان في المولد النبوى سماه التنوير في مولد البشير النذير، فأجازه بألف دينار وقد طالت مدته في المملكة إلى أن مات وهو محاصر للإفرنج سنة ثلاثين وستمائة. وقال سبط ابن الجورى في مرآة الزمان: حكى بعض من حضر سماط المظفر يعنى صاحب إربل المذكور في مولد النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه عد في ذلك خمسة آلاف رأس من الغنم شواء وعشرة آلاف دجاجة ومائة فرس ومائة زبدية وثلاثين ألف صحن حلواء، وكان يحضر عنده في المجلس أعيان العلماء والصوفية هـ. وقد ترجم للمظفر ابن خلكان فانظره. وقد قدمت لحضرة المترجم في هذا الاحتفال عدة قصائد مولوية من سائر الأقطار المغربية، ومما أنشد منها بين يديه قصيدة العلامة الأديب أبى العلاء إدريس ابن محمد بن إدريس بن الحاج العمراوى ودونك لفظها: علامة إضمار المحبة لا تخفى ... ونار هوى المحبوب في القلب لا تطفى وجيش الصبابات المروع للحشى ... يكر على صبرى فيهزمه زحفا وكيف أوارى الحب أم أكتم الجوى ... ودمع مآقى العين قد ساجل الوطفا عريب النقا ماذ القينا من الضنا ... فهل نرتجى مما عرى بكم كشفا إذا باكرت من بطن نعمان نسمة ... تجدد للصب المصاب بكم لهفا وإن لمع البرق اليمانى موهنا ... أثار بأحشائى لذكراكم لهفا بحق هواكم بالفؤاد ترفقوا ... ورقو التهيامى فقد جاوز الوصفا إذا لم يكن وصل فوعد بزورة ... وإن أنتم لم تسمحوا فابعثوا الطيفا

على أنكم مذ غبتم هجر الكرى ... فما نام طرفى بعدكم لا ولا أغفا أحبة قلبى هل تعود عهودنا ... وهل تنظرن عينى المحصب والخيفا وهل أردن ماء العذيب وبارقا ... وتمنحنى بالمنحنى أسرتى عطفا وهل بحمى الجرعاء والجزع أحتمى ... وأنشق بالبطحاء من عالج عرفا معاهد أحبابى وملء محاجرى ... سقاها الحيا الوسمى بالديمة الوطفا أردد ذكراها وأهتف باسمها ... لعلى بذكراها من الوجد أن أشفا وهيهات لا يشفى المحب من الأسى ... سوى أن يرى عند الحمى ذلك الإلفا علامَ أصد النفس معتسفا بها ... ومالى أُرجيها بعلى أو سوفا فهلا امتطيت العزم مطرحا سوى ... مراقى تدنينى إلى المورد الأصفى وان شفائى لو وجدت مساعدا ... سماع حداة العيس ترمى بها عسفا إلى طيبة تطوى المفاوز لا تنى ... تبادر لا تخشى شتاء ولا صيفا إلى روضة المختار أحمد من به ... تمهد دين الحق واتخذ الأكفا نبى الهدى المبعوث للناس رحمة ... ومن جعل المجد الصميم له وقفا ومن لعباد الله أصبح هاديا ... فنالوا به الزلفى وقد أمنوا الخوفا وبلغ للخلق الرسالة ناصحا ... فلله ما أبدا ولله ما أخفى وأعلى منار المسلمين بهديه ... وأعمل فيمن ضل عن سبله السيفا وأوضح دين الحق فاتصلت به ... موارد من يسلك بها يأمن الحتفا وخص من المولى بكل كرامة ... تجاورت الأعداد والشبه والكيفا به ختم الله النبيين منة ... وفضله من بينهم وله استصفا

وقدم في الإسراء فهو إمامهم ... وقد جعلوا من خلفه كلهم صفا وفى الحشر يأتى الرسل تحت لوائه ... وقد عمهم من فضله الكنف الأوفى به أظهر الله الجمال جميعه ... وأعطى لفرد الحسن يوسف النصفا وأخدمه جبريل في حضرة بها ... سقاه شرابا من مبرته صرفا غداة ترقى قاب قوسين أو أدنى ... وفى الموقف الأعلى له المجد قد زفا فنال مناه باجتباء ورفعة ... وعاد قرير العين بالقرب والزلفى وفى المولد الأسمى بدت معجزاته ... خوارق عادات شفتنا بها الشفا كإيوان كسرى إذ تداعى بناؤه ... وما كان يخشى من وثاقته صرفا وتنكيس أصنام ورجم مخاتل ... يروم استراق السمع من جهله خطفا وغارت عيون الفرس عند خمود ما ... لهم من وقود لم يكن أبدا يطفا ومن قبل مبداه أتتنا بشائر ... من الجن في الآذان تقذفها قذفا إلى أن بدا النور الذى ملأ الفضا ... فلا شرق يخفى ما استنار ولا جوفا كما انجاب عن شمس الهداية ليلها ... فلما تزل تبدو ولما يزل يخفى وكم من علامات وكم من كرامة ... له مع تزداد العصور به تلفى فقل للذى يرتاد حصر صفاته ... أردت محالا يا عديم الحجا كفا لو اجتمع الأملاك والجن دفعة ... كذا الإنس ما استوفوا من أوصافه حرفا إذا الله حلاه ونوه باسمه ... فكيف يجيل الخلق في وصفه طرفا نبى الهدى المبرور دعوة خائف ... يمد على بعد لمعروفك الكفا غريب بأرض الغرب أعيت أموره ... وضاقت مساعيه فناداك واستكفى

يناديك والأوجال تضعف صوته ... وحمل اكتساب الوزر قد أثقل الردفا يروم نهوضا ثم يعجزه الونا ... ويغلب لا يسطيع عن نفسه صرفا فلب رسول الله صوت مؤمل ... وأسدل على عوراته كرما سجفا وأول ابنك المنصور بالله عطفة ... يحل بها فوق السماء ولا خوفا ووال له سعدا وفتحا مؤبدا ... يسوق به للمعتدى الهلك والحتفا فقد يا رسول الله أعمل جهده ... وما حاد عن نهج الرشاد بلى عفا وقام بنصر الدين محتسبا به ... يجدد ما استبلى ويوضح ما استعفا وأسهر في نيل المكارم طرفه ... وأعطى على الإصلاح مهجته وقفا فساس وواسى ثم آسى بعدله ... ولان لمن والى وقد جانب العسفا وشاد بناء ثابت الأسّ بالتقى ... وساد وبالمعروف قد بسط الكفا وجرد للأعداء ماضى عزمه ... وأسرج مرتادا لنيل العلا طرفا هو الحسن السامى لأعلى مثابة ... له الحسن والإحسان حازهما وصفا أنله رضى يكسوه حلة مفخر ... وعزا منيفا شامخا يغلب الكيفا إلى أن يراه العالمون مجددا ... لسنتك الغراء ماح بها الظلفا حنانيك للبر العطوف الذى به ... تبدى جبين العدل من بعد ما استخفا حنانيك للفرع الكريم الذى زكى ... وطابت مزاياه وبالعهد قد وفا حنانيك للحبر الهمام فلم يزل ... لخرق عداة الحق من جده يرفا أعنه أعنه يا سلالة هاشم ... ويا خير من والى ومن أكرم الضيفا وكن ناصرا حزب الإله بسيفه ... وأنزل على أعدائه الخزى والخسفا

حوادث سنة 1295

ومثلك من حامى وواسى وإننا ... على ثقة أن يحرز الحب والعطفا سلام على ذلك المقام مضمخ ... بأطيب طيب عرفه يملأ السدفا وأركى صلاة من حمى القدس يزدهى ... لها العرش والأملاك تستوعب الصحفا وللآل والأصحاب أوفى تحية ... ننال بها من رينا العطف واللطفا ولما دخلت سنة خمس وتسعين بقى مقيما بمراكش شفقة على رعيته لما دهمها في تلك السنة من حبس المطر وارتفعت بسببه الأسعار، وبلغ ثمن المد من القمح بمكناس أربعة عشر مثقالا، فضج الناس وافتتنوا وكاد أن يأكل بعضهم بعضا، وصار المرء يفر من أخيه وأمه أبيه، ويبيع الوالد ولده، ولا زال إلى الحين الحالى يضرب المثل بتلك السنة لا أعاد الله مثلها على الأنام، ولم تزل الأسعار في ارتفاع والوباء بالأقطار المغربية في انتشار والناس في شدة واضطرار مدة، ثم تجلى الله سبحانه لعباده بالعفو والأفضال، فاهتزت الأرض وربت وأخذت زخرفها وازيتت. وفى هذه السنة كانت وفاة باشا طنجة القائد الجلانى بن حم وولى مكانه القائد عبد الصادق الريفى. وفيه وقع الإذن لصنو المترجم وخليفته بتافيلالت مولاى رشيد وعميه المولى سليمان والمولى الحسين بالإتيان من مقرهم تافيلالت للديار الغربية بقصد صلة الرحم مع المترجم وبقية ذوى رحمهم بطلب منهم، ولما وصلوا الدمنات صادف الحال إصابة المترجم بانحراف في مزاجه، فاصدر أوامره المطاعة لعامل دمنات بإكرام وفادتهم ونزلهم، والقيام بشئونهم كما يجب إلى أن تصدر لهم الأوامر بالإتيان للحضرة المولوية، ولما تحسنت حالة صاحب الترجمة الصحية أمرهم بالقدوم لحضرته بمراكش، ولما مثلوا بين يديه أظهر لهم من السرور بمقدمهم والارتياح لرؤيتهم ما أوجب غبطة غيرهم لهم.

ولما شفى صاحب الترجمة مما ألم به تبارى الشعراء في التهنئة والقول، فكان من ذلك قول الفقيه الكاتب الأوحد السيد لحاج إدريس بن إدريس العمراوى: نهار كما شاء السرور سعيد ... ويمن على مر الدهور جديد وبشرى به الإسلام أثبت طوده ... وقد كادت الأرجاء منه تميد وفتح به ازدان الزمان وأهله ... وموسم عز قد تبدى وعيد وفخر وإسعاد وفضل ونعمة ... تباشر أحرار بها وعبد به رقصت مراكش وتبخترت ... روى البشر فيها خالد ويزيد بل الشرق والغرب ازدهى لسرورها ... وهشت لها شاماتها وهنود فقم وانشرح واطرب وطب فحبورنا ... بإبلال مولانا الإمام يزيد توارى ولا باس فطاشت عقولنا ... وكادت نفوس العالمين تبيد ولارمنا داء السهاد تأسفا ... وحارت مهى في خدرها وأسود فلما رأينا غرة المجد أشرقت ... وروى أحاديث الشفاء حميد تراجع أرواح الورى لمقرها ... تبارك مبدى العالمين معيد وجالت بنا الجرد الجياد وولولت ... كأن تفاصيل الصهيل نشيد وقهقه أصوات المدافع فانبرت ... بروق تهنى بالمنى ورعود وأرسلت الخيل العتاق فساجلت ... مواهب بر ذكرهن عديد ولائم سعد عظم المجد قدرها ... براحة مولانا الهمام تعود أحاديث من حل الهنا بشفائه ... بها فار منسوب وخاب حسود لدى الحسن المولى المؤيد والذى ... له الفخر ينمى طارف وتليد

إلى ابن هشام ينتمى كل سودد ... كريم على كل الكرام يسود إمام إذ ما المدلهمة أعضلت ... يفرجها رأى لديه سديد وإن شحت السحب الغزار بوبلها ... يسيح بيمناه الندى ويجود وإن ثلمة في الملك أعوز خرقها ... تداركها عزم له وسعود وإن ركب القوم السفاه فسيفه ... لقصم رقاب المارقين عتيد وإن ذكر الأملاك في السبق للعلا ... أقر له مأمونهم ورشيد ثبات إذا ما الشامخات تضعضعت ... وباع إذا ضات النطاق مديد به رفأ الله الخروق بغربنا ... ولولاه دامت فتنة وحقود وأسهر طرفا صالحا في مصالح ... رعاياه منها في الأمان رقود أمولاى تهنينا سلامتك التي ... بها الدين والدنيا لهن ركود نها بها والمشرفية والقنا ... وجرد مداك ضمر وجنود كذاك سرير الملك والتاج هنئا ... بها رسمت فوق القصور بنود فدم واغتنم واسلم لأمة أحمد ... فأنت لها كاف كفيل رشيد وأول أبا عمران موسى بن أحمد ... وزيرك برا لا يزال يفيد فقد بذل المقدور في النصح واستوى ... لديه قريب في الرضا وبعيد وأعمل في مرضاتك الجهد قاصدا ... رضا الله فانثالت لديه جدود فمن رأيك الميمون بالله رأيه ... وليس له في الصالحات نديد وقابل عبيداً بالقبول فقد أتى ... بأسلاك در ضمنته قصيد ودونك مولانا الأمير نفيسة ... عقيلة فكر عيطموس خريد

ترى مهرها عين الرضا وزفافها ... إلى حضرة العلياء منك تريد ولا زلت يا كهف الأنام مهنئا ... بعافية طول الزمان تزيد وألبسك الرحمن حلة صحة ... مطارف لا تبلى لهن برود وقول الفقيه الأديب الكاتب سيدى محمد غريط مهنئا الوزير أبا عمران موسى بن أحمد بشفاء صاحب الترجمة: بشرى بشرح سلامة المنصور ... وسروره بالملك في المنصور قرت عيون المسلمين بها كما ... قرت بطول حديثه المشهور ترداده بلسان كل مفوه ... أشهى إلى أسماع كل شكور وبيانه بخطاب أهل وداده ... أنكى لكل معاند وغيور أهلا به أهلا فما أحلاه من ... نبإ يمزق قلب كل غرور لم يدر ألطاف الإله بعبده ... في مظهر المحتوم والمقدور أو يستكين إلى الصواب ويرعوى ... عن فهمه المذموم والمحظور نبأبه التوحيد أصبح يزدهى ... في العز يرفل في برود حبور والكفر أبلس والغواة عذابهم ... لمآتم ومنائح وثبور نبأ جميل الذكر متصل الهنا ... بإمامنا بحر الهدى والنور عن أحفظ الحجاب يروى متنه ... بنفائس المنظوم والمنثور ذاكم أبو عمران أكرم شافع ... وأجل ساع في ادخار أجور ركن السياسة والرياسة والحيا ... طود الأناة وجابر المكسور ثبت الفؤاد إذا تعاظم حادث ... عن حمله قد كل كل صبور

موسى بن أحمد لا عدمنا وجهه ... كالبدر في شرف السنا المنظور علامة الوزراء ومأوى المعتفى ... ومحل أمن الخائف المذعور بشرى له بشرى له بشرى له ... يحظى بظل ردائها المنشور بحصول عافية الإمام المجتبى ... حسن الشريف الطاهر المبرور سيف الأله يبيد كل ممخرق ... عاث ويكسر هام كل جسور فخر السلاطين الذين فخارهم ... في الغرب فوق فخار كل فخور لا زال في مرقى السعود مهنئا ... بكمال برء في قباب قصور يتلو الزمان بقاءه وشفاءه ... في بابه العالى على الجمهور وقول الفقيه الأديب الحسيب مولاى أحمد الرباطى مهنئا باشا الحضرة الإدريسية عبد الله بن أحمد من قصيدة: فجر اليقين بأفق العقل قد طلعا ... لولاه غيم سحاب الشك ما انقشعا والبدر حل حلول السعد في شرف ... ببرج طالعة الجوزاء إذ سطعا منه الدرارى استنارت فهى في فلك الـ ... إجلال تسبح والضياء قد نصعا وشق جيب الدجى عن الصباح كما ... غنى الهزار بصوت للصبوح دعا والشمس من غيهب بالحمد قد طلعت ... وأشرقت في سماء المجد فالتمعا فالملك عوفى والهناء يومئذ ... وصارم العز هام الطيش قذ قطعا بشرى بعافية الوجود من خطر ... إذ داؤه بالشفا عزما قد ارتفعا لولا الأمير لعمر الله ما بزغت ... شمس التهانى ويوم السعد ما تلعا لولا الأمير وراء الخلق ما خمدت ... نيران خيف ولولا الذعر ما ارتدعا

لولا الأمير لما عاش الضعيف ولا ... في الأمن شخص على بساطه اضطجعا للمال حفظ وللأعراض مع سبل ... ظل الرعية من حر الوغى منعا تعطى الحقوق به قد حال صارمه ... بين الورى حده برا من امتنعا مستوجب صالح الدعاء حق له ... من الأنام أليس الخطب قد دفعا فالله يحفظه من كل مؤلمة ... طول الزمان بمن في خلقه شفعا فر الفساد من الصلاح منهزما ... لولا القنا بيمين الملك ما انقمعا فأهل شقشقة اللسان دونهم ... عضب يمانى وكم من مهجة لسعا قل للذين بإرجاف الورى اشتغلوا ... موتوا بغيظكم فالصبح قد طلعا عار على المسلمين الخوض في كذب ... يدرى العواقب من في المؤمنين وعا فالطود أرسخ شئ في تمكنه ... ما اهتز قط للغوكم ولا استمعا والليث أظفاره تغنيه في ظفر ... يدهى الذئاب سماعه وإن شسعا ما صرصر الباز حول الطير في وطن ... إلا انزوت والتوت في وكرها فزعا إن الخلافة تنظيم العباد فلا ... تحصى لها حكم سبحان من بدعا حق الهناء فبشرى الغرب من فرح ... جاء البشير وإن الحق قد صدعا سر الزمان وكاد القطر من فرح ... يختال زهوا ونال الأمن واتسعا ... إلخ وقول الفقيه الكاتب السيد محمد الصنهاجى من قصيدة: حى الرفاق وسائق الأظعان ... وأنخ بمربع راحة وتهان واجنح إلى سلمى ويمم حيها ... تجد المسرة في رياض غوان واليمن يشدو والسرور متوج ... والسعد يرقص في بساط أمان

والمجد يرفل في برود بشائر ... يمنية مكلوءة بمثان والكون يطرب والهناء معانق ... والعز ينصع في سماء معان حول الحمى تجد الأنام مطيلة ... أعناقها لتفوز بالعيان فأزال مولانا هواجس فكرة ... بتواتر مأثور عن أبان عن بارع ببراعة سكنت بها ... لب العوالم عن أبى عمران يا مصغيا أُذن السماع إلى الهدى ... أبشر بعافية العلى الشان أضحى الشفاء معانقا لأميرنا ... والبسط والأفراخ في الإيوان وقول الفقيه الأديب مولاى أحمد بن الفقيه العلامة مولاى العربى البلغيثى يهنئ الباشا عبد الله المذكور ويذكر ولده محمداً خليفته: طاب الصبوح بأطيب اللذات ... اشرب زلالا فالحبيب موات وأصخ لما يبدى السماع مجاوبا ... بترنم الألحان والنغمات باكر وصل وعد الغوانى مصافيا ... ودع المزاح مواتيا لسقاة دارت كئوس الشرب بين أفاضل ... من راحة الهيفاء بالحضرات أنسية حضرية فتانة ... بعذوبة الألفاظ والنفثات فكأنها ظبى الفلاة تجفلت ... والروع يشرفها من الهضبات جارت دلالا والدلال يزينها ... لسعت بمثل أساود الحيات نفرت فأرخت للبعاد عنانها ... وكوت فؤاد الصب بالجمرات سمحت بنظرة وردة في سوسن ... بتوسط الطاسات والكاسات والخال حارسها بلون حالك ... متيقظ الأجفان والنظرات

قرب الوصال وأشرقت شمس العلا ... جاءت جنود البشر بالرايات ملأت مسرتها القلوب وأرسلت ... نبأ السرور يطوف بالجمعات هذى عوائد سيدى من لطفه ... عادت به الأشياء للغايات يا قاصدا نلت التهانى والمنى ... ومرابع الآمال والحاجات يمم وهنئ بيت مجد شامخ ... ومعالم الإحسان والحسنات وعرين غابات الأسود من أحمد ... فهم الكرام وعترة السادات واخصص ذرى الشمس المنيرة في العلا ... عبد الإله ومظهر الآيات فئ البنود مقيله ووطاؤه ... ظهر الخيول تصول في الغارات أسد عزائمه النصال وكيف لا ... وهو الكمى الثبت في الوثبات إنسان عين العلم إن ذكاءه ... يبدى العلوم بسرعة وثبات أقنى لباب العقل حكمة قاصد ... مع فكرة أصفى من المرآت من خصه المولى ونور سره ... حفت به الأقمار كالهالات فلتهن يا سيدا ربى في سودد ... بسلامة المولى من الآفات سلم الوجود ببرئه وشفائه ... سعد البرى وغيره في شتات ملك لمبغضه الجحيم وراثة ... والناصحون في أفضل الجنات ملك حوى فضل الملوك جميعها ... ساد الملوك فيما مضى أو ياتى أوصاف مدح في الثناء كثيرة ... قصرت عليه بواضح البينات إن رمت حصر صفاته مستقصيا ... رمت نفاد البحر بالآلات يا نجد كهف الوقت حبر رياسة ... اهنأ بعز يا سليل ثقات

أنت العريق مجادة ومكانة ... نلت السمو لأرفع الدرجات حسنت سجاياك سمى محمد ... ورضعت ثدى العلم في الحالات دمتم في حفظ الله ناصر مالك ... قد خصكم بمواهب الخيرات حق الأمير على الرعايا دعاؤها ... في سائر الركعات والسجدات تبغى له نصرا وعزا مؤزرا ... في كل آونة من الأوقات إن الدعاء له علينا لواجب ... في غاية الإخلاص والنيات فأدم صلاتك للنبى محمد ... مصحوبة بنوامى التحيات والآل والصحب الكرام جميعهم ... محفوفة باليمن والبركات وبعد مقدم الأشراف المذكورين من تافيلالت بأيام قلائل توفى أبو عمران موسى بن أحمد وجيه رجال الدولة وحاجبها وممثل رجال صدارتها، فأسف السلطان لفراقه وحضر جنارته بنفسه، وذهب راجلا في وسط المشيعين من داره إلى محل مدفنه، بضريح جد الأشراف مولانا على الشريف بباب آيلان، ولما كان المترجم قائما على شفير قبر الفقيد طلب منه عمه المولى سليمان المذكور ترشيح ولد المتوفى أحمد المار الترجمة لوظيف والده رعيا لمكانته المكينة، وألح عليه في ذلك، فقوبل اقتراحه بالتلبية، وفى عشية اليوم نفسه أمر بعمارة المشور ولما أخذ كل مكانه أمر قائد مشوره بإجلاس أبى عبد الله محمد بن العربى الجامعى بمجلس الصدارة وأخيه أبى عبد الله محمد الصغير بمحل وزارة الحربية وأبى العباس أحمد ابن موسى المتوفى بمحل الحجابة الذى هو محل والده الحقيقى. فلما بلغ ذلك المولى سليمان المذكور تأثر غاية وأعاد الاقتراح على المترجم فأجابه بأنه عينه في محل والده طبق ما اقترح عليه، وأجابه إليه، وأنه ما رشح قط

الهالك المذكور للصدارة، وإنما كان تصرفه فيها على وجه الافتيات منه ورعيا لسابقية خدمته مع والده استحيا منه ولم يؤنبه وإلا فرتبة الوالد هى التي رشح لها الولد فزال لمولاى سليمان الأشكال وتحقق صدق المقال. كما قلد المترجم أيضا أمانة الأمناء المالية للأمين الأكبر أبى عبد الله السيد محمد بن الحاج محمد التازى الرباطى الشهير. قال صاحب الاستقصا: وفى هذه الأيام استدعى السلطان أيده الله خديمه الأرضى، السيد محمد ابن الحاج محمد التازى الرباطى إلى حضرته العالية بالله بمراكش، فقدم عليه الأمين المذكور وأجل السلطان مقدمه وأسند إليه أمر خراج المغرب ومراسيه ومستفاداتها وما يتبع ذلك من صوائرها، وفوض إليه في ذلك تفويضا تاما لعلمه بنصحه وأمانته وضبطه، قال: وهذا الرجل من أمثل أهل المغرب وأصدقهم وأنصحهم للسلطان، وأشدهم غيرة على الدين والوطن، حتى لو كان في الدولة عشرة رجال على شاكلته ومذهبه لكان يظن أن يكون لها بذلك النجاح التام، نسأل الله تعالى أن يصلح أمرها، ويشيد بمنه عزها وفخرها. انتهى. وبقى قائما بأعباء وظيفه بغاية الاجتهاد والسداد مصاحبا للركاب السلطانى حلا وارتحالاً إلى أن اخترمته المنية بفاس في رمضان عام 1307 ودفن بضريح مولاى أحمد الصقلى منها بقرب قبر الأمين السيد محمد بن المدنى بنيس الذى كان قبله، فقلد المترجم بدله أخاه الأصغر الناصح الغيور النزيه الطيب الذكر السيد الحاج عبد السلام بن محمد التازى الرباطى المتقدم الذكر في ترجمة الوزير الأكبر السيد أحمد بن موسى فسار على سيرة أخيه، مع اقتفاء نهج الجد وتوخيه، والقصد والسداد، والجد والاجتهاد، وشدة الاهتمام بمصالح الإسلام، وفيه يقول الأديب الكبير العلامة الشهير أبو العباس السيد أحمد بن قاسم جسوس: إن عدت الأمثال كان أجلها ... بل نورها وسواه كان الشيحا ذاك العقول إذا كبت آراؤهم ... أضحى العويص برأيه مفتوحا أس الوفار ومنبع المجد الذى ... تلقى مكان الحمد فيه فسيحا

وهى قصيدة من غرر قصائده، ودرر خرائده، هنأ بها خليله الأديب الحيسوبى الميقاتى الؤرخ الشريف مولاى الغازى بن الحسنى الرباطى دفين الإسكندرية مقفله من الحج 16 صفر عام 1307، وهو والد صديقنا الحميم سيدى المدنى بن الحسنى، وصدرها بقوله بعد الحمدلة والصلاة. "وبعد: فيقول أحمد بن قاسم جسوس مهنئا الشريف الغطريف الأديب الأريب الفقيه الأوحدى الدراكة اللوذعى أبا القاسم مولانا محمد الغارى بن سيدنا الحسنى الإدريسى اليملحى أعزه الله وأعلى كعبه بزفافه ببنت رأس الأكابر الأفاضل، وجامع أشتات المناقب والفواضل، الأمين الأفخم السيد عبد السلام التازى أبقاه الله وكلاه وذلك بتاريخ رجب الفرد الحرام عام 1303: أبدين من تحت البراقع يوحا ... فملكن شوقا عقلنا والروحا ورمين عن قوس الحواجب أسهما ... غادرن كل غضنفر مطروحا وخطون في جنح الظلام تسترا ... فوشى بهن المسك يفضح ريحا يبسمن عن حب الغمام يشمن عن ... عين الغزال وقد طوين كشوحا ويملن تيها عن قدود ميد ... غصن الرياض غدا بها مفضوحا متلفعات بالشباب يدرن من ... خمر التصابى كأسها المصبوحا لهفى على ذاك الجمال فإنه ... مذ لاح خلى في الحشا تبريجا ويحى على شرخ الشباب أضعته ... إن لم أفز يوما به ممنوحا فلكم قطعت لأجله أجم الليو ... ث وكم ذرعت من الفجاج الفيجا ومعى أغر محجل ضمرته ... فتخاله عند السباسب ريحا متأبطا عضبا على صفحاته ... تبدى المنون دماءها المسفوحا

لا نلتقى إلا قتيل محبة ... أو مدنف الأحشاء أو مجروحا لولا اصطباحى كأس حب محمد ... غازى لخلفنى الغرام طريحا ابن الألى قد أحرزوا النور الذى ... أضحى به صدر الهدى مشروحا الراشدين المرشدين الكاملين الـ ... طيبين الطاهرين السوحا ما انفك باب الفضل حيث ديارهم ... للقاصدين فتوحهم مفتوحا سكنوا من الشرف الرفيع حصونه ... وتبوءوا العز المنيع صروحا يا خير ممدوح وخير محبب ... حليت شعرا صار فيك مديحا أقسمت بالمجد الذى أوتيته ... وغدا لهيكله سناؤك روحا ما جال فكرى في شمائلك العلا ... إلا شممت الورد ينفح ريحا يا سيدا فاق الكواكب رفعة ... والبدر نورا والبحار سموحا ورث السيادة كابرا عن كابر ... عن كابر عن كابر تصريحا مذ كان طفلا والمعارف دأبه ... هل في سواها شمت منه جنوحا حتى حواها واستقل بعبئها ... فغدا بها وبحبها مريحا مولاى تبقى في السرور منعما ... ويدوم طيرك بالهناء صدوحا هاك القريض يمانيا أحكمته ... بردا موشى من حلال وجيحا وزففته بكرا عروبا قدها ... يهتز غصنا في الرياض مروحا طرقتك في حلى البديع كأنها ... تلك التي وافتك تبهر يوحا إلى أن قال: واهنأ بصهر قد سمت آراؤه ... وحكى البدور مكانة ووضوحا

إن عدت الأمثال إلخ الأبيات الثلاثة السابقة: يا ابن الرسول بقيت مخدوم الدنا ... مغبوق كأس بالمنى مصبوحا وتدوم سباقا لغايات العلا ... لا كان طرفك في السباق جموحا وقد عارض بها قصيدة حائية أخرى في موضوعها لصديقهما الأديب الشهير قاضى الدار البيضاء أبى العباس السيد أحمد الزعيمى الرباطى وهى مذكورة بتمامها في الاغتباط بأعلام الرباط في حرف الغين منه، فلا حاجة للإطالة. وبمراكش أقام المترجم حفلة العيد النبوى الأزهر ووردت على سدته الكريمة عدة قصائد من سائر أدباء دولته، وألقى على مسامعه الكريمة منها بمحضر من ساعده السعد من العلماء والوزراء والكتاب والأعيان بحضور الليلة الغراء التي يحتفل لها الجناب المولوى كل سنة أى احتفال، من تلك القصائد موشح العلامة الأديب إدريس بن محمد بن إدريس ودونك لفظه: يا حاديا يقطع السباسب ... ينشد طبعا من النسيب استدم السير في الغياهب ... لا تخش من حادث مهيب سق المطايا تلو المزايا ... واطو فيافى البعاد طى حتى ترى النوق كالحنايا ... وارم بها نحو أرض طى نعم وحاذر وقع المنايا ... إن جزت حول الحمى بحى وارع هناك الغر الغرائب ... الصائدات القرم الأريب بوتر الغنج والحواجب ... تستعبد الأروع النجيب عرب بتلك البطاح حلوا ... دم المعنى لهم حلال عن الخنا والخلاف جلوا ... للسعد في ربعهم مجال وهجر مضناهم استحلوا ... ولم يخن عهدهم بحال

حازوا منى الصب والرغائب ... مذ جاوروا منزل الحبيب وانتشر حلا الوجد والغرائب ... وأنشد فؤاد الحب الغريب وحى عنى ربى المصلى ... والشعب والوادى الظليل ونور سلع إذا تجلى ... والبرق في ضوئه كليل هناك بين الربى تملا ... تستنشق الشامى البليل معاهد ذكرهن واجب ... على المعنى الفتى اللبيب إن بان طرف لها وحاجب ... يعتاد قلبى بها وجيب وان رأيت المقام الأسعد ... حزت الرضا من منى وسول مقام خير الورى محمد ... المصطفى الهاشمى الرسول من بمزايا العلا تفرد ... وغيره ما له وصول لما تجلى بدت عجائب ... في حضرة السامع المجيب نال بها منتهى الرغائب ... وشاهد الحق من قريب فكان ثم الفرد المنادى ... وجبرئيل له خديم خلف جبريل ثم زادا ... لمقعد المجتبى الكريم واستكمل القصد والمرادا ... بفخره الطارف القديم وهو في الحشر خير عاقب ... إذا ادلهم اليوم العصيب تلوذ فيه به عصائب ... عند اشتداد الحر المذيب إذ يبلغ القلب للحناجير ... إلى علاه يلجا ويصمد أول ذا الخلق والأواخر ... كل ينادى الغياث أحمد

تنصب للأنبيا منابر ... ثم يقوم المقام الأحمد وكم تبدت لنا مناقب ... يعجز عن عدها الخطيب حين تدلت له الكواكب ... بمولد ما لها مغيب أتت بميلاده البشائر ... بألسن الجن والبشر قس سطيح سعدى تماضر ... كل له عنده خبر ينقله البدو للحواضر ... حيث حوت فخره مضر نشأ في أشرف المناسب ... من كل فحل نام حسيب يجاذب المجد كل جانب ... فكل فخر له جنيب مطلعه أبرك المطالع ... نجم الهدى فيه قد طلع وقبره أشرف المواضع ... لتربه العرش قد خضع شنف بأمداحه المسامع ... واتل المزايا التي جمع ودم على ذكره وواظب ... إن تكن الحاذق الأديب بلفظه طيب المآدب ... يغنى شذاه عن كل طيب أنقذنا من هوى المهالك ... من بعد جيل بها هلك وأوضح السبل والمسالك ... طوبى لعبد بها سلك لولاه ما انجابت الحوالك ... كلا ولا استجمع الفلك وله نلجا من النوائب ... إذا التحت عودنا الصليب فالجأ لمغناه غير هائب ... وقل بلفظ الجانى الكثيب يا سيد الأنبياء طه ... يا ذا المقام السامى النزيه

فخرك في الخلق لا يضاهى ... وما له في العلا شبيه يا من سما مفخرا وجاها ... أنت الشفيع الرضا الوجيه يا من به ضاءت المراكب ... وانخذلت دولة الصليب يا خير ماش وخير راكب ... يا صاحب التاج والقضيب عبدك بالغرب مد كفا ... لنيلك الزاخر المديد ودمعه يستهل وكفا ... يرجو الذى يأمل العبيد لو ساعد البخت جاء زحفا ... يبث شكواه بالوصيد فكن لعبد حشاه ذائب ... ما بين ليث عدا وذيب وذنبه أوهن المناكب ... والعفو من فضلكم قريب واعطف على نجلك المفدى ... بالأهل والمال والبنين بدر الصلاح الذى تبدى ... في المنهج الواضح المبين سار وللقصد ما تعدى ... بهديه المشرق الجبين وقام في الدين خير نائب ... ولعلا أمركم منيب وحار في الفضل سهم صائب ... ورأيه في العدا مصيب بسيفه شيد المعالى ... وبالهدى والتقى ارتفع صنو الندى صادق المقال ... فمجده في السما لمع جيد رعاياه منه حال ... باليمني وإلا من قد صدع أحلف بالله غير كاذب ... ولا مقالى بذا غريب ما في ملوك الزمان كاسب ... لفخره أو له نصيب

الحسن الهاشمى شهم ... ينميه للمصطفى هشام يم ندا كفه خضم ... قد فاز حام به وسام وإن بدا للشقاق نجم ... محاه من بأسه الحسام كم من مسئ أتاه تائب ... فوجد الصافح المثيب وبائس ناوش المصائب ... بمده اكتال والجريب فالقرب بالعدل منه رائق ... والسعد في أفقه رقا أدواح خيراته بواسق ... سقاها منه الذى سقا والعلم من راحتيه نافق ... يدعو له الدهر بالبقا مذهبه أحسن المذاهب ... ودهره الناعم الخصيب به لدينا انهلت مواهب ... عند ذراه السهل الرحيب أوقاته كلها سعود ... يحوطها اليمن والسعادة ولمقاماته صعود ... تتلى بها الفاتحات عادة بروق نصر لها رعود ... على العدا ترة معادة يقود عند الوغى كتائب ... ينهدمن وقعها الكثيب من كل قرم حام مضارب ... يستعذب الحتف كالضريب ليوث حرب تحت المغافر ... عودها في العدا الظفر من صادق الطعن وهو سافر ... تشبهه الأسد إن سفر وساحب السيف فوق نافر ... يقول للقرن لا مفر مشارق الأرض والمغارب ... عادت لصولاته تنيب

والمارق الخارج المحارب ... بدم عتنونه خضيب أعمل في الصالحات جهده ... وكبت الزائغ المريد ألهم في المكرمات رشده ... وسار سير الرضى الرشيد فأظهر الله ثم جنده ... ومنك يستوهب المزيد فكن له الحافظ المراقب ... وقلدنه العضب الخشب مهد له أرفع المراتب ... واحفظه في القرب والمغيب عطف عليه القلوب جمعا ... وكن له الناصر الحميم وحام عنه دفعا ونفعا ... وافتح له فتحك العميم واكس المعادى ذلا ووضعا ... وأوردنه الردى المليم واحرس علاه بكل جانب ... وأره صنعك العجيب أم نداكم راج وراغب ... حاشا لعلياك أن يخيب مولاى يهنيك ما تسنى ... لسعدك الفائز المتين وأبشر بنيل الذى تمنى ... من فضل مولاك كل حين واسعد بعيد بكم يهنى ... وانعم بذا الجوهر الثمين روق من وصفكم مشارب ... فازدان منشوره الذهيب عارض في النظم وهو راهب ... ما لابن سهل وابن الخطيب يا أهل بيت النبى أنتم ... لمدحتى البدء والختام أفلح كعبى إن قبلتم ... وما على من غلا ملام طاب شذا مدحكم رطبتم ... عليكم منكم السلام

حوادث سنة 1296

سلام ربى عليه دائب ... ما اشتاق مضنى إلى الحبيب وماله من آل وصاحب ... ما صاح في الروض عندليب وفى غرة جمادى الأولى من عام ستة وتسعين نهض المترجم من مراكش ومر في طريقه على قبيلتى الرحامنة والسراغنة، ولما كان بآيت عتاب أوقع بهم وأكل زروعهم وقطع منهم واحداً وعشرين رأسا جزاء لهم على ما اجترموه من الزيغ والعيث، ثم نهض وسار إلى تادلا فزعير فرباط الفتح وأقام به أياما، ثم ظعن منه مصمما على الزحف لبنى مطير إذ كانوا سعوا في الأرض الفساد وعاثوا في الطرقات بسلب ونهب المارة وأوقعوا بعرب دخيسة وأولاد نصير الذين كان أنزلهم المترجم بسايس بدلا من مجاط شر وقعة، ولما شردوهم عن سايس رجعوا إليه مجاط الذين رحلهم السلطان منه، فسار من الرباط على بنى حسن وزمور الشلح وجروان، ثم نزل ببحبوحة بنى مطير آكراى والحاجب وأمر بنى مكيلد أن يزحفوا إليهم من ناحية آكراى، فزحفوا وربطوا عليهم آيت يوسى، وآيت شغروشن، وآيت عياش، وآيت ولان من جهة الشمال. كما ربط بإزاء المذكورين القائد العربى بن محمد الشركى -والد الباشا عبد الكريم عامل شراكة وأولاد جامع سابقا القاطن حينه بفاس- وبقية من جاء مع المحال السلطانية من القبائل الغربية والحوزية، وأحدق الجميع بعصاة بنى مطير فضاق بهم الفضاء المتسع، ولم يجدوا خلاصا ولات حين مناص. ولما أيقنوا بالثبور والبوار، وأكلت زرعهم الرطب واليابس، وهلكت ضروعهم وجاست الجنود المخزنية التي لا قبل لهم بها ولا طاقة لهم عليها ربوعهم وبارت منهم الحيل لجأوا إلى المترجم، وتطارحوا على أبواب رحابه، وأعلنوا بالإبانة وإخلاص الطاعة والتوبة النصوح، وتشفعوا واستجاروا بالصالحين، وتمسكوا بأذيال الحلم والحنان، والعفو المولوى، فرق لهم المترجم لما وصلوا لهذه

الحالة وعفا عنهم عفو قادر، ووظف عليهم غرامة مالية قدرها مائة وخمسون ألف ريال وخمسمائة مرهون من أعيانهم، وأدوا جميع ذلك والتزموا برد الحقوق والمظالم وإخراج قبيلة مجاط من بين أظهرهم وجعل النزائل لحراسة المارة بين فاس ومكناس، وفى هذه الوقائع يقول الفقيه الأديب مولاى أحمد الرباطى من قصيدة: صلحت بعزك في الخروج قبائل ... فالحب عادت بينهن طوائل لما حللت بأرضهم حلت بها الـ ... بشرى وفكت للحقود حبائل كانت منازلهم قبيل خروجكم ... قفرا وبعده هن منه أواهل حقنت دماءالفرقتين بعيدما ... كانت رماحا بينهن وسائل لعقت دماءهم السيوف ودحرجت ... هاما وكرت في النزال قبائل شابت بمعترك الوغى شبانهم ... لولا الحروب لما صرخن ثواكل دوخت أرضهم بقصد هنائهم ... فتهنأوا حتى المحل الهائل بعد الشتات جمعت شمل فراقهم ... أطفالهم أمنت كذاك أرامل فالحيف مهزوم حسمت ذراعه ... بنصال عدل إذ سطوت تناضل ما خاب ساع في المصالح إنه ... مشكور سعى بالسعادة آئل تنبى البداية عن جميل نهاية ... وعلى الأواخر قد تدل أوائل فبسائس نيل المراد بسايس ... والحق بان به وغاب الباطل حصل الأمان على الطريق لفائت ... نزلت من النزال فيه نزائل يا معشر القفال بشرى بالهنا ... قد عمرت بالراحلين مراحل ابن السبيل أهم شئ عنده ... في ظل سيفه قد تنام قوافل

حوادث سنة 1297

قيل الملوك إمامنا بيت العلا الـ ... بطل الحلاحل والهزبر الباسل كنه العلاء أبو على حبذا ... من مثله ذاك الإمام العادل ساد الملوك بسودد من أصله ... أصل السيادة هو الرباب الهاطل بدر السعادة حل في الجوزاء قد ... سعدت ببرجه في السماء منازل إلخ إلخ. وعقب ذلك أصاب المحلة وباء عظيم أوجب تعجيل نهوض المترجم عنهم، ودخل عاصمة سلفه مكناسة الزيتون أواخر رجب من السنة سالما معافا، وبعد أن أقام بها شهراً عزل باشاها القائد إدريس بن المدعو خنيشش، وولى مكانه الباشا حم بن الجيلانى، ثم بعد ذلك نهض لفاس وبها بلغه موت رئيس مشوره القائد محمد بن بعيش ودفنه بضريح أبى حفص عمرو الحصينى طبق ما طلب من جلالته عند وداع جنابه بمكناس، وولى مكانه رياسة المشور خليفة المتوفى إدريس بن العلام وعين له خليفة ولد المتوفى القائد إدريس بن يعيش، الذى كان عاملا قبل بمدينة وجدة، ثم ثغر تطوان، ثم ولى رياسة المشور أيام السلطان السابق مولانا عبد العزيز. وفى عام سبعة وتسعين ومائتين وألف وجه عمه مولاى الأمين بن عبد الرحمن بن هشام في كتيبة عظيمة من الجند لاستخلاص المرتب وتسكين الفتن المتقدة بقبيلة قلعية، ورأس على تلك المحلة القائد حم بن القائد محمد بن الحسين البخارى، وعين الطالب المنجم السيد محمد بن أبى سلهام الخلطى ميقاتيا بها، ووجه حركة أخرى لقبيلة مستارة لتسكين الروعة التي قامت بها والضرب على أيدى الناهبين وقطاع الطريق على المارة لوزان ونواحيه والمضيقين بأهلها وانتشرت بعوثه وسراياه في الجبال البربرية لأخذ الجباية المخزنية والأعشار المترتبة في الذمم،

حوادث سنة 1298

إلى أن بلغت إلى آيت يزدك من برابرة الصحراء، فسمع الكل وأطاع وأدى ما لزمه إلا ما كان من آيت حلى فريق من آيت يوسى، فإنهم رفضوا طاعة عاملهم وامتنعوا من أداء الموظف عليهم، فأوقعت بهم الجيوش المخزنية وقعة شنعاء وقطعوا منهم رءوسًا عديدة علقت على أسواق فاس، إرهابا للعصاة أمثالهم، وزجرا لهم عن العود لخلع رداء الطاعة. وقبضوا على عديد من المساجين وأتوا بهم للجلالة السلطانية بفاس، وأودعوا ببطون سجونها ولم يسعهم غير الإذعان والرضوخ للطاعة، فقبل المترجم توبتهم وأمن روعتهم، وألزمهم ولاية عاملهم الذى سلخوا ربقة طاعته من أعناقهم، وذلك أواخر صفر من السنة. وفى هذا التاريخ أوقع القبض على عامل الغرب أبى عبد الله محمد بن عودة وولى مكانه ابن عمه القائد بوسلهام بن المصطفى المدعو الرموش، وأقام حفلة عيد المولد النبوى بفاس. وفى أوائل محرم فاتح سنة ثمان وتسعين ومائتين وألف بارح المترجم فاسا وأقام بمكناسة الزيتون ستة أشهر كملا، عزل في خلالها محتسبها السيد المختار بادو، وولى مكانه الحاج محمد أجانا، واحتفل لعيد المولد النبوى وليلته احتفالات عظيمة، ومد منوعات موائد الإنعام الشاملة للخاص والعام، وقدمت لجلالته عدة قصائد مولوية من سائر أدباء رعيته الشريفة، وسرد منها أمامه بمحفل غاص بالعلماء والأشراف والأعيان ووجهاء الوفود الغربية والحوزية. فمما شنفت به الأسماع قصيدة الفقيه الأديب الكاتب أبى محمد عبد الواحد بن المواز ودونك لفظها.

شدت سحرا ورقاء شدو تغرد ... فأحيت شجا وجدى وأفنت تجلدى فبالله يا ورقاء مالك رعتنى ... وأكمدتنى من شجوك المتردد بكيت بلا دمع فأبكيت دامعا ... ونحت على ورد فجرعت مورد لئن كان ما بى في الهوى بك مثله ... فعودى فلم ينكر شجاك وغرد وإن نحت شوقا للمغافى فإننى ... أنوح اشتياقا للحبيب محمد سلكت الهوى براً وخضته لجة ... وجبته مكارم الحشا جوب متئد فألفيت أن المحرز النجح من قفا ... سبيل هوى الفرد النبى الممجد إليك رسول الله ثارت صبابتى ... فهل عطفة تشفى بها قلب مكمد فما كنت أدرى ما الغرام وما الهوى ... إلى أن ثوى قلبى غرام محمد ففك حبيب الله أسر عبيدكم ... عشيق بأغلال الغرام مقيد يحن إليكم كى يفوز بمطلب ... ويصبو إليكم صبوة المتفقد شجيا غدا مضنى الفؤاد بحبكم ... يبيت بجفن من هواك مسهد إليك صفى الله سقت وسائلى ... فجدلى بفضل من نداك مؤبد لقد صار لى طبعا هواك وشيعة ... وحسبى به رادا وخير تزود وإنى وقد أرقاك ربك رتبة ... تعالت فلن تعطى لرسل وهجد فأنت رسول الله أكرم من مشى ... على الأرض في بيد وغور وأنجد نبى هدى للعالمين ورحمة ... فلولاه لن يهدى من الغى مهتد بهيبته إيوان كسرى تصدعت ... ودر له ثدى فلم يتخدد وأشرقت الأقطار ليل ولاده ... وفاح شذا فيها شجا كل أمجد

وسرت بها فيها الملائكة العلا ... وهز له العرش ازدهاء بمولد ولاحت له فيها براهن فضله ... وبات بها باب السما غير موصد بها فخرت كل الليالى وقد غدا ... بها شهرها بين الشهور كعسجد على طه خير الأنبياء محمد ... صلاة بها ننجو من الهول في غد بدا فمحا رسم الضلالة بالهدى ... كمحو الدياجى بالسنا المتوقد هو الأصل في خلق العوالم كلها ... فلولاه لم تذرأ جميعا وتوجد فمن نوره قد كان كل مكون ... ومنه تجلى كل نور ممدد تخصص بالمجد الأثيل وبالعلا ... على شرف محض طريف ومتلد وكيف من المولى ارتضاه حبيبه ... تناهى حلاه عن فصيح ومنشد له حجج ما نالها قبل مرسل ... على معجزات أعجزت كل ملحد حباه إله العرش حوضا وكوثرا ... وشق له البدر المنير بمشهد وأيده من محض فضله بالصبا ... فكان الصبا يصبو على وفق أحمد وأسرى به فوق البراق أمينه ... وأدناه والمحبوب غير مبعد فنال مقاما لا يطاول شأوه ... جلالا وتقديسا على رغم حسد وأعطاه نصرا باهرا وشجاعة ... فكان يرى فحل العداة كخفدد (¬1) بعضب معد للكفاح مصمم ... فويل العدا يا ويلهم أن يجرد وأتحفه دون الورى بشمائل ... كروض بهيجات أزاهره ند وآتاه خلقا يخجل الشمس نوره ... متى ظفرت عين برؤياه تجمد ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "على وزن هدهد الخفاش كخفدود على وزن بهلول".

وأعطاه في يوم المعاد شفاعة ... تعم ذوى الإسلام جمعا لمفرد وأنزل قرآنا عليه مفصلا ... أصار جميع الملحدين كجلمد وأعجز منه الإنس والجن آية ... فيا حسرة العاصى وبشرى لمرشد وحن إليه الجذع واستأنست به ... ضباب الموامى (¬1) والوحوش بفدفد ووافت له الأشجار تسعى كما جرى ... بكفه ماء قد روى اللجب الصد وقد هز عزما حيث لاقى عكاشة ... فعاد لديه كالصقيل المهند وقد منح البئر الأجاج عذوبة ... بتفلته حتى حلا كالمقند (¬2) وقد ظللته من ذكاء غمامة ... وفك بعيرًا منه رام ليفتدى ورد بفضل الله عين قتادة ... وعافى عليا من قذى به مرمد ويا عجبا فى كفه سبح الحصا ... كذاك طعام منه سبح في اليد وأمته قد أخرجت خير أمة ... ويلزم فضل المقتدى فضل مقتد وأخبره عن سمه عند أكله ... ذراع فلم تستقص آى محمد عليه صلاة الله ما هام مغرم ... بحبه من غير اصطبار موطد ومنه الرضا عن آله الغر من سمت ... لهم قدم في كل فضل منضد ومن زهرت في المكرمات مناقب ... لهم مثل روض بالأزاهر أملد ومن حبهم فرض على كل مؤمن ... وبغضهم يفضى لجمر موقد ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "الموماة: المفارة الواسعة والجمع موام". (¬2) في هامش المطبوع: "القند والقندة -بالفتح فيهما- والقنديد: بالكسر، عسل قصب السكر إذا جمد جمودا، معرب. ويقال: سويق مقند كمعظم ومقنود ومقندى، إذا كان معمولا بالقنديد، هـ. تاج بخ، ومن تواريخ المشرق: كتاب القند في علماء سمرقند".

هم نسل زهراء ليوم قيامة ... مآثرهم إن رمتها لم تعدد بهم تنجلى العاهات عن متوسل ... بهم وبهم يدنو المنى إن يبعد بجاههم تجرى الأمانى لأمل ... بهم ينفرى حبل العويص المصفد ولا يتهم في الأرض أمن لأهلها ... وهم في الورى جبر لكل مخصد مفاخر آل البيت بحر تزاخرت ... به لجج أن تغترف منه يزدد ولكنها زينت بفخر إمامنا ... فنال كمالا في كمال مسرمد حبانا إياه الله فضلا ونعمة ... فتهنا به في ظل أمن ممدد سما حيث لم يدرك فلولا سعوده ... حسبته كيوانا إذا يترصد بدا نيرا في الأرض كالنوء شأنه ... هدى وندى فاستمطرن منه واهتدى به شرفت مرقى المعالى كأنه ... لجسم المعالى مهجة لم تبدد لئن كان من قبل الملوك تقدمت ... فلم يقس العضب السليل بمغمد فاقرر به جفينك طلعة كامل ... بأردية البأواء والفخر مرتد لسيدنا حلم لوانه للصبا ... لماهر أوراقا لاقنان غرقد ومجد وملك أحرز عن وراثة ... على نسب صرد (¬1) ورأى مسدد وجود كما صوب الحيا وأناءة ... وهيبة ضرغام وتنجيز موعد وبأس فلم تظفر به شهب السما ... وعلم بهبحر بالمعارف مزبد وخلق كلما نشر الكبا وشجاعة ... بحومة حرب لم تكن عند فرهد ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "الصرد: الخالص من كل شئ، يقال: أحبك حبا صردا، أى خالصا. وشراب صرد، وسقاه الخمر صردا، أى: صرفا".

وخلق لو ان البدر قابل نوره ... كساه شجون من شجى وتحقد هو القطب لولا أنه كان مفردا ... بلا شبه ما خلته غير فرقد فالمم بمولانا الرضى الحسن الحلا ... تنل خير مأمول وتحظ وتسعد لكم زان قدر الليل ميلاد جده ... بإظهار تعظيم له متعود بإنشاد أمداح ووفر ولائم ... وبذل عطيات وحسن تهجد وإسراج أنوار وتطييب محفل ... وجمع حماظ فضلهم لم يندد فلا زال مزدانا به فضل مولد ... وزال محفوفا بنصر مؤيد أسيدنا مالى بمدحك مغرم ... فصار أنيسى إذ أروح وأغتدى متى رأش ذهنى مطردا لمدائح ... أرى هدفا ذلك الجناب لمطرد وفيكم ترى الأمداح فخرا لمادح ... وفى غيركم كالغنج في عين أرمد أسيدنا هذى عقود نظمتها ... ونضدتها كالدر في سلك عسجد ولو لم تفق في ذاتها فلقد زهت ... بمضمونها زهو النديم بصرخد وفى نظم آيات الرسول تواصل ... لخير وتنفيس وسلوى لأنكد به نسأل الله النجاة ونرتجى ... بجاهه فتحا للوصيد المشدد وحفظا وتيسيرا وتفريج كربة ... وسترا عميما لم يزل يتجدد وتأييد نصر الله والفتح والعلا ... لسيدنا الشهم الإمام المصمد وبالمصطفى كم ساكنات من المنا ... تحركن لولا جاهه لم تنود فيا خير خلق الله عطفا لناظم ... فرائد آيات لكم متودد ومدحى لم أحسبه غير زبرجد ... معاد ومردود لبحر

كما لم أخل نظمى مديحا لأحمد ... ولكنما الممدوح نظمى بأحمد عليه صلاة الله ما ساق سائق ... إليه ركابا في فلاة وأوهد صلاة بلا حصر نؤمل فضلها ... لدى يوم هول رائع وتهدد صلاة تعم الصحب ما قال منشد ... شدت سحراً ورقاء شذ وتغرد وقصيدة العلامة الأديب الشريف سيدى الفاطمى بن الحسين الصقلى ولفظها: ضحك الربيع بمبسم النوار ... إذ هنأته بوارق الأنوار وأتى النسيم مجررا أذياله ... تيها يدوس عمائم الأشجار ويجيبه مسك النوافج عله ... قد ضاع بين كمائم الأزهار والنهر يجرى كالمدام بمفصل الـ ... أغصان فهى تميس من إسكار والورق تشدو والهزار بعوده ... يشجى بما يلهيك عن أوتار والعندليب مجود ألحانه ... غَنذَّى فأغنانا عن المزمار والدوح ترقص في كلائل أطلس ... طربا بلحن مصوت الأطيار والغور قد بثت زرابى نبته ... والنجد أسدل سندس الأستار وأتت ندامى كالنجوم وجوههم ... تبدى السبيل إذا خفى عن سار من غض ورد كالخدود ملاحة ... والمسك في تفتيقه المعطار وشقيقه من في صفيحة خده ... حسنات حسن قد بدت للقارى وقريبة النسرين ذى العرف الذى ... تسرى به النسمات في الأغوار أو نرجس كضعيف جفن فاتر ... يرنو بمقلة فاتن سحار

وطرى ريحان يريك حواجبا ... مثل القسى في رقة الأوتار وبنفسج ياقوتى يحكى عذا ... را باقلا عن مخجل الأقمار أو أقحوان مثل ثغر باسم ... عن لمع برق خاطف الأبصار وقضيب بان مثل قد أهيف ... متمايد بتدلل ووقار أو ياسمين قد تدلت من سما ... ء زبرجد كالشهب للأنظار يحكى تدليها تدلى أنجم ... زهر بمولد أحمد المختار خير الوجود وعلة الإيجاد من ... لولاه كان الكون في إضمار أصل الخليقة أسها ولبابها ... سر الحقيقة معدن الأسرار قوت القلوب وريها ونعيمها الـ ... ـنامى أبو الأرواح والأنوار لله ما قد حاز يوم ولاده ... فخرا على الأيام والأعصار يزرى بليلة قدرها وعروبة ... والفطر والأضحى بلا إنكار صبح به قد أصبحت شمس الهدى ... في سعدها والصبح في الأسفار أعظم بتلك صبيحة الاثنين قد ... جاءت بقطب دوائر الأدوار يوم تتابعت البشارة فيه من ... جن وجلمود ومن أحبار يوم بليلته يخفف ربنا ... عن ساكن النيران حر النار يوم به نيران فارس أطفئت ... وعيونهم تشكى لهيب أوار يوم به الإيوان منصدع كصد ... ع ضلالة الجهال والكفار يوم بدا نور أضاء له قصو ... ر الشام قبل تبلج الأسحار يوم به روض الجنان مزخرف ... متدفق الأنوار كالأنهار

يوم به ابتهجت سرورا وازدهت ... من بالجنان من الدمى الأبكار وتمايدت وتمايلت وتزينت ... من كل حسن جل عن مقدار يوم به طرب العوالم زائد ... كالحزن من أهل العمى الفجار يوم به الإسلام أسس بالتقى ... والكفر عاد على شفا منهار يوم به نور الرسالة مشرق ... يسرى فيكسو جملة الأقطار يوم وما أدراك ما يوم غدا ... بدرا بحالك أزمن الأغيار كشف الزمان غياهبا من حجبه ... عن وجه أحمد صفوة الأبرار خير الورى عالى الدرى من سرى ... تحت الدياجى للمليك البارى ذو المعجزات الباهرات لحافظ ... ولسامع ولناظر نظار ما إن يحيط بعدها نظم ولا ... نثر وكيف العد للأمطار ما من خوارق عادة للأنبيا ... إلا وقد عدت لرب الغار لكنها ذهبت سريعا غير ما ... لمحمد في الذكر والآثار أما القديم فحفظه من ربه ... وكذا الحديث بناقدى الأخبار فهما على مر الزمان ومده ... غضان ما سئما على التكرار وهما أمان للعباد وللبلا ... د كأهله الشرفا ذوى الأقدار من هم نجوم يهتدى بسناهم ... من ضل في محلولك الأغمار هم مطلب وذخائر وتعزز ... للمبتغى والمجتدى والجار لا سيما بيت الملوك ذوى العلا ... من هم ذكا الإعصار والأمصار السادة الأسد البهاليل الذيـ ... ـن علوا من العليا على الأكوار

وخصوصا المخصوص بالتبجيل من ... بين الملوك سلالة الأطهار فخر الملوك وتاجهم وسراجهم ... شمس القصور فريدة التقصار ذو الجاه والقدر العَلِىَّ أبو على ... حامى حمى الإسلام من غدار حسن كأخلاق تناهت وازدهت ... بمحاسن الإيراد والإصدار ملك به تاج الخلافة مشرق ... في المشرقين ككوكب سيار ملك له كل الملوك رعية ... كسرى وقيصر من عبيد الدار ملك تلفع بالمجادة واحتبى ... في برد عز معلم بفخار ملك له همم سمت فصغيرها ... يستنزل النسرين باستصغار ملك تهاب يمينه أسد الشرا ... وشماره يسر من الإعسار ملك له فضل وإفضال على ... ذى الملك والدنيا وذى الإقتار ملك له حلم وعدل واسع ... وسياسة تغنى عن الأنصار ملك له علم وفهم ثاقب ... في المدلهم غدا كزند وارى ملك لرفع الدين منتصب كما ... خفض الضلال بجارح بتار أحيا رسوما للحنيفة بعد ما ... أقوت فعادت بجد في إكبار وأقام منها قاصدا سبل الرَّضَا ... ما أنقضت بغيا يد الأشرار في كل حين للشعائر مظهر ... كالمولد النبوى ذى الأخطار فله بأزمنه احتفال واحتفا ... من سرد سيرة سيد الأطهار وقراءة لحديث مولد أحمد ... وسماع ما فيه من الأشعار وحباء مادح جده ولقارئى ... ولمن يحل بذلك المضمار

بل للرعية كفه مبسوطة ... بغمام تبر وابل مدرار هذا ولا عجب فإن بنى النبى ... أولى بهذا القرب والإيثار يا سيدا يهنيك مولد جدكم ... خير البرايا سيد الأخيار دم صاعدا بسعيد برجك آمنا ... ومساعدا من سابق الأقدار واسلم ولج بحصين حصن حماية ... ترعى بعين عناية الستار ولتبق في عز ويمن فاتحا ... بالنصر باب النجح والأيسار ولترق في أوج السعادة بالقبو ... ل ممكنا من مغنم الأعمار ولتمش في طول البلاد وعرضها ... بسلامة في السهل والأوعار وافتح بعزمك كل حصن شاسع ... متمنع بالهند والأنبار واجلب برجلك والجياد فما ترى ... إلا افتتاحا نعم عقبى الدار فالله حافظكم وناصر عدكم ... وعديدكم في الجهر والأسرار بأبيكم من صار يوم ولاده ... عيدا يعود بكل خير طار صلى عليه الله ما جاء الربيـ ... ـع محركا لسواكن التذكار وعلى الكرم ذوى العلا أهل العبا ... والصحب أرباب الندى الأحرار ما جاء قمرى الرياض مهنئا ... لربيعه بالهامع الثرثار أو ما استفاضت في الأنام بشارة ... بولادة الفلك العلى الدوار أو ما أتت هيفاء في حلل المبها ... تهنى السيادة في يدى بشار أو ما أتى نشر المدائح كاملا ... في كامل في كامل الأطوار أو ما غدا المولود مولد جده ... متكامل الأفراح والأوطار

حوادث سنة 1299 وحركة موسى الأولى

ثم نهض منها ووجهته مراكش، فمر في طريقه على قبيلة زمور الشلح، فرباط الفتح، فزعير، وأدركه عيد الفطر بالمحل المعروف بصخرة الدجاجة من بلاد تادلا، وهنالك أقام سنة عيد الفطر طبق العوائد الملكية، ومن ثم سار لبلاد السراغنة، ثم الرحامنة، ثم مراكش. وفى هذه الحركة وهى السابعة لبى داعى مولاه الفقيه أبو عبد الله محمد الصفار التطوانى وزير الشكاية، وولى مكانه العلامة أبو الحسن على المسفيوى، وبعد أن استراح المترجم بالحضرة المراكشية وجه من ألقى القبض على القائد انفلوس الحيحى وانفلوس لقبه -ومعناه بالسوسية الرئيس - وهو القائد أحمد النكنافى الحيحى الشهير الذكر، وبمراكش أقام سنة عيد الأضحى. وفى رمضان عام تسعة وتسعين ومائتين وألف نهض من مراكش ووجهته قطر سوس الأقصى، حيث إن الإصبان تشوف لتملك بعض المراسى السوسية منذ انعقاد الهدنة الواقعة عقب حادثة تطوان الآتى شرحها بحول الله، وزعموا أن تلك الناحية لا تنفذ فيها الأوامر المخزنية ولا تعترف بأنها من الإيالة (¬1) السلطانية، وأشاع ذلك وأذاعه، ثم بعد ذلك طلب من المترجم الإذن له في البناء ببعض تلك الشواطئ نظراً لما ذكرنا من إشاعاته، ولما لم يجب لذلك هَمّ بالخروج لتلك الناحية، فعند ذلك عزم المترجم على التوجه لذلك القطر وحسم مادة أطماع الطامعين بفتح مرسى بوادى نول بالمحل المسمى آساكا، بأرض قبيلتى تكنة وآيت. باعمران. ولا سيما عندما بلغه أن ذلك الجنس فتح مع أولئك البسطاء أبواب البيع والابتياع، وصارت مراكبه الحربية والتجارية تكثر التردد لتلك النواحى وتستهوى أصحابها بالتجارة والأرباح الزائدة وتستفزهم ذلك. ولما طرق سمع القواد ورؤساء الأجناد والقبائل ما همَّ به المترجم من الحركة للقطر السوسى، طلبوا لقيه والمثول بين يديه، فلبى طلبهم ولما مثلوا بين يديه قرروا له ما يعانيه أهل ذلك القطر من الشدة والاضطرار والفاقة وتفاحش الغلاء والقحط ¬

_ (¬1) الإيالة: الوادى. وقطعة من أرض الدولة يحكمها وال من قبل السلطان.

الواقع بتلك النواحى، وشرحوا له الأضرار التي تلحق الجيوش، والأخطار التي ترتكبه في هذا السفر، والتزموا بأداء ما يستفيده بيت المال في هذه الحركة من أموالهم الخاصة بهم والخالصة لهم. ولما استوعب كلامهم شرح لهم الباعث المهم الداعى لهذه الحركة، فعلموا أن لات حين مناص، وأجابوه لما أراد، وقاموا على ساق في الأخذ بالأحوط والاستعداد، وأصدر المترجم أوامره لقبائل دكالة وتامسنا بحمل القمح والشعير والتبن إلى مرسى الجديدة، ومرسى الدار البيضاء، ليحمل منهما في المراكب إلى ساحل السوس الأقصى بقصد إرفاق الجيش وإعانته. وبعد ذلك نهض من مراكش في جيوش جرارة تتلاطم أمواج أبطالها، وخلف وراءه صدر الوزارة أبا عبد الله بن العربى الجامعى لما ألم به من المرض الشديد، وعين في محله العلامة السيد محمد الصنهاجى إلى أن أبل، ولحق به لوادى نون. وكانت مبارحة المترجم للحضرة المراكشية في يوم الاثنين الحادى عشر من رجب من السنة موافق سابع عشر ماى وخيم بعدوة وادى نفيس بمشرع العناية، وكان زمن السير أربع ساعات، ثم نهض من علوة وادى نفيس وخيم بنزالة المزوضى - نسبة إلى مزوضة قبيلة بينها وبين مراكش مرحلتان - وكان زمن السير خمس سوائع ونصف، ومن نزالة المزوضى إلى وادى شيشاوة ومدة السير ثلاث ساعات، وأقام هنالك يوم الخميس ونهض يوم الجمعة من شيشاوة، وخيم بسيدى المختار، وكانت مدة السير أربع سوائع وخمس عشرة دقيقة، ثم منه لعين اماست، ومدة السير ثلاث سوائع، ومدة السير ثلاث سوائع ونصف، ومنها إلى وادى بوريقى بقبائل حاحة حيث بويع السلطان المترجم يوم وفاة والده، ومدة السير أربع سوائع وأقام هنالك يوما. ومن الغد وهو يوم الأربعاء عشرى رجب نهض من بوريقى وخيم بدار انفلس بظهر اذاوخلف، ومدة السير ثلاث سوائع ونصف ومنها إلى اذاوكلون

باركن -وهى قبيلة عظيمة بحاحة- ومدة السير ست ساعات وخمس عشرة دقيقة. وخيم هنالك ثلاثة أيام، وفى يوم الاثنين خامس عشرى رجب المذكور، نهض من اذاوكلون إلى وادى بنى تامر ومدة السير تسع ساعات، ومنه إلى تمرغت، ومدة السير سبع ساعات، وأقام هنالك ثلاثة أيام، ومن تمرغت إلى آجدير ببير ارمى، ومدة السير ساعتان ونصف، ومن مرسى آكديرالى أربعا مسكينة، ومدة السير ساعتان ونصف، ومنها إلى اثنين أولاد تيمة بهوارة، ومدة السير أربع ساعات، وهوارة عرب مجاورون لمدينة تارودانت، ولهم اثنا عشر قبيلة، ومنه إلى البعرير فالمفش ومدة السير ثلاث ساعات، ومنه إلى الأحدب بالاقلالشة، ومدة السير ثلاث سوائع، ومنه إلى مدينة رودانة بمحل صلاة العيد، ومدة السير ساعة ونصف وأقام هنالك ثمانية أيام، ومنها إلى البراكيك وآيت عبد الله ومدة السير ساعتان وخمس عشرة دقيقة، ومن ثم إلى أم الجريد وبها منازل اذاومنو. ثم التجأ بجناب المترجم إخوان الحاج منو السجين وقدموا الذبائح وفق عوائدهم الجارية عندهم في الاستشفاع إذا عن لهم أمر مهم، وطلبوا المن على أخيهم بالفكاك من العقال فواعدهم بتسريحه بمجرد إيابه ووفى بوعده، وكانت مدة السير ثلاث سوائع ونصف، واذاومنو قبيلة بهوارة إلى تمام هوارة مجاورة لقبائل هشتوكة، وبها مدرسة للقراءات السبع، ومنها إلى بيكرن باذاو محمد ومدة السير أربع ساعات وخمس عشرة دقيقة وأبى كرا هذا -وهو بالسوسية جماعة الضفادع وواحدها اكرو- موضع قبيلة ذوى محمد بهشتوكة، وبإزائه مدرسة للعلم، وهى بمنزلة فاس عند أهل سوس في المنقول والمعقول، وبها بئر عذب ماؤها بخلاف آبار القبائل الهشتوكية فإن ماءها ملح أجاج.

ومن المعلوم عندهم أن كل من شرب من مائها أى هذه البئر تنور قلبه وحذق ذهنه وصار حافظا للعلوم، وبهذه المدرسة كان يدرس علامة زمانه المشهور الشيخ محمد بن عبو الهشتوكى المتوفى عام 1332، ومن ابى اكرا ارتحل المترجم إلى وادى ماسة، ومدة السير ست ساعات وأقام ثم ثلاثة أيام. وماسة هذه على شاطئ البحر بها رباط وبه جامع مدفون في الرمال، قيل: إنه من بناء عقبة بن نافع الفهرى، وأكثر العلماء يزعمون أن الإمام المهدى يظهر من ماسة بهذا الرباط، وتكلم فيه في مشارق الأنوار. وبماسة عيون جارية، وقرى متصلة أنيقة، وأعظم قراها تسلا واغبلو وتكون بين أهلهما عداوة وفتن وحروب، وموضع الرياسة الآن تسلا. ومن وادى ماسة لدوار سيدى علي ومدة السير ساعتان، ومنه إلى تيزنيت ومدة السير أربع ساعات، ومنها إلى اكل بساحل البحر ومدة السير ساعتان ونصف، وأقام هنالك يوما، ومنه ظعن إلى امزور بزاوية سيدى عبد الرحمن ومدة السير ساعة ونصف، وأقام هنالك سبعة أيام وهذا نهاية سفره، فجميع أيام السفر في هذه الحركة ذهابا خمسة وعشرون يوما، وجميع سوائع السيرست وتسعون ساعة وثلاثمائة دقيقة وستون دقيقة، وجميع أيام المقام سبع وعشرون يوما. وهنالك وفدت عليه أشراف آيت باعمران وفقهاؤهم ومرابطوهم وأعيانهم وأشياخهم المالكون لقيادهم، وأظهروا كامل الطاعة وغاية الإذعان، ووليت عليهم عدة من العمال، ووقع الكلام معهم في شأن المرسى التي أريد فتحها بالمحل المذكور آنفا، فأجابوا بالامتثال والسمع والطاعة، ووجه معهم المهندسين والفقهاء ولفيفا من أعيان الجيش لتخطيط تلك المرسى ورسمها على الوجه اللائق والنهج الهندسى الرائق.

وقبائل آيت باعمران هذه كثيرة تفوت الحصر يتكلمون بالعربية وأعشارهم يأكلها طلبة العلم، ولآيت باعمران كرم زائد وشجاعة، وهم أباة الضيم أهل شمم ونخوة يحبون الغريب النازل بهم ويكرمون الضيف لا سيما رؤساؤهم فإنهم يحبون العلماء ويجلونهم غاية، ولا يتكلمون في مجالسهم حفظا لحرمتهم وتأدبا معهم، وكذلك تلك القبائل بحيث يذهل الداخل لبلادهم ما يرى من أنواع الأدب. ولما استقر به الثوى أوفد وفدًا لوادى نول عمه مولاى الأمين ووزيره على سماع المظالم العلامة السيد على المسفيوى والقائد مبارك بن الشليح الشرادى الدليمى والقائد حمان بودلاحة الودى والقائد عبد الحميد الرحمانى في لفيف من الأتباع، حيث بلغه أى المترجم، أن مركبا إنجليزيا ورد لتلك الناحية القاحلة حاملا للأرز وغيره من المقتاتات بقصد الاتجار مع تلك القبائل المصابة بالقحط وأليم الجوع، وخاف سوء العقبى ليحققوا له الأمر ويطلعوا على الأحوال بتلك الجهة التي أكثر المرجفون القيل والقال فيها وامتدت أعناق الأجانب إليها وكثرت أطماعهم فيها ليتدارك الخرق بالرتق قبل اتساعه. ثم أمر بإصلاح دار المخزن بتيزنيت ونصب قائداً من قواد جيشه المظفر، وأقامه بقصبة تيزنيت بقصد أن يكون إعانة لسائر عمال ذلك القطر السوسى من وأدى ولغاس -وهو واد عظيم بين هشتوكة وتيزنيت لم ير أعظم منه بسوس وأودية تلك الجبال تنصب منه وهو ينصب في البحر- إلى منتهى وادى نول وكليمم يتفاوضون معه فيما عسى أن يعرض لهم من المهمات ولا سيما إذا كان المخزن بعيداً وصرح لهم بأنه أقامه مشرفا للتفاوض معه وبصيرة على ما قصده من فتح تلك المرسى ففرحوا بذلك واطمأنوا ووقع الإشهاد عليهم بذلك، ودونك نص عقد الإشهاد الواقع عليهم بما ذكر:

"الحمد لله الذى ابتدأ عباده بالإفضال والإحسان. وجعل نظام أمورهم بقسطاس وميزان. وجعل السلطان ظلا ظليلا يأوى إليه كل مظلوم. ومن اعتصم به فهو لاشك بحول الله وقوته معصوم. والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث هاديا للأنام. والموضح للشرائع والأحكام وعلى آله وصحابته الكرام. وبعد: فلما حل مولانا المنصور بالله بحبوحة القطر السوسى حلول يمن وأمان. وجاس خلاله في المهامه والعمران. وصارت قبائله تتوارد من كل فج الكبراء والأعيان. ورود طاعة وإنقياد وإذعان. واصل الله سمو مولانا وعزه وارتقاءه. وصرف للإقامة المصالح اهتمامه واعتناءه. وولى على قبيلة عمالاً يضبطون أمرها بكلمته. ويدافعون عنها بسطوته. اقتضى نظره السديد. ورأيه الموفق الرشيد أن يعين كبيرا من جيشه السعيد يكون بركة وسط عمال قبائل جزولة وواسطة لهم فيما عسى أن يعرض لهم، وإعانة لسائرهم وتقوية لأزرهم وشادا لعضدهم ومرشدا لهم ومبصرا ليستشيروا معه فيما يكون من الأقوال والأفعال. في الحال والمآل. مما تدعو الضرورة إليه. وتتوقف الأوامر المخزنية عليه. ويبعد عليهم تناوله مع جانب مولانا المؤيد حين يكون نائبا عن البلد لدراية المعين وخبرته. ونجدته وفطنته. ومقره يكون بتيزنيت محل قرار المخزن في القديم. ليجرى على النهج القويم. وأما ما يرجع للعمال مما لابد لهم فيه من أمورهم أو مصالح قبائلهم فلا واسطة بينهم وبين مولانا أيده الله في ذلك، لكونهم مستقلين بأمور تكليفهم ومتحملين بدرك إيالتهم كتحملهم بشد عضد بعضهم بعضا على خدمة مولانا الشريفة. وتنفيذ أوامره المنيفة. وبالتعاون على البر والتقوى، فحينئذ حضر لدى شهيديه أمنهما الله بمنه بمجلس الفقيه العالم العلامة الدراكة الفهامة، الحجة

الأكمل. البليغ الأجمل. النحرير المحقق المدقق إمام حرم مولانا إدريس نفعنا الله به شيخ الجماعة القدوة المحدث الخطيب البليغ بالحضرتين، قاضى الجماعة بمكنامر، ونواحيها وبالمحلة المنصورة بالله تعالى، وهو أحمد بن الطالب بن سودة أعزه الله تعالى وحرسها عامل كل قبيلة ومن معه إخوانه، وبعدما عرض عليهم ذلك وعرفوا المقصود منهم أشهدوا أنهم ارتبطوا ذلك والتزموه. وصمموا عليه وأبرموه. وعقدوا على ذلك عقدا صحيحا إلى غير غاية. ولا أمد ولا نهاية. اشتمل على الغائب والشاهد. وانتسج حكمه على الصادر والوارد. بحيث لا تعقب فيه لأحد بوجه من الوجوه. ومن رام نقض ما ذكر من أهل الزيغ والفساد. وسعى في الفتنة والشنآن بين العباد. أو تعرض لأحد في سبيل من السبل، أو تعدى في موطن من مواطن البلاد. فيعاقب العقوبة الشديدة لزيغه عن طريق السداد والرشاد. ويجعل عليهم النصاب الثقيل زيادة على الردع والتنكيل. ويغرم ما أتلف وأفسد. سواء تعدد الفاعل أو اتحد. فإن اعدم من فعل فأولياؤه وقبيلته يؤاخذون بجريرته. ثم وضع العمال خواتم عمالتهم إثر تاريخه على ترتيبهم لفا ونشرا عنهم وعمن حضر معهم من إخوانهم المرسومين بالطرة يمنته بعد عقد الإشهاد تأسيا للقصد، وإبراما للمراد عرفوا قدره شهد به عليهم بأكمله، وعرف أعيانهم وعرف بأسمائهم وعلى من ذكر دامت سعادته وكرامته بما فيه عنه وهو بحيث يجب له ذلك في الثامن والعشرين من شعبان عام تسعة وتسعين ومائتين وألف، فلان بشكله وفلان بشكله وبعده بخط من يجب الحمد لله أديا فقبلا واعلم به أحمد بن الطالب بن سودة المرى الله وليه ومولاه وبخطه استقل. انتهت قابلها بأصلها فماثلته. وأشهده الفقيه الأجل العالم العلامة الأفضل المحرر النحرير الدراكة الفهامة المشارك الحجة المحدث الخطيب البليغ قاضى الجماعة بمكناس ونواحيها إمام حرم

مولانا إدريس نفعنا الله به وهو أحمد بن الطالب بن سودة المرى الله وليه ومولاه أعزه الله تعالى بعز طاعته، وحرس ولايته، بحيث يجب له ذلك من حيث ذكر. وفى تاسع رمضان المعظم عام تسعة وتسعين ومائتين وألف الحق وبالتعاون على البر والتقوى صح به. فلان بشكله وفلان بشكله ودعائه". كما عين في التاريخ نفسه وصيف جنابه العالى الطالب بوعزة السريفى كبيرا بآيت بوعمران، وألزم العمال جوار المراسى الأربع، وهى: مرسى سيدى محمد ابن عبد الله ومرسى سيدى ورزيك، ومرسى اسك بآيت باعمران، ومرسى أكلو بجوار تيزنيت بحفظها والعسة عليها ليلا ونهارا بحيث لا يدخل منها شئ ولا يخرج إلا بأمر مولوى. فالتزموا ذلك، ووقع الإشهاد عليهم به، وذلك في تاسع عشرى شعبان العام وأمضى على ذلك العمال بخواتيمهم. وكتب بذلك لباشا مكناس القائد حم بن الجيلانى كتابا نصه بعد الحمد لله والصلاة والطابع الكبير الذى بداخله "الحسن بن محمد بن عبد الرحمن الله وليه 1291" وبدائرته بيتا البردة ومن تكن ... إلخ من يعتصم ... إلخ: "وصيفنا الأرضى الباشا حم بن الجيلانى وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد فقد قضى والحمد لله الغرض الذى ارتمى إليه الأمل المراد. ويممنا لأجله قطرى سوس الأدنى والأقصى من صحارى البلاد. بنية خالصة تنيل الكل منهم ما أفاد. وتحيى رسمهم وأنسهم وقد باد، وترشد المتهور منهم الذى الإساءة إليه أجدى من الإحسان والبهيمة عليه أكرم من الإنسان، عضدتها مواكب شديدة الالتحام. وجنود تقول لمن رآها تنكب ليلا يقطرك الزحام. وصدور عمها الانشراح، ومسرات أردفتها أفراح وآلات استعدادية جهادية تبهر وتروق. وخوارق ليست عادية تكاد عند سكونها تومض منها بروق، وفوارس ذات نفوس عصامية، لا محل فيها للاستقصاء والاستفسار. ولا يأتى عليها ضابط إطناب أو فذلكة

إكثار. إلى غير ذلك مما تقتضى النعمة به التحديث. ويجذب من صميم فؤاد المحب المؤمن الحمدين القديم منهما والحديث. معترفين بأن الله سددنا في ذلك كله إلى غرض التوفيق. وأعلقنا من تحرى الصواب فيه بالسبب الوثيق، وأجرانا سبحانه على ما ألفناه من صنعه الجميل وتعودناه ولولا فضله علينا بمحض فضله ما تم لنا منه ما أردناه. وذلك والحمد لله أن كافة قبائل القطرين المذكورين تلقونا بأجمعهم بأنواع الأفراح وأصناف المسرات. وقدموا من الهدايا ما رأوه من أولى المهمات وأعلنوا بواجب السمع والطاعة وحفيات التحيات. ووسطهم شرفاؤهم ومرابطوهم وفقهاؤهم وأعيانهم وكبراؤهم وذلك لما خيمنا بقصوى عدوة وادى ولغاس الموالية لبلادهم وجبال استفرارهم، بعد أن كانوا كتبوا لشريف حضرتنا ونحن بمراكش الحمراء معلمين بأنهم على سنن الاهتداء. مقيمين على إجابة الدعاء. فلما التقى الجمعان وجدنا ظواهر خبرهم وبواطن سرهم سواء. ولينا عليهم العمال والقضاة. وكذا على القبائل غيرهم ممن هو من مبادئ هذه الأقطار أو من الغايات، وحططنا بخير بقاعهم لأجل استصلاحهم الرحال. حتى استحال ركض همالجهم لحسن الحال. وأقبل أقاصيهم علينا إقبال الغادة. يهديها اليمن وتزفها السعادة. ثم بعد كمال استقامتهم وترتيب مراتبهم طلبوا منا التجديد على ما بأيديهم بإقرارهم على عوائدهم، وحملهم على أعرافهم التي عندهم عليها ظهائر أسلافنا الكرام. قدس الله أرواحهم في دار السلام ومن غبر من أمراء المسلمين. رضوان الله عليهم أجمعين. فأقررناهم وجددنا لهم علينا في الحين. واتبعنا في ذلك الإجماع وسبيل المؤمنين، ولو نيل من هؤلاء القبائل التي هى آساد وحشية. وبأفنان الغضا موشية عشر هذا لكان كافيا في القصد من هذا الشأن. لأنهم هذه مدة تزيد على الستين سنة لم يتخلل بلادهم المخزن.

هذا وأيضًا فمن جملة الأهم المقصود لدينا بوجهتنا السعيدة لهذه الناحية البعيدة. فتح مرسى بوادى نون في حدود بلاد تكنة وآيت بوعمران بمحل يسمى أصك ليسهل بقربها على تلك القبيلتين البيع والشراء فيما يستقبل من الأزمان. لأنهم لبعد مراسى إيالتنا السعيدة عنهم، يتضررون في تجشم السفر لها بقصد ذلك بالطريق وتشرق القوافل منهم ولو مع وجود الماء بالريق. ويكاد نفسهم أن يقطع منهم حروف الحلق. فتيممناها زيادة في الإحسان إليهم والله يزيد في الخلق إلى أن بقى بينها وبين المحلة مرحلتان فيهما ثلاث عشرة ساعة سفر الرفق إذ ورد علينا أعيان القبيلتين المذكورين آيت بوعمران وتكنه وأهدوا كغيرهم، فولينا عليهم وأجرينا مجرى كيرهم ووقع الكلام معهم في شأنها، فأجابوا لذلك لما لهم من الرغبة فيها، حتى إن بعضهم كانت سولت له نفسه فتحها على يد بعض تجار الدول. تقريبا كلما ذكرنا وحرصا على بلوغ الأمل واتفقت الآراء منهم على توجيه من يقف على انتخاب المحل الذى تبنى فيه مما يقبل البحر تخطيطه وتأمن فيه جواريه. فساعدناهم ووجهنا صحبتهم سرية من القبائل والجيش السعيد. ومعهم طلبة الهندسة لتقريب البعيد بقصد معاينة محلها وتخطيطه. والإتيان لحضرتنا المحروسة بطبق تصويره واستغنينا عن التقدم بهم، بحيث إن قضوا الغرض فذاك وإلا فننهض لقضائه على الله متوكلين. وبجيوشنا المتوافرة مصحوبين. لقربنا منهم إذ نحن الآن بأمن ومن بلاد أهل أكلوا مخيمون وهو الطرف الأول لآيت بوعمران، الذى يسمى بالساحل، بينه وبين المرسى المقدار الذى تقدم آنفا حسبما قدره الميقاتيون، كلما أن الأهمية أيضا اقتضت نصب قائد من قواد جيشنا السعيد مختارا من أماثلهم ذار أى مصيب. وتسديد يكون بتزنيت محل المخزن في القديم. إعانة وردءاً لسائر عمال القطرين بالمشار من قطع وادى والغاس إلى منتهى وادى نون واكلميم.

يتفاوضون معه فيما عسى أن يعرض لهم من المهمات ولا سيما إذا كان المخزن بعيدا عن هذه الشرفات. واشترطنا على السادة منهم والأعلام. والأعيان والحكام. المعينين عندهم لربط الأمور ربط إتقان وإحكام. أن يضربوا على أيدى أهل الجرائم وأن ينتصفوا للمظلوم من الظالم. وأن لا يخرجوا في ذلك على ما تقرر لديهم من الأعراف والحد المحدود لهم عند الانتصاف. وعليه أن يكون يعلم بالشاذة والفاذة لا يترامى لعين لائمه ولاحيه. ولا يتوارى عن الحق في مغابن نواحيه. لنكون على بصيرة فيما قصدناه من فتح تلك المرسى ومؤاخاة لإثارة النعمة، ودفاعا للبوسى فنصبناه. وبما هو من شأنه كلفناه وحضر العمال المشار إليهم معه وبعدما عرفوا بذلك كله وعرفوه أشهدوا بأجمعهم أنهم التزموه. وأنهم عند السمع والطاعة يقومون به جهد الاستطاعة بل لأجل تمكن المعنى منهم أتم مكان. على وجه الإذعان والاستحسان ختم العمال منهم بخواتم عمالاتهم على عقد الإشهاد. تأكيدا للقصد وتأسيسا للمراد كما أشهد أهل السواحل منهم بالتزام جعل العسات في مراسى سواحلهم كفا للضرائر وحسما لمادة النزاع والجرائر وإرشاداً للضليل، وفرارا من كثرة القال والقيل. وبالجملة فقد أطلقنا لكم بالخبر اللسان ليصير هذا الغيب عندكم كالعيان. شارحين لكم الوجه الذى صرفنا إليه الآمال واستعملنا في أسنته وفى أعنته الشمال. وحثًّا على تمكينكم من حظكم من الفرح بما سن الله لنا من العز والإجلال. واجتلاء وجوه التهانى ووفود الآمال. ونحن على نية الأوبة بحول الله المتعال، فنسأله سبحانه أن يتمم ذلك برد الجميع سالمين غانمين. وييسر لنا ما فيه رضاه ولكافة المسلمين. آمين والسلام فاتح رمضان المعظم عام 1299".

ولما دوخ البلاد السوسية ومهدها وبث روح التآزر والتعاضد ورتب بها القضاة والعمال، وكف عنها اليد العادية انقلب إلى العاصمة المراكشية، فنهض يوم الخميس رابع رمضان العام موافق ثامن يوليه من امزور إلى الكرمة بين المعدر وتزنيت، وكانت مدة السير ساعتين وربع، ومنها إلى بكرة وادى ولغاس ومدة السير ثلاث ساعات وربع، ومنه إلى الدحوش وهم أولاد بوطالب والمسير ثلاث ساعات وربع، ومنهم إلى طكط بلاد هشتوكة ومدة السير أربع ساعات، ومنها إلى بدار بلاد مسكينة ومدة السير ثلاث ساعات ونصف، وأقام المترجم ثم ثلاثة أيام ومنها، إلى ابن سر كاو قرب مرسى أكادير ومدة السير ساعتان وربع، ومنه إلى تمرغت ومدة السير ثلاث ساعات، ومنها إلى وادى اذاوتامر والسير سبع سوائع، ثم تبصيرت والسير أربع ساعات ثم زاوية امكدار والسير ست ساعات وربع، وأقام المترجم هنالك يوما واحدا، ومنها إلى وادى بوريقى والسير ثمان ساعات وأقام ثم يوما واحدا أيضا، ومنه إلى جمعة الكريمات والمسير أربع ساعات، ومنها لعين اماست والسير ثلاث ساعات ونصف، ثم إلى وادى ششاوه والسير سبع ساعات وربع، ثم نزالة المزوضى والسير ثلاث ساعات، ومنها إلى عدوة وادى نفيس والسير ست ساعات، ثم بوعكاز والسير ساعتان وربه، ومنه إلى الحضرة المراكشية والسير ساعة وربع. فجميع أيام السفر ذهابا وإيابا خمسة وسبعون يوما، أولها الاثنين وآخرها الجمعة، وجميع السوائع في الذهاب والإياب مائة وسبعون ساعة، وبمراكش أقام حفلة سُنَّة عيد الفطر. ولم يزل مقيما بها إلى أن دخلت سنة ثلاثمائة وألف وفيه نهض قاصداً عاصمة سلفه المكناسية، وهذه الحركة العاشرة، وكان مروره على قبيلة الرحامنة، فزمران، ثم قبائل تادلا، وأوقع بالسماعلة منها، ثم نهض لقبيلة زعير وبها أقام

حوادث سنة 1300 ونصيحته الدينية

سُنَّة عيد الفطر، ومنها لقبيلة زمور الشلح ولم يدخل للرباط، ومنها توجه للحاجب ومنه للعاصمة المكناسية، وكان دخوله لها في حجة الحرام، وأقام بها سُنَّة عيد الأضحى، ومكث بها سنة كاملة. وبها بلغه نعى نجله البار الأنجب مولاى عبد الله الذي كان ببلاد أحمر بقصد قراءة القرآن تيمنا بذلك البلد الطَّيِّب، وأنه حمل للدفن بعاصمة الجنوب مراكش الحمراء، فصبر واحتسب. وفى هذه السنة التي هي رأس المائة، وجه صاحب الترجمة رسالة جامعة مشتملة على كثير من المواعظ والأوامر والنواهى والنصائح لجميع بلاد المغرب، وأشار إلى المجدد في صدرها ونصها بعد البسملة والصلاة: هذه وصية مؤسسة على قواعد شرعية. ونصيحة دينية. للولاة والرعية. صدرت من عبد الله. الموفق بفضل الله. المتوكل عليه في سره ونجواه. أمير المؤمنين. ابن أمير المؤمنين ثم الطابع الشريف بداخله الحسن بن محمد بن عبد الرحمن الله وليه 1291: أبد الله ملكه. وأجرى في بحار اليمن والسعادة فلكه، وجعل فيما يرضيه أوامره، ونصره وجنده وعساكره، إلى معاشر أهل الإسلام وأمة النَّبي عليه الصَّلاة والسلام، وفقكم الله وهداكم، وبركوب سفينة الشريعة أنجاكم. وسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. أما بعد: فلتعلموا أيها المسلمون أن الله جل جلاله بمقتضى حكمته بعث النبيئين مبشرين ومنذرين. وناط بهم أحكام الشرائع إبلاغاً وتبليغاً، وجعلهم نوباً عن سيد المرسلين. سيدنا ومولانا محمد لبنة التمام. عليه وعليهم الصَّلاة والسلام.

قال مولانا في محكم كتابه المبين: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ ... (81)} [سورة آل عمران: الآية 81]، ولما بعثه الله تبارك وتعالى قام بما حمله من أعباء الرسالة. وبلغ ما أمر بتبليغه، وأنقذ الأمة من الضلالة. إلى أن صار الدين مشيد الذرى. محكم العرى. وتبوأت خير أمة من قصوره حصناً حصيناً. وأثره نزل قوله تعالى: {... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ... (3)} [سورة المائدة: الآية 3]، ثم أقام الله سبحانه من بعده الخلفاء. والأئمة المرضيين الحنفاء، فمهدوه تمهيداً، وجددوه في كل عصر تجديداً، واقتفى أثرهم أمراء الإسلام السالكون نهجهم الأقوم في كل مقصد ومرام، فنصحوا لله ولرسوله والمؤمنين، وبذلوا مجهودهم في مرضاة رب العالمين، فأقاموا شريعته حتَّى لمعت بوارقها، وشبت بإحياء مراسمها بعدما شابت مفارقها، إلى أن صار الدين غضاً طرياً، وقطوفه دانية بكرة وعشياً، رحمهم الله. وهكذا على رأس كل مائة يبعث الله لهذه الأمة الأحمدية من يجدد معالم الدين. ويصقل مرآته من صدى التعمق في بيداء المضلين. وحيث كانت هذه السنة هي آخر المائة. وتوفرت دواعى التضحية بمفتتح رأس المائة القابلة لهذه الفئة تعين لذلك تنبيه الغافل، وإرشاد الضال، عملاً بما كان عليه السلف، لنكون بعدهم لهم خير خلف، وأداء لحق الواجب وأخذاً بطرق الامتثال. فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المؤمنين وعامتهم". وعليه فاعلموا أيها النَّاس أن أول ما يجب على المكلف المتمكن من النظر في الأدلة معرفة ما يجب في حق الله وفى حق الرسل بالبراهين النقلية والعقلية ليخرج من ربقة التقليد، ويشرق باطنه بأنوار التوحيد، فتقوى لديه بواعث العبادة، التي بها أمر الله عباده، فإن الله سبحانه إنَّما خلقنا لمعرفته وأمرنا بتوحيده، وبعث الرسل عليهم السَّلام لبيان وعده ووعيده، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا

{لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات: 56]، وقال سبحانه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ... (19)} [سورة محمد: 19]، وقال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ... (36)} [النساء: 36] وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} [الأنبياء: 25]، وقال تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)} [إبراهيم: 52] وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45)} [الأحزاب: 45] وقال: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9)} [الفتح: 8، 9]. والإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث كما في صحيح البُخاريّ جواباً منه -صَلَّى الله عليه وسلم - لجبريل، والتوحيد المعبر عنه بالمعرفة المذكورة هو الذي حض عليه الله ورسوله كما مر، فتعلموه وعلموه وحرروا القصد والنيات في العبادات. قال عليه السَّلام: "إنَّما الأعمال بالنيات "إنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" والعلم بأحكام العبادة. به تحمل الإفادة. ففي الحديث عنه عليه السَّلام: "ما عبد الله بأفضل من فقه في دين" وأركان الدين. ما ورد عن سيد المرسلين. "بنى الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلَّا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصَّلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا" فأساس الدين. التوحيد، وملاكه معرفة الله والرسول كما يجب، إذ هي شرط والباقى بدونها لا يفيد. الركن الثَّاني: إقامة الصَّلاة بالطهور وأداؤها في وقتها كما أمر الله إذ هي عماد الدين. وعصام اليقين. وسيدة القربات. وغرة الطاعات. قال تعالى: {... إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)} [النساء: 103] وقال عليه السَّلام:

"أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصَّلاة، فإن قبلت قبل سائر عمله، وإن ردت رد سائر عمله" وقال عليه السَّلام: "الصَّلاة من الدين بمنزلة الرأس من الجسد" وقال عليه السَّلام: "خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاء بهن لم يضيع شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة". وكتب سيدنا عمر إلى بعض مسألة: إن أهم أموركم عندى الصَّلاة، فمن حافظ عليها فهو لما سواها أحفظ، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع. وقال: بين الإيمان والكفر ترك الصَّلاة، وقال عليه السَّلام: "الصَّلاة عماد الدين فمن تركها فقد هدم الدين". فينبغى للمؤمن الاهتمام بأمرها، والاعتناء بشأنها، والمحافظة على شروطها وسننها ومستحباتها وقوعاً وأداء. قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ... (43)} [البقرة: 43]، وقال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)} [البقرة: 238]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور، وقال: "من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتَّى تخرج من تحت أظفاره" وقال - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذِّ بسبع وعشرين درجة". وقال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ ... (18)} [التوبة: 18] وقال - صلى الله عليه وسلم -: "من غداً إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلا"وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن أعظم النَّاس أجراً في الصَّلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم". وحكم التارك لها عمداً القتل، والجاحد الكفر في القول الفصل. قال سيدى خليل: ومن ترك فرضاً آخر لبقاء ركعة بسجدتيها من الضرورى

وقتل بالسيف حدًّا، ولو قال: أنا أفعل وصلى عليه غير فاضل، ويكفى في ذم تاركها أو مؤخرها عن وقتها ما ورد من الوعيد في شأنه قال سبحانه: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ... (59)} [مريم: 59]، وفى الحديث: "من ترك الصَّلاة لقى الله وهو عليه غضبان" وعنه عليه السَّلام: من ترك الصَّلاة فقد أتى الكفر جهاراً" وعنه: من ترك العصر فقد حبط عمله، وعنه: "من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر" وعنه: "من ترك ثلاث جمع متهاوناً طبع الله على قلبه"، وعنه عليه السَّلام: "أتانى جبريل من عند الله تبارك وتعالى فقال: يا محمد، إن الله عز وجل يقول إنى فرضت على أمتك خمس صلوات من أوفى بهن على وضوئهن ومواقيتهن وركوعهن وسجودهن كان له عندى عهد أن أدخله الجنة ومن لقينى قد انتقص من ذلك شيئًا فليس له عندى عهد إن شئت عذبته وإن شئت رحمته". الركن الثالث من مبادئ الإسلام: الزكاة، وقد قرنها الله بالصلاة في آيات كثيرة: والرسول في أحاديث شهيرة. فكما أن الصَّلاة طهرة الأبدان فكذلك الزكاة طهرة الأموال قال سبحانه: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ... (41)} [الحج: 41]، وقال: {... الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)} [المائدة: 55]، وقال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)} [التوبة: 103]. وقال -صَلَّى الله عليه وسلم -: "الزكاة قنطرة الإسلام" وقال: "حصنوا أموالكم بالزكاة فإنَّه ما ضاع مال في بر أو بحر إلَّا بترك الزكاة فيه" وقال عليه السَّلام: "ما من صاحب مال لا يؤدى حق الله فيه إلَّا مثل له يوم القيامة شجاع أقرع له زبيبتان يأخذ بلهزمته يقول: أنا مالك أنا كنزك ثم تلا قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ... (180)} [آل عمران: 180]. وعن أبي ذر موقوفاً قال: بشر الكانزين برضف يَحْمى عليهم في نار جهنم

ثم يوضع على حلمة ثدى أحدهم حتَّى يخرج من نغض كتفيه ويوضع على نغض كتفيه حتَّى يخرج من حلمة ثديه يتزلزل. كما في صحيح البُخاريّ. وعنه عليه السَّلام "مانع الزكاة يوم القيامة في النَّار". وهي تجب في خمسة أشياء: مختلفات النعم، والنقدين، والركاز، والمعادن، والمعشرات. ويلحق بهذا الركن في الجملة زكاة الفطر فإنها واجبة الإخراج على كل مسلم فضلت عن قوت يومه. عن نفسه وعن كل مسلم يمونه بقرابة أو رقّ أو زوجية ووجوبها بالسنة على المشهور، ففي الموطأ عن ابن عمر رضى الله عنهما قال فرض رسول الله -صَلَّى الله عليه وسلم - صدقة الفطر من رمضان، وفى التِّرمذيُّ بعث - صلى الله عليه وسلم - منادياً ينادى في فجاج مكّة ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم. الركن الرابع الصيام: الواجب على الأنام، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ... (183)} [البقرة: 183]، وقال: {شَهْرُ رَمَضَانَ ... (185)} [البقرة: 185] وقال - صلى الله عليه وسلم -: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" وقال - صلى الله عليه وسلم -: "شهر رمضان كتب الله عليكم صيامه. وسننت لكم قيامه. فمن صامه وقامه إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" وقال عليه السَّلام: "هذا شهر رمضان جاءكم تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النَّار وتسلسل فيه الشياطين وجزاء ثوابه لا يحصى في خطاب" ففي الحديث: "كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف" قال الله عز وجل إلَّا الصوم فإنَّه لي وأنا أجزى به يدع شهوته وطعامه من أجلى. الركن الخامس: حج بيت الله الحرام، قال تعالى فيما نزل على نبيه تنزيلاً. {... وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ... (97)} [آل عمران]، وعن

عمر رضى الله عنه لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من له جدة ولم يحج فليضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين. قال ابن حجر ومثل هذا الحديث لا يقال من قبل الرأى فيكون في حكم المرفوع، ومن ثم أفتيت بأنه حديث صحيح، وفى الحديث: "من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" وقال تعالى: {... فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ... (197)} [البقرة: 197]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "الحج المبرور ليس له ثواب إلَّا الجنة"، وقال عليه السَّلام: "الحج تضعف فيه النفقة بسبعمائة ضعف"، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى يقول أن عبداً أصححت له في جسمه وسعت عليه في معيشته تمضى عليه خمسة أعوام لا يفد إلى لَمْحرُوم" وقال: "الحجاج والعمار وفد الله يعطيهم ما سألوا ويستجيب لهم ما دعوا ويخلف لهم ما أنفقوا الدرهم ألف درهم". ولا ينبغي الحج لمن يضيع ما سواه من أركان الإسلام. صلاة أو غيرها ممَّا يلحقه عليه في الشرع تبعة الملام. كما تفعل العامة اليوم في عدم تحريها في نفقة الحلال، ولا تقوم بما أوجب الله عليها من الأقوال والأفعال. إذا حججت بمال أصله سحت ... فما حججت ولكن حجت العير وقد نص العلماء رضوان الله عليهم فيما حرروه وذهبوا إليه أن الحاج إذا تحقق أنَّه يخرج صلاة عن وقتها لعذر كميد لم يجب عليه وقد كادت أن تترك هذه الدعائم، ولا يوجد سائل عنها ولا حاتم، ونبذت الشرائع عياناً، وارتكبت البدع إعلاناً، وصار أمرنا يتزايد في كل حين، والحقُّ لا ناصر عليه يعين، قال تعالى: {... فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} [النور: 63]، وقد ظهر في النَّاس من المخالفة لأمر الله وإتيان ما حرم الله والتفريط في جنب الله والإعراض عن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يخشى معه من

حلول عقاب الله ونقمته، لولا حلمه وعفوه وسابق رحمته. قال تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ... (61)} [النحل: 61]. نطلب من الله أن يلهمنا والمسلمين لما يوجب رضوانه، ويرشدنا لما يجلب أمانه وكفرانه، فإن هذه الدار قنطرة إلى الآخرة، وسبيل لمن وفقه الله إلى الوصول للمنازل الفاخرة، والسعيد كل السعيد من استعمله الله في أعمال صالحة، وألهمه إلى أتباع سنة رسوله التي هي المتاجرة الرابحة، فخاف مقام ربه ونهى النَّفس عن الهوى، وتزود من تقوى الله وخير الزاد التقوى، وقدم ما ينفعه من هذه الدار للأخرى، وذكر فنفعته الذكرى. فينبغى تكرير الوعظ والتذكير، والتنبيه والتحذير، لئلا تقسى القلوب، بتوالى الذنوب. {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)} [المطففين: 14]، وفى الحديث عن بعض الصّحابة رضوان الله عليهم: كان النَّبي -صَلَّى الله عليه وسلم - يتخولنا بالموعظة أحياناً مخافة السآمة علينا. ويجب الرجوع إلى الله بالتوبة والاستغفار، وتجديد نيَّة الإخلاص ونفى الإصرار، فالعمل بالسنة هو السبيل الموصل إلى رضوان الله فالزموها، واجتنبوا البدع والمنهيات واحذروها، ففي الحديث: "عمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة". فيتأكد على كل من ولاه الله تعالى أمراً أن ينظر لرعيته. ويعمل على إخلاص عمله وتصحيح نيته، ويرشدهم إلى ما ينفعهم دنيا وأخرى، ويحملهم على ما يقربهم إلى الله زلفى، قال الله سبحانه: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)} [الذاريات: 55]، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)} [الأعراف: 201]، وذلك بعد أن يعمل العامل بطاعة ربه، ويجعل سعيه فيما يوجب الفوز بقربه. فإنَّه لا ينفع الوعظ في أبناء جنسه.

إلَّا بعد تطهر نفسه. فليبدأ العامل بنفسه فيصرفها عن هواها. ويأمرها بما يأمر به سواها. ولا يكن ممن يدعو إلى طريق البر وهو قَدْ حَادَ عنه وخرج. وانتصب لمعالجة غيره وهو إلى من يعالجه أحوج. إذ بصلاح الولاة تصلح الرعية. وتستقيم أحوالها في السر والعلانية، ومن صلاحهم أن يكونوا مع من هو إلى نظرهم إخوانا. وعلى ما يقوى على الطباعة أعواناً. فالمسلم أخو المسلم وإن كان والياً عليه. وأولى النَّاس باستعمال الرفق من ظهر فضل الله لديه. وأن لا يداهنوا أهل المعاصى. بل يتقصوا أحوال الدانى منهم والقاصى. ففي الحديث الكريم: "يحشر يوم القيامة أناس من أمتى من قبورهم إلى الله تعالى على صورة القردة والخنازير بما داهنوا أهل المعاصى وكفوا عن نهيهم وهم يستطيعون". ويستعين على ذلك بتقريب أهل الفضل والدين، ويجتنب أهل الضلالة والمعتدين، فإن الطباع تسرق الطباع. والمرء لمن غلب عليه تباع. قال في الحكم: لا تصحب من لا ينهضك حاله. ولا يدلك على الله مقاله، وفى الحديث: ما من أمير إلا وله بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وبطانة لا تألوه خبالا. ومن وقى بطانة السوء فقد وقى وإذا زكى الإنسان نفسه واتقى ربه أصلح الله رعيته. وبلغه من كل خير أمنيته. فإن رأس المال تقوى الله وسبيل النجاة اتباع سنة رسول الله قال الله سبحانه وتعالى: {... وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ... (131)} [النساء: 131]، وقال: {... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ... (3)} [الطلاق: 2، 3]، وقال: {... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)} [الطلاق: 4]. وقال سيدنا على كرم الله وجهه: قال النَّبي -صَلَّى الله عليه وسلم -: "من اتقى الله عاش قوياً وسار في بلاد الله آمناً. وحقيقة التقوى أتباع الأوامر واجتناب النواهى، وأن لا يقدم على أمر حتَّى يعلم حكم الله فيه. وفى الصَّحيح عنه - صلى الله عليه وسلم -: "كلكم راع

وكلكم مسئول عن رعيته" والسعيد من سعدت به رعيته، ولا سعادة أكبر من العدل في الرعية وحسن السيرة فيها والعمل بما ينجى من عذاب الله قال سبحانه: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)} [النازعات: 37 - 41]، وقال سبحانه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة: 7، 8] وقال سبحانه وتعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ... (30)} [آل عمران: 30]، {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)} [البقرة: 281]، وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل: 90]. وأفضل أعمال الولاة العدل ونصر المظلوم وقمع الظالم، فإنَّما السلطان ظل الله في أرضه يأوى إليه القوى والضعيف، وينتصر به المظلوم قال سبحانه: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ... (49)} [المائدة: 49]، {... وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ... (58)} [النساء: 58]، وقال: {... إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42)} [المائدة: 42]، وقال عليه السَّلام: "إن المقسطين يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا" وفى الحديث: "الإمام العادل المتواضع ظل الله في الأرض يرفع له عمل سبعين صديقاً". وقال سبحانه: {... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ ... (7)} [الحشر: 7]، وقد أمر الله بالعدل ورغب فيه وأخبر بكرامة صاحبه إذ به تحصل العمارة والأمان، في جميع الأوطان والأزمان، وكما رغب في العدل ورتب الأجر عليه لأنهى عن الجور والظلم وحذر منه وأخبر بهلاك مرتكبه، قال

سبحانه: {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31)} [الإنسان: 31]، {... وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19)} [الفرقان: 19]، وقال: {... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)} [المائدة: 45]، {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)} [الجن: 15]. وقال عليه السَّلام: الظلم ظلمات يوم القيامة. وقال: الظلم يذر الديار بلاقع. وقال عليه السَّلام فيما يرويه عن ربه: يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسى وجعلته فيما بينكم محرماً فلا تظالموا. وقال: ومن أظلم ممن لم يجد ناصراً غيرى. وقال: كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه. وقال: في حجة الوداع: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. وفى الحديث: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره التقوى ها هنا، وأشار إلى صدره الشريف. ويدخل الظلم ظلم أهل الذمة، وما سموا أهل الذمة إلا لأنهم في ذمة الإسلام، يجب حفظهم والدفاع عنهم، وتحرم دماؤهم وأموالهم، وقد أوصى عليه السَّلام بالوفاء لهم، وحذر من ظلمهم ففي الحديث: من ظلم ذمياً كنت له خصيماً يوم القيامة ومن كنت خصيمه فلجت عليه بالحجة. وفيه: من قتل معاهداً في غير كنهه حرم الله عليه الجنة. وفيه: إذا ظهرت الفاحشة كانت الرجفة، وإذا جار الحاكم قل المطر، وإذا تركوا الجهاد رهبة ألبسهم الله سِيمَى الخسف ووسمهم بالصغار. ففي الحديث: ما ترك قوم الجهاد رهبة إلَّا ذلوا. وفى الحديث: من جرد ظهر مسلم بغير حق لقى الله وهو عليه غضبان. وفيه: من روع مؤمناً لم يؤمن الله روعته يوم القيامة ومن سعى بمؤمن أقامه الله مقام خزى وهوان يوم القيامة. وعنه عليه السَّلام: من أعان في قتل امرئ مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله. وفى الحديث: اللَّهم من ولى من أمر أمتى

شيئاً فرفق بهم فارفق به ومن ولى من أمر أمتى شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه. وعنه عليه السَّلام: أيما أحد استرعى رعيته فلم يحطها بالأمانة والنصيحة ضاقت عليه رحمة الله التي وسعت كل شيء. وعنه عليه الصَّلاة والسلام: من أخون الخونة تجارة الوالى في رعيته. وفى الحديث: لكل شيء آفات وآفات هذا الدين ولاة السوء. وعنه - صلى الله عليه وسلم -: ما عدل وال اتجر في رعيته. وعنه عليه السَّلام: من ولى شيئاً من أمور المسلمين لم ينظر الله في حاجته حتَّى ينظر في حوائجهم. وعنه عليه الصَّلاة والسلام: ما من إمام أو وال يغلق بابه دون ذوى الحاجات والخلة والمسكنة إلَّا أغلق الله أبواب السماء دون حاجته وخلته ومسكنته. وفيه: ما من أمير يؤمر على عشرة إلَّا سئل عنهم يوم القيامة. وفيه: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت وهو غاش لرعيته إلَّا حرم الله عليه الجنة. واعلموا أن ما ينزل بنا من الشدائد والمصائب، إنَّما هو من عدم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وارتكاب الذنوب، والإصرار على العيوب، وقد حذر الشارع عز وجل وأنذر، ووعظ وذكر، ورتب على كل ذنب عقوبة فقال جل ثناؤه: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} [آل عمران: 104]، وقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ... (71)} [التوبة: 71]، وقال عز وجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ... (110)} [آل عمران: 110]، ومن المنكر السكوت عن المنكر لمن يقدر على تغييره لقوله تعالى: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)} [المائدة: 79]، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لتأمرن بالمعروف وتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم". ومن المنكر الذي لا يسع التغافل عنه والتساهل في أمره هذا الخطب النازل الوقتى الذي هو المجاهرة باستعباد الأحرار واسترقاقهم بدون وجه شرعيّ، فإن

المستعبد لحر هو أحد الثلاثة الذين لا يقبل الله منهم صلاة، فعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة، من تقدم قوماً وهم له كارهون ورجل أتى الصَّلاة دباراً والدبار أن يأتيها بعد أن تفوته ورجل استعبد حراً. وهو أيضاً أحد الثلاثة الذين قال الله تعالى فيهم إنه سبحانه خصمهم. فعن أبي هريرة رضى الله عنه أنَّه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته رجل أعطى بى عهداً ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى ولم يوفه". وقال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من قوم يظهر فيهم الرِّبا إلَّا أخذوا بالسنين وما من قوم يظهر فيهم الرشا إلَّا أخذوا بالرعب". وقال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصى هم أعز وأكثر ممن يعمله ثم لم يغيروه إلَّا عمهم الله بعقاب". وقال - صلى الله عليه وسلم -: "مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر من قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم". وقال - صلى الله عليه وسلم -: "خمس ليس لها كفارة: الشرك بالله وقتل النَّفس بغير حق وبهت المؤمن والفرار من الزحف ويمين فاجرة يقطع بها مال بغير حق". وفى الحديث: "خمس بخمس ما نقض قوم العهد إلَّا سلط الله عليهم عدوهم ولا حكموا بغير ما أنزل الله إلَّا فشا فيهم الفقر ولا ظهرت فيهم الفاحشة إلَّا فشا فيهم الموت ولا طففوا المكيال إلَّا منعوا القطر وأخذوا بالسنين ولا منعوا الزكاة إلَّا حبس الله عليهم المطر". وفى الحديث: "لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن. وفيه: الزنى بريد الفقر. وفيه: "من شرب مسكرًا أسقاه الله من طينة الخبال. قيل: وما طينة الخبال يا رسول الله؟ قال: "عصارة أهل النَّار وصديدهم". وقال: "من شرب مسكراً لم يقبل الله منه صلاة أربعين يوماً"، وقال: من غصب قيد شبر من أرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين". وقال - صلى الله عليه وسلم -: "من غشنا فليس منا، والمكر والخداع في النَّار". وقال -صَلَّى الله عليه وسلم -: "إذا فعلت أمتى خمس عشرة خصلة حل بها البلاء: إذا كان المغنم دولا والأمانة

مغنماً والزكاة مغرماً وأطاع الرجل زوجته وعق أمه وبر صديقه وجفا أباه وارتفعت الأصوات في المساجد وكان زعيم القوم أرذلهم وأكرم الرجل مخافة شره وشربت الخمر ولبس الحرير واتخذت القينات والمعازف ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء أو خسفاً أو مسخاً". وعنه -صَلَّى الله عليه وسلم -: "اتقوا السبع الموبقات -أى المهلكات-: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلَّا بالحق وأكل الرِّبا وكل مال اليتيم والتولى يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات". وقد أحل الله البيع وحرم الرِّبا وأمر بالكسب وجعله لنيل الفضل سبباً قال تعالى: {... وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ... (275)} [البقرة: 275]، وقال: {... وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10)} [الأعراف: 10]، وقال: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ... (198)} [البقرة: 198]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "التاجر الصدوق يحشر مع الصديقين والشهداء". وقال - صلى الله عليه وسلم -: "من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلَّا الهم في طلب المعيشة". وقال - صلى الله عليه وسلم -: "طلب الحلال فريضة على كل مسلم". وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278)} [البقرة: 278]. وفى الحديث: "درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ست وثلاثين زنية في الإسلام ومن نبت لحمه من ربا فالنار أولى به". وفيه: "لعن الله أكل الرِّبا وموكله وشاهده وكاتبه هم فيه سواء". وفيه: "أتيت ليلة أُسرى بى على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خارج بطونهم فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء أكلة الرِّبا". وفى الحديث: "إيَّاكم والغيبة فإن الغيبة أشد من الزنا وإن الرجل قد يزنى فيتوب فيتوب الله عليه، وإن صاحب الغيبة لا يغفر الله له حتَّى يغفر له صاحبه". وفيه: "أتدرون ما الغيبة؟ ذكرك أخاك بما يكره. إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته".

وقال الله سبحانه: {... وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ ... (12)} [الحجرات: 12]. وفى الحديث: "إن الله لا يحب الفاحش المتفحش ولا الصياح في الأسواق"، وفيه: "خصلتان ليس فوقهما شيء من الخير حسن الظن بالله وحسن الظن بعباد الله، وخصلتان ليس فوقهما شيء من الشر سوء الظن بالله وسوء الظن بعباد الله". وفيه: "إن الله تعالى حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال"، وفيه: "إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال"، وفيه: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". فاعملوا بما يتلى عليكم من آيات الله تهتدوا. واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم تسعدوا. وسابقوا إلى سلوك نهج الخلاص وتداركوا أعمالكم بالتوبة والإخلاص. "واركبوا من طاعة الله ورسوله سفن النجاة. ولا تقنعوا مكان الأعمال الصالحات بالبضاعة المُزْجَاة (¬1). وأقيموا شعائر الإسلام بينكم وأظهروها. وزكوا أنفسكم بطاعة الله وطهروها، {... وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)} [النور: 31]. {... إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)} [البقرة: 222]. وبادروا لها مبادرة الغريق لطلب النجاة، وانتهزوا فرصتها قبل هجوم هادم اللذات، هي إن صادفت محلها تَجُبّ ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وفى الحديث: "توبوا إلى الله فإنى أتوب إلى الله كل يوم مائة مرَّة" وفيه "إن للتوبة بابًا عرض ما بين مصراعيه ما بين المشرق والمغرب لا يغلق حتَّى تطلع الشَّمس من مغربها" وفيه "من تاب قبل أن يغرغر قبل الله منه". ¬

_ (¬1) تحرف في المطبوع إلى: "المجزاه" والمُزجَى: الشيء القليل. وهي مُزْجَاة. وفى التنزيل العزيز: {... وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ ... (88)} [يوسف: 88].

ونعهد إلى عمالنا ولاة أمرنا أن يلزموا أنفسهم وأهليهم طاعة الله، ويدلوا رعيتهم عليها ويعملوا بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويحضوهم عليها قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ... (6)} [التحريم: 6]، وأن يلزموا كل قرية ومدشر ودوار مشارطة طالب علم يعلم أولادهم ويفقههم في دينهم، ويقيم لهم الصلوات الخمس في أوقاتها، ويحضهم على الأذان الدال على إيمان الدار، وهو للمؤمنين شعار، وأن ينبهوا على رد البال للطريق ليلاً ونهاراً، وتعاهد أماكن الخوف منها رواحاً وابتكاراً، وينصبوا لأهل العيث الأرصاد، ويمكنوا لهم بكلِّ واد، حتَّى تفسير الدماء بذلك محقونة، والفتن محسومة، والأموال مصونة. فإن قَطع الطَّريق وإخافة المسافرين من أقبح السيئات. كما أن إماطة الأذى عن الطَّريق من أحسن الصالحات، ففي الحديث الكريم: "عرضت على أعمال أمتى حسنها وسيئها فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطَّريق". وأن يتفقدوا أحوال الفقراء الذين قتِّرَت عليهم موارد الأرزاق (¬1). وألبسهم التعفف ثوب الغني وهم في ضيق من الإملاق. بصدقة التطوع التي هي للحسنات كلام المولود، فهى التي تتيقظ لحراسة صاحبها والنّاس رقود، وبها تستنزل الأرزاق وتسبغ الآلاء. وتطفئ الغضب ولا يتخطاها البلاء، اختص الله بها بعض عباده لمزية أفضالها. وجعلها سبباً للتعويض بعشر أمثالها. ففي الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم -: "من تصدق بصدقة منْ كَسْبٍ طيب ولا يقبل الله إلَّا الطَّيِّب فكأنه إنَّما يضعها في كف الرحمن يربيها له كما يربى أحدكم فلوه أو فصيله حتَّى تكون مثل الجبل" وفيه: "ما من رجل يتصدق في يوم أو ليلة إلَّا حفظ من أن يموت من لدغة أو هدمة أو موت بغتة" وفيه "إن الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النَّار" وفيه: "اتقوا النَّار ولو بشق تمرة" وفيه: "أعطوا السائل ولو جاء على فرس" أى لا تردوه ولو جاء على حالة تدل على غناه. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "الذين قدرت عليهم مواد الأرزاق".

وورد: "استنزلوا الرزق بالصدقة وحصنوا أموالكم بالزكاة". وليعاقبوا الفرقة التي تراخت في الدين. وخلفت سنة سيد المرسلين ولم يتعلموا ما يقيمون به قواعد إسلامهم، ولا سلكوا سبيل رسول الله -صَلَّى الله عليه وسلم - ولا سبيل أئمة الدين، وأعلامهم، ففي الحديث: "إنَّما العلم بالتعلم" وهو واجب، إذ لا يحل لامرئ مسلم أن يقدم على أمر حتَّى يعلم حكم الله فيه، وقد قال سبحانه وتعالى: {... فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)} [النحل]، وقال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ... (36)} [الإسراء]. ولما أخذ الله العهد على العامة أن يتعلموا أخذ العهد على أهل العلم أن يعلموا فقال سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ... (187)} [آل عمران: 187]، {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)} [البقرة: 159، 160]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "من كتم علماً ألجمه الله بلجام من نار" فتعلموا وعلموا فإن من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم، قال سبحانه: {... وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ... (282)} [البقرة: 282]. وفى الحديث: "اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل"، {... وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ... (20)} [المزمل: 20]، {... فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف: 110]، وقال: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة: 7، 8]. وقال - صلى الله عليه وسلم - في وصية لبعض أصحابه رضى الله عنهم: "كن في الدُّنيا كأنك غريب أو عابر سبيل واعدد نفسك في الموتى وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح".

وقال: "يابنى احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة". وقال في وصيته لمعاذ بن جبل: "يا معاذ اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق النَّاس بخلق حسن قال قلت يا رسول الله زدنى قال: كف عنك هذا وأشار إلى لسانه قلت أو إنا لمؤاخذون به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب النَّاس في النَّار على مناخرهم -أو قال على وجوههم- إلَّا حصائد ألسنتهم". وفيه: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه". وفيه: "أحب الأعمال إلى الله حفظ اللسان". وفيه: "رحم الله امرءاً تكلم فغنم أو سكت فسلم". وفيه: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقى لها بالاً يرفعه الله بها درجات. وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالاً يهوى بها في جهنم". وفيه: "أكثر خطايا الإنسان من لسانه". وفيه "من حفظ ما بين لحييه وما بين رجليه ضمنت له الجنة. "فليبلغ الشاهد الغائب ألهمنا الله وإياكم الأعمال الصالحات. وأرشدنا لمناهل الخيرات وجعلنا من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون". وفيها أمر بتأليف لجنة من بعض فقهاء فاس للنظر فيما أراد اليهود إحداثه بملاحهم بفاس، ونص الظهير الذي أصدره في ذلك لنائب قاضى فاس بعد الحمدلة والصلاة والطابع:

"الفقيه النائب في القضاء بفاس الأرضى، السيد محمد بن عبد الرحمن سددك الله وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: فقد بلغنا أن أعيان يهود ملاح فاس العليا اجتمعوا واتفقوا على إحداث أمر بملاحهم مخالف لعاداتهم وهو نصب حزان وتاجرين من تجارهم في ملاحهم للحكم فيما يعرض بين إخوانهم من الوقائع كالسرقة وسائر الدعاوى وعلى إبدالهم في رأس كل شهر بآخرين، وصار هؤلاء الحكام يقبضون على من أرادوا من خصوم إخوانهم ويوجهونهم للسجن على يد عاملهم ويسرحونهم منه على يده وحيث لم تجر لهم عادة بنصب ما ذكر، وكانوا معاهدين والأمور التي بينهم وبين المسلمين كلها مبنية على قواعد الشرع رددنا قضيتهم للشرع، وعليه فنأمرك أن تجتمع أنت والفقهاء المسمون يمنته وتتنزلوا لهذه القضية وتعطوها حقها من النظر والتأمل والبحث ومراجعة عقد ذمتهم، هل هم معاهدون في ذلك أم لا؟ وما اقتضاه الشرع في النازلة من تسويغ ذلك لهم أو منعهم منه وردهم لعادتهم، طالعوا به علمنا الشريف وأعلموا به خالنا القائد العربي ولداب محمد لينفذه فقد أمرناه بتنفيذه والسلام في 6 ربيع الثَّاني عام 1300". والفقهاء المشار لهم في الظهير هم على التَّرتيب الفقيه السيد الحاج محمد جنون، والفقيه السيد جعفر الكتانى، والفقيه السيد أحمد بن الحاج، والفقيه السيد الحميد بنانى، والفقيه السيد عبد الله الودغيرى. وقد كان جواب هؤلاء الفقهاء أن يمنع اليهود ممَّا أحدثوه من نصب حزان وتاجرين يبدلون كل شهر بغيرهم، وجعل عاملهم المسلم منفذاً لأمرهم، يسجن وشرح من غير أن يعرف لذلك وجها، واستند الفقهاء في ذلك لعهد لعمر مع نصارى الشام وقفت على نص ذلك بخطوطهم ما عدا جنون مؤرخاً بعشرين جمادى الأولى من السنة.

حوادث سنة 1301 ومسألة ماء وادي فاس

ولم يزل مقيماً بعاصمة جده الأكبر يدبر أمر الرعية وينظر فيما يؤيد سعادة الناحية الغربية إلى أواخر عام واحد وثلاثمائة وألف. وفيها تم تنفيذ إصلاح وادى فاس الذي أمر صاحب الترجمة لإجرائه رفعاً للضر الحاصل لسكانها من قلة الماء بالمساجد والدور والحمامات والأرحية والأجنة والأسجان. وكان ابتداء البحث قد تقدم قبل هذا؛ لأنَّه لما ظهر النقص في المياه وتفاحش وجه أوامره الشريفة لقاضى فاس مولاى محمد بن عبد الرحمن العلوى بأن يعين العدول وأرباب البصر ليتوجهوا مع الأمين الحاج عبد السَّلام بن محمد المقرى لماء وادى فاس الداخل للحضرة الإدريسية للبحث في شأنه، ومعرفة الموجب لقلة وصوله لما ذكر مع النظر فيما أحدث من البناءات بالدوح والزيات، وكثرة رفع السدود بصواغة والبناء بالأودية، وهل كان ذالك سبباً فيما ذكر؟. فتوجه الأمين المذكور مع جماعة وافرة عينها الشرع الكريم من أهل النَّاس القرويين واللمطيين وعدوة الأندلس، وهم من أهل المعرفة والخبرة والبصر وأصحاب الرأى والنظر من الفلاحين والبنائين والفخارين والتجار والرحويين والقنويين والنظار والعارفين بأحوال الوادى المذكور وما يعرض له من النقص والزيادة في جميع الأمور، ومصاريف الوادى وتقاسيمه على الجمهور، ووقفوا على ذلك وشهدوا بما ألفوا. وبعد فراغهم من الوقوف على قسمة ماء أندلس القرويين والتطوف عليها والإشهاد بما وقع فيها من الضرر والحدوث على أرباب مائها، توجهوا للوقوف على قسمة ماء اللمطيين لينظروا ما حصل فيها من الضرر والفساد، فلما فرغوا منها توجهوا للوقوف على ماء عدوة الأندلس مع من زاده الشرع من أهل العدوة زيادة على من ذكر أولاً حسبما ذلك مسطر بشهادة عدلية ثابتة مؤرخة بمحرم

1299 - وتقدم ابتداء الوقوف في أواخر حجة 98 - مبين فيها الضرر في كل موضع، وما لاحظه الواقفون أثناء طوافهم مع تسمية كل واحد منهم، واستثناء من لم يشهد في بعض الأمور من الشهادة بما شهد به غيره. ثم لما كان الباشا عبد الله بن أحمد بمكناسة الزيتون وكان بها صاحب الترجمة يومئذٍ كتب لولده وخليفته على عمالة فاس السيد محمد أن يعين أفراداً للتوجه مع من عينهم الجناب الشريف للوقوف على ماء وادى فاس، حتَّى يتحققوا صحة ما كان قد وقع الإشهاد به من قلة الماء بالمساجد والدور والحمامات والأرحية فعينهم، وتوجهوا مع مولاى أحمد الصويرى والقائد البشير بن القائد بريك الحبشى، والقائد محمد الشرادى الذين وجههم الجناب الشريف لذلك، وشهدوا بما ألفوا من أحداث ما لم يكن من قبل وافتقار لإصلاح وغير ذلك ممَّا هو مبين في شهادتهم الثابتة المؤرخة بسابع ربيعء الثَّاني من هذه السنة 1301، وكان ابتداء الوقوف في متم ربيع الأول منه. ومن الكتب الرسمية التي جرت في ذلك ما كتبه الباشا عبد الله لولده ونصه بعد الحمدلة والصلاة: "ولدنا الأعز البار الفقيه الخليفة سيدى محمد بن عبد الله رعاك الله، وسلام عليك ورحمة الله بوجود مولانا أيده الله. وبعد: فقد أبلغنا مولانا الإمام بأنه كان وجه وصيفه القائد البشير الحبشى للوقوف مع القائد العربي بن أبي محمد على رد السدود الحادثة التي ضعف بها ماء فاس خارج المدينة، وأخبر المكلفان بأنهما تتبعاً ذلك حتَّى أبطلا جميع المجارى الحادثة ورد الماء لمحله، وصار جريانه خارج المدينة على ما ينبغي، ولما دخل الماء للمدينة بلغ العلم الشريف أن النَّاس لا زالوا يتضررون بقلة الماء وضياعه داخل المدينة، وقد وجه أيده الله الشريف مولاى أحمد الصويرى والقائد البشير الحبشى

وصاحب سيدنا لمراجعة ما بلغ علمه الشريف من إبطال المجارى الحادثة ورد الماء لمحله وللوقوف على عين مجارى الماء داخل المدينة واستيعاب ذلك مع المعينين من قبلنا، وهم: الخليفة الحاج أحمد الرايس، والأمين الحاج عبد السَّلام المقرى، وتاجران عارفان، وأربعة من الحذاق الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم والقنويون والعدول والصاحب الوارد عليك من هنا حمان الرايس، فإذا ورد عليك من توجه من قبل مولانا بقصد ما ذكر فاعلم المذكورين بالتَّهَيُّؤ للملاقاة بالمحل والوقت الذي توافقت معهما عليه ليتطوفوا مع الجميع بمجارى الماء كلها، وكذا المحل الذي ينتهي له الماء عند من كان وتعين ولو كان عندى، وليقيد العدول ما عاينوا من صلاحها أو فسادها ووجه لنا الرسم بذلك والله يصلحك والسلام في 24 ربيع لعام 1301 عبد الله. ومنه: فزد من قبلنا رجلين اثنين من أهل العدوة ومن الأندلس كذلك، ومن اللمطيين كذلك للوقوف على قضية الماء المشار إليها أعلاه ونظار الأحباس ومن تحتاجون إليه من المعلمين الرحويين". ونص ظهير شريف للباشا المذكور بعد الحمدلة والصلاة والطابع: "وصيفنا الارشد الطالب عبد الله بن أحمد وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: وصل جوابك في شأن مجارى ماء فاس الذي وجهنا من يتعاهدها وأمرناك بتعيين من يقف من قبلك مع من تعين: بأنك كتبت لنائبك وعينت له من يقف معهم وفق ما أمرت، وأجابك بأن الأمر استوفى على التمام وقيد العدول ما عوين منبها كما بالموجب الواصل على الكتاب، فقد طالعنا الموجب فألفينا غاية ما فيه أن الموجهين تطوفوا على مظان الضر. بطواف أرباب البصر. من غير حصول على نتيجة التوجيه التي هي رد الماء لأصله والضرب على يد المتعدى فيه. على أنَّه

مهما كان الغرض يدرك. فلا يلغى الكد لأجله حتَّى يحصل ويترك، وعليه فنأمرك برفع حادث الضرر بمحضر المذكورين في الرسم لرفعه. حتَّى يرجع الشيء لأصله. وليحضر معهم من عيناه للوقوف على رفعه وهما مولاى أحمد الصويرى، ووصيفنا البشير الحبشى ومن عداهما فيه أخبر تقله. ولذلك نتخير في المهمات من يحسن في إقامة الغرض قيامه. ويزيل بصدقه عن طريق الحق إبهامه. لأنَّ النَّاس اليوم غلبهم هواهم. ووافق سجاياهم فلا خير في كثير من نجواهم. سيما أهل التعدى فآمالهم كلها لدينا مرفوضة. وقضايا تدابيرهم منقوصة. وجموع تكسيرهم مفضوضة. فلا ترفع السوط حتَّى يرتفع الضرر عن المساجد والحرمات والشكاة من غير ريب بصائب رأيك. وبمعونة تعزيز شريف أمرنا لك ومن بين يديك ومن خلفك، بحيث يرجع الشيء لأصله القديم ونهجه القويم، ولو أدى ذلك إلى هدم ما بنى على غير وجهه بتعدى صاحبه، أو أبدل مشرب من محله، أو زيد فيه برأى مرتكبه، إذ الحق أحق أن يتبع. وإليه في كل المذاهب يرجع. والإغضاء على المتعدى يفضى إلى المنازعة. وكثرة المراجعة. وقد شاع أمر هذا الماء وذاع. في جميع البلدان والبقاع. فقم على ساق مع من عيناه لذلك حتَّى يتوصل كل من له حق بحقه، ويجرى كل قسط منه بمستحقه، والتعدى بالماء أهلك الله به أمة، وأرسل عليهم طامة ملمة، قال تعالى: {... أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28)} [القمر: 28] فأزل هذا الداء العياء بكيه، بإيصالك منه كل واحد لشيه، وعامل كل متعد بنقيض قصده، وأجلسه عند حده، والسلام. في 27 ربيع الثَّاني عام 1301". ونص ما كتبه الوزير الأكبر يومئذٍ وهو أبو عبد الله محمد بن العربي الجامعى للباشا المذكور بترتيب مؤنة الوفد الموجه لإصلاح الماء:

"الحمد لله محبنا الأرضى الباشا الأسعد الفقيه السيد عبد الله بن أحمد، رعاك الله وسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله. وبعد: فإن سيدنا أيده الله وجه وصيفه القائد البشير الحبشى، ومولاى أحمد الصويرى، ومحمد بوهيمة الدليمى لرد ماء فاس لمجاريه الأصلية ويأمرك أيده الله أن ترتب لهم مؤنتهم اليومية مدة مقامهم ثمَّ وعلى المحبة والسلام في 27 ربيع الثَّاني عام 301 محمد بن العربي خار الله له". ونص ما كتبه الوزير المذكور جواباً عن استشكاله بعض ما في الظهير الشريف بعد الحمدلة: "محبنا الأعز الأرضى، الباشا الأسعد المرتضى، الفقيه سيدى عبد الله بن أحمد رعاك الله وسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله. وبعد: وصلتنا بطاقتك باستشكالك الجملة التي بينت من الظهير الشريف الموجهة لك في شأن رفع الضرر والحيف الواقع في ماء فاس، وطلبت التصريح لك بالمراد في ذلك لئلا تقع مع من ذكرت في محذور، وأطلعنا بذلك علم مولانا فأجاب نصره الله بأن المراد هو رفع الضرر الحادث والقديم الواقع في ذلك الماء ورد مجاريه لهيئتها وكيفيتها القديمة والتسوية في رفع ذلك الضرر بين القوى والضعيف، والمشروف والشريف، وبأن من توقعت منهم ما ذكرته هم الذين تشكوا بذلك الضرر ورغبوا في رفعه هم وغيرهم من كبراء فاس وأعيانها كافة، والنبيه مثلك لا ينبه وعلى المحبة والسلام في 28 ربيع الثَّاني عام 1301 محمد بن العربي خار الله له". ثم توجه الوفد العالى والخليفة الرايس، والأمين المقرى، والناظر الشامي، وشيخا البصر، والقنويين والرحويين وغيرهم للوقوف على إجراء الإصلاح المنشود

حوادث سنة 1302

حتَّى وقفوا على الماء الذي يسيل من سد باب جبالة، فاقتضى نظرهم حصره ببناء حائط من طابيه، وحينئذ أحضرت الإقامة وشرع في بنائه وعلى الجزيرة التي برأس رحى الجبل المشهود بضرر بقاء السمر النابت بها حتَّى أزيل جميعه، وخملت الجزيرة المذكورة وما زالوا كذلك في تنفيذ الإصلاح من تعيين أوقات السقى وتجديد المغاليق وإصلاح القواديس وبيان أنواعها وما تناسبه وغير ذلك، حتَّى أتموا مهمتىم حسبما ذلك بشهادة عدلية ثابتة بتاريخ رجب الفرد من السنة 1301. ثم ظعن إلى فاس فأقام لتدبير الشئون فيها إلى أن دخلت سنة اثنتين وثلاثمائة وألف، فرجع إلى العاصمة المكناسية وأصدر الأوامر لعاملها إذ ذاك الباشا حم بن الجيلانى بانتخاب عشرة من أعيان نجباء طلحة الجيش البُخاريّ لقراءة فن التوقيت والحساب، ورشح لتعليمهم موقت الحضرة المكناسية الشَّهير الجيلانى الرحالي. وقد كان للمترجم اعتناء وشغف بهذه الفنون الرياضية، فكان يوجه في طلب آلاتها من سائر الجهات، وقد وقفت على بطاقة من عامل الرباط السيد محمد بن محمد السويسى للشريف العلامة سيدى محمد بن الحسنى عم صديقنا الحميم سيدى المدني بن الحسنى نصها بعد الحَمْدَلَة: "محبنا الأرضى الفقيه الأجل الشريف سيدى محمد بن الحسنى السَّلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله. وبعد: فقد أمرنى مولانا أعزه الله نوجه لحضرته الشريفة ستة ربعات وستة أسطرلابات التوقيت من هنا، وبحثنا فتحقق لنا عندكم اثنين ربعات وأسطرلاب وعليه أحبك توجه لنا بهم وتعلمنا بثمنهم أو يقدر لهم ولا بد وعلى المحبة والسلام في 7 شوال عام 1308 محمد السويسى لطف الله به".

حوادث سنة 1303 وحركة سوس الثانية

ثم نهض من مكناس قاصداً عاصمة الجنوب فسار على طريق زمور الشلح ثم رياط الفتح وبه أقام سُنَّة عيد الفطر، ثم نهض على طريق زعير وتادلا، وبينهما قضى سُنَّة عيد النحر، ثم من زعير لايت بوريد فآيت اعتاب، ولما وصل إلى قبيلة. نتيفة أوقع بها جزاء على ما أجرمت من شقهم عصا الطباعة على عاملهم الطالب عبد الله النتيفى ووثوبهم عليه وهدهم لداره، ولولا أنَّه خلص بنفسه نجيا لحضرة السلطان لمثلوا به. وكذلك أوقع بأهل راوية تنغملت، ثم سار على فم الجمعة، ثم قبائل السراغنة والرحامنة، ثم مراكش الحمراء فأقام بها مدة يتأهب لعود الحركة للقطر السوسى لتفقد أحواله وتسكين اضطرابه، وإعادة النظر في ترتيب شئونه، ويدبر أمور الظعن إليه، وكيفية المرور على قبائله وتمهيدها وبمراكش أقام حفلة العيد النبوى والمولد الكريم المصطفوى. ولما حضر بشريف أعتابه أعيان القطر السوسى كأبي عبد الله محمد بن الحسين أو هاشم، والقائد دحمان بن بيرك التكنى، والحاج مسعود الراشدى، والقائد أحمد العبوبى السرغينى والعمال الذين يتصارفون معهم من آيت باعمران وباعقيلة وتيزفيت وغيرهم كالقائد على الخصاصى، والقائد إبراهيم بوفوس لأداء واجب التهنئة ومشاهدة هذه الحفلات المولوية العيدية وفق المقرر المألوف في ذلك أمر وزيره أبا عبد الله محمد بن العربي الجامعى بإحضارهم بشريف الأعتاب ومفاوضتهم فيما صمم عليه جنابه العالى من الوجهة لناحيتهم. فأحضرهم وعرض عليهم القصد المولوى فأجابوا بالترحيب والبشر، وسردت عليهم مراحل السفرة الأولى فوافقوا على بقاء البعض منها على الأصل، وأشاروا بتبديل البعض. قال الخصاصى وبوفوس: إن المسلك السهل المتواصل العمارة والماء إلى كلميم إنَّما هو على بلاد الاخصاص لقربه واتصال الماء والعمارة، فذكروا أن من بونعمان لاندجه نحو الخمس ساعات لكون محطة الظهر الفارقة بينهما ليس فيها إلَّا المطافى، ومن اندجه لاكيسل نحو الساعتين ومنه لكلميم

كذلك، كما ذكروا أن لبلدهم طريقاً آخر بيانه أن من عين أولاد جرار إلى محل الماء القريب من تمرغت بنحو نصف ساعة نحو الساعتين، ومن ذلك المحل إلى اندجه نحو الساعتين ونصف، ومنه إلى كيسل كذلك ومنه إلى كلميم كذلك وهنالك مراحل آخر: المرحلة الأولى: من ماسة إلى تيزنيت سوائع 3 وأقسام 8 واسم العامل محمد احسون التيزنيتى وفيها الماء كثير. المرحلة الثَّانية: من تيزنيت لأولاد جرار سوائع 3 والعامل محمد -فتحا- ابن عبد الرحمن الجرارى وفيها الماء كثير. المرحلة الثالثة: من أولاد جرار لبونعمان سوائع 3 وأقسام 3 والعامل القائد يَحْيَى البريمى وفيها الماء الكثير. المرحلة الرابعة: من بونعمان لايسك سوائع 4 وأقسام 6 والعامل إبراهيم بن سعيد وفيها الماء كثير. المرحلة الخامسة: من ايسك لبير تانكارفة والخميس بآيت بوبكر سوائع 2 والعامل أحمد البوبكرى وفيها الماء كثير جداً. المرحلة السادسة: من بغير تانكارفة والخميس لتانكارفة سوائع 2 والعامل باكريم وفيها الماء كثير جار. المرحلة السابعة: من تانكارفة لفم تيكتن سوائع 4 والعامل باكريم والماء عيون دائرة بالمحلة. المرحلة الثامنة: من فم تيكتن لكيسل ساعتان والعامل باكريم أيضاً وفيها الماء كثير. المرحلة التاسعة: من كيسل لكلميم ساعتان والعامل ولد بيروك وفيها الماء كثير جداً.

كما وقع الكلام معهم في شأن اكتيال الشعير فأشاروا بأن يكون أمين يكتال لكل مرحلتين وما اكتاله ينزلونه بالمحل الذي تنزل به المحلة. وكانت هذه المفاوضة في العشرين من ربيع النبوى عام ثلاثة وثلاثمائة وألف حسبما وقفت على ذلك في كناشة المهندس الطالب أحمد بن الشاذلى البُخاريّ، وقد كان المتقدم أمام المترجم لضبط المراحل بالسوائع والدقائق وبيان السهل والوعر وما به ماء وما لا ماء به فإذا أحاط علماً بالطريق المراد سلوكها فصل ذلك في تقييد بغاية الضبط والإتقان، وقدمه للمترجم ليكون على بصيرة ممَّا يقدم عليه وعلى هذا كان العمل في سائر الحركات. ولما عزم المترجم على النهوض عقد لنجله مولاى محمد على جيوش جرارة وقدمه أمامه لاستخلاص الواجبات الشرعيّة من زكوات وأعشار المترتبة بذمم تلك القبائل السوسية، وأمره بالتخييم بقبيلة هوارة إلى أن يلحق به أو يرد عليه ما يكون عليه عمله بعد، وأصيب الوزير ابن العربي بداء الفالج واستنيب عنه الفقيه الصنهاجى. ثم في يوم الخميس الثَّاني عشر من جمادى الثَّانية عام ثلاثة وثلاثمائة وألف بارح المترجم مراكش في جيوشه المتلاطمة الأمواج ووجهته القطر السوسى وكان مخيمه بوادى السمار، ومدة السير ساعتان ونصف، ثم منه لزاوية الشرادى ومدة السير ثلاث ساعات ونصف، ثم لوادى الحلوف ومدة السير ثلاث ساعات، ومنه للمغسلة والسير ثلاث ساعات، ثم لزيمة بقبيلة حمير والسير ثلاث ساعات ونصف. وأقام المترجم بجيوشه هنالك يوماً واحداً للاستراحة ولحوق المتخلفين بالجيوش المظفرة، ثم لسوق الأحد والسير ساعتان ونصف، ثم لقلعة ابن التمار بعبدة، والمسير أربع ساعات وربع، ثم لغدران الخيل والسير ثلاث ساعات، ثم

[صورة]

لثغر مدينة آسفى والسير ثلاث ساعات، ثم للملح بعبدة والسير ثلاث ساعات ونصف، ثم لزاوية الرثنانة من بلاد الشياظمة والسير ثلاث ساعات ونصف ومن ثم لسيدى عبد الله مولى الحمراء والسير أربع ساعات، ثم إلى عين الحجر والسير أربع ساعات، ثم لثغر الصويرة والسير خمس ساعات وربع، وكانت الإقامة هنالك أربعة أيَّام، ثم كان النهوض منها للمحل المعروف بالرياض والسير ساعتان ونصف ومنه لسميمو بحاحة والسير ثلاث سوائع ونصف، ثم منه لدى وسارن والسير ساعتان ونصف ومنه لتفنى والسير ثلاث ساعات، ومنه لتبصريت والسير ثلاث ساعات، وأقام هنالك الأمير بجنوده يوماً واحداً، ومنه الوادى آيت بامريم والسير أربع ساعات، ثم لاقروض والسير ثلاث ساعات ونصف، ثم لتامزاغت ما بين حاحة واذاوتنان والسير ثلاث ساعات ونصف ومن ثم لابن شركا وهو أول سوس وكانت مدة السير ثلاث ساعات والمقام هنالك سبعة أيَّام، ثم سار إلى أن خيم بآزرو من قبيلة كسيمة والسير ساعتان ونصف، ومن ثم لسيدى بيبى حيث المدرسة والسوق الآن والسير ساعتان ونصف، ثم إلى تابوحنكت بقبيلة آيت أبو الطَّيِّب بهشتوكة والسير ثلاث ساعات عدا ربع، ومنه لدوار سيدى على المجاور لوادى النَّاس بقبيلة المعدر من جبل رسموكة والسير خمس ساعات عدا ربع، والمقام ستة أيَّام ومن تيزنيت نهض لأولاد جرار والسير ثلاث ساعات، ومن ثم إلى راوية أبو نعمان مدرسة العلم ثم آيت ابريم وهم الجبليون والسهليون والسير ساعتان، ومن ثم لايسك حيث يكون الموسم على شاطئ البحر وبه مدرسة آيت باعمران قرب سيدى إبراهيم والسير أربع ساعات، ومنه آثلمون بعد سوق الخميس بآيت بوبكر والسير ساعتان والمقام أربعة أيَّام ومنه لأربعاء انمستتن والمقام ثلاث ساعات وثلث، ومن ثم لثلاثاء اصبويا وهي قبيلة عظيمة أهلها ذوو كرم وشجاعة وعلم وفضل ونزاهة والسير ثلاث ساعات ونصف والمقام يوم، ومنه إلى تبجلكت

والسير ثلاث ساعات وعشرة دقائق ومن ثم لزاوية تيلوين والسير ساعتان ونصف، ومنها لرق أولاد أبي السباع والسير ساعة واحدة ونصف، ومنه لمدشر اكلميم موسى على شاطئ البحر والسير ساعة وربع، والمقام أحد عشر يوماً وبهذا المحل لحق به وزيره ابن العربي لما خف ألمه. فكان عدد مراحل الذهاب من مراكش إلى كليميم تسعاً وثلاثين مرحلة قطعت في مائة واثنين وعشرين ساعة وخمسة عشر دقيقة، وعدد أيَّام المقام سبع وثلاثون، فعدد الأيَّام في الذهاب وفى الظعن والإقامة ستة وسبعون يوماً. ولما خيم بكليميم وجه وزيره وشيخه أبا الحسن على السمفيوى وخديمه القائد مبارك بن الشليح الشرادى الدليمى وكاتبه الطالب أبا عبد الله محمد -فتحا- الجباص لمرسى البيضة -بالتصغير- المتصلة بطرفاية للوقوف على عينها والكشف له عن حقيقتها. ومن آيت باعمران كتب لباشا مكناس مخبرا بوصول الركاب السعيد ودونك نص الكتاب بعد الحمدلة والصلاة والطابع الذي بداخله الحسن بن محمد بن عبد الرحمن الله وليه 1291: "وصيفنا الأرضى القائد حم بن الجيلانى وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: فإنا بحول الله الملك القوى المعين. الفاتح لما أُغلق كما يشاء في الحين أو بعد حين. المؤيد بعنايته عبده في كل مصدر ومورد وتحريك وتسكين. كتبنا لك هذا يوم حلولنا وسط خدامنا قبائل آيت بوعمران بحبوبة مجامع قبائل سوس الأقصى ومناخ الأعيان. نعلمكم بما واجهنا المولى سبحانه في هذه الحركة المباركة من تعاقب المنن والأيادى وابتسام ثغر الزمان، بما أملناه من العلى المنان،

في هذا النادى لتعلموا أن الله على كل شيء قدير. وبيده مقاليد السماوات والأرض وهو الولى والنصير، والسميع والبصير. فكان من أمر هذه القبائل السوسية والقساملة الساحلية أن تلقوا ركابنا السعيدة أفواجاً أفواجاً. ناشرين أعلام الفرح تجاه جيوش الله المظفرة ضحى وإدلاجاً، حاشدين حروكهم مصحوبة بأعيانهم ومن يعتد به من فقهائهم وشرفائهم ومرابطيهم، من غير أن يكون جمعهم خداجاً مستنتجين للفوز بخاطرنا الشريف مقدمات الامتثال والسمع والطاعة لله ورسوله استنتاجاً، مقدمين بين يديهم هداياهم، متترسين بإخوانهم وسراياهم، مادين أعناق الامتثال. عاضين بالنواجذ على الخدمة وصالح الأعمال. فأتوا بمئونتهم على قدر الاستطاعة، ومهدوا لسلوك الملة السعيدة ما صعب من طرقهم حتَّى صارت مسلوكة مشاعة. ونحن في كل ذلك نعاملهم بالبروز، ونبسط البشر إليهم ونقابلهم بما ارتسم فيهم من السرور، وها نحن بحول الله جادون في الخلوص إلى المقصد الذي لأجله نقلنا هذه الخطوات. واستعملنا فيه الفكر وأسهرنا أحداق الاعتبارات. من صرف النظر لفتح مرسى آصكى مركز سواحل وادى نون. ومجمع القبائل الأعرابية والبربرية ومنتهى ذلك المسكون. ولا سيما من جاءت بينهما كالام والعنصر وهما كالتوءمين لها يستمدان منها ويرضعان خلاصة لبن ثديها وهما القبيلتان البوعمرانية والتكنية ومن تراكم عليهما وارتدف. من قبائل البربر والأعراب أو كان على حكمهما فيما ارتضع وارتشف. هذا إن كانت تصلح لذلك وتعود منفعتها على المسلمين والإسلام بعد الاستخارة مراراً. في اختطاطها وفتحها ونتحقق بصلاحيتها كشفاً واستبصاراً. ونتوخى في الإقدام على ذلك بحول الله الأسد من الأنظار، والمنهاج القويم الجارى على أعراف هاتيك الأقطار. ثم إن كانت موافقة للأصلح أقدمنا، وإن لم يظهر وجه المصلحة أعرضنا عنها إلى غيرها قال الله العظيم: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ

حوادث سنة 1304

مِثْلِهَا ... (106)} [البقرة: 106]، وما آل إليه الأمر نعلمكم به ونشنف آذانكم بما سنح من سره، فإنَّه لكل عمل نتيجة بعد العنوان، والله الولى المستعان، والهادى إلى سواء السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل، والسلام في 8 شعبان المبارك عام 1303". وبعد قضاء الوطر من هذه الرحلة نهض من كليميم يوم الأربعاء تاسع عشرى شعبان العام ووجهته عاصمة الجنوب وكان مخيمه بالمطفية المتقدمة الذكر، ولم يزل يظعن ويقيم إلى أن طوى مراحل الإياب في أربعة وثلاثين مرحلة فكانت مدة السير فيها مائة ساعة وأربعة سوائع ونصف، ومدة المقام ست وأربعون يوماً، فجملة أيَّام الإياب ثلاثاً وسبعين مرحلة قطعت في مائتى ساعة وسبع وعشرين ساعة عدا ربع ساعة. وعليه فجميع أيَّام السَّفر من يوم الخروج من مراكش وهو الخميس الثَّاني عشر من جمادى الثَّانية إلى يوم الحلول بها وهو السبت موفى عشرى قعدة ظعنا وإقامة مائة وستة وخمسون يوماً عنها خمسة أشهر وستة أيَّام لنقص شهرى شوال وذى القعدة. وفى إيابه من هذه الوجهة أوقع القبض على عتاة هشتوكة وهوارة وذلك يوم الثلاثاء تاسع عشر رمضان وفى يوم الخميس ثامن عشرى رمضان استولى على أمتعة وذخائر أهل البغى والعناد من هوارة. ثم في يوم السبت متم رمضان حل بتارودانت وبها أقام سنة عيد الفطر، ومكث بها أحد عشر يوماً وفى يوم الثلاثاء سابع عشر شوال أوقع باذاوتنان. وفى يوم السبت موفى عشرين من ذى القعدة حل بحضرة مراكش عاصمة الجنوب فأقام بها يتفقد الأحوال وينظر في المصالح إلى يوم الاثنين ثامن شعبان عام 1304 فنهض منها قاصدًا عاصمة سلفه مكناسة الزيتون وأوقع في طريقه بقبيلة

حوادث سنة 1305 وحركة بني مجيلد

نتيفة حيث رفضوا طاعة عاملهم عبد الله الزناكى، وأقام سُنَّة عيد الفطر بالزيدانية من أعمال تادلا، ولم يزل يظعن ويقيم إلى أن حل بثغر الرباط يوم الاثنين سابع عشر قعدة، وأقام بها إلى يوم الخميس سابع عشرى الشهر المذكور ولم يزل يطوى المراحل إلى أن دخل العاصمة المكناسية يوم الأربعاء رابع حجة متم عام 1304. وفى يوم الأحد خامس عشر رمضان 1305 نهض من مكناس قاصداً القبائل البربرية بنى مجيلد وريان وغيرهم لتفقد الأحوال وإخماد نيران الأهوال التي أضرمها بنو مجيلد الذين سعوا في الأرض الفساد، وأهلكوا ضعفاء العباد، ولم تنلهم الأحكام السلطانية منذ وقعتهم الشنعاء مع السلطان العادل مولاى سليمان عام أربعة وثلاثين ومائتين وألف على ما سنوضحه بعد بحول الله الشهيرة عند الخاصة والعامة بوقعة سرور. فمن ذلك العهد خلعوا ربقة الطباعة من أعناقهم، وتجردوا للسلب والنهب، وظنوا أن عصبيتهم لا تغلب، وتمنعهم بأوعار الجبال الشاهقة حام لهم من تحكيم سيوف العدل في رقابهم، فصار التوحش والهمجية خلقاً لهم به يفتخرون، واستحكم ذلك فيهم لا ينظرون إلَّا لما فيه مصلحتهم الشخصية وإن كان فيه خراب العالم، فإن احتاجوا لحجر لأثافى (¬1) قدورهم نقلوه من أضخم المبانى وأعتقها وأفخرها ولا عليهم في خرابها لأجل ذلك الغرض الخسيس، ويرون أن رزقهم تحت ظل مكاحلهم إذا تركوا السلب والنهب يموتون جوعاً، ووراء كل رأى من آرائهم الفاسدة عصبية وحمية جاهلية. ولما تفاحش عيثهم واشتد أذاهم ولم ينفع فيهم تحذير ولا إنذار بل لا يزيدهم ذلك إلَّا عتوا ونفوراً وعصيانًا، سنح للمترجم كسر شوكة تمردهم وضلالهم وإرغامهم على الرضوخ للطاعة، والدخول فيما دخلت فيه الجماعة، ¬

_ (¬1) الأثْفِيَّة: أحد أحجار ثلاثة توضع عليها القِدر، الجمع: أثافِىُّ، وأثافٍ.

فبعث إليهم باشا مكناس القائد حم بن الجيلانى في جيش عظيم متنظم من العسكر والقبائل البربرية كبنى مطير وجروان، ثم نهض المترجم من العاصمة المكناسية في التاريخ المتقدم بجنود لا قبل لهم بها. ولما حل بجنوده بالمحل المعروف بسيدى بورمان وجد في استقباله هنالك القائد محمد أحمد الزيانى فيما يزيد على الألف فارس من إخوانه، ولما شرفت الجلالة السلطانية عليهم. وأشرقت أنوار محياه بحيهم. ترحل القائد المذكور وأدى التحية المخزنية كما يجب، وقبل الركاب كبقية إخوانه وأعلنوا بالسمع والطاعة والتمسوا صالح الأدعية وخامرهم من الفرح والارتياح ما لم يكن في حسبان، وأحدقوا بالموكب الشريف يتمسحون ويتعلقون بالأذيال حتَّى حالوا بين السلطان وبين جل الخاصة من حاشيته والسلطان يهش في وجوههم ويبش، ويظهر من الانشراح والتنازل ما زادهم إغراء وإغراقاً في التهتك في حبه والميل بالقلب والقالب إليه، ثم بعد قضاء وطرهم من التبرك واستجلاب صالح الأدعية امتطوا ظهور خيلهم وتقدموا أمام المحال السلطانية إلى أن حلوا بالمحل المعروف بكر كرة فخيم السلطان هنالك إلى أن أقام سُنَّةَ عيد الفطر. وبعد انتهاء حفلة أيَّام العيد في غاية الأبهة والضخامة نهض السلطان في جنوده المجندة إلى أن حل بالمحل المعروف بيمين خنيك فوجد هنالك باشا مكناس القائد حم بن الجيلانى في محاله، إذ كان المترجم وجهه مقدمة أمامه قد وقعت بينه وبين بعض العتاة مناوشة بالبارود انجلت عن قتلى وجرحى من الفريقين، ولولا أن المترجم أمدهم بأبطال فرسان محلته سعيدة الطالع لكانت الهزيمة على المحال الباشوية، ولبقى هو أسيراً بأيديهم إذ قد ضربوا فرسه، ولما بقى راجلاً أحدقوا به فأدركته خيل المحلة وشتت جموع البغاة، ولما مثل الباشا المذكور أمام السلطان وبخه وقبح فعله إذ كان مراده أن لا يخرج بارود من المحال المخزنية ولو

ابتدأهم أهل الزيغ بالضرب حتَّى يحيط بهم محاله الوافرة العدة والعدد إحاطة السوار بالمعصم. ثم لما كان الغد نهض السلطان ونظم الجيوش أبدع نظام، ودخل شعبة كبيرة شديدة الوعر وسط غابة عظيمة وجعل العسكر عن يمينه وشماله بأعلى تلك الشعبة بحيث لا يغيب عنه كمين ولا آت، وأدخل المال والذخائر مع رايات عبيد البُخاريّ، وأحدقت بالجميع خيول الجيش من مسخرين وشراردة ووداياً، وقدم أمام الكل قبته وأخبيته مع فرسان ورماة القبائل التي كانت في معيته كزيان وجروان، وجعل وراء الجميع في الذنب رئيس عساكره خاله أبا عبد الله محمد الصَّغير مع العساكر التي إلى نظره من خيل ورماة وعدد عديد من المدافع. ثم سار السلطان في تلك الشعبة الطويلة العريضة حتَّى اقتطعها، وخرج في فسيح متسع الأكناف كثير الخصب والزرع، فأمر بالتخييم هنالك فنزل النَّاس وضربوا الأخبية واستراحوا، ونزل السلطان تحت جدار قصبة هنالك لبعض الأشراف ريثما يتم ضرب أخبيته وفساطيطه. فبينما هو ثم إذ ورد عليه فارس من قبل رئيس العساكر المذكور يخبره بنشوب البارود بين العساكر وبين عتاة المفسدين، فأمر بإسراج خيول المحلة المسومة وتوجيهها لإعانتهم ثم بمجرد دخول المترجم لأخبيته هجم العسكر الذي بالمحلة السلطانية على قصبة أولئك الأشراف ومدت فيهم أيدى النهب والسلب ووقع الضرب بالبارود ظنًّا منه أنهم من أهل العصيان، فخرج المترجم مسرعاً وأمر بكف العسكر وسب وجدع وجبر كسر المبغوتين بإفاضة سجال العطايا التي غمرتهم، وصيرت الشرور في العين لديهم سرور. أما الخيل التي وجهت لإعانة كبير العساكر فإنها ما سارت غير قليل حتَّى وجدت العساكر مولية وجهتها للمحال السلطانية ظافرة منصورة بعد أن طمع فيهم

البغاة المتمردون، وحسبوا أن ذلك الذنب كله طعمة لهم باردة، فعند مبارحة السلطان بما كان معه العساكر والخيول والرماة طبق ما وصفنا عن الشعبة المذكورة أشرف المفسدون على ذنب الجيش من قنن تلك الجبال. ثم إن رئيس العساكر لما عاينهم أمر من معه من العسكر بسلوك تلك الشعاب. ولما رأى البغاة العسكر ينزل من الأعالى ظنوا أنَّه ذاهب لحال سبيله، فصاروا ينزلون إليه من صياصى الجبال كأنهم جراد منتشر، فهجموا عليهم ووقع القتال بين الفريقين وصار العسكر يتأخر كأنهم منهزمون، فازداد طمع العدو فيهم، فلم يشعروا حتَّى قطع العسكر من خلف، وصار كور المدافع ينصب على البغاة ودهمتهم خيول العسكر فروا فوجدوا رماة العسكر قد عمروا سائر المسالك فأثخنوا طعناً بالرماح وضرباً بالسيوف وتشتتوا شذر مذر، فسر المترجم بذلك سروراً ليس عليه من مزيد، وحمد الله وشكره على ما منح من الفتح والظفر، بمن حاد الله ورسوله وطغى وفجر، وكتب بذلك الظفر إلى سائر أقطار رعيته، وإليك نص ما كتب به لباشا مكناس بعد الحمدلة والصلاة والتحلية: "حم بن الجيلانى وبعد فإننا بحول من بيده الفتح والنصر والظفر والتمكين، والحول والقوة والطول المكين، لما نهضنا من بعض المرحلات التي بغضون جبال فساد بنى مجيلد وخرجت المحلة سالمة من شغب بعض غاباتهم الصعبة زاغ من أراد الله هلاكه منهم في هاتيك الشعبة، فناوشوا بعض من بقى مع أثقال المحلة بقتال فاشل مأخوذ، علماً منهم بأنهم لا قبل لهم بالجيوش المنصورة بالله، ولذا بقى زعيمهم في ميدان الاقتناص منبوذاً، وكان الذي جرأهم على ذلك وغيرهم ما كان صدر منهم قبل في الدار الأخرى، وحيث عرفوا المقصود من التوجه لأعز أماكنهم وقصورهم التي هي بملوية التي هي مستوء أموالهم وخيلهم وأسلحتهم

وزروعهم المرعية قاسوا على ذلك بأخريات الأثقال ما حاولوه، واجترءوا على ما تناولوه، فرددنا عليهم من يعتد به من قبائل الإعراب وآيت يوسى وبنى حسن وبنى مطير وجروان والعساكر المنصورة بالله من أبطال الرماة والفرسان فشنوا عليهم الغارات، وجعلوهم أغراضاً للإشارات، واقتنصوهم اقتناص العقبان للعصافير، ونفذ الوعيد في طائفة منهم بعد أن تركوا قصورهم وأعز أماكنهم بلقعا ليس فيها عيس ولا يعافير، فقطعت منهم رءوس، واستؤصلت منهم أعز نفوس، وكان بؤس ذلك عليهم أشد بؤس، وأسام من وقعة البسوس، فلم يفلت من لم تصبه سهام الله إلَّا الفرار، للبرارى والقفار، وتركوا جيفهم صرعى صادين عنهم إلى ساحات النفار. ولم تلتفت المحلة إلى حز ما بقى من رءوسهم شغلا بالسعاية. وحرصا على الجباية. قالا فلو احتزت منهم تلك الرءوس لكانت تملأها أحمال. ولعبت بها الجمال. وما تحصل من الرءوس ممَّا فيه الكفاية. وجهناه لفاس إيذاناً بعنوان البداية. ثم لا نبرح عنهم بحول الله. إلَّا إذا استأصلتهم سطوة الله. وأذيقوا مرارة الوبال. وأليم النكال. بمعونة الله. ولم تغنهم من الله حصون بحول الله. ولا ما اتخذوه وزراً وفيئاً، ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً، والمحلة بحول الله مشتدة مصونة صائلة، في أرغد عيش وأطيبه بائتة وقائلة. تتربص بالفساد الدوائر. وتذيقهم كل يوم المرائر. وأعلمناكم لتأخذوا بحظكم من الفرح، وتعلموا أن الله سبحانه يتولانا في الطغاة بمنه وفضله ومعونته وفق المقترح. إنه مفضال غنى كريم. ناصر الحق عزيز حكيم. والسلام في 15 شوال عام 1305". ثم نهض المترجم في جنوده وسار إلى أن وصل للمحل المعروف ببولعجول مدشر كبير محصن غاية التحصين أمامه عدة مداشر متفرقة، في بسائط ذات خصب وعيون دافقة وحراثة متسعة، وهنالك أوقع بتلك القبيلة الشاردة عن الطباعة

المشوشة للراحة العامة المعدمة الأمْن في السبل بضرب رقابهم وأسر رجالهم وحز رءوسهم وحصد زروعهم وهد حصونهم المنيعة، وأذاقهم أليم النكال وحرق مداشرهم وشدد عليهم الحصار حتَّى ضاق بهم المتسع، وأذعنوا للطباعة رغم أنوفهم، وجاءوا تائبين منيبين مذعنين فعفا عنهم عفو قادر، وألزمهم إعطاء عدد وافر من البقر والغنم وغير ذلك ذعيرة لهم فأدوا جميع ذلك من غير أدنى تمنع ولا مماطلة وولى عليهم العمال وكتب لعواصمة مبشراً بهذا الفتح الباهر ومحققاً للواقع. وإليك نص ما كتب به لصنوه وخليفته بفاس بعد الحمدلة والصلاة والافتتاح: "مولاى إسماعيل وبعد فإنا لما خيمنا بحول الله وقوته بملوية بالدار بالمرحلة الثالثة منها تخييم يمن وأمان وعرجنا على قصور الصلحاء من بنى مجيلد عمدت المحلة إلى أكلها ظنًّا منهم أنها من قصور الفساد وأنها المقصود بذلك الناد، فوجهنا من جيشنا السعيد من كلهم عن ذلك حتَّى صيرناهم في ظلال الأمن نائمين. وفى قصورهم مطمئنين. وفى أثناء ذلك توجهت الطوبجية أمام فساد بنى مجيلد فوصلوا إلى قصر من قواهر قصورهم سمى اغرم منى بمحل من ملوية يقال له بوعجول، وبه نزلت المحلة السعيدة وبالقصر المذكور مدخراتهم وأموالهم وأمتعتهم فناوشوهم بالمضاربة. وأعلنوا بالمحاربة. فتضاربوا معهم من ذلك القصر، ولما بلغنا ذلك وجهنا لهم المدد من العساكر المنصورة. وجيوش الله الموفورة. فأذاقوهم المرائر وأرهقوهم بالقسر وقطعوا منهم رءوساً. واستأصلوا منهم نفوساً. وقبضوا على مساجين وأذاقوهم مرارة الحين في الحين. وصاروا يأتون بالرءوس والمساجين إلى أن جن الليل فأمرناهم بالرجوع إلى الصباح، ليرتب أمر ضربهم على مقتضى الكفاح فإذا بمن بقى في مكامن القصر ذر منه وتركه بلقعاً، ولم يبقوا منه فرداً ولا جمعاً.

واقعة آيت شخمان

فأمرنا بهدمه فهدم حتَّى صار دكاً، ولم يترك له صورة ولا تركيباً مرتكباً، وأبقيناه عبرة لمن اعتبر، ولكل من له عقل مزدجر، في كل ورد وصدر. وذلك بعد أن أخرجت ذخائره. واغتنمت أوائله وأواخره فكان بحمد اللهْ فتحاً مبيناً. وظفراً وتمكيناً. هذا ولم يكن لنا غرض في قتالهم في ذلك اليوم لولا ابتداؤهم به ولكن الله خذلهم ومزقهم وبددهم ونحن على نيَّة استئصالهم بحول الله بعد فإن القبائل التي أمرنا باجتماعهم عليهم وهم خدامنا زيان وشقيرن وآيت يَحْيَى وآيت يحمد وآيت يزدك وآيت حديدو أجلناهم بذلك أجلاً كاد إلى الانصرام وحيث تجتمع تكون النهضة إليهم دفعة، والجلبة عليهم متحدة لتكون عليهم شر وقعة، والمرجو منه سبحانه أن يمكن منهم حتَّى لا تبقى لهم قائمة ويمحو من دواوين القبائل أسماءهم ويصير رسومهم دارسة، ومع هذا فإنا لا نعتمد إلَّا على خالق القوى والقدر المؤيد لعبده، الناصر لجنده، إذ لم يعودنا سبحانه إلَّا الجميل، ولم نعترف من فضله إلَّا الظفر الذي هو به كفيل والله سبحانه يتولى أمورنا وأمور المسلمين، ويمكن من القوم الظالمين، فإنَّه سبحانه بعباده بصير، وهو نعم المولى ونعم النصير. وحيث كانت السبقية لكم بإعلامكم بباكورة الفتح الذي امتن الله به عنوان وجهنا في هذا الفتح الثَّاني لمكناس ستة عشر رأساً من رءوس الفساد الذين اقتحم هذا القصر عليهم والسلام في 18 شوال عام 1305". وبهذا التاريخ وبنفس الألفاظ والمعانى كتب لخليفة القائد حم بن الجيلانى باشا مكناس إلَّا أحرفاً قلائل. ثم نهض المترجم من بولعجول وسار إلى أن خيم بعين سرور التي كانت بها واقعة السلطان مولاى سليمان المشار لها فتقدمت له من قبيلة شقيرن فرقة يقال لها آيت شخمان، وطلبت منه أن يرسل معها شرذمة من الخيل لتستوفى منهم ما

بذممهم من الواجب الشرعي، وقد أظهروا من الطباعة ما لا مزيد عليه، وهم على دخل مصممون على الغدر والأخذ بالثأر لإخوانهم بنى مجيلد، فأسعف المترجم رغبتهم وعقد لابن عمه البركة المفضال مولاى سرور بن إدريس بن سليمان السلطان المذكور سابقاً والمترجم فيما يأتى بحول الله ووجهه معهم. ثم نهض المترجم وسار إلى أن حل بالمحل المعروف باغبال تسردنت، وهنالك وجد المهراس الصينى الكبير الذي كان بقى ثم من عهد السلطان أبي الرَّبيع سليمان في الوقعة المنبه عليها آنفاً، فأمر المترجم بحمله لمكناس، ثم نهض وسار إلى أن خيم بالمحل المعروف بجنو، وهنالك بلغته واقعة مولاى سرور، وذلك أن مولاى سرور لما ذهب مع آيت شخمان في تلك الشرذمة من الجيش ووصل لحلتهم، أظهر الشخمانيون له من الفرح والابتهاج والرضوخ للطاعة ما دلوه به ومن معه من الجيش بغرور، ففرق تلك الجيوش على حللهم مظهرين غاية الاعتناء بهم وأنهم يريدون ضيافتهم، ولم يتركوا مع الشريف المذكور غير نفر قليل، ولما جن الليل قتل كل من عنده، وأوقع البارود وقتلوا الشريف حسبما يأتى تفصيل ذلك في ترجمته. ثم لما بلغ ذلك الخبر المحزن للسلطان اشتد غيظه وأنهض الجيوش للإيقاع بهم والإتيان بهم ناكصين على الأعقاب، فلم يجدوا لهم أثراً حيث إنهم لما فعلوا فعلتهم الشنيعة هربوا ودخلوا الكهوف والأوعار، فهدمت أبنيتهم واستؤصلت أمتعتهم، وحصدت زروعهم، وغض الطرف عن اقتفاء أثرهم وهو يتربص بهم الدوائر حيث إنه في وسط أرضهم، وجل من معه منهم لا تؤمن غائلته. ولما شاع أمر ما أجرموه وذاع، وملأ الأفواه والأسماع. كتب المترجم لصنوه خليفته بفاس مولاى إسماعيل بما لفظه بعد الحمدلة والصلاة والتحلية:

"مولاى إسماعيل، وبعد: فبعد ما أعلمناكم بأن مرورنا على طريق زيان، فنهضنا وسرنا في عز وظفر وسكينة، وكانت قبيلة آيت شخمان ممن ورد على حضرتنا الشريفة، وأعطوا يد الانقياد، وولينا عليهم عاملين وتلاقوا وأهدوا ووظفنا عليهم ما وظفنا على غيرهم من قبائل البربر، واقتضى نظرنا الشريف توجيه طائفة من الخيل والعسكر بقصد إزعاجهم لتنضيد ما وظفنا عليهم حذراً من التطويل، إذ كان مقصودنا إدراك عيد الأضحى بالمدينة، ثم إنهم أى آيت شمخان دخل فيهم شيطانهم المهاوشى ونفث في روعهم غدر من وجهناه إليهم فاحتالوا لذلك وفرقوا الخيل على الدواوين والمداشر، بقصد الإتيان بالموظف. وكنا وجهنا مع الخيل المذكورة ابن عمنا مولاى سرور فبقى مع طائفة من الخيل، ثم لما ناموا غدروهم فضربوهم بالبارود. ونقضوا العهود. وخانوا الله ورسوله والمؤمنين، فكان من قضاء الله وقدره موت ابن عمنا المذكور، وحيث بلغنا ذلك وجهنا لهم العسكر والمدافع والقبائل وأمرناهم باستئصالهم، فلم يجدوا منهم أحداً. فحرقوا قصورهم ولم يتركوا لهم فيها سبدا ولا لبدا. ثم كتبنا سائر عمال البربر جوارهم من ناحية الصحراء وأمرناهم بالإحداق بهم وسد الفرج التي منها يفرون، وأكدنا عليهم في ذلك، وعما قريب يقضي فيهم الغرض بحول الله ولا نبرح عنهم بعون الله إلَّا إذا أرهقهم الله بسطوته وتناولهم أيدى الجيوش والقبائل، وأبقيناهم عبرة للمعتبرين. وإن الله لا يهدى كيد الخائنين. والسلام في 20 قعدة عام 1305". ثم بعد ذلك كتب المترجم لصنوه خليفته بفاس أيضاً بما لفظه بعد الحمدلة والصلاة والتحلية: "مولاى إسماعيل ويعد فما كُنَّا أعلمناكم به من غدر آيت شخمان ومدهم يد الطغيان. بعدما أعطوا يد الانقياد. وكنا وعدناكم بأننا لا نبرح عنهم إلَّا إذا

استأصلتهم سيوف الله في ذلك الناد. وجهنا الطلب في أثرهم حيث فروا للصحراء. ودوخنا بلادهم سهلاً ووعراً. فلم يقفوا وتاهوا في البيداء، وتلونا قول الله سبحانه: ... أَيْنَمَا ثُقِفُوا ... (61)} [الآية 61 من سورة الأحزاب] فلم يكن إلَّا هدم قصورهم. وإعفاء آثار رسومهم. حتَّى صارت دكاً. بعد استخراج خباياهم وزرعهم وأسلحتهم وأمتعتهم وصارت للجيوش ملكاً. وكتبنا سائر جوارهم من قبائل الصحراء. بضربهم وقتلهم أينما وجدوهم حتَّى لا تظلهم سماء، ولا تقلهم أرض ولا يجدون جرعة ماء. ثم إن طائفة من شقيرن يقال لهم آيت يعقوب اعيسى، بلغنا أنهم حلفاء آيت شخمان، وأنهم آووا طائفة منهم بأموالهم ومواشيهم وبعض من الأعيان. كأنهم منهم على قاعدة المستجير الولهان. وكنا ولينا عليهم أيضاً عاملين وأعطوا يد الانقياد ظاهراً. وأنهم لم يبق منهم إلَّا من كان للصلاح مسامراً. وحيث تحقق لدينا أن ذلك عن غش وخذلان. ومرض قلب لا عن صفاء طوية واطمئنان، حيث آووا فسدة آيت شخمان. رعياً لما بينهم من الإخاء القديم على الفساد والطغيان. وجهنا إليهم عدداً من قبائل البربر. وأحدقوا بهم إحداق من أطاع الله وبئر، وأتبعناهم بالعساكر المنصورة، والجيوش الموفورة، فلم يكن إلَّا كلمح البصر أو هو أقرب حتَّى قطعوا منهم رءوساً، واستأصلوا من أعيانهم نفوساً. وقبض على نحو ثلاثمائة من المساجين وكانت وقعة شفينا بها الغليل، وتداوى بها العليل، فإنَّه سبحانه لم يعودنا إلَّا الجميل وهو الفاعل المختار. الذي بيده النواصى والمقاليد في الإيراد والإصدار، وها الرءوس توافيكم وعددها اثنان وعشرون، فتعلق ثلاث ثم توجه لمكناس للخليفة هنالك والسلام فاتح حجة عام 1305". هذا كله والمترجم مخيم كما تقدم بالمحل المعروف بـ "جنو" ثم نهض وخيم بالاعريض وبه أوقع بآيت يعقوب وعيسى بإغراء من القائد محمد احم الزيانى.

حكم البغاة المحاربين

ولا شك أن هؤلاء العتاة البغاة محاربون يجب قتالهم ويقدم على قتال الروم يتبع منهزمهم ويقتلون مقبلين ومدبرين ومنهزمين، وليس هربهم توبة تدرأ عنهم القتل على قول سحنون خلافًا لابن قاسم، انظر المواق، وإذا أخذوا قبل التوبة لزمهم الحد، وهو ما نص الله تعالى عليه في محكم وحيه بقوله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ... (33)} [المائدة: 33]. ولا يسقط حق الحرابة على من ثبتت حرابته إلَّا التوبة قبل القدرة عليه، ثم لا يسقط بعد حق الآدميين، ولا خلاف يعتبر في أن المحارب هو القاطع للطريق المخيف للسبيل الشاهر للسلاح طالباً للمال، فإن أعطيه وإلا قاتل عليه. انظر منتقى الباجيّ. وقد قال ابن المواز: لم يختلف قول مالك وأصحابه في إجازة قتال المحاربين وأن من قتلوه فهو خير قتيل، ومن قتل منهم فهو شر قتيل. وقال مالك وابن القاسم: غزوهم غزو. وقال عنه أشهب: من أفضل الغزو وأعظمه أجراً. وقال مالك في أعراب قطعوا الطَّريق: غزوهم أحب إلى من غزو الروم. وقال ابن القاسم: وإذا قتل الواحد منهم قتيلاً فقد استوجب جميعهم القتل ولو كانوا مائة ألف إذا كانوا ردءاً له وأعواناً، وقد صرح ابن الحاجب وغيره بالاتفاق على قتالهم ووجوبه على من قدر عليه. ومن كان معاوناً للمحاربين كالكمين والطليعة فحكمه حكمهم ويدخل في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدُّنيا وما فيها" والغدوة لقتال المحاربين.

وقال ابن عرفة: لا ينبغي لمسلم مخالفة في قتال المنتصبين لقطع الطَّريق وسفك دماء المسلمين وأكل أموالهم، وكذلك استباحة أموالهم واتباعهم في هروبهم والإجهار عليهم، لا يشك في ذلك إلَّا مغرق في الجهل ومعاند للحق، قال: وذلك عندى كفر لأنَّه منكر لما علم من الدين ضرورة إن كان يعلم وصفهم المذكور. هذا ولما استوفى المترجم غرضه من إقماع المعتدين وتبديد جموعهم وكسر شوكة عصبيتهم طبق ما اقتضته السياسة إذ ذاك، نهض إلى أن وصل إلى دار القائد محمد احم المذكور بادخسان، وهنالك أقام سُنَّة عيد الأضحى، ثم بعد انتهاء حفلات أيَّام العيد نهض في جيوشه الجرارة ولم يزل يوالى السير إلى أن حل بالعاصمة المكناسية صبيحة يوم الاثنين تاسع عشر حجة متم عام 1305. فكانت جميع أيَّام هذه الحركة ثلاثاً وتسعين يوماً ثلاثون يوماً منها ظعن، وثلاث وستون يوماً إقامة، أولها يوم الأحد خامس عشر رمضان وآخرها يوم الاثنين التاسع من ذى الحجة قطعت أيَّام السَّفر منها في اثنين وسبعين ساعة وخمسين دقيقة: ولما حل المترجم بمكناس أقام به اثنين وأربعين يوماً ثم نهض لفاس ووفدت عليه الوفود لتهنئته بمقفله من حركة بنى مكيلد في ضمنهم الوفد الرباطى ومعهم قصيدة العلامة الشَّهير شيخ الجماعة بذلك الثغر أبي حامد سيدى المكيِّ البطاورى في التهنئة وهي: سعادة الملك مسعد بها الوطن ... وعزة النصر موصول بها الزمن ومن يكون إله العرش ناصره ... ألقت إليه القياد الشم والقنن والله يحفظ مولانا ويحرسه ... حتَّى يغص عداه أينما قطنوا

ألية بالصفا والمأزمين لقد ... خص بعز الورى سيدنا الحسن أعز ذا الغرب ملكاً بل أعز ملو ... ك المسلمين جميعاً أينما وطنوا في كل قطر من الدُّنيا اسمه علم ... منوه الذكر تستعلى به اللسن لنا الهناء فهذا الفخر من عظم ... ما ناله أحد ما حازه وطن أيامه الغر أعياد الورى انسجمت ... بها المكارم وانهلت بها المزن ما زال منذ ولى والله يكلؤه ... يقظان عزم إلى أن نامت الفتن وشيد المغرب الأقصى وزينه ... بالأمن فاتصلت بقطره الهدن ومهد الملك تمهيداً وصيره ... روضا أريضا بكلِّ نبعة فنن وعمت الخلق أنعم مواصلة ... وأعدم العدم والأكدار والمحن فالدين في سعة والكفر في ضعة ... والنّاس في دعة أمن ولا دخن والعصر مبتهج والحقُّ منتهج ... والملك بالنصر والتأييد مقترن تدبير شهم له في كل معضلة ... رأى سديد إذا ما حارت الفطن مجدد العصر محيى الدين شمس هدى ... سيره حكم أفعاله سنن معتضد بالتقى بالله معتصم ... مظفر الجيش منصور اللوا يقن محبب في قلوب الخلق كيف ولا ... أحد إلَّا وفى نعماه مرتهن كل يفديه بالأرواح مجتهداً ... لأنَّه للورى روح وهم بدن من ذا يباريه في مجد وفى كرم ... وهل يبارى الذي إنعامه الهتن العفو سيرته والصفح شيمته ... والجود والبذل والإنعام والمنن بر جواد شجاع سيد نزه ... سمح حليم عفيف كيس فطن

حوادث 1306 و 1307 وحركة الريف وتطوان وطنجة

فراسة صدقت في كل نازلة ... قد استوى عنده الإسرار والعلن وهيبة جلل الآفاق موقعها ... فالأسد في غيلها من خوفه تهن وسطوة بهرت والنصر يصحبها ... وعين حزم وعزم ما بها وسن ساس الرعية من سوس وبربرها ... وزال عن درن بوطئه الدرن ذلت مكيلد بل عزت بطاعته ... لما غدت في عدادا لجند تحتجن خوفهم بعصا الشرع المطاع فمذ ... تابوا وأموا على حضرته أمنوا ظنوا حصونهم والوعر يمنعهم ... هيهات لا وزر يَحْمى ولا حصن أنى يقل مكان من أناط به ... همته أو تقيه البيض والجنن كيف وهمته بالله نافذة ... لو مدها نحو دهر قاده رسن ولو أراد مسير العاديات على ... متن العباب بها ما احتيجت السفن ولو رمى بسديد سهم همته ... ديار كفر بها لم يعبد الوثن الله أولاك ملكاً شامخاً بهجاً ... عنت لسطوته الأقيال والعتن هذى السعادة عين الله تكلؤها ... بغير أنبائها تشنف الأذن من معشر بالتقى والعلم قد عرفوا ... وبالندى والحيا والمجد قد زكنوا هم أهل بيت رسول الله بهجتهم ... ما فاز قط بها شام ولا يمن هم الملوك أدام الله دولتهم ... فكأنها للورى عز ومؤتمن دامت سعادة مولانا وعزته ... ونصر رايته ما اتصل الزمن وأقام بفاس إلى يوم الاثنين السابع عشر من شوال عام ستة وثلاثمائة وألف. فخرج منها وخيم على قنطرة وادى سبو من بلاد الحياينة، ومنها لقبيلة

رغيوة فصنهاجة فمتيوة فمزيات فبنى زروال فالعين الباردة فحولان من بنى مسارة، وهنالك أقام سنة عيد الأضحى، ثم نهض لقبيلة بنى أحمد فغزاوة فالأخماس فباب تازا فمدينة شفشاون فبنى حسَّان، ثم زار تربة الولى الصالح أبي محمد عبد السَّلام بن مشيش فكسا ووصل وواسى، ثم سار على بنى حزمار إلى أن دخل مدينة تطاون يوم الأربعاء ثامن المحرم فاتح سنة سبع وثلاثمائة وألف، وأقام بها نحو الخمسة عشر يوماً، قابل فيها وجهاء وجوهها وتفقد أحوالها وزار صلحاءها وأنعم على أهلها بعشرة آلاف ريال لبناء قنطرة واديهم، وبكل أسى وأسف لم يقع اعتناء بإتقان بنائها فاضمحلت في أقرب وقت، وذهبت العدة التي صيرت عليها أدراج الرياح، كما أنَّه أنعم على جسده وعساكره بالكسوة. ثم بارح تطاوين ووجهته طنجة فدخلها يوم الأحد سادس عشرى محرم المذكور، وأقام بها تسعة عشر أو عشرين يوماً، وكان يوم دخوله إليها يوماً مشهوداً، ومن أعظم المواسم والأعياد معدوداً، واستقبله سكانها على اختلاف طبقاتهم بغاية الفرح والإجلال والإكبار، فتفقد أبراجها وصقائلها وأتت لتحيته فيها قطع من الأسطول الإنجليزى المرابط بجبل طارق. ولما قضى وطره منها نهض متوجهاً على الغربية فثغر آصيلا وكان حلوله به يوم السبت السادس عشر من صفر العام، وأقام بها يوماً طاف فيه على الصقائل والأبراج، ثم سار على طريق الساحل ومر بقبيلة الخلط، وبعد صلاة العصر عبر وادى لكس من مشرع النجمة وذلك يوم الثلاثاء التاسع عشر من صفر المذكور، وبمجرد عبوره مع بعض الخاصة من حاشيته امتلأ الوادى وتعذر على المحلة عبوره فبات المترجم بعدوة وبقيت المحلة بالعدوة الأخرى، ومن صبيحة الغد عبر باقى المحلة ولحق بالمترجم وتوجه لمدينة القصر الكبير بقصد زيارتها، ثم رجع من يومه للمحلة، ثم توجه لثغر العرائش ودخله دخول عز وإجلال يوم الخميس الحادى

[صورة] السلطان مولاي الحسن في موكبه في صلاة الجمعة

حوادث 1308

والعشرين من صفر المذكور، فتفقد الأحوال والصقائل والأبراج، ثم بارحها يوم الثلاثاء سادس عشرى الشهر المذكور، ولم يزل يوالى السير إلى أن حل بالعاصمة المكناسية يوم الأحد فاتح ربيع النبوى من العام. فكانت مدة هذه الرحلة مائة وسبعاً وثلاثين يومًا، منها أربعون يومًا ظعناً قطعت في مائة وثلاثين ساعة وخمس وثلاثين دقيقة وإقامة تسع وثلاثين يومًا. وفى يوم الأربعاء رابع ربيع المذكور بارح مكناسة ووجهته فاس فدخلها من غده الذي هو الخميس خامس ربيع وأقام بها اثنين وثلاثين يومًا، ثم بارحها يوم الاثنين الثالث عشر من شوال ودخل مكناسة يوم الأربعاء الخامس عشر منه، ونهض منها يوم الاثنين الثالث عشر من ذى القعدة، وخيم بالمحل المعروف بدار أم السلطان، ومن ثم لعين عرمة فاربعاء وادى بهت فولجة العكارى فضاية رومى فتفلت فسيدى علال البحراوى فالعرجات فقرميم، ثم رباط الفتح فغبولة فسيدى يَحْيَى من بلاد زعير ففدان الناموس فبزار فأبو الضراضر فعويد الماء فالكيسان فصخرة الدجاجة من بلاد ورديغة فبيار امزوى فسيدى محمد البصير من بلاد بنى زمور. ولم يزل يظعن ويقيم إلى أن دخل عاصمة الجنوب مراكش الحمراء يوم الأحد رابع ربيع النبوى عام ثمانية وثلاثمائة وألف. فكانت جميع أيَّام هذه الحركة مائة وأربعين يومًا الظعن فيها ست وثلاثون يومًا قطعت في مائة وثمانية عشر ساعة والمقام مائة ساعة وأربع سوائع وعشر دقائق. وأقام بمراكش إلى أن بارحها صبيحة يوم الاثنين ثامن قعدة ووجهته مكناسة ولم يزل يظعن ويقيم حتَّى أدركه عيد الأضحى بصخرة الدجاجة فأقام بها سنته وهنالك لحقت به محلة الشاوية.

وبعد انتهاء حفلات العيد عقد لنجله المولى العباس على محلة الشاوية المذكورة ووجهه بها بقصد شد عضد العمال في استيفاء الزكوات والأعشار المترتبة في ذممهم. ثم نهض المترجم وسار إلى أن وصل المحل المعروف بالشبيكة فأوقع ببنى خيران، وذلك يوم الجمعة سابع عشر حجة ثم في يوم الجمعة رابع عشرى الشهر أوقع بالحلاليف وبنى اورا فرقة من الزيايدة. ثم في يوم الخميس فاتح محرم عام تسعة وثلاثمائة وألف أوقع بالعرب أمر نجله مولاى العباس المذكور وكبير محلة الغرب ولد أب محمد الشركى بالنزول عليهم بمحلتيهما والتنكيل بهما، ولولا أن عامل الرباط الأنصح القائد السويسى تشفع فيهم للجلالة السلطانية لقطع دابرهم من لوح الوجود. وفى يوم الثلاثاء سادس محرم المذكور حل برباط الفتح وأصدر أمره المطاع لنجله مولاى العباس بالنزول مع محلة الباشا ولد أب محمد بقصبة بوزنيقة ولمحلة الشاوية التي كانت مع نجله المذكور بالقدوم للرباط وأقام هو به تسعة عشر يوما. ثم نهض منه يوم الاثنين سادس وعشرى الشهر وسار وفى يوم الجمعة رابع عشر صفر أوقع ببرابر بنى مطير وآيت شغروشن ومزقهم كل ممزق ثم أوقع بفرقة من قبيلة زمور الشلح وقعة شنيعة انجلت عن إنابتهم. وفى يوم الثلاثاء ثامن عشر الشهر حل بالعاصمة المكناسية وأقام بها تسعة عشر يوما في يوم الاثنين ثامن ربيع الأول نهض منها قاصد فاسا فدخلها يوم الأربعاء عاشر الشهر. فكانت مدة هذه الرحلة تسعين يوما كان الظعن في أربعة وأربعين يوما منها والمقام ست وأربعون يوما.

وفى جمادى الأخيرة من السنة كتب وزير الخارجية ليهود مراكش كتابا نصه بعد الحمدلة والصلاة: "من عبد الله تعالى وزير الأمور البرانية بالحضرة العالية أعز الله أمرها وأبد فخرها إلى كافة يهود ملاح مراكشة أخص منهم حزانة جموعهم وأساقفتهم وتجارهم وأعيانهم. أما بعد: فقد بلغ لشريف علم حضرة سيدنا العالية بالله أعزها الله أن عاملكم القائد محمد ويدة السوسى لم يحسن السيرة معكم وعاملكم معاملة غير مليحة وشدد عليكم فلم يلق ذلك بسيدنا نصره الله ولم يعجبه لأنكم أهل ذمته وفي رعيته. فلا يحب أيده الله أن يقع لكم تضييق أو ظلم من أحد أو معاملة بمكروه، وإنما يحب أن تكونا في أمن وأمان من ذلك وعلى حالة مليحة وفى عيشة مرضية وعز به الحال دام تأييده ونصره حيث بلغه ذلك عنكم من عند الناس، ولم يبلغه من عندكم إذ كان من حقكم أن تكتبوا لأعتابه الشريفة بالإعلام بذلك كما يكتب بعض تجاركم ومقدميكم لها في الأمور. وقد أمرنى نصره الله بالكتابة لكم بان تكونوا تكتبوا لنا بما يقع لكم وذلك لنطالع به علمه الشريف، كما أمرنى أيده الله بإعلامكم بأنه أصدر أمره الشريف للعامل المذكور بأن يحسن السيرة معكم ويعاملكم بمثل ما يعامل به من إلى نظره من المسلمين من الحكم عليكم في الدعاوى المخزنية بما يقتضيه الحق فيها مثل ما يحكم به على المسلمين ويجريكم مجراهم في جميع الأمور من غير فرق، ويرد دعاويكم الشرعية لأساقفتكم وحزانتكم ويمشى مع أهل الحماية منكم على مقتضى الشروط والقوانين ومن حاد منهم عنها يطالع به شريف علم مولانا دام علاه والتمام في 7 جمادى الثانية عام 1310".

حركة تافيلالت

ولم يزل المترجم مقيما بفاس إلى أن بارحها يوم الخميس الرابع عشر من ذى الحجة منصرم العام ووجهته بلاد صالحى سلفه تافيلالت على طريق صفرو، وذلك بعد أن أصدر أوامره لنجله البار الأسعد الشريف الذاكر المتبتل مولاى محمد بالنهوض والتوجه أمامه فبارح مراكش في عاشر ذى الحجة المذكور. ثم إن السلطان لم يزل يظعن ويقيم ويقارب ويسدد ويرتق الفتوق إلى أن أدركه موسم المولد النبوى الكريم من عام عشرة وثلاثمائة وألف بقصر الريش من دار العيد بوادى زير، ثم سار إلى أن خيم بدار على بن يحيى المرغادى كعبة العتو وركن الفساد وأوقع القبض عليه يوم الخميس ثانى ربيع الثانى ووجه به سجينا لمراكش، كما ألقى القبض قبل ذلك اليوم على متمردة آيت احديدو ثم في يوم الاثنين التاسع عشر من ربيع الثانى التقى المترجم بمحلة نجله الأسعد مولاى محمد، ومحلة الحوز التي جاءت تحت رياسته وذلك بقصر السوق من بلد آيت ازدك ثم بعد ذلك توجه صاحب الترجمة لزيارة صلحاء الصحراء ثم رجع وسرح آيت احديدو. وفى يوم الثلاثاء سابع وعشرى الشهر حل المترجم بضريح جده الأكبر فخر بنى جلدته مولاى على الشريف وأقام هنالك سبعة عشر يوما أفاض فيها سجال العطايا وأجزل المواهب، فأعطى شرفاء مدغرة عشرين ألف ريال "مائة ألف فرنك" وجهها إليهم مع ولده المحبوب مولاى عبد العزيز وأعطى شرفاء تافيلالت عشرين ألف ريال أخرى، أرسلها إليهم مع ولديه مولاى عبد العزيز المذكور ومولاى بلغيث. وقد أوضح معالم هذه الوجهة من فاس إلى سجلماسة في كتاب بعثه لباشا مكناس القائد حم بن الجيلانى ونصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع الذى بداخل خاتمه السليمانى "الحسن بن محمد الله وليه" وبزوايا الخاتم الست اسم الجلالة ثم

محمد فأبو بكر نعمر فعثمان فعلى وتجاه الزوايا: وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وبدائرته بيتا البردة ومن تكن إلخ ومن يعتصم الخ: "وصيفنا الأرضى الباشا حم ابن الجيلانى وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: فإن من صالح الرعاية التي شرح الله صدرنا إليها، وأبرز لنا في مظاهر اختيار الكسب قدرته عليها، أن ألهمنا سبحانه لهذه الوجهة المباركة الصحراوية، لتفقد أحوال أهلها وتأسيس مصالحهم المرعية، وسنى لنا فيها سبحانه من فتوحات النصر والظفر، ما لم تزل آثاره لدينا متجددة في حالتى المقام والسفر، جريا على ما عودنا سبحانه بحمده وشكره، من إمداد عنايته وجميل بره، إذ الكل منه سبحانه وبه وإليه، ومقاليد التدبير في عالم الكون بيده ولديه، فمنذ نهضنا من محروسة فاس بجيوشنا المنصورة، ومواكبنا المظفرة بالله الموفورة، وبنودنا الخضر السافرة، وعساكرنا التي لم تزل على التعاضد متضافرة، والأحوال بحمد الله جارية على مقتضاها، ومآثر السعادة ترضى المؤمن ويرضاها، عن صدور أثلجها الله بالانشراح، ومسرات مترادفة الهناء والأفراح، والآت جهادية واستعدادات. وآثار يمن يراها ذوو البصيرة من خرق العادات، إلى أن تخللنا من بلاد آيت يوسى معاقلها، ورضنا بأزمة الاستصلاح قبائلها. فتلقوا جنابنا الشريف بتمام الخدمة وحسن الطاعة، وقاموا بالواجبات والوظائف جهد الاستطاعة، مظهرين بمواطئنا الشريفة غبطة ومحبة وانشراحا. ومعتقدين بها فوزا وتيمنا ونجاحا، زيادة على انتخاب فرض الحركة من أعيانهم لمصاحبة جيشنا السعيد، وقيامهم في ذلك بالحزم القوى والشرط الأكيد. ثم نهضنا عنهم في عناية الله المتوالية أياديها. المنبئة عن حسن الختام مباديها. إلى أن خيمنا بمعاقل قبائل بنى مجيلد تخييما تعاهدنا به أحوالهم.

وأكرعنا به في مناهل الصلاح شرخهم ورجالهم. فتبادروا لاغتنام السبقية بكمال الطاعة وصميم الالتزام، وقاموا بأداء الواجبات وحقوق خدمتنا الشريفة أتم قيام. وجددنا فيهم للاستقامة أساسا. ورتبنا أمورهم ترتيبا لم يبق فيها انتكاسا، ونهضوا بحركتهم لمصاحبة محلتنا المنصورة، متظاهرين في الحزم والامتثال بسيرة مشكورة. ولما كمل منهم الراد، نهضنا عنهم بحول الله في تمكين وظفر واستعداد، إلى أن ركزت مواكبنا السعيدة في بلاد آيت ازدك راياتها. وأظهرت مآثرنا الحميدة في قبائلهم آياتها، فخيمنا عليهم تخييما طبق بمحالنا الموفورة بلادهم، وتخلل بمغارسا لصلاح أغوارهم وأنجادهم، فتسارعوا للتطارح على أعتابنا الشريفة. والالتجاء لظلالنا الوريفة. معلنين بالتوبة عما فرط منهم من المآثم والجناح. وراغبين فيما جبلنا الله عليه من الحلم والعفو والسماح، وملتزمين أداء الواجبات والحقوق، ومتحملين من تمام الطاعة ما لم يبق فيه احتمال نفار ولا عقوق، جنوحا لعدم القتال وسفك الدماء والوقوع في الأرامل والصبيات، وذوى العجز من النساء والرجال الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا. فأمنا عليهم إذ حققوا ذلك بالعمل. ووفوا بكل ما وظف عليهم عن فور وعجل. مع استنهاض حركتهم لمتابعة ركابنا السعيد، وانتدابهم لامتثال أمرنا الشريف فيما نريد، وصفحنا عنهم حيث صلحت منهم سريرة النجوى وأخذنا فيهم بقوله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}، بعدما وجهنا شرذمة من أطراف جيشنا السعيد، لاستئصال أهل طوطورماس الذين قتل في قصرهم الخديم ولد الطالب محمد اليوسى فلم يكن إلا كوقفة راكب، أو صرة حالب. حتى أخذتهم أخذا وبيلا. وكان فعلهم على انتقام الله منهم دليلا. ولما قضى في آيت ازدك بحول الله الغرض، واستوفى من جميعهم الواجب والمفترض، نهضنا عنهم محفوفين بما عودنا الله من العزة والتمكين، ومعتمدين

على حول ذى القوة المتين، إلى أن خيمنا على وادى زيز، مقابلين مواعد الرعاية بالتنجيز، فأقمنا به حتى قضينا حقوق مولد النبى الكريم، عليه أزكى الصلاة والتسليم، وأحيينا ليلته بما رجوناه وسيلة لرضوان الله الأكبر، وتحصنا بحماية صاحب اللواء والقضيب والمغفر، وتلاقينا هنالك بوفود القبائل الواردين للتهنية، ونالوا من بركة مشاهده الوسيمة ومواقفه الفخيمة غاية الأمنية. ثم نهضنا بحول الله آخذين بمعهود الحزم والاستعداد حتى خيمنا بسمكات على متحصن قبيلة آيت مرغاد، فلم يفدهم إلا الانخراط في سلك أهل الخدمة والإذعان والاقتداء بمن قبلهم في إظهار حسن الطاعة وأداء الواجبات وطلب الأمان، وتسارعوا للتطارح على أعتابنا الشريفة جموعا وفرادى، والتزموا القيام بالواجبات والتمسك بالصلاح رغبة وانقيادا، وتبرءوا ممن كان يثبطهم عن الامتثال حالا ومضيا. ويسول لهم ما لم يغن عنهم من الله شيئا. ومن هنالك رددنا شرذمة لفرقة من آيت ازدك باوطاط، حيث بلغ لعلمنا الشريف ما ظهر في انحرافها من الطيش والإفراط فصدمتهم صدمة وبال وحين وصيرت قصرهم معهم أثراً بعد عين وبسمكات أيضا أخذنا بخناق آيت حديدو الذين هم ملجأ آيت شخمان وإليهم يأوون عند الفزع والامتحان لكون ذلك المحل رباطا على صياصيهم ومأخذا لنواصيهم فانحل بنصر الله عقدهم وفل سناهم وحدهم وعاد عليهم بالوبال كيدهم ولم يسعهم إلا القدوم لأعتابنا الشريفة حيث استنزلناهم، والمبادرة إلى الإجابة لما أمرناهم به وألزمناهم، ولما طالبناهم باتباع قولهم بالعمل، في أداء ما وظفناه على قبيلتهم بعد ضرب الأجل، صاروا يركنون لحيز المطال ويأنسون بأمانى التسويف والإمهال. وحيث بلغت المعذرة فيهم حدها ولم يرتكبوا من الأمور جدها. أعرضنا بوجه الملاطفة عنهم. وقبضنا على أكثر من المائة رجل منهم. فلم يعتبروا فيما

كانوا فيه حيارى. حتى عادوا في الأغلال أسارى. ولم يتنبهوا لمسلك الإرشاد. حتى أصبحوا مقرنين في الأصفاد. لكونهم سلكوا طرائق، ما فيها رائق، وظهرت منهم خلائق، كان غيرها بهم هو اللائق. وبعد ذلك نهضنا بهم في سطوة من الله ونصر، متعرفين من أياديه ما لا يدخل تحت حصر. متخللين أعماق الشواهق من أقاصى جبال درن. حتى خرجنا منها لفسيح الصحراء خروج عِزّ قَد اتصل إسعاده بحَول الله واقترن. فخيمنا في بسيطة تداغوست بجيوشنا الجرارة، وأصبح فضاؤها بمحالنا الموفورة عمارة. وعندما ضربت هنالك أخبيتها الميمونة وقبابها. ومددت بأوتار الظفر والثبات أطنابها، تلقانا القاطنون بها من بقية آيت مرغاد المتطرفين، وتبادروا لأداء حقوق الطاعة ملتزمين ومعترفين، وتوارد علينا أهل تلك النواحى طلبة وشرفاء وكبراء وأعيانا، وشيوخا ورجالا وصبيانا، مظهرين غاية الفرح والابتهاج، وناهجين في مسالك الانحياش والالتجاء أبلغ الانتهاج، ومتسابقين لتقبيل مواطئنا التي جعل الله العز في تقبيلها، والسعد في اتباع سبيلها بعد أن أظهروا من الإذعان والخدمة ما كان لنفوسهم أمانا، ولقلوبهم سكونا واطمئنانا، إلا ما كان من ابن يحيى المرغادى. الذى كان رأس النفاق، وموئل أهل الشقاق بذلك النادى، فقد قبضنا عليه في وسط حماه. حيث أوقعه في شرك الثبور عماه. فكان كما انتضى من غمده نصله. وبكاه بدمع الثكلان أهله. ولكن رب بكاء وتصلية. خير من مكاء وتصدية، ومن أرسل نفسه مع الهوى، فقد هوى في هوى، وبعثنا به بعد قبضه لمراكش مقيدا، إراحة من شؤمه، وعقوبة على ما فرط منه وبدا. وما زالت سنة الله في مخلب المعصية أن يقص بالندامة. وفى جناح الطاعة أن يوصل بالأدامة. وانتخبنا إذ ذاك من أهل الوطن من يصلح بهم من العمال. فوليناهم عليهم ولاية صلاح تصونهم عن مسارح الإهمال، وانتدبوا لأداء ما لزمهم من الواجبات والكلف، بعد أن كانوا منها على خطر وتلف.

وبعد تأسيس صلاحهم وتلافيهم. وقضاء غرضنا الشريف بحول الله فيهم. نهضنا عنهم محفوفين بمواد السعادة والإقبال. ومعتمدين على القوى المتعال. إلى أن خيمنا على قبائل آيت عطة بقصر السوق. تخييم سعد تبهر مظاهره وتروق. وهنالك تلاقينا بحركتهم مع أهل الصحراء والوافدين من توات وبجيوشنا السعيدة المراكشية والقبائل السوسية وقبائل الدير والقبائل الحوزية الوافدين مع ولدنا مولاى محمد أصلحه الله من جهة سوس على نواحى تدغة وغريس. فكان الاجتماع بهم جمع تعضيد للصلاح وتأسيس. ثم نهضنا بهم من هناكم إلى وطن مدغرة المباركة فخيمنا بامسكى. في نعم متوالية تقصر الألسنة أن تصف بعضها وتحكى ومنه وجهنا ولدنا مولاى عبد العزيز أصلحه الله لملاقاة شرفاء أهل مدغرة وتوفيتهم بصلة البرور المعتادة. بعد أن ضعفنا لهم القدر الذى نصلهم به كل سنة تضعيف تنمية وزيادة. فزدناهم على المعهود خمسين ألف مثقال تكملة لمائة ألف مثقال وجب فيها بصرف بلدهم عشرون ألف ريال. ثم نهضنا للتخييم على بلاد الصباح. فانتشرت أجنادنا الوافرة ببلادهم انتشار عمود الإصباح. وجاست مواكبنا السعيدة خلال نخيلهم وأوديتهم وأثارت سنابك الخيل نقع بساتينهم وأنديتهم، فتلقوا شريف جنابنا خارج قصورهم برجالهم ونسائهم وأهل رواياهم، وأحسنوا في إظهار خدمتهم وأداء واجباتهم. ودفع هداياهم. ومنهم كان نهوضنا لتافلالت المباركة فخيمنا بمركزها المنيف، وحططنا الرحال الموفورة حول نخيلها الباسقات، وأحدقت مضاربها الغراء بتلك البساتين المتناسقات، مصحوبين بجميع تلك الجيوش التي لا يأتى الإحصاء بفضل الله عليها، ولا يكاد يضاف حصر العدد إليها، وخصوصا حركة آيت عطة المنتخبة الفرسان والأوصاف المشتملة على نحو الستة آلاف، مع من ذكر من حركة آيت مرغاد بعدد له بال، وحركة آيت ازدك الكبيرة المعتبرة الخيل والأبطال.

وعندما شارفنا تلك المواطن الميمونة السنية وواجهنا معالمها بخوافق البنود والألوية، تسابق أهلها لشريف لقيانا وأكبوا على ركابنا الشريف شرفاء وطلبة ورجالا ونسوانا، معلنين بضمائر المحبة والاشتياق ومظهرين من كمال الفرح ما لا يوصف حده ولا يطاق، وكذلك جميع أهل الزوايا وأصحاب الأحوال، فكل طائفة تلهج برنات السرور، وتضرب آلات الأفراح وتنشر أعلام الإجلال. حتى أسفرت أيام المسرات هناكم عن أبهج المباسم، وغدت من أيام الأعياد والولائم والمواسم، وأقمنا هنالك بقصد الاستراحة والزيارة ومشاهدة آثار أسلافنا الكرام التي لم تزل على جلالة مآثرهم أمارة. حتى عاينا معالمهم المنيرة وأصبحت العيون بفيوض بركاتهم قريرة، وتعاهدنا أملاكهم وأصولهم الأثيلة، وقضينا المتعين من حقوق المراحم الطيبة الجليلة، ووجهنا ولدينا الأرْضَيْنَ مولاى عبد العزيز ومولاى بلغيث أصلحهما الله لتوفية الشرفاء أقاربنا وأبناء عمنا بصلتهم المعهودة لهم بعد أن زدناهم عليها خمسين ألف مثقال تتمة لمائة ألف مثقال أيضا، وجب فيها بصرف بلدهم عشرون ألف ريال صلة، تحمد وترضى مراعاة لحقوق القرابة الشريفة، التي حض الله ورسوله عليها، ونص في كتابه الحكيم على نسبة التنزيه والتطهير والتعظيم إليها، وزيادة برور حيث قدمنا لتلك المواطن المباركة وحللنا لديها، وها نحن لما قضينا في سجلماسة بحول الله المرام. واجتمعت مصالحها الغائية بحلولنا الشريف جمع الأهلة بالتمام. شددنا رحال الأوبة متوجهين لمراكش الحمراء، ومتحدثين بنعمة الله سبحانه حمدا وشكرا. وعند ذلك كتبنا لكم هذا المسطور الكريم. لتعلموا ما سناه الله لنا من فتحه العميم. وتأخذوا حظكم من الفرح والسرور. وتقيموا نزهة الشكر إظهارًا لنعمة الله ويمنه الموفور. وتحمدوا الله على فتوحه الكفيلة برعاية الإسلام. التي دل حسن ابتدائها على حسن الختام، ونسأل الله تعالى أن يحفنا بدوام حفظه في المقام

والمسير. ويجعلها أوبة موصولة بالسلامة والغنيمة والتيسير. وأن يديم إجراءنا من جميل صنعه وخصوصياته على ما تعودناه. ويكنفنا بكنف عنايته ويوفقنا وإياكم لما يرضاه، آمين والسلام في 15 جمادى الأولى من عام 1311". ثم نهض يوم السبت الخامس عشر من جمادى الأولى ووجهته الحضرة المراكشية وسار على طريق الفايجة يظعن ويقيم إلى أن حل العاصمة الجنوبية مراكش الحمراء يوم الثلاثاء التاسع من جمادى الثانية. فجميع أيام هذه الرحلة أعنى من تافيلالت إلى مراكش خمسة وعشرون يوما، كان السير في واحد وعشرين يوما منها قطع في سوائع سبع وثمان وعشرين دقيقة، وكانت مدة المقام أربعين يوما. وكتب لباشا مكناس القائد حم بن الجيلانى بشرح الأوبة كتابا نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع الكبير الذى بداخله "الحسن بن محمد بن عبد الرحمن الله وليه 1291": "وصيفنا الأرْضَى القائد حمّ بن الجيلالى، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: فقد قدمنا لكم الإعلام بما هيأه الله لنا في هذه الوجهة الميمونة من جزيل إمداداته، وسوابغ نعمه وآلائه، وباهر فتوحاته، وشنفنا مسامعكم بشرح ما أظهره الله فيها من الخوارق. ولاح من البوارق. إجراء على ما عودنا سبحانه من مواهبه وإقباله ورفده. وما النصر إلا من عنده. وأعلمناكم بأننا نهضنا من إقليم سجلماسة بعد قضاء المناسك. وتحصيل الغرض مما هنالك. ثم بعد ذلك توجهنا محفوفين من الله بجنود الحفظ والسلامة وهواتف البشرى تهتف من كل ناحية بالميامن المستزادة. فمررنا بواسط بلاد اعراب

الصباح. وتخللنا الروابى منها والبطاح. وأهلها مصاحبون لركابنا الشريف بحركتهم وخيولهم في انبساط وانشراح. بعد أن تاموا بمئونة المحلة السعيدة. ودفعوا ما عليهم من الواجبات وشفعوها بهدايا عديدة. ثم حللنا بقصور غريس وفركلة التي هى قاعدة آيت واحليم من آيت عطة. فأظهروا من الفرح والقيام باللوازم المتعينة ما دل على نصحهم في الخدمة والطاعة. ولم يقصروا جهد الاستطاعة. ومن هناك وجهنا حراك قبائل الغرب لحالهم مثابين، وبرضا الله وخاطرنا الشريف ظافرين، بعد أن أبلوا في طاعة الله البلاء الحسن، وسعوا فيها بكليتهم مطيرين عن مقلهم الوسن. ثم نهضنا وخيمنا ببلاد تدغا وآيت يحيا فتلقونا بسرور وابتهاج متسارعين لأداء المفروضات والميرة والهدايا، عادلين عن سبل الاعوجاج وبعدهم نزلنا بدادس، فتجلت فيه من المنا عرائس، وقام أهله باللوازم كذلك بوجوه طلقة غير عوابس. ثم دخلنا في قبائل الفائجة، فتلقانا أهلها وصدورهم بالفرح مائجة. وأول من تخللنا أرضهم منهم أهل اماسن وسكورة وآيت بودلال وورزازت، وحادى البشائر يحدو بالنصر والظفر والمسرات، ومنهم إلى اتلوان وآيت زينب ووزكيتة وآيت امنى ثم تلوات. وجميعهم قاموا بالوظائف والضيافات وأدوا النوافل والمفروضات. ثم أقبلنا على جبل درن فإذا هو في الجو شاهق متعمم بالثلوج، لا يستطاع فيه دخول ولا خروج. ولا يفهم فيه على البديهة من أين يكون الولوج يحاكى في الارتفاع سد يأجوج. تتحير الأذهان من رؤيته. وتضطرب القلوب عند نظرته. ويسبح الله لهول خلقته، وتعاظم عظمته، لا تفهم مسالكه، ولا تدرك مداركه.

فاستعنا بالله على عبوره، وشرعنا في صعوده ومروره. بعد أن رتبنا الجنود والعساكر ترتيبا، وجعلنا منهم للدخول فيه مقدمة وساقة فكان تكييف ذلك عجيبا، واقتحمناه في دائرة الحفظ وسرادق العناية على جناح التسهيل، والألطاف الخفية مشاهدة ممن عليه الاعتماد والتعويل. وسرنا على طريق وادى ابى المواهب والمدد المتوالى، سيدى محمد بن عبد الله رحمه الله في وروده لمراكش من سجلماسة، فحصلنا والحمد لله على فائدتين: سهولة الطريق، وزيارة الولى المذكور وقضينا منها حقا متعينا، ونلنا من بركته قسطا وافرا وسرا بينا. وسرنا وبنود العز برياح الإسعاد خافقة. وألسن القلوب والجوارح بالحمدلة والشكر ناطقة. إلى حضرتنا الشريفة المراكشية. ذات الحلل البهية المزركشة الموشية. ويوم تاريخه خيمنا برأس العين من بلاد الرحامنة، ومنها وجهنا لكم هذا ومنها نخيم بزاوية سيدى عبد الله بن ساسى نفعنا الله به. وبعدها نحل حمراء مراكش بحول الله في يوم الأربعاء أو الخميس الذى بعد تاريخه بيومين حلول سلامة وظفر وتحصيل، ونرد منهلها العذب السلسبيل فلله الحمد في البداية والتمام، وله مزيد الشكر في الافتتاح والاختتام. وأعلمناكم لتكونوا على بصيرة من الواقع ومن جميع ما كان، وتعرفوا حقيقته بمزيد إيضاح وبيان، ولتفرحوا بما يسره الله من فتوحاته المزيدة ومواهبه المديدة، لأن هذه جملة خبرية عن ذلك المبتدا. وخاتمة عقد ذاك الابتدا، والله أسال أن يجعل ما ارتكبناه في ذلك كله عائدا بصلاح الأمة والرعية. جاريا من رضا الله وطاعته على الطريق المرعية. آمين والسلام في 8 جمادى الثانية عام 1311".

وقد ألف غير واحد من الكتاب والأدباء في هذه الرحلة الصحراوية نثرا ونظما، منهم الكاتب المجيد العلامة السيد الغالى بن سليمان أحد كتاب الحضرة السلطانية، فإنه نظم هذه الرحلة الميمونة الطالع، ورمز لأيام الظعن والإقامة وعدد السوائع التي قطعت فيها أيام الظعن وتاريخ النهوض إليها وموافقة الشمسية للقمرية، وشرح ذلك النظم شرحا بديعا لطيفا عندى طرف من مسودته بخط مؤلفه يقول في أول النظم: وللنصر فتح ظاهر في البرية ... يقابله الإقبال في كل وجهة بحركة يمن قد بدا (طى 19) نشرها ... بطالعها الميمون في (يد 14) حجة يوافقه من ينيه (ز 17 ى) سره ... بفتح ونصر في سلوك المحجة وآخرها سبع لشهر دجنبر ... يوافقه تسع جمادى الأخيرة وفى عدد الأيام عقد لجيدها ... مقاما 120 وسيرا في 54 جنان المسرة سوائعها (يمن 100) (حليم 88) لأنها ... مواهب عدل في جبين المعزة ويا سيدى مولاى يا خير مالك ... تفردت في عز ونصر وهيبة وجزت مقاما طالما كان خاملا ... فجئت له فردا بغير معية وكنت وكان الفضل والبذل والندى ... فأصبحت في عز عزيز المزية فبشرى هنيئا بالقدوم الذى به ... أضاءت على الإسلام شمس الظهيرة وبشرى لنا والحمد لله سيدى ... عليك سليما نعمة أى نعمة فيارب أيده ورده معزة ... وحقق مناه في الفروع بنظرة بجاه النبى والآل والصحب جملة ... وكل ولى عارف في البسيطة

عدد الحركات الحسنية

وفى أثناء هذه الرحلة الصحراوية وقع شغب في الشاوية والغرب كما وقعت مناوشة بين أهل مليلة وبين المجاورين لها من أهل الريف نشأت عن بناء البرج بحدود مليلة، فلما بلغ صاحب الترجمة ذلك وجه أخاه مولاى عرفة في الحين لكلعية في شرذمة من الخيل يعظهم ويذكرهم وينذرهم ويحذرهم ويوعدهم بالعقوبة إن لم يكفوا عن ذلك ويقفوا عند حدهم ويتركوا التعرض لأهل مليلية في بناء البرج بداخل حدادتهم، ويباشر فصال ما وقع بينهم وبين أهل مليلية من القتل والجرح وفساد الأملاك على حسب ما يشير به عليه النائب الطريس، فسافر من المحلة السعيدة في السابع عشر من شهر ربيع الثانى ثم بعد ذلك وقعت مضاربة أخرى بين أهل كلعية وعسكر مليلية، أفضت إلى قتل وجرح عدد من الفريقين ومن جملة من مات فيها حاكم مليلية. وأقام المترجم بمراكش إلى أن صام رمضان، وأقام سُنة عيد الفطر، ثم صار يهيئ الحركة للناحية الغربية. لتفقد الأحوال والنظر في مصالح الرعية. ثم في يوم الخميس الثانى عشر من قعدة الحرام عام أحد عشر وثلاثمائة وألف عقد لنجله البار المولى عبد العزيز على جيش لا يستهان به ووجهه أمامه خليفة لرباط الفتح. وفى يوم الاثنين الخامس عشر من الشهر بارح المترجم العاصمة المراكشية وسار إلى أن أدركته المنية بدار ولد زيدوح على ما سنشرحه بحول الله، وهذه آخر حركة للمترجم وفيها ختمت أنفاسه النفيسة رحمه الله. فكانت جميع حركاته منذ جلس على أريكة ملكه إلى أن لبى داعى مولاه تسع عشر حركة: الأولى: من مراكش إلى مكناس وفاس عام تسعين ومائتين وألف.

الثانية: عام واحد وتسعين من فاس إلى القبائل الريفية والقبض على الفتان بوعزة الهبرى. الثالثة: عام اثنين وتسعين من فاس ومكناس إلى مراكش الحمراء. الرابعة: عام ثلاثة وتسعين من مراكش على طريق المراسى إلى مكناس وفاس الخامسة: من فاس إلى تازة ووجدة وقبائل الريف أوائل عام أربعة وتسعين. السادسة: من فاس ومكناس إلى مراكش في آخر السنة نفسها. السابعة: عام ستة وتسعين من مراكش إلى مكناس وفاس. الثامنة: عام ثمانية وتسعين من فاس إلى مكناس ثم مراكش. التاسعة: عام تسعة وتسعين من مراكش إلى السوس الأقصى. العاشرة: عام ثلاثمائة وألف من مراكش إلى مكناس وفاس. الحادية عشرة: عام اثنين وثلاثمائة وألف من فاس ومكناس إلى مراكش. الثانية عشرة: عام ثلاثة من مراكش إلى سوس الأقصى. الثالثة عشرة: عام أربعة من مراكش إلى مكناس وفاس. الرابعة عشرة: عام خمسة من مكناس لغزو بنى مجيلد. الخامسة عشرة: عام ستة من فاس للثغور المغربية والقبائل الجبلية. السادسة عشرة: عام سبعة من فاس ومكناس إلى مراكش. السابعة عشرة: من مراكش إلى مكناس وفاس وذلك أواخر عام تسع مع أوائل المتصل به.

علائقة السياسية والسفارة الزبيدية للدول الأربع

الثامنة عشرة: أواخر عام عشرة وأوائل المتصل به من فاس إلى تافيلالت. التاسعة عشرة: أواخر عام أحد عشر من مراكش قاصدا مكناسة الزيتون وفاسا فحال المنون بينه وبين تمام مراده. ودوخ في هذه الحركات الأغوار والأنجاد لإصلاح أحوال الرعية. وإجرائها على الطرق المرضية. وحسم مواد الفق والأهوال. والجد والاجتهاد في استصلاح الأحوال. وبعث للعتاة السرايا والبعوث. من الأبطال والليوث. حتى وقع له التمكن بسطوة الله من نواصى الجميع. وحصلت الغلبة على القوى والوضيع. ولم يبق في إيالته قدس الله روحه من يحرك للعتو يدا. أو يعصى في أمر أبدا. وجبيت من الكل الجبايات واستوفيت حقوق وتباعات. وساد الأمن وعم. وحكمت الأقدار بالانعدام لكل ما قد تم. * * * علائقه السياسية السفارة الزبيدية للدول الأربع: - فرنسا وبلجيكا وإنكلترا وإيطاليا- غير خاف ما كانت عليه حالة السياسة الخارجية بهذه المملكة المغربية بعد حرب تطاوين وما نشأ عنها من تداخل سفراء الدول في القضايا والوقوف للمخزن في أوعر المسالك وأضيق المآزق، وتكثير الحمايات وتطاول المحميين على الحكام المخزنيين بأدنى علقة توصلهم لذلك، وتفاحش الأمر إلى أن وصلت الحالة إلى درجة كاد أن يتعذر معها تنفيذ أوامر المخزن في الرعية لعدم إمكان تعميمها بسبب الامتيازات المعبر عنها بالمصالح الأجنبية المخولة لهم بمقتضى الفصل التاسع والعاشر

من معاهدة عم المترجم مولانا العباس المنعقدة مع الإصبان، عقب الحرب المذكورة أيام والد المترجم السلطان سيدى محمد قدس الله أرواحهما. ولما جلس المترجم على أريكة الملك وكان مهتما بترقية مملكته وإدخال الإصلاحات والتنظيمات المناسبة للأحوال الوقتية، وعلم أن سياسات الامتيازات سد أمام وجهه، وعقدة لا تنحل ولا تنفتح معها أبواب مساعيه، بذل مجهوده بطريقة ودية في تحوير تلك المعاهدات، وتنقيح فصولها وخص عدد الحمايات ارتكابًا لأخف الضررين. وحيث رأى أن هذا الأمر لا يتم إلا بفتح المخابرة مع الدول ذات الأكثرية في المصالح التجارية إذ ذاك بالمغرب مثل فرنسا وإنكلترا وايطاليا وبلجيكا، وكانت هذه الدول هى التي سبقت غيرها بتوجيه سفرائها لتهنئته بالجلوس على سرير ملك أسلافه الكرام، اغتنم هذه الفرصة ووجه خديمه الأنصح السيد الحاج محمد الزبيدى سفيراً وباشا دورا لرد الزيارة لتلك الدول ورؤسائها، وأعطاه أموالا طائلة ليصيرها في وجهته، وهدايا فاخرة للعظماء الذين يلقاهم في رحلته، ووجه معه أمينا للصائر السيد بناصر غنام الرباطى، والفقيه الأديب الفلكى سيدى إدريس الجعايدى السلوى بصفة كونه كاتبا، وعددا من أعيان ووجهاء قواد الأراحى إظهارا للأبهة المخزنية، والضخامة السلطانية فتوجه أولا لدولة فرنسا. فركب من طنجة على متن باخرة حربية وجهتها الدولة المذكورة لنقله إلى مرسيليا فوصلها في سابع جمادى الأولى عام ثلاثة وتسعين ومائتين وألف، واحتفلت الحكومة المحلية هنالك باستقباله احتفالا باهراً وأكرمت وفادته، فتبرع على الجمعيات والملاجئ الخيرية هنالك بما راده اعتباراً في أعينهم وحظوة وكتب له حاكم المحل متشكرا من حسن صنيعه.

[صورة] بالوسط السفير الحاج محمد الزييد وعن يمينه أمين صائره السيد بناصر غنام الرياطى وعن يساره كاتبه سيدى إدريس الجعايدى السلاوى والوقوف من قواد الجيش

ثم كتب السفير المذكور إلى الحاجب السلطانى وقتئذ أبى عمران موسى بن أحمد، بشرح ما قوبل به في ثغر مرسيلية من الاعتبار والإجلال. فأجابه بما لفظه بعد الحمدلة والصلاة: "محبنا وخديم سيدنا الأعز الأنبه اللبيب السيد الحاج محمد الزبيدى، أمنك الله وسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا المنصور بالله. وبعد: فقد وصلنا كتابك، وعلمنا منه وصولك لمرسيلية، وما قوبلت به من الترحيب والتنويه والاعتناء في جميع الأحوال، حسبما شرحت، وأنك بصدد التوجه لباريس، وطالعنا سيدنا أعزه الله بمسطورك وصار على بال من جميع ما قررته. ونسأل الله أن يصحبك السعادة والتيسير وشددك ويلهمك الصواب في جميع الأقوال والأفعال، ولا تغيب عنا خبرًا بكل ما تجدد لديك، ومهما انتقلت من محل إلى محل آخر، أخبرنا بذلك ولابد والله يكون لنا ولك خير معين، والكتاب الشريف الذى تتوجه به لسلطانة الإنجليز ها هو يصلك على يد نائب سيدنا الخير السيد محمد بركاش، وكذلك كتاب الطليان وعلى المحبة والسلام في 27 جمادى الأولى عام 1293". ثم نهض السفير من مرسيليا وسار إلى باريز فاقتبله وزراء الدولة وكبراؤها بالمحطة هناك وأكرمت الحكومة وفادته ونزله. وفى صبيحة غد يوم حلوله بباريز قابل وزير خارجيتها وصرح له أن المقصود من سفارته هو تجديد عقود المحبة وتأكيدها مع الدولة الفخيمة ومجاراتها على الاعتناء بالجناب العالى بالله بتوجيه سفيرها المسيو "طيسو" لتهنئة جلالته

الكريمة بالجلوس على كرسى ملك سلفه الكريم، وتقرير ما عند مولانا نصره الله من الاعتناء بجانبهم، واعتبار حقوق المجاورة، ومسرته بما يتجدد من العلاقات التي تدل على دوام الألفة والمحبة، ثم طلب من الوزير تعيين وقت الملاقاة مع رئيس الجمهورية وهو يومئذ الماريشال مكماهون. ولما قابل الرئيس في الوقت المعين له ألقى بين يديه الخطبة التي كان متابطا لها وإليك نصها: أيها الرئيس المعظم. بعد إهداء ما تستحقه مرتبتك الفخيمة من التحية والتسليم اللائق بمقامك الفخيم، إننا قدمنا على حضرتك من سيدنا ومولانا أمير المؤمنين سلطان المغرب وجهنا نصره الله بقصد تجديد أسباب المودة وتكيد المحبة التي كانت بين أسلافه الكرام وبين دولتكم الفخيمة التي لا تزال بحول الله في ازدياد وتأكيد، ونعلمك أنه أيده الله مسرور بهذه المحبة الجديدة التي تكدت بها المحبة القديمة، وأنه لا زال يحرص على ما يزيدها ويتحافظ على ما يديمها ويراعى حق الجوار، ونجازيكم على لسانه على ما صدر منكم من الاعتناء بجانبه العالى بالله بتوجيه سفيركم المسيو "طيسو" لتهتئته بالجلوس على سرير ملك أسلافه الكرام وسبقيتكم لذلك، لأنه أدل دليل على رسوخ. محبتكم وكامل اعتنائكم وها كتابه نصره الله لكم في ذلك. وناوله الكتاب الشريف وإليك نصه: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، من عبد الله المتوكل على الله المفوض أمره إلى الله أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين بالمغرب الأقصى

[صورة] كتاب السلطان مولاى الحسن لرئيس جمهورية فرنسا فى السفارة الزبيدية

وهو الحسن بن محمد بن عبد الرحمن بن هشام، الله وليه أبد الله نصره. وزين بالمحاسن عصره. إلى المحب المعظم الأمير المحترم كبير جمهورية دولة الفرنصيص الفخيمة الرئيس المعتبر "مكماهون". أما بعد: فموجبه تجديد أسباب المحبة التي لا تزال تزيد غلى مرور الأيام تأكيدا. وإحكام عقد المحبة الذى يبقى ثوبه مع الأبد جديدا. ويحلى بحسن التواصل مفرقا وجيدا. ولأجل ذلك أوفدنا إليكم حامله خديمنا الأرْضَى الحاج محمد الزبيدى سفيرًا إليكم ومبلغا ما تقتضيه أمارة المودة لديكم، وانتخبناه من أخص خدامنا وكبراء حاشيتنا لما حاز من التقدم والنصيحة في الخدمة مع مولانا الجد وسيدنا الوالد قدس الله ضريحهما العزيزين ليقرر لكم مشافهة ما عندنا من المحبة مع دولتكم التي اقتفينا فيها أثر كرام الأسلاف، وما نحرص عليه من المحافظة على العهود التي بها يدوم حسن المواصلة وجميل الائتلاف، ويجازيكم نيابة عن جانبنا العالى بالله بلسان الخير والثناء، على ما صدر منكم من البرور والمبالغة في الاعتناء، وأمارة الصدق في الوداد، التي زادتنا في جانبكم حسن الاعتقاد، بتوجيهكم سفيركم المعتبر المنسطر "طيسو" سابقا، وما شاهدناه من الرعاية في معاملتكم لاحقا، مما ملأ الصدور انشراحا، وأبدى في وجوه الأمالى نجاحا. فالمحقق عندنا إن شاء الله أن تقابلوه ومن معه بما عودتم المرة بعد المرة، من الاعتناء والقبول والمبرة، وتصدقوه فيما يذكره لكم من المصالح التي تعود بالخير على الإيالتين، وتؤدى إلى تمام الراحة بين الدولتين، وتنظروا فيها بعين الإنصاف، وتجروها على أكمل الأوصاف، حتى يرجع مقضى الأوطار مثنيا على جنابكم بحميد الإيثار. فإن المحبة تقتضى تسهيل ما بين الدولتين وتيسيره. وتؤذن بكمال التوافق وحسن السيرة. ودمتم كما تحبون ممتعين بين الأجناس بموجبات التهنئة.

مقابلين بما يصلح بكم في الإسرار والعلانية، وبه ختم في 27 ذى القعدة الحرام عام 1292". ثم استرسل السفير المذكور في خطبته قائلا: ونحن نشكر بلسان دولتنا المعظمة الاعتناء الذى قابلنا به أهل الدولة في طريقنا وكبراء المركب الذى أقلنا لبلادكم الزاهرة، ونرجو أن نرجع من حضرتكم بما يزيد هاتين الدولتين رسوخا، ولعلاماتها وضوحا، ونؤمل من حضرة الرئيس أن يوصى من يعينه للمفاوضة معنا في الأمور التي اقتضت المحبة الكلام فيها بما يعود بالنفع على الجانبين العظيمين بأن يعطينا وجه الاعتناء في مباشرتها، ويسهل طريق البلوغ إلى رفع الضرر الحاصل فيها. فأجاب الرئيس مكماهون على خطاب السفير بما نصه: سعادة السفير الأفخم: قد حصل لنا كمال السرور وغاية المحظوظية بمجيئكم سفيرا للسلطان الأعظم الأفخم سلطان ممالك المغرب الأقصى. فمنذ جلوس الحضرة العالية الشريفة في تخت أسلافه الكرام صدرت براهين عديدة من المودة والمؤالفة الكائنة بين الدولتين الفخيمتين، وقد انشرح صدرنا بتأمينات تشييد الروابط للمحبة. فالمرجو من سعادة السفير أن يعتبر اقتبال بلدنا وفرحها به دليلا مبينا لمحبتنا في الحضرة الشريفة، واعتبارنا لذاته العالية كما أرجو أن يكون احترامنا لذاتكم السامية وأخلاقكم الحميدة يروق لديكم، وتجعلونه أقوى دليل لتسهيل مأموريتكم بما يعود بالمنفعة على الدولتين الفخيمتين وتبلغوا اعتناء بلادنا بكم للجلالة الشريفة لتتحقق بذلك. ثم بعد ذلك دعوا للضيافة والإكرام بقصر رئيس الجمهورية وفق العادة المقررة في سائر الحفلات.

[صورة] كتاب من وزير خارجية فرنسا للسفير الزبيدي

والمقرر في الضيافات التي تقام للسفارات المغربية بسائر الممالك الأروبية غداء أو عشاء، أن تكون بالقصر الملوكى ويحضرها الملك والملكة أنفسهما، ثم يقوم احتفال بضيافة ثانية في وزارة الخارجية ثم في البلدية، وعلى هذا جرى العمل في دول أوروبا ما عدا مملكة الإنجليز، فإن المقرر عندها بعد الاحتفال بضيافة الملك ووزير الخارجية أن يقوم بالضيافة رئيس الوزراء ووزير البحرية. ثم إن دولة فرنسا بعد انتهاء ضيافاتها عينت وزير الأمور الخارجية المسيو "دوك دكاز" للمفاوضة مع السفير المذكور فتفاوضا بكل حفاوة ولطف في المسائل الهمة من السفارة وبعد الفراغ من تمهيد الطرق الموصلة للوفاق، كتب السفير لوزير أمور الخارجية بما نص المقصود منه: "حضرة الوجيه الأفخم وزير الأمور الخارجية للدولة الفرنسوية المسيو دوك دكاز، بعد إهداء ما يليق بجنابكم من التحية والتكريم، فالباعث عليه إعلام حضرتكم أننا أردنا التوجه إلى مملكة البلجيك في يوم الاثنين القابل، ومنها لمملكة اكريت بريطن لأداء ما أنا مأمور به من الحضرة الشريفة جلالة سيدنا دام عزه ونصره، وأعلمت جنابكم لتكونوا على بال على العادة في ذلك وعند رجوعنا في قريب إن شاء الله، نرجو منكم المقابلة لتتميم المذاكرة كما نرجو منكم المقابلة مع رئيس الجمهورية الأفخم للوداع، ودمتم مسرورين، وختم في 30 جمادى الأولى عام 1293 خديم المقام العالى بالله محمد الزبيدى وفقه الله". فأجابه الوزير المذكور بما نصه: "سعادة الباشدور الأفخم سفير الدولة الشريفة بالمغرب الأقصى، وخديم سدة جلالة سلطانه الأعظم السيد الحاج محمد الزبيدى، قد تشرفت بوصول كتابكم إعلاما بعزمكم على السفر لمملكة البلجيك الفخيمة ومنها لمملكة اكريت بريطن ويكون رجوعكم منها لبلادنا لتتميم الأشغال المنوطة بمأموريتكم، فليعلم جنابكم أن الدولة هيأت لكم قطارا خاصا وعربة تليق بمقامكم السامى لتسافروا

فيها في التاريخ المذكور ويرافقكم إلى حدود البلجيك خليفة وزير الخارجية والترجمان، وأرجو لكم سفرا سعيدا كما نرجو من جنابكم أن تعلمنا قبل نهوضكم من مملكة اكريت بريطن بثلاثة أيام بطريق السلك ليهيا لكم البابور الخاص بكم بمدينة كالى وتفضلوا بقبول مزيد الاحترام لشخصكم المعظم". ودفع السفير لفقراء باريس عشرة آلاف فرنك حسبما جاء في كتاب الشكر الذى وجهته له الحكومة على ذلك وهو: "باريس في 25 جوان 1876 سعادة السفير المحترم لقد تفضلتم سعادتكم فأبلغتمونى بواسطة الكاتب الثانى بسفارة جلالة سلطان المغرب جملة عشرة آلاف فرنك برسم توزيعها على فقراء العاصمة. وطبقا لرغبتكم بإرسال المبلغ المذكور إلى عامل مقاطعة لاسين مشيرا عليها بتوزيعه على مختلف ملاجئ الإحسان في باريس. وسأكون قد تقدمت عن إدارة مقاطعة لاسين عندما أعرب لسعادتكم عن ممنونية الحكومة مما منحتموه لديار الإحسان ولكم يا سعادة السفير كل الاحترام والاعتبار الإمضاء: ... "اليك قائمة ما تبرعت به السفارة منذ خروجها من طنجة: فلرئيس المركب الحربى المقل للسفارة من طنجة إلى مرسيليا ليفرقه على البحارة بها فرنك 5000 ولأصحاب الموسيقى عند النزول بمرسيليا 1000

ولأصحاب حاكم مرسيليا عند زيارة السفير له 600 لضعفاء مرسيليا 5000 وللخدمة بمحل النزول 1000 وللعسكر الملازم للسفارة بمرسيليا 500 وللموسيقى عند الوصول لباريز 1000 ولأصحاب العربات الملازمة للسفارة من قبل الحكومة 1000 وللمكلفين بخيل الهدية 1000 وللخدمة بوم ضيافة السفارة بدار رئيس الجمهورية 2000 وللبوابة 1000 ولضعفاء باريس 10000 ولأصحاب وزير الخارجية 2000 ولعسة العسكر المكلفين بالسفارة بباريس 1000 وللخدمة المقابلين للسفارة بمحل النزول 2000 ثم في يوم الاثنين المذكور توجهت السفارة المذكورة في المراكب الخصوصية المذكورة صحبة الرفيق في كتاب الوزير المذكور لمملكة بلجيكا. ولما وصل المركب وجد خليفة وزير الأمور الخارجية للدولة البلجيكية وعددا من الذوات وحاكم المقاطعة وفرقة من العسكر ورجال الموسيقى تحت قيادة الجنرال الحاكم العسكرى لتلك المقاطعة في انتظار السفارة هناك، وبعد وداع السفارة هناك لمشيعيها الفرنسيين نزلت من القطار فأدت العساكر البلجيكية التحية بعد ما رفع العلم المخزنى المغربى وأطلقت الطلقات المدفعية.

ثم تقدم الكبراء للسلام على السفير، وأظهروا من الفرح والبشاشة والترحيب ما يستدل به على ما لهم من الاعتناء بجانب مرسله إليهم سلطان المغرب الأقصى، فقابلهم السفير بما يقتضيه المقام. ثم ركبت السفارة في القطار المعد لها وتوجهت لعاصمة البلجيك (بروكسيل) وبعد مسير ساعة ونصف وصلت إليها فوجدت المحطة على أروع ما يكون من الزينة وبديع التنسيق، والأعلام المغربية والبلجيكية ترفرف وعددا وافرًا من العساكر خيالة ومشاة ووزير الخارجية والقائد العسكرى، وجما غفيرًا من وجهاء الدولة وذوى الحيثيات واقفين بها في انتظار ورود السفارة اعتبارا لشأنها وأداء لواجب تحيتها. وبعد تقديم مراسم السلام بين الجانبين ركب وزير الخارجية والسفير في عربة خصوصية وأعضاء السفارة في عربة أخرى أعدت لهم وساروا في موكب مدهش إلى محل النزول الذى كان اُد لهم، ثم ودعهم الوزير ورجع. وما استقر بهم المجلس حتى أتى إليهم رئيس التشريفات للسلام على السفير بحسب النيابة عن الملك، ثم استفهمه عن تعيين وقت رد الزيارة للوزارة الخارجية، فعين له الساعة العاشرة من يوم الأربعاء ثالث يوم وصولهم. وفى الوقت المعين وقع اقتبال وزير الخارجية للسفير بكل حفاوة وإجلال هش وبش، وأظهر من العواطف والإحساسات ما لا مزيد عليه. وفى عشية اليوم نفسه رد الوزير للسفير الزيارة وأعلمه بان اقتبال الملك والملكة له يكون على الساعة الثانية بعد الزوال من غده الذى هو يوم الخميس، وطلب منه نسخة من الخطبة التي سيلقيها أمام الملك ليهيئ جوابها طبق المتعارف في ذلك فدفعها له. ونص كتاب الإعلام بتعيين وقت الاقتبال الملوكى:

"وزارة الخارجية عدد 4469 بروكسيل 29 يوليوز 1876 سيدى السفير المحترم أتشرف بإعلامكم أن جلالة الملك وجلالة الملكة يقتبلانكم في قصر بروكسيل على الساعة الثالثة من هذا اليوم. وسيتوجه حرس القصر إلى سفارتكم بقصد مرافقتكم ومن معكم من الكتاب والضباط الملحقين بالبعثة ذهابا وإيابا. وإنى لأغتنم هذه المناسبة فأحقق لسعادتكم من جديد عبارات الاحترام. ولما كان الوقت المعين انعقدت حفلة رسمية وقابل الملك السفير بمزيد اعتبار واعتناء وإجلال ثم ألقى السفير خطبته أمام الملك وإليك نصها: أيها السلطان المعظم المحترم: بعد إهداء ما يجب لمرتبتك الفخيمة من التحية والتسليم فإننى أمرت من جلالة سلطان المغرب مولانا الحسن دام عزه ونصره بالوصول إلى حضرتك الفخيمة السامية، بقصد تجديد أسباب المحبة التي كانت بين أسلافه الكرام وبين دولتكم المعظمة التي لا تزال في ازدياد وتأكيد، وشكركم على لسانه أيده الله على ما صدر منكم من الاعتناء بتوسط نائبكم المسيو (لرنسط دولوان) في شأن المتعلمين وغيرهم، فإن ذلك أقوى دليل على رسوخ المحبة وتكيدها، ونحن نجدد لمقامكم الأفخم المجازاة ونشكر بلسان دولتنا الاعتناء الذى قابلنا به أهل دولتكم الفخيمة في طريقنا، وإنى لمسرور جدا بتبليغ كلام جلالة سلطاننا المنصور بالله لفخامتكم مشافهة وخصوصا حيث أسعدنى الحظ بأداء التحية والسلام الخصوصى لجلالة الملكة المعظمة التي افتخر بها عصرها وازدهرت بها دولتها، وأرجو من سموكم

[صورة] وزارة خارجية بلجيكا بتعيين وقت مقابلة الملك للسفير

الإذن لمن تختارونه للمخابرة معنا فيما يعود بالمصلحة على الدولتين العظيمتين اللتين نؤمل تمتين علائقهما الودادية. ثم دفع الكتاب السلطانى. ثم بعد الضيافة بالقصر الملوكى الفاخر اقتبل السفارة دوق ودوقية افلاندر من مقطعات البلجيك وإليك نص الإعلام الموجه من وزارة الخارجية بذلك: وزارة الخارجية عدد 4469 بروكسيل 30 جوان 1867 سيدى السفير نتشرف فنخبركم بان صاحبى السمو دوق ودوقية أبلاندر يقتبلانكم ومن بمعيتكم من كتاب السفارة والضباط التابعين للبعثة في نفس هذا اليوم على الساعة الواحدة ونصف. ولكم يا سعادة السفير أجدد عبارات الاعتبار الزائد. الكاتب العام ... ثم شرع في أشغال مأموريته مع وزير الخارجية حتى تممها على أحسن ما يرام، وقد زار في تلك المدة معامل السلاح وحقق ودقق، ثم طير الإعلام للجناب السلطانى بجميع ما شاهده واستحسنه، وطير الإعلام بذلك للحاجب السلطانى، وإليك نص ما أجيب به من حاجب الجلالة المسمى بعد الحمدلة والصلاة: "محبنا الأعز الأرْضَى. الأمين الضابط المُرْتَضَى. الباشدور النبيه الأحظى. السيد الحاج محمد الزبيدى حفظك الله وسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله. وبعد: فقد وصلتنا مكاتبك 3 المؤرخ ثالثها بأواخر 20 جمادى 2 مخبرا فيها بمدة مقامك ببلاد البلجيك وشارحا ما قابلك به رؤساؤها من تمام الفرح

والضيافات، ومن حضرها وبمزيد الاعتناء والبرور، وما أطلعوك عليه من الفبريكات الهائلة التي وصفتها وأروكه من أنواع آلات الحرب وأشكالها مدافع ومكاحل على نحو ما وصفته. وعرفنا منه يوم سفرك من بلجيكة صحبة من سميت من أعيانها واصلا للوندريز، وما تلقاك به كبراء الدولة الإنجليزية من الفرح والسرور والمراعاة، وإنك تلاقيت هناك مع باشدور الطليان وألح عليك بتعجيل السفر لدولتهم لما عزم عليه عظيمهم من الخروج للصيد، وعلمنا ما دار بينك وبينه أولا وثانيا واعتذرت له وما انفصلت به معه من القدوم لإيطاليا في أول شهر غشت بعد نهوضك من اللوندريز ومرورك بباريز، وأشرت بتعجيل توجيه ما كتبت على زيادته هدية لوزير أمور البرانية ومن معه وصار بالبال جميع ما سطرته في المكاتب الثلاثة، وأطلعنا عليها سيدنا أيده الله واستوعبتها سيادته قراءة وفهما، وصار مضمنها بباله الشريف ودعا لك نصره الله بخير. وقال دامت سعادته: فهلا وجهت مكحلة من كل عينة من العينات المحدثات التي لم تصل للمغرب ولا جلبها أحد للآن لا من التي وصلت للمغرب منها كالمعمرة من وراء فلا. وعليه فإن أمكنك أن تصحب معك عينات من المعدة المعتبرة الجديدة المحدثة التي لم تصل للمغرب فافعل إن تيسر لك تدارك الإتيان بها، وببيان ثمنها وقد استحسن سيدنا أيده الله مدفع الجر الصغير الخفيف ذا العمائر والذى نبهت عليه، وقال أيده الله: لابد من بيان ثمنه أى المدفع الصغير الذى تحمله بغلة واحدة فتحقق لنا ثمنه، وبين لنا كيفية السريجة التي يحمل عليها، ولا بد حينئذ يظهر لسيادته ما يحتاج لجلبه منه. وقد كتبنا عن أمره الشريف للمحب السيد محمد بركاش ليتكلم مع نائب البلجيك في ذلك.

وأما المسائل التي تزاد في هدية الوزير الفرنصيصى فقد تقدم الكتب لأخينا الأرْضَى سيدى عبد الله بن أحمد بالتعجيل بتدارك توجيهها لكم هى وهدية الإنجليز، وها نحن حددنا له الكتب وأكدنا عليه في التعجيل بتوجيه ذلك عزما، هذا وقد سررنا بسلامتك وما قوبلت به من التيسير والإعانة، نطلب الله أن يقضى بكم غرض سيدنا الشريف ويصحبك الفتح والسلامة، في كل ظعن وإقامة. ويردك بخير وعافية مقضى الأغراض مبلغ المراد آمين، ولا تغيب عنا خبرا وعلى المحبة والسلام في 26 من رجب الفرد عام 1293 موسى بن أحمد لطف الله به". وفى أثناء مقامه ببروكسيل تبرع على فقرائها بخمسة آلاف فرنك ونص شكر الحكومة له على ذلك: وزارة الخارجية بروكسيل 11 جوليت 1876 سعادة السفير: لقد ناولنى الكاتب الثانى بالسفارة مجموع الخمسة آلاف فرنك التي تبرعتم بها على مختلف ملاجئ الإحسان بالعاصمة. وقد بادرت بإبلاغ هذا المبلغ إلى رئيس البلدية الذى أعرب لكم عن تشكراته في الرسالة الموجهة إليكم صحبة هذه. ولقد تأثر جلالة مولاى الملك وحكومته من صنيعكم المبرور ولا شك أن ذلك مما يخلد تذكار المهمة التي أديتموها في هذه الديار بغاية المقدرة والكفاءة. وبهذه المناسبة أدعو لكم يا سعادة السفير بيمن السفر وأجدد لكم عواطف الاعتبار. وزير الخارجية لدى جلالة ملك بلجيكا وإليك قائمة ما تبرع به في بلاد بلجيكا:

[صورة] من وزير بلجيكا للسفير الزبيدي

فلأصحاب الموسيقى عند الوصول 1000 ولأصحاب العربات الملازمة للسفارة من قبل الحكومة وللخدمة يوم الضيافة بدار السلطان 1500 وللبوابة 1000 ولضعفاء البلجيك 5000 ولأصحاب وزير الخارجية 15000 وللعسكر المنفذ للسفارةِ 1000 وفى صدقة لضعفاء مدينة الياج 1000 وياتبريس 1000 وبمدينة اوستاند 1000 ج وللخدمة بمحلات النزول بمدن بلجيكا 2000 ولرئيس البابور الذى أقل السفارة من بلجيكا إلى إنكلترا ليفرقه على خدمة المركب 2000 ثم قابل السفير ثانية وودعه ونهض من بلجيكا في بابور خاص ورافقه نائب وزير الخارجية والترجمان بقصد تشييعه إلى اللندريز. ولما ودعه ونزل من البحر وجد وزير الأمور الخارجية وولد باشادور طنجة حينه والجنرال حاكم الناحية والعسكر والموسيقى في اقتباله وعددا من الذوات واقتبلوا السفير أحسن مقابلة وبالغوا في الترحيب وإظهار الفرح والإجلال وبعد مبادلة السلام وواجبات التحية توجه السفير بمن بمعيته للمحل المعد لنزولهم. وبعد يومين من يوم حلولهم باللندريز عينت الملكة الإنجليزية فيكتوريا وقت الملاقاة بواسطة رئيس التشريفات الذى ناب عنها في تهنئة السفير بالقدوم عقب نزوله ونص كتاب الإعلام بذلك الذى كتبه اللورد دربى الشهير وزير الخارجية البريطانية يومئذ:

[صورة] الإعلام للسفير بوقت مقابلته لملكة إنجلترا

"يقدم اللورد دربى احتراماته إلى السيد الحاج محمد الزبدى ويخبر سعادته بأن جلالة الملكة سوف تقابله في (اوسبون) يوم الخميس المقبل يوم 27 من الشهر الجارى. وقبل أن يغتنم اللورد دربى فرصة ترك سموكم فإن له الشرف بأنه سوف يخبركم بأوقات القطار الذى يترك لندن قبل وقت المقابلة المعين دائرة الأعمال الخارجية 25 يوليو 1876". ولما حظى باستقبالها بالغت في الهش والبش وإظهار العواطف الحسنة والمجاملة التامة ثم أكرمت السفارة إكراما زائدا في الأبهة والاعتناء والاعتبار. ثم كتب للورد دربى بقائمة الهدايا التي أمر بتقديمها للملكة حسبما جاء في الرد الذى بعثه له عليها ونصه: "وزارة الخارجية 3 غشت 1876. سيدى السفير: لى الشرف بان أعلم سموكم باستلام مذكرتكم المؤرخة ب 28 من الشهر الماضى التي فيها قائمة الهدايا المقدمة من جلالة سلطان المغرب إلى جلالة الملكة وأتشرف أيضا بإخباركم بأنى لم أتمكن إلى الآن من عرض ذلك على جلالتها. أرجوكم أن تتقبلوا فائق احتراماتى يا سيدى السفير: مطيع سموكم وخادمكم المخلص: لورد دربى" وهذه نسخة من قائمة الهدايا التي أمر صاحب الترجمة بصنعها بفاس لتوجه إلى ملكة الإنجليز.

"أوله رسون من الحرير مطررة بالصقلى والحرير المذهب بين حمصى 4 وأخضر 4 وبنفسجى 4 الجميع 12 وجلالات في غاية الجودة عدد 12 وحياك قنطرى وبلهوان حرير 4 وكساوى من أوراق ساهل أربعة كل واحدة منها في لون وواحدة منها تكون مثقلة بالصقلى وتعرف بالصمة 4 وتغاطى من الزردخان أربعة كل واحدة منها في لون وفى أطرافها قضيب مثل السلتة والترييش بالصقلى 4 من الشرابل 6 من الموبر على ألوان و 6 من الجلد و 6 من الطلس 18 ومطرز بالصقلى 18 ومن اسطارم ستة من الموبر وستة من الطلس وستة من الجلد والجميع 18 على ألوان ومطرز بالصقلى 18 ومن شكاير البارود على نحو عمل الريف مطروزة بالصقلى على ألوان 12 ومن مرافع خشب الصنوبر الجيدة تكون مخرمة ومزوقة في كاية الجودة على ثلاثة أنواع، نعم ستة منها يكون طولها من ستة أشبار، وستة منها تكون طولها من أربعة أشبار والصنعة مختلفة الجميع 12 ومن رشاقات خشب الصنوبر التي تحمل عليها المكاحيل اثنا عشر زوجة مخرمة ومزوقة جيدة 12 ومن طبالى الخشب الصنوبرى التي توضع عليها صوانى الاتاى تكون مثمنة الشكل وبالأرجل على نحو عمل اشاون 12

[صورة] كتاب من وزير خارجية إنجلترا للسفير الزبيدى

ومن شقق الملسة الرفيعة ستة مطروزة بالتل عمل فاس متفاوتة في الطرز إلا واحدة منها مثقلة 6 ومن صوانى الصفر عمل فاس اثنا عشر أربعة منها نمر 1 وأربعة نمر 2 وأربعة نمر 3 12 واثنا عشر كمية عمل سوس تكون مجبرة بالفضة على ثلاث عينات الجميع 12 ومثلها من السبائل عمل الريف مجبرة بالفضة على ثلاث عينات الجميع 12 ومن السفارى المطرورة اثنا عشر أربعة مطرورة بالصقلى وأربعة بالحرير وأربعة من الجلد 12 ومنه تقييد الحوائج التي بزيادتهم: سفارة ثلاثة موبر مطروزة 3 سطارم أربعة 4 حزوم بالصقلى 3 حياك أربعة بالحرير 4 مسخرات أربعة مطروزين 4 سبانى أربعة بالصقلى 4 الحمد لله وحده أخانا الفقيه الأعز الأرضى، سيدى موسى بن سيدى أحمد رعاك الله وسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله.

وبعد: فما قيد أعلاه هو زمام الهدايا الثلاث التي أمر سيدنا أعزه الله بصنعها لتطلع عليه، وتعرف تفصيله غير أن المعلمين ذكروا أنهم إن صنعوا ذلك بأجمعه ربما يستغنى عن بعضه، فيبقى بيدهم كاسدا لا يجدون مشتريا له منهم لعدم صلاحيته هنا، وعليه فإن كان المراد صنع الجميع من غير أن يرد لهم شئ فيعتمدون على ذلك، وإن كان المراد صنع البعض مختارا من ذلك فليبين المراد لهم حتى تطمئن نفوسهم فيما يقدمون على صنعه: عبد الله بن أحمد لطف الله به" أما قائمة ما يتوجه من التحفة لكل الأجناس فهذا بيانه: فلكبير الدولة: جلالة عدد 10 ثم رسون 10 ثم سروج بإقامتها 2 ثم سفارى موبر 4 ثم سطارم موبر مطروزة 6 ثم كلساوى حريرا 6 ثم حياك بولهوان 6 ثم رواحى 6 موبر مطرورة وبابوجات 6 12 ثم حزم 3 رردخان 3 جزيرية 6 ثم زرابى كبار عمل الرباط 6

[صورة] كتاب من وزير إنجلترا للسفير الزبيدى

[صورة] توصيل وزير خارجية إنجلترا من السفير بابرات 600

وللوردر الكبير: سفارى موبر 2 ثم سطارم موبر مطرورة 2 ثم رواحى 3 وبابوجات 3 موبر مطروزة 6 ثم حياك بولهوان 2 ثم كساوى من حرير 2 ثم حزام 1 رردخان وآخر 1 جزيرية 2 ولوردر الأمور البرانية: سفارى موبر 2 ثم سطارم موبر مطرورة 2 ثم رواحى 3 موبر مطرورة وبابوجات 3 6 ثم حياك بولهوان 2 ثم كساوى حريرا 2 ثم حزم 1 رردخان وآخر 1 جزيرية 2 ثم زرابى كبار عمل الرباط 2 ثم تبرع السفير بقدر يوزع على المستشفيات كما بالتوصيل الذى بعثه إليه نائب كاتب الدولة بوزارة الخارجية والشكر الذى أرسله إليه اللورد دربى وزيرها ونصهما: "توصلت من سعادة السفير بما قدره 600 ليرة تصرف في سبيل المستشفيات.

بالنيابة عن كاتب الدولة بوزارة الأمور الخارجية لجلالة الملكة: ... وزارة الخارجية في غشت 1876" "الوزارة الخارجية الإنجليزية في 3 غشت 1876 سعادة السفير: أخبر سعادتكم بأننى تشرفت بكتابكم المؤرخ في الثانى من الشهر الجارى، معلما فيه أنكم قد وجهتم على يد الكاتب الثانى بسفارتكم ما قدره 600 ليرة إنعاما على العميان الفقراء الذين يعالجون بالمستشفيات المبنية بمرقومكم، كما أتشرف بأن أذكر لكم ما حصل لى من الفرح والسرور بتبليغ ذلك الإنعام إلى مختلف المستشفيات وفق مرغوبكم وأنا أيها السفير خديمكم المتواضع. الإمضاء: دربى" وإليك قائمة ما تبرع به السفير في بلاد الإنجليز: خدمة أوطيل الدوفر ابرات 10 أصحاب الموسيقى بالدوفر 15 ولرئيس البابور بالجزيرة 40 أصحاب العربات المنفذة للسيارة 30 للخدمة بدار السلطانة يوم الضيافة 75 وللبوابة 20 للخدمة بدار وزير الخارجية 60 ولضعفاء اللندريز 600

وللخدمة بمدينة وينزة بالقصر السلطاني 20 ولأصحاب المدافع يوم زيارة السفير المناورة المدفعية المعدة له 20 ولخدمة محل النزول باللندريز 40 وللعسكر المنفذ للسفارة 20 ولبحارة المركب المقل للسفارة من إنكلترا لفرنسا 50 وفى هذه الأثناء قدمت جماعة اليهود ببلاد الإنجليز مطالبها إلى السفير لرفعها لجلالة مرسله، وإليك نص كتابها بعجره وبجره وأصله بخط مشرقى: "نميقة الوداد القلبية وإقبال التهنيات الزهية بالسعادات البهية والاحترامات السنية تعرض على حضرة سعادة ذو القدر صاحب درجة العلية السيد الحاج محمد زبدى المحترم بشدور دولة عظمة جلالة سيدنا السلطان حاكم في جميع بلاد الغربية دام مصون بعناية بارى البرية من وكلا عصبة طائفة الإسرائيلية في سائر بلاد الإنكليزية. غب إهدا أذكى التحيات بالإكرام وفرط الدعا المستجاب المستدام وسؤال شريف الخاطر العاطر ولطف المزاج السليم الباهر مع تقديم ما وجب ولاق إلى ذاك الذات بديع الصفات الذى حار على رتبة العالية ونال مستاهلا ثقة مولاه عظمة جلالة سيدنا السلطان ولهفة جميع الأهالى، نعرض لحضرة سعادتكم بأن عصبتنا المذكورة جل قصدها والمرام تعديل وتصليح بكل نوع لائق ومستقيم أحوال إخواننا الإسرائليين الموجودين في سائر بلدان الدنيا، وهذا القصد تم غالبا بفتح مدارس علومية لأجل تنوير شباب إسرائيل، ومنذ ثلاثة سنين تشرفنا بتقديم واجباتنا لعظمة جلالة سيدنا السلطان حين جلوسه على كرسى المملكة، وترونا للآن ممنونين من الوعد الكريم الذى عظمة جلالته تفضل علينا به مع إصدارنا الجواب

وهو ما يخص تحسين أحوال رعاياه الإسرائليين، وذلك الوعد تكرار فرمان الشريف الذى صدر من عظمة جلالة السلطان والده رحمه الله وعطى إلى سير موسى مونتفيورى في سنة 1864، فاستنادا على مداومة هذه الأفكار العادلة نرجو من إفضال سعادتكم أن تكرموا بلطف المناظرة على الملاحظات الآتى شرحها وتوصلوها إلى عظمة جلالة سيدنا السلطان حيث خواصها جوهرى لجميع الذين يرحموا المخلوقات. أولا: نرجو حسن إجادة وترفق بحال إخواننا الإسرائليين الذين في آزمور، حيث على ما بلغنا من تقارير عمده من بعض السواحين بان إخواننا المذكورين مجبورين يمشوا حافين حتى بالشتا في رقاق مليانان حصى مسنونات وذو حد، وذلك بموجب أمر حاكم المكان الذى يدعى على ما يقولوا بان ذلك تتميم أوامر رؤوساه. ثانيا: نتوسل من حضرة سعادتكم بأن حكم الغرب من كرمه يأمر بالتنبيه في كل مدة من الزمان في جميع أماكن الذى فيهم أهالى من ملل مختلفة، بأنّ هولاى الذين يتبعوا ديانة الغالبة لا يزالون يعاملوا باقى الملل في كل فرصة بالاحتمال التام، وأن والين الأماكن حينما يحافظون على أمنية كل ملة وملة يجملوا إليهما إخواننا الإسرائليين (¬1). ثالثا: نستغنم هذه الفرصة الجيدة لندير عالى أنظار حضرة سعادتكم على المنافع العديدة التي تنتج لإخواننا في الصويرة إذا محلتين الملاح غير كافيتين لراحة سكنهما اتسعتا حيث تراكم السكان بزيادة في بيوت هل قدر مضيقة غير نضيفة وغير هاوية قطعا يحصل من ذلك أمراض وبلايا لا تصف من كل جنس عرفى وطبيعى. فبتقديمنا لحضرة سعادتكم الملاحظات المذكورة عندنا يقينا أن بذلك نكرر ¬

_ (¬1) حافظنا على النص كما ورد في الأصل.

فقط أرباب السخى والكرم الذى حضرة سعادتكم تشتهوا قلبيا أكثر من كل مخلوق أمنية الأهالى ومحبتها لبعضها البعض ونجاح جميع بلاد الغرب. تحريرا في 25 شهر تمورغ سنة 1876 نحن لشريف حضرة سعادتكم متواضعين. رايس متولى مجلس عصبة الإسرايلية في ساير بلاد الإنكليزية رايس متولى تانى رايس المالية رايس نظارة الشورة ناظر مصالح الأدبية ناظر مصالح المالية ناظر إدارة الكتبة محل إدارة كتبة الوصية" بلفظه ثم وقع الشروع من السفير في الذاكرة مع الوزير المعين لذلك وهذا كتاب من وزارة الخارجية الإنجليزية يشرح بعض ما جرى من المفاوضات: "الوزارة الخارجية عاصمة إنكلترا 8 غشت 1876 يا جناب السفير إن حكومة جلالة ملكة إنكلترا قد أحلت محل الاعتبار رسالتكم المؤرخة ب 18 الجارى فيما يخص حماية الحكومات الأجنبية لجملة المغاربة القائمين بوظائف السمسرة أو النيابة لدى التجار الأجانب.

[صورة] كتاب من وزير خارجية إنجلترا للسفير الزبيدى

وردا على رسالتكم المشار إليها، أشعر سعادتكم بأن حكومة جلالة الملك ليست لها رغبة في بسط هذه الحماية على المغاربة إلا بمقتضى نصوص الفصل الثالث من الاتفاقية المبرمة بين أبرطانيا العظمى والمغرب في تاريخ 9 دجانبر 1856، وبمقتضى الفصل الرابع من الاتفاق التجارى والبحرى الصادر في نفس التاريخ المذكور. وليس في رغبة حكومة جلالة ملكة إنكلترة تغيير الاتفاقات المبرمة طبقا لهذا الفصل الأخير لتسهل على التجار الإنكليز القيام بأعمالهم داخل الأيالة المغربية، ومما تعتقده الحكومة أيضا أن سفير جلالة ملك إنكلترة في المغرب لم يقدم قط على إيثار السماسرة أو النواب التجار في الداخلية. فالحكومة والحالة هذه لا تستطيع أن تبخس التجار الإنكليز شيئا من الامتيازات التجارية الممنوحة لسواهم من التجار الأجانب. وبالرغم عن هذا كله فإذا وفقت الحكومة المغربية إلى أن تعقد مع أية دولة اتفاقا يكون أفضل لها من الأول، فإن حكومة جلالة ملك إنكلترا تنيله اعتبارا صحيحا حتى تتوصل حسب الإمكان على تلبية رغبات جلالة ملك المغرب. وإنى أنتهز هذه الفرصة لأعبر لسعادتكم عما حصل لجلالة الملكة ولحكومتها من الارتياح لمأموريتكم راجيا من سعادتكم أن تتقبلوا فائق الاحترام. ... " ثم ودع السفير الملكة فكتوريا وطلب من الوزير كتابة صدور الأمر لباشادورهم بطنجة لتتميم المسائل هنالك، وأبحر من إنكلترا لفرنسا فقابل رئيس جمهوريتها مقابلة الوداع، وطلب صدور الأمر لباشادور الدولة الفرنسبة بطنجة لتتميم المسائل التي لم تتم. ثم ظعن من باريز لمدينة ليون، ورافقه إليها نائب الوزير والترجمان على

العادة المقررة في سائر تنقلاته من مملكة لأخرى، وقد قوبل بمدينة ليون بكل تجلة وإكرام. ومزيد إكبار واحترام. وأقام بها بضعة أيام في ازدهاء وازدهار. وتبرع في هذه الرجعة لفرنسا بهبات أخر فللخدمة بمحل النزول بكالى 500 وللخدمة بمحل النزول بباريس 1000 ولأصحاب العربات المنفذة للسفارة 500 وببلد ليون محل الفبركات بطورى 500 ولخدمة فندق النزول به 500 ولأصحاب العربات به 300 ولأصحاب الموسيقى 300 ومن ليون ظعن لمدينة مضان التي هى الحد الفاصل بين فرنسا وإيطاليا، وكتب لأميره بكل ما راج في تنقلاته بل حركاته وسكناته، وإليك لفظ جواب الحاجب الوزير عن الكتاب المشار بعد الحمدلة والصلاة. "محبنا الأعز الأرضى، المبجل المرتضى، الباشدور السيد الحاج محمد الزبيدى أمنك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته عن خير مولانا المنصور بالله. وبعد: فقد وصلنا كتابك، وعلمنا منه أنك نهضت من مدينة ليون بعد ما أقمتم بها حسبما تواعدتم به مع الدولة الفرنسوية حسبما قدمتم شرح ذلك، وتوجه معكم ترجمانهم، إلى أن وصلتم إلى مدينة مضان التي هى الحد بين الفرنسيس والطليان.

فوجدتم نائبه منتظرًا لكم، وتلقاكم بالترحيب والتعظيم، وحملكم في عربة منتخبة من عربات كبيرهم، وصاحبكم إلى مدينة عظيمهم المسماة طورين، فأقمتم بها يومين مكرمين معظمين، وورد عليكم عامل البلد وشيخها والجنرال وكبير العسكر. وأخبروكم بأن عظيم الدولة خارج البلد حسبما قدمتم الإعلام بذلك وأن رجوعه يكون في أواخر غشت، وقاموا بالاعتناء بكم وطلبوا توجهكم إلى رومة عملا بما أمروا به من قبيل كبيرهم، فدخلتم لها يوم تاريخ كتابكم بعد اجتيازكم من مدينة فرينسية، ولقيكم بها خليفة وزير الأمور البرانية مع الكبراء المذكورين. ثم قدموا عليكم لمحل النزول برومة بقصد التسليم والتهنئة وظهركم أن قدوم الوزير عليكم يكون بعد الاستراحة، وأخبروا بوصول الهدية إلى جنوة عدا الخيل، وأنك تطلب من الوزير عند اللقى به إتيان الهدية لتصحبها معك إلى طورين عند رجوعك إليها، وبينت ما ظهر لهم من تأخير ورود الخيل إلى أن تأتى في البابور الذى يحملكم إلى طنجة، وأن الكتاب الشريف الذى تدفعه لعظيمهم كان وجهه لك وزير الأمور البرانية، حيث كنت بطورين، ورجوت أن يكون غشاؤه مع الهدية وقد طالعنا سيدنا أعزه الله بكتابك، وصار ما قررته بباله الشريف، ودعا لك أيده الله بخير ونسأل الله أن يقضى بك الغرض الشريف، ويسددك في الأقوال والأفعال وعلى المحبة والسلام في 4 رمضان عام 1293 موسى بن أحمد لطف الله به". ولما وصل السفير لحدود إيطاليا ودعه النائب الفرنسى الذى ذهب معه مشيعا له، واقتبله وزير خارجية إيطاليا وباشادورها بطنجة والحاكم العسكرى، وبعد انتهاء حفلة الاستقبال وأداء واجب التحية، توجهوا في مركب عظيم لمدينة طورين،

وكان ملك إيطاليا إذ ذاك متغيبا للصيد طبق ما أشرنا إليه في خبر الباشادور للسفير، فأقاموا بطورين في حفاوة وإكرام وتكريم. ثم ورد عليهم الوزير وولى العهد الحالى، وطلبوا من السفير التوجه لرومة عاصمة الملك فأجابوا رغبتهم، وكان يوم دخولهم إليها من أعظم الشاهد وأفخرها. ثم شرع السفير بمباشرة أمور المأمورية التي جاء لأجلها مع الوزير، وطالت المفاوضة بينهما أياما حتى تم الأمر وفق ما يرام ويراد، وبعد الضيافة برومة وانتهاء الوطر ونجاح المسعى، رجع السفير وولى العهد والوزير لطورين، فوجدوا الملك قد رجع من الصيد وقد اقتبلتهم الحكومة المحلية هنالك بغاية الإعظام والسرور وبمجرد ما استقر المجلس بالسفير ورد عليه رئيس التشريفات يحييه نيابة عن الملك، وصرح له بأن الملك ما عجل الأوبة إلا لأجله، وأنه بعد مقابلتهم سيرجع لتتميم فسحته ورياضته الصيدية، وعين له وقت الاستقبال، وأنه سيكون من الغد. وهذا كتاب وزارة الخارجية الإيطالية المعين للوقت: "وزارة الأمور الخارجية رومة في 20 غشت سنة 1876 سعادة السفير: إنه جوابا عن كتابكم الذى مكننى إياه سعادة عامل فالازيو حاجب جلالة الملك أتشرف بإخبار سعادتكم أن مولانا الملك سيستقبلكم في حفلة رسمية بطوران في 26 من الشهر الجارى. وأغتنم هذه الفرصة لأقدم لكم يا سعادة السفير عبارات فائق احترامى والسلام. الإمضاء: ميليكارى"

[صورة] تعيين وقت استقبال السفير

ولما كان الوقت المعين وقع اقتبال الملك للسفارة وأظهر من البشر والاعتناء والاعتبار ما لا يزيد عليه، وقدم السفير الهدية الملكية التي أتى بها طبق ما قدم لسائر ملوك الدول التي كانت سفارته متعلقة بها، وقدم المسطور الشريف الذى أتى به للملك وفق ما وصفنا سابقا، وإليك نص ذلك الكتاب: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، من عبد الله المتوكل على الله المفوض أمره إلى الله أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين أدام الله سعوده، ونصر أعلامه وبنوده، إلى المحب المعظم. المبجل المحترم. المميز في ميدان الرياسة بمزيد التقدم. سلطان إيطاليا الفخيمة وعظيمها فكطور ايمنوءيل الثانى. أما بعد: فالموجب لتقديم هذا الكتاب العزيز تجديد عهود المودة التي تتأكد بمرور الأزمان. وترسخ شوامخ أصولها في الأسرار والإعلان. فلا يزيدها طول المدى إلا تكيدا، وبحسن التواصل تلبس كل حين ثوبا جديدا. ولأجل ذلك اقتضى نظرنا السديد أن أوفدنا إليكم حامله خديمنا الأرضى الأنصح الحاج محمد الزبيدى سفيراً منا إليكم، ومشهرا لما هو كالشمس من ثابت المحبة لديكم، وقد اخترناه من أخص خدام داخلية عتبتنا العزيزة، وكبراء حاشيتنا حيث اقتضت خدمته ونصيحته تمييزه لما عرف به من السبقية في الخدمة أيام سيدنا الجد ومولانا الوالد قدس الله روحيهما الطاهرين. وقصدنا أن يذكر لكم مشافهة ما تجدد عندنا لكم من المحبة التي ورثناها من كرماء الأسلاف. وزدناها تأكيدا وتأصيلا يثمران بحول الله حسن الائتلاف، ويقرر لكم ما نحرص عليه من المحافظة على العهود وحسن المعاملة التي تدوم بها كروم

المواصلة. وتنمو وتزيد، وقد حملناه ما يذكره لكم مشافهة نيابة عن جنابنا العالى بالله من المجارات بلسان الخير والثناء على ما أظهرتموه بجنابنا العالى بالله، من المبرة والاعتناء، حيث عينتم سفيركم الكبير المعتبر المنسطر (الكمندطرا صطبان اشكباص الرزدنص) وأوفدتموه على حضرتنا الشريفة مبينا لما نعتقده من صفاء المحبة. ومحققا لما نعتمده من أشراط الصحبة. مما ملأ الجوانح انشراحا، وجدد لبلوغ الآمال ارتياحا. والمعتقد عندنا أن تقابلوا سفيرنا المذكور، ومن معه بغاية الاعتناء والبرور، وتلاحظوه بعين الاغتبار في الورود والصدور، وتصدقوه في جميع ما يذكره لكم من جانبنا العالى بالله من خالص المحبة وصفو الوداد، مما يكون بحول الله سببا في كمال الاتصال بين الأيالتين ويعود بالنفع والخير على الدولتين العظيمتين، حتى يرجع مقتضى المطالب ناطقا بلسان الثناء على تلك المراتب، فإن محبتنا مع دولتكم الفخيمة القديمة، وطريقتنا في التودد لعظماء الدول قويمة، والمحبة تقتضى التسهيل والتيسير، وتؤذن بكمال التوافق في الكثير واليسير، ودمتم كما تحبون ممتعين بموجبات الهنا، مقابلين بما يليق بكم من بلوغ المنا، وبه ختم في 28 جمادى الأولى عام 1293". وبعد انتهاء المقابلة مع جلالة الملك وتناوب الخطب استدعى الملك السفير بانفراد لمحل خصوصى بالقصر وتفاوض معه في أمور. وأظهر له غاية الاعتناء والبرور، واستدعى وزير الخارجية بمحضره وقال له إنى أكون مسرورا إذا رجع السفير مقضى الأوطار، وحمله السلام الخاص لجلالة السلطان، وأمر ولى عهده بالقيام بإكرام السفارة إلى أن ترجع مبتهجة مسرورة، فأقام لهم حفلة عظيمة تلك الليلة تناولوا العشاء فيها بدار الملك.

وإليك قائمة الهبات التي تبرعت بها السفارة في مدة مقامها ببلاد الطليان والأعداد بحسب النقد الإيطالى وهو الليرة: بمدينة طورين لأصحاب الموسيقى 300 عربات 300 عسكر الحرس المعين للسفارة 500 1100 ببلاد افرنسية موسيقى 250 العربات 250 الحرس 500 1000 برومة أصحاب الموسيقى 1000 الضعفاء 3000 العميان 3000 7000 لأصحاب وزير الخارجية 1500 العربات 300 الحرس المعين للسفارة 500 2300 ضعفاء مدينة برنسية عند الرجوع لها للضعفاء 3000 موسيقى 250 العربات المنفذة للسفارة 250 3500 عند الرجوع لطورين عربات 500 للضعفاء بها 6000 للخدمة يوم الضيافة بدار السلطان 8500 وللحرس بدار السلطان 2000 ولمن عين لمقابلتها لما توجهت للصيد مع ولى العهد والوزراء 2000 4000 ولخدمة جنان الوحوش 500 وبجنوة للحرس 500 لأصحاب العربات 300 وللخدمة بالمركب الحربى على يد الرئيس 500 6300 ولخدمة مائدة الأكل به 550 ونص بعض رسائل الشكر التي تلقاها السفير على بعض تلك الهبات فعن هبة العميان:

"مأوى مارغيت دوسافوى رومة في 21 غشت 1876 مكتب تدبير الأمور سعادة الوزير إن هبتكم الشريفة المحتوية على فرنك 3000 اللائقة حقا بكرم سعادتكم، والملك العظيم الذى تنوبون عنه أحسن نيابة، قد أثرت في قلب المجلس الإدارى لماوى العميان الفقراء الذى تترأسه أميرتنا الفخيمة بسافوى. فبالنيابة عن المجلس المذكور أعبر لسعادتكم عن كامل ممنونيتى كما أطلب من الله أن يمد في عمر ملككم الفخيم وشخصكم الكريم أعواما مديدة في رفاهية واطمئنان. نائب السمو الملكى الإمضاء: لا يقرأ" وعن هبة فقراء رومة: "رومة في 12 غشت سنة 1876 سعادة السفير قد دفع إلى كاتب سعادتكم مبلغا تدرة ثلاثة آلاف ليرة إيطالية ذهبية تفضل بها جنابكم على فقراء المدينة. ولا شك أن والى مدينة رومة سيكون لدى سعادتكم خير مترجم للعواطف السامية التي ستخامر أهل المدينة كافة، لما يتيقنوا أنه قد اجتمعت فيكم أحمد الخصال والعواطف الكريمة، ومواهب العقل العالية التي أوجبت لكم فائق الاحترام في عموم الوطن، وقد بقى على أنا كذلك أن أعرب لجنابكم عن

[صورة] يتعلق بسفارة الزبيدى لإيطاليا من وزيرها برومة

[صورة] توصيل بما وقع به التبرج على جمعية رومة

تشكراتى الخالصة على حسن صنيعكم الذى يزيد في توطيد الدعائم والمحبة التي تربط دولتينا، وأنتهز هذه الفرصة لأقدم لسعادتكم فائق الاحترام. ميلكرى". ثم كتبت الحكومة للسفير كتابا تبلغه طيه شكر شيخ مدينة رومة نيابة عن فقرائها وهو: رومة في 28 غشت سنة 1876" إلى سعادة السفير قد كلفنى والى مدينة رومة بأن أبلغ لسعادتكم الكتاب المبعوث لكم طى هذا يشكركم فيه على عواطفكم الكريمة التي حملتكم على التبرع بثلاثة آلاف ليرة ذهبية على ضعفاء المدينة لأنهما مكننى من فرصة. وإننى أقوم بهاته المهمة عن طيب نفس أجرد لكم فيها عبارات احترامى الفائق. نيابة عن الوزير: مورنيلى وهذا الكتاب المشار له: "مدينة رومة بالكابيطول في 22 غشت سنة 1876 مكتب شيخ البلد سعادة الوزير توصلت على يد سعادة وزير الأمور الخارجية بمبلغ قدره 3000 ليرة ذهبية التي أرادت سعادتكم الكريمة أن تتفضل بها على الأعمال الخيرية برومة. وأرى من الواجب أن أشكركم الآن على تكرمكم هذا منتظرا أن أعبر لكم شفاهيا بما هو أحسن عن عواطف اعترافى بالجميل، واعتراف أهل المدينة كلهم.

فلتتيقن سعادتكم بخالص احترامى والسلام شيخ البلد الإمضاء: لا يقرأ" وعن هبة طوربن: "عامل طوربن بطورين في 30 غشت سنة 1876 أيها القائد قد تشرفت بوصول كتابكم اللطيف المؤرخ يومه، وأبادر بإخباركم أننى توصلت بما قدرة ستة آلاف ليرة (6000) مركبة من ثلاثمائة نقد ذهبى قيمة كل واحد عشرون فرنكا التي تبرع بها سعادة سيدى محمد الزبيدى في سبيل البر، وأرجو منكم أن تترجموا لدى الرجل الفذ الذى أراد أن يبقى أثرا قيما عند مروره ببلدتنا عن عواطف ممنونية بؤساء مدينتنا الذين تنعموا بما أفاض عليهم من إحسانه الجزيل، وأنهم يتلون على اسمه آيات الحمد فحققوا له أن اسمه المعتبر لا ينفك يذكر ومقرونا بتمجيد الملك المعظم لدى إنابه عنه لدى جلالة ملك إيطاليا. فأرجو منكم أيها القائد أن تقبلوا فائق تحياتى والسلام والى مدينة طورين" وعن هبة رجال الاصطبل الملوكى بطورين: "كتب بطورين 30 غشت سنة 1876" أنا الواضع اسمى أسفله، أعترف بأنى قد حزت من الفارس بوزيد الترجمان الأول لسفير جلالة سلطان المغرب مبلغا قدره سبعمائة ليرة إيطالية ذهبية تفضل بها سعادة السفير على خدم اصطبل جلالة ملك إيطاليا مكافأة على ما قاموا به نحو سعادته مدة إقامته.

[صورة] من وزارة ايطاليا بطورين للسفير الزبيدى

نيابة عن قائد اصطبل جلالة ملك إيطاليا ... " ثم ظعن السفير لمدينة جنوة ومنها أبحر في مركب حربى خصوصى أعدته الحكومة الاطالية له، وسار ووجهته طنجة، ورافقه إليها باشادورهم بها، وكان دخوله لطنجة في اليوم الرابع عشر من شعبان عام ثلاثة وتسعين مقضى الأوطار، وخلف في مدن أروبا بما أبداه من السياسة وقام به من التبرعات على الجمعيات الخيرية ذكرًا جميلا حفظه التاريخ للمرسل والمرسل بل لسائر الإيالة المغربى. ثم سافر السفير من طنجة لفاس حيث كان مثوى السلطان إذ ذاك، فأكرم وفادته وقابله بما هو له أهل من التجلة والإكرام، ولما قص عليه قصص سفارته وقرر له كل شاذة وفاذة شكر مسعاه ودعا له بخير، وأمره بالرجوع لطنجة لتتميم المسائل المحال على القناصل والباشادورات القاطنين هنالك في حل مبرمها، ولم يزل بطنجة إلى أن كمل المراد وفق ما يراد حسبما ينبئ عن ذلك جواب الحاجب أبى عمران موسى بن أحمد للسفير على كتابه إليه في القضية ونصه: "الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما. محبنا الأعز الأرضى وأمين مولانا الناصح الضابط الأحظى السيد الحاج محمد الزبيدى، أمنك الله وسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله. وبعد: فقد وصلنا كتابك وعلمنا منه ما آل إليه أمر ضبط الحماية وما حصل في مباشرتها من التيسير، وأن الكلام فيها سيتم في قريب وبينت ما دار بين النواب فيها ومن وقف منهم في أمرها وبذل المجهود في حصرها على القوانين، ومن توقف منهم في تكليف السماسرة على الوجه الذى أشرت إليه، ونبهت على تمام وقوف باشادور النجليز المحب وحسن مباشرته ونصحه، وكذا نائب المركان، وما صدر من الأخير من زيادة التنبيه على أمر الحافر بالأبواب حسبما سطرته وأنهينا

ذلك كله لمولانا المنصور بالله، وسره ما أثنيت به عليهما وأمر أيده الله بالكتب لهما بالمجازاة على ذلك بخير فكتبنا وها كتاباهما 2 يصلانك لتدفع لكل واحد منهما كتابه وتنوب عنا في مجازاتهما، ونسأل الله أن يسددك ويصحبك الإعانة واللطف والتيسير ويقضى بك الغرض الشريف على وفق المراد آمين، وعلى المحبة والسلام في 26 رجب الفرد عام 1294، ومنه، ولا تغيب عنا خبرا فإنا نتشوف لإخبارك ولا بد صح به موسى بن أحمد لطف الله به" ونص كتاب سفير الانجليز المشار إليه: الحمد لله وحده ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. المحب الناصح الساعى في الخير بين الدولتين والصلاح بين الإيالتين مينسطر سلطانة اكريت بريطن الفخيمة وباشدورها المعتبر بهذه الإيالة السعيدة الكبليرجان هى درمنض هى. أما بعد: مزيد السؤال عنك كثيرا ومحبة أن تكون بخير دائما، فإن محب لجميع الأمين الأرضى خديم سيدنا الأنصح السيد الحاج محمد الزبيدى كتب بأنك وفيت بما وعدت به من الوقوف في مباشرة إتمام الكلام في أمر الحماية بما ينحسم به ضررها ويبنى أمرها على القانون، وأنك بذلت المجهود ونصحت ولم تقصر في الأخذ بيده والإشارة بما فيه المصلحة على عادتك، وأنهينا ذلك لمولانا المنصور بالله ونشط به ودعا لك بالمجازاة بخير وتحقق لدى سيادته أنك جريت في ذلك على ما يعلمه أيده الله منك، وجبلت عليه من تمام المحبة في جانبه العالى بالله وبذل النصيحة والسعى في جلب الخير والمصالح لهذه الإيالة السعيدة، جزيت خيرًا.

فنحبك أن تزيد في وقوفك وحسن مباشرتك ليتم الأمر على يدك على وجه جميل، وتفور بمزية السبق لإحراز هذه الفائدة والمزية، والظن بك أنك لا تقصر ولا تحتاج إلى مزيد تنبيه، فإن العاقل يحرص على تمام وإحراز المزية بكماله، لان الأعمال بخواتمها وبه ختم في 26 رجب الفرد عام 1294. موسى بن أحمد لطف الله به" ونص كتاب سفير أميركا المشار إليه أيضا بعد الحمدلة والحوقلة: "المحب العاقل الساعى في الخير والصلاح بين الإيالتين المعتبرتين والدولتين الفخيمتين، نائب دولة جنس المركان المفوض له بهذه الإيالة السعيدة الجنرال المعتبر فلين مطيوس. أما بعد السؤال عنك ومحبة أن تكون بخير دائما، فقد أخبر أمين مولانا الأرضى السيد الحاج محمد الزبيدى أنك وقفت معه فيما توجه بصدده ولم تقصر في الأخذ بيده في ذلك وفاء بما وعدت به، وأنك ردت التنبيه على أمر الحافر بالأبواب، وأشرت بأن يكون الناس فيه على حد سواء مثل الرعية، وذلك مما يؤيد ما نعلمه منك من المحبة وبذل النصيحة، والإشارة بما فيه المصلحة والسعى في جلب الخير لهذه الإيالة المحروسة بالله جزيت. وقد سرنا ذلك وأنهيناه لمولانا المنصور بالله فنشط وأمر بالكتب لك بالمجازات بخير، وعلم أيده الله أنك عملت أن تزيد في وقوفك وحسن مباشرتك حتى يتم هذا الأمر على وفق المراد، فإن العاقل يحرص في تمام عمله وإحراز المزية بكماله، لأن الأعمال بخواتمها، وبه ختم في 26 رجب الفرد عام 1294. موسى ابن أحمد لطف الله به" وليست هذه السفارة بأول مأمورية مهمة رشح لها هذا السفير الخطير القدر، الرفيع الذكر، المحبوب في أمته المختار لديها، في الرياسة عليها. حسبما تقف

عليه في ظهير سلطانى عبد الرحمانى، وإليك نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع الشريف في وسطه "عبد الرحمن بن هشام الله له" وبدائرته ومن تكن برسول الله نصرته ... إلخ، من يعتصم ... إلخ. "خدامنا أهل الرباط وفقكم الله، وسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد أخبرنا كاتبنا الطالب العربى بن المختار باختياركم للولاية عليكم خديمنا الحاج محمد الزبيدى وموافقتكم على تقديمه خاصة وعامة، فقد كملنا لكم فيه ووليناه عليكم وأسندنا إليه أموركم وبسطنا له يد التصرف عليكم، فاسمعوا له وأطيعوا في جميع ما يأمركم به من أمور خدمتنا الشريفة، أسعدكم الله به وأسعده بكم وجعله غرسا طيبا آمين. فإنكم خدامنا ورعيتنا وزاوية جدنا سيدى الكبير قدسه الله، ونحن نراعى لكم جواره وحقه، ونعلم ضعفكم وعجزكم ونحب من يرفق بكم ويسير فيكم السيرة الحسنة، وقد عفونا عن هفوتكم، وصفحنا عن زلتكم، وقبلنا توبتكم وإنابتكم، فطيبوا نفسًا وقروا عينا، فلا تروا منا إلا ما يسركم إن شاء الله تعالى، فإنا نعامل بالعفو الطغاة أهل الجرائم العظام، ونقابل بالصفح أهل الكبائر والأثام، فكيف بمن هو أعجز الناس عن الدفع عن نفسه وأولاهم بالرفق والإغضاء والشفقة اقتداء بجدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفى الحديث: "كان خلقه القرآن" وقد قال تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)} [الشورى: 43]. {... وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ... (237)} [سورة البقرة 237]، {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ... (96)} [المؤمنون: 96]. وأنه لما نزل عليه قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} [الأعراف: 199] قال: ما هذا يا جبريل؟ قال: إن الله يأمرك أن تصل من قطعك. وتعطى من حرمك، وتعفو عمن ظلمك.

[صورة] ظهير عبد الرحمانى بتولية السيد الحاج محمد الزبيدى على الرباط

وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم اغفر لأمتى فإنهم لا يعلمون" وفى شمائله - صلى الله عليه وسلم -: ولا يقابل بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، ونحن بسنته مقتدون وبأنواره مهتدون، كيف وهو عليه السلام يقول: ما ازداد عبد بعفو إلا عزا، فاعفوا يعزكم الله. وأقول ما حكى الله في كتابه على لسان نبيه يوسف عليه السلام: {... لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)} [يوسف: 92] والسلام في 23 رمضان المعظم عام 1261". * * *

الكلام على بقية علائقه السياسية

الكلام على بقية علائقه السياسية مع فرنسا * * * ثم وجه المترجم بعد هذه السفارة سفارة ثانية لفرنسا يرأسها القائد عبد المالك ابن على السعيدى خليفة باشا طنجة وباشا آصيلا استقلالا أولا ووجدة ثانيا، وكانت سفارته في ربيع الثانى عام اثنين وثلاثمائة وألف، ورئيس الجمهورية إذ ذاك المسيو اكريفى وبتاريخ عشرى شعبان العام، وشفعه بالعلامة المدرس أحد أعيان كتاب الحضرة السلطانية السيد عبد الواحد بن المواز. وإليك نص بعض ظهائر هذه السفارة ويوجد جميعها بمكتبتنا: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، من عبد الله المتوكل على الله المفوض أمره إلى الله أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين وهو: الحسن بن محمد الله وليه ومولاه، أيد الله نصره ووالى سعده الدائم، ونشر على البشر شعاع شموس عزه القائم إلى المودود الحبوب الملحوظ منا بملاحظ الحظوة والإكبار، والملموح لدينا بملامح العناية والاعتبار، المميز بمزيد السبق في ميادين السياسة، الحائز التصدير والتبريز في ديوان الرياسة، الحامل الراية بين أولى التدبير بالأولوية، كبير جمهور الدولة المحبة الفرنساوية، المخصوصة بكل فخامة وضخامة بطريق الأحروية، الأمير الجامع لكل فخار تليدى وطريفى. المعتبر المعتمد المعظم المحترم اكريفى. أما بعد حمدا لله الذى لا إله إلا هو، فالداعى لتحرير هذا المسطور الكريم إليكم، ولإيفاد خديمنا الأرضى الأصلح الأحظى الأنصح، القائد عبد المالك السعيدى سفيراً لديكم، هو تشييد مبانى المحبة التي لا تزداد بحول الله على طول الآباد، وتعاقب المدة إلا صفاء ونقاء وجدة.

وقد انتقينا الخديم المذكور من أولى الصدق والجدة والنصيحة والنجدة، وأذكى أقرانه، وأمثل أهل زمانه، وحملناه ما يوصله لفكرتكم النقادة، وقريحتكم الوقادة، مما لدينا من التحفظ على ما يديم بين الدولتين العظيمتين حسن المعاملة، وصدق المصارفة والمكارمة، لكونه أعرف بذلك من غيره وباشر أموراً أطلعته على نجوى ذلك وسره، حيث كان واسطه بين الإيالتين مخصصا عندنا هناكم بالكلام في أمور الجهتين، إذ ليس من رأى كمن سمع، وليس الخبر كالعيان كما هو مقرر في الأذهان، وأملينا عليه ما يشافهكم به نيابة عن جانبنا العالى بالله من المجازاة بالسنة الشكر، وثنايا الثناء وأفواه التفويق والتنويه على ما ظهر منكم لجانبنا العالى بالله، من الاعتناء وصدق الوداد، وحسن الحال وجميل الاعتقاد. وشفعناه بكاتب حضرتنا الشريفة الأرضى الفقيه العالم المدرس الطالب عبد الواحد بن المواز ردءاً لأمره وتحسينا لوجه سفارته وشاداً لأزره، مختارا من كتاب حضرتنا العلية ومن على أركانها السنية. وإنا لعلى يقين من أنكم تقابلون السفير المذكور ومن معه من الوفد المشكور، بغاية القبول في الورود والصدور، جريا على عادتكم الحسناء المشهودة، وسجاياكم المليحة السليمة المعلومة المعهودة، ومن أنكم تصدقونه في جميع ما يقوله لكم عن مقامنا العالى بالله من خلوص الطوية، وصفاء المصافاة بالنية، وكل ما يزيد في كمال الاتصال تأكيداً وقوة، وفى مواد التواد نتيجة منتظرة وثمرة مرجوة، من كل فائدة تكون سببا لاسترسال خير الإيالتين الكبيرتين، "وعمدة في حصول النفع بين الدولتين العظيمتين، كما كان ذلك مع من تقدم من قبل من الجانبين. وأرجو الله أن يكون الآن أكثر، وأنمى وأشهر، وقد دلت عليه قرائن وأمارات، ولاحت له آثار وعلامات، إذا خير الخلف من قام مقام السلف وتبع

آثارهم وأحيا مآثرهم، فإن أجل مقصدنا ومناط معتقدنا هو ربط أسباب الخير مع عظماء الدول سيما مع الجوار الذين عليهم في المحبة المعول، وادخار صحبتهم من الأهم الأول. هذا ودمتم كما تحبون مخصوصين بكل سلامة، مهنئين بكل كرامة، راتعين في أرغد عيشة هنية، ممتعين بكمال الآمال وتمام الأمنية وختم في 20 من شعبان عام 1302". ووجه للدولة الفرنسية أيضا سفارة أخرى يرأسها القائد المعطى بن عبد الكبير المزمازى معززا بالكتاب السيد أحمد الكردودى والأمين ابن المدنى بنيس. وإليك نص الكتاب السلطانى للرئيس كارنو بعد الافتتاح: "إلى المحب سامى الرتب الموقر المنتخب الملحوظ بملامح الاحترام والأثرة والإكرام، الموصوف بين الرؤساء العظام بصميم الثناء والسياسة والذكاء كبير الجمهورية بالدولة الفرنساوية الفخيمة البهية الرئيس المعظم (كارنو). أما بعد حمد الله الذى لا إله إلا هو العلى العظيم، فلا رائد على المعهود من المحبة والمودة والصحبة، إلا الإعلام بما اقتضاه جميل المعاملة، وجليل المجاملة من توجيه خديمنا الأرضى الأنصح الأنجد الأصلح، القائد المعطى بن عبد الكبير المزمازى سفيراً إليكم مؤديا مشافهة ما يكون بحول الله ناجحا لديكم، بعد أن انتخبناه من سليل الجماهير، خدام أعتابنا الشريفة المشاهير، الذين لهم القدم الراسخ فيها خلفا عن سلف ومن بيوتات المجد الذى ليس فيها مختلف، وحملناه ما يؤديه إليكم من حسن المجازاة، والثناء والمكافأة على ما ظهر من جانبكم الأفخم، من حسن الموالاة التي تكدت بتوجيه سفيركم لحضرتنا الشريفة، تأكيداً للمحبة وزيادة المودة والإعراب عما في النية، وما تضمنته الطوية، مما حرك

نشاطا، وسرورًا وانبساطا. وعززناه بكاتبنا الأرضى الأنجد الطالب أحمد الكردودى، وبخديمنا الأرضى الأمين الحاج محمد بن المدنى بنيس، ونحن على يقين من أنكم تقابلون الجميع بمزيد المبرة والقبول. وتبلغونهم من الاعتناء غاية المأمول. وتصدقون السفير المذكور فيما حملناه وفى كل ما يذكره لكم عن جانبنا العالى بالله من جميل الاعتقاد، وكامل الوداد، وما يقوى أسباب الاتصال. ويحصل فوائد الاحتفال والاهتبال. مما يزيد بحول الله في الخير بين الإيالتين وتتكد به المحبة بين الدولتين، فإن مقصدنا ومناط معتقدنا هو ربط أسباب الخير بين الدول العظام سيما مع من هو مثلكم من الجوار الذين عليهم في المحبة المعول، وادخار صحبتهم من الأهم الأول، ودمتم مخصوصين بالاعتبار التام، في الافتتاح والاختتام، وحرر في 27 قعدة عام 1306". وبعث سفارة أخرى لفرنسا برياسة الحاج محمد بن سعيد السلوى. ولقد أوفدت عليه الدولة الفرنسية في أول ولايته سفيرها الباشادور "طيسو" حاملا لوسام فخم وإليك نص ظهير جواب المترجم لرئيس الجمهورية الفرنسية مسيو تيارس بعد البسملة والحوقلة والافتتاح. إلى المحب الزعيم، والصاحب الفخيم، كبير جمهورية الدولة الفرنسوية المفخم طيرس. أما بعد حمد الله تعالى، فقد ورد على حضرتنا العالية بالله تعالى كتابكم صحبة باشادوركم المنيسطر الكبير مسيو طيسو، وعلمنا ما أثنيتم به عليه، وما وصفتموه به من الصدق، وأنكم وجهتموه لتجديد عقد المحبة والعهد بين الدولتين، ولتكيد ما يجب من حقوق الجوار الذى بين الإيالتين، ففد وصل وتلاقى مع جانبنا العالى بالله وأنهى لعلى مقامنا من محبتكم ما هو المعهود منكم، والمعتقد في جانبكم.

[صورة]

وقد تجددت بقدومه فيكم محبة عظيمة زيادة على المحبة القديمة، ودفع النيشان المعتبر الذى أشرتم إليه وقابلناه بما ينبغى أن يقابل به البرور والمراعاة والإكرام، والاعتناء والأنعام، رعيا لجنابكم وهو عندنا ملحوظ بعين الاعتبار، ومحسوب ممن يسعى بين الدول في الخير وتكيد المحبة التي عليها المدار وختم في غاية صفر 1290". كما أوفدت عليه بعد ذلك باشادورها "الكندى دوبينى" واليك لفظ ما راج بينه وبين المترجم من المطالب وأجوبة الجلالة السلطانية عنها وكان ذلك في خامس ربيع الأول عام 1310. 1 - دعوى التاجر لاروش الفرنصيصى بالعرآيش على الجمالة إخوان ابن الشليح بالسكر الذى وجهه معهم لفاس وباعوه بزرهون واقتسموا ثمنه وقدره ريال 185 ودعواه أيضا على إخوان القائد أحمد الزرارى الجمالة بالسكر الذى حملوه من العرايش لفاس وباعوه بزرهون أيضا واقتسموا ثمنه وقدره ريال 433 الجميع 618. أجابت الحضرة الشريفة بأنها أمرت عامليهم ببيع متاع إخوانهم المسجونين في ذلك وتوجيه العدد الذكور ليدفع لكم. 2 - مطلب بناء هرى بستة في المائة للتاجر سبراك الفرنصيصى برباط الفتح. أجابت الحضرة الشريفة بانها أصدرت الأمر للأمناء بنظر محل بالرباط في الموضع الذى به سكنى أمثاله وبنائه له فيه بستة في المائة بعد عقد كنطردة بنائه معه على الشروط التي تعقد عليها مع أمثاله. 3 - دعوى ما نهب للسيد الطاهر جنون الفاسى من الحوائج والبهائم الذى قيمته ريال 2156 بالقنيطرة من بلاد بنى حسن.

أجابت الحضرة الشريفة بأن القبيلة المذكور مروعة الآن بسبب المخاصمة والفتنة الواقعة بينها وبين زمور جيرانها، وحيث يسكن روعها يستخرج ما نهب للمذكور ممن يتعين استخراجه منهم من القبيلة المذكورة. 4 - المطلب المتعلق بعامل تافلالت. أجابت الحضرة الشريفة بأنها وجهت عليه وحيث يرد يتوجه بدله. 5 - دعوى التاجر سنجان الفرنصيصى الساكن بعرصته بالسوانى أن متعلمه محمد من أهل جبل الحبيب سرق له اثنين وتسعين ريالا وفر ورفعت القضية لعامله القائد عبد الرحمن بن عبد الصادق وكلم بإحضاره أو أداء الدراهم المذكورة فلم يظهر منه أثر في ذلك. أجابت الحضرة الشريفة بأنها أمرت العامل المذكور بأن يوجه الدراهم المذكورة لتدفع لكم. 6 - دعوى الياه بن يوسف بطون أنه توجه للقصابى مع الحاج محمد بن الصغير فدخل آيت يزدك للقصبة وأخذوا له حوائجه وثلاثة بغال حاملة لسلعة أتى بها من فاس. أجابت الحضرة الشريفة بأن آيت يزدك غير مستقيم أمرهم الآن لأجل ما كان صدر منهم من قتل عاملهم وحيث تتوجه المحلة لبلادهم لاستخراج الحقوق منهم يستخرج منهم ما نهبوه للمذكور. 7 - مطلب التاجر حيم بن شمول ناظر البنك الفرنسيسية بطنجة ظهيرا شريفا يتضمن الإذن له في تسمية بانكته بالبانكة المراكشية، وفى جعل كواغد مخزنية يتضمن كل كاغيد منها عدم من الدراهم، بحيث من سافر من الناس من بلد لبلد يصحب معه كاغدا من تلك الكواغد، ولا يصحب معه الدراهم لثقلها وخشية

وقوع السرقة لها بالطريق، وإذا وصل للبلد التي توجه لها يدفع الكاغد لنائبه بها ويدفع له ما تضمنه من الدراهم وتصير مصارفة الناس بها مثل الدراهم. أجابت الحضرة الشريفة بأن الغير كان طلب ذلك فاستفتى المخزن العلماء فيه فأجابوا بأنه حرام في شرع ديننا. 8 - مطلب التاجر كف صاحب السكة الشرعية ضرب مليون من الريال سكة نحاسية جبرا لخسارته في ضربه السكة الفضية. أجابت الحضرة الشريفة بأنها على نية ضرب السكة النحاسية هنا، وصيرت على جلب مكينات ضربها وبناء دار الضرب لها ما يزيد على المائة ألف ريال. 9 - مطلب مجلس نواب الدول بطنجة المكلفين بأمر السنيدة حيازة فندق الخضرة الجديد بطنجة ليبنوا فيه فندقا جديدا مثل الفنار. أجابت الحضرة الشريفة بأن الفندق المذكور منفذ بالكراء بظهير شريف لبعض حمايات أسبانيا. 10 - مطلب التاجر بونط الإذن الشريف له بتقشير أشجار الفرشى الكائنة بقبيلة بنى عروس في آنجرة بين سبتة وتطوان. أجابت الحضرة الشريفة بأن الغير طلب ذلك ولم يساعد لما فيه من الضرر. 11 - مطلب التاجر قرنى الفرنصوى الإذن الشريف له بتقشير أشجار الفرشى الكائنة بقبيلة بنى حسن بل بغاية العرايش والمعمورة. أجابت الحضرة الشريفة بأن الغير طلب ذلك ولم يساعد عليه لما فيه من الضرر. 12 - مطلب التاجر جل الفرنصيصى بناء دور وأهرية (¬1) بستة في المائة بالدار البيضاء. ¬

_ (¬1) الهُرْى: بيت كبير ضخم يُجمع فيه طعام، البُرّ ونحوه ليوزعه السلطان.

أجابت الحضرة الشريفة باأها أصدرت الأمر للأمناء ببنائها له بستة في المائة. 13 - مطلب التاجر لا نيل الفرانصيصى بالصريرة بناء دار وأهرية بها كذلك بالجديدة بستة في المائة. أجابت الحضرة الشريفة بأنها أصدرت الأمر لأمناء الصوبرة وأمناء الجديدة ببنائها له بستة في المائة. 14 - مطلب تسريح وسق العظام لمدة من عام. أجابت الحضرة الشريفة بأنها أصدرت الأمر لأمناء المراسى بتسريح وسقها المدة المذكورة على شرط أن من أراد وسق شئ منها يقلبه طبيب السنيدة، وبعد تسليمه أنه لا شئ فيه من عظام الآدمى يسقه". وكانت مسألة الديون التي لأتباع الدولة الفرنسية على الرعايا المغاربة كثيرا ما تؤدى إلى متاعب ومشاكل ومطالب فوضع لذلك اتفاق يحسم ما ذكر ونصه بعد الحمدلة: "لما تكررت الشكاية من رعايا دولة الفرنصيص الفخيمة بوقوع المماطلة في فصال ديونهم على رعية الدولة الشريفة، وقع الاتفاق بين الواضعين اسمهما عقب تاريخه، وهما وزير الأمور الخارحية بالحضرة المولوية ومنسطر دولة الفرنصيص الفخيمة نيابة من كل منهما في ذلك عن دولته على حسم مادة تلك الشكايات بما سيذكر وهو: 1 - أن المخزن يبقى على قبول الرسوم المصفحة بطنجة في تاريخ 1304 على يد المنسطر فيروا ويد الفقيه الكاتب السيد محمد بن سليمان والأمين الحاج قاسم جسوس التي هى الآن بفسينة الفرنصيص بطنجة.

2 - وأن يلزم المخزن عمال الغرماء الفارين بإحضارهم بعد مضى ستة أشهر من شهر تاريخه وإلا فيؤدوا عنهم ما بذمتهم إن لم يحضروهم. 3 - وأن يعرف أرباب الدين بالمجهولين تعريفا كافيا لا يبقى معه إشكال في معرفتهم بحيث يبينون اسم كل واحد منهم واسم أبيه ونسبه، ومحل استقراره، ويدفعون بيانهم بعد مضى ستة أشهر، ليمضى المخزن في فصال ما بذمتهم في مدة قدرها ستة أشهر من حين التعريف به على نسق الفصال الواقع مع غيرهم من الغرماء من الاستيفاء من الأملياء والقبض على المفلسين، حتى يتبين فلسهم ويثبت بموجبه ويسلمه الباشادور أو رب الدين. 4 - وأن يؤدى كل عامل عن الغرماء من إيالته الذين أخبر بموتهم إذا وجد أحد منهم حيا زجرا له وعقوبة على كذبه. 5 - وأن يبحث أرباب الدين عن الموتى المفلسين هل خلفوا شيئًا، وإن عثروا عليه يعلمون به المخزن ليأمر ببيعه وتمكينهم من ثمنه لكون المخزن تقصى في البحث فلم يعثر على متخلف لهم. 6 - وأن يبحث أرباب الدين أيضًا في فلس من ادعى الفلس من الغرماء، وإن وجدوا عنده متاعا يعلموا به المخزن ليبيعه عليه ويؤدى عنه ما بذمته من ثمنه لكون المخزن بالغ في البحث فلم يجد عندهم متاعا. 7 - وإن تحقق وثبت على أحد من العمال أنه قبض شيئًا من الدين ولم يوجهه فيعاقب على ذلك بما يستحقه، ونائب المخزن يدفع ما وصله بمجرد وصوله لباشدور الدولة الفرنصوية، ورضى كل من النائبين المذكورين بهذا الفصال المشتمل على الفصول السبعة المذكورة أعلاه وقيد في 11 رمضان المعظم من عام 1306". وهذا مثال مما كان يجرى في قضايا الديون.

بعد الحمدلة والصلاة والطابع الكريم: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وصل جوابك بأن باشدور الفرنصيص استظهر لك بنظير النسخة الموجهة لك من زمام متاع محمد أحم القلعى وما تحصل في ثمنه 4656، وتأسف من أجل هذه الدعوى ومن القدر المشار إليه الذى تحصل فيها، وشافهك في شأنها بما شرحته من عدم عثوره في النسخة المذكورة على ما كان باعه أخو المذكور وحار ثمنه، وعدم ظهور شئ من ماله الناض، ومن ديونه ومما له مودع عند الناس. وظهر لك أن مخرج هذه الدعوى صعب لعدم تقييد ما ذكر، وجعل رب الدين استرعاء ودفعه للباشدور وتمكين الباشدور له من خط يده به ومن نسخ المكاتيب الموجهة له من حضرتنا الشريفة وتوجهه للشكاية بباريز، ولا يدرى ما يكتبون للباشدور في شأنه. وأعلمت جانبنا العالى بالله بهذا لنكون على بصيرة فيه فنحن على بال منه فأما متاعه فقد بيع على يد أمناء مليلية وعمال كلعية، وخديمنا حميدة، ولم يتحصل فيه إلا العدد المثار إليه، وأما ما باعه أخوه من متاعه فقد أمرنا المذكورين ببيانه ليحاز ممن اشتراه منه، ولازال لم يرد جوابهم عنه. وأما ماله من الناض فقد بلغنا أنه مودع عند أناس من كلعية فأمرنا عاملهم بالقبض عليهم، وأمرنا خديمنا حميدة بشد عضده على قبضهم واستخراج ذلك منهم، ولا زال لم يرد جوابهما عن ذلك. وأما ماله من الديون فقد وقع البحث عمن هى عليهم حتى عرفوا، وأمرنا الخديم المذكور باستيفائها منهم على يد عمالهم، وأمرنا عمالهم بذلك كذلك، ولا

زال لم يرد جوابهم عنه، ولا زال البحث والطلب في ذلك، ومن ظهر عليه شئ منه غير أولئك يجرون مجراهم وهكذا حتى يقف الأمر فيه عند حده ومنتهاه بحول الله وقوته. وهذا غايه ما يجب على المخزن في دعوى فاسد قبض عليه لأجل الفساد والإفساد ولم يتوصل له إلا بالحيل والمشاق ولم يحز من متاعه ولو قلامة، وقد بينا لهم موجب القبض عليه مرارا وعدم التقصير في الوقوف في جمع ما للتاجر عليه فأبوا إلا إلزام المخزن بما ليس بلارم من أداء ذلك عنه، وفتح الأبواب عليه بذلك كما فتحوها بغيره. والحاصل فلا مصلحة لنا في إبقاء محمد أحم هنا عدا مصلحة كف ضرره عن قبائل الريف. وقد تقدمت لكم المساعدة على توجيهه لطنجة ليتقابل مع رب الدين لكونه يزعم أن ما يسأله له أقل من العدد الذى ادعى به عليه فلم يجيبوا لذلك، وحتى الآن إن أردتم توجيهه لكم بقصد ذلك على شرط أن يتكفل الباشدور برده لنا وعدم إفلاته يوجه لكم والسلام في 3 جمدى الأولى عام 1300" ومما يدل على حسن العلائق الحسنية الفرنسية هذا الكتاب الشريف المبعوث للرئيس اكريفى جوابا عن رسالته في شأن تقلده الرياسة ونصه بعد الافتتاح: "إلى المحب الموقر المعظم. الصاحب المحترم المفخم. كبير الدولة الجمهورية الفخيمة الفرنصوية الرئيس ايجول اكريفى أما بعد حمد الكريم الذى لا إله إلا هو العلى العظيم. فقد وصل كتابك المرقوم لحضرتنا الشريفة أخبرتنا فيه بالجمع الواقع عند دولتكم في بلاد فرساى. على زيادتهم لجانبك سبع سنين في الحكومة، وعلمنا أن قصدك بإعلامنا مزيد المحبة القائمة بين الدولتين وتأكيد الاتصال بين الجانبين فكان ذلك على حسن المحبة دليلا وعنوانا على ما في الضمير جميلا، حيث تحققت أن ما يسرك يزيدنا سرورًا، ويستخرج من القلوب فرحا منشورا، فقد

مع إسبانيا

تجدد في جناب هذه الزيادة، وقد صادفت الدولة فيها من الصواب حسن الإفادة، وذلك دليل على حسن السيرة والسياسة وأنك سلكت من طريق التدبير ما شهدت به الفراسة. ولا شك أن الرئيس في الدولة بمنزلة المصباح وروح القوم هو سلطانهم، ولا تتحرك الجسوم إلا بالأرواح، ومعلوم أنه لا يقوم في كل أمر إلا من هو أعرف به وأنسب، وتقدمه أحسن فيه وأصوب، ولا يخفى أن الرياسة شجرة تبقى ناعمة ما دامت في محلها، ومرتبة عظيمة توصف بحسب صفات أهلها. وبسبب هذا الفرح تتجدد زيادة المحبة والاتصال، ودوام الخير بغير انفصال، لأن التهنئة بين الدول حقوقها مؤكدة، وتقتضى بين أهل المجاورة مزيد المراعاة المجددة، ودمتم مخصوصين بمزيد الاعتبار رافلين في حلل الأفراح والتهانى في الإيراد والإصدار وختم في 10 جمدى الأولى عام 1303". مع إسبانيا وفى شهر ربيع النبوى سنة 1294 وجه المترجم خديمه أبا عبد الله محمد فتحا بن خديمه عبد الله بن أحمد سفيراً لدولة الإصبان مع أفر (د لمقابلة الملك لما نزل بسبتة، فقوبلوا من الأمير والمأمور بكل تجلة وإكرام حسبما وقفت على بسط ذلك وشرحه في كتاب وجهه السفير لوالده ودونك لفظه: "الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما، سيدنا ووالدنا العلامة الأجل، الباشا الرئيس الأفضل، سيدى الحاج عبد الله بن أحمد رعاك الله، وسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله. وبعد: فقد قدمنا لسيادتك أننا ركبنا البحر بقصد التوجه لسبتة يوم الاثنين الثالث من شهر التاريخ، وقد نالنا حين الركوب من أنواع المشقة والامتحان ما

يكفر الله به الأوزار لعظم البحر ذلك اليوم مما فيه من تراكم الأمواج والهيجان، ومن كون ذلك المحل محل اجتماع البحرين الصغير والكبير، وقد أدركنا ركوبا في البحر خمس ساعات. ولما دخلنا مرصة سبتة صحبة باشادور إصبانيا وترجمانه، وجدنا حاكمها متلقيا لنا بشاطئ البحر، وقابلنا بغاية الفرح بعد ما وجه لنا نائبه للبابور مقابلا أيضا بالترحيب نيابة عنه، ومنه نزلنا من البحر ووطئنا الأرض ونحن ذاهبون، وأعيان البلد معنا والعساكر مصطفة، والموسيقى نجدها في كل محل نصل إليه، زيادة على ما خرج من المدفع حتى وصلنا لدار الحاكم التي بها نزولنا، فأطلعنا لأماكن فاخرة عديدة مزينة بأنواع الفرش الرفيعة، وبديع الأثاث الفخيمة، وجلس معنا الحاكم، وصار أعيان البلد والعساكر يسلمون علينا كل واحد على انفراده منفردا، وقابلناهم بما يناسب، وأتانا بالأطعمة والأشربة المختلفة الألوان، ولا يمر ربع ساعة إلا ويقول لترجمانه قل له: إن قدومه علينا لا يوازيه شئ، وإن الفرح والسرور الذى حصل لنا بقدومه لا يكيف ونحن نقابله بما يناسب المقام. وبتنا تلك الليلة فلما أصبح يوم الثلاثاء الرابع من شهرنا قدم سلطانهم يعنى ظهرت من البعد مراكبه، وحصل المرصة في الساعة العاشرة ونصف، وبقى في البحر إلى الساعة الواحدة بعد الزوال لأن الوقت الذى وصل فيه كانت وقت أكله، وما وسعه النزول في ذلك الوقت. وفى الوقت المذكور دخل المدينة وذهب يتطوف بأماكن البلد ويزور مواضع زيارتهم ووقف على حدود بلادهم، ورجع في الساعة الرابعة ونصف، ودخل المحل فأخذ يلبس ثياب زينته وأمر بعد هذا بملاقتنا معه، وكانت ملاقتنا معه بالمحل الذى نحن نازلون به لأنه به نزل هو أيضا لكبره، وكان الفاصل بيننا وبينه، ولقينا

بكمال الترحب والفرح والسرور، وقد قابلته بما يناسب مقامه، وأمليت عليه وأملى على ما نشافهك به بحول الله. وقد أخرت الشرح للاختصار، ولكون الطرس لا يسعه وللتلذذ به عند ملاقاتك، ولما أردنا الملاقاة جاء عندنا الشريف سيدى الحاج عبد السلام ولد سيدى الحاج العربى الوزانى وتأدب معنا وأعطى لمقام المخزنية ما يناسبها لتلاقيه مع سلطان إصبانية، لأنه كان قدم لسبتة تبلنا بقصد الملاقاة معه، فمنعه باشادور إصبانية، وحاكم سبتة وقالا له: الصواب الذى يلائم السنن المخزنى هو أن تذهب عند باشادور سلطان الحضرة الشريفة، وهو الذى يلاقيك بالسلطان، ويعرفك به، فحينئذ أذعن وأتى، وحيث وقعت الملاقاة طلبت الإذن من سلطان إصبانيا بتعريفه بمن كان واقفا معنا، فأذن فعرفته أولا بالشريف سيدى عبد السلام من كونه رجلا خيرا عندنا، وأن دارهم عندنا دار ولاية وصلاح، وثانيا بالطلبة، وثالثا بقائدى المائة، وهما القائد الجيلانى، والقائد الحنفى بعد أن أمرته بجعله عمامة، ورحب بالجميع وسأل عن القائدين هل هما قائدا الخيل أو الرجلى؟ فأجبته بأنهما قائدا الخيل. وقد كنت قدمت لك أن العدد الذاهب معنا لسبتة أحد عشر، ثم انتخبنا من العدد المذكور القائدين المذكورين والطالبين وأربع خدمة: بلال، والسيد محمد بن عبد الحفيظ، ورروق، وصالح الجزار، الكل بإشارة السيد محمد بركاش. ولما فض مجلس الملاقاة ذهب سلطان إسبانية لمحل مأكولاتهم ومشروباتهم وقت المغرب، فأرسل علينا لنكل معه فذهبت ومعى الشريف المذكور والطالبان، ولما فرغنا من الأكل خرج وطاف بأماكن عسكره بسبتة، بعد ذلك ركب البحر بين العشاءين على نية ذهابه لقالص ليكون به صبيحة يوم الأربعاء فإذا بالأقدار لم تساعد بأن هاج عليه البحر هيجانا ما تقدمت لنا رؤيته، وبات على ظهره بالمرصة،

ولا زال به إلى الآن وحتى الآن كمّا كنا على نية الرجوع لطنجة بحرًا في اليوم المذكور، فإذا به رأينا ما رأينا، وتأنّينا فإذا بالأمواج قد تراكمت وتكاثرت، وأخبر من له خبرة بمعرفة البحر وبفصول هيجانه أن هذا الشهر هو مارس لا يزيده إلا عتوًّا، وقد تحيرنا وانقطعت حيلنا ولم يبق إلا أن أقول ما قلته لك لما كنت معك برباط الفتح وطلبت منك التوجه لصلة الرحم مع والدتى وغلقت على جميع الأبواب وما أجبت إلا بقولى: هذه رحلة ألهمنا المولى سبحانه ونظرتك الفعالة لأن نوجه على قائد المحادة فأرسلنا عليه وجاء وطلبنا منه أن ينظر لنا بهائم توصلنا لتطوان إن أصبح البحر على حاله يوم الخميس، فقال: إن له فرسين إن أردتهما فعلى الرأس والعين وليس له سواهما، ونحن مفتقرون لنحو العشرة، فتحيرنا أيضا ولم نجد سبيلا إلى الركوب في البحر ولا إلى الذهاب في البر، فقلت ما قاله الإمام الشاذلى: انقطعت آمالنا وعزتك إلا منك، وخاب رجاؤنا وحقك إلا فيك وأنشدت البيتين: إن أبطلت غارة الأرحام ... إلخ. فيسر الله بأن خرج القائد المذكور، وتلاقى مع بعض أحبائه، بأن أشاروا عليه بكراء بهائم، فاكترى لنا العدد الذى يخصنا من سبتة إلى تطوان، وهو عشرة بريالين لكل بهيمة والكل بالبرادع. ومن علامات الإذن التيسير بلغ الشريف سيدى عبد السلام الوزانى الخبر باننا ما وجدنا إلا البهائم ذوات البرادع وهو ذاهب معنا منحنى ببغلته وركب هو على فرس، وكتبنا للقائد السيد أحمد الخضر بأن يهيئ لنا البهائم التي توصلنا إلى طنجة، وحليناه بما يناسب أن يحلى به من كونه محل الوالد، وأنه لولا محبته فينا واعتناؤه بجانبنا ما كتبنا له، وها نحن على نية الخروج من سبتة يوم الخميس قاصدين المبيت بتطوان في الساعة العاشرة، ومن تطوان إلى طنجة وهو يوم الجمعة بحول الله، وفى رفقتنا الباشادور، ويوم السبت يكون خروجنا من طنجة إن شاء

الله قاصدين حضرتكم، وإن وقع نخبركم، ومروره يكون على طريق العرايش على الساحل وموجب مسيرنا بهذه الطريق هو ما بالطريق الأخرى من كثرة الوحل الذى لا نستطيعه. ولا تسأل عما حل بنا بسبب مفارقتكم والغيبة عنكم، سيما لما حللنا بسبتة لعدم المجانس والموافق في الدين، نسأل الله سبحانه أن يكمل رجاءنا بالاجتماع بسيادتكم عما قريب. إنه سميع مجيب. ومن تتمة فرح حاكم سبتة بنا هو أنه كل ليلة يأتى ومعه رؤساء العسكر وأعيان المدينة من التجار وغيرهم ورهيبهم وموسيقاتهم ومن يعرف ضرب السنتير يقال له بلغتهم ابيانو نساء ورجالا، ويشتغلون بأنواع الطرب إلى وقت النوم، ونطلب من سيادتك صالح الدعاء والسلام في 5 ربيع الأنور عام 1294. ومنه فإن محل ما قدر لك من أن الإياب يكون برا إذا بقى البحر على ما هو عليه من الهيجان وإلا فإن ركض البحر وسكن فإن الرجوع يكون فيه بحول الله محمد بن عبد الله لطف الله به". وفى السنة 1294 وجه السيد عبد السلام بن محمد السويسى عامل الرباط سفيرا لأسبانيا ردا لزيارة باشادورها الموفد على الحضرة السلطانية. ثم بعث بعد هذا لدولة الإصبان أيضا بالحاج عبد الكريم بريشة سفيرا في مسائل سوس حسبما جاء في هذا الكتاب الوزيرى شكرا على ما لقى من الحفاوة والاعتناء: "المحب الذكى الألمعى النبيه الكبير دلبيكة دأرمخوا وزير الأمور الخارجية بالدولة الصبليونية الفخيمة بعد مزيد السؤال. ومحبة أن تكونوا بخير في جميع الأحوال. فقد ورد على حضرة سيدنا العالية بالله خديم سيدنا الأرضى الأنجد

السيد الحاج عبد الكريم بريشة وأنهى للجناب الشريف ما قابله به الحبيب الأفحم سلطانكم المعظم الفخيم من الاعتناء والبرور في الورود والصدور ومقابلتك له أنت بمثل ذلك ووقوفك معه وقوف الأحباء النصحاء الأصدقاء وبالغ في الثناء عليك بالجميل، وقد سرت الحضرة الشريفة بذلك واستدلت به على محبتكم للدولة الشريفة وسعيكم في الخير لها ووقوفكم في أغراضها المولوية وأثنى عليك مولانا نصره الله بالجميل وبالغ في مجازاتك بالخير فكان ذلك سببا وداعيا لمراسلتك ثم حمل الخديم المذكور ما يشافهك به وهاهو يرد عليك بقصد ذلك وختم في 20 شعبان المبارك عام 1299". وما جاء في الكتاب السلطانى لنائب طنجة ونصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله، وبعد وصل كتابك بأن خديمنا الأمين الحاج عبد الكريم بريشة كتب لك في مدريد بما في كتابه الذى وجهت ثم ورد خليفة باشدور إسبانيا من ذلك المحل وأخبرك بأن الخديم المذكور بخير وأنه عن قريب يرد فقد ورد بحر المخيم محلتنا السعيدة بمرسى ماسا وشافه بما فعله في الغرض وبين له ما يكون فيه وتوجه من المرسى المذكورة لمباشرته في الثامن عشر من شعبان الفارط والساحل السوسى وكوشطته أوقف على عينهما إيقاف تحقق وتدقيق وسترد عليك صورة ذلك صحبة بعض من حققوه ووقفوا بالفعل على عينه وحينئذ يقع الفصل بالفعل في ذلك والله المستعان والسلام في 8 من رمضان عام 1299". ثم بعد هذا وجه لها في القضايا نفسها سفارة أخرى تشتمل على القائد بوشتى بن البغدادى والكاتب مولاى أحمد البلغيثى والحاج محمد بركاش ولد

النائب ووالد باشا الرباط الحالى ونص كتاب بعثه في ذلك للنائب بعد الحمدلة والصلاة والطابع: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله وبعد وصل جوابك عن توجيه كاتبنا مولاى أحمد البلغيثى وخديمنا القائد بوشتى بن البغدادى لدولة اسبانيا. بأن الباشادور أشار بالرجوع لسوس والبحث في سواحله من أكادير إلى الطرفايا لران وجد محل موافق للشرط وحصلت الموافقة عليه يقيد بخطوط الأيدى والنظر فيه للدولتين وإن وقع الخلاف يقيد ويضع كل واحد خط يده بما تحقق عنده والنظر فيه للدولتين أيضا. وذكرت أن إشارته بذلك موافقة لما تضمنه الشرط الثامن أنه لابد من اتفاق وكلاء الجانبين على المحل. وأنه كتب بذلك كله لدولته ووجه لها نسخة من الكتاب الوارد عليه من حضرتنا العالية بالله ونسخة كتابنا الشريف لسلطانهم الموجهة له وحين يرد له جوابها يظهر هل لابد من توجيه المذكورين لها أو حتى يتوجه المعينون جميعا لسوس ويقع الخلاف بينهم على عين المحل، وأن اكودير الرجيلة وإن كان محققا بالقرائن أنه هو محلهم، فلابد من وقوف المعينين من الجانبين عليه ومشاهدتهم لتلك القرائن، وإن حصلت الموافقة عليه يقيدونها بخطوط أيديهم جميعا، ويرد النظر في ذلك للدولتين. وإن وقع خلاف فيه أو عين الصبنيوليون غيره يضع كل فريق خط يده بما ثبت عنده ويرد النظر للدولتين أيضا مع صور ذلك كله، وصار ذلك بالبال. فأما ما أشار به الباشدور من الرجوع لسوس والبحث فهو الأولى والمتعين والمطابق للشرط المذكور، وبه 1 أمرنا المعينين من قبلنا قبل توجههم من هنا وبعده 2 ووجهنا لهم ظهيرا لعمال القبائل المجاورين لتلك السواحل بتنفيذ الظهر والمئونة لهم وحراستهم والأخذ بأيديهم وكتبنا 3 لهم بذلك أيضا في أواخر رجب ووجهنا

لك نسخة من كتابنا لهم به وأجبناك به أيضا عن كتابك المؤرخ بالثانى عشر من شعبان المتضمن لطلب الدولة المساعدة عليه 4 وبأننا جددنا الكتابة به للمعينين ولما بلغنا توجه المذكورين لطنجة بقصد التوجه لأصبانيا جددنا لك الكتب به في أواخر شعبان، وحيث كتب به الباشدور لدولته فإن رجعت إليه ينفذ وإن أذنت للمشار إليهما في التوجه لعندها يتوجهان. وأما ما ذكرته في شأن اكودير الرجيلة فهو المراد والسلام في 4 من رمضان عام 1300". ونص آخر: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: وصل جوابك بأنك وجهت على ولدك الحاج محمد أصلحه الله لتوجهه مع كتابنا مولاى أحمد البلغيثى وخديمنا الفائد بوشتى بن البغدادى لمدريد، وتكلفه بما أمرنا به أن تعين توجيه المذكورين له وذكرت أن وزير الأمور البرانية لا محالة يعلم الباشدور بالكتاب الموجه له مع من ذكر المشار بكتمه عنه، وأن إخفاءه عنه مع ما هو عليه من المحبة والوقوف في القضية يؤثر فيه وظهر لك أن لا بأس بإعلامه به، وبأنه نسخة مما ورد له لكونه أولى من إعلام الغير، وصار بالبال. فأما ما ذكرته من توجيه ولدك مع المذكورين للمحل المذكور إن تعين توجيههما له فالعمل عليه، وأما ما أشرت إليه من عدم إخفاء الكتب للوزير المذكور عن الباشدور فقد كان عليه عمل بريشة حتى كان منه في شأن الباشدور ادوارد ما كان من نقله ولذلك أمرناك بكتمه عن هذا احترازًا من مثل ذلك. والحاصل فقد رددنا لك النظر في ذلك فما اقتضته المصلحة فيه من كتمه عنه أو إعلامه به امض عليه والسلام في 5 رمضان عام 1300".

وإليك نصوص بعض الوثائق الراجعة لمسائل مراسى سوس تتميما لما أسلفناه في الكلام على حركات المترجم، أولها بعد الحمدلة والصلاة والطابع الكريم بداخله. الحسن بن محمد الله وليه ومولاه: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله وبركاته، وبعد: فقد وصلنا كتابك بأنك بعد ما كتبت لنا بما كتبت به دولة الصبنيول لباشا دورها في شأن الهرج الواقع بجزر كنارية لأجل مكينسى النجليزى أخبرك الباشدور أنه وردت له مكاتيب أُخر من دولته بأن الأمر قد ضاق في ذلك، وأنه تعين التعجيل بفتح مرسى هنالك قبل عموم الضرر لتلك النواحى، بحيث إذا لم نعجل بذلك فإنه يحصل الضرر الفادح لمرسى الصويرة وللمغرب كله، ونكلم معك بذلك كلاما مجملا من غير تفصيل، وأنك بعد ذلك كنت تتكلم مع خليفة الفرانصيص فأخبرك أن عندهم المكاتيب من دولتهم بالتكلم في أمر سوس ذاكرين أنه لا يمكن لجنس أن يستغل تلك النواحى بدون أعشار وهم يؤدون الأعشار في المراسى، ففهمت من كلامه أن فرانصة تكلمت مع إسبانيا في ذلك، ولأجله أجمل الباشدور في كلامه ولم يفصل، وأنك تخبرت على وجه السر بكتاب توجه للفرانصيص من فرقة آيت باعمران يطلبون التجارة منه معهم، كما تخبرت بأن ابن هاشم كتب له بالمخاطبة في شأن المخالطة فلم يساعد على ذلك إلى آخر ما ذكرته، وصار منا على بال. فأما فتح المرسى هناك فيحتاج إلى تأويل وأمور مهمة لكون أولئك الناس ليسوا على ما ينبغى، وانظر قضية النصرانى النبريال المقتول هنالك مع ما يصدر لمن ينزل بوادى نون من إسبانيا من الأسر حتى نفديهم منهم بالمال، وعلى كل حال أما الصبنيول في هذا المعنى فقد أجبناك عنه في غير هذا، وأما الفرنصيص فبصره

وأعلمه بأنا لم نسكت للنجليز على مكينسى بل لا زال الكلام معهم في ذلك وقد تكلمنا مع باشادورهم حيث كان بحضرتنا العالية بالله في شأن من ذكر والمحل الذى نزل به فادعى أن ذلك المحل خارج عن إِيالتنا، فلم نقبل منه ذلك ورددناه عليه بما كنا وجهنا لك نسخة منه ومن جملته الاسترعاء على نزول المذكور هناك بغير إذننا، وتعرفه مع قبائل إيالتنا افتياتا وجعل الدرك عليه في كل ما ينشأ عن نزوله بناحية مراكش من الضرر والخسارات لا في الرعية ولا في الديوانات ولا في غير ذلك، لمخالفته للشروط والقوانين وفى كل ما يقع له ولمن معه لا في أبدانهم ولا في أمتعتهم لنزولهم هناك من غير إذن ولا درك فيه لا على المخزن ولا على قبائل تلك الناحية. والتأكيد عليه في الكلام مع دولته في غلق أبواب المضرة التي فتحها مكينسى بإنهاضه من تلك الناحية ونحن على نية توجيه من يتكلم مع دولتهم حيث يجيب الباشادور إن لم يحصل على طائل، وأعلمه أيضا بأنا نسوس الرعية هناك بقصد تأليفهم للمفاوضة معهم في أمر تلك المرسى، ولا زال المخازنية غائبين عندهم وصبره بأن لا يحدث أمرًا هناك، ولا يتكلم في أمر سوس حتى نكون هناك بالحوز لكونه قريبا من سوس، وحينئذ يكون كلامه معنا في ذلك لا مع الرعية، وهذا إذا بقى مكينس هنالك، وإلا فمئونة كفيت وأنت أيضا أشر علينا بما يظهر لك في توجيه باشادور لدولة النجليز بقصد الكلام في ذلك وبما يظهر لك في أمر قبائل سوس جهاراً علانية بطرد مكينسى، واجعل هذا الأمر من أهم الأمور عندك، وكن عند الظن بك ولابد واستعن بالله ثم ببعضهم من هناك على هذا الغرض. وإن ذكروا لك آكدير فأعلمهم بأن آكدير دشرة على حجرة ملتفة بالغابة وسط قبيلة اذاوتنان، وهم جبالة لا تنالهم الأحكام ولا يحصل لهم به الغرض، لأن حكمه حكم الصويرة والمقصود عندهم أن يكون المحل وسط سوس كآيت

باعمران أو اكلو وأما افنى فهو الباب الذى يقبض فيه المستفاد وهو طرفا الجبل والبحر وكل مرة يتجاسرون فيه على الأمناء، ويكثر الرد لهم معه ويثبتون لهم المنقاد وأظن أن صورة آكدير لا تخفاهم من الكارطة، وحتى إن أردت تحقيق ذلك بتوجيه صورته نوجه مهندسا لهناك حتى يخطه ومحله علوا من الجبل والمساحة بينه وبين البحر ومن هو دائر به جوارا من القبائل ألى غير ذلك وتوجه لك والسلام في 22 رمضان عام 1297". الثانى وجه للنائب بركاش صحبة المهندس: "وبعد فحيث كنا بالقطر السوسى أمرنا المهندسين بالتوجه من آكدير إلى أسك مع سواحل القطر المذكور، وتقييد ما فيها من البناء القديم والحادث العربى منه والعجمى، فرجعوا وذكروا أنهم لم يجدوا بناء قديما منسوبا للنصارى عدا محل لا بناء فيه أصلا فوق وادى أصك بينه وبين البحر خمس دقائق يسمى برج الرومى، وآخر فوق برج الرومى المشار إليه ساعة وربع، وبين البحر نصف ساعة يسمى سوس الرومى، فيه طلل بناء عفا بعض أثر تحويطه وبقى بعضه مع بعض أثر برج وأتوا بصورة الجميع، وها هى تصلك صحبة أحد ممن باشر ذلك بنفسه وعاينه زيادة في البيان فعرف الباشدور بذلك وأطلعه على الصورة المذكورة، وإذا سلم ذلك فأعلمنا وكذلك إن لم يسلمه ليوجه من يجدد البحث عن المحل المقصود عندهم مما وراء أصك الى رأس جوبى إن لم يسلم الباشادور ذلك والسلام في 4 ذى القعدة عام 1299". الثالث بعد الحمدلة والصلاة والطابع الكريم: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله وسلام عليكم ورحمة الله.

وبعد: وصل جوابك بأنك أجبت باشادور إسبانيا كتابة بما في النسخة التي وجهت من أن جانبنا العالى بالله موجود للوفاء بالشرط الثامن من شروط المهادنة وفق أمرنا الشريف، وتذاكرت معه فيما أمرناك به من أن تأنيهم وتربصهم في توجيه المهندسين من الجانبين حتى يرد المهندسون الآخرون الموجهون من حضرتنا الشريفة لتحقيق محل مسامت لجزر كنارية أخبرته من له خبرة بتلك الناحية، وذكر أنه هو سانط كروز بكينية، فأخبرك بأن الوقت ضاق ولم يبق الكرطيل عندهم إلا نحو أربعة أيام، وأن طلب التأنى والتربص في توجيه المهندسين غير محتاج إليه، ولا ينبغى ذكره كتابه حيث كان مذكوراً في الشروط. مع أنه ريثما يوجه جوابك المذكور لدولته ويرد له الجواب عنه وتكتب لحضرتنا الشريفة يكون أولئك الموجهون لتحقيق المحل المذكور وردوا لحضرتنا الشريفة، وصار ذلك بالبال والسلام في 8 ربيع الأول عام 1300". الرابع بعد الحمدلة والصلاة والطابع: "خديمنا الأرضى، الطالب محمد بركاش، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله وبعد: وصل كتابك وبطيه كتاب باشادور إسبانيا لك، وعلمنا ما تضمنه من طلبه تحديد المحل المعين لهم لصيادة الحوت عوضا عن السانط كروز، وأن يكون الموجهون لذلك من طرف المخزن كالخديم بن البغدادى، وذكرت أنك استأنيته في ذلك فتعلل بما شرحته وصار ذلك بالبال، فالأولى هو تأخير ذلك إلى أن نكون بالحوز بحول الله لكونه الآن متعذرا بما هو واقع بين قبائل تلك الناحية من الفتنة والهرج، حتى إنهم هجموا على عمالهم وأكلوا دورهم.

وعليه فعرف الباشادور بذلك وتلطف في مباشرة أمر تأخير ذلك معه إلى الوقت المشار إليه، ولابد وان أبى إلا اقتحام مشقة تنفيذ ذلك الآن ولم يقبل عذرا فيه، فأعلمنا لينفذ ويؤمر الخديم بوشتا بن البغدادى وبعض المهندسين بالتوجه مع المعينين من قبلهم لتحديد المحل المعين لهم لذلك والسلام في 14 قعدة عام 1301". ثم وجه صاحب الترجمة سفارة أخرى لإسبانيا يرأسها القائد عبد الحميد الرحمانى، ومعه الفقيه الكاتب السيد العباس الفاسى، والحاج العربى بريشة وإليك ما راج في هذه السفارة لمدريد في عشرى حجة الحرام متم عام 1308 من مطالب المغرب وأجوبة إسبانيا عنها ومن مطالب دولة الإصبان وأجوبة الحضرة الشريفة عنها: المطلب الأول -تأخير قدوم الكبلير رلاندى لمراكشة بقصد استيطانها. أجابت عنه الدولة المذكورة بأنها مساعدة على زيادة ثمان سنين في الأجل المضروب لذلك زيادة على السبع سنين المنصرمة بعد تمام الأجل المزيد على يد السويسى رحمه الله، إلا أن إمضاء ذلك مقيد بثلاثة شروط: الشرط الأول: عدم مساعدة أحد من الأجناس على مثل ذلك أصلا وإلا فلهم طلب المساواة. الشرط الثانى: تعجيل فصال دعاويكم بموجب الحق على مقتضى الشروط والتفويض للنائب السيد الحاج محمد الطريس في حسم مادتها، وإصدار الأمر الشريف للعمال بأن يكونوا ينفذون ما يكتب لهم به من ذلك وشبهه، وذكرتم أن النائب المذكور لو كان مفوضا له لما احتاج أحد من نواب الأجناس للحضرة الشريفة ولا إلى الذهاب إليها في شأن الدعاوى.

الشرط الثالث: تنبيه عمال المدن والبوادى التي لا قوانص لكم بها على أن يكونوا يفاصلون كل دعوى رفعها لهم أحد من رعية الصبنيول وذوى حمايتهم على وجه الحق، بحيث لا يحتاج إلى رفع الدعوى لنائبهم، ليتكلم هو فيها حينئذ بل العامل ينصف ويفاصل من أول الأمر. أجابت الحضرة الشريفة عن الشرط الأول الذى هو عدم مساعدة أحد من الأجناس ... إلخ، بأن العقلاء أمثالكم لا يخفى عليهم أن طلب الشئ يحق إذا توفر فيه أمران، أحدهما أن يكون صدر لأجل علة يسلمها ويقتضيها نظر الصلاح، والثانى أن يكون الحاصل بالطلب مصلحة جارية على حسن النظام ليس فيها ضرر على جانب الطالب ولا على جانب المطلوب، فإذا كان الطلب مبنيا على هذين الأمرين حسنت المساعدة عليه، لأن مصلحتها تابعة لمصلحته، وعدم مساعدة أحد من الأجناس ولو كانت غير متأنية حيث ذلك من جملة الشروط المنعقدة معهم، لكن إذا ظهر التماس العذر وقبوله من حضرته الشريفة فذاك واضح ومساواتكم له أمرها مسلم نعم أنتم أولى وأحق عند الحضرة المولوية بالله بمراعاة حق المحبة وقبول العذر وحسن الموافقة والألفة، والذى تعتقده وتستحقه منكم الحضرة الشريفة أنه لا يصدر الطلب من جانبكم إلا عن جميل لأجل جميل على وجه جميل. وعن الشرط الثانى: وهو تعجيل فصال دعاويكم بأن فصال دعاويكم لا يقع تعطيل فيه لكونها عند الحضرة الشريفة من أهم الأمور وآكدها، نعم لا يخفى على العقلاء أمثالكم أن مطلق قضية من القضايا بين خصمين حاضرين لا يتأتى الفصل بينهما فيها إلا بعد أن يؤمر كل واحد منهما بإحضار الحجة على مقاله فيها، ويضرب له الأجل لذلك، وبعد إحضارها تصفح ويقع الحكم في القضية بما يقتضيه الحق فيها، ولو وقع الحكم فيها بينهما قبل ذلك لوقع الحيف والظلم لأحدهما، سيما إذا كانت القضية من قبل دولة عظيمة والمدعى عليه غير حاضر،

فلا بد من الكتب لعامل المدعى عليه بإحضاره لمقابلة الدعوى ومن البحث فيها من خارج وحيمحذ يقع الحكم عليه بما يقتضيه الحق، وإن كان له مقال مؤيد بحجة مسلمة فذاك وهذا هو موجب عدم التعجيل في فصل بعض الدعاوى. كما أجابت أعزها الله عن التفويض للطريس بأنه مفوض له في فصل الدعاوى التي لا يحتاج فيها إلى مراجعة الدولة، وبأن الأمر صدر بذلك للعمال قبل وممد بهم الآن تأكيدا وجدد تجديدًا، نعم بعض النواب الذى بينه وبينهم تفاقم يمتنع من الكتب لهم ويكتب للحضرة الشريفة في جميع أموره، ودليل ذلك كون هذا البعض يكتب لها بتوجيه سفيره للحضرة الشريفة، إذ كان بصدده ونحو ذلك من الأمور التي لا يحتاج فيها النائب المذكور إلى تفويض. وعن الشرط الثالث الذى هو تنبيه عمال المدن والبوادى التي لا قوانص لكم بها على أن يكونوا يفاصلون الدعاوى التي يرفعها لهم من ذكر بأنها أصدرت لهم الأمر بذلك. المطلب الثانى -طلب الأذن لحرابة الصبنيوليين الذين بالحضرة الشريفة في التوجه لحالهم للاستغناء عنهم لتعلم العسكر ما فيه كفاية. أجابت عنه الدولة المحبة بأنها تساعد على ذلك بمجرد سفر غيرهم من الحرابة الذين هم بالحضرة المولوية من أجناس آخرين. وأجابت الحضرة الشريفة بأن مساعدتها على ذلك من دلائل محبتها وصداقتها وسعيها في الخير لهذه الإيالة وذلك هو الظن بها والمعروف منها وبأنها تطلب من وزير الأمور البرانية الكبير فلان أن يجارى الدولة المحبة على ذلك على لسانها بأتم الجزاء. المطلب الثالث -إلزام حاكم مليلية التخلى عما زاده في حدادتهم من أرض بنى شيكر وإبقاء الحدود على أصلها.

[صورة] شروط الحدود المليلية

أجابت عنه الدولة المحبة بأن علامات الحدود القديمة لازالت موضوعة في أماكنها المعلومة المعينة لها بموافقة الجانبين لم يحدث فيها تبديل ولا تغيير، وتطلب من الحضرة الشريفة إصدار الأمر العالى بالله للمعينين للوقوف على تمييز الحدادة بوضع خطوط أيديهم على الرسم المتضمن بيانها حالا لأنهم تعللوا من عدم الإذن الشريف لهم في وضع خطوط أيديهم عليه. وكما تطلب كف قبائل الريف عن الدخول متسلحين للحدادة حذرا من الفتنة وإخراج المسلمين في الأرض المحرمة بالحدادة، حيث يمكن ذلك لوقوع الاتفاق على عدم سكنى أحد فيها من الجانبين كما بالشروط. أجابت الحضرة الشريفة بأن يضعوا خطوط أيديهم على رسم الحدادة، كما أصدرته لعمال قبائل الريف بكف إخوانهم عن الدخول للحدادة متسلحين، وبأن يخرجوا المسلمين الساكنين بالأرض المحرمة بالحدادة وقت إمكان، وتأتى ذلك لهم. كما أجابت أيدها الله عما أشارت به الدولة المحبة فيما تنحسم به مادة أهل الدين الجديد من النجليز من أن الشروط تعطى السكنى لسائر الأجناس بأى بلد شاء، وما لم يحدثوا في القوانين شيئًا وهو أعظم ضررًا من الإحداث في القوانين، ومن أن لمولانا دام علاه تعريف باشادورهم بذلك ليأمرهم بالخروج من أرضنا وإلا فإن دهمتهم مصيبة فدركهم على أنفسهم ولا حجة لكبرائهم في الكلام عليهم لتقدم الاسترعاء بأنها مجزية بخير على الإشارة بذلك الدالة على محبتها وصداقتها، وبأنها أمرت بالكلام مع باشادورهم بذلك". كما عقد مع إسبانيا اتفاقا على حدود مليلة المشار لها في مسائل السفارة الرحمانية وهذا نص ذلك من أصله العربى بعد الحمدلة: "هذه شروط الحدادة الدائرة بمليلية الواقعة بتاريخ 15 رمضان عام 1308

على يد المكلفين من قبل الحضرة الشريفة أعزها الله، ومن قبل دولة الصبنيول الفخيمة الواضعين أسماءهم أسفله ليقع رسم الحدادة التي رسموا في 26 ينيه سنة 1862 الموافق 28 حجة سنة 1278: فحضرة سلطان مراكش وحضرة سلطانة أسبانيا كلفوا المفوضين وهم من جانب حضرة سلطان مراكش القائد العربى بن حميد الشركى، والقائد حمان السعيدى، ومن جانب حضرة الكتولك الجنرال البر كادرضون خوسى ميرليس كنساليس، والكماندنط دلخينروس دون اليحيوسوسى اى فرناندس دلاماسة، والكبطان داسطاد ومايوردون، وخوان ببكاسر كنالس. ولما أظهر بعضهم لبعض أمر التفويض وقع بينهما الفصال على وفق ما بالفصول التي سنذكرها: فعلى جهة الشمال من عرصة محمد اقدور اشرقى بواد فرخانة، لأن في تلك المحل طاحت كورة المدفع الذى خرجوه من برج ببطرية الكبير على فصال الثانى من شروط 24 غشت 1859 موافق 24 محرم بالحدادة مقسومة على جهتين، الجهة الأولى لقنت، الثانية بجهة النورط. وعدد المواضع ما بين السور وامليلية مطروس 2900 فالمضروب المذكور من قدور له درج من جهة الشرق مع إبرة البوصلة راسمة السنة درج 1705 بين النرط والغرب، لئلا يقع الخلاف في هذه الخدمة بالتفويض من الجانبين تفاطلوا برشم المواضع كل مضرب بالنمر، والذى له من شاطئ البحر جناب إلى جهة النرط وعلى ذلك حدود الأرض السبنيولية هكذا، فمن عرصة قدور اشرقى وهو النمر الاثنا عشر له من دج 55/ 22 وعدده مع برج بيطورية الكبير إلى جهة الشرق عند سيدى ورياش وعدده مطروس 460 الموضع الإحدى عشر له من درج 12/ 280

وعدده مطروس 280 بينه وبين المضرب العشرة الذى هو عن شمال واد سيدى ورياش وهكذا إلى البحر كما ذكرها المضرب العاشر عن شمال واد سيدى ورياش له من درج 88/ 288 وعدده مطروس 280 المضرب التاسع بوادى سيدى اورياش له من درج 30/ 13 وعدده مطروس 446 المضرب الثامن من طريق مزوجة وفرخانة له من درج 245 وعدده من مطروس 480 المضرب السابع في أرض حد كهولة من درج 245 وعدده من مطروس 480 المضرب السادس في كدية طاسدية برشاون له من درج 33/ 193 وعدده من مطروس 285 المضرب الخامس عن قريب عرصة لحسن له من درج 2/ 19 وعدده من مطروس 763 المضرب الرابع بواد سيدى محمد له من درج 40/ 275 وعدده من مطروس 880 المضرب الثالث بكدية خربت اكديش له من درج 40/ 112 وعدده من مطروس 1100 المضرب الثانى بكدية أولاد العرب له من درج 81/ 176 وعدده في مطروس 960

المضرب الأول في رمل شاطئى البحر مقابل برج صبط باوبرة. ومن مضرب الثانى عشر بعرصة قدور اشرقى الحدادة مع برج ليطورية الكبير لهما من درج 05/ 77 وعدده من مطروس 600 بينه وبين: المضرب الثالث عشر بكدية بن عمر اروياش له من درج 6/ 188 وعدده من مطروس 886 المضرب الرابع عشر بالواد الغارق له من درج 15/ 191 وعدده من مطروس 950 المضرب الخامس عشر بكدية الصباب له من درج 10/ 196 وعدده من مطروس 760 المضرب السادس عشر بكدية روسطز وغردله من درج 45/ 164 وعدده من مطروس 700 المضرب السابع عشر من جرف البحر فوق المرسى الحمرة إلى الحجر الأحمر. انتهت الحدود المذكورة في 15 رمضان عام 1308 خديم المقام العالى بالله العربى بن حميدة الشرقى وفقه الله، خديم المقام العالى بالله محمد بن العربى السعيدى وفقه الله" ثم يلى ذلك الإمضاءات مندوبى أسبانيا ثم الختم بطابع اسبانى. وإليك نصوص بعض الوثائق فيما كان يجرى من الكلام والمذاكرات على حدود مليلية ونص الأول بعد الحمدلة والصلاة والطابع الكريم: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله.

وبعد: فقد أجبناك في غير هذا عن مطلبى باشدور اصبنيول بما تظهره له من التلطف والمدافعة بالتى هى أحسن، وأنت اعمل جهدك في ذلك وكن عند الظن بك في مدافعته وتأخيره عنهما بكل ما أمكنك، إذ لا يخفاك ما ينشأ عن ذلك من الهرج والفتنة وتشويش قلوب المسلمين وإن ظهر لك شئ يكون فيه إعانة لك على المدافعة والتأخر فأعلمنا به لنرى فيه، ثم إذا لم يمكن دفاع وقطعت منهم الخير بالكلية وأيست من رجوعهم عن ذلك فأجبه عن أبراج حدود مليلية بأن البلاد سلمت لهم على حدودها وما أخرناهم عن البناء فيها إلا رغبة في طول الهناء للجانبين، وتوقيا مما يجلب موجبات الشنآن بين الدولتين المحبتين، وإلا فالأرض المسلمة لهم يفعلون فيها ما شاءوا، ودرك ما ينشأ عن ذلك محسوب عليهم وحال قبائل الريف معروف عندهم، وعدم استقامتهم وامتثالهم مشهور في جميع الآفاق، وهو يرى كيف دافعوهم عن عمل الجير والآجر والقرمود بإزاء حصنهم كما زعم في دعواه، فكيف بالبناء. وما علينا إلا أن نأمرهم بالتخلى لهم عن بلادهم وتخليتهم وما يريدون فيها ونكفهم عن الشر ما أمكننا، وأما المحل الذى قرب وادى نون فقد بحثنا الجوار عنه ومن له خبرة بذلك واعتناء وولوع بالأخبار والتواريخ، فأخبرنا على وجه التحقيق أن المحل المذكور قريب من الصحراء الغير الممكن فيها الأحكام، ويسمى بالعجمية صانطكروز لبكنيا وهو الذى كان بيد الصبنيول قبل هذه لمدة بنحو المائتين سنة يصطادون فيه السمك والأمر فيها سهل إن لم يصدر لهم من أهله حرج، فنتأمل في ذلك ونسلمه لهم على شروطه ومنهم إليه بحيث لا تكون علينا عهدة ولا درك فيما يلحقهم من الجيران ومن أعانهم من المتطوعين غير المخزن، وعلى كل حال فقد عرضنا عليك نظرنا في هذا لتنظر فيه وتتأمله ولا تبدى منه إلا ما ظهر لك

مصلحته بعد التثبت ومراجعتنا فيه والله يعينك ويرشدك ويسددك والسلام في 4 ذى القعدة عام 1293" ونص الثانى: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: فقد بلغنا أن الحاكم الذى كان بمليلية عام أول ونقل منها أعيد للولاية بها، وجعل يوجه لجوارها من قلعية بقصد الدخول في الحماية، وطلب منهم بناء بيوت خارج البلد لغرض لها وجعلها محلا لبيع مشروباتهم بينها وبين البلد قدر رمى الرامى بالبندقية وجعل يبنى خارج البلد وينقل لها المدافع والبارود الكثير ويخرق القوانين ويقبل من يريد الركوب في البحر من غير تسريح عامله، والمعهود عدم قبول أحد إلا بالتسريح، إذ ربما يكون مريد الركوب تعلقت به حقوق من قتل أو نهب أو سرقة وعامله أدرى بأفعاله وقد وجه هذا الحاكم على عامل أولاد ستوت بقصد الكلام معه في سوق الحلفاء من هناكم فنأمرك أن تتكئ مع نائب دولته بإلزامه الوقوف عند الشروط والقوانين الجارية، ولا يحدث أمراً ليس بمعهود هناكم والسلام في شعبان الأبرك عام 1298". ونص الثالث: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: وصل كتابك بأن باشدور اسبانيا أعاد الشكاية بما قدمت الإعلام به لحضرتنا الشريفة، من إضرار أهل الريف بأهل بادس والنكرر ومليلية، وذكر أن السبب في ذلك هو خديمنا القائد زيان الورياغلى حسبما في كتابه الذى وجهت،

وذكرت أنه يطلب قائدا على تلك النواحى مع ما يكفيه من الجيش، وأنك خشيت أن يصدر من أهل الريف مع جوارهم ما يكدر الخواطر حيث العامل المذكور هو الساعى في الإفساد، وطلب الدواء النافع لذلك وصار ذلك بالبال. فأما إضرار أهل الريف بأهل المحال المذكورة لم نرضه، وقد تكدر الخاطر عليهم من أجله فإنا لا نوافق على ما فيه خرق وضرر لمطلق الناس، وأحرى لهذه الدولة المحبة غير أنه لما وجد الحال أهل تلكم النواحى رفعوا لنا شكايتهم بجوارهم أهل الحصون المذكورة قبل أن توجه شكايتهم المتضمنة لسرقة حمار وربطة من الجلد ليهودى من مليلية وضرب العسة بالبارود التي جعلها حاكم مليلية على المسلمين الذين يختفون ليسرقوا اليهود الحاملين للبضائع من مليلية. بحثنا من وجدهم الحال بحضرتنا الشريفة من هداية الريف عن ذلك، فأجابوا بأن حاكم مليلية جاد في التحزب برعاع مزوجة وبنى شيكر الذين لا يسعون في خير بين المسلمين والنصارى، وأراد أن يدفع لهم بلاد الحدود يحرثونها بالمنفعة وإسكانهم بالدور التي أدخلت في الحدود الصبنيولية، وأن أرباب تلك الدور لما سمعوا بذلك أصابتهم الغيرة وإن رأوهم يتصرفون فيها لا محالة تقع الفتنة بينهم وبينهم، وهذا زائد على ما تشكو به قبل من كونه يبنى الحصون والأبراج بالحدادة ويستميل فساد القبيلة إليه حسبما قدمناه لك، وأن بقيوة وبنى يطفت مشتغلون بإخراج البقر للنصارى من النكور وبادس. وحيث منعهم العامل المذكور من ذلك ولم يساعدهم عليه رماه حاكم مليلية بما ذكر، والدليل على براءته منه طلبه من الأمين الطالب محمد بن أحمد العسرى أن يتكلم مع حاكم مليلية بكف حاكم جزيرة النكر عن المخالفة مع رعاع الناس وأجلافهم، لا سيما الرجل منهم المسمى بعبد الله المشتغل بالخوض وإيقاد نار الفتن

بالبلاد وإنزال النصارى للمحال التي لا أمان فيها حسبما تراه في كتابه وكتاب الأمين المذكور طيه. إذ لو كان يسعى في الفساد كما ذكر حاكم مليلية لما طلب شيئًا من ذلك كما أجابوا عن الأقوات بأنها لا تقطع لهناكم ومن وجدوه يتعاطى ذلك يضربون على يده، وعن العسة بأن تلكم القبائل يفرضونها على اعظامهم كل عظم يأتى بما ينوبه منها ويمكث بها أياما هناكم، ثم ينصرف ويخلفه آخر، وعلى هذا عملهم فيها، وأن النصارى ضربوهم بثلاث كورات وبمائة وثمانين بندفة. وحيث كان الأمر كما ذكر تعين علينا توجيه ثقتين من جانبنا العالى بالله يحققان ذلك وهما: خديمانا العربى بن الحسن الشركى، والج أحمد بن أحمد بن التهامى البقالى التطوانى للبحث في ذلك والشهادة بما يتلقونه من أهل تلكم النواحى من خبر ما ذكر. وكذلك بما يرونه ولا نكره إن تكلم الباشدور يأذن لكبير مليلية والنكور وبادوس في الملاقاة مع الموجهين المذكورين بقصد المشافهة والتحاقق فيما عندهم من ذلك والمفاوضة فيما يحسم مادة الشنآن بين الجانبين، ويديم الهدنة والسكينة بينهما، وقد أذنا لهم فيها إن توافقوا معهم عليها لما في الإذن لهم فيها بعد جوابك لنا من التطويل، وأمرنا عمال بنى ورياغل القائد زيان والج حدوا والج على بالقدوم على حضرتنا الشريفة صحبة الموجهين المشار إليهما، ليكون الكلام معهم في ذلك بحول الله. وأما ما طلبه الباشدور من توجيه قائد لتلك الناحية مع ما يكفيه من الجيش، فقد أصدرنا أمرنا الشريف لخديمنا الج محمد الفرجانى آغا عسكر العرايش بأن يتوجه لجنادة بجميع عسكر الثغر المذكور وينزل بها مقدمة حتى ننظر في ذلك والسلام في 14 من ذى الحجة الحرام عام 1298".

ونص الرابع: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: وصل كتابك بأن باشادور إسبانيا كتب لك بما في كتابه الذى وجهت من أن حاكم مليلية كتب له بأن عامل بنى بو كافر امتنع من رد مسجون له فر من مليلية وبرح في الأسواق بأن كل من دفع مسجونا هاربا من هناك يقتل وتؤخذ أمتعته، وكذلك من لم يقتل النصارى الذين يتجاورون الحدادة، فأجبته عن ذلك بما في النسخة التي وجهت ووعدته بالكتابة لناحية الريف بالسؤال عن ذلك، وإطلاع علمنا الشريف بالواقع وكتبت لأحد أمناء مليلية بما في النسخة التي وجهت وطلبت إصدار أمرنا الشريف للعامل المذكور برد المسجون الهارب على مقتضى الشروط وإبطال التبريح المشار إليه وصار ذلك بالبال. وقد أحسنت فيما فعلته في ذلك كله، وأصبت في صرف وجه الاعتناء لعلاج ذلك الداء، سددك الله. نعم، كان بلغنا ذلك قبل وأصدرنا أمرنا الشريف للعامل المذكور بما ذكر ولغيره من خدامنا عمال قلعية وأمنائهم بالبحث عن النصرانى المذكور، ودفعه لحاكمه على يد الأمناء، ووجهنا من يقف حتى يدفع له. ومن جملة من أمر بذلك من العمال المذكورين: وصيفنا الطالب عبد الله بن أحمد فأجاب بما تقف عليه في كتابه طيه من تكليفه بعض المرابطين الخمليشيين المسموعين الكلمة بتلك الناحية بالبحث عنه ورده لحاكمه على يد الأمناء المشار إليهم. وأما نداء العامل المذكور فقد بلغنا أن سببه ترامى الحاكم المذكور على إخوانه وقبضه عليهم في النصرانى الذى فر له ومن جملة من قبض عليهم أخوه، وأنه وقع من القبيلة لامن العامل لكون الأنفة من فعل الحاكم المذكور ذلك بإخوانهم

حملتهم على النداء بذلك، وها نحن آخذون في البحث ثم إن صح أن العامل هو الذى أمر بذلك يؤدب بحول الله لأنه لم يرتكب هينا، وهذا مصداق ما أجبت به باشادورهم من أن أصل ذلك من حاكم مليلية لارتكابه الأمور التي ينشأ عنها الشنآن كتوجه الفساد من أهل الريف لإسبانيا، وقبولهم في مليلية وتعرضه على أهل الجرائم، ووعده لأهل الريف بالحرث داخل حدادتهم وغير ذلك من الأمور المفضية للهرج والمشاحنة تولى الله أمرنا وكفانا بحوله وقوته والسلام في 2 محرم عام 1300". هذا وإن لصاحب الترجمة علائق ومراسلات مع إسبانيا غير ما تقدم، وقد تداولت بينه وبين ملوكها الرسائل الودية ككتاب الفنس الثانى عشر إليه معلما باقترانه بالأميرة النمسوية مارى كريستين زوجه الثانية، وجواب الحضرة الشريفة عن ذلك بالتهنئة مع إيفاد سفارة للقيام بذلك نيابة عن جلالتها. ولما ولدت المذكورة بنتًا بعث كتابًا ثانيا منبئا بذلك فأجابته الجلالة الحسنية بالتهنئة والاستبشار بذلك. ولما تزوجت أخته الأميرة "مرياد لبس" بابن عمها الأمير "لويس فرندود بيرة" أرسل كتابا معلنا بذلك مجدداً فيه المودة المتواصلة، فأجابه المترجم على ذلك بما ينبغى أن يجاب به. ومن ذلك إهداء الملك المذكور للحضرة الشريفة علامة الافتخار وإرساله "إدوارد رمية يانكوس" سفيرا وواسطة بين الدولتين وجواب المترجم له عن كل من العلامة والسفارة بحول الأولى محل القبول والكرام، ومقابلة الثانية بما ينبغى من المبرة والاعتناء والمسرة. ومن ذلك كتاب المترجم للملك المذكور بالشكر له ولدولته، وأعيان رجاله وأمته، على ما صدر منهم في مال الصلح من الصبر والمجاملة واستيفائه على وجه التقاضى وحسن المعاملة، وختمهم ذلك بأحسن ختام، بالإذن في نهوض أمنائهم

من المراسى قبل استيفاء الواجب من بعضها على التمام. وأن ذلك حقق للحضرة الشريفة ما كانت تسمعه عن المحبة وكمال الاتصال بين أسلافها الكرام، مثل سيدى محمد بن عبد الله وغيره. ولما مات الملك الفنس الثانى عشر المذكور بعث بالتعزية فيه للحكومة الإسبانية وكتب لزوجه الملكة مارى بالتعزية فيه والتهنئة بتبوئها مكانه، لأنها عينت وصية على العرش بعده ونص ذلك بعد البسملة والحوقلة والاستفتاح والطابع: "إلى المحبة المعظمة، المحترمة المفخمة. سلطانة دولة إسبانيا الفخيمة السلطانة دنى مرية كريسطينة. أما بعد حمدِ الله الذى لا يروعه الحمام المرقوب ولا يبغته الأجل المكتوب. فقد بلغ لشريف علمنا أن المحب المعظم الصاحب المحترم. سلطان إسبانيا السلطان الفنس الثانى عشر مات وانتقل من هذه الدار. إلى دار المقام والقرار. فحصل لنا من الأسف على مصابه ما الله أدرى به. لأنكم أحباؤنا وجيراننا فما يسركم يسرنا. وما يكدركم يكدرنا. ونحب الخير التام لكم. ودوام صلاح نظامكم. وبمجرد بلوغ ذلك لشريف علمنا قبل سماعنا بتوليتك في محلة طيرنا الكتب لدولتكم على العموم بالتعزية. في مصابه والتسلية. وأشرنا عليهم بالتثبت في هذا الأمر العظيم. حتى يسند الأمر فيه لأهله ويجرى على السنن المستقيم، والمقصود عندنا بذلك هو بقاء الملك في داركم. وانتظامه وتشييد فخاره بكم. لأنكم أهله ومستحقون له ومحله، وقد تحقق ذلك القصد والحمد لله وهان علينا بعض مصابه بما بلغنا من حيازتكم لمكانته ورتبته وجلوسكم على سرير مملكته، فليرنا لكم هذا المسطور على المخصوص في مصيبته، ودمتم محفوظين في سربكم، ممتعين بحزبكم. وختم في 17 من ربيع الأول عام 1303".

ولما وضعت الملكة المذكورة حملها من المتوفى وكان قد تركها حاملاً منه، وبويع المولود وسمى بالفنس ليون الثالث عشر وهو الملك الحالى كتبت إليه بذلك فأجابها بتهنئة الدولة به والتمنى له. وكذلك كاتبها جوابا عن كتابها في التعريف بمقام (حسنى ديزد وكستيليو) باشدورها الجديد. وكذلك كاتب الملك الحالى الفنس الثالث عشر جوابا عن كتابه للحضرة الشريفة في شأن ورود بعثة الهندسة الحربية الأسبانية كما يأتى بحول الله عند الكلام على التنظيمات الحربية. كما كتبه في جمادى الأولى 1311 بإبداء الأسف على الحادثة الواقعة بين أهل مليلية وقبيلة قلعية والوعد بالنظر فيها. وتدارك قضيتها وتلافيها. ثم لم يلبث أن قدم على حضرته الشريفة القبطان جنرال (ارسينيو مرطينس دكمبوس) سفيراً مفوضا لتتميم أمر الواقع من تلك القبائل الريفية في حدود مليلية فعومل في تتميم ذلك بالتسهيل حتى تممه وانقلب راجعا بعقد في ذلك الشأن حسبما جاء في جواب المترجم المؤرخ بثانى رمضان 1311 على الكتاب الملوكى الذى جاء به السفير. وكان قد وقع الفصال في قضية أهل الريف مع مليلية على أربع ملايين من الريال أخرج منها من بيت مال مراكش ستمائة ألف ريال ودفعت لأمناء الجديدة ليدفعوها لنائب إسبانيا واستكمل الباقى في الدولة العزيزية. وكل الظهائر المذكورة موضوعاتها التي كان المترجم يبعث بها لدولة الأسبان محفوظة ببعض مجموعات خزانتنا.

مع إيطاليا

مع إيطاليا وبعث لإيطاليا سفارة يرأسها القائد بوشتا بن البغدادى الجامعى وفى معيته الفقيه العلامة الأكتب السيد العربى المنيعى أحد كبراء الكتاب بالحضرة السلطانية وإليك نص الكتاب الوزيرى الصادر فيها لوزير خارجيتها: "الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، عماد الدولة الطليانية الفخيمة ووزير أمورها البرانية الكبير المعتبر المحب الذكى الألمعى الحائز بحسن التدبير. التبريز في ديوان السياسة والتصدير. صاحبنا دبرينس أما بعد: السؤال عن كافة الأحوال. ومحبة الخير لكم الدائمة التوال. فموجبه تجديد العهد. وتأكيد الود. وإعلامكم بأن مولانا نصره الله اقتضى نظره الشريف توجيه خديمه الأرضى الأمجد الأنصح المعتبر القائد بوشتا بن البغدادى الجامعى سفيرا لدولتك الفخيمة وتعزيزه بكاتب حضرته الشريفة الأجل الفقيه السيد العربى المنيعى بقصد تجديد المحبة بين الدولتين. ومباشرة ما يزيد بحول الله في كمال الاتصال بين الجانبين. وإنا لعلى يقين من أنك تقابله هو ومن معه بزائد القبول والمبرة في الإيراد والإصدار. حتى يرجع مقضى الأوطار. وتصلك (كمية) إكراما من عندنا فالمراد من المحب قبولها وختم في 7 شوال عام 1302". وبعث لها أيضًا سفارة أخرى يرأسها القائد الكبير بن المدنى الشاوى وأوفدت على جلالته الدولة الإيطالية سفيرها الكمندار (تور كنطاغلى) وإليك نص الجواب السلطانى للملك امبرتو الأول عن وصول السفير المذكور لحضرته العلية بعد البسملة والافتتاح: "إلى المحب الملحوظ بملاحظ الإيثار. والاعتناء والاعتبار. سلطان دولة إيطاليا ذات المفاخر. والمزايا والمآثر. السلطان امبرت الأول. المعظم الألمعى الأنبل.

[صورة] سفارة الحاج المعطى بن المدنى لإيطاليا

أما بعد حمد الله الذى لا إله إلا هو فقد وصل كتابكم لحضرتنا الشريفة بأن من غاية اهتمامكم بحفظ العلائق الاتصالية وملاحظة محبة الدولتين التي هى للتأكيد داعية. بتعيينكم للكمندار توركنطاغلى للورود على حضرتنا العلية وزير تفويض. وسفيراً بحق خالص محبتكم بمزيد التوكيد والتحضيض، وأنكم اخترتموه لما امتاز به من الخصال الحميدة. والآراء السديدة. والثقة به في الإجراء على ما كلف به من قبلكم، وصرف همته للاهتمام بمقصدكم، وطلبتم من جانبنا الشريف أن يقع عندنا موقع الاستحسان. ونثق به فيما ينهيه عنكم من الأخبار الحسان. التي مضمنها ربط دوام المحبة بين الدولتين وتحقيق أسباب المودة الكائنة بين الدولتين. أما حفظكم للعلائق الاتصالية ورعيكم لما بين الدولتين من المحبة والوسائل الودادية فهو أجلى من الشمس وأشهر ونحن كذلك وأكثر، وأما تعيينكم للكمندار تور المذكور بعد انتخابكم له على الوجه المشكور، فدليل على محبتكم ومودتكم وصداقتكم وما لكم من صدق الاهتمام. وحسن المحافظة على حق المحبة الموصولة على الدوام. وأما ما طلبتم من الثقة به فيما ينهيه لجانبنا العالى بالله مما يتضمن ربط دوام المحبة بين الجانبين وأن يقع موقع الاستحسان، فكل من هو ثقة لديكم وصدوق فهو عندنا كذلك، وقد ورد لحضرتنا الشريفة وحل بها حلول تمييز واعتبار. وألفى كما عرفتم به من أوصاف الاختيار. وجرى في امتثال إرادتكم على وفق ما ظننتموه وقرر لنا من تحقيق محبتكم الثابتة ما اعتقدتموه، وأظهرنا من الثقة به ما زاد ركن المودة تشييدا، وعد في مقام الاعتناء فعلا حميدا، وقابلناه بما اقتضاه جميل المراعاة والامتياز، وردنا به استدلالا على بناء المحبة التي لا يعتريها اهتزاز، ودمتم في هناء وثروة وعافية، مراعين للمحبة والمودة والصداقة سرا وعلانية، وحرر في 17 صفر عام 1307".

مع إنجلترا

وكانت له مع دولة ايطاليا علائق ودية فمن ذلك كتاب الملك امبرتو الأول إليه بالأفراح الملوكية التي أقيمت بتورين بمناسبة اقتران أخيه الأمير (اماديو فيرديندوماريادى صابويادو كة دى اوسطا) بالأميرة كارى بنت (جيرولامو نابليون) ولما أنجبت ابنا بعث مسطور الإعلام بذلك مترقبا ابتهاج الحضرة الشريفة فأجابته على ذلك بالسرور، والتهنئة والحبور، ولم يلبث الأمير الأخ المذكور أن توفى فطير أخوه الملك رسالة بنعيه وأجابته الجلالة السلطانية على ذلك بإبداء الأسف لمصابه، وسيأتى قريبا بحول الله ذكر الرسائل الوزيرية المتعلقة بالبعثة الإيطالية الحربية والمركب الحربى المصنوع بتلك الديار. مع إنجلترا: وقد أوفدت إليه سلطانة دولة اكرنت بريطن وانبرير الهند سفيرنا المنسطر (شارل اوان اسميد) وإليك نص الظهير الصادر جوابا عن سفارته بعد البسملة والافتتاح: "إلى المحبة المعظمة. المحترمة المفخمة الوارثة الرياسة عن الآباء والأجداد. السائر بها المثل في الأغوار والأنجاد سلطانة دولة اكرنت بريطن وانبرير الهند المعظمة السلطانة فكطورية العزيزة البهية المنعوتة بالذكاء والنباهة والألمعية. أما بعد حمد الله المبدئ المعيد، الفعال لما يريد، فموجب تحرير هذه السطور، لجنابكم المشكور، الإعلام بأننا لا زلنا معكم على المحبة المشيد بناؤها على أوثق أساس والمودة التي نمت منها في أرض الصفاء الأغراس والصداقة الممتازة التي لا تنقضى مدتها والعهود الموثوقة العرى التي لا تبلى على مر الأيام والليالى جدتها، ولا نزال على ذلك بحول رب العالمين. اقتداء بأسلافنا الأكرمين. وبأن المنيسطر شارل اوان اسميد وفد على حضرتنا الشريفة فحمل على كاهل المبرة والإكرام. وعومل بأزيد مما يعامل به سفراء الدول العظام من الاعتناء والاعتبار والاحترام. رعيا لكونه من قبلكم. ووروده من رفيع حضرتكم. فقابل

ذلك بما لا تحبونه له ولا ترضونه فغضضنا الطرف عنه تحملا مراعاة لكم، وقابلناه بجميل المبرة اعتناء واعتبارا لجانبكم، ولا شك أنه يتحقق لكم ذلك من غيرنا كما يتحقق لكم أمره كذلك ونطلب الله أن يوفقنا لما فيه رضاه ودمتم في هناء وعافية على أكمل الأوصاف. لاحظين لأهل المحبة والمودة بعين الإنصاف. وختم في 20 من ذى الحجة عام 1309". وأوفدت عليه أيضا هذه المملكة العظيمة خليفة حاكم جبل طارق مصحوبا بالفيل هدية إليه وجئ به بحرا لطنجة يقوده رجال من أهل الهند، ومنها أتوا به برا للحضرة الشريفة فلحقوا بها مخيمة بجيوشها بين أعراب السهول وحصين وبين برابر زمور في أثناء الوجهة المولوية من مراكش لفاس فأمر السلطان بنزولهم ونفذ لهم المؤنة ومن الغد أمرهم بإحضاره فاصطفت لذلك الجنود وحضر سائر العمال والأعيان والرؤساء والقواد، وقدم للسلطان وعلى قفاه هندى يروضه ويلقنه، فصار يشير للسلطان ويتقدم ويتأخر ويبرك ويقعد، وصدر الأمر الشريف بإحضار الطعام له والشراب بعد نزع زيه وسريره فاختلف وارتشف، ثم طفق يغتسل بخرطومه ثم انتهت الحفلة بإطلاق المدافع، وإليك نص الظهير الصادر من الجلالة السلطانية جوابا عن وصول ذلك وحلوله محل القبول بعد البسملة والافتتاح: "إلى المحبة العظيمة. المحترمة الفخيمة. العزيزة العيطموس المعظمة في النفوس. الوارثة الرياسة عن الأب والجد. السائر بها المثل في الغور والنجد. سلطانة دولة كرنت ابريطن وانبرير الهند السلطانة بكطورية. المنعوتة بالذكاء والألمعية. أما بعد حمد الله العظيم الذى لا إله إلا هو العلى الكريم. فموجب تحرير هذه السطور. لجانبكم المشكور. هو تجديد عهود المحبة. والمودة والصحبة التي

توارثها الأخلاف عن الأسلاف. ولا تزال بحول الله ثابتة راسخة جارية على منهج الاتصال والائتلاف. والإعلام بوصول خليفة حاكم جبل طارق وصول خير وهناء. فأحللناه محل الترحيب والاعتناء. واستروحنا من وروده مصحوبا بالفيل الوسيم. تحفة من جانبكم الفخيم. مسرة واحتفالا. وعددناه على رسوخ المحبة حجة واستدلالا. وأكد الخليفة المذكور ما في الاعتقاد من محبتكم فأبدى، وبين جميل مراعاتكم فأحسن وأدى، وشيد من عهود الخير والاتصال ما ثبت أساسه، ونمت في روضة المصادقة غراسه، وزاد بورود الفيل المذكور تصحيحات وتثبيتات لمن كان يجهل ذلك، وتشييدا لتلك المحبة وتأكيدا لرعايتها وتبيينا لفخامة دولتكم وضخامتها، إن الهدايا على قدر مهديها. وحصل به لحضرتنا الشريفة من السرور والنشاط ما يحق به الاغتباط، وصادف وروده جل عمال القبائل مجتمعين، بالمحل الذى كنا به بمحلتنا السعيدة مخيمين. في اليوم من محرم التاسع والعشرين، فحضروا ساعة دفع الخليفة المذكور له هيئته الجليلة وحليته الجميلة، كما حضر لذلك الرؤساء والأعيان، وكبراء الديوان. وكان ذلك مشهدا عظيما في الانتظام والانعقاد، ومحفلا مثل محافل الأعياد، وأظهرت الرعية من مخايل النشاط. ما وفى بحق السرور والانبساط. لكونه تحفة غريبة. وخلقة عجيبة. لم تعهد عند أهل هذا القطر، في هذا العصر، حتى إن فقهاء حضرتنا الشريفة وأدباءها جعلوا في محاسن الفيل. ومشهده الجليل. قصائد فائقة. وأشعارا رائقة. وتآليف متناسقة. وها البعض من ذلك يصل جنابكم الفخيم. والباقى حيث يكمل يوجه لكم لتعرفوا منها ما حصل من مظاهر الفرح العميم، وذلك كله اعتناء بهذه المزية التي أتحفتهم بها حضرتنا العالية واهتمام بشأنها. وتنويه بأمرها. لكونها برهانا على ثبوت المحبة ودوامها والمودة المعظم بين الجانبين عالى مقامها لا زالت كذلك

مع ألمانيا

مستمرة الاتصال والتجديد ودامت دولتكم الفخيمة في خير دائم وهناء مزيد، ولا برحتم ملحوظين بعين الرعاية والاعتبار والعناية وحرر في 25 من ربيع الثانى عام 1309". ومن المؤلفات التي وضعت في هذا الفيل المشار لها في هذا الظهير مقامة لقاضى مكناسة خليل الخالدى سيأتى ذكر فصل منها في ترجمته ورسالة النفائس الإبريزية في هدية الفيل الوافد من فخامة الحضرة النجليزية للفقيه الكاتب السيد أحمد بن عبد الواحد بن المواز ذكر أنه أنشأها بأمر شريف بمشافهة وزير الحضرة العالية السيد محمد بن أحمد الصنهاجى، والسراج الوهاج والكوكب المنير من سنا صاحب التاج مولانا الحسن الأمير لصديقنا مؤرخ سلا السيد محمد بن على الدكالى، والرسائل الثلاث محفوظة بخزانتنا وكلها بخطوط مؤلفيها. مع ألمانيا: ووجه للدولة الألمانية سفارة يرأسها خديمه الطيب بن هيمة عامل ثغر آسفى وعبد السلام بن رشيد ووجه لها سنة 1302 الحاج محمد بركاش ولد النائب مع بعثة الطلبة الحربية حسبما يأتى الظهير الشريف الصادر في ذلك الشأن. ولما مات الإمبراطور فريدريك أرسل ولده غليوم مسطورا للحضرة الشريفة بنعيه فأجابته على ذلك بالأسف لمصابه وتهنئة الولد المذكور بحيازته رياسة أبيه، وأنها ستسير معه على ما كانت عليه أيام والده من المودة والصحبة، وأنها بصدد توجيه سفير برسم النيابة عن جانبها العالى في التسلية والتهنئة. وفى رجب 1304 أرسل ظهيرا للإمبراطور غليوم جوابا عن كتابه الوارد في شأن مرض سفيره (الرزيدنت تستا) بالألم الثقيل الذى اقتضى تأخيره عن النيابة عن دولته ولما ورد بدله بالكتاب الإمبراطورى الصادر باعتماده أجابته على ذلك بما نصه بعد الحمدلة والحوقلة والاستفتاح والطابع:

"إلى المحب المعظم، المحترم المفخم، الحائز التبريز والتصدير في ديوان الرياسة، المنعوت بحسن التدبير والسياسة، والأوصاف المحمودة والسعى المشكور سلطان دولة الالمانيا والبروس السلطان كليوم امبيرطور. أما بعد حمد الله الذى لا إله إلا هو العلى العظيم فقد ورد على حضرتنا الشريفة كتابكم المشيد من تجديد العهود أركانا، المترجم عن تقرير الاتصاليات لسانا، منبئا بما اقتضته آراؤكم ووقع عليه اختياركم من استعمال المنيسطر طراورس بطنجة عوضا عن المنيسطر الرزدنيط تستا لما ثبت لديكم فيه من الأهلية، والاتصاف بالمحامد الجلية ولما أظهرته مراتب خدمته من الثقة، والمساعى السديدة المنتسقة وأشرتم بملاحظة رتبته بعين الاعتناء، واستماع أقواله المجددة لطيب الثناء، وتصديقه بالثقة فيما يذكره عن جنابكم ومعاملته من الفرح بما يستدعيه حسن مقاصدكم. أما استعمالكم إياه في هذه الرتبة الجديدة، وإيثاركم له بهذه المنحة الحميدة. فلا شك عندنا أنه من حسن آرائكم معدود. ومن اجتهادكم فيما تحصل به أعمال الصلاح غاية المقصود، لما تقرر لدينا من محبتكم التي لم يزل غصنها ناضرا وروض عهودها بنسيم التجديد زاهرا. وأما تنبيهكم لنا عليه فقد استفتحتم به منا عيون الملاحظة المستلزمة لحسن القبول، وتأكيد المحافظة فمرحبا به وبكل من يأتى من جانبكم، واختياركم له على الوصف المذكور دليل على محبتكم وصداقتكم وسعيكم المبرور، وهو عندنا مصدق معامل بما تعهدونه من مقتضيات الجميل، والاعتناء الذى هو بدوام الاتصال بين الجانبين كفيل، ودمتم ملحوظين بعين التوقير والاحترام، من الخاص والعام فائزين بمزيد الفخامة والثروة والضخامة وختم في 7 ربيع الأول عام 1305".

[صورة] السلطان مولاى الحسن يستقبل باشدور ألمانيا

مع الدولة العثمانية

مع الدولة العثمانية: وإليك نص ما كتبه وزير خارجية الدولة العثمانية لوزير الخارجية الحسنية طالبا إنشاء سفارة عثمانية بطنجة بلفظه: باب عالى دائرة خارجية مكتوبى قلمى عدد من ناظر خارجية الدولة العلية العثمانية لجانب الأجل الأكمل الأفضل ناظر خارجية حكومة فاس الفخيمة المحترم. إنه لما كان تأييد وتزييد الحب والوداد، وتأييد المخالصة والاتحاد الجاريين بالطبع فيما بين الدولة العلية وحكومة فاس الفخيمة، ووقاية منافع الطرفين هو قصارى مرغوب السلطنة السنية وجل مبتغاها، وكان المحصول على هذا المقصد موقوفا على أن يكون لكل من الحكومتين الفخيمتين ونواياهما الخالصة. ولا مراء بأن شهامة حكمدار فاس الأفخم سيتكرم بالاشتراك مع الدولة العلية بما عندها من خالص الفكر والنية بتشييد أُس المخادنة والمصافاة، وتأييد بنيان المخالصة والمناسبات، وبما أن السلطنة السنية ترغب في تشكيل هيئة سفارة في طنجة مركز الحكمدارية الفخيمة الفاسية، فالمتمنى إذا صرف جل الهمم العلية باستحصال موافقة حضرة الحكمدار المشار إليه بحصول هذا المطلب المؤدى لتأييد دعامة المصافاة وتشييد أركان الصِّلاتِ فيما بين الحكومتين والتكرم بإفادة عاجزكم عما يحسن بهذا الباب هذا مع إبراز شعائر الإخلاص لمكارمكم وأدام الله بقاءكم أفندم.

في 15 ربيع الآخر سنة 1304 وزير الخارجية للدولة العلية العثمانية (ختم) محمد سعيد" وكان جواب الخارجية الحسنية عن أمرها أنها رأت من ملاحظة حق الأخوة في الدين أن لا تفتقر لأحداث وسيلة في جانب الوداد، ورأت من اعتبار مراحم الإسلام في الوصلة إجراءها مجرى الاتحاد يقينا بأن نعمة هذه الأخوة لا يقبل حكمها التشكيك، ولا يطرق مركبه تفكيك، فلا داعى لتنزيل جانبها منزلة ملل الاختلاف، حتى تحتاج لنصب وسائط تمهيد الائتلاف، ولتفهيم القواعد والقوانين والأعراف، لأن من المقرر المعلوم أن المقتضى لذلك هو ضرورة المعاملات، المتوقفة على المفاوضة بين الأجناس المحتاجة لبيان الاصطلاحات واللغات، وذلك منتف في أهل الملة الإسلامية، والأخوة الإيمانية، لاتحاد جميعهم في أصول الأحكام والأعراف الشرعية واتفاقهم في سلوك المساعى الصالحة على متابعة السيرة السنية. وبأن أسلافه وأسلافكم رحم الله الجميع وقدس أرواحهم كان بينهم ما هو مشهور عند الخاص والعام، من المحبة والمودة والاتصال التام حسبما تضمنته مكاتيبهم المظنونة الوجود في ذخائر الدولة العثمانية السنية، وأنه أيده الله مع الدولة المعظمة على آثار أسلافه الأكرمين. وكان شيخ الإسلام بالدولة العثمانية قد خاطب قبل هذا أبا عمران موسى ابن أحمد بإذن السلطان عبد الحميد راغبا فيما يؤدى للتواصل والاتحاد ومجددا عهود الآباء والأجداد ونص كتابه: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وأصلى وأسلم على نبيه الهادى إلى سواء السبيل المستقيم، أما والذى أولاك الرأى المستقيم، والفكر المصيب القويم، وولاك الوزارة التي إذا حملق النجيد، وصلصل الحديد، وبلغت الأنفس الوريد، اعتصم بحقوها في الممالك المغربية من الأبطال الصارخة، اعتصام الوعول بذرى القلل

الشامخة، وذدت عنهم كماة الرجال ذود العوزم عن الأشوال، وصرت بها عصمة الهوالك، إذا شبهت الأعجاز بالحوارك، وأفريت أديم كل كمى احتقارا له بالأزميل، وخبطت إليهم خبط السرحان نقد الغنم الذليل، وحفظت كلام العجاج، وأطفأت نار الهياج، إذا غصت الأفواه، وذبلت الشفاه. فما استللت سيفك مذ حزتها إلا أغمدته في جثمان بطل، أو شوامت جمل، فكنت للشانئين الزعاف الممقر والليث ... رر قد انقطع لسان قلمى عن تحرير مزاياك، وقصر فكرى عن النظر إلى صور فضائلك المصورة من مراياك، فلويت زمام يراعى إلى المطلوب عجزا عن ذلك الوصف المرغوب. أما بعد إهداء السلام المقرون بالتكريم والتبجيل، والتحية المحفوفة بالتجليل: فالذى أعلم به الوزير الأعظم، والمشير الأفخم، صاحب السيف والقلم المشهور بالرأى الأتم، الذى طرر بساط السلطنة المغربية بطراز تدابيره المصيبة، وأظهر عدل مولاه بحسن سيرته الخالصة عن كل معيبة، أعنى به حضرة السيد موسى نجل المرحوم السيد أحمد وفقه الله تعالى إلى ما يكون موجبا في الدارين لأن يحمد، هو أنه من المفهوم بديهة لدى كل ذى رأى صحيح ومن المعلوم ضرورة بحيث لا يحتاج إلى نظر لى التوضيح، أن مدار قوة الأمة المحمدية وصولتها على سائر الملل الردية، إنما هو اتحاد جميع أفرادها الموجودة في كرة الأرض وتشابك الأيدى منها بالقبض ولاسيما عند تعاضد المشركين، وقوة أعداء الدين، كما نشاهد وتسمعونه ممن لهم في هذا الزمان من الصولة الباهرة، والجولة والشدة القاهرة، المؤدية بحسب المآل إلى الفتك بجميع ما للأمة المحمدية من الأفراد، وإن كانوا في أقصى البلاد. فبناء على هذا قد تجاسرت على الاستئذان من المولى العارف بالله، والمتوجه بكله إلى طاعة مولاه، السلطان الأعظم والخاقان الأجل المحترم، وارث الخلافة الكبرى، عن آبائه الخلفاء بالاستحقاق أمير المؤمنين بالاتفاق، مولانا وإمامنا إمام

المسلمين السلطان عبد الحميد خان ابن المرحوم المبرور الغازى السلطان عبد المجيد خان نصره الرحمن وأيد جنوده وحزبه أينما كان، آمين. بتحريرى إلى حضرتكم ما يورث التواصل بيننا وبينكم، ويقتضى الاتحاد الحقيقى معكم كما كان التواصل بين جد سلطاننا المشار إليه بالقلم والبنان، وبين والد سلطانكم الشريف المعظم الشأن، اقتداء بجنابه العالى، الذى هو عن شوائب النقص خالى، حيث أرسل مالكة الوداد إلى سلطانكم المعظم الموجبة للاتحاد. هذا والمأمول من شيمكم الدينية، وغيرتكم المقرونة بصلابة الحمية، بعد وصول ألوكة الإخلاص، ومأْلكة المحبة والاختصاص، أن تعرضوا مضمونها إلى أسْكُفَّة (¬1) السلطان الشريف المعظم، صاحب المفاخر الهاشمية والشرف المكرم، الذى ورث المجد والسلطنة والمعالى عن آبائه السلاطين العظام، وحار علو الشأن والمقام، سلطان الممالك المغربية، صانها الله تعالى عن كل مصيبة وبلية، سيدنا السلطان حسن، وفقه الله تعالى إلى كل أمر حسن، وأدام سلطنته وخلد ملكه آمين. هذا ولاعتمادنا على العالم الفاضل السيد إبراهيم السنوسى المعلوم لديكم، حملناه هذه الرسالة ليبلغها إليكم وليبلغ ما يقتضى التبليغ شفاها باللسان وعليكم السلام في المبدإ والختام، في غرة شهر ربيع الأول الأنور سنة أربع وتسعين ومائتين وألف. شيخ الإسلام ومفتى الأنام بممالك الدولة العالية العثمانية حميت عن الآفات والبلية السيد حسن خير الله عفا عنه مولاه" ¬

_ (¬1) في الوسيط: الأسكفة: عتبة الباب. ومن العين: جفنها الأسفل.

مع البرتقال

مع البرتقال وأوفدت عليه الدولة البرتقالية (خسى دنيل كلاص) سفيرا مزودا بكتاب صادر من الملك لويز ونص الظهير الذى أجيب به بعد الحمدلة والحوقلة ... إلخ. "إلى المحب المعظم المحترم المفخم الملحوظ بتلاحظ الإيثار والاعتناء والاعتبار سلطان دولة البردقيز السلطان لويز. أما بَعْدَ حمْدِ الله المبدئ المعيد، الفعال لما يريد، فقد وصل كتابكم لحضرتنا الشريفة منبئا بتوجيهكم المنيسطر العاقل خسى دنيل كلاص لحضرتنا العالية بقصد تجديد المحبة والمودة بين الجانبين المحبين، فقد ورد وقوبل بمزيد القبول والبرور، والاعتناء في الورود والصدور، وتلاقى بجانبنا العالى بالله وشافه بما لكم من جميل الاعتقاد، ومزيد المحبة والوداد، وبما يزيد في الصداقة والخير بين الإيالتين، والاتصال والموالاة بين الدولتين، ونحن معكم على معهود المحبة الخاصة التي توارثها الأخلاف عن الأسلاف، التي لا يعتريها شك ولا خلاف، ودمتم كما تحبون ممتعين بما يليق بكم مما تأملون وختم في 16 شوال عام 1306". ولما مات الملك المذكور وجه لدولته سفارة يرأسها القائد محمد بن أحمد المؤذن السرغينى، ويعززه الأمين محمد بن عبد الرحمن بريشة، والكاتب السيد العربى المنيعى لتهنئة ملكها الجديد كارلوس الأول بتبوإ العرش، ودونك نص الكتاب الصادر فيها من الجلالة السلطانية بعد الحمدلة والحوقلة والافتتاح: "إلى المحب اللحوظ بملامح التوقير والاحترام، والأثرة والاعتبار والإكرام، سلطان دولة البرطغال، المنعت بحميد الخصال، المعظم في الأنفس، السلطان (كرلس). أما بَعْدَ حمْدِ الله الكريم الذى لا إله إلا هو العلى العظيم، فقد بلغ لشريف علمنا، ما دعا إلى الهنا، وشيد في القلوب ما بنى، وجدد للسرور أسبابا، وأزال

عن النفوس ارتيابا من حيازتكم لمكانة والدكم ورتبته وجلوسكم على منصة مملكته، وتشييدكم لأركان فخاره، وتعميركم لداره، وحلول الملك في أهله، ولم يخرج عن فرعه وأصله لأن الأشجار لا تثمر إلا في مواطنها، وأصناف الأحجار لا تنبت إلا في معادنها، والعين لا يبصر فيها إلا سوادها، والأجساد لا تقومها إلا أرواحها. وحيث كانت عهود المحبة بين الجانبين ملحوظة، وحقوقها مصونة محفوظة، اقتضى ذلك أن وجهنا خديمنا الأرضى الأنصح الأنجد الأصلح القائد محمد بن أحمد بن المؤذن السركينى سفيرا إليكم بقصد تهنئتكم بهذه المسرة، لأنكم أحباؤنا نحب لكم دوام الهناء وخيره، وبعد أن انتخبناه من خدام أعتابنا الشريفة الراسخين القدم في الخدمة خلفا عن سلف، ومن بيوتات المجد التي ليس فيها مختلف وحملناه ما يؤديه إليكم مما يكون سببا بحول الله لتأكيد المحبة، وزيادة المودة، وعزرناه بكاتبنا الأرضى الأنجد الأنصح الأرشد الطالب العربى المنيعى، وبخديمنا الأرضى الأنجد الأمين الطالب محمد بن عبد الرحمن بربشة. ونحن على يقين من أنكم تقابلون السفير المذكور ومن معه بمزيد المبرة والقبول، وتبلغونهم من الاعتناء غاية المأمول، وتصدقون السفير المذكور فيما حملناه، وفى كل ما يذكره لكم عن جانبنا العالى بالله، من جميل الاعتقاد وكامل الوداد، مما يزيد محبة الدولتين تجديدا ورسوخا وتأكيدًا ونحن معكم على ما كنا عليه أيام والدكم وأكثر من المحبة والصداقة التي لا تتبدل ولا تتغير. ودمتم رافلين في حلل التهانى، ممتعين بما يليق بكم من الأمانى، وختم في 22 من ربيع الثانى عام 1307". (خسى دنيل كلاص)

مع أميريكا

وفى هذا التاريخ نفسه بعث للملك المذكور ظهيرا أجابه فيه عن كتابه الذى أرسله في إقرار السفير البرتقالى الذى كان في حياة سلفه على خدمته التي كان عليها. مع أميريكا: وكانت له مع جمهورية أميريكا علائق ومراسلات، فمن ذلك كتاب الرئيس هارسون إليه منبئا بتأخير القنصل لويز عن خدمته بالإيالة السعيدة وجواب الحضرة الشريفة عن ذلك سنة 1307، ومن ذلك مسطور الرئيس المذكور للجناب العالى منبئا بتوجيه نائبه (فلكيز ماطيوس) الذى كان قبل لويز ثم رجع بعده نائبا جديدًا في المملكة السعيدة مشيرًا فيه بحمايته في مدة خدمته، وإعانته على أمور التجارة بين الرعيتين، وجواب الحضرة الشريفة عن ذلك بالترحيب بالنائب المذكور والوعد بإحلاله محله من الاعتبار والبرور، في الورود والصدور، رعيا لتلك الإشارة وعملا بمقتضى المحبة والمودة بين الدولتين. وسيأتى بحول الله ذكر إباحته الوسق لهذه الدولة المريكانية مثل ما أباحه لغيرها من بعض الدول. مع البلجيك وإليك نص ما كتبه لملك البلجيك ليبولد الثانى جوابا عن كتابه في نعى ولد أخيه بعد البسملة والحوقلة والافتتاح. "إلى المحب المعظم، الموقر المحترم، الملحوظ بملاحظ الإيثار والاعتناء والاعتبار، سلطان دولة البلجيك الذى تأسست محبته على أوثق المبانى، السلطان المفخم ليبولد الثانى.

مع البابا

أما بَعْدَ حَمْدِ الله الدائم البقاء، الذى لا يلحقه الفناء، فقد وصل لحضرتنا الشريفة كتابكم المنبئ بما أثر في الخواطر، ووقع موقعا في القلوب والضمائر، من ارتحال ولد أخيكم بريسبى مملكة بودين ولد الجناب السلطانى لى كنط والكنطيس دى فلندرت من هذه الدار الفانية، وانتقاله إلى الدار الباقية، وشربه كأس المنية، الذى تذوقه جميع البرية، في التاريخ الذى بينتم وإعلامكم بذلك عالى جنابنا، لما ثبت لديكم من محبتنا، فلم تأخذوا من مصابه إلا حظكم، ومن الأسف عليه إلا نصيبكم، لأنكم أحباؤنا، فما يسركم يسرنا، وما يكدركم يكدرنا، وليخفف عنكم ما حدث من رزئه كون هذه الحياة السارية في الجسوم، إنما هى مستعارة لا تدوم، وتنقضى لأجل معلوم، فلا حدث حادث بعد هذا بناحيتكم، ودامت السلامة من كل آفة لساحتكم، ولا زالت دولتكم بعين الاعتبار ملحوظة، ولا برحت عهود المحبة بيننا وبينكم محفوظة، وختم في 28 من ذى القعدة عام 1308". مع البابا وأوفد على رئيس أساقفة النصرانية وحبرهم الأعظم البابا ليون الثالث عشر، سفارة يرؤسها القائد عبد الصادق الريفى، وفى معيته العلامة أبو العباس أحمد السكردودى أحد أعيان كتاب الحضرة الشريفة، وبرفقتهما "البدرى خوسى لرجونادى" الراهب الإسبانى بقصد تهنئته بعيده الخمسينى، وإليك نص الظهير الصادر في ذلك بعد البسملة والحوقلة والاستفتاح. "إلى المحب المعظم، المحترم المفخم، رئيس أساقفة الملة النصرانية الجالس على كرسى الحوارية، لقضاء الدعاوى الدينية، الذى اشتهر علمه وانتشر، البابا ليون الثالث عشر. أما بعد حَمْدِ الله الذى لا إله إلا هو العلى العظيم، فمن المعلوم عند الناس، والخاص والعام من الأجناس، أن أسلافنا المقدسين ملوك المغرب كان بينهم

ذيل في وثائق تتعلق بقضايا مع نواب تلك الدول

وبين الرهبان البابا ليون رؤساء الرهبنة الفرنسيسكنية مزيد المحبة، والمودة والصحبة، حتى إنهم كانوا أعطوهم الحرية وإباحة السكنى حيث النصارى، وكانوا يعاملونهم ويعينوهم على أمور دينهم، ونحن بحول الله على آثار أسلافنا رحمهم الله في معاملتهم بذلك، واقتضى نظرنا الشريف إعلامكم أيها المحب بهذا لما ينهى من محاسنكم وفضلكم إلينا، ويتلى من شهرة وصفكم بالخير والحق والعلم لدينا، وبمزيد محبتكم وبمزيد صحبتكم في المحبة المفخمة، سلطانة دولة إسبانيا المعظمة، وأن نعطوكم أمارة ودليلا على محبتنا ومودتنا، ونوجه لكم سفيرا من شريف حضرتنا كما يوجه سائر ملوك الدول سفراءهم لعندكم برومة ليحضروا عيدكم، ويهنوا جانبكم بما من به الله القادر عليكم من بلوغ فقاهتكم إلى خمسين سنة. فاخترنا لذلك خديمنا الأرضى الأنجد الأنصح القائد عبد الصادق بن أحمد الريفى، وعززناه بكاتبنا الأرضى الأنبل الطالب أحمد الكردودى، وعينا لمرافقتهما الأساقفى البدرى خوسى لرجونادى كبير الرهبان الصبنوليين الذى هو عزيز عندنا لأنه رافق غير مرة سفراءنا للدولة الصبنيولية المحبة. ونحن على يقين من أنكم تقابلون سفيرنا المذكور، ومن معه بمثل ما تقابل به مجادتكم سفراء الأجناس المحبين من الاعتناء والبرور، في الورود والصدور، وتصدقونه فيما يذكره لكم عنا من المحبة والمودة، ودمتم في سرور وهناء، ملحوظين بعين الاعتبار والاعتناء، وختم في 12 من ربيع الثانى عام 1305". وحيث أتينا على كثير من علائقه السياسية مع ملوك الدول ورؤسائها بين التفصيل والإجمال، ناسب أن نذيل على ذلك ببعض الظهائر الشارحة لما كان يقع مع نواب تلك الدول من الأخذ والرد والمراجعة والمباحثة تتميا للفائدة وإظهارًا لما خفى، وبيانا لمكانة المترجم السياسية. ونص أولها وهو يتعلق بدعوى مغربية على حكومة الجزائر بعد الحمدلة والصلاة والطابع الصغير.

"خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله. وبعد فقد اشتكى علينا مرابط اسمه ديدى الفيلالى بأنه كان قافلا من تلمسان في شعبان الفارط في رفقة وباتوا بماكورة من بلاد أولاد نهار من إيالة الرومى، فهجم عليهم قرب العشاء نحو ثلاثين من اللصوص وضربوهم بالبارود، وقتلوا من أهل الرفقة رجلا من دادس وجرحوا سبعة ونهبوا جميعها حتى الثياب كانوا ينزعونها من ظهور أهلها ما عدَا البهائم فلم يأخذوها، والذى ضاع له ست وستون مائة ريال عينا، وسلعة قيمتها خمسمائة ريال وثمانون ريالا، ولولده الصديق مائتان وعشرون ريالا، ولأخيه البشير ثمان عشرة مائة ريال، ولرجل من أعراب تزيمى كان مضافا له خمسون ريالا. واشتكى على حكامهم وعلى خديمنا القائد بوشتى بن البغدادى، وكتب لهم أيضا فجعلوا يواعدونه بالبحث عن المفسدين وبالكتب لوالى الجزائر ونحو ذلك، فلم يحصل على طائل، وهذه دعوى كبيرة لا تكاد تخفى عليهم لاسيما مع تكلم البارود والقتل والجرح، ولا شك أن أهل المحل هم المؤاخذون بما يقع فيه منهم أو من غيرهم، لأنه في عهدتهم. وعليه فنأمرك بالكلام مع باشادورهم في هذه القضية ليأمر حكامهم بالغرم له ولمن معه في جميع ما ضاع لهم، والسلام في 6 صفر الخير عام 1294". ونص الثانى وهو متعلق بيهودى متفرنس: "خليفة خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فإن يهوديا من مكناسة الزيتون اسمه مير بن موشى كوهين تعدى طوده وحده واستعمل في الترامى على الناس والجسارة عليهم جهده، وصدرت منه

أفعال شنيعة، وأمور فظيعة، وصار يتهدد على الناس بالحديد ويبدئ في الهجوم عليهم ويعيد، ومن جملة ذلك أنه هجم على محتسب مكناس، ودخل عليه للمحل المعد للأحكام المخزنية هو ويهودى آخر، وتهدد عليه وأغلظ له في القول وسبه وسب أصحابه وذلك بمرأى ومسمع من جماعة الناس، حسبما تراه في الشهادة طيه، فانظر هذه الأفعال الصادرة من اليهود، ومع ذلك يتظلمون ويتشكون بعدم وقوع الحق لهم وعليه فنأمرك أن تعرف باشدور الفرنصيص بذلك وتكلمه بكفه وتأديبه على تجاسره على الحاكم المذكور، فإن الإغضاء عنه يجرئ أمثاله على التجاسر على الحكام، ويؤدى إلى انحلال عرى الإحكام والسلام في 26 جمدى الثانية عام 1297". ونص الثالث في مكافأة فرنسا لبعض المغاربة بأوسمة: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: وصل كتابك بأن نائب الفرنصيص كتب لك بأن وزير الأمور البرانية بدولته أخبر البريزدان راى البوبلكان بما صدر من عامل الدار البيضاء وكبيرى مرساها من الاعتناء، والوقوف في إنقاذ بحرية البابور الفرانصيصى الذى حرث من الغرق، فوجه البريزدان المذكور نيشانا من الذهب للعامل المذكور، ونيشانين فضة لكبيرى المرسى مجازاة على ذلك حسبما في كتابه الذى وجهت مع نسخة مما أجبته به، وصار ذلك بالبال وها النياشين المذكورة تصلك فادفعها لهم، والسلام في 19 من ذى الحجة الحرام عام 1298". ونص الرابع في قضية المخالط لنائب إسبانيا: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.

وبعد: فقد بلغ لعلمنا الشريف أن رجلا مديونيا صهرا لعامل مديونة تجرأ فبدا له فابتنى قصرا وبداخله دارا بالساحل بأولاد جرار قرب مرسى هنالك بينها وبينه نحو ربع ساعة، وبينهما وبين مرسى الدار البيضاء ثلاث ساعات، وحيث كان البناء في ذلك المحل لم يعهد من أحد ويحصل منه الإضرار بالمرسى من وجوه لا تخفاك مع كون الساحل محرما لا يشغل ببناء، ولا بنزول ولا بنحو ذلك حسبما هو معروف عند كل أحد، فأصدرنا أمرنا الشريف بهدم ذلك البناء وإعفاء أثره، ثم ذكر لنا أن ذلك الصهر له مخالطة مع قنصل إسبانيا بالدار البيضاء، فكتبنا لخليفة العامل هنالك وأسندنا له أمور الهدم وفق ما صدر للمديونى ليكون على بصيرة فيما يعرض من الكلام مع ذلك القنصو، وأعلمناك لتكون على بال، وتتكلم مع الباشادور هنالك في القضية والسلام في 29 محرم الحرام عام 1299". ونص الخامس في شأن ورود أمير روسى للمغرب وما قوبل به من الإجلال والتكريم. "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، والسلام عليك ورحمة الله. وبعد: وصل كتابك بأن خديمنا عامل طنجة كتب لك بما في كتابه الذى وجهت من أن باشدور إسبانيا استكتبه لحضرتنا الشريفة بأن ولد سلطان الموسك، ورد على يده قاصدا التوجه لحضرتنا العالية بالله، وذكرت أن لا خبر عندك به من وجهة أخرى، وأنه ورد عليك هو وزوجته واستفهمته عن المقصود من وروده، فذكر أنه ورد بقصد الجولان، وتلمحت منه أنه يريد زيارة جنابنا الشريف وأشرت بمقابلته بما يقابل به أبناء الملوك أمثاله، فقد ورد وتلقى له كبراء الجيش والعسكر وعامل البلد عند دخوله، وقوبل بما ينبغى أن يقابل به، وأكرم هو وزوجته.

وطلب التوجه للجزائر على آزمور، والدار البيضاء، والرباط، ومكناس، وفاس، ووجدة، فسوعد ومكن من مكاتيب لعمال المحال المذكورة والقبائل التي يمر عليها بالكون على بال منه، والقيام بشئونه مؤنة وعلفا وحراسة حتى يخرج من ترابهم وتوجه بسلام، والسلام في 27 صفر عام 1299". ونص السادس في قضية إسبانى: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، والسلام عليك ورحمة الله. وبعد: وصل كتابك بأن باشدور إسبانيا ورد عليك بتقييد تضمن أناسا من الذين ضربوا الصبنيولى الهالك زيادة على العشرة الذين قبض عليهم أخونا مولاى إسماعيل محمد بن قاسم لتكتب بالقبض عليهم، وطلب منك بيانًا بأسماء هؤلاء العشرة فأجبته بأن من ليس في تقييده من العشرة المشار إليهم يسرح، فأجابك بأن لا يسرح أحد منهم ذاكرًا أن الولاة ما قبضوا عليهم حتى ثبت عندهم أنهم من الفاعلين وبأن يقبض على الأناس الذين زاد حيث ثبت عندهم أنهم من الفاعلين أيضا، ودار بينك وبينه في القضية ما شرحته، من كونه لا يقبل الشهادات التي بلغه أن الولاة يجعلونها بفاس، ليدافعوا عن أنفسهم حيث لم يفعلوا ما وجب عليهم من القبض على الفاعلين في وقته، ومن أن دولته تعين عليها طلب جعل القونص هناك ليحكم على من ورد منهم من تلك الناحية والتوصل بما في شروطهم الذى من جملته سانط كروز، وافترق معك على غير خاطره. ثم وجه لك على وجه السر ذاكرًا أن دواء هذه الدعوى هو أن تكتب له بما في النسخة التي وجهت من زجر الفاعلين، وعزل العاملين وعقوبتهما بأداء

عشرين ألف ريال لهم، ويكون ذلك عاجلا من عند المخزن من غير طلب منهم لذلك، ليجد ما يدافع به، وصار جميع ما ذكرته بالبال. فأما ما أجابك به الباشدور عن تسريح من ليس في تقييده من العشرة الذين قبض عليهم أخونا مولاى إسماعيل مع محمد بن قاسم من عدم تسريح أحد منهم ذاكرًا أن الولاة لم يقبضوا عليهم، حتى ثبت عندهم أنهم من الفاعلين، فأولئك الولاة لم يتحقق عندهم حينئذ تمييز الفعال من غيرهم، وإنما ألزمنا نحن القبض على كل من تأتى لهم قبضه ممن يظهر أنهم حضروا فيما وقع، حتى يقع البحث والاستفسار، ومن تحققت براءته من ذلك الفعل يسرح، ومن لا فلا. وأما عدم فعل الولاة ما وجب عليهم من القبض على الفاعلين، فقد قدمنا لك بيان عذرهم عن عدم التعجيل بقبضهم وهو فراغ المحل من الجيش والعسكر، وفرار الحاركين منهما من الحركة، وحصول الإرهاب والإرعاب بذلك للناس، واشتغال أهل الإرجاف وسفلة الناس بكثرة القيل والقال في جانب المخزن بما لا ينبغى، وطيشهم وتشوفهم للفساد، حتى إن بنى حسن والبرابر جعلوا أشياخ الربيع وألغوا خلائف عمالهم ولم يلتفتوا إليهم، وهموا بالمكر بهم، فأمسك الولاة بسبب ذلك عن القبض على الفاعلين المشار إليهم خشية أن تنشا عنه الفتنة من أولئك المرجفين، ويفضى الأمر إلى ما هو أعظم من ذلك، لكون أهل المغرب مجانين لا يبالون ولا يتفكرون في عواقب ما يفعلون، مع غيبة المخزن بسوس، ويتسع الخرق ويلومهم المخزن على عدم التأنى في قبضهم، إذا لم يكن عندهم علم وقتئذ بحلولنا بمراكش. والذى زادهم تخوفا وإحجاما عن القبض عليهم عاجلا هو ما عزروا به على حيلولتهم بين اليهود والنصرانى الصبنيولى الذى كان تخاصم مع اليهودى الجزار بحارة يهود فاس، ولطخ بقضيته ولد اب محمد حتى أدى ذلك لدفع ريال 250 للنصرانى المذكور جبرا لخاطره.

وأما جعل القونص بالمحل المشار إليه، فما أجبته به من كون مطلب جعله لا خصوصية له فيه، وليس له فيه سوى فتح الباب لطلب غيرهم مثله، مع أن المحبة الكائنة بين الجانبين لا تقتضى ذلك، هو غاية ما يجاب به على أنه لا ضرر علينا فيه نعم أسلافنا قدسهم الله كانوا يتوقون منه لئلا يقع له ما وقع لهذا النصرانى، وإلا فجعله بذلك المحل يكون وسيلة لجعلنا نظيره عندهم يقف على حقوقنا، حتى لا يقع ضياع فيها كهذه القضية التي كان لنا الحق فيها حسبما تقدم لك شرحه، وانقلب بالترهات والتلونات، وصار علينا. وأما سانط كروز فقد كتبنا لك في شأنها صحبة المهندس الموجه لك بما في النسخة الواصلة إليك طيه،. فالعمل عليه، وأما العدد المذكور من الريال الذى أشار الباشادور بإعطائه لهم في فصل هذه القضية فكثير جدًا لوقوع الفصل برفعه على يدك في قضيتى النصرانيين المقتولين على وجه الحرابة حياة سيدنا رحمه الله وفى مدتنا، على أن هذا لم يمت كذلك، ولما لا يخفاك ما صاروا عليه اليوم من المساواة والعناد في كل شئ فيصير العرف عندهم في الدية عشرين ألفا بعد ما كانت بخمسة آلاف، وفى هذا ما جاوز الحد في الضرر على أن أولئك ماتوا على وجه الحرابة بالحديد بخلاف هذا. فتنبه، فالنظر في العواقب من الواجب المتعين وحتى إن كان لابد من الزيادة فتكون على وجه السر مناسبة للعدد الواقع به الفصال سابقا في قضيتى النصرانيين المشار إليهما، والمبيضة المذكورة التي وجهت هلا علق الفصال المذكور فيها على تصديق قولهم أو على ورود من توجه من حضرتنا الشريفة لتحقيق القضية أو على توجيه أحد من قبلك على يد الباشادور، يحقق ذلك، وعلى كل حال فالفصال الذى ظهر لنا هو ما بيناه لك والحاضر بصيرة، والله يعينك والسلام في 9 من ذى العقدة الحرام عام 1299".

ونص السابع في طلب نائب إيطاليا سجن محتسب طنجة وعزله: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، والسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: وصل كتابك بأن محتسب طنجة قبض على ولد امرأة عجوز مستخدمة بدار الطليان في والده الدلال الفار بما بيده من حوائج الناس، فذهبت تلك المرأة عند المحتسب وأعلمته بأنها مطلقة من ذلك الرجل، وكافلة لولدها، وأبوه لا يعرفه في شئ، وطلبت منه أن لا يؤاخذه بما هرب به والده ويطالب به ضامنه، فأمر بسجنها فبلغ ذلك للباشادور المذكور، فقام وقعد ووجه لك ترجمانه ذاكرا أنه إن لم يسجن المحتسب ينزل السنجق ويقطع العلاقات الرسمية، فأجبته بأن لا قدرة لك على ذلك لكونه في خدمة المخزن، والذى يتأتى لك هو عزله ورفع القضية لحضرتنا الشريفة فقبل ذلك، وأشرت للعامل بعزله وتعيين من يقوم مقامه ريثما تعلمنا ثم ورد عليك الباشادور بعد ذلك وأكد في سجن المحتسب ودار بينك وبينه ما شرحته إلى أن قبل منك أن تجعل له ذلك كتابة فأجبته بأن يكتب لك لتجيبه فكتب فأجبته بما في النسخة التي وجهت مع كتابه لك، وأشرت بالتأمل في كتابه لكونه لازال طالبا سجن المحتسب، وإن لم يسجن يقطع المعاملة وفيما ادعاه من عدم إعطاء الحق وما أجبته به من أننا موجودون لإعطائه، وصار جميع ما ذكرته وما تضمنه كتاب المذكور ونسخة جوابك له بالبال. أما فعلك ذلك لسد الذريعة وتسكين الروعة فجميل وسديد لكن لا يخفاك أن الجرائم متفاوتة ومتباينة، وكذلك الأدب وكل جريمة لها أدب يناسبها وتعتبر فيها المراتب والخطط وأمر التولية والعزل مهم، فلا ينبغى الازدراء به والتلاعب، ويحتاج فيه إلى كثرة الكلام والمدافعة والمراجعة حتى ييأسوا، أو إذا وقع ونزل به أمر يكون على مقتضاه بعد مشقة وجهد جهيد.

كما يحتاج فيه في بعض الأحيان إلى عزل مقابله كقضية الزمرانى بالصويرة وقونص الفرنصيص حياة سيدنا رحمه الله وإلا فإذا كان كل من عرض لخادمه أو حارسه أو لامرأة أجنبية عنه كهذه شئ مع حاكم من الحكام يعزل الحاكم بسببه، فإن الخرق يتسع على الولاة وتفسد عليهم ما هو جار من الأحكام على مقتضاه وما هو جار على خلافه، وكلهم يتشوفون لمثل ما أراده المذكور ويطلبون المساواة فيه معه، ولهم الحق في ذلك، وفى ذلك من فساد النظام في جميع المدن والمراسى والبلدان ما لا يخفى، على أن مساعدتهم على مثل ذلك لا تتأتى. وعليه فتأمل في القضية وانظر فيها بعين الاعتبار والإنصاف، وفاوض فيها بعض الأجناس الذين تأمن إشارتهم، وإن أشاروا باعتذار المحتسب للباشادور وبإبقائه بمحله فافعل، وإن أشاروا بعزله وتأتت لك ملاطفة الطليان في إبقائه بمحله إلى أجل ولو إلى الوقت الذى يكون فيه بحضرتنا العالية بالله ويقع الكلام معه في شأنه فافعل وإلا فوجهه لحضرتنا العالية بالله غير مهان، والله يعينك والسلام في 21 من شوال عام 1297". ونص الثامن في ذلك أيضا: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، والسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: وصل كتابك جوابا عما أجبناك به عن قضية محتسب طنجة مع باشادور الطليان، وذكرت أنه لا يمكنك نقض ما جعلته معه كتابة وإن لم يقتض نظرنا الشريف قبوله نوجه من قبلنا من ينقضه، ويفاصل قضايا الطليان، وأنك كنت طلبت مثل هذا من سيدنا الوالد قدسه الله حين وقع لك شنآن مع النجليز والصبنيول، فوجه العاجى وفاصل القضيتين.

وعلمنا ما ذكرته من أنك ما أجبت عن القضية المذكورة حتى تفاوضت مع باشادور إسبانيا لكونه ممن تؤمن إشارته وأطلعت على ذلك نائب النجليز فاستحسنه لكون الطلب المشار إليه جار على مقتضى الشرط الثالث من شروط إسبانيا والنجليز والمحتسب صدر منه تنقيص بالقول في الباشادور، ولا يقع خرق ولا ازدراء بالولاة بإعطاء الحق في القضية ولو كان يقع ذلك بإعطائه لقيل وقع لإسبانيا بإعطائهم الحق بعزل حاكمى مليلية وسبتة، وأنك لا تتخلق بأخلاقهم أو تتبع أغراضهم إلا إذا لم تجد سبيلا ويعظم الأمر، لأنك لا تريد أن تكون على يدك فتنة، ولو أن تقيها بنفسك وصار ذلك بالبال. فأما توجيه من بفاصل قضايا الطليان فالكفاية في الله ثم فيك فمثلك لا يعدل عنه إلى غيره، أعاذك الله ويسر للمسلمين على يدك كل خير، ودفع عنهم كل ضير. نعم نريدك أن تجرد لنا قضايا الطليان المذكورة عن آخرها في تقييد وتوجيه لحضرتنا العالية بالله. وأما ما ذكرته من أنك لا تتخلق بأخلاقهم ... إلخ، فإنا لا نظن بك إلا الخير والتخلق بأخلاق الشريعة والسنة النبوية، والسعى في صلاح الدين قلبا وقالبا وحتى إن رددنا عليك في شئ فإنما هو بحسب ما يظهر لنا، ومرادنا بذلك التوسعة عليك والتلقين، وإلا فليس من رأى كمن سمع. فكن تراجع وتكرر المراجعة، فإن تكرارها منتج للمصلحة والخير، وأما كونك لا تريد أن تكون على يدك فتنة فهو كذلك بحول الله، وما ذلك على الله بعزيز. وأما المحتسب فسنجيبك عنه بعد بما يشرح الله الصدر إليه، والله غالب على أمره والسلام في 4 ذى العقدة الحرام عام 1297".

ونص التاسع في قضايا إيطالية: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، والسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وجهنا كاتبنا الطالب محمد الصنهاجى للغرض الذى طلبه باشادور الطليان وأمرناه بالكلام معك في بعض القضايا كقضية اليهودى الذى مات بنتيفة وزعم ولده ما زعم لدى الباشادورات هناك، حتى طلبوا عزل العامل. وكقضية المحتسب بطنجة مع المرأة التي عمد إلى ولدها وسجنه كفافا عن والده السمسار الذى فر بمتاع الناس، وما زعمت المرأة صدوره منه مما لم يرضه الباشادور لمنصبه، حتى طلب سجنه بعد ما عزل. وكقضية اليهودى عمار مع كاتبنا الفقيه الصفار، الذى زعم لدى الباشادور المذكور أن الصفار لما وجده بالبلغة الصفراء الشبيهة بنعال المسلمين في محل بأعتابنا الشريفة لم يعهد وصول اليهود إليه بالنعال، أمر برفعه ورميه على الأرض، وسبه وامتهانه ولتحقيق أمرهن لك وتقرير الواقع لك في التي وقعت منها هنا بجنبه، وما دار في غيرها زيادة في التوسعة والاطلاع على ما هو نظرنا والمستحسن عندنا من أوجه فصال القضايا المشار إليها الذى لا يترتب عليه هضم بجانب المخزن ولا غموز، ولا ارتكاب شئ في الدين لا يجور، فخذ بيده، فيما توجه بقصده، وبصره فيه فإن المدار في ذلك كله عليك لأنك أدرى بتلك الشعاب، ولا تخفى عليك فيها جادة الصواب، فقد أبليت فيما هو أعظم منها البلاء الحسن، وخرج أمره على وجه مستحسن. فقف في هذه كذلك، واصرف إليها عنان ذكائك ودهائك، حتى تخرج على وجه جميل سالم مما ذكر، ويذهب عمار بخفى حنين، عاثرا في ذيل الكذب

والمين؛ والله تعالى يأخذ بيدك ويجعل عنايته من مددك، حتى تصير جميع الأمور المتعسرة، لديك متيسرة، والسلام في 25 قعدة الحرام عام 1297". ونص العاشر في بعثة الفقهاء الموجهين لتصفح رسوم الدعاوى الإيطالية. "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، والسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: وصل كتابك بأن الطلبة الثلاثة الذين عينهم القاضى مولاى محمد رحمه الله لتصفح رسوم دعاوى الطليان وردوا لطنجة في السادس عشر من شهر تاريخه فوجهتهم للباشادور وأعلمته بورودهم، فأجابك بأنه لما كان بحضرتنا الشريفة وعد بأنه حيث يصل لطنجة يجدهم بها، وهذه شهران ونصف وهو بطنجة وأنه كان أعلم مخزنه بما وعد به من حضرتنا العلية بالله، ولا يريد المخالطة مع الطلبة الواردين حتى يرد عليه جواب مخزنه بما يكون عليه عمله، واستثنى في كلامه أنه يطلب الفصال مثل ما وقع مع الفرنسيس والنجليز، وأنك تركت الطلبة المذكورين هناك حتى تنظر بم يرد عليه الجواب. فقد توجه كتابنا الشريف للقاضى المذكور بانتخاب الطلبة المشار إليهم، والتعجيل بتوجيههم لطنجة بقصد ذلك والباشادور المذكور بحضرتنا الشريفة في الوعد المذكور، والمدة التي يمكن وصول الباشادور فيها من حضرتنا الشريفة لطنجة، هى التي توصل الرقاص لفاس، ويتيسر فيها سفر الطلبة لطنجة، ولا تزيد وتنقص إلا بقليل. وإذا وقع عذر للرقاص في الطريق أو للقاضى في تعيين الطلبة فذلك أمر غيبى خارج عن طوق البشر، ومقدوره، والعاقل لا يجهل هذا وتاريخ كتاب القاضى مولاى محمد في القضية حكم يقضى به نعم من أراد تعكيس الأمور فلا

يعجزه ما يدافع به ويعتذر ويقول، فعرفه بذلك ولا يعوزك ما تجيبه به زيادة على ذلك. وأما الفصال الواقع مع من ذكر فقد قرر له وشرح شرحا كافيا رافعا للشك والإبهام وهو بحضرتنا الشريفة، ولك أيضا في جوابنا الشريف عن كتابك في قضية محمد أحم القلعى، ففيه كفاية ولا يخفاك أن الدعاوى على قسمين: معاملة رسومية ومخزنية، أما الرسومية فلا حكم فيها ولا كلام ولا فصل لا معه ولا مع غيره بسوى الحكم والفصل المجعول معه فيها بحضرتنا الشريفة، وهو إحضار المواجب وتصفحها، وتمييز الصحيح منها والقريب من الصحة، والباطل في تقييد كل نوع على حدته، وتبيين أسماء الغرماء وما على كل واحد منهم من المال في ذلك التقييد ليوم عمالهم بإلزامهم فصال ما كان صحيحا من تلك الرسوم أو قريبا من الصحة، والقبض على من امتنع منهم من الفصال وبيع متاعه وأداء ما عليه من ثمنه، وكفى بك حجة فإن ما لا يحصى من الدعاوى تفاصل على يدك بذلك، وعندك نسخ من تقاليد ما وقع به الفصل منهم فيها ونظائرها عندنا وعند الباشادورات المتكلمين عليها ومن جملتهم هذا الباشادور، وهذا وجه مفروغ منه. وأما المخزنية فهى بحسب الوفق والتراضى والمكايسة لا مساواة فيها ولا جبر، كدعاوى القتل والنهب والحدادة التي طلب الباشادور المساواة مع الفرنصيص في فصالها أو ما علم أن الفرنصيص أبطل عددا من الدعاوى وسامح فيها هو منها من قبل الحدادة في ستين ألف ريال على أنه لم يخرج معه فيما هو منها من قبل الرسوم عن حكمها المذكور، وحتى لو فرضنا الخروج عنه فلمصلحتنا ومصلحة رعيتنا لكون همنا وشغلنا كله في النظر في مصالحها وما يعود نفعه وخيره عليها والدفاع عنها، أفيفعل هو كذلك بقبض العشرة ويؤجل في عشرة ويسامح في الستين.

على أن الذى قبضه المذكور ليس من قبل الحدادة بل من قبل الدعاوى الواقع الفصال فيها على يداكار وكذلك النجليز، مما ترتب له من الدعاوى سابقا بالشرط المذكور حسبما في النسخ من تقاييد دعاويهما الموجهة لك سابقا المشتملة على الفصل المذكور، وهذا الفصال الواقع مع الباشادور الطليانى وأعطى به خط يده قد ارتضاه غيره كالنجليز والمركان الذى طلب من جانبنا العالى بالله تكليف الطلبة المشار إليهم بتصفح رسوم دعاويهم كما يتصفحون رسوم دعاوى الطليان، وقد قدمنا لك أمرنا الشريف بتكليفهم بذلك. والحاصل فلا تقبل منه في فصال دعاوى إلا ما وقع به الاتفاق معه بحضرتنا الشريفة وارتضاه وأعطى به خط يده، وهو ما ذكر أعلاه من تصفح الطلبة الرسوم إلخ، وإن أبى إلا غير ذلك فحز منه خط يده بإبايته وأعلمنا، والطلبة المذكورون يشرعون في تصفح رسوم المركان إذا لم يقبل الطليان ذلك وحزت منه خطه بعدم قبوله والسلام في 26 من شوال عام 1299". ونص الحادى عشر في قضية تجارية مع الانجليز: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: وصل كتابك بأن نائب النجليز ذكر لك أن بعض تجار الوندريز لهم ديون على التاجر محمد بن عزوز الفاسى الذى كان يتجر بالوندريز تزيد على خمسة وعشرين ألف ريال، وطلب منك فصال دعواه إما أن يوجه نصف الدراهم حالا ويعطى الضامن في الباقى وإما أن يأتى لطنجة لمقابلة صاحب دعواه على مقتضى الشروط حسبما في كتابه الذى وجهت، وذكرت أنك لم تجد سبيلا إلى المدافعة عن ابن عزور لكونك لم تسمع عنه في مدة تجارته ما يكدر لا في تجارته ولا في دينه، وهو كذلك أصلحك الله ورضى عنك، وقد أحضر المذكور وأُمر بما

ذكر، فذكر أن الكنانيش المتضمنة للحسابات التي بينه وبين أولئك التجار بالصويرة وطلب التوجه لها بقصد جمعها والسفر بها من هناك لطنجة بقصد مقابلة صاحب دعواه، فسوعد وأزعج للسفر وهو على جناحه، والسلام في 24 من شوال الأبرك عام 1297". ونص الثانى عشر في شأن تملك الأجانب الأرض والدور: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، والسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فمن جملة ما عثرنا عليه في مكاتيب باشدور النجليز لك التي وجهت أن الأجناس ما وافقوا رعاياهم على أداء الصاكة في الأبواب وغيرها إلا بشرط أن تكون لهم الدور والأرضون حسبما في الشروط، وغير خاف ما يقضى إليه الإذن لهم في شراء ما ذكر من اختلاط دورهم بدور المسلمين في المدن والمراسى وفساد الدين والملة بسبب ذلك، واتساع الخرق على الراقع، وقد كانوا يطلبون ذلك في حياة سيدنا رحمه الله فيدافع ويعالج أمر ذلك على يدك، فكن كذلك الآن، واجعل أمر معالجته ومدافعتهم عنه من أهم الأمور وآكدها أصلحك الله وسددك والسلام في 25 من شوال عام 1298". ونص الثالث عشر فيما يتعلق بخروج الأجانب لحاجة طلبا لديونهم: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، والسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فإن البوزيادى أحد عمال حاحة أخبر مسترعيا بخروج نصرانى اسمه التاجر بروم النجليزى من السويرة قاصدا بلادهم زاعما أن له بذمم أناس من إخوانه ديونا من المال والجرصة، مع أنه لا يعلم أن له على أحد من إخوانه شيئا،

لأن ذمم أهل حاحة خربت هذه مدة وطلب كفهم عنهم كاليهود وإن كانت لهم دعوى على أحد منهم فرضا يوجهون وكيلهم على يدك برسم الدعوى واصلا ليدنا من المدعى عليه ليحضره للفصال ويقف بنفسه تبيينا للصدق من ضده، وتحريا لسلامة الفريقين. وعليه فنأمرك لذلك، وليكن عملك عليه على أن قبيلة حاحة الآن لا يسلكها عاقل ولا يسأل أهلها سائل لأن المسغبة بلغت فيها حدها حتى حرجت صدور أهلها وضاقت البلاد عنهم وهلكت مواشيهم ونفذ قوتهم، واشتدت فاقتهم، فلا ترى بها إلا من القترة بادية على وجهه، والفقر بين عينيه فعلى الرفاق اليوم يخشى سلوكها أخرى الفرادى. فلا بد أشع هذا الاسترعاء والعاقل يحذر على نفسه قبل حصول الداء على إن إخوان الشاكى هم أعظم جبالة حاحة، وإن كانت حاحة كلها جبالا فهى كلا شئ بالنسبة لإخوان الشاكى مع زيادة عدم جريان الأحكام فيهم على مقتضاها وكون الخاطر بها مخاطرا لإحراجهم بنفاد ما عندهم، حتى صار الاغتيال لقلوبهم مخاطرا وسبع الغلاء في وجوههم كاشرا. والسلام في 5 قعدة الحرام عام 1299". ونص الرابع عشر في القبض على كرتيس الإنجليزى المشار له سابقا المتعاطى للتجارة مع قبائل سوس بغير إذن: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، والسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فكرتيس النكليزى الخارج ببابور القوت بالسواحل السوسية شارعا في بيعه لفساد تلكم القبائل، وكتبنا لك في شأنه سالفا قد وقع القبض عليه الآن،

وهو ونصرانى آخر على يد ابن عمنا مولاى الكبير بن محمد بن سليمان، ووصيفنا الطالب بوعزى السريفى أحد خلائف سوس، وخديمنا القائد محمد بن الطاهر الدليمى قائد الارحى، فأمرناهم بدفعه لعامل تزنيت يوجهه لخليفة أكادير يوصله لعامل السويرة يمكنه بيد قونصوهم، بعد أخذ خط يده بتوصله به، والاسترعاء عليهم بأنهم إن عادوا لمثل ذلك فأصيبوا في أموالهم أو نفوسهم، فدركهم على رءوسهم وخسارتهم بهم خاصة ومصيبتهم عليهم قاصرة وأعلمناك لتكون على بال من ذلك فتعلم به الباشادور وتسترعى عليه بنحو ما شرح صدره، والسلام في 29 جمدى الثانية عام 1300". ونص الخامس عشر في القبض على صاحبى المذكور وتوجيه الأقوات لسوس وإنشاء مرسى بها: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، والسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد أخبر خديمنا القائد أحمد بن محمد العبوبى السرغينى أن كرطيس وجه صحبة صاحبيه الحاج محمد بوشيخه الصويرى والجيلانى بن على الصويرى كتابا لقبيلة اصبويا ومستى بأن يشدوا عضده ويقفوا في كلمتهم معه ويحفظوا ما تركه بالزريبة المدورة بالحجر التي كان جعلها بمرسى اركسيس حتى يقدم عليهم بحرا، فقبض عليهما وأحصى ما بتلك الزريبة ووجه لحضرتنا الشريفة زمامه الواصلة إليك نسخة منه طيه، فأمرناه بتوجيه المسجونين المذكورين لأخينا مولاى عثمان يجعلهما بالسجن، وبحيازة ما تضمنه الزمام المذكور على وجه الكطربنض. وأعلمناك لتكون على بال من ذلك وتعجل بما قدمناه لك من اكتراء مركب وتوجيهها لمرسى اركسيس واسقة للألف خنشة من الشعير، ومثلها من البشنة من

مرسى الجديدة ومرسى الدار البيضاء الصادر أمرنا الشريف لخدامنا الأمناء بهما بأن يشترى كل منهم نصف العدد المذكور ويوجه معه نائبه يبيعه بالمحل المذكور يدًا بيد لا بالطلق بالثمن الذى يجعلونه له على نسبة ما اشترى به وما صبر عليه، بحيث لا يربح فيه المخزن شيئا زائدا على رأس ماله الذى دفعه فيه، ولا تقع له خسارة في شئ منه كما تعجل أيضا بأمور المرسى المراد إنشاؤها هناك المتقدم لك الكتب في شأنها، وتجعل ذلك كله من أهم الأمور وآكدها، وتصرف إليه وجه الاعتناء لينقطع به التشوف لتلك المراسى، وتحصل السعة للقبائل المجاورين لها لكونهم لا زالوا في غاية الاضطرار للقوت وغيره. وقد أمرنا خديمنا العبوبى بأن يعجل لتيسير محل صين متصل بمحل نزوله باركيس لوضع القوت المذكور فيه وجعل العسة عليه والوقوف مع نائب الأمناء المذكورين في بيعه مناجزة، وأعلمناك لتكون على بال، وأيضا فلابد أخبرنا بما كان من أمر ما اشتهرته من الاسترعاء على الذاهبين لنواحى سوس افتياتا وهل كتب في تواريخهم وظهر له أثر أم لا، لنكون على بال من الكلام فيه أو عدمه مع الدول، والسلام في 10 رمضان المعظم عام 1300". ونص السادس عشر في إبطال دعوى قانونية اتجاره مع سوس: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، والسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: وصل كتابك بأن باشادور النجليز كان تكلم معك في شأن كرطيس زيادة على ما في كتابه الذى وجهت من أن كبانية سوس أخبرت دولتهم بأن إنزال كرطيس القوت بمرسى اركسيس كان بموافقة وصيفنا بوعزة السريفى، وأن المتوجه من حضرتنا الشريفة لتلكم النواحى عام أول لم يتعرض لكون تلك التجارة مخالفة للقانون، وقال لكرتيس فيما ضاع له هناك حيث أنزله على الوجه المذكور، وأن

الحاج حمدان والجيلانى نائبى كبانيتهم اللذين وجهتهما لسوس يقبضان ديونهما وقبض عليهما لا درك عليهما يوجب قبضهما، حيث هما عند أمر الكبانية وأنه يطلب تسريحهما فلم يقبل منه ذلك، وأجبته عنه بما شرحته، فأكد في البحث فيما تقول على المذكورين، ذاكرًا أنه إذا لم يصدر البحث فيه يتبدل نظر دولته في كون نزول كرتيس هناك خارجا عن القانون حسبما في كتابه المذكور وطلبت أمرنا به وإعلامك بما ينتجه لتجيبه به. أما خروج كرتيس بمرسى اركسيس وإنزاله القوت بها فلم يكن بموافقة بوعزة السريفى قطعا وإنما كان بموافقة فساد قبيلة آيت بوعمران كالسباعى وأضرابه، وبنفس خروجه ووضعه القوت بها طير لنا الإعلام بذلك السريفى، فأمرناه بالاحتيال عليه وقبضه وتوجيهه للصويرة على يد عامل آكدير، ولما سمع أعيان آيت بوعمران وكبراؤهم بخروجه توجهوا لعنده وطالبوه بإذننا الشريف له فيه، فاستظهر لهم بكتاب مزور بأننا أذنا له في جلب القوت وبيعه لتلك القبائل فسكتوا عليه. وبحثوا في ذلك الكتاب فألفوه مزورا وهموا بالفتك به، بمن معه، فخشى السريفى من درك ذلك لتأكيدنا عليه في عدم النداء في القبيلة بترك التعرض له وعدم مسه بسوء، فظنوا أن ذلك بإذننا وتأخروا عن الإيقاع به وبمن معه، وطير لنا الإعلام بذلك، فأصدرنا أمرنا الشريف له ولقبيلة آيت بوعمران بالضرب على أيدى أولئك الفساد المجتمعين عليه والقبضى عليه وتوجيهه لعامل الصويرة على يد عامل آكدير، ووجهنا من حضرتنا الشريفة الموجه المشار إليه وأمرناه بالاحتيال عليه حتى يحصله. ولما سمع بقدومه فرّ للبابور حتى يذهب ويرجع للبر، فكان من جملة احتيال الموجه عليه حتى حصله قوله كن مظمئن البال، وهذا بعد أن قدمنا لك

الإعلام وللباشادور بخروجه ووضعه للقوت بتلك المرسى، وبما عزم عليه آيت بوعمران من الفتك به، وأمرناك بالاسترعاء على الباشادور، فوجهت لحضرتنا الشريفة نسخة من استرعائك عليه، وأخرى مما كتبت به للتاجر فلمنك ليجعله بالكازيطة بالوندريز، وذكرت أن الباشادور أجابك بأنه غير موافق على فعل كرتيس، وأشار بإلزام أولئك الناس بالإتيان به للصويرة، وفهمت من كلامه أن هذا الأمر خاص بأوامر المخزن، وأنهم لا يكونون حراسا لسواحل سوس التي هى من هذه الإيالة حتى يمنعوا نزول الكطربنض فيها. وأن المخزن يجعل الحراس مثل ما هو في غير تلك السواحل، ومن عثر عليه هناك مشتغلا بالكطربنض أو غيره فيحار الكطربنض ويدفع المشتغل به لقونصوه، ليجرى عليه الحكم الواجب يمقتضى الشروط، ومكاتيبك بذلك مع مكاتيب الباشادور ونائبه بعدم موافقتهما على توجه كرطيس لتلك السواحل السوسية، وتكليفهما قونصوهم بالصويرة بالاسترعاء عليه تحت اليد. والحاصل فادعاء كرتتيس موافقة السريفى له على إنزال القوت باركسيس وإشارة الموجه له بما ذكر واضح البطلان، لا يحتاج إلى بحث ولا إلى إقامة دليل وبرهان، ومراده بالادعاء بذلك ستر خرقه للشروط بالخروج للمرسى المذكورة وتعاطيه التجارة بغير إذن المخزن، والتلبيس على الكبانية، وتغطية تضييعه لمتاعها ببيعه بالطلق لأناس بلغت فيهم الفاقة والخصاصة حدها لا ترضى ذمتهم في قيراط، فإن المخزن الذى له الحكم عليهم لم يبع لهم بالطلق، وإنما باعه لهم يدا بيد. وحتى لو فرضنا أن السريفى له في ذلك وكذلك الموجه، فإن وسق القوت للمراسى المستخدمة لا يكون إلا بإذننا الشريف لا بإذن الولاة وأحرى المراسى الغير المستخدمة التي بطرف الإيالة ومن أذن له في الإتيان لهناك قبل أن ينزل وأما

المذكوران فيهما اللذان حثا كرطيس على التوجه لسواحل سوس، وطمعاه ودلياه بغرور وتوسطا بينه وبين فساد آيت بوعمران ولاقياه معهم وتوجها معه، وكان يبيع الكطربنض على يديهما، ولم يقتصرا عليه، بل حرضا غيره من التجار وطمعاه حتى توجه لتلك السواحل ولم يحصل على طائل ومشتغلان بالخوض في أمر المعادن التي بتلكم السواحل، وهذا هو موجب القبض عليهما، والباشادور ودولته لا يوافقان على تسريحهما حيث هما على هذا الوصف. وعلى كل حال فقد قبلنا شفاعة الباشادور -في تسريحهما على شرط ضمانته أن لا يعودا لما كانا عليه من إدخال الكطربنض والخوض في أمر المعادن والسعى في الغيار بين الدولتين، وأن لا يتوجها لتلكم الناحية وإن وقع ونزل وتوجها لها يقبض عليهما ولا يتكلّم فيهما الباشادور، والسلام في 7 ربيع الثانى عام 1301". ونص السابع عشر في شأن سلوك قنصل البلجيك بالبيضاء: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد فقد وصلنا كتابك جوابا عما كتبنا لك به في شأن اشتغال قونص البلجيك بالدار البيضاء بإدخال الناس في الحماية، وذكرت أنك كلمت باشدوره في ذلك وتغير منه وكتب للقونص المذكور بالتوبيخ على ما صدر منه وأمره بالوقوف عند حده، وترك الخوض فيما لا ينبغى له، وذكر لك أن الأناس المذكورين ليسوا في الحماية ولا يقبلهم، وأن مخالطتهم مع الترجمان من جملة مخالطة الرعية على العادة، وصار ذلك بالبال أصلحك الله ورضى عنك والسلام في 7 جمدى الأولى عام 1296".

ونص الثامن عشر في مطالب سفير أميركا مع أجوبتها: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: وصل جوابك عما كتبناه لك في شأن دعوى سرقة دار نائب الماركان بأنك استكتبت فيها الباشدورات 4 الذين سميت لدولهم لتكتب في شأنها لدولة المذكور، فكتبوا لدولهم على وفق مرادك عدا باشدور الألمان تأخر عن الكتابة لدولته للمصلحة التي تبينت، فقد أصبت في مباشرتك لذلك معهم أعانك الله، وبأنك تحققت أن صاحب الدعوى مراده الضرر لبحثه في الدعاوى التي لا بال لها المبينة بطرتة، وادعائه أن عدم تيسير ما يطلبه من ذلك كله إهانة له ولجنسه، ومن جملة ما يطلبه ما قدمت الكتب به لجانبنا العالى بالله من الإنعام على دولته بتسريح وسق الثيران كغيرها من الدول المنعم عليها بذلك، فأما ما يحاوله من المضرة فوقاية الله تقى شره، وعنايته سبحانه تكفى أمره، وأمر كل ذى سعاية في الإضرار والإذاية. وأما دعوى المسجون الذى عند المديونى فقد كتبنا له ببيان موجب قبضه عليه، وهل تقدمت له مخالطة مع خليفته كما زعم أم لا، وعلى فرض أنها تقدمت له فهل كان قبضه عليه في حالها أو حتى افترقا ولم تبق بينهما مخالطة ليظهر ما يكون في ذلك. وأما دعواه التي بالعرايش فبينها لنا ليقع البحث فيها، وإن ألفيت ثابتة بموجب تفصل. وأما دعوى غنم عبد الله الشبلى فقد كتبنا لخديمينا عاملى الغرب ببيان موجب حيازتها وبردها له إن لم يكن موجب لها.

وأما عدم تيسير أخينا مولاى إسماعيل والعمال الأمور التي كتب لهم عليها فقد أصابوا في ذلك لأنهم لا إذن عندهم في مكاتبته ومباشرة الأمور لا معه ولا مع غيره، وإنما الإذن عند العمال في الكتابة لك فيما لهم من الدعاوى بإيالاتهم، وحيث خالف القانون في ذلك وهو الكتب لك بتلك الأمور لتكتب لهم أو لحضرتنا الشريفة بها وكتب لهم هو في شأنها فذاك جزاؤه. وأما الإنعام على دولته بتسريح وسق الثيران، فقد كنا وجهنا لك ظهرا به طى جوابنا الشريف لك عن ذلك الموجه لك في مهل جمادى الأولى الفارطة على يد خدامنا أمناء مرسى الجديدة، وها نظيره يصلك طيه فادفعه له إن لم يصلك الأول، وإلا فرده إن وصلك، وبأنك غير متساهل في أمر هذا النائب لتخبرك بورود مكاتيب له من دولته تعده فيها بتوجيه ما ذكرته للوقوف على دعاويه أخذ الله بيدك، وجعل إعانته وعنايته من عددك، وبأنك تطلب من الله أن يكفى شره وشر غيره فأقول اللهم آمين آمين آمين والسلام في 3 جمدى الثانية عام 1300". وهذه الدعاوى المبينة بطرة الظهير الأصلى: "دعوى مسجون عند المديونى هذه نحو الأربع سنين كانت له مخالطة مع خليفة نائب المركان بالدار البيضاء. 1 ودعوى للنائب المذكور بالعرايش كتبت بفصالها مرارا وذكر الآن أنها لا زالت لم تفصل. 1 وشفاعته في عبد الله الشبلى المعروف بشوبية الملازم باب داره مدة تقرب من السنتين الذى ذكرت أن غنمه حيزت بغير سبب وكتبت في شأنه لحضرتنا الشريفة ولعمال الغرب مرارا. 1 وأمور كتب عليها لأخينا مولاى إسماعيل وللعمال فلم ييسروها له". 1/ 4

ونص التاسع عشر في إباحة وسق الثيران من المغرب لأميركا وشروطها الأربع: "يعلم من كتابنا هذا أسمى الله قدره. وأعز أمره. وجعل في الصالحات طيه ونشره. أننا أنعمنا على دولة الماركان بتسريح وسق ستة آلاف رأس من الثيران في كل سنة لعسكرهم ومراكبهم مثل ما أنعمنا به على بعض الأجناس، على أن يؤدوا في صاكتها مثل ما يؤديه غيرهم وهو خمسة ريال لكل رأس، وعلى شرط أن يكون وسقها من مرسى طنجة، وعلى شرط أنه إن كملت السنة وبقى لهم شئ من الستة آلاف يلغون وسقه ويتركونه أصلا في السنين التي بعدها، وعلى شرط أن يسقوا ذلك لعسكرهم ومراكبهم لا لتجارهم يبيعون ويشترون فيه، فنأمر خدامنا أمناء مرسى طنجة أن يسرحوا لهم وسق ذلك على الشروط المذكورة والسلام في 4 جمادى الثانى عام 1300". وقد كان بعض الأجناس تقدم للحضرة الشريفة بطلب هذا الوسق، فوجهت الاستشارة في ذلك لخواص الأمة من أهل فاس علمائها وتجارها ومرابطيها وغيرهم، فأجاب كل بما أداه إليه نظره حسبما أفصح عن ذلك هذا الظهير الشريف الصادر لباشا فاس جوابا عن كتابه في المسألة وهو العشرون مما سبق: "وصفينا الأرضى الأنجح الطالب عبد الله بن أحمد وفقك الله، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وبعد: فقد وصل جوابك عما أصدرناه استشارة لأهل فاس، فيما استظهرنا المساعدة عليه لبعض الأجناس. من تطليق وسق ما طلبوه على ما قرر لكم من الشروط، التي اعتبار المصلحة فيها بقيد الاختبار منوط، شارحا ما ظهر منهم عند عرضهم عليهم من الاضطرار الدال على تخليص مناهلهم من كدر الاغترار، ومعلما بتوجيه الرسمين المضمن أحدهما لجواب كل عصبة من طوائفهم المتيامنة،

والآخر لجواب أهل الزاوية الكبرى مع الزراهنة، مع تقييد في ذلك خاص لعلماء فاس إلى آخره فأما تقييد العلماء فوصل، وبإقبال نظرنا السديد اتصل، وقد أدوا فيه الواجب تذكيرا ونصحا، وصدعوا من الحق بما شيدوا به في منهج الهداية صرحا. وأما الرسمان فطولع بهما علمنا الشريف كذلك. واستوعب النظر فيهما بطرق الاستقراء ما هنالك. فأعربا عن مضمن المشهود عليهم بوجه يستوفيه ومزر حكم اهتمامهم بنتيجة الاستشارة فأما أهل ... فقد أحسنوا في إشارتهم بأن يكون وسق ما أشير له من المراسى فقط، دون المدن والبوادى مع عدم التمكين من ... . لأحد وأدوا بذلك واجب النصيحة، عن عزائم صحيحة، ولا غرابة في ذلك، إذ ليس من رأى كمن سمع، فجزاهم الله خيرا، وكذلك المرابطون والتجار مع من خص إحضاره من أهل الحومات الذين نَحَوْا نحو أهل ... مع استظهار المرابطين نصب وكيل بالمراسى، وعدم الضرب على يده وزيادة التجار عدم التمكين من الحيوان مطلقا، واستدراك البعض منهم تحديد ما يوسق من الحب بمقدار لا يجاوز حده، وتنبيه الحاج أحمد المراكشى على تقييد التسوق في أشهر العام، بحيث يكون غير مجحف بالرعية فجزى الله الجميع خيرا. وعاملهم بمقتضى نياتهم سرا وجهرا. وأما الشرفاء العلويون ومن بعدهم من أهل النسبة مع المقدم الرامى ومن تلاهم من الأمين المقرى، والحاج أحمد الرايس وأرباب البصر ومن نحا نحوهم في رد الأمن إلينا فيما أبدينا استظهاره والموافقة والاقتصار عليه من نتيجة استشاره، فقد أدوا في ذلك من الواجب بعضه. حيث لم يشيروا بمقتضى سبر الأمر مع مسهم نبضه. وأما أهل زرهون. فمن قبيل هؤلاء غير أنهم معذورون. إذ لم يبلغوا مبلغهم في الذكاء. والحدق والدهاء.

على أننا ما زلنا ولا نزال بحول الله نصرف العوارض ما أمكن بنظر الرعاية والمصالح، ونذود عن الرعاية عقربها بسماك رامح، والله نسأل أن يجرينا على ما تعودناه من المعونة والإمداد، ويغنينا عن أقيستى التدبير والاستعداد، آمين. وها جواب العلماء عما كتبوه يصلك صحبته والسلام في الثانى والعشرين من رمضان المعظم عام ثلاثة وثلاثمائة وألف". وقد كان جواب العلماء يقضى بعدم الإسعاف والإسعاد مع تفويضهم له وتصريحهم بأنه: ليس لهم بين يديه كلام، ولا لهم مع وجود عزته جواب ولا خصام، وأين عقول سائر الرعية من عقله، وذكاؤها من ذكائه ونبله، وأمضاه منهم نحو الستة عشر منهم، وهو أولهم أبو محمد جعفر الكتانى، وأبو عبد الله حميد بنانى، والمولى عبد الهادى الصقلى، وأبو العباس ابن الخياط، وأبو عبد الله محمد ابن رشيد العراقى، والفقيه المختار بن عبد الله وغيرهم وجوابهم بخطوطهم بخزانتنا. فلما اتصل جوابهم بصاحب الترجمة بعث لهم بالجواب عن ذلك بما نصه وهو الظهير الحادى والعشرون: "الفقهاء الأرضين المبرزين من القضاة والعلماء بفاس، الحماة الهداة الذين للعامة من مصباح مشكاتهم اقتباس، وفر الله جمعكم، وصان من كدر الحوادث نبعكم، وشكر سعيكم، وأدام لصالح العمل هديكم، وسلام الله عليكم ورحماته، وتحياته وبركاته. أما بعد: فقد وصل ما قيدتموه فيما استشرتم فيه من تسريح ممنوع الوسق وذكر أن الحيوان لبعض الأجناس المقررة لكم شروطه المبنية من الاختبار والاحتياط على أساس، ناهجين في ذلك منهج حكم الكتاب وصحيح الأخبار، على سبيل

[صورة] جواب علماء فاس لمولاى الحسن في قضية الوسق

الإطلاق الذى لا يخلو فيه لقيود المصلحة اعتبار، مستظهرين كون منعهم من ذلك إن اقتضاه النظر أولى من الإسعاد، ولو أفضى لعقد مدة تنقضى لتمام حصول القوة والاستعداد، لصدور ذلك منكم عن عقائد أمسك الإيمان زمامها، وعزائم جردت بيد التوكل حسامها، فأوريتم بذلك زنادا، وناجيتم به في مسرح الضمائر مرادا. إذ هو في الحقيقة إفصاح منكم بالواجب، وصاع بأمر الله الذى ليس للعزائم عنه حاجب، فقمتم فيه بلازم الوظيف، وتخلصتم ببثه من وعيد الكتمان المقرر بالذكر المحكم والحديث الشريف، وأديتم بذلك واجب النصيحة التي هى عنوان صدق العقيدة، وعضد الإيمان الذى به يمنح المفاز مقليده. على أن النصيحة شرط في البيعة وفرض على كل مسلم، فكل قلب خلا من كوكبها المنير مظلم، لما أخرجه الشيخان عن جرير، قال أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت أبايعك على الإسلام فشرط على والنصح لكل مسلم ... إلخ. وقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما أخرجه الطبرانى "من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ومن لم يصبح ويمس ناصحا لله ولرسوله ولكتابه ولإمامه ولعامة المسلمين فليس منهم"، وتنبيهكم على الحمل على مراجعة الدين، والتفصى مما ينافى سنة سيد المرسلين، أتيتم فيه بحق التذكير والموعظة، وطرد سوام التوانى عن الهمم المستيقظة. إذ التساهل في اتباع السنة رأس المهالك، وداعية النوائب التي تضيق بها المسالك، لقوله - صلى الله عليه وسلم - لكل عمل شرة ولكل شرة فترة، فمن كانت شرته إلى سنتى فقد اهتدى، ومن كانت شرته إلى غير ذلك فقد هلك، على أن من صلح فبهداية الله، ومن أساء فذلك في الحقيقة ابتلاء بطريق العدل من مولاه، فكلا العملين بإلهامه وتوفيقه، وكل يعمل على شاكلته وطريقه، لقوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [سورة الشمس الأية 8]. ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: فيما أخرجه الطبرانى: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له، من خلقه الله لواحدة من المنزلتين وفقه لعملها".

وإننا لمزيد عنايتنا بالرعية وشفقتنا عليهم لنتحمل السهر لتنام أجفانهم، ونرضى بطول الكد لتستريح في الآجل ولدانهم، ولا نأْلوا في إرادة الخير بهم جهدا، وإقامة معالم السنة فيهم هديا ورشدا، حيث استودعنا الله إياهم، واسترعانا صغراهم وجلاهم. وفيما أخرجه الإمام مسلم: ما من أمير يلى أمور المسلمين ثم لا يجهد لهم وبنصح لهم إلا لم يدخل معهم الجنة. فلا نهمل في تدبيرهم نصحا ولا نهمل بحول الله ما يثمر لهم نجحا، ويمرد لهم من قوارير العزة صرحا. وقد أخذتم في اهتمامكم بالمتعين، إحكاما لعمل وظيفكم المعتاد وأداء لما طوقتموه من شد عضد الهداية والإرشاد. هذا ولما كانت المصلحة في هذا الوقت اقتضت ما استشرناكم فيه، وأوجبت بطريق النظر تسكين ما ينافيه، قدمناه ريثما تقترن طوالع العزم إن شاء الله في بروج سعده، ويأتى الله بالفتح من عنده، وما زلنا ولا نزال بحول الله نصرف العوارض ما أمكن بنظر الرعاية والمصالح، ونذود عن جانب الرعية عقربها بسماك رامح، والله نسأل أن يجرينا على ما تعودناه من المعونة والإمداد، ويغنينا بتدبيره عن أقيسة التدبير والارتصاد، والسلام في 22 من رمضان عام 1303". وقد أحسن في تأييد ما فعله المترجم العلامة الحسن بن عبد الرحمن السملالى في كتابه الفتوحات الوهبية، في سيرة مولانا الحسن السنية، وأبدى في ذلك فِكْرَةَ اقتصادِىٍّ ماهر إذ يقول: فمن تأمل ما عمله أمير المسلمين من موافقته لبعض أجناس النصارى على ما طلبه منه من تسوق الحبوب، وذكر أن المباح من الحيوان ومساعدته له مدة محدودة بثلاثة أشهر في السنة على شرط الخصب بعد بذل جهده نصره الله في المدافعة خمس سنين فأكثر، ومخالفة رأى من أشار له بالمنع تأمل منصف مريد لجماعة المسلمين خيرا وجد ما عمله نصره الله أسد الآراء

وأصوبها وأنجحها وأصلح لأهل الإسلام وأنفع بكل اعتبار بل ببعض اعتبار يكون واجبا لمصلحة عامة لما فيه من جبر ما نقصه العدو من شقيق الروح الذى هو المال بالخرابات التي لا تعود على من استعملها إلا بالندامة، ولا ترجع لفائدة، والمال هو الذى تقوم به الدول ولا غنى للمملكة عنه والمسلمون لا سبب لهم يردون به ما خرج من يدهم إلا بذلك، وذلك يخلف ويعوض في كل سنة عادة عودها الله لخلقه. فأنثى الحيوان منها ما تلد مرتين في السنة وهى النعجة والمعزة ومنها ما تلد مرة وهى البقرة. والحبوب تخلف كل سنة إلا في المسغبة وهى قليلة، ومع قلتها لا تعم، فإذا أجدبت جهة تخصب أخرى دعوة سيّد البشر - صلى الله عليه وسلم - لأمته بقوله: دعوت ربى أن لا تصيب أمتى سنة عامة فأعطانيها، فالعاقل من يدفع ما يخلف ويعوض فيما لا يخلف ولا يعوض إلا من الخارج، إذ لا معادن للمسلمين ولا للعدو المجاورين لهم، وإنما يجلبون الذهب والفضة من السودان أو في البحر في المحل البعيد الموضع الذى يقال له "لفرن" وفى عدم سعى المسلمين في رد ما خرج من يدهم من المال الذى هو أعز الأشياء وأعظمها ضرر كبير على أهل الإسلام وذويه ونفع كبير لأهل الكفر ... إلخ. ولما أبيح لفرنسا وسق قدر من القمح إغاثة للمجاورين من أهل وهران كتب سفراء الانجليز والطليان والألمان يطلبون مثل ذلك لهم حسبما جاء في هذا الظهير المرسل لبركاش في جوابهم وهو الثانى والعشرون: "وبعد فإن نواب الأجناس الثلاثة النجليز والطليان والألمان، كتبوا يطلبون تسريح وسق قدر من القمح لتجار رعاياهم كما سرح للفرنصيص، متمسكين بشرط التساوى في الإنعامات ذاكرين أن ما أنعم به على الفرنصيص لم يخرج على

الوجه الذى نفذناه به من إغاثة المضطرين له من إيالة وهران المجاورة وإنما تصرف فيه التجار، وبعد وصوله لوهران صرفوه لمرسيلية وربحوا فيه ربحا طائلا. وقد أجيبوا بالمدافعة عن ذلك بما مضمنه أننا إنما سرحناه للفرنصيص للضرورة الفادحة، وإغاثة الجار المضطر، وحيث وسق في البحر لم يبق لنا عليه سبيل، وإن ذكروا أن لنا عليهم سبيلا في ذلك فليبينوه ويبينوا وجه الكلام مع الفرنصيص في ذلك ليكون معه الكلام، فإن ثبت الحق على الفرنصيص فلا كلام لهم معنا، وإن ثبت علينا فيظهر ما يكون على أن الأجناس المحبين عندنا في الإنعامات سواء، كل من حصلت له الضرورة مثل هؤلاء، واستغاث بنا نغيثه بما تيسر لنا إن كان الخير موجودًا ولا يحصل بذلك الضرر للرعية. وزيد للنجليز في جوابه بأنا إنما أقدمنا على ذلك اعتمادا على إشارته لأننا نوافق إشارته ونستحسنها لاسيما في أمور البحر، وأعلمناك لتكون على بصيرة وتعرف كيف تدافعهم عن ذلك بالتى هى أحسن، وقد كنت شافهت حضرتنا العالية بالله بما رتبته من وجوه التفصى منهم في ذلك، فاعمل جهدك حتى تدافعهم عن طلب ذلك بما أمكن، والله يعينك وتصلك المكاتيب التي كتبوها لك في هذه القضية ووجهوها لحضرتنا العالية بالله". وكما أباح الوسق من المغرب سوغ جلب الأقوات إليه لما اضطر أهل سوس لذلك واشتدت فاقتهم، فكتب للنائب بركاش بالكلام مع سفراء الدول في الإذن لتجارهم في جلب القوت لمرسى أكادير ووضعه بها بعد أن يؤدوا صاكته لأمناء مرسى الصويرة لكون المصلحة اقتضت أن يكون التعشير بها لا بآكدير حيث لا موازين بها ولا ديوانة للتعشير، وبأن تكون صاكة ذلك عشرة في المائة لا خمسة في المائة، لأن ذلك مخصوص بما يجلب للصويرة ويوضع فيها، ومما أصدره لبركاش في هذا الشأن وهو الثالث والعشرون مما سبق:

"خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، والسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فإن الأجل المجعول للتجار في جلب القوت لآكدير وهو ستة أشهر حان انصرامه وفصل الدراس لازال بعيدا، وأهل القطر السوسى لازالوا مضطرين للقوت، فاقتضى نظرنا الشريف لأجل ذلك التوسعة عليهم إلى الفصل المشار إليه بزيادة ثلاثة أشهر للتجار على الأجل المذكور المجعول لهم يجلب ذلك لآكدير بالصاكة المعتادة التي يعطونها عليه، وهى عشرة في المائة، وعليه فنأمرك أن تعلم الباشادورات بذلك ليعلموا به تجارهم والسلام في متم جمادى الأولى عام 1300". ونص الرابع والعشرين فيما كتبه للنائب المذكور مما يتعلق بإشارة بعض السفراء إلى استنهاض الهمم للحرث والزرع: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، والسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وصلنا كتابك في شأن ما تكلم به معك باشادورات النجليز والصبنيول والفرنسيس والطليان وإشارتهم بالحض على العمال في إعانة الرعايا على الحرث واستنهاضهم لها بكل الوجوه وتسليف الزريعة لمن ضعف عنها لما بلغهم من قلة الحرث في هذه السنة في البكرى، ووصل كتاب من كتب لك منهم في ذلك وصار مضمن ذلك بالبال، فجازهم على لساننا على تنبيههم واهتمامهم بالمصالح العائدة بالخير على البلاد والعباد، ونحن بصدد ذلك إن شاء الله، وسنأمر العمال أهل الجد والفائدة بذلك ونؤكد عليهم فيه لما في ذلك من مصالحنا ومصالح رعيتنا والسلام في 2 ربيع الثانى عام 1296".

وشبيه بهذا في شفقته على رعاياه ورحمته بهم ما أصدره في شأن المكترين للأراضى المخزنية ونصه وهو الخامس والعشرون: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، والسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد اشتكى الحارثون ببلادات المخزن التي بدكالة على يد عمالهم بتضررهم من أداء جميع الكراء الواجب عليهم فيها معجلا وطلبوا التوسعة عليهم في بعضه فساعدناهم لادعائهم الضعف، وعليه فنأمرك أن تجعل معهم سددا في أدائه منجما عند كل فريضة قدر معلوم يؤدونه إلى انتهائه بحول الله والسلام في 9 صفر الخير عام 1304". ونص السادس والعشرون فيما يتعلق برفض أصحاب السفن قبول (الورديات) بمرسى العرائش: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، والسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد تشكى خديمنا الطالب محمد بن على العرائشى بأن المراكب التي تنزل الصبورة بساحل المرسى امتنع أصحابها من قبول الورديات للحضور على ما ينزلونه ولا يخفى أن روجناهم في المحل البعيد من السعة فيه عرضة للآفات، فنأمرك أن تتكلم مع النواب بأن يلزموا خلائفهم بالعرائش بأن يقبلوا حضور الورديات على ما يطرحونه بذلك المحل ليبعدوا من التغرير بأنفسهم ومن فتح باب الكطربنض والسلام في 11 صفر عام 1294". ونص السابع والعشرين في إبطال ما يسمى (الكرنتينة) أى الحجر الصحى وقد صدر هذا الظهير حاد اللهجة:

"خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، والسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد عددنا لك الكتب في إبطال ما بلغنا من أمر الكرنطيلة التي أحدثتموها هناك على يد النصارى، ثم إنه لم يظهر منك أثر للتنفيذ حتى رجع المخازنية الذين كنا وجهناهم مع المال فأخبروا أنهم حصروا عن الدخول للمدينة وأقاموا هناك مدة، وحيزت منهم مكاتبنا الشريفة وتصرف فيها النصارى بالشق والتبخير وغير ذلك، ورجعوا من هناك من غير دخول. وما كنا نظن أن يبلغ بك مساعدة النصارى هذا المبلغ حتى تمكنهم من التحكم علينا في بلادنا والتصرف في مكاتيبنا، ومنع أصحابنا من تبليغ أوامرنا الشريفة، حتى أفضى بك الحال إلى تفريق الأوامر على المراسى بمساعدتهم على تحكمهم، فساعدك من استهواه ذلك وأنف منه من عنده مسكة من عقل وامتنع، ورد الأمر لعلى جنابنا فأمرناه بعدم القبول وحتى حيث ظهرت لك مساعدتهم بطنجة فما كان ينبغى لك أن تأمر به في غيرها من المراسى، وتحيلهم على استئذان جانبنا العالى بالله فإنها أقرب منا ونحن أعرف بما نقرهم عليه، وما نمنعهم منه. وقد طالعنا ما أجبت به من الأعذار الغير المقبولة والأقوال المعلولة ولا يقبل منك عذر في ذلك ولا يلتفت فيه لما ذكرت من اضطرار الضعفاء لما يجلبونه من القوت فإن رزق المسلمين بيد الله يأتيهم من حيث كتبه الله لهم من أبوابه الواسعة، وعليه فبوصول كتابنا هذا إليك افسخ ما عقدته في ذلك من غير توقف ولا مشاورة، وقد أمرنا المخازنية الحملة بأن يدخلوا بمجرد وصولهم ولا يتوقفوا في ذلك على إذن ولا غيره والسلام في 24 شوال الأبرك عام 1295". ونص الثامن والعشرين في شأن التدليس والتحييل الذى يقع في التعشير على الصادر والوارد من السلع:

"خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. . وبعد: فقد بلغنا أنه كثر وسق العدد الكثير في مرسى العدوتين من الحنابل والزرابى والبطانيات والبلغة ونحوها لمرسى طنجة اعتمادا على ما في الشروط، من أن ما يوسق من مراسى الإيالة بعضها لبعض، لا يعطى عنه أعشار لكن كان ذلك مع القله أما الآن فتفاحش جدا، مع أن مقصود واسقيه به وهران كما كثر ورود المراكب من بر النصارى موسوقة بالأتوات لبعض المراسى، ومعها بطائق أمناء طنجة بأنها دفعت أعشارها بطنجة حتى إنه ورد لمرسى لعدوتين قريبا خمسة مراكب وأربع بابورات من بر النصارى موسوقة بالأقوات ولم يعشر فيها حتى الثلث، زاعمين أنها عشرت بطنجة. مع أنه لا ينزل بالمرسى من المراكب وإنما ينزل أصحابها من المراكب ويصحبون بطائق الأمناء بأنها أدت هناك وفى بطاقة واحدة منها نحو الثمان عشرة مائة خنشة، مع أن ما في الشروط ما مضمنه من أنزل سلعة في مرسى وعشرها ولم يجد فيها بيعا وأراد وسقها لا يعطى عليها شيئا آخر، وكذلك إذا أراد إنزالها بمرسى أخرى لا يعطى عليها، وهؤلاء لا ينزلونها أصلا حتى قل مدخول بعض المراسى بسبب ذلك، وفيه من التلبيس والتخليط ما لا يخفى، وعليه، فنأمرك أن تتكلم مع نواب في هذه المفسدة واسع في حسم مادتها بترتيب ذلك على أن تعشر كل سلعة في المرسى التي وسقت فيها أو وضعت وينسد باب التدليس في ذلك والخيانة، واجعل ذلك من أهم أمورك حتى يرتب أحسن ترتيب والسلام في 15 محرم الحرام عام 1296".

ونص التاسع والعشرين في قضيتى اليهود ومسألة محمى: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: وصل كتابك بأن يهود دمنات أخبروا من أشاع هناك عند النواب أن عاملهم بعد ما توجه له أمرنا الشريف في شأنهم جدد عليهم ما كانوا يشتكون منه وزاد على ما كان عليه معهم. كما شاع هناك أيضا أن يهود فاس أمروا من قبل عاملها بخلع النعال، ومن كان منهم محميا يلبس الكسوة الإفرنجية ليتميز بها. وأشيع أيضا ثمة أن الوجدى أهين وضرب من أناس من طرف المخزن، وبعد ما قبض الفاعلون به ذلك سرحوا في الحين بإذن من جانب المخزن، وإلى الآن لم يأتك ذلك على وجه الشكاية ... إلخ ما ذكرته وصار بالبال. أما ما ذكرته في شأن يهود دمنات فلم يبلغنا من غير الذين منهم هنا المتقدم لك الإعلام بأنهم بعد ما حازروا الظهير برفع جميع ما تضرروا به من العامل الذى وجهت لك نسخة منه مع نسخ مما كتب به لعاملهم ولقاضى دمنات وأمين مستفادها في شأنهم، وعين للتوجه معهم الوصيف البشير بن بريك الحبشى، ونحن بمكناسة الزيتون تغيبوا، وكان ذلك آخر العهد بهم، ولو كان حقا ما تشكوا به من العامل ثانيا لكتب به من كلفناهما بأمرهما زيادة على العامل، وهما قاضى دمنات وأمين مستفادها وبمجرد دعوى أولئك اليهود هنا بذلك عينا من يتوجه معهم لعند عاملهم زيادة على الوجه المذكور، ولا زالوا يترددون ولم يتمحض توجههم من عدمه وإن تمحض عدمه يحاز منهم الظهير المشار إليه ويوجه به المعين لجامعتهم مع المكاتيب في القضية للعامل وغيره.

وأما يهود فاس فقد كان وقع بينهم وبين قاضى فاس الجديد شنآن على حكمه على بعضهم بالسجن حتى يتفاصل مع خصمه في حق ثبت له عليه وتسريحهم المحكوم عليه بذلك من يد أعوانه، وعلى منعه بعض المحتمين منهم من الدخول عليه بنعليه لمحل الشرع، ولما قبض باشاهم على الواقع منهم ذلك ورد أهلهم لحضرتنا الشريفة بمكناس يتكلمون عليهم، فألفوا أعيان تجارهم وأساقفتهم بحضرتنا العالية بالله فتشفعوا فيهم لجانبنا المعتز بالله فقبلنا شفاعتهم فيهم، وسرحوا بعد أن شرط عليهم التوفية بالعهود وترك ما يؤدى إلى إضرار المسلمين بهم كلبس النعال، فقبلوا ذلك وأشهد عليهم به. فإذا به لما حللنا بفاس ظهر من بعضهم ما يخالف ذلك من لبس النعال في المحال المعظمة التي يخلعها فيها المسلمون فكلموا بأن لا يخلعها من كان منهم متزييا بزى النصارى لابسا لباسهم، ومن كان لابسا لباس اليهود فيخلعها، فامتثل من لا حماية لهم وخلعوها، وغيرهم ترددوا في ذلك حسبما قدم لك الإعلام به. وأما ما وقع للوجدى فلا خبرة لنا به إلى أن ورد كتابك به، وقد وقع البحث فيه فتبين أن الواقع فيه هو أن وصيفا من الوصفان العساكرية منحاشا لكبير العسكر كان مارا في ازدحام الناس بالرصيف ليلة عيد الأضحى وهو راكب على بغلة محمولا عليها كبشان في شوارى، وكان محاديا له الوجدى، فعلقت كساه بقرن أحد الكبشين اللذين بالشوارى وتمزقت ووقع الهرج بينه وبين الوصيف على ذلك، فقال المارون بتلك الطريق للوصيف إن هذا الرجل صاحب الفرنصيص فسبه، وسب الفرنصيص غشمية منه فرفعه الوجدى لعامل المدينة فرباه وسجنه ثم وقعت الشفاعة فيه للعامل فسرحه فبلغ لكبير العسكر أن الوجدى لازال لم يسامحه فرده للسجن، وبقى به أياما حتى سرحه الوجدى على يده، ووصفان السوادن لا يخفاك أنهم لا يفهمون الخطاب فضلا عن أن يعرفوا الصواب، وأنهم بمنزلة العجماوات والسلام في 3 المحرم فاتح عام 1302".

ونص الثلاثين في قضية سليمان بن قدور المشاغب بالحدود وابن عمه قدر ابن حمزة: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: وصل كتابك مخبرا بأنه وصلك من شارل اكار كتاب في شأن سليمان بن قدور يخبرك فيه بأن دولته كلفته بعلاج داء المذكور، وأنه أخبرك بأنه كتب لحضرتنا العالية بالله في شأن من ذكر على وجه السر ووجه لك نسخة مما كتب به وأنه طلب منك أن تكتب لحضرتنا الشريفة إعانة له على ذلك الدواء، ووجهت كتابه لك مع النسخة المذكورة وأشرت بأنه ظهر لك أنهم حيث عينوا الدواء وطلبوا المساعدة على درء ما يتولد منه الضرر فلا بأس بذلك، لأنه إذا لم تقع مساعدة وحصل من ذلك عيب لم يبق ما يدافعون به وصرنا من ذلك على بال. فالدواء الذى طلبه اكار هو الكتب لقدور بن حمزة وسليمان بن قدور مباشرة بأن يأتيا في الأمان ويواعدان بالبرور والإكرام ومزيد الإحسان، والكتب لهما بذلك مباشرة لا يناسب لما فيه من خروجهما عن طورهما ومن حل عرى الترهيب، والذى يظهر في علاج ذلك الداء هو أن يكتب الظهيران الشريفان للشريف المذكور بالترغيب والترهيب والوعد والوعظ والأمان ويتحمل لهما من قبلنا وبكون سليمان بن قدور يرجع لمكانته عندنا من غير زيادة ولا نقصان، بشرط الوقوف عند الشرط المشترط عليه قبل من كونه يسكن مع إخوانه بالحوز كما هم الآن به، ويترك التوجه للغرب قطع عدوتى الرباط ويشتغل بما يعينه، وأنه إذا ظهرت مخايل الغدر والهروب والتهور وانطماس البصيرة، أو تلبس بما يناقض العهد فإنه يعامل بما يناسب بعد بحول الله وقوته، حتى يكون الإتيان به مبنيا على أساس صحيح، وأن قدور بن حمزة يأتى في الأمان ويواعد بالبرور والإكرام على

نحو الشروط المذكورة، غير أن سليمان بن قدور لا عهد له ولا ميثاق، ولا عقل له سفيه طائش، ومجيئه على يد الشريف المذكور قبل هو من جملة الأسباب المانعة من القبض عليه زيادة على ما كان يخشى توقعه من تمرد أقاربه وتشيطنهم بالصحراء، فإذا ورد بهذا الاعتناء وهذه الأبهة يزداد في حمقه وطيشه أكثر من المرة الأولى التي كنا معه فيها كمربى الطفل الأبله. وربما يتركنا حتى نكون عنه في شغل ويعلم الاستغراق فيه كهذه الحركة التي فر فيها، ويتحين خروج ضال من إخوانه هنالك لكونهم كالدجاجيل لا ينقطعون من تلكم الصحارى ويفر لكونه يتلون ويتقلب وينقض عهده في كل مرة وتكون له هذه ثالثة ثلاثة: الأولى في حياة سيدنا رحمه الله والثانية والثالثة في مدتنا والمؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين. وكل من سمع بأن ذلك السفيه يفعل ذلك مع جنابنا العالى بالله يظن بالجانب بحسب الظاهر الغفلة وعدم التيقظ وغير ذلك مما لا يناسب، مع أنه لو اطلع على باطن الأمر من كونه يؤتى به في الذمة والأمان والوساطة بالشفاعات ونحو ذلك مما يقضى بغض الطرف عنه مع تركه لحثالته أوباش قرابته للشيطنة بالصحراء ينظرون من يسمعون عنه، لم يظن ذلك الظن السيئ ويعرف الأمر بحقيقته. والدولة إذا صدر منه شئ في هذه المرة الثالثة لا تعذر ويكون لها الحق علينا لكونها صبرت وقابلت بما يناسبها فهى مجازاة بما يجازى به أمثالها العظام فنحتاج إلى أن نسلك في إتيانه سبيلا لا تنبنى عليه تلك المفاسد، ولاسيما وقد عرف حاله وغدره. وقد بلغنا أنه أراد أن يتشيطن في الحدادة، فكتبنا لأولئك القبائل وبصرناهم في أمره، وأعلمناهم بأنه هرب من حضرتنا العالية بالله ولم يتوجه عن إذن كما

[صورة] ظهير للحاج عبد الله حصار في استيفاء الجزية من يهود الدار البيضاء

يموه ويقول لهم، وعرفناهم بأنه فتان وبأن من تبعه تلحقه الدعوى وترهقه البلوى، وواعدناهم مع ذلك على تحصيله بالدراهيم الكثيرة. ولما بلغه ذلك وتحقق به انتقل إلى هذه الإيالة وأكثر المكاتبة مع البعض من قبائلها ويطمعهم بالكيل، فطفق كل من كتب له كتابا يوجهه لحضرتنا العالية بالله، ومضمن تلك المكاتب لا يصدر إلا من أحمق فتان. فكتبنا لهم فيه بما يتعين حتى صاروا منه على بال، ولما ضاق عنه الفضاء، بلغنا أنه يريد التعلق بمن يأتى به لحضرتنا العالية بالله في الأمان فغضضنا عنه الطرف قصدا حتى يذعن، ويكون بحيث إذا أتى يأتى تائبا مذعنا مطأطئ الرأس ملتزما الجلوس عند حده والاشتغال بما يعنيه، فإذا بك كتبت في شأنه بما كتب به اكار. وعليه فإن كان الشريف المذكور يأتى به على الشروط المذكورة فتحمل به، وبما يكون له من البرور وكذا لابن عمه المرابط الطالب قدور بن حمزة على الشروط المذكورة التي فيها صلاح الدولتين، وكان قيدًا لازما في مجيئهما حسبما بعضه مذكور في مكاتبهم في شأنه، ولا يريان بحول الله منا حينئذ إلا ما يسرهما. والظهيران المشار إليهما يصلانك طى هذا مفتوحين لتطالعهما وتدفعهما لاكار يدفعهما للشريف المذكور لقضاء الغرض بهما على يد اكار وما ذكره في كتابه من أنه يتكلف لمن يأتى به من عند الدولة، فهم مجارون عليه بالخير غير أن مثل من ذكر لا يحتاج له إلى ذلك، ويكفى فيه نحو خمسمائة ريال والسلام 15 قعدة عام 1298".

ونص الحادى والثلاثين فيما أصدره في جزية اليهود: "خديمنا الأرضى الحاج عبد الله حصار، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد: فنأمرك أن تستوفى من يهود أهل الدار البيضاء جزية هذه السنة المباركة فقد حل أجل قبضها منهم، وما قبضته ادفعه لأمين المستفادات هناك على العادة والسلام 15 جمادى الثانية عام 1294". ونص الثانى والثلاثين فيما أصدره في شأن قبض الزكاة: "خديمنا الأرضى الحاج محمد بن سعيد السلاوى، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وبعد: فإن الزكاة ركن من أركان الدين، أمر بها سبحانه عباده في كتابه الذى شرع فيه الشرائع وصانه وزكاه فقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وأوعد مانعها بعذابه الأليم. فقال في كتابه الحكيم: {... وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)} [التوبة: 34]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: بنى الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة. الحديث. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "تأتى الإبل على صاحبها على خير ما كانت إذا لم يعط فيها حقها تطأه بأخفافها وتأتى الغنم على صاحبها على خير ما كانت إذا لم يعط فيها حقا تطأه بأظلافها وتنضحه بقرونها". وقال سيدنا أبو بكر الصديق رضى الله عنه: لو منعونى عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلهم على منعها. وعليه فنأمرك أن تستوفى من إيالتك ما أوجب الله عليهم من الزكاة التي هى معلومة بالضرورة من الدين وجاحدها لم يدخل في ربقة الإسلام وشعار

[صورة] ظهير مولاى الحسن للحاج محمد بن سعيد

المسلمين، وأن تقوم على ساق الجد في حملهم على أدائها فورا، وأن لا تقبل من أحد في التعجيل عذرا، لأنها من حقوق الله التي تجب إليها المبادرة بقدر الإمكان، ولا سيما هى من أعظم دعائم الإسلام وأجل الأركان والسلام في 20 شوال الأبرك عام 1304".

مؤتمر مدريد ووفقه

مؤتمر مدريد ووفقه ولما اجتمع المؤتمر الدولى بمدريد للنظر في مسألة الحماية بالمغرب وجه له النائب الشهير السيد محمد بركاش الرباطى لمزيد معرفته وخبرته وممارسته لمثل هذه الأمور في الدولتين المحمدية والحسنية، وزوده بما يقتضى اعتماده نائبا عنه، وتوجه معه بقصد الاستشارة وشد العضد الحاج عبد الكريم بريشة التطوانى، وإليك ما راج بين الحضرة الشريفة ونائبها في المؤتمر المذكور وأولها: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وصلنا كتابك جوابا عما كتبنا لك في شأن سفرك لمدريد للحضور في الجمع على قضية الحماية، وذكرت أنك لا تجد انفكاكا منهم بخاطرهم إلا بمدافعة من جانبا العالى بالله لكونهم يذكرون أن غيرك إذا توجه لهذه القضية لا يتمكن من الغرض، غير أنه تخيل لك من كثرة إلحاحهم عليك في التوجه أن لهم في ذلك شيئا مع مشاهدتهم لمرضك وملازمتك للفراش، ولولا أخذ ولدك بيدك لتعذرت عليك مباشرة الأمور مع كثرة الصائر على شئونك وعلى ما هو واجب على المخزن، وكون سفرك يلزمك في صائره على نفسك فيما لابد منه نحو الألف ريال في تعداد الكساوى لك وما يناسب لأصحابك والفراش والمحوت وغير ذلك، مما تظهر أبهة الإسلام وراتبك لا يكفيك لصائرك بطنجة فضلا عن صائرك بالرباط. وكان سيدنا رحمه الله يعينك بتنفيذ ما تدفعه في مثل ذلك وينفذ لك غير ذلك مما تحصل لك به الكفاية، وكانت تحصل لك بذلك قوة وإعانة على الخدمة ووجاهة على الأجناس، وطلبت الأنعام عليك بما تجبر به ما خرج من يدك في

هذه المدة، وما تتقوى به على الخدمة، وإن اقتضى نظرنا الشريف أن تتوجه للمحل المذكور حين تحصل لك الراحة وتقدر على السفر تتوجه وصار ذلك بالبال. فأما توجهك للمحل المذكور فقد تقدم لك كلامه وما أخبرت به من أن غيرك إذا توجه لهذه القضية لا يتمكن من الغرض هو الذى توسمناه وهجس في الخاطر والباطن، ولذلك شرح الله صدرنا للإذن لك في التوجه وكتبنا لك به آخرًا بعد ما خيرت أولا فالعمل عليه، وإذا عزمت فتوكل على الله. وأما ما تخيل لك من أن لهم في توجهك شيئا فخذ في ذلك بالحزم واحتط ما أمكنك ولا توافقهم على ما فيه ضرر أو شبهة أو مخالفة للشرع فإنا لا نقبله ولا نوافق عليه أصلا إذ المقصود من هذا هو التطهير من هذا الرجس لا إبداله بما هو أقبح وأفظع في المثل، كما غسل دما بدم أو بزيادة آخر عليه في المثل جاء يطب فأعمى، وفيه أيضا جاء ليستفيد قرنين فرجع بلا أذنين. وأما تصييرك على ما هو واجب على المخزن فلا علم لنا به لأن كل ما تكتب لنا به وتخبر أنك صيرته على دعاوى أو تفاصلت معهم فيه ننفذه لك كقضية أعراب الحدادة والصبنيولى المقتول وما كنت تفاصلت به في قضية إعطاء أهل الحماية في الإمكاس ينفذ لك وهلم جرا. ولو أخبرت بغير ذلك مما يجب لنفذ لك كأمثاله إذ لم يعهد لأحد من المكلفين الذين عندهم ما يصيرون منه أن المخزن يكلفهم بالصائر عليه من عندهم وأحرى غيرهم الذين يعانون من جانب المخزن. وعليه فبين ذلك الواجب المخزنى الذى صيرت عليه من عندك ليظهر، وبين لنا نظيره الذى تقدم الصائر عليه حياة سيدنا رحمه الله ومن أين كان يصير عليه.

وأما ما ذكرته من كون راتبك لا يكفيك لصائرك بطنجة فضلا عن صائرك بالرباط، فإنا نعرف ذلك ونعتقده ونحن أولى بمواساتك وإعانتك، وكل ما يعطى لك في محله لولا أن المخزن اليوم واجب أن يعان ولا يخفاك ما نخرجه كل شهر في مشاهرات النجليز والصبليون والآلات الجهادية والبناء لها. وأما ما ذكرته من كون سيدنا رحمه الله كان يعينك ... إلخ فلم يتقدم منك إعلام بذلك قبل الآن، ولو أعلمت به لوقع النظر فيه وأقررت عليه كما أقررت على غيره كالمشاهرة وتجديد ظهائر الخدمة ونحو ذلك، وعليه فبين لنا ذلك وبكم كان يعينك وعلى يد من كان ينفذ لك، وكم من مرة أعانك ومن أين كان يخرج لك ذلك لنرى فيه، وأما تصيير الألف ريال فيما تتوقف عليه لسفرك فلا بأس به والسلام في 14 ربيع الأول عام 1297". الثانى وفيه الكلام على ما راج في إسقاط من هو زائد على الخدمة من الحماية: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وصلنا كتابك معلما بأنك في أحد اجتماعاتك مع نواب الأجناس كنت تتكلم معهم في إسقاط من هو زائد على الخدمة من الحماية، لكون ذلك خارجا عن مقتضى الشروط، فذكروا لك أنهم إذا أسقطوهم يقع عليهم الترامى، والحكام لا يبالون ويقع عليهم الظلم والحيف بسبب حقدهم عليهم حيث كانوا في الحماية، وأنك تذاكرت مع باشادور الإنجليز في كيفية الخروج من ذلك فاخترتم أن نجعل لهم عهدًا بأن لا يقع لهم ظلم ولا حيف وكل من يسقطونه من الحماية في ذلك الوقت ويصدر منه ما يستحق به إجراء الحكم عليه فيعلم القونصو

الذى كان حاميه ليحضر على الحكم ولا يتكلم بشئ إلا أنه ينظر هل يقع له ظلم. وأنك اخترت ذلك ليكون عاملنا هو الحاكم وهو أحسن من أن يكون القونصو هو الحاكم وأن باشادور النجليز حتم عليك الكتب إليهم بذلك لتسد أفواههم عما يدعون به من الظلم عند دولهم، وظهر لك أنه مصلحة، ووجهت لحضرتنا الشريفة نسخة مما كتبت لهم به ومع ذلك فلم يقبله الطليان ... إلخ. فقد عرفنا ذلك وصار ببالنا الشريف والذى اقتضاه نظرنا الشريف هو ما قدمنا لك صحبة خديمنا الحاج عبد الكريم بريشة، من أن نكتب لمن يخرج من الحماية ظهائرنا الشريفة، ونضمنها ما يناسب معاملتهم وانحياشهم لجنابنا العالى بالله على وجه أوفق وأليق، ثم من كان منهم من الأعراب وسكان البادية نستعمله في فلاحة جانبنا الشريف والعزبان والشركة. ومن كان منهم من أهل المدن نستعمله فيما يناسب من خدمتنا الشريفة، حتى يكون جميعهم في حوزة جانبنا العالى بالله ولا يجد العمال إليهم سبيلا، ولا يجدوا هم أيضا سبيلا إلى التشكى والتظلم بأمر يلحقهم، ويبقى الكل في فسحة. وعليه فتفاوض معهم على ذلك، ثم تكلم به في مجلس الكلام والأحكام، واطلب منهم عدد الخارجين من الحماية وحقق الأمر فيه معهم، واجعل ذلك في زمام، وأعلمهم بأنه إذا ادعى البعض على أحد بعد، أنه منهم ولم يشمله ذلك الزمام فهو رد. نعم اليهود المحميون إذا تأتى لك إدخالهم في الضابط المذكور فلا تقصر فيه، وإذا لم يتأت لك ذلك فأجر عملهم على حضور القونصو مع العامل وقت الحكم عليه، بخلاف المسلمين، فإن العمل فيهم هو ما قررناه لك من جعل

الفرنصيص أبذلا المجهود معه فلم يساعدهما، استرعيت على جميع من في المجلس بأنهم إذا لم يحددوا الحماية وتركوها على حالها فلا طاقة لك على الوفاء بما هو في الشروط من الأمان والحفظ للأجناس ولأمتعتهم، لأن الحكام لم تبق لهم حرية في تبليغ الحقوق، فقال رئيس المجلس للحاضرين به: هذا ما أردتم أن تسمعوا، والحق معه في ذلك، فسكت الفرنصيص ولم يجب بشئ، وظهر منه استحسانه ذلك ثم انفصل المجلس وكتب وزير إسبانيا لباشدورهم الذى بإيطاليا وكذلك بعض النواب ليعينوا على المساعدة، ولما أعددتم المجلس وسألتم باشدور الطليان عن جواب دولته فأجاب بأنه لا زال لم يرد عليه، واعتذر بأن الكلام في السلك يقع فيه الغلط، وأنه لا زال على كلامه الأول، فحينئذ جعلت الاسترعاء المذكور كتابة لتتكلم به على وجه مخزنى لكون كلامك به أولا كان على غير الوجه المخزنى، واتفق أهل المجلس في تأخير الجمع حتى يأتى الجواب للطليان من دولته، وهذا كله سببه باشدور الطليان الذى بطنجة وصار ذلك بالبال. فأما التأويل المذكور المجعول فيما يأتى من النظر لزسيون في المستقبل فلا بأس به، وأما عدم الرجوع فيما فات منه وبقاء المحميين الخارجة حمايتهم عن القوانين والشروط وكذلك وفق السماسرة ففيهم ضرر كبير بين، فإن كان المحيد عنه فهو الأولى، وإن لم يكن فالخير في الواقع والله المستعان، إنما أشكوا بثى وحزنى إلى الله. وأما ما صدر من باشدور الطليان فقد كان في غنى وسعة عن تصديه لهذه الإذاية، الله حسيبه ووكيل عليه، ويده سبحانه فوق يده لأنه لا داعية له لذلك لولا الشهوة والغرض، ولقد كان أعظم في العين أن يتكلم فيما لا يعنيه ولا نفع عائد عليهم منه، ويسعى في فتح الأبواب وخرق القوانين والإضرار، والله يعينك ويصلحك ويأخذ بيدك والسلام في متم رجب الفرد الحرام عام 1297".

الظهائر لهم، فامض عليه وجد في حيازة عددهم كما قدمناه لك أصلحك الله والسلام 8 جمادى الأولى عام 1297". الثالث وفيه الكلام على تعيين وقت انعقاد المؤتمر والبت في مسألة النائب المغربى به ومستشاره: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته: وبعد: فقد وصلنا كتابك معلما بأنك كنت قدمت الأعلام لجانبنا الشريف بما كان أخبرك به نائب الصبنيول مما كتب له به وزيرهم في شأن الجمع بمدريد على قضية الحماية، وأنه ظهر لهم أن يكون في خامس عشر مايه الموافق نحو خامس جمادى الثانية الآتى مواليا لشهر تاريخه، وأنك كنت وجهت نسخة من كتاب الوزير وترجمته، وأنك لما رأيت فيه وقوع الاتفاق على عدم حضور أحد من النواب الذين بطنجة، وتخيل لك أنه ربما يكون شاملا لك طلبت من النائب المذكور الاستفهام عن ذلك فكتب على طريق السلك هذه نحو الخمسة أيام من تاريخ كتابك الذى هو عاشر شهر تاريخه، وإلى الآن لم يرد له جواب عن ذلك، وإنه لا ينبغى السكوت عن شئوننا. وطلبت من جانبنا الشريف أن نوجه لك ظهيرًا لسفرك إن كان النظر لم يزل على سفرك. وكتابا لعظيم الصبنيول بالإعلام بذلك، وتسمية من هو متوجه من جانبنا الشريف، وأن نعين لك من يرافقك ويشد عضدك، وتستشير معه في الأمور، ومن يكون على يده الصائر. كما طلبت أن نعين لك من ينوب عنك بطنجة مدة سفرك لكون ولدك لا غنى لك عنه في التوجه صحبتك، ولكونك لم تزل نقها حديث عهد بمرض،

على فطرتهم وبداوتهم لم يجربوا الأمور، ولم يعرفوا القوانين وهم يترامون عليهم الآن. والحالة أنهم لا زالوا في الحمية كسمسار النجليز الذى ترامى عليه المديونى، وكصاحبى المركان الذين ترامى عليهما الحريزى والمزمزى ونحوهم، والذى اقتضاه نظرنا الشريف هو أن تجعل مع نواب الأجناس تأويلا مناسبا في أمر أولئك الخارجين من الحماية يصان به عرضهم ومروءتهم ويحفظ به مالهم، وهو أن نكتب لهم ظهائر شريفة ونضمنها ما يناسب معاملتهم وانحياشهم لجانبنا العالى بالله على وجه أوفق وأليق. ثم من كان منهم من الأعراب وسكان البادية نستعمله في فلاحة جانبنا الشريف والعزبان والشركة. ومن كان منهم من أهل المدن نستعمله فيما يناسبه من خدمتنا الشريفة حتى يكون جميعهم في حوزة جانبنا المعتز بالله ولا يجد العمال إليهم سبيلا، ولا يجدون لهم أيضا سبيلا إلى التشكى والتظلم بأمر يلحقهم، ويبقى الكل في فسحة. وعليه فتفاوض معهم على ذلك، ثم تكلم عليه في مجلس الكلام والأحكام، واطلب منهم عدد الخارجين من الحماية وحقق الأمر فيه معهم، وأعلمهم بأنه إذا ادعى أحد أنه منهم عند جريان الحكم عليه ولم يشمله ذلك الزمام فهو رد، وكذلك اليهود المحميون إذا تأتى لك إدخالهم في الضابط المذكور فلا تقصر في ذلك، وإذا لم يتأت لك ذلك يجرى عملهم على ما أشار إليه البعض من حضور القونصو مع العامل وقت الحكم عليه، بخلاف المسلمين فإن العمل فيهم هو ما قررنا لك من جعل الظهائر لهم فلابد جد في حيازة عددهم منهم أصلحك الله وأعانك والسلام 22 جمادى الأولى عام 1297".

الخامس وفيه الكلام على تغيير اتفاق السماسرة المنعقد مع فرنسا وإسبانيا سنة 1280: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فإنه لا يخفى على دول الأجناس أن مرادنا تسهيل أمور التجارة، وتيسير طرقها وأسبابها، حتى لا يحصل لسماسرة التجار سواء كانوا من الأجناس أو من الرعية ضرر ولا منع من أمورهم من جهة عمال البوادى ولا من غيرهم. غير أن الاتفاق على السماسرة المجعول مع الفرنصيص والصبنيول وغيرهم بطنجة عام ثمانين ومائتين وألف قد اختبر فألفى فيه الضرر لهذه الإِيالة، ولا سيما إذا طلب مثل ذلك تجار جميع الأجناس من باب المساوات فيتضاعف ضرر الرعية، لأن التجار إنما يختارون السماسرة من أشياخ البادية وكبرائها فيتعصبون ولا يسمعون كلام المخزن في الأمور المتعلقة بهم، وإن خوطبوا بأمر يجيبون بأنهم مشتغلون بالبيع والشراء مع أصحابهم، ولا حكم عليهم لأحد إلا لقنصوات المراسى، وهم وإن كانوا في حيز القلة الآن لكن حيث يطلب ذلك تجار الأجناس يكثر عددهم، ويصير في كل قبيلة أكثر من مائتين، فتفسد الأحكام، ولا يبقى لعامل مع من يتكلم وعليه فنأمرك أن تتكلم على ذلك في المجلس، وتنبه على أن الاتفاق المذكور الذى وقع على السماسرة ليس من الشروط المطبوعة من جانبى الدولتين العظيمتين فلا تقبله فيما يستقبل، والدول من كمال عقولهم لا يوافقون على بقاء ذلك لما فيه من الضرر الذى اتضح أمره ولم يكن في حساب، ولا يتخيل لهم أنه إذا ترك هذا الاتفاق لم يوقر العمال نواب سماسرة التجار ويمدوا يدهم في أمتعتهم وأموالهم ويظلمونهم.

فإن ذلك أمر لا نوافق عليه بحول الله ومن فعله من العمال نعاقبه ونزجره عليه، نعم هؤلاء السماسرة ينبغى أن يكونوا من المراسى لا من البادية، وكل واحد يكون بيده رسم مطبوع بطابع القنصوات وعامل المرسى يتضمن التعريف به، وأنه سمسار التاجر فلان، ولأولئك السماسرة الحرية لا يتعرض لهم أحد في بيعهم وشرائهم بأسواق البادية وغيرها. وإذا وقع من السمسار ما يوجب الحكم عليه في البادية يقبضه عاملها، وإذا ظهر له أنه ظالم لا يعاقبه، ولا يحوز له شيئا من أمتعته وأمتعه التاجر صاحبه ولا يقبض منه سخرة، لكن يجعل في اليوم الذى يقبضه تقييدا شاملا لكل ما عنده من متاعه ومتاع التاجر بعدلين، وإذا كان السمسار المقبوض يخس الكتابة يعطى للعامل خط يده بأن متاعه ومتاع التاجر هو الذى قيده العامل بالعدول ويوجه العامل السمسار لعامل مرساه ليخبروا القونصو بذلك وليحضر معه في إجراء الحكم عليه، فإذا شهد العامل والقونصو بظلمه يسقط من زمام السماسرة ويجرى الحكم عليه، ويبدله التاجر بسمسار آخر، وإذا اختلف العامل والقونصو في ظلمه بأن قال العامل إنه ظالم وقال القونصو إنه ليس بظالم، يرفع الأمر لوزيرنا في الأمور البرانية بطنجة وهو يفاصل مع منيسطر دولة التاجر، وإذا وجده العامل والقونصو برئ الساحة يخبرنا بواسطة وزيرنا بطنجة ليقع الكلام مع عامل البادية الذى ظلمه. وهؤلاء النواب يجب عليهم للمخزن كل ما هو جار بالقانون، ويدفعون ذلك لعامل المرسى على يد القونص، وإذا ترتب على أحد من السماسرة حكم لا يقبض عليه عامل المرسى إلا بعد إعلام القونصو بالدعوى، وبأنه يقبض عليه وعلى ما ذكرنا فوضنا لك في جعل اتفاق جديد في شأن هؤلاء السماسرة على خلاف الاتفاق المجعول في التاريخ المذكور، مع من ذكر حتى يرجعوا لأصلهم

القديم الذى كانوا عليه قبل ذلك الاتفاق من غير اقتراح شئ بسبب إزالته، مما لم يكن قبله جعله، والسلام في 23 جمادى الأولى عام 1297". السادس وفيه تعيين وقت سفر الوفد المغربى وما يتعلق بذلك: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وصلنا كتابك جوابا عما قدمناه لك من أمرنا الشريف بالتأهب للسفر للحضور بالجمع بمدريد مع الأجناس لما أطلعت علمنا الشريف بكتاب وزير الصبنيول، وأنك كنت قدمت لنا أن سفرك لهناك يكون يوم الأربعاء الخامس والعشرين من شهر تاريخه، وإن تأخر فيوم الخميس، وأنك كنت طلبت من جنابنا الشريف أن نوجه لك كتابا شريفا لعظيم الصبنيول وظهيرا شريفا لك، وأنك لم تزل في انتظارهما، وطلبت تعجيلهما لقرب الوقت، وأشرت بأن السفير المتوجه للتهنئة من جانبنا الشريف لا يضر تأخيره عن هذا الأمر الأكيد المحدود بالأجل مع جميع الأجناس، كما أخبرت بأن كتابنا الشريف وصلك في شأن توجيه التاجر حفيد برادة لإعانة البلغيثى، وأخبرت بذلك باشدور الفرنصيص إلى آخر ما ذكرته. فأما الكتابان الشريفان اللذان أحدهما لعظيم إسبانيا وثانيهما لك بالأمر بالتوجه فقد وجهناهما لك صحبة خديمنا الحاج عبد الكريم بريشة، مع المكاتب التي اقتضاها المقام بتاريخ ثانى عشرى شهر تاريخه الذى هو يوم الاثنين وصار بالبال ما عدى ذلك والسلام في 27 جمادى الأولى عام 1297". السابع في حسم الروابط التي يمكن أن تكون بين الخارجين من الحماية، والذين كانوا حامين لهم:

"خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فمما ينبغى التنبه له والتيقظ في أمره كون المحميين إذا خرجوا من الحماية ربما لا تنحسم المادة بينهم وبين من كان حاميهم لما عسى أن يبقى حكم الحماية منسحبا بعد خروجهم منها ظاهرا لانطواء ضمائرهم على ذلك من الجانبين، فيدعى الحامى أن المال الذى بيد الخارج من حمايته هو له، أو أنه شريك له في التجارة أو نحو ذلك مما يقتضى إبقاء الرابطة بينهما، وقد أشار بعض الناس لما استشير في ذلك إلى كيفية التكلم فيه بأن يقال المحمى إذا خرج من الحماية فحاميه لا يمكن أن يتوصل لحمايته بسبب، ككون المال الذى بيده هو له، أو أنه شريك له في التجارة أو نحو ذلك مما لا ينفك به عن وصف الحماية، مع أن الفرض أنه خرج من الحماية، ولأجل ذلك تجرى عليه الأحكام على وجه الحق. وعليه فتكلم في ذلك مع نواب الأجناس عند انعقاد الجمع هنالك، وباشر علاجه على وجه منضبط تنحسم به تلك المادة، حتى يكون الخروج عن الحماية حقيقيا لا صوريا فقط، والسلام في 9 جمادى الثانية عام 1297". الثامن وفيه الكلام على الخارجين من الحماية، وموقف نائب فرنسا عند طرح مسألة تغيير اتفاق السماسرة في المؤتمر: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وصلنا كتابك في شأن ما كنت أطلعت به علمنا الشريف ما دار بينك وبين النواب في أحد اجتماعاتك معهم في شأن إسقاط من هو زائد على الخدمة من الحماية، من أنهم ذكروا أنهم إذا أسقطوهم يقع الترامى عليهم،

واخترت أن يجعل لهم عهد بأن لا يقع لهم ظلم، وكل من يصدر منه ما يستحق به إجراء الحكم عليه يعلم القونصو الذى كان حاميه ليحضر على الحكم كما بينت ذلك لجانبنا السعيد سابقا. ثم وجهنا لك صحبة خديمنا الحاج عبد الكريم بريشة ما اقتضاه نظرنا الشريف من أن يكتب لمن يخرج من الحماية ظهائر شريفة متضمنة ما يناسب معاملتهم وانحياشهم لجانبنا العالى بالله، حتى لا يجد العمال إليه سبيلا، ولا يجدوا هم سبيلا إلى التشكى والظلم، وأمرناك بالمفاوضة معهم في ذلك والتكلم به في مجلس الأحكام، كما أمرناك بإجراء عمل اليهود المحميين على حضور القونصو إذا لم يتأت إدخالهم في الضابط المذكور، وأنه إذا تأتى فلا تقصر فيه، بخلاف المسلمين فتمضى فيهم على الضابط المقرر. وعرفنا ما ذكرته من أنك أشرت بذلك على البعض تستشير معهم هناك فأشار إليك بعدم ذكر ذلك في الجمع، ذاكرا أنهم لا يقبلونه لما هو ثابت عندهم من عدم الثقة بالعمال، ولكونهم لا يعرفون هذه السياسة. وأنك لما رأيت ذلك جعلته على صنف آخر تفهمه عقولهم حسبما وجهت نسخة منه لحضرتنا العالية بالله طى كتابك، وذكرت أنك لم تدر هل يقبلونه أم لا، كما عرفنا ما ذكرته من أنا لو علمنا على ما صدر من الفرنصيص في الجمع الواقع في الرابع عشر جمادى الثانية في أمر السماسرة لقضينا منه العجب، وذلك حين حاولت منه طرح القانون المجعول عام 1280، ولولا وزير الصبنيول عالج ذلك ولم يقصر في الوقوف في جانبنا السعيد لكان الأمر أشد، وأن من جملة ما ذكر لك باشدور الفرنصيص أنك تريد القباحة مع جنسه وعنده الإذن أن لا يتكلم في ذلك، فتكلم معه وزير الصبنيول بكلام لطيف، وطلب منك ترك الكلام الذى

تكلمت به في المجلس حتى يستشير مع دولته على طريق السلك، وتشرعون في غير ذلك ريثما يأتيه الجواب فأحببته لذلك وأجاب هو كذلك. ووقع كلام كثير ظهر لك منه على ما بيدك من أوامرنا الشريفة، أنك لا تحصل على طائل، لأن الذى كان في بالك في هذه الوجهة هو التحفظ على عدم وقوع ريبة في ديننا والتحفظ على جانبنا العالى بالله، وعلى الرعية وجلب الخير لبيت المال، وما زاد على ذلك من أمر الحماية كله ربح، وأن الرثيل اليهودى النجليزى قدم لهناك وصار يفد عليك ما تحاوله حتى صاروا يتكلمون في وزير الصبنيول بما بينته وكثر الكلام في الجوازيط وغيرها. وذكرت أنك لازلت طامعا في أن تحفك عناية الله تعالى وسعادتنا في التحصيل على نيل المطلوب، وصار جميع ما ذكرته بالبال، فقد وصلت النسخة ولا بأس بجعل ذلك على الوجه الذى ذكرت أنه تفهمه عقولهم، إذ المقصود هو الوقوف في ذلك مع الشروط والقوانين القديمة في أمر الحمية وترك الزائد عنها كيفما تأتى. وأما ما صدر من الفرنصيص كفانا الله شره وشر كل ذى شر ورد كيده في نحره. وأما اليهودى الإنجليزى انتقم الله منه عاجلا ولا بلغه مناه. وأما ما ترتقبه من حفوف عناية الله تعالى وسعادتنا بك في نيل المطلوب كمل الله بخير وأصلحك، وأخذ بيدك آمين والسلام في 28 جمادى الثانية عام 1297". التاسع وفيه الكلام على مسائل مما راج هناك وموقف نائب إيطاليا في المؤتمر:

"خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: وصلنا كتابك أخبرت فيه بتمام الكلام في أمر النطر لزسيون، وأن محصل ما أدركتم فيه أن ما فات فلا رجوع فيه، وما يأتى يجعل له ترتيب وهو أن من عنده رسم النطر لزسيون من جنس من الأجناس إذا رجع لإِيالتنا يعد له قدر المدة التي جلسها في بلاد الأجناس لقبض الرسم المذكور، ثم بعد ذلك إما أن يخرج من إيالتنا وإما أن يدخل تحت حكم ولاتنا، وما أدركتم هذه إلا بمشقة لما في ذلك من معارضة شرائعهم، وبشروعكم في الكلام في تنحية الحماية الخارجة عن القانون وإفساد باشدور الطليان الذى هناك لكم كل ما علمتم وصدور كلام طويل منه في المجلس فيما يجلب الضرر للمغرب، فأجبته بما يناسب كلامه واسترعيت على الأمور الساقطة فلم يقبل منك ما أجبت به، فطلب منك باشدور إسبانيا أن تسقط بعض الفصول التي تكلمت بها فأجبته بأنه إذا أسقط الطليان فصلا تسقط جوابه، فتكلم مع الطليان في ذلك فأسقط البعض فأسقطت جواب ما أسقطه فلم يقبل الطليان ذلك أيضا، وتكلم معك وزير إسبانيا في ذلك فأجبته بأنه إذا أسقط جميع ما ذكر تسقط أنت ذلك كله، وبقى الأمر موقوفا على هذه الحالة. ثم شرع وزير إسبانيا في الكلام على تحديد الحماية، فقبل المجلس التحديد ولم يكن كلام فيما فات والدى هو مقيد وخارج عن القانون يبقى على حاله ومن مات تسقط حمايته ولا تورث، ولا تبقى حماية في المستقبل إلا ما هو مذكور في الشروط والموفق والطليان لم يقبل ذلك. وأراد أن يستمر على إعطاء الحماية لمن شاء كيف شاء فأجبته بأنك لا تقبل ذلك، ولما رأيت عدم تقصيره في الكلام بعدم المساعدة ووزير إسبانيا وباشدور

الفرنصيص أبذلا المجهود معه فلم يساعدهما، استرعيت على جميع من في المجلس بأنهم إذا لم يحددوا الحماية وتركوها على حالها فلا طاقة لك على الوفاء بما هو في الشروط من الأمان والحفظ للأجناس ولأمتعتهم، لأن الحكام لم تبق لهم حرية في تبليغ الحقوق، فقال رئيس المجلس للحاضرين به: هذا ما أردتم أن تسمعوا، والحق معه في ذلك، فسكت الفرنصيص ولم يجب بشئ، وظهر منه استحسانه ذلك ثم انفصل المجلس وكتب وزير إسبانيا لباشدورهم الذى بإيطاليا وكذلك بعض النواب ليعينوا على المساعدة، ولما أعددتم المجلس وسألتم باشدور الطليان عن جواب دولته فأجاب بأنه لا زال لم يرد عليه، واعتذر بأن الكلام في السلك يقع فيه الغلط، وأنه لا زال على كلامه الأول، فحينئذ جعلت الاسترعاء المذكور كتابة لتتكلم به على وجه مخزنى لكون كلامك به أولا كان على غير الوجه المخزنى، واتفق أهل المجلس في تأخير الجمع حتى يأتى الجواب للطليان من دولته، وهذا كله سببه باشدور الطليان الذى بطنجة وصار ذلك بالبال. فأما التأويل المذكور المجعول فيما يأتى من النظر لزسيون في المستقبل فلا بأس به، وأما عدم الرجوع فيما فات منه وبقاء المحميين الخارجة حمايتهم عن القوانين والشروط وكذلك وفق السماسرة ففيهم ضرر كبير بين، فإن كان المحيد عنه فهو الأولى، وإن لم يكن فالخير في الواقع والله المستعان، إنما أشكوا بثى وحزنى إلى الله. وأما ما صدر من باشدور الطليان فقد كان في غنى وسعة عن تصديه لهذه الإذاية، الله حسيبه ووكيل عليه، ويده سبحانه فوق يده لأنه لا داعية له لذلك لولا الشهوة والغرض، ولقد كان أعظم في العين أن يتكلم فيما لا يعنيه ولا نفع عائد عليهم منه، ويسعى في فتح الأبواب وخرق القوانين والإضرار، والله يعينك ويصلحك ويأخذ بيدك والسلام في متم رجب الفرد الحرام عام 1297".

العاشر وفيه تتمة الكلام على ما سبق في الذى قبله وانتهاء أعمال المؤتمر: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، سددك الله، وسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وبعد: فقد وصلنا كتابك في شأن ما كنت قدمت الإعلام به من إتمام أمر النطرزيس بعد مشقة، ونبهت على محاولتك الاسترعاء على الطليان في المجلس حيث امتنع من جعل الحد للحماية، وعرفنا أن دولته أجابته بأن يستشير مع باشدورهم بطنجة الذى قدم إلى مدريد، وهو يتمم الكلام في النازلة، وأن وزير الصبنيول تلاقى مع باشدور طنجة وبقى يتردد معه في ذلك، وإلى أن أذعن للحد وهو إذا خدم أحد من رعية سيدنا أعزه الله خدمة غريبة نادرة الوقوع لجنس من الأجناس فيستحق الحماية، لكن لا تزيد على اثنى عشر، بحيث إذا زاد الثالث عشر فليس محميا عنده عدا اثنى عشر إلى أن يموت واحد منهم. وعلمنا أن المحميين المقيدين في الزمام الخارجين عن القانون تعذر عليك إسقاطهم ولم تجد له سبيلا، ومن مات منهم يسقط، وحين تلاقيت مع وزير الصبنيول في ذلك عرضه عليك وبين لك أن ليس في يدك شئ أكثر من ذلك، ورغبك في عاقبة المساعدة فجنحت إليها وتممتم الجميع، وتأهبت إلى النهوض إلى طنجة بعد حيازة الكواغد المشتملة على ما جاز في المجالس الأخيرة ليحمل ذلك كله خديمنا الحاج عبد الكريم بريشة عند وصولك إلى طنجة، ويتوجه بقصد المشافهة بما ليس بمكتوب ليتحقق الأمر لجانبنا العالى بالله، وفهمنا أن الأمور خرجت طيبة بعد أن توقعت ما تستغرب السلامة من آفات، حسبما يشرحه الخديم المذكور، فقد صارت الإشارة منا على بال أصلح الله دينك ودنياك، وأحمد مسعاك وأوبتك، والسلام في 8 شعبان المعظم عام 1297". والحاج عبد الكريم بريشة المذكور في هذا الظهير الشريف والمتوجه مستشارا في الوفد للمؤتمر، هو الذى أسلفنا لك سفارته لإسبانيا في الكلام على العلائق

السياسية مع إسبانيا، وذكرنا لك في الترجمة الأحمدية سابقا سفارته لإسبانيا سنة 1312 لإدخال إصلاحات وتعديلات على الآفاق، وما وقع له فيها وذكرنا غرق البارجة الإسبانية الخصوصية التي أوصلته لطنجة بعد نزوله منها وشروعها في الرجوع، وقد وقفنا على ظهير سلطانى عزيزى في التعزية بمصابها رأينا استدراكه هنا قضاء للفوائت ونصه بعد الحمدلة والحوقلة والاستفتاح: "إلى المحب المفخم. المحترم المعظم. سلطان دولة إسبانيا الفخيمة المعتبر، السلطان ألفنس الثالث عشر. أما بَعْدَ حَمْدِ الله الذى لا إله إلا هو المبدئ المعيد، العزيز الحكيم الفعال لما يريد، والدعاء لكم بسلامة النظام، والبقاء بخير على الدوام، فقد اقتضى حق ما بين الجانبين من المحبة، والمودة والصداقة الممتازة والصحبة، إعلام رفيع حضرتكم بأنه بلغ لشريف علمنا أن إحدى فلكاطاتكم الحربية ذات الإتقان والرونق والبهجة، لما أنزلت خديمنا الأرضى الحاج عبد الكريم بريشة بثغر طنجة. رجعت منه لحمل عدد كثير من العسكر من قالص فصادفت في طريقها له أكف الريح أزعجت مياه البحر من وكرها. ونبهت اللجج من سكرها، فلم تبق شيئا من قوتها ومكرها. وغلب البحر على الفلكاطة غاية التغلب، بكثرة الهيجان والثوران والتقلب، فلم يظهر لها خبر. ولم يقف لها على عين ولا أثر، وكنا نظن أنها إنما أخذت بالحذر، من ذلك الهول الذى لم يبق ولم يذر، وتسترت ببعض الجهات، عسى أن تسلم من الآفات، ونرتقب ورود الخبر بأنها نجت وسلكت، فإذا به وَرد بأنها غرقت وهلكت، فساء هذا الخبر وكدر، ووقع منا موقعا عظيما وأثر، وتأسفنا غاية الأسف. على ما أصابها من التلف. وعظم ضياعها ومصاب من كان فيها من النفوس لدينا، حتى كأنها لنا ومن أصيب بها إلينا. لأنكم عندنا من أخص الدول

في المجلس الذى بدئت به، ولا تعطى الحماية للأناس الذين عليهم دعوى جريمة قبل أن يحكم عليهم ولاة البلد ويوفى الحكم الواقع عليهم. الفصل السادس أهل المحمى داخلون في الحماية أيضا وله التوقير والاحترام في داره، ومعلوم أن الأهل يشمل الزوجة والعيال والأقارب من صغار السن الساكنين تحت سقف داره، والحماية لا تورث سوى استثناء واحد في شأن أهل بن شمون من حيث هو مقرر في وفق 1863، وبهذا الاستثناء لا تفتح الأبواب. نعم إذا حضرة سلطان المغرب أنعمت باستثناء آخر فجميع الدول المجتمعين بالمجلس لهم الحق في طلب مثل ذلك. الفصل السابع نواب الأجناس يخبرون كتابة لوزير الأمور الخارجية من حضرة لسلطان حين يختارون متوظفا ويدفعون في كل سنة للوزير المذكور تقييدا اسميا من الأناس المحميين الذين يحمون الاخنطس في إيالة المغرب وهذا التقييد يوجه لولاة البلد ولا يحسبون محميا سوى ما هو مذكور فيه. الفصل الثامن والاخنطس يمكنون في كل سنة لولاة البلد الذين هم ساكنون بها تقييدا مع طابعهم من الأناس المحميين عندهم والولاة المراكشية يبعثونها لوزير الأمور البرانية ليطلع عليها، وينظر هل هى غير موافقة مع الترتيب ليخبر نواب الأجناس المستقرين بطنجة والفسيال القنصلية يجب عليهم يخبرون في الحين بجميع التبديل الذى يقع في الأناس المحميين من قنصلاتهم.

المحبين، ومن الجيران الملحوظين المعتبرين، يسرنا ما يسركم، ويضرنا ما يضركم، ونحب لكم الخير والسلامة، والعافية المستدامة. وليهون هذا الحادث لديكم، وقوعه لعدد كثير من مراكب غيركم. وعدم اختصاصه بمركبكم. فإن المصيبة إذا عمت، هانت وخفت، وكون الله تعالى حفظ عسكر قالص وحاطه. بعدم الركوب في الفلكاطة، ولا يستبعد وقوع مثل هذا في البحر ولا يتغرب، فالفناء أدنى إليه من البقاء وأقرب، داخله مفقود، وخارجه مولود، ومن حل في سفين فكأنه دفين، فلا حل بساحتكم بعد هذا آفات. ولا رأيتم إلا ما يسركم في جميع الأوقات. وختم في 19 من شوال عام 1312". وإليك نص عقد المؤتمر المجتمع بمدريد مصدرا بإمضاء الحضرة الشريفة له بعد الحمدلة والحوقلة والطابع الشريف بداخله "الحسن بن محمد الله وليه" وبدائرته: ومن تكن برسول الله نصرته، البيتين. ثم عن يمين الطابع بخط الجلالة السلطانية: حسن بن محمد: "يعلم من هذا أننا طالعنا ما اتفق عليه نائبنا الأنصح، الخديم الأصلح، الطالب محمد بركاش مع جماعة نواب الدول الفخماء المحبين بمدريد عام سبعة وتسعين ومائتين وألف تاريخه من الفصول الثمانية عشر المذكورة أسفله المتعلقة بأمور الحماية التي أولها: والشروط التي تقبل بها الحماية هى المقررة في شروط النجليز. وآخرها: وهذا الوفق سيثبت، وتصفحناها من أولها إلى آخرها وأمضيناها، وأوجبنا العمل بمقتضاها، ولا نألوا جهدا في عدم موافقة من رام خرقها ونقضها بحول الله، فنأمر الواقف عليه من عمالنا وولاة أمرنا أن يعمل بمقتضاه. ويقف عند حده ومنتهاه. صدر به أمرنا المعتز بالله في 25 من ذى القعدة عام 1297". "الحمد لله وحده، ولا يدوم إلا ملكه،

الحضرة الكثليكية وهو مأمور أيضا بالنيابة عن حضرة سلطان الدينمرك، وحضرة سلطان الطليان الكمت يوسف كربى له نيشان قريس مورسى ولسو من الرتبة العليا وكذلك من المصباح الطليانى إلخ الموجه المخصوص ووزيرها المفوض قرب الحضرة الكثليكية، وحضرة سلطان ولانضا موسيو ليجون كيموريس ذى الدوير له نيشان من السبع السلطانى من الرتبة الثانية هو كبلير مصباح البلوط إلخ ووزيرها القاطن قرب الحضرة الكثليكية، وحضرة سلطان البرطقيز الكمث قسل ربيلو شيخ المملكة وله نيشان المسيح من الرتبة العليا إلخ الموجه المخصوص ونائبها المفوض قرب الحضرة الكثليكية، وحضرة سلطان السويد ونرويكه موسيو نرى اكر من له نيشان واسع من الصنف الأول والرتبة الثانية إلخ ووزيرها القاطن قرب الحضرة الكثليكية. وهؤلاء على مقتضى تفويضهم المعروف في وجه صحيح ومقبول اتفقوا على التراتيب التي سيأتى ذكرها: الفصل الأول والشروط التي تقبل بها الحماية هى المقررة في شروط الإنجليز والصبنيول مع دولة المغرب والوفق الواقع بينهما وبين الفرنسيس والأجناس الأخر عام 1863 سوى التراتيب التي ستقع في هذا الوفق. الفصل الثانى ونواب الأجناس يمكن لهم أن يختاروا ترجماناتهم وخدامهم من المسلمين أو غيرهم، وهؤلاء محميون لا يلزمهم رؤساء المحل جزية ولا غرامة ولا ما يشبه ذلك، سوى ما هو مقرر في الفصل الثانى عشر والثالث عشر. الفصل الثالث والقناصل وبس قنصلات والاخنطس قنصلات الذين هم رؤساء المستقرين

بإيالة سلطان المغرب لا يمكن له أن يختاروا سوى ترجمان واحد ومخزنى واحد ومتعلمين من رعية السلطان إلا إذا احتاجوا كاتبا عربيا، وهؤلاء لا يلزمهم حتى جزية ولا غرامة، ولا ما يشبه ذلك سوى ما رتب في الفصل الثانى عشر والثالث عشر. الفصل الرابع إذا نائب من نواب الأجناس عين واحدا من رعية السلطان اخنط قنصل بإحدى المراسى هذا الاخنط يكون هو وعياله الساكنون بداره موقرين محترمين، ولا يلزمهم جزية ولا غرامة ولا ما يشبه ذلك، سوى ما اشترط في الفصل الثانى عشر والثالث عشر، ولكن لا يقدر أن يحمى أحدا من رعية السلطان إلا عياله فقط، وله الحق ليكون عنده مخزنى محمى وبس قنصلات من رعية هذه الإيالة يتصرفون في وقت خدمتهم في الحقوق مثل الحقوق التي للاخنط قنصلات من رعية السلطان. الفصل الخامس الدولة المراكشية اعترفت للباشدورات والمنسطروس ونواب الأجناس بالخصوصية التي عندهم على مقتضى الشروط من اختيار الأناس لخدمتهم الخاصة أو لخدمة دولهم دون الأشياخ أو غيرهم من الخدام للدولة المراكشية، مثل العسكر والمخازنية إلا ما يحتاجون من المخازنية لحراستهم، ولكن لا يقدرون يستخدمون حتى واحدا من رعية مراكش عليه دعوى، ومعلوم أن الدعاوى الشرعية المبدية قبل الحماية تتمم أمام المجالس التي بدئت فيها ولا يجدون مانعا في وفاء الحكومة، نعم الولاة المراكشية يجب أن يخيروا حينا بالحكم الصادر للكسيونس والقنصلات أو الاخنطس قنصلات الذين كان منهم ذلك المحمى والمحميون الذين تنحوا من الحماية وعليهم دعوى مبدية قبل خروجهم من الحماية فدعواهم يكون الحكم فيها

في المجلس الذى بدئت به، ولا تعطى الحماية للأناس الذين عليهم دعوى جريمة قبل أن يحكم عليهم ولاة البلد ويوفى الحكم الواقع عليهم. الفصل السادس أهل المحمى داخلون في الحماية أيضا وله التوقير والاحترام في داره، ومعلوم أن الأهل يشمل الزوجة والعيال والأقارب من صغار السن الساكنين تحت سقف داره، والحماية لا تورث سوى استثناء واحد في شأن أهل بن شمون من حيث هو مقرر في وفق 1863، وبهذا الاستثناء لا تفتح الأبواب. نعم إذا حضرة سلطان المغرب أنعمت باستئناء آخر فجميع الدول المجتمعين بالمجلس لهم الحق في طلب مثل ذلك. الفصل السابع نواب الأجناس يخبرون كتابة لوزير الأمور الخارجية من حضرة لسلطان حين يختارون متوظفا ويدفعون في كل سنة للوزير المذكور تقييدا اسميا من الأناس المحميين الذين يحمون الاخنطس في إيالة المغرب وهذا التقييد يوجه لولاة البلد ولا يحسبون محميا سوى ما هو مذكور فيه. الفصل الثامن والاخنطس يمكنون في كل سنة لولاة البلد الذين هم ساكنون بها تقييدا مع طابعهم من الأناس المحميين عندهم والولاة المراكشية يبعثونها لوزير الأمور البرانية ليطلع عليها، وينظر هل هى غير موافقة مع الترتيب ليخبر نواب الأجناس المستقرين بطنجة والفسيال القنصلية يجب عليهم يخبرون في الحين بجميع التبديل الذى يقع في الأناس المحميين من قنصلاتهم.

ومما يتعلق بالحماية ما كتبه قنصل امريكا بطنجة في الموضوع بلفظه: "الحمد لله فسينة الميكان في طنجة لمراكشة تاريخ 25 أبريل عام 1887 سمع قونصو المريكان وأن أناسا ليسوا من جنس المريكان وفى رمان قبضوا حامية المريكان وبسببها عملوا قبيحا لعمال المخزن يظلمون الناس ويأكلون أموالهم بسببهم حمايات والآخرون غير حمايات وهذا بخلاف قوانين دولة المركان. والآن قونصو المركان يعطى الأذن وأن كل من هو محمى وله ورقة من قبل هذا التاريخ وهو من أول يوم في يونيو عام 1887 لا تنفعه في ذلك اليوم ولا بعده، ومن هنا إلى الإمام لا تعطى حماية المركان إلا لمن يستحقها ليحصن بها نفسه وماله. الشروط كما هم مكتوبون أسفله: كل من هو نائب قنصل دولة المركان في مراسى السلطان نصره الله يقدر أن يطلب الحمية على 1 مخزنى 1 ترجمان 1 كاتب 2 متعلمين. نائب القنصل إذا كان من رعية السلطان نصره الله يقدر أن يعمل الحمية على مخزنى واحد. كل من مركان أو كمبانية المركان في البيع والشراء في سلوع كثيرة داخل وخارج في إيالة مراكش يقدر أن يطلب الحامية على اثنين سماسير آخرين في كل دار بالمراسى إن كان لهم فيها بيع وشراء. هذه التي ستذكر أسفله لابد منها: 1 - لابد من له الحمية من المذكورين أعلاه تكون له حين يكتب عليها القنصل في طنجة لأنه هو الذى يقدر على إعطائها.

الفصل التاسع المتعلمون والفلاحة والمتوظفون الآخرون من رعية مراكش الذين هم في خدمة كتاب العربية والترجمانات المراكشيين ما لهم حماية، وكذلك المتعلمون والخدام لرعية الأجناس، لكن فولاة المسلمين لا يقبضون متعلما أو خادما لأحد. في خدمة اللكسيون أو القنصلات أو رعية الأجناس أو محمى دون إعلام لحاكم جنسه، وإذا يوجد أحد من رعية هذه الإيالة في خدمة أحد من رعايا الأجناس قتل أحدا أو جرحه أو هجم عليه فيقبض في الحين، ويقع الإعلام لنائب دبلمتك أو لقنصل جنسه عاجلا. الفصل العاشر لا يقع تبديل في شئ من أمر السماسرة بما هو مقرر في الشروط وفى وفق 1863 إلا ما يترتب في شأن الوظائف في الفصول التي ستأتى بعد. الفصل الحادى عشر حقوق الأملاك العقارية لرعية الأجناس بالمغرب معروف، وشراء هذه الأملاك يكون بتقديم إذن الدولة المراكشية ورسوم هذه الأملاك تكون مكتوبة بقوانين مقررة في شريعة البلد، وجميع النوازل التي تقع في هذه الحقوق يحكم فيها على مقتضى شرع البلد، ولهم رفعها لوزير الأمور البرانية كما هو مقرر في الشروط. الفصل الثانى عشر رعية الأجناس والمحميون الذين لهم الملكية في الأرضين، أو يكونون اكتروها والسماسرة الذين تكون عندهم الفلاحة يبتغون الزكاة والأعشار وفى كل سنة يدفعون لقونصوهم تقييدا صحيحا بما يملكونه ويدفعون بيده ما يجب عليهم

الفصل السادس عشر حتى حماية خارجة عن القانون أو بوجه التوسط لا تعطى في المستقبل والولاة المراكشية لا يعرفون أبدا حماية أخرى من أى وجه كان دون هذه الحماية الخاصة التي اتفق عليها في هذا الوفق، ولكن إجراء حق حماية كنستدبنير وهى الحماية المعتادة تستحفظ في صورة واحدة لتكون جزاء لبعض الخدمات العظيمة الصادرة من مراكشى لإحدى دول الأجناس أو لأسباب أخر غريبة الوقوع، وكيفية هذه الخدمة ونية جزائهم بالحماية يقدم الإعلام بها لوزير الأمور الخارجية بطنجة ليمكنه عند الاحتجاج أن يعرض مراعاته والفصال المتمم تستحفظه الدولة التي وقعت لها الخدمة، وعدد هؤلاء المحميين لا يمكن أن يجاور اثنى عشر لكل جنس، وهذا العدد المعين هو الأعلى إلا إذا لحقوا قبولا من الحضرة الشريفة وحالة المحميين الذين عندهم الحماية على مقتضى العوائد التي أصلحت في هذا الفصل يكون من دون نقص من عدد المحميين من هذا الصنف الكائن الآن لهم ولعيالهم على السواء مثل الحالة المقررة للمحميين الآخرين. الفصل السابع عشر دولة المغرب اعترفت لجميع الأجناس التي نوابها حاضرون في هذا المجلس ليجرى لهم جميع التفصيل الذى يعم به لجنس من الأجناس. الفصل الثامن عشر وهذا الوفق سيثبت والتثبيتات يتبدلون بطنجة في مدة عن قريب يمكن أن يكون وبرضا مستثنى من الأجناس المتفقة ترتيبه يجرى من يوم ختمه بمدريد، ولثبوت ذلك المفوضون المذكورون وضعوا خطوط يديهم في هذا الوفق وطبعوا بطابعهم وجعلوا ثلاث عشرة نسخة وحرر بمدريد في 3 يليه عام 1880 الموافق 24 من رجب عام 1297".

ومما يتعلق بالحماية ما كتبه قنصل امريكا بطنجة في الموضوع بلفظه: "الحمد لله فسينة الميكان في طنجة لمراكشة تاريخ 25 أبريل عام 1887 سمع قونصو المريكان وأن أناسا ليسوا من جنس المريكان وفى رمان قبضوا حامية المريكان وبسببها عملوا قبيحا لعمال المخزن يظلمون الناس ويأكلون أموالهم بسببهم حمايات والآخرون غير حمايات وهذا بخلاف قوانين دولة المركان. والآن قونصو المركان يعطى الأذن وأن كل من هو محمى وله ورقة من قبل هذا التاريخ وهو من أول يوم في يونيو عام 1887 لا تنفعه في ذلك اليوم ولا بعده، ومن هنا إلى الإمام لا تعطى حماية المركان إلا لمن يستحقها ليحصن بها نفسه وماله. الشروط كما هم مكتويون أسفله: كل من هو نائب قنصل دولة المركان في مراسى السلطان نصره الله يقدر أن يطلب الحمية على 1 مخزنى 1 ترجمان 1 كاتب 2 متعلمين. نائب القنصل إذا كان من رعية السلطان نصره الله يقدر أن يعمل الحمية على مخزنى واحد. كل من مركان أو كمبانية المركان في البيع والشراء في سلوع كثيرة داخل وخارج في إيالة مراكش يقدر أن يطلب الحامية على اثنين سماسير آخرين في كل دار بالمراسى إن كان لهم فيها بيع وشراء. هذه التي ستذكر أسفله لابد منها: 1 - لابد من له الحمية من المذكورين أعلاه تكون له حين يكتب عليها القنصل في طنجة لأنه هو الذى يقدر على إعطائها.

2 - لابد التاجر الذى يطلب الحمية على السمسار متاعه يرسل كاغيط باسم السمسار وعدد سنه وكم عدد الخدمة وما هى الخدمة التي يعملها السمسار، ويكون مكتوبا بخط يد التاجر. 3 - وإذا كان الذى يريد الحمية ساكن معه أحد في داره من أقاربته لابد يذكر أسماءهم وعدد سنهم وما نسبتهم منه. 4 - ولا تكون الحامية لأحد من خدام السلطان نصره الله ولا لمن له دعوة عند الشرع وهو ظالم دون ما ذكرنا على ورقة الحامية القنصل في طنجة يقدر على إعطاء ورقة فيها فلان هو خادم فلان المحمى، ليكون له التحصين والحفظ لأموال المحمى لا غير، والقنصل يعمل هذا ليحصن الأموال والكسب والحراثة للناس الذين هم من جنس المركان والناس الذى لهم الحامية، وهذه الورقة تعريفا للمخزن بأن فلانا لا يظلم ولا يظلم وإن كان عليه حق لأحد فَيَدُ المخزن عليه طويلة". هذا ولو تتبعنا ما لدينا ما حوته مكتبتنا من الأوراق الرسمية والظهائر المولوية الراجعة للعلائق السياسية بين الدولة المغربية الحسنية والدول الأوربية لجاء في مجلدات، ولكن ما لا يمكن كله لا يترك كله. وقد أتينا لك أيها المطالع بالنصوص المتبادلة بين نواب الدول الأجنبية ونواب الحكومة الشريفة في المؤتمرات السياسية والاجتماعات الرسمية على ما فيها من علل التركيب وركاكة الإنشاء وعدم التنظيم محافظة على نص الأصل وعدم تغييره واعتمادا على همة القارئ اللبيب الذى لا تعزب عنه الحقيقة وسترى بقية من ذلك بعد هذا بقريب. على أننا بذلنا الوسع والجهد المستطاع، واستعملنا ما في الإمكان لحشر مواد غزيرة في الموضوع أمام نظر المطالع الكريم، ربما تستحيل عليه مطالعتها في غير

ضربه السكة الحسنية

هذا الكتاب، فيرى مثالا لكيفية ابتداء المخابرة أولا بين الحكومة المغربية والدول الأوربية، ثم المحور الذى دارت حوله تلك المخابرات إلى أن بعثت السفارات وقامت بفصل القضايا المراد فصلها، لا يخفى ما في ذلك من فائدة إظهار الحقيقة وتفهمها. ضربه السكة الحسنية ومن أهم أعماله وتنظيماته قيامه بضرب السكة الحسنية التي لا زال الناس يتعاملون بها في بعض أرجاء المغرب إلى الآن حسبما هو مفصل بالظهير المولوى الصادر في ذلك الصدد للنائب السلطانى بطنجة السيد محمد فتحا بركاش، وإليك نصه: "الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه، خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد اقتضى نظرنا الشريف ضرب سكة شرعية تتصارف بها رعيتنا في إيالتنا السعيدة وتكون على كيفية مخصوصة وعمل خاص موافق للشرع، مبنى أصلها على الدرهم الشرعى الذى كان في أيام جدنا الأكبر مولاى إسماعيل رحمه الله، وجدنا الأقدس سيدى الكبير نعم الله روحه، والمنصور السعدى، وأبى الحسن المرينى، وغيرهم من ملوك دول المغرب السالفة رحمهم الله جارية على عرف البلد الجارى بين الناس في المعاملات والزكاة والقسامات والفرائض والبيوعات والشراءات ونحو ذلك، وأن يضرب منها مقدار عشرين مليونا من الفرنك الفرانصيصى. فنأمرك أن تعقد كنطردتها مع من يظهر لك من التجار الذين لهم المجال في ذلك وترضى ذمتهم ويقبلها باشادور الفرنصيص بطنجة ووزير الأمور البرانية

[صورة] النقود الفضية الشرعية الحسنية

بدولته، سواء كان التاجر جراميل بونى الفرنصيصى الذى تقدم الكلام معه فيها بالوسائط أو غيره. وقد فوضنا لك في جعل ذلك على يد المخزن أو على يد التجار، ثم إن اقتضى النظر أن يكون على يد التجار فلا بد من موافقة من ذكر وزير الأمور البرانية ونحوه، نعم من اتفقت الآراء على عقدها معه لا من المخزن ولا من التجار حتى التاجر المذكور يكون عقدها معه على شروط: وهى أن يضرب مقدار خمسة ملايين من العشرين مليونا من الفرنك المذكورة ريالا وزنه عشرة دراهم شرعية يكون مماثلا لريال الفرنصيص في المعيار والصفاء، ومقدار مليونين منها يضرب نصف ريال وزنه خمسة دراهم شرعية يكون مماثلا للفرنك الفرانصيصى في المعيار والصفاء، ومقدار أربعة ملايين منها يضرب ربع ريال وزنه درهمان شرعيان ونصف درهم شرعى يكون مماثلا أيضا للفرنك الفرنصيصى فيما ذكر، ومقدار أربعة ملايين منها يضرب عشر ريال وزنه درهم شرعى مماثلا للفرنك المذكور في المعيار والصفاء، ومقدار خمسة ملايين منها تضرب نصف عشر الريال وزنه نصف درهم شرعى يكون كالفرنك الفرنصيصى في المعيار والصفاء. وأن يكون طرف هذه السكك مشرطا وكتابته من الجهتين على المثال الواصل إليك، وأن يكون ذلك على قانون البحر وما جرى به الحكم والعرف هناك عند الجنس المذكور، ولم يكن ممنوعا في شرعنا، وأن يعين المخزن أو التاجر الذى تعقد معه كنطردة ذلك نائبا عنه بطنجة يكون يحوز منك المال الذى يوجه لك من حضرتنا الشريفة بقصد الضرب، ويحوز ما يرد منه مضروبا من باريز ويدفعه لك لتوجهه على يدك لحضرتنا الشريفة. وبعد عده وتقليبه واختباره بالوزن وغيره وقبول الصافى ورد غيره إن وجد وأن يسقط المعقود معه ذلك المطالبة بجميع مصاريف ضرب السكة المذكورة،

ويسامح له في مقابلتها في الربح الذى ينتج من ضرب العشرين مليونا المذكورة، وأن يسبق له مقدار مليون واحد من الفرنك يشرع منه ضرب السكك المذكورة لئلا يقع تعطيل في الضرب. وبعد ضرب التاجر المعقودة معه كنطردة ذلك تسعة عشر مليونا من العشرين مليونا من الفرنك المذكورة، وتوجيهها لحضرتنا العالية بالله يضرب المليون من الفرنك المسبق له ويوجههم لحضرتنا السعيدة على يدك كذلك، وأن يوجه بعد مضى أربعة أشهر من تاريخ كنطردة ذلك التي تعقد على يدك مقدار سبعمائة ألف وخمسين ألفا من الفرنك مضروبا من السكة الجديدة المذكورة ويحوز بدله لويزا أو ريالا فرنصيصا أو درهما أو ارحاء ذهب أو فضة أى نوع تأتى من الأنواع بعضها أو مجموعها، وأنه إن كان بدلها درهما أو ارحاء ذهبا أو فضة فيذاب ذلك هنا ويصفى على ميزان سكة الفرانصيص ما يجعل ريالا على نسبة معيار ريالهم، وكذلك ما يجعل أجزاء الريال على نسبة أجزاء ريالهم، ويثمن الجميع ويدفع نائب التاجر المعقود معه ذلك على يدك موزونا مثمنا موقوفا على المعيار المذكور. وبعد توجيه التاجر مقدار السبعمائة والخمسين ألفا من الفرنك من السكة الجديدة يكون يوجه مثله كل شهر ويحوز بدله على نحو ما ذكر والسلام في 12 جمادى الثانية عام 1298". وعلى مقتضى ما ورد في هذا الظهير المولوى انعقد الاتفاق على ضرب هذه السكة الفضية بباريس، ونص ظهير شريف مما أصدره للنائب المذكور في شأن المليون من الفرنك الذى يسبق لأرباب الضرب بعد الحمدلة والصلاة والطابع: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله.

وبعد: وصل كتابك بأنك لما حللت برباط الفتح بحثت عن مشاهرة النجليز هل توجهت أم لا فوجدتها لا زالت لم تتوجه، وسألت الأمناء هل هى تحت أيديهم فذكروا لك أن ليس تحت أيديهم إلا دراهم تركها الأمين ابن جلون على وجه الحفظ والأمانة، وطلبت إصدار أمرنا الشريف بتوجيهها وبتوجيه المليون من الفرنك الذى يسبق لأصحاب كنطردة السكة وصار ذلك بالبال، فأما المشاهرة فميسرة وبمجرد خروجنا من زعير بالسلامة والعافية بحول الله توجه في الأمان. وأما المليون من الفرنك الذى يسبق لمن ذكر فموقوف توجيهه على الأمينين المكلفين بأمر السكة كما علمت، وقد كتبنا عليهما وأنت بحضرتنا الشريفة، وبمجرد وصولهما أو أحدهما يوجه ذلك على يديهما ليبقى الأمر مضبوطا فيها على نحو ما أسس والسلام في 6 من رمضان عام 1298". ونص ما كتبه في شأن سبيكة فضة وجهت بدلا من السكة: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: وصل جوابك بوصول الرفقة الثالثة من سبيكة الفضة الموجهة لك بقصد بدل الدفع الثانى من السكة الجديدة السعيدة المبين لك عددها 6579 ووزنها 48، 4، 3450 صافيا من الطارة بميزان النجليز وحيازة أمينى السكة لها واختيارهم عددها ووزنها، فألفوا عددها موافقا ووزنها هناك بميزان نجليزى محقق ناقصا عن وزنها هنا المشار إليه بثلاثة وثلاثين رطلا وأربع عشرة أوقية وستة أثمان الأوقية حسبما بجوابهم الذى وجهت. وأنت لا زلت في انتظار جوابنا الشريف بما يكون عليه العمل في السكة المذكورة، لكون نائب أصحاب كنطردة السكة وجه لك على يد نائب الفرنصيص الاسترعاء الذى وجهت، فقد توجه لك الجواب عن ذلك أولا في أواخر المحرم، وثانيا في الخامس من شهر تاريخه بأن تثمين السبيكة المذكورة بسبعة عشر ريالا

للرطل فيه بخس لكونها مصوغة من الدرهم، والشروط المعقودة مع أصحاب الكنطردة فيها دفع بدل السكة الجديدة لويزا أو ريالا فرنك أو درهما أو ارحاء ذهب أو فضة، وبأننا لما علمنا أن هذه السكة تسلك في أجزاء الريال الشرعى ويحصل فيها الربح لهم لكون عيارهم أحسن من عيار الفرنك المشروط ممثلة عيار الأجزاء المذكورة له، تركنا التعرض لثمنها، ولو علمنا أنها لا تسلك وعيار الفرنك أحسن منها لأشرنا عليك ببيعها بالثمن الذى تقبله فيها بحيث إذا ساوته فذاك وإلا فترد بأن تتكلم مع نائب أصحاب الكنطردة وتعرفه بذلك وتسايس معه، حتى يحوز السبيكة المذكورة بثمن الريال الفرنك ويصوغها أجزاء الريال الشرعى، بحيث لا يقع فيها كسر، لأن هذا القدر منها بالنسبة للعدد الذى يضرب سكة جديدة كلا شئ. وحتى إن طلبوا الأجرة على صوغها أجزاء حيث ربحه قليل، فتعطاهم ارتكابا لأخف الضررين، على أنه لا ضرر عندنا فيه لا من جهة الصرف ولا من جهة الشروط حيث عياره موافق لعيار بعض المسكوك الذى في الشروط، وفى المستقبل يوجه لهم غيرها، أو تتفاوض معه في ضربها أجزاء الريال الشرعى زيادة على العدد الذى عقدت معهم الكنطردة على ضربه بحيث يضربونها على حدتها ممتازة عنه بأجرة مناسبة. وإن قبل منك أحد الأمرين المذكورين فذاك، وإلا فالأمناء يوجهونها لبيت المال عمره الله بفاس على يد أخينا مولاى إسماعيل وتطالع علمنا الشريف بذلك ليوجه لك بدلها، وأمرناك بأن تنظر أنت وأمينا السكة في ذلك وما ظهر لكم فيه المصلحة فيه العمل، وبأن العمل في وزنها على ما حققوه هناك حيث الذى هنا غير محقق، فامض على ذلك سددك الله والسلام في 17 من صفر عام 1299". ونص الرد الشريف على جواب النائب عن الكتاب المذكور:

"خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: وصل جوابك عما كتبناه لك في شأن سبيكة الفضة الموجهة على يدك لطنجة وفى شأن المائة والخمسة والعشرين درهما الموجهة لك لتدفعها لأمينى السكة، وتبين لهم أن الريال الشرعى فيه عشرة منها، وذكرت أنك بصدد توجيهها لهم وإعلامهم بذلك، ونبهت على أن السبيكة المذكورة إذا خرجت من طنجة قبل ورود بدلها يكون بدل الدفع الأول والثانى من السكة الجديدة لا زال لم يرد مع فوات وقته، وأنه حيث حصل الضيق في المحل بها تأذن للأمينين المشار إليهما في توجيهها لأمناء بيت المال بفاس ليفرغ محلها، وحيث تقع الموافقة في قبولها تطالع علمنا الشريف لنأمر بردها لطنجة. وطلبت إصدار أمرنا الشريف لأمينى السكة بحيازة دفع السكة الجديدة بعد عدّه ووزنه وتقليبه ليفرغ محله، وعلمنا ما أشرت إليه من تأخير استعمال السياسة مع أصحاب الكنطردة في حيازة السبيكة المذكورة إلى تمام نحو النصف أو الثلثين من العمل، وحينئذ تستعملها معهم، وإن قبلوها فذاك، وإلا فتخاطبهم بالأجرة حسبما أشرنا، ومن توجيه البدل عينا عن جميع ما ورد من السكة الجديدة ليرتفع لهم الإشكال ويقع الدفع والقبض، كما علمنا ما ذكرته من أنك كنت وجهت الأمثلة الموزونة من الفضة الموجهة لك من حضرتنا الشريفة، لمخزن الفرنصيص لتدفع لكبير دار السكة، ويكون العمل عليها في الوزن، وإن كانت الدراهم 125 المذكورة موافقة لها في الوزن فذاك، وإن كان بينهما خلاف فلا حجة عليهم لأنهم شرعوا في العمل على الأمثلة المشار إليها، وإن خالفوها فالحجة عليهم، على أنهم لا يخالفونها ولا تأتى السكة إلا على مثالها.

فأما ما ذكرته من أنك بصدد توجيه الدراهم المذكورة لأمينى السكة وما نبهت عليه في شأن خروج السبيكة من طنجة قبل ورود بدلها فصار كله بالبال. وأما ما أنت بصدده من الإذن لأمينى السكة في توجيه السبيكة لأمناء بيت المال بفاس، وما طلبته من إصدار أمرنا الشريف لهما بحيازة البدل الجديد بعد عده ووزنه وتقليبه، فقد أجبناك عن ذلك في غير هذا. وأما ما أشرت إليه من تأخير استعمال السياسة معهم في حيازة السبيكة المذكورة علمناه ومن توجيه البدل عينا عن جميع ما ورد من السكة الجديدة فقد وجهنا لك ثلاثمائة ألف ريال من قبل بدل الدفع الثالث والرابع من السكة الجديدة، ومائتين ألف ريال من قبل بدل العدد من السبيكة المذكورة الموجه لك بقصد بدل الدفع الأول والثانى من السكة الجديدة، والمائة ألف ريال الباقية لكمال بدل السبيكة المذكورة في الأثر تصلك، وقد قدمنا لك الكتابة بهذا. وأما ما نبهت عليه في شأن الأمثلة المذكورة، فقد أحسنت في التنبيه عليه أصلحك الله، وتلك الأمثلة كنا اتكلنا في تحقيق وزنها بميزان الدرهم الشرعى على من لهم معرفة بذلك من جهة الشرع ومن جهة الوزن، فإذا به لما نبهت عليها أمرنا الأمناء والقضاة والفقهاء بإعادة وزن نظير الأمثلة المشار إليها الذى كان بقى بحضرتنا الشريفة، فألفوا ناقصا من مثال الريال نصف درهم شرعى، ومن مثال نصف الريال ربع درهم شرعى وربع ربعه، ومن مثال ربع الريال ثمن درهم شرعى، ومثالا الدرهم الشرعى ونصفه ألفوهما موافقين لوزن الدرهم الشرعى ونصفه، وقد أجبناك عن ذلك في غير هذا صحبة خديمنا الأمين الطالب بناصر غنام والسلام في 25 من صفر عام 1299".

ونص ما أصدره فيما يتعلق بالسكة المضروبة على أمثلة غير محققة الوزن: "خديمنا الطالب محمد بركاش وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: وصل كتابك وبطيه جواب نائب أصحاب كنطردة السكة لك بأنه ضرب الطلكراف لأصحاب الفبركة بتوقيف ضرب السكة إلى أن توجه لهم الأمثلة المحققة الوزن، وتوقف فيما هو مضروب منها، ولا زال بباريز قبل وصول الطلكراف لهم، كما توقف الأمناء في حيازة ما هو تحت يده بطنجة ودفع بدله لكونك كنت وجهت لهم نسخة من كتابنا الشريف المذكور وفيه: أن ما كان على الأمثلة التي كانت وجهت لك قبل، يحاز على مقتضى الشروط، وذكروا لك أن الأمثلة المذكورة ليست تحت أيديهم ليحوزوا على مقتضاها، فبينت لهم الميزان الذى كنت بينته لجانبنا العالى بالله، وأذنت لهم في الحيازة، ودفع البدل وأجبت النائب المذكور عما توقف فيه من السكة المضروبة التي لازالت بباريز بأن أمرها متوقف على اطلاع علمنا الشريف به. وبأنك أذنت الأمناء في حيارة ما هو منها بطنجة ودفع بدله، وصار ذلك بالبال. فأما تبيينك الميزان للأمناء وإذنك لهم في الحيازة ودفع البدل فالعمل عليه، وأما السكة المضروبة التي لازالت بباريز فإن كانوا يقبلونها مشاهرة تدفع لهم أو تدفع لهم على نحو ما يقع به الفصل عما هو منها بطنجة، لأن دفعه من هناك على كلا الوجهين أولى من توجيهه لطنجة ورده من وجوه التي من جملتها المصاريف والسلام في 22 من ربيع الأول النبوى عام 1299". ونص ما كتبه في توجيه السكة الجديدة للحضرة الشريفة وما يتعلق بذلك: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله.

وبعد: وصل كتابك بأنك أجبت جانبنا العالى بالله عما أمرناك به من توجيه ما كان ورد لطنجة من السكة الجديدة الأولى صحبة المخازنية الموجهين لك للإتيان بها بما في النسخة التي وجهت بحرا لنكون على بصيرة فيما ذكرته فيها ريثما يصل المخازنية لحضرتنا الشريفة بأصلها برا، فقد وصلت، وعلمنا ما ذكرته فيها من أن كتابنا الشريف كان وصلك مؤرخا بالعشرين من صفر الماضى بأن تأذن لأمينى السكة في حيازة ما ألفاه الحال وصل لطنجة من السكة الجديدة على نحو الشروط المعقودة مع أصحاب الكنطردة، فأذنت لهما في حيازة ذلك فحازاه ودفعا بدله غير أنه حيث كان بصدد الرجوع لباريز بأمرنا الشريف الصادر لك بدفعه لنائب أصحاب الكنطردة في المشاهرة على حكم الشرط المقرر في ظهيرنا الشريف المعقودة الكنطردة على مقتضاه، وإن لم يقبله تتفاصل معه على ضربه بأجرة مناسبة مع عجز أمينى السكة عن التذويق لعدم معرفتهم به لم تقع مبالغة في التذويق لكونها بصدد الرجوع، واكتفاء بما ذوقه خديمنا الأمين غنام بطنجة منها، ومن الفرنك الفرنصيصى فوجد عيارها أفضل من عيار الفرنك بشئ تافه وأنك وجهت لحضرتنا الشريفة الدراهم التي كانت وردت في سكة أنصاف الريال وقدرها 28,0000 مائتان ألف ريال وثمانون ألف ريال في صناديق 280 ميزان ما بداخل كل صندوق منها بميزان الفرنصيص سبعة وعشرون كيلو وستة وثمانون اكرام يجب في ميزان الجميع سبعة آلاف كيلو وخمسمائة وأربعة وثمانون اكرام وهو ميزان الريال 1,303363 الذى دفع أمينا السكة في بدل ذلك حسبما هو مبين في كتابهم لك الذى وجهت. وطلبت تقليب ذلك هنا وتذويقه، وإن وجد غير موافق للفرنك الفرانصيصى نعلمك لتتكلم معهم في رجوع ذلك وتبديله، ولا يكون في حساب المشاهرات أو ضربه بالأجرة، ويكون من حساب الكنطردة، وأن الحال اقتضى أن لا تحرك ساكنا

فيما هو مضروب من ذلك ولا زال بباريز حتى يقدم نائب أصحاب الكنطردة من سفره لكون نائبه بطنجة يسألك كل يوم هل ورد جوابنا الشريف عن المائة والستين صندوقا من السكة المعادة فتسوفه إلى أن يرد عليك جوابنا وصار ذلك بالبال. أما عجز الأمناء عن التذويق واعتذارهم بعدم معرفته حيث هو من شغل المعلمين الصواغة فلا مفهوم له، إذ هو روح عملهم ومركزه، وعليه مداره، وهو أول شرط في خدمتهما بل معتمد شروطهما، إذ ليس كل من أمن على شئ يكون هو حرفته بل تكون عنده الملكة فيه حتى لا تتمشى عليه حيل أهل حرفته فيه وما وجهوا لهناك إلا بقصد ذلك، وإلا فالعد والقبض والدفع يعرفه كل أحد، ومن كلف به يقوم به. وأما مثال أنصاف الريال من السكة الأولى الذى كنت وجهت، فقد ذوق هنا على يد المعلمين ثلاث مرات، فخرج مماثلا للفرنك الفرانصيصى من غير زيادة ولا نقصان، ولم يوجد أفضل من عيار الفرنك المذكور كما ذكر الأمين غنام. وأما المائة والثمانون ألف ريال من أنصاف ريال السكة الجديدة التي وجهت مع المخازنية الذين ذكرت فلا زالت لم تصل، وحيث تصل تجاب عنها. وأما ما ذكرته من أن الحال اقتضى أن لا تحرك ساكنا الآن لما بقى من السكة بباريز لأجل ما ذكرته، فلابد من توجيهه لحضرتنا العالية بالله كما قدمنا لك به أمرنا الشريف، إذ لا معنى لإبقائه بباريز، وإلا يحسب عليهم في المشاهرة، فعجل بالجواب عنه بأحد الأمرين. وأما المائة والستون صندوقا من السكة المعادة، فقد قدمنا لك الجواب عنها في أوائل شهر تاريخه بأن تأذن لأمينى السكة في حيازتها بعد التقليب الذى

تقتضيه الشروط، ودفع بدلها من السبيكة التي تحت يديهما، وتوجيهها لحضرتنا الشريفة فالعمل عليه والسلام في 2 من ذى القعدة عام 1299". وإليك ما أصدره للنائب المذكور في شأن ضرب الفلوس وأمثلتها ووزنها وأنواعها: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: فقد كنا وجهنا لك أمثلة من نصف الفلس 1 والفلس 2 والفلسين 3 والأربعة افلس 4 والموزونة 5 وأمرناك بأن تجعل أمثلة عليها محققة الوزن على نسبة خمسة وعشرين 25 ربحا في المائة فقط وفق ما كنت أشرت، وزدناك هذا تذكرة وتأكيدا في ذلك، وعليه فعجل بجعلها واجلب من كل مثال منها من بلاد البلجيك أو غيره نحو الخمسة والعشرين مثالا متقنة التقطيع محكمة الوزن على نسبة الربح المذكور لا نقش فيها ولا تاريخ عدى ميزان ما في كل مثال منها من الاكرام أو السنطيم فينقش في أحد وجهيه، ووجه ذلك واصلا لحضرتنا الشريفة لتقطع الفلوس على ميزانه وتجعل له الطوابع هنا، ويشرع في ضرب الفلوس لكون الناس في شدة الاحتياج إليها للمصارفة، ونحن ننتظر منك ذلك يمسى أو يصبح، وعليه فقدم شغله على كل شئ ولابد والسلام في 19 شوال عام 1300". ونص ما بعثه للنائب في مسألة الريال الناقص الوزن: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: وصل كتابك بأن أصحاب كنطدة السكة أخبروا بأن الثمن الذى يقبلون به عيار سكة الريال الناقص الوزن هو مائة وأربعة وستون فرنك للكيلو

تكلمت به في المجلس حتى يستشير مع دولته على طريق السلك، وتشرعون في غير ذلك ريثما يأتيه الجواب فأحببته لذلك وأجاب هو كذلك. ووقع كلام كثير ظهر لك منه على ما بيدك من أوامرنا الشريفة، أنك لا تحصل على طائل، لأن الذى كان في بالك في هذه الوجهة هو التحفظ على عدم وقوع ريبة في ديننا والتحفظ على جانبنا العالى بالله، وعلى الرعية وجلب الخير لبيت المال، وما زاد على ذلك من أمر الحماية كله ربح، وأن الرثيل اليهودى النجليزى قدم لهناك وصار يفد عليك ما تحاوله حتى صاروا يتكلمون في وزير الصبنيول بما بينته وكثر الكلام في الجوازيط وغيرها. وذكرت أنك لازلت طامعا في أن تحفك عناية الله تعالى وسعادتنا في التحصيل على نيل المطلوب، وصار جميع ما ذكرته بالبال، فقد وصلت النسخة ولا بأس بجعل ذلك على الوجه الذى ذكرت أنه تفهمه عقولهم، إذ المقصود هو الوقوف في ذلك مع الشروط والقوانين القديمة في أمر الحمية وترك الزائد عنها كيفما تأتى. وأما ما صدر من الفرنصيص كفانا الله شره وشر كل ذى شر ورد كيده في نحره. وأما اليهودى الإنجليزى انتقم الله منه عاجلا ولا بلغه مناه. وأما ما ترتقبه من حفوف عناية الله تعالى وسعادتنا بك في نيل المطلوب كمل الله بخير وأصلحك، وأخذ بيدك آمين والسلام في 28 جمادى الثانية عام 1297". التاسع وفيه الكلام على مسائل مما راج هناك وموقف نائب إيطاليا في المؤتمر:

يجب فيه كسر 70، 2، 32701 اثنان وثلاثون ألف ريال وسبعمائة ريال وريال وفرنكان وسبعون سنطيما وفى كسر أنصافه بسوم مائة واثنين وخمسين فرنك ونصف فرنك للكيلو 80، 3، 94991 أربعة وتسعون ألف ريال وتسعمائة ريال وواحد وتسعون ريالا وثلاثة فرنك وثمانون سنطيما الجميع 70، 1، 127693 مائة ألف ريال وسبعة وعشرون ألف ريال وستمائة ريال وثلاثة وتسعون ريالا وفرنك وسبعون سنطيما. حسبما هو مبين في تقييد أمينى السكة الذى وجهت وذكرت أن هذا باعتبار سوم الفضة الآن، ويمكن أن يزيد أو ينقص في وقت الدفع بشئ يسير وصار ذلك بالبال، وقد قبلنا دفعها لهم بالسومين المذكورين فادفعها لهم حيث يحل أجل دفعها على القاعدة من دفع البدل وحيازة المبدل منه يدا بيد بالعد والوزن والتذويق، ولا تنتظر تمام الكلام في شأن قبول دولتهم روجان السكة التي أرادوا ضربها بإيالتها ليجدهم الحال إذا لم تقبل ذلك دولتهم قبلوا تلك المشاهرات 4 وضربوها على نحو السوم الذى تفاصلت به معهم، وتكفى كلفة مدة تعطيل آخر وتسقط، وإذا قبلته تقبض منهم المشاهرات المذكورة مضروبة ريالا من النوع الذى طلبوا ضربه، وتختبر وتدفع لهم في مشاهرتهم، ولا يلزم فيها كسر ولا أجرة ضرب حسبما اتفق عليه معهم الخديم الزبدى والسلام في 17 جمادى الأولى عام 1301". ونص ظهير شريف آخر: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: وصل جوابك بأن السداد الذى ظهر للخديم الزبدى في شأن السكة فيه ترك الكسر وربح ثلاثة في المائة ومصلحة ثانى لتجار هذه الإيالة، توجيه تلك

فنقص عن وزن الفرنك بنصف درهم غير جزء من أربعين جزءا، أو تعقد الكنطردة على روجانه بما في وزنه من الدراهم. نعم ارتكب الحزم وانتهز الفرصة في دفع الأربع مشاهرات من السكة الناقصة الوزن لهم على قاعدة دفع المشاهرات، ثم باشر أمر قبول دولتهم لروجان تلك السكة بإيالتها، بحيث إذا قبلته تقبض منهم المشاهرات الأربع على الكيفية المذكورة أعلاه، وإذا لم تقبله يجدهم الحال قبلوها وضربوها على نحو السوم الذى تراضيت معهم عليه وقبلوه فقد وافقنا عليه، وتكون كلفة مدة تعطيل آخر سقطت والسلام في 17 جمادى الأولى عام 1301". ونص ما أصدره للأمين السفير الزبدى فيما وقع من الكلام مع سفير انجلترا في شأن سكة النحاس: "خديمنا الأرضى الأمين الحاج محمد الزبيدى، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: وصل كتابك بأنك لما تلاقيت مع باشدور النجليز تكلم معك في شأن سكة النحاس التي كان تكلم فيها وهو بحضرتنا الشريفة، وذكر لك أننا أمرناه بالمذاكرة معك في ذلك وأطلعك على كناش صغير بعض أوراقه مطبوعة بسكك الأجناس النحاسية، مظهرا أن تلك السكك كلها مضروبة عندهم في فبركة مخصوصة، وأنه تكلم مع صاحب تلك الفبركة ومع أرباب السلف باللندريز، وطلب منك أن تتلاقى مع نائب أرباب السلف الذى بطنجة فسوفته، وظهر لك عدم الملاقاة به والتنصل إن وجدت السبيل لذلك، وأعلمت بهذا لنكون منه على بال، وحين ترجع لحضرتنا الشريفة تشافه بما ظهر لك في ذلك وصار ذلك بالبال والعمل على ما ظهر لك في ذلك والسلام في 4 صفر الخير عام 1298".

ونص ما كتبه الحاجب السلطانى للزبيدى المذكور في مفاوضته مع نائب سفير فرنسا في شأن السكة: "محبنا وأمين سيدنا الأعز الأرضى السيد الحاج محمد الزبيدى، سلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله: وبعد: فقد وصلنا كتابك معلما بأنك تلاقيت مع خليفة باشدور الفرنصيص شارل اكار في شأن السكة عملا بما قدمناه لك من الإذن الشريف في ذلك، وتفاوضت معه في ضربها على ثلاثة أصناف بين ذهب وفضة ونحاس. وبعد أن تأملت في أمرها وخضت معه بالقاعدة فيها والوجوه التي لابد من الكلام فيها، ظهر لك أن ضربها متعين من وجوه بينتها، وأن الربح في ضربها الآن ظاهر لبيت المال في الحال والاستقبال. وقيدت ما دار بينكما فيها في ورقة خاصة وجهتها ووجهت التقييدين المتضمنين للوجهين في عقد الكنطردة فيها أحدهما بما يجب لجانب سيدنا أيده الله وعليه فيها والثانى كرجة لا يعرف سيدنا أعزه الله إلا السكة، وما يجب لسيادته من الربح من غير شئ يلزمه ووقع اختيارك على الوجه الثانى لما فيه من السلامة والدفع يدا بيد، بحيث لا نقدم لهم من عندنا مالا ولا يلزمنا في توجيهه ولا على ما يأتى من عندهم مضروبا صوائر، وتقديم الربح أولا. وذكرت أن ذلك تيسير من الله بسعادة سيدنا نصره الله نعم ذكرت أن الدرهم المضروب عند سيدنا أيده الله لم يقبله لأجل تلك الزيادة الزائدة فيه على عيار افرانصة وغيرها من الأجناس، فقد أطلعنا بذلك كله علم مولانا نصره الله فتأمله واختبره ورأى أيده الله عدة ما تضمنه من الملايين، فقال أعزه الله: وجود الشرط وهو عدة الملايين مفقود فإذا انعدم الشرط انعدم المشروط والمقصود هو

صوغ الدرهم والحلى الموجود تحت اليد هنا ريالا وسكة مختلفة شيئا فشيئا، ومع طول المدة يوجد العدد المذكور بحول الله من غير شرط ولا حصر، هذا جوابه نصره الله بلفظه الشريف وعلى المحبة والسلام في 4 ربيع الأول 1298. أحمد بن موسى لطف الله به". ونص ما كتبه سفير الانجليز للزبيدى في شأن السكة النحاسية التي أراد السفير أن تضرب ببلاده الانجليزية فأحالته الحضرة الشريفة على خديمها المذكور، والكتاب بنصه ولفظه وقد أمضاه بخطه العربى، لأنه كان يعرف العربية. "إلى الخديم النصيح للحضرة الشريفة الأمين الرضى المحب السيد الحاج محمد الزبدى، إنا نسأل عنك ومحبة أن تكون بخير وعافية وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته، بدوام الخير وتمام العافية. وبعد: فوقت كنا في الحضرة الشريفة في إِبّان الربيع الفارط كنا أطلعنا العلم الشريف بالضرر الصادر للعامة في رواج سكة النحاس القبيحة التي كل واحد قادر على تزويرها، ويسعى بذلك الربح لنفسه، ويركب أخلاطها كمثل ما يجعله المخزن، فهذا التذويب لهذه السكة النحاس يجعل في بعض المواضع والصرف في كل يوم في الزيادة، فبيت المال والتجارة وأهل الإيالة يصدر لهم الضرر الكثير من ذلك، فقد كنا أشرنا على السلطان أيده الله يجعل أن تضرب فبريكة سكة النحاس في مدينة برمنك هام، كما جعل ذلك دولة كريت ابريطن، وكثير من دول الأجناس. فنطلب أن يجدد النظر في التقييد الذى مكناه للحضرة الشريفة فإن السلطان أيده الله كان أجابنى بأنه استحسن نصيحتنا وعزم على العمل بمقتضى إشارتنا وقت الإمكان وذكر لنا اسمكم بأنكم أنتم إن شاء الله مكلفون بتأمل هذا الأمر ...

فوقت كنا في بلادنا وقصدنا تمكننا بزيادة الإعلام في هذا الأمر، لنعلم بذلك السلطان أيده الله توجهنا بأنفسنا لمحل فبركت مصرص هيلى في المدينة المذكورة، ونظرنا إلى الأشغال الكبار التي فيها ألوف الخدامين ... فأرباب السلف مستر فلمنك ونائبهم مستر سميد هنا كانوا مشوا معى إلى المكان المذكور، فنظرت إلى سكة النحاس والفضة التي تضرب ح والتى ضربت لبعض من دول الأجناس، ونظرنا شهادات تلك الدول المقرة بأن ذاك أتى على وفق مرادهم لفبركت مسز مستر هيلى المذكور، وكنا تحققنا من جميع ما نظرنا وما سمعنا وما أخبرنا به أن هؤلاء أرباب الفبركة المذكورة الذين هم أهل ثروة وأهل أموال كثيرة هم أهل ثقة وصدق، ومروءة تامة كما تشهد بذلك دولتنا وغيرها، ورب الفبركة مستر هيلى أخبرنى أن مستر فلمنك الذى من أرباب السلف هو نائبهم وحيث مستر سميد الذى هو مستقر هنا هو نائب أرباب السلف وله الإعلام التام في هذه القضية وبميده كناش متولى السكة مع شهادات من بعض السلاطين والدول الذى مراده يمكن لك ذلك لإعلام السلطان أيده الله، فنطلب منكم رفعه للسلطان أيده الله، وتخبر جانبه الشريف أن هذا هو بمطلوبنا ومرادنا به خيره أيده الله، وتذكر لسيادته أنا طلبنا منكم الملاقات بهذا نائب الفبركة المذكورة في غد في السعة عشر من النهار بقصد الإعلام لسيادته بصحة الخبر وثمرة هذا الأمر المهم ... . ونطلب منكم لما ترفع هذا الأمر للحضرة الشريفة تجاوبنا بما اقتضى نظره في ذلك ... . فترجمان هذا اللكاصيون في الأمور السرية مستر هارون امنسور يصحب مع مستر سميد المذكور ... . وحيث سمعنا بأن قصدك ترجع للحضرة الشريفة نريد نجدد لك كتابة ما به طابت نفسنا وفرحت له من كونك عينك السلطان لفصال أمور الحسابات فنحن محققون بنصيحتك في الخدمة الشريفة لكمال عقلك وثمرة تدبيرك.

والحمد لله الذى تفاصلت الأمور في شأن الحسابات بالجد والحق كما مراد الجانبين، فالحمد لله على ذلك حيث لم يبق تعليق في الحسابات الذى كان يحصل الغيار لأهله ولدولتنا أيضًا والسلام في 20 مارص عام 1881 موافق 19 ربيع الثانى عام 1298. جان هى در منض هى". ونص ما كتبه الوزير الأكبر الجامعى للزبيدى فيما كان يدور من الكلام في أمر السكة مع نائب سفير فرنسا: "محبنا الأرضى الأمين السيد الحاج محمد الزبدى، سلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله. وبعد: فأمر السكة الذى كان يدور بيننا وبين نائب باشدور الفرنصيص، كنا بصدد المفاوضة فيه في عشية اليوم، فإذا بك حيث لم تطلع لدار المخزن لم نتبعك بالتوجيه عليك ودفعنا الظهير الذى يطلبه النائب للكبانية في ذلك والزمام الراجع لها لسيدى مأمون، وشافهناه بما ينهيه إليك في ذلك فنحبك بارك الله فيك أن تتقصى الأمر في ذلك وتمعن النظر في أحوال ذلك، وما ينبنى عليه حالا ومآلا، فإن أمكنك الطلوع بكرة غد في الخامسة ونصف ومعك ما نشفى به الغليل في ذلك فهو المراد، وإلا فوجه ذلك في الوقت المذكور لدار المخزن ليدنا ولابد بارك الله فيك، وعلى المحبة والسلام 24 جمادى الأولى عام 1298 وذلك عن أمر مولانا نصره الله. محمد بن العربى خار الله له". ونص الكتاب السرى الذى وجهه سفير الإنجليز للزبيدى فيما بلغه من ضرب السكة النحاسية بفرنسا مع أولوية بلاده بالقيام بذلك وما وصله من خرق الترجمان الفرنسى لمعاهدة مدريد ببيعه الحماية ليهود مكناس:

"خديم الحضرة الشريفة الفقيه المحب الأمين النبيه الرضى السيد الحاج محمد الزبدى، إنا نسأل عنك غاية ومحبة أن تكون بخير وعافية مع السلام التام. وبعد: فقد أُخبرنا بوجه السر أن ترجمان الفرنصيص الذى هو الآن بالحضرة الشريفة خاطب بأن يسلف من جهة دولة الفرنصيص عددًا من المال ليجعل بها سكة النحاس بافرانصة، لكن السلطان لم يقبل ذلك ... ... ، فإذا السلطان أيده الله يفعل ما كنا أشرنا به في سكة النحاس فمنسطر الفرنصيص أو الترجمان أشاروا بذلك، فجوابهما قريب، وهو أننا كنا أشرنا بهذا هذه مدة سنين، وحتى إن ذلك كان منا للسلطان المقدس وجددناه للسلطان مولاى الحسن مدة كنا بالحضرة الشريفة هذه مدة من عام فعليها نحن الأولى بذلك ... . . الظاهر لنا أن هذه الإشارة ليس هى من جهة دولة الفرنصيص، وإنما هى من كبانية للفرنصيص الذين يريدوا يسلفوا المال لكى يربحوا في هذه الفدلكة ... فالكبانية الانجليزية التزموا أن يجعلوا مثل ذلك للسلطان ... ... فحتى الفرنصيصى بمرسيلية مستر اسميط يجعل له القوالب لذلك كما تجدوه في ذلك الكناش الصغير، ويجعلوه أرخص وأرفق من إِيالات أُخر ... . . بحيث نحن تكتبوا لك هذا الكتاب سرا نريد نزيدوا لكم لإعلام السلطان أنه وصل خبر هنا أن ترجمان الفرنصيص سائر يبيع الحمية ليهود مكناس، فإذا فعل ذلك فهو خرق للشرط السادس عشر من شروط مدريد الذى نصحب لكم نسخة منه. فاذكر للسلطان أيده يجعل جهده ليفضح هؤلاء الناس الذين يطلبون الحمية ويحضرهم لدى العامل وقت خروج الترجمان الفرنصيص من هناك وحين يذكروا أنهم حمية الفرنصيصى يسألوا عن السبب الحامل لهم لذلك، وحين يستظهروا بالكواغض فإن وجدوا تاريخ ذلك بعد الاتفاق بمدريد في شهر يوليور من السنة الماضية، فتحاز منهم ويوجهوا بها للفقيه السيد محمد بركاش مع شكاية من ذلك

الفعل، نعم إلا إذا كانوا سماسير معينين من التجار ... فهؤلاء الناس ح لا تكن لهم عقوبة ولا ضرر إلى فصال القضية ... فإذا هذا الترجمان الفرنصيص أعطى كواغيض الحمية فهو قد خرق الشروط ويستوجب العزل من دولة الفرنصيص بأن تصدر الشكاية به، فلابد أن السيد محمد بركاش أن توجد منه زعامة ليفضح هذا ويورى ويظهر هذه الكواغض للغير ... فالناس الذين بيدهم هذه الكواغض لابد أن يلحقهم لا تهديد ولا ضرر قط ... فقد سمعنا أن الترجمان الفرنصيص ذكر بأنه محب على وجه السر لدى البرزذنت ولغيره من كبار الفرنصيص فهذا هذيان وإفك، نعم إنما هو قائد بزمام المنسطر الفرنصيص فعليها يستطيع أن يفعل ما يريد ... فهذا الكتاب لا نحبه يقع بيد أحد إلا بيد السلطان أيده الله ... فيمكن أن هذا الخبر الذى وصلنا أنه غير صحيح لكن على كل حال ظهر لنا أن نعلم به السلطان على وجه السر ... بقى إلى الآن لم يرد شئ من مال السلف، فمن اليوم إلى ما أقل من شهرين يحل دفع ستة أشهر فليترك هذا التغافل وهذا عدم القانون في أداء المال المذكور والسلام في 26 إبريل عام 1881 موافق 26 عام 1298. جان هى در منض هى". "استدراك إذَن هذه كواغيض الحماية المعطاة من الترجمان اكار تاريخهم بعد شروط مدريد فح يوجه منها نسخ للفقيه السيد محمد باركاش والأصل يبقى تحت أيديهم، أى تحت يد دار المخزن والنسخ يطلع بها المنسطر الفرنصيص لأنه إذا مزقت النسخ يبقى الأصل تحت الأيدى شاهد والسلام. هى".

ونص ما كتبه السفير المذكور للأمين المتقدم الذكر ليبلغه الحضرة السلطانية سرا فيما بلغه من عدم مساعدتها فيما أراده هو من ضرب السكة النحاسية بإنجلترا: "حضرة المحب الفاضل المبجل الأمين الرضى السيد الحاج محمد الزبدى رعاك الله وسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وبعد: فوقت رجوعنا إلى طنجة منذ أيام قلائل القونص مستر وايط طالعنى بكتابكم المؤرخ بـ 8 من ج 2 ذاكرا لنا أن السلطان لم يساعد لما أشرنا به من جعل سكة النحاس في بلادنا عوض الفلوس الزائفة التي من معدن ردئ، والسلطان أيده الله أمر ترجمان الفرنصيص بمقتضى مطلوبه ليجعل عشرين مليونا فرنك سكة فضة ولم يساعد إيده الله الترجمان المذكور في أربعين مليونا فرنك من سكة الذهب والفضة والنحاس. فقد عز بى حيث سمعت أن السلطان لم يساعد لما أشرنا به من جعل سكة النحاس في بلادنا عوضا عن سكة النحاس الزائفة الحاضرة اليوم هنا إما أولا بعد ما يصنع العدد الكثير منها من معدن فيذوب مثل ما يصنع لدى المخزن، فدائما يزورون ذلك ويتورث منه صعود الصرف والضرر لبيت المال والتجارة ولجميع خلق الله ... فلا نحتاج نجدد ونقول في هذا الكتاب النفع الشهير الثابت الذى يكون للسلطان كما سبق منا لك، وهو عدد كثير من الفضل لبيت المال حين يتمم الأمر. وهذه السكة الفاسدة يجمعها ويبيعها وأرباب فبريكة سكة النحاس يجعلون الفلوس لبلادنا وللطليان ولعدد دول أُخر هذه مدة سنين معددة بدون شكاية من أحد لا من حيثية المعدن ولا من السكة كما يقع عند الغير، والسلطان يكون مطمئن البال أن لا يصدر ضرر له من هذا، وأيضًا ذكرنا لسيادته إذا لم يكن عنده

مال موجود يعطيه على هذه السكة، فيأخذ سلفا بوجه مناسب من عند أرباب السلف ... راج على ما ذكر لمنفعة السلطان ورعيته أن سيادته يجدد التأمل ويرجع عما قال أولا، ولا يعز بالفرنصيص ذاك حيث أننا كنا أشرنا بذلك قبل منهم هذه سنين ... وفى شأن سكة الفضة فلم نكن أشرنا بها قط حيث سكة الفرنصيص والصبنيول هما رائجان في هذه الإِيالة بكثرة، حيث كنا ظننا أن لا وجود في بيت المال عدد ليخلص عن هذه السكة الجديدة، وإذا وقع سلف كثير فيتورث منه مصاريف كبيرة ويصدر منه الضرر أيضًا، ويجعل السلطان ودولته في منزلة صعبة إن لم توف شروط الدفع في وقته ... فلو كان في بين المال عشرون مليونا وهذه سكة الفضة تكون صافية جيدة مثل ما عند الفرنصيص والصبنيول يكن لنا الغرض ننظر مثل السكة القديمة في هذه السكة المذكورة مثل ما عمل ذلك في بر الترك وفى إيالات أُخر، فحينئذ يصدر الضرر الكثير في منفعة لسلطان وللتجارة، نعم يتمول من يعمل ذلك ومن أكد على السلطان بقبوله. والسلطان أيده الله ح يجعل نفسه غريما لأحد الدول بدون احتياج والظاهر لنا أن ذلك ليس على وجه الأدب، حيث يستطاع منه مطاليب عن ساق الجد والدخول الذى يصدر منه المحاكمة والمشاحنة ... فتقدر تطلع بهذا السلطان أيده الله بوجه السر وتذكر أن هذا الرأى صدر من محب صدوق بدون طمع ... هأنا نكتب لك بهذا ولا للوزير ولا للسيد محمد بركاش، حيث إن سيادة السلطان أمرك بالكتابة لنا في أمر السكة والسلام في 14 يوليوز عام 1881 موافق 16 شعبان، الأبرك عام 1298. جان هى درمنض هى".

ونص ما كتبه الوزير الجامعى للزبيدى جوابا عن كتابه إليه في شأن ما دار بينه وبين فرنسا من الكلام في أمر السكة: "محبنا الأعز الأرضى وأمين سيدنا الأعز المرتضى الخير البركة السيد الحاج محمد الزبدى، رعاك الله وسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله. وبعد: وافانا كتابك في الرابع والعشرين من شهر تاريخه في شأن ما يطلبه أصحاب كنطردة السكة على التعطيل وبنفس وصوله أطلعنا به شريف علم مولانا نصره الله، وعلم دام علاه ما شرحته فيه مما دار بينك وبين باشدور الفرنصيص في ذلك وما حاججته به حتى قال لك وهل المشاهرات الست موجودة عندكم، فأجبته بأن أربعا منها هناك حاضرة وباقيها في الأثر، فقال: وهل تدفعون المشاهرات التي بعدها كل شهر؟ فأجبته بأنها موجودة بما تساويه الفضة وفق شرط الكنطردة. كما علم أعزه ما ذكرته من أن الأمر لا يتم إلا بخير بحول الله مع التعجيل بالمشاهرتين من مكناس وبالسكة الناقصة الوزن بأثرهما لتنقطع حججهم، ولا يبقى لهم ما يقولون، وسر نصره الله بذلك واستبشر وعلم أنه نبه لهذا الأمر عمر وقال نصره الله ما نصه: لا شك أنه مفتاح خير، وفيك نظرة سيدنا جده وسيدنا والده قدسمهما الله، ودعا لك أيده الله بخير تقبل الله من سيادته آمين. وأمر دام علاه بأن تزيد في سياستك وتلطفك حتى تفاصل معهم مدة التعطيل الثانى على نسبه العشرة آلاف ريال التي كان وقع الفصال بها معهم على يد السيد محمد بركاش في مدة التعطيل الأول التي قدرها سبعة أشهر أو بخمسة في المائة، وهى غاية ما يكون لي إن لم يقبلوا ذلك. وأما المشاهرات فقد وجهت ثلاث من مكناس ولا تكون اليوم إلا وصلت لطنجة وكذلك السكة الناقصة الوزن صدر الأمر الشريف بتفسيرها لطنجة ولا تكون إلا سافرت اليوم وعلى المحبة والسلام في 29 صفر عام 1301. محمد بن العربى بن المختار خار الله له".

وألحق بطرته "وما أشرت به في شأن لأخ ولدك البار علمناه فكلامك مقبول والاعتناء به من الأمور الواجبة علينا وطبعا ومن جهتك بالخصوص وبالاستحقاق من وجه الله صح". ولما أراد إبراز هذه السكة الجديدة للناس للتعامل بها وجه بأمثلة منها أولا لأبواب السادة الكرام حسبما ينبئ عن ذلك هذا الظهير المولوى المختوم بالختم الكبير، الذى بعثه لأمناء ثغر آسفى للحضور مع عاملها عند وضعه ذلك بضريح الشيخ أبى محمد صالح: "خدامنا الأرضين أمناء مرسى آسفى حرسها الله، وفقكم الله، وسلام ورحمة الله. وبعد: فقد شرح الله صدرنا لنشر أعلام السكة الجديدة الميمونة ذات الصفة المحمودة الشرعية المسنونة والإذن بالصفق بها بإيمان المتاجر وتعمير الأسواق الرابحة بها، بحول الله في الأضاحى والهواجر، وقاد الإلهام الإلهى إلى إيداعها بالزوايا العظام والأسفار بغرتها أول ما تطلع بسماء أبواب السادات الكرام، ومنهم: الولى الصالح ذو الضريح الأنور النافح سيدى أبى محمد صالح. وعليه فقد وجهنا للعامل 50 خمسين ريالا منها على التفصيل الذى يذكر فمن الريال الصحيح ثلاثة عشر، ومن أنصافه ثلاث ريالات ونصف ريال، ومن أرباعه عشر ريالات وربع، ومن دراهمه عشر ريالات وربع ريال أيضًا، ومن أنصاف الدرهم ثلاثة عشر ريالا. وقد أمرناه بأن يضعها بربيعة السيد المذكور بيده ويدكم بمحضر عدلين فلتحضروا معه على ذلك، ثم تفرق على أولاد السيد المذكور وعلى سائر أرباب الوظائف وكل من له نفحة من هاتيك العوارف كالإمام والمؤذن والحزابة والذكارة

والمصلين على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكل من له قيام بوظيف، أو له عمل عائد نفعه على ذلك المقام الأنور المنيف، والله سبحانه يسعد بها الرعية، ويبلغ بها الأمنية، ويجعلها من الكسب الطيب والعمل المتقبل الرائح والمتجر الرابح والسلام في 24 ربيع الثانى عام 1302". وقد وقفت على كنطردة تتعلق بالسكة الفضية المذكورة إليك نصها: "الحمد لله، بيان وإلحاق بكنطردة السكة الفضية الشرعية المعقودة على يد باشدور الفرنصيص يوم الاثنين الحادى عشر رمضان المعظم عام 1308 الموافق 20 من إبريل الفرنجى سنة 1891: قد وقع الوفق على أن ما يخرج من الزيادة والنقصان فيما يضرب من السكة الفضية الشرعية بدار سكة مخزن الفرنصيص على يد التاجر قف الفرنصيصى، من حيث إن مساواة أعدادها في تحقيق الوزن لا تعقل يحصر في خمسة في الألف من أنصاف الريال وأرباعه، وفى سبعة في الألف من أعشار الريال، وفى عشرة في الألف من أنصاف أعشاره. فالمشاهرة إلى تدفع مضروبة من أنواع 4 السكة الشرعية أنصافا وأرباعا وأعشارا أو أنصاف أعشار وزنها كما بالعقد الواقع مع التاجر المذكور عليها على يد باشدور جنسية ثمانمائة وثلاثة وثلاثون كيلو وثلث الكيلو 3، 1، 833، وجب فيها من الريال الشرعى ثمانية وعشرون ألفا وستمائة وخمسة وعشرون ريالا 28625. فإذا كانت من الأنصاف وزاد عددها على ما ذكر فتقبل إلى أن تبلغ الزيادة فيها مائة وثلاثة وأربعين ريالا وثمن ريال 8/ 1431 بحسب نهاية الزيادة لخمسة في الألف، فإن زاد عدد المشاهرة على ذلك فترد ولا تقبل، وإن نقص عددها عما ذكر فتقبل أيضًا إلى أن يبلغ النقصان العدد المذكور فإن نقص أكثر فترد كذلك ولا تقبل.

وإذا كانت من الأرباع فتكون مثل الأنصاف في القبول زيادة أو نقصا. وإذا كانت من أعشار الريال وزاد عددها على ما ذكر أو نقص عنه فتقبل إلى أن يبلغ الزيد أو النقص مائتين ريالا وثلاثة أعشار الريال وثلاثة أرباع العشر 75، 3, 200 نهاية لزيادة أو نقص سبعة في الألف، فإذا كانت الزيادة أو النقصان أكثر من ذلك فترد مشاهرته ولا تقبل. وإذا كانت من أنصاف أعشار الريال وزاد عددها على ما ذكر أو نقص عنه فتقبل إلى أن يبلغ ذلك مائتين وستة وثمانين ريالا وربع ريال 4/ 2861 انتهاء للفرق في عشرة في الألف، فإن كان أكثر من ذلك زيادة أو نقصا فترد مشاهرته ولا تقبل. هذا والبدل مع ذلك كله لا يدفع إلا على مقتضى العدد الخارج في المشاهرة مطابقا لضابط الزيد والنقص أعلاه، زاد الخارج فيها على القدر المعين لها أعلاه أو نقص عنه. وافق على ذلك وسلمه الواضعان اسمهما عقب تاريخه الفقيه الوزير السيد محمد المفضل غريط نيابة الجانب العالى بالله والكبلير لويس خليفة باشدور الفرنصيص وختم بفاس في جمادى الأولى عام 1309". وكيفية ورود السكة الجديدة من طنجة إلى العواصم الداخلية أنه كانت تأتى السكة من باريز كل شهر بواسطة النائب السلطانى بطنجة والأمناء المكلفين فيها في صناديق منمرة مع ورقة تتضمن بيان موازينها بالكيلو والإكرام والإرشاد على الطارة والصافى وبيان أنواع السكة والتنبيه على اسم الشهر وتاريخ اليوم والسنة، وكل صندوق وما بداخله من ريال وأنصاف ريال وأرباع الريال وأعشار الريال وأنصاف أعشار الريال، ويكتب لأمناء القوس والمكلف المخزنى معهم كتاب ممضى من

النائب والأمناء المذكورين بطنجة بالبيان الشافى طبق الورقة المذكورة، واسم الحمار الحامل لتلك الكمية، ويعزز الحمار بنائب المكلفين المذكورين وأصحاب عامل طنجة إلى أن يصل كل لمحله وتسليم الصناديق للمكلفين بذلك، وهم عامل البلد أو الخليفة السلطانى والأمناء ثم يحمل للقوس المعد له ويحضر العدول والعامل بمفتاحه والأمناء بمفاتيحهم ووصيف الدار العالية بمفتاحه، ويفتحون القوس ويدخلون إليه المال ويقيد بشهادة العدول في كناش خاص معد لذلك. ثم بعد الإشهاد بذلك كما يجب يضع كل من أصحاب المفاتيح المذكورين خط يده بحضوره والمصادقة على الكمية، ثم يضع إمضاءه ويوضع ذلك الكناش بالقوس، ثم يغلقون ويتوجه كل بمفتاحه، ويجيبون نائب المكلفين بطنجة بالتوصل وعلى هذا كان العمل جاريا كل شهر، ولم يزل معمولا به إلى آخر نفس من الدولة العزيزية فبمكتبتنا عدة أوراق شاهدة لذلك وإليك نص أحدها بلفظه: "أدام الله بمنه مجادة سيدنا وخليفة مولانا الأسعد مولاى عرفة أمنك الله وسلام تام على سيادتك ورحمة الله عن خير سيدنا نصره الله. وبعد: يوصلك في حفظ الله صحبة الحمار المختار العلامى وأصحاب عامل طنجة ونائبنا سيدى أحمد بنيس مشاهرات السكة السعيدة الجديدة عن شهر تاريخه في تسعة وعشرين صندوق مشتملة على ثمانية وعشرين ألف ريال، وستة مائة وثمانية وعشرين ريال 2868 سكة ربع الريال الشرعى، وبطيه توافى سيادتك ورقة تتضمن بيان موازنها على العادة في ذلك وعلى خدمة سيدنا الشريفة طالبين من فضلكم صالح الدعاء والسلام قيده في 21 قعدة الحرام عام 1318. محمد بن العربى الطريس لطف الله به محمد بنيس لطف الله به محمد الزكارى لطف الله به

ونص ثانيها: "الحمد لله وحده بيان مشاهرات السكة السعيدة الجديدة عن شهر ذى القعدة الحرام سنة 1318 وهى سكة ربع الريال في تسعة وعشرين صندوق نمر 3454 إلى نمر 3482، قدرها ريال 26828 المتوجهة لخليفة سيدنا مولاى عرفة ولامين القوس السعيد صحبة الحمار سيدى المختار العلمى وأصحاب عامل طنجة ونائبنا سيدى الحاج أحمد بنيس بتاريخ 21 قعدة عام تاريخه. نمر صناديق ... كرام بط ... كيل بط ... كرام صافى ... كيل صافى ... ريال 3454 ... . . 77 ... ... . 33 ... . 90 ... ... ... . 29 ... ... . . 1000 3455 ... . 272 ... ... . 33 ... ... . . 84 ... ... . 29 ... ... ... 1000 3456 ... . 945 ... ... . 32 ... ... ... 75 ... ... . 29 ... ... . . 1000 3457 ... . . 822 ... ... . 32 ... ... . 87 ... ... . . 29 ... ... ... 1000 3458 ... ... . 160 ... . . 33 ... ... 87 ... ... ... 29 ... . 1000 3459 ... ... . . 872 ... . . 32 ... ... . . 80 ... ... . . 29 ... ... . 1000 3460 ... ... . 937 ... ... 32 ... ... ... 87 ... ... . . 29 ... ... . 1000 3461 ... ... . . 210 ... . . 33 ... ... . . 89 ... ... ... 29 ... . . 1000 3462 ... ... ... 172 ... . . 33 ... ... . 89 ... ... ... 29 ... ... ... . 1000 3463 ... ... . . 182 ... ... . 33 ... ... . 87 ... ... . . 29 ... ... ... 1000 3464 ... ... . . 985 ... . . 32 ... ... ... . 84 ... ... . 29 ... ... ... 1000 3465 ... . . 31 ... ... ... . 33 ... ... . 89 ... ... ... 29 ... ... ... . 1000 3466 ... ... . 72 ... ... . 33 ... ... ... 85 ... ... ... 29 ... ... ... 1000

3467 ... ... ... ... 975 ... ... ... 32 ... ... ... . 85 ... ... ... . . 29 ... ... ... . 1000 3468 ... ... ... . . 827 ... ... ... . 32 ... ... ... . . 80 ... ... ... 29 ... ... ... . 1000 3469 ... ... ... . 22 ... ... ... ... 33 ... ... ... ... 89 ... ... ... . 29 ... ... ... . 1000 3470 ... ... ... . 190 ... ... ... . . 33 ... ... ... . . 88 ... ... ... . . 29 ... ... ... . 1000 3471 ... ... ... . 985 ... ... ... . 32 ... ... ... ... 88 ... ... ... . . 29 ... ... ... . 1000 3472 ... ... ... . 965 ... ... ... . 32 ... ... ... . . 88 ... ... ... . . 29 ... ... ... . 1000 3473 ... ... ... . 223 ... ... ... . . 33 ... ... ... . 84 ... ... ... ... 29 ... ... ... . . 1000 3474 ... ... ... . 007 ... ... ... . 33 ... ... ... ... 75 ... ... ... 29 ... ... ... ... . . 1000 3475 ... ... ... . 852 ... ... ... . 32 ... ... ... . . 79 ... ... ... . . 29 ... ... ... ... . 1000 3476 ... ... ... 215 ... ... ... . . 33 ... ... ... ... 84 ... ... ... . . 29 ... ... ... ... 1000 3477 ... ... ... . 92 ... ... ... . . 33 ... ... ... ... 83 ... ... ... . . 29 ... ... ... ... . . 1000 3478 ... ... ... . 17 ... ... ... . . 33 ... ... ... ... 91 ... ... ... ... 29 ... ... ... ... . . 1000 3479 ... ... ... . 965 ... ... ... . 32 ... ... ... . 89 ... ... ... ... . 29 ... ... ... ... . . 1000 3480 ... ... ... . 252 ... ... ... . 33 ... ... ... . . 83 ... ... ... . . 29 ... ... ... ... ... . 1000 3481 ... ... ... . 274 ... ... ... 33 ... ... ... . . 90 ... ... ... ... . . 29 ... ... ... ... . 1000 3482 ... ... ... . 345 ... ... . . 22 ... ... ... ... . 264 ... ... ... . 18 ... ... ... ... . 628 ... ... ... . ... ... ... . ... ... ... . ... ... ... . ... ... ----. ... ... ---- ... . ... ... .. ---- ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 653 ... ... ... 832 ... ... ... ... 28628

والقوس المذكور عبارة عن بيت كبير يدخل فيه ما هو معد للصوائر اليومية والشهرية، أما بيوت الأموال فلا يخرج منها شئ، وإذا عمرت تغلق غلقا محكما وربما بنى على أبوابها، وللقوس مفاتيح أربع يكون أحدها عند الباشا، والثانى عند أمين العتبة وآخر عند أمناء الصائر وآخر عند كبير عبيد الدار، ولا يخرج منه شئ إلا بمحضرهم أو من يقوم مقامهم ومحضر الشهود، ثم يشهدون على ذلك في كناش أعد لذلك، وبخزانتنا كناش قوس مكناس ذكر فيه ما يخرج منه وما يدخل له من المال من 27 جمادى الآخرة 1305 إلى 14 حجة الحرام 1327، ومما يصرف فيه الخارج منه الصائر السعيد والبناءات السلطانية والصلات والإعانات وشراء الأملاك التي تحاز لجانب المخزن، وشعير العلف، ومنه ما كان يبعث لبيت مال فاس. وأما الداخل إليه فكان مما يبعثه أمين الداخل الحاج على بن الحاج من الصناديق المكتوب عليها عدد ما فيها أو مما يأتى من بيت مال فاس أو من قوسها أو مما يجتمع في غلة الأجنة السعيدة أو مما حيز من بعض الأفراد في العهد العزيزى، كالقائد ابن العلام والوزير أحمد بن موسى، وإليك أمثلة مما بذلك الكناش ونص أوله: "بمحضر شهيديه لطف الله بهما ومن يضع اسمه عقب تاريخه من الأمناء وغيرهم أخرج من القوس السعيد ستة آلاف ريال وخمسمائة ريال عين عنها يجب بحسب 8/ 81 ريال 8000 وحازها معاينة أمين الربيعة السعيدة السيد الطاهر التازى بقصد الصائر السعيد عرف قدره وبأتمه وعرفه، وفى التاريخ أعلاه عبيد ربه تعالى فلان وفلان. المهدى بن عبد الرحمن الحلو وفقه الله. بناصر بن محمد وفقه الله. محمد بن بوعز بن العربى لطف الله به. وصيف المقام العالى بالله حم بن الجيلالى وفقه الله.

ونص آخر: "بمحضر شهيديه لطف الله بهما ومن يضع اسمه عقب تاريخه أدخل للقوس السعيد على يد الأمين السيد الحاج على بن الحاج التطوانى ما يذكر: صناديق 43 بها ريال بحسب ألفى ريال في الصندوق ... ... ... ... 86000 صناديق 13 بها درهم جديد بحسب 5000 سوم 8/ 81 يجب ريال 20000 صناديق 7. بها درهم قديم بحسب 5000 سوم 8/ 81 يجب ريال ... 10769 صندوق 1 به ريال 2000 درهم قديم ... ... ... ... ... ... ... 2000. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ---- ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 118,769 الجميع مائة ألف ريال وثمانية عشر ألف ريال وسبعمائة ريال وتسعة وستون ريالا وربع ريال في أربعة وستين صندوقا على شدها، من غير فتح ولا عد مرقوم على كل صندوق اسم الأمين المذكور، والعدد الذى فيه بخط يده عرف قدره وبأكمله وعرفه في رابع عشرى شعبان الأبرك عام خمسة وثلاثمائة وألف عبيد ربه تعالى فلان وفلان بناصر بن محمد. محمد بن بوعز بن العربى لطف الله به. نائب الوصيف بنعيسى لطف الله به. الحاج قاسم الديورى لطف الله به". ونص ثالث: "بمحضر شهيديه أمنهما الله بمنه ومن يضع اسمه عقب تاريخه أخرج من القوس السعيد مائة صندوق وثلاثة عشر صندوقا منها اثنان وثمانون

صندوقا بها ريال عين يجب ... ... ... ... ... ... 159520 وسبعة صناديق بها ريال عين فرنصيص ... ... ... 13200 وصندوق واحد به ذهب يجب ريال ... ... ... . 26618 وصناديق 23 من سكة الدرهم القديم يجب ريال ... 41960 ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ---- ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 241298 اجتمع من ذلك مائتا ألف ريال بالتثنية وواحد وأربعون ألف ريال ومائتا ريال بالتثنية وثمانية وتسعون ريالا ونصف ريال وحاز الجميع الأمين السيد الحاج على بن الحاج التطوانى، وقائد الرحى القائد أحمد بن المكى الشرقى بقصد التوجه بها لبيت المال عمره الله بفاس، وعرفا قدره وبأتمه، وعرفهما في 26 محرم عام 1306 عبد ربه محمد ... وعبيد ربه محمد المنونى ... بناصر بن محمد وفقه الله. نائب الوصيف حم بن الجيلانى لطف الله به، ج قاسم الديورى لطف الله به، محمد بن بوعزة بن العربى لطف الله به". ونص رابع: "بمحضر شهيديه أمنهما الله بمنه ومن يضع اسمه عقب تاريخه ادخل للقوس السعيد خمسة آلاف ريال فحسب 8/ 81 الواردة من القوس السعيد بفاس بقصد شراء الشعير للعلف وقيد في تاسع عشر حجة الحرام عام ثمانية بميم وثلاثمائة وألف عبيد ربه محمد ... وعبيد ربه محمد المنونى. ابن عبد الرحمن التراب لطف الله به، ج قاسم الديورى لطف الله به، محمد بن بوعزة بن العربى لطف الله به، بناصر بن محمد وفقه الله.

اهتمامه بالمعادن وخوضه فيها

ونص خامس: "بمحضر شهيديه لطف الله بهما ومن يضع اسمه عقب تاريخه أخرج عن القوس السعيد ستة عشرة ألف مثقال وستمائة مثقال وثمانية وتسعون مثقالا وأوقية، وحازها معاينة الأمين الناظر الأرشد السيد الحاج محمد بن الطالب المرحوم السيد عمرو الصنهاجى من المدرك الذى له على صائر البناءات السعيدة عن شهر صفر المتصل الفروط وقدره سبعة عشر ألف مثقال وخمسمائة مثقال وثلاثة وثمانون مثقالا وثلاث موزونات: 175830، يبقى مدركا له ثمانمائة مثقال وثلاثة وثمانون مثقالا وخمسون أوقية عدى موزونة: 88490، إلى أن يستوفيها من الجانب العالى بالله لكون القوس السعيد لم يبق فيه شئ من مال البناء عرف قدره وأشهد به بأتمه وعرفه في التاريخ أعلاه ... وعبيد ربه محمد ... ومحمد بن عمرو الصنهاجى أمنه الله بمنه. بناصر بن محمد وفقه الله. محمد بن بوعزة بن العربى لطف الله به. قاسم الديورى لطف الله به". اهتمامه بالمعادن وخوضه فيها يدل على ذلك ما كتبه لنائبه السلطانى بطنجة في شأن قدوم المهندس سيليه الانجليزى لاختبار بعض المعادن بقرب مراكش ونصه: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: فقد دعت الحاجة لقدوم المهندس سيليه الإنجليزى الواقف على بناء أبراج طنجة لحضرتنا العالية بالله بحرا على طريق الجديدة بقصد اختيار بعض المعادن بقرب مراكش، وقد كتب لنائبهم هناك في شأن قدومه على شرط أن يساعد عليه وأحلناه في توجيهه عليك وأعلمناه بأن أمور سفره منفذة له على يدك، وأمرنا خدامنا أمناء مرسى طنجة بإركابه للجديدة وأمناء الجديدة بإنزاله

والقيام بمئونته التي يمان بها أمثاله مدة استراحته وتوجيهه وعاملها بتمكينه من فرس بسرجه جيدين لركوبه. ومكاتيبنا الشريفة لهم بذلك تصلك فإن ظهر لكم توجيهه فادفعها لهم، وإلا فردها لحضرتنا الشريفة وإذا توجه وكان لابد من إبقاء نائب عنه هناك في مقابلة البناء المذكور فأمر الزبير سكيرج بالإتيان من الدار البيضاء لطنجة للنيابة عنه في ذلك في 24 قعدة الحرام عام 1299". ونص ما أصدره للنائب المذكور في المعدن الذى عثر عليه بانجرة: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: وصل جوابك بأن القبطان وزن النجليزى عثر على معدن في قبيلة آنجرة بين طنجة وتطوان، وذكر أنه على مسافة نحو خمس ساعات من طريق تطوان ونحو إحدى عشرة ساعة من طنجة، ودار بينك وبينه وبين الباشدور ما شرحته، ولما رأيت غاية الأمر إنما هو بيع تراب ووسقه من إحدى المراسى ظهر لك أن ذلك لا بأس فيه، فطالبتهم بجعل ابلانات متعددة ليدفع لكل واحد من النواب مثال منها، وحيث وصلت للرباط كتب لك الباشدور مخبرا بأنهم يسروا المثالات المذكورة وألح عليك في الكتابة للنواب في ذلك حسبما في كتابه الذى وجهت بطى غير هذا فكتبت لهم بإشهار ما ذكر على مقتضى ما أشرنا به, وجعلت لذلك الشروط المبينة في النسخة من كتابك لهم التي وجهت، وصار بالبال، فقد وصلت وسلمت والعمل على ما باشرته مع النواب في ذلك وعلى الشروط المذكورة، نعم إن ظهر لك أن تزيد فيها أن يكون دفع الواجب المشترى به مشاهرة كل شهر يحوز المخزن من المشترين وجيبته بمجرد انسلاخه زيادة على ما يدفعونه تسبيقا يحسب

لهم من واجب آخر المدة حسبما أشرت بذلك في الفصل السابع مما كتبت به للنواب فهو الأولى والسلام في 5 ربيع الثانى عام 1302". ونص ما كتبه الوزير الجامعى للأمين الزبيدى في المعدن الصالح لصنع الصوانى والبراريد: "محبنا الأرضى وخديم مولانا الأمين السيد الحاج محمد الزبدى سلام عليك ورحمة الله، عن خير مولانا المنصور بالله. وبعد: فقد وصل كتابك في شأن المعدن الذى يصلح لصنع الصوانى والبراريد وعرفنا ما شرحته من أمر من ورد لاشتراء قدر منه وما دار بينك وبينه في ذلك إلى أن حصل الوفاق على ما بينت إلى آخر ما ذكرته، وأطلعنا به علم مولانا وصار بباله الشريف، إلا أنه كان من حقك أن تبين القبيلة وعاملها والمحل الذى هو فيه من سهل أو جبل، وهل أهله تنالهم الأحكام أم لا إلى غير ذلك من الأمور التي لابد منها. ومع ذلك فلم يستحسن سيدنا أيده الله ذلك قائلا ما دام أمر معدن الفحم الذى الكلام فيه هذه مدة من ثلاث سنين لم يصف فلا يحسن الكلام في غيره، نعم إن تم كلامه وشرع في خدمته فحينئذ ينظر في أمر هذا المعدن. وأما الفصول التي جعلتها مع من ذكرت فكلها لا بأس بها، وفيها نفع لبيت المال، وذلك دليل على رجاحة عقلك، ومبالغة نصحك وعلى المحبة والسلام في فاتح جمادى الأولى عام 1301. محمد بن العربى بن المختار خار الله له". ومما كتبه العلامة اكنسوس للحاجب أبى عمران موسى بن أحمد في هذا الموضوع:

"الأخ الفاضل الناسك المرابط الفقيه. الذى يحفظه الله ويقيه. وزير الحضرة العالية وحاجبها. وقهرمانها الأكبر وكاتبها، أبو عمران سيدى موسى بن أحمد، سلام عليك ورحمة الله وبركاته بوجود مولانا نصره الله، وأدام عزه وعلاه. وبعد: فقد بلغنا كتابك الأعز المتضمن لأمر مولانا المنصور بالله بتصفح الكتاب الموضوع في شأن المعادن وما يناسبها، وقد تصفحت الكتاب المذكور من أوله لأخره فلا شك أنه من الذخائر والنفائس الملوكلية لا ينبغى أن لا تخلو منها الخزائن السلطانية التي تعدها عظماء السلاطين، لا سيما العلماء منهم والأساطين، لأنها لابد أن يوجد فيها ما ينتفع به في الجملة، ولكن كنت أظن أنه قد بين فيه ما يتوقف عليه الأمر من بيان كيفية استخلاص المعادن من مقارها والذي لابد منه في ذلك من الآلات والعقاقير والتناكير التي تسيل القاسى منها وما يخرج متعاصيا عن السبك والذوبان، فإنها كثيرا ما تخرج كذلك فيظن أنها مجرد تراب فيزهد فيها كما ذكر ذلك من جربه، مع أنها إنما تحتاج إلى تنكار أو عقار مخصوص فتجيب إلى ما يراد منها من الانسباك والانتفاع بها في الأعمال الضروريات على السبيل الأسهل دون مشقة كثيرة، ولا كبير عمل، هذا هو المطلوب الأهم. وأما كون الحديد أو النحاس مثلا تكون منه سبائك وشبابك وأوانى كذا وثمنه كذا ويوجد في البلاد الفلانية كثيرا والخارج المستفاد المحصل منه في كل عام كذا ونحو ذلك من هذه الأخبار فلا فائدة فيه ولا كبير جدوى، وهذا هو القدر الذى عليه مدار هذا الكتاب، على أنه لو ذكر ما هو الأهم الذى أشرنا إليه فإنه لابد من حضور شخص عارف قد باشر تلك الأمور بيده، فتؤخذ منه الكيفية كفاحا عيانا، وأما العلم المجرد عن العمل فإنه لا يفيد قلامة ظفر كما قال الإمام ابن رشد الحفيد رحمه الله: العلم في الرأس وفى العينين ... لكن تبقى صنعة اليدين

سعيه لإدخال الفنون العصرية للمملكة المغربية وإرساله وفود الطلبة للديار الأوربية

وأما ما ذكره هذا المؤلف في هذا الوضع من إصلاح المزارع والمغارس فالظاهر أن ذلك خاص بالبلاد الشديدة البرد الكثيرة الثلوج كالجزر المتوغلة في الشمال بدليل أن المعتمد عنده في ذلك هو التغبير بالجير والجبص والأملاح المستخرجة من أبوال الآدميين وغيرهم، ونحن إذا غبرنا موضع الحرث بالجير لا ينبت شيئًا بالمشاهدة والله أعلم، والله يديم لنا عز مولانا نصره الله ويبارك في عمره ويحفظ به نظام هذا الدين آمين والسلام. محمد بن أحمد اكنسوس لطف الله به". سعيه لإدخال الفنون العصرية للمملكة المغربية وإرساله وفود الطلبة للديار الأوربية ولم تقف همة المترجم عند هذا الحد، بل فإنه لما نظر إلى الأمم الراقية وما أفادها العلم الرياضى والطبيعى من القوة والسلطان والشفوف على الأقران في معترك الحياة، أراد أن يزج ببلاده في ذلك الميدان الواسع، فعضد إرسالية الشبان المتخرجين من مدرسة والده وتوجهوا لعواصم أوربا لتتميم دروسهم، فعين لكل فريق رجلا من أهل الدين والعلم لمرافقتهم وصيانتهم، وأجرى عليهم النفقات الكافية. ولما زاولوا دروسهم وملئوا بكل نافع حقائبهم يمموا بلادهم ليبثوا فيها ما ينفع مستقبلهم، فلم يعدموا معاكسا وقف في سبيلهم، وحرم البلاد والعباد وما كان يرجى من فوائد معارفهم بفتح المدارس وسلوك هذا السبيل كما سلكه أهل اليابان، لذلك العهد الذين رافقوهم في دروسهم، فكانت النتيجة أن تقدم اليابنيون وتأخرنا ولله في خلقه شئون. ففى سنة 1291 انتخب خمسة عشر من الطلبة لتهذيبهم وتدريبهم وتعليمهم ما يستطيعون به خدمة أمتهم ودولتهم، ووجه جميعهم لثغر طنجة تحت رياسة

كبيرهم السيد محمد الجباص الذى صار بعد ذلك وزيرا صدرا، فأخذوا بها مبادئ الحساب واللغات الإفرنجية، وأقاموا فيها ثلاث سنين وفى سنة 93 توجهوا على نفقة المخزن لأروبا لإكمال دروسهم متفرقين في مدارس انجلترا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا لكل واحدة منهن بعثة تشتمل على طلبة ثلاثة: ف المتوجهون لإنجلترا هم الجباص المذكور، والسيد الزبير سكيرج مدير الأملاك المخزنية بتطوان حالا، والحاج إدريس بن عبد الواحد الشاوى أحد كبار الطبجية ذهبوا لتلقى متنوع العلوم في صف ضباط الإنجليز بمدرسة (شاطم) وهى مدينة هناك تبنى بها المدرعات الحربية، فأقاموا فيها ثلاث سنوات حصلوا أثناءها على الإجارة في الفنون التي أتقنوها، وبعد مثولهم بين يدى الملكة فكتوريا قفلوا راجعين للحضرة الشريفة سنة 96 وفيها توجه سكيرج المذكور مع الوفد الغربى لمؤتمر مدريد. والمتوجهون لفرنسا هم السيد محمد بن الكعاب الأودى، والسيد قاسم الأودى، والسيد محمد بن الحاج الأودى. والمتوجهون ألمانيا هم السيد عبد السلام التولى، والسيد الميلودى الزيادى الرباطى، والسيد محمد النجار السلوى. والمتوجهون لإيطاليا هم السيد المختار الرغاى والسيد محمد بنانى الفاسى، والسيد عبد السلام عينوس الأودى. والمتوجهون لإسبانيا هم الحاج أحمد بن شقرون الفاسى، والسيد عبد السلام الفاسى لقبا الرباطى أصلا، والسيد محمد الشدادى الرباطى. وكل بعثة منهم رجعت للحضرة الشريفة بعد أخذها من لغة الأمة التي ذهبت للتعلم بمدارسها وتلقى الدروس الرياضية عندها وكان مكوثهم هناك نحو خمسة أعوام.

وفى سنة 1292 وجه لجبل طارق بعثة عسكرية تشتمل على خمس وعشرين من الجنود برياسة السيد على بن بله المراكشى فأقاموا هناك نحو السنة وتعلموا فيها من الفنون الحربية والحركات العسكرية ثم رجعوا للحضرة الشريفة. وفى سنة 1293 عين بعثة عسكرية أخرى للتوجه للجبل المذكور تتركب من خمس وثمانين من الطلبة سبعون من الجنود وعشرة من الطبجية وخمسة من أطباء الجيش، وهم: القائد الجيلالى بن التهامى الشرادى الزرارى قائد الشراردة كافة سابقا، ومولاى أحمد الزواق العلوى المراكشى، وإدريس بن المكى الشرادى، ومحمد المدعو حمان الجامعى، والجيلالى بن العربى البخارى فتعلم هؤلاء الأطباء الطب وأخذ الطبجية الفنون المدفعية وتلقى الجنود الحركات العسكرية وبقوا هناك نحو العام ثم رجعوا للحضرة الشريفة. وفى سنة 1294 أوفد بعصة عسكرية ثالثة لجبل طارق بها مائة سبعون من الجنود يرأسهم الحاج محمد الزروالى الفاسى تعلم فن المدفعية خمس وأربعون منهم، وأخذت بقيتهم الحركات الحربية وأقاموا هناك كالبعثتين الحربيتين قبلهم نحو السنة ثم يمموا الحضرة الشريفة. وفى سنة 1295 اتفق جمع حكومة إيطاليا على إرسال بعثة علمية تتركب من ثلاثة عشر من الطلبة من أبناء بعض المراسي للمدرسة الدولية بمدينة طورين بقصد تعلم اللسان والفنون العسكرية والملاحة فتوجهوا في شهر ربيع النبوى من السنة، ومكثوا هناك عاكفين على التعلم خمسة أعوام. وكان منهم من الرباط السيد أحمد الجبلى، والسيد محمد بن الحاج على بن طوجة، والسيد محمد بن سالم، والسيد محمد بن العياشى، والسيد محمد البهالى وكلهم أخذوا الفنون البحرية، إلا أولهم فإنه أخذ المدفعية. وكان منهم من سلا السيد الحسين الزعرى الذى صار بعد خليفة لباشا سلا ثم قائدا لزعير -أخذ علم السياسة، والسيد العربى حركات، والسيد عبد الله التيال، والسيد محمد بن حيمى، والسيد محمد بن إسماعيل، وكان منهم من العرايش السيد فضول بن صالح، والسيد مصطفى الأودى والسيد على السوسى.

ثم وجه بعثة حربية لفرنسا وبلجيكا فمكثت هناك سبع سنوات، أربع منها بفرنسا وثلاث ببلحيكا تخرجت فيها في صناعة الذخائر الحربية، ثم عادت للمغرب سنة 1305 فلحقت بالحضرة الشريفة برباط الفتح، وأتت معه مكناسة الزيتون وأقامت بها ستة أشهر ثم توجهت لفاس لتطبيق العلم على العمل. فدخلت للعمل في دار السلاح الآتى الكلام عليها، وكانت هذه البعثة تتركب من: الطاهر بن الحاج الأودى رئيس العملة بدار السلاح، ومعه من فاس محمد المنقرى رئيس قسم صناعة الزنادات بالدار، ومحمد بن على الحداد ومن مكناس عباس بن قاسم رئيس قسم صناعة الجعاب بالدار المذكورة، والمعلم أحمد ابن صالح وإدريس بن الحداد، ومحمد بن أحمد المدعو المشطون، والمعلم حمان، وبو سلهام بن حم، ومحمد بن العباس وكلهم نجحوا في علومهم واستخدموا بدار السلاح. وفى سنة 1301 وجه بعثة حربية تتركب من أربعة أفراد من طابور الحرابة إلى بلاد الألمان، ووجه معهم خديمه الحاج محمد بركاش نجل النائب السلطانى، وقد وقفت على الظهير السلطانى الصادر لسلطان الألمان في هذا المقصد الحميد دونك لفظه بعد البسملة والحوقلة والافتتاح: "إلى المحب الموقر المعظم، المحترم المفخم، الشهير الخطير ذى المآثر والمزايا والمفاخر، حامل راية السياسة، الحائز قصبات السبق في ميادين الرياسة. المميز بملاحظ الأثرة والاعتنا، المقصود بين السلاطين العظام بلسان الثنا. ملك الألمانية وسلطان البروص الأصعد الأزهر السلطان كليوم. أما بعد: فإن المحبة والصحبة والصداقة والثقة وحسن الظن والاعتقاد الجميل أوجبت توجيه أشخاص نجباء أخيار من هذه الإيالة لبلادكم الرفيعة المصونة، بقصد الزيادة في تنقيح ذكائهم، وتهذيب أخلاقهم بآداب السياسة العلانية، والمعلوم

العسكرية والطبجية، وما في معناهما التي فقتم بها وانفردتم بتحرير علومها وتدقيقها ومعرفتها على حقيقتها. وانتخبنا من يتوجهون معه، وهو خديمنا الأرضى الأنجد الحاج محمد بن خديمنا الأرضى الأنصح الأرشد الخير النائب محمد بركاش ونحن على يقين من أنكم تقابلونه بزائد القبول، وتبلغونه من الاعتناء والمبرة غاية المأمول، ويحظى من معه من المتعلمين المشار إليهم من جانبكم الرفيع بتمام القبول، والبرور والاعتناء حتى يحصلوا في أقرب مدة على المراد، كما ينبغى ويراد، ودمتم كما تحبون مخصوصين بمزيد الاعتبار، مهنئين بالمراد في الإيراد والإصدار، وحرر في 24 من المحرم فاتح 1302". ثم بعد ذلك بعث بعثة حربية أخرى لبلاد الألمان تتألف من عشرة من الجنود لأخذ ما عندهم هناك من الفنون الحربية وأقاموا ثم نحو العشرة أشهر ثم قدموا على الحضرة الشريفة. ومن الوثائق الرسمية والظهائر السلطانية في هذا الباب ما أصدره للنائب السلطانى في شأن الطلبة الذين كانوا بطنجة ثم توجهوا لأوربا ونصه: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: وصلنا كتابك بأنك اختبرت الطلبة الذين كانوا وجهوا لطنجة لتعلم اللسان والقلم فألفيت فيهم من لا يقبل التعليم أصلا وثقيل الفهم مع أجنبيته من التمدن وبينت كلا الفريقين بطرته ومن عداهم نجيب يحصل المراد منه في المستقبل، وطلبت إبدال من لا قابلية فيه بغيره، وزيادة نحو الخمسة على الاثنين المبدلين لما في زيادتهم من المصلحة التي ذكرت، ويكون الجميع من صغار أبناء

الحاضرة النجباء فقد أمرنا خديمنا الطالب عبد السلام السويسى بانتخاب سبعة من أبناء أهل الرباط على الوصف المذكور وتوجيههم على يدك للمحل المذكور والأمناء بأن ينفذوا لهم ما يتوقفون عليه لسفرهم، واللذان لا قابلية فيهما وجههما لحضرتنا العالية بالله والسلام في 20 محرم فاتح عام 1293". وما أصدره للنائب المذكور في شأن نفقة المتعلمين بفرنسا: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: وصلنا كتابك بأن نائب الفرنصيص طلب منك مشاهرة المتعلمين الذين بباريز عن تسعة أشهر وقدرها خمس عشرة مائة ريال وأربعة وستون ريالا، وطلبت تنفيذ ذلك له، وإصدار أمرنا الشريف للأمناء بدفع واجب كل ثلاثة أشهر في المستقبل، فقد أمرناهم بتنفيذ العدد المذكور له، وبأن يكونوا يدفعون واجب كل ثلاثة أشهر في المستقبل، وكتابنا الشريف لهم بذلك يصلك طيه والسلام في 7 رمضان عام 1297". وما أصدره له في العزم على بعث طلبة لتعلم الفنون البحرية: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وبعد: فقد اقتضى نظرنا الشريف تعيين أناس لتعليم ترايست والمكينة وعلم البحر وأن يفرقوا على نواب بابورات الإنجليز والفرنصيص والصبنيول والألمان والطليان، وعددهم ستة لكل جنس واثنان من الستة المذكورين يخصون بتعليم ترايست والمكينة بمدارس تعلم ذلك العلم عند كل جنس ممن ذكر، وأربعة لتعلم علم البحر وهم الذين يفرقون على نواب البابورات المذكورين ويكون صائرهم على

قيامه بصيانة حصون الثغور المغربية وجلب ما تحتاج إليه من المقومات الحربية واستخدام المتخرجين في الهندسة من البعثة المغربية

جانب المخزن، إذ المقصود هو تعلمهم وعليه فكلم نواب الأجناس المذكورين في ذلك وتفاوض معهم فيه، وأعلمنا بجوابهم لك فيه لنأمر بما يكون عليه العمل في ذلك وعجل ولابد والسلام في 10 رجب عام 1299" قيامه بصيانة حصون الثغور المغربية وجلب ما تحتاج إليه من المقومات الحربية واستخدام المتخرجين في الهندسة من البعثة المغربية وقد كان له اعتناء عظيم واهتمام كبير بتحصين الثغور وبناء أبراجها وإقامة معداتها، وجلب لذلك مهرة المهندسين من الأجانب ألمان وإنجليز وعين أخيرا بكل مرسى مهندسا لتفقد قوتها وبيان أحوالها، وأنفق على ذلك أموالا، ولم يأل جهدا في الاستعداد وأخذ الأهبة والاحتياط فاشترى لطنجة ستة من كبار المدافع العظام من معامل (ارم سطرونك) من بلاد الإنجليز وأمر بإصلاح أبراجها وبناء خزائنها المعدة للذخائر وتركيب مدافعها، وكلف بذلك المهندس الإنجليزى (ضولان) ثم (إدوارد سيلبه) ثم مساعده السيد الزبير سكيرج، وجلب لها ما تحتاج إليه من المقومات الحربية من بارود وكور وغير ذلك حسبما تشرحه لك الظهائر المولوية والرسائل الوزيرية الصادرة في هذا الموضوع. وإليك نص أحدها وهو ما كتبه الحاجب السلطانى للأمين الزبيدى في شأن تقرير المهندس الكبير الذى قدم من جبل طارق لتفقد حالة طنجة الحربية: "محبنا الأعز الأرضى الأمين الأجل المرتضى السيد الحاج محمد الزبيدى، رعاك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته بوجود مولانا نصره الله. وبعد: فقد وصلنا كتابك وعرفنا ما ذكرته في شأن المهندس الكبير الذى وجهه قائد جبل طارق من طوافه بأبراج طنجة كلها وبسورها، ونظره البناء الذى

فيه ورجوعه لجبل طارق ليبين ما تستحقه الأبراج من تجديد بناء أساسها، والمخارن لإقامتها وغير ذلك، وتوجيهه بعد ذلك تقييد ما ذكر الموجه تعريبه مع كتاب الباشادور، كما علمنا ما أشار به الباشادور من إجابته بما تضمنه التقييد الذى وجهت ليطالع به قائد جبل طارق والكرنيل المهندس، فقد أجبناه بما تضمنه وها الجواب يصلك، وقد وصل كتاب زوجة العباس امقشد وأطلعنا به المعلم الشريف فأمر سيدنا أيده الله بإحضار زمام متروكه وبحثنا عنه هنا فلم نعثر عليه، فإن كان على يدك فوجهه، وأما تعريب تقييد المهندس الكبير فقد أحاط سيدنا نصره الله علما بما فيه وأجبنا عنه الباشادور وعلى المحبة والسلام في 9 شعبان عام 1294. موسى بن أحمد لطف الله به" ونص الظهير الصادر للنائب السلطانى في شأن تعطيل العمل في الأبراج: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد أخبر باشادور الإنجليز أن الخدمة في إصلاح الأبراج هذه مدة وهى معطلة مع قرب ورود المدافع التي تهيأ لأجلها وقد كتبنا للأمناء وأمرناهم بالقيام على ساق الجد في أمرها وأن يجعلوها من الأكيد المهم، فلابد أكد عليهم في ذلك، وليكن عملهم في أمر الصائر عليها أن يكون كله بموافقة المهندس ضولان الإنجليزى الواقف على مباشرة إصلاحها وعلى يده، سواء في ذلك ثمن الإقامة وأجرة العملة ويقيد عنده في كناشه ذلك الصائر ويعطى نسخة منه للباشادور لينضبط ذلك على ما ينبغى، فقف معهم حتى يرتب ذلك على الوجه المذكور ولابد والسلام في 9 ربيع الأول عام 1296".

ونص آخر في جلب آلة جر المدافع: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وصلنا كتابك جوابا عما أمرناك به من جلب آلة جر المدافع الاثنى عشر المجلوبة على يد باشادور الفرنصيص، وذكرت أنك كلفته بذلك فأجاب بأنه يكتب بالسؤال عن ثمنها أولا لئلا تأتى بأغلى الثمن، ثم بعد ذلك يكتب عليها، وقد أحسن في ذلك وهو عين الصواب والسلام في 2 ربيع الثانى عام 1296". ونص آخر فيما يتعلق بالأبراج: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد أخبرنا باشدور الإنجليز أن الأمناء هناك يعاكسونه فيما يشير به عليهم من الصائر على الأبراج والأمور المهمة لورود المدافع المكلف بجلبها على يده، وبعد ما يكون عندهم من الوفر ما يصيرونه في ذلك يدافعونه بالأعذار الواهية، وإذا طلب منك الكلام معهم تعتذر له بعدم الإذن وعليه فنأمرك أن تكون تشد عضده عليهم فيما يشير به من الأمور الأكيدة في ذلك التي إن أخروها يتعذر تداركها أو تبنى عليها مفسدة في ذلك، ويجعلون بناء الأبراج والصائر على ما يتعلق بها من جملة الأمور المهمة التي يقدمونها كمئونة الطبجية والعسكرية والملازم التي لا مندوحة عنها ولابد والسلام في 4 ربيع الثانى عام 1296". ونص الظهير الصادر للزبيدى وفيه الكلام على المدافع والأبراج: "خديمنا الأرضى الأمين الحاج محمد الزبيدى، وفقك الله، سلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.

وبعد: وصل كتابك بالإعلام بأنك لما حللت ثغر طنجة تلاقيت بخديمنا الطالب محمد بركاش، وبعده مع باشدور النجليز، وتكلمتم في أمر حساب السلف وحساب المدافع والأبراج، وأنكم تفاوضتم في تقديم الأهم فالأهم، ووجدته حريصا على المبادرة بحساب السلف لكون مشاهرته حلت، وعزم على توجيه نائب أرباب السلف لأعمال الحساب معك فيه، وأنك أجبته بأن أول ما يقدم أعمال المحاسبة مع خديمنا بركاش في جميع ما وصله منه من المراسى وغيرها مرتبة على التواريخ، وحيث يصفوا معه يقع الحساب مع نائب أرباب السلف فساعد على ذلك وافترقتم، وأنك بعد ذلك شرعت فيه مع بركاش على ترتيب التاريخ والمقابلة وأنكم مجتهدون فيه، غير أن بركاش في بعض الأوقات لا يمكنه الوصول إليك لما يعرض له من الأشغال، كما أعلمت أن التسعة عشر ألف ريال التي هى من حساب المدافع وردت من الجديدة، إلا أنك أخرت بركاش عن دفعها للباشادور حتى تجدد معهم الحساب وتبحث في آلات المدافع كلها المقيدة عندكم من مكاتبهم وحساباتهم لتعرف ما وصل منها وما لم يصل، فالواصل يؤدى له ثمنه، وما لا فلا، وكذلك الإقامة المجلوبة للأبراج وصار الكل ببالنا الشريف. فأما ترتيبك للحساب مع من ذكر على التواريخ واجتهادكم فيه فذلك هو المراد منك، وقد أحسنت فيه أصلحك الله، وأما كون خديمنا بركاش تعرض له أشغال فهو معذور والله يعينه ويسدده، وأما ما فعلت من تأخير دفع المال الوارد من الجديدة للباشدور إلى أن تجدد الحساب معه فالعمل على ذلك سددك الله والسلام في 20 حجة الحرام خاتم 1297".

ونص ظهير آخر في الأبراج ومعداتها من بارود وكور: "خديمنا الأرضى الأمين الحاج محمد الزبدى، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وبعد: وصل كتابك أخبرت فيه بتوقفك في حساب السلف على ورود بعض حسابات اللندريز وأخذك في حساب ما يتعلق بالمدافع، ووجه لك باشدور النجليز نائبه وبيده حساب 2 ورد من أرباب الفبركة باللندريز مدركا على جانبنا العالى بالله فيه ابرات/: 789011 فعربتموه، فألفيتم فيه صوائر قدرها ابرات/ 143510 ليست عندك في الحساب منها ما ذكروه صار ومنها ما قدروه لما بقى عندهم هناك فطلبت منهم بيان ما ورد من آلات المدافع وما بقى منها فبينوه، فألفيت قدر ثمن الباقى هناك ابرات/: 1306، 11331، ومن هذا الباقى الكور والبارود وغيرهما حسبما في ورقة الحساب الذى وجهت لحضرتنا الشريفة. ثم بعد ذلك وجه لك الباشدور نائبه أيضا بحساب 3 ثمن الإقامة التي كانت وردت بقصد الأبراج من جبل طارق وغيره مضمن جميعها ريال 4010 كبير بزيادة الربح فحزته منه لتطالعه وتلاقيت مع الباشدور وتذاكرت معه في حساب اللندريز بما هو محسوب على جانبنا الشريف فيه ولم تأت، فأجاب بأن سبب تأخيره هو عدم محل نزوله وإن أردنا إنزال البارود بدار البارود والكور بأحد المخازن إلى أن يتهيأ محل نزول ذلك ويأتى فسكت عنه، ثم قال لك: هذه التسعة عشر ألف ريال التي وردت من الجديدة وهى تحت يد الأمناء يدفعون منها ثمن الإقامة المجلوبة للأبراج فإن أربابها يترددون في طلب ثمنها وطالت مدتها حتى حسبوا عليها ما ذكر، والباقى يبقى تحت يد الأمناء حتى يكمل عليه ما بقى لأرباب الفبركة.

فظهر لك أن ذلك هو الصواب فأجبته لدفعها، ووقع الكلام مع الأمناء بعد ما اعترفوا بوصولها وحازوا حساب أربابها ودفعوه وأثبتوه داخلا وخارجا في صائر الأبراج حسبما في الورقة التي وجهت ملخصا فيها صائر الأبراج كل شهر، وما صار فيه مع بيان زيادة السكة فيه من ابتداء الخدمة فيها إلى منسلخ الحجة الفارط متمم عام 97، كما وجهت أيضًا ورقة حساب المدافع بخط يدك على مقتضى الحساب الوارد من اللوندريز مبينا في وجه منها ما كان مقيدا عندك من مكاتيب الباشادور ونائبه وفى الوجه المقابل له نسخة من حساب اللوندريز، لنعلم منها الفرق الزائد. وفيها أيضًا بيان ما بقى باللوندريز وما بقى يخصهم لتمام المال بعد حسابك فيه ما هو تحت يد الأمناء من مال الجديدة، وقدر ما بقى يخصهم ريال 25142 كبير. ووجهت لحضرتنا الشريفة حساب اللوندريز وورقة تعريبه وورقة حساب إقامة الأبراج وما معها، وإن اقتضى نظرنا الشريف نزول البارود المذكور بدار البارود والكور بأحد المخازن نأمر بالتوجيه 4 على ما بقى منهما باللوندريز وبأداء 5 ما بقى يخصهم لتمام المال وهو الخمسة والعشرون ألف ريال والمائة والاثنان والأربعون ريالا المذكورة أعلاه. فأما توقفك 1 في حساب السلف على ورود بعض حسابات اللوندريز وأخذك في حساب ما يتعلق بالمدافع فصار بالبال، وقد وصلت الحسابات التي وجهت وعرفنا مضمنها، فأما الحساب 2 الوارد من أرباب الفبركة فقد علمنا منه ما زاد به على الحساب الذى توجهت به من هنا وهو أربع عشرة مائة ابرة وخمس وثلاثون ابرة وشلن وأحد عشر بنك مع ما زيد في ثمن البرود بعد حط ثمن السلسلة منه، فبقى منه مائة ابرة وثمان وثلاثون ابرة، وأن هذا العدد المزيد مصروف في مسائل ليست في حسابنا حقا كما ذكرت وأن الستة آلاف ابرة،

والثلاثمائة ابرة، والخمسة عشر شلين مندرجة في الحساب .... وبقيت مدركة علينا من جميع المسائل. وأن هذا المثمن الذى قسطوها عليه لم يفهم إلا تقديرا كما ذكرت لا حقيقة، وهى أن تلك الأثمان المقسطة عليه هى أثمانه بعينها وأما حساب 3 الإقامة التي وردت بقصد الأبراج من جبل طارق وغير المتضمن جميعه أربعة آلاف ريال وعشرة ريال التي أجبت الباشدور لدفع مضمنه المذكور والتسعة عشر ألف ريال الواردة من الجديدة علمناه ونظر سديد كما علمنا أنه فضل من التسعة عشر ألف ريال المذكورة أربعة عشر ألف ريال وسبعمائة ريال وخمسة ريال باندراج صرف السكة فيها، وهو ستمائة ريال وخمسة وستون ريالا، وأن هذا العدد إذا حط مما بقى من ثمن المدافع وهو تسعة وثلاثون ألف ريال وثمانمائة ابرة والتسعون ابرة المذكورة أعلاه، يبقى يخصهم من ثمنها خمسة وعشرون ألف ريال ومائة ريال واثنان وأربعون ريالا حسبما تضمنته ورقة حساب المدافع التي بخط يدك على مقتضى الحساب الوارد من اللوندريز. وأما التوجيه 4 على ما بقى من البارود والكور وإنزال البارود بدار البارود والكور بأحد المخارن فنعم يوجه عليه، وأما أداء 5 ما بقى يخصهم لكمال المال وهو الخمسة والعشرون ألف ريال والمائة والاثنان والأربعون ريالا المذكورة أعلاه فقد أمرنا الأمناء هنا كم بأن يدافعوا لكم مما تحت أيديهم من دين أولاد الدكالى، سبعة آلاف ريال وستمائة ريال وتسعة عشر ريالا وثلاثة أرباع الريال 3/ 76191، وبأن يدفعوا لكم أيضًا الأربعمائة ريال والثمانية والستين ريالا 468 الباقية عندهم من الخمس والعشرين مائة ريال التي كانوا استسلفوها، وأمروا بالتصيير منها على الأبراج فقد راجع أمناء أعتابنا الشريفة حساب صائر الأبراج فألفوا مدركا علينا من الخمس والعشرين مائة ريال المذكورة ألفين ريالا واثنين وثلاثين ريالا، وباقيا عندهم منها الأربعمائة ريال والثمانية والستون ريالا المذكورة، كما يدفعون لكم الخمسة آلاف ريال، التي كنا قدمنا أمرنا الشريف لأمناء مرسى آسفى بتوجيهها لهم

وأصدرنا أمرنا الشريف لأمناء مرسى العدوتين بأن يوجهوا لكم مما تحت أيديهم من الوفر اثنى عشر ألف ريال وأربعة وخمسين ريالا وربع ريال 1/ 12054، يصير الجميع خمسة وعشرين ألف ريال ومائة ريال واثنين وأربعين ريالا. لكن ينبغى لك أن تحوز خطهم بأنه لم يبق لهم صائر على شئ من المدافع لا سابق ولا لاحق، وأن صائرها تم، واحسم مادة ذلك معهم، وكذلك صائر الأبراج فإنه لا يجلب في المستقبل شئ لبنائها من بر النصارى، وإنما تبنى بما هو موجود في البلاد من الآجر والجير، ولم يبق صائر إلا على الأجرة والإقامة البلدية فقط والسلام في 11 صفر الخير عام 1298". ونص آخر: "خديمنا الأرضى الأمين الحاج محمد الزبدى، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى. وبعد: وصل كتابك وبطيه ورقة حساب مال السلف مبينا فيها جميع ما دخل على خديمنا الطالب محمد بركاش إجمالا ومضمن ما دفع لأرباب السلف إجمالا كذلك وما بقى منه وأصل مال السلف وما وصلهم منه وما تحصل فيه بعد حط صائر جبل طارق واللندريز من الابرات بزيادة الربح إلى أن بقى لهم مائة ألف ريال وستة وسبعون ألف ريال ومائتان ريالا وثمانية وخمسون ريالا، وذلك بعد مراجعة حساب اللندريز ومناقشة فرينسية الصرف مرتين مع نائب أرباب السلف إلى أن أوقفتموه على حقيقته، وأفردت لهذا الحساب كناشا خاصا ورتبته على فصول ثلاثة على سبيل التفصيل لتصحبه معك لحضرتنا الشريفة، وصار ذلك بالبال. وقد أمرنا أمناء أعتابنا الشريفة بمقابلة الحساب المذكور مع الذى تحت أيديهم فأخبروا أنهم قابلوا ما هو مقيد بالكناش من مال السلف الموجه مع اعتراف خديمنا

بركاش بوصوله له من ذلك، فألفوا ما اعترف به ناقصا عما هو مقيد بالكناش المذكور بخمس وستين مائة ريال وواحد وثمانين ريالا 6581، وفاضلا تحت يده إحدى وثلاثين مائة ريال وستة وتسعين ريالا 3196 مصيرا منها على الطلبة المتعلمين ببلاد النجليز ثمان عشرة مائة ريال وستة وثلاثون ريالا 1836، والباقى وهو ثلاث عشرة مائة ريال وستون ريالا زائف ونحاس 1360، كما ألفوا اثنى عشر ألف ريال ومائتين ريالا وستة عشر ريالا 12216 مصيرة بطنجة وجبل طارق والوندريز. فأما العدد المذكور الذى نقص به ما اعترف خديمنا بركاش بوصوله عما هو مقيد بالكناش هنا فنأمرك أن تتلاقى معه وتحقق سبب هذا النقص. وأما ما صير على الطلبة المتعلمين من الفاضل المذكور فقد أصدرنا أمرنا الشريف للأمناء بتصييره مما عهد دفعه منه ليبقى أمر السلف مضبوطا لكون إدخال ما ليس منه فيه وإخراجه منه يؤدى إلى التخليط. وأما ما هو زائف ونخاس فلابد من بيان الوقت الذى وجد فيه ذلك، فإن كان في هذه المدة فقد كان في كل مشاهرة يرجع منها ما هو زائف ونحاس ويوجه بدله، وإن كان قديما فيحقق ويبين من كان توجه على يده ومن حسبه هنا، فإن ذلك مبين على ظهر الفنائق والبطائق التي بداخلها. وأما ما صير بطنجة وجبل طارق والوندريز فلابد من معرفة هل هذا الصائر مشروط من أول الأمر أو حادث وهل هو في المدة من أولها إلى آخرها أو في بعضها وفى أى شئ صير؟ فحقق ذلك تحقيقا وبينه بيانا شافيا لا لبس فيه ولا إجمال أصلحك الله والسلام في 14 من صفر الخير عام 1298".

ونص آخر في ثمن المدافع الكبار المجلوبة: "خديمنا الأرضى الأمين الطالب محمد الزبدى، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى. وبعد: فقد اعتذر أمناء مرسى العدوتين عن الاثنى عشر ألف ريال والأربعة والخمسين ريالا والربع ريال التي قدمنا لكم الإعلام بأننا أمرناهم بتوجيهها لكم مما تحت أيديهم من الوفر على يد أمناء طنجة من قبل ثمن المدافع الكبار بأن المحصل تحت أيديهم خارجا عما بالذمم هو تسع وأربعون مائة ريال وواحد وأربعون ريالا وربع ريال مندرجا فيها اثنا عشر مائة ريال وتسعة وسبعون ريالا وثلاثة أرباع الريال تحصلت من غير الوفر، وأن بعض ذلك من سكة الدرهم فأمرناهم بأن يوجهوا لكم على يد الأمناء ما هو ريال من ذلك، وما هو من سكة الدرهم يبدلونه هناك ريالا، ويوجهونه لكم إن تيسر لهم إبداله ثمة، وإلا فيوجهونه لحضرتنا الشريفة ليوجه لكم بدله ريالا. ونص كتاب الوزير الجامعى في شأن ثمن المدافع والبارود والكور والأبراج: "محبنا الأعز الأرضى، الأمين الحازم السيد الحاج محمد الزبدى، أمنك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى عن خير مولانا نصره الله. وبعد: فقد وصل جوابك عما كتبنا لك به عن أمر مولانا أعزه الله من أن تبنى الأمر في ورقة حساب السلف التي وجهت على التحقيق واليقين حتى لا يتطرق لما تؤسسه فيه احتمال وهم أو غلط أو نحو ذلك مما يضاد المراد من حسم مادة المطالبة بعدما أخبرت بأنك قد بنيت ما كان بينك وبين أرباب السلف على أساس مع نائبهم بعد ما عملت جهدك وطاقتك مرتين، فالحساب الأول معه بعد ما أثبته في الكناش وسطرته بقيت في قلبك الحزازة ولم يسلمه خاطرك فوجهت عليه ثانيا، وقلت له: هذا الحساب غير مسلم فلا بد من مراجعته، وجلستم له

أيضا نحو ستة أيام لأن حساب الكنبى صعيب لا يدركه ويحققه إلا من ومن فأنتج لك الحساب الثانى اثنى عشر ألف ريال وزيادة ربحًا، وكلاهما مسطران عندك في الكناش الأول والثانى وسلمه، وبعد ورود جواب سيدنا على حساب المدافع وورود المشاهرة كتبت لبرقاش في شأن الملاقاة مع باشادور النجليز لتمام الكلام معه في أمر شأن السلف والمدافع، وحتمت على برقاش يحضرها. وبعد الملاقاة معه بينت له بمحضر برقاش أن الباقى لهم من السلف مشاهرتان، وعينت له قدرهما، وأن ما كان بقى لهم من ثمن المدافع نفذه له سيدنا أعزه الله بعد ورود 5000 ريال من آسفى، وأن سيدنا نصره الله أمر بإتيان ما بقى بالنديز من البارود والكور وغيره وتم الأمر بينك وبينه بوجه جميل والحمد لله بسعادة سيدنا. ثم إن الخزائن ببرج الريشة المعدة للبارود والكور قد تم عملهم بناء وقبوا وتلبيسا، وما بقى في برج الريشة إلا شئ يسير وذلك في غاية ما يكون من الإتقان والتوثيق، وهذه هى الأثارات التي تذكر بها الملوك على ممر الأزمان. وبرج القصبة خزائنه ما بقى لهم إلا القبو وإقامته التي تكفيه من الأجور وغيره موجودة فيه إلا أنه اليوم لا خدمة عندهم فيه لقصر النهار، وكثرة الأمطار، بخلاف برج الريشة فالخدمة فيه لا تبطل، لكنها بصائر يسير، وقد شرعوا في تجليد بيوته بالخشب لنزول ما يرد من الكور فيهم إذا ورد ومدافعه سيركبونها في محلها فيه بعد أيام قلائل، وإن هذه حسنة عظيمة في صحيفة سيدنا أعزه الله وعرفنا ما ذكرته في ذلك وصار بالبال، وبعد أن طلعنا به العلم الشريف دعا لك أعزه الله بخير وأمر بأن تأتى معك بصورة الأبراج والخزائن وما كمل بناؤه منها وما لم يكمل بناؤه فاصحب معك ذلك ولا بد عن أمره الشريف أسماه الله وعلى المحبة والسلام في 13 من ربيع 1 النبوى عام 1298. محمد بن العربى بن المختار خار الله له"

ونص آخر: "خديمنا الأرضى الأمين الحاج محمد الزبدى، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: وصل كتابك جوابا عما أنتجته مراجعة أمناء أعتابنا الشريفة ورقة حساب مال السلف التي وجهت لحضرتنا العالية بالله من نقصان ما اعترف به بركاش عما قيد بكناش بريال 6581 وبقاء ريال 3196 فاضلا عنده مصيرا منه على الطلبة المتعلمين ببلاد النجليز ريال 1832 والباقى 1364 في رائف ونحاس وتصيير ريال 12216 بطنجة وجبل طارق واللوندريز. وذكرت أن أمر الفرق محقق عندك ومثبت في الكناش الذى رتبت هناك، وأخرت الكلام فيه كتابة بقصد المشافهة به، وبعد ما وجهت ورقة الحساب على الإجمال علمت أننا نجيبك ببيان هذا الفرق وعرفنا ما ذكرته من أن سببه وقوع الخطأ عندكم في مشاهرتين إحداهما عثرت عليها مقيدة عند خديمنا الطالب محمد بركاش بتاريخ صفر عام 91 وردت له على الصويرة قدرها ريال 10، 7، 29151 كبير وليست مقيدة عندكم في كتابكم فأثبتها في محلها، والثانية لما بلغت في المقابلة للمشاهرة التي توجهت له من مكناس بتاريخ 12 من شعبان عام 96 قدرها ريال 3، 35238 كبير عن شهور 3 والتى تليها مقيدة عندكم في كناشكم بتاريخ 29 شوال عام 96 مثلها ذكرتها لخديمنا بركاش، فأنكرها وذكر أنها لم تكن فحاججته فيها، فأجابك بأن حجتك لا تقوم عليه إلا بجوابه عنها على العادة بتاريخ القعدة عام 96. ثم أدلى بحجته وهى مكاتيبنا الشريفة مصرحا في أولها وآخرها وتاريخ توجيهها في المحرم حسبما في النسخة منها التي وجهت بتاريخ وقت الكلام فيها بينك وبينه، ووجهت على كناش صائر المرسى فيه على مئونة الواردين بها من

الخيل والحمارة على العادة فلم تقف فيه على شئ في ذلك التاريخ, وليس عندك حجة تحتج بها عليه سوى جوابه عنها، وحيث لم تقف في كناش المرسى على ما ذكر تحققت بعد إتيانها في ذلك التاريخ، وأنها تأخرت إلى شهر المحرم حسبما هو مصرح به في كتابنا الشريف وتقييدها عندكم بتاريخ 29 شوال خطأ منكم. وتأملت في سبب تقييدها فتذكرت أن السؤال كان وقع على حلول وقت المشاهرة في آخر شوال، وأجبت بأنها تحل في أول القعدة وقيدتها على أنها خارجة، فتأخر خروجها وبقيت مقيدة عندك سهوا، وبعد ذلك أمرناك بإعمال حساب السلف تفصيلا فأعملته وقيدت من جملة المقيد بعد بحثنا لكم فيها مرتين فلم يحصل لكم شعور، فأمرناكم بتقييد ذلك في كناشنا فقيدت فيه كذلك خطأ ونسيانا، وكان خصه على يد أمناء دار عديل في مشاهرة محرم عام 92 ريال 322 وفى مشاهرة جمادى الأول عامه 167 وفى جمادى الأولى عام 93 على يدهم أيضا ريال 14، حسبما في الورقة التي وجهت. وعلمنا أن صائر الطلبة باللوندريز أضيف للمشاهرة التي وردت لخديمنا بركاش ودفع معها، والزائف والنحاس الذى على يده من المشاهرات التي كانت توجه قبل أبدل البعض منها والباقى لا زال ببيت المال وقدره ريال 555 بين خاص 3 ونحاس 13 وزائف 539، وأن هذا الزائف لا خسارة فيه وستصحبه معك ويدفع في الصائر. وسألت الأمناء الذين كانوا يتولون حساب ذلك عن البطائق فذكروا أن بعض الخناشى يجدون فيها البطائق وجلها لا يجدونها فيها، وأن الصائر على المال بطنجة وبجبل طارق واللوندريز ليس بمشروط في الكنطرة التي كانت على يد العاجى، ولما تولى بركاش دفع المشاهرة من أول الأمر قال لهم: إنما لكم علينا سكة الابرة فعينها فيبدل الريال بالابرات باللوندريز وتدفع لهم هنالك يطالبوه بالصائر على

توجيهه فيما يلزمه من كراء وطرقة البحر وكموسيون، فأجابهم لذلك ليتوصل إلى ما يفضل من الربح بعد الإبدال المجرد بالورقة التي وجهت، ولولا ذلك لما توصل لذلك الربح. وطلبت إصدار أمرنا الشريف لبركاش بأن يدفع لك أصول حسابات اللوندريز تصحبهم معك لحضرتنا الشريفة، لأنك طلبتهم منه فظهر لك منه أنه يريد بقاءها عنده، والأولى بقاؤها بحضرتنا العالية بالله وصار ذلك بالبال وعرفنا أن الفرق ... وستين مائة ريال واحد وثمانين ريالا بين الحساب الذى وجهت وبين الحساب الذى ... سبب وقوعه هو ما شرحته. غير أن الأمناء لما راجعوا حساب هذا السبب الذى بينت ألفوا خاصا لكمال العدد المذكور 5 خمسة ريال، كما ألفوا عدد الزائف والنحاس الموجود في المشاهرات السالفة ثلاثة عشر مائة ريال وأربعة وستين ريالا، وعليه فنأمرك أن تصحبها معك مع بيان تاريخ كل مشاهرة وعلى يد من توجهت من الأمناء والعدد الموجود فيها من ذلك، كما تصحب معك أيضا 553 ما وجد زائفا ونحاسا في هذه المشاهرة الموجهة آنفا، وقد كتبنا لخديمنا بركاش يدفع أصول حسابات الوندريز لك لتصحبها معك لحضرتنا الشريفة إن لم يبق له غرض متعلق بها والسلام في 16 ربيع 1 النبوى عام 1298". ونص آخر في شأن ثمن المدافع: "خديمنا الأرضى الأمين الحاج محمد الزبدى، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد كنا أصدرنا أمرنا الشريف لأمناء العدوتين بتوجيه ما تحت يدهم من الوفر لأمناء طنجة بقصد أداء ما بقى من ثمن المدافع حسبما تقدم لك الإعلام

به، وقد أخبروا بأنهم وجهوا لأمناء طنجة من الريال الكبير 2 ألفى ريال وتسعمائة ريال وأربعة ريال ونصف ريال ومن الصغير ألف ريال وثلاثمائة ريال واثنين وعشرين ريالا. ووجد تحت يدهم من سكة الدرهم أربعة آلاف مثقال ومائتى مثقال وجهوا ذلك لحضرتنا الشريفة بقصد إبداله بالريال، وقد أبدل في عدد من الريال قدره ألف ريال ومائتا ريال واثنان وتسعون ريالا، وها هو يرد عليكم صحبته والسلام في 29 من ربيع النبوى عام 1298". ونص ما كتبه المهندس سكيرج للزبدى ترجمة لتقرير معلم الطبجية الانجليزى ليرفعه للحضرة الشريفة: "بعد إهداء مراسم الاعتبار اللائقة بعزيز جناب أمين الأعتاب الشريفة الفقيه النزيه السيد محمد الزبدى. أما بعد: فقد طلب منى حاكم الطبجية الإنجليزى ومعلمهم أن أترجم له المكتوب الإنجليزى حوله إلى العربية وأسلمه لسعادتكم لتطالعوا عليه العلم الشريف، وهو مشتمل على ما استحسنه المعلم الموما إليه وما تقتضيه المصلحة إجراءه وهذا ملخصه لدى. يرى المعلم المشار إليه من المستحسن أنه لابد من إمعان النظر في إجراء أمر مهم لا غنى عنه أبدا بوجه، حسب ما تقتضيه الحالة الحاضرة وذلك تقوية الجند بهذا الثغر المبارك المهم، فهو لا شك أمر ضرورى بلا خلاف، فمن المعلوم أن المدافع الجديدة متوقفة ومفتقرة على من يقم بواجباتها حق القيام، ولو فرضنا أن هذه المدافع كلها مركبة بمحلاتها على التمام دون من يقم ويحق خدمتهم بالتحقيق والتدقيق فهم حينئذ والوجود والعدم على حد سواء.

فيلزم إِذَن لذلك انتخاب عدد وافر من الرجال قادرين على الخدمة الشاقة ليقوموا بواجباتهم ويلازمون طول المدة والمواظبة في التعليم، ليعلموا كيفية استعمال المدافع الجديدة تماما، وإلا فيقصرون على واجبته وتعدم النتيجة ولا ريب أن تعلموا كيفية خدمته كانوا قادرين على تعليم غيرهم وقد قدر ذلك العدد الوافر المذكور أن لا يكون أقل من 100 رجل و 7 قياد ليقوموا بواجبات المدافع الستة، ويستحسن زيادة 200 عسكر و 8 قياد للإعانة عندما تمس الحاجة إليه وتأذن لى الحضرة السنية أن أعلمهم حرب الرجلية وبعده حرب المدفع القديم حتى يتمرسوا فيه، فيكون قادرين على مساعدة الطبجية في أى عمل من الأعمال المطلوبة، فلا يخفى ما يحصل للجانبين من النفع الجزيل، لأن الطبجية يزدادون علما بتعليم العسكر المذكور، ويتمرنون في أعمالهم كثر مما أدركوه في حالة تعليمهم سابقا، وكذا العسكر يكون قادرا على استعمال سلاحه وعلى خدمة المدافع القديمة، وعلى مساعدة الطبجية في مباشرة المدافع الجديدة، وزيادة على ذلك النفع العام الذى هو أحق بالانتباه إلى غير ذلك مما يطول شرحه بهذا الموضع الجليل. أما المدافع الجديدة منزلة قرب محلاتها فبمجرد الفراغ منها تركب على محاورها وفى مدة شهر ونصف تركبا مدفعى برج دار البارود واطلب من الحضرة العالية أن ترخص لى بزيارة اعتابها الشريفة بعد تركيب المدفعين في المدة المذكورة وهذا ما حرره الطبجى الإنجليزى وبالله التوفيق قيد في 12 مرص الموافق 11 ربيع الثانى 1298. محرره خديم الأعتاب الشريفة الزبير بن عبد الوهاب سكيرج أمنه الله"

ونص كتاب سكيرج للزبدى في شأن الإنعام السلطانى على المهندس المكلف بالأبراج وما وصل إليه العمل فيها: "وعلى جناب أمين الحضرة العالية الفقيه النزيه عوض الوالد سيدى ج محمد الزبدى، السلام التام، ورحمة الله عن خير مولانا دام بالله نصره. أما بعد: فقد شرفتنى سعادتكم بمكتوبها الوارد على يد نائب سيدنا المعظم الفقيه السيد محمد بركاش فاستدعانى لمحله حينئذ، وكذا المهندس، وسلم إلى المكتوب المومى إليه، وأخبر المهندس أن سيدنا أيده الله أنعم عليه بكسوة مثل ما أنعم بها على الحراب بجبل طارق، فشكر فضل الحضرة السنية وكذا فضلكم، فإن شكر الوسيطة واجب. وعندما انصرفت من منزله قرأت كريم مكتوبكم وفهمت مضمنه ووضحته للمهندس فحصل له سرور كبير، ولنا أكثر منه، فلولا الوسيطة لذهب كما قيل الموسوط، فلا طاقة لى على مجازة عالى همتكم في الأمر الذى أنهت سيادتكم للحضرة السنية ووعدتكم بالخير إن شاء الله في شأنى وقد قيل أنجز حر ما وعد. ثم نعلم سيادتكم عن التعطيل الذى أنشئ للطبج في تركيب المدفع الثانى الفقانى من برج الريشة خلاف ما وعد به، وهو أن إقامة المدافع الجديدة وردت من إنكلترا فكان وزنها ... طونا منها 44 طون من البارود والباقى من الكور ومكينات أخرى المعدة لتعمير المدفع فجعل البارود المشار إليه في خزنة دار البارود الكبيرة بعد ما أصلحها المهندس، وباقى الأقايم في برج المرسة وطبانه وفى برج الريشة، وقد حاول هذه الأيام في تركيب الآلات التي يتركب بها المدفع وسأخبر سيادتكم عن ذلك إن شاء الله عما قليل. وأما البناء في برج الريشة فلا يبقى فيه إلا نصف الدائرة من المدفع الفقانى، فلا يمكن بناؤه قبل تركيب المدفع حسبما ظهر للطبج، وأمور في برج الريشة فلا يبقى فيه إلا نصف للطبج، وأمور أخرى كالتجصيص وتلبيس بعض المحلات وتركيب أبواب الخزنات القديمات، وكذا باب البرج وأمر ذلك سهل قريب.

وأما التراب قد أنجز العمل فيه في الجمعة الماضية، وما أخرنا عن إتمامه قبل الوقت المذكور إلا شدة الأرباح التي صدت الناس عن الخدمة فيه، ثم إن مكينة الوزن قد ركبها المهندس بالدوانة وترشح بنصف رطل حالة وزن 30 قنطار، وأن البناء مستمر ببرج النعام، وكذا برج طبانه في تعمير التراب وتجصيص أرضه وعلى محبة سعادتكم والسلام في 13 رجب عام 1298. عوض ولدك الزبير اسكيرج لطف الله به" ونص كتاب المهندس المذكور في الموضوع: "بعد إهداء مراسم الاعتبار اللائقة بعزيز جناب أمين الأعتاب الشريفة الفقيه النزيه السيد الحاج محمد الزبدى، أسأل عن صالح أحوال سيادتكم أجراها المولى وفق ما تريدون، هذا وقد تشرفت بكريم إعلامكم أن سيادتكم قد أنهت أمرى لسيدنا أعزه الله فيما أنى عليه من الحزم والاعتناء في بناء الأبراج وبحسن وسيطتكم العظماء أنعمت على الحضرة السنية بكسوة جندية، فعلمت حينئذ بدون شك أن سيادتكم افتكرتنى عند حضورها مع الباب العالى وشرفت اسمى في ذلك المنزل الفخيم وذاك بذكر جميل جزيت سيادتكم خيرا فقد حصل لى من السرور الكبير وتقوية بحسن صنيعكم الجليل. ثم أُعلم سيادتكم أن تعمير التراب ببرج الريشة قد انتهى العمل فيه في الجمعة الماضية وأن برج النعام متقدم في الخدمة، وبرج طبانه في تجهيز حفر الأساسات، وأن مدفع برج الريشة الثانى لم يتركب إلى الآن والعائق عن ذلك ورود إقامة المدافع الجديدة الستة من إنكلترا وأن مكينة الوزن ركبتها بالدوانة وهى توزن الآن على التمام ومن جملة تحقيقها ترشيح بنصف رطل حالة وزن 30 قنطار وهذا ما وجب به الإعلام في 3 رجب 1298.

عن اذن المهندس المكلف بناء الأبراج إدوارد سلب بثغر طنجة حرسها الله خط يده يمنة" ونص توصية المذكور بمساعده سكيرج: "استدرك خير فقد خصصت هذا لسعادتكم لأطلب من كريم فضلكم وعظيم تأثيركم أن لا تنسوا خدمة خليفتى السيد الزبير اسكيرج، فلا يخفى سيادتكم من ما فيه من الحزم والنجابة والمواظبة على التعليم، وأظن أن سيادتكم على بصيرة من ذلك وشاهدته بهذا الطرف ولا ريب أن خدمته ستكون نافعة جدا للخدمة السلطانية، فلهذا أشكر جميل أوصافه وأوصى به خيرا لسيادتكم، وفى الوقت نفسه أعلمه هنا ما يمكن تعليمه وأرجوكم السلام في 3 رجب عام 1298. عن إذن المهندس المكلف ببناء الأبراج إدوارد سلب بثغر طنجة حرسها الله خط يده يمنة" هذا وقد بنى صاحب الترجمة برباط الفتح خارج باب العلو على ساحل البحر برجا عظيما هائلا يسمى بالبرج الكبير أو البرج الألمانى لقيام بعض مهندسى الألمان ببنائه وتخطيطه وجلب مدافعه من بلادهم، وقد تولى مساعدة المهندس المذكور في بنائه منذ سنة 1303 السيد الزبير سكيرج المهندس المغربى الذى تولى قبل ذلك مساعدة المهندس الإنجليزى في أبراج طنجة. وكان القائم بالبناء والصائر عليه ومراقبة شئونه جميعها بناء وحراسة وغير ذلك الأمين الصدوق الوطنى الغيور السيد الحاج عبد الخالق فرج محتسب الرباط وناظره، وبقيت بيده مفاتيحه إلى آخر العهد الحفيظى، وفى سنة 1307 وجه

المترجم بعثة لألمانيا للمفاوضة في شراء المدفعين العظيمين البالغ وزن كل منهما ثلاثين طنا اللذين أراد جلبهما من معامل كروب الشهيرة باسن من تلك الديار وتركيبهما بالبرج المذكور، فتوجهت متركبة من الأمين الحاج محمد الزكاوى، والمهندس سكيرج، والمهندس الألمانى وفى سنة 1308 وجههم صحبة بعض رجال العسكرية من كبار الطبجية، وهم الحاج إدريس بن عبد الواحد، والقائد محمد الشديد، والقائد محمد سباطة الرباطيان إلى مدينة مبين من بلاد الألمان لحضور اختبار المدفعين المذكورين، ثم رجعوا وطرحوا نتيجة عملهم على البساط العالى.

الكلام على بقية استعداداته الحربية وذكر قوته العسكرية واهتمامه بالاطلاع على المخترعات العصرية وما كان على عهده بالعدائر والهوائر السلطانية

الكلام على بقية استعداداته الحربية وذكر قوته العسكرية واهتمامه بالاطلاع على المخترعات العصرية وما كان على عهده بالعدائر والهوائر المخزنية ومما يتعلق بجلبه الذخائر الحربية من الديار الأروبية غير ما سلف ما أصدره لنائبه السلطانى بطنجة في شأن البارود المجلوب من إنجلترا ونصه: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد: فقد أخبر مولاى أحمد الصويرى كبير الطبجية بحضرتنا العالية بالله أن سيدنا المقدس بالله كان كلفك بجلب خمسمائة قنطار من البارود النجليزى، وكنت وجهت عربونه وقلب وسلم، وأمرت بجلب العدد المذكور منه ولم يدر في أى مرسى من المراسى وضع ذلك حين ورد، وعليه فلابد بين لنا المرسى الموضوع فيها ذلك والسلام في 15 من ربيع الثانى عام 1296". وما بعثه له في شأن حبة التلحيق المجلوبة من بلجيكا ونصه: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله. وبعد: وصل كتابك بأن المليون من حبة التلحيق الذى أمرناك بجلبه ورد وأنزل بالدار البيضاء وحازه أمناؤها في عشرة صناديق وطلبت أمرنا الشريف لهم بتوجيه ذلك لحضرتنا العالية بالله، وتنفيذ ثمنه لباشادور البلجيك لوروده على يده وقدره ثمان وأربعون مائة وتسعة وتسعون من الفرنك 4899 حسبما بحساب المكلف بجلب ذلك الذى وجهت، فقد أمرنا الأمناء المذكورين بتوجيه ذلك لحضرتنا الشريفة وأداء ثمنه للباشادور المذكور على يدك، وكتابنا الشريف لهم بذلك يصلك والسلام في 4 المحرم فاتح عام 1299".

وما كتبه قنصل البلجيك للأمين الزبدى فيما يتعلق بجلب الذخائر من معامل بلاده ونصه بلفظه: "إلى حضرة المبجل المعظم المشخب الأعز الأحب الأود الفقيه المصيب اللبيب سيدى الحاج محمد الزبدى، بعد السؤال عن كافة أحوالك المرضية الزكية وأنفع السلام وأجله على سيادتك المعظمة المحترمة، ومحبة أن تكون بخير وعافية ونعمة شاملة مرضية، ليكن في كريم علمكم أيها المحب أنه قد أخبرنى محب الجميع السيد بوبكر أنك على خير وعافية وذلك هو بغيتنا دائما وأبدا ... هذا وإننا لما نعرفه من منزلتكم المعظمة لدى السلطان أيده الله، هأنا نكتب لك اليوم على شأن أمر أوقعنى في غبينة كبيرة وهو أننى كنت هذه مدة من عام كتبت كتابا للوزير السيد محمد بن العربى ولم يكترث به ولا رد لى جوابه إلى الآن، وحتى الآن وها بطى هذا نسخة منه تنظرها ... حيث كان ظهر لى ما هو منفعة للسلطان أيده الله وأنه يقبل ذلك الكلام المعروض من صاحب فبركة الحرب ببلاد الياج بلاد البلجيك الذى هو عين الصواب غاية، ويكون عند السلطان الحرب الجيد الرفيع الذى يقرب أن يكون جديدا وثمنه موافق كثيرا على الذى بسواه الحرب الجديد إذا لم يرد يرسل في مرة واحدة عدد 500 لبلجيك فيقدر يرسل مائة أو مائتين يجرب بها، وبعده ينظر إذا وجد ذلك يعنى هذا الإصلاح يليق يكمل يرسل الباقى ... فنحن عندنا غرض وشهوة كثيرا أن السلطان يقبل هذا الأمر ويعمل هذا التبديل الذى يعرضه صاحب الفبركة، لأننى تغيرت كثيرا لما سمعت أن السلطان أيده الله ليس هو على خاطره من أجل هذا الحرب الذى هو من بلادى بعد ما عملت جهدى وكتبت لصاحب الفبريكة الذى هو منتخب ومن أعلى أصحاب هذا الشأن غاية ...

فأنتم أعزكم الله الذى عندكم العقل التام وسافرتم لبلاد أروبة، لا تخفى عليكم جميع الأمور، إذ تعرفوا أن هذه أمور الحرب هى مسألة نحيفة لطيفة، وأن جميع الدول يقع فيها الآفات في مبادئ تخديم الحرب الجديد ... فنعلمك على وجه السر أن عندى أمارات أثبتت لى أن القائد مكلين لا يعجبه هذا التبديل، لكن الذى يظهر لى أن المنفعة للجانب الشريف تقدم قبل كل شئ، وهو الذى نرتضيه لسيادته كما في اعتقادى، إذا يوافق السلطان يعمل تجربة فيقدر يرسل المكاحل مغلفة مربوطة للتاجر ردمان خليفة البلجيك الجديدة، وإنا نكتب له يرسلها لبلجيكة قاصدة لكيلا يلزم على ذلك كثرة مصاريف فنطلب أن يبقيكم الله على خير وعافية وطول عمر في الخير والهناء ودوام محبتنا، لأننا دائما نتفكر ما كنا فيه متباسطين ونتحلى به غاية ودمتم بخير وعافية والسلام وفى 6 إبريل عام 1883 موافق 27 ج لى عام 1300. عن إذن منسطر البلجيك بإيالة مراكش انرسط دلوان" ونص كتاب وزيرى في تكليف سفير فرنسا الكندى دربينى بجلب المدافع الجبلية من بلاده على يد حكومته بعد الافتتاح: "وبعد فقد أمرنى مولانا نصره الله بالكتابة لك أيها المحب بأن تطلب من دولتك الفخيمة أن تأذن لوزير الحرب عندها في أن يشترى على يده لجنابه الشريف بطريتين من مدافع الجبل ذات فرمة أربعة تكون تعفر من أفواهما وفق ما كتب عليه الحراب الطبجى الفرنصيصى الذى هنا للوزير المشار إليه، وتكون مع كل بطرية من هاتين البطريتين إقامتها المبنية بطرته ورويضاتها من الحديد، فإن ما جلب ويجلب على يدها من ذلك جيد متقن العمل والصنعة لا محالة جزيت خيرا على اعتنائها وبقيت كما تحب والكتاب الشريف لأمناء مرسى طنجة بقبول البطريتين

المذكورتين ودفع ثمنهما لك مع ثمن إقامتها المذكورة الذى ذكره الحراب المذكور وهو خمسة آلاف ريال، وثمن الرويضات من الحديد التي تجعل لها بدلا عن رويضات العود الذى تبينه لهم: يصلك طيه ودمت بخير وختم في 8 صفر عام 1311". ونص المكتوب بطرته المشار لها: (ستة وستون صندوقا للعمائر يجب للبطريتين معا من الصناديق 132 صندوقان للإقامة والماعون. ستة وأربعون بردعة وخمسمائة عمارة لكل مدفع) ونص الكتاب الشريف لأمناء طنجة المشار له: "وبعد فقد كلفنا باشادور الفرنصيص بجلب بطريتين من مدافع الجبل التي تعمر من أفواهها ذات فرمة أربعة مع إقامتها المبنية بطرته فنأمركم: أن تقبلوها منه وتجعلوها مع إقامتها في محل صين لا برودة فيه وأعلمونا، وأن تدفعوا له الخمسة آلاف ريال الواجبة في ثمنها وثمن إقامتها مع ما يجب في ثمن رويضات من الحديد كلف بجعلها لها بدلا عن التي من العود الذى بينه لكم وأعلمونا به والسلام في 8 صفر عام 1311". ومن استعداداته الحربية وتنظيماته العسكرية استقدامه من أروبا الحرابة الإنجليز والفرنسيس والإسبان واستخدامه إياهم في تدريب جيشه وجنوده على الحركات المستحدثة والتمارين الجديدة، زيادة على إرساله البعثة تلو البعثة من ذلك الجيش لأروبا بقصد الاقتباس من فنونها العسكرية كما مر بك قريبا، ومما يتعلق بهذا الموضوع ما أصدره لنائبه السلطانى بطنجة في عقد شروط الحراب الإنجليزى:

"خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: وصلنا كتابك وبطيه جواب الإنجليزى الحراب العسكر بحضرتنا العالية بالله عن الشروط التي كتبت له بها، وذكرت أنه قبلها كلها إلا العقدة عن سنة واحدة لم يقبلها، وذكر أنه إذا استغنى عنه عند تمام السنة يعطاه ألف ريال لضرورياته ويتوجه، وقد وصل خط يده الملتزم فيه أنه إذا طلب التوجه هو بطيب نفسه بعد السنة فلا يطلب شيئا من ذلك، وقد قبلنا ما شرطه من ذلك على الوجه الذى بينه والسلام في 26 رجب الفرد عام 1294". وما أصدره له في أمر الحرابة الفرنسيس: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: وصل جوابك عما كتبناه لك من حلول إبان ما كنت تذاكرت فيه مع جانبنا الشريف في شأن الحرابة إن صح ما بلغنا من تبديل الفرنصيص إلخ، وذكرت أن الأمر أشكل عليك ولم تدر هل المراد بذلك حتى الحراب الفرانصيصى الذى بحضرتنا الشريفة أو الحرابة الفرانصيصون الذين بالرباط، وطلبت بيان ذلك لتكون على بصيرة فيما تتكلم به، فالناقل لنا ذلك على لسان كبيرهم الذى هنا ذكر أنه هو المقصود لا غيره والسلام في 8 ربيع الأول عام 1300". ولما أشرف نجم حياته على الأفول استغنى عن أولئك الحرابة لكون العسكر الذين وردوا بقصد تعليمه حصل له التعلم، وكتب لسفراء دولهم بذلك ليبلغوه حكوماتهم، فتأذن لحرابتها في السفر لبلادهم في الوقت الذى تعينه لهم الحضرة الشريفة، وكان ذلك على اللسان الوزيرى قبيل وفاته بنحو الشهرين.

وقد مر بك في العلائق السياسية مع إسبانيا أن من جملة المطالب التي ذهبت لأجلها سفارة القائد عبد الحميد الرحمانى طلب الإذن للحرابة الإسبان في الانسحاب مما هم فيه للاستغناء عنهم لتعلم المعسكر ما فيه الكفاية، وجواب إسبانيا عن ذلك بأنها تساعد عليه بمجرد سفر غيرهم من الحرابة من أجناس أخرى. ومن أهم استعداداته وأعظهما إنشاؤه دارا لصناعة السلاح بفاس داخل باب الساكمة، وصرفه همته إليها حتى أسسها على أبدع طرز، وأرقى نظام، وأنفق عليها أموالا طائلة، وجلب إليها العملة والصناع من الديار الأوربية، وكان ابتداء العمل في بنائها سنة 1305 وانتهاؤه سنة 1308 وكتب بأعلى بابها: دار السلاح منشئها الأمير مولاى الحسن وكان الذى تولى تخطيطه هو المهندس الإيطالى (نوطيرا) الذى وجهته حكومة الطليان مع غيره إجابة لطلب الدولة الشريفة، وقد وقفت على نص كتاب وزير الخارجية الذى أجلب به سفير إيطاليا عن توجيه حكومته البعثة المذكورة، وفيه بيان مكانة أفرادها في بلادهم وأنهم أخرجوا من معامل الأسلحة هناك، وذكر ما رتب لهم على مراتبهم ومن عين لمرافقتهم، ثم طوافهم على بعض المعامل كمكينة العدة التي بفاس ومعمل السكر والقرطوس اللذين بمراكش وغير ذلك ولفظه: "المحب العاقل الناصح الساعى في الخير بين الدولتين المحبتين مينسطر دولة الطليان الفخيمة الكبير المعتبر روميو كنطاكلى، بعد مزيد السؤال عن أحوالك ومحبة أن تكون بخير دائما، وصلنا كتابك بأنك وجهت لحضرة سيدنا العالى بالله

الفسيالات الثلاثاء الموجهين من قبل دولتك الفخيمة بقصد الفبركات المعلومة صحبة الكبير جنتينى، وأن هؤلاء الفسيالات انتخبوا من مهرة فسيالاتكم وأعقلهم وأخرجوا من فبركات الأسلحة ببلادكم، وبينت اسم كل واحد منهم ومرتبته وأشرت بالاستيصاء خيرًا بهم، والثقة بهم في جميع الأمور، وتنفيذ المسائل لهم التي يتوقفون عليها لخدمتهم المكلف ببيانها، والوقوف على تمكينهم منها الكبير جنتينى، وذكرت أن جميع ما يوافق عليه من أمور خدمتهم توافق عليه وتقبله لكونه ثقة عندكم، ومن أهل المحبة في الجناب الشريف. فقد أطلعت بكتابك شريف علم مولانا نصره الله وعلم مضمنه ووصل الفسيالات المذكورون صحبة الكبلير جنتينى ورحب بهم وبه مولانا أيده الله، وأنزلوا وأنفذ لهم مولانا دام عزه مراتبهم الشهرى وقدره أربعمائة ريال للكونيل، وثلاثمائة ريال للماجور، ومائتان وأربعون ريالا للمهندس، وحازوا ما وجب لهم في مرتب شهر شعبان الفارط، كما نفذ لهم أعزه الله المحل بنزولهم بالمحل الذى يتوجهون له، والخيل لركوبهم والبهائم لحمل حوائجهم والخزائن لسفرهم وأربعة من العساكرية للأخذ بأيديهم، وأحد الطلبة الذين كانوا يتعلمون بإيطاليا للترجمة، والعلف لخيلهم. وكلفنى أعزه الله بمباشرة أمرهم، وهم إلى نظره الشريف وفق ما أشار به الكبير جنتينى وهم بصدد السفر لفاس لرؤية مكينة العدة التي بها وسرد آلاتها واختيارها والتطوف بوادى فاس ورؤية المحل منه الذى يصلح لفبركة الأسلحة وبعد ذلك يتوجهون لمراكش لنظر المحل بنواحيها الذى يصلح لمكينة الأسلحة، ورؤية فبركة السكر والقرطوس واختبارهما، وكما أن جنتينى ثقة عندكم فكذلك عند الجناب الشريف ومعدود عند سيادته من الأحباء النصحاء الساعين في الخير، وقد أمرنى مولانا نصره الله بإجابتك بما ذكر ومجازاتك بخير على وقوفك واعتنائك

بأغراض جنابه الشريف، كما أمرنى دام تأييده بالكتابة لك بأن تنوب عن سيادته في مجازاة دولتك الفخيمة على ما ظهر منها من دلائل المحبة والصداقة بوقوفها واعتنائها بأموره المولوية وسعيها في الخير لإيالته السعيدة سرا وعلانية ودمت بخير. وختم في 10 رمضان عام 1305 ومنه: ومرتبهم المذكور عن شهر رمضان وما بعده أمناء مرسى طنجة يكونون يدفعونه لهم فقد صدر لهم الأمر الشريف بذلك صح به محمد المفضل بن محمد غريط الله له" ونص كتاب وزيرى آخر قبل ذلك في الموضوع: "المحب العاقل الناصح الساعى في الخير بين الدولتين المحبتين نائب دولة الطليان الفخيمة الكبير مايسى، بعد مزيد السؤال عن أحوالك ومحبة أن تكون بخير دائما، فقد وصل كتابك بأن المحب الباشدور الصائر إلى ما تصير إليه كل نفس كان أخبر سلطانكم المعظم بما طلبته الحضرة الشريفة من جلب مهندسين طليانيين ... بقصد النظر في أمر جعل فبركة الأسلحة وغيرها فأذنت دولتكم الفخيمة في توجيه ثلاثة فسيالات مهندسين من الجيش الطليانى للحضرة الشريفة، وأن هؤلاء الفسيالات يطلبون أن يسبق لهم الجناب الشريف العدد الذى بينت من قبل صائر سفرهم من إيطاليا لطنجة واشتراء ما يحتاجون من الحوائج لقدومهم، وأشرت بإنهاء ذلك لشريف علم مولانا نصره الله ليأمر أيده الله بتنفيذ العدد المشار إليه لهم إن اقتضى نظره الشريف المساعدة على مطلبهم، وذكرت أنهم حيث يردون لطنجة يكون صائرهم على المخزن والمال المسبق لهم لا يحسب عليهم، لكونه من قبل صائر السفر، وأطلعت بكتابك شريف علم مولانا فرحب نصره الله بالفسيالات المذكورين وقبلهم وأثنى على دولتك الفخيمة ودعا لها بمزيد الضخامة. والشامة والثروة والفخامة.

وأمرنى أيده الله أن تجيبك بأن تجازيها خيرا على لسانه الشريف على اعتنائها بأموره الدال على محبتها وصداقتها وبأن تجيبها عن الفسيالات بأن المصلحة اقتضت تأخير توجيههم في هذا الوقت إلى أن ينصرف من هنا الفسيال المحترف بمثل حرفتهم، لأنهم إذا وردوا قبل انصرافه يجعل ورودهم سببا للإقامة هنا وعدم الانصراف، وحيث ينصرف يصدر لك الإذن الشريف بالتوجيه عليهم فمرحبا بهم وبكل من يأت من دولتكم المحبة، وينفذ لهم أيده الله صائر سفرهم على يدك ودمت بخير وختم في 2 ربيع الأول عام 1305". وقد استخدم بهذه الدار طلبة البعثة المتخرجة من مدارس فرنسا وبلجيكا السالف الكلام عليهم قريبا وكان رئيسها الكولونيل الإيطالى بريكليف وكبراؤها السيد محمد الصغير والسيد المختار الرغاى والسيد محمد بن الكعاب والسيد إدريس الفاسى والسيد الطاهر بن الحاج الأودى الذى لا زال حيا يرزق الآن، وعدد جميع العملة الذين كانوا بها ثلاثمائة عامل من فاس ومكناس ومراكش والرباط وسلوان وغير ذلك. وكانوا ينقسمون إلى أقسام لكل قسم قائد مائة ومقدم وملازم وأجرتهم اليومية من اثنى عشر مثقالا إلى مثقال واحد والعشرة مثاقيل تساوى بحساب صرف اليوم ثلاث فرنكات ونصف وعشر سنتيمات -وكان يصرف لهم اللباس سنويا، وكذلك اللباس الذى يباشرون به العمل، وكانوا لا يخرجون منها إلا بإذن الكولونيل رئيسها، وقد وقفت على إذنين أصدرهما لبعض العملة بالعربية والفرنجية بتوقيعه ونص أولهما:

دار السلاح بفاس تسريح المتعلم علال بن العربى لصلة الرحم بمكناس على عشرة أيام فاس في 13 شعبان عام 1309 يوافق 13 مارس سنة 1892 كبير الفبريكة الكرنيل الطليانى" ونص ثانيهما بلفظه: "الحمد لله وحده، ولا حول ولا قوة إلا بالله في 14 ذى الحجة عام 1310 الواضع خط يديه تحته أنه وجه صاحبه السيد محمد المكناسى بن الحسن لداره بمكناسة الزيتون ويبقى بداره سبعة أيام هناك بقصد صلة رحمه مع أهله ويرجع لمحل خدمته بحول الله وقد آذنته بالسفر والسلام. أمير الفبركة بفاس عن إذن سيدنا أعزه الله الكرنيل الطليانى بريكليف" وكان عدد ما يقبضه الأمناء من مصنوعات الدار في كل جمعة صندوقين داخل كل واحد منهما ثمانية عشر بندقية بحرابها، وبلغ عدد ما كانت تدفعه من القرطاس شهريا ثلاثمائة ألف وكان نوع سلاحها يسمى باللسان الدارج (بوحفرة) وبالإفرنجى (مرطنى). ولما توفى منشئها المترجم ذهب المهندس نوطيرا المذكور لحال سبيله وجاء بدلا عنه المهندسان الإيطاليان (اطرونيلى) و (كابا)، ثم جاء بعدهما (بابونى) وبقى العمل مستمرا بها إلى حدود سنة 1321 وتقلبت بها الأحوال بعد ذلك إلى أن صارت الآن بالكراء ليد شركة (لادورسبو).

هذا ما وقفت عليه مما يتعلق بمعمل السلاح الفاسى وأعيان العملة به وتلقيته من بعض الرؤساء المتخرجين من فرنسا في الترجمة والهندسة الذين كانت لهم الرياسة في المعمل المذكور. وقد ضربت بهذا المعمل السكة النحاسية (الصولدى) على عهد المترجم سنة 1310 ثم في دور خلفه من بعده سنة 1321 و 1322 ولا زال التعامل به إلى الآن بقلة وندور، وكان بمراكش دار معمل القرطوس ودار معمل لصنع البارود المزدج، ودار معمل لصنع سكر القالب، غير أن منشئ هذه الأخيرة والد المترجم واستعملها ولده المترجم وكان القالب يخرج منها أحمر، وقد مر بك ذكر بعض هذه المعامل في كتاب الوزير غريط لسفير إيطاليا. أما القوة العسكرية التي كانت عنده فإنه لما وجد القوة العسكرية المحمدية غير كافية إذ كانت مجموعة من طوابير مختلطة من الوصفاء الأقوياء الذين كان كبيرهم الوصيف الشهير ابن المزوار، ومن أهل سوس الأقوياء الذين كان كبيرهم الحاج منو الشهير، ومن غيرهم كطابور الحاج عزور بن الفتوح، والحاج محمد الزروالى وغيرهم: أصدر أمره الشريف لعمال الحوز والغرب بفرض العسكر عليهم، وعين ح وزير العسكر الفقيه السيد محمد الصغير الجامعى للتوجه لدكالة للإتيان بما فرض عليهم وهو ألفان والله أعلم. ومن الشاوية كذلك، ومن الرحامنة كذلك، ومن حاحا كذلك، ومن قبائل الدير ما عين لكل قبيلة منها زيادة على عدد الطبجية الذين كانوا يفرضون على كل قبيلة، وبالأخص عند تحرك الركاب الشريف لكل ناحية من إيالته الشريفة، زيادة على قوة خيل القبائل ورماتها التي كانت ترد أفواجًا أفواجا. وقد كان مهتما بأمر رعيته وتحسينها وقوتها العسكرية، فقد كان يتفقد أبراج المراسى بنفسه ويأمر بالاهتمام بشأنها، وقد عين أخيرا بكل مرسى مهندسا لمقابلة

قوتها والطواف عليها والإخبار بواسطة الشريف مولاى أحمد الصويرى كل حين بالصالح منها والمفتقر للإصلاح. وعندما يصل الإعلام بذلك يصدر الأمر الشريف بتنفيذه حالا، وكان رحمه الله له اهتمام كبير بفابركة السلاح بفاس يتفقدها في غالب الأوقات بنفسه. وقد أبدى قدس الله روحه في وجهته السوسية الأخيرة التي وصل فيها إلى اركسيس وآصاكة الجرتين ما لا يزيد عليه من الاهتمام، وأبدى من أفكاره الصائبة ما لم يبده أحد من أهل العقول الراجحة وكذا بحركة تفيلالت والحركة الجبلية وغيرهما. كما كان رحمه الله له اهتمام كبير بالاطلاع على الاختراعات الوقتية، فقد جلب له أحد السفراء وهو بمراكش آلات للضوء الكهربائى فركبها المهندسون الأهليون مع بعض المهندسين الواردين مع السفير المذكور حتى أنار الضوء بأماكنه المنيفة بالقصير (بالتصغير)، كما جاء له بعض السفراء بالسكة الحديدية وعرباتها ونصبت بأكدال بمكناس وباشر نصبها بعض المهندسين الأهليين ومن كان معهم من الأجانب واستخدمها وركب بها حاشية المخزن الشريف. وبعد استيفاء الغرض منها جمع الجميع بخزائن الأروى، كما جاء له بعض الأجانب بآلات للكلام من بعد فكان يستخدمها المهندسون بحضور جلالته الشريفة. وكانت إنكلترا قد طلبت من حضرته الشريفة جعل بابور البر ومد السكة الحديدية ببعض النواحى المغربية، كما طلب غيرها إدخال غير ذلك من الاختراعات العصرية، فكان يجيبهم بالشكر لهم على الاقتراح مع إرجاء تنفيذه ببعض الأعذار، أو الإشارة إلى عدم تيسر ذلك في الوقت أو نحو ذلك. وكل هذا كان اتقاء منه لما يؤدى إليه ذلك من التداخل الأجنبى والتنافس الدولى، وكان هذا دأبه معهم دائما في كل أمر له مندوحة عنه رأى فيه مَسًّا ما

باستقلال المغرب وسيادة سلطانه وشريعته، وإليك مثالا ما كان يصدره في مدافعتهم عما يريدون وكم له من نظير: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: وصل كتابك وبطيه كتاب باشدور النجليز لك بما أشار به من استخدام آلة الشمس التي لجانبنا الشريف بطنجة للناس بالخلاص كما بينه في تقييد صحبة كتابه المذكورة، وصار بالبال، فدافعه عن ذلك بما أمكنك فإنه لا يخفاك ما ينشأ عن ذلك من تشوف الغير، سيما والصبنيول يطلب جعل الطلكراف من طنجة لطريف بحرا، وحتى إن كان لابد من استخدام الآلة المذكورة فيكون بداخل إيالتنا وخدمتها من رعيتنا والسلام في 23 شوال الأبرك عام 1300". وأما العذائر المخزنية والهوائر السلطانية في عهده فكثيرة. ومنها عذير المليحا بالمرجة قرب العرائش وكان فيه في أوائل عام 1311 من البقر الأهلى المألوف 2800 ومن الوحشى تقديرا 2400 ومن الحجر وهى أنثى الفرس بما معها من النتاج تقديرا 1400. وكان بعذير مشرع الحضر من البقر المألوف نحو 1800 ومن إناث الفرس وما معها من النتاج نحو 700 وكان بعذيرى الشراردة وأولاد مروان من البقر نحو 600 وكان بعذائر الصوير (تصغير صور) وشرق العقاب والخندقيين بين طنجة وأصيلا من البقر نحو 600 وكان بعذير تجينه ببنى حسن من البقر نحو 700 وكان بعذير جربة نحو 300

[صورة] بشير الإسلام بخوافق الأعلام

وكان بعذير الرميلة نحو 200 وكان بقرب الجديدة عذير الشياظمة والحويرة بهما نحو 400 وأما هوائر الخيل والبغال وعزائبها وهى التي يصرف إليها ما يستغنى عنه من ذلك بعد أخذ المحتاج إليه للحمل في الحركات والتنقلات وغير ذلك، فقد كانت مفرقة في نحو خمس وثلاثين قبيلة لحفظها وصيانتها، ومن أتلف شيئا منها فعليه غرمه وسائر البغال المخزنية يكون موسوما بميسم خاص وقد كان منها بالحور عدد كثير. فمن خصوص الموسوم من البغال بصورة الثمانية مزدوجة نحو أربعة عشر ألف بغلة، وهى إلى نظر قائدها القائد محمد بن على، وبعده القائد العربى الهلالى. ومن المطبوع بصورة ثمانية نحو العشرة آلاف وهى إلى نظر قائدها القائد سيدى عبد السلام الحيانى. ومن المطبوع بصورة الثلاثة وهى إلى نظر قائدها القائد محمد الشاونى نحو العشرة آلاف. ومن المطبوع بصورة منه روام العيال السعيد ومراكبها وهى إلى نظر القائد بن القائد العربى السوسى والقائد العربى الطفور، وهى نحو الثمانية آلاف وقد أصبح الكل اليوم في خبر كان. ومن خيل الأروى السعيد ما يناهز العشرة آلاف، والمراد من خيل الأروى خيل الغرض والخيل التابعة للمراكب لا المراكب، فإنها لا تخرج قط. ومن خيل الفرايجية ما يقرب من ذلك. وكان عند تأهبه لسفر ما يكون خارج علفه يوميا ما يناهز العشرين وسقا.

استعداده البحري

استعداده البحرى واتفق مع حكومة إيطاليا على صنع مركب حربى للدولة الشريفة بطرسخانة "الأخوات أورلانضو" الموجودة بـ "ليفورنو" من تلك البلاد وسمى هذا المركب البحرى الماخر ببشير الإسلام، بخوافق الأعلام. ومما يتعلق بصنع هذا المركب الحربى ما جاء في كتاب وزير الخارجية الحسنية لوزير الخارجية الطليانية "إكريسبى" بتاريخ جمادى الثانية سنة 1308 أنه: وصلنا كتابكم بأن المركب الحربى الذى تصنعه دولتكم الفخيمة على يدها للحضرة الشريفة أعزها الله يكون في كفالة الله وكفالة دولتكم المحبة، ويكون استخدامه على يدها، غير أنه لا يمكن أن يبقى دائما مسافرا في البحر، ولابد من توجهه للساحل حين يكون في البحر الهيجان، وجعل مرسى حربية له يكون فيها أمان من ذلك وغيره وهذه المرسى التي تجعل له يكون يتوجه إليها المركب والمراكب الشريفة لتجديد الفحم وقوت البحرية وركوب الدائرة الشريفة منها التي تريد السفر في المركب المذكور. وأن دولتكم صرفت همتها لهذا الغرض لما فيه من المصلحة الواضحة ولكون هذا المركب في كفالة الله وكفالتها ورياسه طليانيون واستخدامه على يدها وعهدته عليها، ولا يمكن جعل هذه المرسى البحرية على وجه حسن إلا على يد من لهم المعرفة التامة بمثل ذلك كالمهندسين الطليانيين وأن الكبير جنتينى ينوب عنكم وعن المنسطر كنطاغلى في بيان المسائل للحضرة الشريفة المتعلقة بهذا الغرض، وأشرتم بتصديقه في ذلك وقبوله منه لكونه صدوقا محبا في الجانبين. وأطلعت بكتابكم شريف علم مولانا نصره الله فاعترف أعزه الله باعتنائكم الدال على محبتكم ومحبة دولتكم الصادقة، وقد بين الكبير جنتينى للحضرة

الشريفة المواضع التي تصلح لجعل المرسى الحربية بها التي نبهتم عليها، وأشار بأن يكون يصنع للحضرة الشريفة ما تريده من المراكب الحربية في المستقبل ببلادكم، فأمرنى مولانا نصره أن نجيبك عن ذلك بأن المصلحة الوقتية اقتضت عدم الاشتغال ببناء التحصينات الحربية كما لا يخفى على العقلاء أمثالكم حسبما شافهت به حضرته الشريفة نائبكم المذكور. وأما المراكب الحربية فأجاب عنها سيدنا أيده الله بأن الذى يمكن سيادته ويعطيكم القول به هو أن لا يصنع مركب آخر قبل وجود هذا الذى يصنع على يدكم، وإذا كمل ووجد ولم تحصل به الكفاية يصنع ما يراد من ذلك حيث يشاء الله ويختار، إذ لا اختيار للعبد مع مولاه. وتصلكم سكين مذهبة من عمل هذه الإيالة السعيدة على يد المحب المنسطر الكبير كنطاغلى إكراما لكم من الحضرة المولوية. وإليك نص ظهير شريف عزيزى يتضمن الأوامر المولوية لرجال المركب المذكور بالقيام بوظائفهم الدينية والبحرية نقلا عن كناشة الفقيه السيد محمد بن المعطى بنونة الرباطى الكاتب الأول بالمالية في العهدين الحسنى والعزيزى والكاتب العام للوفد المغربى في مؤتمر الجزيرة بعد ذلك. "يعلم من كتابنا هذا لا زالت سفائن الصلاح به في بحار السعادة جارية، وكواكب الإقبال منه للمسترشدين هادية، أننا بحول الله شامل الطول والإنعام، وجاعل الجوارى المنشآت في البحر كالأعلام، أسندنا النظر لخديمنا الأرضى النائب الحاج محمد بن العربى الطريس في أمور مركبنا الحربى السعيد. المحفوف برياح الظفر والتأييد، المسمى بشير الإسلام بخوافق الأعلام، وكلفناه برد البال لجماعة المسلمين المرتبين فيه من رؤساء وأعيان ونوتية، وعسكر وخدام وبحرية، وأمرناه أن يلزمهم القيام بما كلفوا به من العمل ورتبوا عليه، وامتثال أمر كبيرهم فيما يدعوهم

بحكم المصلحة إليه، وأن يحملهم على الواجب عليهم من إقامة شعائر الدين، والاعتصام بتقوى الله التي هى سنن المهتدين، والتحفظ على الصلوات في أوقاتها، والتمسك بطاعة الله ورسوله والتعرض لنفحاتها، وعدم التهاون بعمل من أعمال الديانة، وترك التكاسل في كل ما يقتضى النصيحة والأمانة، حتى لا يدخلهم تفريط في أمر من قواعد الإسلام ولا يشينهم اختلال عمل في طاعة وصلاة وصيام، وليبقى حزبهم بكمال الإسلام منعوتا، ويكونوا موفين بقوله تعال: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)} [النساء: 103]. ففى الحديث الشريف: موضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد، وعن عبادة بن الصامت قال: أوصانى خليلى - صلى الله عليه وسلم - بسبع خلال قال. لا تشركوا بالله شيئا وإن قطعتم أو حرقتم أو صلبتم ولا تتركوا الصلاة تعمدا فمن تركها متعمدا فقد خرج من الملة ولا تركبوا المعصية فإنها سخط الله ولا تشربوا الخمر فإنها رأس الخطايا .. الحديث. وفى حديث البيهقى: إن من حفظ إقامة الصلاة قالت له حفظك الله كما حفظتنى وإذا لم يتم ركوعها وسجودها ولا القراءة فيها قالت له: ضيعك الله كما ضيعتنى. وأن يحضهم على ضبط أوقات الطاعة. ليحتفظوا على سنة الأذان ويلازموا صلاة الفرائض جماعة، فقد جعل الله أوقات الصلاة مقارنة لحركة الشمس، فعند زوالها يجب الظهر وعند صيرورة ظلها مثلى القائم بعد ظل نصف النهار يجب العصر، وعند غروبها تجب المغرب، وعند ذهاب حمرة شعاعها الباقى تجب العتمة وعند ابتداء حمرة شعاعها بالمشرق يجب الصبح. وليحتاطوا في الاستدلال على القبلة بالعلامات الراجحة، والأدلة الواضحة، وليستقبلوا القبلة في الفريضة والنافلة معا لكون الاستقبال شرطا مع الذكر والقدرة

ويدوروا مع القبلة في حال صلاتهم إن دارت بهم المركب لغير جهتها، إلا إذا تعذر عليهم الدوران ولم يمكنهم لحصول مشقة، فيتمادون على صلاتهم حيثما توجهت المركب بهم. وإذا صلوا مرة إلى جهة اجتهادهم ثم تبين خطؤهم في القبلة فإن كان تحريهم مع ظهور العلامات أعادوا في الوقت إن استدبروا أو غربوا أو شرقوا، وإن كان مع عدم ظهورها فلا إعادة. ولا يخالفون الجهة التي أداهم الاجتهاد إليها عمدا فإن خالفوها بطلت وأعادوا أبدا، وأن لا يتهاونوا في الفطرة الدينية من النظافة والطهارة بعدا وقربا، والتوقى من كل ما يحرم أكلا وشربا. وأن يحرضهم على حسن السيرة مع بعضهم لبعض بدوام الأخوة والائتلاف. والتعاون على الخدمة والنصيحة وتوطئة الأكناف، حتى يبقى سلك ألفتهم مأمونا، وعقدهم بحفظ الديانة والطاعة مصونا. ومن الواجب المتعين عليهم أن يكونوا على الدوام آخذين بالحزم والحذر، والتلبس بهيئة الاستعداد الذى هو من وسائل الظفر، مع زيادة التمرن في سير البحر ومعرفة قواعده، والتمهر في كيفية مصادر المركب وموارده، وضبط أحوال سكون البحر وهيجانه، وأوقات اضطراب الموج واطمئنانه، وحفظ حصته الضابطة لمده وجزره، والساعات المناسبة لإقامة المركب أو سيره. أخذا بالأسباب المشروعة العادية، مع اعتقاد التوكل على عناية الله المتوالية، وكذلك ممارسة علم الجهات الأربع، واستدلال عليها بالقطب وكرة الثوابت أو بالآلة التي دلالتها في ذلك تنفع، فقد قال تعالى في الكواكب الزهر {لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ... (97)} [الأنعام: 97] وأن يلزمهم الاشتغال بما يعنيهم في أوقات فراغهم على أن يكونوا دائما مستحضرين عناية الله ورسوله. ومعتقدين تيسير لطفه ومطمئنين على حصوله، وليعرفوا أنهم مستخدمون في آية

كان فضل الله بها على عباده جزيلا، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)} [الإسراء: 70]. ولا يغفلوا عن الاستمساك بذكر الله والاعتصام بحبله، إذ هو ربكم الذى يزجى لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله، وليستروحوا في حركاتهم مواهب التوفيق التي فاز من تلقاها، تالية ألسنتهم قول الله تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ...} [هود: 41] وليشاهدوا السلامة من الله بعين الانتباه ويعترفوا بحمده امتثالا لقوله تعالى فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله، وليعلموا أن هذه تبصرة لا يسعهم إغفالها، وأوامر مؤكدة لا يمكن المؤمنين إهمالها، والله سبحانه يقضى بهم كل غرض، ويحرس الظرف والمظروف من كل آفة وعرض، إنه بالمؤمنين رءوف رحيم {... وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)} [آل عمران: 101]. كما نأمر خديمنا المذكور بالتأكيد على أهل المركب في قراءة حزب البحر مساء وصباحا لما تضمنه من أسرار الابتهال الكفيلة بنيل الإجابة سلامة ونجاحا، وعلى الواقف عليه أن يعلم منطوقه وفحواه، ويعمل بمصدوقه ومقتضاه والسلام. صدر به أمرنا الشريف المعتز بالله تعالى في تاسع عشرى رجب الفرد الحرام عام 1317". هذا وبالجملة فمن تأمل أعمال هذا السلطان الجليل بأن له سفه الرأى الملصق بجانبه ما لا يليق القائل بعدم قيامه بأعباء المملكة كما ينبغى، وإهماله للاستعداد، فقد رأيت أنه لما تولى لم يأل جهدا في تمهيد البلاد، وتطمين العباد، وتدارك الخلل، وإزاحة العلل، ونشر الأمن بين القبائل والحلل، وتدريب الجيش وتحصين الثغور وجلب الذخائر، وإنشاء المعامل وبعث الطلاب، وتفقد المغرب من أقصى

حدوده، والجولان في أنحاء المملكة ودواخلها وتنظيم جباية المال، ومراقبة أعمال الموظفين والعمال، ومكافأة المخلصين من الرجال، والإصغاء للشكايات والاهتمام بالعلم والعلماء واستشارتهم - وهم خلاصة الأمة - في كبار النوازل والمسائل وبعث السفارات للدول العظمى لفصل القضايا ورفع ذكر هذه المملكة في الآفاق والدعاية لها وغير ذلك من جلائل الأعمال التي صدرت عنه على قيام العقبات الداخلية والخارجية في وجهه. فقد وجد مداخل المراسى مرهونة، والديون الأجنبية متراكمة، وبيوت الأموال فارغة، وأحوال الرعية مضطربة، وأعين الدول متطلعة مترقبة والامتيازات الأجنبية قائمة وأصوات المحتمين بالصخب مرتفعة، والثائرون في كل جهة، كلما أخمد ثورة واحد منهم اشتعلت ضده أخرى، والمجاورون من الأوروبيين ملحون في مسائل الحدود وغيرها إلى غير ذلك مما يظهر للمنصف ولا يخفى إلا على المتعسف. * * *

ضبط أوقاته وتقسيم أيامه وترتيب نظام مملكته وذكر رجال دولته

ضبط أوقاته وتقسيم أيامه وترتيب نظام مملكته وذكر رجال دولته كان قدس الله روحه مقسما أوقاته النهارية والليلية تقسيما عجيبا بحيث لم يضع له وقت، فكان له جماعة مكلفون بالتوقيت وضبط الأوقات لا يبرحون من أعتابه حضرا وسفرا ولهم رئيس من علية رءوس أهل الفن وفى كل يوم يجعلون له حصة بمعرفة الأوقات تدخل إليه كل صباح، وكان له عبد من عبيد داره (الطواشيين) مكلف كذلك بضبط الأوقات ورصدها وإعلام السلطان بها. كان إذا بقى للفجر ساعتان أعلم الموقت الوصيف المذكور بواسطة العساس من أصحاب الوضوء فيعلم ذلك العساس الطواشى ويعلم الطواشى إحدى الإماء المعينات للقيام بذلك فتعلم المترجم، وقلما تجده في ذلك الوقت غير مصل أو ذاكر، ولم يزل يتهجد إلى أن يطلع الفجر فيصلى ركعتى الفجر ويخرج، وبمجرد وصوله لباب المسجد يقوم المؤقت لإقامة الصلاة ويتقدم الإمام فيصلى في جماعة من حاشيته الداخلية كأنجاله وبنى عمه المستخدمين في حنطة السجادة. وهذه الحنطة عبارة عن جماعة مخصوصة ذوى هيئة جميلة تحمل سجادته للصلاة كما سيأتى، ولم يترك المترجم الصلاة في الجماعة سائر أيامه إلا لعذر، فإذا صلى الصبح جلس في مصلاه إلى أن يفرغ من الباقيات الصالحات، ثم يفتح الحزب ويقرأ فيه مع الحزابين بعض آيات نحو الثمن. ثم يقوم ويدخل قصره العامر، فيجد الفطور مهيئا فيفطر ثم يتناول أشغال الوزراء ويوقع على المكاتب ثم يدفعها لوصيف الدار فيوصلها للحاجب -وهو في صدر مملكته حاجب والده أبو عمران موسى بن أحمد، ثم بعد وفاته ولى مكانه ولده أبو العباس أحمد مار الترجمة، ووظيفته الرسمية القيام بشئون السلطان

الداخلية وأموره الخاصة به، وأموره دوره وعائلته وطبع المكاتب المولوية، وبيده مفاتيح الخزائن، وإليه النظر في أصحاب الوضوء والفراش والسجادة والماء والأتاى وصاحب السكين والجزار وصاحب الأروى والمحفة، وهؤلاء المذكورون هم الحناطى الداخليون -ثم الحاجب يوجه بواسطة صاحب الوضوء لكل وزير شغله المتعلق به، وذلك بعد أن يضمن تلك المكاتب جميعها بدفتر خاص كما يقيد التواقيع السلطانية بدفتر خاص يحفظان عنده كما يقيد كل وزير ما ذكر بدفتره الخاص ثم تختم تلك المكاتب وتسلم لقائد المشور ليوجه بها لأربابها. ثم يخرج المترجم ويجلس على أريكة ملكه بالمحل المعد لمقابلة الوزراء، لابسا كساء بدون برنوس وعمامة متقنة التصفيف محكمة اللّيّ، فيمر أولا بحنطة الشويردات (الأطفال الصغار من أبناء الجيش) فيجدهم مصطفين فيؤدون له التحية الملوكية بأصوات عالية جدا، ثم يمر بحنطة أصحاب الوضوء وهم جماعة من الوصفان يبلغون عنه أوامره إلى الوزراء مشافهة وكتابة فيؤدون له التحية كذلك، ثم بحنطة أصحاب الأتاى، ثم بحنطة الجزارة ثم بحنطة أصحاب الفراش، ثم يجلس على أريكة ملكه، فإذا جلس خرج أحد الفرايجية وهم جماعة من العبيد مكلفون بحراسة أبواب داره وبناء قببه في سفره، فيتطوف على بنائق الوزراء قائلا سيدى قعد فيقول الوزير مجيبا له جلوس عز وسلامة إلى أن يعلم الجميع بذلك. ثم ينادى أحد أصحاب الوضوء قائد المشور قائلا كلم سيدى يا فلان باسمه من غير سيادة، فيدخل قائد المشور ويدفع للسلطان المكاتب والأجوبة الواردة من النواحى مختومة، وتقييد الوفود الطالبين مقابلته وما بأيديهم من الهدايا، فيوقع بالإذن في مقابلة من اقتضى نظره مقابلته ويرجع له التقييد فيخرج لمباشرة أشغاله. ووظيفة قائد المشور هذا قبض سائر المكاتب الصادرة والواردة ممن كانت ولمن كانت، فيقيد المكاتيب الواردة للجلالة السلطانية ويبين عددها والمحل الذى وردت منه، ثم يقدمها مع التقييد للجلالة المولوية مختومة.

والسلطان هو الذى يتولى فض ختامها بنفسه ويستوعبها قراءة ثم يوقع عليها، ثم لما مرض عام 1304 وصار يشق عليه الفض والاستيعاب أمر الحاجب بفض ختامها واستدعاء كاتبين من مكتب الصدارة لمكتبه بقصد تقييد مضمن المكاتيب الواردة لجلالته الكريمة، ثم بعد تقييد المضمن على ظهر نفس الكتاب يقدم الحاجب ذلك للجلالة الشريفة فيستوعب المضمن، وربما استوعب الكتاب إن كان ذا أهمية ثم يوقع على تلك المكاتيب ويردها للحاجب ليوزعها على الوزراء كل وما يرجع إليه. ثم يستدعى السلطان الوزير الصدر بواسطة قائد أصحاب الوضوء تمييزا له بذلك فيدخل عليه ويباشر أشغال مأموريته، ثم يخرج ثم يستدعى وزير المالية فيباشر أشغال مأموريته، ثم يستدعى وزير الخارجية فيباشر أشغال مأموريته، ثم يدخل قائد المشور بمن أذن لهم في مقابلة الجلالة السلطانية. فإذا فرغ من ذلك دخل داره وأزال الكساء والعمامة ولبس جلابة وقلنسوة، ثم يتغدى ثم يتطوف على البنائين والخياطين والنساخين والذميين السكاكين، فإذا حان وقت الظهر تهيأ للصلاة، فإذا أدى المكتوبة رجع لقصره العامر للاستراحة وربما نام. ثم إذا حان وقت العصر تهيأ لصلاته فإذا أداها جلس على أريكة ملكه، فيكون شأنه مساء كشأنه صباحا، ثم إذا حان وقت المغرب دخل المسجد فصلاها، ثم صلى بعدها ست ركعات، ثم رجع لداره فتعشى، ثم خرج للمسجد فصلى به العشاء، ثم يرجع لداره فيستدعى بأشغال الوزراء فيستوعبها مطالعة ثم يوقع على كل شغل بما اقتضاه نظره، ثم يطالع من كتب السير والسياسة وتاريخ الأمم السالفة ما شاء الله، ثم ينام إلى نصف الليل الآخر، ثم يستيقظ ويتبتل ما شاء الله ويصلى ركعتى التهجد اللتين هما من شروط ورده الكنتى.

وكان في كل جمعة يستدعى أعمامه وإخوانه وأصهاره وأعيان الشرفاء للغداء بجامع الصلاة من قصره العامر، ويفرق الطعام في ذلك اليوم على سائر الوزراء وأعيان الجيش حضرا وسفرا، وذلك بعد الفراغ من صلاة الجمعة. وكان له ولوع بحليب النوق، وكان يفرقه على ذوى الخصوصيات لديه، وكان في كل عيد مولد يفرق الكسى على الأقاريب والأباعد كل وما يناسبه. وكانت ذخائره وآلاته الملوكية التي زادت أضعافًا على ذخائر أسلافه الكرام مضبوطة مصونة مرتبة في أماكن خاصة مقيدة بكناش صغير لا يفارقه غالبا، ولا يمكن اختلاس شئ منها، وكذلك أمواله الخاصة به ذهبية وفضية، وعدد جيوشه القديمة والجديدة النظام، وعدد خيله وجماله وبهائمه وآلاته الحربية من مدافع ومكاحل وبارود وقرطوس مثبتة بذلك الكناش اللطيف الجرم الرقيق الورق. وكانت رواتب جيوشه وكتبته وخدامه ومؤن عسكره مياومة ومشاهرة مضبوطة، وكذلك صوائره اليومية، وكانت صوائر أبنيته لا يدخل فيها شئ من بيت المال، وإنما كانت من المستفادات وغلل الأملاك المخزنية. وكان محافظا على العوائد في إنعاماته وحفلاته الرسمية وسائر تصرفاته، بحيث كان خرق عادة من العوائد عنده من الخطأ العظيم، حتى إن بعض الوزراء سها فنفذ لأولاد البقال الكسوة والصلة معا، وكانت عادتهم قبض الصلة فقط، فلما اطلع السلطان على ورقة الصائر وجد فيها ثمن الكسوة المذكورة فلم يسلمه وألزم بأدائه من خاص ماله عقوبة له على خرق العادة. وكان النظر في أمور داخليته ومباشرة أشغاله مسندا إلى وزراء وأمناء كل واحد منهم مكلف بأشغال لا يتعداها، ولا يدخل معه غيره فيها: فالوزير الصدر -وهو في أول إمارته وزير أبيه الفقيه السيد إدريس بوعشرين، ثم استعفى فأعفى وتصدر مكانه الحاجب أبو عمران موسى بن أحمد،

ثم توفى وولى بعده الفقيه السيد محمد بن العربى الجامعى، ثم مرض مرضه المزمن فولى بعده بحكم النيابة الفقيه السيد محمد الصنهاجى، ثم توفى السلطان المترجم وحل به ما تلى عليك -مكلف بالنظر في أمور الولاة من قضاة ونظار ونقباء وباشوات وعمال وبتنفيذ الإنعامات والصوائر وكتابة الظهائر السلطانية كيفما كانت، وإقطاعات وولايات وعزل وغير ذلك، وإبلاغ الأوامر لقائد المشور بما اقتضاه النظر السلطانى في الحركات، وتسيير الجيوش من الجهات وتقدير المؤن والنفقات وله المراقبة في الجملة على أعمال غيره من الوزراء. ووزير الشكايات (العدلية) -وهو في أول إمارته الفقيه السيد محمد بن عبد الله الصفار، ثم بعد وفاته ولى الفقيه السيد على المسفيوى ولم يزل على وظيفة إلى أن توفى المترجم- وظيفة النظر في الشكايات بأنواعها وإصدار الأوامر فيها بما اقتضاه النظر السلطانى مع موافقة حكم الشرع فيها. والعلاف الكبير (وزير الحرب) -وهو في أول إمارته الفقيه السيد عبد الله ابن أحمد ثم أعفى وولى مكانه الحاج المعطى الجامعى المذكور ثم لما ولى الصدارة ولى مكانه أخوه السيد المدعو الصغير إلى أن توفى المترجم وحل بالجامعيين ما حل مما مر شرحه- وظيفة النظر في أمر العسكر ومؤنته ومؤن الجيش المخزنى كلها تخرج على يده وهو المكلف بمباشرتها مع السلطان، وعليه العهدة في السلاح والذخائر الحربية واختيار من يوجه من فرقه وقواده إلى ما اقتضاه النظر السلطانى لنواحى مملكته واختيار أعداده وتقييدها بقائمة يومية تدفع للجلالة السلطانية بعد إشراف الوزير الصدر عليها وإمضائها باسمه. ووزير الخارجية -وأول من وليها استقلالا الفقيه السيد محمد المفضل غريط- مكلف بالنظر في أمور المحميين والوساطة بين السلطان وبين سفراء الدول، وعقد الشروط والمعاهدات بينه وبينهم، وكتابة الرسائل إليهم وإصدار الأوامر

للعمال فيما يتعلق بإيالاتهم من دعاوى أهل الحماية ومباشرة أمر كل وافد أجنبى للإيالة المغربية. وأمين الأمناء (وزير المالية) وهو لأول إمارته السيد محمد التازى الرباطى، ثم بعد وفاته ولى أخوه السيد عبد السلام، ووظيفة النظر في تعيين أمناء المراسى والأملاك المخزنية والمستفادات. وأمين الحسابات العام وهو السيد العربى الزبيدي، ووظيفة مراجعات الحسابات الواردة من المراسى والأملاك المخزنية والمستفادات وأمناء الرباع والنظار ووكلاء الغياب وإجراء القوانين المؤسسة لذلك طبق المعاهدات والخرص، ومحاسبة قواد القبائل على ما يترتب على إيالتهم من الجبايات المخزنية وعلى العذائر وجميع ما فيها من الماشية المدفوعة في الخرص والبهائم والأفراس، وتبيين العوائد في الإنعامات السلطانية ومراقبة الداخل والخارج في جميع ما تملكه الدولة، وجميع دفاتر الدولة تكون تحت يده، وفى كل سنة يجعل لما راج فيها من الدفاتر برنامج بعد ختمها ثم تجعل في صناديق ويشرع في أخر وهكذا. وكان يحمل في الظعن مع الركاب السلطانى نحو الأربعين وقرأ من الدفاتر لإيقاع الحساب مع العمال فيما يترتب بذممهم من الزكوات والأعشار، فيقيد المقبوض والباقى في الذمم، ويختم العمال على ذلك بأختامهم ويحوز ذلك أمين الحسابات المذكور. وأمين الصائر -وهو اللبادى ثم السيد أحمد بن شقرون، ثم الحاج عبد السلام الحلو، ثم السيد الطاهر التازى، ثم الحاج بناصر التويمى- مكلف بدفع ما ينفذه الوزير الصدر عن الأمر السلطانى غالبا وغيره نادرا، والإنعامات والصوائر والرواتب المخزنية والعسكرية بعد مصادقة أمين الأمناء عليها.

وأمين الداخل -وهو الحاج على بن الحاج التطوانى- مكلف بتنفيذ كل داخل من الهدايا والجبايات والمغارم وحيازة خطوط أيدى العمال بما يبقى في ذممهم من الأموال. وسيأتى ذكر ما لهؤلاء الوزراء والرؤساء والأمناء من الخلفاء النواب والكتاب عند ذكر الهيئة الرسمية وما تتألف منه قريبا. وأمين الفرقوش -وهو أولا الحاج محمد جنون الفاسى، ثم السيد محمد بن موسى الرباطى، ثم ولده المصطفى- مكلف بالنظر في شئون خيل المخزن وجماله وبغاله وضبط أعدادها وتخليف ما نقص منها والنظر في الأمور الراجعة لصيانتها من صفائح وأكف (¬1) ورباطات وما شاكل ذلك. وأمين العتبة الشريفة -وهو أولا في عهد المترجم السيد بوعزة الفشار مار الترجمة، ثم ولى بعد وفاته ولده السيد محمد، ثم بعد وفاته أخوه الأستاذ السيد عبد السلام الفشار- ووظيفته تنفيذ ما يحدث من الزيادة والنقصان في المؤن الشهرية للدور السلطانية، وتقييد ضحية عيد النحر الموجهة لها والوقوف عليها حتى تصل محلها، والخليع اللازم لها وما يلزم من ضرورياته ودفعه في إبّانه، وتنفيذ ما عهد لها من عوائد مواسم الليالى الكبار ولمن في حسابها من الشرفاء والشريفات خارج الدور وغير ذلك من متعلقاتها، ومطالعة الأمناء له على قائمة صائر الدور وإمضاؤه لها باسمه، ويأخذ نسخة منها قبل توجيه الأمناء إياها لشريف الأعتاب وحيازة مفاتيح الخزائن السلطانية، والإشراف على ما يجعل فيها، وحيازة ما يفرض على البرابر من حطب وفحم وخزنه على يده وتنفيذ الزيادة والنقص في رواتب الجيش البخارى ومن في حكمه ومؤنته كذلك، والنظر في أمور البوابين وما أشبه ذلك مما هو راجع للدور السلطانية أو مضاف إليها. ¬

_ (¬1) الوِكاف: برذعة الحمار.

هذا وعادة المترجم في تقسيم أيام الأسبوع أنه كان قدس الله روحه يقابل أصحاب المظالم وأرباب الشكايات بنفسه يوم الأحد، يقدم له الوزير المكلف بسماع المظالم وتقييد دعاويهم زمام المشتكين كل باسمه ونسبه ومحل استيطانه وتقرير دعواه، فيأخذ المترجم الزمام وينادى المقيدين به واحدا بعد واحد، ويبحث كلا على حدته بحثا مدققا حتى يأتى على جميعهم، فمن وافق مقاله ما هو مقيد عنه وقع بما يراه نظره الأسد في إنصافه ممن ظلمه، ومن وقعت منه أدنى مخالفة يتتبع قضيته ويحلل كلامه أدق تحليل حتى يتضح له وجه الحق فيها، فيقضى بما يراه هذا كله ووزير الشكاية واقف بإزاء المترجم وبيده تقييده مثل التي بيد صاحب الترجمة. وفى يوم الاثنين يخرج للرماية بالمدافع ويباشر الرمى بنفسه. ويوم الثلاثاء يعود فيه لسماع المظالم على نحو ما وصف لك في يوم الأحد. ويوم الأربعاء لاستعراض الجيوش أمامه، وكيفية ذلك أنه يصدر أوامره المطاعة لقائد المشور والعلاف يعنى وزير الحرب بتعيين اليوم والساعة والمحل، فيقع الإعلام لكافة الجيش بالحضور فيحضر ويقف كل فريق على حدته، هذا وراء هذا إلى آخره مرتبًا وفق ما بالكناش المخزنى، ومع كل فريق عون من أعوان قائد المشور مكلف بإحصاء عدده، وعندما يخرج السلطان يكون راكبا جواده بهيئته الرسمية إلى المحل المعد لجلوسه، فيترجل ويجلس على عرشه، وبعد هنيئة يستدعى وزير الحرب بواسطة صاحب الوضوء ويستلم منه قوائم عدد رواتب الجيش فيطالعها ويأمر قائد المشور بالاستعراض، فينادى قائد المشور بأعلى صوته بهاتين اللفظتين: زيدوا اتسرطوا قال لكم سيدى، فيجيب أصحاب الفريق الأول كلهم بصوت واحد: نعم سيدى.

ويتقدمون إلى أمام السلطان فيعرفه قائد المشور بهم بقوله هذه الفرقة الفلانية نعم سيدى فيطالبه السلطان بالعدد فينادى: العدد قال لكم سيدى فيتقدم الشرطى المكلف لدى قائد المشور، ويقول له: عدد الخيل كذا والرماة كذا فيبلغ ذلك السلطان، فإذا وجده مطابقا للقائمة يدعو لهم ويأمرهم بالانصراف، ويتبعهم من خلفهم طبق ما سطر وإن وجد خلاف ذلك يتباحث مع الوزير المذكور فيه، فإن استدل أو اعتذر بما يقبل فذاك، وإلا فالملامة على رئيس الفرقة، وعند الانتهاء يركب السلطان جواده راجعا إلى قصره. ويوم الخميس يخرج المترجم لبعض أجنته المتصلة بداره مع حرمه الكريم، فإذا كان بالعاصمة المكناسية يخرج لجنان ابن حليمة الذى صار جنانا عموميا وتضرب القباب بأجدال المتصل به الشهير، ويظل السلطان مع سائر حرمه وحرم العائلة اليوم كله، والناس ما بين راكب وراجل، فإذا كان الغروب رجع الكل للقصور المولوية وربما بات السلطان هنالك مع الخاصة من حرمه. وفى يوم الجمعة قبل بزوغ الشمس يأتى لباب القصر الفاخر الطبال (المعروف بالكومى) بمزاميره فيضرب إلى أن تطلع الشمس، ثم تعقبه الموسيقى بألحانها العربية الشجية وتدوم نحو ساعة ويذهب الجميع. وفى الساعة الحادية عشرة تجتمع الهيئة المخزنية بدار المخزن وتصطف العساكر والموسيقى، وعند خروج السلطان يقف كل من الوزراء تحت رياسة الصدر والمسخرون كل فريق على حدته والباشوات والحناطى البرانيون منهم أصحاب المظلة والمزارق والمكاحل يقفون على الباب الذى يخرج منه ليؤدوا التحية، ويأتوا خلفه وأمامه على عادتهم، وكبير المشور وأتباعه يقفون على الباب الذى يدخل منه لأداء التحية، ثم يخرج السلطان من داره العالية لابسا أجمل الثياب بكساء وبرنوس وعمامة متقنة التصفيف كأنما كساؤه وبرنوسه خيطا عليه من إتقانه

لبسهما، متقلدا تحت برنوسه سيفا قصيرا، فإذا وصل إلى الباب الأول من الدار أدى له التحية الملوكية وصفان الدار الخصيان وأتباعهم من الصبيان المسمون بالشويردات، ثم يجد الحناطى مصطفين وأمامهم رئيسهم الحاجب، وخيل القادة بأيدى خدمتها فيؤدى له الحاجب والحناطى التحية الملوكية. فيجلس في محل المقابلة ويستدعى الوزير الصدر أو وزير الخارجية فيحادثونه ريثما ترتب الصفوف، ثم يركب في بعض الأحيان فرسا من تلك الأفراس السبعة ذات السروج الملونة والأسقاط المذهبة، وفى بعض الأحيان يركب عربة في غاية الزخرفة والزينة يجرها فرس أو فرسان عتيقان، ثم تقاد خيل القادة الستة أمامه، ثم قائد المشور جاعلا مكحلته على عاتقه، ثم الجناب الشريف ثم العربة، ثم الحاجب وراءه الحناطى إلى الباب الأوسط، فيجد الوزراء والكتبة والأمناء مصطفين صفا واحدا عن يمين الباب، فإذا حاذى الوزراء ومن معهم سلم عليهم بواسطة قائد الأروى فيردون عليه بخفض أعناقهم وهم ساكتون، ثم يحاذى أصحاب المكحلة فيؤدون له التحية الملوكية ثم يصدح أصحاب الموسيقى بما يكون فألا حسنا كقوله: لك الهنا والسرور دائم ... يا أيها الطالع السعيد ثم يؤدى له الباشوات التحية الملوكية، وتكون صفوف العسكر المنظم وراء الجميع ثم يدخل المسجد من باب المقصورة فيصلى تحية المسجد، فإذا أذن المؤذن وخطب الخطيب وقضيت الصلاة رجع راكبا على فرس من تلك الأفراس منشورة مظلته على رأسه، ويصدح أصحاب الموسيقى بالألحان المطربة ويقرع أصحاب الكومى طبولهم وينفخون في مزاميرهم. ويكون ترتيب التحية معكوسا بحيث يكون الوصفان الخصيان اللذين كانوا في التحية أولا هم الآخرون فيها، وبعد دخوله لقصره العامر يقف كبير المشور

ليجيب نيابة عن السلطان كل الجيوش الحاضرين ووزير الحرب يقف لاستعراض العساكر، فإذا كان السلطان بمكناس جلس وزير الحرب لاستعراض العساكر حذاء الباشا بباب منصور العلج والموسيقى أمامه تصدح بألحانها، ثم بعد انتهاء الاستعراض تنفض حفلة الجمعة. ومن العوائد المقررة في الأعياد وفود الوفود على الأعتاب الشريفة قبل العيد بنحو العشرة أيام فأريد لمنافسة العمال في المحصول على ملاقاة الجلالة السلطانية، كل يود سبقية غيره، إذ العادة جارية بتقديم أول قادم على غيره فيتلاقى ساعة وصوله أو يومه على الأقل، ويقدم أيضا أول قادم على دار المخزن، ولو جاء عدد عديد في اليوم ومن جاء ليلة العيد فلا حظ له في ملاقاة القدوم. والعادة جارية إذا كان السلطان بالحوز تفد على أعتابه من قواد أهل الحوز من وادى أم الربيع إلى أقصى سوس. وأما أهل الغرب فلا يوجهون غير الخلائف، وكذلك إذا كان في الغرب يأتى القواد من أم الربيع إلى وجدة، ويأتى من الحوز الخلائف، فإن رام أحد من عمال الحوز القدوم على السلطان للغرب بنفسه لابد له من الاستئذان، فإن أذن له أتى، وإلا فلا، وكذا بالنسبة لأهل الغرب ومن كانت له دار نزل بها وإلا أنزله السلطان على يد الوزير الصدر، أو قائد المشور، أو باشا البلد كل على قدر مكانته، وما قدمه من الهدايا فيعين لكل محلا مناسبا لمقامه. فإذا كان العيد عيد فطر يصدر الأمر للشرفاء والقضاة والعلماء بواسطة بطائق ممضاة من الصدارة العظمى وللأمناء والنظار والأعيان والعمال الكبار بواسطة قائد المشور بالحضور لإحياء ليلة السابع والعشرين من رمضان مع الجلالة السلطانية بالمسجد المعد لصلاة الخمس من القصر الملوكى، وذلك قبيل العشاء، وعند خروج السلطان يصدر الأمر بدخول المستدعين للمسجد بواسطة قائد المشور والحاجب،

فيتولى إدخال المشفعين للمحراب والإخراج منه في وقت الصلاة، فإذا قرئت عشرة أحزاب دخل السلطان لداره وخرج من بالمسجد للبنائق ثم تفاض عليهم أنواع الأطعمة الفاخرة والأتاى والحلوى على يد أصحاب الأتاى، وخليفة قائد المشور، وخليفة وزير الحرب وقائد الجزارة، وقائد أفراك، فإذا تسحروا وبقى لوقت الصبح نحو ساعة رجع الناس للمسجد فيخرج السلطان وتختم السلكة إذ تكون وقفت على سورة قل أوحى أو سورة عم. فإذا ختمت وأديت فريضة الصبح فتح الأمير الحزب وقرأ ما شاء الله ثم يقوم ويدخل لداره، وبعد الفراغ من الحزب يخرج الناس أفواجا طبقات كل جنس ينادى على حدته، فيجدون الحاجب وقائد المشور أمام باب المسجد يدفع الحاجب أو نائبه لكل فرد ريالا واحدا، ثم يقع الإعلام بالبروز للمصلى على ما سيبين في عيد المولد، فإذا وصل السلطان للمصلى وقف كل من بها وتقام الصلاة، وإذا تمت الصلاة وصعد الخطيب المنبر لتشنيف المسامع بالخطبة خرج خليفة قائد المشور لترتيب القبائل لأداء التحية للجلالة السلطانية. فإذا كان عيد الأضحى تقدم السلطان بعد الفراغ من الخطبة لذبح أضحيته بيده، ثم يذبح الخطيب أضحيته. أما ليلة المولد فإنها تزيد بتوزيع الكساوى في صبيحتها على العائلة وقواد الجيش وكبراء العمال وبعض الأعيان، كما تزيد هذه الليلة بإحضار المنشدين ذوى الأصوات الحسنة من سائر مدن الإيالة الشريفة ومراسيها، فإذا وصل وقت العشاء خرج السلطان لأداء فريضتها ثم بعد الفراغ منها يصدر الإذن بدخول المذكورين للمسجد بواسطة قائد المشور. ثم يجلس السلطان يمين المحراب ويجلس خاصة العائلة الكريمة عن يساره والقضاة والعلماء عن يمينه، ثم يستدعى المنشدين فيجلسهم أمام الجلالة، ثم

يستدعى بقية الشرفاء من غير العائلة الملوكية فيجلسون وراء العائلة، ثم يجلس الأعيان والكتاب ومن ذكر معهم وراء الجميع، ويجلس الوزراء وراء الكل، ويجلس الباشوات والعمال ورؤساء الجيش بصحن المسجد. ثم يجئ الحاجب بمبخرة يضعها قريبا من السلطان بينه وبين المنشدين، ثم يضع فيها قطعة من العنبر، ولا يزال يجدد البخور ما دام الإنشاد ويتناول السلطان مجموعا مزخرفا مشتملا على البردة والهمزية وغيرهما من الأمداح النبوية فينشد المنشدون البردة والهمزية وغيرهما من الأمداح النبوية بأطيب نغمة وأحسن تخليل، فإذا حان وقوفه على قول البوصيرى الأمان الأمان نهض السلطان فتقدمه قائد المشور والفرايجية وقائدهم إلى الباب وأدوا له التحية الملوكية ودخل داره. ثم خرج الناس من المسجد إلى المشور فجلس الشرفاء من العائلة الملوكية بمحل يناسبهم، ثم أخرج لهم الحلويات والأتاى والأطعمة ويخص الشرفاء الأقربون بطعام من طعام السلطان الخاص بعد تناوله منه تناولا لطيفا فإذا شربوا وطعموا وكان الليل طويلا، خرج من كان محله قريبا فرقد به هنيئة ثم يرجع ومن كان محله بعيدا نام بموضعه، فإذا بقى للفجر نحو الساعة ونصف رجع كل إلى محله من المسجد، ثم يخرج السلطان فيجلس يسار المحراب، ثم يأخذ مجموع المديح ويبتدئ المنشدون من حيث انتهوا إلى أن يختموا الهمزية والبردة، ثم يقرءون بانت سعاد، ثم يسردون ما تيسر من مختار القصائد المولوية التي قدمت للجلالة السلطانية من فحول شعرائه بمناسبة تلك الليلة، فإذا طلع الفجر أطلق العسكر عدة طلقات بارودية، ثم يصلى السلطان والحاضرون الفجر. وبعد الفراغ من أداء فريضة الصبح يفتح السلطان الحزب ويقرأ مع الطلبة ما شاء الله أن يقرأ ثم يدخل داره الكريمة على الهيئة المتقدمة، ثم يخرج الشرفاء

فيجدون الحاجب بالباب فيناول كل واحد منهم ريالا مختوما عليه باللَّك (¬1) يكون عمله كذلك مع كل فرد من تلك الجماهير إلى أن يخرج جميع من المسجد. ويصدر الأمر الشريف لقائد المشور بالإعلام للبروز إلى المصلى، فيعلم بواسطة المشاورية كافة رجال المخزن الشريف وبقية الموظفين وكافة القبائل والعمال، ثم يخرج خليفة قائد المشور في لفيف من أصحابه لترتيب هيئة المصلى فيجد كافة القبائل واقفة فيجعلها صفا واحدا من الباب الذى يكون منه خرج السلطان للمصلى عن اليمين، ويجعل المكلف بالعسكر صفا آخر مقابلا للأول من رماة العسكر وخيلها، تكون منهم قلعة مربعة خالية الوسط في آخر صف الخيل خارجة عن المصلى، ثم بعد ذلك يعلم الخليفة المذكور رئيسه بإتمام تنظيم هيئة المصلى، فيعلم هو السلطان بذلك فيخرج لمحل الاقتبال ويستدعى الصدر الأعظم فيحادثه هنيئة، ثم ينصرف الوزير ويركب بغلته كسائر الوزراء والموظفين وذوى الحيثيات. فإذا أخذوا مراكزهم ركب السلطان فرسه وقدمت أمامه القادة وتبعه الحاجب والحناطى الداخلية وأصحاب المكاحل والمشاورين والقضاة والذكارة، ثم إذا بلغ باب البلد الذى يخرج منه لبطحاء المصلى وجد على اليمين الوزراء والكتاب والشرفاء والكبراء وذوى الحيثيات راكبين صافناتهم الجياد وبغالهم الفارهة وبزتهم الرسمية البهية التي تسر الناظرين وتخرس المناظرين، فيحييهم السلطان بالسلام بواسطة قائد الأروى، ثم يردون التحية بانحناء الرءوس، ثم تصدع الموسيقى بألحانها المطربة ونغماتها المرقصة، فيسير الأمير وأمامه قائد المشور راكبا جواده متقلدا سيفه لابسا برنوسا واضعا بندقته على عاتقه الأيمن، وأمامه فرقة من الجيش يسمون الأربعاويات في ثياب حمر وخضر وقلانس بدون برنوس مصطفين أربعا أربعا وقائد الأروى بدون برنوس أمامه وباقى أتباعه من أهل حنطته محتفون بالجلالة يمينا وشمالا مسامتون لركابه الشريف. ¬

_ (¬1) اللك: صِبْغ أحمر.

ويصطف المذكورون وراءه وصفوف العسكر خيلا ورماة عن اليمين والشمال، وتكون الرماة العسكريون مما يلى الجلالة ووراء الصفوف العسكرية صفوف خيول القبائل ورماتها، ووراء الجميع خيول (الطبجية) أصحاب المدافع يجرون مدافعهم في كراسيها، وتبقى الجهة الرابعة فارغة يدخل المترجم منها للمصلى إن كانت صلاة، وتتقدم منها القبائل والوفود لتهنئة جنابه الكريم إن لم تكن صلاة كعيد المولد، فتحييه القبائل قبيلة قبيلة وكل قبيلة تقدمت أمام جلالته يسميها قائد المشور باسمها أو اسم عاملها، فإذا أدت تحيتها كما يجب رفع السلطان أكفه بالدعاء لهم بالرشاد والصلاح، وقائد المشور يبلغ ذلك لهم عنه بأرفع صوت، ثم تذهب تلك القبيلة لأخذ مركزها الذى كانت فيه عند خروج الأمير، وتتقدم أخرى لأداء التحية كما ذكرنا وهكذا إلى أن يأتى على تلك الوفود الضافية العدد. فإذا رام الرجوع تقدمت أمامه أعلام مسخرى البخارى وما أضيف إليهم لأداء التحية اللازمة، ومن العوائد أن يكون في مقدمتهم أحد أعمام الأمير أو أنجاله يرأسهم، جاعلا مكحلته على عاتقه الأيمن، وبعد أداء التحية يرجعون خلفه، وتكون أمامهم المحفة، ونقيب آل وزان إن كان، ورئيس الزاوية الناصرية، ثم الوزراء والكتاب والشرفاء في صف خلف أعلام البخارى، ووراءهم بقية الجيش، ثم تتقدم أعلام شراكة، وبعد أدائهم واجب التحية يتقدمون أمام الأمير فإن كان السلطان بالناحية الحوزية تتقدم الرحامنة على من عداها من القبائل لأداء التحية الملوكية، وإذا كان في الناحية الغربية تتقدم قبيلتا الغرب وبنى حسن. ثم بعد الفراغ من استقبال السلطان للقبائل تضرب المدافع وتصدح الموسيقى والطبول والمزامير والولاول، ثم ينقلب في موكبه الرائق إلى قصره العامر والخيل والرماة من عساكر وقبائل مصطفة عن اليمين والشمال كأنها بنيان مرصوص على

نحو ما وصفنا في الخروج والهتاف بالدعاء للجلالة المولوية بالنصر والتمكين حيثما مر، إلى أن يحل ركابه الشريف بداره العالية، فإذا دخل الباب الأول وجد الشرفاء مصطفين على اليمين فيزدلفون لتقبيل ركابه الشريف، ويهنئونه بالعيد المنيف، فإذا فرغ منهم وجد الوزراء والكتاب مصطفين أمامه فيحييهم بواسطة قائد الأروى ثم يتقدمون واحدا بعد واحد لتقبيل ركابه، ثم إذا دخل الباب الثانى وجد الجزارين مستقبلين له بأوانى الحليب وطيافير التمر فيتناول من ذلك، ثم يوجه به للشرفاء الذين يرأسون العلامات من أعمام وأصناء وقواد الجيش والأعيان والباشوات، وبمجرد دخول السلطان لداره يخرج صلة للذكارة والشرفاء، وتلك عادة جارية كانت لا تتخلف في كل عيد، ثم يودع قائد المشور الباشوات والقواد والجيوش المخزنية ويدعو لهم نيابة عن السلطان وهم يخفضون رءوسهم ويرفعونها. ثم تنفض الحفلة ويذهب كل لحال سبيله فرحا مسرورا إلى أن يبقى للعصر نحو ساعة، فترجع الهيئة المخزنية لشريف الأعتاب ويطلع أهل البلد التي بها السلطان لتهنئته بالعيد متأبطين لهداياهم المعتادة، فإذا صلى السلطان العصر استقبلهم. وقد كانت العادة جارية في هدية أهل مراكش بتقديم أربعين سرجا، أما الذميون فهديتهم الملف والأثواب القطنية والحرير، ثم يعمر المشور وتقدم تلك الهدايا بصفة رسمية، أما العائلة السلطانية كالأنجال والأصناء والأعمام وبنى العم فمنهم من يتلاقى مع الجلالة عشية يوم العيد نفسه، ومنهم من يتلاقى صبيحة الغد. * * *

كيفية ترتيب الملاقاة

كيفية ترتيب الملاقاة إذا حضر المذكورون من الأشراف وغيرهم بشريف الأعتاب يجعل قائد المشور تقييدا يجرد فيه أسماء الحاضرين للملاقاة مع الجناب العالى وتعيين وظائفهم، ويقدمه للجلالة السلطانية لتحيط به علما فتستلمه منه وتجعله حذاءها، ثم تأذن له في تقديمهم إليها فيقدمهم طبق التقييد الذى قدمه إليها، فيتلاقى أولا الخليفة السلطانى ثم الأنجال ثم الأصناء الأكبر فالأكبر، فنقيب العلويين وحده، فدار مولاى عبد الله فباقى العلويين مع النقيب المذكور، فالشرفاء الأدارسة، فالقضاة والعلماء فالشرفاء أهل تلمسان فالبدراويون فالحموميون فأهل وزان، فالأفراد فالباشوات فالمحتسب فالنظار والأمناء، وكل يخاطبه السلطان بما يليق به حتى يصدر الجميع عنه منشرح الصدر طيب الخاطر رطب اللسان بالدعاء والثناء. وفى ثالث يوم العيد يتلاقى عمال الحوز إن كان السلطان بالغرب، وفى رابع العيد يتلاقى عمال الغرب إن كان السلطان بالحوز والعكس بالعكس. ويقسم تعمير المشور ثلاثة أقسام: قسم اليوم الأول من أم الربيع إلى أقصى سوس، واليوم الثانى من أم الربيع إلى سلا والرباط، واليوم الثالث من سلا والرباط إلى وجدة. ولما اتسع النطاق وكثرت العمال وتعددت القواد ووقع التنافس بينهم في الهدايا التي يقدمونها، صار المشور يعمر سبعة أيام فقسمت تلك الأثلاث أسباعا. كيفية تعمير المشور يستأذن قائد المشور الجلالة السلطانية في الاحتفال بالتعمير وبقدم له زماما فيه أصحاب الهدايا التي تقدم مع بيان الهدية اسما وقدرا، وتقسيمها على الأيام الثلاثة أو السبعة، كل يوم وما يقدم فيه.

الهيئة الرسمية وما تتألف منه

وقد جرت العادة بأن أول مشور يعمر تقدم فيه هدية أهل فاس تعظيما لمولانا إدريس وتيمنا به، ثم بعد هذا يعزل من العمال من يستحق العزل ويولى من قضت المصلحة بتوليته، ويلقى القبض على أهل الجرائم والمدلسين من القواد وغيرهم ثم تودع تلك الوفود. أما الخلائف الذين لم ترد عمالهم فتنفذ لهم المؤنة مياومة مدة مقامهم بشريف الأعتاب، وعند إرادة انصرافهم لمحالهم تكتب لهم أجوبة عمالهم وتنفذ لهم الصلة والكسوة على أمناء البلد الذين هم منها أو المجاورين لها. الهيئة الرسمية وما تتألف منه الوزير الصدر وله خليفتان، أولهما عن يمينه يستلم الأشغال من الوزير ويفرقها على الكتاب كل وما يناسبه، فإن غاب الوزير ناب عنه في سائر الشئون المنوطة به, وثانيهما عن شماله وعدد من الكتاب غير منحصر. فمن الكتاب من ينشئ الرسائل المهمة، ومنهم من يكتب ما أنشئ، ومنهم من يختم المكاتب بالملك، ومنهم من يقيد الصادر والوارد في الكنانيش المعدة لذلك، ومنهم من يكتب العناوين، ومنهم من يفصل الكاغد ويطوى المكاتب، ومنهم من يلخص الكتاب ويقيد مضمنه ومنهم من يقيد التواقيع. قائد المشور وخليفتان عنه ومعاونون ثلاثة. وزير الشكايات وهو بمثابة العدلية والجنايات اليوم، وكاتب أول بمنزلة خليفة عنه، يقوم بأشغاله إذا غاب وكتاب لكل منهم شغل يختص به غالبا. ووزير الحرب وخليفة عنه وكتاب. ووزير الخارجية وخليفة عنه وكتاب. أمين الأمناء (وزير المالية) وخليفة عنه وكتاب.

قواد الجيش العامل

الحاجب وخليفة عنه وكاتب أو كاتبان. أمين الداخل وكاتبان أو ثلاثة. أمين الصائر وكاتب أول ومعينان. قواد الجيش العامل لا الاحتياطى قائد رحى مسخرى البخارى، وقائد رحى مسخرى شراكة، وقائد رحى مسخرى الشراردة سكان ازغار، وقائد رحى مسخرى الأوداية المغافرة، وقائد رحى مسخرى أهل سوس سكان المنشية، وقائد رحى مسخرى أولاد دليم، وقائد رحى مسخرى الرحامنة ولكل من هؤلاء القواد خليفة وقواد مئين ومقدمون على حسب كثرة جيشه وقلته خيلا ورماة. قواد الحناطى البرانيين قائد الشرفاء الفرادى (فرقة من المشاوريين)، وقائد المظل والمزراق، وقائد المكاحل وحنطة هذا القائد تتألف من أبناء الكبراء والقواد المعزولين ومشاورى البخارى والمشاورية سكان فاس، والمشاورية سكان المنشية، والمشاورية الأحرار والإضافات وهؤلاء منهم ينفذ قائد المشور أصحاب الصدر الأعظم وغيره من باقى الوزراء والمكلفين بفتح قبب الوزراء وغلقها وقمها. قواد الحناطى الداخليين قائد الأتاى ووظيفة هذه الحنطة القيام بأوانى الأتاى وتهيئتها في كل وقت، وقائد الفراش ووظيف هذه الحنطة من أعلى الوظائف، بيده مفاتيح الخزائن المولوية وأصحابها هم المكلفون بتنظيف المحال الخاصة بالسلطان وتفريشها، فإذا وجد من كانت فيه نوبة المباشرة لذلك في حال تنظيفه أشياء متفرقة بالمحل يجمع ذلك ويجعله في محل خاص، فإذا تمم أشغاله رد كل حاجة لمحلها الذى كانت فيه على

الهيئة التي وجدت عليها، وعليه العهدة في الأثقال الخاصة بالسلطان وحرمه في الأسفار، فإذا رام السلطان الظعن يعين قائد الفراش أحد الأعيان النبهاء لتقييد الأثقال كل في كناش خاص يفتح الصناديق ويقيد سائر ما بداخلها من الحوائج والأثاث والحلى والحلل. فإذا استوعب التقييد تمام الاستيعاب جعل ورقة جامعة لسائر ما حواه ذلك الصندوق ويضعها فوقه ثم يسده ويغلفه في غشاء وينمره ويقيده في كناشه الخاص بكل إيضاح وبيان، وهكذا إلى أن يأتى على جميع الصناديق وأوعية القش، ثم إذا تمم التقييد على نحو ما ذكرنا يجعل قائمة ذات أضلاع ضلع يقيد فيه عدد البهائم اللازمة لحمل ذلك من بغال وحمال، وضلع يقيد به المكلفين بذلك القش الذين يسافرون معه. وتقدم هذه القائمة للجلالة السلطانية وبسبب هذا يتيسر الوصول لما عسى أن يحتاج إليه مما بداخل تلك الصناديق بكل سهولة، ومن يد صاحب الفراش تأخذ سائر الحناطى أشغالها يأخذ صاحب الوضوء الشمع والمناديل وكلما يحتاج إليه في وظيفه ويأخذ صاحب الماء الفواكه والحلويات وصاحب الأتاى السكروالأتاى وكل ما هو من لوازم شغله، ويضاف لهذه الحنطة أصحاب السجادة والموقتون وطبال الكومى، والحلاق، وأصحاب السكين. قد كانت العادة جارية بأن صاحب السكين هو الَّذي يحمل بلغةٍ السلطان إذا خلعها، ثم صار يحملها قائد الوضوء أو خليفته إن غاب هو، وربما حملها الحاجب. وقائد الماء ووظيفته طبخ الماء وتبخيره واستعذابه. وقائد الوضوء ووظيفه تنظيف الحمام والكنف وإيقاد الثريات والحسك، ويحمل الفنار أمام الأمير، ويأخذ ما فضل من الشمع بعد الإيقاد، أما الَّذي ينظف

الثريات ويضع فيها الشمع فهو صاحب الفراش وليس له أن يوقدها ولا أن يأخذ ما فضل بها من الشمع، ولا يمكن لصاحب الوضوء الذهاب لتنظيف الحمام والكنف إذا كان مروره إليهما على باب محل مفروش إلا إذا كان صاحب الفراش حاضرا أمام المحل الممرور عليه، كما أنَّه لا يمكن لصاحب الفراش أن يبارح ذلك المحل ما دام صاحب الوضوء لم يتمم أشغاله فإذا فرغ صاحب الفراش والوضوء من التنظيف الداخلى يناول الفرائجى بقية التنظيف الخارجى وما منهم إلا له مقام معلوم. وقائد الجزارة ووظيف هذه الحنطة ذبح شياه الطعام السلطانى وغيرها من سائر المذبوحات والطبخ والشى، وفتل الكسكوسون مناوبة يبيت أصحاب النوبة بباب قبة الموقت، فإذا بقى للفجر ساعتان أيقظه الموقت فيقوم يذبح ويوقد النار ويوقظ المكلفين معه بالطبخ ليكون الفطور مهيئا بعيد صلاة الصبح، ولا يكون هؤلاء الجزارون إلا من الوصفان الأرقاء كأصحاب الوضوء والاروى. وقائد المحفة ووظيفه القيام بشئون المحفة والعربة وقائد افراك ولا يكون إلا من الجيش البخاري، أو هو مضاف إليه ووظيف هذه الحنطة حراسة الأبواب وتنظيفها والنظر في القبب والأخبية السلطانية وتشييدها في الأسفار والتفسحات. وقائد الاروى وله خليفتان أول وثان ومقدم وعوامون وكناسون ووظيفه النظر في شئون المراكب السلطانية وصيانتها ومقابلة سائر ما يرجع إليها. وقائد الحمارة وله خليفة وأعوان عديدون، وهو من مضافات الأروى ووظيفه النظر في بغال مخصوصين لحمل الأثقال المخزنية جميعها، وأثقال رجال المخزن وموظفيه في سائر الحركات والتنقلات، وجلب الحطب والفحم من الغابات للخزائن المخزنية، وحمل الأضحية في العيد وحمل الشعير والقمح من الأمراس السلطانية وإليها، وكانت البغال التي إلى نظره تعد بالألوف، والعادة فيما يستغنى

ركوب السلطان للألعاب الرياضية على الخيل بنفسه

عنه منها يفرق على العزائب (الهوائر) والغيض في نحو خمس وثلاثين قبيلة بقصد حفظها وصيانتها، ومن أتلف شيئًا منها فعليه غرمه وتكون سائر البغال المخزنية موسومة بميسم خاص. وقائد الجمالين وله خليفة وأعوان، ووظيفه النظر في الجمال المخزنية المعدة لحمل تموين المحلة وأثقالها وتوزيعها على من جرت العادة بصيانته لها عند عدم الاحتياج إليها، وكانت هذه الجمال تعد بالألوف أيضًا موسومة بالميسم الخاص بوسم دواب الحضرة السلطانية. ركوب السلطان للألعاب الرياضية على الخيل بنفسه كان إذا رام تلك الرياضة أصدر أوامره بانتخاب الفرسان الماهرين العارفين بركوب الخيل وإعلامهم بالتهيؤ للعب على الخيل في وقت يعين لهم فتجتمع خيول حناطى الداخليين والبرانيين المتقدم ذكرهم وخيول العسكر والقبائل، وذلك داخل المشور (محل متسع مستو من مرافق القصور السلطانية) ويرتبون صفوفا صفا خلف صف تحت رياسة قائد المشور، ويأتى كل لابسا لبزته الرسمية السارة للناظرين، فإذا تم الترتيب يخرج السلطان ممتطيا ظهر جواده، وبمجرد ما يلوح سنا بدر محياه المشرق من باب القصر المولوى تصدح الموسيقى بألحانها العربية إلى أن يصل إلى أول تلك الصفوف، فيتناول مكحلته من يد الحاجب ويبقى من يكون في صفه من الفرسان الماهرين في المسابقة من قواد الحناطى وأفراد الحاشية، ثم يفتتح المسابقة وبمجرد ما يطلق عمارة مكحلته يتناولها الحاجب من يده ليمسحها ويعمرها، ثم تقتفى أثره في المسابقة تلك الصفوف صفا بعد صف وكل من قضى نوبته يرجع لمركزه وليس لأحد كائنا من كان أن يتعداه، ولا أن يحيد عنه إلا السلطان، وكلما سابق حيته المدافع من الأبراج بأربع طلقات والموسيقى وهكذا إلى انتهاء اللعب.

اللباس الرسمي

اللباس الرسمى أما الوزراء والكتاب والأمناء فيلبسون القفطان والفرجية والكساء والبرنس والعمامة والقلنسوة، وأما القواد والحاجب ووزير الحرب والباشوات فلباسهم مثل من ذكرنا إلا الكساء فلا يرخص لواحد منهم في لبسها، ويقتصرون على لبس البرنس. ويزيد قائد المشور عليهم بالتقلد بالسيف وأخذ عصا بيده ويزيد قواد اراحى الجيش المسخر وأصحاب المكاحل بقبض مناديل حمر وجعل (الجراوات) أغشية تشبه الجراب وتكون تلك الجراوات بحسب رتب الحاملين لها، فما يحمله قائد الأرحى منها يكون من الموبر المزركش بالحرير، ومحل وضع هذه الجراوات بمنطقة الحزام، وهؤلاء يحملون المكاحل في الأوقات الرسمية، وليس لأحد من القواد كائنا من كان لبس العمامة إلا بإذن خاص من السلطان، وإنما يلبسون القلانس فقط. وأما أصحاب الاروى والمحفة فلا يلبسون البرنس في أوقات ركوب السلطان، وإنما يمشون متجردين في القفطان والفرجية. وأما الحمارة فلباسهم القشابة والجلابة من الصوف، وليس لواحد غيرهم لبس الجلابة في الأوقات الرسمية ولو كان ولد السلطان أو أخاه أو عمه، ولبسها من الكبائر التي لا تغفر في النظام المخزنى والهيئة الرسمية، كما يمنع بتاتا لبس الأسود. وأما الأربعاويات فيلبسون القفاطين الحمر بدون فرجيات، ويشدون عليهم الحزم وتكون قلانسهم طوالا، ويحملون على عواتقهم مكاحل طوالا جدا، ويتقدمون أمام السلطان في الأعياد.

كيفية إجراء الأحكام المخزنية بدار المخزن

وأما الفرايكية فيلبسون البرنس، إلا في أوقات السفر أو إذا أضيفوا إلى الأربعاويات في الأعياد. ثم الذين يلبسون الكساء لا يسوغ لهم تغطية رءوسهم بالبرنس في الأوقات الرسمية، إذ تغطية الرأس به من خواص السلطان في الأوقات الرسمية، ثم إن الذين يقتصرون على لبس البرنس أو الجلابة لا يسوغ لهم أيضًا تغطية رءوسهم وكل من افتات أو تجاوز حده المحدود له تجرى عليه الأحكام المخزنية. كيفية إجراء الأحكام المخزنية بدار المخزن أما قواد الأراحى فتأديبهم وعزلهم لابد فيه من أمر السلطان، وأما قواد الحناطى الداخلين وقائد المظل وقائد المكاحل وقواد المئين والمقدمون فتجرى عليهم أحكام قوادهم إن ثبت عليهم ما يوجب ذلك بغير إذن، وأما مطلق المخازنية فتنالهم الأحكام حتَّى من المقدمين. كيفية ورود سفراء الدول على السلطان عندما يرد الإعلام من طنجة من النائب السلطانى إلى المخزن الشريف يأمر بتهيئ من يتوجه لإتيان بالمثل فيكتب الصدر الأعظم لقائد المشور ليفرض لفيفا من المحلة لذلك، وللحاجب بتنفيذ الخيل والبغال، ولأمين الصائر بتنفيذ ملازم السفر، ويكتب ظهيرا شريفا لكافة العمال والقبائل الممرور بها بالقيام والتموين وإظهار الفرح والتلاقى بكل بشاشة في الذهاب والإياب وبيان هذا سيرسم بعد بحول الله. كيفيه دخول ممثلى الدول من السفر صبيحة دخوله تخرج العساكر وتصطف على جانبى الطريق التي يكون مرور السفير بها مع الموسيقى السلطانية، ويخرج قائد المشور ووزير الحرب للقائه في أبهة

كيفية ملاقاة الأجانب مع السلطان

عظيمة من الخيل ووجوه الرجال، وعندما يلتقيان به يسلمان عليه راكبين ويتوجهان به لمحل نزوله. كيفية ملاقاة الأجانب مع جلالة السلطان يقف الترجمان عن يمين السلطان مقاربا له، ويقف الصدر الأعظم ووزير الخارجية عن يساره مقاربين له، ويقف السفير أمام الترجمان وترجمانه أمام الصدر الأعظم ووزير الخارجية، ويقف الملحقون بالسفير وراءه، ويقف أصحاب المكاحل قريبا منهم، ويقف قائد المشور عن اليسار قريبا من الملحقين بالسفير، ثم الحاجب قريبا من قائد المشور، ثم الحناطى الداخليون، ويقف أصحاب المكاحل مقابلين للواقفين منهم عن اليمين، ويقف خليفة قائد المشور عن اليسار أمام صف من المشاورية آخذا من اليمين إلى اليسار. ويسلم السفير السلام الأول عند هذا الصف، ثم السلام الثانى عند صف أصحاب المكاحل، ثم السلام الثالث عند صف بقية الوزراء والكتاب. ولما تكون الهيئة المذكورة تامة، يتوجه قائد المشور في نحو العشرة من أعوانه إلى منزل الممثل ليؤذنه بالطلوع لدار المخزن ويتوجه في رفقته قائد الرحى المكلف بحراسته في محل نزوله مع بعض أعوانه، وعند وصوله يكون قائد المشور في انتظاره خارج الباب ليتقدم أمامه لدى جلالة السلطان ولما يقابل جلالته يؤدى التحية الأولى بانحناء، والثانية والثالثة كذلك وفق ما تقدم، إلى أن تكون الهيئة موافقة لما ذكر، وعند انقضاء الحفلة يتوجه على الكيفية التي أمر بها. كيفية تقديم هديته للسلطان بعد المقابلة في اليوم نفسه عشية تحمل الهدية إلى دار السلطان، ويتوجه الممثل في هيئته بعدها فتخرج من صناديقها، وتوضع في محل جلوس السلطان

زيارة السلطان للأولياء

أمام صاحبها فيخرج السلطان بغير الهيئة الرسمية حتَّى تعرض عليه الهدية ويقبلها، وينصرف كل واحد لحال سبيله. زيارة السلطان للأولياء عند حلول السلطان بأى بلدة وعند خروجه منها يقع الإعلام لنقباء ومقدمى الأضرحة بيوم الزيارة ليتهيئوا، وفى صباح اليوم يتوجه عريف الجزارة بالقدر المأذون له فيه من رءوس البقر ويوزعه على عدد الأولياء، ويبقى كل فريق في محله إلى أن يأتى السلطان، وعند دخوله للضريح المزور يتقدم كبير الجزارة بالحضرة السلطانية ويتولى أمر الذبح إلى انتهاء الزيارة، وفى تلك الهيئة لا يستعمل السلطان المظلة بل تكون محمولة صحبته. حركة السلطان من بلد إلى أخرى عندما يشتد عزمه على الحركة يأمر الصدر الأعظم لكل من جرت العادة باستدعائه للحركة، فتكتب المكاتيب الشريفة وتسلم للحاجب ليختمها بخاتم السلطان، وبعد ذلك يطلعه عليها ليسلمها بعلامة التسليم، وترجع للصدر الأعظم لتجعل في أغشيتها وتسلم لقائد المشور ليوجهها صحبة أعوانه لأربابها من قواد القبائل والمدن والمراسى. وعندما يحين وقت قدوم الحراك يأمر السلطان بإخراج الافراك ويعين يوم نصبه فينصب بأبهة عظيمة يحضرها أكابر علماء البلد والقضاة وأعيان الشرفاء وقائد المشور ووزير الحرب والباشوات وكبار الجيش وقواد العساكر، وهؤلاء هم الذين يتولون نصبه بأيديهم مع إعانة المكلفين به وهم الفرايجية وقائدهم ويحضر الطعام الخاص من عند السلطان للقضاة والعلماء مدة مبيتهم بقبة السلطان بقصد قراءة صحيح الإمام البخاري بعد أداء الفريضة، وقراءة القرآن، وهي ثلاث ليال

كيفية نصب الافراك ومراكز المستخدمين والجيوش

كما كان ينتقى المسنين من أهل الفضل والصلاح لقراءة اسم الله تعالى (اللطيف) 10666 كل ليلة من الليالى المذكورة، ويفتتحون ذلك بعدد من الاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك من محكم العوائد حتَّى صار أصحاب اللطيف علما بالغلبة على تلك الجماعة المعدة لذلك. كيفية نصب الافراك ومراكز المستخدمين والجيوش تكون قبة السلطان الكبرى وسطا ويحاط بها قبب ووثاقات ويدار بالجميع سياج يسمى افراك، وتكون الأروى عن يمين افراك، ثم محل الحاجب ثم محل الحناطى الداخلية، ثم محل الصدر الأعظم وبالقرب منه محل الجيوش الرماة القائمين بالعسة الداخلية ليلا، وخيلهم تقوم بالطواف على المحلة من بعد صلاة العشاء حتَّى الصبح، ثم محل بقية الوزراء، ويكون أمام افراك فحل جلوس وزير الحرب ثم الخيمة حذاءه، وهي محل جلوس الصدر الأعظم وغيره من الوزراء وقائد المشور. ويكون بمقربة منها مخيم قائد المشور ثم خليفته ثم الحناطى البرانيون. وبمقربة منهم محل عسة العسكر القائمة ليلًا ونهارا، ويكون عن يسار افراك محل الحمارة، ثم مسجد الصلاة، وبقربه الصيوان، ثم المدافع وبقربها محل جلوس المشاورية فالقيام بالعسة في أوقات عمارة المشور. وبمقربة منه محل عسة الوطن وعلى سمتهم مخيم القبائل وعندما يجتمع الحراك، ويتحرك السلطان قاصدا وجهته تتلقاه القبائل على حدود ترابها بالألعاب والأفراح وأقداح الحليب تفاؤلا والهدايا وفق عوائدها في ذلك.

كيفية خروج السلطان يوم السفر

كيفية خروج السلطان يوم السفر في اليوم الَّذي قبل يوم السفر يتوجه أحد المهندسين مع الموقت لينظرا المحل الَّذي يصلح لنزول المحلة وقدر المسافة، ويجعل بذلك تقييدا لجلالة السلطان يدخل على يد الحاجب ليوقع عليه السلطان بما يظهر له من الاستحسان أو عدمه، وفى صبيحة يوم السفر يتقدم من ذكر صحبة قائد الافراك ليعينا له محل النزول، وتخرج جميع الأثقال المخزنية والأروى ثم عيال السلطان، ثم يخرج السلطان بعد وداعه لأهل البلد بدار المخزن، ثم يخرج الجميع خارج البلد مع عامله وقضاته وعلمائه وأعيانه حتَّى يمر الموكب المخزنى أمامهم. كيفية نهوض السلطان من المحلة يقع الإعلام ليلا بالرحيل لولاة الأمر، وعند الفجر لما يسمع طبال (الكومى) الخاص بالسلطان الَّذي هو علامة الرحيل يشرع الناس إذ ذاك في الرحيل، فيخرج السلطان بعد أداء فريضة الصبح ويجلس على عرشه مسندا ظهره للمحلة وهو ينظر للافراك حتَّى يجمع، ثم يأمر قائد المشور بأن يأمر الجيوش المبين تفصيلها بجمع القبة على ما جرت به العادة من أخذ كل فريق منهم حبلا من حبالها الوثقى المعبر عنها بالكمنة، ثم بعد جمعها في أقل من عشرين دقيقة لكثرة الجيوش مع كبر القبة واتساعها تحمل على البهائم. ثم يأمر قائد المشور بأن يأذن لهم في التوجه نحو الإمام، فيأذن لهم بعد أدائهم ما يجب من تقديم الاحترامات للسلطان، فيتقدم نصف الجيش وهو الجيش الشرقى بقواده وأعلامه فيتبعهم قائد الافراك بأعلامه وخيله أمام قبة السلطان، ثم القبائل قبيلة فقبيلة، ثم يأذن السلطان المخزن بالركوب فيركب ويصطف الجميع ثم يركب السلطان جواده.

كيفية مسير السلطان في السفر

كيفية مسير السلطان في السفر عندما يركب السلطان يتقدم أمامه بعض من أهل القبيلة التي هو بها أدلاء على الطريق حتَّى يخرج من ترابهم، ثم يتقدم غيرهم من أهل القبيل الَّذي حل به، ثم تتبعهم فرقة من الطبجية بمدافعهم محمولة على الدواب، ثم الموسيقى، ثم خليفة قائد المشور مع الراية الخاصة والطرادة البيضاء في شرذمة من الخيل حاملين للسلاح، ثم المراكب الستة المعروفة بـ (الكادة) ثم قائد المشور وأصحاب المزاريق، ثم جلالة السلطان محوطة بعبيد الأروى وقائدهم، ثم صاحب المظلة متأخر قليلا عن السلطان، ثم الحاجب وراءه، ثم أصحاب المكاحل محيطين بالجميع، ثم الفرس الحامل لصحيح الإمام البخاري محوطًا بأعلام جيش البخاري وقواده، ثم الوزراء يتقدمهم الصدر، ثم بقية الجيوش وراء الكل مع المال المحمول في رفقة السلطان، الَّذي من عادته في الحركة أن يكون تحت حراسة الجيش البخاري، وكذلك المساجين. كيفية دخول السلطان للمحلة عندما يقرب للمحلة تكون جميع خيل القبائل مصطفة عن اليمين، وخيل العسكر عن الشمال، فيؤدون له التحية ويحييهم قائد المشور إلى أن يدخل السلطان لإفراك. خروجه للأحكام في السفر إن كان مقيما يخرج صباحا ويجلس على كرسى ملكه بالصيوان لمباشرة الأشغال، فيدخل عليه قائد المشور بغير استئذان ليسلم له المكاتيب الواردة من الإيالة مع لائحة ببيان المحال التي وردت منها تلك اللائحة بتاريخ اليوم والشهر الَّذي قدمت فيه، وبعد خروجه يستدعى السلطان الصدر بواسطة صاحب

كيفية تموين المحلة

الوضوء، ثم بقية الوزراء أفرادا، ثم أمين الداخل، وأمين الصائر، وعند الزوال ينهض متوهجا نحو المسجد لأداء فريضة الظهر. ومن العوائد التي لا تتخلف اتخاذ مسجد للسفر تقام فيه الصلوات الخمس جماعة، ثم إذا فرغ السلطان من الصلاة يتوجه لإدارة الشئون واستقبال الوزراء طبق ما شرحنا، فإذا حان وقت المغرب وأدى فريضتها بالمسجد يتوجه لفسطاطه الكريم فيتناول العشاء، ثم إذا أذن المؤذن العشاء خرج لصلاتها بغير الهيئة الرسمية التي يخرج بها نهارا وكذلك لصلاة الصبح. ومن العوائد المقررة في سائر أسفار السلطان إتيان الطبالين بطبولهم ومزاميرهم والموسيقى والمغنيين أصحاب الملحون كل يوم بعد صلاة العشاء لباب الفسطاط السلطانى فيضرب كل من المذكورين برهة من الزمان، ثم يعقبه الآخر ويدوم ذلك مدة من الزمان ثم ينصرفون. وأما باقى أصحاب المحلة وفرقها فكل يعمل على شاكلته، فمن قال ومن ذاكر ومن متبتل ومن مغن ومن ومن إلى انشقاق الفجر أو ما يقرب منه، كما أن العادة جارية بضرب الطبول والمزامير والموسيقى والدفوف خلف موكب السلطان كل صباح عندما يظعن ويدوم ذلك نحو الساعة. كيفية تموين المحلة الشريفة عندما تنزل المحلة يأذن قائد المشور أعوانه بالتوجه مع الحمارين وأصحاب الماء ليستقوا ويأتوا بالكلأ للبهائم والحطب للإيقاد، فإذا انتصف النهار يأتى أهل تلك القبيلة بعدد وافر من الشعير والدقيق والسمن ورءوس الضأن، وعدد وافر من الدجاج ويقفون خارج المحلة حتَّى يستأذن عليهم قائد المشور، فيوجه من قبله مكلفًا بتقييد فيه بيان كيفية تفريق ذلك حسب العادة المقررة فيه، أولا الكشينة

كيفية تفريق المؤنة اليومية على المحلة

المولوية، ثم الأروى، ثم الوزير الصدر، ثم قائد المشور، ثم وزير الحرب، ثم وزير الشكايات، ثم وزير الخارجية، ثم الحاجب، ثم أمين الأمناء، ثم خليفة قائد المشور، ثم كبير المحلة، ثم يورع الباقى على سائر من بالمحلة. كيفية تفريق المؤنة اليومية على المحلة السعيدة الجيش البخاري وأصحاب الأعيان، المنشية، ابن سالم، شراكة، جيش آرغار، مسخروهم، جيش المغافرة، مسخروهم، الفرايكية، المشاورية الطلبة وأصحاب الفراش، أصحاب الأتاى، أصحاب الماء، أصحاب الوضوء، الجزارة، أصحاب الأروى، أصحاب المحفة، الشاونى، مزور الجمالة، الشرفاء، الطبجية والموسيقى، الحاج امنو، الحاج أحمد، الوصفان، الخيالة، الحاج عزور، مكانة، الغرناطى، الحاج عمر، آيت يمور، آيت الربع. كيفية وصول الجناب السلطانى إلى المحل المقصود بالإقامة يتقدم الإعلام لأولى الأمر بتعيين اليوم والساعة لدخول السلطان ليأخذوا في التهيؤ والتأهب لاستقبال جلالته المعظمة، فإذا خيم ركابه الشريف بضواحى البلد خرج العامل في أعيان أتباعه، وكذا جل الموظفين والأعيان لاستقبال جلالته وتهنئته بسلامة القدوم. فإذا أسعدهم الحظ بالمثول بين يديه وأدوا واجب التحية والتهنئة: منهم من يئوب إلى البلد ومنهم من يبيت مع الجلالة السلطانية بمحلته السعيدة ليلة أو ليلتين، فإذا كانت صبيحة يوم الدخول تسابق الناس على اختلاف طبقاتهم إلى خارج البلد، ثم تصطف العساكر ويخرج عامل البلد مع الموظفين والأعيان ويقفون على حد الباب الَّذي يكون منه دخول السلطان، وهو باب منصور العلج بالحضرة المكناسية، ويقف الشرفاء العلويون وفى مقدمتهم نقيبهم أمام ضريح جد العائلة

السلطانية الأكبر مولانا إسماعيل، والقضاة والعلماء، والعدول بالعقبة التي فوق الضريح الإسماعيلى، ثم لفيف من المخازنية ثم الشويردات، وتتصل الصفوف إلى باب قصر المدرسة العامر، وبداخل باب القصر يكون بعض أفراد العائلة الذين لا زالوا تحت ثقاف الحجر وأمين العتبة والعبيد المقيمين بضرورات من بالقصر من الحرم، وبداخل الباب الداخلى يكون وقوف عبيد الدار (الطواشين) ثم العيال الشريف، والسلطان يحيى كل طائفة وفريق بما يناسبه ويليق به ويرفع أكفه بالدعاء لهم، إلى أن يدخل لقصره العامر. وبعد حلوله البلد بنحو ثلاثة أيام يصدر أوامره بالإعلام بالزيارة والتطوف على أضرحة الأولياء، فيعلم عامل البلد والموظفون من نقباء وأمناء ونظار، فيأتون للأعتاب الشريفة في الوقت المعين لهم، ثم تخرج الجلالة السلطانية ممتطية متن جوادها وتسير في موكبها الزاهى الزاهر بعد أن تقدم أمامها عددا من البقر للضعفاء الملتجئين بالأضرحة المزورة والسدنة القيمين بها، وكذلك يفعل عند إرادته النهوض من البلاد التي أقام بها وتلك عادة كانت لا تتخلف. فإذا كان السلطان ابتدأ في زيارته بضريح البضعة الطرية مولانا إدريس الأكبر دفين جبل ررهون، فيحتفل سكان ذلك الجبل وبالأخص القاطنين بالزاوية الإدريسية لزيارته بقدر إمكانهم، فيزور ويرجع من يومه غالبًا، وربما قدم زيارته في بعض الأحيان على دخول مكناس. وأما أضرحة صلحاء العاصمة المكناسية فيبتدئ بزيارة أبي زكرياء الصبان، ويختم بضريح جده الأكبر مولانا إسماعيل، وضجيعه جده دنية مولانا عبد الرحمن بن هشام، وعندما يدخل للضريح المذكور يجد الشرفاء والطلبة مصطفين أمام المحراب في انتظاره، وبمجرد ما يلوح عليهم سنا بدر محياه يفتتحون قراءة سورة: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا}.

العادة في الولائم السلطانية

وعند ختمهم إياها يصلهم بنحو ألفى فرنك ويمنح المقدمين به بما يقرب من ذلك، ثم يتوجه لقصره العامر، وألسنة الضعفاء رطبة بالدعاء له والثناء عليه بما أفاض عليهم من سجال العطايا. العادة في الولائم السلطانية إذا أراد السلطان جعل عرس أو ختان، أمر خاصة بنى عمه وأقاربه وذوى الحيثية من رؤساء جيشه بإدخال أبنائهم للختان أو بناتهم للتزوج، وأمر عامل البلد بتعيين أبناء الضعاف الذين لا يستطيعون الاحتفال بعرس أولادهم أو ختانهم، ويعين لهم اليوم فيأتون ويختتنون وينفذ لوالديهم أو من هم إلى نظرهم ما يكفيهم لجعل وليمة كل على قدر منصبه ومكانته، وهكذا في العرس ويصدر الأمر بالاستدعاء للعمال والموظفين على اختلاف طبقاتهم في سائر أنحاء الإِيالة، فتأتى عمال المدن والقبائل بالهدايا الضافية وتفاض عليهم في أيام الوليمة أنواع الإنعامات، فإذا تمت الوليمة ودعوا ونفذت لهم الكساوى كل وما يناسب حاله وينصرفون فرحين مبتهجين. كيفية العقيقة إذا كانت عند السلطان عقيقة أو عند أحد من بنيه أو أقاربه الذين بداخل قصره، يأمر قائد مشوره بجعل قائمة بأسماء الذين يحضرون في تلك العقيقة، وعندما يقدمها يوقع عليها بالتسليم، ويلاحظ على من تجرى العادة بإحضاره فيقدم أولا أصناؤه ثم أعمامه وأصهاره ثم النقباء فوجهاء عائلته فالقضاة والعلماء فكبراء الزوايا وباشا المدينة وبعض الأعيان والموظفون من كتاب وأمناء ونظار ثم قواد المسخرين والعسكر والجيش.

نزهة شعبانة

نزهة شعبانة فإذا كانت العشر الأواخر من شعبان أمر السلطان وزيره الصدر باستدعاء الشرفاء. والعلماء والأعيان والباشوات والقواد، فيكتب لهم بطائق الاستدعاء للحضور بشريف الأعتاب بقصد حضور وليمة شعبانة مع الجناب العالى، فتضرب الأخبية والفساطيط بأحد أجنة المخزن وتعين المحال للمستدعين كل وما يناسبه، وتفاض عليهم أنواع الأطعمة الشهية والحلويات والأتاى، ويكون المطربون بينهم مناوبة وذلك كل يوم من الصباح إلى العشى، وربما خرج السلطان إليهم بنفسه ورحب ويدوم ذلك سبعة أيام آخر يوم منها هو آخر يوم من شعبان، أما الوزراء والكتاب فإنهم يستدعون مشافهة بواسطة الزير الصدر. العادة في الجنائز إذا كانت الجنارة من ذوى الأقدار العالية يحضرها جميع الوزراء والقواد وأصحاب الهيئات، ويحضرها السلطان بنفسه ويقع الإعلان بالنداء لعامة أهل البلد فيحضرونها ومن تخلف يعزر، وإلا بأن كانت الجنازة من مطلق الحاشية فيحضرها الحاجب أو خليفته وعامة أهل البلد. بيان تموين الدار العالية بالله بمكناس مياومة ومشاهرة ومسانهة فمن لحم الضان مياومة أربعة قناطير، وست وسبعون رطلا، ومن الخضر المختلفة ستون قفة. ومن الدقيق مشاهرة مائة قنطار، وأربعة وأربعون قنطارا، وسبع وعشرون رطلا ونصف الرطل. ومن السمن المذاب سبعة قناطير وسبع وسبعون رطلا.

ومن الصابون ستة قناطير وستون رطلا. ومن الفحم خمسمائة قنطار وسبعة أرطال. ومن الحطب خمسمائة حمل وأربع وخمسون. ومن السكر تسعون قالبا. ومن الأتاى تسع وعشرون رطلا. ومن الشمع خمس وعشرون ابرة. ومن الفلفل الأسود ست وأربعون رطلا. ومن الفلفل الأحمر أحد عشر رطلا. ومن الكمون أربعة عشر رطلا. ومن القرفة خمسة أرطال. ومن أثمان الزعفران مائة وسبعة عشر ثمنا. ومن الزيت خمسمائة وثمانية عشر رطلا. ومن الملح أربعون مدا. ومن الشطاطيب ثلاثمائة وخمس وخمسون شطابة. ومن الشرابيل (نعال النساء) تسعة وتسعون شربيلا. ومن البلاغى (نعال الرجال) اثنا عشر. ومن الدراهم نحو الخمسة عشر مائة فرنك. ومن الخليع مسانهة مائة وثلاث وعشرون ثورا وثمانية عشر قنطارا وخمس وأربعون عنها ثمانية وعشرون ثورا.

ومن الشحم ثمانية عشر قنطارا وخمس وأربعون رطلا. ومن الزيت لتقلية الخليع مائتا قلة واثنان وثمانون قلة كل قلة كيلها عشرون ليتر وما يكفى لذلك من الثوم والكمون وزريعة القزبور. ومن رءوس الضأن للأضحية في عيد الأضحى نحو الثلاثة آلاف، وفى أول خميس من رجب خمسة عشر قنطارا وخمسة أرطال من الحلواء، وخمسة عشر مائة طير من الدجاج، ونيف وكذلك في النصف، وفى السابع وعشرين من الشهر المذكور، ومثل ذلك في منتصف شعبان، ومنتصف رمضان والسابع والعشرين منه، وفى يوم عاشوراء، ويزاد في هذا اليوم على ما ذكر خمسون حملا من أنواع آلات اللعب والطرب للصبيان والنساء، ومن القمح لزكاة عيد الفطر أربعة أوسق. ومن الشعير لعلف إناث الخيل التي بأجدال بقصد الإنتاج وعددها خمسمائة وسبعون فرسة من أعتق موجود وفحولها وعددها ستة وعشرون أوسق تسعة وأربعون وستة وعشرون مدا مشاهرة. ومن شعير علف النعم ثلاثة أمداد مياومة. ومن شعير علف ذكور الضأن المعدة للشواء للجناب السلطانى عندما تكون جلالته بالعاصمة المكناسية ستة عشر مدا في كل يوم. وفى أيام الشتاء ينفذ للدار العالية بالله عدد وافر من الشكلاط وقدور السكنجبير المرقد في السكر والعسل ومعاجين التفاح والإِجَّاص (¬1) والسَّفَرْجَل (¬2)، ويخص الأعيان من الشرفاء والشريفات بالعنبر. ¬

_ (¬1) الإجَّاص: شجر من الفصيلة الوردية، ثمره حلو لذيذ، يطلق في سورية وفلسطين وسيناء على الكمثرى وشجرها، وكان يطلق في مصر على البرقوق وشجره. (¬2) السفرجل: ضجر مثمر من الفصيلة الوردية.

وفى كل عاشوراء يوجد عدد وافر من الدراهم لا يقل عن ثلاثين ألف فرنك، يوزع على من بالدار العالية حتَّى وخش الرقيق صلة. كما تنفذ للدار العالية ومن في حكمها الكسوة النسوية صيفاء وشتاء الطبقة الأولى تقاصيص خمس من الملف الرفيع في كل تقصيصة أربعة أذرع ونصف، وخمسة أطراف من رفيع الكتان، وعشرة شقق من ثياب الحرير والقطن، ومائة وخمسون فرنكا. الطبقة الثانية ثلاثة تقاصيص ملفا، وثلاثة أطراف كتان، وستة دفائن من القطن ومائة فرنك. الطبقة الثالثة تقصيصة من الملف وطرف من الكتان وطرف من الشيت (كتان غليظ مزوق بالألوان) وكلما ورد السلطان من أسفاره ينفذ لمن ذكر الصلة بقدر صلة الزكاة المذكورة عادة محكمة لا تتخلف. وليس ما بين قاصرًا على مكناس بل يعم سائر الدور السلطانية وما هو مضاف إليها ومحسوب عليها بفاس ومراكش وتافيلالت، ولم يكن لهذا القدر حد ممدود بَلْ من طلب شيئًا من السبانى أو حزم الزردخان أو الفلوس أو الكسوة ينفذ له. أما باقى العائلة من الشرفاء القاطنين بالدار الكبرى والستينية فقد كان لهم من الخبز في كل يوم مائتان يقتسمونها بينهم، وفى كل عاشوراء ألف ريال، ومثلها في عيدى الفطر والأضحى، وكذلك في عيد المولد النبوى. وكذلك ثلاثمائة رأس من ذكور الضأن أضحية لهم في كل عيد أضحى، والكسوة للأرامل والأيتام، ودار مولاى عبد الله، وحزابة الضريح الإسماعيلى ومن في حكمهم كل سنة.

مشيخته

ومن أراد أن يتزوج أو يزوج أو يعق أو يجعل ختانا ينفذ له مأ يكفيه في وليمته مع الكسوة لعائلته. ولم يزل العمل جاريا بجميع ما سطرناه إلى آخر نفس من الدولة العزيزية، أما الآن فإن مُؤنْةَ الدور السلطانية والعائلات الملوكية صارت تدفع نقودا، كما أن الخليع والكسوة السنوية والصلات الاعتيادية قد أبطل العمل بها، كما عطل استعراض السلطان جيوشه بنفسه، وكذلك جميع الجيش السلطانى لم يبق منه اليوم عدا نحو المائتين والخمسين بضميمة الإضافات والملحقات كما أنَّه لم يبق اليوم سوى (طابور العبيد) المسمى بالحرس الملوكى. وليس مستندنا في ذلك مجرد السماع بل المشاهدة والعيان والحيازة للواجب من ذلك من الصنف الأول وبمكتبتنا من الأوراق الرسمية التي هي أكبر دليل وأوضح برهان عليه ما لو تتبعنا بعضه من جلب النصوص لاحتجنا إلى مجلدات، ولكن ما لا يمكن كله لا يترك كله، وما عندنا بالنسبة لما غاب عنا قل من كثر، فإن الكنانيش المعدة لتقييد ذلك وضبطه من العصر الإسماعيلي إلى آخر الدولة العزيزية فرقته أيدى سَبَأ، كم أوقدت به من فرن وسخنت به من حمامات الشيء الَّذي تخر له الجبال هَدًّا. وقد ألم محبنا وابن محبنا ومحب سلفنا القائد المصطفى بن يعيش رئيس مشور الخليفة السلطانى بتطاوين ببعض هذه الفصول في كناشته المتفرعة من كناشتى والده وجده، وهما ممن كانت له رياسة قيادة المشور وتربى في الخدمات السلطانية منذ نعومة الأظفار إلى أن شب وشاب. مشيخته: منهم صاحب شكاياته أبو الحسن على المسفيوى وستأتى ترجمته، وأبو العباس أحمد بن الحاج السلمي الفاسى محشى المكودى والأزهرى على الآجرومية، ومؤلف التاريخ المسمى بالدر المنتخب المستحسن، وأبو عبد الله محمد ابن عزوز الرباطى الأصل المراكشى الدار.

بناءاته

بناءاته: قد أتينا على ماله من المآثر بالعاصمة المكناسية عند تعرضنا لما للملوك فيها من الآثار، وقد أنفق في ذلك أموالًا كثيرة حسبما يدل لذلك كناش قوس مكناس المحفوظ بخزانتنا، كما قدمنا قريبا ذكر ما شيد وجدد من الأبراج والحصون بثغرى طنجة والرباط، ومن آثاره أيضًا بالرباط بناؤه مرساها وتجديد ديوانتيها والزيادة في رصيفها قبل إصلاحها الحادث بعد، وكذلك بنى قصبة الحاجب بحبوحة برابرة بنى مطير وقصبة تيزنيت، ومن تأسيساته باب قبيبة السمن كما يدل لذلك ما هو مكتوب باعلى الباب المذكور في نقش زليج أسود بخط بارع ولفظه: باب السعادة أشرقت أنوارها ... لما ارتقت أوج العلا أسوارها أضحى على الفتح المبين بناؤها ... فلذاك جلت جملة أخطارها قامت بسعد مليكنا الحسن الرضى ... فعلا به فوق السهى مقدارها لازال نصر الله منها داخلا ... لجناب من عزت به أنصارها والعز والتمكين يغشاه بها ... حتَّى تتم لنفسه أوطارها ما قال سعد تمامها تاريخها ... "كملت مبان بابها آثارها" ما خلفه من الأولاد رحمه الله مولانا محمد -فتحا- الخليفة بمراكش سابقا، وهو أكبر المذكور وشقيقاه مولاى زين العابدين الخليفة السلطانى بتزنيت حينه، ولال أمينة أمهم الشريفة المصونة مولاتنا زينب بنت العلامة مولاى العباس بن عبد الرحمن بن هشام.

مولاى عبد الحفيظ السلطان السابق، وشقيقاه مولاى بو بكر خليفته بمراكش سابقا، ولال حبيبة أمهم الحرة المكنونة السيدة العالية بنت صالح بن الغازى الشاوى الشهير. مولاى إسماعيل وشقيقته لال خديجة المدعوه لال سيدى أمهما الشريفة لال هنية بنت ابن عمنا النقيب مولاى أحمد بن زيدان. مولاى المصطفى وشقيقته السيدة نزهة أمهما الشريفة لال أم الغيث بنت مولاى الأمين بن عبد الرحمن بن هشام. مولاى الكبير وشقيقته لال شريف أمهما ميمونة. مولاى عبد العزيز السلطان من بعده وشقيقه سيدى محمد المهدى أمهما المولاة رقية تركية. السلطان مولانا يوسف والسيدة زينب أمهما الصينة المولاة آمنة تركية توفيت في عهد ولدها سنة 1336 وقال الشعراء في رثائها. مولاى المأمون الخليفة السلطانى حينه بفاس. أمه المولاة الياسمين صرغينية. مولاى عثمان وشقيقته السيدة ربيعة أمهما المولاة طويمو. مولاى جعفر أمه المولاة عويشة. مولاى بلغيث وشقيقته السيدة أسماء أمهما المولاة زهراء بوزكرى شاوية. مولاى الطاهر وأشقاؤه، مولاى أحمد، ومولاى التهامى وسمى جده سيدى محمد دعى المكناسى، والسيدة لبابة ولال مليكة أمهما المولاة حسن الملك تركية. مولاى موسى، وشقيقه مولاى الأمين أمهما المولاة طويمو السيد موسى. مولاى العباس وشقيقته السيدة سكينة أمهما المولاة كنزة.

مولاى إدريس أمه المولاة حبيقة. مولاى الطيب أمه المولاة فائدة الشركية. مولاى على أمه المولاة جمعة. مولاى عبد الله وشقيقه المولى الحسن أمهما المولاة فتح الزهر مولاى عمر الخليفة السلطانى بفاس سالفا وشقيقته لال أم الخير أمهما المولاة خويرة عبد الكامل. السيدة حفصة وشقيقتها السيدة أم هانى أمهما المولاة عبلة. السيدة أم كلثوم أمها المولاة عائشة التركية. السيدة كنزة أمها المولاة الدامى عبدية. السيدة فخيتة أمها لبيبة تركية. السيدة الباتول والسيدة عائشة والسيدة فاطمة الزهراء أمهن الضاوية شلحة. السيدة السعدية أمها زهرة شيظمية. السيدة صفية والسيدة جمالة أمهما المولاة فتح الزهر الصغيرة. السيدة فضيلة أمها المولاة بحر الزين. السيدة زهور أمها المولاة نضار تركية. السيدة فاطمة وهي أكبر أولاده ذكورًا وإناثا أمها زهوة شيظمية. السيدة مريم والسيدة عتيكة أمهن المولاة فتح الزهر عبد الكامل. السيدة ستى أمها المولاة خديجة تركية.

الشريفات من نسائه

الشريفات من نسائه الشريفة السيدة زينب المذكورة، والشريفة السيدة هنية المذكورة، والشريفة السيدة حليمة بنت مولاى العباس بن عبد الرحمن، والشريفة السيدة مليكة، والشريفة السيدة أم الغيث بنت مولاى الأمين، والشريفة السيدة ستى بنت مولاى على بن عبد الرحمن بن هشام. الحرائر منهن السيدة العالية المذكورة، والسيدة خديجة بنت الكبير بن المدني الشاويتين والمذكورات من الشريفات. المطلقات منهن 1 الزيدانية، 2 والسيدة زينب، 3 والسيدة العالية، 4 وبنت ابن المدني: والباقيات 4 مات وهن في عصمته وما عداهن من المذكورات مستولدات. وفاته: توفى أثناء طريقه لدا منقلبه من مراكش لمكناس وفاس عقب أوبته من الحركة الفيلالية المارة الذكر بالمحل المعروف بدار ولد زيدوح من قبيلة بنى موسى من الصقع التادلى في الساعة الحادية عشرة من ليلة يوم الخميس ثانى ذى الحجة الحرام متم عام أحد عشر وثلاثمائة وألف، وكتم ذلك عن الخاصة والعامة داهية الحجاب والوزراء أحمد بن موسى مار الترجمة، ولم يفش الأمر لأحد وأمر الحرم بالتجلد والصبر، وإلا فإنهن يوقعن أنفسهن في الفضيحة والعار لعدم أمن غائلة تلك القبيلة، وصار يصدر الأوامر والنواهى للوزراء وغيرهم على لسان المترجم وأمر من يناديه كل آونة ليكلم السلطان ولم يزل يرتكب وجوه التدبير والسياسة حتَّى قطعت المحال المهامة المخوفة وخيمت بالمحل المعروف بالبروج من بلاد بنى مسكين، فعند ذلك باح للناس بما كتم، وأبرز المقدور المحتم، فتسارع الناس لبيعة

ولى عهده المولى عبد العزيز وغسل المترجم وكفن وجعل في تابوت، وحمل إنى رباط الفتح حيث مضجعه الآن بضريح جده السلطان سيدى محمد بن عبد الله، وطير الإعلام بذلك للحواضر والبوادى، فوصل الخبر لمكناس وفاس يوم الثلاثاء سابع الشهر، وفى الساعة الحادية عشرة من يوم عرفة دفن حيث أشير، رحمه الله رحمة واسعة آمين * * *

الطبعة الأولى 1429 هـ - 2008 م حُقُوق الطَّبْع مَحْفُوظَة للناشر الناشر مكتبة الثقافة الدِّينِيَّة 526 شَارِع بورسعيد - الْقَاهِرَة ت: 25922620 - 25938411 - فاكس: 25936277 E-mail: [email protected] بطاقة الفهرسة إعداد الْهَيْئَة المصرية الْعَامَّة لدار الْكتب والوثائق القومية إدارة الشئون الفنية إتحاف أَعْلَام النَّاس بِجَمَال أَخْبَار حَاضِرَة مكناس ج 3 تأليف: ابْن زَيْدَانَ عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد المكناسي, تَحْقِيق: عَليّ عمر، ط 1، الْقَاهِرَة: مكتبة الثقافة الدِّينِيَّة 2008 م 5 مج: 24 سم تدمك: 8 - 391 - 341 - 977 1 - الْفُقَهَاء - معاجم أ - عمر، عَليّ (مُحَقّق) ب - العنوان ديوى: 922.58 رقم الْإِيدَاع: 7668/ 2008

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

[صورة] كان المؤلف قد أهدى لجلالة الملك فؤاد ملك مصر نسخة مما طبع من التاريخ فورد عليه الرد من حضرة صاحب الدولة محمد توفيق نسيم باشا رئيس الوزارة المصرية سابقًا ورئيس الديوان الملوكى حالا

إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار محاضِرَة مِكناس لابن زيدان

124 - الحسن بن عثمان بن عطية التجانى المكناسى المعروف بالونشريسى أبو على

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما * * * 124 - الحسن بن عثمان بن عَطِيَّة التجانى المكناسى المعروف بالوَنْشَرِيسى أبو على. حاله: فقيه عدل متقن نقاد، مفت مدرس نفاع، صالح فرضى حيسوبى، له عناية بفروع الفقه ومعرفة بقرض الشعر، والأدب. وهو من جملة من لقيه لسان الدين ابن الخطيب من أئمة مكناسة وجلة أعلامها وقد قال في حقه: وكان فقيها عدلا من أهل الحساب والقيام على الفرائض والعناية بفروع الفقه ومن ذوى السذاجة والفضل ويقرض الشعر، وله أرجوزة في الفرائض مبسوطة العبارة مستوفية المعنى هـ. وقال ابن الأحمر في حقه: شيخنا الفقيه المفتى المدرس القاضي الفرضى الأديب الحاج أبو على بن الفقيه الصالح أبي سعيد عثمان التجانى المنعوت بالونشريسى أجازنى عامة (¬1) هـ. ذكر له صاحب المعيار فتاوى عدة في غاية الإتقان تبرهن على تبحره وتضلعه. ¬

_ 124 - من مصادر ترجمته: جذوة الاقتباس 1/ 179، وكفاية المحتاج 1/ 120. ونفح الطيب 5/ 352 - 353، ونفاضة الجراب - ص 375، ونيل الابتهاج 1/ 171، ووفيات الونشريسى ولقط الفرائد في موسوعة أعلام المغرب 2/ 692، 693. (¬1) نفح الطيب 5/ 352، 353.

125 - الحسن بن عطية أوردهما معا ابن فازى في روضه.

مشيخته: منهم الفقيه الإمام النظار أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل بن الصباغ الخزرجى المكناسى. الآخذون عنه: منهم ابن الأحمر أجازه موطأ مالك برواية يحيى بن يحيى [ولد في حدود أربع وعشرين وسبعمائة، وكان حيا في حدود التسعين] (¬1). 125 - الحسن بن عطية (¬2) أوردهما معا ابن فازى في روضه. حاله: فقيه جليل. علامة أصيل. عدل رضى من عدول مكناسة المبرزين ومدرسى جامعها الأعظم، له مهارة تامة ويد طولى وعناية كاملة بفروع الفقه وتضلع في الحساب والفرائض وقرض الشعر ولى القضاء أظنه بفاس ثم رحل إلى الحج في خلق ورجع لفاس وهم أن يتخلى عن القضاء ويتفرغ للعبادة حتَّى يأتيه أمر الله فقالت له امرأته: إما أن ترجع للقضاء دراما أن تطلقنى فإنى استأنست أن يخدمنى النساء فرجع إلى القضاء ثم مات بعد خمسة عشر يوما. مشيخته: منهم الفقيه الراوية الحافظ خاتمة محدثى المغرب أبو البركات بن الحاج البلفيقى (¬3). ¬

_ (¬1) مكان ما بين الحاصرتين في المطبوع: "وفاته: توفى عام واحد وثمانين وسبعمائة". وما بين الحاصرتين هو ما ورد لدى المقرى في نفح الطيب 5/ 353، وابن القاضي في جذوة الاقتباس 1/ 180 ولديه: "لم أقف على وفاته"، والتنبكتى في كفاية المحتاج 1/ 121، ونيل الابتهاج 1/ 171. 125 - من مصادر ترجمته: جذوة الاقتباس 1/ 179، ونيل الابتهاج 1/ 170. (¬2) بعدها في المطبوع: "ابن أخي الَّذي قبله" وهذا إنما ينطبق على الحسن بن عثمان الَّذي قبل هذه الترجمة. (¬3) من هنا حتَّى نهاية الترجمة خاص بالحسن بن عثمان كما نص على ذلك المقرى في ترجمته. والمؤلف هنا خلط بين ترجمة الحسن بن عثمان ابن أخي الَّذي بعده، دون أن يتنبه.

الآخذون عنه: منهم ابن الأحمر، وجماعة. قال ابن الأحمر: وأجازنى عامة (¬1) هـ. مؤلفاته: منها رجز في الفرائض مبسوط العبارة مستوفى المعنى. قال في نفح الطيب: وله شرح عليه هـ. وفتاوى عدة نقل منها صاحب المعيار جملة وافرة وحلاه عند التعرض لذكره بالقاضى العلامة. ومن ذلك قوله في القضية التي وقعت له مع عدول مكناسة لما عينه السلطان أبو عنان في جملة من وقع عليه اختياره حين أمر بالاقتصار على عشرة من الشهود بالمدينة المذكورة وأنف شيوخ عدولها من ذلك لحداثة سن المترجم: نبدأ أولا بحمد الله ... ونستعينه على الدواهى (¬2) ثم نوالى بالصلاة والسلام ... على النبي دونه كل الأنام وبعد ذا نسأل رب العالمين ... أن يهب النصر أمير المؤمنين خليفة الله أبا عنان ... لا زال في عز مع الأمان ملكه الله من البلاد ... من سوس الأقصى إلى بغداد ويسر الحجار والجهادا ... وجعل الكل له مهادا يا أيها الخليفة المظفر ... دونك أمرى إنه مفسر عبدكم نجل عطية الحسن ... قد قيل لا يشهد إلا إن أسن ¬

_ (¬1) نفح الطيب 5/ 353. (¬2) الخبر والأبيات لدى المقرى 5/ 353 وقد نسب الأبيات إلى الحسن بن عثمان بن عطية وليست للحسن بن عطية، ومثله لدى التنبكتى في نيل الابتهاج 1/ 171 - 172.

126 - الحسن أبو الطيب بن محمد السهلى الشهير بآمكراز.

وهو في أمركم المعهود ... من جملة العشرة الشهود نص عليه أمركم تعيينا ... وسنه قارب أربعينا مع الَّذي ينتسب العبد إليه ... من طلب العلم وبحثه عليه على الفرائض له أُجورة ... أبرز في نظامها إبريزه ومجلس له على الرسالة ... فكيف يرجو حاسد زواله حاشا أمير المؤمنين ذاكا ... وعدله قد بلغ السماكا وعلمه قد طبق الآفاقا ... وحلمه قد جاوز العراقا وجوده مشتهر في كل حى ... قَصَّرَ عن إدراكه حاتم طىّ ويقال إنه لما وصلت الأبيات للسلطان أمر بإقراره على ذلك. ولادته: ولد في حدود أربع وعشرين وسبعمائة وكان حيا قرب التسعين وسبعمائة. 126 - الحسن أبو الطيب بن محمد السهلى الشهير بآمكراز. دفين خارج باب أبي العمائر أحد أبواب مكناسة الزيتون، وضريحه هنالك شهير كان عليه بناء حافل أخنى عليه الدهر اليوم فَهُدّ ومزقت بهجته كل ممزق بعد حلول الدولة الحامية .. ولعبت بضريحه أيدى الحدثان تارة يكون مقيلا للفاسقين، وتارة مرحاضا للمتغوطين، وآونة لربط الدواب وأخرى لطرح القاذورات والأوساخ. حاله: شيخ جليل القدر. شهير الذكر. حسن السيرة. منور السريرة. طريقه راجعة إلى الشيخ أبي عبد الله الجزولى.

127 - الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن حرزوز المكناسى أبو على.

الآخذون عنه: يقال منهم السيد عياد والد أبي زيد عبد الرحمن المجذوب. وفاته: توفى سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة. 127 - الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن حرزوز المكناسى أبو على. من ذرية أبي على منصور. حاله: كان رحمه الله فقيها جليلا علامة فهامة إماما عارفا محدثا ماهرًا، متقنا مشاركا متضلعا، أديبا كاتبا، خطيبا فصيحا بليغا، لم ير بالمغرب خطيب أفصح منه، ولم يكرر خطبة قط. رحل إلى المشرق ولقى به المشايخ وأخذ عنهم، وكان يروى كتب السنة الستة والموطأ لإمامنا مالك بأسانيدها إلى مؤلفيها بالإجازة العامة، وقد كان بلغ الغاية القصوى من الحظوة والوجاهة عند ملوك عصره، وكانت له نية صالحة في طريق القوم. امتحنه السلطان أبو عبد الله محمد الشيخ السعدى لكلام بلغه عنه وأنه كان يعرض في خطبه به ويحذر الناس من اتباعه والانقياد إليه ويقول على المنبر: جاءكم أهل السوس الأقصى البعاد، ثم يذكر الشيخ ويقول: وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد، وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد في كلام غير هذا. فقتله هو وولده صبرا، وعلقهما على باب دارهما، وكان قد أخبر الممتحن بذلك الشيخ أبو الرواين الآتى في حرف الميم في قصة تأتى هناك بحول الله، ولما أُشخص مع ولده لمصرعهما قال لولده: اصبر يا ولدى هي والله شهادة كشهادة شهيد الدار يعنى ابن عفان رضي الله عنه.

مشيخته: أخذ عن أبي عبد الله محمد الوقاد حسبما أفصح بذلك هو نفسه في فتواه بالموافقة على جوار اعتمار الممنون عليهم بالإسلام من الذميين بأسواق المسلمين، وهي من جملة مشمولات نصيحة المغترين وكفاية المضطرين في التفريق بين المسلمين بما لم ينزله رب العالمين، ولا أخبر به الصادق الأمين، ولا ثبت عن الخلفاء المهتدين. وأخذ عن أبي حفص عمر بن نور الدين أبي الحسن على بن علم الدين الربيع سليمان الجزائرى مسكنا التونسى موطنا وألبسه الخرقة، وذلك يوم الأربعاء ثامن عشر حجة الحرام سنة اثنتين وتسعمائة، وقد لبسها هو من يد شيخه أبي إسحاق إبراهيم التازى عن المراغى بسنده الشهير كما ذلك بفهرسة المترجم، وصافحه وشابكه وأضافه بالأسودين، وسمع منه حديث الرحمة وهو أول حديث سمعه منه وأجازه، بجميع ما ذكر، وأبو حفص هذا يروى عن التازى المذكور عن الزواوى بأسانيده. وأخذ أيضًا عن الحافظ فخر الدين عثمان الديمى المصري بمنزله بالديار المصرية وأجازه بالكتب الستة، وموطأ إمام دار الهجرة إمامنا مالك بن أنس رضى الله عنه. وعثمان هذا يروى صحيح مسلم وسنن ابن ماجة عن عز الدين عبد الرحيم ابن محمد بن الفرات، وصحيح البخاري عن أبي إسحاق إبراهيم بن صدقة الصالحى الحنبلى، ويروى موطأ مالك برواية يحيى بن يحيى وسنن الترمذي وشمائله وسنن النسائي، وسق أبي داود قراءة وسماع قراءة لبعضه عن الشيخ عز الدين المذكور حسبما وقفت على ذلك في إجازات شيوخه له بخطوطهم رحم الله الجميع بمنه.

128 - حسن نور الدين بن أحمد بن العباس بن أبي سعيد المكناسى.

الآخذون عنه: سمع منه أبو عبد الله محمد بن عسكر صاحب الدوحة وغيره. وفاته: توفى شهيدا في ذى القعدة عام ستين وقيل واحد وستين وتسعمائة. 128 - حسن نور الدين بن أحمد بن العباس بن أبي سعيد المكناسى. حاله: فقيه علامة له مشاركة في سائر العلوم دخل مصر سنة أربع وسبعين وألف ورحل إلى الحج واجتمع على السيد عبد الرحمن المحجوب المكناسى بمكة. مشيخته: أخذ عن أبي عبد الله محمد بن أحمد الفاسى نزيل مكناس وحضر دروس سيدى عبد القادر الفاسى ودروس الشبراملسى ومنصور الطوخى وأحمد البشبيشى ويحيى الشهاوى وغيرهم. ولادته: ولد بمكناس سنة إحدى ومائة وألف. وفاته: توفى بمصر سنة إحدى ومائة وألف. 129 - الحسن بن رحال بن أحمد بن على التدلاوى ثم المعدانى -كذا قرأته فيما كتبه بخطه منه نقلت- الإمام الكبير أبو على. حاله: كان نادرة الزمان، وأعجوبة الأوان، حافظا لافظا متضلعا ماهرًا، له ملكة واقتدار في سائر الفنون حتَّى كان يدعى بصاعقة العلوم والتدريس، له عارضة كبيرة في الفقه، واتساع زائد في النوازل والأحكام، وملكة عجيبة في الفتوى، وصبر هائل في مجلس الإقراء، متسع الصَّدر والعارضة لما يلقى عليه في مجلس درسه من الأبحاث، يجلس للدرس عند طلوع الشمس ويتمادى إلى الزوال من غير ملل ولا ضجر، وهذا لا ريب تأييد إلهى. وكان لا يعجز عن الجواب مع استحضار النصوص المحيطة بالمرام، كثير المطالعة والتقييد، مرجوعا إليه في الفتاوى، مستحضرًا للفروع، كثير الإنصاف

والتواضع، سليم الصدر، كريم الأخلاق، حلو المداعبة، بعيدًا عن التصنع، مطنبا في الكلام، مفضالا جوادًا. ولى قضاء فاس العليا ثم أُخر عنه وأكب على التدريس والتأليف، ثم ولى في آخر أمره قضاء مكناسة وبها توفى قاضيا. وكان كثير العيال، كثير التزوج مطلاقا، ولد عدة أولاد، أفنى الموت الكثير منهم، وكان أكولا، قال بعضهم: بات عنده ضيف فأتى بطعام كثير في إناء كبير يشبع جماعة من الناس فكل الضيف مثل عادته، وأكل المترجم جميع الطعام الَّذي بقى، وشرب ما يناسبه من اللبن العقيد، وبقى الضيف متعجبا. وبات يطالع إلى أن طلع الفجر فصلى الفجر والصبح، ثم جلس للمطالعة إلى أن خرج للتدريس فجلس يدرس إلى الزوال على عادته، وكان قليل النوم كلما أدام الأكل زادت قواه في المطالعة، وذلك أمر عجيب لمخالفته للعادة، فقد اتفق الأطباء على أن كثرة الأكل تورث النوم والعكس بالعكس، والله على كل شيء قدير، ومستند ما اتفق عليه الأطباء هو العادة؛ لأن كثرة الأكل ينشأ عنها السمن وكثرة الدم وهما يقتضيان كثرة النوم. مشيخته: منهم الشيخ الإمام الحسن بن مسعود اليوسى، وسيدى عبد السلام القادرى ونظراؤهم. الآخذون عنه: جم غفير، منهم المحدث الكبير الإمام القدوة ذو القدر الخطير سيدى الكبير السرغينى، ومنهم العلامة الصالح المتبحر سيدى أحمد بن مبارك السلجماسى، وأبو الحجاج يوسف المجيلدى، وأبو عبد الله محمد بن البكرى الشاذلى الدلائى، وأبو عبد الله محمد بن عبد الصادق الدكالى، وغيرهم من الفحول. مؤلفاته: له شرح جليل المقدار على المختصر الخليلى من باب النِّكَاح إلى آخره، وقفت عليه بالخزانة السلطانية في نحو خمسة عشر جزءا ضخما، وحاشية

130 - حمادى أبو المواهب بن عبد الواحد الحمادى نسبة لفخذ من قبيلة برابرة بنى مطير الشهيرة الشهير بالمكناسى.

عجيبة المثال على شرح الخرشى وقفت عليها في أربع مجلدات ضخام بالخزانة المذكورة وعلى الربع الأول منها في غيرها، وغالب ظنى أن ذلك الربع من مبيضة المؤلف، وحاشية على شرح الشيخ ميارة على التحفة مطبوعة متداولة بأيدى الناس، وتأليف سماه الإرفاق في مسائل الاستحقاق وغير ذلك، وبالجملة فقد كان حافظ مذهب مالك في زمانه. شعره: من ذلك قوله: إياك والتفريط في الأقوات ... فهي قوام الدين والحياة مع فتنة ومحنة قد عظمت ... في ظاهر وباطن كما ثبت سيما في مغربنا وشبهه ... فاجهد لما ذكرته وانتبه فالقوت روح الجسم والحياة ... وفقده طبعا هو الممات وفاته: توفى بمكناس ثالث رجب عام أربعين ومائة وألف ودفن بضريح أبي عثمان سعيد المَشَنْزَائى (¬1) خارج باب وجه العروس من مكناس، وتوفى وهو يقرأ كتاب الشفا للقاضي عياض ابتدأ قراءته وهو مريض والطلبة يدخلون عليه للقراءة بداره رحمه الله، وإلى الرمز لوفاته أشار أبو العباس أحمد المنصورى بقوله كل مشكل من قوله: إن ابن رحال تفرد بالعلا ... وأوضح في فتح لدا (كل مشكل) 130 - حمادى أبو المواهب بن عبد الواحد الحمادى نسبة لفخذ من قبيلة برابرة بنى مطير الشهيرة الشهير بالمكناسى. حاله: فقيه ناسك، دين ورع سالك، ولى شهير، عارف كبير، ممن يشار إليه بالخير والصلاح، والبركة والنجاح، موسوما بالولاية، ملحوظا بعين الرعاية ¬

_ (¬1) تحرف في المطبوع إلى: "المشترائى" وصوابه في موسوعة أعلام المغرب - ص 880.

والعناية، يذكر أنَّه كان في أول أمر ذا سياحة فاشتد عليه الأمر وطال به الفتح فأنشد مستغيثا بالنبى الطاهر: بما يوجهك من حسن ومن بهج ... وما بغرتك الغراء من بلج وما بعينك من سِرٍّ وَمِنْ دعج ... وما بثغرك من در ومن فلج أغثنا يا خير خلق الله عن زعج ... فإننا يا رسول الله في حرج فأتاه الفتح والفلاح. ونال ما يرجوه من مولاه الفتاح. فأنشد لسان المقال منه من غير خوف لوم ولا جناح: أبشر هنيئا لقد ظفرت بالفرج ... ولن ترى بعد هذا اليوم من حرج علاك طالع صبح الوصل في وهج ... فقل لبارقة الأيام ايت تج فالسعد في شرف والذكر في هرج ... وليس بعد قوام الأمر من عوج وقد كان يزوره الولى الصالح الشريف مولاى عبد القادر العلمي، والشيخ التاودى بن سودة، وقد تحدث الناس عنه بكرامات، وأمور خارقات، وكان ورده الَّذي يلقن أصحابه لقد جاءكم رسول من أنفسكم الآية إلى السورة مائة مرة في كل يوم وعقب كل مرة: اللهم إنى توكلت عليك لأعلى غيرك، اللهم اكفنى ما أهمنى، وما لم يهمنى، مما علمته وما لم أعلمه من أمور الدنيا والآخرة، إنك على كل شئ قدير. وكانت له معرفة بعلوم الأسماء والجدول، محبا في آل البيت معظما لهم وله أحزاب وصلوات على النبي - صلى الله عليه وسلم -. وفاته: توفى أواسط المائة الثالثة بعد الألف بمحروسة فاس، ودفن قريبا من وادى الزيتون، وقبره هنالك مشهور مزار متبرك به، إلى الآن.

131 - الحسن بن مبارك السوسى المكناسى الوفاة الولى الصالح المجذوب المكاشف.

131 - الحسن بن مبارك السوسى المكناسى الوفاة الولى الصالح المجذوب المكاشف. حاله: كان في أول أمره قاطنا بحانوت حجام قرب سيدى عمرو بوعوادة من حومة حمام الحرة يتكلم بكلام كالمخاطب لشخص، وهو يقصد غيره، يرى في بعض الأحيان كالأسد لا يقدر أحد أن يكلمه، وكانت تفد لزيارته الوفود من الحواضر والبوادى، وكان ذا أحوال ومكاشفات ولا يتكلم إلا باللسان البربرى، وقل ما يؤمه أحد وفى نفسه حاجة إلا وكاشفه بمراده وما يئول إليه أمره تصريحا. وحكى عنه صاحب سلوك الطريق حكايات من هذا الباب وقعت له معه أعرب له فيها عما في ضميره، وحكى أن الحاجب ابن الرضى المراكشى جاءه وقد كان سلطان الوقت مرض مرضا مخوفا، فقال له: يا سيدى إن السلطان مريض وإنا نخاف عليه الموت، فقال له لا تخف إلا على نفسك، فكان من قضاء الله وقدره أن السلطان برئ وقتل الحاجب المذكور، بعد أن عظم مكانه عنده. وحكى أن بعض أهل مكناسة عزم على الحج فقال لولده: اشتر خبزة ولحما واذهب لسيدى الحسن واسمع منه ما يقول في شأن الحج، ففعل الولد، فجعل سيدى الحسن يقول: يذهب للحج يذهب للحج من يأخذه عزرائيل، قال: فكرهت أن أقول ذلك لأبي وقلت تكلم بالبربرية فلم أفهمه فيما سافر الركب حتَّى كان الوالد في قبره ويتحدث الناس عنه من هذا النوع بكل غريب باهر. وفاته: توفى سنة خمس وسبعين ومائة وألف، ودفن ترب ضريح سيدى عمرو بوعوادة، وبنى عليه مقام ومسجد وصارت له عمارة أكثر من عمارة سيدى عمرو المذكور. ¬

_ 131 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 7/ 2375.

132 - الحارث بن المفضل الحسناوى السهلى أصلا المكناسى دارا.

132 - الحارث بن المفضل الحسناوى السهلى أصلا المكناسى دارا. حاله: فقيه علامة من أعيان مهرة محققى عصره، وأوحد فضلاء مصره، كان معاصرًا للشيخ الرهونى محشى الزرقانى وبنانى، وربما كان في عداد شيوخه. وهو من جملة أعيان العلماء الذين وافقوا على تأليف له نقله في حاشيته المذكورة عند قول المتن، وقدمت بينة الملك من باب الشهادات وقد صرح بأن الموافقين له عليه من محققى أعيان علماء عصره، وأثبت تقاريظهم ثمة وهم أي المقرظون الموافقون: الشيخ الطيب بن عبد المجيد بن كيران، والشيخ محمد بن أحمد بن محمد بنيس، والشيخ عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن الحائك المصمودى التطوانى، والشيخ المترجم، والشيخ سيدى محمد بن الخضر النجار الحسنى السماتى، والشيخ سيدى محمد بن محمد الجنوبى الحسنى، والشيخ سيدى محمد بن الصادق بن أحمد بن الحسين بن ريسون الحسنى العلمي هكذا ذكر نصوص موافقاتهم له على هذا الترتيب، ولم أقف على تاريخ وفاته. 133 - الحسن بن مولاى المهدى بن مولاى أحمد بن مولاى المهدى بن سميه أيضًا نجل تاج مفرق الدولة العلوية أبى النصر مولانا إسماعيل. قدس الله سره الشريف الأصيل. البركة الجليل. الصالح الأنزه. حاله: بركة صالح، ذاكر ناسك صبور مقبل على الله، دال عليه بحاله ومقاله، معرض عن سائر الخطط والمناصب العلمية، وربما تعاطى بعض أسباب المعاش من بيع وشراء إذا ضاق به الأمر في تحصيل ضروريات عياله، قنوع باليسير، مكتف بأدنى بلغة. رحل لطلب العلم بمحروسة فاس وتلقاه من أفواه جلسة حملته وجد واجتهد حتَّى حصل ما قسم الله له، ثم قفل لمسقط رأسه زاوية زرهون، وصار حامل راية

دروسها فانتفع به كل طالب للعلم وقتئذ بها، ثم انتخبه السيد عبد الله بن أحمد لإقراء ولده السيد عبد السلام العلم بفاس مدة مديدة، وبعد موت المذكور رجع للزاوية وانكب على تدريس العلم وإفادته، ثم انتقل لمكناس وأقبل على نشر العلم وبثه في صدور الرجال راض بالقليل من الطعام والدون من الثياب، مقبل على الله في سره ونجواه، ولوع بمحبة الصالحين ومجالسة أهل الخير، والأنس بحديثهم. ولم يزل هذا شأنه وديدنه إلى أن ألبسه المولى سبحانه حلة مرض مزمن أقعده بل أضجعه، فتلقى ذلك بكمال الرضا، بحيث صار لا يتمنى زواله، ولا يبحث عن طريق التخلص منه. ولم تزل أسراره القلبية تنمو، ومرضه يتزايد حتَّى صار نصفه الأسفل لا يتحرك إلا بمشقة، وقلبه مع ذلك ممتلئ بالأسرار طافح بالأنوار، فكان وهو بهذه الحالة يفيض على زائريه مما هو فيه فيجدون في ذلك من الرقة والإنابة والخشية ما كانوا قبله بُعَدَاء عنه، وقد لازمه المرض الموصوف وهو معه على هذا الحال المعروف مدة سنين إلى أن لبى داعى مولاه وانتقل لما اختير له رحمه الله. مشيخته: أخذ عن مختصر الرهونى الشيخ سيدى محمد بن المدني جنون وهو عمدته ومن في طبقته من أعلام ذلك الزمان. الآخذون عنه: منهم إمام وخطيب مسجد الضريح الأنور الإدريسى العلامة سيدى الفاطمى بن الفضيل ومنهم سيدى محمد بن الفاطمى الإدريسى ومنهم ابن عمنا العلامة الأقعد ابن أخي المترجم سيدى محمد بن أحمد وخلق وستأتى تراجم هؤلاء فيما بعد بحول الله.

134 - الحسين بن الحسن بن حفيد بن محمد -فتحا- بن زين العابدين بن فخر الملوك مولانا إسماعيل الحسنى.

وفاته: توفى بمحروسة مكناس صبيحة يوم الجمعة ثانى شوال عام ثلاثين وثلاثمائة وألف ودفن بضريح سيدى عبد الله الدراوى المدعو الضاوى ضجيعا له قرب ضريح سيدى أحمد بن خضراء المتقدم الترجمة. 134 - الحسين بن الحسن بن حفيد بن محمد -فتحا- بن زين العابدين بن فخر الملوك مولانا إسماعيل الحسنى. المكناسى النشأة والدار والإقبار. حاله: فقيه أستاذ مجود، كان يحفظ قراءات السبع ويؤدب الصبيان بمسجد الشاوية المعروف اليوم بجامع الستينية، نسخ كتبا عديدة وكانت طريقته تيجانية، وكان مقدما فيها وله الإذن الخاص في تلقين أورادها وأسرارها، ولم يزل متمسكا بذلك العهد إلى أن لبى داعى مولاه وانتقل لما اختير له رحمه الله. مشيخته: أخذ عن سيدنا الجد دنية مولاى عبد الرحمن بن على بن زيدان، والسيد فضول بن عزوز، وابن الجيلالى (¬1) السقاط وغيرهم. الآخذون عنه: أخذ عنه القرآن غير واحد، وتخرج على يده من حملة القرآن عدد وافر من الأشراف وغيرهم. * * * ¬

_ (¬1) تحرف في المطبوع إلى: (الجيلانى) وصوابه من الموسوعة ص 2761.

حرف الخاء

حرف الخاء * * * 135 - الخياط الزرهونى. حاله: ولد بمدشر العامة من جبل زرهون، ثم رحل لفاس فقرأ القرآن بالروايات العشر وأتقن حفظها، وقرأ الخزرجية والقلصادى والمنية، ومهر في الحساب والفرائض والتاريخ وأيام الناس وسياسة الملوك، ثم اتخذ مكتبا لتعليم الصبيان بحومة زقاق الحجر من مدينة فاس، ثم رشحه جارى الحومة المذكورة لمباشرة زمام ما يقبضه من اللوازم، ثم صار يباشر زمامات سائر المكلفين بقبض الأداءات البلدية بسائر حومات فاس، وعددها إذ ذاك أربعة وعشرون حومة وبجميع حسابات ذلك. فقريه واصطفاه إليه عامل فاس إذ ذاك من قبل السلطان سيدنا الجد مولانا إسماعيل وهو أبو على الروسى، فولاه على الجميع حتَّى لم يبق لأحد معه في تلك الجهة من الأمر شيء، حتَّى صار يضرب المغارم على من يستمع للوعاظ والقصاص بمسجد القرويين، ويوقع القبض على من لم يؤد ما وظف عليه من المغرم، فترك الناس لذلك الإتيان للمسجد والاستماع للوراقين. ثم لما أراد الله أفول طالع ظلمه، وإراحة المسلمين من بغيه، اتفق أن قدم لفاس اسى المؤذن مسامر مولانا الجد السلطان مولانا إسماعيل لزيارة ابنته في مرض أصابها، فدخل لمسجد القرويين بقصد سماع كتاب الحلية من القلص، فوجد المسجد فارغا لا يسمع من الوعاظ إلا النزر القليل من الناس، فبحث عن السبب فأخبر بفعل المترجم فأسرها في نفسه. ولما رجع لمكناس وجلس مع السلطان على عادته سأله عن أحوال الناس

وعن الأسعار والرخاء وتأمين البلاد والطرق وعمارة المساجد وقراءة العلم وأهل الدين والخير وسيرة عماله فيهم، فأخبره عن ذلك، إلى أن بلغ لخبر القرويين فأخبره بفعل الخياط المذكور مترجما فيها. فاغتاظ لذلك الفعل السيئ الشنيع وأصدر أمره حالا لعامله أبي على الروسى مضمنه: وليتك أمر المسلمين لتنظر إليهم بعين الشفقة والرحمة وتسعى في المصالح فإذا بك أطلقت عليهم في كل حومة سفيها ابن زنا يكل لحومهم ويمص دماءهم ومن سلمه الله منه يتبعه للمسجد الأعظم ويقبض عليه فيه ويسجنه، فإن كان هذا في علمك فسترى إن شاء الله منى ما تكره، وان لم يكن عن إذنك فعلى بهؤلاء، فإن تركت منهم أحدا فإنك مكانه وكلكم راع والكل مسئول عن رعيته. فقبض القائد المذكور على جميعهم امتثالا للأمر العالى وجعل لهم الأغلال والسلاسل إلا المترجم تفلت واستجار بحرم مولانا إدريس رضي الله عنه، فكلف العسس بالقبض عليه عندما يخرج لقضاء حاجة الإنسان، فقبض عليه بالكنف، وفتحوا في أحد جدرانه نقبا أخرجوه منه فغل وقيد ولحق بإخوانه، وسار بالجميع العامل المذكور، فلما مثلوا بين يديه أمر بضرب أعناقهم ردعا لأمثالهم وإراحة للمسلمين منهم، وضمت أموالهم لبيت مال المسلمين، وأمر السلطان العامل أبا على بأن لا يزيد على جاريين أحدهما على اللمطيين والآخر على الأندلسيين، وأمر السلطان أن لا يعطى للجارى سوى موزونتين، ولجارى الحبس سوى موزونة، ولعون الشرع سوى نصف موزونة، فمن زاد على ذلك ضربت عنقه، وبسبب ذلك اطمأنت البلاد والعباد، وانطفأت نيران ذوى الجور والفساد. وفاته: قتل بمكناس صبرا عام خمسة أو أربعة وعشرين ومائة وألف.

136 - الخياط الخياطى من عقب الولى الصالح سيدى عبد الله الخياط، دفين جبل زرهون.

136 - الخياط الخياطى من عقب الولى الصالح سيدى عبد الله الخياط، دفين جبل زرهون. حاله: من أهل الخير والصلاح والعناية والنجاح. والرعاية والفلاح. مشار إليه بالولاية والفضل، متبرك به معتقد أظهر الله على يده كرامات وخوارق عادات. الآخذون عنه: منهم أبو حفص الشريف سيدى عمر بن أحمد العراقى المتوفى سنة اثنتين وأربعين ومائتين وألف. وفاته: توفى أوائل القرن الثالث عشر بفاس، ودفن بإزاء سيدى عبد السلام التواتى بمقابلة من درب أهل تادلا. 137 - خناثة بنت الشيخ الأكبر الأشهر بكار بن على بن عبد الله المغافرى السيدة المباركة زوج سيدنا الجد الأعظم مولانا إسماعيل سلطان المغرب. حالها: فقيهة عالمة أدبية دينة من أصرح العرب نسبا وأجلهم حسبا وأعرقهم مجدا وفخرا، وأعزهم جانبا، وأرفعهم قدرا من صميم قبائل المغافرة، وهم من ظهر حسان من عرب اليمن وأصل اليمانية من قحطان على ما تقرر عند علماء الأنساب النقاد. قال في حقها الشيخ محمد بن على بن فضل الحسينى الشافعي الطبرى إمام المقام الإبراهيمى ما لفظه: ثمرة الشيوخ المعتبرين المنتخبين من أكرم سلالة. وأفلاذ أكباد العلماء المتغذين بلبان الجلالة. مغارس طابت في ربى المجد فألقت على الخلف معدن السودد وكيمياء السعادة. وعنصر الحمد ومفرق السيادة. الملكة خناثة بنت المرحوم المبرور الشيخ بكار المغفرى زوجة المرحوم المقدس مولانا السلطان ¬

_ 137 - من مصادر ترجمتها: نشر المثانى في موسوعة أعلام المغرب 6/ 1155.

إسماعيل أعلى الله مقامه في الجنان ورفع لهذه الملكة أعلام السيادة على مر الزمان. وقال أبو عبد الله الوزير الشرقى الأسحاقى في رحلته التي ألفها بمناسبة سفره إلى الحج في معية صاحبة الترجمة ما نصه: فما نعلم واحدة من الحرائر التي دخلت دار الخلافة من أزواج مولانا السلطان مولانا إسماعيل رحمه الله تشبه هذه السيدة ولا تدانيها همة وصيانة، وعفافا ورزانة، وحصانة عقل ومتانة دين، فهي من المسلمات المؤمنات القانتات المستجمعات للأوصاف التي أعبد الله لهن عليها مغفرة وأجرا عظيما. وكان لها كلام ورأى وتدبير مع مولانا أمير المؤمنين رحمه الله ومشاورة في بعض أمور الرعية، وكانت له وزيرة صدق وبطانة خير، تأمره بالخير وتحرضه عليه وتتوسط في حوائج الناس ويقصد بابها أهل الحياء والحشمة وذوو الحاجات وكانت في ذلك ركنا من الأركان جزاها الله بالخير. رحلت إلى الحج وزيارة خير الأنام مع حفيدها سيدى محمد بن عبد الله وكان خروجها من دار الخلافة بمكناسة الزيتون بعد صلاة الجمعة الحادية عشرة جمادى الثانية عام ثلاثة وأربعين ومائة وألف، وهي السنة الرابعة من إمارة ولدها السلطان مولاى عبد الله، وقد بلغ عدد ما زودها به ولدها المذكور من الدراهم بقصد التوسعة على أهل الحرمين الشريفين مائة ألف دينار كما قاله حفيدها العلامة الثبت أبو محمد عبد السلام بن محمد بن عبد الله في مؤلفه، درة السلوك وريحانة العلماء والملوك. وكان خروجها للحج في أُبهة من أبهات الملك كبيرة. وأسباب من أسبابه أثيرة. وكان مبيتها على الربوة المشرفة على وادى ويسلين حيث ضربت لها هنالك القباب الملونة، التي جللت الأرض وملأت الأعين منظرا وبهاء وكثرة أمتعة

[صورة] كتاب السيدة خناثة بنت بكار لأهل وجدة وعليه طابعها

وأكداش ودواب وعبيد وخدم وطواشية، وهم الذين يلون القباب ونصبها ومباشرتها والحاشية أهل الحرس من وراء ذلك على بعد، ومن الغد نهضت نهوض يمن وإجلال وواصلت المسير إلى أن خيمت على ضفة وادى النجا فباتت هنالك والعناية تقدمها. والرعاية تخدمها. ومن الغد حلت بدار الملك من فاس، وذلك قرب الظهر فأقامت بها في انتظار اجتماع وفد الحاج، وفى يوم الخميس خامس عشرى جمادى الثانية بارحت فاسا على أحسن حال. وأجمل احتفال. وكان مخيمها بولجة العسال على عدوة وادى سبو من العدوة الشرقية، جرت العادة بنزول ركب الحجاج بها يوم انفصاله عن فاس، وأقامت به يوم الجمعة لانتظار اجتماع بقية الركب. وفى عشية الجمعة نفسها خرج ولد صاحبة الترجمة السلطان مولانا عبد الله في أعيان جيشه وذوى الحيثيات من وجهاء دولته لوداعها، وبعد أدائه ما يناسب من مناسك البرور رجع لحضرته الفاسية، وكان شيخ الركب إذ ذاك الحاج عبد الخالق عديل، وعند إسفار يوم السبت أقلع الركب مرتحلا والمترجمة في مقدمته مع خاصتها وحاشيتها وواصلوا السير يومهم إلى أن خيموا عشيته بضفة وادى اناون من بلاد الحياينة بالمحل المعد لنزول الركب كل سنة المعروف بسبت بوجابر، وهنالك تلقتهم قواد القبيلة المذكورة بكل حفاوة وإجلال، وقاموا بواجب الضيافة كما يلزم أتم قيام، فباتوا في اطمئنان وأمان، ومن الغد ارتحلوا وواصلوا السير إلى أن وصلوا المحل المعروف بالملاعب، فخيموا به وضربت قباب صاحبة الترجمة مع حفيديها على عقبة بنى فكاره. ومن الغد خيموا بتازا وكان وصولهم إليها وقت الزوال وأقاموا بها يومين كاملين ثم ارتحلوا ثانى رجب وعبروا وادى بوالاجراف ومروا بالبلد المسمى

بالفحامة، واتصل مسيرهم إلى أن وصلوا وادى القطف فنزلوا به، ثم وادى ملوية، ثم تافراطه من قبيلة الأحلاف، ثم فم بزور، ثم المريجات، ثم وادى الشارف، ثم المنقوب، ثم أبيار السلطان، ثم بوالدروس، ثم جنان لصطم وهو شجرات مجتمعات كهيئة الجنان وليست به، ثم بالغفر عن يمين حبل عنتر، ثم بوهاد الظهرا، ثم أصبحوا بعين الحسينى فأقاموا بها يومهم حتَّى استقى الناس ما يكفيهم من الماء لمرحلتين. ثم ارتحلوا وباتوا قرب القصيعات، ثم نزلوا بعين الحجر ثم المشرية آخر منازل الظهرا، ثم النخيل، ثم الأمشط الأحمر، ثم عين ماضى، ثم الحميضة، ثم على مقربة من عبد المجيد، ثم التوميات، ثم سيدى خالد، ثم أسفل الغيث، ثم بأطراف الزاب ملجأ ملوك بنى زيان ومعتصمهم حين يضايقهم بنو مرين عن دار مملكتهم تلمسان، ثم بسكرة بظاهر البلد وأقاموا بها يومين، ثم وادى الناموس، ثم غمران، ثم توز، ثم الحامه، ثم قابس ومنها الجرف المقابل لجزيرة جربة، ثم حمادة بن قردمان، ثم شوشة، ثم الزوارات الغربية، ثم زواغة، ثم قردادش، ثم طرابلس. قال الوزير الشرقى الإسحاقى في رحلته: لما حلوا بطرابلس خرج ولد صاحب البلد وحاكمه أحمد باشا في لمة من أصحابه مع أهل البلد رجالا ونساء حفاة في الطريق، وعلى السطوح مظهرين الفرح والسرور بولد سيدنا نصره الله وأمه وبوفد الحجاج، وأخرج مدافع كبارا سلاما على ولد السلطان نصره الله على عادة أهل البحر في التسليم والتوديع بالمدافع. واحتفل ولد سيدنا نصره الله سيدى محمد أصلحه الله للدخول لهذا البلد فيمن معه من الوصفان عبيد البخاري نفع الله به فتناولوا من لباسهم ومراكبهم؛ وحسن زيهم ما كانوا أعدوه لذلك، ولعبوا بالبارود لعبا قضى منه الترك وغيرهم العجب، واعترفوا بأنهم لا قدرة لهم على ذلك اللعب ولا معهم من الفروسية ما يقاوم ذلك.

وأهل البلاد المشرقية كلهم يتعجبون من زى مخزن سلاطين المغرب مولانا إسماعيل وولده هذا مولاى عبد الله نصره الله وأدام وجوده، فقد تقرر عندهم من فروسيته وشهامته وحزمه وعزمه وضبطه وجوده ما أوجب تعظيمه في نفوسهم كل التعظيم، ويقول منهم من علم من يشابه أباه فما ظلم، واحتفل الباشا بضيافة ولد السلطان مع أمه غاية الاحتفال، فما تركوا شيئًا قدروا عليه إلا وقدموه وداموا على ذلك مدة إقامتهم بطرابلس وكذلك فعلوا حال الأوبة. قال: فقد قام بالحقوق. قيام الحر لا المرقوق. وقد قامت المترجمة بمكافأته على حسن صنيعه بأضعاف مضاعفة مما يستغرب وجوده في تلك الديار من الطرف والتحف الملوكية، ولم تقصر في إسداء الخير وأنواع التبرعات التي أوجبت استلفات الأنظار إليها في تلك الفلوات سيان في ذلك الغنى والفقير. والجليل والحقير. تقبل الله منها أعمالها. وأنالها من الخير آمالها هـ. بعضه باللفظ وبعضه بالمعنى. ثم قال: خرجنا من طرابلس يوم السبت الثامن من شهر رمضان من السنة ونزلنا بقرية تاجورى، ثم من تاجورى للمسيل، ثم النقيرة، ثم لبدة، ثم الدفينة، ثم مصراته حيث مدفن أبي العباس أحمد زروق، ثم بوشعيب، ثم سرت، وهي كما قال البكرى في مسالكه (¬1): مدينة كبيرة على ساحل البحر لها نخيل وبساتين وفيها يقول: يا سرت لا سرّت بك الأنفس ... لسان مدحى فيكم أخرس ألبستم القبح فلا منظر ... يروق منكم لا ولا ملبس (¬2) ¬

_ (¬1) المسالك والممالك للبكرى 2/ 651 - 652. (¬2) في المطبوع: "منكم ولا ملبس" وهو غير صحيح عروضيا، والتصويب من المسالك والأبيات من بحر السريع.

بخستم في كل أكرومة ... وفى الخنا واللوم لم تبخسوا (¬1) ومن سرت هذه لشرف حسان، ثم التنعيم، ثم وادى مسعود، ثم مقطع الكبريت فوغبة، فبرقة المدينة الأزلية المسماة قديما أنطابلس -أي خمس مدن كما للبكرى، ثم من برقة للزجيحيفية، فكلود، فالنخيلى، فالتميمى، فعين الغزالة، فالنبعة، فالدفنة فظهرة عزيز، فمطعن مقرة، ثم أبي المطامر، ثم الأخصاص، فأنْبَابة (¬2) وهي مدينة على ساحل النيل في الجانب الغربى ثم مصر القاهرة. وكان دخولهم مصر يوم الخميس التاسع عشر من شوال عامه ولم يبيتوا بمصر بل خيموا بالمحل المعروف بالبركة -بالراء المرققة- على عشرة أميال من مصر يجتمع فيه الركب المصري، ومن بركة للدار الحمراء، ثم عجرود، ثم رءوس النواظر، ثم وادى التيه المحل الَّذي تاه فيه بنو إسرائيل بعد خروجهم من مصر، ثم النخيل، فبئر الزعالك، فسطح العقبة عقبة أيلة القرية التي كانت حاضرة البحر وهي معدودة من كور مصر. قال العبدرى: وقد ذكرها القاضي عياض في مشارقه وغلط فيها، فحكى عن أبي عبيدة أنها مدينة على شاطئ البحر من بلاد الشام، وهي نصف الطريق من فسطاط مصر إلى مكة هـ، ثم ظهر الحمار ثم شراجة ابن عطية، فمعابر شعيب، فعيون القصب، فالبندر، فبيار السلطان، فالأزلام، فالإصطبل، ثم وادى لكره، فالحوراء، فالنبط، فالينبوع. وبه قدم على السيدة المباركة صاحبة الترجمة الشرفاء أهل الينبع لأداء مراسم التهنئة والتحية بسلامة القدوم، فأكرمت وفادتهم وأحسنت إليهم كعادتها المألوفة ¬

_ (¬1) المسالك والممالك للبكرى - ص 651 - 652. (¬2) في المطبوع: "فالنبابة" تحريف.

وبالأخص مع الأشراف آل البيت المصطفى، وأهدت لهم كساوى من أرفع طرز، وأدت لهم مائتى مثقال ذهبا مطبوعة كانت توجه لهم أيام زوجها السلطان الأعظم مولانا إسماعيل، ومائة مثقال ذهبا منحة من عندها شطرها للشرفاء والشطر الأخر للشريفات. ثم من الينبع، لبدر، فبروة القاع، فرابغ، فقديد -سميت قديد لتقدد السيول بها- ومن قديد لعسفان، فوادى فاطمة. ومن الغد نهضت المترجمة قبل الركب وواصلت السير إلى أن أناخت بذى طوى وصلت به المغرب واغتسلت وتهيأت لدخول مكة شرفها الله تعالى وعظمها، ودخلتها عشاء وذلك ليلة السابع من ذى الحجة الحرام، دخول جلالة ووقار في محفل من الأجناد، وطافت طواف القدوم وبعد أيام التشريق نفرت إلى مكة وأتت بعمرتها. وكانت مدة إقامتها بمكة تنزل كل يوم في جنح الظلام. وتطوف بالبيت الحرام. وتبذل بغير حصر. وتعطى عطاء من لا يخشى الفقر. ودخلت جوف الكعبة. وأفاضت في سدنتها ما علا للمغرب كعبه. وخلدت بمكة المشرفة ذكرا جميلا. وبذلت عطاء جزيلا. وأوقفت أوقافا ذات بال منها دار اشترتها من أولاد العلامة أبي محمد عبد الله بن سالم البصري بباب العمرة أحد أبواب المسجد الحرام بما يقرب من ألف مثقال ذهب مطبوعة وحبستها على طلبة يختمون كل يوم ختمة من القرآن، وعلى من يدرس صحيح أبي عبد الله البخاري وعينت ناظرا على الدار المذكورة. وبعد أن قضت من الحرم المكي وطرها، وأدت من المناسك سنتها وفرضها، تاقت نفسها لطيبة الطيبة، وزيارة قبر خير العالمين فنهضت والسعادة تحرسها وعيون

الحفظ ترمقها، وكان خروجها من مكة المشرفة زادها الله شرفا ورفعة ضحوة يوم الجمعة السابع عشر من ذى الحجة والمبيت بوادى فاطمة، ومن الغد ارتحل الركب ووجهته المدينة المنورة على الطريق التي جاء عليها دارًا دارًا إلى بدر ومنه أخذ طريق الصفراء. فكان المبيت بالموضع المسمى بالجديدة، فقبور الشهداء، فبير على، فوادى العقيق، فمهد الفضائل المشهورة ومقعد ألوية الدين المنشورة، مدينة المظهر الأعلى، والبرزخ الأسنى، مشرق الأنوار، ومعدن الأسرار، من له الفتح والختام، الحائز للمقامات العلية بالتمام، رسول رب العالمين، وسيد الأولين والآخرين، سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- تسليما كثيرا وعلى آله وصحبه أجمعين. وكان مقامها بالمدينة ثلاثة أيام بدار مفتى الشافعية بها أبي الفخرزين العابدين المنوفى، وبعد بلوغها الوطر من تلك البقاع الطاهرة عجلت الأوبة لدار مملكتها والكل لحسن الصنيع شاكر، ولها في كل حين ذاكر. بعض ما قيل فيها من الأمداح: من ذلك قول أبي عبد الله محمد بن على الحسينى الشافعي الطبرى إمام المقام الخليلى: غنى على عود السعود هزارى ... وشدا على الأوتار بالأوطار والأنس طاب لنا بأوقات الهنا ... بسلامة الحجاج والزوار لا سيما بسلامة الست التي ... حظيت ببيت الله والأستار فلها المنى بوصال من قد جاورت ... والأكرمون يرون حق الجار فاحت بها أرجاء مكة رغبة ... ومحبة من سائر الأدوار وهي الحقيقة بالجلالة في الورى ... فجلالة الأضياف ليس بعار

138 - خليل بن الخالدى.

والله قد ألقى عليها دائما ... حسن القبول كسيمة الأخيار وهي الحليمة والكريمة ما لها ... في الجود ثان مثل غيث جار ولها كمال وافر في عفة ... ولها حياء فاق في المقدار فالله يحملها بحسن رعاية ... منه إلى مكناس بالأوطار ويحفها بسعادة وسيادة ... من كل سوء ماضى أوطار وعلى النبي وآله وصحابه ... صلى وسلم ذو الجلال الباري ما غردت ورق الرياض بدوحها ... وترنمت في سائر الأسحار وفاتها: توفيت رحمة الله علينا وعليها بفاس في جمادى الأولى عام تسعة وخمسين ومائة وألف، ودفنت بروضة الأشراف من المدينة البيضاء فاس الجديد. 138 - خليل بن الخالدى. قاضى مكناسة الحشمى، نسبة إلى الحشم إحدى قبائل عرب تلماس، نشأ بتلمسان ثم استوطن فاسا. حاله: كان فقيها نحويا آية في صناعة التدريس، وبالأخص ألفية ابن مالك، ذا تؤدة لا يتزحزح ولا يتحرك حالة إلقائه الدروس، فصيح اللسان، حلو العبارة، يحصل ما ألقاه في درسه تحصيلا عجيبا، مجلسه بالقرويين حفيل يحضره نجباء أعيان طلبة وقته. تولى نيابة القضاء بمقصورة القرويين عن قاضيها العلامة المشاور السيد عبد الله بن خضراء السلوى، ووقعت له رحمه الله في مدة نيابته نوادر عجيبة يسخر ¬

_ 138 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2853.

منها صغار الولدان ومن له أدنى مسكة من الفقه، من ذلك أن رجلا طلب منه الإذن في إقامة بينة على بغلة له وجدها بيد الغير فقام فيها بالاستحقاق، فأمر أعوانه بجعل البغلة في محل خاص ويغلق عليها بحيث لا يراها الشهود لئلا يستند بعضهم على بعض في وصفها ونعتها، والحال أن عوام الأعوان فضلا عن الوكلاء يعلمون أن شهادة الاستحقاق لا تكون إلا على عين الشيء المستحق. ومنها أنَّه ادعى لديه رجل على أخيه بأنه تقاعد له على حقوق انجرت له من ميراث أبيه، فطلب وكيل المدعى عليه من المدعى إثبات موت أبيه وعدة ورثته فحكم بإلغاء طلبه وعدم قبوله شرعا، وألزمه الجواب من غير مهلة أو عزل نفسه عن الدعوى. ومنها أن ورثة هالك قاموا بغبن في دار اشتراها موروثهم استوفت صورتها شروط القيام بالغين، وأدلوا بفتوى شيخنا أبي العباس ابن المأمون البلغيثى أطال الله بقاءه تؤيد مدعاهم، ووافق على فتواه عالمان جليلان، فلما أدلوا لديه بالفتاوى المذكورة حكم بإلغاء أولى الفتاوى التي هي الأصل معللا لإلغائها بأن صاحبها سافر للاتجار بالشام، وقبول الفتويين المعضدتين لها، وقد هجاه شيخنا المذكور بعدة قطع وقصائد من ذلك قوله: وذى سفه قد خلا قلبه ... وقلبه من كل شئ على تسمى خليلا بدون علوم ... وليس خليلا ولكن خلى ثم رشح لقضاء الحضرة المكناسية وزرهون وما انضم لذلك بعد وفاة قاضيها أبي العباس ابن سودة المرى المترجم فيما سلف، وذلك عام واحد وعشرين وثلاثمائة وألف، ولما حل بمكناس، لبست نحوياته حلة التناس، حتَّى حفظ عنه

في خطبه اللحن الصراح من ذلك جزمه للمضارع المقرون بحرف التنفيس من قول سيدنا عمر بن عبد العزيز الوارد في الصحيح فإن أعش فسابينها ونبا عنه أنَّه لا يصلح أن يكون شرطا ولذلك وجب قرنه بالفاء لما وقع جوابا، اللهم إلا أن يجاب عنه بأنه سكنه تخفيفا على حد قراءة إن الله يأمركم بالجزم. وقد حكى عنه بعض أهل العدل من شيوخنا أنَّه كان يوما بمجلسه فمر بجنارة فسأل من هي؟ فقيل له: امرأة نفساء، فقال؛ وهل ينعت المفرد بالجمع؟ فقيل له: أين الجمع؟ فقال: نفساء، فقيل له: نفساء ليس بجمع وإنما هو مفرد وأنشد له المسئول على سبيل التمثيل قول البوصيرى. من لحواء إنها حملت ... أحمد أو إنها به نفساء فقال ضرورة، فقيل له: وعلى أنَّه جمع فما المفرد؟ فقال: نفيسة فسكت المسئول وقال في نفسه الآن آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه. ثم ختمت أعماله في مكناسة بنكبة شنعاء وذلك يوم خلع السلطان المولى عبد العزيز ومبايعة أخيه السلطان المولى عبد الحفيظ وحشد الناس لذلك بالمسجد الأعظم وتم الأمر فيما حشدوا إليه على ما سنشرحه بعد بحول الله، قام بعض من لا خلاق له من الأوباش بإغراء ممن في قلبه مرض وأعلن بسب المترجم، فقامت ضجة عظيمة في المسجد وكان قصد موقد نار تلك الفتنة الفتك بصاحب الترجمة، فقمت في وجه أولئك وعزرنى من حضر ثم من أبناء عمى العلويين وفر الله جمعهم، وعضدنا عامل البلد حيث قلت له: إن لم تحسم هذه المادة حسما كليا فلا ريب أن هذه النار تجر ذيلها عليك وعلى كل موظف ووجيه حالا، ويتسع الخرق على الراتق، وتكون العاقبة وخيمة. فأصغى لى بأذن واعية ووقع منه مقالى كل الموقع وقام لإطفاء تلك النار

بنفسه وأعوانه، وأدخلنا القاضي لمقصورة الخطيب وكلفنا به من يحرسه إلى أن يصل لداره في حفظ وأمان. ولما حيل بين أولئك الرعاع وبين ما يشتهون هجموا على بيت كان لولد القاضي المترجم بمدرسة العدول ودخلوه عنوة، ونهبوا ما فيه مما لست أذكره ولا أتيقن حقيقة ذلك، والذي يغلب على الظن أن ذلك مختلق. ومن ذلك الحين لزم المترجم بيته ولم يخرج إلا يوم سفره لفاس، والذي تصدر للفصل بين الخصوم مكانه هو شيخنا ابن عبد السلام الطاهرى، ولم يزل على ذلك حتَّى أقر على الخطة واستقل بها حيث أعانه على ذلك قوم آخرون. مشيخته: أخذ عن حامل لواء التحقيق في النحو المشار له فيه بالبنان بين معاصريه الفقيه الخطيب السيد محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن التاودى بن سودة المرى المدعو الجلود، وعمن هو في طبقته من محققى معاصريه. الآخذون عنه: كثير منهم شيخنا الفقيه سيدى محمد النميشى، ومنهم الفقيه مولاى الشريف التاكناوتى، والفقيه السيد عبد الرفيع الإِيرارى، وأخوه الفقيه السيد محمد ومن في طبقة هؤلاء من النجباء المحققين. مؤلفاته: وقفت له على رحلة منظومة نظما ساقط الوزن غير مرتبط لمعنى وقافية، وختمه للألفية، ومقامة في قصة الفيل المهدى لسلطان المغرب مولانا الحسن من الدولة البريطانية عام تسعة وثلاثمائة وألف، في نحو كراسة. نثره: من ذلك قوله في فصل من مقامته المشار لها يصف الفيل: ذو جسم جسيم، وشكل وسيم، ظريف بهى، نبيل شهى، من أعظم الحيوانات وأبهر المصنوعات، منظره بديع، وهيكله رفيع، طويل الخرطوم، واسع الحلقوم، مبسوط الأذنين، حديد العينين، طويل الأنياب، أسنانه تبلغ ثلاثمائة سن

في الاستيعاب، كأنه طود علاه سحاب، يحسبه الناظر إليه ربوة تمشى على ساق، أو سحابة أظلمت الآفاق، يهرول في مشيته، وشمارع في خطوته، كثيف في المرأى، خفيف في الوطأى، لو فاجأ عنترة وسليكا، لعجزا عن الإقدام وهلكا، ليس في سيره انزعاج ولا اضطراب، تحسبه جامدا وهو يمر مر السحاب، تفزع منه الطيور، وتتقى صدمته النسور، وخرطومه يتقلب تقلب الأفعى، يتلفف به الملتقم حين يدعى، ويسير به إلى الجهات الست، ويقلع به الصخور والأشجار قطع البت، ظهره عريض بسيط، وصوته رقيق غطيط، غليظ الجثة المرتقبة، قصير الجيد منقبض الرقبة، وعيناه كإكسير زحل، إذ لم يمتز فيهما بياض من كحل، وقوائمه الأربع ويداه ورجلاه أجمع، كأجسام نخل باسقة، أو سوارى متناسقة، يخاله من لا يعرفه عند رؤيته، أن الأرض انقلبت بهرولته، أو زلزلت زلزالها، أو أن الله بذلك أوحى لها، أبصر من هدهد، وأسمع من قنفد. وفاته: توفى بفاس صبيحة يوم الاثنين التاسع عشر من ذى القعدة الحرام عام ستة وعشرين وثلاثمائة وألف، ودفن قرب ضريح سيدى أبي بكر بن العربى المعافرى خارج باب الشريعة المعروف بباب محروق.

حرف الدال

حرف الدال * * * 139 - الدبيز: المجذوب المطلسم. حاله: من أهل الفضل والصلاح، له كرامات ظاهرة ومتواترة، أخبرنى بعض العدول المبرزين أنَّه كان مريضا مرضا شديدا فأتاه بعض أصدقائه منهم قاضى مكناسة شيخنا أبو عبد الله محمد بن عبد السلام الطاهرى واقترح عليه التوجه لزيارة البضعة الطرية مولانا إدريس الأكبر وتبديل الهواء وترويح النفس به، فلم يسعه غير مساعدته ولما وصلوا للمحل المعروف بخيبر هنالك، ورد عليهم المترجم وأقبل على المريض المذكور وقال له: إذا وصلت إلى والدتك فلتأخذ عصا وتجعلها على مائدة ظهرك وتدلكه بها هكذا وباشر الدلك بيده فنشأت بالمريض حرارة عظيمة بمجرد مباشرة يد المترجم لظهره، ثم أخذ رداءه وخنقه به وعقد أصابعه وصار يضربه ضربا وجيعا والحاضرون يقاومون المترجم في فك المريض منه فلم يقدروا. وبعد أن خلى سبيله أصابه عرق شديد، ثم قام كأنما نشط من عقال في الحين، وأن جماعة من المحترفين بعصر حب الزيتون توافقوا على ليمونة حامضة فخرج المترجم وأتى لهم بها حينا منقوشة، فلما أصبح الصباح ورد عليهم لزرهون بعض شركائهم من أهل مكناس، فوجدوا قشر الليمونة عندهم فسألوهم عمن أتاهم بها فأخبروهم الخبر فكشف الغيب أن الليمونة لأحد الشركاء المكناسيين نقشها بيده، وأنه فقدها ليلا. أصل المترجم من أولاد عيسى إحدى فرق قبائل الغرب، يقال: إنه كان في أول أمره يسرح البقر ثم ورد على الزاوية الإدريسية وعمره نحو اثنتى عشرة سنة،

فاستخدمه بعض الأشراف لسقى الماء لداره، وإذا جن الليل اشتغل بتنظيف الأزقة، ثم وقع له جذب وفشا فيه حتَّى صار لا يضبط أحواله، وظهرت عليه خوارق عادات فقد كان يضرب الحجرة العظيمة برجله وهو حاف فتطير كأنها رميت بمقلاع من غير أن يصيب رجليه أدنى أذى. وكان الرجل يذهب لفاس ويتركه بالزاوية الزرهونية، فإذا وصل فاسا وجده أمامه وربما رآه بعض الناس بمقره بزرهون بعد العشاء وقد سدت أبواب المدينة، فيجده آخر قرب الفجر بمكناس وهكذا، ولم يزل على هذه الحال معتقدا منظورا إليه بعين الإجلال إلى أن قتل شهيدا بالبارود خطأ في الفتنة البربرية التي كانت آخر الدولة الحفيظية على أبواب فاس رحمه الله. * * *

حرف الراء

حرف الراء * * * 140 - الرشيد: بن الشريف بن على الشريف دفين مراكش بن محمد بن على بن يوسف بن على الشريف دفين سجلماسة الشريف الحسنى الينبوعى السجلماسى سلطان المغرب الأقصى. ولادته: ولد بسجلماسة عام أربعين وألف. صفته ونشأته وحاله: حسن الخلقة، واسع الجبين، قصير القامة، غليظ الجسم، أسمر اللون، أشهل العينين واسعهما، كأنهما مرآة لقلبه الكريم، تشفان عن ذكاء مفرط، ويعلم منهما على البديهة فرحه وحزنه، شديد بياض الأسنان، كث اللحية أسودها خالطه شيب، له تأثير على القلوب يحبه كل من رآه، نشيط خفيف الحركة، لباسه لباس الأتراك، ملامح الذكاء والنباهة والشجاعة والإقدام لائحة بين عينيه. نشأ في حجر والده في صون وعفاف، لم يأل والده قدس الله روحه جهدا في تهذيبه وتدريبه وتعليمه وتأديبه بالآداب النبوية، حتَّى شب متين الديانة كامل الدراية والرواية، كريم الأخلاق، حسن العشرة، أبي النفس، عالى الهمة، طموحا إلى المعالى، لا يرضى بالدون ولا سفاسف الأمور، طاهر الذيل، ثابت الجأش، طويل النجاد، عارفا بسير الأمم وأحوالها وأخلاقها وسياسة الملوك ونواميسها، مشاركا في فنون من العلوم، حازما ضابطًا شجاعا مقداما لا يبالى في الحروب بنفسه، شديد الشكيمة على من عصاه أو هتك حرمة من حرم الله، يتولى القصاص وإقامة الحدود الشرعية بنفسه من غير أن تأخذه رأفة ولا رحمة في دين الله، جمع الله فيه من الخصال الحميدة والسجايا الكريمة ما تفرق في غيره. ¬

_ 140 - من مصادر ترجمته: نشر المثانى في موسوعة أعلام المغرب 4/ 1567.

[صورة] السلطان الأعظم مولاى الرشيد بن الشريف العلوى

قال في نزهة الحادى: كان محبا في جانب العلماء، مؤثرا لأغراضهم، مولعا بمجالستهم، محسنا إليهم حيث ما كانوا، جوادًا سخيا، رحل الناس إليه من المشرق فما دونه وقصده بعض طلبة الجزائر فامتدحه ببيتين وهما: فاض بحر الفرات في كل قطر ... من ندى راحتيك عذبا فراتا غرق الناس فيه والتمس الفق ... ـر خلاصا فلم يجده فماتا فوصله بألفين ونصف دنانير، وشأوه في السخاء لا يلحق، والحكايات عنه بذلك شهيرة، وفى أيامه كثر العلم، وظهرت للعلماء أبهة، وأعز العلم وأهله، وكانت أيامه أيام سكون ودعة ورخاء عظيم هـ. ووصفه صاحب نشر المثانى: بأنه محيى رسوم الدين، وقاطع دابر المفسدين، مفضال أهل البيت النبوى، ومظهر الفخر الطاهر العلوى، ليث الإقدام وبدر الظلام، وشمس الأنام، وظل الله للخاص والعام، ورحمة للمسكين والضعيف، كان من أهل المكارم التي لا تحصى، والفضائل التي لا تعد ولا تستقصى، من ساداتنا شرفاء سجلماسة البلدة الغرا، وحق لها أن تنال بآل البيت علوا وفخرا، حاضرة ملوك المغرب المدعوة بتافلالت القادمين عليها من الحجاز كما تقدم مبينا. قال سيدنا الجد رحمه الله في كتابه الدر السنى ما نصه: وهم من صرحاء الأشراف نسبا، وفضلائهم حسبا، وكبرائهم أقدارا، وعظمائهم اشتهارا، طلعوا في سماء المجادة بدورا، وبرزوا في محافل السيادة صدورا، وتساموا في المشارف والمغارب ظهورا، وحملوا من المهابة والجلالة لواء منشورا، لهم في علو الهمة ونفوذ العزيمة منصب لا يضاهى ومرقب لا يباهى، آبية نفوسهم، طيبة غروسهم، عزيز جارهم، محمى زمارهم، كريمة سجاياهم، عظيمة مزاياهم، تلقاهم في

المكاره ليوثا، وفى المكارم غيوثا، أحرزوا من الفطر العلية قديمها، ومن السير العلوية فخيمها، وبرعوا أقرانهم من الأشراف، تجمع شعبتهم المباركة ثلاثة أصناف، فكان فيهم الأكابر من الأعلام، والكثير من الصلحاء الكرام، ومنهم ملوك وقتنا وسلاطينه العظام، خلد الله في الخيرات مآثرهم، وأيد بالتوفيق أوامرهم. ثم قال: نهض للخلافة السلطان الأعظم والملك الأفخم، ركن الفخار المشيد، أبو المكارم مولانا الرشيد، طيب الله ثراه، وعمه بعفوه ورحماه، فظهر أولا ببلاد آنكاد ثم استولى على مدينة تازا وما والاها ثم على فاس فدخل دار الملك بمدينتها البيضاء ليلة يوم الاثنين الثالث من ذى الحجة متم سنة ست وسبعين وألف واستوطنها، ثم ملك المغرب باسره قطرًا بعد قطر إلى وادى نون من السوس الأقصى، وإلى قرب الأغواط من ناحية الجريد فكان مجددا للملك بالمغرب (¬1) انتهى. ثم قال في النشر: ولما مر صاحب الترجمة بالموضع المسمى بالشط من الظهراء، أمر بحفر آبار شتى وهي تدعى إلى الآن بآبر السلطان، فهي مضافة إليه، فيسقى منها ركب الحجيج في مروره وإيابه، فهي من آثاره، تقبل الله منه، وكان على يده هذا الفتح العظيم، لضعفة المسلمين بل لجميعهم، في هذه المدة اليسيرة، لما جبل عليه من حسن السيرة، إذ كان من السراة الغطارف، ومن الأعجوبات في الإقدام بين المراهف، أحيا الله به رسوم الدين بعد دروسها، وأنعم المساكين بعد شدة بؤسها، خاض أمواج الأهوال حتَّى أهمدها، وقام في نار الفتن حتَّى أخمدها، فيا لها من نهضة لله ما أحمدها، تدارك الله به المغرب بما فيه من قوى وضعيف، وأغنى به الوضيع والشريف، ولا زال بسيرته المباركة كريما ¬

_ (¬1) نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1567.

فاضلا، زكى الأخلاق كاملا، يتنازل على مقامه الرفيع، فيجبر خاطر المتخفض والوضيع، ومن شيمه الجليلة، ومنحه الجزيلة، مجالسة العلماء وإكرامهم، ومباسطتهم بين الملإ وإعظامهم، ومع تحمل النهوض بأمر الخلافة حتَّى ألقت إليه زمامها في مدة قليلة، أبدى مآثر في مصالح المسلمين جليلة، كبناء المدرسة التي بحومة الشراطين من فاس، وأتى على بنائها من الأساس، فبالغ في إتقانها صنعا، وبذل المجهود في إحسانها وضعا، وتجديد ما اندرس من القنطرة البديعة المعتبرة التي لا يعرف بالمغرب مثلها، وقلما اتفق في معمور الأرض شكلها، وهو أربعة أقواس منها، وهي على نهر سبو على نحو فرسخ من فاس (¬1). قال: ولما أكمل قنطرة سبو بالبناء، نقشت فيها أبيات من نظم العلامة القاضي أبي عبد الله المجاصى ومنها: صاغ الخليفة ذا المجاز ... ملك الحقيقة لا المجاز فوقع الاعتراض عليه بأن ملك الحقيقة هو الله تعالى لا غيره، وأجيب بأجوبة منها أن الحقيقة تنقسم إلى عقلية وشرعية ولغوية وعرفية، والملك بمعنى العقلية لا يكون إلا لله وفى غيره مستحيل، فيحمل على إحدى الحقائق الباقية، والأقرب منه حمله على الحقيقة العرفية بمعنى أنَّه لا يقال في العرف ملك حقيقة إلا له، أما باعتبار الحاضرين في زمنه فلا إشكال، وأما باعتبار من مضى فهي على طريق المبالغة، وذلك سائغ في باب المدح، والله الموفق (¬2) هـ. والاعتراض المذكور هو للشيخ اليوسى في المحاضرات، قال فيه: ومن البشيع الواقع في زماننا في الأوصاف أنَّه لما بنى السلطان المولى الرشيد بن الشريف جسر نهر سبو وصنع بعضهم أبياتا كتبت فيه برسم الإعلام أولها فذكر البيت ¬

_ (¬1) نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1567 - 1568. (¬2) نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1568.

المذكور وقال أثره: فحمله اقتناص هذه السجعة والتغالى في المدح والاهتبال بالاسترضاء على أن جعل ممدوحه ملكا حقيقة لا مجازا، وإنما ذلك هو الله وحده وكل ملك دونه مجاز، الممدوح وغيره هـ. وهو في باب التحذير حسن، كما أن الجواب المتقدم في باب الاعتذار، وخصوصا عمن ثبت علمه وتحقيقه من الأبرار لا بأس به. قال في النشر: ومن مزايا المترجم العظيمة، وعطاياه الفخيمة، وفطره السليمة، أنَّه كان حيث ما دخل بلدا تعاهد مساجدها ومدارسها وسأل عن مجالس إقراء العلماء بها، وعمن يحضرها، وربما حضر مجلسا لبعض الكبراء، فرأينا في بعض التقاييد أنَّه حضر مجلس الشيخ اليوسى، وكان يدخل للمساجد بنفسه، ودخل مرة فاسا على حين غفلة من أهله فدخل القرويين وتلك كانت عادته في دخولها، ثم دخل للمدرسة المصباحية، فتعرض له الإمام سيدى الحسن اليوسى مع فقيه آخر فأعطى لكل منهما مائة مثقال، وما اجتمع مع علماء وقته إلا وحض في مجلس اجتماعه معهم على نشر العلم وبثه وإتقانه وتحقيقه وتعظيم طلبته، وقد صادف ذلك كل مرام، وأحيا الله به نعم المغرب بعد الانعدام. لطلوع شموسه، على بن تغير من وجه الدهر وعبوسه. فجاء المغرب على فترة من هلكه، فأقبل على التعلم والتعليم، وعمرت أسواق العلم وقد عفت منذ قديم (¬1). قال: ولما قبض الله تعالى والده إليه، خرج من تافلالت في ثالث عشر رمضان عام تسعة وستين وألف. قال: وفى ثامن عشرين من شوال وصل إلى تدغة , ثم إلى دمنات، ثم الزاوية البكرية ثم إلى آزرو ثم إلى دار ابن مشعل هكذا وجدت مقيدا عن الحافظ الفاسى. ¬

_ (¬1) نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1568.

وسيأتى أن وصوله إلى دار ابن مشعل كان عام خمسة وسبعين، وموت أخيه مولاى محمد، واستيلاءه على فاس الجديد والقديم كان في عام ستة وسبعين، وفى عام سبعة وسبعين أخذ الزاوية البكرية، وفى عام ثمانين أخذ في حفر أساس قنطرة سبو، وفى العام الَّذي بعده استولى على تارودانت وسائر البلاد السوسية، وفى العام الَّذي بعده وهو اثنان وثمانون توفى فحاصل أمره من موت والده عام تسعة وستين إلى موته عام اثنين وثمانين. وحدثني بعض الفقهاء الثقات عن والده، وأعرفه من الثقات وقد أدرك هذا الزمن، أن مولاى رشيد لما نزل بالزاوية أن لا يقيم بها وأن يسرع بالخروج، وأخبره أن مما هو شائع عندهم أن مولاى الرشيد هو الَّذي يخلى زاويتهم تلك، وأنهم استفادوا ذلك من بعض الأخبار في عن كشف أو غيره، مخافة أن يهجم عليه أحد من رؤسائهم بسبب ذلك. وقد كانت لأهل الدلاء زيادة محبة في آل البيت عن غيرهم من أهل وقتهم، فخرج مولاى رشيد من الزاوية فصادف قافلة خارجة منها فطلبوا منه أن يحميهم إلى محلهم الَّذي يريدونه لأن الوقت وقت نهب ففعل، فتعرض لهم خلال الطريق بعض أهل البوادى يريدون نهبهم فأخبرهم مولاى الرشيد بأنهم في حمايته ليحترموهم بحرمته إذ تلك كانت عادة أسلافه في حماية القوافل وغيرها، فلم يعبئوا به فتجرد لقتالهم مع مملوكين له اثنين فقط من رقيق السودان، وبيد كل واحد منهما مكحلة فأخذ المكحلة من يد أحدهما وحمل بفرسه على القوم فأصاب واحدا منهم برصاصة ورد المكحلة للمملوك، وأخذ المكحلة الأخرى من يد الآخر فحمل كذلك فأصاب رجلا آخر وما رد المكحلة حتَّى وجد المملوك الآخر عمر المكحلة الأخرى فأصاب منهم آخر أيضًا، وبقى كلما حمل عليهم أصاب واحدا منهم مع حفظ الله إياه منهم.

فما أمكن القوم إلا الفرار منه مع كثرتهم، فكان مقدمة لما قدر في سابق العلم من تولى إمارة المغرب فما رجع عنهم حتَّى أعطوه ثلاثة عشر فرسا التي أصاب فوارسها برميه، فحمل على كل فرس رجلا ممن اختار لمتابعته، ورجع في الحين واستقبل فاسا العليا ونزل أمامها فرآه رئيسها الدريدى من بعض بروج سورها، فسأل من هو؟ فأخبر به، فأرسل له في الحين دراهم نحو خمسة مثاقيل مع وسق من الشعير، وقال لرسوله إليه قل له: هذه عشاؤه يعنى الدراهم، وهذا علف دوابه يعنى الشعير، فليرتحل ولا يقيم عندنا قسطا. فرحل مسرعا فوفد على رئيس يدعى الشيخ اللواتى، وكان يتفقر ويعظم نسبة الشرف فبالغ في إكرامه، فبينما هو مقيم عنده إذ رأى رجلا بهيئة من خيل وأتباع ومماليك وهو يصطاد كهيئة الملوك، فسأل من هو؟ فقيل له: ابن مشعل من يهود تازا، فتنحى سريعا وجعل السكين في فمه واستقبل الشيخ اللواتى، فلما رآه بادر إليه قائلا لبيك يا سيدى لبيك لا أعز عنك رقبة ولا مالا لأن ذلك عندهم علامة على تأكيد الاستعطاف في أخذ الثار إن ظلم أو شبه ذلك. فاقترح عليه أن يهيئ له خمسمائة أو نحوها من إخوانه الأبطال ليفتك باليهودى غيرة منه جزاه الله خيرا على دين الله، فقال له: لا تخلف عنك واحد منهم أينما توجهت، فتواعد معهم أن يمروا خفية متفرقين ويلحقوا به دار اليهودى ابن مشعل، وهي على نحو نصف مرحلة من تازا شرقا في البيداء أو أزيد من ذلك، ثم تقدمهم إليها واستضاف اليهودى فأضافه وتبعه الأبطال فأحاطوا بالدار بعد أن أظلم الليل بحيث لم يشعر بهم أحد، وبحيث يتصل بهم إن احتاجهم واحتال حتَّى اتصل باليهودى في خلوته فبطش به وقتله وأدخل الرجال باحتيال صادف به مرامه. فاستولى على دار اليهودى وأخذ منها أموالا كثيرة وذخائر نفيسة فنال ما قدر الله له من موعده، وسطعت في فلك السعادة منازل سعوده، انتهى.

زاد غيره أن ابن مشعل هذا كانت له صولة على المسلمين واستهزاء بالدين وأهله، قلت: بذلك يكون ناقضا لعهد الذمة، ليس لماله ولا لدمه حرمة. وتذكر هنا قضية كعب بن الأشرف اليهودى وتوجيه النبي -صلى الله عليه وسلم- من فتك به ليلا على نحو الصفة التي فعلها المترجم هنا، وهي في صحيح البخاري وغيره، قال في النشر: ولاحت للمغرب السعادة والبشائر، وانتعش به بعد الإشراف على الموت كل حيوان من ناطق وصاهل وطائر، وكل خير من ربنا الملك الوهاب، ولكل أجل كتاب. وذكر لى بعضهم مما هو شائع عند بنى يزناسن بالزاى أن اليهودى المذكور كان بدار له متحصنا بجبالهم وهم محزبون عليه، فما زال المولى الرشيد يلاطفهم في أمره حتَّى فهم اليهودى أنهم قد أسلموه، فنزل إليه بهدية فقبض عليه وقتله ودخل داره واستخرج ما فيها من الأموال، فالله أعلم أي ذلك كان وكيف كان هـ. هذا وقد وقع في أصول التاريخ للكنت دو كاسترى المؤرخ الفرنسى نقلا عن أسير الدولتين الرشيدية والإسماعيلية أن خروج المترجم من تافلالت كان في رفقة قواد ثلاثة، أحدهم أسود اللون والآخران عربيان وأنهم قصدوا وادى درعة مع من كان معهم من الجنود بقصد شن الغارات. وأن أخاه المولى محمد لما علم بذلك أرسل بعض الفرسان في طلبهم، ولما مثلوا بين يديه أوقع القبض على صاحب الترجمة وأودعه السجن، وأقام الحد الشرعى على بقية أتباعه بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ثم بعد أيام قلائل فر المترجم من السجن وجمع عليه جنودًا صار بها ذا قوة وبأس شديد، ثم ظفر به أخوه المذكور ثانية رغم جنوده المجندة وأودعه السجن وشد في حراسته، وبقى بالسجن مدة طويلة إلى أن استعان ببعض مواليه في فتح نقب بجدار السجن انفلت منه، وأنه بعد انفلاته قتل ذلك المعين، لأنه صار لا يأمن خيانته بجد أن خان

الملك، ثم قصد الزاوية الدلائية وبقى مختفيا بها إلى أن أوجس في نفسه خيفة من أهلها، ففر إلى قبيلة كبدانة على الضفة اليسرى من وادى ملوية، واتصل بقائدها على بن سليمان، وبقى في خدمته إلى أن سنحت له الفرصة بأخذ قلعة ابن مشعل ونهبها، ثم بعد ذلك جمع الناس وألقى عليهم خطبة قال فيها: أيها الناس، إننى أحكم بينكم بالعدل، وأقابلكم بالحلم الَّذي عرف به البيت الفلالى إذ أنا ابن مولاى الشريف وأخ مولاى محمد ملك تافلالت الآن، ومن العسير أن تجدوا أميرًا أعرق منى في النسب الشريف، وقد رأيتم من أفعالى ما يدلكم على كرامة أصلى، وأننى سأكون ساعيا على الدوام في مرضاتكم وسترون إن يسر الله لى في الملك فوق ما صرحت لكم به مما تكونون به سعداء مطمئنين، ولا يصدنكم عن مبايعتى ما لكم من الاحترام نحو أميركم فإنه ليس أهلا للولاية، لكونه لا يحب دولته ولا يهتم بأمورها. وما ترقى الملك والأمراء إلا بالنظر في مصالح بلادهم والقيام بشئونها، ومن الواجب عليهم الزهد في مصالحهم الشخصية وشغل أوقاتهم بالنظر في مصالح أوطانهم، فإن عكفوا على اللهو والتمتع باللذات تعين خلعهم، وإنى أطلب منكم أن تبايعونى على ذلك، فإن وفيت فذاك، وإلا فلكم إنزالى عن العرش، ولا شك أن أهل كبدانة وغيرهم من القبائل يوافقونكم على فعلكم ويستحسنونه. ثم بعد ذلك تمت له البيعة، فلما سمع بها على بن سليمان اغتاظ غيظا شديدا فحشد جنودا مجندة، وزحف بها لمحاربة الرشيد، ولكن كان أمره خسرًا، إذ صارت تلك الجنود المجندة تدخل في طاعة الرشيد ولم يقف بها الأمر عند ذلك الحد، بل ألقت القبض على أميرها وسلمته للرشيد فسلبه مما كان بيده من الأموال وأمر بقتله، وأنفق بعض ذلك المال في الجند قائلا هذا جزاء تعبكم وتفانيكم في خدمتنا.

ولما سمع بذلك مولاى محمد نهض للإيقاع به قبل استفحال أمره، فأخرج الرشيد لقواده القيود والأغلال التي كانت عليه لما كان في سجن أخيه، وقال لهم: هذه الأغلال التي كانت على بسجن أخي فهل لكم أن تنتقموا لى منه، فأجابوه بالموت دون نصرته، ولو أتى السيف على آخرهم. فوصلهم بأموال طائلة، ولما التقى الجمعان كان النصر للرشيد فهزم ثانية، واقتفى أثره الرشيد لتافلالت وحاصره إلى أن مات. ثم بعد ذلك بمدة أتاه يعنى الرشيد وفد من مكناس لتقديم طاعتهم له، فولى عليهم أخاه مولانا إسماعيل هـ الغرض فليحرر. والأمير المذكور في كلامه ليس هو مولاى محمد بدليل أول الكلام، وإنما المراد به على بن سليمان المذكور، ثم لا يصح أن يكون هذا الأسير النقول عنه شاهدا ما حكاه، لأنه إنما أسر في الدولة الرشيدية، وهو هنا يحكى ما كان قبل زمن أسره، فبالضرورة أن حديثه هذا إنما رواه عن غيره، ولعل ذلك الغير غير ثقة إن لم نقل الراوى لم يتثبت أو تعمد الزيادة والنقصان، خصوصا وكلام مؤرخى الإسلام لا يساعده في كثير من فصوله، فلهذا أشرت إلى أنَّه في عهدته بقولي فليحرر. وانظر قوله وحاصره إلى أن مات، فإنه ظاهر في أن الحصار والموت كانا بتافلالت، والواقع يفنده. قال في نشر المثانى (¬1) في حوادث عام 1075: حرك مولاى محمد لأخيه مولاى رشيد فهزم مولاى محمد وقتل يوم الجمعة الثامن من المحرم، ودفن بدار ابن مشعل على نصف مرحلة من تازا، أو أكثر شرقا، وأنه لما قتل ابن مشعل ¬

_ (¬1) موسوعة أعلام المغرب 4/ 1528.

وحصل من عنده على مال كثير جدا قصده أخوه مولاى محمد لانتزاعه منه لئلا يستقل بالملك فلم يقدر له على شيء هـ. قال في الدر المنتخب المستحسن بعد أن حكى القول بمدفن مولاى محمد المذكور بدار ابن مشعل ونسبه لغير واحد، والذي رأيته في بعض تآليف بعض الشرفاء أنَّه دفن بسجلماسة قرب والده، وقد يجمع بينهما بأنه دفن حيث ذكر ثم نقل لسجلماسة هـ. قال في النشر: وفى يوم السبت حادى عشر رمضان انتهض رؤساء فاس لأمر أهلها بشراء الخيل والمكاحل واجتمع أهل فاس، والحياينة، وصفرو، والبهاليل، وغيرهم خارج باب الفتوح للميز وتأكيد عدم الدخول في طاعة مولاى رشيد فأغضى عنهم مولاى رشيد وحاصر أهل تافيلالت تسعة أشهر ثم نزل بتازا فخرج أهل فاس من الحياينة إلى الغارة عليه في خامس عشر شوال، فرجعوا فارين فتبعهم إلى قنطرة سبو ورجع، فبعثوا إليه بصلح فلم يكمل بينهم وبينه حتَّى أكمل الله مراده وبلغه أمره المغرب فأنقذه به من أهل العناد، وأحيا الله به البلاد والعباد (¬1). وكانت أيامه مباركة على كثير من المسلمين اتفق له فيها ما لم يتفق لغيره في كثير من المسلمين. قال ومن حوادث عام ستة وسبعين وألف: أن مولاى رشيد نزل على فاس فقاتل ثلاثة أيام، وجرح برصاصة في أذنه، فرجع سالمًا، ثم عاد مرة أخرى في ثالث ربيع الأول فأوقع فيهم القتل والجرح ما يقرب من سبعين رقبة، ورجع لأنه لم يكن أتى مستعدا لهم، ثم سار إلى الريف فحاصر أعراس (¬2) وأخذه في رمضان بعد منازلات، وفى ضحوة الثلاثاء ثامن وعشرين من ذى القعدة نزل أيضًا ¬

_ (¬1) الموسوعة 4/ 1529. (¬2) تحرف في المطبوع إلى: "أعراض" وصوابه من نشر المثانى الَّذي ينقل عنه المصنف ..

على فاس فحاصرها إلى الخميس، وبقى جيشه مقاتلا إلى يوم الاثنين ثالث ذى الحجة، فأصبح بفاس الجديد وقد دخل من أعلى السور ليلا من جهة الملاح، وفر رئيسهم الدريدى، ثم نزل عشيته فاسا ففر ابن الصغير رئيس اللمطيين ليلا إلى بستيون باب الجيسة، وفر أحمد بن صالح رئيس الأندلسيين صبيحة غده وطلع أهل فاس فبايعوا مولانا الرشيد ونصروه، وقبض ابن صالح قبل الزوال بحوز البلد، وقتل جماعة من أصحابه وسجن بباب دار ابن شكره (¬1) بفاس الجديد، وولى القضاء حمدون المزوار يوم الخميس سادس الحجة (¬2) هـ. وفى شرح الزيانى على نظمه التاريخى المعنون بألفية السلوك: أن تولية حمدون القضاء كان بإشارة من الأستاذ أبي زيد عبد الرحمن بن القاضي، وذلك أن المترجم لما جلس على أريكة الملك بالعاصمة الفاسية، وجه للأستاذ المذكور يستقدمه عليه فأجاب بعدم قدرته على القدوم لكبر سنه وملازمته لبيته، فلما جاء جوابه للمترجم قال للرسول: إنى آتيه يخرج لمحل قريب من بيته آتيه فيه، فخرج لغرسة درب الدرج حائطها موال لمصمودة، ولما قدم السلطان فتحوا له في حائط الغرسة نقبا دخل منه إليها واجتمعا معا، فقال له: جئتك لأستشيرك فيمن أوليه بفاس من حاكم وقاض ومحتسب وناظر، فقال له: أما الحاكم فلا أتقلده، والقاضى حمدون المزوار، والمحتسب عبد العزيز المركنى الفلالى، والناظر العدل مسعود الشامي. ولما خرج من عنده أمر أن يبنى بالمحل الَّذي دخل منه باب وبقى طريقا، فهو درب الدرج لم يكن قبله، ولما بلغ دار الإمارة نفذ الإمارة لسيدى محمد بن أحمد الفاسى، والقضاء للمزوار، والحسبة والنظارة لمن ذكر. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "دار ابن شقراء" والمثبت من المثانى. (¬2) نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1537.

فامتنع الشامي من النظارة فسجن سبعة أشهر، ولما ضاق به الأمر أجاب على شرط أن لا يتعرض له قاض ولا وال لأن الأحباس كلها حارها اللصوص والأشراف أيام الفترة، حتَّى كادت أن تستأصل كلها واشتغل بالبحث عنها واستظهارها، ومن اتهم بربع أو أرض أو جنان أو دكان يحوز ما عنده من الرباع، فما ظهر رسمه رده له وما وجد مغصوبًا أولا رسم عنده علم أنَّه مغصوب فيحوزه للحبس، حتَّى رد الأوقاف كلها وزاد عليها ما وجد مغصوبا من الوقف أو غيره. ولما ولى المزوار القضاء كان كثيرا ما يرد أحكامه المفتى عبد الوهاب الفاسى في نوارل وأحكام تقع منه مخالفة للمشهور، وعلم بذلك ابن القاضي كتب لمولاى رشيد يقول له إن من أشرت عليك بولايته له أصهار، وأصحاب تجار، ومخالط لأعيان فجار، فأقلنى من عهدته أقالك الله من عذاب النار، فكتب له أن ينظر للقضاء من هو أهل غريب الدار، لا قرابة له ولا أنصار، خامل الذكر فذكر له المجاصى الغياثى فولاه القضاء بفاس هـ. قال في النشر: وفى يوم الخميس الَّذي بعده يعنى بعد الخميس الَّذي ولى فيه حمدون المذكور خطة القضاء قتل ابن صالح وابن الصغير ثم ولديه، ثم أخرج مولاى الرشيد بحركته للغرب فانهزم منه الرئيس الخضر غيلان ومن معه، وتبعهم فدخل القصر، وخرج إلى آصيلا، ورجع مولاى رشيد من القصر ثم عاد لحصاره (¬1) هـ. وقال الأسير مويت كان خروج المولى الرشيد لقتال عبد القادر غيلان في ثمانية آلاف فارس واثنين وثلاثين ألف رام، فتلقاه غيلان بستة وعشرين ألف جندى كلها مدربة على القتال لما كان بينهم وبين النصارى من المحاربة بالشواطى، ولما التقى الجمعان كان النصر الأخير لمولاى الرشيد وانهزمت جيوش غيلان أمام ¬

_ (¬1) نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1537.

الجنود الرشيدية إلى أبواب آصيلا، ومن هنالك فَرَّ غيلان إلى الجزائر ودخل في طاعة الرشيد القصر وتطاوين وسلا وكانت إذ ذاك بلدة مستقلة هـ. قال في النشر: ومن المحكى أن ابن صالح والدريدى وأشياعه لما أحسوا من الناس الضجر وكثر ذكر مولاى الرشيد على الألسنة والتشوف إليه لما اشتد بهم الحال من الحصار والفتن، وكان أغلب ذلك في شرفاء فاس أظهروا مشاحنة على سبيل المكيدة، فاختصم الدريدى مع ابن صالح وأظهروا المقاطعة بينهما، فجاء أشياعهما لكل من يعرفونه من الشرفاء والفقهاء الذين يحبون مولاى الرشيد، وطلبوا منهم أن يصلحوا بين الرئيسين، مدلين بأن هذا وظيف الشرفاء والفقهاء (¬1). ومن جملة من كان فيهم العلامة حمدون المزوار، وأبو عبد الله محمد بوعنان الشريف، وآخر من أقاربه فامتنعوا أولا كراهية الدخول في أمر الولاة، فاعتل أهل فاس بأن لا ملجأ في مثل هذا إلا لهم، وحتموا عليهم ومن تغيب من الأشراف وغيرهم ممن عزموا عليه اتبعوه حتَّى حضر، ومن تمرض كلفوه المشقة، والبعض من الشرفاء، اختفى من ذلك كل الاختفاء، لكونه أخبر بالمكيدة من بعض أصدقائه، حتَّى جمعوا جميع من قدروا عليه ممن يظنون به الميل إلى السلطان ووجهوهم إلى الدريدى بفاس الجديد على حالة الشفعاء في أن يصطلح مع ابن صالح، فلما أقبلوا عليه أظهر لهم الترحيب وأدخلهم مصرية وأنزل لهم مائدة من طعام ملون يعرف بطبخ الدار، وقال لهم: عشاؤكم من أسبوع بنية تزيدت لى، وخروجكم من هذه المصرية يوم خروجكم من زفافها، فعلموا أنهم مسجونون، وأنه توعدهم بطول سجنهم جدا، وأن توجيههم له من أصله إنما هو مكيدة واحتيال، وأنهم لو سجنهم جهارا لما أمنوا من انتصار بعض العامة لهم أو شبه ذلك، فلما وقع جميعهم في ذلك أسفوا وبقى الطعام بينهم لم يتناول أحد ¬

_ (¬1) نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1537 - 1538.

منهم شيئًا، فقدر الله تعالى ظهور مولاى الرشيد ودخوله فاسا الجديد في تلك الليلة، فالمائدة ما زالت بموضعها وطعامها وهم يسمعون الإعلان والصياح بنصر مولاى الرشيد في كل الجهات ففرج الله عنهم. ربما تجزع النفوس لأمر ... وله فرجة كحل العقال (¬1) فمنهم من لم يخرج إلا بعد أن كل من تلك المائدة زيادة في الفرح، ومنهم من حمل معه من ذلك الطعام وخرج مسرعا، ومنهم من بقى ثمة حتَّى دخل عليه السلطان مولاى الرشيد ومنهم البوعنانيون المذكورون فسر بهم وبقى يرعاهم (¬2). وهذا من أسباب تولية أحفادهم القضاء من قبل مولانا إسماعيل، لما يعلم فيهم من تقرر محبة الإمارة، وكأنه بحث عن أحوالهم، وممن كان حاضرا بهذه القضية سيدى محمد بن أحمد الشريف العراقى الحسنى (¬3) سمعت هذه الحكاية من بعض أحفاده لبنته وهي شائعة عنه وعن غيره، ويذكرونها بزيادات لم أذكرها لأنى هذا الَّذي حققت منها، ولله الامر من قبل ومن بعد (¬4). قال: ومن حوادث سنة سبع وسبعين وألف رجوع السلطان مولاى الرشيد من الحركة أوائل ربيع الثانى، فكتبت له البيعة من فاس وقرئت بين يديه زوال يوم السبت الثامن عشر ربيع الأول، ثم خرج إلى مكناسة في ربيع الثانى بقصد آيت ولَّال من البربر فأخذهم، ورجع ثم نزل الرئيس محمد الحاج قرب وادى فاس بأبى مزُّورة (¬5) فقاتل قتالا خفيفا ورجع نحو ثلاثة أيام، ثم خرج السلطان مولاى ¬

_ (¬1) نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1538. (¬2) نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1538. (¬3) في نشر المثانى: "الحسينى". (¬4) نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1538. (¬5) في المطبوع: "بأبى مرورة" والمثبت من المثانى الَّذي ينقل عنه المصنف. ومثله في الاستقصاص 7/ 36.

استيلاؤه على الزاوية الدلائية

الرشيد لتازا حادى عشر رجب، ورجع في شوال ففزع الرئيس العكين عن مكناسة، ثم خرج السلطان لبنى زروال ثانى يوم النحر فأخذهم وبعث رئيسهم الشريف إلى فاس ثانى محرم عام ثمانية وسبعين، ثم نزل على تطاوين فأخذ رئيسها في صفر وأتى به فسجنه مع جماعته ورجع أوائل ربيع الأول (¬1). قال: ومن حوادث ثمان وسبعين خرج مولاى رشيد لحركة الزاوية الدلائية ضحوة الخميس الثانى عشر من ذى الحجة، وولى بفاس العلامة سيدى محمد بن أحمد الفاسى زوال يوم السبت من ربيع الثانى (¬2). قال: ومن حوادث سنة تسع وسبعين أخذ الزاوية الدلائية، قال الشيخ أبو على اليوسى في محاضراته: كان الرئيس أبو عبد الله الحاج بن محمد بن أبي بكر قد ملك المغرب سنين عديدة، واتسع هو وأولاده وإخوته وبنو عمه في الدنيا، فلما قام الشريف السلطان رشيد بن الشريف ولقى جيوشهم ببطن الرمان فهزمهم، وذلك أوائل المحرم فاتح سنة ست وتسعين وألف، فدخلنا عليه، وكان لم يحضر في المعركة من عجزه لكبر سنه فإذا بالفلّ يدخلون فدخل عليه أولاده وإخوته وأظهروا جزعا شديدا وضيقا عظيما فلما رأى منهم ذلك، قال لهم: ما هذا! إن قال لكم حسبكم فحسبكم، يريد الله تعالى. وهذا كلام عجيب وإليه يساق الحديث، والمعنى: إن قال لكم تعالى حسبكم من الدنيا فكفوا راضين مسلمين (¬3) هـ. قال: والإشارة بهذا إلى أن الله تعالى وضع لعباده في الدنيا مائدة وجعلها بينهم دولًا، {... وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ... (140)} [سورة آل عمران: 140]، فكل من جلس على هذه المائدة وتناول منها ما قسم له فلابد ¬

_ (¬1) نشر المثانى 4/ 1546 في موسوعة أعلام المغرب. (¬2) نشر المثانى في موسوعة أعلام المغرب 4/ 1552. (¬3) نشر المثانى في موسوعة أعلام المغرب 4/ 1557.

أن يقوم عنها بالموت أو بالعزل ليجلس غيره، ولا تدوم لأحد ولا ينام عنها من أقيم غالبا إلا بمرارة وعنف، ولذا قال -صلى الله عليه وسلم- في الولاية: نعمت المرضعة وبئست الفاطمة. ثم من الناس من لم يشعر بهذا المعنى ولم ينتبه له، فهو يسعى إليها عجبا بأوائل زخرفها وانخداعا بظهور زينتها، ومن الناس من علم ذلك وتنبه له، ثم من هؤلاء من نفعه الله بعلمه فأوجب له أفعالا محمودة إما قبل ولوجها بالزهد فيها والفرار منها علما بغايتها دينا وتقوى، أو حزما في الدنيا بعد الولوج فيها بالتعفف والإحسان والعدل والرفق ومجانبة الجور والبغى والخرق، إما دينا أيضًا وحذرا من المطالبة في الآخرة، وإما خرقا دنيويا وحذرا من اختلالها واضمحلالها، إلى أن قال: وقال أبو عمر بن عبد البر: تكلم معاوية رضي الله عنه يوما، فقال: أبو بكر هرب منها وهربت منه، وأما عمر فأقبلت إليه وهرب منها، وأما عثمان فأصاب منها وأصابت منه، وأما أنا فداستنى ودستها، قال أبو عمر: وأما على فأصابت منه ولم يصب منها. ثم قال في المحاضرات بعد كلام طويل: وكل من تعرض لها من السلف فإما انتهاضا لنصح المسلمين من نفسه بإقامة الحق لئلا يضيع، وإما نزغة بشرية حركها لسبب من الأسباب، أما على هذا الثانى فلا يقتدي بهم، وأما على الأول فيقتدي به من بلغ مقامه في التمكين القوة والنزاهة، وفى مثل زمنه الصالح الَّذي لم يزل به الدين طريا، والحق جليا، والأعوان عليها قائمون، وهيهات ذلك في آخر الزمان الَّذي غلب فيه حب الدنيا واستولى على الناس سلطان الهوى، فلا ترى إلا حريصا على الجمع والمنع، ولا ترى إلا نفاقا ومداهنة، فالمرء الكيس لا يعدل لنفسه بالسلامة شيئًا، ومن له بوجودها إن لم يكن له من المولى لطف ظاهر هـ المراد من كلام الشيخ اليوسى باختصار.

فكان أخذ الزاوية يوم الاثنين ثامن المحرم، ومن لطف الله على أهل الزاوية فيما سبق لهم في علمه ببركة جدهم محبتهم في أهل البيت أن جعل خلاء زاويتهم على يد مولاى الرشيد الَّذي حلم عليهم الحلم المعهود لأمثاله من صرحاء أهل البيت، فما أسال من دمائهم ولو قطرة، ولا كشف لهم عن عورة، وربما مد بعض الظلمة يده فانتقم منه أشد الانتقام. ولا يقال إن تخريب المترجم لهذه الزاوية وإجلاء أهلها منها وترحيل رؤسائهم لتلمسان وتغريبهم هناك بدليل العيان غير مناسب لما كان فيهم من علم ودين، وزائد ود، لأبناء السبطين، لأنه يقال إن ذلك ضرورى عادى في جمع الكلمة، إذ ما دام من كان بيده في مأوى سلطانه إلا ومواد الثورة لا تنحسم وعين التشوف لا تنسد، ولو من رعاع الاتباع والمشاهدة أعظم برهان، ولأمر ما قال تعالى عن بلقيس: {... إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ... (34)} [النمل: 34]. فحيث كان هذا المقتضى الأكيد في سياسة الأمة وجمع كلمتها وانضمام شمل ألفتها على من يحمى بيضتها قائما، فالعلم ومعطوفاته التي توجد حشو من يراد إقامته في ذلك على المحجة البيضاء لا تعد موانع، من تنفيذ ذلك المقتضى، لأن درء المفسدة أهم، ولإمكان الجمع بظهور نتائج العلم ومعطوفاته من صاحبها في أماكن أخرى لا تتطرق فيها مفسدة، وكذلك كان فإن جميع من كان من تلك العائلة له علم ودين قد استقر بحاضرة المغرب فاس، ونصبوا بها وبأحوازها للمناصب اللائقة بعلمهم ودينهم، كما حفظ ذلك كله التاريخ، وفى كتاب البدور الضاوية من ذلك ما فيه مقنع فحصلت لهم بذلك الكرامة، مع الأمن والسلامة، ولله في خلقه شئون.

قال أبو على اليوسى: وكان محمد الحاج في ابتداء أمره طالبا فقيرا صعلوكا قليل ذات اليد، ووالده مثله فكلف والده أن يشترى له فرسا فقال له: والله ما عندى ما أشترى لك به حمارا، اشتغل بقراءتك مع بنى عمك واترك مرافقة البطالين، وأقبل على ما ينفعك فلم ينفع فيه وعظ فهجره والده وأعرض عنه وتركه وشأنه، فكان يأوى إلى كهف في جبل فوق قريتهم بالدلاء مع أحداث مثله. فاتفق ليلة لم يأت أحد منهم غيره فأتى بقبس نار وحطب وأوقد نارا بالكهف فرأى في راوية محلا كالباب مبنيا بحجارة فتأمله فإذا هو بناء، فتوجه للقرية وأتى بآلة حديد قلع بها البناء ودخل من ذلك النقب بقبس نار فوجد محلا منقورا في الجبل وبه سبعة قماقم من نحاس مختوم على أبوابها بالرصاص، فدحرج واحدا منها إلى الكهف لثقله وكسر ختمه فوجده مملوءا بالدنانير المرينية، فأخرج القماقم كلها إلى خارج الكهف وحفر لها في الأرض ورد عليها التراب وسواه. ورجع إلى الكهف فأغلق الباب كما كان بالحجر والطين ونكسه ونقص من القمقوم الَّذي فتح مقدار ما يحمل وتوجه به لدار والده، فوضعه بمحله، ورجع إلى القمقوم فحمله وأبلغه لمحله، ولما أصبح استرضى والده ببعض ذلك وجلب خاطره به ووصل أقاربه وبنى عمه واشترى لرفقائه وله خيلا وسلاحا واشتهر بينهم بأنه يحسن صنعة الكيمياء، وأقبل عليه البطالون. فلم تكمل السنة إلى أن كان يركب في مائة من الخيل، فجاءه أحداث قبيلة مجاط فاجتمعوا عليه وكان يستركبهم، وعظم أمره وصار يشن الغارة على أهل تادلا، وعلى أهل ملوية وأمر أمره فدعا لنفسه هـ بنقل صاحب الروضة السليمانية.

وفى البدور: وكان أهل صاحب الترجمة -يعنى الرئيس محمد الحاج- كارهين لولايته لما كانوا عليه من الاشتغال بالعلم والدين والسير على سنن المهتدين، ولما سمعوه من الشيخ والدهم رضي الله عنه فإنه كان يقول له أنت سبب خراب هذه الزاوية، وكان يقول سيجعل لكم محمد سلما تصعدون به إلى درجة ثم ينكسر المسلم وتنهدم الدرجة، وفى ذلك يقول أخوه الشيخ الإمام سيدى محمد الشاذلى رحمه الله: بلينا بذى نسب شائك ... قليل الجدا في زمان الدعه إذا ناله الخير لم نرجه ... وإن ضعفوه ضعفنا معه وفى البدور أيضًا أن أبا عبد الله محمد بن أبي بكر قال لأخت له ذات يوم: سيجعل لكم محمد يعنى والده محمد الحاج سلما تصعدون معه فيه وتدعون اخنيف يعنى ثياب المسكنة، فترجعون فلا تجدون اخنيف وتلتمسون المسلم فلا تجدونه هـ. قال في نزهة الحادى: حدثني غير واحد من أشياخنا أنَّه أي أبا عبد الله محمد بن أبي بكر لما دنت وفاته جمع أولاده وذويه وقال لهم: {... إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ... (249)} [البقرة: 249] وأنا أقول ولا من اغترف بيده يشير بذلك إلى ما يتجاذبونه من الرياسة بعده ويبتلون به من أبهة الخلافة وذلك في مكاشفاته وقد اعترض عليه بعض الطلبة بقوله وأنا أقول بأنه سوء أدب بمقابلة كلام الله بكلامه وأجاب عن ذلك حفيده شيخنا الفقيه العلامة الشهير أبو عبد الله محمد المسناوى برسالة مستقلة ولولا الإطالة لجلبناها بنصها هـ وهي مطبوعة في فتاويه المطبوعة بفاس 222.

وفى البدور أيضًا: قد نقل بعض الأثبات الثقات أن الأمير محمد الحاج لما وصل بمن معه من أهله وبنيه. وأقاربه وذويه. لمدينة تلمسان، ولم يعبأ بهم إنسان، ونزلوا منها بحرم العباد مستمطرين الفرح بالمآب، من ملك أمور العباد ورب الأرباب. قال: لا إله إلا الله الله أكبر، كنا نظن أن ندخل مدينة الجدار، دخول عز وافتخار، فدخلناها دخول ذل واحتقار، والأمر لله الواحد القهار. قال: وبقى رحمه الله بتلمسان نحوا من عامين وأربعة أشهر، وتوفى بها عشية يوم الخميس رابع محرم الحرام فاتح عام اثنين وثمانين وألف ودفن من الغد قريبا من ضريح الشيخ محمد بن يوسف السنوسى، فكانت مدة أيامه. من وقت قيامه. وجمع شمل نظامه. بمبايعته أولا وثانيا وصيرورته إماما واليا. إلى وقت ارتحاله وخلعه وإخراجه من وطنه إحدى وثلاثين سنة، إلا أن أيامه كانت غير متمحضة للحرب ولا للسلم. قال: وبقى من كان معه بتلمسان من بنيه. وأقاربه وذويه، إلى تمام العام فتوفى السلطان الرشيد فكان بين وفاتيهما معا أحد عشر شهرا وستة أيام، وبقى أهل الزاوية بمكانهم نحوا من عامين وأشهر. قال: وكان خروج أهل الدلاء من العباد -يعنى منقلبهم لفاس- في جمادى الأولى عام خمسة وثمانين وألف، فلما رجعوا كان نزولهم بقرب روضة سيدى على بن حرزهم، وبقوا به مدة ثم أمرهم السلطان مولاى إسماعيل بالدخول للمدينة الإدريسية، وأن يسكنوا منها حيث شاءوا وعظمهم وأعطاهم، وأكرم نزولهم ومثواهم وبالتوقير والاحترام أولاهم وآواهم هـ. قال الأسير مويت: وكان ابن أبي بكر هذا عالما بنوايا الرشيد لذلك، أخذ يستعد لملاقاته فأرسل أولاده إلى الجبال بقصد حشد الجيوش ثم وزع الأموال واستخلف الأشياخ على أن يعينوه بأموالهم وأنفسهم حتَّى النهاية، فأقسموا له

على ذلك، إلا أن فريقا وجه إلى السلطان يستقدمه لزاويتهم ظنا منهم أنهم سينالون شيئًا من السبى فأجابهم إلى ذلك، ومر في طريقه على جبل الحديد فأخذه عنوة، ثم قصد ابن أبي بكر والتقى الفريقان ببطن الرمان غرة عام 1079، إلا أن أولئك الأشياخ الذين كانوا يقبضون الأموال من الرشيد احتالوا في قبض ابن أبي بكر وسلموه لعدوه فعفا عنه، ووجهه إلى فاس ومنها إلى تلمسان حيث قضى نحبه يوم 15 ماى 1671، ثم إن الملك قضى فصل الشتاء كله في الزاوية هـ الغرض. وما زعمه من الاحتيال في قبض ابن أبي بكر والإتيان به للمترجم يفنده ما في البدور الضاوية نقلا عن الأزهار الندية ونصه: ذكر لنا بعض الأثبات أن السلطان الرشيد لما قدم الزاوية الدلائية بقصد الاستيلاء عليها، لقبه الأمير أبو عبد الله محمد الحاج وكان متناهيا في السن، فقال له: ما تريد؟ فقال له: الملك، فقال له: هو الآن في محله فباعه ودفع له مالا فقبض منه المال. وألان له في المقال. وذهب بأهله وحشمه إلى تلمسان هـ. وقال نقلا عن تحفة المعاصر ما نصه: أخبرنى الشريف البركة الخير المرابط سيدى أحمد بن عبد القادر القادرى الحسنى ثم الفاسى أنَّه كان بها يعنى الزاوية الدلائية حين دخول السلطان الرشيد إليها حاضرًا، وكنت ممن لفظته يد الاكتئاب، ورمت به قوس المحن والاغتراب، لما شاهدت يومئذ من تغير الأحوال، وكثرة الأحزان والأهوال، إلى تادلا فلما وصلت الصومعة منها ولقيت الفقيه الصالح سيدى عبد الرحمن بن إسماعيل والد الفقيه العلامة الولى الصالح سيدى محمد ابن عبد الرحمن صاحب سيدى أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الله معن الفاسى رحمهم الله تعالى وسألنى عن خبر الزاوية المذكورة وأهلها وما فعل

هنالك، لم أملك عينى من البكاء بتذكره أيام تلك الأيام والمعاهد، وما خص الله تعالى به أولئك السادات الكرام الأماجد. قلت رضي الله تعالى عن سيدنا حسان، ذكرنى لفظ التذكر والبكاء قوله يبكى أصحاب مؤتة بقوله: يؤرقنى ليل بيثرب أعسر ... وهم إذا ما نوم الناس مسهر لذكرى حبيب هيجت لى عبرة ... سفوح وأسباب البكاء التذكر بلى إن فقدان الحبيب بلية ... وكم من كريم يبتلى ثم يصبر هـ. وفى نزهة الحادى وغيرها أن الشريف الرشيد غير من الزاوية الدلائية المحاسن، وصير محاسن معينها العذب آسن، وصحبها حصيدا كأن لم تغن بالأمس، وكانت مشرقة إشراق الشمس، فمحت الحوادث ضياءها، وقلعت ضلالها وأفياءها، وقد أطال فانظر بقية كلامه. وكان ممن حضر هذه الحادثة الإمام أبو على الحسن بن مسعود اليوسى ورثى هذه الزاوية بقصيدته الرائية الشهيرة المشتملة على جودة الرثاء المقصود، والتأسف على فوات حسن الحال المعهود، والتحنن إلى معاهد تلك الأطلال، والتشوق لمن كان بها من القطان والآل، والتنبه إلى الدهر والبائه، وتقلبه بأهله وأبنائه. والتأسى بذى التصبر لصروفه، والتسلى بما بيديه من نكره عن معروفه، وعدم الاهتبال بما يحدثه من الحوادث وترك الركون لنعيمه الحادث، وعدم الثقة بود بنيه، وتلون شيم أهله وذويه، ورفع الهمة عنهم ثقة بالمولى، فيما لابد وأولى، والتخلى عن خلل الخزايا والكبائر، والتحلى بحلل المزايا والمثاثر، والترقى في أدراج خير السجايا لإدراك المعالى والمفاخر، إلى غير ذلك من الأخلاق والأوصاف الحسان. التي

يحصل الشرف بها في الدين والدنيا وينجو بسببها في الآخرة الإنسان. قال في مطلعها: أكلف جفن العين أن ينثر الدرا ... فيأبى ويعتاض العقيق به جمرا وأسأله أن يكتم الوجد ساعة ... فيشقى وإن اللوم آونة إغرا وقد كنت أستصحيه حين توقدت ... جذى الوجد فاستسقيته يطفئ الجمرا على أن دمع العين فضل حشاشة ... تذاب فماذا ينفع الدمع أن يجرا وكانت سروح الهم عنى عوازبا ... وبعد النوى أضحت مراتعها الصدرا وكانت عيون الحادثات غوافلا ... زمانا وخطب الدهر كان بنا غرا ليالى كان البين عن جيرة الحمى ... صدودا ونظم الشمل لم يستحل نثرا وكانت رياض الحسن تزهو نضيرة ... فكاهتهم أضحت بأرجائها زهرا ومجنية منها طرائق تجتلى ... إذا تجتنى في كل مظلمة بدرا وكانت مدامات الوصال مدامة ... على القوم صرفا لا مزيجا ولا نزوا تجاذب أخدان الصفاء كئوسها ... فلا تختشى منها خمارا ولا سكرا فبينا ليال الوصل بيض وروضه ... يفيض الندى كانت مرابعه خضرا عدت عدوة أيدى الحوادث فاختلت ... خلاها فعادت بعد نضرتها غبرا وأبدلن مانوس الديار وأهلها ... بوحش وحولن الأهيل بها قفرا وبين جموع الحى كالراح شبتها ... بماء فما تخشى جفاء ولانفرا وكالفرقدين الطالعين تآلفا ... وصاحبى الملك الَّذي نادم الشعرى أصابتهم عين الكمال فغادرت ... أكفهم من كل ما جمعت صفرا

وردتهم مثل الثريا إذا رأت ... سهيلا بشحط البين أو واصل والرا فأصبح في أرجائها البوم منشدا ... يردد مما قال من قد خلا شعرا: كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس بلى لكن هوى جدهم عثرا فلا جفن إلا وهو مغض على القذا ... ولا عين إلَّا مِنْ نجيع الشجا حمرا ولا وجد إلا وهو مرخ سدوله ... ولا هم إلا وهو يكتشف الفكرا صبرت فؤادى للخطوب فلم يزل ... به رشقها حتَّى تقضى فلا صبرا وأزمعت نهر الدمع عنى تعزيا ... فلما جرى كالنهر لم أملك النهرا ووجهت نحو الحى أعرب عن هوى ... ضميرى فما ألفيت زيدا ولا عمرا وأحسب ما قد كنت أحسب دائما ... فخطت بنان البين في راحتى صفرًا إلى أن قال: هو الدهر لا يبقى على متخشع ... ذليل ولا ذى نخوة مزده كبرا حسام إذا ما صمم الدهر في امرئ ... غدا دمه بين الورى خضرا مضرا ورح سموم حيث ما هب مرة ... تعفت معافيه وإن بعدت مرا وسيل إذا ما يمم الأرض أصبحت ... أخاديد وانفلت كرادسها كسر وليث هصور ما تغشى حظيرة ... فيسطو إلا أنعم العض والعقرا غشوم فما يرتاع من بأس خادر ... لحى ولا من حسن ساكنة خدرا فليس عجيبا ما أتى من عجائب ... ولو أطلع الغبراء واستنزل الخضرا إلى أن قال: ألم تر أن الدهر حبلى أنينة ... ولادتها يوما وإن لم تكن تدرا

فمن منح تسلى ومن محن تسى ... نتائجها صغرى على المرء أو كبرى ولا تأمنن أبناءه أن تحببوا ... إليك فمن يشبه أباه فقد برا وكل بنى دهر فأشباه دهرهم ... على ما قضى الله الكريم وما أجرى إلى أن قال: ومن لم يكن مستغنيا بقناعة ... فليس بمنفك عن الناس معترا ومن لم يكن يسترغد العيش بالرضا ... بقسمته لم يبرح الدهر مضطرا ومن لم يكن بالحزم محتزما فقد ... فرى حبله عن نجحه قبل أن يفرا ومن لا يبادر صيده وهو معرض ... ليرميه كان العناء له قصرا ومن يشر بخسا نوقه وهي شول ... عجاف تمناها لدا غيره شكرا ومن يحتسب يهمل كما الغيث وابلا ... فلا الحقل يجفو بالعباد ولا الصبرا ومن لا يثقف متنه الدين والحجا ... ويرم الورى يلق المثقفة السمرا ومن لا يجنب قوله دنس الخنا ... فلا يمتعض يوما إذا أسمع الهجرا ومن يبغ نذلا بالسباب وبالنوى ... يكن بنضار جيد يشترى الصفرا ومن يصحب الأمجاد تنظف ثيابه ... ومن يصحب الأرذال يكسى بها العرا ومن لا يجالس من يجانس لم يدم ... له أحد فالأسد ما ترأم الحمرا ومن لا يجاوز بالصديق ويلحه ... يجد لبه نغلا إذا نزع القشرا ومن يرم بالبغض الودود معنفا ... ليصفو يورث قلبه البغض والغمرا وهي أطول من هذا تشتمل على مائة بيت واثنين وستين بيتا، وقد شرحها غير واحد من فطاحل العلماء والأدباء ما بين موجز ومسهب.

وقد رثى أهل هذه الزاوية غير واحد من جلة العلم، وقد ألم بجملة وافرة أبو الربيع سليمان الحوات في البدور الضاوية تركنا جلب ذلك روما للاختصار. هذا وإن المترجم قدس سره، قد نقل علماء هذه الزاوية المباركة لفاس لنشر العلم، ومن جملتهم الإمام اليوسى، قال في تحفة المعاصر: إن الشيخ اليوسى لما أمره الرشيد بالرحيل من الزاوية البكرية وألزمه النزول بمدينة فاس والتصدير للتدريس بها امتثل أمره ودخل مدينة فاس، وأقام متصدرًا للتدريس فأخذ عنه ملأ كثير، وجم غفير، ولزمه أهل الاعتناء المنصفون، وانتفع به أهل المغرب انتفاعا ظاهرا، وكان الرشيد يحب إقامته بفاس ويأبى هو إلا البادية فعاتبه في ذلك، فاعتذر له بأنه رجل بدوى المولد والمنشأ وحنينه أبدًا لأول منزل هـ بنقل البدور لأبي الربيع سليمان بن محمد الحوات الحسنى المتوفى عام واحد وثلاثين ومائتين وألف. وفى النشر: أن الرشيد لما فرغ من إخلاء الزاوية في الثانى والعشرين من صفر قصد مراكش فأخذها وقتل رئيسها عبد الكريم المدعو كروم الحاج الشبانى مع جماعة من حزبه (¬1) وقرابته وبعد موته بشهر رجع مولاى رشيد من حركته تلك يوم الجمعة تاسع عشرين ربيع الثانى. وخرج صاحب تافلالت ابن أخيه مولاى محمد بن الشريف مع أتباعه وخلى سبيل البلد وكذلك الخضر غيلان ذهب في البحر إلى الجزائر، وخلى سبيل آصيلا. وعزل القاضي المزوار، والمفتى محمد بن أحمد الفاسى زوال الأربعاء التاسع والعشرين من جمادى الثانية، وولى محمد بن الحسن المجاصى القضاء يوم الجمعة بعد عزل المزوار المتقدم والفقيه سيدى محمد البوعنانى خطبة القرويين بعد عزل سيدى محمد بن أحمد الفاسى، ثم أخرج مولاى الرشيد للشاوية عصر يوم السبت سابع عشر رجب ورجع سابع رمضان، فأمر بإخراج أهل الزاوية من فاس ¬

_ (¬1) التقاط الدرر - ص 176.

ثم سمح للبعض منهم وبقى البعض بضريح سيدى على بن حرزهم (¬1) إلى آخر العام ثم سمح فردهم جميعا (¬2). ثم أخرج لحركة آيت عياش ظهر يوم السبت سابع عشر ذى الحجة، وأحدثت السكة الرشيدية ثانى وعشرى الحجة وأقرض التجار من فاس وغيرها اثنين وخمسين قنطارًا مدة من سنة حتَّى ردوها وبها بنى قنطرة سبو وفى يوم السبت رابع عشر ذى القعدة أخذ في أهبة بنائها (¬3). قال: ومن حوادث عام ثمانين وألف بدء أساس قنطرة سبو، وفى خامس عشر جمادى الثانية بدأ البناء فيها بالآجر (¬4)، وخرج المولى الرشيد لحركة الأبيض يوم الاثنين الثانى والعشرين من رجب ورجع يوم الخميس ثامن رمضان، ومات أولاد أخ الأبيض من الغد قبضهم هنالك وقُتلوا بعد وصولهم لتازا، ثم مرض السلطان مولانا الرشيد مرضا أشرف على الهلاك، وأخرج جميع من كان بالسجن يوم السبت السابع عشر وبرئ من الغد، وفى يوم الأحد خامس عشر ذى القعدة عمل عرس مولاى إسماعيل أخي السلطان وفى شوال (¬5) جددت قنطرة الرصيف (¬6). ¬

_ (¬1) في نشر المثانى: "على بن حرازم". (¬2) نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1557 - 1558. (¬3) نشر المثانى في الموسوعة 4/ 158 - 159. (¬4) في المطبوع: الاجر بدون علامة فوق الألف، وفى نشر المثانى: "الأجر" بهمزة فوق الألف، وكلاهما خطأ صوابه لدى الناصرى في الاستقصا 7/ 39. والآجُرّ: اللَّبن المُحْرَق المُعَدّ للبناء. (¬5) في هامش المطبوع: "والذي في البستان الظريف أن التجديد كان في ذى القعدة من العام". (¬6) نشر المثانى في موسوعة أعلام المغرب 4/ 1563، وانظر في ذلك أيضًا: الاستقصا 7/ 39.

قال: ومن حوادث عام واحد وثمانين وألف استولى مولاى رشيد على تارودانت وهي مدينة في أقصى سوس بها أنهار جارية وبساتين مشتبكة وفواكه مختلفة، وأسعار رخيصة، والطريق منها إلى أغمات وريكة في أسفل جبل ليس بالأرض مثله إلا القليل في العلو وطول المسافة واتصال العمارة وكثرة الأنهار والفواكه، وبأعلى هذا الجبل أكثر من سبعين (¬1) حصنا وقلعة، منها حصن منيع هو عمارة محمد بن تومرت ملك المغرب، إذا أراد أربعة من الناس أن يحفظوه من أهل الدنيا حفظوه لمنعته (¬2). فوقع فتح المدينة رابع صفر واستولى على هشتوكة يوم الأحد ثامن عشر صفر وقتل منهم نحو الألف ونصف فيما قيل، واستولى على أهل الساحل ومات منهم أزيد من أربعة آلاف على ما قيل يوم الأحد خامس عشر صفر، وفى مهل ربيع الأول أخذ أهل إيليغ دار ملك سيدى على بن حسُّون، ومات منهم بسفح الجبل نحو ألفين على ما قيل، وفى سابع ربيع الأول قتل بفاس خليفة السلطان نحو ستين من أولاد جامع، وعلقوا بالبرج الجديد لأجل قطع الطريق هـ (¬3). قال الأسير مويت: ولما تم الأمر للرشيد على الشبانة عام تسعة وستين وستمائة وألف [ميلادية]، توجه إلى مراكش، ثم بعد ذلك وردت عليه كبراء الشبانات ببيعتهم فأمنهم، ثم جند الجنود منهم ومن غيرهم وتوجه إلى حاحة فكان لا يمر بقبيلة إلا بايعه أهلها لما يعلمونه من شدة بأسه، وكان وما معه من الجنود يبلغ 63 ألفا منهم 25 ألفا من الفرسان. ولما قرب من سوس أراد أهل الجبال أن يمنعوه من المرور إلى تارودانت فحاربهم وقهرهم، ولما قرب من أكادير تلقاه أهلها وبايعوه، ثم توجه نحو إليغ ¬

_ (¬1) في نشر المثانى المطبوع: "من عشرين" وفى إحدى نسخه الخطية (من سبعين) كما هنا. (¬2) نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1565. (¬3) نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1565.

بأولاد سيدى أحمد وموسى فحاصر القصبة حتَّى أضر الجوع بأهلها فطلبوا من أميرهم أن يسلم نفسه للسلطان فأبى، ولما جن الليل خرج من باب سِرْبِه (¬1) وهرب، ثم إن أهل إليغ لما علموا بفرار أميرها خرجوا إلى السلطان وبايعوه ثم بعد ذلك، رجع السلطان إلى فاس سنة سبعين وستمائة وكتب لجميع الولاة باستئصال شأفة قطاع الطريق، وإقامة الحدود على الزناة وشراب الخمر (¬2) هـ. وفى نزهة الحادى لما تمت البيعة له يعنى للمترجم أفاض المال على العلماء وغمرهم بجزيل العطايا وبسط جناح الشفقة على أهلها يعنى فاسا، وأظهر إحياء السنة ونشر الشريعة فحل من قلوبهم المكان الأرفع، وتمكنت محبته من قلوب الخاصة والعامة هـ الغرض. قال في النشر: وفى جمادى الأخيرة خرجت سكة الفلوس الجديدة المدورة، وجعل أربعة وعشرين منها في الموزونة الرشيدية بعد أن كان في كل موزونة ثمانية وأربعون، وبطلت الفلوس الأشقوبية المربعة، وفى يوم الاثنين ثالث رجب رجع مولانا الرشيد من حركة سوس. وفى أوائل شعبان ابتدأ بناء المدرسة التي بالشراطين من فاس المنسوبة لمولانا الرشيد بموضع دار عزوز، وفى أوائل شعبان أمر المولى الرشيد ببناء قصبة بعرصة ابن صالح وديار لمتون والدكاكين، وأعطى ألف مثقال لبناء سورها وأمر قواده ببناء الدور فيها، وأمر شراكة (¬3) ببناء قصبة ¬

_ (¬1) في المطبوع: "من باب سرّية" والسِّرب: المسلك في خُفْيَة. (¬2) نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1565 في حوادث 1081 هـ، ومثله في الاستقصا 7/ 40 حوادث 1081 هـ. (¬3) في هامش المطبوع: "قال في البستان: إن هؤلاء شراكة قدموا معه يعنى المترجم من الشرك واستخدمهم في جنده منهم العرب الشجع وبنى عامر ومنهم من البربر مديونة =

الخميس وأعطى ألف دينار لبناء سورها، وخرج لزيارة سيدى أبي يعزى رابع رمضان ثم إلى سلا، ورجع لفاس ثامن وعشرين من رمضان (¬1). وقال في حوادث عام اثنين وثمانين: بعث المترجم خيلا للجهاد نحو طنجة أول صفر، وبعث خيلا لسوس وقائدها عبد الله أعَرَّاص وذلك يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الأولى، وسافر لتافراطة للصيد يوم الاثنين قرب الزوال فسمع قيام ابن أخيه [بمراكش] (¬2) فدخل فاسا يوم السبت حادى عشر رمضان وخرج من يومه عصرًا، فلقيه محبوسا بيد خدامه عند فزارة (¬3) فبعثه إلى تافيلالت وسافر إلى مراكش وبعث قائده زيدان لفاس يوم الأربعاء تاسع ذى القعدة ليأتى بالجيش، فأتاه أهل سوس وغيرهم طائعين ولم يبق للحركة موضع بعد أن خرجت الأخبية لوادى فاس (¬4) هـ. قال أبو محمد عبد السلام بن السلطان الأعدل أبي عبد الله محمد بن عبد الله إسماعيل السلطان الأعظم في درة السلوك، وريحانة العلماء والملوك ما لفظه: كان مولانا الرشيد يقسم أيامه بين المقام بمراكش والمقام بفاس، وكان إذا ارتحل لفاس يترك بمراكش خليفته ابن أخيه مولاى أحمد بن محرز، وإذا رجع يترك أخاه مولاى إسماعيل بالغرب. ¬

_ = وبنى منوس وأنزلهم بقرب ناس فحصل منهم الضرر لأهل المدينة وتشكوا منهم فأمرهم بالانتقال بحلتهم لبلاد صدينة وفشتالة بين النهرين سبو وورغة، وأقطعهم تلك الأرض وعزل عزابهم، وأمرهم ببناء بيوتهم بقربه، وأعطاهم ألف دينار لبناء السور، وجعلهم قبيلة واحدة حيث أنفوا من ولاية الترك وفروا إليه هـ مؤلف. (¬1) نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1566. (¬2) من نشر المثانى. (¬3) تحرف في المطبوع إلى: "فتراوة"ورواية نشر المثانى: "فنزارة"، والمثبت رواية الاستقصا 7/ 42. (¬4) نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1571، والاستقصا 7/ 42.

وكانت أيام مولانا الرشيد أيام راحة ودعة وسكون جامعة للمحاسن وأشتات الفنون، وكان محبا في العلماء مطالعا لكتب الأقدمين فقيها متضلعا، إلا أن أيامه لم تطل وكانت مدة خلافته سبع سنين، وكان مختصا به الفقيه الأديب السيد عبد المالك التجموعتى، والفقيه الأديب السيد سعيد التلمسانى، والفقيه الأجل السيد محمد بن عبد الرحمن الفاسى، وله مع فقهاء المغرب وأدبائه أخبار حسان يطول ذكرها هـ. ومن مفاخر المترجم شدة اعتنائه بتحقيق الشرف والنسبة للبيت النبوى حتَّى قال في السر الظاهر: إنه كان مثلا مضروبا في ذلك، وكان يسند ذلك لأهل العلم والدين، ويزجر أهل الإفك والزور في ذلك بما يليق بهم من الزواجر البالغة، قال: وجرى في أمرهم على طريقة ملوك الفرس، فإنها كانت تضبط أهل بيتها بضوابط أسلافها، حتَّى كانت تمنعهم من مناكحة من لا يليق بهم هـ. قلت هو إشارة لتوجيه ما كان عليه المترجم وملوك آل بيته بعده من التحجير في مناكح آل بيتهم بأن لا تكون إلا في أبناء عمهم، أما النساء منهم فعلى سبيل الإطلاق والشمول والاستغراق من غير استثناء، وأما الرجال فكذلك إلا إذا اقتضى الحال في بعض الخواص تسريحه له بإذن خاص، ولكن تخريج صاحب السر الظاهر ذلك على التأسى بملوك الفرس ليس على ما ينبغي، فإن اعتبار النسب في الكفاءة في النِّكَاح هو القول الخامس في المذهب حكاه ابن عرفة وغيره. وقال الحفيد ابن رشد في بدايته: إن قول أبي حنيفة وأصحابه إن القرشية لا تزوج إلا من القرشي ولا العربية إلا من العربى، وأن قول الثورى وأحمد: إن العربية لا تزوج من مولى، وكذا نقل ابن العربى في الأحكام أن أبا حنيفة والشافعى يعتبر أن في كفاءة النِّكَاح الحسب.

علائقه السياسية

ونقل ابن جزى في قوانينه أن أبا حنيفة والشافعى يعتبران فيها الحسب والنسب ونبه في البداية على أن مستند هذا القول هو الحديث الصحيح تنكح المرأة لدينها وجمالها ومالها وحسبها، قال: فلا يخرج من الاعتبار في الكفاءة من هذه الأوصاف المذكورة في الحديث إلا ما أخرجه الإجماع وهو الجمال، فانظره، وعليه فلا ملام على ملوكنا الفخام. فيما اختاروه لمناكح آل بيتهم الكرام. إذ لا اتفاق في المذاهب على خلافه وكذا خارج المذهب كما تراه. * * * علائقه السياسية لما كان عام ستة وستين وستمائة وألف ميلادية ورد التاجر (رولان افرجس) الفرنسى على المترجم وهو إذ ذاك بتازا يطلب منه الإذن ببناء محل للتجارة بالريف بنواحى وادى انكور، وكان قبل وصوله لصاحب الترجمة وجه له كتابا يطلب منه الأمان والإذن له في القدوم لحضرته، وذكر أن بيده كتابا من ملك فرنسا كلفه بتقديمه إليه، وإليك ملخص ترجمة ما كتب به: إلى الشريف العظيم القوى مولاى رشيد حرسه الله، لما كان سبب مجيئى لهذه البلاد مهما جدا ومفيدا لدولتكم أطلب من جلالتكم الإذن لى في القدوم على أعتابكم وأن تسمحوا لى باللقى بكم لأتشرف بشرح أسباب مجيئى لإِيالتكم، ولأسلم لكم كتابا من ملك فرنسا من مرسى البوزيم 5 أفريل عام 1666. ولما اتصل هذا الرقيم بالمترجم أجابه بالإذن بالقدوم والأمن على نفسه وماله، وعين له ستين بعيرًا لحمل أثقاله ودونك ترجمة جوابه له: بسم الله، من التقى المرضى عبد الله القائم بالله المنصور بالله أمير المؤمنين الشريف الملك بمعونة الله مولاى الرشيد حفظه الله بمنه إلى القبطان (رولان

افرجس) توصلنا بكتابك طالبا الإذن في الدنو من حضرتنا، فلك أن تدنو وقد أعطيناك تمام الأمان في قضاء ما أتيت من أجله، وإذا دنوت فلا تجد بحول الله إلَّا الأمن التام والاطمئنان، والسلام على من اتبع الهدى، كتب في أوائل شوال عام 1076. ولما ورد السفير على حضرة المترجم اعتنى به وأكرم وفادته، ثم لما مثل بين يديه وذلك بالقصر الفاخر المشيد بفاس فاتح إبريل سنة 1671 أملى خطبة إليك ملخص ترجمتها: أيها الشريف الجليل جئت بإذن مولاى ملك فرنسا لأقدم لجلالتكم فائق احتراماته وأؤكد لكم أنَّه راغب كثيرًا في صداقتكم ومستعد لقضاء ما يهمكم في مملكته، وتصديقا لما أقوله هأنا أسلم لجنابكم رسالة كلفنى مولاى بتسليمها إليكم وأنتظر الجواب بما يظهر لكم، وإني أعد نفسى أسعد الخلق حيث كلفنى أميرى بهذه المهمة، وسأكون أول من يحمل إلى فرنسا خبر هذا اللقى الحسن الَّذي اقتبلتنى به جلالتكم، وأسأل الله أن يطيل بقاءكم وأن يمتعكم بدوام السعادة ويبلغكم ما تتمنون هـ. ثم قدم لصاحب الترجمة كتاب ملك فرنسا الَّذي جاء متأبطا له وإليك فحواه: إلى الشريف العظيم مولاى رشيد، فإن ما نسمعه عن جلالتكم من أنها تقتبل اقتبالا حسنا كل من تشرف بالوصول إلى أعتابكم حقق لنا ستقبلون بفرح التاجر (رولان افرجس) الَّذي أوفدناه إليكم سعيا في ربط علائق الصداقة معكم، وقد كلفناه أن يعرض عليكم قضاء كل ما يخصكم من مملكتنا وأن يكلمكم في شان أمور أُخر وفى فتح باب التجارة بين رعيتكم ورعيتنا، وقد أذنا للتاجرين (ميشيل) و (رولان افرجس) أن يؤسسوا شركة من أعيان دولتنا فنطلب منكم أن تساعدوهما على ذلك، وإننا مستعدون لإعطاء دلائل المحبة والاحترام اللذين

نضمرهما لجلالتكم، وهذا ما نريده منكم، ونسأل الله أن يديم عزكم وأن يجعلكم سعداء أولا وآخرًا، وكتب بباريز في 19 نونبر سنة 1665 هـ. ثم إن السفير طلب من جلالة الأمير المترجم أن يأذن له يجعل شركة فرنسية بفاس بقصد التجارة في الجلود والشمع والنحاس والصوف فلم يجبه لذلك، وبعد انتهاء حفلة الاستقبال وجه المترجم للسفير جواب كتاب أميره الَّذي أتى به وها نصّ ترجمته: الحمد لله ولا غالب إلا الله المنصور بالله أمير المؤمنين المجاهد في سبيل رب العالمين رشيد إلى عظيم النصارى لويز، السلام على من اتبع الهدى، وبعد: فقد بُلغنا كتابك وقرأناه وفهمنا ما فيه من طلبك إلا من لمن أراد من رعاياك التجارة في بلادنا فقد أعطينا الأمان كل من أتى إلى بلادنا ومن سيأتى بقصد التجارة وفى 26 شوال عام 1076 (¬1) كتبه كاتب عن أذنه حرسه الله بمنه (¬2) وأمر السفير بالرجوع من حيث أتى، ولما رأى أن حيلته بارت ومساعيه لم تنجح أخذ في بيع ما أتى به من السلع، ثم بعد مدة حدث له شنئان مع بعض التجار قضى عليه برفع الشكوى به لحضرة المترجم فسار إليه لأجل ذلك، والحال أن المترجم كان يعتقد أن هذا السفير رجع إلى بلده وأدى مأموريته التي أتى من أجلها، ولما رآه وعلم أنَّه لا زال بالديار المغربية لم يبق له أدنى ريب في أنَّه مفتر فيما ادعاه من ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: يوافق هذا التاريخ فاتح ماى سنة 1666. (¬2) في هامش المطبوع: سجل أصل هذا الكتاب في صحيفة 20 من الجزء 3 في الوزارة الخارجية الفرنسية قال بعض مؤرخى أوروبا كان هذا الكتاب محررا باللغة العربية ولكنه لم يقع العثور على أصله ولا على ترجمته الإصبانية وإنما الموجود ترجمته من اللغة الإصبانية إلى الفرنسية وقد كان المولى الرشيد أصدره من تازا وكان مغشى بمنسوج الحرير الأزرق وتوجيهه للويز كان بواسطة الوزير كولبير هـ مؤلف".

السفارة محتال في جر النار لقرصه فنزع منه ما كان دفعه إليه من الأجوبة، وألزمه مغادرة المملكة المغربية من حينه ولم يسمح له بملاقاة ثانية. وقد فند الكنت دو كاسترى كون ذلك الكتاب الَّذي جاء متأبطا له هذا السفير صدر من ملك فرنسا للمترجم قائلا: لأن مولاى الرشيد إذ ذاك لا زال لم يظهر أمره حتَّى يعلم به ملكهم، وإنما كان الملك دفع لزاعم السفارة كتابا للشيخ عراس لكونه كان مشهورًا مسموعا به ولما جاء التاجر رولان المذكور للديار المغربية وعلم بسلطنة مولاى الرشيد زور ذلك الكتاب ليتوصل به لغرضه. وانظر تفنيده هذا مع ما جاء في صحيفة 196 كتاب من ينابيع التاريخ له نفسه من رسالة لويز الرابع عشر التي كاتب بها المترجم من (سان جرمان) بتاريخ 8 دجنبر سنة 1666 وإليك ترجمتها: "من الملك إلى مولاى رشيد ملك فاس الأمير المعظم الأفخم، صديقنا الأعز، لقد بعث إلينا بكتابكم التاجر رولان فرجس الَّذي كنا أوفدناه عليكم بقصد إنشاء محلات للتجارة بين أهل رعيتنا ورعيتكم لما في ذلك من الفائدة للجانبين، فجاء ذلك الكتاب جوابا للرسالة التي كنا كلفناه حملها إليكم، وقد سرنا قبولكم لطلبنا بفتح أبواب المتاجر قبولا حسنا كما يستفاد ذلك من جوابكم ومما أخبرنا به هو نفسه، كما سررنا بإكرامكم لوفادته فشكرا لكم على اعتباركم لجانبنا، ونرجو أن تدوم هذه العلائق الحسنة بيننا وأن تزيد الروابط متانة بين أهل دولتنا ودولتكم، لذلك فإنا نكتب إليكم مرة أخرى طالبين منكم أن تعضدوا التاجر (فرجس) المذكور مع أخيه وشريكه (مالبنى) وأحسن برهان تبدونه على محبتكم إلينا هو إعانة الشركة المذكورة وإجابتها إلى كل طلب تقدمه إليكم. هذا ونؤكد لكم بأننا أخذنا حظًا وافرًا من فرحكم بعد انتصاركم على المرابط (الخضر غيلان) الَّذي كان

قام عليكم، وختاما نسأل الله أن يحرسكم أيها الملك المعظم الأفخم، وكتب في قصر (سان جرمان) في اليوم الثامن من دجنبر سنة 1666" هـ. ويوجد هذا الكتاب بسجلات وزارة الأمور الخارجية الفرنسوية ضمن ما يتعلق بالمغرب من المكاتبات القنصلية وهو مسجل بصحيفة 87 من الجزء الأول. وفى سابع شتنبر 1666 كتب الملك لويز من "فان سين" بالأمر لسفيره الَّذي كان بالجزائر المسمى (اطروبر) أن يذهب برًا أو بحرًا إلى ملك تافلالت مولاى رشيد ليطلب منه الإعانة على حصار طنجة التي كانت بيد الإنجليز، ويكون حصاره لها برا وحصار الأسطول الفرنسى بحرا، ولكن السفير لم يجد سبيلا للذهاب لمولاى رشيد انظر صحيفة 189 من الجزء الأول من ينابيع التاريخ المذكور للكنت دوكاسترى. وكتب الملك لويز للمترجم كتابا من باريز 23 يبراير سنة 1672 يوصيه فيه بشامويل ازو الَّذي كلف بالمفاوضة في شأن بعض الأسارى، وإليك فحوى ذلك الكتاب: إلى الملك الأكبر الأفضل المقتدر حبيبنا الأعز، لقد طبق خبر انتصاراتكم جميع أنحاء أوروبا، ويسرنا بهذه المناسبة أن نؤكد لكم بأننا أخذنا حظا وافرًا من فرحكم وإننا نتمنى لكم النجاح والفلاح في جميع أعمالكم، هذا وبما أن ما بيننا من الصداقة وحسن المعاملة يقضى علينا أن نرأف برعايا بعضنا بعضا فلا ريب أنكم ستعتبرون اقتراح التاجر شمويل دورد الَّذي أوفدناه عليكم ليخاطبكم في شأن معاوضة الأسارى الذين أخذتهم السفن المعدة لحماية تجارتنا بالأسارى الذين أخذهم منا أهل سلا، وقد كلفناه أن يسلم لكم عشرة من رعاياكم بعد أن تسلموا له مثل ذلك العدد من أهل رعيتنا الذين قد اتخذتموهم عبيدًا بقطركم، واعتمادًا على ما أبديتموه لهم من دلائل العدل كلما سنحت لكم الفرصة فلا نشك أنكم

ستلبون هذا الطلب، وبذلك نكون مدينين لكم بحسن الاعتراف، ولنا اليقين بأنكم ستصدرون أوامركم لقوادكم ولأهل رعيتكم بتأمين تجارنا الذين يفدون على مملكتكم حتَّى لا يلقى عليهم قبض ولا يسجنون، وهذا ما نؤمله من حسن التفاتكم الَّذي يمتن علائقنا، ونطلب الله المتعال أن يزيد في عزكم يا أيها الملك الهمام المعظم وأن يختم عليكم بالسعادة وكتب بعاصمة باريز في 21 فبراير 1672 حبيبك المخلص لويز. وتحته توقيع "كولبير وزير التجارة" هـ من صحيفة 414 من الجزء الأول من ينابيع التاريخ. وقال مؤلفه الكنت دو كاسترى فيما علقه على هذا المكتوب إن هذا الكتاب لم يبلغ لمولاى رشيد لأنه توفى بمراكش في 11 حجة سنة 1087 موافق 9 إبريل سنة 1672، ولما لم يصل هذا الكتاب طلب فرمون أحد وزراء لويز من الوزير الأعظم كولبير كتابا آخر مثله لمولاى إسماعيل هـ. وفى سنة 1670 وجه ملك الإنجليز وهو يومئذ كرلوس 2 [هارى هوراس] سفيرا للمترجم يهنئه بالانتصار ومعه هدايا فاخرة من جملتها رماح طوال وستة مدافع من النحاس وعربة مزخرفة يجرها اثنا عشر فرسا وثياب. ولما وصل السفير إلى طنجة وجه إلى صاحب الترجمة بالرماح فسر بها وأصدر أوامره لعمال القصر وتطاوين بإمداد السفير بسائر ما يحتاج إليه من لوازم السفر الكافية لوصوله للحضرة السلطانية، وبينما السفر يتهيأ من طنجة إذ ورد عليه الأمر السلطانى بتأخير سفره نحو الخمسة عشر يوما حيث عرض له ما أقلق راحة الرعية، وكدر صفو الأمن العام بسببها، ورأى أنَّه لابد له من النهوض لحسم مادة ذلك الفساد بنفسه قبل اتساع خرقه فأجاب السفير بالسمع والطاعة.

بناءاته وآثاره

ولما سكن المترجم هيعة البلاد، وقطع جرثومة العناد، وجه للسفير بأمره بالقدوم لحضرته، ثم بدا لصاحب الترجمة أن يكون مجئ السفير بحرا من طنجة إلى سلا، فلم يرض بذلك واغتاظ وطلب الإذن له في أخذ ما أتى به هدية وقدمه أمامه لسلا والرجوع من حيث أتى، فساعده المترجم على ذلك فأخذ الهدية وانقلب إلى وطنه. * * * بناءاته وآثاره من ذلك مدرسة الشراطين المتقدمة الذكر، وكان ابتداء العمل فيها أول شعبان عام واحد وثمانين وألف، وجدد ما اندثر من قنطرة سبو، وكان صدور أمره ببنائها يوم السبت الرابع عشر من ذى القعدة والشروع فيها في منتصف جمادى الثانية عام ثمانين وألف، وجدد القنطرة التي بخارج باب الجديد من فاس، وقنطرة وادى فاس، والقنطرة التي بخارج باب البوجات من فاس المرينية المعروفة اليوم بالقنطرة الطويلة، وقنطرة وادى النجا، وقنطرة وادى ويسلن، وقنطرة وادى أم الربيع، وآبار السلطان المشار لها فيما مر المعروفة إلى الحين الحالى بآبار السلطان الواقعة بالوضع المعروف بالشط من بلاد الظهراء، وقنطرة الرصيف داخل فاس الإدريسية، وكان تجديده لها في شوال، والذي في الروضة أنها في ذى القعدة سنة 1080، وبنى القصبة الجديدة المارة الذكر بعرصة أحمد بن صالح المرينى الأندلسى وديار لمتونة بالموضع المعروف بالدكاكين، وأدار السور على الموضع المعروف بدور كرواية من جيش السعديين حيث بنى شراكة دورهم، وقبة ضريح جده المولى على الشريف دفين مراكش. وفاته: توفى وهو ابن اثنتين وأربعين سنة بحضرة مراكش يوم الخمس التاسع من ذى الحجة المذكور، وسبب وفاته أنَّه كان بجنان المسرة في اليوم المذكور لابسا

141 - راشد بن منصة الأوربى خديم آل بين الرسول المخلص مولى الإمام الأكبر رحمه الله ورضى عنه.

زينته وأراد أن يركب فرسًا لم يركب قط ورديا في لونه وحضر من حضر من أصحابه فنهاه عن ركوبه قائلا له: إنه فرخ شرير لم يركب قط وما تعلم ما يصدر منه فأبى، وقال ما عسى أن يصدر منه! كم ركبت من فرس جموح فغلبته وأذعن تحتى، وأمر به فأسرج وركبه داخل الرياض فما استوى على ظهره حتَّى شرد به وجمح فمر به على عود من ليمونة به أثر قطع الحديد محرفا فدخل العود في عنقه ما بين الودج والترقوة من الظهر فتركه معلقا به وزاد الفرس في جموحه وشروده، وكان أمر الله قدرا مقدورا، وأنشأ الشعراء في موته على الحالة المذكورة قطعًا وقصائد مضمنها أن عود الليمون غار عليه فقبضه ولم يفلته وقد رمز لوفاته صاحب الدر السنى بقوله (فشب) 1082 من قصيدة فقال: وأما الرشيد بن الشريف إمامهم ... (فشب) له نصر بملك مكمل 1082 141 - راشد بن منصة الأوربى خديم آل بين الرسول المخلص مولى الإمام الأكبر رحمه الله ورضى عنه. حاله: صرح غير واحد من ثقات المؤرخين ومحققيهم بأنه كان له إلمام بالعلوم ومعرفة تامة بالسياسة والأخبار وأيام العرب ووقائعها والفروسية والرماية ومكايد الحرب، ذا قوة وحزم ونجدة وإقدام ودهاء ونباهة ودين متين، وثبات ورسوخ وأمانة، وصلاح وورع وزهد وتقى وإخلاص حب ونصيحة في آل بيت الرسول، يوالى بموالاتهم ويعادى بمعاداتهم، وكفاه فخرا وشرفا أنَّه من أهل القرون الثلاثة المشهود لهم بالفضل على لسان من لا ينطق عن الهوى، وما أبداه من صدق الولاء والقيام بسائر الشئون والخدمات اللازمة لجناب بضعة الرسول الغضة الطرية شمس اليمن والفلاح المشرقة بالديار المغربية، مولانا إدريس بن عبد الله الكامل، وبذل نفسه النفيسة ابتغاء مرضاته، خرج معه خديما ودليلا وحارسا

ومعززا ونديما، ولم يزل تحت أوامره يصافيه ويصطفيه ظعنا وإقامة إلى أن نقله الله إليه شهيدا. وبالغ جهده وطاقته في الأخذ بثأره من المارق الممقوت اللعين سليمان بن جرير المعروف بالشماخ، فاقتفى أثره إلى أن لحقه بوادى ملوية فضربه بسيفه ضربات قطع بإحداهن يده وأثخنه بالباقى جراحا، ومع ذلك عبر الوادى فأعجز المترجم لحاقه فرجع وجهز مولانا إدريس ودفنه، ثم ألح القوم عليه بالقيام بأمرهم كما كان مولاه من قبله إلى أن تضع جاريته كنزة حملها، فإن وضعت ذكرا بايعوه، وإن وضعت أنثى لم يعدلوا عنه، لأنه أحقّ بالإمامة من غيره لعلمه وفضله ودينه وشهامته ونصحه لملة الإسلام. فقام بالأمر أحسن قيام، وجعل في حكمه بينهم الكتاب والسنة إمام، وحفظ حرمة مولانا إدريس في أهله وولده من بعده حملا ورضيعا إلى أن شب على هدى سلفه في صيانة وعفاف، وتحلى بأشرف الأوصاف، وتجلى على منصة الجلال والكمال، حفظ القرآن وهو ابن ثمانية أعوام وتفهمه وتعلم السنة والسياسة وحفظ أشعار العرب واستطلع على سياستها وأمثالها وحكمها ووقائعها وحروبها ودربه على الرماية بالسهام وركوب الخيل وخدع الحرب والمكر والفر، ولما بلغ من السن إحدى عشرة سنة أخذ له البيعة العامة على المنشط والمكره من سائر القبائل. وأصل راشد هذا قيل من المغرب وبه نشأ أوربى من القبيلة الشهيرة وهو ابن منصة، سبى مع أبيه في غزوة موسى بن نصير، وقفل معه إلى المشرق، وقيل: من المولدين، وقيل: من العرب من موالى العلويين، وقيل: غير ذلك والله أعلم بحقيقة الأمر، وأيا كان فله يد بيضاء في الإسلام وفضل لا ينكر، وأثيل مجد يجب أن يذكر به ما طلع نجم ويشكر.

142 - رحمة بنت الجنان زوجة أبي عبد الله محمد بن عزوز الصنهاجى

وفاته: توفى رحمه الله شهيدا سنة ست وثمانين ومائة بإغراء من ابن الأغلب عليه، ودفن قريبا من ضريح مولانا إدريس في الجهة الجنوبية يمين الخارج للمزارة العليا من المسجد الأعظم هناك وضريحه ثم مزارة شهيرة تفد إليها الزوار من كل صوب وصقع، حتَّى إن زوار الضريح الإدريسى وخصوصا الأمراء والملوك يبدءون بزيارة المترجم ثم ينقلبون لزيارة الضريح الإدريسى رضي الله عنهما. 142 - رحمة بنت الجنان زوجة أبي عبد الله محمد بن عزوز الصنهاجى المعروف بالحاج عزوز، آتى الترجمة في حرف الميم. حالها: كانت حافظة لأحاديث كثيرة من الصحاح، وكادت أن تحيط حفظا بالأدعية الواردة في الصحاح، وكانت ملازمة لدرس القرآن العظيم في المصحف، عالمة بكثير من تفسير قصصه وأخباره، وتزوجت بعد وفاته بأحمد بن محمد والد الإمام ابن غازى، ورزقت (¬1) الإمام محمد بن غازى صاحب الروض الهتون وغيره المترجم فيما يأتى: مشيختها: أخذت عن زوجها المذكور. الآخذون عنها: منهم الإمام ابن غازى، قال: حفظت منها كثيرا من أيام الصغر فلم أتعب كثيرا في حفظه في الكبر وقال فنفعتنا بذلك في الصغر غاية برد الله ضريحها. 143 - روان المدعو أبا الروائن ابن محمد بو مدين بن عبد السلام بن على ابن الولى سيدى عيسى بن الشيخ محمد بن عيسى بن عامر دفين مكناس. حاله: قال الزبادى في سلوك الطريق لدى تعداده لشيوخه الذين أخذ عنهم ¬

_ (¬1) تحرف في المطبوع إلى: "ورقت" ..

الطريق العيساوية في حق المترجم: الفقير المسن الصالح المتمسك الناسك، أخذنا عنه ورد سيدى بن عيسى لقيناه في غرفة داره ببراكة من مكناسة الزيتون بعد امتناعه من ذلك. وفاته: توفى عام الزلازل سنة تسع وستين ومائة وألف. * * *

حرف الزاي

حرف الزاي * * * 144 - زيدان أبو المعالى ابن السلطان أبي العباس أحمد المنصور الذهبي فخر الملوك السعديين. حاله: فقيه علامة مشارك متضلع نقاد شهم، أديب بارع، شجاع عالم بمكايد الحروب وخدعها، ذو مروءة ومتانة، دين جامع لخصال الفضل والكمال، ولكنه غير محظوظ ولا متوقف في الدماء ولا مبال بالعظائم، كثير المراء والمجادلة استخلفه والده على مكناس وتدلا وأحوازها فأحسن السيرة قال ابن القاضي في الدرة: "ولاه والده أبقاه الله تعالى مكناسة وهو أميرها في هذا العصر أعنى بعصر تسع وتسعين وتسعمائة" (¬1). ولما توفى والده اجتمع أهل الحل والربط من أعيان فاس والجمهور من جيوش والده على بيعته محتجين بأن والده استخلفه قيد حياته ومات في حجره، وكان ممن تصدى لبيعته قاضى الجماعة بلقاسم بن أبي النعيم، والقاضى أبو الحسن على بن عمران السلاسى، والأستاذ أبو محمد الشاوى، والإمام النظار أبو عبد الله محمد بن قاسم القصار، وكان الَّذي قام خطيبا في القوم القاضي ابن أبي النعيم قال فيما ألقاه: أما بعد السلام عليكم، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما مات اجتمع الناس على أبي بكر، ونحن قد مات مولانا أحمد وهذا ولده مولانا زيدان أولى بالملك من إخوته، فبايعه الحاضرون وذلك يوم الاثنين سادس عشر ربيع الأول سنة اثتتى عشرة وألف. ¬

_ 144 - من مصادر ترجمته: درة الحجال 1/ 277، وموسوعة أعلام المغرب 3/ 1283. (¬1) درة الحجال 1/ 278.

ولما اتصل بأهل مراكش وفاة المنصور وكتب إليهم أهل فاس بمبايعتهم للمترجم امتنعوا وبايعوا أخاه أبا فارس وذلك يوم الجمعة أواخر ربيع الأول من السنة المذكورة. ثم لما تمت البيعة الشرعية للمترجم بفاس بارحها ووجهته البلاد الحوزية لعلمه بما صدر من أهلها من شق عصا الطاعة، وإباية الدخول فيما دخلت فيه الجماعة. ولما علم أبو فارس بذلك جهز لقتاله جيشا عرمرمًا جرارًا وألقى زمام رياسته لأخيه المأمون هكذا قال بعضهم، والذي في نزهة الحادى أن أبا فارس أمر على الجيش ولده عبد المالك مع الباشا جؤذر، ثم إن بعض أهل الرأى من حاشيته أشار عليه بتسريح أخيه الشيخ وإسناد قيادة الجيوش إليه لمحبة الرعية فيه ولميلها له فلا يقاومونه ولا يقابلونه إلا بالسمع والطاعة، لأنه كان الخليفة عندهم. فاستحسن الإشارة، وسرح الشيخ وأخذ عليه العهود والمواثيق على إبداء النصح وعدم شق العصا، ثم أوعز أبو فارس لخاصته من رؤساء الجيوش بالقبض على الشيخ إذا وقعت الكرة على المترجم، وانهزمت جيوشه، والشيخ لا يعلم بما دس له، فخرج يزحف في جيوشه إلى أن التقى الجمعان بوادى أم الربيع بالموضع المعروف بحواتة، فكان النصر لجيوش أبي فارس وانهزم المترجم بسبب ما لحقه وجنوده من الحنو والحنان رعيا لسالف عهده ووثوق رابطة إخائه وإخلاص وداده القديم، ورجع القهقرى إلى فاس وتحصن بها فاقتفى أثره الشيخ إذ لم يقدر أحد من أصحاب أبي فارس له على شيء. ولما اتصل الخبر بالمترجم راود أهل فاس على القيام معه في الحصار فأبوا وشقوا عصا الطاعة في وجهه، وأعلنوا بنصر الشيخ والبيعة له، فخرج المترجم في جيشه وأثقاله إلى تلمسان فأقام بها مدة، وبعث لترك الجزائر يستنصر بهم على

إخوته، ولما يئس من نصرتهم ذهب لسجلماسة فدخلها من غير قتال، ثم انتقل منها إلى درعة، ثم لسوس فكتب إليه أهل مراكش يستقدمونه ولو وحده فقدم عليهم ليلا فأعلنوا بنصره، وقتلوا عبد الله أعراس عامل الشيخ وشبت حروب. ثم لما اتصل الخبر بالشيخ بفاس اهتم لذلك واغتاظ، وصار يضرب الأخماس في الأسداس، وأخذت الأنفة والحمية أهل فاس لما وقع بإخوانهم الذين كانوا بمراكش، فتعصبوا للشيخ وتحزبوا وتطوعوا بالمقاتلة، ولما رأى ذلك الشيخ هيا ولده عبد الله وعقد له على جيش لا يستهان به، فخرج قاصدًا مراكش. ولما بلغ الخبر زيدان وجه الباشا مصطفى بجيوش جرارة، ولما التقى الجمعان وقعت الكرة عليه، وقتل من جيشه نحو التسعة آلاف، وذلك بموضع يقال له تفلفلت على طريق سلا. ثم توجه عبد الله في جيشه لمراكش منصورًا، فخرج إليه أهلها في ستة وثلاثين ألف مقاتل فالتقى الجمعان أيضًا بموضع يقال له رأس العين فهزم أهل مراكش، ودخل البلد عنوة، ففر المترجم إلى المعاقل وشواهق الجبال وفعل عبد الله في مراكش أفعالا فظيعة، أنتجت له حنق الأمة عليه، وشق عصا الطاعة في وجهه فخرج من مراكش مهزوما مكسور الشوكة، وكتب أهل مراكش للمترجم يستقدمونه فقدم عليهم وقابل المسيئين بالإحسان وذلك آخر شوال عام ثمانية عشر وألف. ثم بعث الباشا مصطفى لفاس وخيمت محلته بظاهر الزاوية واستولى على زروع أصحاب المأمون وفرقها في أصحابه. وفى عام تسعة عشر وألف انتهز صاحب الترجمة الفرصة فاحتل مدينة تازا، وبعث قائده عبد الصمد لتسكين روعة أهل فاس والإعلان بنصره، ولما أمر بالنداء

بذلك قام في وجهه بعض لصوص العدوة وجرحه فكثر الهرج والمرج وخاب مسعاه، ولما بلغ المترجم الخبر اشتد غيظه ونهض من تازا، وخيم على ضفة وادى فاس واستولى عليها وسَبَى (¬1) أهلها وجذع بل همّ بقتلهم ولكن الله عصم دماءهم. وفى حادى عشر رجب من العام نزل عبد الله برأس المال، فخرج إليه صاحب الترجمة فهزم ومات من جنده نحو الخمسمائة، ولحق بمحلة كانت له بالدلاء، ودخل عبد الله فاسا. ثم ثار أبو العباس أحمد بن أبي على الساورى وكان في أول أمره فقيها صرفا ثم انتحل التصوف، وصار يصرح بأنه المهدى المنتظر، ثم دعا لنفسه وزعم أن السبب الداعى له لذلك تفاقم البدع وتكاثر المناكر وأنه بصدد الجهاد شأن كل ثائر فتان، فاستخف أفئدة العوام، إلى أن كان من أمره ما هو مسطور في بطون التواريخ، فخرج على عامل المترجم على سجلماسة الحاج المير فهزمه ودخل سجلماسة. ولما بلغت الهزيمة صاحب الترجمة عقد لأخيه عبد الله المدعو الزبدة على جيش جرار فلما علم به أبو على سار لدرعة وبها لحق به عبد الله، ولما التقى الجمعان كانت الهزيمة على جيوش صاحب الترجمة، وقويت شوكة أبي محل وملأت مهابته القلوب، وشاركت في طاعته سجلماسة ودرعة ثم تشوفت نفسه لاحتلال مراكش فتوجه إليها. ولما اتصل الخبر بصاحب الترجمة وجه جيشا للقائه فهزم الجيش وفر زيدان لآسفى، وهم بالعبور لبلاد العدوة ودخل أبو على مراكش. ¬

_ (¬1) تحرف في المطبوع إلى: "وسب أهلها".

ولما رأى المترجم من فشل ريحه ما أرى وعلم أنَّه لا طاقة له بمقاومة أبي على كتب للفقيه أبي زكرياء يحيى بن عبد الله بن سعيد الحاجى ثم الداودى يستغيث به وهو بزاوية أبيه من جبل درن، وكان في جملة ما كتب له: إن بيعتى في أعناقكم وأنا بين أظهركم فيجب عليكم الذب عنى ومقاتلة من ناوأنى، فلبى أبو زكرياء نداءه وكانت له شهرة عظيمة بالقطر السوسى، فحشد الجنود من كل فوج، وخرج يؤم مراكش وذلك في ثامن رمضان عام اثنين وعشرين وألف، ولما بلغ يمين فم تنت موضع على مرحلتين من مراكش كتب إليه أبو على ما نصه: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من أحمد بن عبد الله إلى يحيى بن عبد الله بلغنى أنك جندت وبندت، وفى يمين تنوت نزلت، اهبط إلى الوطا لينكشف بينى وبينك الغطا، فالذيب ختال، والأسد جوال، والأيام لا تستقام، إلا بضرب القنا وقطع الحسام والسلام". فأجابه بما نصه: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من يحيى بن عبد الله إلى أحمد بن عبد الله، أما بعد: فليست الأيام لى ولك إنما هي للملك العلام، وقد أتيت لك بأهل البنادق الأحرار، من الشبانة ومن انتمى إليهم إلى بنى جرار، وأهل الشرور والبؤس، من هشتوكة إلى بنى كنسوس، فالوعد بينى وبينك جائز هناك حيث ينتقم الله من الظالم، ويتبين الذليل من العزيز والسلام". ثم زحف يحيى لمراكش إلى أن نزل قرب جبل جليز المطل على مراكش فشب القتال وكانت أول رصاصة في نحر أبي على فمزقت جنوده كل ممزق، ونهيت محلته وقطع رأسه وعلق في رءوس من أصحابه على سور المدينة نحوا من

اثنتى عشرة سنة، وحملت جئته فدفنت بروضة أبي العباس السبتى تحت المكتب المعلق هنالك على المسجد الجامع، وقد رمز لقتل أبي على وموته أبو العباس أحمد المديد المراكشى بقوله: (أقام طيشا، ومات كبشا) وهو من بديع التلميح وحسن التورية. قال صاحب نزهة الحادى: زعم أصحابه أنَّه لم يمت، وحدثني من أثق به أن أهل وادى الساورة إلى الآن فيهم من هو على هذا الاعتقاد. ولما قتل أبو على دخل يحيى مراكش واستقر بدار الخلافة وألقى بها عصا تسياره، ورام أن يتخذها دار قراره، فكتب له المترجم قائلا: إن كنت جئت لنصرتى وكف يد ذلك الثائر عنى فقد أبلغت المراد، وشفيت الفؤاد، وإن كنت رمت جر النار لقرصك، وتجعل الملك من قنصك، فأقر الله عينك به، فتجهز يحيى للرجوع لوطنه وأظهر العفة عن الملك، وأنه إنما جاء ليدافع عن الملك الَّذي بيعته في عنقه، وانقلب لبلاده ورجع صاحب الترجمة لمراكش: مؤلفاته: منها تفسير القرآن المجيد اعتمد فيه على ابن عطية والكشاف. شعره: من ذلك قوله: أهلكلتنا سوالف وخدود ... وعيون مدعجات رقود ووجوه يبارك الله فيها ... وشعور على المناكب سود أهلكتنا الظبا ونحن أذلة ... وخضعنا لها ونحن أسود وقوله: مررت بقبر رائق وسط روضة ... عليه من النوار مثل النمارق فقلت لمن هذا فقالوا بذلة ... ترحم عليه إنه قبر عاشق

145 - زين العابدين السلطان بن السلطان مولانا إسماعيل الجد الأعظم.

وفاته: توفى في المحرم فتح سنة سبع وثلاثين وألف ودفن بجنب قبر أبيه بروضتهم الشهيرة بالحاضرة المراكشية، قرأت في نقش رخامة قبره رحمه الله ما لفظه: هذا ضريح من به تفتخر المفاخر ... زيدان سبط أحمد مبتكر المآثر حامى حمى الدين بكل ذابل وباتر ... أجل من خاض الوغى وللأعادى باهر لازال صوب رحمة الله عليه ماطر ... ومن شذا رضوانه نفحة كل عاطر أرخ وفاة من غدا جارا لرب غافر ... بمقعد الصدق علا أبو المعالى الناصر 145 - زين العابدين السلطان بن السلطان مولانا إسماعيل الجد الأعظم. حاله: فاضل زكى صبور حليم، راضى بما قدره الرحمن له، قال عنه رفيقه الإمام الثبت أبو العلاء إدريس بن محمد فتحا العراقى لما آب من رحلته معه لأداء فريضة الحج فيما تلقاه منه ونقله عنه ابن عمه الشريف العلامة مولاى الوليد بن العربى العراقى في مؤلف له ونصه: كان لمولاى زين العابدين، عقل رصين وكان معتنيا بدينه محافظا على الصلاة في وقتها، وأنه منذ خرج من هنا إلى أن رجع ما تيمم قط، بل يتوضأ لكل صلاة من السفر، وشدة الحر والقر، وكان ذا خلق حسن، وسمت مستحسن، محبا لجانب الله تعالى، ومعظما لحرمته ذا همة علية، ونفس أبية. اشترى جنانا بالمدينة المنورة على منورها الصلاة والسلام وحبسه، وهو من نخبة أولاد مولانا إسماعيل رحمه الله، فلذلك اختاره للبعث لذلك المقام الشريف، قال: وإن السلطان مولانا إسماعيل وجه العراقى المذكور برفقة ولده يعنى المترجم للحج بعد أن آخى بينهما وعاهدهما وقال لوالده: هات يدك وللشريف كذلك، وشبكهما وجعل يده فوق يديهما وقال هذا عهدك، وهذا

ولدى، وأنت ولدى وأوصاهما بما يجب من حسن المعاشرة والقيام بالحقوق، ودفع للمولى إدريس ياقوتة عظيمة يبلغها للروضة الكريمة على صاحبها الصلاة والسلام لتعلق هناك، وقد رأيتها فما رأيت مثلها في الصفاء والكبر وزنها رطل وست أواقى، وعليها شباك من ذهب مرصع باليواقيت، وجعل لها سلسلة لعلاقتها، وجعلت في صندوق من الذهب سترة لها أهديت إليه من بلاد النصارى، وقد قومت بأربعة وعشرين قنطارا من المال فوصلت وعلقت هنالك. وكان لما سافر مرة أخرى قيل أعطاه ياقوتة وهي أصغر من الأولى قومت بأربعة عشر قنطارًا في كل قنطار ألف مثقال، وهما للآن معلقتان بالروضة المباركة هـ ملفقا. وقد كان المترجم عند موت والده مستقرا بسجلماسة، ثم لما قامت الفوضى بين العبيد وإخوته وامتدت أطنابها واشتدت شوكة العبيد وكثر الهرج والمرج، ولاسيما بين الإخوة المولى عبد الله والمولى المستضئ، وأبى عبد الله محمد بن عريبة على ما سيمر بك في تراجمهم إن شاء الله قدم المترجم لمكناسة من سجلماسة زائرًا لا طامعا في الرياسة فلما حل بمكناسة اتفق أن كان الدور للمستضئ، فألقى عليه القبض وأودعه السجن ثمانية أشهر على ما في الدر المنتخب، ثم أخرجه للمشور وأوجعه ضربا أشرف به على التلف فصبر واحتسب ولم ينطق ببنت شفة، ثم رده للسجن ثم أمر بإخراجه وتوجيهه مقيدًا لسجلماسة مع بعض المساجين من الأشراف للسجن بها. فلما بلغ الخبر العبيد وجهوا من اقتفى أثره ليرده، فلحق به لصفرو فأزال قيده ووجه به لبنى يازغة للجلوس عند القائد أحمد القعيدى، وأوصاه به خيرًا فأكرم وفادته وأنزله منزلا رحبا ولم يزل عنده محل إجلال وتكريم إلى أن أعزل المستضئ، وبويع المولى عبد الله بيعته الثانية ففرح المترجم وابتهج بخلع الأول

وبيعة الثانى، وذهب من بنى يازغة لفاس وبقى به مدة ثم في ثالث عشرى قعدة عام اثنين وخمسين ومائة وألف ذهب لمكناسة وبقى بها مدة، ثم ذهب إلى طنجة، وأقام عند الباشا أحمد الريفى في شفوف مكانة. وكان الباشا أحمد يعلم أن ذلك لا يستقر له وأنه لا بد له من شريف يستند إليه، وكان لا يحب مولاى عبد الله لسابق منافرة تقدمت بينهما أدت إلى قتل مولاى عبد الله من أتاه من أصحاب القائد المذكورة فسارع الريفى إلى نصر المترجم، وبايعه العبيد الذين كانوا معه على وفاق واتفقوا على قبض السلطان مولاى عبد الله وقتله فأوعز إليه بعضهم ما وقع تظافرهم عليه، فوجه لأمه خناثة بنت بكار فهربت لفاس الجديد ولما أصبح تبعها هو إلى أن نزل برأس الماء ثم إن العبيد كتبوا للباشا أحمد ووجهوا له جريدة من الخيل لتشييع المترجم وخفارته إلى أن يحل بدار ملك أبيه ويتسنم أريكته، فأحضر الباشا المذكور القضاة من مدينة تطوان وطنجة والعرايش والقصر وشفشاون والعلماء وأعيان القبائل الفحصية والحياينة في يوم مشهود، وعرض عليهم بيعة المترجم فبايعوه، وذلك في أول يوم من ربيع الأول عام ثمانية وخمسين ومائة وألف ووصل الباشا الأشراف والعلماء والأيتام والأرامل الضعاف والجيوش بصلات سنية، ووجه لعبيد مكناسة أهل الديوان حظهم من ذلك بمناسبة بيعة المترجم ثم توجه قاصدًا مكناسة دار ملك أبيه فيمن جاء لخفارته وغيرهم من فرسان العبيد. ولما دخلها حضر القاضي والفقهاء والأشراف وأهل الحل والابرام في العبيد وبايعوه البيعة العامة وكتبوا ببيعته للآفاق ووفدت إليه الوفود من الحواضر والبوادى ما عدا الودايا وأهل فاس فإنهم كانوا شيعة مولاى عبد الله وكان دخوله لمكناس وجلوسه على أريكة الملك بها يوم الاثنين الثانى عشر من ربيع الثانى أحد شهور العام المذكور، ثم لما اتصل الخبر بذلك لمولاى عبد الله فر من رأس الماء إلى الجبال

البربرية وذلك يوم الثلاثاء تاسع جمادى الثانية، وأقام عندهم، أما صاحب الترجمة فقد أمر قواده ورءوس ديوانه بجمع الحركة لفاس في تأخرهم عن بيعته هم والودايا، فامتئلوا أوامره وهيئوا الحركة وخيموا بها على مكناسة الزيتون يترقبون ما يصدر لهم من الأوامر، وفى منتصف جمادى الأولى خرج المترجم من مكناسة قاصدًا حصار فاس فنزل بسيدى عميرة في جيوش جرارة، وذلك يوم الثلاثاء الَّذي فر فيه أخوه مولاى عبد الله للبربر. ومن الغد خيم بظاهر فاس ووقع الحرب على باب المسافرين بقنطرة ابن طاطوا، ودام القتال من الضحى إلى الزوال، واشتد الحال وعظمت الأهوال، وبقى الودايا وأهل فاس يموج بعضهم في بعض، وبات الناس في شدة عظيمة. ومن الغد اختلفت كلمة العبيد ووقع بينهم التنازع الَّذي هو أصل الفشل والسبب في ذهاب ريح النجح والفلاح، ورجعوا بالمترجم لمكناس بعد ان أحرقوا نوادر الودايا بالخميس، ولما حلت محلتهم بمكناسة عاثت ونهبت الأجنة وأكلت الثمار، وسعت في الأرض الفساد، وفى ضحوة يوم الخميس خامس عشرى، جمادى المذكور رجع مولاى عبد الله من البربر، ودخل فاسا الجديد، فتلقاه أهلها والودايا بالترحاب والفرح المزيد، ومن يومه خرج لدار الدبيبغ وأقام بها، أما العبيد فقد ذهبوا لمشرع الرملة، وأقام المترجم بمكناسة ألعوبة بين يدى عبيدها تعبث به كيف شاءت لا حول له ولا قوة ولا قدرة على حل أو إبرام دون مشورتهم، والوقوف عند تنفيذ أوامرهم. ولما جاءوا على ما كان بيده من المال بالخزائن ولم يبق لهم مال ينهبونه صمموا على عزله ومبايعة أخيه لما كان لديه من الأموال وألفوه منه من البذل إليهم، وفى ثالث عشر رمضان عام أربعة وخمسين ومائة وألف صرحوا بعزله

146 - زكرياء الفران أبو يحيى

فبارح البلاد ناجيا بنفسه، وكانت مدة دولته نحو الخمسة أشهر نظرًا لكون بيعته لم تتم إلا بعد حلوله مكناسة مستقر عرش مملكة أبيه. بناءاته: لم يحفظ التاريخ منها غير الباب الواقع في جنوب بطحاء الهديم مشهور النسبة إليه لحد الآن، لا يعرف بغير باب رين العابدين اتصل بهذا الباب بين البطحاء المذكورة ومدينة الرياض العنبرى السالفة الذكر فيما قدمناه من البناءات الإسماعيلية تلك المدينة العظيمة الشأن التي كان أسسها والده لصدور دولته وعظماء مملكته التي أحدث فيها الآن بناء دور اليهود وأعطى اسم الملاح. 146 - زكرياء الفران أبو يحيى: حاله: فقيه صابر، منور الظاهر والباطن، مواظب على تلاوة القرآن، من رجال مكناسة الزيتون، وفضلاء خيار عبادها، حسن اللقاء، كثير البشاشة، مسترسل الطلاقة والبشر، دائم القبول، متصل اللهجة، جميل التعطف، واسع الصدر على سجية أهل الفضل والدين أمثاله، يحدث عن سيره في عبادته واجتهاداته وتصرفه وورعه في كسبه وتحفظه على أمر دينه من باشره ما تقر به أعين الأولياء، ويعز وجوده في زمانه، وكذلك كثر التحدث على إيثاره غيره على نفسه بما يكون لديه، وعن اشتغاله بطهارة قلبه وعما ظهر على محله من علامة توفيقه، والله تعالى يمن على من يشاء من عباده بفضله ورحمته. قال الحضرمي في غالب الظن: إنه من أهل القرن الثامن من العشرة السابعة منه. 147 - زيدان أبو محمد سيدنا الجد ابن فخر الملوك العظام، مولاة إسماعيل ابن الشريف بن على الحسنى السجلماسى. حاله: بطل شجاع مقدام قوى الجنان أعرف بنى أبيه بالكر والفر، وأمهرهم فروسة، ذو نجدة وجد وحزم وعزم وهمة أبية، ونفس علية، وأخلاق حميدة

مرضية، وشفقة وحنان، وميل لجانب الله، محب في الصالحين، موال لهم، منحاش لأهل الفضل والدين، صلب في دينه، مؤتمر بأوامر والده. ولما بلغ أشده وظهرت نجابته استخلفه والده على مكناس كما في الترجمان المعرب، وقيل: إنه استخلفه بفاس، والأول أصح وذلك عام اثنين ومائة وألف، وعقد له على جيش أهل فاس، ووجهه إلى الترك حيث بلغه أنهم تعدوا الحدود وأضروا بالمجاورين لهم من إيالته المغربية، ثم بدا لوالده اللحوق به فلحق بأطراف المغرب الأوسط، وأبرم الصلح مع الأتراك ورجع لحضرته السلطانية. وقيل: إن الَّذي تولى عقد الصلح مع الأتراك هو أبو عبد الله محمد بن الطيب الفاسى اختاره السلطان المولى إسماعيل لقضاء هذه المهمة لعلمه وحذقه ونباهته، وفى ربيع سنة ست ومائة وألف خرج المترجم في عسكر جرار تتلاطم أموجه إلى ناحية تلمسان، بعد أن قتل النائب بفاس أبا العباس أحمد السلاوى، فقاتل الترك ونال منهم، ورجع وفى سنة إحدى عشرة ومائة وألف نقل من ولاية مكناسة كما في الترجمان. وولى على بلاد الشرك، فكان يغير على بلاد الترك إلى أن شردهم عن نواحى تلمسان أخذًا بالثأر منهم، وانتهى في بعض أيام غاراته إلى مدينة معسكر فاقتحمها واستولى على دار أميرها عثمان باى وأخذ جميع ما فيها من الذخائر والأمتعة، وعثمان إذ ذاك غائب فلم يرض ذلك والده للصلح الَّذي كان أبرمه مع السلطان مصطفى العثمانى، ولذلك عزله عن البلاد الشركية، وولى مكانه أخاه المولى حفيد. وفى سنة ثلاث عشرة ومائة وألف عين من قبل والده خليفة على فاس، وبعث معه حمدون الروسى عاملا عليها.

وفى سنة أربع عشرة ومائة وألف وجهه والده لقتال أخيه الولى محمد العالم الَّذي ثار بالبلاد السوسية ودعا لنفسه واقتحم مراكش ودخلها عنوة، فسار في عساكر ذات بال، ولما وصل مراكش وجد المولى محمدًا بارحها وعاد لتارودانت، فاقتفى أثره إلى أن خيم على تارودانت وشبت الحرب بينهما ودامت وتسعرت نيرانها إلى أن كان الظفر للمترجم، فاستولى على تارودانت وقبض على أخيه المولى محمد ووجهه لوالده ومكث خليفة بتارودانت إلى أن وافته منيته فيها. شعره: من ذلك قوله حسبما نسبه له العلامة الثبت مولاى عبد السلام بن سليمان بن محمد بن عبد الله بن إسماعيل السلطان الجليل ومن خطه نقلت: لم أنس يوما زارنى قمرى ... فكمل الأنس به إذ جلس قبلت منه الخد مختلسا ... وإنما العيش الشهى خلس وملت للثغر على غرة منه ... فما أطيب ذاك اللعس فجادلى بالريق حيث درى ... أنى عليل لا أطيق النفس وبت نشوانا بعافية ... أغتنم الفرصة عند الغلس وقوله: أتتك على رغم الرقيب حمائلى ... وهي بأسباب الوصال وسائلى فدونك فاختر ما يزينك لونه ... وزرنى ولا يشغلك عذل العواذل على أن سيف اللحظ أمضى من الَّذي ... أتاك فكن يا منيتى خير واصل وفاته: توفى بتارودانت عام تسعة عشر ومائة وألف، وحمل في تابوت إلى مكناسة فدفن ليلا إلى جنب أخيه المولى محمد العالم، هكذا قال الزيانى ومن تبعه، وعندى أن ذلك وهم لا يكاد يصح إذ في سنة سبع وثلاثين كان لازال حيا يرزق قطعا في منتصف رمضان منه.

إذ في التاريخ المذكور أوقع والده السلطان مولانا إسماعيل محالفة بين المترجم وبين أخيه مولاى أحمد الذهبي، وعقد المحالفة والمؤاخاه عندى شهد عليه على إشهاد والدهما، وهو بكرسى ملكه، وعلى أبي العباس الذهبي المذكور بما فيه عنه العدول والفقهاء والقضاة فمنهم عبد الله تعالى الشريف بن أحمد بن محمد ابن عمر الحسنى، وأبو العباس أحمد بن سعيد العميرى، وأبو عبد الله محمد بن ذكرى وأبو القاسم بن سعيد العميرى، وأبو الحسن على بن سعيد العميرى، ومحمد بن الشرقى في آخرين. * * *

حرف الطاء

حرف الطاء * * * 148 - الطيب بن الشيخ سيدى الشاذلى بن العارف سيدى محمد - فتحا - ابن العارف سيدى أبي بكر بن محمد الدلائى. حاله: قال في البدور الضاوية: هو الفقيه الإمام العالم الهمام الولى الصالح العارف الناصح المشارك الأجل المحب لله وفى الله عز وجل. ولد رضي الله عنه بالزاوية الدلائية، وبها نشأ وقرأ، وكان رضي الله عنه آية من آيات الله في الحفظ والتحصيل، صاحب تحرير وتدقيق، ودراية وتحقيق أخذ من كل علم بنصيب، وله في التدريس والتقرير اليد الطولى والباع الرحيب، متفننا في الفقه والأصول والعربية والأدب، ذا حظ وافر من الدين المتين والصلاح العظيم، واتباع السلف الصالح، حسن الأخلاق في الشدة والرخاء. صحب جماعة من الأشياخ وتخلق بأخلاقهم، وكان زاهدا عابدا ورعا تقيا، كثير الخشوع دائم التضرع إلى الله تعالى ثم خرج من الزاوية مع من خرج عند الحادثة العظمى، واستوطن مدينة فاس، وتصدر للتدريس والفتيا، ثم دخل مكناسة الزيتون واستوطن بها، وتولى الإمامة والخطابة بمسجدها الأعظم إلى أن توفى رحمه الله تعالى ورضى عنه بها. مشيخته: أخذ عن والده وجماعة من المشايخ أقاربه وعنه خلق. شعره: من ذلك قوله حيتك نافحة الشذا بعبيرها ... وسقتك مغدقة الحيا بنميرها ودعاك منصبك العلى مملكا ... وغدوت في الدنيا أجل أميرها

149 - الطيب بن عبد الرحمن بن أبي القاسم بن القاضي.

وفدت رسائلك الجليلة طيها ... نشر المودة في خلال سطورها فكأنما الصهباء رق مزاجها ... وكأنما الديباج في تحبيرها وتنكبت عن منزلى إذ خيمت ... ما عرجت بسلامها وسفيرها وفاته: توفى بمكناسة الزيتون عام سبعة بموحدة ومائة وألف، ودفن بها وفيه يقول صاحب حدائق الأزهار الندية: فمنهم البكاء من قد أقبلا ... لطاعة الإله جل وعلا وترك الفانى لنيل الباقى ... ومص كاس الحب قبل الساقى الطيب الأخلاق طبعا كاسمه ... وكاشف الدعوى بنيل شمسه ذاق الحمام بعد كأس الحب ... فاستوجب الرضا وعز القرب 149 - الطيب بن عبد الرحمن بن أبي القاسم بن القاضي. المكناسى الأصل، الفاسى النشأة والدار والوفاة، وهو ممن شملهم قول ابن غازى عند تعرضه لعلماء مكناسة بلده وبنو العافية والمترجم منهم. حاله: شيخ صالح، فقيه أستاذ فالح، علامة نبيل، مدرس متقن جليل، كان معتنيا بتقييد مهمات المسائل متبعا لآثار الصالحين، سالكًا سبيل أهل الخير والدين. مشيخته: أخذ عن والده شيخ الجماعة في عصره، وكان من أصحاب سيدى أحمد اليمنى، وسيدى أحمد بن عبد الله معن الأندلسى، وظهرت عليه بركتهما. وفاته: توفى في رمضان عام أربعة وعشرين ومائة وألف، ترجمه في السلوة والنشر والتقاط الدرر. ¬

_ 149 - من مصادر ترجمته: نشر المثانى في الموسوعة 5/ 1945.

150 - الطيب بن محمد بصرى المكناسى قاضيها.

150 - الطيب بن محمد بصرى المكناسى قاضيها. حاله: فقيه وجيه، علامة نزيه، مدرس فاضل، قدوة كامل، عدل رضى مبرز، تولى خطة العدالة مدة، وقفت على رسم بشهادته بتاريخ أحد عشر شوال عام اثنين وتسعين ومائة وألف، ثم رشح لقضاء الجماعة بالحضرة المكناسية، والإمامة بمحراب مسجدها الأعظم، وقفت على خطابه على رسم مسجل عليه بتاريخ عاشر رمضان عام ثلاثة وتسعين ومائة وألف، وآخر بتاريخ خمسة وتسعين وآخر بستة وتسعين وآخر بتسعة وتسعين، وآخر بمنتصف شعبان عام مائتين وألف. وكذا وقفت على تسجيل عليه بإثبات رسوم واستقلالها حلى فيه بالعلم والتدريس وإمامة المسجد الأعظم بهذه الحضرة، تاريخه ثامن رجب عام واحد ومائتين وألف، وآخر بتاريخ اثنين ومائتين وألف، وآخر بتاريخ ثلاثة ومائتين وألف على فيه بالفقيه العالم المدرس الأفضل، القدوة البركة الأحفل، قاضى الجماعة بمكناسة أحد عدوله مولاى أحمد بن على العلوى الَّذي تولى القضاء بها بعد، وقد مرت ترجمته. 151 - الطيب بصرى المكناسى الدار والقرار. حاله: فقيه مبين، علامة ناسك، خير دين فاضل، صوام قوام، ذاكر، معتزل عن خلطة الناس، لا يأوى إلا للفقراء، ذو مائدة مبسوطة، كثير الزيارة للصالحين الأحياء والأموات، حسن الاعتقاد في أهل الله، ولى خطبة جامع الزيتونة. مشيخته: أخذ عن الشيخ أبي العباس السوسى دفين مراكش المتوفى عام ثلاثين ومائة وألف، ولقى ولده أحمد العباس. وفاته: توفى سنة تسع وستين ومائة وألف كما في سلوك الطرق الوارية.

152 - الطيب بن الشريف النقيب مولاى على الشريف القادرى.

152 - الطيب بن الشريف النقيب مولاى على الشريف القادرى. حاله: محترم وجيه، فاضل ألمعى نزيه، كان من الملازمين للسلطان الأعظمى أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن فخر الملوك وجد السلاطين مولانا إسماعيل، لا يفارقه لا في ظعن ولا في إقامة، وكان متوليا النقابة على سائر الزوايا القادرية بالمغرب الأقصى، أسند إليه ذلك بعد وفاة والده مولاى على بن أحمد بظهير للسلطان أبي محمد بن عبد الله بتاريخ أواسط ربيع الثانى عام ثلاثة وخمسين ومائة وألف، ثم جدد له ذلك بظهير محمدى نصه بعد سطر الافتتاح والطابع: "كتابنا هذا أيد الله أوامره العلية، وخلد في صفحات الدهر مئاثره السنية، يستقر بيد حامله الشريف الأرضى، الوجيه المحترم المرتضى، سيدنا مولاى الطيب ابن على سليل الولى الصالح، والكوكب الضئضئى اللائح، سلطان الأولياء وقطب الصالحين، والمتبرك به في كل وقت وحين محط رحال الأمانى ذى الكرامات الشهيرة، سيدى عبد القادر الجيلانى أفاض الله علينا من بحر فضله، وجعلنا من المستظلين بوريف ظله. يعلم منه أننا بسطنا يده على جميع الزوايا المنسوبة للشيخ سيدى عبد القادر نفعنا الله ببركاته حيث كانت بهذه الإيالة المباركة، وجعلنا زمامها بيده وقصرنا الكلام في كل ما يرجع إليها عليه، وأسندنا له النظر في جميع أوقافها المحبسة عليها، منه إليها، وأحللناه في ذلك كله محل والده قبله وأنزلناه منزلته من غير معارض يعارضه، ولا مناقض يناقضه، وأسدلنا عليه وعلى جميع السادات إخوانه أردية التوقير والحرمة والأثيلة، ونزهنا جانبهم المصون من كل ما تسام به العوام، وجعلنا لهم مزيد التعظيم والإكرام، وحررنا لهم كل من يحسب على جانبهم من

الأصحاب والأتباع والخدام، بحيث لا يندرجون في وظيف. ولا تشملهم قطعة تكليف. كما حررنا لمولاى الطيب المذكور أصحابه الحراثين من الخلط وهم أحمد بن الطاهر الصالحى وإخوانه، وابن دح البيجرى، وإخوانه، وابن منصور الرياحى وإخوانه، والمعلم محمد بن دير وإخوانه، ومحمد بن العسرى وإخوانه فلا يطلبون بوظيف، لا قوى ولا ضعيف، رعيا لنسبتهم الطاهرة. ومن خرق على أحد من أصحابهم جلباب التوقير. أو طالبهم بجليل أو حقير. يخاف على نفسه وحسب الواقف عليه من خدامنا بالحواضر والبوادى أن يعملوا به، ولا يحيدوا عن كريم مذهبه، والسلام وفى ثالث عشر شوال المبارك من عام اثنين وسبعين ومائة وألفًا" هـ من أصله مباشرة. ويوجد ظهير آخر يتضمن إقرارهم على ما لهم من التوقير والاحترام على مقتضى ما عندهم من الظهائر الشريفة الموجبة لهم ذلك ولمن انتمى إليهم وانتسب، وأن راويتهم التي بسلا محترمة فمن دخلها كان آمنا وحرمها من دار سيدى عبد الرازق ممتد إلى باب شعفة تاريخه 18 صفر عام 1172، وهذه الظهائر موجودة بيد أحفاده بسلا، ولولا الإطالة لجلبنا نصوصها ولكن ما لا يمكن كله لا يترك كله، وأتينا بهذا ليعلم الواقف عليه ما لسلفنا الصالح من الاعتناء والمحبة في جانب أهل الفضل والدين والصلاح. وفاته: توفى بمكناسة الزيتون بعد الثمانين ومائة وألف، ودفن بزاويتهم المباركة منها.

153 - الطيب بن إبراهيم بسير -بسين مهملة مشددة- الأندلسى الأصل الرباطى الدار والإقبار قاضيها.

153 - الطيب بن إبراهيم بسير -بسين مهملة مشددة- الأندلسى الأصل الرباطى الدار والإقبار قاضيها. حاله: فقيه علامة مشارك، متضلع نقاد ورع ناسك، له يد طولى في جميع الفنون عقليها ونقليها، أديب ماهر، ناظم ناثر، مناظر ظريف المنزع، مفاكه منبسط، مليح العشرة، جيد الخط، له نظم رائق، ونثر فائق، لو جمع ماله من المنظوم والنثور لجاء في مجلد، وقد رويت له في مجموعتى في الأمداح النبوية من سهل النظم الممتنع ما يسحر الألباب. وينشط أولى الألباب. تصدر للإفتاء والتدريس، وتولى عدالة مرسى الرباط وإمامة جامع السويقة به أيضًا كما نص على ذلك الضعيف، ورشح لقضاء بلده رباط الفتح عام تسعة عشر ومائتين وألف، ثم عزله عامل الرباط الغازى السكيرى، وذلك في رجب عام عشرين ومائتين وألف ثم أعد لقضاء الرباط أيضًا على سبيل النيابة، ثم استقل في حدود الأربعين، ثم نقل بعد عام تسعة وثلاثين من قضاء الرباط لقضاء مكناسة الزيتون، وكان يتداول قضاء الرباط ومكناسة الزيتون مع القاضي الحكمى نحو ستة أشهر أو العام، لكل واحد وذلك في الدولة السليمانية. وبالجملة فقد كانت تعد مزاولة المترجم لخطة القضاء بنحو الخمسين سنة، وقفت على عدة من خطاباته والتسجيل عليه على فيها بقاضى الجماعة بالحضرة الإمامية وخطيب جامع قصبتها السعيدة، العالم العلامة الأمثل. المدرس النفاع الأكمل، من ذلك عقد بتاريخ ثانى عشر جمادى الثانية عام اثنين وأربعين ومائتين وألف، وآخر بعام ثلاثة وأربعين. ولا زال له عند أهل بلده ذكر طيب، حيث قام بوظيفه أحسن قيام إلى أن أعفى من الخطة لكبر سنة أواسط عام ستة وستين ومائتين وألف، ثم رحل لوزان وأقام لدى سيدى على بن أحمد مدة هـ.

كذا قيل، والصواب أن إقامته بوزان كانت في حال بدايته، وفى مدة إقامته بها كانت قراءته على الشيخ الرهونى، وذلك قبل ولايته القضاء بأزمان هـ من خط حفيده الثبت علامة الرباط وبركته سيدى المكي بن محمد بن على البطاورى حفظه الله. وقد ترجمه مؤرخ سلا السيد محمد بن على الدكالى في نظمه المسمى إتحاف الملا ببعض أخبار الرباط وسلا. بما لفظه: ومنهم القاضي أبو المسك التقى ... محمد الطيب نعم المرتقى وهو ابن إبراهيم بسير الَّذي ... يعرف بالشيخ الأديب الأحوذى نادرة العصر وفرد وقته ... وحامل الآداب قل في نعته كان فقيها عالمًا مدرسا ... أخا بلاغة خطيبا ندسا (¬1) قاضى رباط الفتح قل وعينها (¬2) ... ركن فحرها وحائز الدها له أياد في المعالى والعلا ... وجمع العرفان طرا فاعتلى وكان ذا فكاهة وبسط ... ونخوة تزيل كل قنط كان ينوب في القضا ... قديما ... ثم استقل حائزا تكريما في عام (يط) بعد عزل الحكمى ... ودام خير ماجد محكم ولى دولة القضاء مرتين ... إحداهما بعيد خمسين تبين له النوادر التي تستملح ... ولم يحاك مثلها ممازح (¬3) ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "الندس المراد به هنا الفهم الفطن الكبير كما في القاموس وشرحه". (¬2) في هامش المطبوع: "فيه عيب من عيوب القافية وهو جعل الضمير راويا كما لا يخفى". (¬3) في هامش المطبوع: "تستملح غير مؤسس وممازح مؤسس وذلك مما لا يجوز عند علماء الفن لان القافية إن كانت مؤسسة يجب أن يكون التأسيس في جميع القصيدة هـ".

عجبا ولطفا وغريب منزع ... وغور أصل وجميل موقع فكم موشح يزيل حزنا ... وكم مربع يقر الأعينا وكم نسيب يستفز الأريحى ... وكم غزال يصطفى بالفرح وسل عيون الشعر عن مقاله ... تعرف جمالا بَان في أقواله فهو الأديب الشاعر المعتبر ... أو البليغ في النظام الناثر (¬1) وكان في الفقه نسيج وحده ... وفى المعالى حكما في جنده وكم ترسل يحل العقدا ... وكم ضراعة تنيل مددا وكم مديح للرسول المجتبى ... أقر بالقصور عنه النجبا وكان في الفتاوى لا يجارى ... وفى القضا والحكم لا يمارى وكان يختم القوافى بالملح ... مما يثير ضحكا للانشراح (¬2) كبيتى الطيب الَّذي يشم ... سلبا وإيجابا وذاك يسمو وغيرها وهو كثير تعرف ... من شأنه وهو بها متصف مثل ندائه كذى السكربوو ... وبألا لدامجئ مارجوا ضمن ذا الأشعار والتوشيحا ... فجاء في انبساطه مليحا، وقد اعتراه جذب في آخر عمره وقيل افتعل ذلك للانسلاخ من وظيف القضاء، وقد شوهدت له في ذلك الإبان مكاشفات، من ذلك ما أخبرنى به بلديه قاضى الرباط الحالى العلامة السيد محمد بن عبد السلام الرندة أنَّه أخبره الأشيب ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "فيه من العيوب ما في البيت السادس ترقيا هـ". (¬2) في هامش المطبوع: "فيه من عيوب القافية الردف وليس في البيت الأول وذلك مما لا يجوز".

الحاج محمد فتحا الرجراجى الرباطى، أنَّه أخبره المسن المنتسب سيدى بنعاشر الحداد الرباطى، أنَّه كان جالسا بدكان مع بعض بسوق السبيطريين برباط الفتح، فرأيا المترجم وقد اعتراه الجذب وهو برأس باب الخزازين فتذاكرا فيما حصل له بعد ما كان في رتبة القضاء، فقال أحدهما للآخر: إنه يقال إنه في رتبة سيدى أبي العباس السبتى، ثم خاضا في حديثهما الأول ونسيا حديثهما الاستطرادى في شأنه، والحال أن بينهما وبينه مسافة بعيدة يستحيل عادة سماعه كلاهما، ثم بعد مدة طويلة وصل إليهما وحياهما، وأعقب التحية بقوله: ومن هو أبو العباس السبتى؟ يبول ويتغوط كالناس، قال الرجراجى: قال الحداد: فتيقنا أنَّه كاشفنا فيما قلنا عنه هـ. وقول ذلك القائل: إنه في رتبة سيدى أبي العباس السبتى، لعل سبب هذا القيل ما كان يشاهد منه في حال جذبه من كثرة بذل الدراهم للمساكين وللصبيان، فكان يحمل العدد من الدراهم في وعاء ويمر في طريق الرباط، فإذا رأى جماعة من صبيان المكاتب يبدد لهم ذلك فيتخاطفون على ذلك وهو ينظر إليهم ويتبسم، وحال أبي العباس السبتى في مثل ذلك شهير، وترجمته في نفح الطيب وغيره وقد أفردت بالتأليف. مشيخته: أخذ عن الشيخ الرهونى، وهو من أحذق تلامذته وأعلمهم، وهو أحد من قرض حاشيته على الزرقانى والشيخ بنانى، كما قرضها بلديه ابن التهامى ابن عمرو، وكما أخذ أيضًا عن العلامة الغربى الرباطى، والقاضى ابن العروسى، وعن السيد أحمد الحكمى قاضى العدوتين وغيرهم. الآخذون عنه: أخذ عنه العلامة الخطيب السيد المكي بوجندار، والعلامة السيد الطاهر بريطل وغيرهما.

شعره: من ذلك قوله من موشح سمعته من حفيده العلامة النقاد بقية السلف في الخلف أبي حامد المكي البطاورى قاضى الرباط سابقا وحامل لواء التحقيق به أطال الله بقاءه ومن خطه نقلت: ما أحسن اللين في القدود ... والسحر في العين والفتور وأعذب الوصل عن صدود ... ورشفة الخمر في الثغور في ذاك يحلو الغرام جهرا ... وعاذل الصب ما عدل لو ذقت كاس الرحيق عذرا ... مشمولة والدجى نسدل أبديت للشاربين عذرا .... ولمت من مال للعذل فارتح لراح براح غيد ... حور قصرن على القصور يبسمن عن لؤلؤ نضيد ... غنين عن جوهر النحور إن مسن يوما هززن رمحا ... فوقه شمس على كثيب يسدلن من شعرهن جنحا ... يكاد أن يستر الكثيب وإن رنا لحظهن لمحا ... أتين بالسحر العجيب يا طالب العز والسعود ... مبتغيا ربة الخدود اجمع على الشرب نقر عود ... واسدل على سرك الستور وقوله: سلا بسلا قلبى فشد ارتباطه ... ولولا سلاما جاء قلبى رباطه على التزامات الرباط بثغره ... ولو شق عن قلب المشوق نياطه

وقوله: محياك شمس الضحى المشرقة ... به حدقات الورى محدقه وأسهم لحظك ترمى الحشما ... تخالها شهب السما المحرقه وقوله: يا من إذا الصبح أقبل ... حكى ضياء جبينه ومن إذا الليل أسبل ... حكى سواد جفونه وقوله: ليت شعرى بعد بعد ونوى ... هل ترى يجمعنا ذاك الوطن فنقضى من سليمى مأربا ... ونرى من وسط قلبى قد سكن وقوله: حرك الوجد في هواكم سكونى ... وعليكم عواذلى عنفونى خلفونى في الحى ميتا طريحا ... وعلى النوم بعدهم حلفونى إن أنا مت في هواهم شهيدا ... بدموعى بحقكم غسلونى ولروض العشاق سيروا بنعشى ... فهم جيرتى بهم أنعشونى ثم نادوا الصلاة هذا محب ... مات ما بين لوعة وشجون واشرحوا للورى قضية حال ... علهم عند ذكرها يرحمونى وقوله: لله در إمام مفرد علم ... أتى بنظم بديع مظهر الحكم يهدى ويرشد من ضلت مذاهبه ... كأنه البدر في داج من الظلم

إن شئت تحصيل ما ترجموه مغتنما ... بمجلس المرتضى اللحلاح فالتزم شيخ الأساتيذ والقراء فاعن بما ... يسدى إليك من العلوم واغتنم يا حاملى الذكر أهل الله عبدكم ... بباب فضلكم مستمطر الكرم قد أثقلت ظهره الزلات وارتكمت ... فهل شفاء يداويه من الألم وقوله: ولما بدا الورد الجنى كأنه خدود ... عذارى قد حمتها السوالف أتى باسما ثغر الأقاح مقاوما ... فقالت خدود الورد هل لك سالف فلم يحيى إلا أن تناثر عقده ... يقبل ساق الورد والعقد تالف وقوله: كأنما الزهر إذ بدت محاسنه ... لعين ناظره في ناضر القضب أنامل صاغها الرحمن من درر ... تضم كفاعلى كاس من الذهب وقوله في الأحماض والفكاهة: أتانى أتانى بحمل أتاى ... شربته صيفى وردت شتاى قوالب سكره عظمت ... إذا ما رأيتها قلت: الاى وقوله وقد مر بعطار يخلط أنواعا من الطيب: مررت بعطار يدق قرنفلا ... ومسكا وكافورا فقلت له: (وأشار بأنفه مستنشقا) فقال لى العطار رد قرنفلى ... ومسكى وكافورى فقلت له: (وأشار بأنفه مستنثرا)

154 - الطيب أبو محمد بن الفقيه العدل السيد أحمد غازى المكناسى.

وفاته: توفى عام واحد وسبعين بتقديم السين ومائتين وألف برباط الفتح رحمه الله رحمة واسعة، دمالى وفاته أشار السيد محمد بن على المذكور "في نظمه المتقدم بقوله: قضى بواحد وسبعين وألف ... مع مائتين والى الله انصرف 154 - الطيب أبو محمد بن الفقيه العدل السيد أحمد غازى المكناسى. حاله: فقيه عدل رضى من جلة عدول الحضرة المكناسية المبرزين المتصدرين لتلقى الشهادة بسماط عدولها. وقفت على رسم بشهادته بتاريخ أوائل رجب الفرد عام سبعة بموحدة وخمسين ومائة وألف: وجيه نزيه مبجل، علامة مدرس نفاع، كانت له رياسة وزارة الأوقاف المغربية، في سائر الإِيالة العلوية، والنظر التام، والتصرف العام، في جميع الأحباس على عهد السلطان مولانا عبد الله بن الجد الأعظم، السلطان الأفحم، مولانا إسماعيل قدس الله ثرى الجميع بمنه. وقفت على عقد محاسبة أوقعها مع ناظر أوقاف الجامع الأعظم بالحضرة الهاشمية الإمامية المكناسية على ما تحصل بيده من أوقاف الجامع المذكور مشاهرة ومسانهة ومدركا في بدة من خمسة عشر شهرم، أولها المحرم فاتح عام ثمانية وأربعين ومائة وألف وآخرها ربيع الأول من عام تسعة وأربعين على فيه بما لفظه: من له النظر التام، والتصرف العام، في جميع الأحباس بالإِيالة السعيدة بالله تعالى الفقيه الأرضى العدل المرتضى، السيد محمد الطيب بن المرحوم بمنة الله تعالى الفقيه العدل السيد أحمد غازى، فانظر ما كان لسلفنا الصلح من الاهتمام والاعتناء بشأن الدين في القديم والحديث.

[صورة] محاسبة السيد الطيب بن أحمد غازى الناظر العام لأحباس المغرب مع ناظر مكناس السيد الطيب بن عبد الواحد المسطاسى عما بيده حيث أحباسا مسجدها الأعظم من فاتح 1148 إلى 1149 وبعده الشهادة على اطلاع القاضي بذلك. محاسبه السيد على بن سعيد العميرى للناظر المسطاسى عام 1150

واعلم أن هذا الوظيف، أعنى وزارة عموم الأوقاف ليس مما أحدث، بل كان مؤسسا منذ أعصر خَوَالٍ وغايته أن متوليها لم يكن يطلق عليه لفظ وزير وإن كانت وظيفة الوزارة قديمة من قبل الطوفان، وكانت للأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلم يكن أحد يلقب بالوزير ولا يخاطب بوصف الوزارة في ذلك العهد. قال ابن فضل الله في المسالك: لم تكن للوزارة رُتْبة تعرف مدة بنى أمية وصدرًا من دولة السفاح، بل كان كل من أعان الخلفاء على أمر يقال له فلان وزير فلان بمعنى أنَّه مؤازر له، لا أنَّه متولى رتبة خاصة يجرى لها قوانين وتنتظم بها دواوين. هـ (¬1). فائدة: أول من لقب بالوزير في الإسلام أبو سلمة حفص بن سليمان الخلال وزير الخليفة السفاح أول خلفاء بنى العباس، وأول وزير منع أصحاب الدواوين من الوصول إلى الخليفة أبو أحمد العباس بن الحسن بن أحمد بن أيوب وزير المعتضد كما أفاده السيوطي في حسن المحاضرة (¬2). هذا وسيمر بك في حرف العين بحول الله أن متولى رياسة هذه الخطة الحبسية كانت تسجل عليه العقود، وبالاستقراء يعلم أنَّه إنما كان يرشح لها أهل العلم والدين، وقال في الدر المنتخب: كتب بعضهم هنا ما نصه: ولاية أهل النظر في الحبس، كانت من أشرف ما تطمح إليه الأنفس، ولا يرضى لها إلا شديد الشكيمة في الدين، مؤيدا بدلائل العلم في مدافعة المعتدين، لا يبالى بالخلق، في مضايق الحق، يعدل في القسمة، ولا يمنع أحدًا سهمه، يخص بالصدقة من كان مصرفها، ويمنع من كان في البلاد مترفها، ويقوم للرباع بالحزم في الإصلاح، ¬

_ (¬1) نقله السيوطي في حسن المحاضرة 2/ 174. (¬2) حسن المحاضرة 2/ 174، 177.

155 - الطبب البيجرى.

بقدر مقتضيات الأحوال في مراعاة الصلاح، حتَّى ربما تولاها القضاة بأنفسهم، وإلا أطلقوها في يد من رأوه من أهل العلم والعمل من أنفسهم فكم من شيخ عظيم، قام لها في القديم، كأبى شامة بن إبراهيم المَشَنْزَائى (¬1)، وأبى عبد الله القصار القيسي. وكانوا ينظرون في الأوقات المعينة. فلا يصرفونها إلا لمن كانت له مبينة، من إمام أو مؤذن أو غيرهما ولا يصرفون المعين في غيره، لأن لفظ المحبس كلفظ الشارع كما نص غير واحد من الأئمة على ذكره، انظر بقية كلامه. رجع: وقد وقفت على نظم المترجم في سلك زمام العلماء المدرسين بالمسجد الأعظم بالحضرة المكناسية أصحاب المرتب العلمي. وفاته: توفى في حدود الخمسين ومائة وألف. 155 - الطبب البيجرى. لم أقف له على ترجمة غير أنَّه في تقييد زمام العلماء المدرسين أصحاب المرتب العلمي. 156 - الطيب الزكارى. لم أقف له على ترجمة أيضًا، غير أنَّه كالذى قبله ممن عاصر المترجم قبلهما، إذ أنهما ممن شملهما زمام العلماء أهل المرتب الذين شملتهم المحاسبة المشار إليها وغالب الظن أن وفاة الثلاثة في عام واحد، لأن محاسبة فاتح الخميس أوقعها أبو الحسن بن سعيد العميرى كما سيمر بك، ولم يذكر فيها واحد منهما. 157 - الطيب الفيلالى. هو مثل اللذين قبله من أعيان علماء الحضرة المكناسية المدرسين بمسجدها الأعظم حسبما بمحاسبات ناظر الوقت على عهدهم المؤرخة بتاريخ تسعة وأربعين ¬

_ (¬1) تحرف في المطبوع إلى: "المشترائى" وصوابه من لقط الفرائد في الموسوعة 2/ 897.

158 - الطيب ابن الفقيه الكاتب السيد عبد الرحمن كدران -بالقاف المعقودة- المكناسى.

وفاتح الخمسين، لغاية أوائل المحرم فاتح عام واحد وخمسين، وكان الناظر إذ ذاك أبا القاسم بن عبد الواحد المسطاسى رحم الله الجميع بفضله. 158 - الطيب ابن الفقيه الكاتب السيد عبد الرحمن كدران -بالقاف المعقودة- المكناسى. تعرض لذكره صاحب جمهرة التيجان في جملة الآخذين عن الأمير الأعدل مولانا سليمان إذ قال: والطيب الأخلاق نجل كدران ... لنبله سعى إليه الحرمان ولم أقف له على ترجمة غير ما رثاه به حامل لواء الأدب في زمانه بالثغر الرباطى العلامة السيد محمد بن التهامى بن عمرو المتوفى عام ثلاثة وأربعين ومائتين وألف ولفظه: عز الكتابة في لسان قلامها (¬1) ... وابك المصاب به بوبل صيب واعلم بأن الدهر لم يسلب اسى ... مكناسة الزيتون مثل الطيب مشيخته: أخذ عن السلطان مولانا سليمان وغيره. 159 - الطيب الحناش. ذكره أبو القاسم الزيانى في خاتمة البستان من جملة أهل الطبقة الرابعة من كتاب الدولة المحمدية. 160 - الطيب بن عبد السلام الواسترى. حاله: فقيه أديب، عدل رضى مبرز كاتب، ناظم ناثر نزيه، ذو حظ بارع نسخ بخطه عدة كتب، وكانت له وجاهة عند السلطان مولانا عبد الرحمن بن هشام، وكان ينظم الأزجال الملحونة، وله يد طولى في جيد النظم. ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "قلامها: جمع قلم" ..

أصله من تادلا، كان سكنى سلفه بجبل الدقيق المعروف اليوم بقفص، وبه مدفنهم، واستوطن بعضهم مكناسة، من عقب ذلك البعض المترجم. شعره: من ذلك ما هو مرقوم بأعلى باب ضريح الولى الشهير السيد عبد الله بن حمد آتى الترجمة: روضة قد أصبحت منها لنا ... جنة الفردوس في باب البلد إن تزرها راغبا في حاجة ... قل أعبد الله جد يابن حمد وقوله مادحا ومهنئا سيدنا الجد السلطان المولى عبد الرحمن بن هشام بما حصل له من الظفر والفتح لزاوية المهدى الشرادى ومؤرخًا لذلك: فتوح لا يماثلها فتوح بها ... للغرب توبته النصوح تواترت البشائر فاستمعها ... فها سند الحديث بها صحيح رواة حديثها سعد وبشر ... وممليها ومقرئها فصيح تخبر بالتهانى سامعيها ... فيطرب عندها جسد وروح وحيا اليمن من كل النواحى ... به يغدو لنا وبه يروح وكاسات المسرة مترعات ... وطاب بها اغتباق والصبوح وللنفس انبساط وانشراح ... به لذا لتهتك والشطوح رأينا الحق أكرمنا وأعطى ... عطايا لا توضحها شروح حبا السلطان تأييدا ونصرا ... على من ظن تحميه الصروح وجيش للشقاق عظيم جند ... يضيق بها لكثرتها الفسيح وحصن بالمدافع والعوالى ... حصونا في دواخلها [شلوح]

(زرارة) والذي يقفو هواهم ... فأمسوا ما لهم إلا الضريح أتاهم سيد مالك همام ... بجند لا يقيل ولا يريح بأبطال كماة كل شهم ... له سيف ومركبه سبوح فشرد جمعهم في كل وجه ... ومكن من رقابهم الصفيح فهاهم بعد رفعتهم بخفض ... أسير أو قتيل أو جريح فأين هداية (المهدى) فيهم ... وزعمه أنَّه هو المسيح وأنه في الكهانة أعلى شيخ ... وعنه يروى شق أو سطيح ألم يخبره شيطان وسحر ... بأنه في مصارعه الذبيح وأن إمامنا المنصور يحوى ... ذخائره وحصنه يستبيح ويتركه يبابا بعد أنس ... فبان بأنه الغر الوقيح فمن يهدى الإله فلا مضل ... ومن يضلل فلا هاد يزيح فلو جنح البغاة إلى إمام ... له للفضل والعليا جنوح لألفوا سيدا ملكا حليما ... أما يدرونه وهو الصفوح تعطف في الشبيبة بالمعالى ... وليس لغير علياء يشيح فكيف وقد أتاه الله ملكا ... عظيما عنده المجد الصريح سرى من سراة بنى على ... لهم والخالق النسب الصحيح سرت أسرار خير الخلق فيهم ... مشارق نوره منهم تلوح أُفديهم وأَفديهم بروحى ... وما لى عن ودادهم نزوح أدين بحبهم رب البرايا ... وفيهم دائما يحلو المديح

161 - الطيب أبو الإجلال ابن العدل الثقة أبي زيد عبد الرحمن بن محمد

جعلت مدائحى فيمن تسامى ... وبدره في السعود له وضوح أمير المؤمنين وخير من قد ... زال به عن الدين الكلوح إليك (أعابد الرحمن) أهدى ... مديحا عرف مدحته يفوح تشرف نظمه لما تحلى ... بوصف كمالكم فهو الفصيح بقيت الدهر ترفل في المعالى ... تغاديك المسرة والفتوح بعام (مرشد) أعطيت فتحا ... وما من بعدها إلا فتوح 1244 وقد أثبت له هذه القصيدة على علاتها لفائدتها التاريخية. وفاته: توفى أواسط القرن المنصرم بهذه الحضرة المكناسية. 161 - الطيب أبو الإجلال ابن العدل الثقة أبي زيد عبد الرحمن بن محمد ابن أحمد بن العباس بن أحمد بن أبي محمد عبد القادر آل الولى الأشهر سيدى عبد المغيث زغبوش القرشي المكناسى النشأة والدار. حاله: فقيه جليل، نبيه نبيل، ماجد أثيل، فاضل أصيل، عدل رَضِىٌّ، تقى نَقِىٌّ، ثقة ثبت من بيت مجد وحسب وديانة، وصيانة ونزاهة، عنصر المجد اللباب، ومن له بسلفه علو الشأن، كان رحمه الله من أماثل أهل زمانه ديانة وجلالة ونبلا وشرف نفس وطهارة عرض، مقتفيا سنن سلفه الأماجد السراة. وفاته: توفى عام أحد عشر ومائتين وألف حسبما بزمام تركته. ¬

_ 161 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 7/ 2458.

162 - الطيب بن العلامة السيد محمد -فتحا- بن العلامة السيد الطيب بصرى الولهاصى.

162 - الطيب بن العلامة السيد محمد -فتحا- بن العلامة السيد الطيب بصرى الولهاصى. حاله؛ كان من أعيان عدول هذه الحضرة وفقهائها، تولى نيابة القضاء عن السيد العباس بن كيران، وعن السيد المهدى بن سودة من بعده، وخطبة مسجد القصبة المولوية الأعظم مدة نيابته، ولم يزل نائبا إلى أن توفى. وكان ذا نباهة وذكاء، مثنى عليه لدى أهل زمانه، حدثني حفيده العدل السيد محمد، أنَّه سمع من الثقات أن مولانا الجد السلطان مولاى عبد الرحمن بن هشام لما عين لقضاء مكناس العلامة المشاور السيد المهدى بن سودة بعد وفاة السيد العباس بن كيران، قال مخاطبا لأهل مكناس: إنى انتخبت لكم عالم المشرق والمغرب بقصد أن تنتفعوا بعلومه، وأما القضاء ففي الطيب بصرى كفاية، وحدثني بعض العدول أن المترجم كان يروم شراء دار جدته للأم السيدة عائشة قدارة، ولم يأل جهدًا في اتخاذ الأسباب التي توصله لتحصيل منيته وزوج المرأة المذكورة يأبى ذلك كل الإباية، حتَّى إنه قال لزوجته المذكورة: إن بعته الدار فأنت طالق ثلاثًا. والمترجم مع هذا كله يحتال حتَّى حصلت المرأة قى شبكته فابتاع منها الدار، وأحضر لها العدول وأوقع عليها الإشهاد، ثم لما فطنت المرأة وتذكرت مما علق زوجها بتاتها عليه، ذهبت للولى الصالح مولانا عبد القادر العلمي آتى الترجمة وقصت عليه القصص، فوجه من حينه على المشترى وعرفه بما تورطت فيه المرأة وطلب منه إقالتها لله فامتنع كل الامتناع، وقال له: يا سيدى لو طلبت منى عينى لقلعتها وقدمتها إليك، وأما الدار فلا، فقال له السيد: اذهب لله الأمر، فذهب وقال للمرأة قومى اجعلى وكيلا يرفعه لمجلس الشرع فإن دارك لابد من رجوعها إليك، وأنه لا محالة يفقد عينه لأنه كاذب في قوله، فقالت المرأة: ليس لى من وكيل غير أخي فلان الطراز حرفة وهو لا معرفة له بالتداعى، فقال لها قومى

163 - الطيب بن اليمانى بن أحمد بوعشرين الأنصاري الخزرجى.

فانصبيه فإنه ينصر عليه وعلى يده ترد لك دارك، فامتثلت الأمر، ووكلت أخاها من حينها. وكان من عجيب الاتفاق أنَّه لما رفع المشترى لمجلس الشرع وجد عدلين من أعيان العدول المبرزين بمجلس القاضي بقصد الأداء على شهادة لهما، فكانا أول من تقدم للأداء ليتفرغ القاضي لفصل الخصوم، فلما جلسا بين يديه أخبراه أن تلك المرأة لا تحسن معرفة بيع خبزة فضلا عن الدار، فطلب منهما الإشهاد بذلك فشهدا في مجلسه وأديا شهادتهما قبل أداء العقد الَّذي أتيا لأجله، فحكم من حينه بفسخ البيع، وقام المشترى بخفى حنين، وبأثر ذلك مرضت عينا المترجم مدة، ثم برئت إحداهما، وتمادى بل ازداد مرض الأخرى، فأتى بمتطبب فكانت باكورة نتيجة علاجه إخراج عينه من محلها حتَّى وقعت في كف صاحبها، نسأل الله السلامة والعافية، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت، إن البلاء موكل بالمنطق. مشيخته: أخذ عن والده العلامة السيد محمد حامل لواء التدريس في وقته وعن غيره. وفاته: توفى عام سبعة وسبعين بالحضرة المكناسية ودفن بضريح سيدى الحارثي آل الشيخ الكامل من حومة براكة. 163 - الطيب بن اليمانى بن أحمد بوعشرين الأنصاري الخزرجى. على ما صرح به غير واحد، وجزم به سيدى محمد بن عبد القادر الفاسى في تقييده في مشاهر أهل فاس في القديم. حاله: فقيه أستاذ علامة مفوه، مشارك نقاد، سياسى محنك، ذو خط بارع وإنشاء بديع. قال اللجائى في دوحة المجد والتمكين: نشأ حرس الله علاه، ¬

_ 163 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 7/ 2640.

وحفظ عليه ما أولاه، بمكناسة الزيتون صدر صدورها، وواسطة شذورها، ووالده رحمه الله قطب مدارها، ومقام حجها واعتمارها فقرأ في صباه القرآن، وتغذى بحفظه بأعذب لبان، ثم قرأ على والده جملة من المتون، في غير واحد من الفنون، ثم أخذ عن جماعة من الأعيان من كابر مشايخ هذا الشان، واعتكف على طلب العلم، فنبغ فيه بالحفظ والفهم، واستمر على نعته المذكور إلى أن صار يتيمة عقد أولى الصدور. هـ. وبالجملة فقد تربى في حجر العفاف والصيانة والسعادة، وتغذى بلبان النباهة والسيادة بين أولى المجادة، انتقاه مولانا الجد السلطان مولاى عبد الرحمن بن هشام لتأديب أولاده الكرام، الجلة الفخام، فكان لهم خير مرشد وإمام. ولما قدم نجله السلطان من بعده سيدى محمد من سجلماسة مراهقا أضافه إلى تربيته ونظره، فكان له خدنا موافقا، وخصه بكفالته لما تيقنه من كفاءته، فلم يأل جهده في تأديبه وتربيته وتهذيبه حتَّى جمع عليه القرآن العظيم حفظا ورسما، وأدرك غاية الكمال مسمى واسما. وقرأ مقدمات العلوم وأمهاتها وأحاط بصورة النجابة من جميع جهاتها، فلازمه بعد ذلك حتَّى تجلت شمس الخلافة عن والده في مشرقه، ولاح بدر السعود على مفرقه، فعند ذلك استقل لديه بالحجابة، واختص بقصب السبق بين أولى النجابة وذلك عام خمسة وخمسين ومائتين وألف. ولما عقد الخليفة سيدى محمد على جبينه للإمامة العظمى فاتح سنة ست وسبعين بتقدم السين على الموحدة ومائتين وألف استوزر شيخه المترجم، فكان قطب دولته ومرجع آرائه وإصداراته إلى محاسن جليلة، وأخلاق كاملة جميلة. وقد ترجمه في الجيش وأطال. فيما له من أوصاف الكمال، والامتياز بين سراة الرجال، وما كان من الجاه والوجاهة، والمكانة القعساء في الدهاء والنباهة.

وقد وقفت على تقييد بخط يد المترجم موقع عليه بخط السلطان سيدى محمد ولفظه: "الحمد لله خدمت أعتاب سيدنا أول وقت الشباب وأفنيت عمرى في الخدمة إلى أن صرت معدودا من الشياب، وقد ظهر على هذا العبد من فضل الله تعالى ثم من فضل المقام الأنفع، والجناب الأرفع، من الخبر الدنيوى والأخروى ما هو أظهر من شمس الظهيرة حتَّى ملك بوجودكم ما لم يملكه أبوه ولا جده، وتزوج وتسرى وولد أولادًا في أيامكم السعيدة فقرءوا ونجبوا، وبلغوا في النباهة مبلغا استحقوا به الجلوس على منصة التدريس من فضل الله ولا فضل إلا فضل الله ثم فضلكم، وقد عرف جنابكم العزيز بمراعاة من خدم سنة أو شهرا، فكيف بمن خدم دهرا، فإن لى الآن في الخدمة أربعا وأربعين سنة ما قصرت فيها في الخدمة، بل قمت ولا زالت قائمًا بما أقدرنى الله عليه مما أرجو أن ينيلنى الله به أرفع الدرجات، والصفح عن الزلات، وأن يسدل سيدى على أولادى رداء التوقير والاحترام، فإنه لا عز لهم إلا بالله ثم بسيادتكم ومطلوبى أن يظهر عليهم أثر العناية بكتب ظهير يكون متضمنا لتوقيرهم رعيا لما سلف من خدمة والدهم ووالده ومن قبلهم من أسلافه الذين كانوا شيعة لأول سلاطين هذه الدولة العلوية، السلطان مولاى محمد، قدس الله روحه، فإنى رأيته أيده الله علامته بخط يده الشريفة الَّذي كتب لهم ونوه بهم، وما أظن سيدنا أيده الله إلا عقل عليها يكون الظهير الشريف، عزًّا لأولادى من بعدى وينبه سيدنا فيه على إقرار من أسكنته منهم بمراكش على السكنى، خشية العين باجتماعهم بمكناسة، لأن فيهم من لا يعرف أصلا ولكونهم نشئوا بمراكش وما رأوا الغرب رأسا، وعلى من داوم على السكنى منهم بفاس، لأنى أهلت بعضهم للسكنى بفاس وأسكنته بها ليبقى متعاطيا للعلم تعلما بها وتعليما، وحاصله أردت ظهيرًا يعم الساكنين من أولادى بمكناسة

وفاس ومراكش بوجود سيدنا أيده الله" هـ من خطه بلفظه وبعده التوقيع الشريف بقلم أزرق ونصه: "اكتب الظهير على نحو ما ذكرت ويطبع". ووقفت على ظهير السلطان المقدس مولانا الحسن بإقرار أولاده على محل سكناهم حيثما كانوا ولفظه بعد الحمدلة والصلاة والطابع الشريف: "يعلم من كتابنا هذا الطالعة في سماء الهداية أقماره، المتوالية بتوالى المدى أنواره، أننا بحول الله وقوته، وعناية توفيقه ومنته، أقررنا حملته المنحاشين لشريف أعتابنا، الصادقة محبتهم في على جنابنا، وهم أولاد كاتب شريف أوامر مولانا المقدس بالله الطالب الطيب بن اليمانى بوعشرين رحمه الله حيثما كانوا، ساكنين مجتمعين أو متفرقين على ما ألفوه من جانبنا العالى بالله، وجانب أسلافنا الكرام، قدسهم الله من التوقير والاحترام، والرعى الجميل المستدام، بحيث لا يسامون بمكروه، ولا تنتهك لهم حرمة بوجه من الوجوه، ولا يعطل ما أصدره سيدنا الوالد في فردهم وجمعهم من البرور والاستيصاء بهم وإخراجهم من غمار العامة حتَّى لا يسامون بوظيف، ولا يكلفون أدنى تكليف، وزكواتهم وأعشارهم يدفعونها للضعفاء من أقاربهم، فإن المقصود فيمن نكسبه عزنا إظهار الملاحظة ومزيد الاعتناء، ومن عكس فيهم قصدنا الحميد، فقد تعرض لعقوبة الله وعقوبتنا بالنكال الشديد، فنأمر عمالنا وولاة أمرنا أن يعلموا بحكم فحواه، ويجروهم على سواء سنن هداه، فلا سبيل لمن يخرق عليهم عادة، أو يحدث في أمرهم نقصا أو زيادة، تقريرا تام الرسم، نافذ الحكم، المرضى العزم، يعلمه الواقف عليه ولا يحيد عن كريم مذهبه صدر به أمرنا المعتز بالله في خامس عشر رجب عام عشرة وثلاثمائة وألف". وإلى الحين الحالى لا زال عقب أولاده بمحال استقرار آبائهم.

164 - الطيب بن إدريس بن الفضيل بن محمد دعى حم بن هاشم بن حم آل سيدى على منون.

مشيخته: أخذ عن والده وغيره ممن يشار إليه بالرسوخ في العلم والإتقان. الآخذون عنه: أخذ عنه السلطان بن السلطان سيدى محمد بن عبد الرحمن ابن هشام، وحاجبه، ووزيره السيد موسى بن أحمد وغيرهما. وفاته: توفى فجأة بمراكش الحمراء عشية يوم الخميس الرابع عشر من شعبان عام ستة وثمانين ومائتين وألف، ودفن من غده بعد صلاة الجمعة والصلاة عليه في مسجد المواسين بضريح مولاى عبد الله الغزوانى المعروف بمولى القصور. 164 - الطيب بن إدريس بن الفضيل بن محمد دعى حم بن هاشم بن حم آل سيدى على منون. حاله: فقيه أستاذ مقرئ له معرفة كافية، ومهارة تامة وافية، بالتوقيت، ومشاركة في غيره من الفنون، ومعرفة زائدة بعلم الأوفاق، تولى نظارة أحباس الولى الشهير سيدى عمرو بوعوادة وسيدى الحسن بن مبارك، وسيدى بربار واستكتبه أحد القواد وهو محمد الشاذلى نحو العامين. مشيخته: أخذ القراءات السبع عن السيد اليزيد شيخ الجماعة في وقته، والتوقيت والتعديل ومتعلقاتهما عن السيد الجيلانى الرحالى، والجيلانى بن حم، وعن ابن عمه مولاى محمد -فتحا- بن محمد الموقت. ولادته: ولد عام أربعة وثلاثين ومائتين وألف. وفاته: توفى في قجدة الحرام عام تسعة وتسعين ومائتين وألف ودفن بروضة سيدى عمرو بوعوادة. 165 - قاضيها: الطالب بن العلامة القاضي السيد عبد الواحد بن العلامة المحدث الشهير محمد -فتحا- البوعنانى الفاسى ثم المكناسى. حاله: شريف إدريسى من فرية داود بن إدريس.

فقيه جليل، علامة نبيل، مدرس نفاع، له في كل فن طويل باع، حافظ لافظ خطيب مصقع بليغ، تولى خطة القضاء بمكناسة الزيتون، والخطبة بجامعها الأعظم المولوى. وقفت على عدة عقود بخطابه والتسجيل عليه من ذلك عقد بتاريخ حادى عشر جمادى الأولى عام ستة وثلاثين ومائة وألف على فيه بما لفظه: الفقيه الأجل، العلامة الأفضل، الشريف الأحفل، المدرس البركة الحافظ الحجة قاضى الجماعة بالحضرة السلطانية وخطيب جامعها الأعظم وإمامه. وتولى قبل ذلك قضاء الثغر الرباطى وذلك بعد العشرين من القرن الثانى عشر على ما قاله مؤرخ الرباط صديقنا الأديب أبو عبد الله بوجندار، وقد كان عزله السلطان مولاى على بن إسماعيل عن قضاء مكناسة وذلك يوم الجمعة مهل جمادى الثانية إثر فراغه من الخطبة، وولى مكانه أبا القاسم العميرى، وذلك عام سبعة بتقديم السين وأربعين ومائة وألف، وفى صفر عام تسعة وأربعين ولاه مولاه عبد الله قضاء مكناسة، وعزل العميرى، وفى أواخر جمادى الثانية من العام عزله سيدى محمد ولد عريبة، وولى السيد أبا القاسم العميرى كما في الدر المنتخب. هذا وبيت صاحب الترجمة من البيوتات العريقة المجد والشرف، والفضل والدين سلفا عن خلف، تولوا المناصب العالية، وتصدروا في الخطب الشرعية الغالية، وتداولوا القضاء، وأحسنوا الاقتضاء، وتصدروا للإفتاء والتدريس، واستبعدوا بحسن سيرتهم كل مرءوس ورئيس. استوطنوا أولا مدينة تلمسان ونواحيها، وانتقل البعض منهم لقبيلة دكالة، ومنها لمدينة فاس ونالوا في صدر هذه الدولة العلوية رياسة ووجاهة، نوه بهم السلطان مولانا الرشيد الحسنى أول من بايعته فاس وغيرها من قبائل المغرب من

166 - الطاهر بن عثمان المكناسى.

هذه الدولة العلوية، وبقوا على ذلك في دولة أخيه السلطان الأعظم سيدنا الجد الأكبر مولانا إسماعيل وولاهم القضاء في مدن المغرب كافة. وفاته: توفى بثغر تطوان أواسط المائة الثانية بعد الألف، وكانت بينهم وبين أبي القاسم العميرى منافسة وشحناء بسطها أبو القاسم في فهرسته. 166 - الطاهر بن عثمان المكناسى. ناظر أحباسها الكبرى. حاله: فقيه ذو جاه ووجاهة، فاضل نبيه، تولى نظارة الأحباس الكبرى بالحضرة المكناسية على عهد السلطان مولاى عبد الرحمن بن هشام، وكان لديه شفوف ومكانة، وكان بقيد الحياة عام ستة وسبعين ومائتين وألف. 167 - الطاهر بن محمد بن المكي بن حساين المكناسى. حاله: فقيه أديب مطالع مطلع، له مشاركة لا بأس بها، ذو فكاهة وظرف وسرعة جواب، محاضر لطيف، رقيق الطبع، بارع الخط، له إشراف تام على أخبار الماضين، مستحضرًا لأمثال العرب وحكمها ووقائعها وظرف أخبارها، واعية راوية لأشعارها، فاق أقرانه في ذلك وتبرز عليهم، وكان دينا عفيفا مبتلى بوجع الصدر يمنعه في غالب أحيانه من تتابع الكلام، وكان ناصرى الطريقة، وقد أخنى به الزمان حتَّى صار يقبض المكس بفندق الجلد وغيره بعد ما كان كاتبا عند بعض أمنائه بفندق رحبة الزرع القديمة ومن أجره يتعيش، وكان يأنف من تعاطى خطة الشهادة، ويقول ارتزاقى من هذا المحل أحب إلى من تعاطى الشهادة، وفى آخر عمره تجرد عن سائر الأسباب وحببت إليه العزلة، ولزم الخلوة وأقبل على عبادة ربه حتَّى أتاه اليقين. مشيخته: أخذ عن العلامة السيد الهادى بادوا، وشيخ الجماعة السيد مبارك ابن عبد الله الفيضى وغيرهما من أعيان شيوخ عصره.

168 - الطاهر بن الحاج الهادي بن العناية بن محمد بن أحمد

وفاته: توفى في العشرة الأولى من هذا القرن بالحضرة المكناسية رحمه الله. 168 - الطاهر بن الحاج الهادي بن العناية بن محمد بن أحمد بن الحاج أبو العناية بن عبدو بفتح العين وسكون الباء بعدها دال مضمومة مشبعة ابن الولى الأشهر سيدى عبد الله الجزار دفين مكناسة الزيتون. قال أبو العباس الناصرى: وأولاد بوحدو أصلهم من سلا، ثم انتقلوا لفاس ومكناسة. حاله: علامة لدقائق العلوم، إنسان عين، دراكة يسقى الأرواح المتعطشة من معين أروق عين، أودعته التحقيقات ذخائرها، وأبرزت له الغوامض ضمائرها، وملكته البراءة رسنها، وأولته البراعة أحسنها، وخاطبته البلاغة فأجابها، وخطبته الفصاحة فأدخلته حجابها. ورث الأدب بالتعصيب والفرض، وأخذ بحجز المعقول في طول الأرض والعرض، مجالس دروسه بإبراز المعقول محسوسا حافلة، إلا أن شموس بدائع النكت فيها بازغة غير آفلة، فكم بفرائد الفوائد قرط الآذان، وبحسن الإلقاء والتعبير فتق رتق الأذهان، علوم العرب لولاه درست رسومها، وأفلت من أفق مكناسة نجومها، له اقتدار زائد، على التحصيل وقنص الشوارد، تبرز بذلك على الأقران، فلم يسع معاصريه إلا الإقرار والأذعان. وقد كان ذا طبع أرق من عليل النسيم، ولطف أحلى وأشهى من التسنيم، يصبو لكل وصف محمود، ويهوى الطرب ويحسن نقر العود. تعاطى في أول أمره خطة الإشهاد، ثم أُخر عنها لغير ريبة توجب الإبعاد، وإنما السبب الوحيد حسد بعض الأوغاد، الذين بجهلهم سعوا في الأرض الفساد، وأعانه على ذلك قوم آخرون، وما الله بغافل عما يعمل الظالمون. ¬

_ 168 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 8/ 2778.

وذلك أن بعض أهل الاعتداء، الذين سلبهم الله نور الاهتداء، من تجار السوء، الذين ما منهم إلا من بالخزى يبوء، وَشَى ببعض العدول للسلطان أمير المؤمنين سيدى محمد بن عبد الرحمن، وأظهر من الضجر، ما هو شأن من ظلم وفجر، حتى قال: إننا أصبحنا على النفس والمال غير آمنين، فأذن لنا بالرحيل قبل أن نغدو من الهالكين، فصدق السلطان ما اختلقوه من الافتراء، وأمرهم بأن يختاروا لأنفسهم من يرضون من الشهداء. فكان ممن لم يقع عليهم الاختيار، صاحب الترجمة كغيره من الأخيار، فانتقل لمراكش ومكث بها نحو عشرة أعوام، ملحوظا معظما بين فضلائها الجلة الأعلام، وابتهجت به تلك البلاد، ونفق فيها سوق العلم والأدب بعد الكساد. ثم بعد أن قطع الله دابر أولئك المبطلين، وكفى الله شرهم المؤمنين، آب لبلده ورجع إلى خطة العدالة، ثم رغب عنها وصار يراها أعدى له، وكان كثيرا ما يقول: كل الناس عدول إلا العدول. وهو من بؤس المعيشة في شدة، ليس له على نوائب الدهر من عدة، راض من العيش واللباس بما خشن، معرض عن زهرة الدنيا وكل ما لبنيها فيها حسن، مقبل على الله في الخلوات والجلوات، يختم في كل يوم ختمة من دلائل الخيرات، طريقته عيساوية جزولية، سالك فيها ما وافق الحنيفية، يبغض بالطبع ما أحدثه من البدع رعاع الأتباع، وشوهوا به وجهها في سائر البقاع. مشيخته: منهم السيد الحاج المهدى ابن سودة، والسيد العباس ابن كيران، وكان قارئ مجلسه، وأبو حامد سيد العربي بن السائح الشرقى آتى الترجمة، وشيخ الجماعة في وقته السيد مبارك بن عبد الله الفيضى، والعلامة المتبحر في علم المعقول السيد العربي بصرى المدعو قطيطة، وغيرهم من نقاد الأعلام.

الآخذون عنه: منهم السيد الهاشمى المدعو بوعبولة المراكشى، والفقيه ابن دانى المدعو مخوخ، ووالدنا المقدس، وعمنا مولاى عبد القادر، وشيخنا سيدى محمد العرايشى، وسيدى محمد بن إدريس الشبيهى، وسيدى عبد القادر العرايشى، وابن عمنا مولاى الطيب بن عبد الله الإسماعيلى، والسيد الغالى السنتيسى وجماعة. شعره: من ذلك قوله مَادِحًا آل البيت الأطهار من قصيدة: في شكو حب للحبيب حبيبا ... من بينها بشرى الوصال قريبا ياليت موعد وصله وافى به ... مستنجزا بسلامة مصحوبا تختال في أزهار أخلاق زرت ... بأزاهر فيه تضوع طيبا ليت انتظام الشمل حال لازم ... لو لم يكن حال الرضا المطلوبا كل الذى يأتى قريب فالهنا ... بالوعد فهو الصدق لا تكذيبا ما وعد عرقوب له مثلا ولا ... مالا فلا مترقب عرقوبا فالرأس صدق وعده والوعد من ... أخبار عرقوب حوى التكذيبا وإذا بدا منه توان في تدا ... ن فالتماس العذر لا تأنيبا إلى أن قال: يا آل أحمد كل فضل لم يزل ... لجناب ساحة عزكم منسوبا أولاكم الرحمن ما أعلاكم ... قدرا به أعلى مقام هيبا ولقد ألنتم جانبا للناس من ... شكر فأسكنتم بذاك قلوبا وندى سحائب جودكم ما انفك من ... جذب القلوب لحصنها مرقوبا

لأصولها تنمى الفروع وتقتضى ... فيها بألطف حكمة ترتيبا لله ما أزكى الفروع مباركا ... فيها وأذكاها شمائل طيبا المثمر الميمون أقربها إلى ... قطف الجنى من الرطيب رطيبا وقوله مجيبا صديقه العلامة الأديب المجيد أبا العباس أحمد بن قاسم جسوس الرباطى: وفتنى ذات الخال تختال من سعد ... بحالى فوفت للغريم بلا وعد مهفهفة تحكى النسيم لطافة ... شمائلها كرم بمنشئها الفرد تبدت كشمس في الظهيرة أشرقت ... وليست تكل الطرف في القرب والبعد تميس بقد البان قد دق خصره ... وقد قدمنى البال أفديه من قد تتيه دلالا في الحلى بجلالها ... بأوج العلا في ذروة العز والمجد فأحيا بوصل فضلها الصب بعدما ... أماتت بفصل حيث حيت وبالصد زهت إذ زرت بالعفو في القفر وازدهت ... فخد به الأخدود للدمع في الخد فشمت به وردا ولما شممته ... تأرج عرف منه أذكى من الورد وقبلت منه جوهر الثغر باسما ... فكان (رباطى) كى أرى جنة الخلد وأسكرنى منه رحيق زلاله ... فصرت حريق القلب من صرفه الشهد وغنت بألحان تريح الشجى من ... شجاه ورنت إذ رنت بغنا الرصد بأفصح لفظ بالغ من بلاغة ... إلى حد إعجاز تنزه عن حد كريمة بكر بنت فكر على منى ... لآلئ المعاني غاص في لجج تردى سلالة شهم فاق إن هو في الوغى ... يفوق سهما صاب كالأسد الورد

فتى جامع أفراد زين ومانع ... لأفراد شين حد بالعكس والطرد أديب أريب فائق ذو نباهة ... حسيب نسيب ما له الوقت من ند عليم حكيم رائق متفق ... كريم السجايا الغر من ضئضئى المجد فخذ يا أبا العباس ما عن لامرئ ... يحبك قدما خالصا في صفا الورد وسامحه في التقصير في العفو عنه في ... جواب وإن لم يستجد غاية القصد ودم مبرزا في مذهب اللفظ لؤلؤ الـ ... ـمعانى مبرزا على كل ما فرد هـ من خط المجاب بواسطة. وقوله يمدح شيخه أبا حامد العربى بن السائح بعد استيطانه الرباط وهو من غرر قصائده: إذا ما دليل من ودود يقام ... على وده (¬1) فكيف عنه يقام وإن يف في وفائه شبه شبهة ... نفته وفاها بالدليل انحسام بلى لجناب فاق تاق وعنده ... لفرط هواه لوعة وغرام جناب أدام الله عز وجوده ... وإن عز منه بالودود انتظام رجا من زمان كالح للمغيب أن ... يشاهد منه للشهود ابتسام وقد ألقيت أتراحه بلقائه ... وأفراحه مدامها مستدام ومن بحره الطامى اعترافا بفضله ... اغترافا لفضل حسبه منه جام له وهو من تموج زهوه ... بأمواج عذب الواردات التطام وفاض على وإن وناء مواهبا ... وما غاض بل له بفيض دوام ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "فيه القبض وقل من أبياتها من سلم منه مع ما فيه".

يمير ولا خمص ويروى ولا ظما ... فمنه شراب طيب وطعام فلو أن حالى تستقيم لكان لى ... ولا حائل عن ذاك منه قوام وذلك في الدنيا مرامى وبغيتى ... وحقك مالى دون ذاك مرام وما البحر هو الحبر ليس بنقله ... ولا نقده غمز ولمز يلام هو الفرد في ذى الأمة اليوم والذى ... لهم قدوة وأمة وإمام بلى هو طود في الوقار وفى الندى ... خضم وفى العزم الصميم حسام وروض أريض طاب من زهر شيم ... بأكمامها شيم له واشتمام على دوحها من فرط وجد ترنمت ... بأسرار حسنه البديع حمام ثنيت زمام العزم نحو ثنائه ... فصادفنى عند الزحام زحام وما عد وصاف وقد جد بعض ما ... له بنثار يقتفيه نظام وأسهمهم أجل ود جماله ... فكلهم من أجله مستهام ولكننى قد زدت فيه صبابة ... ومنى له في كل يوم أوام وفى خاطرى لا زال معناه خاطرا ... أما هو مغناه وفيه يرام وإنى فنيت فيه حتى كأنه ... أنا وإنى من لحمة الالتحام وأنى لنفسى أن تخاطب نفسها ... ومنها لغيرها الخطاب كلام فلا عجب من عجمة مدة فإن ... لك الرق في رق لذاك ارتسام فأقسم بالبر الأبر أننى ... لبر به ما لى عليك انبرام ولا استحسنت عيني بوجه وسامة ... بوجه سواك واستحال الوسام وإن كلاما منه لى في كماله ... وإعجابه لفى الفؤاد كلام أدرت على كاس نفثتك التي ... أفادت سرورا لم تفده مدام

وما زالت عنى دافعا نافعا بما ... يسر وانى يافع وغلام وطول به منت يمينك طائل ... وكفران صنعه على حرام فمنك رياشى ثم معك هواى هب ... زيارتك الفضلى لدى لمام إلى أن قال: وظن طغام إذ طغى أنني به ... بغيت بديلا واستطال الطغام وما هم بسوء الظن فينا إذاية ... على ضغن الأرعاع وهى هوام فأضرع في إغضائه كرما وعن ... جرائر أهل الود تغضى الكرام ولى ذمة وهو الوفي بذمة ... وما يستفز ذا الذمام ذمام وليس يرام المستجير به لما ... له جر يوما جائرا أو يضام بأسلافه الغر ائتساء له ومن ... وسيم سماتهم عليه اتسام بدوا في الدجى نورا على علم بهم ... لمن ضل في المسرى اهتدا وائتمام وهم غرر في أوجه الدهر إن ثوى ... كريم تسنى من كريم قيام إذا نام جحجاح أشم بهمة ... سمت قام جحجاح أشم همام فروع أمير المؤمنين وبابهم ... أبى حفص القوى له والقوام ونخبتهم في وقته العربى من ... لعزته دانت رقاب جسام ومنى يضوع في علائه عاطرا ... على غاية من الخضوع السلام وفاحت تحيات بحيك بعده ... وقد لاح مختوما بمسك ختام وعذرا على بنت لفكر مشتت ... بصر هموم ما لهن انعدام اخل انعجام من تمام مرادها ... لعي بها واختل فيها انسجام

وقد أقبلت تبغى القبول وقبلت ... ثرى قدميك قد عراها احتشام وقوله معزيا قاضى مكناسة العلامة المسند أبا العباس ابن سودة المرى في ابنه وراثيا له: عظم الله أجر سيدنا القاضى ... معوضا وجده بالسرور في ابنه البر قرة العين برد الـ ... ـمكبد الحرة الزكى الطهور ذى الكرامات والفتوحات واليمن ... والأمن والمرتقى والنور شب في عزة وعز كشبل ... في البراز شاكى السلاح هصور واستلانت أطرافه اللدن خلقا ... فاستبانت من لينها كالحرير آه من لوعة عليه وإن لم ... يجد آه على مصاب خطير لا رعى الله من نعى راعنا في ... نعيه ويحه بقصم الظهور رشح البر للتأهل بالذى ... وشح اليوم من معالى الأمور عله ينجلى عروسا مع الاتراب ... مثل الهلال بين البدور ثم لم يرض بالتأهل إلا ... أن ينال تأهلا بالحور فمآل الدنيا خراب ومن فيـ ... ـها ذهاب عن عاجل للقبور إذ درى أن ليست لمثله دارا ... دار عن شرها إلى خير دور ضل من يصطفى لديها سرورا ... وهو ضمنها يصطلى بالشرور قد أعد السراب منها شرابا ... فتعدى وذاك محض غرور بارك الله في علاك على ما ... ترتضيه حالا ممر الدهور وكذا في المبارك العابد اللـ ... ـه بإخلاصه الولى الكبير

وقوله مادحًا القاضى المذكور: كل يوم وساعة لك عيد ... مستعاد وموسم مستفاد وتولى على علاك بمن ... في التهانى والإقبال والإسعاد إنما العيد أنت للناس فلنهـ ... ـنأ بمرآك نحن والأعياد فمتى أورد الفتى من كلام ... في كمال للعيد أنت المراد كم أعيد بالفتح ذلكم العيـ ... ـد علينا وبالنجاح يعاد لا يراد الجدا على الجد إلا ... من نداك الأندى ومنه يفاد حبر علم وبحر حلم وتقوى ... ليس تقوى بمجده الأمجاد خص بالمكرمات طردا وعكسا ... فله بأفرادها أفراد وله من مستطرف في قديم ... وحديث طرائف وتلاد ساد من سودة وقد ساد من قد ... ينتمى لأجلة قدما سادوا أحمد الأحمد العواقب قاضى الـ ... ـفصل والفضل يقتفيه سداد كيف ينبغى البليغ حصر خصال ... فيه جف عن حصرهن المداد دم معافى من الزمان مكافى ... فالأمانى إلى حماك تقاد وقوله: أى شئ إن تذق قلبا له ... صار حتفا وهى من أسنى منال وقوله: قد أتى سائلا بحسن اتئاد: ... أى شئ يكون معنى الدلال قلت تيه الحبيب تيها يضاهى ... في فؤاد المحب ضرب النصال

فهو كالشهد للمحب وإن كا ... ن به الحتف يا مليح السؤال وقوله: من بعذل لفقد العدل منه رمى ... سكان مكناسة إذا رام تدوينا فليس عدل يحيق باشعيرى من ... جميعهم بل ولا من بعضهم حينا إن بايعوا ملكا وفوا ببيعتهم ... ولا يخونوا إذا في بيعة خينا جل الوفاء بهم لجارهم فلما ... لم يرتدوا بالوفاء منهم دينا رميتهم أنهم صاموا بعلمهم ... في العيد مع أنه رمى به مينا سيما العلا حللا ساموا فسمتهم ... صاموا بعيد فقد سلبتهم مينا بنيت إثمهم والغير معك على ... حديثه وهو موضوع معانينا مؤنبا لهم لعلة بجفا ... وكان علتك الغائبة اللينا بالنثر والشعر لكن غير متزن ... والشعر لابد أن يكون موزونا إن تقصد الكل في نداك أهل وذا ... هو المبين من فحواه تبيينا فقد ضللت بدون مرية ودنى ... بك المراء لأقصى مدية مينا كلا أتى خير بالعدل قاضينا ... في يومه فغدا بالفطر يقضينا ثم اقتفاه جميع الناس مستندا ... للشرع إذ خبر الآحاد يكفينا بالله قل لى ألم يبلغكم ذاك أم ... تجاهلا تنسبون للملا الهونا وإن ترد بعضهم أين القرينة في ... إطلاق كل عن بعض فتهدينا وقوله جامعا معانى حجا العشرة: حجوت إلى أن حجوت العلوما ... فلم أحجها إذ حجوت العليما

وما إن حجا ذو حجا سائلا ... وعنه حجا فحجا مستديما وإن أحجه معنتا أحجه ... عنيفا وأحجو عفيفا كريما وقوله ناظما لاثنى عشر فعلا جاءت عن العرب مثلثة العين عند قراءته للامية الأفعال وتعرض بحراق شارحها لسرد الأفعال المشار لها: وقد أتى الفعل الثلاثى على ... ثلاثة في العين فيما نقلا كمرؤ الطعام ثم كدرا ... ماء وبالمرء الزمان عثرا وخمص البطن وكان نضرا ... وجه وغصن والحليب خثرا وعقمت زوجته فزهدا ... فيها وما رفث في القول اهندا بنفسه رفق ما إن قنطا ... وسفل الإنسان رام شططا وقوله جامعا للفعل المضعف مفتوح عين المضارع الآتى ماضيه من فعل مكسور العين وكذا المضعف من باب فعل بضمها: وذاك حكم مضاعف يلى فعلا ... وافتح لآت من الآتى على فعلا من ذاك بر وقر هش وبش ومص ... غص بح ولذ مله مللا وود عض ومسه وشم وبح ... ضن وظل وشل عضوه شللا وامتاز ذو الفتح عن ذى الكسر منه إذا ... بتا الضمير ونونه قد اتصلا هناك تحذف عين مع تحركها ... أو التحرك نحو فائه نقلا ولم يرد فعل المضموم عندهم ... مضاعفا غير ما عنهم لنا وصلا شررت ثم ذممت أو فككت به ... لببت فلتعين هذه المثلا

قوله وذاك حكم مضاعف إلخ الإشارة في قوله وذاك راجعة إلى ما ذكره المصنف من الفرق بين المضعف اللازم فتكسر عين مضارعه والمضعف المعدى فتضم إلا ما شذ منهما، وقوله وافتح لآت أى لمستقبل وهو المضارع، وقوله وامتاز إلخ يعنى أن الفعل المضعف إذا اتصل به تاء الضمير أو نونه يفك إدغامه ويرجع إلى أصله من كسر عينه أو فتحها، وقوله هناك تحذف عين أى عند اتصال الضمير بالفعل المضعف المكسور العين تحذف عينه مع حركتها أو تنقل حركة العين إلى الفاء وأشار بذلك إلى قول ابن مالك في الخلاصة: ظلت وظلت في ظللت استعملا إلخ. وقوله أيضًا جامعا الأفعال التي جاءت حروفها من نوع واحد: ولم يلف فعل من ثلاثة أحرف ... قد اتحدت جنسا سوى ما يقيد وذلك قق صص هه ودد قد ... أضيف إليها بب زز فتفرد وقوله ذاكرا ما يعرف به عجمة الاسم ليمنع من الصرف مع العملية: إذا من أحرف الذلاقة خلا ... سوى الثلاثى فعجمة جلا ورمزوا لها بـ"مر بنفل" ... والراء بعد النون بدء القول كذا إذا الجيم أتى مع قاف ... أو مع صاد مهمل أو كاف والزاي بعد الدال ثم ما نقل ... عن الثقات أعجميا فعقل وقولى مخاطبا جماعة من أفاضل سلا منهم علامتها الفذ أبو العباس الناصرى صاحب كتاب الاستقصا وذلك عند ورود المترجم على سلا سنة اثنين وثمانين ومائتين وألف ومقامه بها أياما ثم عبوره للرباط ونزوله على العلامة الشيخ البركة سيدى العربي بن السايح الشرقاوى: يا سمى السمى يا طاهر الوسم ... ـم والاسم لطاهر الأعراق

إننى وعلاك قدرا على ما ... تعهدن من المحبة باق فاعذرني بما جنيت بجهلى ... دون إذنك سيدى بفراق وكذا جلساؤك الغير إذ أثـ ... ـقلهم ظهرنا من الأرزاق منكم القلب قَدَّدِنَى هب نأ الـ ... ـقلب فالقلب مغرم بالتلاق والسلام الأتم يغدو عليكم ... ويروح شذاه من مشتاق وخصوصا على الذي برز الأقـ ... ـران في الميادين عند السباق من إذا حاول الأديب بلوغا ... حد وصفه باء بالإخفاق أحمد الأحمدين في العصر أفعا ... لا وأبلغهم على الإطلاق وابن طاهر المحيل عقولا ... عند لحن الخطاب في الأذواق وأبى عبد الله خير أديب ... الرفيع العلا الفتى الوراق واغفروا من عبيدكم هدرا لا ... ينبغى أن يبث في الأوراق نظم الله عقد جمعكم الوا ... فر نظم قلائد الأعناق فأجابه أبو العباس المذكور بقطعة على بحره ورويه لفظها: يا أديبا غدا بحسن اتفاق ... ينفث السحر في المعانى الرقاق قد أتتنا حدائق من سناكم ... جددت أرسما لعهد التلاق وعلمنا منها بأنك لا زلت ... بها ذا صبابة واشتياق لست أدرى أهى قلائد در ... أو نجوم محت دياجى الفراق توجهت مفرق الزمان على فترة ... شعرى من الورى وانمحاق ولقد ساءنى الذى قلت من جهـ ... ـل وأنت الفتى الكريم الوفاق

أنت تحكى النسيم في الخلق والصا ... رم في العزم والطلا في المذاق وبنا من فراقك الصعب ما لو ... كان بالبدر لاكتسى بالمحاق فأزل ما بالقلب من وحشة البيـ ... ـن وما بالجفون من إيراق ما محياك حين تغدو علينا ... غير يسر أتى على إملاق فعليك السلام من هائم لا ... زال من فرط وجدكم في احتراق وعلى خدنك الإمام الذى حل ... من المجد في أعز المواق سيدى الأعربى من أعربت عن ... فخره ألسن الورى باتفاق ما شدا في محافل الأنس شاد ... وحدا بالحسان حادى النياق هـ من خطه ومراده بالأعربى سيدى العربي بن السائح. بعض ما قيل فيه من المديح: من ذلك قول العلامة الحجة الأديب الكبير أبى العباس أحمد بن قاسم جسوس الرباطى وذلك أواسط شعبان عام سبعة وتسعين ومائتين وألف: أمكناسة الزيتون لله ما تبدى ... لنا من سرات مصطفين ذوى المجد نعمت بلاد في البرية أصبحت ... كبيت قصيد بل زمردة العقد سقى الله ذاك الربع وبل غمامة ... وأبقى بها نوء السيادة والسعد ولا برحت تختال في حلل البهى ... مضمخة بالعطر والمسك والند بلاد تفوق الشام حسنا ويهجة ... وتسلى عن الأوطان ذا الخطيب والوجد بلاد تحلت بالفضائل وازدهت ... فعرج بها تلق المحاسن من بعد بلاد بها سحب العلوم تهاطلت ... فلم تر إلا عالما وهو في المهد

أتانا سمى القدر قطب رحاهم ... حليفا التقى جرثومة الفضل والمجد أتانا كما يأتى الغمام بويله ... فأحيا رسوم العلم والفقه والجد رئيس بليغ لوذعى ذكاؤه ... ينسيك إياسا أخا الحل والعقد تخاله إن تلقاه يوما هو الورى ... ولا نكر كون الناس في رجل فرد أيا طاهرا والطهر بعض صفاته ... فدتك نفوس في المصادر والورد أيا مخجلا سحبان بالله عطفة ... لصب بثغر يشتفى به من كد ويأيها الشهم الرفيع مكانة ... تفضل بذاك النظم ذى الطر بالشهد إلى أن قال: وهاك أبا عبد الإله عروسة ... مكعبة الثديين مائسة القد فخذها أخا الإجلال وانظر جمالها ... بعين الرضا تعلم بأنك ذو الود وكن معذرا خلى فإنى مقصر ... مجل بجهلي بالثناء وبالحمد ونهدى سلاما طيبا لجنابكم ... تحمله أيدى البنفسج والورد أوردها أوائل شرحه على الشمقمقية ونقلتها من خط من نقل من خطه من حفدته: وفاته: توفى عشية الأربعاء ثالث وعشرى حجة الحرام عام ستة وثلاثمائة وألف ودفن بضريح جده الولى الأشهر سيدى عبد الله الجزار رحم الله الجميع وقد رثاه بعض تلاميذه بما لفظه: رنت حمامة أيك ... تقول للعين فابك كمزنة الودق سحى ... ورقرقى الدمع منك

فإن فقدت دموعا ... بطول ما أنت تبكى وقد عييت فدمع الـ ... ـغير استعيرى إليك عينى طول حياتى ... على سما العلم تبكى هيهات إن قيل صبرا ... لها اترك الدمع عنك فإن تجرعت صبرا ... يوما فذاك بالإفك هجرا هجوعك جفنى ... أما علمت بضنك أما علمت فريد الأ ... عصار من غير شك عصم الأفاضل من حا ... ز غاى ذوق ودرك يتيمة إن نظمت إلا ... علام حقا بسلك العالم المتحلى ... بكل فضل ونسك الطاهر المظهر المشـ ... ـكلات حلا بفك رماه سهم المنايا ... فاقتنصته بشرك فأصبح العلم منه ... منسكب الدمع يبكى بادت كراسيه من فقـ ... ـده وعادت لترك علم العلم ... قد أُصيب بدك لهفى على باقر ذى التد ... قيق فيك بفتك يا رب فانشر عليه ... رضاك مدة عتك لكى يرى نفحات الر ... حمن تضوع كمسك

169 - الطاهر بن الهادي بن أحمد بن المجذوب الفقيه.

169 - الطاهر بن الهادي بن أحمد بن المجذوب الفقيه. المؤدب صنو العارف بالله سيدى الطيب ابنى على بن عبد الرحمن بن على ابن عزوز. دفين زغوان البلاد الشهيرة قرب تونس، وقد عرف بالعارف ابن عزوز هذا صاحب الصفوة، كما وجد ذلك بخط أخى المترجم هنا، العلامة السيد فضول آتى الترجمة في حرف الفاء بحول الله قائلا والله أعلم أى ذلك كان كما قال ابن خلدون. فلو تسأل الأيام ما اسمى ما درت ... ولا عن مكانى ما عرفن مكانيا حاله: كان ورعا خيرًا دينا، فاضلا تاليا ناسكا ذاكرًا، حافظا لكتاب الله مجودًا له يحفظ قراءة البصرى حفظا متقنا، وكان يؤدب الصبيان، وتخرج عليه عدد وافر من حملة القرآن، تولى خطة الشهادة وقصر تقدير الفرض عليه وذلك أواخر عام خمسة وتسعين من القرن المنصرم، وكان سليقى اللسان، لا يعرف النحو ولا يلحن في كلامه ولا في كتابته. مشيخته: أخذ قراءة نافع، والبصرى على البركة الفقيه السيد محمد بن الحاج أغربى، وعن غيره من جلة مشايح وقته الأعلام. الآخذون عنه: منهم الشريف البركة الأصيل الحيي سيدى مشيش ابن مولاى يوسف بن السلطان مولاى سليمان قدس الله أرواح الجميع. وفاته: توفى يوم الاثنين فاتح جمادى الأولى عام ستة عشر وثلاثمائة وألف، ودفن بالزاوية الناصرية من حضرتنا المكناسية. 170 - الطيب بن العناية بَنُّونَة الضرير. حاله: فقيه نبيه ذو إدراك وقاد، وإنصاف وتواضع، كف بصره بعد ما شب ¬

_ 169 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 8/ 2814. 170 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 8/ 2848.

171 - الطيب بن عبد الله محمد بن الطاهر بن عبد القادر بن عبد الله بن فخر الملوك مولانا إسماعيل.

وقرأ، ولم يزل ملازما دروس شيوخه إلى أن شاب، كثير التهجد معمر الأوقات بالذكر والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ذو مزح لطف، ودعابة لا تخلو من حكم وحقائق، رشح للتدريس بالضريح الإسماعيلي بعد وفاة شيخنا أبي عبد الله محمد ابن عبد الهادى، وكان لطيف التعبير حسن التعليم. مشيخته: منهم السيد فضول السوسى وهو عمدته وأخذ عن غيره ممن عاصره. الآخذون عنه: لا أستحضر منهم الآن غير نفسى قرأت عليه المرشد المعين من أول كتاب الطهارة إلى آخر الزكاة. وفاته: توفى في جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وثلاثمائة وألف. 171 - الطيب بن عبد الله محمد بن الطاهر بن عبد القادر بن عبد الله بن فخر الملوك مولانا إسماعيل. حاله: فقيه عدل رضى أريحى مهذب، أديب خير دين لطيف، حلو الشمائل، لا تمل مجالسته، ولا تخلو من ظرف، بارع الخط، نساخ للكتب، وكان متوليا خطة العدالة ومتصدرا للشهادة بسماط العدول، ثم رشح للشهادة بمراقبة الأحباس. مشيخته: أخذ عن الفقيه السيد الغالى السنتيسى، وعن السيد فضول بن عزوز، والسيد الطاهر بوحدو، وشيخنا السيد محمد بن عبد الهادى، وعن عمنا مولاى عبد القادر ووالدنا وغيرهم. ولادته: ولد يوم الاثنين الرابع عشر من جمادى الأولى عام ثمانية وسبعين ومائتين وألف كما وجد ذلك بخط والده. وفاته: توفى في فاتح جمادى الثانية عام ستة وثلاثين وثلاثمائة وألف، ودفن بروضة ضريح جده المولى إسماعيل قدس الله أرواح الجميع.

[صورة] الشريف مولاي الطيب بن عبد الله العلوي

حرف الكاف

حرف الكاف * * * 172 - الكمال أبو البركات بن أبى زيد المكناسى. حاله: عالم فاضل جليل قدوة كبير شهير نبيل وناهيك بمن روى عنه الحافظ العسقلانى وأجازه مكاتبة بحديث المصافحة، قال في الإصابة في القسم الرابع من الجزء الثالث في حرف الميم في ترجمة المُعَمَّر: أخبرنا الكمال أبو البركات بن أبى زيد المكناسى إجازة مكاتبة قال صافحنى والدى وقد عاش مائة قال صافحنى الشيخ أبو الحسن على الحطاب بالحاء المهملة بمدينة تونس وعاش مائة وثلاثين سنة قال صافحنى الشيخ أبو عبد الله الصقلى وعاش مائة وستين سنة قال صافحنى أبو عبد الله المعمر وكان عمره أربعمائة سنة قال صافحنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعا لى وقال عمرك الله يا معمر ثلاث مرات (¬1). قال الحافظ هذا المعمر شخص اختلق اسمه بعض الكذابين من المغاربة وهو من جنس رَتَن الهندى (¬2)، قال: وقد بسطت ترجمة المعمر بالتشديد في لسان الميزان (¬3). مشيخته: أخذ عن والده أبى البركات وغيره. الآخذون عنه: منهم الحافظ ابن حجر العسقلانى وغيره. ¬

_ 172 - تحرف في المطبوع إلى: "الكمال بن أبى البركات" وصوابه من الإصابة 6/ 368. (¬1) الإصابة 6/ 368. (¬2) الإصابة 6/ 368 - 369. (¬3) انظر في ذلك: لسان الميزان 7/ 10.

173 - الكامل بن عبد الله بن الطاهر بن محمد.

173 - الكامل بن عبد الله بن الطاهر بن محمد. ابن الطاهر بن محمد بن عبد الواحد بن العربي بن محرز بن على بن يوسف بن على الشريف بن الحسن بن محمد بن حسن القادم من الحجاز بن قاسم ابن محمد بن أبى القاسم بن محمد بن الحسن بن عبد الله بن أبى محمد بن عرفة ابن على بن الحسن بن أبى بكر بن على بن حسن. بن أحمد بن إسماعيل بن قاسم ابن محمد النفس الزكية بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن على بن أبى طالب ومولاتنا فاطمة الزهراء البتول بنت رسول رب العالمين، خاتم النبيين مولانا محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وحزبه. حاله: علامة حافظ، لافظ مشارك، دراكة نقاد، متضلع مطلع، فصيح حسن العبارة، واسع العارضة، ذو حفظ عجيب، ومهارة في تنظيم الدروس وترتيبها، وتلخيص المسائل وتصويرها بأبسط عبارة، ومزيد بيان وفصاحة وبلاغة، وذلك مما كان يزيده رحمه الله طلاوة ورونقا، له معرفة بالطب، كريم الأخلاق والسجايا، جامع لأصناف المزايا، مدرس نفاع له اعتناء تام بالكتب شراء ومطالعة، عين للمطالعة أوقاتا لا يتخلف عنها إلا لمانع عظيم الهمة، لا يدخل كتابا لخزانته إلا بعد مطالعته وتوقيفه والكتابة عليه، كبير الاعتقاد في الصالحين، محب في العلم وأهله، معظم للمنتسبين إليه، كثير النوافل متبتل ذاكر، تام المروءة، حسن السمت والهيئة مبالغ في جمال الشارة والبزة، مستدع للأبهة، أبى النفس جواد بشوش لا تساوى عنده زهرة الدنيا قلامة ظفر، مسبل أذيال العفة، بعيد عن الريب، متمسك بعرى النزاهة، رفيع العماد، واسع الناد، كريم المائدة، عظيم الفائدة. وكان من جملة جلة أعلام الحديث بالمجالس السلطانية، وكان لا يخوض مع الخائضين في معانيها تأدبا وأنفة من الجدال والمراء، ويتناعس حيث كان جل

تلك المذاكرات مبنية على العناد والتعصب، وكان السلطان يكره تناعسه وسكوته فأوعز لحاجبه أحمد بن موسى المترجم فيما سلف إخراج المترجم من حلقة المجلس إذا خاض الأعلام في ميدان المباحثة إذا تمادى على سكوته، فلم يسعه إلا امتثال ما أمر به، ثم بعد طرق السبيل الموصل للإشراف على السبب في ذلك وتحقق أنه لا ذنب له غير سكوته، وأن السلطان يعلم اقتداره على القبول والرد، وأنه إنما رشحه لحضور مجالسه للمباهاة به إذ كان صهره ومن أعلام عائلته الكريمة، ثم تشفع فيه فعاد للحضور كما كان، وصار يقرط الآذان بدرر فرائد الفوائد وفق المراد منه. استوطن مكناسة الزيتون مدة ودرس بجامعها العتيق، وانتفع به خلق، ثم انتقل لفاس وتصدر للتدريس بجامع القرويين منها، عمره الله بدوام ذكره. هذا والفريق العلوى الذى منه المترجم يعرف بالأمرانيين نسبة إلى الأمرانى، زاوية مباركة بسجلماسة، لها حرمة عظيمة وشرف باذخ، لا ترى أحدا من أشرافها إلا توسمت فيه الصلاح والخير والنجاح، عالما بمصالح دينه ودنياه، قاله في الأنوار السنية. ولم يزل غيرهم من فضلاء أولاد عمهم الأشراف المقتدى بهم علما وعملا، يعظمونهم ويحترمونهم تعظيما واحتراما فوق ما يعظمون ويحترمون بعضهم بعضا، ويعترفون لهم بمزيدا الفضل والخشية والإعراض عن زخارف الدنيا الدنية، وتلحظهم الملوك العظام بعين الإكبار والإجلال. وأول خارج من سلجلماسة من هذه العائلة الكريمة هو الجد السادس للمترجم، وهو السيد أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد في معية السلطان العظيم الشأن مولانا الرشيد بن الشريف، لما فر من أخيه المولى محمد فنزل بالزاوية الدلائية بعد ما استقل مولاى الرشيد بالملك، فقرأ العلم هناك، وزوجه الدلائى

وأقطعه أرضا تسمى أفران من بلاد زيان، فاستوطنها وبها توفى وضريحه هناك مشهور لدى الخصوص والعموم. مشيخته: أخذ عن الحاج محمد بن المدنى كنون مختصر الرهونى وهو عمدته، سمع عليه الموطأ، والصحيح، والمختصر الخليلى، والألفية، والسبكى، والسلم، والسنوسية. وعن أبى المواهب عبد الكبير بن المجذوب الفاسى دفين شالة من رباط الفتح المتوفى في سابع وعشرى رمضان عام أربعة وتسعين ومائتين وألف، حسبما أخبرني بذلك حفيده السيد عبد الحفيظ، وبعد أن كتبت هذا وقفت على أنه كان في التاريخ المذكور حيا يرزق فبيدى مكتوب من الوزير موسى بن أحمد خطابا لأخيه السيد عبد الله بالإيصاء على المذكور لدى قفوله من الحج بتاريخ رابع عشر رمضان عام ستة وتسعين، وفى هذه السنة كانت وفاته مطعونا بفضالة، ومنها حمل إلى شالة وعليه كانت بداية قراءة المترجم الرسالة والمرشد والهمزية وفقهية سيدى عبد القادر الفاسى والشمائل. وعن الشيخ أحمد بن أحمد بنانى المدعو كلا التفسير، والحديث والأصول، ومختصر السعد. وعن السيد المهدي بن محمد بن الحاج السلمى صحيح البخارى، والشمائل، والطرفة، والنصيحة الزروقية، والتحفة، والمختصر، والألفية. وعن السيد أحمد بن أحمد الورياغلى المغنى والألفية. وعن السيد أحمد السلوى التطوانى: البخارى، والمختصر، والتحفة، والألفية. وعن الشيخ عبد الرحمن النابلسى المدنى لما ورد لفاس عام واحد وثمانين ومائتين وألف، وأجازه هؤلاء كلهم عامة، ونصوص إجازاتهم له بخطوط أيديهم

كلها محفوظة بمكتبتنا غير إجارة السلاوى لم أظفر بها، وأول من أجازه منهم العلامة النابلسى حسبما ذلك بخط يد المجاز المترجم آخر ورقة الإجازة عقب إمضاء المجيز. كما أخذ عن السيد العربي بن السائح الشرقى دفين الرباط وأجازه عامة أيضًا، كما ذلك بخط يده بمكتبتنا. وعن القاضى مولاى محمد العلوى صحيح البخارى، والمختصر، والتحفة، والزقاقية. وعن ابن عبد الواحد ابن سودة المرى الألفية. وعن مولاى عبد الملك الضرير الجرومية والألفية والتلخيص. وعن السيد الطيب ابن كيران التلخيص. وعن والده عن جده الطريقة الناصرية التي هى أساس أسلافه كما أخذها عن أبى عبد الله محمد بن عبد الحفيظ الدباغ المدعو بوطربوش. وعن أبى المواهب عبد الكبير الفاسى، وكلاهما عن جده مولاى عبد الله بسنده المذكور في ترجمة أخ المترجم سيدى محمد، وأجازه في تلقين أورادها لمن أرادها منه السيد محمد بن أبى بكر صاحب زاوية تامكروت وكان له الإذن العام في التقديم من قبله. كما أخذ بعض الأذكار عن البركة الشهير سيدى محمد بن أحمد الودغيرى المدعو الغياثى المتوفى يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الآخرة عام ثمانية عشر وثلاثمائة وألف، المدفون بالقبب من فاس. وعن سيدى عبد السلام البقالى حسبما وقفت على ذلك في نص إجارته له بخطه.

الآخذون عنه: ممن أخذ عنه شيخنا العلامة المشارك الأقعد الشريف مولاى أحمد بن المأمون البلغيثى قاضى مكناسة الحالى، والعلامة النبيه السيد التهامى عبابو حاجب الجلالة السلطانية اليوسفية صان المولى حماها، والسيد بدر الدين قاضى ثغر آسفى حينه، وصديقنا السيد عبد الحفيظ الفاسى وأجازه عامة بخطه، والسيد الغالى السنتيسى المكناسى، والسيد التهامي بن عبد القادر المدعو الحداد المترجم آنفا، والعلامة السيد إدريس بن عمر الشامى، والعلامة الخطيب السيد محمد اللواجرى التطوانى، والعلامة القاضى السيد أحمد بن إبراهيم الرباطى، ونسابة عصره ومسنده المولى عبد الحى الكتانى، وأجار له عامة وغيرهم من حاملى لواء التحقيق بفاس ومكناس وغيرهما. وفاته: توفى بقرحة خرجت في شاربه الأعلى لم يظن موته منها ولا توهم، وذلك غروب يوم السبت موفى عشرين من جمادى الأولى عام واحد وعشرين وثلاثمائة وألف، وصلى عليه بالضريح الإدريسي ودفن برياض جوار محل سكناهم من حومة السياج قرب الزاوية الناصرية بمحروسة فاس، ومن يومئذ صار ذلك الروض روضة لدفن عائلتهم الكريمة. وقد رثاه ابن عمنا المولى أحمد بن المأمون المذكور في الآخذين عنه بما لفظه: حكم المنية في البرية جارى ... تقدير رب نافذ الأقدار ما عن ورود حياضها بد ولو ... طالت بمولود مدى الأعمار فالموت خطب ما له من دافع ... معرى النفيس وملبس الأطمار ملأ القلوب مهابة فالرعب منـ ... ـه أقام في قلب وفى أفكار من ذا الذى يرجو البقا من بعد فقـ ... ـد المصطفى خير الورى المختار

والأنبياء وصحابهم والتابعيـ ... ـن ومن هداهم في البرية سارى فالكل دون الله جل جلاله ... لا بد من رمس له وغبار ما فاز في الدنيا سوى حر سمت ... هماته لمكارم وفخار يفنى نفيس حياته فيما يبقـ ... ـي ذكره غضًّا على الأعصار يبدى الندا لمن اجتدى ويفيد من ... قد جاء يريد العلم من أقطار حتى إذا زار الفنا فناءه ... وأجاب داعى ربه الغفار ود الأنام فداءه بنفوسهم ... لو كان يفدى هالك بنضار مثل الإمام المرتضى الحبر الهما ... م أخ العلا والفضل والإيثار مولاى (عبد الكامل) الأسنى الذى ... ظهرت مكارمه ظهور منار نجل الألى سادوا بملك شامخ ... أهل العلا والمجد والمقدار الناسك الأتقى المحرر علمه ... الحافظ الأرقى رفيع نجار جماع أشتات العلوم بذهنه ... يهدي بها من ضل في أوعار قد مات لكن عاش فينا ذكره ... بجميل أوصاف وحسن شعار لله ما ضم الثرى من سيد ... قد ساد بالنسب الصريح السارى أسفا عليه لقد تداعى من حما ... ته شاهق الأمجاد والأبرار أسفا على فقدان مثله في الورى ... عز التسلى عنه بالأنظار أسفا على من كان قبلة آمل ... من جوده سيل الندى المدرار أسفا على خلق جميل ناله ... يسليك عن أهل به وديار فكأن سامع لفظه يصغى إلى ... ترجيع تلحين وصوت هزار

وكأن ناظر وجهه متعلل ... من شرب أقداح وصرف عقار وجه كمنبلج الصباح تخاله ... إذ ما تراه طالع الأقمار لا يلتقى إلا بوجه ضاحك ... والبشر يحسن في ذوى الأقدار لله منه مجالس كانت تقـ ... ـضى بالعلوم الباهرات لقارى لله منه تواضع في رفعة ... ومهابة وجلالة ووقار لله منه تسارع لصنائع الـ ... ـخيرات يسبق نحوها ببدار يا رحمة لذويه بعد بعاده ... عنهم فمن لهم بطيب قرار يا رحمة للزائرين ربوعه ... من صاحب أو خادم أو جار من ذا يقابلهم بوجه باسم ... وبمبسم بنواله المدرار لكن بعد الله في إخوانه ... وبنيه خير مخلف مختار فهم لنا من بعده نعم المعز ... ى فيه إذ هم سادة الأخيار فالله يكسوهم من الصبر الجميـ ... ـل على مصابه سابغ الأستار والله يسكنه فسيح جنانه ... في جيرة الأرسال والأنصار وينيله أعلى الفرادس لابسا ... من سندس خضر أعزّ دثار لا زال قبره في رياض ناعم ... تهمى عليه سحائب الأسرار يغدو به مترفعا متقدسا ... ويصير من علياه خير مزار أرخ وفاته دون (حم) ولتقل ... (قد نال في أخراه عز جوار)

حرف الميم

حرف الميم * * * 174 - مبارك أبو النور بن العالم العلم أبو التوفيق سالم الشيظمى المكناسى الدار والوفاة. حاله: حسن السمت، كثير الصمت، من القوم الذين إذا رُءُوا ذكر الله. وإذا قاموا أو قعدوا فبالله، شمس القراء وبدرهم، وعليه في وقته يدور أمرهم، فريد عصره، ومصباح زمانه ومصره، فقيه جليل، ماجد نبيل، مربى الأطفال. وملحق الولدان بالرجال، ذو المآثر الفاخرة، والعلوم الزاخرة. إمام المتقين، مجود مرتل، عالم بمخارج الحروف وكيفية الأداء، عارف بصناعة التربية الأدبية، بارع في الأمور، مؤثر خموله على الظهور، جميع المكارم إليه تنسب، ومن حاول عناده رام العطب، محب في رسول الله، متوكل في تصاريفه على الله، عكوف على عبادة ربه، مكب على تعليم كتاب الله تعالى آناء ليله وأطراف نهاره، حباه مولاه نوالا وتفضل عليه إكراما وإفضالا. وكانت له كرامات ظاهرة، وهمة عالية، ونفس زاكية، قلما تجد عالما أو متعلما في وقته بالحضرة المكناسية إلا وقرأ عليه أو قرأ على من قرأ عليه. مشيخته: أخذ عن سيدى على بن الجزار، والسيد المهدي بن السيد الحاج أحمد بن موسى المتوفى سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف، كلاهما عن أبى العلاء إدريس المنجرة الشريف الحسنى. الآخذون عنه: أخذ عنه جماعة وافرة من القراء والعلماء والأعيان، منهم: ¬

_ 174 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 7/ 2413.

175 - مبارك بن عبد الله بن محمد السجلماسى أصلا، الفيضى منشأ المكناسى دارا ووفاة.

السيد محمد فتحا بن محمد بصرى المكناسى صاحب الثبت المعنون بإتحاف أهل الهداية والتوفيق والسداد. بما يهمهم من فضل العلم وآدابه والتلقين وطرق الإسناد. وفاته: توفى في خامس جمادى الأخيرة عام اثنين وتسعين ومائة وألف، ودفن بالزاوية الناصرية من الحضرة المكناسية، وحضر جنازته العلماء والوزراء فمن دونهم، عد مشيعوه بآلاف رحمه الله ونفعنا ببركاته آمين. 175 - مبارك بن عبد الله بن محمد السجلماسى أصلا، الفيضى منشأ المكناسى دارا ووفاة. حاله: فقيه علامة مشارك، ورع صالح ناسك، فاضل أستاذ خير، دين عدل رضى، مبرز، تولى خطة العدالة بمكناس مدة مديدة، وقفت على عدة رسوم بشهادته بتواريخ متعددة، من ذلك رسم بتاريخ سابع عشر رمضان عام أربعة وأربعين ومائتين وألف، وتصدر للتدريس ونفع العباد، فنفع الله به أقواما، وتخرج عليه جميع محققى علماء مكناس، وكان شيخ الجماعة بها ورحل إلى المشرق وحج. حدث عنه تلميذه العلامة السيد فضول بن عزوز أنه كان يدرس المرشد المعين فلما وصل لقوله "وقول لا إله إلا الله" اعترض قول شارحه: معنى لا إله إلا الله لا مستغنى عن كل ما سواه قائلا: صوابه أن يقول لا مستغنيًا بالتنوين لأنه مطول لقول الخلاصة: فانصب بها مضافا أو مضارعه. فأجابه تلميذه المذكور بقوله: بنى على الفتح ليكون نصا في العموم لقول صاحب جمع الجوامع: النكرة في سياق النفى تعم نصا إن بنيت وظاهرًا إن لم تبن، فأجابه الشيخ بقوله: إن كنت راكبا بغلة مسرجة سريعة السير فنحن لا

نتبعك، فقال التلميذ المحدث وهل تتبع النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال الشيح: نعم، فما لنا إلا اتباع أحمد، قال: هو الذى قال: لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت، فغضب الشيخ ظانا أن التلميذ يعرض به، وتخلف عن الدرس ثلاثة أيام، وفى اليوم الرابع جاء متأبطا عدة أسفار وضعها أمامه كادت تكون ساترا بينه وبين أهل درسه، وصار يسمى للحاضرين كل كتاب باسمه، ثم قال: قد راجعت المسألة فوجدت الصواب مع هذا الطالب، ووجدت آية تعضده وهى قوله تعالى: {... لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ ...} [الأنفال]، فقال التلميذ: الحمد لله قاصدًا الحمد على الموافقة، فظن الشيخ التعنت والظهور عليه، فغضب أيضًا وقام من مجلسه. قلت: هذه الحكاية كسراب بقيعة، وعند تحرير المناط فيها وإمعان النظر يظهر جليا أنه إنما وقع فيها حال المذاكرة الاشتباه والالتباس، فإن الشيخ بنى بحثه على المعول عليه في المسألة وهو مذهب البصريين الذى اعتمده المحققون كابن مالك وغيره، وخالفهم البغداديون وخلافهم ضعيف كما يأتى. والتلميذ المجيب لو حقق المناط لكان جوابه بأن ذلك يخرج على هذا القول الضعيف فيبين ذلك عن شيخه أنه نهج في بحثه نهج الطريقة المثلى، التي عليها يتعين البناء في كل ما يتلى، وعن نفسه بأن له اطلاعا واستحضارا أدرك بهما تخفيف ذلك البحث بعد تمكنه بتخريج المبحوث فيه على ذلك القول وإن ضعف. وأما جوابه بكلام ابن السبكى فهو عين الاشتباه، أما أولا فإنه ليس فيه تنصيص على أن ما قاله موضوعه الشبيه بالمضاف الذى هو محل البحث، وإنما تكلم على ما تفيده النكرة في سياق النفى حين بنائها وعدمه، وهى والحالة هذه لا يتعين كونها من الشبيه بالمضاف بل يجور أن تكون من المفرد كما يأتى، وكيف تقوم الحجة بمحتمل وبمشكوك فيه؟ وأما ثانيا: فابن السبكى مع كون كلامه فيما بيناه إنما أبان حكم ما بعد الوقوع، وبحث الشيخ في أن ذلك لا يجوز الإقدام عليه على المعروف، وكأن

الشيخ لذلك أشار بقوله: إن كانت لك بغلة مسرجة مسرعة إلخ، فكأنه يقول له: إنك أسرعت إلى مقام آخر فلذلك لا نتبعك، فقد فهم الشيخ من الجواب ما ذهل عنه المجيب. وأما قول المجيب: هل تتبع مولانا رسول الله؟ فهو عين سوء الأدب لما فيه من المواجهة للشيخ بما فيه غض واضح لمقامه هذا لو أتى المجيب بعده بما يصلح للحجة، فكيف وهو إنما أتى بالحديث الذى يجوز أن يكون مرويا بالمعنى كما هو شأن كثير من رواته مع كثرة من دخل فيهم من الأعجميين والمولدين، ولهذا كان التحقيق عدم الاحتجاج بالأحاديث على القواعد العربية إلا حديثا لم يختلف لفظه عند رواته، ثم لو فرضنا أن الحديث هنا متفق على لفظه لم تقم به حجة أيضًا، فقد قال في المغنى في أمثلة الجهة الثانية من الجهات التي تدخل على المعرب الخطأ منها وهى جهة مراعاته معنى صحيحا وغفلته عن النظر في صحة صناعته: الثالث تعليق جماعة الظروف من قوله تعالى: {... لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ... (43)} [سورة هود 43]، {... لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ... (92)} [سورة يوسف 92] ومن قوله عليه الصلاة والسلام: لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت، باسم لا، وذلك باطل عند البصريين لأن اسم لا حينئذ مطول فيجب نصبه وتنوينه، وإنما التعليق في ذلك بمحذوف إلا عند البغداديين هـ. وقال الشيخ يس: قال الدنوشرى: حمل الحديث على أنه من المطول غير متعين لجواز كونه مفردا، واللام متعلقة بالخبر، والتقدير لا مانع لما أعطيت وكذا فيما بعده هـ. ونحوه للرضى وغيره، فاتضح بهذا كله أن الأمر في أجوبة التلميذ كما قلنا من أنه ما قام فيها بتحرير المناط، ولا بأدب البساط، وليس العجب من صدور ذلك منه حالة الطيش ومبادى الطلب، وإنما العجب من جموده على ذلك وتبجحه

176 - محمد فتحا السلطان أبو البشائر بن أبي الأملاك والسلاطين المولى الشريف بن على الحسنى الينبوعى السجلماسى.

به بعد بلوغ الأشد وكمال الطلب، وبلوغه الغاية في ظنه من ذلك الأرب. ولكن لا عجب إذا عد ذلك عقوبة عجلت، فقد قالوا: من رام شيئا قبل إبانه عوقب بحرمانه. مشيخته: أخذ عن جماعة أعلام بلده سجلماسة العلم والقراءات وعن قاضى مكناسة مولاى أحمد بن عبد المالك العلوى وأجازه عامة، ومولاى أحمد هذا أخذ عن سيدى أحمد بن عبد العزيز الهلالى المتوفى ليلة الثلاثاء قبيل الفجر بنحو ساعتين الحادى والعشرين من ربيع الأول عام خمسة وسبعين ومائة وألف، كذا بخط تلميذه السيد محمد بن صالح الفيلالى ثم الرودانى ومن خطه نقلت هـ. حسبما وقفت على ذلك أى أخذ المترجم عن الهلالي بواسطة بخط ولد المترجم الفقيه السيد أحمد المترجم فيما مر على أول ورقة من فهرسة الهلالى المذكور قائلا كذا ذكره والدى في فهرسة أخرى غير هذه هـ. وأخذ عن الشيخ أبي حفص عمر بن المكى الشرقاوى الصلاة الأمية. الآخذون عنه: منهم السيد فضول السوسى، والسيد فضول بن عزوز، وابن الجيلانى (¬1) السقاط، والمختار الأجراوى، ومحمد بن المجذوب بن عزوز، وفخر الرباط، وشيخ الجماعة به أبو إسحاق السيد إبراهيم التادلى في خلق، ولم أحفظ وفاته غير أننى أدركت من أدركه ممن هو الآن حى يرزق. 176 - محمد فتحا السلطان أبو البشائر بن أبي الأملاك والسلاطين المولى الشريف بن على الحسنى الينبوعى السجلماسى. حاله: قال اليفرنى في النزهة: وإن شجاعا مقداما لا يبالي بنفسه ولا يجول في خاطره خوف من أحد من أبناء جنسه. قال: وكان قويا أيدا لا يقاوم في المصارعة، وحكى أنه في بعض حصاره لتابو عصامت جعل يده في بعض ثقب القصر وصعد عليها ما لا يحصى من الناس كأنا خشبة منصوبة، أو لبنة مضروبة. ¬

_ (¬1) في الموسوعة ص 2761: "الجيلالى".

وقال الضعيف: كان أقوى الناس نجدة وشهامة، وشجاعة وإقداما وزعامة. وقال في حقه والده: الأسد الأخدع ووصفه أهل الدلاء في بعض رسائلهم بما لفظه: هو الأجدل الذى لا تئوده هموم الليالى، ولا حرارة قيض المصيف الأشهب على قنة كل عقبة، لا يقلعه المال دون حسم الرقبة، وربما عرتنا غفلة فيشن الغارة الشعواء على شعاب شعوب ملوية، وينشر جيوشه على رباط تازا بالرايات والألوية. وحلاه صاحب الجزائر عثمان باشا فيما كتب له به بقوله: الشريف الجليل القدر، الصادق اللهجة والصدر، من رتق الله به فتوق وطنه، وحمى به من أحزاب الأباطيل أنجاد أرضه وأغوار عطنه. ووصفه صاحب الدرر البهية والجواهر النبوية: بالعلم والعمل وعلو الهمة، ونفوذ العزمة، والتوقيعات العجيبة، والمراسلات الغريبة. وقال الكنت دوكاسترى المؤرخ الفرنسى الشهير في المجلد الثانى من كتابه أصول تاريخ المغرب نقلا عن الأسير مويت الفرنسى: وكان -يعنى صاحب الترجمة- إماما عادلا يتصرف في مملكته بحكمة وتدبير هـ. وقال في النزهة: كان سخيا جوادًا حتى إنه أعطى الأديب الشهير المتقدم في صناعة الشعر الملحون أبا عثمان سعيد التلمسانى نحوًا من خمسة وعشرين رطلا من خالص الذهب جائزة له على بعض أمداحه فيه وحكاياته فيها بالمعنى شهيرة هـ. بويع له بسجلماسة بعد تشريد أصحاب أبى الحسن على المدعو بو دميعة بن محمد من ذرية أبى العباس أحمد بن موسى السملالى الشهير سنة خمسين وألف. قال في النزهة: وافق على بيعته أهل الحل والعقد يومئذ بسجلماسة، ولما تمت له البيعة شمر لمضايقة أبى الحسن بدرعة إذ كانت تحت ولايته فوقعت بينهما

حروب يشيب لها الرضيع انجلت بانهزام أبي الحسن وفراره واستيلاء المترجم على درعة. وفى ضحى يوم السبت ثانى عشر ربيع النبوى سنة ست وخمسين وألف وقعت بينه وبين محمد الحاج الدلائى وقعة الكارة الشهيرة أسفرت حروبها الطاحنة عن انهزام صاحب الترجمة واستيلاء الدلائى على سجلماسة شر استيلاء، وفعل فيها أصحابه شرار البرابر من أنواع الشدة والقساوة كل شنيع، وكان ذلك من جملة ما بذر من الأحقاد والضغائن التي حملت الرشيد أخ المترجم على استعمال الشدة مع أهل الزاوية الدلائية حسبما مر بك. ثم بعد ذلك انبرم الصلح بين الدلائى والمترجم على أن ما يتصل بالصحراء إلى جبل بنى عياش يكون للمترجم، وما دون ذلك إلى ناحية الغرب للدلائى، ثم استثنى أهل الدلاء خمسة مواضع أُخر كانت في ولاية المترجم أضافوها لولايتهم، وشرطوا على المترجم أن لا يحرك لهم ساكنا فيها. وبعد ذلك رجع أهل الدلاء في جموعهم، ثم اطلع المترجم على ما أوجب الفتك ببعض الأماكن المستثناه فحكم السيف فيها. ولما اتصل الخبر بأهل الدلاء كشروا عن أنيابهم (¬1) وجمعوا جموعهم وساروا إلى سجلماسة مصممين على اجتثاث المترجم وشيعته، وكتبوا له متهددين عليه ورموه بالغدر، وقالوا: إنه ناكث، ومقسم حانث، وأغلظوا القول وَبَالَغُوا في الفحش، فأجابهم برسالة يقول في آخرها: وحتى الآن إن رغبتم في الخير فهو مطلبى. ومغناطيس طبى دران عشقتم الغير فجوابى لكم قول المتنبى: ولا كتب إلا المشرفية والقنا ... ولا رسل إلا الخميس العرمرم ¬

_ (¬1) في المطبوع: "نيابهم".

ولما انتشر صيت المترجم في الآفاق، وتكاثفت جنوده استقدمه أهل فاس وغيرهم من أهل الغرب وواعدوه النصرة والإمداد بالعدة والعدد، إذ كانوا يتمرضون في طاعة محمد الحاج الدلائى الذى استولى عليهم بعد الإمام أبى عبد الله محمد العياشى المذكور آنفا، فلبى دعوتهم وسار إليهم مسرعا. ولما بلغ بلاد الحياينة خرج أهل فاس لاستقباله وساروا إلى أن لحقوا به وأتوا به إلى فاس العليا منسلخ جمادى الثانية عام تسعة وخمسين وألف، فألقى القبض على خليفة الدلائي بها إذ ذاك وهو أبو بكر التاملى السوسى وأودعه السجن، وذلك ليلة الجمعة مهل رجب السنة. وفى سابع رجب المذكور بايعه أهل البلدين المدينة البيضاء وفاس القديم، ولم يزل مقيما بها إلى أن وقعت بينه وبين أهل الدلاء المقتلة العظيمة على ظهر الرمكة بظاهر فاس يوم الثلاثاء عاشر شعبان سنة تسع وحمسين وألف، انكشف سحاب تلك الملحمة عن هزيمة المترجم فدخل لفاس وبقى مدة يدبر الأمور. وينتظر ما يأتي به المساء والبكور. ولما طال عليه الأمد بفاس الجديد وضعف جيشه وثار عليه أهل فاس أواخر شعبان سنة ستين وألف، انقلب راجعا لوطنه سجلماسة في ثانى عشر رمضان العام، وكانت مدة إقامته بفاس أربعة عشر شهرا وأياما قلائل. وفى الثالث والعشرين من ربيع الأول عام واحد وستين وألف قام أهل المغرب بدعوة محمد الحاج الدلائى وبايعه أهل فاس، وكتبوا له البيعة في مهل ربيع الثانى من العام، وبسبب ذلك تم استيلاء الدلائيين على فاس وعادت لهم الدولة فيها بعد خروج صاحب الترجمة منها بستة أشهر، وولى محمد الحاج ولده أحمد أميرًا على فاس، ولم يزل على إمرته بها إلى أن لقى ربه في عشرين من

ربيع الأول سنة أربع وستين وألف، ثم خلفه أخوه محمد في الإمرة ومات سنة سبعين وألف. ثم إن المترجم ولى وجهه شطر تمهيد عمائر الصحراء وبلاد الشرق، فصار يتقصى تلك القرى والمداشر إلى أن بلغ آنكاد، فبايعه عرب الأحلاف وسار بهم إلى بنى يزناسن، وكانوا يومئذ في إِيالة الترك، فحاربهم واستولى لأعراب على ما كان بين أيديهم من الماشية، وسار إلى وجدة وكان أهلها إذ ذاك على حزبين، حزب قائم بدعوة الأتراك، وحزب خارج عنها، فانضم الخارجون عن الأتراك للمترجم وشردوا شيعة الترك عن البلد، فصفت له وجدة. ثم غزا أعمالها إلى أن دخل أهلها في طاعته، ثم توجه لناحية ندرومة فشن الغارة على مضغرة وكديمة وما إلى ذلك ثم آب إلى وجدة، فأقام بها مدة، ثم توجه إلى تلمسان وأغار على سرحها وسرح القرى المجاورة لها، فبرز إليه أهلها بعسكر الترك الذى كان بالقصبة فأوقع بهم وقعة شنعاء ورجع إلى وجدة، وأقام بها إلى أن انصرم زمن الشتاء. ثم نهض منها وسار على طريق الصحراء فأغار على الجعافرة وانتهب أموالهم، وهنالك قدم عليه شيخ حميان محمود من بنى يزيد في قبيلته مبايعا، وقدمت عليه دخيسة كذلك وقدمت إليه بيعتها وأغرته على الأغواط وعين ماضى وما والى ذلك، فاستولى على تلك القرى ونهب أموالها وفرت أمامه عرب الحارث وسويد وحصين من بنى مالك بن زغبة، فنزلوا يجبل راشد متحصنين به. فرجع عنهم واضطربت أحوال المغرب الأوسط وامتدت عيون أهله إلى الانقضاض على الأتراك وأخذ (ياى) معسكر يخندق على نفسه وطير الإعلام إلى صاحب الجزائر بما لحق رعاياهم من صاحب الترجمة، فأخرج صاحب الجزائر عساكره وهيأ مدافعه واستعد للحرب والمقاومة، وقدم نائيه بالعساكر إلى تلمسان،

فلما سمع بذلك المترجم رجع إلى وجدة وفرق العرب الذين كانوا مجتمعين وواعدهم لفصل الربيع القابل، ثم قفل إلى سجلماسة بعد ما شب نيران الحرب في الإِيالة التركية ونسفها نسفا وضرب أولها بآخرها. ولما وصل عسكر الترك إلى تلمسان واتصل بهم رجوع المترجم لتافيلالت سقط في أيديهم، وقد أحسوا بانحراف قلوب الرعية عنهم حتى أهل تلمسان، وتيقنوا بأنهم قد شوركوا في بلادهم وزوحموا في سلطانهم، فرجعوا إلى الجزائر وأخبروا عثمان باشا بحال الرعية وما نالها، فجمع أهل ديوانه وأرباب مشورته وتفاوضوا في أمر المترجم وكيفية التخلص من سطوته، فلم يروا أجدى لهم من أن يبعثوا إليه برسالة مع اثنين من أعيان الجزائر وعلمائها، واثنين من كبار الترك ورؤسائهم، لأنهم كانوا لا يتمكنون من حربه لو أرادوا ذلك لأنه يغير ويظفر، وينتهب ثم يصحر، فلا يمكنهم التعلق بأذياله، ولا قطع فراسخه وأمياله. فبعثوا إليه برسالة من إملاء الكاتب أبى الصون المحجوب الحضرى مع الوفد المشار إليه بتاريخ منتصف رجب عام أربعة وستين وألف، جمع فيها بين اللين والصرامة مضمنها طلب تجنب ساحة تلمسان، وأن لا يزاحمها بمجموع رماة ولا فرسان، ليبقى بينه وبينهم الستر المديد على الدوام، ويلغى كلام الوشاة من الأنام. وقد أورد هذه الرسالة الضعيف في تاريخه، كما أورد جواب المترجم عنها بنصه وفصه وكذا صاحب الدر المنتخب المستحسن، واقتصر في الاستقصا على مكتوب صاحب الجزائر وفقرات من الجواب عنه تركنا جلب ذلك اختصارا وأنفه عما فيه من فحش القول. ولما رجع لصاحب الجزائر رسله ووجد الجواب خاليا عن الفائدة المقصودة، والضالة المنشودة، ردهم في الحين بدون كتاب، ولما قدموا على المترجم ثانية قالوا له لم يكن لنا علم بما في الكتاب ولو اكتفينا به ما رجعنا إليك، نحن جئناك

لنعمل معنا شرع جدك، وتقف عند حدك، وبالغوا في وعظه واستعطافه إلى أن أخذته قشعريرة وعلاه سلطان الحق فأذعن له، وقال: والله ما أوقعنا في هذا المحظور إلا شياطين العرب انتصروا بنا على أعدائهم وأوقعونا في معصية الله وأبلغناهم غرضهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وإنى أعاهد الله تعالى أن لا أتعرض بعد هذا اليوم لبلادكم ولا لرعيتكم بسوء، وإنى أعطيكم ذمة الله وذمة رسوله لا قطعت وادى تافنا إلى ناحيتكم إلا فيما يرضى الله ورسوله، وكتب لهم بذلك عهدًا إلى صاحب الجزائر. وفى أواخر عام أربعة وسبعين وألف على ما في تاريخ الضعيف والدر المنتخب، نهض المترجم من تافلالت لتازا يترقب لفتح الغرب فأكل زرع أهل فاس والحياينة وانتسفه وأفسده، والذى في الاستقصا أن ذلك كان عام ثلاثة وسبعين وألف، ولعل نهبه لزرع أهل فاس والحياينة كان سببه خيانتهم في نصرته وقت كينونته بين أظهرهم ومحاربة أهل الدلاء له. ووقعت إثر ذلك مجاعة عظيمة أكل الناس فيها الجيف والدواب والآدمى وخلت الدور، وعطلت المساجد. قال الضعيف: كان عدد من دفن من الأموات من المارستان فقط أربعة وثمانون ألفا فيما قيل، دون من دفن من غيره، قال: وكان يعد بحومة الدوح ستمائة رجل فلم يبق منهم إلا ثلاثون، وخرج من فاس جماعة من الأعيان إلى زاوية أهل الدلاء يستغيثون بأهلها من المترجم. وفى يوم خميس من صفر العام، خرج المولى محمد بن عبد الله بن على ابن طاهر في أهل فاس والحياينة منصورًا لقتال المترجم، ورجع في يوم الثلاثاء القريب منه هـ. وحكى في الاستقصا ما اقتصر عليه الضعيف من القول بنصر المولى محمد ابن عبد الله وخروجه لقتال ابن عمه صاحب الترجمة بقيل وصدر بقوله: وكان

الكلام في الإمامة والخلافة

الشريف أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن على بن طاهر الحسنى قد قدم فاسا بقصد أن يبايعه أهلها فلم يجيبوه، اهـ، والله أعلم أى ذلك كان. وفى صفر العام نزل محمد الحاج الدلائي بأزروا، فخرج إليه أعيان أهل فاس وقاضيها، فقصوا عليه ما فعل المترجم بزرعهم وزرع الحياينة، وقد كان المترجم رجع لبلده، وفى أول ربيع من العام رجع أهل فاس إلى بلدهم وبقى الدلائي بأزروا، إلى أن دخل فصل الشتاء، ورجع الدلائى لزاويته ولم يخرج منها بعد، إلى أن أخرجه الرشيد أخ المترجم لتلمسان قهرا حسبما أفاده الضعيف. وفى العام نفسه نهض المترجم من تافلالت وسار إلى أن نزل قرب تلمسان وذلك لما بلغه استيلاء أخيه الرشيد على تلك الناحية وما والاها، ثم زحف إليهم مع خديمه القائد أحمد أعراص، ولما التقى الجمعان كانت النصرة للمترجم على أهل سمسان فهدم قصبتهم، وفر أخوه الرشيد لحوز بنى يزناسن قرب دار ابن مشعل، ورجع المترجم لبلده ثم اتصل به أن أخاه المذكور كثرت عليه الجموع. وأن أمره فيهم نافذ ومسموع، فزحف إليه ثانية والتقى الجمعان بقرب سيدي بوهدبة فأضرمت بينهما نيران الحرب التي لم تنطفئ إلا بموت المترجم رحمه الله. تنبيه وإيقاظ: اعلم أولا أن حكم الخلافة والإمامة [وهى أى الإمامة خلافة الرسول في إقامة الدين وحفظ حوز الملة] هو الوجوب بدليل السمع بقول الله تبارك وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ... (59)} [سورة النساء 59] أمر سبحانه في هذه الآية -والأمر للوجوب- بطاعة أولى الأمر منا، وهم المتأمرون علينا ولا يجب ذلك للأمة على الله تبارك وتعالى عقلا ولا بالعقل مع السمع خلافا لمن زعم ذلك من أهل الابتداع، كما أن القول بجواز ذلك فقط ساقط لما ذكرناه من دليل الوجوب، ثم هذا الوجوب هو كفائى فقط لأنه إذا قام به من هو أهل له سقط عمن عداه من الأمة، وإلا وقع في الحرج

فريقان من الناس، أحدهما أهل الاختيار والحل والعقد حتى يختاروا للناس إماما، الثانى أهل الإمامة حتى ينتصب أحدهم. وشروط الفريق الأول العدالة المانعة من تعمد خلاف ما يجب، والعلم الموصل لمن يصلح للانتخاب، وسداد الرأى المؤدى لاختيار من هو أهل، فإن وجدت هذه الشروط فلا يرجح فيها أهل بلد الإمام الذى كان قبل إلا من جهة كونهم أسبق علما بموت الأمير قبل، ومن جهة كون الغالب أن من يصلح للإمامة يوجد بين أظهرهم. وشروط الفريق الثانى الاجتهاد العلمى أصلا وفرعا، والشجاعة وسداد الرأى، هذا مذهب الجمهور وغيرهم، لا يشترط هذه الثلاثة لأنها لا تكاد تجتمع في شخص، وإنما المتأكد أن يكون عدلا، فإن كان غير عدل لم يجز الإقدام على نصبه للإمامة اختيارا، فإن وقع ونزل فظاهر النصوص أنها تفوت بعقدها ولا تنقض لما في النقض من المفاسد، وإذا كان هذا فيمن انعقدت ولايته مع فسقه فكيف بمن طرأ فسقه بعدها. وأما إذا كانت ولاية من ولي بالتغلب وعظم الشوكة فإنه لا تجوز منازعته ارتكابا لأخف الضررين، ولا يشترط فيه حينئذ شرط، على ذلك حمل ابن العربى حديث وأن لا تنازع الأمر أهله قائلا: المراد بأهله من ملكه لا من استحقه، لأن وجود الأمر فيمن يملكه أكثر منه فيمن يستحقه والطاعة واجبة في الجميع ما لم يأمر بمعصية، وإلا فلا طاعة له. ومن شروط الإمامة: أن يكون عاقلا ليصلح للتصرفات، بالغا لقصور عقل غيره، ذكرًا لكون النساء ناقصات العقل والدين، حرا لئلا تشغله خدمة السيد ولئلا يحتقر فيعصى، وزاد أهل السنة ومن وافقهم من المعتزلة أن يكون قرشيا لحديث الأئمة من قريش، ولرجوع الأنصار له واتفاق الصحابة على العمل به يوم السقيفة

لما احتج به عليهم أبو بكر، وبذلك صار إجماعا قاطعا ولا حجة للمخالف في حديث السمع والطاعة ولو للعبد الحبشى لتعين تأويله إما بحمله على أن المأمور بالسمع والطاعة له فيه إنما هو نائب عن الإمام في بعض الجهات، أو في بعض الأمور، وإما بحمله على المبالغة والفرض والتقدير دون الوقوع، وإما بحمله على حالة التغلب بالقوة وعظم الشوكة لما تقدم من أنه في تلك الحالة تسقط الشروط. أما في غير ذلك فالأمة مجمعة على عدم جواز نصب العبد إماما اختياريا، ولابد من اعتبار شرطين آخرين نبه عليهما الماوردى وغيره، وهما أن يكون سميعا بصيرا، وأن يكون سليم الأعضاء بحيث يتأتى له قوة الحركة وسرعة النهوض، ولا يشترط مع ذلك أن يكون هاشميا خلافا للشيعة، ولا كونه عالما بالفعل بسائر مسائل الدين أصلا وفرعا خلافا للإمامية، ولا ظهور الكرامة على يده خلافا للغلاة، ولا كونه معصوما خلافا للإسماعيلية والإمامية، ودليل عدم اشتراط هذه الأربعة ما تقدم من الإجماع القطعى على بيعة أبى بكر مع كون هذه الشروط ليست ثابتة فيه. ثم اعلم ثانيا أن الإمام المنصوب، إن تمشت إمامته على المطلوب فيها من حفظ المصالح الدينية والدنيوية فلا إشكال أن طاعته تستمر، وإن خالف ذلك وظهر الخلل فإن كان مع بقاء انتظام أحوال المسلمين، وعدم انتكاس أمور الدين، وإنما الخلل الظاهر منه في غير ذلك، فهذا يجب الصبر على ما ظهر منه ولا يجوز خلعه عند جمهور أهل السنة ما لم يفض تهوره إلى ترك إقامة الصلاة وتغيير الشرع والارتداد عن الملة، وإلا فالإجماع كما في الإكمال لعياض على قتاله ومحله إذا تخيلت الأمة النصرة عليه، فإن تحققت عدمها سقط عنها وجوب قتاله ووجب عليها الهجرة من بلاده.

وأما إن كان اختلاله راجعا إلى اختلال أحوال المسلمين، وانتكاس أمور الدين، فإن ذلك يسوغ للأمة خلعه لأنه كما كان لهم نصبه لانتظام ذلك وإعلائه كذلك يكون لهم خلعه إذا ظهر منه ضد ما نصب له، نعم إن أدى خلعه إلى الفتنة فإنه يجب والحالة هذه درء أعظم المفسدتين، ثم في الحالة التي قلنا إنه يجب الصبر ولا يجور الخروج عليه إن فرضنا أنه وقع ونزل وقام عليه من هو موصوف بالعدالة وجبت نصرة العدل، حتى يظهر دين الله، هذه زبدة ما طول به أئمتنا في هذا الموضوع. إذا تمهد ذلك فاعلم أن صاحب الترجمة لما رأى ظهور العجز والهرم في الدولة السعدية وعدم انتظام الأمور وكثرة وقوع الخلل في أحوال الرعية والترامى على الخلافة ممن ليس من أهل منصبها ولا ينتظم به أمرها، وقويت أطماع المجاورين للإِيالة المغربية من الأوربيين، وكثر الهرج والمرج، وفسدت السابلة وعدم الأمن فيها، وتعذر على السعديين رتق ما انفتق (¬1) بقيام عبد الكريم بن أبى بكر الشبائى المعروف بكروم الحاج، وأبى عبد الله محمد بن أحمد المالكى الزياتى الشهير بالعياشى صاحب المواقف الشهيرة في الإسلام المتوفى شهيدًا بعين القصب من بلاد الخلط تاسع عشر المحرم عام إحدى وخمسين وألف، والدلائيين برابرة مجاط وبودميعة المذكور آنفا، وصنوه أبى حسون كما ذلك مبسوط في غير ما ديوان مطبوع. وقد أومأنا فيما مر لشذرات من ذلك على سبيل الإيجار وكان من قاتل تحت راية عمية (¬2) يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل، فقتلة ¬

_ (¬1) في المطبوع: "انتفق" والفتق: الخلاف بين الجماعة وتصدع الكلمة. (¬2) في هامش المطبوع: "بالكسر والضم مشددتى الميم والياء من العمى الضلالة كالقتال في العصبية والأهواء".

جاهلية كما ورد عن المعصوم عليه صلوات الله وسلامه فيما أخرجه مسلم والنسائى عن أبى هريرة. وأنس المترجم من نفسه الكفاءة للقيام بأعباء الخلافة وحسم مادة الشقاق وتنازع المسلمين بقمع البغاة المعتدين كما آنسه الناس فيه لما تقدم ومن وصفهم له مع ما جمعه الله فيه من شرف المحتد وأصالة الرأى وكرم النفس زيادة على ما سبق لسلفه، من الجلوس على عرش الملك، كما أحكمه التاريخ من أن جده الأعلى الأخص بفرعه النفس الزكية، كان ممن تربع ذلك العرش بالاستحقاق، ثم عرضت الخلافة على جده الأوسط المولى على الشريف من أهل الحل والعقد فامتنع من قبولها، وبهذه الصفة الشرعية انتصب المترجم لإحياء ذلك الموات، وطالب ملك أبيه لا يرمى بالافتيات، ولا سيما بعد تحققه وتحقق أهل بلاده السابقين لمبايعته أنه الكفء الفذ لذلك المنصب السامى، غير أنه حيث كان الموجب الأولى لانتصابه هو ظهور الاختلال وانتشار الغاصبين للمنصب في أركان الإِيالة وزواياها، لم يجد بدا من تقديم الأهم الذى هو جمع الكلمة والسعى حول محو التشويش والإفساد، فلذلك انصرفت أيام ولايته وإن طالت كلها في تمهيد هذا المقصد فأنفق فيه مبلغ جهده، وإن عاقته الأقدار عن الوصول فيه لحده، ولعله لذلك لما رأى معززه في مقصده أخوه المولى الرشيد أن أخاه لم يبلغ من هذا المقصد النفيس الذى انتصب ونصب له ما يريد ويراد منه تصدى أواخر دولة أخيه في أطراف البلاد لجمع الكلمة، فكان من عادته فتقدم تمهيده في ولاية أخيه. والمولى الرشيد وإن قصرت مدته لم ينتقل لدار الكرامة حتى جمع الكلمة في جميع أقطار المغرب، فكان أخوه المترجم هو المؤسس والمقتحم لتسوية عقبات الانتظام، وصنوه الرشيد هو الذى أكمل الله على يده للأمة أمر تسوية مصالح دينها ودنياها بعد أن فاز أولهما وهو المترجم برتبة الشهادة حيث قتل في حالة الدفاع عن الإمامة المنعقدة له.

177 - محمد المدعو الكبير أبو عبد الله بن السلطان الأعظم أبى النصر إسماعيل. المعروف بولد عريبة.

وفاته: توفى رحمه الله شهيدا يوم الجمعة الثامن وقيل التاسع من المحرم سمنة خمس وسبعين وألف برصاصة أصابته كان فيها حتفه رحمه الله، ودفن بدار ابن مشعل، وقيل حمل لتافيلالت ودفن بها قرب قبر والده وقد رمز لوفاته صاحب الدر السني بقوله: وإن الشريف بن الشريف محمدا ... (لشهم) الملوك الضاربين بأنصل ولما وقف أخوه الرشيد على جثته ضمها إليه وأخذ يبكى ويقول: ما قتلك إلا السراح. وهو رحمه الله أكبر بنى أبيه. 177 - محمد المدعو الكبير أبو عبد الله بن السلطان الأعظم أبى النصر إسماعيل. المعروف بولد عريبة. أُمه عربية من الشاوية، وإليها ينسب وبها يعرف. حاله: جواد كريم عقيم التدبير شديد البطش والانتقام، غير متوقف في قتل الأنفس، ولا متأن ولا متثبت في الأمور، ولا متأمل في العواقب. اتفق سالم الدكالى ولفيف من شيعته عبيد البخارى ومن انضم إليه من أهل فاس ونواحيه على خلع السلطان عبد الله ومبايعة صنوه صاحب الترجمة في عاشر جمادى الثانية، على ما في تاريخ الضعيف، والذى صححه صاحب الدر المنتخب أنها جمادى الأولى لا الثانية من عام تسعة وأربعين ومائة وألف، وهو يومئذ بمقره بسجلماسة، ولما اتصل به ذلك الخبر وكان اعتقاده أن سالما المذكور مجمع رأى العبيد المرجوع إليه في مهماتهم نافذ الكلمة فيهم مطاع الأوامر، خرج من تافيلالت يطوى المراحل ويواصل المسير إلى أن وصل لصفرو، ولما حل به ورأى أن بيعة الولى عبد الله لا زالت بأعناق الناس، صار يقرع سن الندم أخماسا في أسداس، ثم بدا له الدخول لفاس مختفيا، فقصد دار معتقده أبى زيد عبد الرحمن الشامى الذى كان يعده ويمنيه بالملك على طريق الكشف.

ثم في يوم الثلاثاء ثامن عشرى جمادى المذكورة أتاه أهل فاس لدار الشامى المذكور وفى طليعتهم أبو الخير قاسم بن رحمون المعتقد المشهور وبايعوه سرا، ومن الغد الذى هو يوم الأربعاء أعلنوا ببيعته وحضر لكتابتها أهل الحل والعقد من علماء وأشراف وأعيان، وبعد كتبها ووقوع الإشهاد على الخاصة والعامة بقبولها ورضاهم بها، علقت بالضريح الإدريسى، وأعلن نصره في الأسواق والأزقة العمومية، ثم ركب فرسه وخرج لزيارة صلحاء البلد فبدأ بضريح أبى العلاء إدريس، ثم خرج على باب الفتوح وزار ما هنالك من الأضرحة، ثم توجه للأضرحة التي بخارج باب عجيسة، ثم رجع ونزل بدار بوعلى الكائنة بحومة المعادى من فاس القرويين، وصار الناس يأتون لتقديم مرام التهانى إليه زرافات ووحدانا. ثم أمر بحيازة جميع ما بدار القاضى أبى الحسن على بو عنان حيث إنه امتنع من الموافقة على بيعته، لأنه لَمْ يَرَ وجهًا لخلع السلطان عبد الله، واحتمى بالضريح الإدريسى، وصمم على عدم التمادى على القضاء بين الناس بعد أن طلبه المترجم بذلك، ونصب للقضاء بدلا عنه ابن إبراهيم بإكراه، ونكّل بكل من تخلف عن بيعته كالعلامة أبى عبد الله محمد البكرى الدلائى، وأبى عيسى المهدى الفاسى، وأبى مدين بن أحمد الفاسى، وأبى العباس أحمد بوعنان. عزل الأول عن الإمامة بالضريح الإدريسى وسجنه وألزمه غرامة مالية وولى مكانه أبا عبد الله محمد بن على بن إبراهيم، والثانى عن الإمامة بمدرسة الطالعة، وولى مكانه أبا الفخر التاودى ابن سودة. والثالث عزله عن إمامة جامع الأندلس وولى مكانه السيد بوعزة بن إدريس المشاط، والرابع عن إمامة جامع باب عجيسة وجعل بدلا عنه أبا عبد الله محمد السلوى، وضيق غاية التضييق على شيعة أخيه السلطان عبد الله بوشاية من شياطين العبيد.

ولما تم له الأمر بفاس وما والاها، كتب أهل فاس لعبيد مشرع الرملة يطلبون منهم الموافقة والدخول معهم فيما دخلوا فيه، فاجتمع أشياع سالم الدكالى وأجمعوا أمرهم على المبايعة للمترجم، ولم يكن لغيرهم بُدّ من اتباعهم فبايعوه ووجهوا إليه بيعتهم مع أعيانهم لفاس، ولما وردت عليه طلع من فاس القديمة إلى المدينة البيضاء فاس الجديد في موكب يسر الناظرين تحفه الودايا. ثم اقتفى أثر عبيد مشرع الرملة في مبايعة المترجم من كان بالعاصمة المكناسية منهم وسائر أهل مكناسة ومن في حكمهم. ولما رأى ذلك صنوه السلطان عبد الله جمع ما كان بدار الملك من مال ومتمول، وبارح العاصمة، وصحب في معيته ولده أبا عبد الله محمد وأمه وسائر حرمه، وأطلق من كان بالسجون من أهل الجرائم وغيرهم وكساهم، وسار إلى الحاجب وقيل إلى جبال فازار، فانضمت إليه برابر تلك الناحية وصارت تغير على سرح مكناسة وسايس وما والاهما. وفى الخميس الموفى عشرين من جمادى الثانية المذكورة بارح المترجم فاسا في جيوش وافرة منتظمة من العبيد والودايا وأهل فاس، وبات بوادى النجا، ومن الغد الذى هو يوم الجمعة دخل مكناسة الزيتون عاصمة والده وإخوته ومن قبله، ولما استقر به النوى عزل أبا العز الطالب بوعنان عن قضاء مكناسة، وولى مكانه العلامة أبا القاسم العميرى، ثم عزله وولى أبا عبد الله محمد البيجرى، ثم عزله وولى العلامة الشيخ عبد الوهاب بن الشيخ. وفى اليوم الخامس من حلول المترجم مكناسة أتى إليها صنوه السلطان أبو محمد بن عبد الله بمجموع البربر الذين آووه وعززوه ونصروه لَيْلًا ونهبوا جميع أحوازها وباتوا بظاهرها، ولما بزغ حاجب الشمس وفتح باب الأروى اقتحموها، وأخذوا ما قدروا عليه من خيل وسلاح وهدوا وأفسدوا وانقلبوا راجعين من حيث أتوا.

ولما علم المترجم وجنده بذلك اقتفوا أثرهم إلى أن أدركوهم ووقعت بين الفريقين ملحمة عظيمة، غير أنه لم يكن لفريق ظهور على الفريق الآخر، ورجع جند المترجم لمكناس، وسار المولى عبد الله بمن معه إلى أن وصل الحاجب، وفرق ما أخذ من مكناس في البرابر أنصاره. ثم أتى ابن النوينى قائد عبيد مشرع الرملة من مشرع الرملة في شرذمة من إخوانه يريد أخذ الثأر من المولى عبد الله وأحزابه، ونزل بعين الكرمة حيث محطة السكة الحديدية الآن بمقربة من زرهون، ولما خيم هنالك أتى إليه المولى عبد الله في جموعه وشبت نيران الحرب بينهما سبعة أيام، مات فيها قائد العبيد المذكور، ورجع المولى عبد الله لمخيمه بالحاجب، ورشح المترجم على عبيد مشرع الرملة القائد الحوات، وكانت بينه وبين السلطان عبد الله حروب طاحنة كان الظفر فيها للعبيد كما في نشر المثانى. واقتفى عبيد مكناس أشياع المترجم المولى عبد الله إلى أن بلغوا عين اللوح فصادفوا أمطارا غزيرة وبردا قارصا ورياحا عاصفة اضطرتهم إلى الرجوع دون نيل مرامهم، وقبض المترجم على عدد من الناس وفرض عليهم الأموال الطائلة، ونهب الدور ولم يترك زرعا ولا ضرعا ولا درهما ولا دينارا. وكانت هذه السنة سنة شهباء، حصت كل شئ، مات فيها عدد عديد من الآدمى والدواب جوعا، وفى رابع وعشرى أقيمت صلاة الاستسقاء ببوعجول، وكان الخطيب السيد حمدون الشريف الطاهرى نائبا عن القاضى السيد يعيش. وفى الثامن والعشرين من ذي القعدة أعيدت صلاة الاستقساء بباب الفتوح، وكان الخطيب أبا العباس أحمد الورزازى. ثم أعيدت الصلاة بباب عجيسة والخطيب السيد حمدون الشريف الطاهرى المذكور.

وأعيدت الصلاة أيضًا من الغد بباب الفتوح والخطيب حمدون المذكور. وفى اليوم الموفى ثلاثين من الشهر أعيدت الصلاة بباب الفتوح والخطيب حمدون المذكور. وفى مهل ذى الحجة أعيدت الصلاة والخطيب أبو العباس الورزازى. ومن الغد أعيدت الصلاة بوادى الزيتون والخطيب أبو مدين بن أحمد الفاسى. ومن الغد أعيدت أيضًا بباب عجيسة والخطيب أبو العباس الورزازى. وفيه أيضًا أعيدت بمصلى باب الفتوح والخطيب الورزازى، ومع هذا كله لم ينزل مطر واختل النظام وشاع الفساد وكثر عيث البرابر في السبل وقل الإِدام وفقد اللحم وبلغ القمح نحو ثمان موزونات للصاع وضاق الناس ذرعا. وفى ذى الحجة منصرم العام طلب العبيد من المترجم راتبهم الشهرى، ولما لم يجد ما يقطع به لسانهم عنه وخاف صولتهم مد يد النهب والسلب في أمتعة الرعية، وصار يخرج زروع أهل مكناسة من الدور والمخازن، وكل من اتهم بكون الزرع عنده يشدد عليه حتى يأتي بما عنده، وكل من أتى من البادية بشئ من الزرع ينزع من يده قهرا. ولم يكتف بهذا، بل وجه أخاه لفاس وأمره بأخذ أموال الأشراف جبرا، ومن امتنع منهم يلزم بالخروج للحركة ويسلك مسلك العامة، ونهب دار الشريف أبى حفص عمر الأمراني بالأقواس، وقيل: إن المترجم توجه بنفسه لفاس بقصد ما ذكر، وألقى القبض على الحاج بوجيدة برادة، وكان ذا مال وأخذ أمواله ثم نقله إلى مكناسة وقتله بها وباع سائر أصوله.

وألقى القبض أيضًا على الحاج عبد الخالق عديل، وأخذ جميع أمواله، وأخذ جميع أموال الزوايا ولم يترك بها قليلا ولا كثيرا. ثم رجع لمكناسة وفعل بأهلها ما فعل بأهل فاس، حتى عدمت الفلوس وتعذر البيع والابتياع. وفى التاسع عشر من ذى الحجة المذكور كان قتال بسايس بين أتباع المترجم وصنوه السلطان عبد الله، وكان الذى يرأس جيش المترجم القائد العباس بورمانة، واشتد القتال وكثر الطعان، ودام ذلك نحو أربع ساعات، ثم انجلى عن هزيمة بورمانة وحزبه وتركهم أشلاء موتاهم مبعثرة على الهضاب والرُّبَى، واستيلاء شيعة السلطان عبد الله على الأثقال والمقومات، ولولا حيلولة الظلام بين الفريقين لاستأصل السيف بورمانة ومن انضم إليه، ولكن لما أرخى الظلام ستوره نجت البقية الباقية بنفسها حافية عارية، وقصد فريق منها ناحية فاس وفريق يمم العاصمة المكناسية إذ قد كان المترجم يومئذ بها. ولم تزل نيران الفتن في توقد واشتعال. وأحوال الرعية في اختلال، وضعف وانحلال، وعم جميع المغرب الغلاء، وعظم البلاء، وأكل القوى الضعيف، وانتكس المشروف والشريف، وصارت أموال الناس غنيمة باردة للصوص والبغاة، وفشت المناكر، وتعذر الأمن في السابلة، وارتفعت الأسعار في سائر الأمصار. ولا سيما في عاصمتى مكناس وفاس، وزادتا على غيرهما بالمضايقة والحصار. واستولى على مكناسة الخراب والدمار، وتوالت الهزائم على عساكرها وضعف الجند وكثرت الثوار، منهم الباشا الحوات ثار واستولى على عبيد مشرع الرملة وبنى مالك والطليق وما والى ذلك من القبائل وثار الباشا أحمد الريفى واستولى على الفحص وبلاد غمارة وما والاهما من العمائر والقرى والثغور

كالقصر الكبير وطنجة وسائر القبائل الريفية وكارت وجبالها وقلوعها إلى ناحية اكرسيف وما حول ذلك. واستولى القائد الكلعى على بنى يازغة وما حولها. واستولى السلطان عبد الله على مراكش والسوس والصحراء. واستولى القائد الكعيدى على بنى يازغة، واشتعلت نيران الفتن في البلاد. وعم الفساد حاضرها والباد. وفى فاتح صفر عام خمسين ومائة وألف نهض صاحب الترجمة في عساكره ونزل بدار ابن خولة، وأفسد ونهب وأهلك الزرع والضرع. وفى ثامن الشهر نزل على صفرو. وفى العاشر منه أوقع بأهل زدغة وحكم فيهم السيف وقطع الرءوس ووجه بها للعاصمة المكناسية لتعلق على الجدران والأبراج. وفى سادس عشرى الشهر خيمت عساكره بجبل آيت عياش من جبال البربر، ووقعت هنالك مقتلة عظيمة بين المترجم وصنوه السلطان عبد الله كانت الكرة فيها على صاحب الترجمة، ورجع على أعقابه منهزما إلى العاصمة المكناسية. وفى فاتح ربيع الأول فرت زرارة والشبانات وأولاد جرار لناحية بلادهم، ونهبوا وسلبوا كل من وجدوه في طريقهم. وفى خامس جمادى الأولى هربت المغافرة والودايا من محالهم بسايس وما والاها، ومدّوا يد العداء في كل من لاقوه في طريقهم. وفى الشهر نفسه ألقى العبيد القبض على صنو المترجم المولى المهتدي برباط الفتح، حيث شموا منه رائحة التشوف للوثوب على الملك، وأتوا به للمترجم

لعاصمة ملكه مكناس، فاعتقله ولم يزل في اعتقاله إلى أن خلع المترجم وبويع للمستضئ فيما يأتى. وفيه أيضًا وجه المترجم ولده عبد الكريم أميرًا على الرباط، فأقام على إمرته ستة وعشرين يوما، ثم عزله الحوات فانقلب راجعا لمكناس. وفى رجب بلغ ثمن الوسق من الزرع ثمانين مثقالا، والشعير والذرة ما يقرب من ذلك، وبلغت الزيت خمسة وعشرين مثقالا للقنطار، ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، بل بلغ القمح مائة مثقال، واستولى البخس على سائر الأشياء ما عدا ما يقتات به، وتفاحش الوباء حتى عجز الناس عن دفن موتاهم فلا يمر المار بزقاق من الأزقة إلا على صرعى الجثث، وبقيت الديار بلاقع لم يوجد من يعمرها. وفى ذى الحجة الحرام أغاث الله بالمطر العباد، وسكنت روعة البلاد، فرخصت الأسعار إلى أن بلغ وسق الزرع ثلاثين أوقية بعد أن كان يساوى مائة مثقال. وفى صفر العام نهض الباشا الحوات من الرمل وزحف لبنى حسن في جنود لا قبل لهم بها، فأوقع بهم وقعة شنعاء لما كان عليه من العتو والتمرد والعيث في الطرقات. وفى صبيحة يوم الأربعاء تاسع وعشرى صفر المذكور أعلن الحوات بخلع صاحب الترجمة، وألقى القبض عليه وأوثقه بالحديد واعتقله بالقصبة من العاصمة المكناسية، وبويع لصنوه المستضئ بنور الله كما سنفصله في ترجمته بعد بحول الله، ولم يزل المترجم في عقاله إلى أن سرحه صنوه المستضئ المذكور ثالث ربيع الأول من العام، ووجه به مع أولاده إلى بلاده تافيلالت، ولما وصل القصابى أقام بها مدة، ثم نهض لتافيلالت، وكان ذلك آخر العهد به.

178 - محمد بن عبد الله بن إسماعيل المالكى

وكانت دولته عاما وسبعة أشهر وعشرين يوما كلها كسنى يوسف، تجرعت الأمة المغربية فيها من الغصص والمحن والبلايا كئوسا دهاقا، وكان مضروبا على يده ليس له من السلطنة إلا الاسم، وولاة أمره من العبيد الذين قوضوا أركان الدولة هم المستبدون بالأبرام والنقض والتصرف المطلق. 178 - محمد بن عبد الله بن إسماعيل المالكى مذهبا الحنبلى اعتقادا حسبما وصف بذلك نفسه في مؤلفاته -وسيأتي بيان معناه- أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين سلاطين المغرب الأقصى. مولده وشيوخه وحجته: كانت ولادته بعاصمة جده أبى الأملاك مكناسة الزيتون سنة أربع وثلاثين ومائة وألف. وأمه كما قال الضعيف حرة. ومن شيوخه أبو محمد عبد الله بن إدريس المنجرة والشرادى وحج قبل البلوغ مع جدته السيد خناثة المغفرية سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف. صفته وحاله: قال عصريه الضعيف: "أسمر اللون، تام القد، أقنى الأنف للتمام، شعر لحيته عريض، واسع المنكبين، شثن الكفين، سميح الوجه، كريم اللقى، شديد الصفح، حسن العفو، فصيحا بليغا، أديبا حليما، متواضعا شفيقا، كريما جوادا، عالما بالفقه والسنة والحلال والحرام وفصل الأحكام" اهـ لفظه. وقال نجله أبو محمد عبد السلام في كتابه "اقتطاف الأزهار، من حدائق الأفكار": وهو -يعنى والده المترجم- في العلم لا يقعقع له بسنان ولا يجارى في ذلك بعنان. ¬

_ 178 - من مصادر ترجمته: تذكرة المحسنين في الموسوعة 7/ 2443.

[صورة] خط السلطان سيدى محمد بن عبد الله وقد أكلت الأرضه (له) من (كان الله له)

[صورة]

وقال صاحب نشر المثانى في حقه: "وهو نصره الله وأيده في العلم بحر لا يجارى. وفى التحقيق والمعارف لا يمارى. وقد جمع من دراية العلم ما تقف العلماء دونه، وتود زواهر الأفق أن تكونه، فكملت بذلك منة الله على العباد، وأحيا به الله الدين في كل الأرض والبلاد، مع فرط الكرم والجود، الذى ورثه من أصله الطاهر عن آبائه والجدود" وقال: "فهو أدام الله نصره سلطان العلماء وعالم السلاطين" هـ. وقال الزيانى: "عالى الهمة يحب الفخر ويركب سنامه يعطى عطاء من لا يخشى الفقر، يضع المسائل في محلها، ويعرف مناصب الرجال ويؤدى حقوقهم، ويتجاور عن هفواتهم، ويراعى لأهل السوابق سوابقهم، ويتفقد أحوال خدامه في الصحة والمرض، ولا يغفل عمن عرفه قبل الملك، متواضع شاكر لنعم الله عليه، كلما ورد عليه فتح أو خبر يسر المسلمين سجد شكرا لله في وسط مشورة، إمام الخاصة والعامة، ينتخب الرجال ويعدهم ليوم ما، وينادى كل واحد باسمه وقت اللقاء، ويوجه كل بطل منهم مع قبيلة وكتيبة من كتائب العسكر، ويعمل بعمل أهل السياسة في الحروب، وكان ينشد كثيرا إذا وجه أحدًا ممن يعرف نجدته وشجاعته: والناس ألف منهم كواحد ... وواحد كالألف إن أمر عنا" وقال في حقه أبو محمد عبد السلام بن الخياط القادرى ما نصه: "الإمام الموهوب لهذه الأمة على رأس المائة مجددًا لها دينها كما ورد ذلك مرفوعا". وقال: "كان إماما من علماء الإسلام، له تصانيف تقرأ بالمشرق والمغرب". وقال: "وبالجملة فقد نظر في المصالح وقام بها قياما لم يقم به أحد من أهل عصره من ملوك الإسلام، ولم يسبق إليه غيره غير الخلفاء الراشدين".

وفى الجيش وغيره أنه كان يتخلق كثيرًا بأخلاق المنصور الذهبى السعدى ويعجبه حاله وأخباره، يتحلى بسيرته ويستحسنها ويتتبعها أكلا ولباسا، وترتيب دولة وضبط أوقات، فكانت أوقاته لا تتخلف ولا تتداخل أشغالها، وعوائده مقررة لا تختلف، تأسى به في مشوره وسائر حركاته وسكناته، ويصرح بأنه أستاذه وقدوته في شأنه كله هـ. وقال الزيانى في الترجمان المعرب لما ذكر خروجه لزيارة صلحاء أغمات في فصل الربيع: وكانت حركة نزهة وراحة وصيد أقام بها نحو الشهرين يتقلب في تلك البسائط، وينزل في منازل المنصور رحمه الله، ويقول: هذه منازل المنصور فهو أستاذنا ومقتدانا". ثم ذكر أنه لما نزل تحت أغمات أتاه قاضيه بكبش وعسل، فوجهه لقاضى العسكر عبد الرحمن بن الكامل وأمره أن ينزل عند القاضي بكبشه وعسله، ولما ارتحل ونزل على وادى نفيس وجه لقاضى العسكر وللكتاب، وكان معه جملة وافرة من أهل الأدب والبلاغة والإنشاء فلما أتوه قال للقاضى عبد الرحمن يداعبه: بم جزيت القاضى على كبشه وعسله؟ فتعلثم وخجل فلما رأى منه ذلك قال له: لو جزيته بأبيات شعرية لخرجت من العهدة ولهذا وجهت لكم فقد سهرت ليلتى في أمري وأمركم، وهجوت نفسى وهجوتكم، لأنه لم يبق في وقتنا هذا أمير ولا وزير ولا كاتب ولا حاجب، فقد وقع مثل هذا في دولة السلطان أحمد المنصور في زيارة أغمات على كبش وعسل، وأمر الكاتب محمد بن المبارك بسرد ما وقع للمنصور من مناهل الصفا للفشتالى وما تنافس فيه الكتاب من النظم والنثر. وفى الاستقصا: أنه هو الذى جدد هذه الدولة الإسماعيلية بعد تلاشيها. وأحياها بعد خمود جمرتها وتمزق حواشيها، بحسن سيرته، ويمن نقيبته، رحمه الله تعالى ورضى عنه".

خلافته بمراكش

وفى سلوة الأنفاس: أنه كان علامة دراكة فاضلا، محدثا تاريخيا كاملا، محبا للعلماء، مجالسا للفقهاء، إلى أن قال: وكان من أعظم الملوك مهابة وفخرا، وأشدهم نكاية للعدو الكافر برا وبحرا، تطيعه ملوك بنى الأصفر، وتمتثل أمره وتخضع له رقاب الأكاسرة وتجل ذكره. وهو الذى أعاد للدولة شبابها، وهيا للحياة أسبابها، ونهج لها نهجا جديدا وأسس لها بعد جده الأعظم أبى النصر إسماعيل ركنا شديدا، ونشر بين الخافقين مجدها، بعد ما كسر من شوكة العبيد حدها. خلافته بمراكش: واستخلفه أبوه بمراكش سنة 1159 وهو ابن خمس وعشرين سنة، فنزل قصبتها وليس بها يومئذ إلا آثار السعديين والموحدين الخراب، فضرب خيامه بها وشرع في حفر أساس داره بها، وكان سفهاء الرحامنة وشرارهم قد ألفوا العيث والفساد في أطراف المدينة، وكانوا يجتمعون بتلك القصبة. فلما رأوا منه ذلك منعوه من البناء وأخرجوه عنها، فتوجه لآسفى، فاعترضته قبائل عبدة وأحمر وأكرموه واحتلفوا بأمره، وصحبوه إلى أن نزل قصبة آسفى ففرح به أهلها، ورفعوا إليه هداياهم، وأهدى له كذلك تجار النصارى، وأهل الذمة من اليهود وتنافسوا في ذلك. وسرح للتجار وسق السلع من المرسى فوفدت إليه المراكب بأنواع سلعها من أوربا، وقصدها التجار من كل جهة، وطار صيت الخليفة في بلاد الحوز، ودخل في طاعته الشياظمة وحاحة وتسابقوا إلى خدمته، فلم تمض عليه ستة أشهر حتى كان يركب في نحو الألف. وقدم عليه أخوه الأكبر المولى أحمد خليفة الرباط لما أخرجه أهلها منها، فنزل على أخيه المترجم، ولما سمع الرحامنة بما صار إليه أمر الخليفة ندموا على ما

فرط منهم، وتوجه أعيانهم بالهدايا إليه بآسفى فاعتذروا إليه، وتنصلوا ونسبوا ما صدر منهم في حقه إلى السفهاء، وأقسموا ألا يبرحوا أبوابه إلا معه ولو أقاموا سنة، فلم تسعه إلا إجابتهم فتوجه معهم لمراكش في فرسان عبدة وأحمر زيادة على أصحابه وحاشيته، فلما وصلها نزل قصبتها، وقدم له أهل مراكش هداياهم، وكذا قبائل الحوز ووفود الدير وسوس، ونافست الرحامنة عبدة في خدمته. وقصده عبيد دكالة الذين كانوا بسلا، وتسلل إليه عبيد مكناسة فرادى وأزواجا، فاستعملهم في بناء داره الكبرى بالقصبة إلى أن أكملها وسكنها، وشرع في غيرها. وفى سنة 1162 بايعه عبيد مكناسة وخطبوا به بمكناسة وزرهون، وبعثوا له إلى مراكش مع جماعة من أعيانهم، فرد بيعتهم وعاتبهم على ما ارتكبوه في حق والده إذ كان بارًّا به ساعيا في مرضاته، وبعث إليه بهدية تقدر بثلاثين ألف مثقال. ورجع وفد العبيد خائبا، ومع ذلك استمروا على الخطبة به. وفى أواخر جمادى الأولى من سنة 1163 توجه المترجم الخليفة من مراكش إلى مكناس، فوجد العبيد لا يزالون يخطبون به فعاتبهم وأنكر صنيعهم وتبرأ منهم، فتركوا الخطبة وجددوا البيعة لوالده، ولما تم له ما أراد من مراجعتهم طاعة أبيه ارتحل من مكناسة في جيشه الذى قدم به من مراكش، واستصحب جماعة من أعيان العبيد وقدم على والده بدار الدبيبغ فسلم وأهدى وتشفع للعبيد عنده فقبل شفاعته، وأمره ألا يبيت هناك، فامتثل أمره وتوجه لمراكش من حينه، وقد رتق ما انفتق. ثم إن العبيد عادوا لما كانوا عليه مع المولى عبد الله وقدموا على ابنه المترجم في ذى القعدة سنة 1164 لمراكش وراودوه على قبول بيعتهم فلم يقبل، وطيب

بيعته، وبعض حوادث أيامه

نفوسهم بمنحة وكتب لهم كتابا لأبيه يستعطفه لهم، وانقلبوا من عنده مسرورين، فلما قدموا على أبيه سامحهم وأعطاهم وتم الصلح بينه وبينهم. وفى السنة وجه المترجم لأبيه بهدية فأثنى عليه ودعا له بخير. وفى سنة 1169 توجه لتمهيد سوس فدوخها وجبى أموالها، وولى عليها وقرر الحامية بتارودانت. وفى سنة 1170 توجه للقبض على الطالب صالح المستولى على آكدير، المستبد بمال مرساه، فقبض عليه وسجنه ورتب الحامية بآكادير، ورجع لمراكش منصورًا، فمكث فيه قليلا ثم خرج لإصلاح ما فسد من أمر قبائل الشاوية، فقتل. منهم ووجه المقبوضين بالسلاسل لمراكش. ثم توجه للرباط فأضافه أهلها وأهدوا له، وأغلق عبد الحق فنيش صاحب سلا أبواب المدينة في وجهه فقطع الوادى وتنكب سلا، وسار إلى القصر فتطوان وأشرف على سبتة، ثم ذهب لطنجة فالعرايش فسلا، حيث لقى من قائدها ثانيا ما لقى أولا ثم رجع لمراكش. بيعته، وبعض حوادث أيامه: ويعد وفاة والده رحمه الله بويع له البيعة العامة بفاس إثر الفراغ من دفن والده يوم الاثنين خامس عشرى صفر عام واحد وسبعين ومائة وألف باتفاق أهل الحل والعقد، وكان يومئذ ابن ثمان وثلاثين سنة، وإلى سنة ولايته وبيعته أشار القاضى أبو عبد الله الهوارى بقوله: وبايع أهل الغرب في عام واحد ... وسبعين مولانا الإمام محمدا

قال نجله المولى عبد السلام في كتابه درة السلوك. وريحانة العلماء والملوك: "وحضر بيعته جماعة من أعيان العلماء مثل قاضى الجماعة بمكناس السيد سعيد العميرى، وقاضى الجماعة بفاس السيد عبد القادر بو خريص، وشيخ الجماعة السيد محمد جسوس، والإمام المحقق صاحب المعقول والمنقول أبى حفص شيخنا سيدى عمر الفاسى، وابن عمه السيد أبى مدين الفاسى وهو الذى تولى كتابة البيعة بيده، وإمام مسجد الشرفاء الأستاذ مولاى عبد الرحمن المنجرة، وشيخنا العلامة السيد التاودى ابن سودة، وإمام المسجد الجامع الكبير بفاس الجديد السيد عبد الله السوسى، والإمام المحدث سيدى إدريس العراقى وغيرهم ممن لا يحصون كثرة" صح منه مباشرة وهو من ذخائر مكتبتنا. ومن الغد الذى هو يوم الثلاثاء خرج الوفد الفاسى متأبطا للبيعة المحمدية، ووجهته عاصمة الجنوب حيث المترجم ينتظم ذلك الوفد من أعيان الأشراف والعلماء ووجهاء أهل البلد ورءوس القبائل والأجناد، وصار إلى أن لحق بالمترجم بنواحى مراكش يؤم الناحية الغربية، فأكرم مثواه ونزله وغمره في بحار إنعاماته الضافية، وبعد انتهاء أيام الضيافة انقلب إلى وطنه مبتهجا. وبطيب الثناء لاهجا. وبويع له بمراكش بجامع الكتبيين. قال الضعيف: تحت شجرة أرنج بصحن المسجد بمحضر الأشراف والعلماء والأعيان وقواد الجند وأبطال القبائل، وبعد انتهاء البيعة تهافت الجميع على تقبيل راحتيه وتقديم مراسم التعزية في والده والتهنئة بالسلطنة، فقابل الجميع بصدر رحب، وواسى الضعفاء والمساكين، ووصل الأشراف والعلماء وبذل في ذلك أموالا طائلة. ثم صارت وفود القبائل الحوزية والديرية والسوسية تفد ببيعاتها على جلالته وتقدم الهدايا اللائقة بسدته، واقتفى أثرهم على ذلك أهل الثغور والجبال والقرى

والأمصار، ولم يتخلف أحد من أهل المغرب الأقصى عن تقديم الطاعة لجلالته ولا نازع فيها، وهو يستقبل كلا بما يليق بمقامه ويهش ويبش ويحسن ويتبرع. ولما فرغ من أمر الوفود نهض من مراكش أواخر ربيع المذكور، وفى أواخر ربيع الثانى حل برباط الفتح، فاستقبله أهل العدوتين بغاية الارتياح والانشراح، ووصل الشرفاء والعلماء وحملة القرآن والضعفاء، وزار القصبة فحيته مدافع أبراج العدوتين، وزار معمل صنع السفن، وركب سفينة قبل عومها وصار ينثر الدراهم من فوقها على المحدقين بها، وهم على اختلاف طبقاتهم يلتقطون ما ينثره عليهم. ثم بعد ذلك نهض إلى عاصمة جده المكناسية فدخل دار الملك وفرق الراتب على العبيد ووصل الأشراف والفقهاء والطلبة، ولما اتصل بأهل فاس خبر حلول جنابه بها توجه جم غفير منهم لاستقباله فيها، وذلك في سابع ربيع الثانى من العام، فقابلهم بكل اعتناء واعتبار، وأنزلهم منزلة التجلة والإكرام، وأقاموا في ضيافته أيام ثم وصلهم وأذن لهم في الأوبة. وفى سابع عشرى ربيع المذكور حل بالعاصمة الفاسية حلول إعزاز وإعظام، فخرج لاستقباله جميع طبقات أهل فاس، وكذا الودايا، وخيمت عساكره وجنوده بالصفصافة، ودخل هو لدار الإمارة وعزى إخوته وأخواته ووعدهم خيرًا، ثم رجع لمحلته فبات بها. ومن الغد توجه لدار دبيبغ محل سكنى والده الخاص، فأحصى متخلفه من أثاث وفرش وخيل وسروج وسلاح ومال. ولما أحاط علما بمقادير ذلك كله ترك الكل تحت يد من كان مكلفا به على عهد والده، وكان المكلف بالأموال الوصيف القائد علال بن مسعود وغيره مما ذكر على يد غيره والكل إلى نظر الحاجب القائد عبد الوهاب اليمورى، وكان أكثر ما خلف من المال ذهبا وإليك تفاصيل ذلك:

ألف سماط من الجلد الفيلالى تحمل على السروج بأقفالها في كل واحد ألفا دينار من سكة ضربه، أعدها للحمل على الخيل في السفر، فإذا نزل بالمحلة يدفعها المكلفون بها لمن يوصلها لخباء المترجم لتوضع فيه، وعلى هذا يستمر العمل في كل يوم ظعن وإقامة مدة السفر، ولا تسلم إلا لمن عينه السلطان من أهل الصدق والأمانة لديه. ومائة رحى من الذهب كقرص الشمع كل رحى فيها وزن أربعة آلاف دينار تكون على البغال أربعة في الشوارى مغطاة بالخنابل مضروب عليها بالحبال تسير أمامه، فإذا وصل محل الإقامة توضع بالقبة على نحو ما ذكرنا. وثلاثمائة ألف ريال إلا خمسة عشر ألفا، ونحو عشرين ألفا من الموزونات الرقيقة من ضربه، وهذا غير ما في بيوت الأموال من سائر العواصم المغربية. قلت: ولم يزل العمل جاريا في حمل عدد من البغال أموالا تسير مع الملك في سائر أسفاره يسمون ذلك بـ (الصائم) إلى أن ختمت أنفاس الدولة العزيزية، وذلك من الحزم والحذر والاستعداد لمفاجأة الطوارئ. ثم تفقد المترجم الأحوال، وأحصى بيوت الأموال، وأحسن لخدمة أبيه. ولما كان يوم الجمعة ملأت عساكره البسائط، وحضر جميع أهل البلد للصلاة معه فاختلط بهم، وأقبلوا يقبلون أثوابه ويتمسحون بها وهو يهش ويبش في وجوههم، ثم جلس مع العلماء وحادثهم وسأل عنهم واحدًا بعد واحد حتى عرف جميعهم، وبعد أداء فريضة الجمعة توجه في موكبه لزيارة ضريح والده المقدس، ووزع الصدقات على الفقراء والمساكين ورتب الطلبة الذين يقرءون القرآن في كل صباح وعشى بذلك الضريح، ثم دخل دار الإمارة، ويعد ذلك أمر حمل مال والده ومتخلفه إلى محلته ودفعه لمن عينه لذلك من خدامه.

وأقر أهل الوظائف الذين كانوا على عهد أبيه على وظائفهم إلا ما كان من قائد تطاوين الوقاش، فإنه ولى مكانه كاتبه عبد الكريم بن زاكور الذى كان بعثه عاملا على العرائش. وأحدث وظيفا على الأبواب والغلات والسلع بفاس وسائر أمصار المغرب، بعد أن استفتى علماء وقته فأفتوه بأنه إذا لم يكن للسلطان مال جاز أن يقبض من الرعية ما يستخدم به الجند، وكتبوا له ذلك تأليفا، منهم: الشيخ التاودى ابن سودة، وأبو عبد الله محمد بن قاسم جسوس، وأبو حفص الفاسى، وأبو محمد عبد القادر بو خريص، وأبو زيد المنجرة، وأبو عبد الله محمد بن عبد الصادق الدكالى الفرجى لا الطرابلسى. وما في الاستقصا من أنه الطرابلسى سبق قلم إذ الطرابلسى اسمه على، وهو شارح المرشد المعين، وقد باع وظيف فاس عن سنة واحدة لعاملها الحاج محمد الصفار باثنى عشر ألف مثقال، ثم باعه إياه في سنة أخرى باثنين وعشرين ألف مثقال، فكان في كل عام يزيد فيها إلى أن مات، وولى مكانه ولده العربى فزاد على ما كان أيام أبيه. وكانت مدة مقامه بفاس شهرين على ما في الترجمان المعرب، والذى في تاريخ الضعيف أن خروجه من فاس كان يوم الاثنين الحادى عشر من جمادى الثانية، وعليه فيكون مقامه بفاس نحو شهر ونصف. ولما حل بمكناس أقام به أياما لتأسيس أمور الخلافة العامة، ثم بعد ذلك بدا لجلالته النهوض لتفقد الأحوال وترتيب الشئون وإخماد نيران الفتن التي قام بإضرامها المدعو العربى أبو الصخور الخمسى، وقد كان له صيت بناحية غمارة يقول لمن يعتقده ويلتف حوله من البله طائشى الأحلام: إن هذا السلطان -يعنى المترجم- لا يطول ملكه، وقامت بسبب ذلك ضجة وهول بتلك الناحية، وكاد

الفساد أن يعم ما حولها، فقتله المترجم ووجه برأسه لفاس، وولى على تلك القبائل الباشا العياشى وأنزله بشفشاون. ثم ولى وجهه نحو تطاوين، ولما حل بها وتفقد شئونها أمر ببناء البرج بها والدار على مرسى مرتيل. وتوجه لسبتة فوقف عليها وشاهد حصانتها ومنعتها، فتيقن أن لا مطمع في قصدها. ثم صار لطنجة فاستقبله القائد عبد الصادق بن أحمد الريفى في القبائل الريفية فجاملهم وقابلهم أحسن قبول، ووصلهم وكساهم وأمر ابن عبد الصادق المذكور بالقيام على ساق في بناء ما ذكر بمرتيل، فأجاب بالسمع والطاعة، ووجه من حينه أخاه عبد الهادى للوقوف على ذلك. ثم توجه صاحب الترجمة للعرائش وتفقد أحوالها، فوجدها خالية ليس بها إلا نحو مائتين من أهل الريف تحت كنف قواد الغرب الحبيب والسفيانى، فوجه لها أدالة منتظمة من عبيد مكناسة، وعبيد المهدية، ورأس عليهم عبد السلام بن على وعدى ووصل المائتين من الريفيين وسلحهم وكساهم. ثم توجه لسلا فنزل بظاهر الرباط، وأمر عبد الحق فنيش قائد سلا ببناء صقالة (¬1) بسلا على البحر، وأمر على مرسيل ببناء صقالة الرباط، وولى على أهل الرباط الرئيس العربى المستيرى وأمر بإنشاء مركبين واحد بسلا وواحد بالرباط. وكان عندهم مركب كبير أنشأه أهل العدوتين مشتركا بينهما أيام الفترة، ووجه لتجار النصارى الذين بآسفى أن يأتوا إليه بكل ما تتوقف عليه المراكب من مجاديف ومخاطيف وقلع وقمن وغير ذلك. ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "برج كبير".

ثم توجه لعاصمة الجنوب مراكش، وكان وصوله إليها في أواخر المحرم فاتح عام اثنين وسبعين ومائتين وألف، ولما علم أهل فاس بحلوله الحضرة المراكشية أوفدوا إليه جماعة من أعيانهم يستعطفونه في الأوبة للعاصمة الفاسية واتخاذها محل استقراره ومقامته، فلاطفهم وقرر لهم أنه لا يمكنه المقام بأرض واحدة، وأنه يلزمه التطوف على سائر إيالته والمكث بكل عاصمة من عواصمه مدة لائقة بها ليتيسر لأهلها ملاقاته ورفع كل ما يهمهم إليه بدون أدنى مشقة تلحقهم، وردهم ردا جميلا. وورد عليه بنو دراسن متشكين بما لحقهم من أذى جروان، وأنهم أخرجوهم من بلاهم بإعانة من الودايا، فأصدر أوامره لوالى مكناس بإنزالهم بأحواز البلد والسعى في المؤاخاة بينهم وبين آيت يمور ففعل، ولما لم تنته جروان عن إذاية المذكورين طير والى مكناس الحاج على السلوى الإعلام بذلك للمترجم، فأصدر إليه أوامره بنصرة المظلومين وتعزيز جانبهم والخروج في جيش العبيد لكسر صولة جروان، ولما التقى الجمعان بوادى ويسلن كانت الهزيمة على جروان وأشياعهم الودايا فقتل منهم آيت يدراش نحو الخمسمائة، ونهبوا حللهم، وقطعوا رءوس أعيان الودايا وعلقت بباب الجديد من مكناسة إرهابا للبغاة والمتمردين، ولما اتصل الخبر للمترجم اشتد غضبه على الودايا، وأضمر الإيقاع بهم جزاء لهم على سوء فعلهم. ثم نهض من مراكش ووجهته مكناس، ولما وصل الرباط وجد الرئيس محمد عواد مانطة السلوى، والرئيس محمد عواد المعروف بقنديل، السلوى، والرايس العربى المستيرى الرباطى غنموا سفينة من سفن دولة السويد فأعطى لكل منهم كسوة وسيفا محلى بالذهب وخنجرا كذلك ومكحلة، ووصل من عداهم من البحرية بما أقر أعينهم، ثم سافر القائد العربى المستيرى في الحين فغنم سفينتين إحداهما للبرتقال والأخرى للسويد أيضًا.

حوادث سنة 1173

وسار المترجم إلى العاصمة المكناسية وأقام بها إلى أن قضى أيام عيد المولد النبوى، ووفدت عليه بها الوفود من فاس والعدوتين ومراكش وما والى ذلك لأداء مراسم التهانى، فغمر الكل بإنعاماته الضافية، وأحسن وبذل، وأمر الحاج محمد الصفار عامل فاس بإصلاح قنطرة سبو، وأعطاه ما ينفقه في سبيل ذلك. وفى يوم الاثنين ثامن عشر من ربيع الأول نهض لمراكش وفى يوم السبت خامس عشرى ذى القعدة من العام نهبت قافلة بباب الجيسة أحد أبواب فاس، ثم نهبت قافلة أخرى، ثم أغار البربر على سرح أهل فاس. وفى أواخر ذى القعدة من العامة ورد كتاب من صاحب الترجمة على أهل فاس يعلمهم فيه بمبارحته لمراكش بقصد رتق ما انفتق من أمور الرعية. وفى عام ثلاثة وسبعين ومائة وألف عزل القاضى أبا فارس عبد العزيز العبدلى لسلوكه في خطته غير الجادة، كما سنوضحه بعد، وكان كلما عزل قاضيا عن مصر ألزمه الخدمة ببابه، والوقوف مع كتابه، ويوجههم مع الشكاة لعمال القبائل كل واحد يتوجه بشكايات قبيلة لعاملها هذه خدمتهم كما قال الزيانى. وفى صفر عام أربعة وسبعين ومائة وألف نهض من مراكش قاصدًا مكناس، ولما حل به وجه الودايا جماعة من عجائزهم يتشفعن لهم عند جلالته، فلقيهن بسايس وجهته لفاس، ولما مثلن بين يديه بكين وناشدنه الرحم، فرق لهن ووصلهن وأمر بإركابهن إلى أن يصلن لأهلهن. وسار إلى أن خيم بالصفصافة فخرج لاستقباله أهل فاس على اختلاف طبقاتهم، وكذلك الودايا، فقابلهم بالبشر، ولم يظهر للودايا ما يشعرهم بما يكنه صدره نحوهم، ومن الغد أخرج أهل فاس طعام الضيافة على العادة المألوفة لديهم، فأمر المترجم بتعمير المشور بدار دبيبغ، وأمر بإدخال ذلك الطعام إليها،

وأمر العبيد والودايا بالدخول للإطعام، فلما دخلوا غلقت الأبواب عليهم واستؤصلوا قبضا وأصدر الأمر للعساكر بالغارة على حللهم فلم تغرب شمس ذلك اليوم حتى كانت منازلهم حصيدا كأن لم تغن بالأمس، وأغلق من بقى منهم بفاس الجديد أبواب المدينة، ولما جن الليل فرت شرذمة منهم للاستيجار بزاوية اليوسى والباقي بفاس منهم صعد على الأسوار. ولما أصبح الصباح صاحوا من فوقها يطلبون الأمان على أنفسهم وأهليهم فأمنهم، ونقلوا أولادهم لفاس القديمة، وأنزل صاحب الترجمة بفاس الجديد ألفا من عبيده نقلهم بأولادهم من مكناسة، وولى عليهم علال بن مسعود، وسرح من الودايا القائد قدور بن الخضر مع أربعة من أهل الصلاح منهم، وأمرهم أن يقيدوا له المفسدين فقيدوا خمسين من أشرار طغاتهم، فأمر بإغلالهم في السلاسل، قرن كل اثنين في سلسلة وأركبهما على جمل ووجه بهم على الصفة المذكورة لسجن مراكش، ليكونوا عبرة لمن يمرون عليه من القبائل. وأمر قدور بن الخضر بتسريح الباقين، وكانوا أربعمائة ويضيف إليهم ستمائة من بقية إخوانهم ويلزمهم مبارحة فاس، والتوجه لقبائلهم، وقيد ألفا في دفتر وولى عليهم القائد المذكور، ثم أمرهم بالرحيل لمكناسة وعين لهم قصبة الأروى للسكنى، فبنوا بها نوائلهم، ونزل قائدهم بدار صاحب الأروى أيام سيدنا الجد الأكبر أبى النصر إسماعيل، وأعطاهم الخيل وسلحهم وكساهم ولم يلتفت لما كان بأيديهم من المتاع، فصلحت أحوالهم ولم يعودوا بعد لما كانوا عليه من الغى والفساد قبل، ولا زال عقب هؤلاء الودايا إلى اليوم بالأروى المذكور. ثم ولى المترجم وجهه نحو الأمراء الذين لم يقلعوا عن جورهم وظلمهم وبقوا متمادين على ما كانوا عليه من الاستبداد والعتو زمن الفترة مع والده

وأعمامه، تلك المدد الطويلة التي مثلت لنا أيام ملوك الطوائف في أهول زى، وأحيت ذكراها. فقبض على قائد أهل الغرب الباشا الحبيب المالكى الحمادى وأودعه مطبقا، وهد داره دار الظلم المظلمة، ونقل أنقاضها للعرائش للبناء بها، واستصفى أمواله ومتمولاته، ومنذ أودع المذكور المطبق ما أكل ولا شرب أنفة من السجن حتى مات. وفى تاريخ الضعيف: أن سبب القبض عليه هو ارتكابه لأمور مصادمة للشرع، منها: أنه كان متزوجا بثمانية عشر امرأة، وساق القصة على أنها وقعت عام واحد وثمانين، والذى في الترجمان المعرب أنها في سنة أربع وسبعين هذه، وذكرها في الاستقصا من حوادث سنة ثمانين. ثم أوقع القبض على قائد سلا عبد الحق بن عبد العزيز فنيش الذى كان أغلق بابه دونه أيام خلافته عن أبيه لما ورد على العدوتين مرتين، ورغما عن ذلك لم يعاتبه ولا شافهه بمكروه لما ولى الخلافة العظمى، حتى تفاحش ظلمه واستبداده، وأدى به الحال إلى قتل رجل من أعيان أهل سلا على وجه التعدى والجور. ورفع أولياؤه الشكاية بذلك لصاحب الترجمة فأذن في قتله قصاصا، فقتل وحيزت أمواله لبيت المال كما حيزت أموال إخوانه الذين كانوا أنصارًا له وأعوانا على الظلم والتعدى وأكل أموال الناس بالباطل، ثم غربوا إلى العرائش، وسجنوا لها مدة، ثم عفى عنهم، فسرحوا وفرقوا على ثغور السواحل بعضهم بالرباط وطنجة، والبعض بالصويرة، وآخرون بمراكش ومنحهم الدور المعتبرة والرباع المستغلة، ورتب لهم الرواتب الكافية، ونالوا من العزة والجاه في دولته المحمدية ما لم ينله أحد من سلفهم، وكانوا رؤساء على أصحاب المدافع وعلى يديهم آلة

حوادث سنة 1175

الحرب جميعها في جميع الثغور، ومنهم القائد الطاهر فنيش الذى كما كبير الطبجية. ثم عزل ولد المجاطية قائد تامسنا، أبا عبد الله محمد بن حدو الدكالى الذى كان ولاه على دكالة لما ألقى القبض على العامل العروسى وأودعه السجن مدة أعوام، ولما سرحه ولاه مدينة شفشاون وأعمالها. وأرهف حده للعمال، المشتغلين بجمع الأموال، فصلحت أحوال الرعايا والجند بتولية المناصب أهل الكفاءة، ثم بعد ذلك رجع لمراكش. وفى هذه السنة أتت الهدايا للمترجم من ملوك أوربا ودوخت سفنه البحار، وأسر عددا من النصارى، وغنم غنائم كثيرة تتبعها الضعيف في تاريخه. وفى السنة نفسها ساعد على وسق الصوف من مرسى آسفى لأوربا. وفيها كان اهتمامه ببناء مرسى فضالة. وفى أواخره فتح المخابرة مع الدول فوجه الخياط عديل الفاسى، والطاهر بنانى الرباطى سفيرين إلى القسطنطينية في وفد من أعيان المغرب لربط علائق المودة مع الدولة العثمانية، وقدم هدية لها من نفائس المغرب. فأدى الوفد السفارة وأحسن الوساطة ورجع مع وفد العثماني بهدية اشتملت على مدافع وآلة حرب وأدوات مراكب وضروب سلاح، فسر السلطان بذلك ورد وفد العثمانيين مغمورًا بكرمه المعهود على ما سنفصله بعد بحول الله في باب العلائق السياسية. وفى سنة خمس وسبعين ومائة وألف عفا المترجم عن القائد محمد بن على العروسي بعد أن مكث في سجنه نحو تسعة أعوام وولاه عمالة أصيلة فبقى بها مدة ثم ولاه عمالة المهدية.

حوادث سنة 1176

وفى عام ستة وسبعين ومائة وألف فتك بمتمردة مسفيوة، وقتل منهم نحو أربعمائة، وكان من جملة القتلى القائد إبراهيم ولد الباشا بلا وعلى صهر عم المترجم المولى بناصر. وفى منتصف رمضان العام نهض لتادلا وأوقع بآيت يمور، وأغار في طريقه على أشقيرن، وقتل وسبى ومهد البلاد، وحسم جرثومة الفساد، وتوجه للشاوية، وألقى القبض على كثير منهم ووجههم بالسلاسل لمراكش جزاء على ما أجرموا من العيث في السابلة. وفى خامس ذى الحجة قدم من عاصمة الجنوب مراكش إلى العاصمة المكناسية، وأقام بها يومين، ثم نهض للعاصمة الفاسية لإخماد نيران ما أججه الحياينة من الفتن. وفى يوم الثلاثاء الرابع عشر من المحرم عام سبعة وسبعين ومائة وألف نهض من فاس في جيوش جرارة إلى جبل مرموشة وآيت يوسى الذين سعوا في الأرض الفساد، فأوقع بهم وكسر شوكة تمردهم، ثم تقدم للحيانية فنهب أموالهم وفروا لجبل غياثة فاقتفى أثرهم على طريق تازا، إلى أن لحقت بهم العساكر إلى الجبل المذكور وأوقعت بهم وقعة عظيمة اضطرتهم للرضوخ للطاعة وهم صاغرون، فطلبوا العفو والأمان، فعفا عنهم وأمنهم من القتل، ثم انقلب لبلدهم فنسفها نسفا وذلك يوم الخميس سادس ربيع الأول. وفى يوم الاثنين ثامن ربيع الثانى رجع لفاس مؤيدا منصورا، ونزل بدار دبيبغ، واستخلف بفاس ابن عمه أبا العلاء إدريس بن المنتصر وأعطاه القبائل الجبلية، وفى أواسط ربيع الثانى أمر ببناء قبة ضريح أبى الحسن على بن حرزهم. وفى صبيحة يوم الأربعاء ثامن جمادى الأولى نهض لمكناسة الزيتون، وفى غده الذى هو يوم الخميس أصدر أوامره بتزليج منار أبى العلاء إدريس الأزهر بانى

حوادث سنة 1178

فاس رضى الله عنه، وألقى القبض على أولاد عديل وأودعهم السجن في مال لأبيه وله عليهم كانوا استسلفوه. وفى يوم الاثنين تاسع رمضان نهض من مكناسة ووجهته مراكش، ولما حل بها قدم عليه أعيان مسفيوة بمائة وخمسين فارسا فقتلهم كلهم واستأصل أموالهم، إذ كانوا بلغوا الغاية القصوى في التمرد والبغى من عهد أبيه ولم يقلعوا عن ذلك، وقد طال ما عالج داءهم وهو خليفة فلم ينفع فيه ترياق، انظر الترجمان المعرب. ثم نهض من مراكش لمكناس فأغار في طريقه على آيت سيبر من زمور، فنهب حللهم وماشيتهم ومزقهم كل ممزق. ولما حل بمكناس أصدر أوامره للقبائل بدفع المرتب بذممهم من الزكوات والأعشار أحواز فاس يدفعون للمكلفين بخزائنها، وأحواز مكناس يدفعون للمكلفين بخزائنها كذلك ثم نهض لفاس. وفى العام ثار أحمد الخضر بالصحراء وأوقد نيران الفتن بها، فوجه المترجم لعرب تلك الناحية في شأنه فقتلوه ووجهوا له برأسه، وفيه بعث من الرباط الرئيس الحاج التهامى المدور سفيرًا لبلاد السويد، والرئيس العربى المستيرى سفيرا لبلاد الإنجليز على ما يأتى في بابه. وفى عام ثمانية وسبعين ومائة وألف كان أسطول المترجم يتردد بين أكناف البحار ويجوس خلال الثغور الأجنبية فيقتنص مراكب الأجناس الأجانب إذ كانت المهادنة غير مقررة تماما، وكان من جملة ما غنم الأسطول المغربى أسطولا فرنسيا، ثم ورد مركب فرنسى على مرسى سلا والرباط وأطلق عليهما قنابله وذلك يوم الجمعة حادى عشر ذى الحجة، فخرج أهل الثغرين لظاهر البلد والأجنة بأولادهم

حوادث سنة 1180

وضربوا الأخبية، وحصن الرئيس سالم المراكب السلطانية التي كانت تريد السفر للخارج أمام منار حسان واستمر الأمر على ذلك ثلاثة أيام، ولما لم يحصل الأسطول الفرنسى على طائل أقلع ورجع من حيث أتى. وفيه أسس صاحب الترجمة ثغر الصويرة، فتوجه لذلك بنفسه بعد فراغه من عرس ابنه مولاى على وأخته، حتى اختطها على الهيئة التي يريد، وترك العملة بها على ما يأتى إن شاء الله في آثاره. وفى العام أوقع ببرابر مرموشة بملوية، وفى صبيحة يوم عيد النحر وقع بمراكش حريق هائل هلكت فيه الأنفس والمتاع، وخربت الدور ولم يستطع أهل البلد حيلة لإطفائه ولا اهتدوا سبيلا، امتدت تلك النيران الموقدة من جامع الفناء إلى خارج باب الخميس أحد أبواب المدينة المذكورة، وكان المتسببون في ذلك المتعاطون لشرب الدخان من أصحاب القائد حسابن، ولذلك عاقبه المترجم بالسجن والعزل، وولى مكانه ولد ابن ساسى المراكشى. وفى عام تسعة وسبعين ومائة وألف هجم أسطول فرنسى على العرائش فخربها وهدم مسجدها ودورها بما ألقى عليها من المقذوفات المدمرة، وفى اليوم الثانى من هجومه نزل من عساكر أسطوله ألف واقتحموا الوادى في خمسة عشر قاربا، وكانت للمراكب المغربية رياسة هناك فحرقوا السفينة التي غنمت منهم وكسروا أخرى كانت بجانبها ثم رجعوا فوجدوا القائد الحبيب الحمادى المالكى الغرباوى قطع خط الرجعة عليهم وأخذ بمخنقهم على فم الوادى، فأسر منهم أحدهما عشر قاربا بما فيها، ونجا أربعة وأرسل من أسر منهم إلى المترجم لعاصمة الجنوب مراكش الحمراء، ولم يزالوا عنده إلى أن فدتهم دولتهم ووقع الصلح في السنة بعدها، وهى معاهدة عام ثمانين ومائة وألف الموافقة ثامن وعشرى ماى سنة سبع وستين وسبعمائة وألف وستذكر نصوصها.

قال أبو محمد عبد السلام نجل صاحب الترجمة في درة السلوك: وبعد هذه الواقعة احتفل طاغية الإصبان والفرنصيص بهدايا لم يعهد مثلها -وسيأتى ذكرها في بابه- وقدمت رسلهم لمراكش لطلب الصلح والمهادنة. وفيها توجه الكاتب السيد أحمد الغزال الفاسى سفيرًا لبلاد الإصبان، والرئيس على مرسيل الرباطى سفيرا لفرنسا، والفقيهان الطاهر بنانى الرباطى والطاهر بن عبد السلام السلوى سفيرين للسلطان مصطفى العثمانى على ما يأتى من التفصيل والبيان. وفيها خرج السلطان لقبائل الريف، ومر على تطوان وغمارة، فدوخ تلك القبائل إلى كبدانة، ورجع على طريق تازا. وفى هذه السنة عقد المترجم لنجله أبى الحسن على على ولاية المغرب ووجهه لفاس الجديد. وفى عام ثمانين ومائة وألف حل المترجم بمكناس، وألقى القبض به على عبد الصادق الريفى، ومائة من أهل الريف، وأودعهم سجون مكناسة، ونهض لطنجة فاستولى على أموال عبد الصادق المذكور وسائر أمتعته، وغرب أهل عصبيته من طنجة إلى المهدية، وكان عددهم ألفا وخمسمائة، وولى عليهم محمد ابن عبد الملك، وأنزل بطنجة من العبيد ألفا وخمسمائة. وفى هذه السنة بعث السلطان المترجم الرئيس عبد الكريم راغون التطوانى سفيرًا للسلطان مصطفى العثماني بهدية تقابل الهدية الحربية التي كافأ بها سفارة بنانى وابن عبد السلام المتقدمة. وفى عام واحد وثمانين ومائة وألف، كانت وقعة عمر كلخ رجل من أولاد المرابط الشيخ رحال معه ضرب من السحر أضل به الناس، وقال لهم: أدخلكم

لبيت المال تأخذون ما فيه، واختلق كرامات استهوى بها بعض الحمقى والمغفلين وكثير ما هم، ومن أجل ذلك اجتمع عليه عدد عديد منهم، ودخل بهم مراكش يريدون القصبة السلطانية فافتتن الناس بذلك. ولما اتصل الخبر بالمترجم وهو يومئذ ثم وجه إليهم أعوانه، فقبضوا على رأس الفتنة وافترقت جموعه، ولما مثل بين يدى صاحب المترجم أمر بقتله فقتل. وفى العام ورد عبد الكريم راغون من سفارته لاصطنبول مصحوبا بهدية السلطان مصطفى العثمانى للمترجم، وهى مركب حامل لمدافع ومهاريز وعدة قنابل وغير ذلك مما يأتى ذكره، وكان نزول ذلك بثغر العرايش. وفيه عقد السلطان مع الدانمرك معاهدة سياسية تجارية سنأتى على نصها. وفى عام اثنين وثمانين ولى ابن عمه أبا العلا إدريس بن المنتصر عاملا على حاحة، وعقد له على ألفى فارس، وسار إلى أن استوفى منهم الموظف عليهم. وفيه وجه ولده خليفته أبا الحسن عليا للحج وفى معيته صنوه عبد السلام صغيرا، وزفت معهما أختهما بنت المترجم لسلطان مكة الشريف سرور، وكان في جهازها ما يزيد على مائة ألف دينار من الذهب والجواهر والأحجار الكريمة، ووجه معه هدية للحرمين الشريفين حسبما نفصل ذلك بعد، ووجه معه من وجوه أهل المغرب وأولاد الأمراء وشيوخ القبائل وجملة من حاشيته بالخيول المسومة والأسلحة المذهبة ما تحدث الناس به في الشرق دهرًا، ووجه مع الوفد هدايا لولاة طرابلس ومصر والشام، وكان يوم دخولهم مكة مهرجان عظيم حضره أهل الموسم كلهم. وفى السنة نكب السلطان المترجم كاتبه المؤرخ أبا القاسم الزيانى وهى نكبته الثانية بعد الأولى التي وقعت له ولأبيه بالينبوع في رحلتهما الحجازية. قال في الترجمانة الكبرى: "وتقلبت في منصب الكتابة من غربه لشرقه، ولقيت من زعازع أرياحه ورعده وبرقه، إلى أن بلغت كرة الرأس ومضيق العنق،

ووقفت على دائرة الأفق، في السفر والمقام، مدة من عشر أعوام، ثم حصلت في النكبة، ووقفت على باب الندبة، وأقمت بين الهلك والتلف. وفى عام اثنين وثمانين ومائة وألف، وهى النكبة الثانية، ولما خلصت من النكبة وكتب لى أمير المؤمنين سيدى محمد رحمه الله بعد الطلاق رسم الرجعة وقلدت ديوان كتابته، أقبل على بكليته، وأخلف ما ضاع، وصرت بالمماليك والأتباع، وبلغت أعلى المراتب، وتقلبت في المناصب". وفيه فتح الجديدة من يد البرتقال على ما يأتى عند ذكر فتوحه. وفيه جلب السلطان أربعة آلاف من العبيد وأضاف إليهم ألفين وخمسمائة من الودايا وأنزلهم بآكدال من رباط الفتح، وبنى لهم هناك، وعند الضعيف أن ذلك كان سنة 1187. وفيها سعى لأهل الجزائر في مفاداة أسراهم مع الإسبان، وأوفد كاتبه الغزال للجزائر لتسلم ذلك وتسليمه. وفى عام ثلاثة وثمانين وجهت دولة البرتقال لصاحب الترجمة هدية عظيمة، وبعث رسله يطلبون المهادنة فأجابهم لذلك على ما يأتى. وفيه أوقع بأهل تادلا إذ كانوا بغوا وطغوا، وولى عليهم صالحا ولد الراضى الورديغى، فاستصفى أموالهم وتركهم عالة. وفيه طلب أهل درعة من صاحب الترجمة أن يولى عليهم الباشا سعيد بن العياشى فساعدهم على ذلك. وفى عام أربعة وثمانين ومائة وألف أوقع بجروان لعيثهم في الطرقات وتكديرهم المسلم العام فقتل منهم نحو الخمسمائة وجردهم من كل شئ وغربهم لآرغار، فأنزلهم وسط العرب ثم توجه لحصار مليلية. وفى أول محرم عام خمسة وثمانين ومائة وألف ابتدأ المترجم برمى مليلية بالمدافع والمهاريز، قال في الروضة السليمانية: وحاربها أياما فكتب إليه أمير دولة

الإصبان يقول إننا عقدنا المهادنة برا وبحرا وهذا عقد الشروط الذى أتى به كاتبكم الغزال تحت أيدينا، فأجابه المترجم بما محصله إننا لم نجعل المهادنة في بر وإنما جعلناهم معكم في البحر، فوجه الأمير المذكور للمترجم عقد الصلح فإذا هو عام برا وبحرا فكف عن محاربتهم، وشرط عليهم حمل مدافعه والمقومات الحربية في مراكبهم بعضها لمرسى طنجة والبعض الآخر للصويرة لما يلحق المسلمين من المشقة في جر ذلك برا فقبل الإصبان الشرط وحملوا ذلك فعلا للمرسيين المذكورتين وارتحلت الجنود الإسلامية عنهم. هذا ما عند الزيانى في الترجمان المعرب والروضة السليمانية، والذى عند الضعيف، أن المترجم نزل على مليلية في خامس شوال عام ثمانية وثمانين ومائة وألف وأنه حاصرها نحو الثلاثة أشهر. وقال نجل المترجم المولى عبد السلام صاحب درة السلوك: إن ذلك كان سنة سبع وثمانين، وأنه كان إذ ذاك واليا على مدينة فاس، وأنه صحب والده المترجم في هذه الغزوة مع أخويه أبى الحسن على، وأبى التيسير المأمون، وأن والده لما نزل على مليلية ضايق أهلها وهدم دورها، ثم سعى صاحبها في تجديد المهادنة وبذل مالا جزيلا وعدة من أسارى المسلمين، فساعد المترجم على ذلك، وارتحل عنها وسار إلى مكناسة، وهو عندى أصح لحضوره والله أعلم. ثم إن المترجم عزل الغزال عن الكتابة لتغفله، وبقى في زوايا الإهمال إلى أن كف بصره ومات رحمه الله. وقال في الاستقصا (¬1) ما نصه: وسمعت من بعض فقهاء العصر وقد جرت المذاكرة في كيفية هذا الصلح، فقال: إن الغزال رحمه الله لما أعطى خط يده بالصلح والمهادنة، كتب في الصك ما صورته: وإن المهادنة بيننا وبينكم بحرًا لا برًا، فلما حاز النصارى خط يده كَشَطُوا لاَمَ الألف، وجعلوا مكانها واوًا، فصار ¬

_ (¬1) الاستقصا 8/ 40.

الكلام هكذا بحرًا وَبَرًّا، وأن السلطان رحمه الله إنما أخره لاختصاره الكلام وإجحافه به حتى سهل على النصارى تحريفه، وكان من حقه أن يأتي بعبارة مطولة مفصلة حتى لا يمكن تحريفها فيقول مثلا: والمهادنة بيننا وبينكم إنما هى في البحر، وأما البر فلا مهادنة بيننا وبينكم فيه أو نحو هذا من الكلام، فيصعب تحريفه، وقد نص أهل علم التوثيق على هذا، وأن الموثق يجب عليه أن يبسط الكلام ما استطاع ويتجنب الاختصار المجحف وما يؤدى إليه بوجه من الوجوه والله أعلم هـ. وفى عام ستة وثمانين عزل قاضى الرباط أبا على الحسن بن أحمد الغربى، وولى مكانه أبا عبد الله محمد بن سعيد الفيلالى، وذلك في رجب وفيه صدر الأمر العالي ببناء مرسى فضالة، وفيه ولى الحاج عبد الوهاب اشكالنطو الأندلسى ثم الرباطى عمالة الرباط. وفى سنة سبع وثمانين حرك لآيت ومالو بإغراء من بلقاسم الزموري، حيث كانوا امتنعوا من قبوله عاملا عليهم، وطلب من الجلالة السلطانية إمداده بجند يرغمهم به على قبول ولايته، فأعطاه ثلاثة آلاف فارس وضم إليها إخوانه زمور وتوجه إليهم، ولما التقى الجمعان بوادى أم الربيع كانت الهزيمة على الزمورى المذكور، فولى الأدبار وغضب السلطان لذلك وأمر بخروج العسكر، وبحث لأمراء القبائل أعرابا وبرابرة، ولما وردوا على جلالته نهض من مكناسة. قال أبو القاسم الزيانى في البستان: وكنت معه في تلك الحركة وأنا في حيز الإهمال، أتوقع الموت كل يوم بسبب ما كتب له بلقاسم الزمورى في شأنى وأنى أنا الذى أفسدت عليه القبائل، ولما بلغ السلطان محلة بلقاسم واجتمع به ونزلت تلك العساكر كلها في بسيط واحد بمريرت، أشار على السلطان أن يقسم تلك العساكر على ثلاثة فرق: فرقة بتامساكت، وفرقة بزاوية محمد الحاج، وفرقة تكون معه على طريق تكط، والسلطان ينزل بعساكره بقصبة آدخسان، وتقصدهم العساكر من كل ناحية، وقرب للسلطان البعيد، والحال أنه لا يعرف البلاد.

ومن الغد افترقت العساكر فتوجه كل لناحيته المعينة له ونحن توجهنا مع السلطان لآدخسان، ولما قطعنا وادى أم الربيع وجه السلطان جدوانا للغارة أمامه ونحن على أثرهم إلى أن بلغوا قصبة آدخسان، فلم يجدوا أحدًا ووقفوا إلى أن وصلهم السلطان فقال لهم: أين هؤلاء القوم؟ فقالوا ما رأينا أحدًا ولا وجدنا أثرًا، وهذه قصبة آدخسان، فأمر بنزول العساكر وبقى متحيرا، فقال: نادوا فلانا يعنينى، فتوجهت له قبل أن ينزل عن فرسه فقال لى: أتعرف هذه البلاد؟ قلت: نعم أعرفها، فقال: وأين أهلها، قلت: في جبلهم، قال: أو ليس هذا جبلهم آدخسان؟ قلت: لا، هذه قصبة المخزن والجبل هو من تلك الثنايا السود أمام وأريته الثنايا، فقال: وأين الزاوية التي توجهت لها العساكر مع قدور ابن الخضر ومسرور؟ قلت: هى عن يمين تلك الثنايا في البسيط، قال: وأين تاسماكت التي توجهت لها أمم البربر مع محمد وعزيز؟ قلت: بيننا وبينها مرحلتان من وراء تلك الثنايا، قال: ومن أين يأتي بلقاسم؟ فأريته الثنية التي يأتى منها، وقلت: لا يصلنا إلا غدا إن سلم، فقال: وما علمنا؟ فقلت: ضرب في حديد بارد الذى في الزاوية لا ينفع والذى بتاسماكت لا ينفع، وآيت ومالو متحصنون في الجبال، وبلقاسم رجل مشئوم عافى الله مولانا من شؤمه. فظهر لمولانا نصره الله خلاف ما سمع من بلقاسم وتحقق بفساد رأيه، وعلم أنه أخطأ فيما ارتكبه من الغرر بالمسلمين، وبينت له السبب الذى نفر به آيت ومالو من بلقاسم حتى عرفه، فقال لى: اكتب لزيان يأتون فإنى سامحتهم، فكتبت ووجهت لهم بعض الأشراف من آدخسان مع اثنين من أصحاب السلطان، وساروا إليهم ليلا، ومن الغد أصبح علينا أربعة منهم بهديتهم فدخلت بهم السلطان ففرح بهم وقبل هديتهم، وقال لهم: إنى سامحتكم على وجه كاتبى فلان، ووجههم بالبشارة لإخوانهم وباتت تلك الليلة العساكر كلها بلا علف ولا تبن، ومن الغد

ظهرت محلة بلقاسم ومعه المختار والعبيد باتوا في الحرب طول ليلتهم، ولما بلغوا أمرنى أن نتوجه لهم وننزل العبيد بجوار السلطان وبلقاسم ينزل مع إخوانه زمور وبنى حكم، وأعرض عنه السلطان وعن الكلام معه، وأمره أن يوجه إخوانه لبلادهم، ووجه القبائل كلها، وفرق ذلك الجمع وارتحل لتادلا. وأما الذين نزلوا تاسماكت مع محمد وعزيز بيتهم آيت أمالوا وشتتوا جمعهم ونهبوا محلتهم وقتلوا منهم عددا كثيرًا، ورجعوا مناسة مغلولين. ولما بتنا بالزرهونية ورد علينا أصحاب قدور بن الخضر بكتاب يقول فيه: إن البرابر اجتمعوا علينا من كل ناحية، فإن لم يتداركنا سيدنا هلكنا، فأمرني بالتوجه إليهم والاحتيال في خلاصهم بكل ممكن، ووجه معى مائة من الخيل فرجعت للزاوية فوجدت القبائل محيطة بهم، فاجتمعت بآيت يسرى ووعدتهم من السلطان بالعطاء الجزيل لتجور المحلة في بلادهم فأنعموا بذلك، وحملت المحلة مع الفجر وتركنا بلاد آيت ومالو وقطعنا الوادى لبلاد آيت يسرى، وتوجه معنا نحو المائة من أعيانهم إلى أن أخرجونا لتادلا لوادى تاقبالت ورجعوا عنا، وتقدمت للسلطان فأخبرته بقدوم المحلة وبلوغها لتاقبالت فسره ذلك ودعا لي بخير، وقال: لابد أن ترجع لها الساعة وأعطانى مالا أفرقه عليهم وكتب لهم المنازل لمكناسة، وبها ينتظرهم السلطان فرجعت لهم في الحسين. ولما كان صباح غد يوم وصولى إليهم فرقت عليهم المال وتوجهوا ورجعت، ثم أصابت السلطان حمى فمرض بتادلا، وكان الطبيب الأديب السيد أحمد آدراق يعالجه ولا يدخل عليه غيره وغير صاحب طعامه الحاج عبد الله، وغيرى في أمور مكاتب الدولة إلى أن عافاه الله فأعطى الطبيب ألف دينار في يوم واحد رحمه الله. قال: ثم توجه السلطان لمكناسة وببلوغه قبض على بلقاسم الزمورى ونكبه واستصفى أمواله، وعزله عن زمور، وبنى حكم، وولى عليهم محمد وعزيز

بإشارتى، ومن ذلك الوقت رفع منزلتى على أبناء جنسى وقدمنى على غيرى، اهـ الغرض منه. وفى هذه السنة انعقدت بينه وبين البرتغال معاهدة سيأتى ذكرها في بابه. وفى عام ثمانية وثمانين عزل محمد بن أحمد الدكالى عن القبائل التي كانت إلى نظره ولم يترك له إخوانه أهل دكالة، وولى على السراغنة محمد الصغير وعلى أهل تادلا ولد الراضى، وعلى أولاد أبى رزق صاحب الطابع، وعلى أولاد أبى عطية عمر بن أبى سلهام، وأمر ابن أحمد أن يقبض من إخوانه الذين كانوا عمالا على القبائل ما أكلوا من المال فقبض منهم مائة وخمسين ألفا، وفيه بلغ الزرع سبعة أواق للمد. وفيه صدر الأمر بإيصال الماء من عين عتيك للرباط، وفيه عزل ابن سعيد الفيلالى عن قضاء الرباط وولى مكانه أبا عيسى المهدى مرينو الرباطى، وفى عاشر رمضان توفى أبو عيسى المذكور، واتفق أهل الرباط على تولية ولده أبى عبد الله محمد. وفى عام تسعة وثمانين ثار عسكر العبيد على المترجم، وخلعوا ربقة طاعته من أعناقهم، وبايعوا ولده اليزيد، ونشأ بسبب ذلك فتن وأهوال، وكان السبب في ثورتهم أمر المترجم لهم بالرحيل لطنجة وإيعاز القائد الشاهد لهم بما أوجب نفرتهم وانسلاخهم عن الطاعة، وذلك مبسوط في البستان. وفى عام تسعين ومائة وألف، رحل عن عرب تكنى ومجاط ودوبلال من سوس لسائس، وأقاموا به نحو العام، ثم نقلهم للشراط فهموا بالهروب إلى بلادهم، ولما أحس المترجم بذلك أمر الشاوية بالكون منهم على بلل ومنعهم من المرور.

وفيه نهض من مراكش للصويرة. وفيه عم الجراد. وفيه ثار العبيد الذين بطنجة على قائدهم الشيخ وقائد الأحرار ابن عبد المالك وراموا قتلهما فهربا لآصيلا، ثم راجع العبيد أنفسهم وقبضوا على الفعلة ووجهوا بهم للمترجم فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ثم تفاحش ضرر العبيد بالثغور. وفى آخر العام نهض المترجم من مراكش وسار إلى أن حل برباط الفتح فوجه للعبيد البغال والجمال، وكتب لهم يأمرهم بالنهوض من الثغور والتخييم بدار اعربى (¬1)، وواعدهم بتوجيه بغاله إليهم بمجرد وصولهم لمشرع الرمل يحملون عليها أولادهم وأثقالهم إلى مكناسة محل استقرارهم، ولما بلغهم الكتاب المذكور فرحوا واستبشروا، ولما نزلوا بدار اعربى أغرى عليهم بنى حسن وأهل الغرب ونهض هو في القبائل الحوزية ونزل بسوق الأربعاء على مقربة منهم، ومن الغد وجه سفيان وبنى حسن وبنى مالك والخلط وطليق بمحلتهم، وقال لهم: انزلوا على العبيد واجعلوهم وسط محلتكم واستسلموا منهم الخيل والسلاح ثم اقتسموهم كل واحد منكم يأخذ عبدًا وأمة وأولادهما، العبد يحرث ويحصد، والأمة تطبخ وتعجن وتسقى وتحتطب، والولد يسرح، فخذوهم (¬2) بارك الله لكم فيهم، فاركبوا خيلهم، واحملوا سلاحهم والبسوا ثيابهم، وكلوا ما عندهم، فأنتم عسكرى (¬3). ففعلوا بهم ذلك عقوبة لهم على ما أجرموا، وانقلب صاحب الترجمة للرباط، وفرق العبيد الذين كانوا عفا عنهم وردهم وكساهم وسلحهم وأعادهم للجندية وفرقهم في الثغور، فانكسرت شوكتهم وصلحت أحوالهم. ¬

_ (¬1) في الاستقصا 8/ 48: "بدار عربى". (¬2) في الاستقصا: "فحذوهم وتقلدوا سلاحهم". (¬3) الاستقصا 8/ 48.

وفى العام فشا القحط وامتد إلى عام ستة وتسعين ومائة وألف، كانت تلك السنون كسنى يوسف أكل الناس فيها حتى ميتة الآدمى، ومات خلق كثير جوعا، والمترجم يعالج أمر الجند بتتابع الرواتب، ورتب لأهل المدن الخبز يفرق على الضعفاء والمساكين في كل حومة، وسلف القبائل أموالا بواسطة أشياخها وزعت على الضعفاء، وكان يعطى للتجار الأموال بقصد جلب الأقوات من الأقطار الشاسعة لإيالته المغربية، ويأمرهم ببيع ما جلبوه بالثمن الذي اشترى به إعانة للمسلمين ورفقا بضعفائهم. ولما تقلص ظل تلك المجاعة، ورام القبائل رد ما أخذوه على وجه السلف أبى المترجم قبول ذلك منهم، وقال: لم أخرج ذلك بنية الرد، وإنما ذكرت الاستسلاف لئلا يأكل الأكابر والأشياخ تلك الأمور إذا تحققوا عدم الرد، وأسقط عن القبائل الوظائف كلها أربعة أعوام إلى أن عم الخصب (¬1). وفى عام واحد وتسعين ومائة وألف وجه ابن عمه وزيره أبا الحسن على بن الفضيل لدرعة لاستيفاء ما بذممهم من الزكوات والأعشار فقتلوه باصغرو، في ذى القعدة من العام، وفى رجب منه توفى قاضى مراكش أبو فارس عبد العزيز العبدلى السكتانى، وفيه جمع المترجم شتات الشبانات الذين كان فرق شملهم في القبائل السلطان الرشيد مار الترجمة. وفى عام اثنين وتسعين ومائة وألف خسفت الشمس خسوفا كليا حتى ظهرت النجوم ودام ذلك نحو أدراج ثلاثة. قال الضعيف: ثم بدأ انجلاؤها من جهة المغرب، وكان بين الابتداء والتمام ما يقرب من الساعة، وذلك قرب عصر يوم الأربعاء الثامن والعشرين من جمادى الأولى. ¬

_ (¬1) الاستقصا 8/ 49.

وفى منتصف جمادى الثانية منه ألقى القبض على الباشا محمد القسطالى بمراكش واستولى على جميع أمواله، كما ألقى القبض على ولد الراضى قائد تادلا وقطع يده واستولى على جميع أمتعته، وكان من جملة ما وجد عنده ثلاثون قنطارا فضة، ثم عفا عن القسطالى وسرحه. وفى العام دخل ماء عين عتيك للرباط. وفى عام ثلاثة وتسعين كان الجراد المنتشر ووقع في البقر موت كثير حتى كاد أن يعدم وذلك لتوالى المحول. وفى عام أربعة وتسعين ومائة وألف أمر بإخراج العبيد من رباط الفتح، وكانوا يعدون بنحو سبعة آلاف وسبعمائة، فلم يسعهم غير الامتثال، وفى شوال نهض لمكناس ولما نزل بقرميم أمر بإخراج من بقى من العبيد بالرباط، ولم يترك غير عبيد تافيلالت، وكان عددهم يقرب من خمسمائة، ثم نهض إلى مراكش وفيه عقد لنجله البار المولى أبى محمد عبد السلام على السوس الأقصى ودرعة. وفى عام خمسة وتسعين ومائة وألف أوقع بأولاد أبى السباع لخروجهم عن الجادة وارتكابهم ما لا يليق، وقتل منهم عددًا كبيرًا وتفرق باقيهم في القبائل، منهم من قصد لوادى نول، ومنهم من ذهب للساقية الحمراء وبقيت الباقية منهم تتكفف بأحواز مراكش وغيرها جزاء بما كانوا يعملون. وفيه رحل أولاد دليم من بلادهم وأنزل بها زرارة والشبانات. وفى صبيحة يوم الأربعاء ثامن عشرى شوال العام كسفت الشمس. وفى العام انحبس المطر وصلى الناس في الرباط صلاة الاستسقاء، وكان الخطيب أبو محمد عبد الله البنانى، ثم أعيدت والخطيب أبو عبد الله محمد بن أبى القاسم السجلماسى فأمطروا ورحم الله العباد.

وقد كان المترجم في زمن المحل يحسن ويصل العامة والخاصة بما يسد خللهم. وفيه أمر القائد الهاشمى السفياني بالنزول على وزان فقبض من أبى العباس أحمد بن الطيب نحو العشرين قنطارا، ودفع ما كان لديه من الحلى والجواهر. وفى ذى الحجة منه توجه الكاتب ابن عثمان من مراكش في سفارته لمالطة ونابلى. وفى عام ستة وتسعين ومائة وألف زاد الأمر شدة وتجلى الله سبحانه على عباده بالقهر والجلال والكبرياء والمترجم يكابد المشاق العظام في ذلك التجلى المفزع ويصرف الأموال ذات البال في الجيوش والرعية ويوالى التبرعات. وفى عام سبعة وتسعين ومائة وألف مطر المغرب ونجح الحرث وكثر الخصب ورخصت الأسعار وتجلى المولى سبحانه لعباده بصفة الجمال والكمال واشتغل المترجم بتمهيد الدولة ورتق ما انفتق منها (¬1). وفيه حاصر آيت يمور ومن القبائل البربرية بجبل زرهون إلى أن أخرجهم منه وأنزلهم بحوز البهاليل من فحص سايس، وأكل زروعهم لطغيانهم في البلاد، وإذايتهم للعباد، وقبض على الدعى محمد والحاج اليمورى وقتله. وفيه توجه لباغية آيت يوسى فتحصنوا ببعض جبال فازاز، وظنوا المنعة فحاصرهم واقتحم عليهم حصونهم وفرق أحزاب ضلالهم ونهبت زروعهم واستؤصلت ضروعهم وتركوا عالة على القبائل، وذلك يوم الأحد الثالث عشر من رجب العام، وبعد رضوخهم للطاعة وهم صاغرون رجع صاحب الترجمة لفاس. ¬

_ (¬1) الاستقصا 8/ 49.

وفى سابع عشرى رجب المذكور نهض من فاس ووجهته تافيلالت في اثنى عشر ألف جندى ما بين فرسان ورماة. قال الضعيف: وكان للفارس خمسة أواق مياومة وللراجل نصفها كذلك مدة حركتهم معه هذه. وكان نهوضه هذا لتافيلالت بعد أن وجه ولده المولى يزيد للحج دفعا لما يخشى منه وأصحبه أمينا يصير عليه وأناسا لخدمته. ولما أشرف على تافيلالت فر من حولها من البرابر كالنازلين بمطغرة، ووادى الرتب، وقصر السوق، وأولاد عيسى، والدويرة وأخرج عمه المولى الحسين منها، ووجه به لمكناسة وأتبع به أولاده انتقاما منه حيث إنه رام شق العصا وتفريق كلمة المسلمين بالدعاية لنفسه بالإمامة، وهدم قصبته المعروفة بأولاد جبور، وتامورارت ولم يغنه ما كان له من الجاه والوجاهة بتلك الناحية، حتى إنه كان لا يمكن إبرام أمر بتافيلالت إلا بموافقته. وقد كان عفا الله عنه يرتكب أمورا شنيعة، منها أنه تسبب في خراب دار ابن أخيه المولى الشريف بن زين العابدين، وأغرى البربر عليه حتى اقتحموا داره وقتلوه صبرا، ومنها قتله أبناء أخيه المولى يوسف بن إسماعيل وذلك سنة اثنتين وستين ومائة وألف، ولم يزل عمله جاريا على نحو ما ذكر من الموبقات العظام إلى هذه السنة التي أخرجه المترجم من موطن عزته فيها. ثم قبض المترجم على ما يزيد على العشرين قنطارا من خصوص أهل الغرفة، وما يزيد على المائة قنطار من أهل تافيلالت، ومن أهل وادى المالح وما يليه ستة عشر قنطارا، ومن أهل تابو عصامت وما يليها ستة عشر قنطارا، ومثل ذلك من أهل السيفة وما يليها، وهد قصبتهم بوصاية من أبيه، وكان هَدّه لها آخر ذى القعدة من العام.

ثم ارتحل لمراكش بعد أن أقام بتافيلالت شهرا، وحسم داء آيت عطية، وآيت يفلمال وولى عليهم القائد على بن حميدة الزرارى، وكان رجوعه لمراكش على طريق، ومن الغد رفع الله تلك الثلوج وأصبح اليوم عيد الأضحى، فخطب السلطان الناس بنفسه، ودعا للسلطان عبد الحميد العثمانى ثم قام فدخل مراكش. وفى العام نفسه وجه ولده أبا محمد عبد السلام لأداء فريضة الحج حيث إنه كان عام حجه مع أخيه المولى على لم يبلغ الحلم حسبما أشرنا لذلك، ووجه في معيته للحجار أموالًا تفرق في أناس عينهم نذكرهم فيما يأتى لنا بعد بغاية الإيضاح بحول الله. وفى عام ثمانية وتسعين ومائة وألف وجه أموالًا إضافية لتصان بقصبته التي بالرصانى من تافيلالت، ووجه لمن هنالك من الأشراف الكسوة ورتب لهم في كل سنة مائة ألف مثقال، ووجه ابن عمه وصهره المولى عبد المالك بن إدريس للحج وفى معيته الكاتبان أبو عبد الله محمد بن عثمان، وأبو حفص عمر الوزير، والحاج عبد الكريم بن يحيى أمير الركب، ووجه معهم هدية نقدية لها بال لأهل الحرمين والحجار واليمن بعد أن يذهبوا لاصطنبول أولا، وكتب للسلطان العثمانى أن يوجههم مع أمير صرته الذى يذهب إلى الحرمين الشريفين كل سنة، فلما بلغوا حضرته وجدوا أمير الصرة قد سافر فأقاموا إلى الموسم القابل وسافروا مع الركب. وفى عام تسعة وتسعين ومائة وألف، نهض لثغر الصويرة (¬1)، وكان وصوله إليها يوم السبت سادس عشر ربيع الثانى ودخل لجامع قصبتها وصلى به العصر، واجتمع بمن بها من العلماء فاسيين وسوسيين وغيرهم، وأقام بها أياما ثم نهض وسار إلى أن حل بالدار البيضاء، ولما شاهد مرساها أعجبته فأصدر أمره ببنائها، وولى على الشاوية القائد عبد الله الرحماني بعد أن سرحه من السجن، ثم ارتحل ¬

_ (¬1) انظر في ذلك: الاستقصا 8/ 54.

إلى ثغر الرباط، وكان حلوله به يوم الخميس فاتح ذى الحجة، فقصد أولا جامع السنة، حيث كان الفقهاء والعلماء في انتظاره، ولما أقبل عليهم استفتحوا قراءة سورة: إنا فتحنا، وبعد أن فرغ من تحية المسجد جلس أمام المحراب والطلبة محدقون به وبعد ختم السورة المذكورة وتقديم تحياتهم إليه توجه لقصوره، ونزلت المحلة خارج المدينة، وأقام هو بالرباط أربعة أشهر، وقام أهل العدوتين بضيافته وتقديم فاخر الأطعمة إليه، وهو يصل كل من أتاه بشئ من الطعام بصلات من عشرة مثاقيل إلى عشرين. وفى عام مائتين وألف، أوقع بأهل أبى جعد وقعة عظيمة، واستصفى أموالهم وخرب دورهم، وذلك يوم الأحد الثانى عشر من ربيع الثانى لإيوائهم أهل الزيغ والفساد، وسعيهم في إيقاد نار الفتن، وتعدد صدور النهى لهم عن ذلك فلم ينتهوا، ثم بعد ذلك نهض لمراكش، وأنهض معه أبا حامد العربي بن المعطى الشرقى للاستيطان بمراكش والتغريب عن محل الفتن فاستوطنها، وصار يدرس بجامع الكتبيين منها. وفى يوم الأحد الثالث عشر من ذى الحجة بارح المترجم مراكش، وفى يوم الاثنين ثانى عشرى الشهر خيم بإزاء وادى يكم، وفى يوم الثلاثاء الثالث والعشرين منه حل بالرباط، وفى العام وجه كاتبه المؤرخ أبا القاسم الزيانى سفيرا للسلطان عبد الحميد العثمانى كما سنشرح ذلك بعد. وفى عام واحد ومائتين وألف، نهض من رباط الفتح ووجهته مكناسة، وذلك يوم السبت حادى عشرى ربيع الثانى، وفى يوم الأربعاء عاشر جمادى الأولى نهض من العاصمة المكناسية لفاس وأقام به ثلاثة أيام، ثم ارتحل منه يوم السبت ثالث عشر الشهر يريد تافيلالت، وسار إلى أن دخلها يوم الجمعة السادس عشر من جمادى الأولى، وأقام بها نحو شهر، وعم ببذله الذهب والفضة سائر

الطبقات الشرفاء والعلماء من الخنك إلى أقصى تافيلالت، وزوج الأرامل وغيرهم، وأعطى لكل عروس خمسين مثقالا ذهبا، وحسم مادة الفساد من تلك البلاد، ثم نهض لمراكش يوم السبت خامس عشرى جمادى الثانية وسار إلى أن دخلها أوائل رجب، وفى العام وجه كاتبه ابن عثمان آتى الترجمة سفيرا للقسطنطينية العظمى حسبما سنوضحه بعد. وفى عام اثنين ومائتين وألف نهض من مراكش قاصدا فاسا، حيث بلغه عيث شراكة وسعيهم في الأرض الفساد، ولم يزل يطوى المراحل إلى أن دخل مكناسا، ثم في يوم الجمعة فاتح رمضان نهض لفاس ولما اتصل الخبر بشراكة فروا لجبل أمركو واستجاروا بضريح أبى الشتاء، فاقتفى أثرهم بجنوده، ولما التقى الجمعان شبت بينهما حرب هلك فيها خلق ثم انهزمت شراكة شر هزيمة ومزقوا كل ممزق، ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا. وفى أوائل رمضان نهض من بلاد شراكة بعد أن تابوا وأنابوا، ونزل بايناون من بلاد الحياينة، وبعث الجيوش تحت القائد العباس السفيانى لناحية القبائل الريفية بقصد زاوية بنى توزين المنسوبة للشيخ أبى عبد الله محمد بن ناصر الدرعى، ولما أحسوا بورود الجيوش إليهم هربوا لموضع حصين تحصنوا به، فدخل الجيش السلطانى الزاوية واستولى على جميع أقواتها وذخائرها وهَدَّها هَدًّا كما هَدَّ روضة الشيخ أبى محمد عبد الله، وروضة ولده الشيخ أبى عبد الله محمد. ولم يزل المترجم مقيما بايناون إلى أن صام رمضان وأقام سُنَّة عيد الفطر، ثم رحل لفاس، ونزل بدار دبيبغ، وأقام بها نحوا من تسعة أشهر. ثم بلغه رفض أهل تامسنا طاعة عاملهم صهره القائد عبد الله بن محمد الرحمانى وبالأخص أمزاب، والبعض من الشاوية، فنهض في القبائل البربرية وسار إلى أن وصل مكناسة، ثم بارحها يوم الثلاثاء خامس عشرى رجب، وسار

إلى أن وصل الرباط ضحى يوم السبت تاسع عشرى رجب، وفى يوم الأحد رابع شعبان نهض من الرباط ووجهته الشاوية، وأوقع بالمعتدين منهم وقعة لم يتقدم لها نظير، قطع فيها سبعمائة رأس من رؤسائهم المفسدين، وقبض على مائتين، وكانت هذه الواقعة يوم الثلاثاء ثالث عشرى شعبان، ثم نهض إلى مراكش وسار إلى أن حل بها يوم الأربعاء. وفى رابع عشرى ذى القعدة تبرأ المترجم من عهدة ولاية أى أحد، وأحضر العلماء وأمرهم بالإشهاد عليه بذلك، ونص الاشهاد على ما في تاريخ الضعيف: "الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما". وبعد: فإن مولانا أمير المؤمنين، المجاهد في سبيل رب العالمين، أيده الله بتوفيقه، ومنحه كرامة سلسبيله ورحيقه، تبرأ من عهدة تولية أحد مرتبة من مراتب الدين، وأنه التزم هذا الأمر التزاما أذاعه وأفاضه، وألزم نفسه العمل بمقتضاه، وصدر منه هذا الأمر الشريف هروبا بنفسه لساحل السلامة، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: أحب أن ألقى الله وليس لأحدكم قبلى مظلمة، والله تعالى يتولاه بتوفيقه ورضاه، أشهد عليه أيده الله بذلك من أشهده على نفسه، وهو يمحل ولايته ومقعد حكومته برابع عشرى ذى العقدة الحرام عام ثلاثة ومائتين وألف: أفقر الورى لله تعالى محمد بن قاسم السجلماسى وفقه الله بمنه، وعبد ربه تعالى محمد بن العباس الشرادى لطف الله به، وعبد ربه تعالى محمد بن أحمد الخطاب خار الله له يمنه، الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله محمد العربى ابن المعطى بن صالح، وفقه الله للعمل الصالح، وعبد ربه إبراهيم بن أحمد الزداغى، وعبيد ربه تعالى محمد الدرعى خار الله له في الدارين، وعبيد ربه تعالى محمد بن عبد العزيز غفر الله له آمين، وعبيد ربه أحمد بن العباس الشرادى، وعبيد ربه تعالى

محمد السلامى لطف الله به آمين، وعبيد ربه تعالى العباس بن على غفر الله له، وعبيد ربه أحمد بن عبد العزيز وفقه الله بمنه، وعبيد ربه تعالى عبد القادر بن المعطى الشرقاوى لطف الله به بمنه، وعبيد ربه محمد وفقه الله، وعبيد ربه تعالى محمد بن يعقوب وفقه الله آمين" بلفظه. ثم بعث بهذا العقد لجميع مدن المغرب، وأخذ في غلق أبواب دار دبيبغ وتخريبها، ونزع الأبواب الخشبية وغير ذلك من الأنقاض. وفى العام نفسه وجه له السلطان عبد الحميد خان كاتب ديوانه أبا العباس أحمد أفندى وجملة من أعيان القسطنطينية بهدية فاخرة، سيأتى ذكر ما اشتملت عليه. وفى عام ثلاثة ومائتين وألف نهض المترجم من العاصمة المكناسية وذلك يوم الثلاثاء خامس عشرى رجب العام، وسار إلى أن خيم بقرميم، وفى ضحى يوم السبت حل بالثعر الرباطى، وفى يوم الأحد رابع شعبان بارح الثغر المذكور وسار إلى أن وصل الشاوية وأوقع بفرقة امزاب منها شر وقعة لعصيانهم ومؤازرتهم للنهاب قطاع الطريق الساعين في الأرض الفساد، واقتناعهم من تسليمهم للحضرة السلطانية بعد ما أمروا بذلك مرات، وحذروا فلم يزدهم التحذير إلا إغراء. كما أوقع بجيرانهم بنى مسكين لإيوائهم إليهم بعد أن نهوا عن ذلك وحذروا وأنذروا، وبعد أن طهر الأرض من أهل الفساد والعبث توجه إلى عاصمة الجنوب، وكان حلوله بها يوم الأربعاء رابع عشرى شعبان المذكور، وبعد حلوله بها أصدر أوامره لبحرية العدوتين بالتوجه للعرائش وزخرفة السفن الأربعة التي كان عينها من جملة الهدية التي هيأها للسلطان عبد الحميد خان العثمانى، وأسند الأمر في القيام بشئون ذلك لناظر الأوقاف الطالب المكي بار كاش، وفى منصرم

محبته للعلم واعتناؤه بأهله

الشهر وجه صاحب الترجمة صهره القائد محمد الزوين بن عبد الله الرحمانى بالهدية التي من جملتها السفن المذكورة. وفى عام أربع ومائتين وألف، أمر حاجبه أبا عبد الله محمد قادوس أفندى بالإتيان إليه بما في بيت مال تطاوين، ووضعه بمكناس ولما ورد به إليها أحضر الأمناء ووضعه بمحضرهم في المحل الذى أمر بوضعه فيه. وفى العام تفاحش أمر اليزيد نجل المترجم، واشتدت شوكته، وفى يوم الاثنين الثانى عشر من رجب نهض صاحب الترجمة من مراكش لينظر في أمر ولده المذكور، وفيه كان ابتداء المرض الذى كانت منيته به. محبته للعلم واعتناؤه بأهله لقد كان له رحمه الله اعتناء زائد زمن خلافته بمطالعة كتب الأدب والتاريخ والسياسة وأحوال العرب وأيامها ووقائعها وأنسابها حتى فاق في ذلك معاصريه، وصار المرجوع إليه فيه، قال الزيانى وغيره ممن عاصره وخالطه: كان يستحضر كل ما يطالعه حتى كاد أن يحفظ كتاب الأغاني برمته لا يعزب عنه منه إلا النادر. ولما نال الخلافة العظمى عن جدارة واستحقاق، أكب على مطالعة كتب السنة وولع بسرد كتب السيرة والحديث، وصار لا شغل له بغيرها في أوقات فراغه من الأحكام وتدبير أمور الرعية، فحصلت له بذلك ملكة في السنة وأحكامها لم يلحقه فيها غيره، وجلب من المشرق ما لم يكن بالمغرب من مصنفاتها ذات البال، كمسند الإمام أحمد، ومسندى أبى حنيفة والشافعى، وغير ذلك من مهم المتون والشروح، وأمر علماء وقته بشرح مؤلف الصغانى الحديثى، فكان ممن شرحه الشيخ التاودي بن سودة. وكان بعد صلاة الجمعة يجلس بمقصورة الجامع مع فقهاء مراكش ومن يحضر عنده من علماء المغرب الوافدين عليه يجالسهم إكراما لهم وتنويها بقدرهم

ويذاكرهم في الحديث وفقهه والآداب وأيام العرب، وكانت له اليد الطولى في جميع ذلك، وكان يحصل له النشاط التام بالمذاكرة معهم في العلوم، وكثيرا ما يقول لهم على سبيل التأسف: والله لقد ضيعنا أعمارنا في البطالة واللهو في حالة الشبيبة. ورتب أوقاتا لسرد الأحاديث النبوية والتفهم في معانيها مع قادة علماء وقته وضبطها ضبطا محكما لا يكاد يتخلف وقت منها، وانتقى جماعة من أعيان فحول علماء دولته لسمره ومجالسته، فكان يملى عليهم الحديث النبوى ويؤلفونه على مقتضى ما يشير عليهم به، منهم العلامة الحجة أبو عبد الله محمد بن أحمد الغربى الرباطى، وأبو عبد الله محمد بن المسير السلوى، وأبو عبد الله محمد الكامل الراشدى، وأبو زيد عبد القادر بوخريص، وأبو محمد بن عبد الصادق، وأبو الحسن على بن أويس الفيلالى، وأبو محمد عبد السلام بن بوعزى حركات السلوى، هؤلاء هم المخصوصون من أهل مجلسه بالتأليف والدراسة والخوض في جمع ما يملى عليهم، ويأمر بتدوينه طبق ما يريد. وجلب المحدثين من فاس ومكناس لمراكش، كالعلامة الشريف مولاى عبد الله المنجرة أخ مولاى عبد الرحمن، والفقيه الأديب أبى عبد الله محمد بن الشاهد، نقلهما إليها من فاس، وأبى العباس أحمد بن عثمان مار الترجمة نقله إليها من مكناس، والسيد محمد بن عبد الرحمن الشريف نقله إليها من تادلا، وأبى الفضل الطاهر السلوى، والشيخ الطاهر بن عبد السلام فرقهم على مساجد مراكش لتدريس العلم ونشره بين العباد، ثم يحضرون مجالسه بعد صلاة الجمعة للمذاكرة في الحديث والتفهم في معناه، وكان له اعتناء خاص بمولاى عبد الله المنجرة، وأخيه مولاى عبد الرحمن.

[صورة] ظهير سيدى محمد بن عبد الله لأبى مدين الفاسى في إسناد أمر زاويتهم الفاسية إليه

قال أبو محمد عبد السلام نجل صاحب الترجمة في مؤلفه "اقتطاف الأزهار من حدائق الأفكار": وكان والدى نصره الله، وأدام لنا وللمسلمين علاه حريصا على تعليم أولاده، تابعا في ذلك سنة آبائه وأجداده، يجلب العلماء لحضرته السعيدة، المباركة الحميدة، ويحث على تعليم العلم في سائر القرى والمدن ويكرم الأعلام، وهو نصره الله مشارك في جميع الفنون العظام، قد وسع أهل العلم إنعاما وإحسانا، وعطاء وامتنانا، يعلى مجالسهم، ويستخرج نفائسهم، ويكثر جوائزهم، ويقضى حوائجهم، وله مع الفقهاء مذاكرات ومحادثات في سائر الأيام، وممر الدهور والأعوام، فيلقى عليهم من المسائل المشكلات في الحديث والسير والأخبار وضروب من الفنون العربية، ونكت من المقطعات الأدبية، فلا يهتدون إليها إلا بعد الاطلاع، وسواء في ذلك ذو العارضة أو قصير الباع. هـ وحبس خزانة كتب جده السلطان الأعظم أبى النصر إسماعيل التي كانت بدويرة الكتب الشهيرة بمكناس، وفرقها على جميع مساجد المغرب، وكانت تزيد على الاثنى عشر ألف مجلد، رجاء نفع عموم الناس وسعيا وراء نشر العلم وتحصيله. ومن ذيول هذا الباب ما أصدره لأبى مدين الفاسى في إسناد أمر زاويتهم الفاسية إليه مع الخطبة والإمامة بالقرويين، ونص ذلك بعد البسملة والصلاة: "عن أمر عبد الله الغالب بالله المعتمد على الله الناصر لدين الله المفوض جميع أموره إلى مولاه، في سره ونجواه، أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين (ثم الطابع بداخله محمد بن عبد الله بن إسماعيل الله وليه ومولاه وبدائرته ومن تكن إلخ) أيد الله أمره وسلطانه، وقوى على حزب الشرك أنصاره وأعوانه، وأسس على قواعد التقوى رواياه وأركانه، وحرس بعينه التي لا تنام إيالته وأوطانه، وأسعد عصره وأوانه، يستقر هذا الظهير الكريم المبارك الجسيم،

والخطاب الحتم الصميم، المتلقى بالإجلال والتعظيم، المحفوف باليمن والإقبال ذلك قولا من رب رحيم، الحافظ نظام العز الشامخ البناء، واللاحظ المعتمد عليه بعين القبول والاعتناء، والمجد مراسم الاعتلاء، لفضلاء الأبناء المتوارث عن جلة الآباء، أصدره أيده الله تكميلا للمقاصد، وإجزالا لعارفة النعم الحميدة المصادر والموارد، وتنويها بما ثبت واستمر من الصنع الذى انتشر نشره، وفاح عطره، في المحافل والمشاهد، بيد حامله الفقيه العلامة، الشهير بالديانة والاستقامة، وارث سر أسلافه، ومن يكاد العلم والعمل ينبعان من أغصانه وأعطافه، حتى صار الهدى والرشاد من ذاتياته وأوصافه، محبنا في الله وخلاصتنا من أجله سيدى أبى مدين العالم الأكبر، والعلم الأشهر، سيدى أحمد بن العالم الناسك، الواعظ المشارك، النور الشارق، الذائع سر فضله في المغارب والمشارق، سيدى محمد بن إمام العلماء والزهاد، ورئيس النقباء والأصفياء والأوتاد، وجودى الاقتداء، ومنار الاهتداء، في الحياة والمعاد، من تأرجت بعلمه، وتتوجت بدقيق فهمه بطون الدفاتر، وذرى المنابر، ومتن الكراسى صاحب البركات، وذو الكرامات، سيدى عبد القادر الفاسى، رحم الله أشباحهم، وأبد في الفردوس والنعيم نفوسهم الكريمة وأرواحهم، آمين. يتعرف منه بحول الله وقوته، وشامل يمنه وبركته وجميل مواهبه اللدنية ونصرته، أنا جددنا له ولبنيه، وأهله وذويه، حكم ما بأيديهم من الظهائر السلطانية، والأوامر الإمامية الصادرة عن أسلافنا الكرام، الموالى العظام، الذين اختارهم الله لرعاية الأنام، سقى الله ثراهم بوابل المغفرة والإنعام، المعربة عما ثبت لهم من الأثرة والمبرة، والرتبة السامية المستمرة، التي تقيهم ضروب الضيم والمضرة، وتعرفهم في أحوالهم كلها عوارف المسرة، وترقيهم من ساحة التبجيل والتعظيم مكانا عليا، وتدنى لهم في حدائق التنويه والتكريم من جنا الرعى

والتنزيه زهرا جنيا، وتقف دون حوزتهم وقوف الذائد، وتعلم بما خلعنا عليهم بزته، وأقعدناهم منصته، كما يعلم بالخصب الرائد، وتسدل عليهم من أردية الإجلال والافتخار جلبابا، وتضرب عليهم من مهابة العلم والنسك سرداقا وقبابا، وتفتح لهم من الإقبال والتأييد والإمداد حججا وأبوابا، مبرة يثبت دوامها، ويؤمن انقراضها وانصرامها، وتمضى بعون الله عزائمها واهتمامها، وتستقر أوامرها وأحكامها، حسبما استمرت بذلك عوائدهم الجميلة، وسيرتهم المحمودة الجميلة، وزاويتهم الجديرة بالتعظيم والإيثار، والمشهورة بالاعتصام لمن آوى إليها والانتصار، محفوظة الأنحاء، ملحوظة الأرجاء، مؤمن من نزيلها، مكلوء رعيلها، لا تطرق أيدى الطراقين جنابها، ولا ينال عدوانهم أبوابها ولا أعتابها، لأن المدينة الإدريسية حاطها الله وإن فاخرت المدن بالأئمة والعلماء والصلحاء سكانها، حين قيل فيها يكاد العلم ينبع من حيطانها، فإن نسبة تلك الزاوية المباركة منها وعندها كنسبة الإنسان من العين، دون خلاف في ذلك بين اثنين. ولا ريب ولا مين مع ما لها في جانبنا الكريم من الود الصميم والإخلاص اللذان أديا إلى غاية مراتب الحظوة والاختصاص، وصيرها دارنا وعرارنا أجزل الله لديها مورد النعمة، وأبقى عليها لبوس الإيثار والحرمة، وأدام عمارتها بالأسرار المودعة في خلفها الصالح والمكارم الجمة، وإن كانت دعوة الشيخ سيدى عبد الرحمن المجذوب نفع الله به كفيلة بذلك ما دامت الأمة، والمسند إليه أمرها والنظر فيها وفى مصالحها ومنافعها، والراصد لسموت ارتفاعها وأوقافها ورباعها وأحزابها، والمولى الإمامة والتدريس بها، والمتكلم في المؤذنين بمنارها، والمحترمين بروض معطارها، هو سيدى أبو مدين المذكور، وإليه المرجع في جميع الأمور، لأن رحالها بقطب أسراره تدور، ومنهلها العذب السليس من عنصره يفور.

اختياراته المذهبية وما رأى من المصلحة حمل القضاة والمدرسين عليه

بَيدَ اَنّ كُلَّ من استجار بزاويتهم، واستظل بظل عنايتهم، ينهى إلينا خبره، فيحمد إن شاء الله ورده وصدره، ولا يكون واسطة بيننا وبينه، ولا كلام لأحد من وال أو عامل أو قريب أو بعيد فيها دونه، لأن مكانته الفضلى، لا زالت صحف آيها توحى وتتلى، وتجدد معالمها ولا تبلى، مثل ما كانت حظوته الشهيرة عند سيدنا الوالد ومولانا الجد المقدسين المنعمين وأرفع وأعلى. كما جددنا له أيضًا على الخطابة بمنبر القرويين والإمامة بها عمرها الله بدوام ذكره وعلى جميع ما بيده ويد إخوانه من الأوقاف الماضية، والصدقات الجارية إعانة لهم عما هم بصدده من تدريس العلم وبثه ونشره، وتحصيل ثوابه وأجره، بحيث أن من حام حول ساحتهم، أو رام جانب مساحتهم، تلزمه العقوبة، ولا يقبل منه عذر ولا مثوبة، وحسب الواقف عليه من الولاة والخدام، أن يبادر بالامتثال لما أنفذته الأوامر والأحكام، ويقف عند ما تضمنه الطرس وسطرته الأقلام، والسلام، وفى العشرين من جمدى الثانى عام واحد وسبعين ومائة وألف. اختياراته المذهبية وما رأى من المصلحة حمل القضاة والمدرسين عليه ونظم العدلية الشريفة بإيالته أصدر في ذلك أولا منشورًا إليك نصه بعد الحمدلة والصلاة على رسول الله: "هذا ظهير كريم، يجب أن يتلقى بالتبجيل والتعظيم، صدر بأمرنا المطاع، يعلم منه أننا نأمر سائر القضاة بسائر إيالتنا أن يكتبوا الأحكام التي يوقعونها بين الناس في كل قضية، ولا يهملوا كتابة الحكم في شئ من القضايا، وليكن المكتوب رسمين يأخذ المحكوم له رسما يبقى بيده حجة على خصمه إذا قام عليه

يوما ويأخذ المحكوم عليه رسما ليعلم أن القاضى حكم عليه بالمشهور (¬1) وعلى كل قاض من القضاة أن يعمل بموجب ما ذكرناه، ويقف عند ما رسمناه، لكونه حكما شرعيا، ومنهاجا بين قضاة العدل مرعيا. ومن خرج عما ذكرناه بأن حكم ولم يكتب حكمه أو لم يشهد عليه العدول، فهو عندنا معزول، وتناله منا العقوبة التامة، ونأمر الواقف عليه من عمالنا وولاة أمرنا أن يقفوا في هذا الأمر حتى يجرى عليه عمل القضاة، ولا يهملوه إلا في المحقرات التافهة المقالات". ثم أتبعه بما نصه: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، مسائل المذهب باعتبار الحكم فيها وفاقا وخلافا على خمسة أقسام: الأول ما هو متفق على إثبات الحكم فيه، الثانى ما أثبت الحكم فيه الأكثر كالثلثين ونفاه الأقل كالثلث وهو المعروف عند الفقهاء بالمشهور والراجح، الثالث ما اختلف فيه على قولين متساويين إثباتا ونفيا، الرابع ما أثبت الحكم فيه الأقل كالثلث ونفاه الأكثر وهو المسمى عند الفقهاء بالمرجوح وبمقابل الراجح والمشهور، الخامس هو ما أثبت الحكم فيه رجل أو رجلان ونفاه الباقى وهو المسمى بالشاذ (¬2) فالأقسام الأربعة ما عدا الأخير نعمل بها كلها في عبادتنا (¬3)، والقسم الخامس وهو الشاذ لا نعمل به ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "هو صميم الحق الذي لا عوج فيه ولا أمتا إذ كثيرا ما يحكم بعض قضاة الجور لفظا ويمتنع عن كتابة الحكم ومن إعطائه نسخة للمحكوم له أو عليه وقد شاهدنا من هذا كثيرا. هـ. مؤلف". (¬2) في هامش المطبوع: "هذا منه رحمه الله جرى على ترادف الراجح والمشهور وهو قول في المسألة وقيل بتغايرهما. هـ. مؤلف". (¬3) في هامش المطبوع: "لا خفاء في ثبوت النص على جواز العمل بالضعيف للمرء في خاصة نفسه عند الضرورة وأن ذلك هو فائدة ذكر الأقوال الفقهية مع امتناع الحكم بغير المشهور وعليه فما قاله المترجم يحمل على ما لا ضرورة فيه هـ. مؤلف".

فيها، وأما غير العبادات مما يتعلق به حقوق العباد كالنكاح والطلاق والعتق والمعاملات الجارية بين الناس، فالعمل عندى فيها بالأقسام الثلاثة، وهى المتفق عليه والمشهور وما تساوى فيه الطرفان (¬1). وأما القسمان الباقيان وهما مقابل المشهور والشاذ فلا أعمل بهما في حقوق العباد خوفا من المحذور، بخلاف العبادة فأعمل فيها بمقابل المشهور دون الشاذ لأن العبادة بينى وبين ربى، ودين الله يسر كما قال تعالى: {... وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ... (78)} [سورة الحج 78] وقال - صلى الله عليه وسلم -: من غصب شبرًا من الأرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة. والرجال الذين ذكرت يعتبر اتفاقهم واختلافهم، فإنما أعني بهم أصحاب الإمام مالك الذين حملوا عنه مذهبه، كابن القاسم، وأشهب، وابن نافع، وابن وهب، ومطرف وابن الماجشون وغيرهم ممن أدرك الإمام مالكا، وكذلك الذين جاءوا بعده ولم يدركوه فأخذوا عن أصحابه كسحنون، وابنه محمد، وأصبغ، وابن المواز، وابن حبيب، وابن عبدوس، والقاضى إسماعيل وغيرهم، وكذلك الذين جاءوا بعد هؤلاء كالأبهرى، وابن أبى زيد، والقابسى، وابن القصار، والقاضى عبد الوهاب وأضرابهم. ثم تلامذتهم كأبي بكر بن عبد الرحمن، وأبى عمران الفاسى، وابن يونس، وابن شعبان، ثم اللخمى، والمازرى، وابن رشد، وابن العربى، وسند، ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "نص أئمتنا على أن الذى تجوز به الفتوى والحكم أربعة المتفق عليه والراجح والمشهور وقد علمت أن الأمر هنا مبنى على ترادفهما والقول المساوى لمقابله حيث لا مرجح هـ. مؤلف".

وعياض وأمثالهم (¬1). ولست أعنى الأجهورى وأصحابه، وكل فتوى أفتى بها الأجهوريون فإن وافقت قول العلماء الأقدمين الذين تقدم ذكرهم فنعمل بها، وإن لم توافقهم فلا نعمل بها وننبذها وراء ظهورنا (¬2). ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "على نحو هذا المسلك كان الإمام أبو إسحاق الشاطبى فقد نقل الونشريسى في معياره والسودانى في تكميله عنه أنه كان لا يأخذ الفقه إلا من كتب الأقدمين ولا يرى لأحد أن ينظر في الكتب المتأخرة وخصوصا من تنبيه ابن بشير وجواهر ابن شاس ومختصر ابن الحاجب وقد قرر هذا في مقدمة كتابه الموافقات ولكن قد هيأ الله تعالى في عصر الشاطبى المذكور محرر المذهب وحافظه وملخصه الإمام أبو عبد الله بن عرفة فتتبع أمهات المذهب وسبر رواياته وعرض عليها ما في كتب المذكورين فما وجد له أصلا فيها قبله وما وجده ليس كذلك أنكره قائلا إنه لا يعرفه حسبما بسط ذلك في ديوانه الحفيل ومختصره، وعلى ذلك نهج بعض حفاظ أصحابه كالإمام أبى عبد الله بن مرزوق كما نبه عليه في ديباجة شرحه على المختصر وعلى تنقيح المذهب وتحريره من ابن عبد السلام شيخ ابن عرفة في شرح ابن الحاجب وكذا الشيخ خليل في توضيحه حتى قال الإمام الخطاب في باب القضاء من شرحه على المختصر لما تكلم على شروط الفتوى ما نصه ويكفى الآن أن فيما يعول عليه المفتى في فتواه وجود المسألة في التوضيح أو في ابن عبد السلام هـ. وعلى ما يجب التمشى عليه قضاء وفتوى قصر الإمام أبو المودة خليل مختصره الذى قال فيه الإمام أبو العباس الهلالى في نور البصر فكم أراح من التعب الفادح النفوس والخواطر. وأسدى ما هو أجزل من الغيوث المواطر. هـ. مؤلف". (¬2) في هامش المطبوع: "إن ما تفردت به كتب الأجاهرة محذر منه لدخوله دخولا أوليا في قول الشهاب القرافى تحرم الفتيا من الكتب الغريبة التي لم تشتهر حتى تتظافر الخواطر عليها ويعلم صحة ما فيها وكذا الكتب الحديثة التصنيف إذا لم يشتهر إعزاء ما فيها إلى الكتب المشهورة أو يعلم أن مؤلفها كان يعتمد هذا النوع من الصحة وهو موثوق بعدالته ويعضد ما قاله المترجم قول الهلالى في نور البصر ونصه: ومن الكتب التي لا يعول على ما انفردت به شرح العلامة الشهير المكنى بأبى الإرشاد نور الدين الشيخ على =

فيجب على القاضى أن يحكم في حقوق الناس بالمتفق عليه ثم يقول الأكثر وهو المشهور، ثم بأحد القولين المتساويين بعد أن يجتهد في القول الذى يحكم به منهما (¬1) خشية أن يضيع حق المساكين، ويميل إلى قوى. فكل من ثبت له حق من المساكين بأحد القولين المتساويين فليثبته له بذلك القول، وليلغ القول الذى يبطل به حق المسكين (¬2) فإذا حكم القاضي بما ذكرنا كان قد استبرأ لدينه وعرضه. ¬

_ = الأجهورى على المختصر كما ذكر ذلك تلميذه العلامة النقاد أبو سالم سيدى عبد الله العياشى في تأليفه "القول المحكم في عقود الأصم الأبكم" وشار إلى ذلك في رحلته ومن مارس الشرح المذكور وقف على صحة ما قاله تلميذه المذكور والمراد شرحه الوسط وأما الصغير فقد ذكره أبو سالم وسألت عنه بمصر فما وجدت من سمع به وأما الكبير فذكر لى أنه لم يزل في مبيضته وقد نقل عنه تلميذه الزرقانى في بعض المواضع وما قيل فيه يقال في شرح تلامذته وأتباعه من المشارقة كالشيخ عبد الباقى والشيخ إبراهيم الشبرخيتى والشيخ محمد الخرشى لأنهم يقلدونه غالبا -هذا مع أن الأجهورى حرر كثيرا من المسائل أتم تحرير وقررها أوضح تقرير وحصل كثيرا من النقول أحسن تحصيل وفصل مجملات أبين تفصيل فشرحه كثير الفوائد لمن يميز حصباءه من دره ولا يطويه على غره وقد سألت بالجامع الأزهر من القاهرة عن شرح تلميذه الشيخ عبد الباقى فقيل لى ما رأيك فيه فقلت لا ينبغى للطالب أن يترك مطالعته لكثرة فوائده ولا أن يقلده في كل ما يقول أو ينقل لكثرة الغلط في مقاصده وقد هيأ الله بعد ذلك أئمة حفاظًا نقادًا لتمييز غث شروح الأجاهرة من سمينها كالشيخ مصطفى الرماصى والشيخ بنانى والشيخ التاودى والشيخ الرهونى فزيفوا سقيمها وعضدوا صحيحها حتى صار بذلك الآن السالم من التعقب من شرح الزرقانى عمدة القضاة والمفتين. هـ. مؤلف". (¬1) في هامش المطبوع: "صريح في أنه يجب عليه في القولين المتساويين أن يجتهد في أحدهما ولا يختار واحدا منهما دون اجتهاد وهو قول الشاطبى كما يأتى هـ. مؤلف". (¬2) في هامش المطبوع: "هذا من المترجم تنبيه على بعض طرق الاجتهاد في الذى يحكم به من أحد القولين المتساوين وكأنه اختيار منه والمنقول في ذلك بعد القول بالتخيير الذى =

وأين القضاة الذين كانوا يحكمون بما ذكرنا ولا يهملون حق المساكين، وإنما نظر القضاة اليوم إلى صاحب المال لماله وصاحب الجاه لجاهه فيحكمون لهم ويغلبونهم على المساكين بالقول الشاذ والعياذ بالله، وأما أنا فكل قضية وصلت إلينا فإننا ننظر في الحكم الذى حكم به القاضى، فإن وجدناه حكم بالمتفق عليه فعلى بركة الله، وإن وجدناه حكم بأحد القولين المتساويين وأثبت حق المسكين وألغى الطرف الآخر فكذلك، وإن وجدناه حكم بالقول الآخر الذى يلغى فيه حق المسكين فلا يلومن إلا نفسه، وكذلك إذا حكم بالقول الشاذ فإنه يجب على السلطان نزعه وعقوبته". ثم أتبع ذلك أيضًا بما نصه: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه. اعلم أن هاهنا فوائد لا بد منها، ومسائل لا يستغنى عنها، تشتمل على سبعة فصول. الفصل الأول: أن المرأة لا توكل روجها لاستخراج حقوقها (¬1)، وإنما توكل قريبا من أقاربها أو أجنبيا وما يقبضه لها من حقوقها يدفع بيدها وتبرئه منه، ولا ¬

_ = انتقده الشاطبى وتابعه الهلالى وعلى ضده مر المترجم ما تقدم هو الترجيح بأن أحد القائلين أعلم من مخالفه أو بكون أحد القولين أشد وأغلظ من الآخر كما أن المنصوص تحذير المفتى من قصد إضرار أحد الخصمين بفتواه وإرادة نفع الآخر فتأمل ذلك فإن القوى والضعيف في الحق سواء وكذا في اجتناب الحيف على أحدهما وإنما مراد المترجم بهذا الأخذ بالأحوط لضعاف الخلق الذين لا جاه لهم ولا وجاهة وسدا لباب التشهى والميل مع الأغنياء لأجل غناهم هـ. مؤلف". (¬1) في هامش المطبوع: "هذا أخذ بالأحوط للزوجة لأن الزوج قد يكرهها على توكيله باطنا ويظهر المطبوع به ولا تجد مخلصا إلا بتوكيلها إياه والغالب أنه يستولى على ما قبضه لها ويدخله في مصالحه. هـ. مؤلف".

يدفعه لزوجها، فإن دفعه له فلا براءة له منه (¬1) إلا أن يكون زوجها ابن عمها وأحبت أن توكله فلا بأس. الفصل الثانى: ينادى في أسواق البلد بالبراح أن لا يعامل أحد معدما بفلس أو غيره (¬2)، وإنما يعامل من له دار أو جنان أو غيرهما من الأملاك فيعامل بقدر ما تساويه أملاكه، فإن عامل أحد معدما لا دار له ولا جنان فقد أتلف ماله ولا يسجن ولا يحكم عليه، ومن عنده الأملاك فإنما يعامل بعد البحث عنه خشية أن يكون عليه دين آخر. الفصل الثالث: أن من انقرض فيه دين خفيف كمائة مثقال فما دونها وكانت له صنعة مثل تنجارت وتخرازت أو غيرهما فليجعل له القاضى مسألة، وهى أن يعطى من أجرته لرب الدين نصفها (¬3) ويعيش بنصفها، فإن قبل فذاك، وإن لم يقبل ينفى من البلد، فإن عاد إليها خلد في السجن (¬4). الفصل الرابع: أن المال المنقرض إذا كان كثيرا نحو ثلاثة آلاف مثقال فأكثر وكان الشخص المقروض فيه المال مفلسا ليس عنده ما يدفع في الدين، فإنه ينفى ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "هذا هو المنصوص في كل من دفع لغير من ائتمنه والوكالة العرفية غير معمول بها ولذا يطلب الزوج بوكالة زوجه هـ. مؤلف". (¬2) في هامش المطبوع: "إعلان حال المفلس حتى يتجنب الناس معاملته ولا يقع ضياع لأحد مصرح بوجوبه وعليه جرى عمل قضاة العدل هـ. مؤلف". (¬3) في هامش المطبوع: "كون ذى الصنعة يعطى من أجرته نصفها قضاء عن دينه يأتى على قول اللخمى إن الصانع يجبر على التكسب لأنه على ذلك عامله الناس هـ. مؤلف". (¬4) في هامش المطبوع: "هذا زجر له عن عصيانه وتعزير والتعزير موكول لنظر الإمام واجتهاده وأمر شئ على الإنسان إخراجه من داره ووطنه {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ ... (66)} [النساء] الآية. هـ. مؤلف".

من البلد، فإن عاد إليها خلد في السجن (¬1) وهذه المسألة وإن كانت بدعة فقد رأيناها مستحسنة، ولذلك أمرنا بها إذ ربما يكون الرجل عنده أموال الناس ويظهر العدم ويأكلها في داره، والجلاء أمر عليه من السجن، فإن كان أخفى مالًا فإنه يخرجه، وإن لم يكن عنده شئ صبر على الجلاء. الفصل الخامس: إذا تخاصم رجل مع زوجته فلا يسجنه القاضى (¬2) لها إن لم يكن ضربها بحث القاضى عن سبب ضربه لها فإن كان على ترك الصلاة أو على إتلاف ما له فيصلح القاضي بينهما، وإن كان على غير ذلك بأن كان ضربها ضربا فاحشا أو بالحديد فليعزلها القاضى عن زوجها ويردها إلى أهلها، ولا ترجع إليه حتى يتوب ويأخذ بخاطرها، وهذا الأمر الذى أمرت به من أن الزوج لا يسجنه القاضى فيه مصلحة عظيمة عامة نافعة للزوج وللزوجة، وذلك أن الزوجة إذا رفعته إلى القاضى وسجنه لها فإن مال الزوج يضيع بذلك، لأن القاضى يأكل منه طرفا، وأعوان القاضى يأكلون منه طرفا، والسجان يأكل طرفا، فهذا مال الزوج قد ضاع بين هؤلاء، ومع ذلك الزوجة لا تتوصل بحقها. الفصل السادس: أن من قبض رهنا من حتى أو جوهر أو غيرهما فليرفعه إلى القاضى ويقومه القاضي بحضور أرباب المعرفة حتى تعرف قيمته وتكتب بالعدول، بحيث إذا تلف ذلك الرهن فلا تقع بين المتراهنين خصومة ولا إنكار (¬3)، ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "فيه سد للذرائع وعدم تسرع الناس لأكل أموال بعضهم بعضا بالباطل {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ... (29)} [النساء] وكثيرا ما يتقاعد المفترض على المال ويدعى الفلس وقد تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور. هـ. مؤلف". (¬2) في هامش المطبوع: "ليس السجن في حق الزوجة محتمًا وإنما المدار على زجر الظالم منهما وذلك موكول إلى اجتهاد الإمام ونظره. هـ. مؤلف". (¬3) في هامش المطبوع: "فيه احتياط لجانب المتراهنين وحسم لمادة النزاع بينهما لأن الحلى مما يغاب عليه فيضمنه المرتهن إذا تلف ويبقى بينهما النزاع في قدره وصفته هـ. مؤلف".

وأما إذا لم تعرف قيمة ذلك الرهن وبقى أمره مجهولا وتلف، فإنه يقع بينهما من النزاع والخصومات ما لا يكيف، ويوجب القاضى اليمين على أحدهما وربما يحلف على شئ مجهول لم تعرف قيمته فيهلك. الفصل السابع: إذا أراد الرجل شراء ملك أو دار أو جنان أو أرض حرث أو غيرهما، فلابد أن يأتى إلى قاضى البلد ويعلمه أنه أراد شراء دار في الحومة الفلانية أو جنان بالموضع الفلانى أو فدان بالموضع الفلانى، ويقول الذى أراد الشراء للقاضى إنى أشاورك في هذه الدار مثلا أو غيرهما، فإن أنت وافقتنى اشتريت ذلك وإن لم توافقنى تركت ذلك، فيتعين على القاضى حينئذ أن يبحث أشد البحث في ذلك ويأمر بإحضار رب الدار أو غيرها بين يديه ويسأله بأى وجه دخل بيده هذا الملك الذى أراد بيعه هل بإرث أم بشراء أم بهبة أم بغير ذلك؟ ويأمره بإحضار الرسوم ويتأملها حق تأملها، فإن وجدها موافقة للشرع ولا نزاع لأحد في الملك المذكور لا من جهة شفعة ولا استحقاق ولا ملك غير فحينئذ يوافق مشتريه على الشراء، وإن وجد غير ذلك أخره عن الشراء ويقول له هذا الملك فيه شبهة لا يحل لى أن أوافقك على شرائه، وهذا الأمر المذكور لا يباشره إلا القاضي بنفسه، ولا مدخل للعدول في ذلك لا بكتابة ولا بغيرها، وإن أشكل على القاضى الأمر في صحة ملكية ذلك للبائع وتوقف، فليناد أهل الحومة بذلك الملك ويسألهم عن سبب ملكية البائع لذلك الملك الذى أراد بيعه، فإن كان جنانا فليناد على جيرانه في الجنان، وإن كانت دارا فليناد على جيرانه في الدار وما شهد به الجيران المذكورون يثبته القاضى، ولا يبقى في ذلك كلام، فعند ذلك ينادى القاضى ويدفعه للبائع ويشهد عليه بالبيع العدول، ويثبت له القاضى رسمه، فحينئذ يكون القاضى هو الذى تولى البيع بنفسه فيبقى ذلك الرسم صحيحا مخلدا لذريته ولعقبه ولا يجد من ينازعه فيه أبدًا، وإن وقع بعد ذلك قيام غائب أو

وارث، فدرك ذلك على القاضى لأنه هو الذى تولى البيع بنفسه، وعلى هذا (¬1) يكون عمل القضاة في سائر بلدان المغرب. نطلب الله الهداية لنا ولكم ولسائر المسلمين وقيدناه عن أمير المؤمنين مولانا محمد بن أمير المؤمنين مولانا عبد الله الشريف الحسنى الله وليه ومولاه". "واعلم أن هذا الوقت وقت صعب كثر فيه الظلمة المتمردون ومن جملتهم الذين يريدون أن يأكلوا أموال اليتامى، يأتون إلى رب الملك الذى عنده فيه بعض الورثة أو بعض الحق للغير من شفعة مثلا أو غيرها، فيأتى ذلك الظالم المتمرد ويشترى ذلك الملك الذى فيه النزاع ويتقوى على المسكين صاحب الحق بالمال والرشوة حتى ينزعه منه، ويشهد له العدول، والقاضى يعمل له خاطره ويضيع حق ذلك المسكين، وبعض القضاة يحكمون لذلك الظالم بالفتاوى الواهية التي لا عمل عليها حتى يضيع حق ذلك المسكين". "مسألة أخرى: إذا حكم القاضي بحكم وكان ذلك الحكم مشهورا وذهب المستفتى ليأتي بحكم آخر مشهور، فإنه لا يعمل به ولا يحكم إلا بالحكم الأول (¬2) إذا كان، وإذا أتى المستفتى لصاحب الفتوى وقد كان حكم عليه القاضي بحكم مشهور فليطرده ولا يفتى له، ويقول له: إن القاضى قد حكم عليك بحكم مشهور فلا نفتى لك بفتوى، وإن أفتى له بقول آخر مشهور فتلزمه منا العقوبة التي تأتى على نفسه؛ لأن المفتى يريد أن يعينه بفتواه على الخصام وأكل أموال الناس، وإذا كان القاضى قد حكم عليه بقول ضعيف وكان في المسألة قول آخر مشهور أصح ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "في التمشى على هذه الكيفية احتياط وحسم لمادة النزاع فلا يضيع مال المشترى ولا يبقى نزاع غالبا مع أحد استقبالا ولا مانع من هذا شرعا. هـ. مؤلف". (¬2) في هامش المطبوع: "موضوعه إذا كان القولان معا مشهورين وحكم القاضي بأحدهما فحكمه رافع للخلاف كما صرح به الفقهاء. هـ. مؤلف".

مما حكم به القاضى فليفت له، ويتعين حينئذ على القاضى أن يحكم بذلك القول المشهور، الذى أفتى به صاحب الفتيا، وإذا تمادى القاضى على حكمه الواهى ولم يعمل بالقول المشهور الذى كتب به المفتى فواجب على السلطان نزعه وينقض ذلك الحكم الأول؛ لأن الحق أحق أن يتبع، انظر قضية السيد سلمان الفارسى مع سيدى أبى الدرداء رضى الله عنهما في المسانيد إن كنت من أهل الحديث وطالعها". ثم أتبعه بما نصه: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، اعلم أنه مما ينبغى الإسراع إليه، وتنبيه قضاة الوقت عليه، أن كل من أراد أن يشترى دابة أو أمة أو عبدًا فإنه لا يعقد الشراء مع المالك الذى أراد البيع إلا بعد التقليب الشافى، والاختبار الكافى، فإن لم يكفه التقليب في اليوم الأول زاد اليوم الثانى، وإلا زاده اليوم الئالث، فإن خلصه في اليوم الثالث وحاز المشترى مشتراه والبائع ثمنه فلا رجوع للمشترى على البائع بشئ يجده في مشتراه، وإن كان سبب موته وهلك في يده لأنه كان قلب ورضى وحاز وتصرف، وقد أمرنا بهذا الأمر لما ظهر لنا فيه من المصلحة ورفع النزاع، ولا سيما وبياطرة الوقت قد قلت أمانة الغالب منهم فيستخرجون عيوبا ليست موجودة في الدابة. فنأمر جميع القضاة وغيرهم من الولاة في سائر إيالتنا السعيدة أن يعملوا بأمرنا هذا ويقفوا عنده، وأن لا يتجاوزوا حده، والقاضى لا يثبت رسما يتضمن ما قام به المشترى من العيوب المذكورة، وإنما يثبت رسم الاستحقاق -يعنى إن سرقت دابة أو ذهبت- ولا يقبل القاضى شهادة أجنبى إلا إذا كان من جيرانه إن كان من أهل الحضر، ومن جيرانه إن كان من أهل البادية؛ لأن الأجنبى لا علم له بالدابة، وإن شهد شهد زورًا، وجيرانه تكون عندهم معرفة الدابة متحققة لأن مرورهم عليها في الصباح والمساء.

ومسألة فصل القضاء على الدواب مسألة صعبة كثيرًا، وأنا أُبينها وأبدأ بالفرس لأنه أشرف الدواب، فإن كان الفرس من عتاق الخيل فإن أهل ربعه النازلين معه كلهم يعرفون الفرس معرفة شافية لحسنه وجودته، فإذا سرق الفرس المذكور وأتى أهل الربع المذكور يشهدون على الفرس فأول شهادتهم السب والشتم لمن وجد في يده لمعرفتهم به فلا يبلغون إلى القاضى حتى يملأوا أذنيه سبا وشتما، فعند ذلك يقولون للقاضى: هذا الفرس نعرفه كما يعرف بعضنا بعضا. وإن كان جملا في غاية الجودة وحسن الصورة، فهو ملحق بالفرس في شهادته. وإن كان ثورا في غاية الحسن والجودة فإنه يلحق بهما. وبقى فصلان يكون الفرس والجمل والثور المذكورات ليس بالردئ ولا بالجيد، فإذا جاء الشهود يجيئون إليه ويدرون به ويتأملونه، فإذا استوفيت البينة منهم أخذه صاحبه. والقسم الثالث: أن يكون الفرس أو الجمل أو الثور أو الحمار رديئا جدا، فهذا تصعب البينة عليه ولا يعرفه إلا ربه أو جيرانه، فلا يجد صاحبه من يكمل له البينة، فيجب على القاضى أن يصلح بين من وجدت في يده وبين من ادعى أنها ملكه، ولا يلتفت القاضى إلى البياطرة وأقوالهم. فكل من اشترى دابة وحازها فلا يرجع على بائعها إلا في مسألة واحدة ترجع بها الدابة، وهى أنه إذا كان فيها الداء المسمى بالمغلة فإنها ترجع لصاحبها، ولو أقامت عند المشترى سنة، وأما الداء الذى يسمى بالذباب فإن ظاهر الدابة التي يكون فيها تكون عجفاء شحبا ويكون ظاهرا في. . . (¬1) وفى عينيها، فإذا اشتراها ¬

_ (¬1) مكان النقط بياض بالمطبوع. وبالهامش: "بياض بالأصل المنقول منه، هـ. مؤلف".

أحد وقال: إنها تسمن عنده ويقلب فيها البيع، فإذا ماتت في يده فلا قيام له على البائع الذى اشتراها منه وضاع في ماله". ثم أتبعه بقوله: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه. الفصل الأول: يعلم من كتابنا هذا أننا أمرنا أولاد السيد فلان يصرفون زكاتهم وأعشارهم على ضعفائهم ومسجدهم إن لم تكن له أوقاف، فإن صرفوها في غير محلها فعهدتها في رقابهم. الفصل الثانى: لا مدخل لعاملهم في زكاتهم ولا في أعشارهم ولا أمورهم بل يصرفونها كما ذكر أعلاه، وإن طمحت نفس العامل لأخذ البعض منها، فإنه يعاقب عقوبة شديدة ويعزل عن عمله. الفصل الثالث: إن اشتغل أحد منهم بالفساد مثل السرقة أو غيرها من الفواحش أو التعدى على البعض من المساكين ويزعم أنه من أولاد السيد فلان وليس ذلك المسكين مثله في الدرجة فقد كذب، فإن عامل بلده يعاقبه بما يناسب جنايته بالحدود الشرعية؛ لأن المسلمين كلهم في حق الله سواء، ولا يعاقب بالمال، انظر إلى قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ... (13)} [سورة الحجرات: الآية 13] وانظر إلى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يأيها الناس إن ربكم واحد وأباكم واحد، لا فضل لعربى على عجمى ولا لعجمى على عربى ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى". وعلى أولاد السيد المذكورين أعلاه بتقوى الله في السر والعلانية، ولله در القائل:

ألا إنما التقوى هى العز والكرم ... وحبك للدنيا هو الفقد والعدم ثم أتبعه بقوله: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه. ليعلم جميع من يتولى خطة القضاء أنا أمرناه أن لا يباع على غائب أو محجور ذكر وأنثى فيما يستقبل من تاريخ كتابنا هذا عقار أو ربع، فإن اطلعنا على رسم يتضمن ذلك فإنا نعاقب القاضى عليه بالعقوبة الشديدة ويفسخ ذلك ولا يمضى منه شئ، ويبقى الغائب على حقه إلى أن يقدم، والمحجور حتى يخرج من حجره. وإذا أراد الشريك البيع على الغائب أو المحجور يشترط على المشترى أن لا يحدث في البيع شيئا من هدم أو بناء أو نحو ذلك. وكذلك أمرنا من ذكر أيضًا أن لا يكتب في الأصدقة أزيد من أربعين مثقالا إذ هى غالب أصدقة السلف الصالح وفى الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: من يمن المرأة قلة مهرها، وقالت مولاتنا عائشة: من شؤم المرأة كثرة صداقها، وقال سيدنا عمر: لا تغلوا في صدقات النساء فإنه لا يبلغنى عن أحد أنه ساق أكثر مما ساقه نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال. ومذهب مالك كراهة المغالاة فيه، فإن رضى المتعاقدان على النكاح بأزيد مما ذكرنا فلا يكتب في الصداق، ولا يكون الصداق إلا ناجزًا كله، ولا يؤخر منه شئ لأن في ذلك قطعا لمادة الخصام. قال ابن الماجِشُون: كان مالك وأصحابه يكرهون أن يكون شئ من الصداق مؤخرًا، وكان يقول: إنما الصداق فيما مضى ناجز كله، وكره في المدونة تأخير بعض الصداق، وإنما كرهه لمخالفته لأنكحة الماضين، فإن كتب في الصداق أزيد

مما ذكرنا أو كتب فيه كالئى فإنا نعاقب القاضى وشاهدى النكاح بالعقوبة الشديدة نكالا لغيرهم ولا يطالب أب أو ولي بشورة بل يكون ذلك موكولا إلى مروءته، وهذا في غير نكاح الأشراف. وأما هم فيتركون على ما هو معروف بينهم، غير أنه يكون كله ناجزًا ولا كالئى فيه كما ذكرنا. وكذلك أمرنا من ذكر أيضًا أنه إن وقعت خصومة بين الزوجين أن يرد الزوجة لدار أبيها أو وليها إن كان، وإلا فالقاضى ينظر أين يضعها، وما ذكرنا من رد الزوجة لدار أبيها أو وليها إنما ذلك بعد بعث القاضى حكما من أهله وحكما من أهلها ليصلحها بينهما، فان اصطلحا فذاك المراد. وإن نفخ الشيطان في رأس أحدهما فليفعل ما ذكرنا، ولا تطلق عليه إلا إذا كان عن طيب نفس منه بخلع أو غيره وقدم لدار أبيها أو وليها ويقول له: قد طلقت ابنتك عن طيب نفس منى طلقة بائنة، وهذا الحكم شامل في الحواضر والبوادى، وما ذكرنا ينفى طلاق المكره ولا يبقى في هذا الطلاق شبهة البتة، ولا يلزم زوجها نفقة في تلك المدة إلى أن ترجع برضاها إليه. وأما إذا كانت غضبى في دار أبيها واستمرت عمل نشوزها ولم يوفق الله بينهما فطلب الزوج منها أن ترد إليه ما دفع إليها وتخالعا على ذلك فلا نفقة لها لأن هذا وقت صعب قلت فيه الأمانة، وكثرت فيه الخيانة، فإذا سكنها بين الناس وكان الزوج ذا مال وجاه ربما شهدوا له أنها هى الظالمة أو كانت هى كذلك ربما شهدوا لها بظلمه، وعلى جميع ما ذكرنا يكون عمل كل من ولينا والسلام في السابع والعشرين من جمادى الأولى عام ثلاثة ومائتين وألف". ثم أتبعه بقوله:

"الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله، رسالة مفيدة قد نبذ ما فيها قضاة المغرب وعدولهم، واقتصروا على مختصر خليل وشروحه، وصار أعظم فتاويهم منها لعمرى أن من اشتغل بأخذ الفقه من خليل وشروحه وترك أخذ الفقه من كتب الأقدمين المرضيين الذين نفع الله بهم المسلمين، فإنه كما قيل هرق الماء واتبع السراب وهذا أول كلامنا في الرسالة المذكورة، وهى في فتاوى الأقدمين المأخوذة من كتب الأئمة المرضيين رضى الله عنهم وأرضاهم. أولهم الإمام القدوة أبو عبد الله سيدى محمد بن الحسن الشيبانى رحمه الله تعالى الذى حمل مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة رضى الله عنه على كاهله، وحمل أيضًا مذهب الإمام مالك رضى الله عنه على كاهله، وقرأ عليه عالم قريش الإمام أبو عبد الله سيدى محمد بن إدريس الشافعى رضى الله عنه، فهذا الشيخ المذكور رضى الله عنه أعنى سيدى محمد بن الحسن الشيبانى، إليه ترجع رواية المذاهب الثلاثة، فإذا أردت معرفته وعلو درجته فانظر ترجمته في مسند الإمام أبى حنيفة يتضح لك جميع ما ذكرنا، وتجده مستوفى كما أشرنا. ثم يليه من أصحاب مالك الذين حملوا عنه مذهبه كابن القاسم، وأشهب، وابن نافع، وابن وهب، ومطرف، وابن الماجشون وغيرهم ممن أدرك الإمام مالكا، وكذلك الذين جاءوا بعدهم ولم يدركوه فأخذوا عن أصحابه كسحنون، وابنه محمد، وأصبغ، وابن المواز، وابن حبيب، والقاضى إسماعيل، وابن عبدوس وغيرهم، وكذا الذين جاءوا بعد هؤلاء كابن القصار، والقاضى عبد الوهاب، والأبهرى، والقابسى، وابن أبى زيد فهؤلاء الأئمة المذكورون هم المقتدى بهم في أقوالهم وأفعالهم ولا تصح الفتوى إلا من كتبهم. وأما من اشتغل بالفتاوى المأخوذة من أقوال الأجهوريين وغيرهم من أصحاب خليل مثل بهرام، والبساطى، والتتائى، والسنهورى، والسودانى، وأمثالهم من أصحاب خليل وترك الفتوى من كتب الأقدمين المرضيين المذكورين فقد خرج عن المنهاج القويم، والصراط المستقيم.

ففى معيار المغرب، والجامع المعرب، عن فتاوى إفريقية والأندلس والمغرب فيما نقله عن الإمام المقرى ما نصه: لقد استباح الناس النقل من المختصرات الغريبة أربابها ونسبوا ظواهر ما فيها إلى أمهاتها، وقد نبه عبد الحق في التهذيب على ما يمنع من ذلك لو كان من يسمع، وذيلت كتابه بمثل عدد مسائله أجمع، ثم تركوا الرواية فكثر التصحيف، وانقطعت سلسلة الاتصال فصارت الفتاوى تنفذ من كتب لا يدرى ما زيد فيها مما نقص منها لعدم تصحيحها وقلة الكشف عنها. ولقد كان أهل المائة السادسة وصدر السابعة لا يسوغون الفتوى من تبصرة أبى الحسن اللخمى لكونها لم تصحح على مؤلفها ولم تؤخذ عنه، وأكثر ما يعتمد اليوم ما كان من هذا النمط مثل الأجهوريين وغيرهم من شراح خليل. وقد نص بعض المحققين من علماء وقتنا هذا على أنه لا يعتمد على ما انفردوا به ثم انضاف إلى ذلك عدم الاعتبار بالناقلين فصار يؤخذ من كتب المسخوطين كما يؤخذ من كتب المرضيين، بل لا تكاد تجد من يفرق بين الفريقين، ولم يكن هذا فيمن قبلنا، فلقد تركوا كتب الأقدمين المرضيين رضى الله عنهم واشتغلوا بكتب المتأخرين من أصحاب خليل واقتصروا عليها وأفنوا أعمارهم في حل ألغازها حتى قال بعضهم نحن أناس خليليون، إن ضل ضللنا، وإن اهتدى اهتدينا، وقد أقسم أمير المؤمنين سيدي محمد بن عبد الله لقضاة وقته، أن من أفتى منهم بغير فتوى الأقدمين المذكورين في رسالته هذه أنه يعاقبه عقوبة شديدة ويجعله نكالا لمن بعده ممن يفتي بالفتاوى الواهية التي لم يبلغ سندها إلى الأقدمين رضى الله عنهم آمين، فهذه جمله تهديك إلى أهل العلم وتريك ما غفل عنه الناس". ثم أتبعه بقوله: "الحمد لله والصلاة على رسول الله

الفصل الأول: أن الرجل إذا أتى بشهادة عدلين للقاضى على رجل أنه طلق زوجته وأنكر الزوج ذلك فلا يعمل بشهادتهما (¬1)، لاسيما إن كان الشهود من أهل الدكاكين الذين هم أسرع الناس إلى الزور، ومعاشهم كله زور، حتى يبحث القاضى عن تلك القضية الشهرين أو أكثر حتى يتحقق له مصداق ذلك، فربما يكون الرجل القائم بالشهادة بينه وبين المشهود عليه مشاحنة أو مكترى عليه حاصل الأمر كل من هو قاض وأسرع بالطلاق بشهادة العدلين فقد دخل مدخلا ضيقا فإن وقع له ما يكره فلا يلوم إلا نفسه والأمر صعب، وقد كثرت شهادة الزور بل ينبغى له التأمل والتثبّت في مثل هذه المسألة الشهور المتعددة حتى يتضح له الأمر ولا يبقى له إشكال. الفصل الثانى: إذا أتى أبو الزوجة بشهادة عدلين على زوج ابنته، وأنه طلقها وأنكر الزوج ذلك أيضًا فلا يصح ذلك الطلاق إلا إذا أتى والدها بشهادة اثنى عشر رجلا من أهل حومته، وأما أهل الدكاكين فلا تقبل لهم شهادة (¬2)، فحينئذ يصح الطلاق، ويتأتى القاضى في تلك القضية ويبحث فيها غاية البحث. ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "هذا منه إفصاح بفشو شهادة الزور وإلزام القاض بالتثبت في الشهود والاستكثار منهم، ولا ريب أن هذا الأمر مطلوب عند ضعف العدالة، ورحم الله بعض شيوخنا فقد كان كثيرا ما يقول: كل الناس عدول إلا العدول، وكان بعض الصالحين إذا مَرّ بسماط دكاكين الشهود يهرول حتى يخرج منه ويقول: "وأسرعن في بطن وادى النار" لكن فائدة ذكر مثل هذا التنبيه للأخذ بالأحوط ما أمكن، وعدم الاغترار بكل منتصب للإشهاد، وإلا فلكل زمن عدوله، وليس نقص العدالة خاصا بالمنتصب لتلك الخطة بل هو سار في سائر أصحاب الولايات والحيثيات، ومع ذلك فلا بد لكل متميز من مراعاة تمييزه عن غيره واعتقاد وجود المميز له في الجملة، وإلا اختل النظام وبطلت تمشية إجراء ما لله من الأحكام، فلا نجاة إلا في التمشى مع ظاهر الشريعة التي جاءت عامة في المكلفين من غير تخصيص في كل زمان وأوان هـ. مؤلف". (¬2) في هامش المطبوع: "هذا اختيار من المترجم لم يتصل به عمل ولا عضده أصل وفيما علق عن القوله قبله ما يغنى عن التطويل وأهل الدكاكين إن كانوا معدلين عند من رأى =

الفصل الثالث: إذا حلف رجل بالحرام وحنث وشهد عليه بالحنث اثنا عشر رجلا أو أربعة عشر رجلا فأكثر من أهل حومته أو دواره أو سوقه، ورفعوا شهادتهم به إلى القاضى، فإن القاضى يحكم عليه بالطلاق في الحين ويعزله عن زوجته وتبقى حتى تعتد، فإذا أراد ردها وطابت نفسها فليردها له بصداق جديد. الفصل الرابع: إذا حلف رجل بالحرام الثلاث وحنث وشهد على حنثه اثنا عشر رجلا فأكثر من أهل حومته أو دواره أو سوقه، فإن القاضى يطلق عليه زوجته من حينه، ولا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره (¬1). الفصل الخامس: في البيع والشراء والعمل فيه على ما قدمنا به الكتب وأن المعاملة لا تقع إلا بين يدى القاضى والمتسببين، فإن أتى الغريم بشهادة عدلين وأنه ¬

_ = الإمام فيه أهلية الوقت لخطة القضاء فترجيح شهادة غير المعدلين عليهم هو مع ما فيه من قلب الحقائق عائد بالخلل على ولاية ذلك القاضى وعلى موليه أيضًا، وإذا بطل الأصل والفرع لم يبق بيدنا ما نتمسك به ووقوع شهادة الزور من بعض المنتصبين لا توجب إبطال المنصب جملة لعظم مفسدته كما قد علمت ولم يمر زمان من زمان النبوة فما بعده إلا وقد وجد بعض من يرتكب كبائر الذنوب فيه وإن كان ذلك في الخلف أكثر منه في السلف ولم يبطل ذلك المنصب ولا أخل بما اقتضته حكمة الله في ذلك فالتمسك بالشريعة هو عين الحق حتى يقضى الله بين الخلق. نعم يتعين على من ولاه الله أمر العباد أن لا يرشح للمناصب إلا من يستحقها ولا سيما المناصب الشرعية، فإن كثيرا من المتسنمين ذرى المناصب الدينية لا يرقبون في مؤمن إِلًّا ولا ذمّة، يرتكبون أمورًا تدنس وجه الشرع الإسلامى وتوهم من لا علم له بحقيقته أن الدين لا يأبى ذلك، وأن ذلك خلق أهله فيعدم الثقة بهم جملة وتفصيلا، ومن اطلع على ما يرفع كل يوم لوزارة العدلية الشريفة والجنايات من موبقات العدول التي تخجل المروءة وتصادم الدين عذر المترجم في اختياره هذا. هـ. مؤلف". (¬1) في هامش المطبوع: "هو كذلك لأنها مبتوتة، فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره بشروطه المقررة. هـ. مؤلف".

دفع لصاحب الحق من مال المعاملة شيئا من غير حضور القاضى والمتسببين المذكورين وأنكر صاحب الحق ذلك، فلا يقبل القاضى شهادة العدلين، والمال باق بذمة الغريم، ولا يحكم بتلك الشهادة إلا إذا أتى الغريم بشهادة القاضى والمتسببين الذين حضروا للمعاملة أنه برئت ذمته من المال المذكور أو بعضه، وكذلك إن أراد الغريم المذكور أن يدفع ربع المال أو نصفه أو ثلثه، فإن كان المال له بال من ألف مثقال فأكثر، فلا تبرأ ذمة الغريم المذكور من المال المذكور أو بعضه بشهادة العدلين إلا إذا دفع المال بمعاينة القاضى. وإن كان المال شيئا قليلا من مائة مثقال فأقل وأراد الغريم المذكور أن يدفع منه شيئا لصاحب المال فليدفعه له بالعدول الثقات، فلا يحتاج إلى معاينة القاضى إلا في المال الكثير كما ذكرنا، وأما المال القليل من مائة مثقال فأقل فقد سبق حكمه وبيانه، وأنه يدفع بمعاينة العدول الثقات من غير حضور للقاضى. والحاصل من أن هذا الزور اليوم فشا والعياذ بالله فكل من أتى بشاهدين على مال أو على طلاق فإن شهادتهما مردودة وإن قبلها القاضى، فتلك جرحة فيه، لأنهما اثنان وهو ثالثهما، فقد شهدا بالزور وهو ثبته لهما فهو أعظم ذنبا منهما، وكل من هو قاض يتفطن لهذا الأمر، فإن وقع في شئ مما نهى عنه وأصابته عقوبة فلا يلوم إلا نفسه". ثم أتبعه بقوله: "الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله: كان القضاة والمفتون المتقدمون يأخذون الفتاوى في كتب الأقدمين المقبولين، واليوم والعياذ بالله يأخذون الفتاوى من كتب المتأخرين كالأجهوريين وغيرهم الذين هم ليسوا المقبولين، ولم يبلغ سندهم إلى الأئمة الأقدمين، فلا عمل عليها ولا حكم بها، ولا يفتى بها مفت، ولا يعمل بها قاض.

فإذا لم يبلغ سندها إلى فتوى الأقدمين فسندها باطل، وكل فتوى بلغت إلى الأئمة الأقدمين فالعمل بها واجب، ويحكم بها القاضى والمفتى والقضاة. والمفتون اليوم والعياذ بالله قد مزجوا فتاوى المرضيين بالفتاوى الواهية غير المرضية ويحكم القاضي بتلك الفتوى الواهية، ويمشى المحكوم عليه مغلوبا إلى المفتى فيفتى له أيضًا بفتوى واهية ويغلبه على صاحبه، واشتغلوا بتغليب هذا على هذا بالفتاوى الواهية، فالقاضى وأصحابه يأكلون المال من الخصمين الذين تشارعا بالباطل، والمفتى كذلك يأكل بفتاويه الواهية أموال المسلمين بغير حق حتى يطول الشرع بين الخصمين المتحاكمين بفتواه المذكورة حتى إذا كان الخصمان المذكوران يتحاكمان على مائة مثقال تذهب منها خمسون مثقالا في دار القاضى، ثم بعد ذلك يحكم عليهما القاضي بالفتاوى الصحيحة، فينصرف كل واحد منهما إلى سبيله ويا ليته قد حكم عليهما أولا بالفتاوى الصحيحة، فيحصل له الأجر ورزقه على الله، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا، والدراهم التي أكل من الخصمين حلاوتها تفنى ويبقى مريرها فكيف به يوم القيامة إذا جاء مفلسا، فإن الخصمين المذكورين يأخذان حسناته ويلقيان عليه سيئاتهما فذلك المفلس الذى أخذت حسناته وألقيت عليه سيئات غيره". ثم اتبعه بما يقوله: "الحمد لله وحده مسألة أخرى: أعلم أن الأيتام المهملين الذين لا وصى عليهم من أب ولا مقدم من قاض إذا اشتدت بهم الحاجة إلى بيع ملك لعدم وجود ما يباع عندهم غيره ليصرف عليهم في مأكلهم وملبسهم، فإن القاضى يأمر ببيع ذلك الملك ويتسوق به المدة المعتبرة شرعا إلى أن يقف سومه، فإذا وقف فينظر القاضى في ذلك السوم، فإن شهد له أهل المعرفة بالإملاك بأن ذلك سومه فليبعه لمن وقف عليه ويصرف ثمنه في مصالح الأيتام المذكورين، وإن شهد أهل المعرفة

بأن ذلك الملك بيع بثمن بخس، فإن ناظر الأحباس أو بيت المال يتولى شراءه (¬1)، وكذلك يكون الحكم في بيع الملك على الغائب أو الصغير، بحيث إذا قدم الغائب أو كبر الصغير وأراد كل واحد منهما رد أصله فليرده له الحبس أو بيت المال، بخلاف إذا اشتراه الغير بثمن بخس وأراد الشافع رد ملكهم، فيقع بينه وبين مشتريه خصومة ولجاج في رده". ثم أتبعه بقوله: "الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله، نأمر جميع القضاة أن لا يتركوا عونا من الأعوان الذين يشعبون الخصام بين الناس بالباطل ويأكلون أموالهم وهم الذين أقاموا بدار القضاة السنة فأكثر يتوكل (¬2) على أحد، وإن جاء للقاضى وكيلا على أحد ولم يطوفه القاضى في الأسواق بوكالته ويطرده فلا يلوم إلا نفسه، وإن أرادت امرأة من ذوى المروءة أن توكل أحدًا فإن القاضى أو زوجها يوكل عنها من هو رجل خير ليس له أرب في طول الخصام وتشعبه وأكل أموال الناس بالباطل، وعلى هذا يكون العمل إن شاء الله. باب في الأنكحة: وأما العمل في الأنحكة فمن أراد التزويج فإن كان غنيا والزوجة غنية كذلك فيدفع في صداقها إن كانت بكرا أربعين مثقالا نقدا مقدما لا ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "فيه تصوين لمال الأيتام حتى لا يفوت عليهم ملك بغبن ولا بخس في الثمن فمصلحة الأخذ به واضحة ومدار أمر الأيتام على جلب المصالح ودفع المضار هـ. مؤلف". (¬2) في هامش المطبوع: "أعوان القاضى قسمان: قسم شأنه جلب الخصوم وهؤلاء لا يتوكلون وعليهم يطلق عندنا اسم الأعوان، وقسم شأنه تعاطى الخصام ويعرفون لدينا بالوكلاء، وفى عدم تطويل مدتهم مصلحة. ومن عرف منهم بتشغيب الدعاوى يجب طرده وعدم قبوله وكيلا بحال هـ. مؤلف".

مؤخر فيها، وإن كانت ثيبا يدفع لها عشرين مثقالا معجلة كذلك، ولا يكون في الصداق مقدم ولا مؤخر، وإنما يكون الصداق هو ما دفعه، وإن أراد الزوج أن يدفع أكثر من ذلك يتبرع به لأجل الظهور والسمعة أو لأن تأتى له الزوجة بأكثر مما دفعه لها من الشورة والزينة وغير ذلك، فيكون ذلك بحسب أهل المروءات، فمن كثرت مروءته كثرت شورته لبنته، ومن قلت مروءته قلت شورته لبنته، إلا أن ما تأتي به الزوجة المذكورة من الشورة هو لها، ولا كلام للزوج فيه البتة، وما يدفع الزوج لولى الزوجة من المال ولو كان مالا له بال هو زائد على الصداق فلا يعد عند الطلاق، وإنما هو للمرأة، وكذلك الشورة فإنها الزوجة أتت بها من دار أبيها، وإن وقع بينهم طلاق تمشى المرأة لدار أبيها بشورتها ولا تباعة للزوج عليها، وإن وقع كره منها من غير سبب تبقى في دار أبيها أو أقاربها ولا تطلق إلا إذا أراد الزوج الطلاق ولا يقبض منها غير الذى هو مكتوب في العقد لا غير، والمال الذى يزاد للمرأة لأجل جمالها ليس هو من الصداق، فإن أهل البوادى يسمونه المأكلة، ولا يكتب في الصداق، وحاصل الأمر ليس هو من الصداق في شئ، سواء كان من أهل البوادى أو أهل الحواضر. وإن كان الزوج فقيرا لا مال عنده والزوجة كذلك فيدفع في تزويج البكر عشرة مثاقيل، وفى تزويج الثيب خمسة مثاقيل ولا يزيد على ذلك شيئا، ويدفع ذلك مقدما لا مؤخرا فيه، بحيث إذا وقع الطلاق بين الزوج والزوجة وادعت أنها بقى لها من صداقها شئ فلا يقبل قولها، ولا تسمع دعواها، فبمجرد الطلاق لم يبق بينها وبين الزوج نزاع ولا تباعة، وهذا يشمل الأغنياء والفقراء. وأما العمل في التزويج في الحاضرة فهو أن الرجل إذا زوج ابنته من رجل آخر يصنع الطعام في داره وينادى على أهل حومته وسوقه وأقاربه وغيرهم ويأتى بالطبالين والمسامع ويشهر ذلك كل الشهرة حتى يسمع الناس كلهم أن فلانا تزوج

من عند فلان بنته فلانة، ويأكلون الطعام ويقرءون الفاتحة ويدعون له بالخير والبركة والتأليف بينهما، ويخرجون من عنده. وكذلك إن وقع الطلاق بينهما تأتى الزوجة لدار والدها أو أحد من أقاربها وتصنع ما تيسر لها من الطعام الخفيف، ويحضر جيرانها ويأكلون ذلك الطعام ويعلمون أن فلانا الفلانى طلق زوجته فلانة بنت فلان الفلانى، ويدعون لها الله يرزقها خلفا أفضل من ذلك الرجل الذى طلقها. وأما العمل في البوادى فهو أن الرجل إذا زوج بنته من رجل آخر، فإما أن يكون الزوج في الدوار الذى هو به أولا، فإن كان معه في دواره فيصنع الزوج الطعام في خيمته وينادى على أهل الدوار وغيرهم للجامع ويأكلون الطعام فيه ويشهرون ذلك الزواج بالنداء والزغاريت وغير ذلك مما جرت به عاداتهم، حتى يسمعه كل واحد ويقرءون الفاتحة ويدعون لها بالبركة والخير والتأليف بينهما، وتصير الزوجة زوجة له وعلى قبله، ففى أى وقت تيسر له وسهل عليه صنع الوليمة يصنعها، هذا إن كانت الزوجة بكرا، وأما إن كانت ثيبا فذلك الطعام الذى يصنع ويأكله الناس وتقرأ الفاتحة به هو يكفى في ذلك، ويأتى الزوج بزوجته إلى خيمته أو داره. وأما إن كان الزوج في دوار والزوجة في دوار آخر فإن الزوج يبعث للزوجة للدوار الذى هى فيه بالشياه والدقيق والإقامة وتصنع الطعام في خيمتها وتنادى على أهل الدوار وغيرهم ويأكلون الطعام عندها، وتشهر النكاح المذكور بالنداء والزغاريت كما ذكر ويقرءون الفاتحة ويدعون لها بالخير والبركة. وكذلك إن وقع الطلاق بينهما يجعل ما خف من الطعام ويحضر أهل الدوار في الجامع ويأكلون ذلك الطعام ويعلمون أن فلانا طلق زوجه فلانة ويدعون لها الله يرزقها خلفا أفضل.

وأما هؤلاء العدول الذين يشهدون على التزويج وعلى الطلاق فلا يعمل بشهادتهم، وأن فلانا تزوج بنت فلان وهى فلانة على صداق قدر هكذا، فإن تلك الشهادة باطلة لا يعمل بها، وإنما العمل في التزويج والطلاق هو ما ذكرناه وبيناه. قال عبد الله أمير المؤمنين محمد بن مولانا عبد الله: عدول هذا الوقت لا أُثبت شهادتهم ولا أُجوزها على حمار عائب لا فائدة فيه أحرى على تزويج مسلمة وهم كما قيل: لقد سألت هنيئا موجودا ... أبهتانا تريد أم كذوبا وقد أشار لهذا المنشور الكاتب ابن عثمان في رحلته البدر السافر حيث يقول إنه قد خرج التوقيع بأمره المطاع، وأمر أن يفشى ويذاع، ويذكر في الأندية ويشاع؛ بأنه إذا تزوج رجل وامرأة وتراكنا. فليظهرا ذلك علنا ولا حاجة إلى أولئك الذين تسموا بالعدول لما علم أنهم عن الحق عدول الخ. ووقفت له أيضًا قدس الله روحه على منشور رسم فيه ما يجب على القضاة التمشى عليه في الأحكام الشرعية وما يعاقب به من خالف ما رسم له منهم، وكذا أئمة المساجد ونظام الدروس في كلية القرويين وغيرها، وبيان ما يدرس فيها من الفنون والكتب وما لا؛ وجه بذلك لعلماء مصر يطلب منهم إعمال النظر فيه، ثم ما ظهر لهم صوابه يقرونه بخطوطهم وما كان غير صواب ينبهون عليه كذلك ليرجع عنه وإليك نص المنشور: الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، قال عبد الله أمير المؤمنين محمد بن عبد الله: ليعلم الواقف على هذه الفصول المذكورة في هذا الكتاب أننا أمرنا باتباعها والاقتصار عليها ولا يتعداها إلى ما سواها. الفصل الأول: في أحكام القضاة، فإن القاضى الذى ظهر في أحكامه جور وزور وما يقرب من ذلك من الفتاوى الواهية مثل كونها من كتب الأجهورية ولم

يبلغ سندها إلى كتب الأقدمين، فإن الفقهاء يجتمعون عليه ويعزلونه عن خطة القضاء ولا يحكم على أحد أبدا. الفصل الثانى: في أئمة المساجد، فكل إمام لم يرضه أهل الفضل والدين من أهل حومته يعزلونه في الحين ويأتون بغيره ممن يرضون إمامته. الفصل الثالث: في المدرسين في مساجد فاس، فإنا أمرناهم أن لا يدرسوا إلا كتاب الله تعالى بتفسيره، وكتاب دلائل الخيرات والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن كتب الحديث المسانيد، والكتب المستخرجة منها، والبخارى ومسلما وغيرها من الكتب الصحاح، ومن كتب الفقه المدونة، والبيان والتحصيل، ومقدمة ابن رشد، والجواهر لابن شاس، والنوادر والرسالة لابن أبى زيد وغير ذلك من كتب الأقدمين، ومن أراد تدريس مختصر خليل فإنما يدرسه بشرح بهرام الكبير، والمواق، والخطاب، والشيخ على الأجهورى والخرشى الكبير لا غير، فهذه الشروح الخمسة بها يدرس خليل مقصورا عليها وفيها له كفاية وما عداها من الشروح كلها ينبذ ولا يدرس به، والشيخ على الأجهورى والخرشى الكبيران لم يكونا عندكم بفاس فأعلمونا بهما لنوجههما لكم تنسخون منهما وأنتم أعلمونا هل عندكم أم لا، ومن ترك الشراح المذكورين واشتغل يدرس بالزرقانى وأمثاله من شراح خليل، فإنه يكون كمن أهراق الماء واتبع السراب، ومن وصل في قراءته إلى قول خليل مسكين خليل أكلت لحمه الكلاب أو خليل خلق بهراما، فحين يصل لهذا الباب الذى فيه هذا الكلام الخبيث والعياذ بالله يجوزه ولا يذكره ولا يتعرض لقراءته، ويقرأ من الباب الذى يليه، وكذلك الذى يقرأ الشفا فحين يصل للربع الأخير يختم الكتاب ولا يقرؤه، وكذلك الذى يقرأ البخارى فحين يصل لحديث الإفك يتركه ولا يتعرض لقراءته. وهذه المسائل التي نهينا عن قراءتها فمن تعرض لقراءتها ونالته عقوبة على أيدينا فلا يلوم إلا نفسه، لأن المسائل التي نهينا عن قراءتها لم يذكرها أحد من

أئمة المسانيد رضى الله عنهم، ولا تعرضوا لها، والعلماء الأقدمون رضوان الله عنهم أمثال السيوف اليمانية يفرقون بين الحق والباطل بضربة واحدة، وهؤلاء الأجهوريون ونظراؤهم في أمثال العصا، أترى السيف يشبه بالعصا، وقد قال القائل: ولا شك أن السيف ينقص قدره ... إذا قيل هذا السيف خير من العصا وكذلك قراءة سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم كالكلاعى، وابن سيد الناس اليعمرى. وكذا كتب النحو كالتسهيل والألفية وغيرهما من كتب هذا الفن، والبيان بالإيضاح، والمطول، وكتب التصريف وديوان الشعراء الست ومقامات الحريرى، والقاموس، ولسان العرب وأمثالهما مما يعين على فهم كلام العرب، لأنها وسيلة إلى فهم كتاب الله وحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وناهيك بها نتيجة. ومن أراد علم الكلام فعقيدة ابن أبى زيد رضى الله عنه كافية شافية يستغنى بها جميع المسلمين. وكذلك الفقهاء الذين يقرءون الأسطرلاب وعلم الحساب، فيأخذون حظهم من الأحباس لما في ذلك المنفعة العظيمة والفائدة الكبيرة لأوقات الصلاة والميراث هـ. وعلى هذا يكون العمل إن شاء الله. الحمد لله وحده. ومن أراد قراءة علم الأصول فإنه أمر قد فرغ منه، ودواوين الفقه قد دونت ولم يبق اجتهاد، والطلبة الموجودون في الوقت كل من أراد منهم أن يتعاطى علم الأصول فإنى أقول فيه أراد أن يتزبب قبل أن يتحصرم. اهـ. بحمد الله وتوفيقه. الحمد لله. ومن أراد أن يخوض في علم الكلام والمنطق وعلوم الفلاسفة وكتب غلاة الصوفية وكتب القصص فليتعاط ذلك في داره مع أصحابه الذين لا يدرون بأنهم لا يدرون، ومن تعاطى ما ذكرناه في المساجد ونالته عقوبة فلا يلوم إلا

نفسه، وهؤلاء الطلبة الذين يتعاطون العلوم التي نهينا عن قراءتها ما مرادهم بتعاطيها إلا الظهور والرياء والسمعة ويضلون طلبة البادية، فإنهم يأتون من بلدهم بنية خالصة في التفقه في الدين وحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فحين يسمعونهم يدرسون هذه العلوم التي نهينا عنها يظنون أنهم يحصلون على فائدة بالعلوم المذكورة ويتركون مجالس التفقه في الدين واستماع حديث خير المرسلين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم وإصلاح ألسنتهم بالعربية فيكون سببا في إضلال الطلبة المذكورين وهؤلاء الطلبة يظنون أنهم ماهرون في العلوم المذكورة فمن جاء يستفتيهم في مسألة فقهية لا يحسنون الجواب فيها. وهذه العلوم التي نهينا عن قراءتها كان أعظم من يأمر بالاشتغال والاعتناء بها في زماننا من أيام سيدنا ومولانا إسماعيل قدس الله روحه إلى وفاته السيد أحمد بن مبارك الفيلالى عفا الله عنا وعنه، وأخلفه فيها السيد عمر الفاسى: قال عبد الله أمير المؤمنين مولانا محمد بن مولانا عبد الله: لو كنت قاضيا لم أقبل شهادتهما ولم أثبهما؛ لأن السيد أحمد بن مبارك سمعت من الناس الثقات الذين ليس بينهم وبينه مشاحنة أنه كان يفتي بالفتاوى الواهية لتضييع حقوق المسلمين، ولا يخفى عنكم ما ذكرنا، ونأمر الفقيه السيد التاودى أن يكون عمله على ما في هذا الكناش هـ بحمد الله 120327. ونص ما كتب به لفقهاء مصر: "الحمد لله إلى السادات الفقهاء بمصر عموما وخصوصا سلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ورضوانه، ونطلب من الله لنا ولكم الهداية والتوفيق بجاه المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أُنيب. أما بعد: فاعلموا رعاكم الله أننا وجهنا مع ولدنا الأرضى سيدى عبد السلام أصلحه الله هدية للسادات الأشراف مبينة في هذا الدفتر فالله يتقبلها، كما نريد

منكم أن تطالعوا مسائل أُخر مؤكدة في هذا الدفتر يمنته قد أمرنا قضاة المغرب أن يحكموا بها فما كان منها على صواب أثبتوه واكتبوا عليه بخطوط أيديكم، وما كان منها على خطأ فاكتبوا عليه أيضًا بخطوط أيديكم في الدفتر المذكور لنرجع عنه، ووجهوا لنا الكناش بعينه وعليه خطوط أيديكم. وكما يصلكم أيضًا تأليف سميناه اختصار الحطاب نريد منكم أن تطالعوه فالله يوفقنا وإياكم بمنه آمين يا رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم .. بلفظه. وفعلا نكل من حاد عن سلوك الجادة وخالف ما رسم له من التعاليم الشرعية، والقوانين المرعية، من قضاة المغرب فقد عزل قاضى مراكش فارس عبد العزيز العبدلى لسلوكه في خطته غير الجادة واستبداده على غيره من العلماء وإهانته لهم وسجنه وفلسه واستصفى أمواله وأجنته. قال في الترجمان المعرب: إن هذا القاضى كان جريئا قوى الشكيمة لا يقيم لعلماء وقته ومن معه منهم بحضرته وزنا، ولا يقدر أحد منهم على رد أحكامه ولو خالف النص المشهور، إلى أن وجه المترجم يوما أحد كتابه في قضية بلغته وأمره أن يحضر مع القاضى لفصلها علماء سماهم له منهم الشريف العلامة المولى عبد الله بن إدريس المنجرة، إذ كان نقله المترجم لمراكش ورشحه للتدريس والخطبة والإمامة بجامع المواسين، وأمر أن يكون الاجتماع لفصل تلك النازلة بالمسجد المذكور، ولما اجتمع القاضى والعلماء وحضر الخصمان تصدر القاضى على عادته ولم يستشرهم، ولا بالى بأحد منهم، وحكم بما ظهر له، فقال الشريف المذكور: يا عبد العزيز اسمع منى، قاض بزور ممكن وعالم بزور غير ممكن، وجه الحكم في النازلة غير ما حكمت به وخلاف ما ذكرت وهو كذا وكذا وذكر نصوصه ورتب

نصيحته للأمة

فروعه، وقال للشهود: اشهدوا على بهذا فبهت القاضى وخاف العلماء على الشريف المتكلم من حصول الإذاية له وانفض المجلس. ولما بلغ المترجم تفصيل ما راج أمضى حكم الشريف وأكرمه، وعزل القاضى وفلسه وأعطى للمولى عبد الله المذكور جنانا من أملاك القاضى فلم يقبله وكتب للمترجم كتابا يقول فيه: أما ما فعله أمير المؤمنين من حيازة ماله فعين الصواب وحيازته لبيت المال فهو موافق لنصوص أهل العلم كما في ابن سلمون والحطاب وغيرهما، وأما الجنان فعبد الله غريب الدار يكفيه جامع المواسين، ثم بعد أن سرح القاضى استأذن المترجم في التوجه لأداء فريضة الحج فساعده ووصله بألف ريال خمسة آلاف فرنك، وبعد رجوعه من الحجار ولاه القضاء وشرك معه غيره، ولم يعد لحاله الأول إلى أن مات؛ وعزل القاضى أبا محمد عبد القادر بو خريص وولى يوسف بو عنان في قضية مثل هذه؛ وأما قضاة المدن والقبائل والقرى فكان في كل سنة يعزل واحدا منهم إلى أن اجتمع ببابه نحو العشرين هـ بتصرف. * * * نصيحته للأمة ومن ذلك نصحه للعمال والعامة وتحذيره لهم من الخروج عن مناهج الشرع في دينهم ودنياهم، وقفت له في ذلك على رسالة فاخرة؛ وبإيراد نصوص الكتاب والسنة في كل مهم عاطرة؛ ودونك نصها: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه. وبعد: فقد قال الله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [سورة النحل 90]

وقال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)} [سورة الحج 41] وقال عليه السلام: "كلكم راع ومسؤل عن رعيته". وقد بلغنا ما حدث في العامة من عموم الجهل بالتوحيد وأصول الشريعة وفروعها حتى ارتكبوا أمورًا تقارب الكفر أو هى الكفر بعينه، وذلك من خلو القبائل من طلبة العلم العاملين وقلة المرشد المعين حتى لا تجد في القرية الكبيرة عالما يرجعون إليه في مسائل دينهم ونوازل أحكامهم ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، وذلك من تفريط العمال وقلة اعتنائهم بالدين والعهدة عليهم في ذلك، لأنهم ينبغى لهم الغبطة في العلم والعلماء وتقريب أهل الخير والدين؛ والاقتداء بالأولياء والصالحين؛ وإعانة النجباء من قبيلتهم على طلب العلم من محله؛ وأخذه عن أهله؛ ففى الحديث: طلب العلم فريضة؛ وقال عليه السلام: "اطلبوا العلم ولو بالصين". وفى الحديث: "العالم في قومه كالنبى في أمته". فإن العالم إذا كانت بطانته صالحة كانت أعماله جارية على الصلاح والسداد، وإذا كانت بطانته على غير هداية كانت أحكامه مخالفة للشريعة فضل وأضل، وقد قال عليه السلام: "ما من وال إلا له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وبطانة لا تألوه خبالا ومن وقى بطانة السوء فقد وقى". وقال عليه السلام: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا من صدور الرجال ولكن يقبضه بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا". وقال عليه السلام: "بدأ الدين غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء". وقال عليه السلام: "يأتى على الناس زمان القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر".

وهذا آخر الزمن الذى أخبر الصادق المصدوق عليه السلام بفساده وعموم الفتن والأهواء والبدع الدالة على اقتراب الساعة، نسأل الله حسن الخاتمة، فينبغى للمؤمن المشفق على نفسه عموما وخصوصا العمال البحث عن دينهم ومعرفة أحكام ما دفعوا إليه وقلدوه من أمر رعاياهم ليسيروا على منهاج الشرع ويرتكبوا ما ينجيهم مع الله، ففى الحديث: لا يحل لامرئ مسلم أن يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه، وفى الحديث: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخولنا بالموعظة أحيانا مخافة السآمة علينا. "فأول ما ضيعت العامة أصول الدين وفروعه وتهاونت بالإسلام وقواعده فمنه التوحيد الذى هو أساس الدين والقطب الذى عليه المدار، وسلامة العقيدة هى أصل الخير والنجاة من النار؛ فينبغى العناية به أتم، والمؤمن بأصل دينه أهم". "ومنه التهاون بالصلوات الخمس والجهل بوسائلها كالاستبراء والوضوء والطهارة والأذان، والصلاة هى عماد الدين وذروة سنامه قال الله سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} [سورة البينة: 5]. وقد ذكرها الله سبحانه في آيات كثيرة من كتابه وحض على إقامتها والمحافظة عليها، قال سبحانه: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)} [سورة البقرة: 238]. وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)} [سورة المؤمنون: 9 - 11] وقال عليه الصلاة والسلام: "الصلاة عماد الدين". وقال: "بين الرجل والشرك والكفر ترك الصلاة". وقال: "من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر جهارا". وقال عليه السلام: "أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله".

وكتب سيدنا عمر رضى الله عنه إن أهم أمركم عندى الصلاة، فمن حافظ عليها فهو لما سواها أحفظ، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، وقد جعلها الله سبحانه للمحافظين عليها واعظا وناهيا فقال: {... إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ...} [سورة العنكبوت: 45] وقال سيدى خليل: ومن ترك فرضا أخر لبقاء ركعة بسجدتيها من الضرورى وقتل بالسيف حدًّا، ولو قال أنا أفعل وصلى عليه غير فاضل". "ومنه أمر الزكاة الواجبة في الأموال والأنعام والحبوب لمن حال عليه الحول وكمل عنده النصاب، وقد حدث فيها من الخيانة والتدليس وتقاعد الناس عليها والامتناع من إخراجها إلا بالقهر ما صيرها جباية، وثقلت على العامة، حتى صارت مغرما مع أنها زيادة في الأموال وبركة فيها وحفظ لها. الزكاة أخت الصلاة، فكما أن الصلاة طهرة للأبدان، الزكاة طهرة للأموال قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ... (103)} [سورة التوبة: 103] وفى الحديث عنه عليه الصلاة والسلام: "ما مانع الزكاة بمسلم". وعنه - صلى الله عليه وسلم -: "حصنوا أموالكم بالزكاة. وعنه أيضًا ما ضاع مال في بر ولا في بحر إلا بترك الزكاة فيه". وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)} [سورة التوبة: 34، 35]. وفى الأثر: كل مال لم تؤد زكاته فهو كنز، وعنه عليه السلام: "ما من صاحب مال لا يؤدى حق الله فيه إلا مثل له يوم القيامة شجاع أقرع له زبيبتان يأخذ بلهزمتيه أى شدقيه يقول أنا كنزك". وعنه - صلى الله عليه وسلم -: "ما من صاحب إبل ولا بقر

ولا غنم لا يؤدى زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأخفافها كلما نفدت أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضي بين الناس". ومنه صيام رمضان الذى أوجبه الله على كل عاقل بالغ صحيح حاضر قال سبحانه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ ... (185)} [سورة البقرة: 185]، وقد ضيعت العامة حقوقه وتهاونوا بصيامه حتى إنه بلغنا مجاهرة بعضهم بأكله من غير نكير، ومن صامه صامه من غير قيام بحقه ولا معرفة بما يصحح صومه أو يفسده، وأكثرهم يصومون ولا يصلون، وفى الحديث: الصيام جنة ما لم تخرقه، وعنه عليه السلام: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"، وعنه عليه السلام: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه". ومنه الحج للمستطيع قال تعالى: {... وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ... (97)} [سورة آل عمران: 97] والاستطاعة هى الزاد والراحلة والأمن على النفس والمال، وقال عليه السلام: من حج هذا البيت ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وقال عليه السلام: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة. وقد سمعت العامة فضله وجحدوا حكمه وارتكبوا فيه من البدع والرياء والسمعة ما أفسدوه عليهم، فإن الحاج ينبغى له اختيار الحلال المحض لذلك، والمحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، ومعرفة أحكامه وسننه، وترك المراء والجدال والرفث والفسوق وحفظ الجوارح من المعاصى، وخصوصا الفرج واللسان قال الله سبحانه: {... فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ... (197)} [سورة البقرة: 197] وقد صار اليوم عند العامة لهوا ولعبا، وجل العامة لا يقصد به إلا

التسمية بالحاج فقط ولا يقصد به فرضا ولا غيره، فتجد الرجل يتوجه للحج ومن حين خروجه وهو متلبس بالمعاصى من أكمل الحرام وترك الصلوات والتهاون بأمور الدين، ولا يعرف ما يأتى وما يذر، ويرجع وقد توجه لفرض فعطل فروضًا. ولم يدر مسنونا ولا مفروضا. أولئك الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا". "ومن أركان الدين الجهاد في سبيل الله وهو فرض كفاية ما لم يفجإ العدو، فإن فجأ العدو كان فرض عين، قال سيدى خليل: وتعين بفجإ العدو وإن على امرأة وصبى .. إلخ. وقال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ... (216)} [سورة البقرة: 216]، وقال: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244)} [سورة البقرة: 244]، وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ... (123)} [سورة التوبة: 123]، وقال سبحانه: {... وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41)} [سورة التوبة: 41]، وقال: (الذين آمنوا جاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) (¬1)، وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ ... (10)} [سورة الصف: 10]، وقال: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ ... (169)} [سورة آل عمران: 169]. وقال عليه السلام: "الجهاد رهبانية أمتى". وقال: "لكل نبى حرفة وحرفتى الجهاد في سبيل الله"، وقال: "جعل رزقى تحت ظل رمحى وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمرى"، وقال: "من مات ولم يغز ولم ينو الغزو مات ميتة جاهلية"، وقال: "ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا". ¬

_ (¬1) نص الآية الكريمة: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)} [سورة الحجرات: 15].

فينبغى للمؤمن الموقن أن يسمع ويطيع لما أمر الله به من الجهاد، ويستعد بما قدر عليه من سلاح وفرس جواد، وتعلم رماية وفروسية ليأجره الله على نيته، ويثيبه على حكم قصده وطويته، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ ... (60)} [سورة الأنفال: 60]، وليتعلم ما يتعلق به من الأحكام من حسن النية والإخلاص وصدق العزيمة، لتكون كلمة الله هى العليا، ويشعر نفسه تصديق ما وعد الله به من نصر الإسلام وأهله، وخذلان الكفر وشيعته، ويعرف حرمة الفرار من الزحف وما أعد الله لمن مات شهيدا مقبلا، وما أعد الله لمن مات مدبرا ليكون على بصيرة فيما يأتى وما يذر". "وهذا الجهل الواقع في قواعد الدين إنما هو من قلة العلم وعدم مخالطة العلماء وسؤالهم عن مسائل الشريعة المطهرة، فتجد أحدهم بصيرًا بأمور معاشه وبيعه وشرائه جاهلا بأمور دينه واعتقاده، غافلا عن معاده، لعدم اعتنائه بآخرته، وقلة نظره في أمور عاقبته، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وقد عم ذلك حتى صار المعروف منكرًا، والمنكر معروفا، والسنة بدعة، والبدعة سنة، وارتكبت العامة أمورًا قريبة من الكفر أو هى الكفر بعينها". "فمنها فساد البيع والشراء والمعاملات وهو سلف الدراهم بالزيادة أو كراؤها بكذا في الشهر لكل مثقال وغير ذلك من أنواع الربا، وقد شدد الله في أمره وآذن المصرّ عليه بالحرب فقال سبحانه: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ... (275)} [سورة البقرة: 275]. وقال عليه السلام: "من نبت لحمه من سحت فالنار أولى به"، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده". "ومنها فساد الأنكحة والتساهل فيها من خطبة أحدهم على خطبة أخيه والدخول على المطلقة قبل تمام العدة وغير ذلك من المنكرات، وأشنعها وأبشعها ما

يرتكبه الأشياخ الفجرة من بيع النساء على ما بلغنا، وصورة ذلك أن يقبض الرجل وتوظف عليه الذعيرة فلا يفي بها ماله وتكون عنده الزوجة المرغوب فيها فيتحمل الراغب فيها بما بقى من الذعيرة ويسلمها له، ويجعلها العدول الفجرة في صورة خلع، ويدخل بها الراغب قبل وفاء العدة، وهذا وشبهه من الإلحاد في الدين، والخروج عن شريعة سيد المرسلين". "ومنها التساهل في أمر الزنا والاكتفاء فيمن ثبت عليه بالقبض والذعيرة، وذلك من المنكر الذى لا يرضاه الله ورسوله والمؤمنون؛ لأنه خرق الشريعة وإبطال لأحكام القرآن وقد قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)} [سورة الإسراء: 32]، وقال سبحانه: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ... (2)} [سورة النور: 2]، هذا في البكر وأما الثيب فالرجم، فقد قال عليه السلام: "لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن". وقال: "الزنا بريد الفقر ولا ظهر في قوم الزنا إلا فشا فيهم الموت". "ومنها التساهل في أمر السرقة والاكتفاء برجوعها وزجر السارق، وهذا مخالف للشرع، مبطل لحكمه الذى هو القطع، قال الله سبحانه: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ... (38)} [سورة المائدة: 38]. وقال عليه السلام: "والله لو سرقت -وذكر عضوا شريفا من ذات شريفة حاشاها من ذلك- لقطعت". "ومنها تسلط الأشياخ على نسوة رعاياهم بالاحتيال على من كان تحته زوجة حسناء بقبضه حتى يتوصل للفاسد في زوجته". "ومنها التساهل في أمر الدماء التي شدد الله فيها وأمر بالقصاص فقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى ... (178)} [سورة البقرة: 178]، وقال: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ... (179)} [سورة البقرة: 179] وقال سبحانه: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا

بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)} [سورة الإسراء: 33] فتجد القاتل يسبق إلى الشيخ أو العامل للإعلام والرشوة ليبطل حق المقتول ودعوى أوليائه إن رفعت إليه، ويسعى في إبعاد التهمة عنه، وربما يتجرأ على الله بقبض أولياء الدم ليدحض دعواهم. ويحسم شكواهم". "إلى غير ذلك من المنكرات التي حدثت في الوقت نسأل الله السلامة، فإن الشَّرَّفى الزيادة كما أخبر - صلى الله عليه وسلم -، فيجب على من ولاه الله أمرا أن ينصح لنفسه ولرعيته جهد الاستطاعة، ويحملها على اتباع السنة والجماعة، ويزجر من قصر في دين الله وخالف أمره وارتكب ما نهى عنه بقدر معصيته، ويقوم بأمر الله فيهم وطاعته، ويبرأ بنفسه فيحملها على منهاج الحق والشريعة، فإن الرعية على دين رئيسها، فحينئذ ينفع تعليمه ويقبل ما يقول، ويلزم كل دوار وجماعة مشارطة طالب علم يرجعون إليهم في أمر دينهم، وتعليم صبيانهم وجهالهم، ويقوم بالأذان والصلوات الخمس في أوقاتها. والجماعة التي لم تفعل ذلك يزجرهم ويعاقبهم، ويختار الأشياخ أهل الدين الذين يقومون بذلك، ويستعين عليه بالقضاة أهل العلم والعمل، الذين يتقون الله ويتحرون في أحكامهم، ومن ثبت عليه حد من حدود الله شرعا يطالعنا به لنأمر بإنفاذ حكم الله فيه. ويشدد على أهل الجرائم والفساد، ويرفق بالضعفاء والمساكين، فما سمعنا عاملا قبض أحدا على ترك الصلاة أو ترك الوضوء أو عاقبه على قلة دينه أو أدبه على قول أو فعل خارج عن الشرع العزيز، وإنما يبلغنا قبض العمال على الذعيرة أو مخالفة الشيخ أو الغوغة عليه أو غير ذلك من الأغراض والشهوات الدنيوية التي لا تعلق لها بالدين، مع أن القيام بأمور الدين أولى، والاهتمام بالاستقامة فيه أهم.

ولو استقام دين العامة لاستقام أمر دنياهم فينبغى، للعاقل إيثار أهل الدين على الدنيا، ففى محض حق الله تجب المبادرة، وفى الشمائل: كان - صلى الله عليه وسلم - لا يغضب لنفسه إلا إذا انتهكت (¬1) محارم الله فلا يقوم لغضبه شئ. فمن وفقه الله للاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد رشد واهتدى، ومن حاد عن سبيله فقد غوى واعتدى، فإنه عليه السلام تركنا على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا شقى، وليجعل أموره كلها جارية على الكتاب والسنة ويسأل العلماء عما لم يعلم، ويرفع القضايا الشرعية للقضاة، ويأمرهم باختيار الشهود أهل العدالة والدين، ليتم له من ذلك ما أراد، ومن ظهرت عليه جرحة في شهادته ينكل به ويمنعه من الشهادة لينزجر به غيره، وتجرى أمور الشرع على مقتضاها، فإن بصلاح الشهود تستقيم أمور الشرع؛ لأن بهم عصمة الدماء والأموال والأنساب. وصلاح الشهود بصلاح القاضى، وصلاح القاضي بالعلم والتقوى والورع ومعونة العامل على تنفيذ أحكامه، فمن قام بهذا من العمال فقد نال رضا الله ورسوله ورضانا، وفاز بخير الدارين، فإن بالعدل ثبات الولاية وملاك أمرها، ولا يتم ذلك إلا بمشاورة الصلحاء والاهتداء بهديهم، فإن مصاحبة الأخيار، ترفع الأقدار، وتبلغ منازل الأبرار، وقد قيل: والله ما أفلح من أفلح إلا بصحبة من أفلح ولا يقال فسد الزمان وقل أهل الدين، وفقد الناصر والمعين، فإن من قام بالله وجد في إقامة شريعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعزمة صادقة رزقه الله المعونة على ذلك، والتوفيق لسلوك تلك المسالك، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز. ومن حاد عن هذا السبيل من العمال وقصر في نصح رعيته ولم يحملها على أفضل الأخلاق والأعمال فقد تعرض لسخط الله ومقته، وحلول العقوبة المعجلة به ولا يلوم إلا نفسه، ولا يضر إلا رأسه. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "إلا إذا انتهت! ".

عطاياه وأحباسه

ولتكن نسخة من هذا الكتاب عند كل شيخ وكل طالب، ليبلغ الشاهد الغائب، ولنخرج من عهدة التقليد، ومن خالف الشرع أو حكم بغير ما أنزل الله أو رضى بذلك فحسابه على الله، قال الله سبحانه: {... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ... (7)} [سورة الحشر: 7]، وقال: {... فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} [سورة النور: 63]، وقال تعالى: {... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [سورة المائدة: 45]، {... فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [سورة المائدة: 47]، {... فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} [سورة المائدة: 44]. فها نحن قد ذكرناكم وبصرناكم. وعرفناكم مرادنا فيكم وقلدناكم، وعلى سبيل النجاة دللناكم، فمن أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها، فاجعلوا هذا الكتاب نصب أعينكم، وتدبروا ما فيه ببصيرة نافذة، وعقول حاضرة، لتعملوا (¬1) بمقتضاه. والله يوفقكم لما يحبه ويرضاه والسلام". عطاياه وأحباسه: لا أستطيع أن آتى على ما له في هذا الباب، ولو تتبعته لأتى في مجلدات ولكن ما لا يمكن كله لا يترك كله، ودونك شذرات من ذلك. أما تبرعاته وعطاياه فإنه قد دون لذلك الدواوين، قال أبو محمد عبد السلام ابن الخياط بن محمد بن علال القادرى في تقييده في أبناء محمد النفس الزكية: دَوَّن -يعنى المترجم- ديوان العطاء للشرفاء والمتشرفة والمشروفين لكل ديوان وعطاء معلوم، وكذلك دوَّن ديوان الضعفاء والأيتام والأرامل وقدر لهم عطاءً معلومًا، وأعطى للعلماء والطلبة عطاء لم يسبق إليه، ودَوَّن للمؤذنين عطاء معلوما" انتهى. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "لتعلموا".

[مخطوطة] ظهير السلطان سيدى محمد بن عبد الله للمرابطين أولاد سيدي بوموسى بالتوقير والاحترام والسير على ما كانوا عليه من قراءة القرآن وإهداء ثوابها لمولاى الشريف ومولاى إسماعيل

وأعطى لطبيبه الماهر العلامة الحكيم أبى العباس أحمد بن عبد الوهاب آدراق ألف دينار في آن واحد كما في الجيش وغيره. ولما سرح عبد العزيز العبدلى الذى كان قاضيا بمراكش بعد نكبته المتقدمة الذكر أعانه بألف ريال للحج كما سلف. وأعطى في فكاك أسارى الأتراك من مالطة مائتى ألف ريال وأربع وسبعين ألف ريال دورو، ولما لم يتيسر الفداء ورجع المال المذكور وجه بجميعه للسلطان عبد الحميد، وقال له: إن هذا المال أخرج في سبيل الله لفكاك أسارى المسلمين منكم، وحيث رده الكفار لا يرجع لنا، فأنفقه في فداء أساراكم أو في الجهاد أو فيما يظهر لكم. وقد بلغ عدد الأسارى المسلمين الذين أنقذهم من الأسر سنة 1200 ثمانية وأربعين ألف أسير وزيادة من المغرب وغيره، وأنفق في ذلك أموالا طائلة. ورتب لأشراف تافيلالت في كل سنة مائة ألف مثقال زيادة على ما يقبضونه في أيام السنة متفرقا. ورتب لشرفاء الحرمين الشريفين واليمن مائة ألف مثقال في السنة، ومثلها لشرفاء المغرب، ونحو ذلك للطلبة والمؤذنين والقراء بالمكاتب وأئمة المساجد في كل عام. ولما كانت مسغبة عام تسعة وثمانين أجرى أرزاقا على الضعفاء والأغنياء، وأسقط الخراج فلم يُجبَ لبيت المال في تلك السنين من أحد شئ قط، وأوقف دورا لاستعمال الطعام للأرامل والأيتام والمساكين، ولم يزل على ذلك حتى صرف الله تلك الأزمة عن المسلمين، قاله في درة السلوك.

وفى غلاء عام خمسة وتسعين ومائة وألف وصل أهل العدوتين الرباط وسلا وأهل مراكش وغيرهم بأموال لها بال، وكان يفرق على الدور ويوالى العطاء على الضعفاء والمساكين بيده، ورتب لهم الخبز مياومة، ودام على ذلك حتى اضمحلت المسغبة، وكان يعطى للتجار الأموال لجلب الميرة من الخارج وبيعها في الإيالة برأس مالها رفقا بعامة الضعفاء. ولما زار تافيلالت عام تسعة وثمانين وصل الشرفاء بما يزيد على مائتى ألف دينار، وأنعم على أهل الزاوية الناصرية بتامكروت بعشرة قناطير من معدن الحديد، خمسة من الصويرة وخمسة من آسفى. وفى عام سبعة وتسعين ومائة وألف وجه لأشراف الحرمين الشريفين أموالا صلة، وللشيخ مرتضى الزبيدى خمسمائة دينار ذهبا ومجانة منه، ومثل ذلك للشيخ أحمد الدردير، ولباقى علماء مصر سبعمائة دينار ذهبا. قاله الضعيف. وقال إن الشيخ مرتضى: لم يقبل تلك الهدية واعتذر عن عدم قبوله إياها بأنه لم يؤذن له ولم يقابل الوفد السلطانى الذى أتاه بها وكتب لهم بما نصه: وبعد السلام على كرام الوقت اقبلوا عذرى في التخلف عنكم في هذه الساعة وما ذكرتم لنا من أنكم صحبتم معكم صلة من جانب المنصور بالله، فإنه لم يؤذن لنا في قبولها وهو نصره الله قد استسمن ذا ورم. ونفخ في غير ضرم. والآن اذهبوا بالسلامة والسلام. ووجه مع صهره ابن عمه مولاى عبد المالك ابن إدريس في سفارته للسلطان عبد الحميد وحجته مع ابن عثمان، والسيد محمد الموزيرق، وشيخ الركب الحاج عبد الكريم بن يحيى هدية كبيرة للأشراف وأمرهم أن يتوجهوا من إِسَطنْبول للحج، وكان مقدار المال الموجهين به ثلاثمائة ألف ريال دورو وستين ألف ريال

ومن الذِهب ضبلون ومنيضة وبندقى أربعين ألف لمعينين في الحرمين الشريفين في أحقاق كل حق مكتوب عليه صاحبه. ومن ذلك ما أصدره في الاستمرار على ما كان يعطيه لسيدى على منون، ونص ذلك بعد الحمدلة والصلاة والطابع الكريم: "خديمنا الراضي بن القاضى سلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. أما بعد: فنأمرك أن تدفع لدار سيدى على منون الزرع الذى من عادتنا الكريمة أن نعطيه إياه لعولته ولا تقطعه عليه والسلام في متم ربيع الأول سنة 1187". ومن ذلك أيضًا ما وجهه مع ولده العلامة أبى محمد عبد السلام صاحب درة السلوك وغيرها للسادات الأشراف أهل الحرمين الشريفين والينبوع وبدر وغيرهم، حسبما ذلك مفصل بالكناشة التي وجه بها لعلماء مصر وإليك نصها حرفيا: "الحمد لله وحده، هذا زمام هدية الحرمين الشريفين المتوجهة مع ولدنا الأرضى سيدى عبد السلام أصلحه الله ورضى عنه، وقدر الهدية المذكورة ألف سبيكة من الذهب، وقد أمرنا أن يفرق ذلك على ما هو مذكور ومبين بالكناش حتى يتوصل كل ذى حق إلى حقه إن شاء الله، وكتب في أوائل جمادى الأولى عام أربعة ومائتين وألف: القسمة الأولى: للسادات الشرفاء أهل المدينة المنورة ومن بينه وبين المدينة مرحلة واحدة مائتان من السبائك.

القسمة الثانية: للسادات الشرفاء أهل مكة والوادى وجدة والطائف مائتان من السبائك. القسمة الثالثة: للسادات الشرفاء أهل ينبوع النخل وأهل ينبوع البحر مائتان من السبائك. القسمة الرابعة: للسادات الشرفاء أهل بدر ورابغ وخليص والصفرا والجديدة والحسينية وعين عجلان وجميع أشراف الحجار عن آخرهم، وإن نسينا فرقة منهم ولم نسمها فهى داخلة مع أشراف الحجار مائتان من السبائك أيضًا. القسمة الخامسة: لأهل المدينة المنورة خصوصا وعموما من غير الأشراف وفقنا الله وإياهم وأهل الرباطات والرواقات ومن له وظيف مائتان من السبائك إلا أن أهل الوظائف يأخذون على قدر خدمتهم في الحجرة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، فيكون منهم من يأخذ ثلاث قسمات، ولحملة القرآن ثلاث قسمات ومنهم من يأخذ قسمتين، وعامة الناس يأخذون قسمة واحدة. وحاصل الأمر أننا فوضنا لأهل المدينة المشرفة في القسمة المذكورة فيقتسمون ذلك على قوانينه المعهودة عندهم، ولا حظ للرافضية الذين يبغضون الشيخين أبعدهم الله فلا يأخذون شيئا من المال المذكور ولو درهما واحدا، ومن حبى الرافضية المذكورين بشئ من المال المذكور فالله حسيبه وحسيب كل من منع حق مسكين من الغرباء والمجاورين لحرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل الرباطات والرواقات وغيرهم من الذين لم يقدم بهم من بلادهم إلا شوق المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وجواره.

وأنا أقول واجب على أهل المدينة أن يقدموا هؤلاء الغرباء المجاورين لحرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الهدية على أنفسهم والهدية المذكورة لأهل المدينة خصوصا وعموما على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى السلام، واعلموا أنه لا مدخل للشريف أمير مكة في تفريق المال المذكور بل يفرقه سرامين (1) وشرفاء المدينة، وإن بعث صاحبًا له يحضر على تفريق المال المذكور فليطرده أهل المدينة ويقولون له: إن بعث صاحبك شيئا فاحضر عليه، وأما هذا المال فلا مدخل لك فيه؛ لأن الشريف المذكور نهب من مال هدية شرفاء اليمن ستة عشر ألف مطبوع في العام الماضى فلا يحضر على تفريق هذا ولا مدخل له فيه بوجه ولا بحال، وإنما يحضر على تفريق المال المذكور شرفاء المدينة مع سرامين (¬1) والتفريق المذكور يكون على النسق المذكور إن شاء الله. الفصل الأول: قسمة السادات الأشراف أهل المدينة المنورة وما حولها فإنها ظاهرة، ويعرف بعضهم بعضا لأنهم حاضرون بطيبة. الفصل الثانى: قسمة السادات الأشراف أهل مكة والوادى وجدة والطائف، فإن قدم عليكم منهم نحو العشرين أو الثلاثين رجلا فلا تدفعوا لهم شيئا من الهدية المذكورة إلا إذا قدم عليكم منهم نحو المائة رجل وزيادة من خيار الشرفاء المذكورين وأعيانهم، وكل فرقة منهم تأتي بوكالة إخوانها وكالة مفوضة. وكيفية التفريق عليهم هو أن أهل مكة يأخذون حظ إخوانهم أهل مكة فقط بعد أن يبينوا لكم كل بيت وما يجب له في حظه من الهدية المذكورة، وكذلك سكان الطائف إنما يأخذون حظ إخوانهم سكان الطائف فقط، بعد أن يبينوا لكم ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "السرامين: كأنه تركى التركيب وإضافته مقلوبة، أى أمين الصُّرَة".

كل بيت، وما يجب له في حظه من الهدية المذكورة، وكذلك أهل الوادى يأخذون حظ إخوانهم سكان الوادى فقط، وكذلك أهل جُدَّة يأخذون حظ إخوانهم سكان جُدَّة فقط، وكذلك إن كان بعض ديار السادات الأشراف قرباء لمكة المشرفة ولم يكونوا مذكورين في الزمام فيحسبون مع أهل مكة ويأخذون معهم، وسواء كانوا ديارا أو خياما، وكذلك إن كان بعض ديار السادات الأشراف قرباء للطائف فيحسبون من جملة أهل الطائف ويأخذون معهم، وكذلك أهل الوادى، وكذلك أهل جدة إن كان بعض ديار السادات الأشراف قرباء منهم فيحسبون من جملتهم ويأخذون معهم. الفصل الثالث: قسمة السادات الأشراف أهل ينبوع البحر وينبوع النخل، فكذلك أيضًا إن قدم عليكم منهم نحو العشرين أو الثلاثين رجلًا فلا تدفعوا لهم شيئا من الهدية المذكورة إلا إذا قدم عليكم منهم نحو المائة رجل وزيادة من خيارهم وأعيانهم، لأن السادات الأشراف أهل ينبوع البحر، وينبوع النخل فرق متعددة وبيوت كثيرة من الشرفاء، فكل فرقة منهم تأخذ حظ إخوانها من الهدية المذكورة، لكن بعد أن يبينوا لكم كل بيت وما فيه ويأتوا بوكالة إخوانهم وكالة مفوضة، فعند ذلك يدفع لهم حظهم ولا يدخل معهم فيها من هو مضاف لهم ومن لهم، إنما الهدية المذكورة مخصوص بها أبناء المصطفى - صلى الله عليه وسلم -. الفصل الرابع: قسم السادات الأشراف أهل بدر، ورابغ، وخليط، والصفراء، والجَدَيِّدَة (¬1)، والحسينية، وعين عجلان، وجميع أشراف الحجاز عن آخرهم، وإن نسينا فرقة منهم ولم نسمها فهى داخلة في القسمة الرابعة مع السادات أشراف ¬

_ (¬1) في المطبوع: "الحديدة" بالحاء المهملة. والمثبت في حسن القرى، وبالهامش: "بهامش الأصل: هى الآن ملك بعضها للشيبى عبد الله صاحب مفتاح البيت وباقيها للأشراف".

الحجاز، فالقسمة الرابعة كلها عامة على من هو شريف في الحجاز وإن لم يكن مذكورًا في الزمام، فكذلك وإن قدم عليكم منهم نحو العشرين أو الثلاثين رجلًا فلا تدفعوا لهم شيئًا إلا إذا أتتكم منهم نحو المائة رجل وزيادة من خيارهم وأعيانهم، وكل فرقة منهم تأتي بوكالة إخوانها، وكالة مفوضة. فأهل بدر يأخذون حظ إخوانهم الساكنين ببدر، وكذلك أهل رابغ يأخذون الساكنين برابغ، وكذلك أهل خليص يأخذون حظ إخوانهم الساكنين بخليص، وكذلك أهل الصفراء يأخذون حظ إخوانهم الساكنين بالصفراء، وكذلك أهل عين عجلان، وكذلك جميع أشراف الحجاز عن آخرهم كل واحد منهم يأخذ حظ إخوانه فقط. وأنتم إياكم ثم إياكم أن تدفعوا لأحد من السادات الأشراف حظ هذا لهذا أو حظ هذه الفرقة لهذه الفرقة، بل كل فرقة منهم تأتي بوكالة إخوانها وكالة مفوضة، وتأخذ حظها، لكن بعد أن يبينوا لكم كل بيت وما يجب له من الهدية المذكورة. وعلى هذا يكون عملكم، وقد تشفعنا للسادات الأشراف أهل المدينة المنورة بالمصطفى - صلى الله عليه وسلم - ومحبتنا فيهم أن يقفوا على هذه القسمة في هذه السنة للسادات الأشراف حتى يتوصل كل ذى حق منهم بحقة، لأنها إذا تحققت القسمة في هذه السنة فتسهل في السنين التي بعدها، وبها ينقطع الخصام بين السادات الأشراف وفر الله جمعهم الحمد لله وحده. وكما يصل للحرمين الشريفين ومصر والإسكندرية مع ولدنا الأرضى سيدى عبد السلام أصلحه الله ورضى عنه وفى مهل جمادى الأولى عام أربعة ومائتين وألف:

فللفقهاء وجميع الطلبة بالمدينة على مراتبهم من طلبة العلم وطلبة القرآن ألف منيضة يقتسمونها على المراتب. ولفقهاء الاسكندرية ومدرسيها وسائر طلبتها وطلبة القرآن والعلم ألف منيضة يقتسمونها على المراتب. ولمدرسى مصر والفقهاء وسائر طلبة الرواقات على مراتبهم خمس عشرة مائة منيضة يختص الفقهاء والمدرسون بالأزهر بخمسمائة، الألف الباقى يفرقونه الطلبة على المراتب جميع المنيضة ثلاثة الآف وخمسمائة. وللحسنين بمصر مائتان من البندقى. وللإمام سيدى محمد بن إدريس الشافعى مائة بندقى. وللبكريين خمسمائة بندقى. وللعمريين خمسمائة بندقى. وللوفائيين مائة بندقى. ولسيدى أحمد البدوى مائة بندقى. وللشيخ أبى العباس المرسى مائة بندقى. ولسيدى البصيرى مائة بندقى. ولبيت الله الحرام ألف بندقى لفقهائه وسائر طلبته وأهل الوظائف من عند ولدنا الأرضى سيدى عبد السلام أصلحه الله لأن ألفين مثقالًا التي تتوجه لكم من عندنا في كل سنة فقد كنا قدمنا لكم الكتب على أنكم تقبضونها من عند المتولى في موضع الشريف سرور عن كل سنة من الستة عشر ألف مثقال التي كان أخذ من الهدية، وهى واجب ثمان سنين فقد أذنا لكم في قبضها منه على حسب ألفين مثقال في كل سنة، وأما الألف بندقى المذكور فهو من عند ولدنا عبد السلام أصلحه الله آمين جميع البندقى ألفان وسبعمائة.

فالصلة التي توجه بها ولدنا سيدى عبد السلام أصلحه الله هو يتولى تفريقها بالمدينة المنورة بعد أن يحج ويرجع من مكة، وواجب أهل مصر والإسكندرية يدفعه بمصر عند التشرقة. والهدية التي توجه بها السيد على الشبانى من اسطنبول مع سرامين، فقد كنا أمرناه وعنده أمرنا أن سرامين يفرقها بالمدينة المنورة قبل أن يحج وقبل أن يصل لمكة المشرفة، وقدر عدد الهدية المذكورة ألف سبيكة وتقسم على خمس قسمات مائتا سبيكة في كل قسمة: القسمة الأولى: لشرفاء المدينة وما حولها. الثانية: لشرفاء بيت الله الحرام ومن ذكر معهم. الثالثة: لشرفاء الينبوع ومن ذكر معهم. الرابعة: لشرفاء بدر وخليص والصفرا والجديدة وشرفاء الحجاز كلهم. الخامسة: لأهل المدينة خصوصًا وعمومًا وعلى هذا يكون العمل إن شاء الله. وكل هدية وردت من عندنا لآل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقسم على خمس قسمات كما ذكر، أربع للسادات الشرفاء، والخامسة لعامة أهل المدينة المنورة، وبمكتبتنا من هذا المنشور نسخة من أصله فتوكرافية. ومن ذلك هبته للسادات الشرفاء صرحاء الأنساب إراثة المنقطعين وجباية الأعشار وحصرهم في ستة عشر شعبة، جعل الإنعام عليهم خصوصًا بذلك، وأصدر بذلك ظهيرًا كريمًا أمر بتعداد النسخ منه وتسجيله في حوالة القرويين زيادة في صيانته والمحافظة عليه.

وسبب تلك الهبة على ما في تحفة الحادى المطرب لأبى القاسم الزيانى: أنه لما كانت سنو المسغبة ورتب الخبز في المدن يفرق في كل حومة على ضعفائها، اجتمع شرفاء فاس وطلبوا منهم أن يخصهم بنصيبهم ولا يدخلون مع العامة، فقال لهم: هذا شئ تافه وسأخصكم بما هو كثير منه، فأنعم عليهم بمال إراثة فاس. اهـ. الغرض. فأصدر ظهيرًا لهم بتنفيذ ذلك على وجه الإقطاع وقفت على نسخة منه مسجلة إليك نصها: "الحمد لله، نسخة رسم وخطاب من يجب أمنه الله عقبه بما سيذكر نصه: الحمد لله نسخة ظهير كريم مولوى هاشمى سلطانى محمدى والخط والطابع الشريفان بين الحمدلة وصدر افتتاحه، ورسم الرفع عليهما بطرته، والقبول عقبه، نص أوله: "الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، ونص الخط: محمد بن عبد الله كان الله له، ونص الطابع بما هو بداخله: محمد بن عبد الله بن إسماعيل الله وليه ومولاه، وما هو بدائرته المحيطة به: ومن تكن برسول الله نصرته؛ إن تلقه الأسد في إجامها تجم. ونص الظهير: " "هذا ظهير كريم، تتلقى أوامره المطالعة بالإجلال والتعظيم، وتتأرج منه نسمات الوقار والتكريم، يتعرف منه بسابغ يمن الله وطوله، وجميل بركته وجليل فضله، أننا وهبنا متخلف المنقطعين بحضرة فاس على ما يذكر في هذا المسطور الكريم من السادات الأشراف الجلة وفرهم الله وهم الشرفاء الإدريسيون: (1) أهل دار القيطون و (2) الطاهريون و (3) العمرانيون و (4) الطالبيون و (5) الغالبيون و (6) الصقليون و (7) العراقيون و (8) المسفريون و (9) الدباغيون و (10) الكتانيون و (11) الكانونيون و (12) الشفشانيون و (13) الفضيليون

والطاهريون (14) أهل مكناسة وأهل حمام الجديد و (15) أولاد سيدى على منون (16) ومن هو متأهل بفاس من بنى عمنا. فهؤلاء القبائل المذكور حفظهم الله هم الذين وهبنا عليهم متخلف المنقطعين بفاس، سواء كان أثاثًا أو عقارًا، أو غير ذلك، بحيث لا يدخل معهم غيرهم ولا يخرج من كان من شرفاء فاس قاطنا بغيرها كالدباغيين الذين بمراكش هبة مؤبدة مبتلة ممنوعة أسباب النقض إن شاء الله إلى يوم الدين، قصدنا بذلك وجه الله العظيم، وصلة رحمهم، تقبل الله منا ذلك بفضله. وقد قدرنا لهم القسم في مستفاد ذلك عن كل ثلاثة أشهر، بأن يعطى لكل متزوج من الشرفاء ومملك ومتزوجة ومملكة قسمة على السواء بينهم، وللعجائز منهم ومن ليست في نفقة أحد يسهم لها سهمان لعجزها، ومن كان من الشرفاء غنيا وسامح في واجبه لبنى عمه فالله يتقبل له، وإن أراد البقاء على حقه فله ذلك. وقد أبقينا الحاج محمد السراج ناظرًا على مال المنقطعين، ويلازمه اثنان من الشرفاء في جميع ما يتصرف فيه من ذلك مناوبة، وهذا الظهير الكريم يجعل في دار القيطون، وتجعل منه نسخة في حوالة مسجد القرويين عمره الله، وأذنا لكل فرقة من هؤلاء الشرفاء أن يتمسك بنسخة من هذا الظهير الكريم مسجلة على خط قاضى فاس الإدريسية، تقبل الله منا ذلك بفضله، وإنه ولى ذلك بمنه وكرمه آمين. وقد زدناهم كل أهل ورثه بيت المال لا قديمًا ولا حادثًا يباع ويفرق عليهم ثمنه إن كان فيه أحد ساكنًا يخرج منه ولا نقبل له كلامًا في ذلك، لأننا وهبناه لهم هبة لا رجوع فيها بالكلية، والله تعالى يصلحهم ويوفق جميعهم لما فيه رضاه آمين والسلام.

صدر أمرنا المطاع بما سطر كله في ثامن عشرى ربيع الثانى عام تسعين ومائة وألف، ونص رسم الرفع بالطرة: "الحمد لله، فمن يعلم ويتحقق أن الخط الشريف والطابع الكريم الذين بين الظهير والحمدلة أعلاه هو خط مولانا الإمام. المظفر الهمام. السلطان الأعظم والملاذ الأفخم. أمير المؤمنين محيدى محمد بن مولانا عبد الله أيد الله مجده، وأدام في فلك السعادة سعده، وطابعه قاله عارفهما ومعرفا بهما من غير شك لحقه في ذلك ولا ريب، وبه قيد شهادته في ثانى رجب الفرد الحرام عام تسعين، المؤرخ به أعلاه أحمد بن محمد بن سليمان لطف الله به وعبيد ربه محمد بن طاهر الهوارى لطف الله به، وبعده بخط من يجب أمنه الله: الحمد لله أديا فقبلا وأعلم به عبد الله تعالى يوسف بن محمد الطالب البوعنانى الحسنى الله وليه ومولاه، قابلها بأصلها فماثلته وأشهده الفقيه الأجل، العالم الأفضل الشريف المنيف الأمثل، قاضى الجماعة بالحضرتين فاس الإدريسية والعليا، وهو يوسف بن محمد الطالب البوعنانى الحسنى أعزه الله تعالى وحرسها بقبوله الرسم المنصوص عنده القبول التام بواجبه، وهو حفظه الله تعالى بحيث يجب له ذلك من حيث ذكر في رابع رجب الفرد الحرام عام تسعين ومائة وألف محمد بنيس وفقه الله بمنه ولطف به. وأحمد بن محمد بن سليمان لطف الله به، وبعده بخط من يجب أمنه الله: أعلمته قابلها بأصلها فما ثلته وأشهده الشريف الفقيه الأجل، العالم العلامة الأفضل، الدراكة الفهامة الأحفل، المدرس المحرر النحرير الأمثل، الحجة القدوة الأكمل، قاضى الجماعة بحضرة فاس الإدريسية المحفوظ بالله عز وجل، وهو عبد الهادي عبد الله الحسنى أعزه الله تعالى وحرسها بأعمال الرسم أعلاه عنده الأعمال التام بواجبه، وهو حفظه الله تعالى ودامت كرامته بحيث يجب له ذلك من حيث ذكر، وفى عاشر ربيع الأول النبوى الأزهر عام تسعة بمثناة وستين ومائتين وألف محمد الطالب ابن حمدون ابن الحاج لطف الله به ومحمد بن محمد بن الطاهرى الحسنى وفقه الله بمنه ولطف به وبعده: استقل".

وبعد صدور هذا الظهير تمشى فيه المكلفون بتنفيذ أوامره على غير ما رسمه المترجم مدة، ثم رفعت لجلالته الكريمة الشكاية بالحيف الواقع والمحابات، ولما تحقق لديه ذلك أصدر ظهيرًا آخر في الموضوع لولده المولى المأمون والشيخ التاودى نصه: "الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا ونبينا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم؛ ولدنا المأمون أصلحك الله، والفقيه السيد التاودى السلام عليكما ورحمت الله وبركاته. وبعد: فإن بعض الشرفاء وردوا علينا شاكين بأبناء عمهم الستة عشر شعبة أهل العصبية الذين يقبضون مال المنقطعين، فقد بلغنا أنهم أطلقوا ألسنتهم بالمعرة ولم ينتهوا، فتحققنا أن سبب كل فتنة شعبتان من أهل العصبية سولت لهم أنفسهم الإمارة أن فاطمة رضى الله عنها لم تلد غيرهم. ولما تفطنا من كلام الشاكين وتأملنا أمرهم وجدنا الحق معهم، لأنهم كلهم أهل رسوم وظهائر، والنسب يحاز بما تحاز به الأملاك، ولا حجة للأقوياء على الضعفاء غير ما يقولونه بأفواههم، وكل ما ينشأ بينهم من الأذى فهو في صحيفة الفقيه المذكور، لأنا كنا عاهدنا الله في هبة ذلك لكل من تقدم سلفه قاطنا بفاس من أول المائة الثامنة إلى سيدنا الجد قدس الله روحه. فأبهم الأمر علينا حيث وقع الحيف والمداهنة، وأنا أستغفر الله من ذلك لأنهم جعلهم قبائل مع كونهم شعبًا، وهو محقق بأن الإمام مولانا إدريس أفاض الله علينا من بركاته آمين، خلف بضعة عشر ذكرًا ولكل منهم عقب، وقد علم ما وقع بهم حسبما ذكره المؤرخون، وعقد أغفلوا كلهم لدخولهم في غمار العامة تغطية على أنسابهم، فكان ذلك سبب سلبهم الشهرة من شدة ما أصابهم من

الخطوب والأهوال وأذى الملوك الذين اغتصبوا خلافتهم حسدًا على ما آتاهم الله من فضله. وأما قوله على ما ذكره ابن السكاك وصاحب المرآة فإن ابن السكاك لم يتعرض إلا لثلاث شعب كانوا وقت زمانه بفاس، وأعطى للملوك ما يناسبهم في حق جميعهم، وأما صاحب المرآة فلم يكن بصدد. ذلك، وإنما عرف بأفراد اقتضى بهم الصحبة، وقد أحاطت الناس بما لم يحيطوا به علما، ويعلم ويتحقق أن العلماء العاملين أجمعوا على أن النسب المقطوع به في غربنا من غير شك ولا ريب هو ما أدخل في دفتر مولانا الجد رحمه الله بعد ما تحقق أمره، لأن ملكه اتبع القرى المداشر والحواضر وشهدت لهم به الكافة والجمهور، وحقق من دفتر أبى العباس المنصور، وبحث فيه أولا وثانيا فإذا هو مشهور، وبوجوده رحمه الله انقطعت شوكة أهل الظلم والجوار، والجرأة والعناد، بالكذب على سيد العباد، وطالع ما سطر بالطرة ينته، حسبما احتوت عليه ترجمة المشاهير في الدفتر الشريف الذين صحت نسبتهم من بنى إدريس رضى الله عنه، وعددهم ثمانية قبائل على حسب ما رسم أسفلها من الشعب المشاهير فأولهم بنو القاسم بن إدريس وآخرهم بنو أخيه يحيى بن إدريس، ثم بنو أعمامهم بنو عبد الله الكامل إلا أبناء عمنا أخرناهم عنهم لئلا يصابوا منهم، أو يصابوا منا. وأما الحسينيون فلا يحتاج إثباتهم في هذا الظهير الكريم، وأمرهم معلوم بينهم، ونحن وإياهم في ظل الله وظل جدهم (¬1) مولانا إدريس. فعلى هذا العدد أخرجت صلة مولانا الجد رحمه الله إذ هو المقطوع به، ولا يحمل لنا أن نهمل ما أظهره الله بالمواجب الشرعية والظهائر السلطانية؛ لأن الملوك الأقدمين كانوا لا يجددون جديدًا إلا بعد شهادة أهل بلادهم لهم بتحقيق نسبهم، ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "أي جدّ أبناء عمهم".

شعب الأدارسة

ولذلك أضربنا عن هذا الأمر صفحا، وطوينا دون الكلام فيه كشحا، وخرجنا من عهدة ذلك، وغضضنا الطرف عما هنالك، ووكلنا النظر في أمر المستترين لعامة كل بلد، وإليهم أسند الأمر في ميز الشريف من المتشرف، كما فعله سيدنا الجد رحمه الله، فعلى هذا يكون الأمل، والله يتقبل العمل. وبعد مطالعتك إياه طالع عليه الفقيه المذكور ومكنه للشريف الأجل؛ الناصح الأكمل، مولاي الرشيد بن عبد الهادى بن عبد النبي الدرقاوى الحسنى، فقد وليناه خطة النقابة والبحث في شئونها وشروطها، وأن يجد ويجتهد في الحواضر والقرى، وأن يأخذ ما هو لجانبها معروف، وعلى خطتها موقوف، وعليه بتقوى الله في سره ونجواه، ولا تأخذه في الله لومة لائم والسلام وفى سابع عشرى جمادى الأخيرة عام واحد ومائتين وألف". ونص ما بطرته: "من بنى القاسم بن إدريس عدد شعبهم والجوطيون (¬1) على عدد شعبهم وحتى أبناء عمهم أهل حمام الجديد (¬2) والكنونيون وأولاد أبى العيش على عدد شعبهم والداوديون وأولاد ابن العياشى (¬3) وأولاد الشدادى وأولاد الشماع (¬4) وأهل المصدر والوكيليون (¬5) والزكاريون وأولاد بوسرغين". ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "منهم الشبيهيون ولاة ضريح إدريس الأكبر والطاهريون والطالبيون والعمرانيون منهم بنو إدريس ولاة ضريح إدريس الأنور والفرجيون والغالبيون وأولاد ابن طاهر. (¬2) في هامش المطبوع: "بمكناسة". (¬3) في هامش المطبوع: "انقرضوا". (¬4) في هامش المطبوع: "انقرضوا". (¬5) في هامش المطبوع: "أولاد سيدى وكيل السجاوتى أهل زيز.

"ومن بنى عيسى (¬1) بن إدريس ستة شعب الدباغيون والمناليون (¬2) على عدد شعبهم والبوزيديون (¬3) واليعقوبيون والشنويون والمرهبيون (¬4) ". "ومن بني محمد بن إدريس وعد 12 شعبهم العلميون (¬5) على عدد شعبهم وحتى أولاد النيار وابن الطائع والكتانيون (¬6) والودغيريون وأولاد ابن الحسن المراكشى وأولاد المسواك وأولاد ابن عدوا وأولاد محمد بن هاشم وأولاد ابن عمرو، والشبانيون والكثيريون". "ومن بنى أحمد بن إدريس وعددهم شعبتان الدرقاويون وأولاد جنون أهل الزواقين". "ومن بنى عمر بن إدريس وعددهم أربعة شعب أولاد المرى وأولاد الحصال والبلغيثيون والحموديون (¬7) ". ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "دفين آيت عتاب من بلاد تادلا وشرفاء آيت عتاب ممن سكن من الأدارسة غرناطة من جزيرة الأندلس وكان لهم بها الصيت الشهير. بولاية الحكم في الأمر الخطير. وناهيك أن منهم الشريف الغرناطى شارح مقصورتى حازم والخزرجى كانوا يدعون بالسلويين لما قدموا من سلا إلى فاس وبعضهم بمراكش وبعضهم بسوس الأقصى بمناله ويقال لها أيضًا ألالة. (¬2) في هامش المطبوع: "يعرفون بالزياديين بعضهم بتمخصيط بالصحراء". (¬3) في هامش المطبوع: "بتلمسان منهم أولاد ابن المجذوب بتلمسان وفاس وزرهون". (¬4) في هامش المطبوع: "انقرضوا". (¬5) في هامش المطبوع: "شرفاء حبل العلم الذين منهم مولانا عبد السلام بن مشيش وغيره من سائر تلك النواحي الهبطية وجدهم الذى يجتمعون فيه هو أبو بكر بن على بن حرمة ابن عيسى بن سلام بن مزوار بن على بن حيدرة بن محمد بن إدريس". (¬6) في هامش المطبوع: "أولاد عبد الله ابن .... ابن يحيى الكتانى". (¬7) في هامش المطبوع: "ابن ميمون القائمون بالأندلس بعد المائة الرابعة كما ذكره ابن عبد الملك وابن خلدون وغيرهما ومن بنى عمر سيدى أبو الحسن الشاذلى رضي الله عنه على التحقيق في رفع نسبه كما حرره القصار وغيره انظر الدر السنى".

"ومن بنى عبد الله بن إدريس وعدد شعبهم والعمرانيون (¬1) أهل الفحص، وقبيلة بنى شداد، وتلنبوط، وهم أولاد النجار، وأولاد التبر والمنصوريون شعبتان، وأولاد ابن تسعدنت، وأولاد القريب، والمشامريون، والمغاريون، وأولاد بوقشابة". "ومن بنى داوود بن إدريس وعدد شعبهم أربعة عشرًا، وأولاد أبى عنان، والدباغيون، والقصاريون، والتونسيون (¬2) ". "ومن بنى يحيى بن إدريس الزكراويون (¬3) أهل حاحة". "ومن بنى أعمام مولانا إدريس بنو سليمان أهل عين الحوت، وهم المنجربون، وأولاد بن معزور على أحد القولين، وقيل: إنهم من بنى عبد الله بن إدريس بانى فاس". "ومن بنى موسى الجون القادريون والمومنانيون والزيدانيون من بنى محمد بن عبد الله الكامل". "ومن بنى الحسن المثلث الجزوليون أهل سملالة. وأمرنا نجلنا المذكور، أن يمكنه بيد النقيب المذكور ليخرج به من الظلمات إلى النور، وإياك ممن شرفه كشرف أشبار الذى ادعى الشرف، وكشرف بنى فارس ولم يثبت لهما وفى التاريخ يسرته" هـ. وأما أحباسه فمنها جنان ابن حليمة الشهير بالعاصمة المكناسية الذى صار اليوم بستانا عموميًا، وعرصة الشطرنجية، وعرصة البحراوى وهى المعبر عنها في ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "بالقبائل الهبطية بناحية جبل العلم يقال للواحد منهم عمرانى وهم ممن ذكرهم ابن حجر فيمن يثبت لهم نسب الشرف ولا يطعن عليهم فيه وجدهم عمران ابن زيد بن خالد بن صفوان بن يزيد بن عبد الله بن إدريس وفيهم الدخلاء. (¬2) في هامش المطبوع: "انقرضوا". (¬3) في هامش المطبوع: "أولاد أبى زكرياء".

العقد الحبسى بالعرصة الجديدة حبس ما ذكر على المسجد الأعظم من العاصمة المكناسية، ودونك لفظ عقد التحبيس حسبما بحوالة المسجد الأعظم من مكناس: "الحمد لله، حبس مولانا الإمام. السلطان المؤيد الهمام، ناصر الدين المجاهد في سبيل رب العالمين، صدر الأفاضل المقدام. علم الأعلام، وابن سيد الأنام، العلامة الشهير، الدراكة النحرير، صاحب الفتوحات الإلهية. والمواهب الربانية، الذى أشرق الوجود بكريم محياه، أمير المؤمنين سيدى محمد بن أمير المؤمنين مولانا عبد الله، بن السلطان الجليل الماجد الأثيل، مولانا إسماعيل، أدام الله عزه ونصره، وخلد في الصالحات ذكره، جميع جنان ابن حليمة وجميع عرصة الشطرنجية، وجميع العرصة الجديدة المجاورة لها داخل القصبة السعيدة على المسجد الأعظم من مكناسة تحبيسًا مؤبدًا، ووقفا مخلدًا، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، ومن بدل أو غير فالله حسيبه، وولى الانتقام منه، تقبل الله من مولانا عمله، وبلغه سؤله وأمله، وبسط للناظر الأحظى السيد أبى القاسم المسطاسى يد الحوز على ذلك يتصرف فيه للحبس المذكور من بيع غلته وعلاجه، مهل رمضان عام 1203". وقد وقفت على تقييد الداخل على الناظر المذكور والخارج من مستفاد هذه الأملاك الثلاثة منذ حيازتها لجانب الأحباس إلى سنة 1203 ونص ذلك بعد الحمدلة: "تقييد ما دخل على الناظر السيد الحاج الطيب المسطاسى من مستفاد غلة جنان ابن حليمة، والشطرنجية، والعرصة الجديدة من الوقت الذى حبسهم فيه مولانا المنصور بالله أدام الله مجده وعلاه، وخلد في ديوان الصالحات أجره وذكره.

جملة الداخل تسعمائة مثقال وأربعون مثقالا وأوقيتان ونصف، فمن غلة صيف جنان ابن حليمة سبعة وتسعون مثقالًا، ومن غلة صيف الشطرنجية والعرصة الجديدة مائتا مثقال اثنتان، ومن خريف جنان ابن حليمة ثلاثمائة مثقال، ومن خريف جنان ابن حليمة ثلاثمائة مثقال وخمسة عشر مثقالًا وزيد في ثمنه بعد البيع خمسة وثمانون مثقالًا، ومن خريف الشطرنجية والعرصة الجديدة تسعون مثقالًا، ومن ليم جنان ابن حليمة خمسة عشر مثقالا، ومن ليم الشطرنجية والعرصة الجديدة مائة مثقال واحدة وخمسة وثلاثون مثقالا، ومن ثمن لفت غرست بالعرصة الجديدة ثنتان وثلاثون أوقية ونصف". "الحمد لله؛ تقييد ما صيره الناظر المذكور أعلاه في إصلاح المواضع المذكورة ما جملته خمسمائة مثقال وخمسة وسبعون مثقالا وثلاث أواقى ونصف حسبما هو مبين بكناش صائره في غير هذا أُسقط صائره من داخله، يبقى مدركًا على الناظرين من الداخل المذكور ثلاثمائة مثقال وأربعة وستون مثقالًا وتسع أواقى دراهم، وقيدها في 23 جمادى الأولى عام 1203". وقد صارت هذه الأملاك الثلاثة بعد ذلك من جملة أملاك الدولة يتصرف فيها السلطان ونائبه على أنها ملك خالص لا شائبة فيه إلى حدود الأربعين من هذا القرن، حيث عثر ناظر الكبرى الحالى وهو خلنا الأستاذ العلامة المقرئ أبو العباس أحمد الصبيحى السلوى على رسم التحبيس المذكور، ولما رفع الأمر بذلك لوزير عموم الأوقاف أبى العباس أحمد اللجائى لينهى ذلك للجلالة السلطانية ووقع بحث إدارة الأملاك عن وجه تصرفها، فأجابت بأن السلطان أبا الربيع كان أوقع معارضة في تلك الأملاك بالبلاد المخزنية عينتها، ووقع البحث فوجدت تلك البلاد محبسة قبل أن يخلق أبو الربيع، فعند ذلك صدر الأمر السلطانى لإدارة الأملاك بعقد معاوضة في الأملاك المذكورة، فعوضت بأملاك تقدر قيمتها بمائة ألف وخمسين ألف فرنك.

[صورة] ظهير السلطان مولاي يوسف بإجراء التعويض عن العراصي التي حبسها سيدي محمد بن عبد الله بأملاك مخزنية وأسفله توقيع وزير الأحباس

وإليك نص الظهير الصادر في ذلك بعد الحمدلة والصلاة والطابع بداخله "يوسف بن الحسن بن محمد الله وليه 1330" وبدائرته ومن تكن من يعتصم: "خديمنا الأرضى ناظر الأحباس الكبرى بمكناس، الطالب أحمد الصبيحى، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: فقد اطلع علمنا الشريف خديمنا وزير عموم الأوقاف بما راج في شأن قضية جنان ابن حليمة، وعرصة الشطرنجية القريبة منه، والعرصة الجديدة المجاورة لها التي عثرت بحوالة الأحباس على شهادة تحبيسهن من جدنا السلطان المقدس سيدى محمد بن عبد الله على السجد الأعظم هناكم وبسطه الحوز لناظر الوقت وحيازته ذلك في مهل رمضان عام 1202 كما بالنسخة الواصلة من تلك الشهادة ويتصرف فيها جانب المخزن. وبعد مراجعة خديمنا الوزير المذكور إدارة الأملاك المخزنية في ذلك مرارا وتحرير الأمر معها في المسألة أجابت بواسطة إدارة الشئون المخزنية بعد أن اعترفت بالتحبيس المشار له، أن السلطان مولاى سليمان قدس الله روحه لما تولى الملك بعد والده جدنا السلطان المحبس المذكور بادر لإبطال ذلك التحبيس وحيازة العراصى المذكورة، وعوض للمسجد الأعظم في ذلك ببلاد مخزنية كبيرة قرب فاس تدعى ببلاد الأوداية، ثم بعد البحث في بلاد الأوداية تحقق أن تحبيسها كان سبق من أحد الملوك السعديين المتوفى عام 1037 (¬1) ثم زاد تحبيسها تثبيتا بعده جدنا الأكبر السلطان المقدس مولاى إسماعيل، حسبما بشهادته بالحوالة المذكورة عام 1113 الواصلة أيضًا نسخة منها، فأجيبت إدارة الأملاك المذكورة بذلك وأخيرًا طلبت تعويض تلك العراصى الثلاث من جانب الحبس بمائة ألف فرنك، ثم عرضت قائمة ببيان المحلات لجانب المخزن هناكم مع بيان موقع كل محل منها ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "المتوفى فيها منهم هو زيدان بن المنصور كما سبق في ترجمته من هذا الجزء".

وقيمة رقبته ليختار الحبس منها ما يناسب أن يؤخذ في العوض، ولما كتب لك خديمنا وزير الأحباس في ذلك اخترت منها ما بينته في القائمتين الواصلتين كذلك على حسب التفصيل الأتى: [[نمرة الملك من كناش المخزن]] ... [[نوع الملك وموقعه]] ......................... [[ثمن رقبته فرنكا]] 74 ... دار ابن العواد تعرف بمولاى سرور بدرب سبع أنابيب نمر 31 ... 20000 119 ... دار ابن العواد عدد 10 بحومة سيدى قدور العلمى ............ 35000 241 ... محل حانوت عدد 21 بشارع الجنرال ليوطى .................. 500 243 ... كذلك عدد 25 به أيضا .................................... 500 245 ... كذلك عدد 29 به أيضا .................................... 1500 246 ... كذلك عدد 31 به أيضا .................................... 500 247 ... كذلك عدد 33 به أيضا .................................... 500 253 ... كذلك عدد 43 به أيضا .................................... 1400 254 ... كذلك عدد 45 به أيضا .................................... 1200 255 ... كذلك عدد 47 به أيضا .................................... 1200 258 ... كذلك عدد 55 به أيضا .................................... 1400 === (63700)

[[نمرة الملك من كناش المخزن]] ... [[نوع الملك وموقعه]] ........... [[ثمن رقبته فرنكا]] 321 .................... كذلك عدد 34 به .............................. 600 15 ... حانوت عدد 13 بساحة باب الحديد ................................ 750 46 ... دار الحباسى الصغرى عدد 1 بدرب ابن الخليفى ..................... 8000 55 ... مصرية بودريقة عدد 6 بدرب سيدى جنان ........................... 4000 57 ... دار مولاى حم عدد 30 به أيضا ................................... 9000 88 ... حانوت عدد 28 بسوق السرايرية بباب الحديد ..................... 1550 115 ... أروى عدد 29 بدرب سيدى عبد الله القصرى .................... 2000 116 ... مصرية عدد 31 به أيضا ....................................... 3000 125 ... دار بوعراقية عدد 1 بدرب ميمون .............................. 14000 151 ... حانون عدد 18 برحبة الزرع القديمة ........................... 750 216 ... أخرى عدد 34 بالساكين ..................................... 2500 217 ... أخرى عدد 36 كذلك ....................................... 2500 218 ... أخرى عدد 38 كذلك ....................................... 2500 219 ... أخرى عدد 40 كذلك ....................................... 2500 220 ... أخرى عدد 42 كذلك ....................................... 2500 221 ... أخرى عدد 44 كذلك ....................................... 2500 222 ... أخرى عدد 46 كذلك ....................................... 2500 223 ... أخرى عدد 48 كذلك ....................................... 2500 224 ... أخرى عدد 50 كذلك ....................................... 2500 === مجموع ما بصفحة 286: (64100) === (130250)

[[نمرة الملك من كناش المخزن]] ... [[نوع الملك وموقعه]] ......................... [[ثمن رقبته فرنكا]] 225 ... أخرى عدد 52 كذلك ....................................... 2500 228 ... أخرى عدد 117 كذلك ....................................... 2000 229 ... أخرى عدد 119 كذلك ....................................... 1500 230 ... أخرى عدد 121 كذلك ....................................... 1500 234 ... أخرى عدد 129 كذلك ....................................... 1000 240 ... أخرى عدد 19 بشارع الجنرال ليوطي ........................... 400 278 ... أخرى عدد 95 كذلك .......................................... 1750 285 ... أخرى عدد 115 كذلك ....................................... 500 313 ... أخرى عدد 49 كذلك ....................................... 400 322 ... أخرى عدد 32 كذلك ....................................... 1500 323 ... أخرى عدد 30 كذلك ....................................... 1500 324 ... أخرى عدد 26 كذلك ....................................... 2500 330 ... أخرى عدد 13 بالسلالين .................................... 1000 331 ... أخرى عدد 21 كذلك ....................................... 750 334 ... أخرى عدد 96 بالبزازين ....................................... 2500 (مجموع ما بصفحة 287: 130250) === الجميع: 151150 ============== وأن يعتبر الفرق الزائد الذى هو فرنكات 1150 غبطة للحبس، وعليه فحيث أن العراصى المذكورة وجدت تحت تصرف جانب المخزن، ولما تحقق تحبيسهم الأصلي، طلبت إدارة الأملاك المخزنية جعل المعارضة فيهن بالأملاك الخمسة

والأربعين المذكورة أعلاه، نأمرك بعقدها فيها مع مراقب الأملاك المخزنية هناكم على الوجه المسطور، وأن تحوز للحبس الأملاك المخزنية المتقدم بيانها لتصير من جملة أملاكه موسومة بوسم الحبس ومحترمة بحرمته يتصرف فيها جانبه كتصرفه فيما له من رباع الأحباس، وأن تسلم تلك العراصى الثلاث لجانب إدارة الأملاك المذكورة وأثبت الأشهاد بذلك عدليا بالحوالة الحبسية والسلام في 11 جمادى الأولى عام 1344؛ قد سجل هذا الكتب الشريف بوزارة عموم الأوقاف بعدد 1495 وتاريخ 13 منه عامه صح به أحمد الجاى لطف الله به". ومن أحباسه الفندق المعروف بفندق السلطان بالعاصمة، حبسه بتاريخ رابع عشرى ربيع الأول عام تسعة وثمانين ومائة وألف بإشهاد محمد التاودى ابن الطالب ابن سودة، ويوسف بن محمد البوعنائى، وخطاب القاضى محمد العربى ابن على القسمطينى الحسنى حسبما بصحيفة 16 من حوالة كبرى مكناس الجزء الأول منها. ومنها جنان باب القزدير الشهير حبسه بتاريخ خامس ذى القعدة عام تسعين ومائة وألف، حسبما بظهير إصداره للقاضى أبى حامد العربى القسمطينى، وناظر الأحباس الحاج الطيب المسطاسى طبق ما بصحيفة 17 من الجزء الأول من الحوالة المذكورة. ومن ذلك إنشاؤه لمرتب طلبة المدارس، وقفت له من ذلك على ظهير شريف أصدره لناظر هذه العاصمة في حينه ودونك نصه: "نأمر ناظر أحباس مكناسة الحاج الطيب المسطاسى أن يجعل طلبة باب مراح في المراتب مثل المدارس الست، وهى مدرسة الدار البيضاء، ومدرسة باب المراح، ومدرسة قصبة هدارس، ومدرسة الصبير، ومدرسة جامع الشاوية، ومدرسة سيدنا ومولانا إسماعيل رحمه الله بحسب سبع أواقى لكل واحد من الطلبة المذكورين

في الشهر، ومثقال للمؤذن، وخمس عشرة أوقية للإمام، وخبزة لكل واحد في اليوم عند الزياتينية كما تقدم لك أمرنا بذلك، وراتبهم من الأحباس كما هو مرسوم عندك، ولا فرق بين الطلبة المذكورين فكلهم في ذلك سواء. وأما طلبة مدرسة الأوداية فلا يقبضون إلا الراتب فقط كما أمرناك قبل، وأما الخبز فلا تعطهم شيئا لأنهم في ديارهم ومع أهليهم، والسلام في 12 شوال من سنة 1193، ومن تمامه أن الخبز المذكور يكون من أربعة في الرطل وكل ما يدفع الزياتينية من الخبز فأعطهم خط يدك والسلام". ومن ذلك تحبيسه زيتون غابة حمرية على الحرمين الشريفين، والمسجد الأعظم بمكناسة، جعل النصف للحرمين: للمدينة المنورة الثلثان، والثلث الباقى لمكة المشرفة، والنصف الآخر للأعظم بمكناس، يخرج منه كل سنة ثلاثة عشر مائة مثقال وستون مثقالا، وتفصل: فلضريح جده أبى المفاخر والفضائل مولاى على الشريف دفين سجلماسة مائة مثقال تصرف في مهمات الروضة والطلبة الذين يقرءون الحزب ودلائل الخيرات، والمؤذنين، وقيم الروضة، وطعام ليلة المولد النبوى، وستة وثلاثون مثقالا للطلبة الذى يقرءون الحزب والصلاة على النبى - صلى الله عليه وسلم - على قبر والدته وأعمامه الذين معها في روضة أبى زكرياء الصبان من حساب ثلاثين أوقية في كل شهر، ورطل زيتا لضريح أبى يعزى يلنور ومثله لضريح الإمام إدريس الأكبر رضى الله عنهم جميعا وذلك عام ثلاثة وتسعين ومائة وألف. قلت: ولا زال الأمر جاريا حتى الآن بتوجيه الثمن شهريا في حوالة على البريد لمقدم ضريح الإمام إدريس، وفى أخرى لمقدم ضريح المولى أبى يعزى الأخير بواسطة رئيس مكتبه، حسبما أخبرني بذلك الناظر المذكور. أما وجيبة موظفى ضريح المولى على الشريف فإنه يحفظ بصندوق الأحباس لتعذر وصوله لمحله، فقد وقفت على كتاب من الناظر للجنرال حاكم الناحية في ذلك دونك نصه:

"جناب رئيس منطقة مكناس المعظم السيد الجنرال فريدامبرك سلام عليكم ورحمة الله. وبعد فأتشرف بأن أرسل إليكم اثنتى عشرة مائة فرنك وخمسين فرنكا لتصل على يدكم إلى تافيلالت بقصد تفرقتها هنالك: 1 - على الطلبة الذين يقرءون الحزب ودلائل الخيرات بضريح مولانا على الشريف. 2 - على المؤذنين به. 3 - على قيم الروضة. 4 - طعام المولد النبوى؛ وذلك على العادة في تقسيطها بينهم طبق مقتضى الكتاب الشريف الصادر بتاريخ 21 صفر 1338 المعمل لنص تحبيس غابة حمرية بمكناس الصادر من السلطان المقدس سيدى محمد بن عبد الله 1885، ثم تتفضلوا بتوجيه جواب المكلف في ذلك بتافيلالت إلينا ليحفظ بمحله، بارك الله فيكم، وعلى المحبة والسلام 21 جمادى الثانية 1341 .. إبراير 1923. ناظر الأحباس الكبرى بمكناس: أحمد الصبيحى فأجيب من الجنرال توفنار بتاريخ 15 ديسمبر سنة 1923 بعد الحكاية بما يأتى: "أتشرف بإعلامكم بأن هؤلاء الناس لا زالوا لم يقدموا الطاعة ولا يمكن لنا توجيه ما أرسلتم الآن، فهأنا رجعت لكم القدر المبين أعلاه يحفظ بصندوق الأحباس حتى تصلح ناحية تافيلالت، ويمكن لنا تفريق ذلك والسلام. بحسب النيابة: توفنار"

هذا وقد كنا قدمنا أن الغاية المذكورة هى من تحبيس سيدنا الجد الأكبر المولى إسماعيل على الحرمين الشريفين حسبما صرح بذلك مؤرخو الدولة الزيانى وأكنسوس وغيرهما، وعليه فلا وجه لإعادة تحبيس المترجم لها بعد على الصفة المذكورة، اللهم إلا إذا اعتبرنا ما أحياه منها بعد إتلاف جل زيتونها زمن الثورة الاستبدادية التي كانت بين أنجال الجد المذكور والجيش البخارى وبعد وفاته ويأتي مفرقا في تراجمهم. ومن أحباسه تحبيسه لغابة زيتون ابن الأشقر الشهيرة بجبل زرهون، على عموم الشرفاء العلويين سكان الجبل المذكور، وخصوص أبناء المولى إسماعيل سكان مكناس، يختص أهل زرهون بالنصف منها، وأهل مكناس بالنصف الباقى. ومن ذلك أوقافه على المارستان بفاس ومراكش وأوقافه بالحرمين الشريفين. ومن ذلك تحبيسه خزانة الكتب الإسماعيلية التي كانت بدويرة الكتب من مكناس، وكان أمره بذلك سنة 1175 وكانت تزيد على الاثنى عشر ألف مجلد، فرقها على جميع مساجد المغرب ولا تزال بقاياها موجودة إلى الآن. ومن ذلك كتب التاريخ والأدب التي أوقفها بمصر والإسكندرية، فقد ذكر الزيانى في الترجمانة الكبرى أنه لما بلغه أن ولده مولاى على خليفته على فاس اعتنى بسرد كتب التاريخ والأدب أمره أن يبعث له بما عنده منها بفاس، فوجهها له وجمع ما عنده منها بمراكش، إلى أن اجتمع عنده عدة نسخ من ابن خلدون، وابن خلكان، وقلائد العقيان، والأغانى، ونفح الطيب، وتآليف ابن الخطيب، وملأ منها صناديق ووجها مع الكاتب الصنهاجى يوقف بعضها بمصر وبعضها بالإسكندرية.

التراتيب والمداخيل المالية في عهده

التراتيب والمداخيل المالية في عهده لما بويع للمترجم بعد وفاة أبيه وقدم لفاس، دفع له أهلها ما كانوا يدفعونه لوالده المولى عبد الله من ثمن الموازين وهو ثلاثمائة مثقال شهريا، ولما حضر فقهاء الوقت تكلم معهم في شأنها فقالوا له: إذا لم يكن للسلطان مال يجوز له أن يقبض من الرعايا ما يقوم به، فأمرهم أن يكتبوا له في ذلك، فكتب له من أسلفنا ذكره من العلماء تأليفا اعتمده واستند إليه ووظف الوظائف والتراتيب على الأبواب والسلع والغلل. وقد وقفت على كناشة مبتورة الأوائل والأواخر تظهر بعد مراجعتها وتقليب صفحاتها كأنها كانت دفترا يذكر فيه ما كان في ذمم الناس من أموال الدولة ومتمولاتها في ذلك العهد، ويظهر منها أنها ملخصة من الكنانيش السبع المولوية التي وصف أولها بكناش سيدنا الكبير الأخضر، وصف ثانيها بأنه كناش صغير، وثالثها بأن سفره صغير زبيبى، ورابعها أحمر صغير، وخامسها طويل أحمر، وسادسها زبيبى على التحمير وسفره نحو الرباعى، ومن هذه الكناشة تستفاد قيمة بعض المداخيل وبعض البيان للأداء الذى كان يؤدى على كل قدر من المعشرات المرتب عليها وغير ذلك من الفوائد المبينة للحالة المالية على عهد المترجم، وهذا بعض ما اشتملت عليه: صاكة تبغة عن عام 1176 ثلاثة آلاف مثقال بذمة يهود فاس ومكناس. واجب دار الضرب بتطوان من ذى الحجة متم عام 1176 مثقالان في كل يوم بيد القائد عبد الكريم بن زاكور. كراء موازين آسفى ورحابه عن كل سنة من أول ذى القعدة سنة 1177 ستة عشر ألف مثقال بذمة الحاج إبراهيم حسوه الآسفى والنصرانى اللريط.

مستفاد الموازين والرحاب بتازا كل سنة من ذي ربيع الأول سنة 1177 سبعة عشر مائة مثقال بيد السيد أحمد بن ناصر. واجب (التقاقيل) الحاصلة في شهرين ربيع الثانى وجمادى الأولى عام 1179 خمسمائة مثقال وثلاث وستون مثقالا وثمانية أواق ونصف بذمة جموع أهل الذمة بآكدير. عن كراء (الفلايك) في كل سنة من 12 جمادى الثانية 1179 ثمانمائة مثقال بذمة الرئيس العربى المستيرى. صاكة ما بذمة التاجر سودس الماركى (لعله الدنماركى) وهو أحد عشر مائة مثقال وستة وخمسون مثقالا ثمن 68 قنطارا كبيرا من الشمع سوم 170 للقنطار صاكتها 13 ريالا للقنطار فجملتها 884 ريالا في رجب 1179. واجب قبائل الشيخ حمدون أربعة آلاف مثقال في كل عام من عام 79 بذمة المذكور. صاكة عشبة تبغة بفاس وصفرو وتازا ومكناس والقصر والعرائش مع كراء بلادات فاس الجديد ومكناس من مفتتح محرم 1180، وقدر ذلك ستة آلاف ريال بذمة الذمى يوسف بن مردوخ اليهودى الفاسى. قيمة أعشار مكناسة عام 1180 خمسمائة مثقال بذمة ولد مزيان. فائدة دار الضرب بفاس الجديد خمس سبائك من الذهب التزم الذمى يهود ابن سعدون بأدائها على رأس كل سنة على يد الحاج محمد الصفار، وقد أدى واجب عام 1180 وبقى في ذمته واجب عام 1181 وقد التزم أداء ستة سبائك عند كماله.

واجب موازين أسواق تازا، من أول جمادى الثانية عام 1181 ستة عشر مائة مثقال. صاكة وأعشار مرسى تطوان عن سنة أولها شوال 1183 وآخرها رمضان 1184 ثمانية وأربعون ألف ريال وسبعون ريالا وخمس وثلاثون جزءا قبضهما الحاج محمد البروبى. صاكة وأعشار طنجة عن السنة المذكورة تسعة وثلاثون ألف ريال وواحد وأربعون ريالا واثنان وتسعون جزءا. واجب آيت عيسى عام 1183 أحد عشر ألف مثقال ولا زال باقيا عليهم مع واجب العام بعده وقدره كذلك. واجب خريف عام 1183 عن أجنة الشطرنجية، وابن يحيى، والشلاح، وابن حليمة، والحاج عبد الله، وعرصة الخضرة، خمسمائة مثقال وثلاثة وثمانون مثقالا وخمس أواق ونصف. مستفاد القصر عن ستة وعشرين شهرا آخرها صفر عام 1184 ثلاثة عشر مائة مثال كل شهر بخمسين مثقالا. صاكة تبغة بفاس عن سنة أولها نصف ربيع الأول عام 1184 خمسة عشر ألف ريال. مستفاد فاس عن سنة من شوال السنة المذكورة عشرون ألف مثقال بذمة العربى الصفار. واجب دور الضرب بالمراسى الثلاث تطوان وطنجة والعرائش عن سنة أولها محرم فاتح عام 1185 أربعة آلاف ريال بذمة ابن وليد وميير بن به أنصافا بينهما صرفها دراهم ثلاثة عشر ألف مثقال وخمسمائة.

عن موازين سلا سنة 1185 ألفا مثقال. عن موازين آسفى سنة 1186 اثنا عشر مائة مثقال بذمة الحاج محمد التزنيتى. صاكة وما وسقه اليهو وإسحاق بينط من مرسى فضالة سنة 1186 خمسة آلاف وثمانمائة ريال وثمانية وسبعون ريالا واثنان وثمانون جزءا. عن موازين آسفى وأملاك سيدنا نصره الله بها سنة 1187 ثلاثة عشر مائة مثقال. كراء المراسى التي يستخرج منها المرجان من عام 1187 ألفان من الريال في كل سنة بذمة الذمى يعقوب ولد ابرميك، ثم انتقل عقد الكراء لذمة الذمى (كشين كاب الجرنيرى) المستوطن بجبل طارق بأربعة آلاف ريال ضمنها القائد عبد الصادق. مستفاد أبواب تطوان خمسة عشر مائة ريال بذمة الحسن السلاسى التطوانى. وبذمته عن قوارب الحوت بها مائة مثقال. صاكة ما بذمة النصرانى سندبدن الماركى وهو واحد وعشرون مائة ريال وأربعون ريالا ونصف ثمن 513 قنطارا و 71 رطلا من الصوف يجب في صاكتها 513 ريال. فائدة دار الضرب عن ستة وثلاثين يوما ثلاثمائة وتسعة وسبعون ريالا وسبعة وأربعون جزءا قبضها الحاج محمد البروبى من يونه برينطى. صاكة القمح الذى وسق الرئيس نكولة الإنجليزى الذى وسق الزليج من تطوان للمهدومة، وحمل الكور وغيره من المهدومة للصويرة، ووسق خمسمائة قنطار من القمح من الصوبرة صاكتها ستمائة ريال وستون ريالا وثلثاه.

صاكة الزرع الذى وسقه الكديرى من العرائش ستة آلاف ريال وثمانمائة واثنان وستون ريالا وأربعون جزءا بذمة قنصل الدنمارك. ثمن الورد بجنان العافية ثلاثون مثقالا. وقد اشتمل هذا الكناش على عدد كثير من المال كان بالذمم على وجه السلف والتوسعة، وخصوصا ذمم أهل الذمة، فمن ذلك ألف مثقال بذمة الفقيرة بوعلو البوعزاوية سلفا عند سفرها للحجاز، ومنه خمسون ألف ريال بذمة جموع أهل الذمة بتطوان سلفا وتوسعة على يد ابن عمران يؤدونها سنة 1184، ومنه خمسة آلاف ريال بذمة شيخ الركب الحاج التاودى مكوار سلفا يؤديها عند رجوعه من حجه، ومنه مائتا مثقال بذمة شيخ أهل الذمة بملاح تازا سلفا إلى غير ذلك مما كان بذمم النصارى والقبائل المغربية البربرية منها والعربية. ومما بذلك الكناش مما يتعلق بالأسارى أن بذمة (دينمارك) اثنان وعشرون مائة ريال في فدية اثنين من نصارى الفرنصيص، وأن عند (قيطانو) اثنين من الأسارى المسلمين يأتي بهم للجانب الأسمى عوضا عن النصرانى الذى دفع له من الجانب الكريم على يد عبد الله بن محمد وهو ضامن لذلك. ومما يتضمنه من أمور الحرب والبحران سميد النصرانى الفلامنكى الذى بذمته أربعة آلاف مثقال قبضها من مرسى آكدير - التزم أداء عشرين قنطارا من البارود في كل سنة، وأن اللريط النصرانى الذى بذمته مثل ذلك سنة 1177، التزم دفع مثل ذلك من البارود الإنجليزى هدية، وأن النصرانى ولمان الفلامنكى - الذى بذمته خمسة آلاف ريال سلفا - بذمته ثلاثون قنطارا من البارود الرومى، وأن النصرانيين الراى الفرنسى وفرشيشك الفلامنكى التزم كل منهما بإعطاء كمنتين على يدى مولاى اليزيد، وأن عند أهل سلا ستمائة مكحلة محلاة بصفائح الفضة ومثل ذلك

اهتمامه بالأساطيل البحرية واعتنناؤه برياسها

من الكوابس ومن السكاكين مثله، وأن عند أهل الرباط مثل ما ذكر من المكاحل والسكاكين والكوابس. هذا وقد ذكر الزيانى في الترجمانة الكبرى ما خلفه صاحب الترجمة من الأموال فقال بعد أن ذكر مئات الألوف من الريال التي وجهها للدولة العثمانية: خلف بالدار البيضاء مليونين وهى ألفا قنطار بالتثنية وكان ببيوت أموال المراسى مليونان وكان بتطوان سبائك ذهب ثمانية آلاف مثقال حازها اليزيد لما بويع وكان عند طاغية الإصبنيول من ثمن وسق الزرع واجب خمسين مركبا وسقوها ولم يدفعوا صاكتها قبضها منهم وهى ثمانمائة ألف ريال دورو. اهتمامه بالأساطيل البحرية واعتنناؤه برياسها قد علم بالاستفاضة ما للمترجم من القيام بأعباء الخلافة والسعى في مصالح الرعية وتطمينها، والذب عنها، وحماية حورة الإسلام، والسهر على حياطة ثغوره، وما يلزم له من القوة البحرية والبرية، والاهتمام بالمراكب القرصانية، وملاحظة رياسها بعين الأكبار والإجلال، والمبالغة في الإحسان إليهم، والقيام بشأنهم، وإدخار ما يحتاجون إليه من عدة وعدد، لما لا يخفى من أن الدولة المجاورة للبحر تدعوها الضرورة والحاجة لاتخاذ السفن الماخرة من تجارية بازركانية وحربية قرصانية. وعناية المترجم بالأمور البحرية ترجع إلى أيام خلافته عن أبيه، فقد ورد عليه وفد من العدوتين الرباط وسلا في السفينة التي أنشأوها أيام الفترة فنزلوا بحصن اكدير، ثم بعثوا من هناك وفدهم إليه بمراكش فأكرم ذلك الوفد، وبعث معه بالأموال الكثيرة إلى المجاهدين بالعدوتين إعانة لهم عما هم بصدده. ولما استلم زمام الملك كان من جملة ما تشوفت إليه همته الكبرى إحياء أسطول أبيه المولى عبد الله وجده المولى إسماعيل لأنه ألفاه اضمحل، وتنوسى ما

كان له من الشهرة والنفوذ وتعطل ما كان يستفاد منه من المداخيل والمحاصيل، وانقطع خوف أمم البحار من تلك العقبان، التي كانت لا تفارق البحار من تجوالها؛ وإثارة أهوالها، وقد انضم لذلك التشوف الملوكى إرشاد بعض علماء عصره بمسطور كبير؛ ومنشور شهير، يحثه فيه على إحياء سبيل الجهاد وإعداد معداته البحرية التي لا يستقيم ملك إلا بها، وأن يسلك في ذلك سبيل والده المقدس، وجده الأكبر فيما كان لهما من هذا العمل العظيم، العائد بالنفع العميم، من حراسة الوطن وعمارة بيت المال وقهر الأعداء الألداء. فشرع قدس الله روحه في إنشاء السفن البحرية الغزوانية بمرسى العدوتين والعرائش، وجعلهما مركزين عظيمين لهذا الغرض المهم. قال أبو عبد الله الدكالى السلوى في إتحاف أشرف الملا: وبعد ذاك جاء جد الأمرا ... وعين أعيان الملوك الكبرا سيدنا محمد المنصور ... حفيده المعظم المبرور من كان يرهب ملوك الأرض ... في كل طولها وكل عرض بالعلم والمال وبالدهاء ... وبالأساطيل بكل ماء ومصدر الأجفان عدوتا سلا ... بها تشاد ولديها يعتلى وبعضها ينشأ بالعرائش ... فويل من لقيها من طائش وبلغت أجفانه المئينا ... وكان قصده بها مبينا فتح بلاد الغرب مما قد بقى ... من الثغور مبهم التطرق ورد ما يعرض منم هجوم ... على بلاده كمثل الروم وكان بعضهم تعدى الحدا ... فهاجم الثغور لكن ردا

فبذل الجهد وواصل العمل ... واستجلب الأنفاض من كل محل ووصل الحبل مع الأتراك ... بكل ما يصلح للعراك من مدفع ومركب وعدد ... وبذل محصول الخير مدد لما رأى الأجناس منه سننه ... فيما انتحى وافوه للمهادنه فساعد الحال ولم يرددهم ... وعقد المسلم لهم ومعهم وواصل الإمداد للأتراك ... بالمال والخيل بلا انفكاك نيف عن عشرين في الإرسال ... بسفنه وبنفيس المال وكلها تصدر من سلا إلى ... استانة الترك بأمر قد علا وعودها بعد إلى مرساها ... وبلغت من عزها مناها واتصل الحال بهذا الشان ... إلى زمان عابد الرحمن وقال في نشر المثانى: وقد جمع من ذلك ما لم يتفق لأحد من المتقدمين ولا من المتأخرين، وطوع الله له الروم فلا يأمرهم بالإتيان بشيء من ذلك إلا بادروا لامتثاله مسرعين؛ وقاموا خاضعين له ومطيعين؛ مع علمه بجميع ما هو من المصالح العامة والخاصة للدنيا والدين؛ هـ. وقال الضعيف: بلغ عنده رؤساء البحرية ستين كلها بمراكبها وبحرياتها وكان عدد مراكبه البحرية عشرين كبارا من المربع وثلاثين من الفلاكيط، وعدد عسكره البحرى من المشارقة ألف، ومن المغاربة ثلاثة آلاف ومن رماة المدفع أربعون ومن عسكر أرقاء العبيد خمسة عشر ألفا ومن الأحرار سبعة آلاف. وقد كان أمر أن يجعل في كل مرسى من مراسى المغرب بيت مال، وعند تمام كل ثلاثة أشهر تفتح بيوت الأموال بتلك الثغور ويعطى منها لعسكر كل ثغر

[صورة]

السفينة الأولى

وبحرياته مرتب ثلاثة أشهر سيان غائبهم والحاضر، أما الصلات والصدقات فكان يعطى ذلك من ماله الخاص به، لا من بيوت الأموال. وفى سنة أربع وسبعين ومائة وألف أمر بإنشاء السفينة الكبيرة من طبقتين وأنفق عليها أموالا كثيرة نحو الأربعين قنطارا من الذهب وكان إنشاء هذه السفينة بسلا، وكانت تحت رياسة سالم. وفى سنة واحد وثمانين ومائة وألف قدم عليه من القسطنطينية عبد الكريم راغون التطوانى، وفى معيته استرسالية من المعلمين الاختصاصيين العارفين بإنشاء الأساطيل وصب المدافع وعمل القنابل والمجيدين في الرماية وفنون الحرب، وكانت أول بعثة وردت من القسطنطينية بعد السعديين. ولما وصلوا للحضرة فاوضهم في إنشاء دار صناعة الأساطيل فرسموا خريطتها وبينوا شكلها وأسلوبها وما يلزمها من النفقة الباهضة وطول المدة، فأعرض عنها واستخدمهم في شئون أخرى، فوجه بعضهم للرباط لبناء المراكب الكبرى، وآخرين لتطاوين لصب القنابل الضخمة، وآخرين لتعليم رماية المدافع بالمدن المهمة، فأفادوا ما شاء الله أن يفيدوا، وكانوا ثلاثين من صناديد الترك أقاموا بالمغرب إلى أن توفى المترجم فسح الله له في عدنه. وقد ترجم القنصل الدنماركى هوست الذى كان بآسفى على عهد المترجم في كتابه للأسطول المغربى في سنة 1766 مسيحية (1179 هجرية)، وذكر السفن الموجودة بمرسى سلا أسماءها ورياسها وعدد بحريتها ومحمولها من المدافع وغيرها فمن ذلك: السفينة الأولى: وهى فركاطة ذات طبقتين عليا وسفلى، في كل طبقة صفان من المدافع النحاسية، وكانت هذه السفينة في الأصل لأهل العدوتين صنعوها من بقية

السفينة الثانية

أخشاب جامع حسان، وأضافوا لها إقامة من أخشاب دورهم، فأخذها منهم السلطان سيدى محمد وكانت تسمى المعونة (وسفينة الكراكجية كما في تاريخ الضعيف)، ولما كانت في صنعتها خشونة وجهها لجبل طارق، فتولى الإنجليز إصلاحها وأعادوا صناعتها من جديد وسميت فركاطة، وجاءت من أحسن الأمثلة حسبما تدل لذلك صورتها، وعدد بحريتها 330، ومدافعها النحاسية 54 ورئيسها سلام الطرابلسى. السفينة الثانية: رئيسها الحاج ابن حسون عواد السلوى بحريتها 150 ومدافعها 24. السفينة الثالثة: رئيسها العربى المستيرى قائد الرباط وسفير السلطان بلندرة بحريتها 130 ومدافعها 20. السفينة الرابعة: رئيسها محمد الصالحى واسمها سنبوك بحريتها 126 ومدافعها 16. السفينة الخامسة: رئيسها عمر العلج نصرانى أسلم واسمها سنبوك أيضا بحريتها 124 ومدافعها 16. السفينة السادسة: رئيسها يوسف الطرابلسى بحريتها 120 ومدافعها 12. السفينة السابعة: رئيسها الشريف ابن قلوعة واسمها كليوطة بحريتها 120 ومدافعها 8.

السفينة الثامنة

السفينة الثامنة: رئيسها فراشى (فراج) تسمى كليوطة بحريتها 100 ومدافعها 30. السفينة التاسعة: رئيسها قدور شايب عينو الرباطى بحريتها 80 ومدافعها 32 اثنان كبيران و 24 مهاريس. السفينة العاشرة: رئيسها إدريس لبريس بحريتها 150 ومدافعها 20. وقد كان للبحارة من المجاهدين السلويين الذين كانوا يسافرون في البحار في ذلك العهد كناش خاص يشتمل على أسمائهم رتبوا فيه وجعلوا على طبقات وأصناف، الطبقة الأولى الرؤساء، والثانية (باش رياس)، والثالثة (رياس عسة)، والرابعة (نكانجية)، والخامسة الدمانجية، والسادسة الورديانات وعددهم كثير جدا، والسابعة البحرية وهم أكثر عددا ممن قبلهم، والثامنة وصفان سيدنا أهل المهدية من عبيد البخارى التاسعة المقعدون من البحرية. وبذلك الكناش تعداد أسماء رجال النار الطبجية البناجين وعددهم خمسون، ومنهم فرقة تعرف بالطبجية المدافعية عددهم مائة وخمسون. وكان الرئيس على المجاهدين من جند النار الطبجية الحاج عبد الله يعقوب السلوى، وكان السلطان المترجم كلفه بسائر ثغور إيالته من مرسى مليلية إلى أطراف السوس، وأسند إليه سائر ما يرجع لأبراج الثغور ومدافعها ومهاريسها ومتعلقاتها من بارود وبنب وكور، وتنظيم رجال؛ وإصلاح أحوال؛ حسبما أفصحت عن ذلك ظهائره المولوية التي خاطبه بها، تاريخ أولها سنة 1177 وتاريخ آخرها سنة 1193.

وإليك أسماء البحرية الأفاقيين الذين وردوا على المترجم نقلا عن كناش بيت المال الذى هو الآن باب القصبة، قصبة الأوداية الشهير بالرباط: الرئيس يوسف الطرابلسى (¬1)، الرئيس على الصابونجى قيل إنه من تونس على ابن الشواس من المغرب الأوسط، محمد المستغانمى، أحمد القسنطينى، مولاى أحمد بن قلوعة؛ قدور بن معروف (¬2)، مبارك اغراب، مولاى عبد الله بن قلوعة، العمرى، مولاى أحمد التلمسانى، ابن قاسم، سعيد التونسى، ولد رمضان، محمد المنجى، الصابونجى سيدى المنجى، المصطفى المسغانمى، محمد بن يحيى، أحمد خمعاش، محمد التونسى، على بن محمد القليعة ولد افغان، مجلط، عبد الرحمن الكراب، على بن مسعود. وذكر الزيانى في حوادث سنة 1202 أن السلطان المترجم أرسل لآيت عطة يأمرهم أن يبعثوا إليه بستمائة رجل منهم وبأربعمائة من عبيد تافيلالت، فالمجموع ألف ليكسوهم ويسلحهم ويستعملهم في خدمة البحر وجنديته فبعثوا بهم إليه، قال: ولما قدموا عليه بمكناسة استدعانى من تازا فقدمت عليه فأمرنى أن أتوجه بهم إلى البوغاز وسواحل إصبانيا، والتردد فيها بينهما ليتدربوا على البحر ويمرنوا به. قال: فذهبت بهم إلى تطوان على ما رسم السلطان رحمه الله، فأخذوا السلاح والكسوة ونفذنا إلى طنجة فأقمنا بها شهرين، وكل يوم يركبون السفن ويتطاردون بها فيما بينهم، فتارة يخرجون إلى البوغاز، وتارة يطرقون سواحل إصبانيا، وتارة يرجعون إلى أن زالت عنهم دهشة البحر وفارقهم ميده وألفوه. ولما أقبل فصل الشتاء كتب إلى السلطان بالقدوم بهم، فلما حللنا بمكناسة أمر رحمه الله بعمارة المشور لدخولنا عليه، فلما مثلنا بين يديه دنا منا إلى أن كان ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "ورد من طرابلس واستوطن سلا وتزوج فيها وله حفدة". (¬2) في هامش المطبوع: "كانت سكناه بالرباط".

في وسطنا، وكلم البربر بلسانهم وسألهم عن حالهم في سفرهم فذكروا خيرا فسره ذلك منهم ونشط. ومن الظهائر السلطانية والأوامر المولوية التي وقفت عليها ولها تعلق بالأمور البحرية في هذه الدولة المحمدية، ما أصدره للرئيسين يوسف الطرابلسى وقدور ونص ذلك بعد الحمدلة والصلاة والطابع: "خديمانا الرئيس يوسف الطرابلسى والرئيس قدور، سلام عليكما ورحمة الله وبركاته. وبعد: فنأمركما أن تكونا مشحمين موجودين للسفر ولا تسافران حتى يصلكما الرئيس أحمد الكوار (¬1) والرئيس ابن حسون عواد (¬2) فإنهما في ثغر الصويرة وفى إثر الكتاب يصلانكم إن شاء الله، فحين يدخلان للمرسى اخرجا أنتما بسلامة لتبقى المرسى عامرة والبحر عامر؛ والسلام في أول جمادى الأولى في عام 1182". وما أصدره للريسين على الصابونجى وأحمد التركى ونصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع: "الرئيسين على الصابونجي وأحمد التركى سلام عليكما ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فيصلكما من حضرتنا العلية بالله ستون مثقالا ثلاثون لكل واحد منكما وهأنا أمرت خديمى عبد الله بن محمد يدفع لكل منكما وسقين من القمح، وأنتما بنفس ما تحملون ما تحتاجون إليه من الكمانية وغيرها، سافروا ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "رباطى ولا يزال بالرباط أولاد الكوار إلى الآن". (¬2) في هامش المطبوع: "جد البيت المعروف المشهور بسلا لهذا الحين".

[صورة] ظهير سيدى محمد بن عبد الله للرئيسين يوسف وقدور

[صورة] ظهير سيدى محمد بن عبد الله للرئيسين على الصابونجى ومحمد التركي

بالسلامة والعافية، والله يلقيكم الخير ذهابا وإيابا، وسفركم يكون من البغاز إلى جبل طارق، وحيث يكثر عليكم الشرقى ارجعوا للعرائش، وحيث يكثر الغربى ارجعوا لتطوان، وحين تكونون على جبل طارق اعلموا أنه من نزل منكم لبلاد النصارى نعاقبه العقوبة التامة الشديدة. وفى نصف اكتبر ارجعوا لرباط الفتح وبه يكون رباطكم إن شاء الله والسلام في رابع رجب الفرد الحرام عام 1188. ومن تمامه: إن البحرية التسعة الواردين مع ولد عبد الله بن محمد نأمر على الصابونجى أن يسفرهم معه زيادة على عمارته، وحين ترجع للرباط إن شاء الله أنزلهم عندك بدارك واستوص بهم خيرا، وهأنا أمرت عبد الله بن محمد أن يرتب لهم مؤنتهم والسلام في تاريخه". وقد أشار لأعمال هذه العمارات فوق متون البحار القنصل الفرنسى دوشينى الذى كان بسلا في الجزء الثانى من كتابه في أخبار المغرب بقوله: إن هذا السلطان الكبير أدرك بمهارته أن يحكم على دول أوروبا بما كان تحت يده من الأسارى الذين جلبهم رجال سفن قرصانة من البحار، فكانوا يسالمونه ويسعون في مرضاته لأجل ذلك. هـ. وكذلك أومأ لهذا المعنى السفيران الكاتب الغزال الفاسى في صدر رحلته لإصبانيا والكاتب ابن عثمان المكناسى في رحلته أيضا وغيرهما. ومما جاء في الكناش المالى الذى نقلنا عنه فيما سلف من التراتيب المالية: أن بذمة الحاج عمر بن كشوط الجزيرى تسعة عشر مائة مثقال وثلاثون مثقالا بقيت بذمته من سلعة الغنيمة التي أتى بها الرئيس العربى لمستيرى في أول شعبان 1176. وأن بذمة على خوجة الجزيرى بالجزائر من قيمة غنيمة الرئيس فراج ثلاثمائة دينار وأربعة وعشرون دينارا ذهبا.

وفى عام تسعة وتسعين ومائة وألف ولى القبطان الحاج الهاشمى بن الرئيس الحاج أحمد عواد الدكالى الهلالى السلوى على جميع البحرية أهل العدوتين سلا والرباط، وعلى سفنها القرصانية وقفت على ظهير توليته وإليك نصه: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد النبي المصطفى الكريم، وعلى آله وأصحابه ذوى التبجيل والتعظيم، القائمين بشريعته الناصرين لدينه القديم، نص طابعه: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا: محمد بن عبد الله، ونص خطابه: "كتابنا هذا لا زالت أوامره مطاعة، ومآثره في صفحات الدهر مخلدة مشاعة، يعلم منه أن حامله المجاهد الأرضى، القبطان النبيه المرتضى الحاج الهاشمى بن المنعم الرئيس أحمد عواد لما كان ممن مارس أمور البحر وراضها، واقتحم لججها وخاضها، وظهرت في الرياسة نجدته، وحمدت فيها بدؤه وعودته، وزادت على الغير نجابته ومعرفته، رأينا أن نعمر به منصبا يبقى مرتبطا بولايته، مقصورا على مكانته ومنزلته، فجعلناه قبطانا على جميع البحرية، أهل العدوتين سلا والرباط وعلى سفنها القرصانية الجهادية، ظفره الله بالعدو الكافر، وقضى لها من الغنائم بالحظ الوافر، وأبد سلامته في الموارد والمصادر، وعلى سائر القوارب وجميع أمور البحر كيف ما كانت، وعلى أى حال ظهرت وبانت، فقد أسندنا جميع ذلك كله إليه، وجعلناه إلى نظره وقدمناه عليه، وقصرنا عليه الكلام وحده وأنفذنا في كل ما يرجع إلى البحر أقواله، وأمضينا في سائر أمورها أفعاله من غير تعقب ولا انتقاض، فنأمر جميع البحرية أن يقدروا قدره، ويمتثلوا أمره ... (1) معاوضة ولا ..... (¬1) ومن خالفه منهم في شطر كلمة فقد أذنا له أن يؤدبه بما ظهر له من العقوبة والحد، وليكن من عقوبتنا على وعد. ¬

_ (¬1) مكان النقط بياض بالأصل.

[صورة]

علائقه السياسية

ونعهد إلى القبطان المذكور، أن يكون حازما ضابطًا متعهداً لأحوال البحريين غير غافل عن شيء من الأمور، وأن يؤسس على الجد مسائله، ويشد في هذا الوظيف الجهادى عراه ووسائله، وربنا تعالى يقضى لنا وله بالسعادة، ويبلغنا وإياه من هذه القربة العظيمة مرادنا ومراده، ويبقى جيوش الإسلام متوافرة، وعلى عدو الله ورسوله متعاضدة ومتظافرة، بمنه آمين صدر منا الأمر بكتبه بحاضرة فاس حرسها الله وحاطها في ثانى ربيع الثانى عام تسعة وسبعين ومائة وألف". علائقه السياسية مع فرنسا قال نجل المترجم أبو محمد عبد السلام في درة السلوك بعد ذكره واقعة العرائش مع الأسطول الفرنسى سنة 1179: وبعد هذه الواقعة احتفل طاغية الإصبان والفرنسيس بهدايا لم يعهد مثلها مشتملة على جواهر وأصناف الديباج، وأوانى الصين مذهبة، وقباب مطبقة داخلا وخارجا بالحرير الأحمر والأخضر، قد أحكمت خياطتها بصفائح مذهبة عجيبة الشكل والإتقان، وقدمت رسلهم لمدينة مراكش بهداياهم، وكان يوم دخولهم إلى الحضرة يوما مشهودًا فأجابهم أيده الله إلى ما طلبوه من عقد الصلح والمهادنة بعد ما بذلوا عدة وافرة من الأموال وأصنافا من اليواقيت واللآلئ انتهى. وبالفعل وجه المترجم خديمه عليا مرسيل لفرنسا لتقرير الصلح وقبض مال الأسرى وشراء الإقامة، كما وجه لإصبانيا كاتبه الغزال على ما يأتي. وإليك نص عقد الصلح الواقع بينه وبين سلطان فرنسا إذ ذاك لويز الخامس عشر بحروفه: الحمد لله؛ هذا ما صالح عليه سيدنا ومولانا الإمام، المظفر الهمام، السلطان الأعظم الأمجد، المعظم سيدنا ومولانا محمد، ووضع نصره الله بعد

الشرط الأول

قول الكاتب ومولانا طابعه المعهود لتعيين أوامره نص الطابع المذكور محمد بن عبد الله بن إسماعيل الله وليه ومولاه، وبدائرته: ومن تكن برسول الله نصرته إن تلقه الأسد في آجامها تجم، ابن مولانا عبد الله بن مولانا إسماعيل قدس الله سلطان مراكش وفاس ومكناسة وسوس وتافيلالت وغيرها، سلطان جنس الفرانصيص ومن في حكمه لويز الخامس عشر من اسمه بواسطة الباشدور المفوض إليه من قبله وهو (كونط دبرنيون) على شروط تذكر وتفصل بعد هذا، وتم الصلح وانبرم في آخر ذى الحجة الحرام عام ثمانين ومائة وألف، الموافق لتاريخ الروم لثمانية وعشرين من شهر مايه عام سبعة وستين وسبعمائة وألف. الشرط الأول: يؤسس هذا الصلح وينبرم على ما انبرمت عليه المصالحة بين السلطان الأعظم سيدنا ومولانا إسماعيل قدس الله سره، وبين سلطان الفرانصيص في ذلك الوقت لويز الرابع عشر من اسمه والشروط المشار إليها هى هذه: الشرط الثانى: أن لرعيتى الدولتين أن يذهبوا حيث شاءوا بتجارتهم ومراكبهم برا وبحرا، في أمن وأمان، بحيث لا يتعدى أحدهما على الآخر ولا يمنعهم أحد من ذلك. الشرط الثالث: إذا التقت سفن سيدنا نصره الله الجهادية أو غيرها بقراصين الفرانصيص أو غيرها من سفنهم البازركانية حاملة لسنجاق الفرانصيص وعندهم باسبرط من قبل سلطانهم على الوجه المصطلح عليه كما هو مرسوم آخر هذه الشروط، فلا يتعرض لهم ولا يفتشوا فيهم ولا يطالبون بغير إحضارها، وإن احتاجوا لما يقضونه لبعضهم على وجه الخير قضوه من الجانبين، وكذلك السفن الفرانصيصية يفعلون مع سفن

الشرط الرابع

سيدنا أيده الله ما ذكر أعلاه إذا التقوا معهم ولا يطالبونهم بشيء إلا بإظهار خط يد القونص الفرنصيصى المستوطن بإيالة سيدنا نصره الله على الوجه المصطلح عليه أيضا كما هو مرسوم آخر هذه الشروط، ولا تطالب القراصين الفرنصيصية الكبيرة بإحضار الباسبرط إذا التقت بهم سفن سيدنا أيده الله إذ ليس من عادتهم حملها ويؤخر البحث عن الصغار لمضى ستة أشهر تأتى من تاريخه أولها ينيه وآخرها نونبر الآتى، وفى هذه المدة يعطى سلطانهم أمارة بالكتابة للسفن الصغار وتأتى نسخة منها على يد القونصو لتصاحب قراصين سيدنا في سفرهم بحيث إذا التقوا بهم يستظهر كل واحد مما عنده من ذلك والعمل في نزول الفلوكة على ما وقع الشرط فيه بينهم وبين الجزيريين. الشرط الرابع: إذا دخلت سفينة من سفن سيدنا الجهادية أو غيرها لمرسى من مراسى الفرانصيص أو بالعكس، فلا يمنعون من حمل ما يحتاجون إليه من مأكول أو مشروب لهم ولمن معهم في سفنهم من الجانبين، وكذلك إن احتاجوا لآلة من آلات سفنهم فلا يمنعون من ذلك بالثمن الجارى بين الناس من غير أن يزاد عليهم شيء في جميع ذلك مراعاة للصلح الذى بين الرعيتين. الشرط الخامس: لرعيتى الدولتين الدخول لأى مرسى شاءوا من مراسى سيدنا أيده الله أو من مراسى بلاد الفرانصيص والخروج منها سالمين آمنين، وأن يبيعوا ويشتروا ما شاءوا على حسب إرادتهم، وإن باعوا من سلعهم بعضا وأرادوا رد الباقى لمراكبهم فلا يطالبون بوظيف آخر، وإنما يطالبون بتعشير السلع أولا عند نزولها فقط، ولا يدفعون في التعشير زيادة على غيرهم من الأجناس، ولتجار الفرنصيص التصرف في البيع والشراء في جميع إيالة سيدنا نصره الله كغيرهم، وإن تفضل سيدنا أيده

الشرط السادس

الله على جنس من أجناس النصارى بنقص شيء من الكمرك أو من الصاكة وغيرها فهم من جملتهم. الشرط السادس: إذا انتقض الصلح بين أهل تونس والجزائر وأهل طرابلس وغيرهم وبين الفرنصيص أيا كانت لمرسى من مراسى سيدنا نصره الله وتبعتها سفينة حربية من سفن عدوهم لتأخذها، فعلى أهل تلك المرسى منع سفينة الفرنصيص المذكورة من عدوهم المذكور ولو برميه بالمدافع ليبعد عدوهم عنها، ويحبس المركب الطالب لها بالمرسى مدة حتى تبعد السفينة المطرودة عنها لئلا يتبعها في الحال حسبما هى العادة، وإذا التقت مراكب سيدنا الجهادية بعدوهم بكوشطة الفرنصيص فلا يأخذونهم إلا بعد تجاور ثلاثين ميلا. الشرط السابع: إذا دخلت سفينة عدو الفرنصيص لمرسى من مراسى سيدنا أيده الله وبها أسارى من الفرنصيص، فإن كانوا باقين بالمركب لم ينزل أحد منهم للبر فلا كلام معهم فيهم، وإن نزلوا للبر فهم مسرحون وينتزعون من يد الذى هم تحت أسره، وكذلك إذا دخلت سفينة عدو سيدنا نصره الله لمراسى الفرنصيص وفيها أسارى من الإيالة المولوية يفعل بهم مثل ذلك، وإن دخل عدو للفرنصيص أيا كان لإيالة سيدنا بغنيمة أو دخل عدو سيدنا أعزه الله بغنيمة لمراسى الفرنصيص، فإن الجميع يمنعون من بيع الغنيمتين بالإيالتين، وإذا وجد عدو إحدى الدولتين تحت سنجق الأخرى فلا يتعرض له ولا لماله من الجهتين، وإذا أخذت سفينة سيدنا أيده الله غنيمة ووجد فيها بعض الفرنصيص ركَّابًا فإنهم يسرحون بأموالهم وأثاثهم كله، وكذلك إذا غنم الفرنصيص سفينة لعدوه أيا كان ووجد فيها ركابا من الإيالة المولوية، فإنهم يفعل بهم مثل ذلك، وأما إن كانوا بحرية فلا يسرحون من الجانبين.

الشرط الثامن

الشرط الثامن: لا يلزم رؤساء المراكب البازركانية بحمل ما لم يريدوه في سفنهم ولا أن يتوجهوا لمحل من غير إرادتهم. الشرط التاسع: إذا انتقض الصلح بين وجاقات الجزائر ووجاقات تونس وطرابلس وبين الفرنصيص فلا يأمر سيدنا أيده الله بإعانة الوجاقات المذكورين بشيء أصلا، ولا يترك أحدا من رعيته يتسلح ويركب تحت سنجق أحد الوجاقات ليقاتل الفرنصيص، ولا يترك أحدًا يخرج من مراسيه ليقاتلهم، وإن فعل أحد من رعيته ذلك عاقبه وضمن ما أفسده، وكذلك يفعلون مع من عادى الجانب المولوى أسماه الله لا يعينونه ولا يتركون من يعينونه من رعيتهم. الشرط العاشر: لا يكلف جنس الفرنصيص بدفع آلات الحرب من بارود ومدافع وغير ذلك مما يقاتل به. الشرط الحادى عشر: لسلطان الفرنصيص أن يجعل بإيالة سيدنا نصره الله من القنصوات ما أراد في أى بلد شاء، ليكونوا وكلاء له في مراسى سيدنا أيده الله ليعينوا التجار ورؤساء البحر والبحرية في جميع ما احتاجوا إليه، ويسمعوا دعاويهم ويفصلوا بينهم فيما يقع بينهم من النزاع، لئلا يتعرض لهم أحد من حكام البلد غيرهم. وللقنصوات المذكورين أن يتخذوا بدورهم موضعا لصلاتهم وقراءتهم ولا يمنعون من ذلك، ومن أراد إتيان دار القنصو للصلاة أو للقراءة من أجناس النصارى أيا كانوا فلا يتعرض لهم أحد ولا يمنعون من ذلك، وكذلك رعية سيدنا نصره الله إذا دخلوا بلاد الفرنصيص لا يمنعهم أحد من اتخاذ مسجد لصلاتهم وقراءتهم بأى مدينة كانوا.

الشرط الثانى عشر

ومن استخدمه القنصوات المذكورون من كاتب وترجمان وسماسير وغيرهم فإنه لا يتعرض لمن استخدموه بوجه ولا يكلفون بشيء من التكاليف أيا كانت في نفوسهم وبيوتهم، ولا يمنعون من قضاء حاجات القنصوات والتجار في أى مكان كانوا؛ ولا يدفع القنصوات ملزوما ولا وظيفا عما اشتروه لأنفسهم من مأكول ومشروب وملبوس، ولا يؤخذ منهم العشر عما جاءهم من بلادهم من الحوائج المعدة للباسهم ومأكولهم ومشروبهم كيفما كانت، ولقنصوات الفرنصيص التصدر والتقدم على غيرهم من قنصوات الأجناس الآخرين، ولهم أيضا أن يذهبوا حيث شاءوا من إيالة سيدنا نصره الله برا وبحرا من غير مانع لهم من ذلك، ويذهبوا أيضا لسفن جنسهم إن أرادوا من غير مانع أيضا ودورهم موقرة لا يتعدى فيها أحد على آخر. الشرط الثانى عشر: إذا وقع نزاع بين مسلم وفرنصيصى فإن أمرهما يرفع للسلطان نصره الله أو لنائبه حاكم البلد ولا يحكم بينهما القاضى في نازلتهما. الشرط الثالث عشر: إذا ضرب فرنصيصى مسلما فلا يحكم فيه إلا بعد إحضار القونصو ليجيب ويدافع عنه، وبعد ذلك ينفذ فيه الحكم بالشرع، وإن هرب النصرانى الضارب فلا يطالب به القونصو لأنه ليس بضامن له، وكذلك إذا ضرب المسلم الفرنصيصى وهرب فلا يطالب بإحضاره. الشرط الرابع عشر: إذا كان لأحد من التجار دين على أحد من رعية الفرنصيص فلا يكلف القونصو بخلاصه إلا إذا ضمن المال، وكتب في ذمته، فحينئذ يكون الخلاص

الشرط الخامس عشر

عليه، وإن توفى أحد من نصارى الفرنصيص في جميع إيالة سيدنا نصره الله فتسلم أرزاقه وأمتعته ليد القونصو ليزممها ويختم عليها أو يتصرف فيها بما شاء ولا يمنعه أحد من ذلك، ولا يتعرض له أحد من القاسمين ولا من أهل بيت المال. الشرط الخامس عشر: إذا رمى الريح مركبا من مراكب الفرنصيص على ساحل إيالة سيدنا نصره الله، أو جاء هاربا من سفن أعدائه فليعط سيدنا أمره لجميع أهل سواحله أن من وقع عنده مثل ذلك يعينوهم على قدر طاقتهم، إما بإخراج المركب للبحر إن أمكن وإن حرث أعانوهم على تخليص الأمتعة التي به. وجميع آلاته وكل ما خرج من المركب يتصرف فيه القونصو القريب من ذلك المكان أو نائبه بما شاء، ليخلص تلك السفينة بعد أن يعطى لمعينه أجرته، ولا يؤخذ عن تلك السلعة حال التحريث عشر إلا ما يباع منها فيؤخذ عشره. الشرط السادس عشر: إذا دخلت مراكب الفرنصيص القرصانية لمرسى من مراسى سيدنا نصره الله فتتلقى بالبشرى والبشاشة مراعاة للصلح الحاصل، ولرؤساء هذه المراكب إن اشتروا بدراهمهم شيئا من مأكول ومشروب لا يطالبون بصاكة ولا بغيرها، وكذلك يفعل بمن دخل لمراسى الفرنصيص من سفن سيدنا أيده الله، وهذا المأكول والمشروب المذكوران لأنفسهم ولأهل مراكبهم. الشرط السابع عشر: إذا دخل قرصان من قراصين الفرنصيص لمرسى من مراسى سيدنا نصره الله، فإن القونصو الحاضر في الوقت بالبلد يخبر حاكمها بذلك ليتحفظ على

الشرط الثامن عشر

الأسارى الذين بالبلد لئلا يهربوا للسفينة المذكورة، فإن هرب أسير وبلغ المركب فلا يفتش عليه ولا يطالب به القونصو ولا غيره، لأنه دخل تحت سنجاق الفرنصيص ولاذ به، وكذلك من فعل من أسارى المسلمين أيا كانوا ذلك بمراسى الفرنصيص لا يفتش عليه، لأن السنجق حرم. الشرط الثامن عشر: ما نسى من الشروط يفسر ويشرح على وجه مفيد معتبر لكى يحصل منه خير كثير ونفع عام لرعيتى الدولتين، ولأن بواسطتها تشتد عقود الموالاة والمصافاة. الشرط التاسع عشر: إذا: احصل خلل في الشروط التي انعقد عليها الصلح فلا يفسد الصلح بسبب ذلك، وإنما يبحث في المسألة ويرجع فيها للحق من أى إيالة كانت، ولا يتعرض لرعايا الدولتين الذين لا مدخل لهم في شيء من الأشياء، ولا يباشر أحد من الرعيتين الخصومة والجدال إلا بعد مخالفة الشريعة والحق إعلانا. الشرط العشرون: إن قدر الله بنقض الصلح المنبرم، فجميع من بإيالة سيدنا نصره الله من جنس الفرنصيص يؤذن لهم في الذهاب لبلادهم باموالهم وأولادهم في أمان، ويمهلون في البلاد لجمع أموالهم وأمتعتهم لمضى ستة أشهر. ذكر الباسبورط المصطلح عليها لكل مركب من المراكب الفرنصيصية البازركانية من عند أمير البحر بكل مرسى من مراسى الفرنصيص "لويز جان مرى دبربون دك دبمنطيور" أمير البحر بإيالة الفرنصيص، السلام، على كل من ينظر هذه الأسطر نعلمه أننا دفعنا ونفذنا إجازة بالباسبرط هذه لفلان رئيس المركب المسمى

فلانا فيه من الوسق كذا، وأنه ذاهب إلى بلد كذا موسوق بكذا، مكاحله ومدافعه كذا، رجاله كذا، وهذا بعد ما صار النظر والاطلاع الشرعى بما فيه فشهادة على ذلك وضعنا إمضاءنا وطابعنا، وكتب بخط يده كاتب البحر فلان في مدينة باريز في شهر كذا في سنة كذا لويز جان مرى دبوربون وتحت ذلك: من جانب حضرته السمية غرامبرك مختوم ذكر خط يد القونصو المصطلح عليه الذى يكون عند سفن سيدنا نصره الله صورته: كاتبه فلان قونصو الفرنصيص بإيالة سيدنا نصره الله بثغر كذا، نعلم كل من رأى هذه الأحرف أن المركب المسمى كذا رئيسه فلان وفيه كذا وهو من ثغر كذا، فإنه هو ومن معه من إيالة السلطان المنصور بالله سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله سلطان مراكش ومن انضاف إليه رجاله، كذا مدافعه كذا، وشهادة على ذلك وضعنا اسمنا على هذه الورقة التي ختمناها بخاتمنا في بلد كذا في شهر كذا في سنة كذا". ومن ذلك ما كتب به صاحب الترجمة جوابا لملك فرنسا لويز السادس عشر في التأسف على وفاة جده لويز الخامس عشر والفرح بولاية المكتوب له مع إبقاء الصلح والمهادنة مستمرين على ما كان عليه ونصه: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، عن أمر السلطان الأعظم سلطان مراكش وفاس ومكناسة وتافيلالت وسوس ودرعة وكافة الأقاليم الغربية سيدنا ومولانا (محمد بن عبد الله بن إسماعيل الله وليه ومولاه) خلد الله نصره، وأعز أمره، وأدام سموه وفخره، وأشرق في فلك السعادة شمسه وبدره، إلى عظيم جنس الفرنسيس المتولى أمرهم في الوقت الرى لوزير السادس عشر من اسمه، سلام على من اتبع الهدى أما بعد فقد ورد على

حضرتنا العلية بالله كتابك الذى تاريخه ثانى عشر من مائه عام أربعة وسبعين وسبعمائة وألف المتضمن الإخبار بموت جدك الرى لويز الخامس عشر على يد نائب قونصوكم (برطملى دبطنير) وبقى في خاطرنا جدك لويز كثيرا، حيث كانت له محبة في جانبنا العلى، وكان ممن يحسن السياسة في قومه، وله حنانة في رعيته وحفظ عهد مع أصحابه، وفرحنا حيث كان باقيا من ذريته من يخلفه في المملكة والجلوس على سرير الملك من بعده، وما زالت تسعد بك رعيتك أكثر مما كانت في حياة جدك، ونحن معك على المهادنة والصلح، كما كنا مع جدك انتهى. صدر الأمر بكتبه من حاضرة مكناسة الزيتون في عاشر جمادى الثانية عام ثمانية وثمانين ومائة وألف". ومن ذلك ما كتب به له أيضا مع سفارة القائد الطاهر فنيش ولفظه: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم، (محمد بن عبد الله بن إسماعيل الله وليه ومولاه". من أمير المؤمنين، المجاهد في سبيل رب العالمين، عبد الله المتوكل على الله، المعتصم بالله، محمد بن عبد الله بن إسماعيل الله وليه ومولاه، إلى عظيم الفرنسيس لويز السادس عشر من اسمه السلام على من اتبع الهدى. أما بعد: فاعلم أن سفنا من سفن الفرنسيس حرثوا بأقصى إيالتنا المباركة في الصحراء وتفرق جميع من سلم من الغرق من النصارى في أيدى العرب، وحيث بلغنا ذلك وجهنا بعض خدامنا للصحراء لجمع من في أيدى العرب من النصارى الفرنصيص لنوجههم إليكم بعد الإنعام عليهم رعيا للمهادنة والصلح الذى بيننا وبينكم، ثم إن قونصوكم الذى بإيالتنا أساء الأدب وكتب لنا أن نوجه له النصارى

ويدفع الكاشطى الذى صير عليهم خديمنا المذكور، فساءنا كلامه لأنه لو أحسن الطلب لأنعمنا بهم عليه على تقدير أن لو كنا معكم على الكره فأحرى ونحن معكم في الصلح والمهادنة، ولأجل ذلك وجهنا لكم من حضرتنا العلية بالله عددهم عشرون فهم يصلون منا لناحيتكم. وقد وجهنا لكم خديمنا القائد الطاهر فنيش باشدورا معه أولئك النصارى وليتكلم في أمر اقتضاه نظرنا السديد معكم ومع جميع قونصوات أجناس النصارى الذين بإيالتكم من المصالحين معنا وغيرهم على يدكم، وهو أن كل أسير أسر بإيالتنا من النصارى أيا كانوا ففداؤه مسلم رأسا برأس، وإن لم يكن عندهم مسلمون فمائة ريال فداؤه لا غير، كذلك إذا كان المسلمون أسارى عند النصارى ففداء كل مسلم نصرانى من جنسه إن وجد، وإن لم يوجد فمائة ريال فداء المسلم أيضا، وسواء في ذلك الغنى والفقير والقَوى والضعيف لا فرق بينهم في الفداء، ولا يبقى الأسير في بلاد المسلمين ولا في بلاد النصارى عاما واحدا، والشيخ الهرم الذى بلغ السبعين والمرأة كيفما كانت لا أسر فيهما، فحيث وجد الشيخ الهرم أو المرأة في سفن المسلمين أو النصارى فيسرحان في الحين من غير فداء، وهذا إن شاء الله رأى سديد ظهر لنا فيه صلاح الجانبين، أردنا أن يكون عقده على يدكم، وإن تم ذلك على الوجه المذكور فوجه لنا كتابك بإبرام ذلك ويصلك كتاب مطبوع بطابعنا الشريف، ومعلم بخط يدنا الشريفة، مضمنه أننا التزمنا جميع ما ذكر في كتابنا هذا في شأن فكاك الأسارى من الجانبين على الوجه المذكور إن تم يبقى تحت يدك، ويصلك ستة من الخيل من عتاق خيلنا صلة منا إليكم، وخديمنا المذكور لا تبطئوه عندكم ووجهوه إلينا عزما بعد قضاء الغرض الذى وجهناه إليه، ونحن معكم على المهادنة والصلح وكل ما يقول لكم ثقوا به فيه، صدر الأمر به في مهل شعبان عام واحد وتسعين ومائة وألف".

مع السويد

ومما يدل على مقدار تحسن العلائق التي كانت بين الدولتين يومئذ الكتاب الذى بعثه الملك لويز السادس عشر للمترجم مخبرا فيه بولادة ابن له وهذه ترجمته: "من عظيم النصارى ملك فرنسا إلى عظيم المسلمين ملك مراكش والمغرب سلاما. وبعد: فإن المولى جل جلاله حقق أمنيتنا وأمنية فرنسا فرزقنا أميرًا وضعته والحمد لله الملكة زوجتنا العزيزة وقرينتنا، وقد بادرت بإعلامكم بهذا الحادث العظيم الذى يضمن السعادة لرعيتنا ويخلد هذه العائلة الملوكية، وأنا متحقق أنكم ستتلقون هذا النبأ الذى يسر عائلتنا المشهورة ورعيتنا بكل سرور لما بيننا من روابط المودة. وأن السرور الذى ستقابلون هذا الحادث سيكون شاهد جديدا على ما بيننا من الصداقة المؤبدة، وإنا ندعو لكم ولمملكتكم بالنصر والعافية والرفاهية ونطلب من الله أن يحرسكم بعنايته. لويز". وتحته: "الكونت دوسايتين" مع السويد ومن ذلك عقد الصلح الواقع بينه وبين جنس السويد سنة 1176 وإليك لفظه: "الحمد لله، زمام يذكر فيه الشروط المنعقدة عليها الصلح بين سيدنا الإمام الأعظم السلطان بن السلطان فخر الملوك والسلاطين المظفر الهمام الأوحد، أبى عبد الله سيدنا ومولانا محمد ابن مولانا عبد الله بن مولانا إسماعيل قدس الله

[صورة] كتاب لويس السادس عشر ملك فرنسا للسلطان سيدى محمد بن عبد الله يعلمه بازدياد أمير له

الشرط الأول

ثراه، وخلد في الصالحات ذكره، آمين وبين جنس السويد بعد طلب طاغيتهم له بواسطة صاحبه الموجه من قبله المفوض إليه بكتابه وهو "الكمسارى سويد بيد روكر شقيان ولف" سنة ستة وسبعين ومائة وألف ذكر الشروط المشار إليها: الشرط الأول: أن يكونوا مؤمنين على أنفسهم وأموالهم في جميع إيالة سيدنا نصره الله ومراسيه برا وبحرا هم وتجارهم في سائر المدن والثغور، وأن يلاحظوا بما يلاحظ به غيرهم ممن دخل ظل أمان سيدنا نصره الله. الشرط الثانى: أن "الباشجير" منهم إذا وجد بمركب العدو فيؤمن لمضى ستة أشهر تأتى بعد تاريخ الصلح لينتشر خبر الصلح ولا يطالبون في هذه المدة بباسبرط، فإذا وجد قبل انقضاء هذه المدة فإن رؤساء مراكب سيدنا نصره الله يأتون به مؤمنا على نفسه وماله إلى حضرة سيدنا نصره الله والقونص السويد الذى يكون متصدرا للكلام في أمور جنس السويد، ويعرف به ويشهد أنه من جنسهم عابرى سبيل، وإن كان هذا الموجود منهم في مركب العدو يستعمل نفسه في خدمتهم وإعانتهم بأجرة أو غيرها فهو أسير، ومن وجد منهم بمركب العدو بعد الستة أشهر ولم يستظهر بباسبرط فهو أسير. الشرط الثالث: المسلم إذا دخل بلادهم سواء حل بها فارا أو اختيارا فهو في أمان، وكذلك إذا جاء في مركب عدو لسيدنا نصره الله، وأرسى بأى مرسى من مراسيهم فيجب عليهم فكاكه ونقده من الأسرى وتبليغه لبر المسلمين، وإذا كان أسير من جنس السويد عند عدو لهم وفرّ لمراكب سيدنا نصره الله أو لبلاد الإسلام، فهو أمين

الشرط الرابع

على نفسه وماله، كما أن المسلم إذا كان أسيرًا وفرّ لمراكبهم أو بلادهم فهو في أمان. الشرط الرابع: أن أجفانهم لا يترامى عليها أحد من رؤساء مراكب سيدنا نصره الله ولا يفتشونها، وإن كان فيها ركاب من عند سيدنا نصره الله فهم في أمان تحت سنجقهم. الشرط الخامس: أن أجفانهم الواردة على مراسى سيدنا بالسلع إذا أنزلوها بالبر تعشر، وإن لم ينزلوها فلا أعشار عليهم فيها وإن لم يبيعوها وأرادوا ردها فلا يلزمهم فيها شيء ولا يجبرون على إنزال السلعة إن لم يريدوا إنزالها بتلك المرسى، وإن كانت السلع من آلة الحرب وأرادوا بيعها فلا أعشار عليهم فيها. الشرط السادس: إذا التقى مركب السويد بمركب من مراكب سيدنا أيده الله فليركب اثنان من أعيان مراكب سيدنا ومعهم اثنان من البحرية المحركين للفلوكة من غير عدة إلى أن يشاهدوا الباسبورط ويعودوا لمركبهم على الفور، ولا يبطئون المركب، ولا يثقفوا، وقبل ما تذهب إليهم الفلوكة يجعل رئيس مركب سيدنا نصره الله سنجقًا أبيض في رأس الماسطرة ويجئ تحت الريح ليكون ذلك علامة الصلح، فيحصل لهم به الأمان، لأن الصلح بالصلح لا يمكن أن يحصل بجميع السويد في مدة قريبة، ويبقوا على هذه العلامات إلى أن ينقضى عام واحد يأتي بعد تاريخ الصلح، وبعد مضى العام يطالبون بإظهار الباسبورط ولا تكفيهم العلامة السابقة، وركاب الفلوكة من خدام سيدنا نصره الله يصحبون خط الكمسارى ويدفعونه للمركب السويدى

الشرط السابع

ليعلموا غيرهم بالصلح المرسوم بالخط، والبارزكان والقرصان فيما ذكر من العلامات وأصحاب خط الكمسارى ودفعه لأهل المركب سواء. الشرط السابع: إذا حرث مركب من مراكبهم ببر الإسلام في طاعة سيدنا نصره الله سواء كان عن فرتونة أو فارًّا من عدو له ووقع به ذلك فليكن أمر سيدنا أدامه الله عند كافة خدامه وولاة أمره بسائر الثغور والسواحل يقفون معهم ليجمعوا وسقهم وآلة سفنهم، حتى لا يضيع لهم شئ من ذلك كله ويعينونهم على جمعه ويحرسونه ويحفظوا أموالهم وسلعهم وباشاجيرهم، وإن كان عدوا لسيدنا نصره الله حتى يصلحوا مركبهم ويعود إليهم وهم في أمان ولا يلزمهم شئ، وإذا تكسرت بحيث لا تقبل الإصلاح فإقامتها ووسقها وباشجرها يتولى أمر ذلك قونصو الوقت، ولا يدخل فيهم أحد، وإن حملوه في مركب فلا يلزمهم شئ على حمله. الشرط الثامن: إذا كان مركبهم تحت رماية المدفع أو مع بر الكوشطة وسائر المراسى، فلا يأخذهم عدوهم ولا يجعلهم غنيمة. الشرط التاسع: إذا أخذ لهم مركب وجئ به لطاعة سيدنا نصره الله وأراد الآخذ بيع الأسارى بها وأنزلهم من المركب بقصد البيع، فهم مسرحون من الأسر، وكذا من أخذ من المسلمين ونزلوا ببلادهم فهم مسرحون، وإن بقوا في المركب فلا كلام لهم. الشرط العاشر: إذا كان قرصان من عدو سويد بمرسى من مراسى سيدنا نصره الله وهناك

الشرط الحادى عشر

مركب سويدى وأراد السويد أن يسافر فليثقف القرصان العدو لهم عن أمر سيدنا نصره الله إلى أن تمضى ثمانية وأربعون ساعة. الشرط الحادى عشر: إذا أظهر البازركان الإرصاد بإحدى مراسى سيدنا نصره الله لسقى ماء أو لأخذ كمانية أو ليستتر من الريح، فإنه لا يطالب بمخطاف إلا إذا نزل الوسق فهم كغيرهم من المصالحين. الشرط الثانى عشر: إذا اشترى سويدى من وكيل سيدنا نصره الله غنيمة فيكون خط اليد بالبيع هو الباسبورط، بحيث إذا لفيه أحد من مراكب سيدنا نصره الله يطالعه على الإشهاد بالبيع فيتركه ويخلى سبيله. الشرط الثالث عشر: إن التجار الذين يريدون تعاطى الأسباب في طاعة سيدنا نصره الله وإيالته الواجب عليهم في الأعشار داخلاً وفى الصاكة خارجًا هو الواجب على غيرهم من الأجناس المصالحين، وكل ما يرد عليهم من المأكولات والمشروبات والملبوسات لأنفسهم وأثاث الدار لا شئ عليهم في ذلك في المجئ والرجوع. الشرط الرابع عشر: إذا سافر مركب منهم من مراسى سيدنا نصره الله، وقد كان دفع ما وجب عليه وألجأه أمر عارض للرجوع لمرسى من مراسى سيدنا نصره الله فلا يلزمه شئ، وكذا إذا وردت سفن كبار على مراسى سيدنا نصره الله واحتاجوا إلى الفريشك، فلا شئ عليهم يأخذوه، وكذا لا يلزم السفن الكبيرة ولا أهل المراسى إخراج المدافع عند الوصول إليها.

الشرط الخامس عشر

الشرط الخامس عشر: لهم أن يجعلوا من القونصوات ما يريدون ويختارون لأنفسهم، ومن السماسر ما يحتاجون إليه، ويكون القونصو منهم كغيره من القنصوات في المنزلة والمرتبة والمباشرة، وكل واحد من قنصواتهم يجعل سنجاقًا بداره ولا يتعدى عليهم أحد، ويسافرون في البر كيف شاءوا ويركبون المراكب الحالة بمراسيهم ومن هو مخصوص بهم، وهم في صلاتهم ودفن من مات منهم كغيرهم من المصالحين، وكل من انضاف إليهم من أهل الذمة وغيرهم ممن يقضون إليهم أغراضهم لا يكلفون بوظيف ولا مغرم إلا الجزية، فإنها لا تسقط عن أهل الذمة، وإن ترتب دين على أحد سويد، فإن القونصو لا يطالب بأدائه إلا إذا ضمنه لرب المال وكتب له بخط يده. الشرط السادس عشر: إذا مات تاجر من سويد فإن القونصو يجمع متاعه ويجمعه لأهله من غير له. الشرط السابع عشر: إذا تخاصم اثنان من سويد فالقونصو يتولى الحكومة في قضيتهما بما يقتضيه دينهم، وإذا كانت خصومة السويد مع أحد من غير جنسه فحاكم البلاد والقونصو يفصلان نازلتهما، وإذا وقع جرح فيما بينهم فيرفع الأمر إلى السلطان نصره الله، وإن فَرَّ أحد من المتخاصمين فلا يؤاخذ به القونصو ولا غيره من جنسهم. الشرط الثامن عشر: إذا ظهر منهم ما يوجب نقض الصلح فليؤجل لهم سيدنا نصره الله ستة أشهر يجمعون فيها أموالهم ويحملون أمتعتهم وأصحابهم ويذهبون في أمان

الشرط التاسع عشر

بحوائجهم وأثاثهم، وديارهم مؤمنة من حكام البلاد وغيرهم ولا يدخلها أحد إلا بإذنهم. الشرط التاسع عشر: أن يسوى سيدنا نصره الله قنصواتهم وقنصوات أجناس المصالحين بحيث لا تكون مزية لقنصوات غيرهم على قنصواتهم لا في مراكبهم ولا في متاعهم ولا في أنفسهم. الشرط الموفى عشرين: إن وجد عند أحد من أجناس النصارى الذين نالهم عهد سيدنا نصره الله شرطا أو شروطا زيادة على الشروط المذكورة في هذا الزمام فلهم مثله سواء كان في الماضى أو المستقبل، ويكون الشرط الزائد كأنه مذكور في هذا الزمام، وإن كان لقيهم ممن انعقد بينهم وبين سيدنا نصره الله الصلح إذن في مسألة غير مذكورة في الشروط، فقد أذن لهم فيها سيدنا نصره الله. الشرط الحادى والعشرون: إذا صدرت جناية خارجة عن الصلح من رعية سيدنا نصره الله أو من رعيتهم بأن كان الجانى من سويد يعلم سيدنا نصره الله القونصوات وهو يعلم طاغيتهم ويؤجل لهم في فصلها ستة أشهر سيدنا بعد بلوغها الطاغية، فإن لم يقع فيها الفصل فالنظر لسيدنا نصره الله، وإن كانت الجناية من مسلم فسيدنا أيده الله يحكم فيها، ولا يفسد الصلح في الوجهين. الشرط الثانى والعشرون: إذا ظهر شرط يليق بالجانبين فإنه يزاد لهم على الشروط السابقة ويتنزل منزلتها.

[صورة] كتاب سيدي محمد بن عبد الله لقنصل الدانمرك (تعريب من العبرانية) أمام من يضع شكله عقبه أقسم المسمى ... سرفاتي يمينا بالله تعالى كيف تجب ونص ما يجب بأن كلامه السوء الذي نقل عنه شمعون بآسفى لم يصدر منه قط وأنه مجرد كذب وزور وحرر بمدينة ... بتاريخ 7 أيلول سنة 1519 الخزان يهودا أفلاكو ويهودا الغراملي بشكلها

الشرط الثالث والعشرون

الشرط الثالث والعشرون: أن يعلم سيدنا نصره الله أهل طاعته بصلح سويد حتى ينتشر بإيالته السعيدة خشيه أن يجنى أحد عليهم جناية ويعتذر أنه لا علم له بالصلح" وهذا آخر الشروط. وقد أقر هذه المعاهدة السلطان العادل المولى سليمان سنة 1218 على مال يؤدونه له. مع الدنمرك ومن ذلك عقد الصلح بينه وبين جنس الدانمرك وإليك لفظه حرفيا: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم؛ ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم؛ هذا ما جدد به مولانا الإمام؛ المعظم المظفر الهمام؛ حامى بيضة الإسلام وملجأ الخاص والعام؛ سيدنا ومولانا محمد ابن مولانا عبد الله رحمه الله وقدس روحه، ثم يليه الطابع الشريف وبعده: سلطان مراكش وفاس وتافيلالت وسوس وغير ذلك من الأقاليم المغربية الصلح بينه وبين طاغية دينمارك كرستيان السابع من اسمه سلطان (نروك بندلص كطر مرن دمليسو) وغير ذلك، على يد القونصو كوشرب الماركى المفوض إليه من قبل طاغيته المذكور على شروط تذكر وتفسر إثره صلحا تاما مستمرا، انتهجنا معهم طريقه والتزمنا الوفاء به حقيقة ما لم يقع ما فيه ثلمة في ديننا أو شرعنا فلا صلح ولا عهد، وفى الثامن والعشرين من صفر عام إحدى وثمانين ومائة وألف. الشرط الأول: خروج مراسى سيدنا نصره الله من أيدى دينمارك فلا يتصرفون فيها بشئ من أنواع التصرفات جلت أو قلت أكثر مما فات، لأن الكمبانية التي كانت تدفع حق المراسى المذكورات تفرقت ورجعت المراسى لسيدنا نصره الله يتصرف فيها بما

الشرط الثانى

شاء، وكان خروجها من أيديهم في الرابع والعشرين من صفر الذى هو شهر تاريخه الموافق في تاريخ العجمى لعشرة من يليه، بعد أن التزم القونصو المذكور أداء واجب تصرف التجار في المراسى، وهو من أول مايه الماضى قريبا من تاريخه إلى عاشر يوليه الذى هو شهر تاريخه، وقدره اثنا عشر ألف ريال وخمسمائة ريال، ولا رجوع للمراسى لأيدى دينمارك أبد الآبدين من الآن. الشرط الثانى: للقونصو المذكور أو من ناب عنه أن يحمل سلعة الكبانية الباقية لهم بإيالة سيدنا أيده الله كيف ما كانت لأى موضع شاء، وإن أراد دفعها لأحد أيا كان فلا يمنع من ذلك، لأنه عنده وكالة الكبانية بالتصرف في جميع سلعهم وديونهم بما ظهر له، ولا يدفعون في الأعشار غير الذى دفعوه أولا، ولا في الصاكة أكثر مما جرت العادة بدفعه، وان أراد إرسال المال الناض بعينه فلا يلزمه شئ في الخارج حسبما هى العادة. الشرط الثالث: يعطيه سيدنا أوامره الشريفة لعماله في المدن التي لهم فيها ديون يعينونهم ويقفون معهم على قبض ديونهم عند من كانت على الوجه الشرعى، وللقونصو أن يوكل من شاء على قبض ديونه من غير مانع له من ذلك. الشرط الرابع: التاجر شنطبرند والتاجر يبسق القاطنان بثغر سلا، والتجر سودس والتاجر هولست القاطنان بثغر آسفى، والتاجر هست الذى بثغر الصويرة، الذين كانوا في خدمة الكبانية يذهبون لبلادهم مع سفينة الجيرة التي هى الآن بثغر سلا، بحوائجهم وجميع أثاث دورهم وزماماتهم وكذلك يذهب متعلم القونصو فرزين

الشرط الخامس

بحوائجهم أيضًا لأن الكبانية لم تبق مستلزمة بدفع المتسببين، ولا يتعاطوا التجارة ليعمروا على أى وجه كان، ولا أحد من جنس دينمارك إلا من أراد أن يأتي بخاطره ليعمر فلا يمنعه أحد من ذلك. الشرط الخامس: لتجار دينمارك أن يقدموا لإيالة سيدنا أيده الله، ويذهبوا حيث شاءوا ويبيعوا ويشتروا بأمن وأمان في أى مرسى شاءوا، وأى مدينة شاءوا، ولا يلزمهم في الداخل والخارج أكثر من غيرهم من أجناس النصارى، ويسكنون في أى مدينة شاءوا من غير تحديد عليهم بسكنى مدينة دون غيرها، ولا يكلف أحد منهم ببناء دار ولا غيرها إلا بخاطره. الشرط السادس: إبقاء الصلح بين سيدنا أيده الله وبين طاغية دينمارك على ما كان عليه أولًا وسنجقهم موقر محترم برا وبحرا إن التقت سفن سيدنا أيده الله الجهادية بسفنهم، لأجل محبتهم في جانب سيدنا العلى بالله، ولتقدمهم في عقد الصلح على غيرهم من أجناس النصارى، فلذلك يريدون التقدم من التفضيل على غيرهم عقد سيدنا أيده الله ولا يعتد واحد على رعية دينمارك في جميع إيالة سيدنا أيده الله. الشرط السابع: أن يكون جنس دينمارك كغيرهم في البيع والشراء، ولا يلزمهم أكثر مما يلزم غيرهم في أسعار الأسواق، وإن تفضل سيدنا أيده الله على غيرهم من أجناس النصارى بنقض شئ في الداخل والخارج فهم من جملتهم يلزمهم ما يلزم غيرهم، وإن اشترى أهل سفنهم الواردة عليهم مأكولًا أو مشروبًا لأنفسهم مدة إقامتهم أو زادًا قدر ما يبلغهم للمكان القاصدين له فلا يلزمهم شئ في الخارج.

الشرط الثامن

الشرط الثامن: لا يأخذ أحد سلعة من سلع تجار دينمارك منهم بغير الثمن الذين يريدونه، ولا يبيعون سلعهم إلا بما أحبوا، وكذلك أصحابهم الذين يبيعون لهم سلعهم في المدن لا تنتزع السلع منهم كرها بغير الثمن الذى أمرهم أربابها ببيعها به، ولا يكلف أحد سفنهم بحمل ما لم يريده في أنفسهم من مرسى إلى أخرى إلا برضا ربها، ولا يخرج أحد من جنسهم من سفنهم بغير رضاه. الشرط التاسع: إذا اكترى أحد من رعية سيدنا أيده الله سفينة من سفن دينمارك لتحمل له سلعة من محل إلى محل، ثم إن الريح ألجأها إلى دخول مرسى من مراسى سيدنا أيده الله أو احتاجت إلى حمل ماء مثلا فلا يلزمها شئ. الشرط العاشر: إذا جاء أحد من تجار دينمارك بسلعة لمرسى من مراسينا وأنزلها بها وعشرت ثم إنه لم يظهر له فيها بيع وأراد رد السفينة ليذهب بها إلى بلد آخر، فإنه لا يلزمه شئ مرة ثانية، ويلزم قائد المرسى أن يعطيه خط يده أن السلعة المذكورة معشرة لئلا يذهب بها إلى مرسى أخرى من مراسى سيدنا أيده الله فيطالبون بالعشرة مرة أخرى، وكل ما أتوا به من آلات الحرب من إقامة سفن أو بارود أو غير ذلك لا يلزمهم عشر عليه، وإذا أتت سفينة من سفنهم بسلعة بقصد بلد آخر من غير إيالة سيدنا أيده الله ودخلت لمرسى من مراسى سيدنا أيده الله لأمر، فلا يلزمون بإنزال السلعة المذكورة فيها جبرا عليهم. الشرط الحادى عشر: إذا انكسرت سفينة من سفنهم بسواحل سيدنا أيده الله فهى وجميع من فيها

الشرط الثانى عشر

آمنون على أنفسهم وأموالهم يذهبون حيث شاءوا وإذا أحرثت واحتاجوا إلى إعانة فليأمر سيدنا عماله أن من وقع عنده مثل ذلك أعانوهم على إنقاذ سفينتهم إن أمكن، والسلعة التي تكون بالسفينة المذكورة لا عشر فيها إلا ما يباع منها ففيه العشر، وإذا أراد ربها رد سلعته لسفينته فلا يلزمه شئ في الخارج أيضا، ويعين سيدنا أيده الله لجنس دينمارك في كل مدينة موضعا لدفن موتاهم كغيرهم من أجناس النصارى ولا يمنعون من ذلك. الشرط الثانى عشر: إذا التقى قرصان من قراصين سيدنا أيده الله بسفينة بازركان لدينمارك فالعمل في إنزال الفلوكة لرؤية الباسبورط على الوجه المعقود عليه الصلح قبل هذا في شعبان من سنة 1166 مع لوتسوا الماركى. الشرط الثالث عشر: يأمر سيدنا أيده الله رؤساء سفنه الجهادية أن لا يخرج أحد منهم إلا بعد أخذ خط يد القونص المذكور والبنتتا لئلا يلتقوا بقرصان من قراصين دينمارك فيظنوا أنهم من غير إيالة سيدنا أيده الله، فيحصل العيب بينهم إن لم يظهر خط القونص المذكور مع البنتتا، وإذا التقت قراصين الجهتين فالعادة التي كانوا يفعلونها أو الأمارة التي كانوا يظهرونها لبعضهم بعضا لا ينقص منها شئ من الجانبين. الشرط الرابع عشر: إذا تخاصم مسلم مع ماركى فأمرهما يرفع لسيدنا نصره الله أو لحاكم البلد التي وقعت الخصومة فيه ليفصل بينهما ولكن بعد إحضار القونصو ليدافع عن جنسه بما أمكنه.

الشرط الخامس عشر

الشرط الخامس عشر: القونصو المذكور يسكن بِسَلاَ مُدةَّ ما أراد بالدار التي كان يسكن القونصو برزين ولا يخرجه أحد منها لمدينة غيرها، وله أن يجعل خلائفه في غيرها من مراسى سيدنا أيده الله، وما فعلوه فهو ماض، ولهم من التوقير والاحترام ماله، وكذلك لخدمتهم، وله أن يعزل منهم من شاء ويولى غيره من غير مانع له في ذلك، وداره ودار غيره من تجار دينمارك منذ قرون محترمون لا يتجاسر عليهم أحد، لأنهم في أمان الله، وأمان سيدنا أيده الله وخدمتهم ومتعلمونهم لا يكلفون بشئ من التكاليف المخزنية، وإذا تخاصم أحد من جنس دينمارك مع أحد آخر من جنسه فلا يفصل بينهم إلا القونصو، ولا مدخل لأحد فيهم أيا ما كان، وإذا مات أحد من دينمارك فلا مدخل لأحد في متاعه، وإنما يتصرف فيه القونصو أو نائبه بما شاء، وله أن يجعل بداره كنيسة لصلاتهم ولا يمنع من أراد الإتيان إليها من جنسهم، وكل ما جاءه في البحر من مأكول أو مشروب وملبوس لا يلزمه عليه عشر. السادس عشر: إذا هرب أسير من جنس دينمارك لسفينة سيدنا أيده الله أو هرب مسلم أيا كان لقرصان من قراصين دينمارك حيثما كان، فلا ينتزع منهما، لأن السنجاق حرم من الجانبين. السابع عشر: إذا قدر الله بنقض الصلح المذكور، فإن سيدنا أيده الله يؤجل من بإيالته من دينمارك ستة أشهر لجمع أثاثهم وأمتعتهم ويذهبون لبلادهم في أمن وأمان.

الثامن عشر

الثامن عشر: إذا وقع خلل في أحد الشروط المذكورة فلا ينقض الصلح بسببه، وإنما يرجع الأمر إلى أربابه من الجانبين ليصلحوا ما فسد منه، ولا تمد الأيدى لرعايا الدولتين إلا بعد إظهار الحق عيانا. التاسع عشر: إذا انبرم الصلح المذكور وانعقد عليه أن يدفع طاغية دينمارك لسيدنا أيده الله ما يذكر مفصلاً والتزم القونصو بأداء جميع ذلك لا يترك منه شيئًا والذى يدفعه عن كل سنة هو هذا: من مدافع المعدن اثنا عشر ... 12 وزن كورة كل واحد أربعة وعشرون رطلاً ... 24 ومنه أيضًا ثلاثة عشر ... 13 وزن كورة كل واحد ثمانية عشر رطلا ... 18 جملة المدافع خمسة وعشرون ... 25 ومن الكمنة عشرة ... 10 غلظ كل واحد ثلاثة عشر بلكاظة ... 13 ومنها أيضًا عشرة ... 10 غلظ كل واحدة ثلاث عشرة بلكاظة ... 13 ومنها أيضًا عشرة ... 10 غلظ كل واحد عشر بلكاظات ... 10 === جملة الكمن هذا ... 30

الشرط الموفى عشرون

ثم ألفان من اللوح الروبلى طوله مختلط من الذى تصنع سفن ستة وثلاثين وسفن أربعة وعشرين مدفعًا عرضه اثنتا عشرة بلكاظة، وغلظ ألف منه ثلاث بلكاظات، وغلظ الألف الأخر أربع بلكاظات، ثم من الريال زيادة على إقامة ستة آلاف وخمسمائة هكذا 6500. الشرط الموفى عشرون: إذا أراد طاغية دينمارك أن يدفع الإقامة المذكورة على الوصف المذكور فعلى بركة الله، وإن أراد أن يدفع على جميع ما ذكر من الإقامة والريال خمسًا وعشرين ريال بعينها دفعها الخيار له، ابتداء السنة التي يدفع ما ذكر عند انتهائها أول مايه الفارط قبل تاريخه من عام سبعة وستين وسبعمائة وألف، ما دام الصلح بين سيدنا أيده الله وبينهم لا ينقطع أبدًا. الشرط الحادى والعشرون: إذا وسق ما ذكر في سفنه وقدر الله عليها بآفة من آفات البحر فإن سيدنا أيده الله لا يضيع ولا يعرفه إلا مبلغًا إلى المكان الذى شاء، ولكن لا يلجئهم إلى دفع ما ذكر في العام نفسه، فما لم يدفع في العام دفع في الذى يليه، وعلى هذا انبرم الصلح وانعقد، وأبرأناهم من جميع الدعاوى الماضية سوى ما هو بخط القونصوا كرسطرب المذكور" انتهى. مع البرتغال كانت هذه الدولة بعد فتح الجديدة ونزعها من يدها سنة 1182 قد اقتدت بغيرها من الدول، فأوفدت سنة 1183 هدية للسلطان المترجم عظيمة، وبعثت رسلها يطلبون الهدنة والصلح، فأجابهم لذلك.

الشرط الأول

قال نجله المولى عبد السلام في درة السلوك: وكان عقد صلحهم على يدى بعد ما تحملوا بعشرين ألف ريال في كل سنة فعقد معهم هذه المعاهدة سنة 1187 ودونك نصها: "الحمد لله وحده، ولا حول ولا قوة إلى بالله العلى العظيم. أما بعد: فقد انعقدت المهادنة الكاملة والصلح التام، بين سيدنا الإمام، العلوى الهمام، مولى العباد، وحامى البلاد، رافع منار الشريعة النبوية، وناصب رايات الدينية. سيدنا ومولانا أمير المؤمنين. وبالطابع (محمد بن عبد الله ابن مولانا إسماعيل) نصره الله وأدام عزه، وخلد في صفحات المجد مآثره المثبتة وذكره، مالك بلاد المغربية بأجمعها والمتصرف في أقاليمها وبلادها مراكش وسوس وتافيلالت ودرعة وفاس ومكناسة وسلا وما عدّ من الإيالة ونسب إليها، وما جرى من المراسى والمدن على حكمها وسبلها وبين السلطان عظيم البرتغال وقويهم (دون جوزة الأول) ملك القريس وجميع لونكيست، وصاحب سفن ومتجر بلاد الحبشة وارابيا وبورسيا والهند وثمنى والباقى من إيالته بواسطة من ناب عنه في عقد المهادنة المذكورة وهو قونصو الجرال ابن بن نارد وسيمويس المثبت في مكان الباشدور المتوجه من قبل سلطان البرتغال، المتوفى بإيالة سيدنا نصره الله على شروط تذكر. الشرط الأول: وقعت المهادنة المذكورة فيما بين سيدنا نصره الله وبين ملك البرتقال على أن يدخل جميع من يريد الدخول إلى إيالة سيدنا نصره الله بقصد شراء ما احتاج إليه أو تجارة أو غير ذلك، وكذلك من كان من رعية السلطان المذكور له الدخول لإيالة ملك البرتكال، والخروج من غير أن يتعرض له معارض، ويتعاطى بها سائر أنواع التجارة وضرب المعاملة، وكذلك سائر مراكب سيدنا نصره الله الجهادية وسفنه لها

الشرط الثانى

الدخول والمقام بجميع مراسى سلطان البرتغال لقضاء ما تحتاج إليه، وما ألجأتها حوادث البحر لقضائه، وبجميع مراكب ملك البرتقال وسفنه مثل ذلك، في مراسى سيدنا نصره الله في الثانى عشر من رمضان عام 1187. الشرط الثانى: كل مركب من مراكب البرتقال ألجأه الدخول لبعض مراسى سيدنا نصره الله لقضاء ما اضطر إليه وأراد شراء ما احتاج إليه من قوته وجميع الأمور الضرورية التي افتقر إليها في نفسه له ابتياع ذلك بالسعر الذى هو مقرر للبيع في المرسى الذى دخل إليها، ولا يكلف بإعطاء شئ زائد على الثمن المعين بها، ولجميع سفن سيدنا نصره الله ومراكبه لهم قضاء ما يحتاجون له في جميع مراسى البرتقال. الشرط الثالث: إذا لقى مركب من مراكب البرتغال سفينة من سفن سيدنا نصره الله الجهادية في داخل بحر البرتغال، فإن كان مركب البرتقيز يعد للتجارة فمركب سيدنا يرسل فلوكته للمركب المذكور إن شاء ليطلع على ما بيده من أوراق البحر، لكون مركب البرتقيز عليه مشقة في الإتيان له لقلة بحريته، وإن كان المركب البرتقيزى معدًا للحرب فإنه هو الذى يبتدئ بالإرسال لمركب سيدنا نصره الله إن أراد الاطلاع على الأوراق المذكورة ويجرى ذلك على المنوال الذى عقده سيدنا مع الإصبنيول. الشرط الرابع: أن جميع مراكب سيدنا نصره الله الجهادية إذا لقى أحدهم مركبًا من مراكب ما عدا البرتقيز ممن ليس بينه وبين سيدنا نصره الله مهادنة، فمركب سيدنا لا يطارده ليأخذه إلا في حدود يجاوز عشر ليكوات في البحر من مراسى البرتغال،

الشرط الخامس

ومهما جاوز المركب الذى يريد أحد مراكب سيدنا أخذه الحد المذكور فلا يطالب بوجه من الوجوه لدخوله تحت حماية جنس البرتقيز المعاهدين، فإذا لقى مركب سيدنا أحد سفن البرتقيز يأخذ منه وثيقة مسجلة بخط رائس المركب البلوط ومن معه معتبرًا في المركب أنه لقيه في موضع كذا ويسمى الموضع الذى التقى به ليطلع سيدنا نصره الله عند رجوع مركبه المذكور. الشرط الخامس: إشارة بين مراكب سيدنا نصره الله وبين سفن سلطان البرتقال إذا لقى أحد مراكب سيدنا مركبًا من مراكب البرتقال وكان بينهم من البعد مقدار ما يتعارفون فيه قبل الملاقاة، يخرج مركب البرتقيز مدفعًا ليتحقق منه مركب سيدنا نصره الله أنه برتقيز فيجيبه مركب سيدنا بمدفع آخر بعد نشر سنجقه المعلوم لسفنه السعيدة، ثم يرمى البرتقيز بمدفع آخر علامة بأنه فهم الإشارة، ويذهب كل واحد منهما إلى أين شاء، ولا يؤمر أحدهما بإرسال فلوكته للآخر إلا إن أراد عن طيب نفسه، وبهذه الإشارة تميز سفن سيدنا عمن عداها من سفن المسلمين من أهل الجزائر وتونس وطرابلس الذين لم يكونوا في مهادنة مع سلطان البرتقال مخافة أن يخدع ببعض سفنهم ويظنها لسيدنا وتؤخذ بسبب الأمان. الشرط السادس: إذا أراد مركب من مراكب سيدنا نصره الله بعد جعل الإشارة المشار إليها أن يطلع على ما عند المركب البرتقيزى من أوراق البحر فيمكنه، لكن بعد أن يثبت بعيدًا مقدار ما تصل إليه كورة اثنى عشر رطلا ويرسل فلوكته مع اثنين من مركبه، ومن يلتجأ إليه لقذف الفلوكة في حال الذهاب والإياب، فيطلع الاثنان الموجهان من قبل الرايس على ما بيد المركب الذى لقى من باسبرط الذى بخط جنس

الشرط السابع

البرتقيز، وبعد ذلك يرجع الاثنان المذكور ومن معهما لمركبهما من دون إمهال، ولا يكلفان صاحب السفينة بفحص آخر ولا تفتيش في من معه في مركبه. الشرط السابع: إذا خالف مركب من مراكب سيدنا نصره الله أو غليوطة من غلائطه ما تضمنه الشرط الخامس والسادس في هذا السجل من الأمارات المشار إليها على مركب برتقيزى فالمركب المذكور يدافع عن نفسه برمى مدافعه ليبعد عنه المركب المذكور، مخافة أن يلتبس له بغيره فيحصل لمركب البرتقيز الضرر بسبب قربه منه فيقع في المحظور. الشرط الثامن: كل من دخل تحت سنجق سيدنا المعهود، لمراكبه الجهادية من المسلمين والنصارى وهو غير معاهد لسلطان البرتغال، وركب في مركب من مراكبه الشريفة فإنه يحترم بسبب دخوله فيها، فلا يصل إليه أحد من البرتقيز بوجه من الوجوه، وكذا من حمل في مركب من مراكب البرتقيز من الذين ليسوا في مهادنة مع سيدنا نصره الله فإنه يخلى سبيله ويترك حاله لدخوله تحت سنجق البرتقيز. الشرط التاسع: أن سيدنا نصره الله لا يرسل مراكبه الجهادية معينة لمن لم يدخل في مهادنة مع جنس البرتقيز من أهل الجزائر وتونس وطرابلس وغيرهم. الشرط العاشر: كل مركب هرب من جنس البرتقيز لمرسى من مراسى سيدنا أيده الله فارا ممن في طلبه، فلا يدع أهل مرسى سيدنا نصره الله ذلك المركب الطالب له أن يقحم عليه أو يضره بشئ لأجل دخوله في مرسى سيدنا نصره الله وتحييزه بها،

الشرط الحادى عشر

بل يحاموا عنه ويدافعوا بقدر الإمكان، ولسفن سيدنا نصره الله مثل ذلك على مراسى سلطان البرتقال. الشرط الحادى عشر: كل من جاء من مراكب البرتقيز فارا من عدوه أو قذف به البحر في ساحل من إيالة سيدنا نصره الله، فهو في حفظ وأمان من رعية سيدنا نصره الله، فلا يصل إليه أحد بضياع، ولا ينتهب منه شئ، بل يقدم له من يسعى في إنقاذه لكى يخلص من الخطر، ولا يكلف بإعطاء شئ عن أمتعته المستخلصة سوى أجر من قام بوظيف الخلاص بقدر عمله، وجمع ما خرج من مراكب سيدنا نصره بإيالة البرتقال يكون على هذا المنوال. الشرط الثانى عشر: إذا اتفقت ملاقات سفينة من سفائن البرتغال بإحدى مواسى سيدنا نصره الله مع بعض عدوها، وخشيت سفينة البرتقيز عند الخروج من أن تصل إليها الأخرى في الحال، فإن أهل مراسى سيدنا نصره الله يمنعون عدو البرتقيز من الخروج أربعة وعشرين ساعة بعد بروز سفينة البرتقيز من المرسى لتبعد عن الأخرى، وبهذا المنوال تعامل مراكب سيدنا نصره الله. الشرط الثالث عشر: كل من ورد من قبل ملك البرتغال يريد التجارة بإيالة سيدنا نصره الله والمقام بإحدى مراسيه يجاب لمراده، ويقر حيث شاء ويشترى كل ما لسائر التجار شراؤه من السلع من غير أن يلزمه شئ زائد على الثمن والصاكة المقررة بها، ثم له عند ذلك إرسال ما اشترى لمركبه أو إبقاؤه بداره، كما له أن يبيع ما جاء به مركبه من السلعة الواردة من بر النصارى بعد إعطاء الواجب بما شاء من الثمن أو يدعها بداره.

الشرط الرابع عشر

الشرط الرابع عشر: من جاء من البرتقيز طالبا شراء ما هو معهود البيع من السلع المختصة بإيالة سيدنا نصره الله، ولم يجده بالموضع الذى نزل به وأراد شراءه من أرض أخرى من الإيالة المذكورة، فلا يكلف بإعطاء شئ مما اشتراه سوى ما يلزمه من الصاكة كسائر التجار عند حمله له في مركبه وأجر من دله على الطريق أو حرسه أو قام معه بوظيف. الشرط الخامس عشر: القونصو أجرال الذى عينه سلطان البرتقال ليجلس بإيالة سيدنا نصره الله، له التصرف في دينه والقيام بأمر صلاته هو وأهل بيته وكافة خدمه وحشمه وجميع من يريد من أهل دينه استعمال الصلاة معه في داره، وله فصال ما يحدث بين جنس البرتقيز من الخصومات فيما بينهم من غير أن يدخل فصالهم أحد قضاة سيدنا نصره الله الذين بإيالته، إلا إن كان الخصام بين مسلم ونصرانى من الجنس المذكور فليتول الفصل قاضى حضرة سيدنا نصره الله بحضور حاكم البلد التي وقع بها النزاع بين المتحاكمين. الشرط السادس عشر: القونصو المذكور لا يلزم بوفاء دين أحد من البرتقيز إلا إذا ألزم نفسه بذلك بخط يده بوثيقة منه. الشرط السابع عشر: إذا مات أحد النصارى البرتقيز في إيالة سيدنا نصره الله فحوائجه وأمتعته تدفع للقونصو الجرال ليبعث بذلك لوارثه والأقربين لنفسه.

الشرط الثامن عشر

الشرط الثامن عشر: إذا أراد سيدنا نصره الله إبطال هذه المهادنة والصلح الواقع بينه وبين سلطان البرتغال فلا يحاربهم سيدنا نصره الله إلى بعد ستة أشهر من الإبطال، ليرحل من إيالته القونصو أجرال ومن معه من البرتقيز في هذه المدة المذكورة، وينقلون حوائجهم وأمتعتهم من غير أن يتعرض لهم في الأمر المشار إليه معارض من ولاة أمر سيدنا نصره الله. الشرط التاسع عشر: إذا حدث خلاف أو نقض شروط من هذه الشروط المرسومة في هذه المعاهدة بين رعية سيدنا نصره الله وبين رعية البرتغال، فلا ينقض الصلح المثبوت بين سيدنا أيده الله والجنس المذكور، بل يحفظ ما حدث ويرسم ليقع جبر الخاطر وإصلاح ما فسد. الشرط الموفى عشرون: هذه المعاهدة المرسومة بهذا السجل بين سيدنا نصره الله وسلطان البرتغال المذكور تمضى وتسجل في مدة ثلاثة أشهر، لكن يبتدر لحفظها ثلاثة أشهر بعد ذلك. الشرط الحادى والعشرون: أن جميع جنس البرتقيز من انبرام هذا الصلح والمهادنة لا يمكن بوجه أسره في مملكة سيدنا نصره الله ما دام الصلح واقعا ولا يقع بيعهم في مملكة سيدنا نصره الله ولا يشترون من أرض أخرى ويباعون في إيالته، وبهذا الشرط يعامل كل من هو في إيالة سيدنا نصره الله فلا يباع بأرضهم، كما أن من كان منهم مقبوض في إيالة سيدنا في بياع ولا يشترى في إيالة سيدنا نصره الله.

الشرط الثانى والعشرون

الشرط الثانى والعشرون: إذا وقع نقض لهذا الصلح من قبل سيدنا نصره الله أو من قبل سلطان البرتغال فأسارى المسلمين الذين يكونون بيد البرتقيز من إيالة سيدنا نصره الله بعد النقض المذكور لا يكون في حكم الأسرى، بل يضمحل عنهم اسم الاستيسار ولا يكلفون بعمل إلى أن يسرحوا، وكذلك ما استيسره سيدنا نصره الله من جنس البرتقيز فإنه يعامل بهذا الوجه، ويكون أسرهم كالمسجونين ولا يكلفون بعمل كذلك إلى أن يقع تسريحهم من قبل سيدنا نصره الله" انتهى.

مع الدولة العثمانية

مع الدولة العثمانية * * * كانت الروابط بين صاحب الترجمة والدولة العثمانية موصولة الأسباب، وثيقة الأَطناب، وطالما أعانها بالأموال الطائلة الوافرة، وأهدى من نفيس لسلاطينها الهدايا الفاخرة، ووجه لهم الوفود والسفراء، من الأعيان والكبراء، وقد اتصلت المودة بينه وبين السلطان مصطفى الثالث بن أحمد الرابع المتولى سنة 1171 إلى أن مات سنة 1186، وخلفه أخوه السلطان عبد الحميد الأول فسار معه المترجم على ما كان عليه مع أخيه من قبله، واتصلت بينهما المودة إلى أن مات سنة 1203 وتبعه المترجم في السنة بعدها. ففى سنة 1175 وجه للسلطان مصطفى المذكور بالأستانة العلية الحاج الخياط عديل سفيرًا بهدية ورسالة يهنئه بالملك، ويقرر أسباب المودة والإخاء في ذات الله، فكافاه على هديته مع رسوله بهدية من آلة الحرب والمدافع والمهاريس وآلة المراكب القرصانية. وفى سنة 1179 بعث إليه بكاتبيه الفقيهين السيد الطاهر بن عبد السلام السلوى والسيد الطاهر بنانى الرباطى سفيرين وأصحبهما هدية نفيسة فيها خيل عتاق بسروج مثقلة بالذهب مرصعة بالجوهر والياقوت ونفيس الأحجار، وفيها أسياف محلاة مرصعة بالياقوت المختلف الألوان، وفيها حلى من عمل المغرب وبنود منسوجة بالذهب من عمل فاس، فابتهج السلطان مصطفى بذلك، وكافأ عليه بمركب موسوق من آلة الحرب مدافع ومهاريس وبارود وإقامة كثيرة للمراكب القرصانية من كل ما تحتاج إليه. قال أبو عبد الله بن على الدكالى السلوى في إتحاف أشراف الملا، لما ذكر طبقة أدباء سلا:

ومنهم المحاضر الأديب ... الكاتب المبرز الأديب محمد الطاهر وهو ابن على ... ثم ابن عبد للسلام منجلى كان بعصر الملك المعظم ... منصور دولة العلاء الأفخم غدا جليسا كاتبا موجها ... إلى ملوك عصره منزها برع في العلم وفى الآداب ... وفى الدهاء بادى الإعجاب سافر عنه لبلاد الترك ... في عهد مصطفى الجميل النسك وحمل الهدية العظيمة ... ولم تزل معروفة فخيمة ما بين أفراس وحلى وتحف ... ونخب جلت وفاقت في الطرف وكان من أهم ماله قصد ... جلب المدافع وإحكام عدد مما به مصلحة الأسطول ... والعود بالخير وبالمأمول وأن يزال الحلى عن مصاحفا ... كانت لدى الحرام وقفا شرفا لما تعذر انتفاع الواقف ... بها وخيف من مآل التلف وأن يعاد جلدها جديدا ... ويحصل النفع ولا مزيدا وقيمة الحلى على الأشراف ... تفرق مع محاوج الأطراف فاعمل النظر مصطفى وحل ... بتركها بحالها وقفا كمل ثم اشترى مصاحفا بعدها ... ووقفت يتلى بها لنفعها وجعل الثواب للذى وقف ... أولها فأمنت من التلف وخاطب المولى بهذى المصلحة ... وأنها أعلى الآراء الناجحة تأدبا مع الرسول المصطفى ... وحفظ آثار الجدود الشرفا

ثمت عاد ثانيا سفيرا ... في عهد نجل مصطفى (¬1) ظهيرا لأجل أن يفتدو الأسارى ... من كل أقطار لدى النصارى بمائتى ألف من الريال ... مع ثلاثمائة من مال وشاء من عبد الحميد (1) أن يرا ... برأيه في فكها محررا فوجه التركى بسفن أربع ... لمالطة لأجل فصل المنزع فتم الافتدا بذاك المال ... وعظم الأجر بكل حال انافت الأسرى على العشرينا ... من الألوف عددا مبينا ذكره مؤرخ تركى ... (جودت) عثمانى به حرى وخاطب الصدر السفير هايرا ... أميرك القرض لنفع غزرا فقال ممكن له ما ترتضى ... وليس يعتاص كهذا الغرض وكان من أمر غزير السلف ... ما جل ذكره لعهد الخلف وكم لهذا الشيخ من سفارة ... عادت بربح القطر والعمارة حج وزار ورأى المعالما ... وقيد (الرحلة) فيما أبهما ثم إن المترجم وجه خديمه الرئيس عبد الكريم راغون التطوانى سفيرا سنة 1180 للسلطان مصطفى، وأصحبه كتابا يتضمن التعزية فيما أصاب الأسطول العثمانى من الروس وزوده بهدية نفسية للسلطان مكافأة له على هديته التي أرسلها مع بنانى وابن عبد السلام. ولما دخلت سنة إحدى وثمانين ورد الحاج عبد الكريم المذكور من سفارته عند السلطان المذكور ومعه هدية عظيمة أعظم من الأولى، تشتمل على مركب ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "الصواب أن عبد الحميد أخ لمصطفى".

موسوق بالمدافع والمهاريس النحاسية قامتها وإقامة المراكب القرصانية وغير ذلك من آلات البحر، ومعها بعثة حربية تركية تتركب من ثلاثين من مهرة المعلمين، فنزلوا بمرسى العرائش، ومنها توجهوا لمكناس حيث مثلوا بين يدى صاحب الترجمة فكان بينهم ما تقدم عند الكلام على اهتمامه بالأساطيل البحرية. ولما مات السلطان مصطفى المذكور وبويع لأخيه السلطان عبد الحميد سنة 1186، وجه له المترجم رسوله سفيرا بكتاب التهنية له بالملك وتجديد المودة، وهدية فيها طرف عظيمة من طرف المغرب وسارت معها أربع مراكب من المراكب المغربية. ثم وجه المترجم خديمه القائد علال الدراوى، والقائد قدور البرنوصى، والكاتب السيد محمد الحافى الذى كان توجه لفداء أسارى الأتراك من جزيرة مالطة، فأنكر أهلها الفداء وردوا المال، فوجه المترجم ذلك المال البالغ قدره مائتى ألف ريال وأربعة وسبعين ألف ريال مع المذكورين ليدفعوه للسلطان عبد الحميد ويقولوا له إن هذا المال أخرجه أمير المؤمنين لفكاك أسارى المسلمين، وحيث رده الكفار ولم يتيسر الفداء لا يرجع إلينا، فأنفقه في فداء الأسرى أو في الجهاد أو فيما يظهر لكم وكتب لهم بذلك كتابا للسلطان عبد الحميد، وذكر فيه حال حكام أهل الجزائر وما هم عليه من الجور والظلم لضعفاء العرب الذين كانت وفودهم تلوذ بصاحب الترجمة وتشكو إليه ما أصابها، فكان يكاتب أولئك الحكام (¬1) ويحضهم على العدل وينهاهم عن الظلم فلا يسمعون له كلاما بل يقابلون من يأتيهم بمكاتبه ورسائله بالعقوبة الفادحة، فلما أعياه أمرهم كتب بهم للسلطان المذكور مع هذه السفارة. ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "لعل هؤلاء الحكام هم المراد بالترك في استفتاء المترجم للشيخ الناودى المذكور في فتاويه فيما فعلوه مع بعض المسلمين ممن شملتهم ولايتهم لما حضروا مع المترجم حصار مليلية، فلما رجعوا إليهم أباحوا دماءهم.

ثم وجه بعد هذه السفارة عبد الكريم العونى أحد أعيان تطوان بهدية منها اثنا عشر قنطارا مع ملح البارود في أربعة مراكب، وكتاب آخر في شأن أهل الجزائر وضررهم بالمسلمين، فلما بلغ الدولة الكتاب أرسلت إلى حاكمى الجزائر وتونس تأمرهم بالتأدب مع المترجم وتنفيذ ما يكتب لهم به، وأن يفعلوا معه من أنواع الأدب ما يفعلونه مع السلطان عبد الحميد. ورجع مع العونى أحد كتاب الدولة إسماعيل أفندى سفيرا من السلطان عبد الحميد مصحوبا بهدية وكتاب، فوجه السلطان المترجم كبير الطبجية القائد الطاهر فنيش لمرافقته للرباط، وكان يوم استقبال السفير المذكور يوم العيد بعد إقامة سنة صلاته، فقرئ كتاب العثمانى في مشهد حفيل بجامع السنة، وكان فيه الاعتذار عن أهل الجزائر والإيصاء بهم وبأهل تونس. ثم بعث المترجم بعد ذلك كاتبيه السيد محمد بن عثمان والسيد محمد الموزيرق، وصهره مولاى عبد الملك بن إدريس بمكاتبة للسلطان عبد الحميد، ووجه معهم شيخ الركب النبوى الحاج عبد الكريم بن يحيى، ومن هناك أمرهم بالتوجه للحج مع أمين الصرة الشريفة. وكان خروجهم من حضرته وهو بالرباط في مهل محرم سنة 1250 بعدمه أصحبهم هداياه المالية لأشراف الحرمين وغيرهم، وقدرها ثلاثمائة ألف ريال وستون ألف ريال وأربعون ألفا من الضبلون والمنيضة والبندقى ما بين ذهب وفضة على عادته في كل سنة، وسار معهم إسماعيل أفندى السفير العثمانى الذى كان ورد على أبوابه قبل ذلك. وذكر الزيانى أنه أخر عن السفر معهم بعد ذلك إلى أن سار معه هو في سفارته ولما لم يتيسر لهم الركوب من تطوان لشدة هيجان البحر بعد أن أقاموا فيها أربعة أشهر ونصف، توجهوا لطنجة، ومنها كان ركوبهم بثانى رجب من السنة

بعد إقامتهم فيها نحو شهر ونصف في مركب إسبانى بعثه ملك الاسبان إجابة لرغبة المترجم ليقلهم إلى قرطاجنة. ومنها ركبوا في سفينة حربية كبيرة أرست بهم في سرقوسة بصقلية للتزود وأقيمت لهم على ظهره حفلة راقصة حضرها أهل المدينة وأعيانها بعد أن استدعوا السفارة مرارا للنزول لبلدهم فاعتذرت ثم تحركت بهم إلى القسطنطينية في رابع رمضان فوصلوها رابع شوال وأنزلوا فيها بدار خاصة، وترادفت عليهم أعيان الدرلة بالهدايا، وبعد خمسة أيام استدعاهم الوزير لمقابلته فساروا إليه في موكبهم لداره، ولما وصلوا قبته قام إليهم واستفهمهم عن حال السفر وما أصابهم من التعب وما يناسب المقام، وقدمت إليهم الأشربة والطيب والبخور، ثم خلعت عليهم خلع من أرفع الثياب يقال لها "لاكراك" وخلع على أصحابهم، ثم خرجوا من حضرة الوزير بعد ما دفعوا له الرسائل السلطانية على ما جرت به العادة مع تقديمها للوزير أولا لتترجم وتفهم، وساروا إلى خليفته المسمى بالكاهية، ففعل معهم مثل ما فعل رئيسه، ثم ساروا إلى الدفتدار ففعل كذلك ثم انقلبوا لمحل نزولهم. ثم بعد ذلك بعث لهم بالإعلام بوقت مقابلة السلطان، ولما كنت ليلة السابع والعشرين من الشهر أتى لمحل النزول جماعة من الناس مشاة وركبانا وأعلموهم بالتوجه للمقابلة، فركبوا عند مطلع الفجر الخيول وسار موكبهم تتقدمه خيول الركبان وتحف به المشاة إلى مسجد صلوا به الفجر، ولما وصلوا دار الوزير وقف السير عندها فخرج إليهم عند طلوع الشمس في موكبه، وأشار إليهم بالسلاح فردوا عليه بمثله، وتقدمهم إلى القصر السلطانى، فلما وصلوه دخل الوزير لمحله منه وجلسوا هم في الانتظار، ثم دعوا بعد ذلك إلى قبة، فلما قعدوا فيها خرج إليهم الوزير فأشار بالسلام فردوا عليه كذلك، وجلس وقعد عن بعيد من يساره قاضى العسكر وأخذ في مباشرة أشغاله الرسمية وتوقيعاته الوزيرية.

ولما فرغ من ذلك أتى بالغذاء فتناولوا منه على المائدة الوزيرية، ثم أخرجوا من حضرته إلى قبة أخرى وأحضرت لهم الخلع فألبسوها، ثم خرجوا من هناك إلى محل فقعدوا فيه هنيئة ثم دعوا إلى الدخول على السلطان، فدخلوا بابا قد اصطفت فيه الرجال، وتقدم إليهم رجال عينوا للدخول بهم فأمسك بثوب كل واحد منهم رجلان أحدهما عن اليمين والآخر عن اليسار، ثم دخلوا بابا آخر وقف فيه الحجاب، ثم دخلوا على قبة السلطان فوجدوه جالسا على مرتبة والوزير قائم عن يمينه فتكلم الوزير بالتركية كأنه يعلم السلطان بالوفد ومن أين أتى على العادة في ذلك، ثم قربت إلى السلطان الهدية التي جاءت بها السفارة فاستلمها رجل مسن، ودفعها للوزير يدفعها للسلطان. وبعد أن وقفوا أمامه مقدارا قليلا خرجوا من عنده على الهيئة الأولى وركبوا الخيل وأخذ أعيان الدولة يمرون عليهم كل في موكبه، ثم خرج الوزير فرجعوا بعده لمحل نزولهم وانفض بذلك الجمع الذى وقع لهذا الاقتبال الذى جاء غريبا في بابه لأن لقاء السفراء عندهم إنما يقع في الأعياد أو في يوم الديوان الذى يفرق فيه الراتب على العساكر. ولما كان وصول هذه السفارة قد تأخر عن سفر ركب الحجاج أقامت بالقسطنطينية بين معاهدها ومشاهدها في انتظار الموسم القابل، وفى الثانى والعشرين من رجب سنة 1201 استدعاهم الصدر الأعظم للوداع فتوجهوا إليه على الهيئة المتقدمة. فلما دخلوا عليه قام إليهم وقعدوا معه وتناولوا بعض الأشربة وأجرى ذكر الحرب الناشبة بين الدولة وبين الروس والنمسا وطلب منهم الدعاء للدولة بالنصر على أعدائها في المشاهد الكريمة من البقاع الطاهرة، ثم أحضرت لهم الخلع ولجميع أصحابهم وودعوه وساروا إلى خليفته ثم إلى الرئيس أفندى الذى هو

رئيس الكتاب، ثم انصرفوا للتأهب للسفر من الغد، وكان السلطان قد أعد لهم المحامل والخيام والبهائم لركوبهم وحمل أمتعتهم وأثقالهم اعتناء بأمرهم، فاخترقوا الأناضول والشام إلى دمشق فمكثوا بها ثمانية وثلاثين يوما، وخرجوا منها ليلة التاسع عشر من شوال. وذهبوا على طريق معان والعقبة للمدينة المنورة فزاروا ومنها لمكة فنزلوا بظاهرها في سابع ذى الحجة وأقاموا بها بعد أداء المناسك إلى السابع والعشرين من ذى الحجة، فرجعوا مع الركب الشامى للمدينة فدمشق، وخرجوا منها في تاسع ربيع الأول إلى عكا فأنزلهم صاحبها أحمد باشا الجزار في أحسن حال، وأقاموا فيها تسعة أيام عينوا فيها المركب الذى يحملهم في البحر، وتركوه يستعد وذهبوا للقدس والخليل وفى السابع والعشرين من ربيع الثانى ركبوا البحر وأرست بهم السفينة بقبرص نحو العشرة أيام، ثم سارت بهم لتونس حيث أنزلهم أميرها وتقدموا للجزائر فالمغرب برا، وكان دخولهم لفاس آخر شعبان سنة 1202. ولما سمع المترجم بورود السفارة بعث إليها أن تخرج إليه، فكان اللقاء بمخيمه من وادى العطشان بين فاس ومكناس. قال ابن عثمان: فتبركنا بحضرته، والتمتع برؤيته، وختمنا أعمالنا بمشاهدة أنوار طلعته، ولله الحمد، ثم تعاطينا معه أكرمه الله وأعزه أخبار الحرمين الشريفين والمشرق والشام والقسطنطينية وغيرها من البلدان التي رأيناها ومررنا بها. لخ. وقد فصل ابن عثمان أخبار هذه الوجهة وبين مراحلها بالساعات في رحلته الثالثة المسماة بـ (إحرار المعلى والرقيب، في حج بيت الله الحرام وزيارة القدس الشريف والتبرك بقبر الحبيب) وكان جمعه لها بأمر المترجم له عند سفره حسبما أشار لذلك صدرها.

وفى سنة 1200 أرسل السلطان المترجم كاتبه أبا القاسم الزيانى سفيرا للأستانة بهدية عظيمة للسلطان عبد الحميد، من جملتها أحمال من سبائك الذهب الخالص مثل بارات الجديد وأربعة آلاف قنطار من النحاس فأقام هناك مائة يوم في رعاية وإكرام إلى أن قضى الغرض وقابل السلطان، واشترى الكتب التي أوصاه المترجم بشرائها ووجد سفارة الكاتبين قبله لازالت هناك في انتظار موسم الحج من العام القابل. ولما أراد الرجوع وجه معه السلطان وبلغه مكاتب السلطان عبد الحميد وهديته وقص عليه خبر سفارته وما قال وما قيل له وأنهم أبدوا له رغبتهم في السلف من المترجم، فأمر بتوجيه إعانة للدولة على الجهاد وقدرها ستمائة ألف ريال وخمسين ألف ريال سبائك ذهبية جعلها في صناديق، وختم عليها ووجهها على يد ملك إسبانيا فملك فرنسا وهو يبلغها للسلطان عبد الحميد. فجاء الجواب ببلوغ المال في ستين يوما، وكان قد جاء كاتب آخر وجهوه بعد الذى ورد مع الزيانى، فبعث لهما المترجم الجواب المذكور، فتعجبا من علو همته وحسن مسارعته لأعمال الخير والبر، ثم كتب لهما الجواب وأرجعهما مكرمين. وكان قصده رحمه الله بإرسال تلك الإعانة على الوجه المذكور الفخر على الملوك وإظهار الغنى وكمال الثروة للدول، وقد بين الزيانى سفارته هذه في كتابه الترجمانة الكبرى، الجامعة لأخبار المعمور برا وبحرا. وفى سنة 1202 ورد عليه سفير السلطان عبد الحميد خان المذكور وهو كاتب ديوانه أحمد أفندى في جملة من أعيان القسطنطينية مصحوبا بهدية فاخرة منها سفر واحد مشتمل على صحيحى البخارى، ومسلم، والموطأ، والمسانيد

الستة، والشمائل، وعمل اليوم والليلة. قال في درة السلوك: والسفر الجامع لما ذكر غير كبير الجرم، ومنها سروج ثلاثة مرصعة بالجواهر، وصينية ذهبا وكئوس عشرة من الذهب أيضا وبراد ذهبا، كذلك الجميع مرصع بالجواهر واليواقيت والألماس، وجبنيتان مرصعتان بالألماس وراية عظيمة من الحرير الأخضر مكتوب عليها بالذهب الأحمر آيات قرآنية، وتخوت وثياب من عمل الهند وحلب، منسوج بالذهب، ومصحف كريم محلى بالذهب مرصع بالجوهر، وأقواس للرمى محلاة بالذهب مرصعات بالجوهر، وبسط أرمنية بمخائدها وسجاداتها. وفى سنة 1203 أرسل السلطان المترجم صاحبه القائد محمد الزوين ولد القائد عبد الله الرحمانى وأخ روجه السيدة البتول الرحمانية سفيرا للسلطان عبد الحميد مصحوبا ببعض الأسارى الذين أنقذوا مما كانوا فيه، وهدية من جملتها ثلاثون وصيفا من الأرقاء وفرصان من عتاق الصافنات الجياد، وسرجان مزركشان بالذهب مرصعان بأنفس الجواهر، وسفن أربع عدة رجالها نحو أربعمائة رجل بين رؤساء وبحرية وطبجية، وكان رؤساء تلك السفن الذين ذهبوا بها الرئيس على الصابونجى السلوى والرئيس قدور شايب عينو الرباطى والرئيس عبد الله العمرى السلوى والرئيس محمد العنقى (¬1) الرباطى التركى الأصل حسبما وجدت أسماؤهم بخط كاتب الديوان الجهادى بسلا في ذلك العهد، سيدى عبد القادر الجعيدى، وإليك نص الكتاب الذى توجه به السفير المذكور: "المقام المتوج بتاج العز والعناية والسيادة، والمحلى بحلية الفضل والمجادة، البالغ في أفعال الخير حد النهاية، والكوكب الطالع في برج اليمن والسعادة، معدن السادات الأخيار، الأجلاء المجاهدين لأعداء الله الكفار، من جعلهم الله ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "بالرباط قرب السوق من ناحية المسجد الأعظم يسمى إلى الآن بدرب العنقى".

حماة للإسلام، وأنام سبحانه في ظلهم جميع الأنام، سلطان البرين، وخاقان البحرين، وخديم الحرمين الشريفين، السلطان بن السلطان عبد الحميد خان بن أحمد خان جعل الله أيامهم السعيدة كلها محمودة، ومآثرهم الكريمة شهيرة مشهودة، سلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته وتحياته ورضوانه. أما بعد فيصل حضرة أخينا المنصور بالله، صحبة خديمنا القائد محمد بن عبد الله، خمسمائة أسير وستة وثلاثون أسيرا منَّ الله تبارك وتعالى عليهم وأنقذهم من الأسر والحمد لله الذى من علينا بإنقاذ إخواننا المسلمين من يد الكفرة، كما يصل حضرة أخينا العلية بالله أربعة مراكب من مراكبنا الجهادية هدية منا إليك، ونطلب من الله النصر والتمكين، والفتح المبين، لنا ولكم ولسائر المسلمين، وأن تكون عساكر المسلمين أعزة منصورة، وأعداء الله الكفرة أذلة مقهورة، والسلام في أوائل شعبان عام 1203". ومن إعانة المترجم للدولة العثمانية ما وجهه لها مع القائد مبارك بن هماد، والأمين الحاج عبد الله الشرايبى وهو ستمائة ألف ريال، وما بعثه مع القائد الطاهر فنيش وهو أربعة آلاف برميل من البارود في كل واحد منها قنطار، ووجه معه مرة أخرى أربعة مراكب قرصانية. وبعث للسلطان عبد الحميد مرة ثلاث سفن جهادية بإقامتها، واثنى عشر مائة قنطار من البارود الرومى، وأربعة آلاف قنطار من ملح البارود المغربية بعد تصفيتها، واثنى عشر مائة قنطار من النحاس، وثلاثمائة ألف دينار وخمس عشرة وصيفة من قصر الخلافة كلهن ماهرات في الطبخ، ومصحفا كريما محلى بالذهب مرصعا بالألماس يساوى مائة ألف دينار، وسرجين، وجبنيتين، الجميع مكلل بالدر والياقوت، وعشرين مدفعا من المدافع الكبار النحاسية، وعشرة من الخيل العتاق العراب التي لا يوجد في دول العجم مثلها.

علائقه مع إسبانيا

علائقه مع إسبانيا كان سبب نشوء العلائق بين المترجم ودولة إسبانيا وجود أسارى المسلمين في بلادها، وقد علمت رغبته رحمه الله في افتدائهم من أى بلاد كانوا، وتقرر أمرها واشتهر، فاتفق أن وردت إليه عدة رسائل من أولئك الأسارى وفيهم بعض الطلبة وعلماء الدين يعلمونه بما هم فيه من الشدة والضيق، فلما اتصل بها تمكنت منه ضراعتهم فأمر لهم بصلة حسنة، حسبما هى عادته معهم في كل سنة. وكتب في الحال لملك الأسبان (كارلوس الثالث) يقول له: إننا في ديننا لا يسعنا إهمال الأسارى وإبقاؤهم في قيد الأسر، ولا حجة للتغافل عنهم ممن ولاه الله التصرف والأمر، وفيما نظن أن في دينكم لا يسوغ لكم ترك أساراكم في الأسر مع الإمكان والاستطاعة ووجود ما يفتدون به من أسارى المسلمين واتساع البضاعة، فما للتغافل من الجهتين وجه يعتبر، ولا أمر ينتظر، والحرب سجال، في المبارزة والنزال. ومسألة هى من أعظم هذا كله، هى إغفالكم عن البحث في أسارى المسلمين حتى يتبين لكم العالم بعلمه، والجاهل بجهله، ثم تجعلون لأهل حرمة ومكانة، وعزة وصيانة، بحيث تجعلون لهم كعلامة يميزون بها عن الغير، حتى لا يقع أحد فيهم بشتم ولا بهضم حرمة في مقامهم والسير، مثل ما نفعله نحن بأساراكم من الفرايلية، إن قدر الله بأسرهم لا نكلفهم بخدمة، ولا نخفر لهم ذمة، فعلام تحترمون الرؤساء من الأسارى؛ ولا تعبئون بحامل كتاب الله، على أنهم أفضل منهم عند الله، ومطلق أساراكم لا نحملهم ما لا يطيقون، ولا نلزمهم ما لا عليه يقدرون، نترك مريضهم لمرضه، ونسمع ضراعتهم وننصت لما يقولون، فتأمل ذلك في نفسك، واعمل بمقتضاه وأمر به أبناء جنسك.

فلما وصل هذا الكتاب للملك سر به وأمر في الحين بإطلاق الأسارى الذين بحضرته وبعث بهم للمترجم، وأخذ يبحث عمن بقى من أسارى المغرب متفرقا في بلاده، وأجاب بتلطف وتودد وتحبب ورغب في المهادنة مثل ما وقع لمن تقدمه من الدول. فلما وصل كتابه للمترجم بذلك وقع منه موقعا حسنا، وأمر على الفور بمقابلة الجميل بمثله، فأطلق لملك الأسبان سراح جميع الأسارى الإسبان، وقدم له اثنين من رجال الدين عندهم كانا أسيرين منذ مدة، وبعث له بعدة من الأسود هدية، وكتب له كتابا بذلك ووعده بالمهادنة وسراح أسارى من غير جنسه، لتكون له بذلك مزية على غيره من الدول، وإشارة لما ينبغى من عدم التفرقة بين أسارى المغرب وأسارى غيره من بلاد الإسلام. ووجه الجميع على يد حاكم سبتة، فلما وصل ذلك للملك سر بذلك كل السرور وشمر عن ساعد الجد، وهيا هدية بالغ فيها غاية الجهد، وبعثها مع كبير الرهبان وبعض الضباط، وأصحبهم كتابه مع السفن لحمل الأسارى الذين سرحوا، والفرقة الموعود بها وطلب من المترجم أن يبعث له ببعض رجال دولته لتكمل بذلك المواصلة ويشتهر أمرها، فأسعفه بذلك وبعث إليه خاليه عمارة بن موسى الأودى، ومحمد بن ناصر الأودى، وأحد كتابه أبا العباس أحمد الغزال، ووجه معهم عدة من الإبل وعتاق الخيل، هدية للملك لما له في ذلك من المحبة والميل. ولما حان وقت التشييع لقن الكاتب المذكور ما يكون عليه عمله، وأوصاه بتفقد حال بقية الأسارى واختبار أمورهم، وأعطاه صلة أنعم بها عليهم، وأمره أن يحصى كل واحد باسمه ولقبه، واسم رئيسه ومركبه، وتمييز الحامل لكتاب الله من غيره ومواعدة الجميع بخير، وأمره بتقييد ما يلقى في رحلته، ووصف ما يرى في وجهته، وأحضر سفراء الملك ودفع لهم الأسارى الطاعنين في السن من غير

جنسهم، وخرج الجميع من مكناسة لطنجة، ومنها كان ركوبهم لإسبانيا، ودخلوا في طريقهم لسبتة منتصف ذى الحجة سنة 1179، وأطلقت لأجل حلولهم بها المدافع، وتلقوا فيها بكل ترحيب، وأقاموا فيها ستة أيام، في رعاية وإكرام. وطلب منهم حاكم المدينة أن يكلموا له المجاهدين المرابطين على أبواب سبتة وحدودها ليتركوا مواشى المدينة ترعى قرب رباطهم بقليل، فأجيب إلى ذلك. وفى الواحد والعشرين من ذى الحجة ركبت السفارة منها البحر للجزيرة الخضراء، وشيعت بالمدافع كما تلقيت بمثل ذلك في الجزيرة، وأقيمت فيها حفلة رقص تكريما لها، حضرها حاكم المدينة وغيره، ومن الغد اتصل الحاكم بكتاب ملكه يخبره أنه بعث خمس مراكب لمرسى سبتة لعبور السفارة عليها، وأمره إذا كانت قد عبرت قبل وصول الكتاب أن يبقيها في ضيافته ثلاثة أيام حتى تجئ الخيل التي بعثها للسفارة، فإذا مرت الأيام دون مجيئها فليبعثها مع ثلانين فارسا مما عنده. ومن الجزيرة ساروا لمدينة طريف فدخلوها في ازدحام عظيم واحتفال كبير كما خرجوا منها في مثل ذلك إلى مدينة (حراثة) حيث التقوا بالخيل المبعوثة من الملك مع الفسيان المكلف بمصاحبتهم، وقد ذكر لهم اعتناء الملك بهم وتشوفه لملاقاتهم، وأقيمت للسفارة في هذه المدينة حفلة رقص وشاهدت مصارعة الثيران، المعروفة عن الإسبان، ثم ساروا لمدينة (حريز) ومنها لـ (الابريخة) فـ (بلاصيوص وبلا فرنكة) فإشبيلية، حيث نزلوا منها بقصر فخم للملك وشاهدوا جامعها الأعظم ومصنع المدافع والمدرسة البحرية، ومنها ساروا لمدينة قرطبة على طريق قرمونة (فالفوينصى) فـ (أيسخا) فـ (الراملة) فزاروا جامعها الشهير ورأى فيه الغزال لوحتين كتبت فيهما البسملة والصلاة على النبى - صلى الله عليه وسلم - موضوعتين بعتبة بعض

الأماكن المخصصة لسكنى الرهبان، فاقترح عليهم رفعهما لأعلى سور المسجد تكرمة لما فيهما، فأجابوه لذلك بعد أن راجوا وماجوا واعتذروا، ثم ساروا منها يخترقون البلاد إلى عاصمة مدريد، ومنذ خرجوا من قرطبة ورسل الملك تتردد عليهم بالترحيب والسلام من قبله، ثم يرجعون إليه. ولما دنوا من مدريد وكان هو في بعض ضواحيها أرسل إليهم أحد أعيان رجاله مصاحبا لكتابه مضمنه التهنئة بالقدوم وأمر الفسيان المكلف بمرافقتهم بالذهاب بهم إلى مدريد، كما أمر بالاستعداد لدخولهم إليها، وأن يكون اليوم مشهودا، وأن يذهب بهم إلى أماكن خاصة ليروها، وقد كانت السفارة تقابل في المدن التي مرت عليها في طريقها لمدريد بالحفاوة العظيمة ويحتشد الناس لرؤيتها من أطراف البلاد وتحيا بالمدافع والموسيقى والسواريخ، وتذهب في خفارة الجنود المصلتة السيوف إلى الدور المعدة لنزولها، وتقام لها حفلات الاقتبال والرقص والغناء لأعيان المدينة، وتدعى للحفلات والمشاهد. ولما وصوا لمدريد نزلوا فيها بالقصر المخصص لنزولهم، وهو قصر بديع بناه فيليب الرابع، ولم تزل أعيان الدولة الاسبانية تتوارد إليهم بقصد السلام والترحيب حتى إنهم لم يجدوا استراحة مقدار لحظة، ثم ورد خبر موت أم الملك فأعلن الحداد عليها في البلاط الملوكى وتأخرت بسبب ذلك مقابلة الملك حسبما أفصح بذلك وزيره في رسائله للسفارة، وقد أقاموا بمدريد ما يزيد على الشهر بأيام قلائل، زاروا في أثنائه بعض مشاهدها ومنتزهاتها وقصورها. وكان الجمهور الإسباني يجتمع كل عشية حول القصر الذى نزلوا فيه رغبة في مشاهدتهم فكانوا يشرفون عليهم مشيرين إليهم بالتحية فيضجون بالدعاء للسلطان المترجم ويتفرقون مسرورين، ثم يجتمع مثل ذلك في الغد، وهكذا وفى مدريد تقدمت إليهم شكوى من أربع وعشرين من أسارى المسلمين فوجهت لهم بالمستشفى صلة ووعدوا خيرا.

ثم بعث لهم الملك بأكداش ليركبوها ويذهبوا إليه للمدينة التي هو بها، فخرجوا من مدريد عاشر ربيع الأول سنة 1180 ومروا على الطريق الجارى العمل بتمهيدها قرب قرية (ورامة)، وكان أسارى المسلمين يعملون هناك في شق الجبال وهد الشواهق بالبارود، وكانوا يصابون في ذلك ولم يتيسر للسفارة لقاءهم لأنها كانت تسرى ليلا فلم تشعر إلا وقد جاوزت محل قرارهم الذى واعدتهم باللقاء عنده، فكتبت لهم إنها ستلاقيهم عند الأوبة. ولما أشرفوا على (لا كرنخة) مقر الملك ومصيفه خرج لاستقبالهم أعيان الدولة ووزراؤها مرحبين مهنئين بالنيابة عن ملكهم، وقدموا لهم أكداشا ركبوها، وساروا في جمع عظيم إلى محل النزول، ومن الغد استدعاهم الوزير لمحله فذهبوا إليه، وجرى بينهم الحديث في علائق الدولتين ومحبة الملك للسلطان وأنه مسرور من إيصاء السلطان على الإسبان، الواردين على المراسى المغربية بالإحسان، ثم أخبرهم بأن لقاء الملك يكون من الغد. وفى الغد أتاهم الوزير بكدش يركبه الملك، وأخبرهم أنه يريد رؤيتهم، فركبوا إليه والتقى بهم عند الباب خلق كثير من رجال الحكومة وسفراء سائر الدول وغيرهم من الخاصة والعامة مسلمين بعكس الرءوس ونزع غطاءها، ولما دخلوا على الملك وجدوه قائما وعن يمينه الراهب الملازم له وعن يساره أربعة من الوزراء، فلما دنوا نزع ما على رأسه وطأطأه شيئا ما، وبعد السلام هناهم بالسلامة وسألهم عن تعب الطريق وعما لقوا في المدن التي مروا عليها، فأجابه الغزال بما يناسب، وأنهم لقوا في المدن المبرة والإكرام، وأن الكتب بذلك سارت للسلطان، وتحققت عنده محبتكم ثم أخذ يسألهم عن السلطان، وكما ذكره نزع ما على رأسه فأجابه إنه بخير، وإنك عنده بمنزلة لم تكن لغيرك من الملوك المصالحين مراعاة لما صدر منكم في قضية الأسارى.

وكان لا يزال واقفا وقد طال وقوفه بما يزيد على ربع ساعة فاستأذنه الغزال بواسطة الترجمان في الانصراف إشفاقا عليه من طول الوقوف طالبا منه المسامحة على ما يحصل له من التعب الناشئ عن اقتباله لهم الموجب لوقوفه، ذاكرًا أن نفوس الولاة ليست كنفوس الناس، فانشرح لهذا الخطاب وجعل يضحك وينظر للأعيان الحاضرين متعجبا وشكره على كلامه، ثم طلب منه الإذن لوزيره في المفاوضة معهم في أمور منها ما أمرهم به السلطان، ومنها ما اقتضاه الحال، فأجابه إلى ذلك، وأمر وزيره بتعاهدهم ومباشرة أمورهم، وفوض له في ذلك، ثم انصرفوا عنه وقد أوصى أعيان دولته بكثرة التردد على السفارة صباح مساء، وكتب السفراء لدولهم يصفون حالة هذا الاقتبال الذى بهتوا له ولم يحصل لأحد مثله. ومن الغد ذهبوا للسلام على الأمراء أولاد الملك الأربعة وأختهم بأمر من الملك، حيث طلبوا منه ذلك، ثم ساروا إلى أخ الملك لزيارته فتلقاهم بالرحب والسعة وأراهم بعض النفائس التي عنده، ثم انصرفوا من عنده، وفى آخر اليوم استدعاهم الملك لزيارة حدائق قصره ومشاهدة ما أعد فيه مما صنعه المهندسون في جريان المياه على صفة غريبة، وكانوا ينتزهون بتلك الحدائق كثيرا بأمر الملك، كلما ذهبوا إليها تلقاهم أخوه وأولاده وبنته بالبشاشة والترحيب، كما أمر أن يروا معمل الزجاج والبلور. ثم جاء للسفارة إعلام بلقاء الملك خارج المدينة صحبة الهدية السلطانية، فلما كان الوقت صارت للمحل فوجدت القوم قد اصطفوا هناك وتلقاها الوزراء الأربعة، ثم لم تلبث إلا والملك مقبل هو وأخوه في كدش تتبعه أكداش أخرى حاملة أولاده، فنزل من كدشية وأخذ بيد الغزال وهش وبش، وقال: إن هذا اليوم عنده أعظم عيد، وقدم إليهم اثنين من أولاده الصغار فنزعا قبعتهما وأعلنا بالدعاء للسلطان وبالحياة للسفير، فضمهما الغزال إليه فرحا بهما، ثم قدمت إليه الخيل

فجعل يمسح على كفل كل فرس ثم يستره بجلاله ويقبله بين عينيه، وقال إن هذه الخيل أريد أن تنسل منها خيلا حرائر، وكلذلك الجمال سر بها سرورا عظيما. ولما حان الانصراف أمر بإحضار الكدش الذى يركبه الغزال، فقدم إليه ثم أراد من الغزال أن يركبه قبل ركوبه هو زيادة في الاعتناء والإكبار، فامتنع الغزال من ذلك فحتم عليه، ففعل بمرأى من جماعة سفراء الدول الذين كتبوا بذلك لدولهم. ثم أراد الملك أن يبعثهم لمدريد لأن هواء المدينة لم يوافقهم ومنها يكون انصرافهم بعد صحبة سفيره الذى يريد إرساله للسلطان مع هديته، فأرسل وزيره إليهم يخبرهم بذلك، ولكن الغزال ذكر لهم أن السفارة مأمورة بالذهاب لقرطجنة لملاقاة الأسرى والنظر في شئونهم وتفريق المال عليهم، وكذلك ستذهب لغرناطة ومالقة وقالص لاستصحاب العالم الأسير بها، وفى مدة ذلك يتمون هم أغراضهم وأعلن مع ذلك استعداده لقبول رأيهم فوقع العمل برأيه. ثم أخذ يكلم الوزير في المطلب التي جاء بها، منها تسريح الأسارى الطاعنين في السن والبصراء والمصابين بفقد بعض أعضائهم ومن في معناهم من أى بلاد كانوا ثم ما قد تجده السفارة من أسارى المغرب عند استعراض جميعهم واستيعاب أسمائهم وألقابهم، ثم إطلاق رجلين من الجزائر أحدهما طالب علم وهو الفقيه السيد مصطفى بن على البابادغى، والآخر ذو مروة. وقد كتب للسلطان طالبا منه إنقاذه من الأسر، ثم أمور اشتكى منها الكثير من الأسارى، منها أنه إذا مات أحدهم يتولى دفنه إخوانه ومتروكه لهم وألا يولى عليهم أحد من المتنصرة حال الخدمة لأنهم أضر عليهم من مطلق النصارى، وأن لا يمنعوا من كتب رسائلهم بالعربية، وأن يرفق بهم في الخدمة ولا يكلفون ما لا

يطيقون، وأن يعالج مريضهم بالمستشفى كغيره، وأن لا يلزموا بالعمل وقت صلاتهم، وأن لا يهملوا فيما لابد منه من الكسوة والمأكول. وذكر للوزير أن هذه الأمور لا تكبر على الملك، ولا يأمر بخلافها ولكن المكلفون بهم يجحفون بها ويؤذونهم، فوافق الوزير على جميع ذلك وأمضى عليه بعد إعلام ملكه به، وفى الحال أمر لجميعهم بالكسوة وأوصى بالرفق بهم. وسأل الوزير نيابة عن ملكه هل لكم من حاجة أخرى نفور بقضائها، فشكروه على تحقيق أملهم في شأن الأسرى وأنهم لم يبق لهم إلا ما وعد به الملك على لسان الراهب الملازم له من كتب الإسلام، وتمييز حملة القرآن من الأسرى بعلامة يعرفون بها. ثم ذهبوا لمدينة (شغوبية) لرؤية الرؤساء الأربعة عشر الأسرى المسجونين بها إجابة لطلبهم، فأنسوا غربتهم وواعدهم خيرا، وبقوا معهم، من الصباح للعصر، وأحضر الغزال المكلف بهم وأوصى بهم وواعده بقضاء غرض له عند الوزير في مقابلة ذلك، ولما أرادوا الرجوع لـ (الاكرانخة) وجدوا بباب مدينة (شغوبية) تمرينا على الرمى بالمدافع أقيم لهم هناك، وبعد أربعة أيام من ذلك خرجوا من (الاكرانخة) للاسكوريال بعد الوداع، ومنها لمدريد. وفى أثناء الطريق التقوا بالأسارى فأنسوهم وواعدوهم، ودفعوا لهم الصلة السلطانية الجارية عليهم عادة كل سنة، ووجدوا الكثير منهم مثقلا بالسلاسل لتكرار فرارهم، فكتب الغزال للملك متشفعا في إزالة قيودهم وراغبا في إطلاق رجل أعماه البارود فأجابه إلى ذلك، وكان عدد أولئك الأسرى العاملين في الطريق التي بين المدينتين مائتى أسير وأربعة، وكانوا ثلاثمائة فر بعضهم ومات الآخر، وجلهم من الجزائر وبعضهم أتراك ولما دخلوا مدريد توجهوا للمستشفى لزيارة بعض الأسرى المرضى المعالجين به وإعطائهم صلتهم وإيصاء كبير المستشفى

عليهم بزيارة الاعتناء بهم، ومكثوا في هذه المرة ما يقرب من الشهر في انتظار ما وعدوا به من كتب الإسلام التي كانت بمدريد، ثم أضافوا لها كتبا أخرى من غرناطة ثم أخرى بعثت لهم لقالص. وفى الثامن والعشرين من جمادى الأول بارحوا مدريد إلى (ارخويس) إحدى مصايف الملك، فمكثوا بها يومين، وراروا القصر الملوكى، ثم ساروا إلى طليطلة فزاروا مسجدها الأعظم، وركب الغزال مع الحاكم للطواف على الآثار الإسلامية بها، ومكثوا هناك ثلاثة أيام ثم ساروا متنقلين في القرى والبلاد إلى قرطاجنة، فلما أشرفوا برز للقائهم جماعة من المسلمين رجالا ونساء وصبيانا معلنين بالهيللة ثم يتبعونها بالدعاء للسلطان ولهم ضجة، وكانوا مسرحين وحكمهم حكم الأسير لا يستطيعون الخروج من البلاد إلا بعد أداء ما أوجبوه عليهم وواعدوهم وبشروهم بأداء ما يطلبون به وحملهم لبلادهم، فأخذت نساؤهم في الزغاريت وصبيانهم يرقصون والرجال يشكرون الله ويدعون للسلطان الذى أنقذهم. وقد خرج للقائهم حاكم المدينة وأمراء البحر وغيرهم ودخلوا على العادة في ازدحام عظيم، ثم بعد ذلك ذهبوا لرؤية الأسرى بحضرة المكلف بهم فتلقوهم بالإعلان بالشهادة والدعاء للسلطان، وأخبروهم بما أتوا لأجله، وجعل الغزال يكتب اسم كل واحد ولقبه والشيوخ الذين يقع الاختلاف في قوتهم طلب الغزال أن يحكم فيهم الأطباء، فأحضروا فكان المسرحون من الشيوخ اثنين وستين نسمة، ومن أهل المغرب أربعين وجدت أسماؤهم مكتوبة على أنهم مغاربة، ثم ألحق بهم عند الاستعراض واحد وعشرون ثبتت مغربيتهم، والمنتسبون الذين لم تثبت نسبتهم أخروا للاستفسار.

ثم بعد ذلك فرقت عليهم الأموال المنعم بها عليهم، ثم أخذت السفارة في مخاطبة الحاكم في الأسرى المرهونين في الأداء فأحضرت رسوم فكاكهم فوجدت صحيحة، فأدت السفارة عنهم الواجب وكان بينهم امرأة لها بنتان وأبوهما لا يزال أسيرا ففدى منه. ثم أخذ الغزال يبحث عن الأسرى الذين بيد أفراد الناس ليعطيهم صلتهم، فكان من جملتهم بنت من ناحية تلمسان قد بلغت الحلم يملكها جيار منعها من الذهاب للسفارة حتى سمع أن ذلك إنما هو لأخذ الصلة، فلما جاءت أخذت تبكى وتطلب العتق وذكرت أنهم يريدون بيعها ببلدة بعيدة، وأن ربتها تدعوها لدينها، وأنها لا تريد بالإسلام بديلا، فوقع فداؤها بعد توسط الحاكم عند مالكها الذى علق ذلك على مشورة زوجه، وهذه أجابت لذلك بعد المشقة الفادحة، فأضيفت للنساء وأجريت عليها النفقة. كما وقع إنقاذ أسيرين آخرين، أحدهما كان عند "الضون اسدر كم صلص" التاجر الجميل الأخلاق الذى أنزلت بداره السفارة في إكرام بقرطجنة، وكان يريد أن يفتدى والسفارة لا ترى من المروءة أن تخاطب صاحبه في شأنه وهى في داره موضع إكرامه، فلما بلغه ذلك قدمه هدية وأبى أن يقبل عنه عوضا، فلما أبى الغزال قبوله إلا بعوضه قال: فلتكن المكافأة عند وصولى لبلادك في المسائل التي تعرض لى بالبربرية، والثانى تونسى مسن كان عند ضابط اسمه "سبيكيلطو" قدمه صاحب هدية ورجع مشكورا. وقد حمل الأسرى من قرطجنة لقالص في مركب حربى أعد لهم حيث يذهبون مع السفارة من هناك، وذهب أصحاب النساء والأولاد في مركب اكترى لهم بمائتى ريال وخمسين ريالاً خشية حدوث ما لا يحمد من الجنود.

وبعد ذلك ذهبت السفارة لزيارة مرسى المدينة ورؤية معاملها البحرية، ثم غادرتها إلى لروقة، ثم سارت في طريقها إلى غرناطة إلى أن بلغت قالص، فخرج القوم للقائها يتقدمهم السفير الإسبانى الذى سيرافقها للمغرب، والتقت بداخل المدينة بمن فك من الأسرى القادمين من قرطجنة، وقد انضم إليه من ورد من "برطونة" و"الكراكة" فصارت جملتهم ثلاثمائة إلا عشرة، وبعد انتظار هدية الملك التي يذهب بها سفيره، أبحر الجميع إلى تطوان فوصلوها بعد أربع وعشرين ساعة. وقد ضمن الغزال أخبار هذه الرحلة كتابه (نتيجة الاجتهاد، في المهادنة والجهاد) وصف فيه المدن التي مر عليها، والقصور والمشاهد التي رآها وبقية آثار الإسلام التي هناك امتثالا للأمر المولوى. وفى سنة 1182 كتب ملك الإسبان للسلطان يطلب توسطه بين صاحب الجزائر وبينه في شأن مبادلة أسرى الفريقين، فكاتب المترجم والى الجزائر يعرض عليه المفاداة فامتنع، فكرر الكتب إليه ثانيا وثالثا في الحض على فكاك أسرى المسلمين فأجاب لذلك بعد الوعظ والتحذير، فكتب المترجم حينئذ للملك أن تبعث أولئك الأسرى في مركب للجزائر وينتظر هناك وصول السفير الذى سيرسله من قبله ليتولى المفاداة بنفسه، وكان هذا السفير هو الغزال مع صاحبيه، فلما وصلوا للجزائر أرسى مركب الإسبان بظاهر مرساها، وأنزل من فيه من الأسرى، فأخرج أهل الجزائر مثل عدهم من الإسبان وانقلب الغزال راجعا إلى الحضرة السلطانية. وذكر الكاتب ابن عثمان في آخر رحلته إحراز المعلى والرقيب أنه لما قدم من سفارته للمغرب سنة 1202 أمره المترجم بالورود عليه لمخيمه بالحياينة قال: فتلاقينا معه أدام الله تعالى عزه فبقينا مخيمين هناك ثلاثة أيام، وقد كان ورد عليه

جمع من أسارى المسلمين بعثهم إليه عظيم الإصبنيول على سبيل الإهداء والإكرام لكونه لما عمل الصلح مع أهل الجزائر ووقع فداء الأسرى بينهما من الجانبين على ما تقتضيه قوانين الصلح امتنع أمير الجزائر من إعطاء المال في هؤلاء الأسارى كما فعل النصارى في إخوانهم، ولم يقبل أن يفديهم بالنصارى، بل قبض المال في أسارى الإصبنيول الذين عنده، ولم يرد بهم بدلا بأسير مسلم، وأهمل هؤلاء المسلمين وأبقاهم بأيدى الكافرين فإنا لله وإنا إليه راجعون. فلما سمع ذلك عظيم الإصبنيول اغتاظ من ذلك وأعطاه ما أراد من المال في النصارى إخوانه، وجمع هؤلاء الأسرى من المسلمين وبعثهم مجانا إلى سيدنا ومولانا أمير المؤمنين على سبيل الإهداء والإكرام لما يعلم من حرصه أيده الله تعالى على إنقاذ المسلمين، وأن هدية الأسارى عنده لا يعادلها شئ من هدايا الدنيا وقد كان عند هذا الجنس من الأسارى الآلاف فأنفذهم جميعا لسيدنا أدام الله علاه، وأبقاه وتولاه، منذ عمل معه الصلح، وهو أيده الله في كل حين يخرج منهم حصة، فكان آخر من بقى من المسلمين بأيدى الأصبنيول هذه الجماعة. ثم ذكر أن المترجم كلفه بإيصالهم إلى بلادهم ناظرا إليهم في ركوبهم وأكلهم وشربهم حتى يوصلهم لتلمسان ويدفعهم إلى عاملها ويفرق عليهم الصلة هناك عشرة مثاقيل لكل واحد، ففعل ما أمر به وتوجه بهم إلى تلمسان وقضى الغرض. وقد ذكر ابن عثمان في الرحلة المذكورة أنه رحل لبلاد الأندلس عام 1193 كما أشار في رحلته البدر السافر إلى ذلك وإلى سابق معرفته بملكها كارلوس الثالث، وإلى وصفه لمدينة قادس في رحلته المسماة (بالإكسير، في فكاك الأسير) وغير ذلك مما يفيد أنه تولى السفارة للمترجم إلى إسبانيا وقد صرح بذلك أخيرا وذكر أنه عقد معها معاهدة صلح من شروطها عقد صلح مع ملك نابولى الذى هو

مع مالطة

ولد ملك الإسبان، فتكون هذه معاهدة ثانية بعد معاهدة الغزال التي من شروطها الصلح برا وبحرا المشار لها في قضية حصار مليلة. وفى سنة 1199 أسر أهل الجزائر أميرة من بيت ملك إسبانيا كانت ذاهبة في مركبها لزيارة عمها صاحب نابولى، وامتنعوا من فدائها فكتب الملك للسلطان أن يتشفع في فدائها بكل ما يطلبون فأسعفه، وكتب لصاحب الجزائر في ذلك فاعتذر له بأنها وقعت في سهم الجيش ولا يمكن إكراههم على الفداء فوجه السلطان كتابا للسلطان عبد الحميد العثمانى يذكر له ذلك فكتب لأهل الجزائر يوبخهم على رد شفاعة السلطان ويأمرهم بتسريحها، ويذكرهم بما فعله السلطان من تسريح أسارى الأتراك فأرسلوها إلى حضرة السلطان وكتبوا إليه معتذرين بخشية بلوغ خبرها لسلطانهم والافتيات عليه في إطلاقها. مع مالطة وبعد أن أنقذ المترجم له الأسارى الذين كانوا عند الإصبان وجه همته لإنقاذ غيرهم من الأسارى الذين عند غيرهم، فوجه لجزيرة مالطة -وكانت يومئذ بيد الطائفة المعروفة بفرسان رودس- كاتبه السيد محمد الحافى وأمره بتقييد زمام أسارى الأتراك الذين بها فبقى هناك وثيقة ورهنا في مال بعض المالطيين الذين كانوا بالحضرة السلطانية في بعض الدعاوى على ما في البدر السافر، وقد تقدم نقلا عن الزيانى أن أهل الجزيرة أنكروا الفداء وردوا المال، فوجهه السلطان به إلى الدولة العثمانية. وبعد ذلك بنحو سنة أرسل السلطان للجزيرة المذكورة كاتبه وسفيره السيد محمد بن عثمان السالف الذكر، ومعه أربعة من الطلبة وهم السيد عبد الكريم بن قريش، والسيد التهامى البنانى (¬1)، والسيد محمد المير السلوى، والسيد الطيب بن ¬

_ (¬1) تحرف في المطبوع إلى: "البنائى" وصوابه من الموسوعة.

جلول لقضاء الغرض المذكور، وأصحبهم ما ينيف على ستة وثمانين ألف ريال لصرفها في فداء الأسارى. يبتدأُ بالنساء والصبيان والشيوخ وذوى الأعذار ثم غيرهم من الرجال، وأمرهم بالمكث هناك حتى ترد عليهم خمسة مراكب جهادية يركب الأسارى في أربع منها والمركب الكبير تتوجه عليه السفارة من ثم إلى نابولى لعقد الصلح مع مملكتها وفداء الأسارى الذين بها، فسافروا من حضرته حمراء مراكش في ثانى ذى الحجة متم سنة 1195 إلى طنجة فمكثوا بها اثنين وعشرين يوما في انتظار الريح المساعد لركوب البحر. وفى سابع ربيع النبوى سنة 1196 ركبوا في مركب حربى بعثه ملك الإسبان لإبحار السفارة عليه لما سمع أنها تريد التوجه لقادس لكراء مركب لمالطة وقد وجدوه هناك، فبقى معهم في الانتظار وقد حياهم بعد الركوب بإطلاق المدافع ثم سار بهم إلى قادس، فتلقاهم بعد الوصول كبير المراكب الحربية وأخبرهم أنه مأمور بتنفيذ ما يريدون من المراكب لهم، وتوارد عليهم الرؤساء ليلا للسلام، ومن الغد عند النزول أخرجت المراكب مدافعها جوابا لمدافع مركب السفارة وذهبوا في احتفال بحرى للبر، ولما وصلوه حيتهم أبراج المدينة بمدافعها ثم توجهوا للمحل الذى أعد لنزولهم واقتبلوا حاكم المدينة وأعيانها وكتبوا لملك الإسبان يشكرونه على ما لقوا من رعيته ورجاله ويخبرونه أنهم سيتوجهون إلى ولده صاحب نابلولى بعد قضاء الغرض من مالطة. وأرادت السفارة أن تتولى الإنفاق على نفسها فأبى عليها ذلك حاكم المدينة، ثم جاء جواب الملك للسفارة مرحبا وكتب للحاكم بقضاء جميع مآربها وتحذيره من التقصير مما جعل الحاكم يعتذر لها عن أن يكون قد صدر منه شئ مما ذكر، وقد

بلغت نفقاتها مدة ستة وعشرين يوما قضتها بين ظهرانيهم ألفى ريال وسبعة وأربعين ريالا كبيرا. وفى خامس ربيع الثانى ركبوا البحر ولما صعدوا المركب حيتهم المدافع، ومن الغد سار بهم إلا أن اضطراب البحر اضطرهم للرجوع للمرسى فمكثوا بها ثلاثة أيام ثم سافروا إلى مالطة، فوصلوها بعد معاناة أهوال البحر وشدائده في اثنين وعشرين يوما من يوم خروجهم الأول من قادس، فمكثوا بالمرسى سبعة عشر يوما في الحجر الصحى، وبعث لهم صاحب الجزيرة يخبرهم بإسقاط ثلاثة أيام من الحجر عنهم لأن مدته كانت عشرين يوما، فحملت أمتعتهم ونزلوا من المركب فحيتهم المدافع وتلقوا في البر بالأكداش لركوبهم، وفى طريقهم التقوا بصاحب الجزيرة مارا في طريقه فحيوه بالإشارة، وساروا للمحل الذى أعد لنزولهم دون إجراء نفقة عليهم، لأن السفير الحافى كان لا يزال مقيما في الجزيرة، فكأنهم لا يستطيعون الإنفاق على السفارتين. وكان المحل دارا {كبيرة فيها نحو السبعين قبة أحاطت به طائفة من الجنود لأداء واجب التعظيم، وبعد ثلاثة أيام أتاهم وكيل كبير الجزيرة وأعلمهم بالملاقاة عند العصر، ولما دنا الوقت أتاهم بكدش الحاكم موكله "منويل دروبلد" فركبوه وتوجهوا إليه، فلما دخلوا عليه وجدوه واقفا ولباسه لباس الرهبان، فنزع ما على رأسه وأبدى لهم البشاشة والانشراح وأشار إليهم بالجلوس فجلسوا وجلس، ثم أعاد عليهم السلام وسألهم عن سفرهم وعن البحر}. ثم أخرج ابن عثمان الكتاب السلطانى فقبله ودفعه إليه ففضه فوجده بالعربية فأعطاه للترجمان وطلبوا منه الوقوف معهم في أمر الفداء فأجابهم لذلك، وعين وكيله ثم انصرفوا عنه بعد هنيئة وتركوه واقفا. ثم شرعت في افتداء الأسارى الذين جاءت من أجلهم، وفى أثناء ذلك

راجت إشاعة في البلد مضمنها أن السفارة جاءت لإحداث ثورة بدليل أن الأسارى إذا سرحوا لا يذهبون بل يجمعون، وأن الأدب المعهود منهم انقلب إلى غلظة، وأن السفارة تنتظر ورود خمس مراكب بحرية، وكان قد سبق قبل هذا بمدة أن اتهم الأسرى بمحاولة الثورة فلم يسع حاكم الجزيرة حينئذ إلا أن أرسل للسفارة يطلب منها ألا تبقى أولئك المسرحين في البلاد أكثر من ثلاثة أيام قطعا للقيل وتجنبا للكلام، وبعث من اكترى لهم المراكب، وبعد ثلاث ركبوا البحر في مركبين أحدهما سار لبنى غازى والآخر لطرابلس وكان عددهم نحو المائتين وخمسين، ثم وقع افتداء أسارى آخرين بلغ بهم العدد إلى ستمائة وثلاثة عشر، واكترت لهم السفارة المراكب فسار بهم أحدهما لطرابلس، والآخر لصفاقص، والثالث لتونس بين زغاريت النساء ودعوات الرجال والأطفال. وقد كانت جماعة منهم تستخدم في مراكب الجزيرة، فما شعر القوم إلا وقد شملهم الفداء فأرادوا نقضه لما يؤدى إليه من تعطيل مراكبهم، وحصل الشجار بينهم وبين الوكلاء على ذلك، ثم تداخل كبيرهم في القضية ومضى الفداء وأحصى الباقون من الأسارى المسلمين فكانوا سبعمائة وبضعا وعشرين، تكلمت السفارة مع أصحابهم في قدر فدائهم وبعثت بتقييدهم للسلطان المترجم عسى أن يضيفهم إلى إخوانهم مشيرة عليه ببعث مال الفداء لكبير الجزيرة. ثم استعدوا للسفر، وعين لهم صاحب الجزيرة وقت الوداع فذهبوا إليه فيه على الهيئة المتقدمة وتلقاهم آخر كما تلقاهم أولا فشكروه على وقوفه معهم في ذلك الفداء وودعوه، وكان يبعث إليهم في مدة مقامهم لحضور الحفلات بقصره، ويريهم ما اشتمل عليه. وفى سابع شعبان من السنة بعد ذلك بثلاث أيام ساروا للمرسى في الأكداش مع الأعيان المودعين، وركبوا في السفينة التي قدموا عليها قاصدين نابولى.

مع نابولى

مع نابولى فوقع لهم بعد الخروج مثل ما وقع لهم أولا عند الخروج من قادس، واضطروا للرجوع لمرسى مالطة، وبقوا هناك ثلاثة أيام كان يتردد عليهم فيها كبار المدينة يهنئونهم بالسلامة ويدعونهم للعودة لمحلهم، ثم ساعدت الرياح فسار بهم المركب إلى نابولى، فلما وصلها أرسل صاحبها (الملك فرناند الرابع) أحد الأعيان عنده للسلام على السفارة وإبلاغها اشتياقه لرؤيتها، وأن الحجر الصحى ساقط عنها، ودعاها للنزول من يومها، ولكنها تأخرت للغد، وفيه جاءت الزوارق تحمل الأعيان ونواب الملك لإنزال السفارة، ولما نزلت من مركبها أخرج مدافعه تحية لها، ووجدوا على ساحل المدينة أفواج الخلائق مصطفة فركبوا في الكدش الخاص بهم وتقدمت أمامهم طائفة من خيل الخاص بالمير مصلتة السيوف تفسح لهم الطريق الممتلئة بسكان المدينة. فما وصلوا لمحل النزول حتى كادت الشمس تزول، وكانت هذه الدار قد أعدت لهم قبل وصولهم بنحو ستة أشهر لما سمعوا بقدومهم، فلما وصلوها وجدوا العسكر مصفوفا ببابها لأداء التعظيم، وتلقاهم فيها أحد أرباب الدولة بعثه الأمير لينوب عنه في إعادة سلامه على السفارة والترحيب بها، ثم طاف بها على الدار يريها ما احتوت عليه، وقدم لهم ثلاثة أطباق كبار فيها فاكهة وحلويات يحملها ستة من الأسارى المسلمين الذين هناك هدية من الأمير، فتقبلوها شاكرين، وأشاروا إلى رغبتهم في إلحاق الحامل بالمحمول، فأجيبوا لذلك فكان فاتحة عملهم هناك. ثم ترادف للسلام عليهم الأعيان والأكابر وأرسل لهم الأمير خمسة أكداش لتكون مركوبهم، وعدة من الخيل العتاق المذهبة السروج المهداة إليه من الملوك،

وبعث لهم طبيبا خاصا لملازمتهم، وبعد ستة أيام استدعاهم الوزير لمقابلته، فذهبوا إليه وأعطوه نسخة الكتاب ليترجمه. ثم أعلمهم الأمير بوقت الاقتبال قبل زوال الغد، ومن الغد جاءتهم الخيل التي سترافقهم، وجاء بعدها صاحب ملاقاة مع السفراء مع الملك، فأخبرهم أن الملك مستعد للملاقاة وكذلك الملكة زوجه الألمانية الأصل في الانتظار بعد لقاء زوجها، وذلك وإن لم يكن عادة لكنها جعلتها فرحا وسرورا بالسفير ومرسله. ثم ساروا في جمع حاشد للقصر الملوكى، وجعلوا كلما دخلوا قبة من قبابها وقف من فيها ونزع ما على رأسه إلى أن وصلوا قاعة الاقتبال، فاستأذن المرافق المذكور ثم أدخلهم إليها فوجدوا الملك واقفا والقاعة مملوءة بالوزراء وأرباب الدولة، فلما قابلوه أزال ما على رأسه مسلما فأشاروا إليه باليد ثم دنوا منه ففعل كذلك، وفعلوا هم كذلك حتى الثالثة. فلما التقوا أخرج ابن عثمان الكتاب المولوى وقبله ودفعه إليه فتلقاه بكلتا يديه، ثم سأل ابن عثمان عن السلطان وذكر محبته فيه ورغبته في مخاطبته وقضاء مآربه وعقد الصلح معه كما فعل أبوه (ملك إسبانيا)، فأجابه ابن عثمان بأنه ملحوظ ومقدم عند السلطان، وعن الصلح بأنه لذلك الغرض كان قدومه لما طلب له ذلك والده عاما أولا لما كان عنده المجيب بإصبانية، فأجابه الملك بالكلام مع وزيره، ثم خرجوا من حضرته وهو واقف ودعوا لمقابلة الملكة فأدخلهم حاجبها عليها فوجدوها واقفة والقبة ممتلئة بنساء الأكابر والأعيان فسلمت عليهم بالانحدار، حتى كادت تجثى على ركبتيها على عادة نسائهم، فأشاروا لها باليد ثم فعلت ذلك ثلاثا مثل زوجها وفعلوا مثله، فلما دنوا منها رحبت بهم وذكرت طول انتظارهم ووعدت بالوقوف في الأمور الصعبة مع الملك، فشكروها على ذلك

وخرجوا مسلمين على الصفة المتقدمة، ثم امتطوا أكداشهم لمحلهم، فلما بلغوه أخذ الأعيان يفدون عليهم مهنئين بحسن اللقاء مع الملك. ولما قرأ الملك الكتاب السلطانى وعلم ما اشتمل عليه من توجيه السفارة إليه بقصد عقد الصلح معه حيث طلب والده ذلك واشترطه في عقد الصلح الذى عقده معه ابن عثمان ثم فداء أسارى المسلمين الذين في بلده وتحت حكمه أجاب عن ذلك ببعث ثلاثين أسيرًا مسرحين على سبيل الهدية للسفارة إكراما لها قائلا: وأما فداء الأسارى المشار إليه فالأسارى الذين في إيالتنا كلهم من تونس والجزائر وطرابلس وغير ذلك من البلاد المشرقية، وليس بيننا وبينهم إلا الحرب، وكذلك إخواننا عندهم أسارى بأيديهم ولو لم يكن إخواننا الذين عندهم لسرحنا جميع من عندنا من المسلمين ابتغاء خاطر مولانا أمير المؤمنين ورضاه، وحيث كان إخواننا في الأسر نحبكم أن تسعوا في فداء الجميع، فشكرته السفارة على ذلك وكتبت للحضرة السلطانية بذلك. وأما عقد الصلح فشرعت فيه مع الوزير حسبما تقدم من تقديم الملك له لذلك، واشترط كل جانب ما فيه مصلحته، ثم استنسخت تلك الشروط وأمضيت. ثم تيسر للسفارة افتداء مائة أسير أعدوا للبيع فضمتهم إلى إخوانهم، وكذلك استرجعت ما وجد في أحد المراكب السلطانية كان السلطان قد بعثه لأمير طرابلس حاملا القمح بسبب المسغبة التي كانت في بلاده، فتلقته مراكب نابلية وأخذته، ومع أن ذلك كان زمن الحرب فقد تمكن ابن عثمان من إقناعهم برد ما وجد فيه. وقد رأت السفارة أثناء إقامتها بنابل بعض الأبناك ومأوى الأيتام ودار الآثار ونادى الأعيان بدعوة من أهله، والبركان القاذف للنيران، وآثار مدينة بومبى، ولما

رجعت منها لبلدة أخرى أنزلت فيها بالدار التي نزل فيها إمبراطور الألمان لما كان هناك، ورأت في هذه البلدة معامل السلاح والبارود والكاغد. وكان الملك يستدعيها مرارا لمشاهدة التمثيل بالأوبرا كلما ذهب، وكذلك استدعاها تكرارا لزيارة الحديقة الصيفية، وذهبت بدعوته لمشاهدة تعويم مركب في البحر، فأعد لابن عثمان مقعد بإزاء مقعد الملك واستدعاها لزيارة قصره في بلدة (برطج) مقره في الخريف، فرأته يسوق الكدش بنفسه، ولعب بمحضرها كرة "التنس" كما استدعاها لزيارة قصره في مشتاه ببلده (كزرته) وغير ذلك. ولما انتهت أعمالها أعلمت الملك بعزمها على السفر، وكان إذ ذاك بمشتاه فأجابها بأنه سيأتى لنابل بقصد وداعها، ولما جاء إليها أعلمها باللقاء بين العشاءين فوقع ذلك على الوصف المتقدم في لقائه ولقاء الملكة، وبعد ذلك بعث الملك للسفارة جوابه عن الكتاب السلطانى مع هدية من صنائع بلاده وتحفها وبعث لها هديتها الخاصة بها. وركبت السفارة ومن معها ممن فك من الأسرى البحر رابع المحرم فاتح سنة 1197 في مركب رئيسه من جنس (الراكوزة) تطوع به لحمل السفارة حيث تشاء دون عوض، فحياها بمدافعه وسار بها إلى أن أداه اضطراب البحر إلى صقلية، فخرجت زوارق أعيانها ونائب حاكمها للسلام على السفير، وعرض النزول عليه للمدينة للاستراحة فنزلوا من الغد نظرا لازدحام المركب بالأسارى في احتفال مثل ما جرى لهم في غيرها من البلاد التي كان ذهابهم إليها رسميا. وأعدت لهم دار خاصة، ثم طلب منهم حاكم الجزيرة أن يعينوا له وقتا للمقابلة، فعينوه له وقابلوه كما قابلوا أعيان المدينة (بلرم) ونوابها فكان الجميع يرحب بهم ويظهر لهم السرور بقدومهم، ودعوا لمشاهدة التمثيل بدار الأوبرا، وبعد أن أقاموا ستة وعشرين يوما عادوا لمركبهم، فلما سار بهم ثلاثين ميلا وجد

البحر مضطربا فبقى هناك خمسة أيام اضطر بعدها للرجوع إلى صقلية مرة أخرى فتلقاهم أهلها، وأخبروهم أن الدار التي كانوا بها لا زالت بصددهم فنزلوا إليها، وكانت الليلة ليلة ميلاد الملك فاستدعيت السفارة لحضور الاحتفال الليلى بذلك كما دعيت لنادى أعيان المدينة، وفيه طلب بعضهم من ابن عثمان أن يلعب معه بالشطرنج فأجابه بعد إلحاح وغلبه فيه على مشهد من القوم، ورأت السفارة في أثناء مقامها كنيسة (سان مرتيل) وأدخلوا خزانتها فوجدوا فيها عدة من كتب المسلمين كسيرة ابن سيد الناس وبعض كتب الطب، كما زاروا غيرها من المعاهد والمدارس، وبعد إقامتهم بها ثلاثة أشهر وثلاثة أيام في انتظار سكون البحر، ركبوا سفينتهم في سادس عشر ربيع الثانى راجعين للمغرب، فوصلوا طنجة بعد اثنى عشر يوما، ونزلت السفارة في احتفال بحضور الحاكم ووجوه العسكر للمدينة، كما تلقى الأسارى بسرور وحبور وأنزلوا بديار بالمدينة بقصد الإرفاق على النفقة السلطانية، ووجه الكتاب للحضرة السلطانية بالإعلام بالوصول، وأقاموا بطنجة إلى أن ورد عليهم الجواب الشريف بالتهنئة بالسلامة وإعداد البهائم لحمل الأسارى وأمرهم بالقدوم عليه. قال ابن عثمان: فتوجهنا إليه أيده الله وهو بحضرة مكناسة، فبتنا آخر ليلة من السفر بوادى فرى بقرب المدينة بنحو ساعتين، ومن الغد بعث مولانا أعزه الله عساكر الخليل لملاقاتنا ووجوه العسكر والقواد، ومن حضر من العمال وبالغ في التنويه والفرح بهؤلاء المسلمين جعل الله ذلك بمنه من خالص الأعمال، وبلغه من حسن نيته، وصفاء سريرته وطويته جميع الآمال، ومن هناك والخيل تلعب وتخرج البارود إلى أن دخلنا المدينة فبعث إلينا سيدنا أيده الله أحدا من خدامه بأن ندخل الأسارى المذكورين إلى ضريح جده المقدس المنعم المرحوم سيدنا إسماعيل برد الله ضريحه، وأسكنه من الجنان فسيحه، وأحضر لذلك الفقهاء والأشراف والطلبة

وأعيان البلد، فقرأنا هنالك ما تيسر من القرآن ودعونا لسيدنا بما نرجوا من الله قبوله. وبعث سيدنا الطعام للأسارى، فأكلوا، وأمرنا بإنزالهم بدور أعدها بالمدينة وأمرنا أن نستريح ونطلع لملاقاته عند العصر، فلما صلينا العصر توجهنا إلى بابه، ورحب جنابه، وأصحبنا إليه الهدية التي أصحبنا إليه الطاغية صاحب نابل فوجدناه داخل باب السوانى ففرح بنا وانشرح لقدومنا ودعا لنا بخير، تقبل الله منه. ثم ناولناه كتاب الطاغية مع عقد الصلح الذى أبرمنا ووقع عليه الاتفاق، وهدية الطاغية التي بعثها من الخوف والاشفاق، وناولناه أيضا أزمة ما دفع في الفداء وخطوط أيدى النصارى المفدى منهم مع قيمة المركب الذى غرموا وقد تقدم خبره. ومن الغد أطلعنا إليه أسرى المسلمين وهو بالدار البيضاء، فسألهم عن قبائلهم وعشائرهم وعن مدة أسرهم، أطال معهم الكلام جبرا لخاطرهم، وقال لهم: الحمد لله الذى عجل سراحكم، وكمل بجمع شملكم مع المسلمين أفراحكم. ثم هيأ لهم البهائم لحملهم إلى فاس في الحين، وتوجهوا من عنده أيده الله فرحين، وارتفعت بالدعاء لسيدنا أيده الله الأصوات، حتى كادت أن تسمع الأموات، وكتب لعامل فاس أن يحسن للقوم القرى ويفيض عليهم من مطايب ما يشترى، ويزيل عنهم درن الأسر، ومذلة القهر والقسر، ثم يكترى لهم البهائم إلى الجزائر، ومنها يتفرقون في البلاد كالمثل السائر. قال المولى عبد السلام نجل المترجم في درة السلوك في مآثر أبيه: ومنها أنه لم يترك ببلاد النصارى أسيرا، ولا بالمغرب فقيرا، بفيض أياديه العظام، ومكارمه

فتوحاته

الجسام، ففدى من أسارى المسلمين، من أهل المغرب والترك وأهل الشام وأهل الأرمين، ما يزيد على أربعة آلاف، ثبت الله له الأجر، وأناله الفتح والنصر". وقد ألف ابن عثمان في سفارته الثانية لمالطة ونابولى هذه التي قضى فيها سبعة عشر شهرا كتابه (البدر السافر، إلى فكاك الأسارى من يد العدو الكافر) وكان فراغه من تأليفه بعد تلف المبيضة على يد اللصوص أوائل جمادى الثانية عام 1197. وقد وقعت الإشارة إلى معاهدة ابن عثمان مع مملكة نابولى المشار إليها في معاهدة السلطان المولى عبد الرحمن المجددة مع تلك الدولة سنة 1250 على ما يأتي في ترجمته إن شاء الله. فتوحاته فمن فتوحاته إجلاء البرتغال عن ثغر البريجة المعروفة اليوم بالجديدة وما والاها، حاصرها نحو أربعين يوما ونصب عليها المدافع والمهاريز، ووالى عليها صيب القنابل إلى أن فتحها في سابع عشرى رمضان 1182 وهدمها وأمر بتسميتها بالمهدومة، وعمرها بأهل دكالة المجاورين لها، وأنزل معهم فرقة من عساكره، وكان ممن حضر هذا الفتح وأبلى فيه البلاء الحسن الحاج سليمان التركى معلم الرمى وشيخ طبجية الرباط قاله في الترجمان المعرب وغيره، وغنم أموالها ومدافعها ومهاريزها وغير ذلك من معداتها ومقوماتها الحربية. وحاصر مليلية وحاربها إلى أن صالحه أهلها طبق ما أشرنا إليه. آثاره قال نجله المولى عبد السلام في درة السلوك لما ذكر مآثر أبيه: ومن مآثره أيضا اتخاذ الثغور بالمغرب وشحنها بالعساكر والجنود، والرايات والبنود، فمن ذلك ثغر الصويرة أحدث بناءه، ووسع قباءه، فاختطه رضى الله عنه في سابع عشر من

شوال عام ثمانية وسبعين ومائة ألف، وبنى له الأسوار العجيبة، واتخذ به البساتين، وشحنه بالمدافع والبنب والكور، فجاء من أعظم المدن وأشرف الثغور، واتخذ به المساجد والصوامع والأسواق والدور والحمامات ورغب في سكنى هذا الثغر المبارك الناس، وقصده التجار وغيرهم من جميع الأجناس. وكان سبب إنشائه لهذا الثغر أن المراسى المغربية متصلة بالأودية، وفى غير إبان الشتاء يقل الماء ويعلو الرمل بأفواه المراسى، فيمنع من اجتياز القراصين بها ويتعذر السفر، ففكر فيما يتأتى به السفر للمراكب القرصانية سائر أيام السنة، فبنى ثغر الصويرة، واعتنى به لسلامة مرساه من الآفة المذكورة. وقيل: إن السبب هو أن حصن أكادير كانت تتداوله الثوار أهل سوس مثل الطالب صالح وغيره، ويسرحون وسق السلع منه افتياتا ويستبدون بأرباحها، فرأى أن حسم تلك المادة لا يتأتى إلا بإحداث مرسى آخر أقرب إلى تلك الناحية، وأدخل في وسط المملكة من أكادير حتى تتعطل على أولئك الثوار منفعته فلا يتشوق أحد إليه. ولما تم أمرها أمر أهل فاس أن يعمروها مناوبة تأتى ثلاثمائة رجل من أصحاب الحرف ويقيمون بها سنة كاملة، ثم تذهب وتأتى ثلاثمائة أخرى وهكذا، ونقل إليها العلماء لنشر العلم، ورتب لهم ما يكفيهم. قال الزيانى في شرح ألفية السلوك: وجعل -أى المترجم- قضاء فاس للفقهاء الذين يتوجهون للصويرة كل من درس بها ستة أشهر يقضى بفاس ستة أشهر، وجعل كذلك للحكام كل متوجه للصويرة حاكما ستة أشهر يحكم بفاس ستة أشهر إلى أن مات. وأنفق في سبيل صيانة ذلك الثغر وتحصينه بالمعدات والمقومات الحربية برية وبحرية أموالا طائلة، وجلب إليها تجار النصارى بقصد التجارة بها وأسقط عنهم

وظيف الأعشار، ترغيبا لهم فيها فأسرعوا إليها فعمرت في الحين (واستمر الترخيص لهم فيها مدة من السنين) ثم ردها إلى ما عليه سائر المراسى. ثم قال المولى عبد السلام في الدرة: ومن ذلك أيضا بناء مدينة طيط (الجديدة) وقد كانت قديما بأيدى الروم كما قدمنا وخربها بعد الفتح سنة اثنتين وثمانين، وأمر بتجديد عمارتها سنة واحد ومائتين وألف، واتخذ بها ألفا من العسكر من جنود الوصفان، وأدار سورها وعظم بها العمران، فصارت إحدى مدن المغرب، يقصدها التجار من الآفاق، وترد إليها القوافل والرفاق، وترسى بها السفن الجهادية وسفن التجار، فجاءت من أشرف الحسنات وأعظم الآثار. وكذلك تجديد مدينة آنفا وكانت اندثرت رسومها، وطمست معالمها، فجدد بناءها ورفع قواعدها فبنى بها المساجد والحمامات، واتخذ بها المعاقل الجهادية وجميع الآلات، وسكن بها ألفا من أجناده، فقصدها التجار من جميع مملكته وسائر أقطار بلاده، فجاءت من أحسن الثغور، نسأل الله تعالى أن يضاعف له بها الحسنات وينيله الأجور. وكذلك عمر ثغر فضالة، ورباط الفتح، ومهدية، والعرائش، وطنجة، وتطاوين وغيرها، وجدد جميع أسوارها واحتفل في تكثير آلاتها وبنى بها المساجد والأسواق والحمامات، ضاعف الله له بذلك الأجور وأسنى له الحسنات. ومن مآثره أيضا بناؤه المشهد الأعظم، والأثر الأفخم، على ضريح الإمام إدريس بن عبد الله الكامل فجاء في غاية ما يكون من الإتقان، وعظيم الأبهة وعلو الشان، كسا القبة كلها من داخل بالحرير الأحمر وسفائف الذهب الأحمر، وبسطها بالبسط الأرمينية، وأوقف على الضريح المذكور أوقافا عظيمة للطلبة

والمؤذنين والوقادين والفراشين والمستعفين والمساكين، وكذلك أيضا بناؤه الضريح الأعظم على سيدى على بن حرزهم، وبناؤه أيضا على سيدى عبد الله التاودى خارج باب عجيسة أحد أبواب فاس. ومن آثاره أيضا بناء المشهد الأعظم على القطب الولى سيدى أبى العباس أحمد بن جعفر السبتى، وأوقف بهذا الضريح أيضا أوقافا عظيمة على المدرسين، والحزابين، وذوى العاهات، والمساكين. وبناؤه أيضا القبة العظيمة الشكل، المهندسة الأصل، التي لم توجد بالمغرب قبة تشاكلها، ولا بناء يماثلها، وهى قبة الشيخ الإمام، علم الأعلام، أبي عبد الله سيدى محمد بن سليمان الجزولى نفع الله به وبأمثاله. وكذلك بناؤه على الشيخ التباع، والسيد عبد الله الغزوانى. وبنى أيضا المشهد الأفخم، والمسجد الجامع الأعظم، بضريح جدنا مولاى على الشريف دفين باب هيلانة أحد أبواب مراكش، صانها الله، وضريحه مجاور لضريح القاضى عياض، وقد أوقف للذاكرين والحزابين والأرامل والمساكين، ولو تتبعنا مثل هذا من مآثره أيده الله لطال الخطاب، وخرجنا إلى الإطناب، من دورة السلوك. ومن آثاره مدينة فضالة ومسجدها ومدرستها، والمنصورية ومسجدها وله آثار أخرى بالرباط والعرائش وطنجة. وتافيلالت ومراكش وفاس ومكناس وغيرها، منها المساجد والمدارس والدور والقصور والأسوار والأبراج والقصبات والأضرحة وغير ذلك، وقد أسلفنا ما له من الآثار بمكناسة عند الكلام على آثار ملوكنا العلويين بها. ومن آثاره تجديد المسجد الأعظم بثغر آسفى حسبما يستفاد ذلك من كتاب له أصدره لأمناء الثغر المذكور بتاريخ تاسع قعدة الحرام عام ثمانية وثمانين ومائة

سككه

وألف، وعليه فإن ما جاء في الجيش والاستقصا من أنه المؤسس للمسجد المذكور ومدرسته يتعين حمله على التجديد، لوجود النص على أن المسجد أسس قبل دولة صاحب الترجمة بأمد بعيد، وممن نص على ذلك قاضى آسفى العلامة الأديب أبو عبد الله محمد فتحا بن عبد العزيز المدعو بابن عزوز الآسفى، قال في كتابه إرشاد السائل، إلى معرفة جهة القبلة بالدلائل، لما تكلم على انحراف محرابه أنه بنى بإثر خروج النصارى من آسفى، قال: فلبنائه ما يقرب من مائة سنة، وقد كان متوليا خطة القضاء بالثغر المذكور قبل زمن المترجم حسبما أخبرنى بذلك مكاتبة مؤرخ آسفى الفقيه أبو عبد الله محمد بن أحمد العبدى المدعو الكانونى. أما المدرسة فقد أشرنا في المنزع اللطيف إلى أن مؤسسها سيدنا الجد الأكبر أبو النصر والفدا إسماعيل، وأنه فرغ من تأسيسها في رمضان سنة خمس ومائة وألف، وأفادنى مؤرخ آسفى المذكور أنه رأى ذلك بخط الشيخ الجيلالى بوخريص قاضى الثغر أواسط القرن المنصرم، وأن بناءها كان على يد عامل ذلك الثغر القائد العربى امزاج، والقاضى أبى محمد عبد الله بن محمد، وأن في التاريخ المذكور كان تجديد الصف الأول من المسجد الجامع المشار على يد من ذكر وذلك مما يؤيد تعيين صرف كلام صاحبى الجيش والاستقصا عن ظاهره. سككه ومن آثاره السكك التي أمر بضربها في داخل البلاد وخارجها للتعامل بها، وقد كان بعضها يضرب بالرباط بالدار المعروفة بدار السكة من حومة الجزاء حسبما يوجد اسمه منقوشا على بعض مسكوكاتها الفضية والنحاسية والبعض كان يضرب بالصويورة كتب على وجهيه معا (ضرب بالصويورة عام 1180". وكذلك أمر بضرب أنواع السكك الذهبية والفضية بمدريد وإشبيلية سنة 1787 ميلادية حسبما وقفت على بيان ذلك في تقييد دفعه كبير دار السكة

[صورة]

بمدريد، للخليفة مولاى العباس بن السلطان المولى عبد الرحمن لما ذهب لإسبانيا لعقد معاهدة مع دولتها سنة 1278، ونص تعريب ذلك بلفظه من أصله على ركاكة تعبيره وعاميته: ما صنع في القديم من السكة المراكشية المصنوعة في هذه المدينة في سنة 1788 ثمان وثمانين وسبعمائة وألف بإذن المخزن في ثالث عشر يناير عام سبعة وثمانين وسبعمائة وألف أن يجعلوا طوابع أربعة أشكال من السكك لسلطان مراكش، ولذلك كان موجود بطنجة المعدن ما يساوى مائة ألف ريال كبير لاستعمال سكة الذهب ووجهوا لنا المشطرات. وفى شهر ينيه من العام المذكور صنعوا الطوابع وتوجهوا المشطرات للمخزن لينظرهم سلطان مراكش مجموعتين في صندوق مغلق بالموبر اثنين منضات من الذهب كبار ثمن عشرة ريال لكل واحدة، واثنين أيضا من صغار ثمن ريال في الواحدة، واثنين كبار من الفضة، واثنين صغار أيضا من الفضة. وبإذن آخر من المخزن في اثنين وعشرين شتنبر من العام المذكور ظهر القبول متع المشطرات المذكورين وجميع المنضات التي تخدم هى عشرة آلاف من الذهب الكبير، ومائة ألف أيضا من الصغار، واثنين ملايين وأربعمائة وستة وخمسين ألفا ومائتين وثلاثة وستين كبار من الفضة، وتسعة ملايين وثمانمائة وخمسة وعشرون ألفا وأربعون صغارا من الفضة، وزائد لازم نعملوا طوابع جداد على خلاف القليل الواقع في الدائرة والكتابة حتى في المنضات الصغار من الفضة. وفى شهر يناير عام ثمانية وثمانين وسبعمائة وألف أن الخلاف الذى كان في المنيضة المراكشية هو أن نعمل مدريد في موضع مراكش لئلا يظهر أنها مطبوعة في مراكش، وفى الشهر المذكور كان الإذن المشهور اللائق باش تكون المنيضة الكبيرة متع الذهب تساوي عشرة ريال مكمولة، والصغيرة واحد والكبيرة متع الفضة

قضاته

تساوى مثل واحد من الفضة متاعنا والصغيرة متع نصف ريال بليون، لازم يطبعوا العدد من المنيضات الذى سيذكر: من الأولين 10000. ومن الثانين 100000. ومن الثالثين 2456263. ومن الرابعين 9825000. وفى شهر يليه عام 1788 كملوا الطوابع الجداد، وفى شهر شتنبر الذى بعده انطبعوا العشرة آلاف منيضات من الذهب الكبار المذكورين، والجميع اندفعوا للرجل المأذون له بذلك في سابع نونبر من السنة المذكورة، وأما المنيضات متع الفضة المذكورين ورد الإذن لتكون صناعتهم في دار اشبيلية. مدريد في 3 أكتوبر عام 1861. فيرمه: كبير دار المنيضة: ميكال بشيكو. قضاته: قال في ذيل التاريخ المسمى بـ (اليواقيت الأدبية، في محاسن الدولة المحمدية) ما نصه: قضاة السلطان سيدى محمد بن عبد الله: الفقيه السيد عبد الرحمن بوخريص (¬1) بفاس، الفقيه السيد (¬2) عبد السلام حركات بمكناسة، الفقيه السيد ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "ولد أبي محمد عبد القادر قاضى فاس الشهير". (¬2) في هامش المطبوع: "ليس هو صاحب النوازل وشرح التحفة وغيرهما من المؤلفات التي تبلغ 50 أحد أعلام العصر السليمانى".

محمد بن أحمد الغربى الرباطى، والفقيه السيد عبد الله بنانى الرباطى، والفقيه السيد محمد بن اليسع الفيلالى هؤلاء الثلاثة كانوا يتناوبون القضاء بالرباط واحد بعد واحد ثلاثة أشهر للواحد، ويرجع بعده الآخر، والفقيه زنيبر (¬1) بسلا، وابن أخته الفقيه بناصر معنين والفقيه السيد التهامى (¬2) ابن عمرو الرباطى بالصويرة. ومن قضاته على فاس يوسف بوعنان ولاه بعد بوخريص، ثم نقله لمكناسة، وولى الهوارى مكانه، ثم أبو محمد عبد القادر بن شقرون أشار لذلك الزيانى في شرح ألفية السلوك. وعلى مراكش عبد العزيز العبدلى، ثم عزله كما مر ذلك، ثم أعاده بعد حجه وأشرك معه في القضاء غيره كعبد العزيز بن حمزة، وابن الخطاب، وأبى بكر الشنقيطى، ثم تداوله جماعة من فقهاء مراكش كما في الترجمان. وعلى مكناسة أبو القاسم العميرى، ومحمد العربى القسمطينى، والطيب ابن محمد بصرى، والمولى أحمد بن على العلوى، وقد تقدمت لك ترجمة الأخيرين. وعلى الرباط المهدى مرين، ثم ولده محمد، والحسن بن أحمد الغربى، ثم العربى القسمطينى، ويوسف بوعنان. ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "هو محمد بن حجى شارح الهمزية المتوفى سنة 1194". (¬2) في هامش المطبوع: "قال في إتحاف أشرف الملا: ومنهم القاض ابن عمرو الأوصى ... مجالس السلطان دون لبس علامة مشارك رباطى ... وهو التهامى أخو اغتباط كان خطيبا بالعتيق لسنا ... مدرسا وسمته قد حسنا على أحاديث النووى علقا ... شرحا جليلا للأمير اتسقا يعرف بالأنوار وهو بالرباط ... بخزنة الدار الشريفة يناط رسمه المولى أبو عبد الإله ... قاض الصويرة فدام في هداه" إلخ".

وزراؤه

ومن قضاته على الصويرة أحمد زروق. وزراؤه منهم العربى أفندى قادوس، قال في الجيش: إن السلطان سيدى محمد كان يدعوه بذلك يعنى أفندى إعظاما واستفخاما لشأنه، وكان من مواليه الذين نشأوا في حجور تربيته ورضعوا أخلاق حضرة الملك وارتشفوا لبانها، قال: وأصله من علوج الأسبان كما أخبرنى بذلك ولده السيد محمد، وكان شعلة من الذكاء والفطنة، وركنا شديدًا من أركان الدولة المحمدية في حسن التدبير والحزم، وكان شأنه في أمور الكتابة أن يأمره السلطان بأن يأمر الكتاب بالكتابة لفلان بكذا ولذوى فلان بكذا فيكتبون ما أمرهم به، فيأخذه عنهم ويطبعه ويدخل به إلى حضرة السلطان فيسرد عليه تلك الأوامر ثم يخرج بها ويدفعها لأربابها. كتابه من حذاق كتابه وكتاب جدته السيدة خناثة بنت بكار الأستاذ أبو عبد الله محمد المكى الشاوى حج معهما، والكاتب المشارك أبو العباس أحمد بن عثمان المكناسى كان من الرؤساء المهرة في الإنشاء والترسيل، وأبو عبد الله محمد سكيرج الفاسى، وأبو القاسم الزيانى، والطيب كدران المكناسى، والمهدى الحكاك المراكشى، وعبد الرحمن بن الكامل المراكشى، وأحمد الغزال الفاسى، والطاهر بنانى الرباطى، والطاهر بن عبد السلام السلوى، وسعيد الشليح الجزولى، وإبراهيم اكيل السوسى، وأبو عبد الله محمد بن عثمان المكناسى، وعبد الكريم ابن زاكور، ومحمد الموزيرق المراكشى، ومحمد الحافى، ومحمد بن المبارك، والطيب الحناش وغيرهم.

شعراؤه

كان أهل الإنشاء والبلاغة قائمين بوظيفهم الذى لا يقوم به غيرهم، وأهل الخط المبسوط يستعملهم في مكاتب العمال والثغور والرعايا والشكايات، إذ تلك المكاتب لا تحتاج إلى صناعة ولا إعراب، وأهل الدفاتر والحساب يستعملهم في مصارف الدولة وحسابتها داخلا وخارجا، قاله أبو القاسم الزيانى. شعراؤه منهم أبو العباس ابن عثمان، وقد تقدمت ترجمته وبعض ما له فيه من بليغ القول، ومنهم أبو عبد الله ابن الطيب سكيرج الآتى الترجمة، ومنهم أبو العباس أحمد بن المهدى بن محمد الغزال الحميرى الأندلسى المالقى الفاسى السفير الكاتب المتوفى سنة 1191، ومن شعره فيه قوله: سلا بانة الجرعاء هل جادها قطر ... وهل أمرعت أجزاع ساحتها الغر وهل نسجت أيدى الحياء بروضها ... برودالها من كف راقمها نشر فيا لك روضا من بكاء غمامه ... تبسم من أثغار أكمامه الزهر كان به الأدواح تهتز نضرة ... عرائس تزهو فوقها حلل خضر كأن بها ورق الحمائم سجعا ... قيان لها في صوغ ألحانها جهر كأن ثغور الأقحوان مباسم ... تسلسل من ظلم الرضاب بها خمر كأن الشفاء اللعس منها شقائق ... تناسق فيها تحت قانئها در كأن احمرار الورد في ريق الحيا ... خدود غوانى الغيد لاح بها بشر كأن ذبول النرجس الغض عادة ... لواحظ من أهواه ماج بها سحر كأن غصون البان والرند ميسا ... خرائد دب في معاطفها سكر كأن شذا الأزهار ينفحها الصبا ... فيملأ أرجاء المتان لها نشر

خلال أمير المؤمنين (محمد) ... إذا صيغ فيه المدح أو نظم الشعر إمام له في باذخ العز رتبة ... تقاصر عنها الوهم والوصف والحصر تسامى على سامى السماك مكانها ... وصار إلى عليائها يخضع الدهر وماد لها شم الشوامخ هيبة ... وأمسى يراها فوق هامته البدر تذل لها الآساد في أجماتها ... وترتاع في أغمادها القضب البتر تزلزل أهل الشرك منها وأذعنوا ... وعم على آفاق أجناسهم قهر وصاروا عبيدا من مهابة بأسها ... ولم ينجهم في الأرض بر ولا بحر يؤدون بالإذلال والهون جزية ... يقون بها الأنفاس فهى لهم عمر ومن لم يرم إعطاءها متكبرا ... يحيق به في الحين من بأسه مكر كما حاق بالمهدومة الخير جهرة ... وحل بها من سوء أفعالها خسر تصدى لها فخر الملوك بغزوة ... تزعزع منها الجو والبر والبحر وصب عليها من بوارق بطشه ... صواعق حتف لا يطاق لها أسر فأفسدها قهرا وخرب دورها ... وشدد أهل الكفر عنها لهم ذعر ومن ذا يلاقى صولة هاشمية ... إذا انتهضت للأمر يسبقها النصر فيا لك من عز تكامل سعده ... ويا لك من فتح به سمح الدهر تقاصر عن إدراكه شأو سابق ... وحاول أن يلقاه فانعكس الأمر فأخره الرحمن للعادل الرضا ... ليعظم في الأعمال منه له الأجر بك اختتم الإحسان والعدل والندى ... كما ختم الأشفاع في فضلها الوتر وكيف تدانيك الملوك سماحة ... وعزا وفخر أو يكون لها خطر

ولم لا تفوق الناس مجدا وسوددا ... وتعنوا إلى أوصافك الأنجم الزهر وأنت سليل المصطفى سيد الورى ... ومَن مِن نداه الجم يغترف البحر ورثت نداه والسجايا وعدله ... وسيرته في الخلق فاكتمل الفخر فأصبحت للإسلام طود حماية ... وغيثا لأهل الأرض إن نالهم فقر تود البحور الزاخرات لو انها ... يكون لها من جود راحتك العشر تناسى الرشيد والأمين وصنوه ... وجعفر والمهدى والواثق الصدر نسخت حديث القوم في الجود والندى ... فأصبح وهو اليوم ليس له ذكر أتتنا بك الأيام عند مشيبها ... فعادت عروسا بالبهاء لها قدر وعادت رياض العلم عابقة الشذا ... تغرد في أفنان أدواحها الطير وشدت ذُرَا الآداب فاعتز أهله ... وصار لهم في كل شاشعة فخر فخذها من العبد المحب قلادة ... تناسق من غالى المديح بها در يؤد جرير والفرزدق حقها ... وتخجل من ألفاظها الأنجم الزهر تطرز عذب النظم منها بمجدكم ... ونادى جهارا هكذا ينظم الشعر فقابل ثناها بالقبول فإنه ... عرائس مدح والقبول لها مهر وجزمى كل الجزم أنك فاعل ... وأنى بها لا شك ينضحنى البحر وإن قصرت في حصر مجدك إنها ... ستنشد ما قد قاله العالم الحبر إذا نحن أثنينا عليك بمدحة ... فهيهات يحصى الرمل أو يحصر القطر ولكننا نأتى بما نستطيعه ... ومن بذل المجهود حق له العذر أدام لنا الرحمن ملكك عزة ... وفخرا إلى الإسلام ما بعده فخر

وخلد رب العرش أمرك في الورى ... به تسعد الدنيا ويبتهج الدهر ودمت قرير العين للدين والهدى ... ودام مدى الأيام يخدمك النصر وقد ألف فيه ثلاث رسائل في مدح مخدومه فيها مسلكا لم يسبق إليه واستنبط كما قال من أمداحه، ما لم يهتد إليه بلغاء مداحه، فلغزال أمداحه الباع العريض، في منافسة أهل الأدب وبلغاء القريض، وقد آلى على نفسه، ألا يأتي في أمداح سيده بما تستطيعه أبناء جنسه، وأن يخترع بكل عام من الأدب ما يتعجب من إبداعه، على اختلاف أصنافه وأنواعه. ولم يزل يجيل فرس الفكر بميدان التأمل والاعتبار، فيما يناسب من أمداح هذا الملك الجليل المقدار، إلى أن فتح عليه في طرق ما سلكها قبله ذو ذهن ثاقب، ولا عبرها من سمت منه في الأدب مناقب، أول تلك الرسائل (اليواقيت الأدبية، بجيد المملكة المحمدية) وضع فيها أربعة أبيات في مربع كل بيت من بيوت ذلك المربع فيه تاريخ لبيعة الممدوح الذى هو حادى عشر المملكة العلوية فاجتمع من بيوت ذلك المربع ستة عشر تاريخا، أضاف لها قصائد على عددها الذى هو عدد البحور الشعرية، فجاءت كل واحدة من بحر، وافتتح حروف أوائل أبياتها بحروف الأبيات الأربعة الموضوعة في المربع، ثم أتى بعدها بستة عشر بيتا مفردا من كل بحر بيت، وفى نقط حروف كل بيت تاريخ. كذلك من قوله في تلك القصائد من (نزهة الملك المنصور، في مستعذب وافر البحور: (ر) حيب البذل بادى العدل مسدى ... جزيل الفضل عن كرم وجود (فـ) ضائله الغزيرة ليس تحصى ... ومن يحصى الجواهر بالعقود (خـ) لافته أمان في أمان= ... ولايته سعود في سعود

(ط) ليق الوجه بادى البشر أوفى ... وفى في المصادر والورود (يـ) راعى العهد يحفظه امتنانا ... يفك أسير ظلم من قيود وقوله من "نزهة الإمام الكامل، في جواهر الكامل": (يـ) حمى ذمار المسلمين بعدله ... وبسيف حق كف كف المعتدى (د) امت صنائعه الجميلة في الورى ... أمد المدى أمدادها لم ينفد (و) تراكمت أمواج بحر نواله ... ومعينها مستعذب للورد (صـ) افى المشارب كوثرى طعمه ... في ورده نيل المنى والمقصد (فـ) اضت علينا من زلال معينه ... نعم لها شكرى بيومى والغد (أ) عظم بها نعما إذا ما شئتها ... يمم حمى تاج الملوك محمد أول حروفها من قوله "بعرف خطير" و "يشيد وصفا" في أبيات المربع ومن الأبيات المفردة في قوله في "المفرد الرابع، للمحاسن جامع" من الوافر: ولاية ملكنا وافى العهود ... بها نيل الأمانى في الوجود والرسالة الثانية (الأطروفة الهندسية، والحكمى الشطرنجية الأنسية) ذكر فيها مثمنا ثم شحنه كما قال بفصول أربعة، تتألف بأخذ حرف من كل بيت على طرق مبتدعة، غير إن أحد الفصول يفتتح غالب بيوت المثمن بحروفه، وتعميره على سير الفرس في جمعه وتصنيفه، إلخ. والثالثة (نتيجة الفتح، المستنبطة من سورة الفتح) استنبط فيها اشتمال حروف {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3)} [الفتح: 1 - 3] على اسم صاحب الترجمة واسم أبيه وجده وأخبار مملكته بما لفظه:

"محمد بن عبد الله نسل إسماعيل ينصر نصرا عزيزا رائقا، ويملك فتحا ذا غنى فتكون مملكته ممكنة ولكل خير كافية وأيامه طاهرة نقية" كرر من الحرف ما هو مكرر في الآية وقابل كل حرف بمثله عدى الصاد من الصراط أبدله بالسين، على قراءة أحد المكيين، وخاطبه فيها بقوله: واى عز وفخر ... لمن له الذكر ذاكر تلك السعادة ممن ... حار العلى عن أكابر فكن إمام المعالى ... لأنعم الله شاكر فقد بلغت الأمانى ... وحزت أسمى الذخائر وذكر أن مما ثبت من أخبار ملوك الأعاجم، واعتنى به اليونانيون ووضعوا له الفصول والتراجم، أن للحروف خواص وأسرارا، يستخرجون بها أحاديث وأخبارا، وأعظم ما يعتنون به عند كل سنة، يقترحون على من له فكرة صقيلة حسنة، أن يجمع كلمات نقط حروفها ما مضى من الأعوام، فيتفاءلون بما أبررته القدرة عن الإلهام، فيكون غالب ذلك موافقا للمتوقع في ذلك العام. ولم تزل المشارقة تتمذهب بذلك في سائر أوقاتها، وتستعمله الملوك في مهماتها، ثم ذكر خمسة أبيات كل بيت منها في مسدس فاجتمع من فواتح كلمات تلك الأبيات ثلاثون حرفا، إن جمعتها وجدتها هكذا "محمد بن عبد الله بن إسماعيل نصره الله" وإن عددت نقط حروفها خرج لك عام البيعة. والرسائل الثلاث بخط مستنبطها الحسن المتسع موجودة بخزانتنا فرغ من آخرها ثامن عشر شوال سنة 1172 كما وقفت على رحلته نتيجة الاجتهاد بخط يماثل ذلك الخط، وإن كان أدق منه حروفا، وهى بخزانة الدولة بالرباط.

ومن شعرائه الأديب الماهر أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد الونان الحميرى التواتى الفاسى صاحب الأرجوزة الشهيرة بالشمقمقية المشتملة على كثير من الآداب والحكم ولطائف الإشارة لأيام العرب ووقائعها ومشاهير رجالها ومطلعها: مهلا على رسلك حادى الأينق ... ولا تكلفها بما لم تطق فطالما كلفتها وسقتها ... سوق فتى من حالها لم يشفق ولم تزل ترمى بها أيدى النوى ... فكل فج وفلاة سملق (¬1) وما ائتلى يذرع كل فدفد ... ذراعها وكل قاع قرق (¬2) إلى أن قال في التخلص لمديحها مشيرا إلى تكنية الممدوح لوالده بأبى الشمقمق لما كان عليه من جودة القريحة وغزارة المادة وحسن البديهة والمشاركة في الأدب تشبيها له بأبى الشمقمق مروان بن محمد الكوفى الشاعر مولى الحمار آخر خلفاء الأمويين: وإن أردت أن تكون شاعرا ... فَحْلاً فكن مثل أبى الشمقمق ما خلت في العصر له من مثل ... غير أبى في مغرب أو مشرق لذاك كناه به سيدنا السلطان ... عز الدين تاج المفرق (محمد) سبط الرسول خير من ... ساد بحسن خلقه والخلق أعنى أمير المؤمنين بن أمير ... المؤمنين بن الأمير المتقى خير ملوك الغرب من أسرته ... في وقته على العموم المطلق ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "سملق قاع صفصف". (¬2) في هامش المطبوع: "قرق ككتف مشوى".

له محيا ضاء في أوج الدجى ... سناه مثل القمر المتسق وراحة تغار من سيولها ... سيول ودق وركام مطبق ودوحة المجد التي أغصانها ... بها الأرامل ذو تعلق فاق الرشيد وابنه في حلمه ... وعلمه ورأيه الموفق وساد كعبا وابن جدعان وطا ... هرا وحاتما ببذل الورق ولم يدع معنى لمعن في الندى ... ولم يكن كمثله في الخلق مذ كان طفلا والسماح دأبه ... وغير مأخذ الثنا لم يعشق نشأ في حجر الخلافة ومذ ... شب فتى بغيرها لم يعلق فبايعته الناس طرا دفعة ... لم يك فيها أحد بالأسبق وأعطيت قوس العلا من قد برا ... أعوادها رعاية للأليق فصار فئ العدل في زمانه ... منتشرا مثل انتشار الشرق (¬1) وشاد ركن الدين بالسيف وقد ... حار بتقواه رضا الموفق وقد رقى في ملكه معارجا ... لم يك غيره إليها يرتقى ورد أرواح المكارم إلى ... أجسادها بعد ذهاب الرمق والسعد قد ألقى عصا تسياره ... بقصره وخصه بمعشق يا ملكا ألوية النصر على ... نظيره بغربنا لم تخفق طاب المديح فيكم وازدان لى ... فالفكر في بحر الثنا ذو غرق لولاك كنت للقريض تاركا ... لعدم الباعث والمشوق ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "الشرق الشمس".

وهى معروفة مطبوعة وقد شرحت في مجلدات، وأول من شرحها أبو عبد الله محمد الحريرى قاضيها المتوفى سنة 1240 في نيف وتسعين كراسا، ثم الطاهر ابن العناية المكناسى المتقدمة ترجمته، ثم شرحها أديبا العدوتين أبو حامد المكى البطاورى الرباطى قاضيها وأبو العباس أحمد بن خالد الناصرى السلوى وكل منهما في مجلدين. وكان ابن الونان ناظمها لما انتهى من نظمها قصد بها المترجم الممدوح بها، فتعذر عليه الوصول إليه، فتحين خروجه في بعض الأيام واعترضه في موكبه وصعد نشزًا عاليا من الأرض ونادى بأعلى صوته: يا سيدى سبط النبى ... أبو الشمقمق أبى فعرفه رحمه الله وأمر بإحضاره بعد بلوغه إلى منزله فحضر وأنشده إياها فوقعت منه أحسن موقع فأجزل صلته، ورفع منزلته. ومن شعره فيه قوله وقد أوقع بطائفة من الريف: سعد الذى آوى لظلك طائعا ... وسعى لخدمتك السعيدة وابتدر لم يشق إلا خائن متمرد ... نبذ الأمانة والشريعة مذ ختر كبغاة أهل الريف لا قرت بهم ... عين ولا أسقى بلادهم المطر شقت عصا الإسلام منهم فرقة ... سلك الغرور برأيها نهج الغرر ضلوا عن النهج السوى ببغيهم ... فسطا بهم سيف الإمام وما ائتمر ألقى عليهم من صواعق بنبه ... ما كاد يمحو العين منهم والأثر ظنوا صياصيهم لهم وزرا وإذ ... خابت ظنونهم تنادوا لا وزر طهرت بقتلهم البلاد من الأذى ... ولكم بهم قد كان فيها من قذر

سفراؤه

وله في مدحه قصيدة أخرى من البسيط على روى الدال يذكر فيها فتح ثغر الجديدة وإجلاء البرتغال عنها ويصف الحال، وهى طويلة وأخرى من الطويل على روى الحاء يعارض فيها قصيدة عوف بن محلم في عبد الله بن طاهر، وهى مشهورة كما قاله الجريرى في شرحه المذكور. ومن شعره أيضا قوله على لسان الباب المواجه لقبة الضريح الإدريس بفاس الموالى لسوق المجادليين الذى بناه المترجم هناك وهو منقوش عليه: بديع محاسنى زان العيونا ... وحسن شمائلى سحر الجفونا وموطنى السعيد يفوح عطرا ... بذكر الله رب العالمينا ومجدى ثابت لا ريب فيه ... بقطب الغرب كهف العابدينا وردت مجادة لما كسانى ... وطرزنى أمير المومنينا (محمد) الإمام أخو المزايا ... وبانى المجد بنيانا مكينا أجاد أمينه (الصفار) صنعى ... وأحسن إذ تخيره أمينا وتاريخى بشعبان جلى ... يدوم به هناء المسلمينا ويقال: إن الصفار أعطاه على البيت المذكور هو فيه خمسمائة مثقال. سفراؤه الحاج الخياط عديل الفاسى، والطاهر بنانى الرباطى، والطاهر بن عبد السلام السلوى، وعبد الكريم راغون التطوانى، ومحمد الحافى، وعبد الكريم العمونى التطوانى، والمولى عبد الملك بن إدريس العلوى، ومحمد بن عثمان المكناسى، وأبو القاسم الزيانى، والقائد محمد الزوين بن عبد الله الرحمانى، والقائد الطاهر فنيش السلوى وغيرهم للدولة العثمانية.

عماله

وأحمد الغزال الفاسى وابن عثمان المكناسى إسبانيا. وعلى مرسيل الرباطى والطاهر فنيش لفرنسا ومحمد الحافى، وابن عثمان لمالطة. والرئيس العربى المستيرى الرباطى لانجلترا. والحاج التهامى المدور الرباطى، وفى روضة الزيانى مدون وكلا البيتن موجود بالرباط، للسويد. وابن عثمان لنابولى. عماله على فاس الحاج محمد الصفار، ثم ولده العربى، ثم المنكاد ثم عزله وأعاد العربى الصفار، ثم عزله وولى عبد السلام الجعيدى، ثم محمد بن حدو الدكالى فشدد في الأحكام على أهل الجرائم، وكان من أحسن العمال إلى أن وقع بينه وبين القاضى ابن شقرون خصام فعزلهما، وولى ولده المأمون خليفة فاس العليا، وجعل ثلاثة خلائف عنه من أهل فاس، ولما مات المأمون ولى العربى الصفار، وبعد سنة وجهه للمشرق سفيرا، وولى أخاه محمد الصفار وكان حازما ضابطا أحسن من أخيه، ثم بعد مدة جعل الأحكام مناوبة لقواد الصويرة إلى أن توفى. وعلى الرباط على مرسيل، والعربى المستيرى، والحاج عبد الوهاب أشكلانطو. وعلى تطوان عبد الكريم بن زاكور. وعلى طنجة محمد بن عبد الملك الريفى لما قبض على صاحبها عبد الصادق ابن أحمد الريفى.

نقباؤه على الأشراف

وعلى العرائش ابن زاكور ثم نقله لطنجة، وكان عليها سنة 1179 الزيانى. وعلى درعة الباشا سعيد بن العياشى. وعلى تارودانت القائد الشيخ البخارى. وعلى دكالة، وتامسنا، البوزرارى الجابرى، ثم محمد وعزيز. وعلى شفشاون وقبائل غمارة والأخماس ونواحيهما الباشا العياشى. وعلى الغرب الهاشمى السفيانى والحبيب المالكى. وعلى آيت إدراسن ولد محمد وعزيز كبير البربر. وعلى الشاوية عبد الله الرحمانى. وعلى تادلا المولى إدريس بن المنتصر. وعلى الشياظمة القائد محمد وبلا وأخوه أحمد. وعلى سوس عبد الرحمن الوفريتى والباشا عبد النبى المنبهى. نقباؤه على الأشراف منهم المولى الرشيد بن عبد الهادى بن عبد النبى الدرقاوى الحسنى المتقدم الذكر في ظهير المترجم للشيخ التاودى في باب عطاياه وأحباسه، ومنهم الأشراف الاثنا عشر الذين أسند إليهم النقابة بفاس ونص ظهير ذلك بعد الحمدلة والصلاة: "عن أمر عبد الله، المتوكل على الله، أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين، المجاهد في سبيل رب العالمين، ثم الطابع بداخله: محمد بن عبد الله بن إسماعيل الله وليه ومولاه وبدائرته ومن تكن إلخ البيت، حرس الله جوانبه، وخلد في صفحات الدهر مزاياه ومناقبه، يستقر هذا المكتوب الكريم، المصحوب إن شاء الله باليمن والتعظيم، بيد حملته ساداتنا الشرفاء الأخيار الأنجاب، المذكورة أسماؤهم

[صورة] ظهير سيدى محمد بن عبد الله للنقباء الاثنى عشر

عقب تاريخ هذا الكتاب، وجملتهم اثنا عشر، صانهم الله في الورد والصدر، يعلم منه أنه لما ثبتت لدينا نجدتهم، وتحققت عندنا ثقتهم وأهليتهم، قلدناهم بعون الله خطة النقابة على الأشراف بحضرة فاس القرويين عمرها الله. وأذنا لهم في تصفح الرسوم الحادثة والقديمة، والبحث عن أصول المنتسبين للنسبة الطاهرة الكريمة، والاطلاع على ما في أيديهم من البينات والعقود، والنظر في الموجبات والشهود، وتصحيح النسبة وإبطالها بالموجب الشرعى، والوجه الواضح المرعى، على السنن المعروف، والنهج المعهود لمن قبلهم والمألوف. وحسبهم أن يحكموا في ذلك بالظاهر، والله سبحانه يتولى السرائر، وعليهم حفظهم الله بالتثبت واتباع الشريعة ونبذ الشهوات، وإمعان النظر فيما يرجع للخطة المذكورة من الجزئيات والكليات، وكل من أثبتوه أثبتناه، ومن نفوه نفيناه، استنادا منا لأمانتهم وحسبهم، واعتمادا على ديانتهم وشريف نسبهم، تقليدا تاما صحيح المبنى، شاملا لجميع من كان من أهل فاس بالأصالة أو بالسكنى، ونأمر أهل الدعوات الذين يدعون هذه النسبة الشريفة ويزعمونها أن يتكلموا معهم فيها ويعملوا بقولهم، ولا يخرجوا عن رأيهم وحكمهم، ومن نازعهم فيما قلدناهم، أو عارضهم فيما وليناهم، فليكن من العقوبة على وعد إن شاء الله، وحسب الواقف عليه من القضاة، والحكام والولاة، أن يعمل بمقتضاه، ولا يتعدى ما أبرمه أمره الشريف وأمضاه، والسلام وفى أواخر جمادى الأولى من عام واحد وسبعين ومائة وألف. ذكر السادات الشرفاء الموعود بذكرهم صدر الكتاب: مولاى عبد المالك بن مولاى أحمد الحسنى العمرانى الجوطى، مولاى عمر ابن مولاى حم الحسنى الجوطى، مولاى الطب بن مولاى حفيد الحسنى الجوطى، ولد عمه مولاى عبد الله بن عبد الرحمن الحسنى الجوطى، مولاى هاشم بن

نظاره

مولاى عبد الواحد الطاهرى الحسنى الجوطى، ولد عمه مولاى على بن التهامى الجوطى، مولاى محمد بوغالب بن العربى الحسنى الجوطى، مولاى عبد الهادى ابن عبد الرحمن عرف بالدباغ، مولاى الفضيل بن محمد الكتانى الحسنى، مولاى أحمد بن مولاى إدريس الطاهرى الصقلى الحسينى من أهل النعال الشريفة، مولاى حفيد بن مولاى محمد الصقلى الحسينى، مولاى أحمد بن مولاى إدريس العراقى الحسينى، وبه تم بتاريخ الكتاب يسرته". نظاره منهم ناظره على جميع الزوايا القادرية وأوقافها بالمغرب المولى الطيب ابن على القادرى وقد تقدم في ترجمته الظهير المتولى به على ذلك. ومنهم ناظره على الرباط الحاج المكى بركاش تولاها سنة 1185. ومنهم ناظره على مكناسة الحاج الطيب المسطاسى وقد تقدمت لك بعض الوثائق الدالة على ذلك والمحاسبات التي أوقعها فيما بيده ومما وقفت له عليه في هذا الباب ما نصه: "تقييد محاسبة الناظر السيد الحاج الطيب المسطاسى فيما دخل عليه من مستفاد المسجد الأعظم من محروسة مكناسة وأوقاف السور ومسجد مولانا إسماعيل، ومسجد الأزهر، وأوقاف المساكين، وروضة مولاى عبد الله بن أحمد عن مدة من أربعة عشر شهرا أولها المحرم فاتح عام اثنين ومائتين وألف وآخرها شهر صفر من عام ثلاثة ومائتين وألف: ". جملة الداخل أربعة آلاف مثقال ومائتا مثقال ثنتان وسبع وثمانون أوقية واثنان وعشرون فلسا:

فمن أوقاف المسجد الأعظم ألف مثقال واحد وستمائة مثقال وخمسة وعشرون مثقالا وخمس أواقى وستة عشر فلسا. ومن أوقاف مسجد الأزهر ستمائة مثقال وتسعة وخمسون مثقالا وأوقيتان. ومن أوقاف المساكين خمسمائة مثقال وأربعة وتسعون مثقالا وثمان أواقى وأربعة أفلس. يضاف لذلك ما دورك عليه في المحاسبة قبل هذه ألف مثقال وواحد وأربعون مثقالا وخمس أواقى ونصف وثمانية أفلس اجتمع في الداخل المذكور والمدرك خمسة آلاف مثقال ومائتا مثقال ثنتان وخمسون مثقالا وأوقيتان وثلاثة أرباع الأوقية وستة أفلس والداخل المذكور في المشاهرة ومسانهة جامع الأزهر فقط". "الحمد لله تقييد الصائر في المدة المذكورة أعلاه عن المرتب وسائر الكنانيش: جملته خمسة آلاف مثقال ومائة مثقال واثنان وثلاثون مثقالا وست أواقى إلا ربع أوقية. فمنه في مرتب المسجد الأعظم ثمانمائة مثقال وسبعة وستون مثقالا دراهم. ومنه في مرتب مسجد مولانا إسماعيل وضريحه ومسجد قصبة هدراش ومدارس القصبة السعيدة، ومرتب الشريف الضرير، والفقيه السيد محمد بن المهدى المدرس بالزاوية الإدريسية ألف مثقال وأحد وثلاثمائة مثقال واثنان وثمانون مثقالا وأوقية. ومنه في مرتب مسجد الأزهر ومدرسته وما صار في إصلاح رباعه ومرتب السيد عثمان التازروتى ستمائة مثقال وسبعون أوقية. ومنه في صائر الكنانيش على إصلاح الرباع وأجرة الناظر على الداخل والخارج وأجرة المحاسبة ألف مثقال واحد وثمانمائة واثنان وتسعون مثقالا وثلاث أواقى.

ومنه في صائر حبس المساكين وروضة مولاى عبد الله بن أحمد ثلاثمائة مثقال وتسعون مثقالا وخمس أواقى إلا ربع. يسقط من الداخل الصائر المذكور يبقى مدركا عليه لجانب الحبس مائة مثقال واحدة وسبعة عشر مثقالا وسبع أواقى، وجميع الداخل والخارج المذكوران أعلاه مبين جميعه في أصل المحاسبة التي تحت يد الناظر فمن أراد تفصيله فليقف عليها". ومنهم الحاج سعيد بن الحاج العربى بن الصغير الفيلالى، وقفت على دفتر صائره على الأحباس ابتداء من سنة 1187 إلى سنة 1192 على بتر وقع في أوله وآخره وصف فيه المذكور بالنظارة وذكرت فيه الصوائر بشهادة عدلين كل نصف شهر على حدة، وهى في المدة تختلف من ألفى أوقية وخمسمائة أوقية ارتفاعا إلى مائتى أوقية ونيف نزولا وعلى الدفتر خطاب "محمد المكى بن محمد المزوار بمكناسة" بخطه، وفيه محاسبة الأمناء الثلاثة الحاج العياشى بن محمد حميش، والشافعى بن عبد الله بادو، والحاج قاسم بن عبد السلام بن مومو الناظر المذكور بما لهم من النظر في الأحباس بالأمر المولوى على بعض ما تحصل في يده من مال الأحباس، وكان ينوب عنه إذا غاب الحاج الهادى غريط. ومن نظاره السيد على مرسيل، كان على المسجد الأعظم بالرباط ولا زال توقيته بيد أحفاده إلى الآن، ولما مات أسند ذلك إلى والده ونص الظهير الذى أصدره بذلك لأمناء العدوتين وفيه الأمر بالوقوف في إحصاء مستفاد موازين البلدتين وما أضيف إليها بعد الحمدلة والصلاة والتوقيع السلطانى بخطه أعلاه وهو "وعلى هذا يكون العمل": "كافة خدامنا أمناء ثغر سلا والرباط، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، فالذى يكون عليه عملكم في موازين سلا والرباط أن يقف أربعة من أمناء

سلا مع الطالبين الواردين من حضرتنا العلية بالله عليكم، وهما الطالب المأمون عليش وولد أخ الطالب عبد الرحمن الكدميوى على إحصاء مستفاد موازين الرباط، وما هو مضاف إليها إحصاء ضابطا. ويقف أربعة من أمناء الرباط مع الطالبين المذكورين أيضا على إحصاء مستفاد موازين ثغر سلا وما هو مضاف إليها أيضا من رحاب وغيرها، بحيث لا يغيب عنكم من ذلك كله شاذة ولا فاذة، وحين يتم شهر شعبان أخبرونا بما استفيد من كل مدينة في الشهر المذكور لنكون على خبرة بجميع ذلك، وولد خديمنا على مرسيل الكبير وليناه ما كان بيد أبيه يقف عليه كما كان أبوه وحتى المسجد يبقى ناظرا عليه كما كان أبوه قبله، ورتبنا له عشر موزونات عن كل يوم، ويقف في خدمتنا بالمرسى وغيرها والسلام في سابع عشرين رجب 1188". ونص ما أصدره في ولاية السيد أحمد ولد المذكور التوقيت بجامع السنة الذى أحدثه المترجم بآكدال الرباط بعد الحمدلة والصلاة والطابع: "يستقر هذا الظهير الكريم، المقابل بالإجلال والتعظيم، بيد ماسكه خديمنا الطالب أحمد ولد خديمنا الطالب على مرسيل الرباطى، يعلم منه أننا وليناه التوقيت بمسجد جامع السنة وكلفناه به من غير معارض يعارضه ولا منازع ينازعه، وأنعمنا عليه بقبض ثلاثين أوقية في كل شهر من الحبس إنعاما كليا، صدر أمرنا بهذا في 7 محرم الحرام فاتح اثنى عشر مائة 1200". ونص آخر بعد الحمدلة والتوقيع السلطانى وهو "أوقية 30": "ليعلم من كتابنا هذه أسماه الله أننا أذنا لناظر الأحباس برباط الفتح أن يدفع لأولاد السيد مرسيل من مال أحباس رباط الفتح زيادة على ما يقبضونه ثلاثون أوقية عن كل شهر من شهر المحرم المؤرخ به والسلام وفى 22 محرم الحرام فاتح 1201".

ونص آخر بعد الحمدلة والتوقيع بـ "1202": "نأمر خديمنا أولاد مرسيل أن يمكنا لخديمنا الزوين المكانتين الاثنتين اللتان إحداهما فيها السفن والأخرى التي فيها النصرانى يدق على أطرافها فالتى فيها السفن ستفاها في صندوقها والأخرى تبقى على تستافها 3". ومن نظاره الحاج التهامى بن يحيى السوسى السلوى ولاه النظر في سائر مساجد سلا، وأوقافها مع نيابة بيت المال في إرث المنقطعين وغير ذلك ونص ظهير ولايته بعد الحمدلة والصلاة: "عن الأمر العلى العلوى، الإمامى المولوى، الفاطمى المؤيدى أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين (ثم الطابع بداخله محمد بن عبد الله بن إسماعيل الله وليه). أيد الله أمره، وأبّد في معالم السعادة فخره ونصره، هذا ظهير ظهرت عليه آثار الإجلال، وتكاملت لديه عساكر الإفضال، يتعرف منه بسابغ يمن الله وطوله أن حامله الطالب الحاج التهامى بن يحيى السوسى أصلا السلوى دارا، وليناه النظر في سائر مساجد ثغر سلا المحفوظ بالله وفى جميع المواضع المحبسة عليها جليلها وحقيرها، بحيث لا يشذ عن نظره شئ منها، وكذلك جعلنا له التولية على إرث المنقطعين الذى يستحقه بيت مال المسلمين عمره الله، كما جعلنا له قبض مستفاد غلات أملاك ابن عزور الكائنة بثغر سلا، وقصرنا عليه النظر في ذلك كله، وكلامه منه إلينا وعليه بضبط الجمع وإصلاح كل ما يحتاج إلى الإصلاح من المساجد ورباعها والوقوف على ذلك جهد استطاعته، بحيث لا يعتريه كسل ولا ملل، وغليه بتقوى الله ومراقبته فيما وليناه عليه وحسب الواقف على هذا المسطور الكريم من خدامنا أن يعمل بمقتضاه ولا يتعداه، والله يصلحه ويوفقه لصالح العمل، والسلام سابع شعبان المعظم عام 1180".

[صورة] ظهير سيدى محمد بن عبد الله بإسناد نظارة سلا للحاج التهامى السوسى

ووقفت له على ظهير شريف بالأمر بمحاسبة أولاد ساسى السلويين عما كان بيد والدهم السيد العربى ساسى من مال الأحباس بحضور القائد عبد الحق فنيش ونصه بعد الحمدلة والطابع: "حملة كتابنا الكريم، المتمسكون بخطابنا الجسيم، السيد عبد الله ولد الصائر لعفو الله السيد العربى ساسى السلاوى وولد أخيه سيدى محمد بن محمد ساسى أسدلنا عليهم أردية الاحترام، وجعلناهم على كاهل المبرة والإكرام، بحيث لا يضرب إليهم أحد ساحة، ولا يقرب إليهم مساحة، ومن اهتضم لهم حرمة يخاف على رأسه، وقد أبرأناهم من متخلف الحاج محمد بن يوسف وعلال بن مبارك والزعرى من حراطين سلا فقد أديا ما وجب عليهم لبيت المال عمره الله حسبما تضمنته الرسوم التي بأيديهم ولم تبق عليهم تباعة، ومن كانت له دعوى عليهم فليسلك معهم الشريعة، وإن كانت لهم دعوى على أحد فليصحبهم للشرع الكريم. ونأمر قاضى مدينة سلا حرسها الله السيد عيسى، والفقيه السيد محمد ملاح، وعدول الصائر أن يحاسبوهم بحضور خديمنا القائد عبد الحق على ما كان بيد والدهم من مال الأحباس وما أبرزته الحاسبة من وفر يجعل في مصارفه وفى ثانى شعبان المبارك عام اثنين وسبعين ومائة وألف". ومن نظاره السيد محمد فتحا بن محمد ساسى كان على أوقاف المسجد الأعظم بثغر سلا، حسبما جاء بوثيقة شرائه الموطأ بالنيابة عن المسجد من الكاتب السيد الطاهر بن عبد السلام ونص ذلك بعد الحمدلة: "اشترى الناظر على أوقاف المسجد الأعظم من مدينة سلا أمنها الله تعالى سيدى محمد بن البركة الأجل سيدى محمد ساسى، وهو نائب في الشراء ودفع الثمن عن المسجد المذكور، ولا حق له في ثمن ولا مثمن من البائع له الفقيه

أولاده

الأجلّ العلامة السيد الطاهر بن الأبر السيد الحاج على بن عبد السلام جميع المجلد المحتوى على موطأ الإمام سيدنا مالك بن أنس رضى الله عنه المكتوب هذا على أول ورقة منه للحاجة إليه اشتراء تاما، بثمن قدره له ثلاثون أوقية دراهم سكة تاريخه، قبض البائع المذكور جميع الثمن دراهم عينا معاينة، وأبرأه من ذلك القبض أتم إبراء، وتملك المشترى للمشترى له المذكور تملكا تاما وحازه بالدرك عرفا قدره شهد به عليهما من أشهداه بأكمله وعرفهما في الثانى عشر من جمادى الثانية عام أربعة وسبعين ومائة وألف". ومنهم السيد محمد بن أحمد الشامى المدعو النقيب، كان ناظرا على مسجد القرويين، ورد ذكره كذلك بدفتر الأحباس المكناسية. ومنهم الشيخ أبو مدين الفاسى أسند إليه النظارة وغيرها بزاوية جده سيدى عبد القادر بفاس، حسبما مر ظهير ذلك في باب اعتنائه بالعلم وأهله. أولاده وكان له رحمه الله عدة أولاد أكبرهم أبو الحسن على خليفته على فاس المتوفى سنة 1197، وأشقاؤه المأمون خليفة فاس المتوفى سنة 1200، وهشام أحد المبايعين من أولاده بعده وعبد السلام مؤلف درة السلوك واقتطاف الأزهار، أمهم ربة الدار العلية المولاة فاطمة بنت عمه المولى سلمان بن إسماعيل. ثم سليمان السلطان وشقيقاه الطيب خليفة أخيه على مراكش وقائد جيوشه وموسى أمهم حرة من الأحلاف. ويزيد السلطان ومسلمة أحد المبايعين، وشقيقتهما السيدة حبيبة زوج ولد الشريف سرور شريف مكة، وقد ردها أخوها اليزيد لما مات الزوج كما عند الضعيف، أمهم شهرزاد علجة من سبى الإسبان.

مؤلفاته

والحسين أحد المبايعين وعبد القادر أمهما من الأحلاف. والحسن وعمر أمهما من الأحلاف أيضا وعبد الواحد أمه حرة من أهل رباط الفتح. وعبد الرحمن أمه حرة من هوارة السوس. وعبد الله أمه حرة من عرب بنى حسن. وإبراهيم أمه علجة رومية. ومن أولاده أيضا أحمد والتهامى. ومن بناته بنت كانت عند المولى عبد الملك بن إدريس وهى التي تشفعت له عند أخيها المولى سليمان، ومنهن السيدة لبابة وقفت على كتاب للسلطان سيدى محمد بن عبد الرحمن أيام خلافته قبل ولايته بعثه للقائد الجيلانى بن بوعزة جوابا عن كتابه في الإعلام بوفاتها ونصه بعد الحمدلة والصلاة: "وصيف مولانا الأرضى القائد الجيلانى بن بوعز أعانك الله وأصلحك وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته عن خير سيدنا أيده الله. وبعد: فقد بلغنا كتابك مخبرا بوفاة عمة سيدنا لال لبابة قدس الله روحها نسأل الله أن يجعلها ممن قدم صالحا، وسعى سعيا رابحا، والله يعينك والسلام في 26 من شوال عام 1259 ثم الطابع سفل الكتاب فيه "محمد بن أمير المؤمنين وفقه الله". مؤلفاته منها كتاب (الفتوحات الإلهية، في أحاديث خير البرية، التي تشفى بها القلوب الصدية)، في مجلد جمع فيه ما اتفق عليه الأئمة الستة أبو حنيفة

والشافعى وأحمد والبخارى ومسلم ومالك، يذكر أولا ما اتفق عليه الستة، ثم ما اتفق عليه خمسة منهم، ثم ما اتفق عليه أربعة، ثم ما اتفق عليه ثلاثة، ثم ما اتفق عليه اثنان، ثم ما انفرد به كل واحد من الأئمة الأربعة، ثم ثنائيات البخارى ومسلم، والتزم تقديم أكبر الأئمة سنا في الذكر مقتصرًا في الأسانيد على ذكر الصحابى. ثم ختم بذكر مناقب آل البيت، والعشرة، ومن استشهد منهم ووفياتهم رضى الله عنهم، وافتتحه بعقيدة ابن أبى زيد القيروانى التي صدر بها رسالته، وأول حديث فيه إنما الأعمال وإن كان رباعيا لأن الأعمال كما قال كلها موقوفة عليه، وذكر آخر كل فصل من الفصول المذكورة عدد ما اشتمل عليه من الأحاديث فكانت جملة أحاديث الكتاب 1516 حديثا. وعقد آخر الكتاب بعد ذلك فصلين أحدهما فيه معنى قوله في ترجمة الكتاب "قال محمد بن عبد الله المالكى مذهبا الحنبلى اعتقادا"، والثانى ذكر فيه اعتقاده في الأئمة الأربعة فذكر في الأول: "أن الإمام أحمد ثبت الله المسلمين بثبوته سد طريق الخوض في علم الكلام، وقال: لا يفلح صاحب الكلام أبدا، ولا ترى أحدًا ينظر في علم الكلام إلا وفى قلبه مرض، وهجر أبا عبد الله الحارث بن أسد المحاسبى وكان ممن اجتمع له علم الظاهر والباطن وذلك لتصنيفه كتابا على المبتدعة، وقال له: ويحك ألست تحمل الناس بتصنيفك على مطالعة كلام أهل البدعة والتكلم فيه! فيدعوهم ذلك إلى الرأى والبحث، فاختفى المحاسبى، فلما مات لم يصل عليه إلا أربعة، وإلى ذلك ذهب الشافعى ومالك وسفيان وأهل الحديث قاطبة، حتى قال الشافعى رضى الله عنه: لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير له من أن يلقاه بشئ من الكلام، فلزم السكوت عن الخوض في علم الكلام إلى أن نبغ الإمام الأشعرى فاشتغل يرد على

المعتزلة أقوالهم الفاسدة ويجيب عن آرائهم الواهية، فأتبعه المالكية على ذلك وسموه ناصر السنة، وهو ومن تبعه على صواب، موافقين في اعتقادهم للسنة والكتاب، لا في الخوض مع الخائضين، والتصدى لذكر شبه المبطلين، وتخليدها في الأوراق إلى يوم الدين. وأما الحنابلة فأنكروا عليه، وفوقوا سهام الانتقاد إليه، وقالوا له: كان ينبغى لك أن تسكت كما سكت الأئمة قبلك من السلف الصالح المهتدين الذين يرون أن الخوض في علم الكلام من الباع المحدثة في الدين، أمَالَكَ فيهم أسوة؟ أفلا وسعك ما وسعهم من السكوت عن تلك الهفوة؟ فطريق الحنابلة في الاعتقاد سهلة المرام، منزهة عن التخيلات والأوهام، موافقة لاعتقاد الأئمة كما سبق مع السلف الصالح من الأنام، أعاشنا الله على ما عاشرا عليه، وأماتنا على ما ماتوا عليه، بجاه النبى وآله". وذكر في الثانى أن اتباع كل إمام من الأئمة الأربعة يعظمونه ويذكرون أحاديث وردت عن النبى - صلى الله عليه وسلم - فيه ويزعمون أن من تمسك بمذهبه فقد تمسك بالعروة الوثقى ويرجحون مذهبه على سائر المذاهب قال: "وأنا أقول قد صدق الجميع من أئمة الهدى المذكورين أعاشنا الله على هديهم وطريقهم بجاه النبى وآله إلا في كلمة واحدة، وهى كلمة الترجيح، لأن اعتقادى في الأئمة الأربعة أنهم على هدى وكلهم على التساوى لا يرجح أحدهم على الآخر، وكل من تمسك بمذهب من مذاهبهم فقد تمسك بالعروة الوثقى، فكلهم والحمد لله آخذون بكتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأقول: هم الخلفاء الأربعة على أمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجعل أبا حنيفة خليفة أبى بكر، ومالكا خليفة عُمر، والشافعى خليفة عثمان، وأحمد خليفة على رضوان الله على الجميع.

وقد فرغ من تأليف هذا الكتاب الذى لم يسبقه إليه أحد من أئمة الحديث المبرزين على هذا الصنيع العجيب في جمادى الثانية عام 1198. ومنها كتاب (الجامع الصحيح الأسانيد، المستخرج من ستة مسانيد) وهو مرتب على أبواب الفقه مبين فيه عقب كل باب ما فيه من الأحاديث مفصول الكتب التي هى فصوله بالبسملة على عادة قدماء المحدثين، وذكر في آخره الفصلين المتقدمين في شرح قوله الحنبلى اعتقادا مذهبا، وبيان اعتقاده في الأئمة، وختمه بذكر اشتغاله بالحديث وكيف استخرج مصنفاته فيه وإدخاله المسانيد الثلاثة للمغرب فقال: "إن من أعظم نعم الله على، وأجل مننه لدى، أن وفقنى للاشتغال بالعلم والبحث عنه والمذاكرة لأهله، وإنى بعد ما خضت في علم اللغة برهة من الزمان، وحفظت من كلام العرب وأشعارهم جملة صالحة معينة على فهم السنة والقرآن، اشتغلت بعلم الحديث فاعتكفت على قراءة صحيح الإمام أبى الحسين مسلم بن الحجاج النيسابورى، ومراجعة صحيح الإمام أبى عبد الله محمد بن إسماعيل البخارى، وموطأ الإمام مالك بن أنس إلى أن ورد على مسند الإمام أبى حنيفة النعمان بن ثابت فقرأته حتى ختمته والحمد لله. ثم بعثنى الحديث الوارد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من حفظ على أمة الأربعين حديثا من دينها حسبما سبق ذكره في طالعة هذا الكتاب على تأليف جملة من الأخبار، من غير تطويل ولا استكثار، فألفت كتاب (الفتوحات الصغرى) معتمدا في ذلك على المسانيد المذكورة: مسند الإمام أبى حنيفة، ومسند الإمام مالك المسمى بالموطأ، ومسند الإمام أبى عبد الله محمد بن إسماعيل البخارى، ومسند الإمام أبى الحسين مسلم بن الحجاج النيسابورى.

ولما أراد الله تعالى إكمال منته، وإتمام نعمته، وجزيل عطيته، ورد علينا مسند الإمام أبى عبد الله محمد بن إدريس الشافعى، ومسند أمير المؤمنين في الحديث الإمام أحمد بن حنبل فاعتكفت على قراءتهما، ودأبت على مطالعتهما ومراجعتهما، فبعثنى صدق النية، وفرط محبتى للسنة النبوية، على جمع عيون من كلام خير البرية وسلكت فيها مسلكا لم أسبق إليه، ونسجت على منوال لم نر من نسج عليه، وسميته (الفتوحات الكبرى) فجاء بحمد الله كتابا بديع التصنيف حسن الترتيب والترصيف، يعد في المسندات. ثم بَدَا لى أن أجمع أربعمائة حديث من مسانيد الأئمة الأربعة، أصحاب المذاهب المتبعة، خاصة بهم دون غيرهم مائة حديث لكل واحد منهم، فأعدت قراءة المسانيد المذكورة مرة أخرى واستخرجت منها على الوجه المذكور كتاب (الجامع الصحيح الأسانيد) ثم ظهر لى أن أجمع هذه المصنفات الثلاثة التي هى الفتوحات الصغرى والفتوحات الكبرى والجامع الصحيح الأسانيد وأضم بعضها إلى بعض، وأرتبها على أبواب الفقه وأضيف إليها من حديث الأحكام، ما يكمل به الغرض والمرام، مأخوذا ذلك كله من الكتب الستة المذكورة التي هى مسند الإمام أبى حنيفة النعمان بن ثابت، ومسند الإمام مالك بن أنس المسمى بالموطأ، ومسند الإمام محمد بن إدريس الشافعى، ومسند أمير المؤمنين في الحديث الإمام أحمد بن حنبل، ومسند الإمام سيدى محمد بن إسماعيل البخارى، ومسند الإمام أبى الحسين مسلم بن الحجاج النيسابورى. فأضفت ذلك كله بعضه إلى بعض، ورتبته على أبواب الفقه وفصوله، ليسهل أخذ الحكم من قواعده وأصوله، وسميته كما تقدم بالجامع الصحيح الأسانيد، المستخرج من ستة مسانيد، فجاء بحمد الله كتابًا بديعا نافعا، ولما يحتاجه الطالب من أدلة الحلال والحرام جامعا، جعله الله خالصا لوجهه الكريم، ومقربا من رضوانه العميم".

ومن مؤلفاته كتاب (مواهب المنان، بما يتأكد على المعلمين تعليمه للصبيان) قال في أوله "لما كان غالب اعتناء طلبة الوقت بحفظ القرآن والتفنن في قراءته بالروايات، وإهمالهم ما فرضه الله على الأعيان مما يدان به من علم العبادات والاعتقادات، وإن كان فضل كتاب الله مأثورا، ومقام حفاظه بين أولياء الله مشهورا، لكن لامع الجهل بما يعبد الله به من ضرورى الدين، فإنه على الموصوف بهذه الصفة حجة في كل حين، لأن المقصود الأهم من حفظ القرآن، هو تعلم أحكام الدين التي بها الله يدان، إذ مجرد حفظ مجموعة فرض كفاية بلا ارتياب، ومعرفة ما تبرأ به الذمة فرض عين وإيجاب". ثم قال: "وكنت لقيت حال سفرى من مكناسة إلى مراكش سنة 1203 ثلاث بعد المائتين والألف من الأساتيذ الجم الكثير، وألفيت كل من اختبرت منهم لم يتمسك من علم دينه بقطمير، حملنى ذلك لما انطوى عليه الفؤاد من حب النصح للمسلمين، أن أجمع لهم مسائل مهمة من علم أمور الدين، قريبة المقاصد، شهيرة الموارد، مقتصرا فيها على الضرورى ليسهل حفظه على الصبيان وهى أيضا نافعة لمن اقتصر عليها في دينه من الشيوخ والكهول والشبان، راغبا بذلك في محصول قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما أخرجه الترمذى وقال حسن صحيح: إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلم الخير الناس، وما رواه ابن ماجه من أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: أفضل الصدقات أن يتعلم المرء المسلم العلم ثم يعلمه أخاه المسلم". وقد أوقف رحمه الله مؤلفاته وبالأخص المسانيد على خزائن المشرق والمغرب، وأوقف على تدريسها أوقافا وشرحها غير واحد من الأعلام، وذكر الضعيف في تاريخه أن شيخه ابن أبى القاسم السجلماسى الرباطى ختم كتاب الفتوحات المذكور في متم جمادى الثانية 1200 وابتدأ البخارى عقبه أرشد الله

وفاته

إمامنا لإحياء مآثر سلفه الصالح وألهمه طبع هذه الكتب القيمة ونشرها بين الناس. وفاته أصيب برد الله ثراه عند خروجه من مراكش للنظر في أمر ولده اليزيد المعتصم بجبل العلم بمرض خفيف تزايد به في الطريق، فلما وصل عين الحمارة بين وادى "الشراط ووادى يكم من أعمال الرباط أدركته منيته، وهو في محفته على نحو نصف يوم من الرباط بعد العشاء من ليلة الاثنين السادس والعشرين من رجب عام 1204 (¬1) ودفن عشية يومه كذا ببعض التقاييد، وقيل: إنه مات يوم الأحد الرابع والعشرين منه وحمل لداره بالرباط حيث دفن بإحدى قبابها بحضور الفقهاء والعلماء والشرفاء والطلبة، وصلى عليه العلامة محمد بن أبى القاسم السجلماسى وضريحه هناك مشهور. ولخاتمة الحفاظ المحدثين بالديار المشرقية الشيخ محب الدين أبى الفيض السيد مرتضى الحسينى الواسطى الزبيدى الحنفى صاحب شرحى الإحياء والقاموس وغيرهما يرثيه ويهنئ بالملك ولده المولى اليزيد رحم الله الجميع بمنه: وجدى يجد وحسرتى تتجدد ... وطويل حزنى وافر لا ينفد ومصيبتى ذهبت بكل جلادتى ... وذهبت لا أقوى ولا أتجلد وأسى أقام وإننى من قبله ... ما كنت أعلم ما المقيم المقعد ما لى أرى بعد النباهة والنهى ... بين المعالم باهتا أتبلد سيان عندى عاذر ومعنف ... ومحسن ومقبح ومفند حجبت وجوه الرأى دون تصبرى ... والرشد قل لى كيف ويحك أرشد ¬

_ (¬1) تحرف في المطبوع إلى: "عام 1304".

لله غرب مدامعى شققته ... لو كان ينفع غلتى ويبرد يا صاح عذرًا إن عصيتك في العزا ... مالى بذاك لا لسان ولا يد يهنيك سيل الدمع قد بلغ الزبى ... وأنقدنى الجوف القوى والأكبد وقد التقت حلق البطان فلا تلم ... لا أمس أمس ولا غد عندى غد فصمت عرا الصبر الجميل وخاننى ... ما كنت تعلم يا فلان وتعهد كبد مفتتة وجسم ناحل ... وهوامع تجرى وقلب مكمد يا دهر بع رتب المعالى كلها ... مات الشريف ابن الشريف (محمد) أعنى أمير المؤمنين وعصمة الـ ... ـمجد المكين المستغاث المسند ملك الملوك الصالحين وحرزهم ... بيت القصيد المرتجى والمقصد نجل الملوك الطاهرين رءيسهم ... تاج الأئمة والفخار الأوحد الصالح البر التقى العالم ... الورع الولى العابد المتهجد الحازم اليقظ (¬1) الذكى اللين الـ ... خشن الرضا المتنمر المتأسد الناسك القرم الوفى بعهده ... القانت الحبر الحفى الأسعد ملك المغارب سيد الصيد (¬2) الجحا ... جح (¬3) من قصى والكريم الأمجد ابن النبوءة والمروءة من سما ... وزكا وطاب غراسه والمحتد حلت عزائمها الغمام على ثرى ... فيه استقل ضريحه والملحد ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "اليقظة محركة نقيض النوم ورجل يقظ ككتف وسكران". (¬2) في هامش المطبوع: "الصيد جمع أصيد كهيم جمع أهيم، والأصيد الملك كما في القاموس". (¬3) في هامش المطبوع: "جمع جحجاح والجحجح السيد".

ديما ترى وجه الدموع وتفترى ... وتصوب طورا في الضريح وتصعد خرجوا به تتلوا المعالى خلفه: ... (اليوم عهدكم فأين الموعد) وبكت قلوب كالحديد لفقده ... فرأيت كيف يذوب ثم الجلمد يا تربة ضمت على أعضائه ... يهنى رحابك غار منك الفرقد هذا نسيمك إن تنسم راحة ... مهما يراوحنا وتربك إثمد لازالت الرحمات تغشى روحه ... يجرى بها أبدا عليها سرمد وتقدست نفس له بمكان ما ... يتنافس المتنافسون ويجهد نزلا يكون له الرضا من ربه ... ومقام صدق في النعيم ومقعد والله أكرم ما استعيض فعاضنا ... عوضا خليفته الأشم الاجود ما غاب مولانا وفرقد سعده ... حتى بدا وجه اليزيد المسعد عادت لنا الحسنى وكانت فارقت ... والعود من بعد التفرق أحمد إلى أن قال: يا أهل إسماعيل يا أهل الوفا ... يا من لهم ذاك العلا والسودد القائلين الفاعلين المطعميـ ... ـن المصطلين لنار حرب توقد ما منكم إلا زعيم ماجد ... شيخ وكهل في الكمال وأمرد هذى الخلافة ما تعدت بيتكم ... فارعو المعروف المهيمن وأحمد بيت له عند الملوك جلالة ... وهم لديه راكعون وسجد بيت له شرف أشم وعزة ... ومهابة وصلابة وتسدد بيت (يزيد) مليكه وبنو أبيـ ... ـه معاضدوه فكيف لا يتأيد

179 - محمد بن عبد الرحمن بن هشام بن محمد بن عبد الله بن إسماعيل السلطان ابن السلطان ابن السلطان ابن السلطان ابن السلطان ابن السلطان

إلى أن قال: لازلتم تتوارثون سيادة ... أبدا يقوم بها وينهض سيد وإليكموها في الهناء وفى الرثا ... غراء ينشدها حبيب معبد تسرى بها الركبان ما بين الورى ... مثلا وتتهم في البلاد وتنجد خلعت ثياب الحزن منها واكتست ... ثوب السرور واقبلت تتأود الله أولى من شكرت صنيعه ... وأحق من يثنى عليه ويحمد أصبحت مسرور الفؤاد ولم أقل ... وجدى يجد وحسرتى تتجدد 179 - محمد بن عبد الرحمن بن هشام بن محمد بن عبد الله بن إسماعيل السلطان ابن السلطان ابن السلطان ابن السلطان ابن السلطان ابن السلطان. حاله: من خيرة بنى أبيه وأكثرهم برورًا به، وأشدهم اقتداء به وامتثالا لأوامره حتى إنه كان لا يراجع فيما يقال له إن والده كان وعد به، وكان يمضى ذلك اعتمادا على أخبار المخبر من غير بحث ولا مناقشة، وهذا بعد وفاة والده، فما ظنك به في حياته، فهذا لعمرى غاية البرور وبسبب ذلك حصل على المكانة المكينة لديه. أخذ عن الفقيه السيد الطيب بن اليمنى بو عشرين السالف الترجمة، وهو الذى تولى تأديبه، وتربيته وتهذيبه، وعن العلامة السيد المدنى بن الكبير الفيلالى الغربى قاضى مراكش، والأستاذ المقرئ السيد محمد بن عبد الواحد الزجلى الفاسى المعروف بابن تمو حسبما وقفت له على ظهير شريف أصدره لأحفاده بالتوفير والاحترام. ¬

_ 179 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 7/ 2647.

ونصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع الكبير بداخله "محمد بن عبد الرحمن الله وليه" وبزوايا خاتمه السليمانى "وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب" ثم اسم الجلالة ومحمد وأسماء الخلفاء الأربعة وبدائرته ومن تكن إلخ البيتين: "كتابنا هذا اسماه الله وأعز أمره، وأطلع في سماء المعالى شمسه المنيرة وبدره، يستقر بيد حملته أحفاد شيخنا الفقيه الأستاذ المقرئ البركة سيدى محمد بن عبد الواحد الزجلى ثم الفاسى المعروف هو وقومه بأولاد ابن تمو، وهم أولاد ولديه الموقت الحيسوبى السيد على، وأخيه الحاج محمد ويتعرف منه بحول الله وقوته، وشامل يمنه ومنته، أنا سدلنا عليهم أردية التوفير والاحترام، وحملناهم على كاهل المبرة والإنعام، والرعى الجميل المستدام، وأسقطنا عنهم التكاليف المخزنية، والوظائف السلطانية، لما لجدهم علينا من الحق بتعلم كتاب الله العزيز ولانتمائهم للنسبة الشريفة، ولانخراط البعض منهم في سلك خدمتنا السعيدة، فمن حام حول حماهم بما يخالف هذا فلا يلومن إلا نفسه، ونأمر الواقف عليه من خدامنا وولاة أمرنا أن يعمل بمقتضاه، ولا يحيد عن كريم مذهبه ولا يتعداه، صدر به أمرنا الشريف المعتز بالله في رابع قعدة الحرام عام 1285". وكان ذكيا زكيا فاضلا جامعا لأوصاف الخير والنبل، محبا في العلماء محسنا إليهم معتنيا بشأنهم، مشاورا لهم لا يبرم أمرًا دونهم، له باع طويل وقدم راسخ في العلوم العقلية كالحساب والتوقيت والتنجيم والهندسة والهيئة والموسيقى، درس تلك الفنون بالنقد والتحرير، وختم كتاب إقليدس في الهندسة عام واحد وسبعين ومائتين وألف. أحيا رحمه الله دارس تلك العلوم، ونفق في زمانه سوقها بعد الكساد وأسس مدرسة لتلك الفنون في خلافته على عهد والده المقدس جوار القصر السلطانى من فاس الجديد تخرج منها جماعة من الطلبة النجباء النبلاء، منهم الفئة

[صورة] وجدت هذه الصورة محفوظة عند بنت باشادور الإنحليز بطنجة الميسطر (جان هي) أخذت عند مقابلته الرسمية مع الجلالة السلطانية المحمدية والقنصل المذكور هو الواقف أمام الجلالة مع أعضاء سفارته وعن اليمين زوج السفير المذكور وبنته. وقد امتد مقام هذا السفير بالمغرب من الدولة العبد الرحمانية إلى أواسط الدولة الحسنية

[صورة] ظهير سيدى محمد بن عبد الرحمن لأحفاد شيخه ابن تمو

الموجهة لتتميم دروسها بعواصم أوربا، كالفقيه أبى عبد الله محمد العلمى الشهير ببنانى بإيطاليا، وآخرون في فرنسا وألمانيا وذلك في حدود 1300 حسبما بسطه. وكان ولوعا بجمع الكتب الغريبة، حتى إنه جمع وهو خليفة عددا من النساخ وجعل لهم محلا مخصوصا لنسخ كتب الحديث وغيرها ورئيسا هو الفقيه الأديب الكاتب السيد محمد بن محمد غريط. وكان آية عظمى في السماحة والجود. قال في اقتطاف زهر الأفنان: أخبرنى من يوثق به ويعتمد على خبره ممن لازمه يعنى المترجم اللازمة لخاصة أنه لم يقل لا في شئ سئله قط، وهذا من أغرب ما يتحدث به من كرم الشمائل مع كثرة السؤال وتعدد أنواعه كما هو معروف، وهو متأس في ذلك بصالح سلفه كسيدنا زين العابدين القائل فيه الفرزدق. ما قال لاقط إلافى تشهده ... لولا التشهد كانت لاؤه نعم وكان كثير الإغضاء بحيث كان يبغت بعض خاصة الأتباع وهم على غير ما ينبغى فيرجع متعوذا من الشيطان الرجيم، كما أنه كان من التواضع بمكانة، ومن تواضعه أنه كان يخرج للصلوات الخمس متأبطا لبدته سواء في ذلك الحضر والسفر. وكان مقبلا على شأنه، برع في نظم الأرجال وفاق، يأتى بالتخييلات العجيبة والتشبيهات البديعة والنوادر. وكان له ولوع بالطرب والنغمات الموسيقية، اتخذ لتعلم ذلك جماعة من الإماء وعين لتعليمهن المعلم الساورى أمهر أرباب الصناعة الموسيقية في عصره، فتعلمن وبرعن في ذلك أعرف بعضهن بالعين والاسم، ولا زالت واحدة منهن

حية ترزق إلى الآن، واقتفى أثره من بعده في ذلك نجله الإمام المقدس مولانا الحسن برد الله ثراه، وكذلك حفيده إمام عصرنا الكوكب الدرى الأصعد، أبد الله علاه ونصره، وأبهج بالعلوم والمعارف عصره، أمين. وكان المترجم من أعلم أهل عصره بالسياسة، وأمثل البررة إخوته طموحا للمعالى، حريصا على نفع العباد، بصيرا بعواقب الأمور، ذا تأن وتؤدة ووقار كم رشحه والده للمهمات، وكشف به من مدلهمات، استخلفه بفاس على حداثة سنة عام 1255، واستوزر له السيد الطيب بو عشرين إذ كان مؤدبا له، فأحسن السيرة وقام بمأموريته أحسن قيام، فازدادت مكانته عند أبيه وفوض إليه، وألقى زمام المملكة بين يديه، لم يستثن عليه شيئا منها فاتخذ العساكر وجند الجنود، وأمر ونهى وولى وعزل وقدم وأخر. وقفت على كثير من ظهائره التي أصدرها في خلافته للقائد الجيلانى ابن بوعزة والقائد فرجى وغيرهما، وكان يختمها من أسفل بختم نقش عليه "محمد ابن أمير المؤمنين وفقه الله". ولما وجهه والده لناحية وجدة وجرت على جيشه الهزيمة الشهيرة بوادى ايسلى في شعبان سنة 1260 ورجع لفاس حجب عنه وجه رضاه، واستشار الوزير الصدر ابن إدريس في شأنه فأشار عليه بعزله من الخلافة وتولية أحد إخوته، فلم يعمل بإشارته، ثم استشار عامل السراغنة السيد أحمد بن القائد في شأنه أيضا فأشار عليه بإقراره على الخلافة، وقال له: إن ما وقع من انكسار الجيش لا عهدة عليه فيه إذ ذاك كان من تهاون كبراء الجيش وإخلادهم إلى الراحة وطمع الجنود في خزينة مال المؤنة، وإذا عزلته فربما يظن الأجانب أن عزله كان لأجل ما ضاع من المال والأخبية والآلات. فأعمل رأيه وأقره على الخلافة، وعزل الفقيه بو عشرين عن وزارته ونكبه، وعين لوزارته الفقيه السيد محمد غريط، ومن ثم أخذت حالته تتدرج لديه في

الاستحسان وحظوته تتزايد إلى أن صار يولى من أشار بولايته ويعزل من أشار بعزله، ثم أرجع الفقيه بو عشرين لوزارته، وفوض له أمور القبائل المندرجة في خلافته، فبنى قبة سيدى عمارة خارج باب القصبة بمراكش، وبنى مسجد مولاى عبد الله بفاس الجديد، غير أنه انتقد عليه بناء ذلك، وأمر باتخاذ مسجد مولاى عبد الله مخزنا للشعير وإغلاقه حيث إن الناس في استغناء عنه بتعدد المساجد، ولم يقبل شفاعة الشافعين في فتحه إلى أن خطب الفقيه الخطيب سيدى علال الفاسى في جمعة من الجمع بالمسجد الأعظم بفاس الجديد والسلطان إذ ذاك حاضر، فقرأ في خطبته قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ... (114)} [البقرة: 114]. فتأثر السلطان لما سمع ذلك وأمر بفتح المسجد حينا فكان للخطيب بذلك جميل ويد بيضاء لدى المترجم وأولاه الإنعامات والتنافيذ الجزيلة التي ورثه بنوه من بعده. ولما توفى الوزير الصدر المذكور، وتولى الوزارة السيد العربي الجامعى حملته الدالة بالمصاهرة والأثرة لدى السلطان على أن صار لا يبالى بالمترجم ويغض من مكانته، فتذمر لذلك، واشتكى لوالده بأن الأوامر المهمة لا تصله مكاتيبها إلا بإمضاء الوزير مع أحقيتها بالطابع الشريف، وكان ذلك عند ملاقاتهما ببلاد الشاوية، فواعده والده بانه إذا وصل لمراكش عزله ومن ثم تغير للوزير، ووظف عليه مائة ألف ريال غرامة فادى منها سبعين ألفا وعجز عن الباقى، ولما وصل لمراكش عزله كما ومحمد المترجم، وولى الفقيه السيد محمد غريط بإشارته. وكانت العادة بينه وبين والده أنه إذا كان والده بمراكش نهض هو للقيام بأعباء الخلافة بمكناس وفاس والعكس، وعلى هذا استمر عملهما إلى أن ليس والده داعى مولاه بالعاصمة المكناسية يوم الاثنين التاسع والعشرين من المحرم عام ستة وسبعين ومائتين وألف.

ولما ختمت أنفاسه أجمع أهل الحل والعقد بالعاصمة المذكورة على بيعة المترجم، وقال أبو عيسى المهدى ابن سودة المرى في كناشته ومن خطه نقلت: كانت بيعته بمكناس في الساعة السابعة من يوم الثلاثاء فاتح صفر العام انتهى. وتبعهم على ذلك أهل فاس وغيرهم من الإيالة المغربية ولم يختلف فيها اثنان لما أنسه الناس فيه وسابروه من عدله وتقاه وسيره في الرعية على أقوم سنن، ووجهت له البيعات مع وفود التعزية والتهانى. ولم يكن لديه من الخبر إلا أن والده مريض، فلم يرعه إلا ورود الخبر من أخيه المولى العباس والصدر أبى عبد الله محمد الصفار التطوانى بأن أباه قد أشرف، فخرج من مراكش مزعجًا كى يدرك والده حيا، ولما صدر عن العاصمة الجنوبية بيوم أو يومين بلغه نعى والده وبيعات العاصمتين مكناس وفاس ومن انضم إليهما من القبائل والقرى، فوجهها لمراكش وسار هو إلى أن حل بالعاصمة المكناسية في صفر وأقام بها إلى ثانى ربيع الثانى كما قرأت ذلك بخط العلامة القاضى أبى عيسى المهدى ابن سودة المذكور. ولما وصلت البيعتان المكناسية والفاسية للعاصمة المراكشية اجتمع أهلها بجامع الكتبيين كما حضر معهم العسكر السوسى، وأعيان الرحامنة، وأهل الحوز، والدير وغيرهم، وحضر معهم كبار إخوته وفى طالعتهم أبو الحسن على العلامة المشارك، وعامل البلد أحمد بوستة، وباشا الجيش القائد إبراهيم الأجراوى، وعمال الرحامنة وشرفاء البلد وعلماؤها، فلما غص الجامع بالخلائق قرئ عليهم الكتاب المتضمن للأخبار بموت السلطان أبى زيد والبيعة لولده المترجم فلم يختلف في ذلك أحد، ولا استنكف ولا جحد، فاتفق رؤساء ذلك المشهد على كتب البيعة المحمدية.

[صورة]

هذا محصل ما أفاده صاحب الجيش العرمرم وهو من جملة من حضر، واليه أسند كتب البيعة باقتراح من العلامة أبى عبد الله محمد السعيد حسبما حكى ذلك عن نفسه قائلا: فكتبت نسخة مباركة على لسان الرحامنة، وعين وفد منتظم من الأشراف والأعيان والرؤساء للوفادة بالبيعات على المترجم للحضرة المكناسية للتهنية والتعزية. ولما وردت تلك البيعات على صاحب الترجمة أصدر أوامره بقراءتها بالعاصمتين مكناس وفاس، وإليك نص البيعة المراكشية وإن كان صاحب الجيش مرصع جواهرها لم يثبتها في تاريخه، وكان يود إثباتها ولكنها لم توجد عنده بعد البحث عنها في حال التقييد حسبما صرح بذلك في تاريخه المذكور: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما. ومن تكن برسول الله نصرته ... إن تلقه الأسد في آجامها تجم إن ينصركم الله فلا غالب لكم، نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين، الحمد لله الذى أطلع شمس الخلافة في مطالع السعود، وأثمر في رياض مننه لأمله كل عود، وأنجز لمن أهله لإدراك التقدم على عباده صادق الوعود، وفتح أبواب السعادة لقارعها، وأربح بيعة ملتمس فضله لمشتريها وبائعها الذى بنوره تنجلى الغما، وتتصل النعما، نحمده حمدا يتكفل بتحسين العواقب، وترقية الآمال إلى أرفع المراقى والمراقب، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد الذى تفجرت بوجوده بحور المواهب، وجاءت شريعته بأوضح المسالك والمذاهب، وأنزل عليه {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)} [الفتح: 10] صلى

الله عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وسلم تسليما، والرضا عن أصحابه الذين كانوا له خير أنصار وأعوان، وخصوصا أهل بيعة الرضوان. أما بعد: فهذه بيعة شريفة مباركة ميمونة، بها سعادة الدين والدنيا إن شاء الله مقرونة مضمونة، بيعة كريمة يصلح الله بها الأمة، ويفيض بسببها سحائب النعمة، ويشمل ببركاتها جميع الأقطار بكل رحمة: تولى اختيار الله حسن اختيارها ... فلم يحتج الإنسان فيها لإنسان بيعة حسنية علوية إسماعيلية هشامية محمدية، بيعة عاطرة تعبق في رياض البشائر أزهارها الفواحة الندية، بيعة صحيحة شرعية، ثابتة شروطها المرعية، بيعة لا يحوم حولها زيغ ولا طيش، يشيد بناءها الأئمة من قريش، فلا ينحل عقدها، ولا ينقض عهدها: تمد بنود النصر منها ظلالها ... على الأرض طرا بالمسرة والأمن حضرها العامة والخاصة، والملائكة الذين أضحت بهم البسيطة غاصة، واحتف بها القبول والسرور، وكانت مركزا تطوف بها الكمالات وتدور، وتتمنى محاسنها الشموس والبدور، ما تخلف عنها أحد من أهل هذه الحضرة المراكشية وأحوازها وبواديها، ولا بقى أحد من أعرابها وبرابرها إلا حضر في ناديها، وأجاب دعوة مناديها، من الشرفاء والعلماء والصلحاء والقضاة والعدول، والكبار والصغار وكل فاضل ومفضول: جحاجحة غير الوجوه كأنها ... إذا أسفرت ليلا بدور كوامل وخصوصا الأعيان والرؤساء والرماة، الذين هم لحوزة الإسلام أسوار وحماة، إلا صرح بالإذعان والقبول حين حضر انعقادها، وأضمر اعتقادها، وكل فرد من أولئك الأشهاد، يعلن بالإشهاد على نفسه غاية الإشهاد، وما منهم إلا من

آمن بها وأمن عليها وصدق، وغض بصره خاشعا من هيبتها وأطرق، وينادى أشهدوا فينى أشهدكم وأشهد الله، وأقول الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله. ثم إنه لما استأثر الله سبحانه بمولانا أمير المؤمنين، وإمام المسلمين السلطان الهمام، المعتصم بالله مولانا عبد الرحمن بن مولانا هشام، ونقله من دار الإسلام إلى دار السلام، وآثره بجواره وقربه، ومهد له بساط الكرامة إلى جنبه، وأقدمه إلى مدخرات حسناته الجسام، وحوز له من جزيل المثوبات أوفر الأقسام، واختار له في مقر رحمته من جملة حزبه وأوليائه فريقا، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، كرم الله مثواه وأحسن مأواه، آمين. ووالله ثم والله لولا أنه خلف فينا خلفا صالحا، واتجر لنا متجرا رابحا، لكان من فقده تضيق الأرض بما رحبت، وتجزى كل نفس بما كسبت، وتخر الجبال هدّا، وتصد الأرواح عن أجسادها صدا، ولم يكن في النسب العلوى الطاهر، ولا في البيت الإسماعيليّ الشهير الظاهر، ولا من بيوت الحلفاء من بقية أولئك الآباء والجدود، بل ولا ممن تنتج به الليالى وهى عاقر غير ولود، من تسلم في يده الأمة زمامها، وتقدمه في محراب السلطنة العظمى إمامها، إلا واحد قد اختص بجميع الكمالات البشرية وتفرد، وذلك الواحد هو الإمام المؤيد المنصور، والأسد الورد الهصور، أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين، سيدنا ومولانا محمد بن سيدنا ومولانا عبد الله بن سيدنا ومولانا هشام بن سيدنا ومولانا محمد بن سيدنا ومولانا عبد الله بن سيدنا ومولانا إسماعيل أعز الله ذكرهم، وخلد في صفحات الأيام مجدهم وفخرهم.

فلذلك وقع هذا الاتفاق على بيعته، والدخول تحت طاعته والإذعان لكلمته والرمى على نبعته، وتمت له كلمة ربه الحسنى، بإدارك هذا المقام الأكبر الأجل الأسنى، واحتياز ميراث النبوة والملك المتخلف عن آبائه، الغائظ لأعدائه السار لأحبائه، فيا لها من بيعة تامة غاية التمام، جاءته عفوا على طرف الثمام، محبوكة على عادة أيمان البيعة وحدودها المحدودة، وشروطها المؤكدة في أقسامها المعدودة، ويا له من إمام، أسعد الله به جميع الأنام: هذا الذى هبت نواسم حمده ... وأتت بعرف الروضة المعطار هذا الذى طلعت شموس سعوده ... تغشى أشعتها قوى الإبصار هذا إذا افترت مباسم بشره ... وهب النفوس وزاد في الأعمار والله المسئول سبحانه أن يبارك لمولانا فيما وهبه، ويوضح في اتباع الحق وأفعال الخير مذهبه، ويجعل مفاتح جميع السعادات في يمينه، كما مسح في الأزل بيمينه المقدسة على جبينه، ويملكه مشارق الأرض ومغاربها، وبرها وبحرها وشاهدها وغائبها، ويجعل النصر والظفر مصاحبين لأعلامه، والفتح والقبول عن يمينه وشماله ومن خلفه ومن أمامه، ويقر بولايته المباركة عيون أهل ملة الإسلام، بجاه جده سيدنا ومولانا محمد عليه وعلى آله أزكى الصلاة والسلام، قال ذلك وكتبه شاهدا على الجموع المذكورة بما فيه به. شهادهم قوة وفعلا العبد الضعيف محمد بن أحمد أكنسوس لطف الله به" من خطه. ونص بيعة الصويرة بعد البسملة والصلاة: "لما استأثر الله بعبده إمام المسلمين مولانا عبد الرحمن بن هشام، نقله عن سرير الخلافة إلى جواره مع أسلافه البررة الكرام، قدس الله ضريحه، وأسكنه من الجنان فسيحه، وورد الإعلام بذلك من نجله الشريف، وخليفته العلم المنيف،

بعض ما قام به من الأعمال ذات البال بعد جلوسه على العرش

الفقيه العالم الأمجد الأسعد، سيدنا ومولانا محمد، على عامله وأمينه بثغر السويرة وهو الحاج عبد الكريم ابن الحاج أحمد الرزينى التطاونى وكافة من بها من المسلمين. اجتمع أعيان البلد من الشرفاء والعلماء والتجار وكافة الجيش السعيد الذى بها وقرئ عليهم الكتاب الشريف معلما بذلك وباجتماع أهل الحل والعقد على بيعة نجله المذكور، وسليله المنصور، فتأسف جميعهم لما حل بالمسلمين من المصيبة العظيمة واستبشروا لبيعة نجله الميمونة، التي هى بكل خير كفيلة مضمونة، وأشهد إذ ذاك القائد المذكور وأعيان البلد المذكورون وشرفاؤها وعلماؤها وجيشها الذى بها وجميع كبراء أهلها أنهم بايعوا أمير المؤمنين المؤيد، سيدنا ومولانا محمد، على السمع والطاعة، وتلقين أوامره بالقبول والرضا، وأحكامه بالنفوذ والإمضا، جهد الاستطاعة، موافقة لجميع المسلمين، ودخولا في زمرة المؤمنين، وعملا يقول الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ...} [النساء: 59]، وفرارا من الخروج عن كلمة جماعة المسلمين لما ورد أن جماعتهم لا يخالفها إلا شيطان بيعة تامة، ألزموا أنفسهم أداء واجبها في أموالهم وأبدانهم، ودعوا لجنابه بالظفر والفتح المبين، والظهور والنصر المستبين، عرفوا قدره، شهد به عليهم وهم بحال صحة وطوع وجوار وعرفهم، وفى خامس عشرى صفر الخير سنة ستة وسبعين بموحدة بعد السين ومائتين وألف". بعض ما قام به من الأعمال ذات البال بعد جلوسه على العرش غير خاف ما كان له من الاهتمام بمصالح الرعية، وأنه كان ناظرا إليها في مصالح دينها ودنياها عامها وخاصها، حريصا على إيصال كل خير إليها، مناضلا

ومدافعا لكل من يروم اغتصاب شئ من حقوقها على قدر الإمكان، ولننبه من ذلك على نقط تكون أنموذجا لغيرها: فمن اهتمامه بمصالحها في أمور دينها ما أصدره لنائبه وخديمه أبى عبد الله بركاش ونصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع الكريم: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد تساهل الناس خصوصا الأغنياء وأهل الوجاهة في أمر الأحباس حتى صاروا يتوصلون إلى ما أرادوه منها بأى وجه أمكنهم، ويجعلون ذلك في صورة المعاوضة، وصار النظار والقضاة يعتبرونهم فلا يردون لهم حاجة، حتى انتقل بذلك كثير من الأحباس. فبلغ لمولانا المقدس بالله ذلك فأمر الولاة خصوصا القضاة الذين لهم دخل في هذا الأمر بعدم معاوضتها رأسا، وتقرر هذا الأمر بمراكشة وفاس فلا يوجد أحد يعاوض شيئا منها، وحتى إن تعينت المصلحة فيها فلابد من رفع أمرها لسيادته لينظر فيها بما اقتضاه نظره، ولما ولانا الله سبحانه هذا الأمر اقتفينا أثره في ذلك وسددنا الأبواب في وجوه طلابها، على أن هذه المعاوضة إنما قال من قال بها من العلماء على شروط، وأين هى تلك الشروط! وما تقرر بهذه المدن أردنا أن يتقرر بذلك الثغر السعيد وها نحن أمرنا القاضى هناك وأكدنا عليه في عدم الموافقة على المعاوضة رأسا، كما أمرنا وصيفنا القائد محمد بن عبد الكريم الجبورى بأن لا يساعد أحدا عليها بوجه، وأعلمناك لتكون على بصيرة، وقد توعدنا القاضى والعامل على ذلك والسلام 4 من صفر عام 1279".

ومنها أيضا ما أصدره له أيضا ونصه: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فإنا كنا أمرنا خديمنا القائد الطيب ابن هيمة بأن يكون عملهم في أملاك الأحباس التي بآسفى أن تستمر كل سنة حتى تقف على آخر زائد فيها لكون كل من بيده محل منها يحب أن يتقاعد عليه ويملكه ولا يزيد في كرائه، سواء غلا الكراء أو رخص، فأجاب بأنه تكلم مع نواب الأجناس فلم يحصل معهم على طائل في ذلك ما عدا قونص النجليز فأجاب بالموافقة، وقد أمرناه بأن يسمسرها على كل حال وحين تقف يظهر ما يكون في أمرها، وأنت ولابد تكلم مع نواب الأجناس في ذلك ليكتبوا لخلائفهم بالإذعان للحق وعدم تعرضهم لما لا يعنى، فإن أملاك الأحباس لا ينبغى أن تبخس ويتصرف فيها بغير حق، فإن الأحباس النظر فيها للقاضى الذى هو نائب فيها عن جماعة المسلمين ولا دخل فيها للمخزن إلا من جهة شد العضد والمحبس قصد بما حبسه انتفاع المسلمين بمستفاده وصرفه في مهماتهم الدينية، فلا وجه لمن يريد أن يحول بينه وبين ما قصده، وهذه أمور دينية ينبغى الاهتمام بها والسلام في 3 جمادى الأولى عام 1290". ومن هذا القبيل أيضا ما أصدره إليه في شان إغاثة حجاج بيت الله الحرام. ونصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع بداخله "محمد بن عبد الرحمن الله وليه": "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.

وبعد: فقد أخبر وصيفنا الحاج سعيد جسوس أن البابور الذى رجع بالحجاج من طنجة توجه لجبل طارق وأرسى هناك، وأن الذين فيه في حيرة مما وقع لهم لا يعلمون أين يذهبون ويتوقعون الهلاك، ولولا أن أهل جبل طارق أذنوا لهم في الإرساء واشتراء ما يحتاجون إليه من المؤنة لكانوا معرضين للتلف في البحر جوعا، وذكر أن جميع أهل جبل طارق أنكروا ما حكمت به جماعة السنيدة وأنهم عدلوا عن الصواب وحكموا بشهوة أنفسهم، وأن حكم جميع الأجناس مخالف لهذا ومن جملتهم الصبنيول، جعلوا لمن يتوجه من جبل طارق لقالص خمسة أيام كرنطينة، وأما رد هؤلاء بالكلية من بلادهم وتعريضهم للهلاك فلا يقول به أحد من الأجناس. وأخبر أنه يلزمهم في جبل طارق صائر كبير في كل يوم، وطلب تدارك أمرهم، وقد قدمنا لك الكتب في شأنهم وأعدنا لك هذا تأكيدا، والذى فهمناه من الكتب الواردة على حضرتنا العالية بالله أن أمر السندة مسند إلى نواب الأجناس، لكن لا يمكنهم أن يحكموا فيه بغير العدل بل يجرونه على القوانين، وقد أمرنا الأمناء بأن يدفعوا لك ألفى ريال لتوجهها لجبل طارق تفرق على ذوى الحاجة من الحجاج الذين في البابور المضطرين بقصد الاستعانة بها على حالهم، وذلك على يد الحاج سعيد جسوس، والرجل المعين معه المقيد بالطرة والسلام في 24 ربيع الثانى عام 1282" والمقيد بطرته الحاج الطاهر بن المليح بنانى والتاجر العربي ابن كيران ومن اهتمامه بمصالح دنياها أنه لما بلغه ارتفاع ثمن الحبوب التي يقتات بها بتطاوين وطنجة والعرايش، أصدر ظهيرا شريفا لبعض عماله فيه ما نصه: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بن عبد الكامل الصبيطى وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.

وبعد: فإن الحبوب غلت أثمانها وارتفعت بتطوان وطنجة والعرائش حتى وصل ثمن المد بها إلى ست وثلاثين أوقية، وهو في الزيادة إن لم يحصل لطف من الله تعالى، واستغاثوا بجانبنا العالى بالله في توجيه الزرع إليهم بثمنه، فاقتضى نظرنا أن نوجهه إليهم من الدار البيضاء والجديدة وآسفى، فأمرنا أمناء الدار البيضاء باشترائه مما يرد عليهم من الشاوية بأمرنا الشري عليهم، وأمناء الجديدة باشترائه مما يرد عليه من دكالة، وأمناء آسفى مما يرد عليهم من عبدة، فنأمرك أن توجه من يريد بيع ما عنده من الحبوب من إيالتك واصلا لأمناء الجديدة ليشتروه منه ويخلصوه فيه، فإن في هذا أجرا عظيما لأنه من الرفق بالمسلمين وإعانتهم. فقف في ذلك ولا بد أصلحك الله وأعانك، كان شق على المتوجهين للمرسى بالزرع لبيعه بها وأرادوا الاقتصار على بيعه بسوق قريب منها فلهم ذلك، وقد أمرنا الأمناء بتوجيه من يشتريه من أقرب سوق إليها إن شاء الله، وحينئذ فمن وصل للمرسى منهم فيشتريه منه الأمناء، والله يعينك والسلام في 23 من ربيع النبوى الأمور عام 1282". ومن اهتمامه بماليتها وما ينضبط به نمو بيت مالها وداخل مراسيها، ما أصدره للنائب المذكور، وغيره من عمال الثغور، عند تبديل أمناء المراسى. ونصه: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فلما تقرر لدينا وثبت عندنا ما يقع بالمراسى من التساهل في الأمور، وعدم إجرائها على مقتضاها في الورود والصدور، حتى أدى ذلك إلى ضياع مال، بها له قدر وبال، وكان في ذلك من المفاسد العظيمة، ما لا ينكره من له أدنى مسكة من العقل لا سيما أهل العقول الكاملة والآراء المستقيمة، وجب رد البال

إليها وحسم مادة فسادها وسلوك طريق تنضبط به أمورها، منها: أنا جعلنا لكل أمين من المرتب الشهرى ما يعينه على القيام بأوصافَ الصدق والأمانة، واجتناب ما يزرى بجانبه من السرقة والخيانة، ومن عثرنا له بعد ذلك على خيانة أقمنا عليه حد السارق وأهناه، وزجرناه زيادة على ذلك وعاقبناه. ومنها أن لا يتجر أحد بالمرسى التي يكون أمينا بها بل يجاوزها إلى غيرها. ومنها أن يجعل بكل مرسى واحد من أهلها مرضى وآخر كذلك أجنبى. ومنها أن يجعل أمين معروف بالحزم والأمانة، والعفاف والصدق والصيانة، وإجراء الأمور على مقتضاها، وسلوك طريق النصح التي يحبها الله ويرضاها، يكون مشرفا على جميع أمناء المراسى ليفتقد أحوالهم، ويراجع أعمالهم، من كل ما يرجع للداخل والخارج ويرد باله للسلع التي تظهر في البلدان، من الحرير والصقلى والجوهر والمرجان، وغير ذلك مما هو رائج ليعلم هل أعطى عليها بالمرسى ما هو لازم، أو أغفلها المجالس بها والملازم. ومنها أنا جعلنا لكل من رئيس المرسى وخليفته والعدول، من المرتب الشهرى ما يكفيهم من مصروفهم ليحصل لهم ما يغنيهم ويعدلوا به عن الخيانة أى عدول، ومن الله تعالى أسأل لنا ولهم وللمسلمين التوفيق، والهداية إلى أحسن طريق. هذا وقد عينا لمرسى طنجة الأمين الحاج بوجنان البارودى، والحاج عبد الكريم أحرضان الطنجوى ونفدنا للأول منهما تسعين ريالا، وللثانى ستين ريالا في كل شهر، ولكل واحد من العدلين اللذين أمرنا القاضى بتعيينهما عشرين ريالا عن كل شهر في مقابلة خدمتهما، وخصصناهما بأمر المرسى من غير إشراف لأحد عليهما ولا دخول معهما في عملهما كائن من كان، وعينا لرئيس المرسى خمسة عشر ريالا، ولخليفته سبعة ريال عن كل شهر، ووجهنا صحبة بوجنان الحاج الطاهر بن المعطى بل المدنى القباج بقصد الخدمة معه بمرسى طنجة، حتى تفتح

تطوان ويكون بها من يعين معه من أهل البلاد إن شاء الله، وقد نفذنا له ما نفذناه للبارودى مشاهرة والسلام في متم رمضان عام 1278". وبمثله وتاريخه كتب لغيره من العمال مع اختلاف في الأواخر. وقد جاء في ظهير القائد محمد بن إدريس الجرارى عامل الدار البيضاء ما نصه: "هذا وقد عينا لمرسى الدار البيضاء الأمين الحاج محمد بن عبد المجيد بن جلون وسيزاد عليه أمين آخر من العدوتين، وقد نفذنا لكل واحد منهما تسعين ريالا مشاهرة، ولكل واحد من العدلين الذين أمرنا القاضى بالرباط بتعيينهما عشرين ريالا مشاهرة لخ". ومن اهتمامه بأمور السلاح والحرب ما أصدره لبركاش أيضا ونصه: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش أعانك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وصلت الخمسون جملا التي وجهت من الكور والبنب وبينت عدد 5696 ما في الجميع، وذكرت أنك بصدد توجيه وقر الإبل 50 الباقية من العدد 100 الذى وجهناه بقصد ذلك، وأنك قمت بعلف الإبل المذكورة ومؤنة من معها من المخازنية مدة إقامتهم وزادهم عند سفرهم، وصار ذلك بالبال وها نحن وجهنا مائتين وخمسين بغلة لحمل ما بقى من الكور والبنب لما في توجيه الإبل من تعبها لفرط الحرارة والله يعينك والسلام 21 صفر عام 1278". وما أصدره للمذكور ونصه: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش أعانك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وصل ما وجهتموه من البنب 708 محمولا على الجمال 50 الباقية من الإبل 100 التي كنا وجهنا لكم لحمل ذلك فوجد موافقا لما في كتابك، والله يعينك والسلام في 23 صفر عام 1278".

وما أصدره له أيضًا ونصه: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش أعانك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد وصلنا كتابك مخبرا بأن العدة التي أمرنا بجلبها على يد نائب الطليان وصل منها لمرسى الصويرة 352 ما ذكرته ثم أخبرك النائب بعد ذلك أنه وجه للصويرة عدد 320 آخر مع صناديق 12 من القرطوس 12000 وأن تمام العدد 1500 الذى أمرنا بجلبه سيصل بحرا في الإثر، وطلبت أن ننفذ لك ثمن الجميع 33330 ريالا لتدفع له منه ثمن ما وصل منها وما يصل حتى يتم العدد المشار إليه، فها نحن كتبنا لولدنا الأرضى سيدى حسن أصلحه الله بتوجيه العدد المذكور من الريال واصلا لأمناء مرسى الصويرة ليدفعوه لنائب الطليان هناك، والله يعينك والسلام في 13 جمادى 2 عام 1285". وما أصدره له أيضا ونصه: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فإنا أجرينا الخفيف مجرى آلة الحرب مثل الكبريت والبارود وملحته، وصدر أمرنا الشريف لولاة المراسى بتثقيفه، وأن لا يختص به إلا المخزن لئلا يتوصل الفساد به إلى أغراضهم، وأعلمناك بهذا لتكون على بصيرة، وتتكلم مع نواب الأجناس ليأمروا تجارتهم بعدم جلبه وبإجرائه مجرى غيره من آلة الحرب والسلام في 13 جمادى الأولى عام 1286". وأما نضاله ومدافعته عن آحاد رعيته، وحقوق دولته، فقد كانت له فيها مواقف شهيرة، في قضايا كثيرة، نذكر منها أمثله تكشف عن ذلك، وتبين بعض ما كان هنالك، فمن ذلك ما أصدره للنائب المذكور في قضايا الوسق للخارج.

ونصه: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: وصلنا كتابك جوابا عما أمرناك به من تجديد الإعلام مع نواب الأجناس في شأن انصرام الأجل المحدود لوسق الصوف والحبوب، وفى الوفاء بما كنا شرطناه في تسريحها ليبقى الأمر منضبطا، وذكرت أنك كنت تكلمت في ذلك مع نائب الفرنصيص وبينت له ما في خروج التجار ونوابهم للقبائل من المضرة والمفاسد فقبل الشرط المذكور، كما كنت قدمت الإعلام به وأنه جدد الكلام معك في ذلك واستفهمك عن موجب منع جنسه مع قبوله الشرط، فلاطفته واعتذرت له بما ذكرته، ولم ينفصل عنك حتى وعدته بتجديد الكتب إلينا في ذلك. وذكرت أنك كنت أجبت باشدور النجليز ونائب الصبليون بأنك لا تشاورنا على تسريح ما ذكر إلى أن قبلوا الشرط المشار إليه فكتب الباشدور بذلك لتجاره فقبلوه، وكتب لك به حسبما في إحدى كتابيه اللذين وجهت، ثم دار الكلام بينك وبينه في ذلك أيضا إلى أن أطلعك على كتاب للحاج عبد الرحمن العاجى يتضمن أنا لا نمنع الوسق لا في الداخل ولا في الخارج إلى أن يوفى أمر السلف، وأن محبته في جانبنا العالى بالله حملته على المساعدة على هذه الشروط، وتفاصل معك على أن تكتب لنا بأن نأمر بتسريحهما على شرط عدم خروج أحد من التجار ولا نوابهم لاشترائها من البادية، كان خرج أحد من الأجناس واشتراهما منها يقع المنع ويكون هو سبب الكلام مع ذلك الجنس كالصبنيول إن لم يقبل، وذكرت ما أجبت به نائب الصبنيول لما أخبرك بصدور أمرنا لأمناء آسفى بمنع وسق الصوف والحبوب، وذكر لك أنه كتب لدولته في ذلك ولم يرد عليه جواب عنه، ودار بينك وبينه من الكلام ما لم تنفصل معه على طائل فيه حتى يأتيه الجواب من دولته، وأن نائب جنس الطليان تكلم معك في هذه القضية فأجبته بما أجبت به غيره، وذكرت أنهم ذكروا أن المراكب مكتراة عندهم لوسق ما وجده الحال بأيديهم

مشترى من الحبوب ولم يعجلوا بوسقها ظنا منهم أنهم باقون على عملهم لما شرطه عليهم نواب الفرنصيص والنجليز والطليان، وأن الضرر يحصل لهم بوقوع المنع، ولا يبقى لهم هناك جلوس، وصار كل ذلك بالبال. وقد صدر أمرنا لأمناء المراسى بتسريح وسق الصوف والقطانى لتجار النجليز والفرنصيص والطليان، وحين تخبر بقبول غيرهم من الأجناس الشرط المشار إليه نأمرهم بالتسريح لتجارهم إن شاء الله، وقد عينا للأمناء أمد التسريح وهو سنتان مبدؤهما من أول شهر نونبر العجمى إن شاء الله، وأيام أكتوبر زائدة عليها في التسريح فلا تعد من السنتين، وما احتج به الباشدور بما في كتاب العاجى إنما كان توثقا للسلف وسلفهم صرنا نخلصه من عندنا، فلا تعلق للسلف بالتسريح والله يعينك والسلام في 17 من ربيع الثانى عام 1279". ونص آخر في الموضوع: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش أعانك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: وصلنا كتابك جوابا عما أجبناك به عن قضية التاجر الصبنيولى الذى طلب وسق العظام من مرسى اسفى، وجعل الاسترعاء على منع الأمناء له من وسقها، وذكرنا لك أن منع وسقها كان بعد جعل ستة أشهر أجلا ليسق فيها كل من عنده شئ منها، وأنه إن عمل موجبا يشهد له بأنه جمعها في وقت التسريح تسرح له، فذكرت أن الستة أشهر التي تقدمت بالتسريح ليسق فيها كل من عنده شئ منها هى الحجة عنده علينا حيث وقع التسريح بعد مضى الأجل المذكور بالخصوصية، لأنّ الستة أشهر مجعولة ليسق كل من عنده شئ منها، والذى تأخر عنها فتكون عهدته عليه. وذكرت أنك تكلمت مع الباشدور في هذه القضية بما أشرنا به فقام وقعد، وأجاب بنقض الشروط وعزم على الفساد ووقع بينك وبينه ما أشرت إليه،

وتأجلتم معه خمسة عشر يوما بعد أن نزلتم وثيقة من ألفى ريال كبيرة على وجه الأمانة إلى أن يرد عليك جوابنا قبل انصرام الأجل المذكور بما طلبه في كتابه الذى وجهت، وإلا فينزل الصارى ويركب ولم تؤخره عما كان عزم عليه خمسة عشر يوما إلا بعد المشقة العظيمة. وجعلت لنا النظر في جوابه بالمنع وحوز الوثيقة المذكورة ووقوع الغيار مع جنسه أو يجاب بالمساعدة فيما طلبه ميلا للمهادنة، فحيث بينت أن في وسق غيرهم العظام بعد مضى الستة أشهر التي كنا أجلنا التجار فيها ليسق منهم من كان عنده شئ منها -حجة له فها نحن أمرنا أمناء آسفى بوسقها للتاجر الذى طلبه وها كتابهم يصلك فوجهه لهم على يدلّ والله يعينك والسلام 28 صفر عام 1282". ونص آخر في عتق أمة ادعت الضرر ووقع كلام من أراد الدخول في قضيتها: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش أعانك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فاعلم أن أمةً غير تامة العقل بآسفى ادعت أن سيدتها أضرت بها وتعلقت بنصرانى اسمه كنبر واحترمت به، فوعدها بأن يعطيها ما تفك به رقبتها ففعل ودفعته لسيدتها فعتقتها وجعلها من جملة من له تعلق بالفرنصيص واحتماء به، ثم أعلمنا عامل آسفى بالقضية فأجبناه بأن سيدتها حيث أضرت بها فقد أعتقها الشارع بمجرد وجود الإضرار بها لأن الشارع لا يقر أحداً على ظلم، وأن ما فعلته سيدتها من عتقها بعد أن قبضت ثمنها لم يصادف محلا، لكونها معتوقة الشرع، وأعلمناك لتخبر نائب الفرنصيص بالقضية وتقول له: إن شرعنا لا يقر أحداً على

ظلم، وأن من أضر برقيقه يعتق عليه كرها، وأن العتق المصادر من سيدتها لم يصادف محلا وولاؤها لمسلمين، والله يعينك والسلام 15 صفر عام 1278". ونص آخر في قضية لأهل قلعية مع الإسبان في حدود مليلية: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد أخبر عامل الريف أنه وجه جماعة من كلعية واصلة إليك ليتكلموا معك فيما حل لهم من الضرر من جهة نصارى أمليلية، ويشرحوه لك مشافهة لتفاصل بينهم وبين باشدورهم، وفى الشروط أن يتلاقوا بحدود الريف ويحصر الكبراء ويتفاوضوا في نوازلهم ويذكر كل واحد حجته ومطلبه ويقع الفصال هناك. وأما القدوم لطنجة والمفاصلة فيها فليس من الشروط في شئ، وربما يتفاصلون مع الباشدور بما لا ترضاه قبيلتهم ويجعون للنزاع، وحيث وقع ونزل فرد بالك لما يذكه الباشدور لهم ويريد أن يلزمه لهم مما عليهم ضرر فيه وهو لا يلزمهم والسلام في 13 صفر الخير عام 1282". ونص آخر في بعض القضايا من الباب: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فإنك متوجه على بركة الله لهذا الوجه التي عينت لها ولم ندر هل استحضرت قضاياك العويصة المتعددة، وأعددت لها حججك الواضحة البينة لتكون مستعدا للمحاجة فيها وطلب الحق والقانون إن تلاقيت مع نواب الأجناس هناك أم لم تستحضر شيئا من ذلك، وغرضك أن تتوجه خالى الذهن من ذلك متفرغا منها

حتى تتلاقى معهم كذلك ويلقوا عليك من الحجج ما يعمر ذهنك ويثقل ظهرك على عادتهم في التعلق بالأمور الواهية، وتصحيح الحجج المتلاشية، فتذهب خفيفا وتئوب مثقلا. ولذا أردنا تنبيهك لقضايا شنيعة وقعت بهذه الإِيالة لتنظر في رتق خرقها، وتدارك أمرها معهم حتى تحسم مادة فسادها، وإن كانت كلها مرت على يدك وتداولها ذهنك مخافة أن تكون نسيتها أو أهملتها: فمن جملتها قضية مسعود ولد عبد القادر التلاوى الذى مكث الزمان الطويل في الحرمات وهو مطالب بالأموال الثقيلة التي احتجناها وخان فيها مدة ولاية والده ومدة ولاية أخيه وبعد موته مما هو من حقوق الناس ومال بيت المال، وكان يتلوى هكذا وهكذا، ولم يوجد في تلك المدة من يقول إنه في حمايته أو متعلق به، حتى إذا وجد فلتة ركب برأسه وذهب إلى الصويرة، فوجد نائب النجليز هناك فحماه ومنعه من المخزن على وجه الخرق للقانون والخروج عن الحد، مع أن المتعلق بالخدمة لا يدخل تحت حماية أحد، ومع هذا فلم يكف عن فساده بل صار يفعل بفساده ما أراد، ويعطى العدة والبارود للفسّاد من قبيلته ويغريهم على الخروج على العامل وإيقاد نار الفتنة متجاهرا بذلك من غير استتار ولا استخفاء، فهل هذا الفعل من القانون؟ وهل الصبر على مثل هذا من الحق؟ وهل يستقيم حكم لأحد مع بقاء هذا على حاله؟ ومن جملة موبقاته أنه تلاقى برجل من امتوكة على يد اليهودى قرقوز وغره على أنه يصرف له عدة ريال بالضبلون حتى حار منه ثمانية آلاف ريال، وتقاعد له عليها ومنعه منها ولم يذعن لحكم حاكم ولا لأمر آمر، ولعل القضية تكون وصلتك بأبسط من هذا، فكيف يسوغ السكوت على مثل هذا! ومن جملتها قضية الشريف الذى قتله الصبنيولى بطنجة، وكانوا زعموا أنهم أرادوا الحكم على القاتل وتحيلوا حتى أخرجوه من البلاد، ثم صاروا يتلاعبون،

مع أنهم في قضية مرطوس تعنتوا غاية التعنت وألزمونا قتله فصبرناهم ريثما تتم الموجبات ويحكم الشرع بقتله، فلم يصبروا وما قصروا في التعنت وطلبوا رفع النازلة لغير القاضى فوقع الحكم عليه بالقتل، ومع ذلك طلبوا أداء المال في القتل فكان ذلك كله، فأى فريق بين هذا وذاك وأى قانون يحكم بقتل هذا ومنع هذا من القتل؟ وقد بلغنا أن القاتل المذكور قدم لطنجة وسكن غير مكترث بأحد، فبأى موجب سرح وبأى موجب لم يقتل مع ثبوت قتله وبأى وجه يسكت عن دعوته؟ فلا صبر على هذا، ولا بد من الكلام فيه حتى يعمل في دعوته الحق بحول الله وقوته. ومن جملتها قضية أملاك ابن الغنيمى التي بآسفى، أراد المخزن حيازتها لاستغراق ذمة مالكها بمال بيت المال، فتعرضوا لها وقالوا: إنه في حمايتهم مع ندائه هو بالتبرى منهم وإعلانه بأنه ليس في حماية أحد إلا حماية المخزن، وما زالوا يتعنتون فيها ويطلبون ما ليس لهم بقانون ويدخلون في الأمور التي لا دخل لهم فيها بالحق، ومن جملتها أمر حماية البادية التي أسقطوها وكتبت أنت بذلك وكتبت تحت اليد بذلك، ومع ذلك فلم يكفوا عنها ولا زالوا يحمون بها ويدافعون ويتعرضون لما ليس لهم فيه حق إلى غير ذلك من القضايا العويصة المتعددة التي سردها يؤدى إلى التطويل الكثير. فلا بد استحضر هذه القضايا كلها واستعد للكلام فيها كلها، فإنها من أهم أمورك وآكدها، ومما لا يمكن السكوت عليه ولا يسوغ الصبر عليه حتى لا تذهب سفرتك مجانا بلا طائل، بل ربما إن تعاميت عليها يلقون عليك من حججهم ودعاويهم ما يثقلك ويذهلك فتزيد الثقل على عدم قضاء مآربك المهمة والسلام في 18 ربيع الثانى عام 1284". ونص آخر في المكاففة في مسائل الديون:

"خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش أعانك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: وصلنا كتابك تذكر فيه أنه كان بلغك أن قائد الصويرة قبض أناسا من أهل سوس مكاففة فيما على إخوانهم الفارين من الديون لتجار النصارى وسجنهم حتى أعطوا ما بأيديهم، فطلب منه القونصو إبقاءهم مثقفين في الباقى حتى يتفاصل إخوانهم الفارون مع أرباب الديون، فاستبعدت ذلك ولم تعلم حينئذ مستنده فيه، فكتبت له بعدم المكاففة وبعدم قبض البرئ في الغريم الفار من الدين، ثم كتب التجار في ذلك لنوابهم وتكلم معك فيه قونصو المركان فحاججته بما ذكر فأجابك بانا أذنا لعامل الصويرة في ذلك متابعة لمولانا المقدس بالله واحتياطا لأموال التجار، وأطلعك على نسخة من كتابنا الشريف بالعدول فأجبته حينئذ بأن لا محيد عن الامتثال، وأنه لابد من الاقتصار على الرسوم القديمة التي كانت قبل تاريخ صدور المنع الذى أوهمت أنه من قبلنا عملا بما كنا أمرناك به من التنبيه بما وقع في ورديغة، فأدخلت في ذلك كل القبائل التي لا تنالها الأحكام منهم دواخل سوس، وتكلمت مع النواب بأن ما يتجدد بعد ذلك لا يقبض فيه أحد ممن يتسوق المدينة للمصلحة التي أشرت إليها، وأفصحت لهم عن هذا الشرط فاستصوبوه، وكتبت للعامل بالمشى على العادة على الشرط المذكور من كونه في الرسوم القديمة لا غير، فلم يلتفت لما كتبت له به، وبقى الأمر موقوفا فأكثروا عليه من الاسترعاءات، وكتب لقونصو الصويرة بما في النسخة التي دفعها لك باشدور النجليز، ووجهتها مع ما كتب لك به هو في القضية طالبا رفعها لجانبنا العالى بالله لنجرى أمر التثقيف على الرسوم القديمة، ذاكراً أن ذلك إن لم يقع لابد من إحضار المدينين كما في الشروط حسبما في كتابه الذى وجهت.

فاعلم أن لتجار الصويرة مخالطات مع أهل سوس ثم منهم -أى أهل سوس- من له مخالطة مع تجار غير التاجر المكافف، ولم يقطع المعاملة مع التاجر المخالط له، ومنهم من له مخالطة مع التجار وقطع رجله عن القدوم عليهم وعن مخالطتهم، فأما من لم يقطع المعاملة أو كان في قبيلته من هو مخالط للتجار وقبض هو أو إخوانه كفافا فلا شك أن إخوانه يقبضون أصحاب من كاففهم ويكاففونهم ويتسع الخرق حينئذ، وأما من قطع المعاملة مع التجار وقطع رجله عن المدينة ولم يكن في قبيلته من هو مخالط مع التجار فلا بأس بقبضه، إذ لا محذور فيه إن ظفر به أو قبض إخوانه. وبالجملة إن في كفاف من له مخالطة مع التجار أو قبض إخوانه قطع أرجلهم عن المدينة، وتعرضهم لقبض أصحاب التجار وفى ذلك من الضرر على التجار من جهة كفاف أصحابهم وأخذ ما بأيديهم من متاعهم، ومن جهة المرسى بقطع ما يرد من سوس على التجار بقصد وسقه، بخلاف ما إذا كان المكافف قطع رجله رأسا ولم يكن لإخوانه مخالطة مع التجار فلا ضرر في كفافه، أو كفاف إخوانه. وعليه ففى الكفاف تفصيل، والذى يقبض كفافا يكون هو أي المدين المطالب بعينه أو قرابته، لأنهم إذا قبضوا والحالة هذه فلابد أن يفاصل عليهم إخوانهم وأما إذا كان المقبوضون كفافا أجنبيين من المدين المطالب فينهم يتركونهم ولا يعبأون بهم ولا يفاصلون ما عليهم، إذ ليس الأجنبى الذى لا يعبأ بأمره كالقريب الذى يعبأ به ويخلص عليه، وهذه الكفافة المشار لكيفيتها تكون في الرسوم القديمة خاصة والله يعينك والسلام في 22 رمضان المعظم عام 1284"

ونص آخر في نصراني أسلم وطلبت دولته تسليمه إليها: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش أعانك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: وصلنا كتابك جوابا عما كتبنا لك به في شأن النصرانى البرطقيزى الذى أسلم بالصويرة، فذكرت أن كبيرهم بطنجة تكلم معك في أمره فأجبته بما قدمناه لك من عدم تمكينهم منه، ونبهت على ما كان عليه هذا النصرانى بالجديدة من الاشتغال بالفساد ومخالطة أهله، والدخول للسجون وتسريح من وجب عليه الحق إلى غير ذلك مما وقعت الشكوى به لدولته، فعزل من الخدمة فكان عزله سبب ما أظهره من الإسلام، وأنه إن قبل وقرب وتكلم عليه يظهر لهم أن ما اشتكى به أولا سفسطة وعملا بيد، ويرجع اللوم على كبيره، وأشرت بأن يجرى مجرى أمثاله من العلوج ويذهب حيث شاء ليظهر ما يبطنه، فها نحن أمرنا الأمناء بأن يكسوه كسوة تستره ويدفعوا له ما يجعله في يده ويذهب حيث شاء والله يعينك والسلام في 28 صفر عام 1285". ونص آخر فيما يقع في حقوق النزائل المقامة لحفظ الأمن بالطريق: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش أعانك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد تشكى أهل النزائل الذين يقرب الرباط بأن الجمالة أصحاب النصارى يأخذون من أصحابهم بطائق ويمرون بها عليهم ولا يعطون حق النزائل، ثم يبيعونها لجمالة آخرين ليسوا من أصحاب النصارى ويسلكون بها مجانا، وإذا حاول أحد منهم مخاطبتهم بحق النزالة يرمون بعض حوائجهم ويدعون أنهم نهبوهم، حتى صار أهل النزائل لا يقدرون على مخاطبة جل الناس بحق النزالة خوفا على أنفسهم.

فلا بد تكلم مع النواب في ذلك، وقرر لهم أن هذه النزائل أنزلت هناك قديما من عهد جدنا مولانا سليمان وسيدنا الوالد قدسهما الله لمصلحة حفظ الطريق والقيام بحراستها ليلا ونهارا، وما يقبضونه من القوافل هى إعانة لهم على ذلك وما قط وقع فيهم كلام منهم في شأنهم في هذه السنين الماضية إلى هذه الأيام أرادوا خرق القانون الذى وجدنا عليه أسلافنا معهم، وذلك فيه ما فيه ومخالف للشروط، وان ادعوا أنه في الشروط فما سبب سكوتهم ولم يتكلموا في ذلك إلى هذا الوقت. وبين لهم -أى النواب- ما صار أصحابهم يفعلون من بيع نفائلهم لأصحاب قوافل أخرى هروبا من الإعطاء، ليعرفوا ما آل إليه أمر عدم الإعطاء حتى أدى لأمر آخر، وهو عدم إعطاء غيرهم مع أنهم -أى النواب- لا يوافقون على هذا ولا يحبونه، وليس سبيل هذا الإعطاء سبيل الكنطردة، لأن هذا الإعطاء هو لأجل تحصين متاع التجار وتوجيهه في الأمان، فليس الإعطاء إلا على نفعهم بخلاف الكنطردة، فينها لمصلحة الإيالة فلا كلام فيها مع التجار، فإذا وسع الله تعالى على المخزن فإنه يسقطها كما كنا أسقطناها قبل إلى أن دعت الحاجة إليها والسلام في 10 رجب 1285" ونص آخر في قضية اعتداء فرنسيين على يهودي مراكشى: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، أعانك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: وصلنا جوابك عما صدر من التاجرين الفرنصيصيين بملاح مراكشة من التعدى والجسارة وهتك حجاب الوقار على وصيفنا القائد إبراهيم الأكراوى بما ارتكباه في إِيالته من الأفعال الشنيعة التي تمجها الأسماع، وتنفر منها الطباع، من تعليق اليهودى والاستيلاء على ملك زوجته وغير ذلك مما قدمناه لك، وبينا لك ما دار بين كاتبنا الطالب ابن إديس وبين قونصو الفرنسيس في الدعوى، وما وقع به

الصلح بينهما فيها وتوجه به الحكم على النصرانى المعلق مما لا معنى له من الاكتفاء بسجنه أياما ودفع 460 ريال ذعيرة لمخزنهم مما يستبعد في هذه النازلة، ولا يسلم لما أوضحناه لك، وبينا لك وجه عدم تسليمه وما يترتب على قبوله وإمضائه، فذكرت أنك تكلمت في ذلك مع باشدورهم بطنجة وشرحته له على نحو ما أمرناك به وصرحت له بأن ما حكم به قونصوهم بالصويرة في هذه الدعوى غير مقنع عندنا، فأجابك بأن القونصو المذكور هو المتولى الحكم في هذه النازلة بإذن من دولته إلا إذا تم الحكم منه فيها ولم نقبله فيكون لنا الحق في طلب رفعها للحكم عليها عنده بطنجة وتمنى فصلها بالصويرة بوجه جميل، لما ظهر له من أن فصالها هناك أفضل من رفعها لطنجة، وذكر أن فيها دعوتين واحدة لهم والأخرى عليهم، وأن تعليق اليهودى لم يكن من عنقه للقتل، وإنما هو ربط من وسطه كالضحك عليه كما يفعلون ببلدهم بحيث إن لم يصبر المعلق واشتكى لمخزنهم بالمعلقين يعاقبون بسجن يسير وذعيرة لأجل المسخرة التي فعلوا، وأن طلب حسم مادة هذه الدعوى لما ذكر أنه ينشأ عن وصولها لدولته من إمعان النظر فيها والبحث فيما يدعيه التاجران وتوصلهما بما يثبت لهما لما وصفهما به. ودار بينك وبينه في القضية حسبما سطرته وطلبت فصلها على يد كاتبنا المذكور لما وصفته به وأثنيت به عليه وأشرت بتقليل المشاحنة مع هذه الدولة لما ظهر لك من أنها مهما تشعر بشئ من الإهمال والدوران إلا وتشعب، فتكون في مطلب وترجع في مطلب آخر، وصار ذلك منا على بال. فاعلم أن الناس عندنا في الحق سواء، لا نحب إبطال حق ولا تحقيق باطل، وحاصل أمر هذه القضية أن هذين التاجرين ثبت عليهما تعليق اليهودى ظلما وافتياتا على العامل كما ثبت عليهما إفساد دار اليهودية بما أحدثا فيها من الهدم والبناء بغير رضاها، مع ما آل إليه الأمر من الجسارة على جانب العامل حسبما

قدمنا لك، وكل ذلك بحجج وقف عليها نائب جنسهما بثغر الصويرة وسلمها غير أنه حكم عليهما بعقوبة لا تفى ببعض فعلهما، وللبحث فيها مجال، فلذا لم تقبل لأنها لو قبلت وعلم الناس قبولها لتشوف بعض من لا خلاق له بهذه الإِيالة السعيدة لأن يفعل مثل ذلك بتاجر من تجار الأجناس، وتهون عليه العقوبة المذكورة، فسد الذرائع متعين. وقول الباشدور، إن التعليق لم يكن من العنق وإنما كان ربطا من الوسط هو على كل حال تعليق في الهواء ورفع على الأرض، سواء كان من العنق أو غيره وأمره شنيع، وفعله هائل فظيع لا صبر لليهودى على ما هو أدنى منه، فكيف به ولو عاين الباشادور هرجهم ومرجهم وارتفاع أصواتهم في حارتهم وقت تعليق اليهودى، حتى إنه ربما تسقط حواملهم ما استسهل الأمر وإنما يستسهل الأمر من اعتاده وفيه استخفاف وافتيات حتى بالدولة، لأن المعلوم بالتعليق والشنق هو المخزن. وكل من سمع هذا الفعل من الدول والأجناس يمجه ويستقبحه، وربما عيبوا حتى على من سكت عنه، وأما ما يدعيان به على العامل الأكراوى فإن أثبتاه بحجج مسلمة فنحن أولى بالانصاف ولا يسعنا إهمال حقهما، كان لم يكن عندهما إلا مجرد القول فغير خاف أن الدعوى المجردة عن الحجة لا توجب لصاحبها شيئا شرعا وطبعا، ولو كان كل من ادعى بشئ ولا حجة له يمكن منه لضاعت الحقوق، وتسارع لأموال الناس أهل الفجور والفسوق، ولم يبق لأحد بما في يده وثوق، فالشرع والطبع متطابقان على أن الدعوى المجردة عن الحجة غير ملتفت إليها، وحتى لو رفع التاجران أو الباشادور القضية للدولة، فهذه الدولة الفرنصيصية بمكان من العقل والعدل في الحكم، فإن بلغتها القضية على تحقيقها فكيف تسامح التاجرين في قبيح فعلهما أو تطلب ما ليس من حقهما ولا حجة لهما عليه والله يعينك والسلام في 12 من ذى الحجة عام 1286".

ومن ذلك ما أصدره له أيضا ونصه: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى. وبعد: فقد أخبر عامل الريف أن نفرا ثلاثة من أهل كلعية كانوا خارجين من أمليلية فتعرض لهم بعض العسكر على الباب يمازحهم فعمد أحد المسلمين إلى عسكرى وضربه بيده فأسرع إليهم العسكر وهرب النفر الثلاثة، فعثر العسكر على رجل آخر قرب الباب فضربوه بعمائر أربعة وقتلوه، وذكر أنه كتب لك في القضية وأن حاكم أمليلية أجابه بأنه تأسف وتغير على ما صدر من العسكر من قتل هذا المسلم، وأنه قبض على قائد العسة والذى ضرب وسجنهما حسبما تقف عليه في النسختين الواصلتين إليك في على هذا. فانظر إلى هذا الفعل، وهذا الظلم والتعدى، وقد علمت أن المسلمين لا يصبرون على أخذ ثأر أخيهم المقتول، وعليه فلا بُدّ اكتب لباشادورهم بطنجة واشرح له القضية واسترع عليهم واجعل لهم خمسة عشر يوما أجلا، فإن أخذوا الحق لإخوان المقتول في دم أخيهم فذاك، وإلا فلا ملامة على المسلمين إن أخذوا الحق لأنفسهم والسلام 21 صفر عام 1286". ونص كتاب عامل الريف المشار إليه المترجم: بعد تقبيل حاشية سرادق بساط سيدنا نصره الله وأداء ما يجب للحضرة العالية بالله، ينهى لعلم سيدنا أعزه الله وخلد في الصالحات ذكره أن أمس تاريخه كانوا ثلاثة من المسلمين المجاورين لمليلية من آل قلعية خارجين على باب البلد المذكور، فتعرض لهم بعض العسكر الذين في العسة على الباب يمازحهم، وكان أحد المسلمين دون عقله، فضرب المسلم العسكرى بيده لا غير، فأسرعوا إليهم

جماعة من العسكر فهربوا الثلاثة من المسلمين فوجدوا العسكر مسلما آخر قرب الباب فضربوه بأربعة من العدة وقتلوه في الحين، ولا أحد من المسلمين ضربهم ولا تعرض لهم بشئ، وآل كلعية يريدون أخذ ثأر أخيهم المقتول لا محالة حيث قتلوه ظلما وتعديا، والنظر لسيدنا نصره الله، وبطىّ هذا كتاب قائد مليلية بهذه القضية وقد كتبنا لنائب سيدنا الطالب محمد بركاش وأعلمناه والعبد على خدمة سيده طالبا صالح أدعيته والسلام عائد على حضرة سيدنا العالية بالله ورحمة الله وبركاته والسلام في 9 صفر عام 1286 خديمك العربي بن عبد الصادق أمنه الله". ونص كتاب قائد مليلية المشار إليه لعامل الريف: "محبنا الباشا سيدى العربي بن عبد الصادق سلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فليكن في علمك أن في عشية هذا اليوم في السبعة أن أربعة أناس كانوا خارجين من المدينة وأرادوا أن يأخذوا المكوصلة لورضية الباب قهرا عليه، ولما رأى ذلك الورضية خرج فيهم بالمكوصلة وضرب من غير إذن أحد وقتل واحدً منهم اسمه على، والخليفة السيد محمد العسرى توجه أمام الرجل المقتول وفى الساعة المذكورة قبضت على قائد العسة والذى ضرب وجعلتهم في السجن ليكون تحقيق الدعوة ونكتب به للكبرنوا وأنا مغير على هذا، وتأسفت على هذا الرجل لأنه رجل مسكين في 21 ماى عام 1869. عن إذن بطر وبمنط". وما أصدره له كذلك ونه: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.

وبعد: فقد وصلنا كتابك مخبراً بأن عامل الريف كتب لك في شأن قضية العسكرى الصبنيولى الذى قتله أهل كلعية داخل الحدادة، وبين لك السبب في ذلك وهو قتلهم للريفى الذى تكرر منه إذايتهم والتعرض لهم، وذكر أن قتلهم إياه كان بإذن عامل مليلية فتعرض إخوان المقتول لعسكرهم وقتلوا منه واحداً في أخيهم وما أشار إليه ابن عبد الصادق من أن ذلك المحل ينبغى أن يكون عامرا بالمخزن لينكف الناس عن مثل ذلك بهيبته، وعلمنا ما أجابك به باشادور الصبنيول حين أخبرته بما كتب به عامل الريف، وحاولت رد الملام على حاكم مليلية حين أمر بقتل الرجل الريفى وما احتج به من أن ذلك الرجل كان يقطع الطريق وتكرر منه ولم يقع فيه تصرف من العامل، وأن من يكون مثل ذلك حقيق بأن يضرب بالبارود وصمم على ما كتب به أولا، وذكر أنه لو كان هناك مدد المخزن يتقوى به العامل على المصالح لم يقع مثل هذا. فاعلم أن الباشادور فيما كتب به في هذه القضية رجح ما أخبر به حكم مليلية على ما أخبر عامل الريف، مع أن عامل الريف كبر مرتبة من حاكم مليلية، فبأى وجه يرجح خبره؟ وأنت ينبغى لك أن تحتج عليه بذلك وتقابله به وذلك شأن النائب الحازم، وليس الشأن أنه كما احتج عليك بحجة تقبلها وتسلمها كيفما كانت، مع أنك تعرف أنهم إذا رد عليهم الإنسان بالحجج التي يقبلها القانون والعقل ينصفون وينصتون، فلا نترك من جهدك شيئا يمكنك في مدافعته والله يعينك والسلام في 7 محرم عام 1285". وما كتب إليه به ونصه: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش أعانك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.

وبعد: وصلنا كتابك مخبرا أن ترجمان الصبنيول لم يقبل ما اعتذرت به عن وسق البقر الذى طلبوه، وأن باشدورهم كتب لك من طنجة بما يدل على تبديل سيرتهم ونيتهم بارتكاب ما يحصل منه الغيار، وأنه أمر ترجمانه الذى قدم معك بالسفر لطنجة على الحالة التي ذكرت أنها تشعر بقطع المعاملة، وأنه كتب مسترعيا بأن نصرانيين صبنيوليين قتلا بقبيلة بنى حسن، وأنه كتب لأعتابنا الشريفة بما تخوفت وقوع الشنآن من الجواب عنه، وأنه كتب لك أيضا يطلب دارا بالجديدة لسكنى قونصوهم بها، وكان كرر طلب الإنعام بها فتغافلت عنه كما يطلب خلاص كراء سكنى قونصوهم بدار بالجديدة اكتراها عن أشهر 29، وكتب لك بأن ما يدخل لامليلية من الحطب والفاخر محصور وطلب الكتب للعامل بالتسهيل في ذلك، ونبهت على أنك لم تكتب في قضية البقر حتى بذلت المجهود في المدافعة بما يمكن فلم تجد سبيلا للرد ولا لعدم الرفع، لما علمت من أنهم إن لم تقع لهم مساعدة في طلب أمر يخوضون في أمور شاقة ويكثرون المطالب الصعبة ليركبوا عليها الشنآن. أما الدار التي طلب وخلاص الكراء فما كان منفذا لغيره فينفذ له، وأما النصرانيان الصبنيوليان اللذان ذكرت أنهما ماتا ببنى حسن فالقاعدة أن من يريد التوجه منهم قال لابد أن يعلم عامل المرسى المتوجه منها ويعطيه من يتوجه معه من المخازنية، ولأى شئ توجها، على أن توجه النصارى لبنى حسن غير معهود، فَلاَبُدَّ بمنْ المسألة بيانا شافيا، وأخبر بسبب توجههم لنأمر بالبحث في القضية ويظهر ما يكون بعد إن شاء الله تعالى، وبَيّن في إِيالة من وقع ذلك، ومن حقك أن تتثبت في الأمور وتحققها وتتراجع معهم فيها، وتعرف السبب، بعد ذلك تخبر، لا أنك تقتصر على حكاية كلامهم والسلام في 8 شعبان عام 1287".

وما كتب به للمذكور ونصه: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وصلنا كتابك جوابا عما كنا كتبنا لك به من أن حضور خلائف نواب الأجناس بمجلس الشرع مع كون الدعوى إنما كانت ليهوديين أحدهما في حماية الماركان، والآخر في حماية الأصبنيول لا مستند له، وليس في الشروط ما يقتضيه حسبما قدمنا لك، ونبهناك على ذلك مخافة احتيالهم على الدخول في الأحكام الشرعية والمشاركة فيها. وعلمنا اعتذارك عن ذلك بأنهم صيروا جميع الدعاوى على العمال والأشياخ كدعوى واحدة لأجل الاسترعاء المتقدم، مع ما ذكرت من أن بعضهم يحذر من بعض حتى في التقديم والتأخير في الدعاوى إلى غير ذلك مما ذكرت، فنحن نراهم يريدون تتبع الدعاوى والنظر فيها دعوى بعد أخرى، ولو صيروا جميع الدعاوى كدعوى واحدة لاكتفوا بوكيل من جهتهم ووكيل من جهة العمال والأشياخ، والتقديم في الدعاوى والتأخير يكون له تأويل بقرعة أو شبهها كما يفعل بالمراسى في دعاويهم على غير العمال والأشياخ، ولكنا نبهناك لتزداد فطنة وتيقظا لحيلهم، حتى لا يجدوا فيك بعد قابلية لارتكاب ما لا تقتضيه الشروط. وذكرت أن أمر هذه الدعاوى ليس بهين وأنه لابد فيها من سياسة يخرج بها الإنسان منها في عز وأن إجراءها على طريق الأحكام الشرعية يطول أمره جدا، وتلزم فيه صوائر لها بال، وأشرت على وجه السر بأن نأذن لك في التماس طريق للصلح بنحو الربع أو الثلث في جميع الدعاوى وتحسم مادتها بعد حيازة جميع الرسوم وخطوط الأيدى، والتزامهم عدم الرجوع للمخالطة مع العمال والأشياخ، فلا يخفى أن هذه الدعاوى من قبيل دعاوى المعاملات وهى شرعية الحكم فيها،

حرب تطوان

إنما هو بالشريعة المحمدية كما هو مصرح به في الشروط، ولا علينا في الطول الذى ذكرت نعم حين ينصرم الأجل وتتمحض المصلحة في السداد الذى أشرت به أعلمنا لنجيبك بما يشرح الله له صدرنا فإن الله سمى الصلح خيرا والسلام في 10 صفر الخير عام 1289". حرب تطوان وإن أعظم النضال والدفاع ما قام به حين فاجأ جلوسه على العرش تشغيب جنس الإصبان وتكالبه على قلب عزة الإسلام طالبا الإتيان باثنى عشر مسلما من قبيلة الأنجرة وقتلهم صبراً بين أظهر المسلمين أمام الأجانب بثغر طنجة عقوبة على هدم بعض القبيلة المذكورة بيت العسة الذى بناه الإصبان في الحدود -مخالفين ما جرت به العادة من اتخاذه من لوح- هناك مصمما على أحد أمرين، إما إجابة مطلبه وإما المناجزة وإشهار الحرب. والحال أنه لا جيش وقتئذ منظم، ولا قوة حربية كافية فقابل المترجم ذلك بالثبات، ووازن بين المطلبين فتحقق أن الوبال على الإسلام والمسلمين بالمساعدة على أولهما، فصمم على رفضه لذلك وبعث خديمه الحاج محمد الزبيدى الرباطى لطنجة مندوبا عاليا مفوضا للنظر في تلك المطالب، واستشارة الدول واستنابتهم فيها فكان آخر أمره معهم الانفصال على الحرب. قال مولاى العباس بن السلطان مولاى عبد الرحمن أخ المترجم فيما كتبه بخطه: إن مقدمة هذا الأمر ومبدأه فيما بلغنا عمن كان يباشره أن آل آنجرة ذهبوا إلى محدة الرومى وكسروا له حجرا كان عنده هنالك فيه رسم طابعهم الذى يعبرون عنه بالرومية اكرونه، فمن حيث وقع ذلك جاء الرومى إلى محدته واشتغل يبنى برجا ليدفع به عن نفسه، فجاء المسلمون وكسروه وتربوه، فجاء الرومى إلى المكلف من قبل السلطان الوالد رحمه الله وشكا له بجرأة آنجرة عليه وإن لم يقع

عليهم الأحكام يكون ذلك سبب الفتن، فكتب لهم ذلك المكلف وهو محمد الخطيب التطوانى، ووجه لهم بعض السادات ينهاهم ويأمرهم بالكف عن العتو والفساد، فأجابوه بأقبح ما يسمع وقالوا له: إنه على نفس النصارى وعادوا لعتوهم وفسادهم، ووجه لهم عاملهم بعد ذلك من طنجة ينهاهم فما رفعوا له رأسا. ثم رفعت القضية إلى سيدى محمد، فلما اطلع على مكاتب النائب الخطيب ببيان الواقع وطلب الإصبان قتل أناس من أهل الآنجرة بباب سبتة، وإعطاء طرف من بلادهم توسعة، استنكر ذلك وعرضه على غيره فكبر ذلك على الجميع لما فيه من إهانة المسلمين المستلزمة لإهانة الدين. فحينئذ استنفر من الرعية للذب عن بيضة الإسلام من سارع لإجابته فيه، ووجه القائد المأمون الزرارى إلى تطوان في نحو مائة فارس وخمسمائة رامٍ فرابطوا خارج تطوان من ناحية سبتة، ولزم هو عاصمة ملكه لتدبير النجدة وإرسال الأموال والعدة والعدد، ولئلا يختل ضبط الداخلية أو يحدث فيها منتهز فرصة تشويشا فيكون عونا باطنيا للعدو، فبرز الإصبان في حدود سبتة في جيش محكم النظام يحتوى على عشرين ألف مقاتل وذلك في ثالث ربيع الأول عام 1276 سلك بذلك الجيش مسلك إظهار القوة مع المطاولة وعدم المبادرة للمناجزة وقصد به جهة تطوان يتقدم مرة ويتأخر أخرى دام على ذلك مدة أربعة أشهر، وقبائل الناحية من الانجرة تقابله وتعترضه في المضايق وتناوشه القتال. وفى أثناء ذلك جهز المترجم طائفة أخرى من الجيش بها خمسة آلاف من المتطوعة أكثرهم من عرب سفيان وبنى مالك والحياينة وخمسمائة من الودايا والعبيد بقيادة صنوه عم والدتنا المولى العباس، ونزل بضواحى تطوان وقبائل آنجرة ومن ساعدهم من أهل الجبال الهبطية في مناوشة مستمرة مع جيوش الإصبان التي تكاثرت بالتدريج وصارت تعد بخمسين ألفا.

وقد وقفت في كناشة عالم البيت السودى في عصره سيدى المهدى ابن سودة، على أن المترجم لما بلغه ما يقصده الإصبان من الاستيلاء على تطوان بعث لحفظه جماعة من ذوى النجدة والثبات برياسة أخيه المولى العباس، فلما كان الإصبان بجموعهم الكثيرة التي لا يفى بعدها ديوان على نحو الساعة من تطوان، تلقتهم البعثة المذكورة في ألفين ومائتى فارس فانهزم الإصبان وقتل منهم نحو خمسة آلاف، ولم يفقد المسلمون في الوقعة إلا خمسة وأربعين من رجالهم. ثم وقع القتال ثانيا حسبما وقفت عليه بخط المولى العباس، وكان من الثامن والعشرين من جمادى الأولى، فتكبد الإصبان فيها ما استعظموه وأقلق راحتهم، وكان الفرار نتيجته، ولم يقتل من المسلمين إلا نحو الخمسة، ثم أعادوا الكرة في يوم الخميس ثالث جمادى الثانية فكان المآل عليهم أدهى وأمر ومات من المسلمين نحو الثلاثة. ثم اتقدت نيران الحرب أيضا يوم الأحد سادس جمادى الثانية فقتل منهم نحو الثلاثة آلاف، ومات من المسلمين نحو الستة، وتمادى القتال بين الفريقين واشتدت الحرب، وأظهر المسلمون من البسالة ما أبهر أروبا وقضت منه بالعجب، حتى ذكروا في بعض مكاتبهم أنهم كانوا يظنون أنهم يلقون رجالا كالرجال الذين يعرفون، فإذا بقوم مثل الجبال لا يضجرون من الحرب ولا يهابون الموت تحملهم شجاعتهم على مصادمة المدافع والقبض على رؤسائها باليد، حتى إن رجلاً من أولاد البقال قتل أربعمائة من الإصبان كما حكى ذلك عنه من شاهد الوقعة، وكذلك استمرت الحرب متوالية والإصبان في انكسار إلى أن وقع ما سيذكر. ثم بعث المترجم في تلك الأثناء صنوه جدنا للأم المولى أحمد في جيش من مكناس ونزل في خامس رجب في موضع يسمى فم الحبيرة -بالتصغير- وتواردت على المسلمين زرافات المتطوعة من سائر أنحاء المغرب وعواصمه وبواديه،

فما أفادت كثرتهم مع النظام الذى ظهر به الإصبان لذلك العهد، وكان أهل المغرب لا يعرفون إلا المناجزة إن أمكنت وطريقة الكر والفر. ولما أحس جيش الإصبان القوة من نفسه، ورأى أن حالة أهل المغرب لا تتغير لا ماديا ولا أدبيا زحف على تطوان في ستين ألف مقاتل على طريق الساحل يعضدها الأسطول ويسايرها في حالة سيرها، إلى أن حل الجيش بساحة قلعة مرتيل بين تطوان والبحر بعد ما هلك من الجانبين خلق كثير. ولما نزل الإصبان هناك واختلط الحابل بالنابل والمخلص بضده وكثر نهب القبائل بعضها بعضا وارتبكت الأمور واختل النظام، ورأى الجبليون وكانوا عمدة أعيان جيش المسلمين أن لا مطمع في حفظ مدينة تطوان من العدو، وقل زادهم، دخل السفهاء منهم عامة ضواحيها ومدوا أيديهم للسلب والنهب حتى اضطر التطوانيون للخروج إلى قائد جيش الإصبان النازل بمرتيل وتخابروا معه في الدخول للمدينة دخولا سلميا خوفا من هتك الأستار ومس الحريم، فلبى قائد الجيش طلبهم ودخل المدينة ضحوة الاثنين الثالث عشر من رجب السنة في كبار الجيش وأركان حربه ورغما عن كمال استعداده ووافر قوته لم ينل ذلك اليوم من احتلال تطوان المتصلة بحدوده إلا بعد أن تزود ممن حضر لقتاله من المسلمين على غير تعبية ولا انتظام الخسائر الفادحة في الرقاب والأموال، وبذلك صار أشد رغبة في الصلح والسلم، عكس ما كان عليه ابتداء من الرغبة في الحرب حين كان يظن الغلبة، حتى إن جيشه بمجرد إبرام الصلح كاد يطير فرحا وصار يهنئ بعضهم بعضا، وكذا للمسلمين بقبولهم الصلح، وكبر شاهد على ما ذكر من ابتهاج الإصبان بالصلح وشدة فرحهم به ما شوهد مما أظهره القائد الحربى اردنيل لدى مقابلته للمولى العباس للمفاوضة في إبرام الصلح من الخضوع والإجلال والاحترام.

هذا مجمل أخبار تلك الوقائع والحوادث، وقد عثرت على تفصيل كثير منها في الوثائق الرسمية السلطانية الصادرة في شانها فرأيت إدراجها هنا بنصوصها على حسب تواريخها، ونص أولها في التفويض للحاج محمد الزبيدى في مفاوضة الإصبان في مطالبهم بعد الحمدلة والصلاة والطابع بداخله "محمد بن أمير المؤمنين وفقه الله": "يعلم من كتابنا هذا أسماه الله، أننا وجهنا من حضرتنا العالية بالله تعالى خديمنا الأنجد الحاج محمد الزبيدى للكلام مع نائب جنس الصبنيول في المطالب المسطرة في كتابه، وإجرائها على القوانين المقررة، والطرق المبسطة، وفوضنا له في ذلك والسلام في 14 من ربيع النبوى عام 1276". ونص الثانى في الإذن للمذكور باستشارة سفير الإنجليز في القضية بعد ما ذكر: "يعلم من كتابنا هذا أسماه الله أننا أذنا لخديمنا الأنجد الحاج محمد الزبدى في المشاورة مع نائب جنس النجليز والمفاوضة معه فيما يرجع لنازلة جنس الصبنيول لمحبته في جانب أسلافنا الكرام، قدس الله أرواحهم، ونعم أشباحهم، والسلام في 14 من ربيع النبوى عام 1276". ونص الثالث في الإذن له باستنابة من أراد استنابته من السفراء في القضية: "يعلم من هذا أننا أذنا لخديمنا الحاج محمد الزبدى في استنابة من أراد استنابته من نواب الأجناس مع نائب الصبنيول في المطالب التي سطرها في كتابه والسلام في منتصف ربيع النبوى الأنور عام 1276". ونص الرابع في جواب الزبدى عن بعض ما دار بينه وبين الإسبان من الكلام: "خديمنا الأرضى الحاج محمد الزبدى أعانك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.

وبعد: فقد وصلنا كتابك أخبرت فيه أنك وجدت الطالب محمد الخطيب تعين عليه من جهة مراعاة المصلحة والسداد، أن يسلم لنائب جنس الصبنيول المطالب الأربعة التي وجهناك لأجلها، وأن دولة الصبنيول أهلكها الله لما بلغها ذلك لم تقنع به وطلبت أن تعطاها جبل موسى الذى ذكرت أن مساعدتها عليه لا تمكن، ولو وقفت عند مطلبها، وأن تكون عقوبة أهل لنجرة بالقتل أمام عسكرهم، وأن يكون الجواب عن هذين المطلبين يوم التاسع عشر من شهر تاريخه وإلا يكسر سنجقه ويتوجه هو وجميع تعلقاته. وذكرت أن ما طلبه من تعجيل الجواب عنهما ليس من قانون البحر، وأنك استرعيت عليه بكتبك بما دار بيننا وبينه كُتُبًا لجميع نواب الأجناس لتوجهها إليهم إن لم يقف عند القانون المذكور، وأنه ساع في الفتنة مستعد لها. وطلبت لأجل ذلك توجيه محلة تنزل في تبهدارت والكتب على اثنى عشر من معلمى الطبجية بالعدوتين وتوجيههم لثغر طنجة لافتقاره إليهم، وصار الكل بالبال. أما ما طلب من قتل أهل لنجرة فلا يحل في شرعنا قتل مسلم إلا بموجب شرعى، نعم العقوبة التامة تكون لهم فيعاقبون عقوبة تامة إن شاء الله، وأما ما طلب من الجبل فلا نعطيهم بلاد المسلمين من غير قانون، نعم ما ادعاه من لحوق المضرة له من الأماكن التي أراد، فنحن نتكفل له بعدم لحوق مضرة له منها، وأما ما أشرت به من توجيه محلة للنزول بالمحل الذى ذكرت فإنا نوجهها إن شاء الله كما نوجه الطبجية لذلك الثغر المحروس بعناية الله ورب البيت يحميه والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا به فنعم المولى ونعم النصير. وقد كتبنا لسائر المراسى بأخذ الأهبة والاستعداد أولا، وأكدنا عليهم ثانيا، ولا تغيبوا عنا خبرا والله يعينك والسلام في 24 من ربيع النبوى عام 1276".

ونص الخامس من الوزير بوعشرين للزبدى في الجبل الذى يطلبه الإصبان والشروع في أخذ الأهبة بعد الحمدلة والصلاة: "محبنا الأعز الأمين الأرضى الأمين الحازم الضابط الأحظى السيد الحاج محمد الزبدى، أمنك الله ورعاك، وسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله. وبعد: وصلنا كتابك بينت فيه اسم الجبل المذكور في مطالب الكافر الصبنيولى خذله الله، وذكرت أنه لا يمكن إسعافه عليه لما عزم عليه من الخروج، وأشرت بالتعجيل بالمحلة والخفيف المفروغ، وذكرت أنك تفقدت جميع الأبراج وحرضت على عمارة أهلها، وأن ذلك الثغر السعيد في غاية الخصاصة، وطلبت صدور الأمر الشريف للسيد محمد الخطيب بجعل المئونة للملازمين للأبراج ليتفرغوا لحراستها، فها سيدنا أيده الله كتب له بذلك وعلى المحبة والسلام 27 ربيع النبوى عام 1276. الطيب بن اليمانى أمنه الله". ونص السادس في استعداد طنجة للحرب: "خديمنا الأرضى الحاج محمد الزبيدى، أعانك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وصل كتابك أخبرت فيه أنك لما حققت بأن الكافر الصبنيولى دمره الله لا رجوع له عما أراده من الكرة، قمت على ساق ووجهت على العامل وتكلمت معه في شأن الأبراج وتعاهد الآلات الجهادية، ففهمت من كلامه التراخى، وقويته بما لا ينفعه معه إلا القيام على ساق في ذلك، وتكلمت مع الطالب محمد الخطيب في شان مئونة الطبجية والبحرية الذين يعمرون الأبراج

فنفذ لهم ثمان موزونات للواحد لضعف حالهم، وفرقت العدة على الجيش السعيد وأهل البلاد، وظهرت مخايل الخير والسعادة وسر جميع الناس بذلك. وإن العدو المذكور لما رأى ما عليه الناس من الحزم والتيقظ لمحاربته، ظهرت فيه مخايل الفشل، وصار يقتصر على طلب الميلين فدون بعد ما كان يطلب العشرة أميال فأكثر، وفهمتم منه أنه يتعلق ببعض نواب الأجناس كالنجليز والنبلطان والماركان في جعل سداد بيننا وبينه، وأن نائب الثالث منهم أشار عليكم بعدم مساعدته اليوم حتى يظهر صدقه، لأنه لا عهد له، وطلبت تعجيل توجيه مجلة للرباط بها في حد الغربية وصار كل ذلك بالبال، وقد أصبت الصواب فيما فعلت من الإشارة بإعطاء المؤنة لمن ذكرت إعانة لهم على ما هم بصدده إذ ذلك واجب لابد منه، وكيف يقابل الإنسان الخدمة مع فراغ اليد من ... كما أحسنت في التنبيه على أهل ذلك الثغر أحسن الله لك وقد نفذنا لفرسانهم عشرة مثاقيل لكل واحد ولرجالتهم خمسة مثاقيل لكل واحد، ولنجباء الطبجية والبحرية عشرة مثاقيل، ولمن دونهم ستين أوقية لكل واحد، ولكبرائهم مقدمين وقواد على نسبة ذلك، وقد كتبنا بهذا كله للطالب محمد الخطيب وبينا له ما يفعل في ذلك والسلام في 28 من ربيع النبوى عام 1276". ونص السابع من الوزير بوعشرين للزبدى صحبة الظهير السلطانى: "محبنا الأعز الأرضى، الخير الأبر المرتضى، السيد الحاج محمد الزبدى أمنك الله وسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا المنصور بالله. وبعد: فقد وصلنا كتابك وعرفنا ما فيه وها جواب سيدنا أيده الله يوافيك ففيه كفاية وعلى المحبة والسلام في 29 ربيع النبوى عام 1296. الطيب بن اليمانى أمنه الله".

ونص الثامن من مولاى العباس كبير المحلة السلطانية للزبدى في الإعلام بالوصول للقصر، وطلب تعيين محل الرباط بعد الحمدلة والصلاة: "محبنا الأرضى وأمين مولانا الصديق الأرشد الحاج محمد الزبيدى السلام عليك ورحمة الله وبركاته عن خير مولانا نصره الله. وبعد: فقد حصلنا مدينة القصر وخيمنا بها بمحلة مولانا السعيدة ونحن على نية النهوض يوم الاثنين لنواحى طنجة، ولابد تلاقى مع الخطب على المحل الذى نربط فيه هل بالحد أو نزيد عليه، قدموا لنا ذلك لما في المشاورة من المصلحة أعانك الله، وقمنا بالمحل المذكور لقضاء بعض المآرب ولا تغيب علينا خبرا والسلام في 1 ربيع الثانى عام 1276. العباس لطف الله به". ونص التاسع في الاستعدادات: "محبنا وأمين سيدنا الأنجب الحاج محمد الزبيدى السلام عليك ورحمة الله وبركاته عن خير مولانا نصره الله. وبعد: وصلنا كتابك وعلمنا ما ذكرت فيه من شأن الصلة الباقية موقفة، فها نحن نكتب لماسكها يسرحها وكذلك ما ذكر في شأن حمل الشعير لتطوان ينزل على يد عاملهم من القصر وغيره، فها نحن إن شاء الله نكتب لمولانا يأمر بذلك، وأما قبائل الجبال فها نحن جادون في جمعهم وعند كل منهم كتاب نأمره بالقدوم علينا وعلى من بقرب تطوان لتطوان، ومن في إيالة العرائش للعرائش، وحين يحلوا ننفذ لهم المئونة لنثبتهم، وفهمنا ما ذكرت في شأن البابور الانجليزى الذى رده صبنيول دمرهم الله وخروج الآخر له، وأن الله خلص المسلمين والحمد لله على سلامتهم وعافيتهم، وكتاب الخطيب نوجهه للحضرة العالة والكتاب الآخر

قرأته وها هو يرد عليك، وقد شافهنى بهذا الكلام رجل صبيحة هذا اليوم فحملته على التحامل. لكن تحققت الآن وأن البعض واقع لا محالة ووصلونا الخزائن عدة 22 بركائزهم والعشرون الألف ذكر السيد عبد السلام بن عبد الكريم أنه ورد عليه الأمر بدفعها لابن عبد السلام لكن لما وصلت للخطيب وجه جوابه لسيدنا فصفا مرها وسلمت، لأن الكل في المصلحة والله يعينك والسلام في 6 ربيع عام 1276. العباس لطف الله به". ونص العاشر في استنفار الناس للحرب: "محبنا وأمين سيدنا الأنجب الحاج محمد الزبيدى السلام عليك ورحمة الله وبركاته عن خير مولانا نصره الله. وبعد: فقد وصلنا كتاب من السيد محمد الخطيب وفهمنا منه شدة خوفه وضجره، فلا مهول إن شاء الله، ونجبك أن تثبته وتقول له فلانا لا يهمل كلامه ولا يضيعه، وقد كتبنا لجميع قبائل الجبال ولقبائل غمارة واستنفرنا الناس وبرحنا بالجهاد، ومرت طائفة من أهل تطوان على الفندق ذاهبة لناحية مولانا نصره الله ولا تغيب علينا خبرا، وكلم ولد السعيدى على القبائل يوجهها أعنى الذين بالمدينة وكل ما تتوقف علينا فيه اكتب لنا فيه فإنك والحمد لله ثابت مثبت والله يعينك والسلام في 6 ربيع الثانى عام 1276. العباس لطف الله به" ونص الحادى عشر من بو عشرين للزبدى صحبة الظهير السلطانى: "ومحبنا الأعز الأرضى السيد الحاج محمد الزبدى حفظك الله، وسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله.

وبعد: وصلنا كتابك أخبرت فيه أن الكافر الصبنيولى دمره الله كسر سنجقه علامة على الكرة، وركب البحر بعد أن استناب نائب جنس الفرنصيص، وأنكم دفعتم نسخا من الكتب التي دارت بينكم وبينه للعلة التي بينت، وأنكم قائمون على ساق في ترتيب العسة في الأبراج والمرسى وتفريق العدة والبارود على أهل ذلك الثغر السعيد، وأنهم في غاية الثبات والنشاط لملاقة الكافر دمره الله، إلى غير ذلك مما شرحته وبينته وصار كل ذلك. وها جواب سيدنا يوافيك ففيه الكفاية، وما ذكرته مما أشير به عليكم من جمع قبائل الجبال للرباط بمحدة سبتة مع أهل لنجرة، وخروج معلمين طبجيين من تطوان بمهرازين بقصد التضييق على الكافر بسبتة وإرهابه فها سيدنا أجابك عن ذلك وعلى المحبة والسلام في 5 من ربيع الثانى عام 1276. الطيب بن اليمانى أمنه الله". ونص الثانى عشر في قطع العلائق بين الدولتين، ومبارحة السفير الإسبانى أرض المغرب وما يجرى من الاستعداد على الحدود وتوزيع الزبدى كتب المفاوضات على سفراء الدول بعد الحمدلة والصلاة والطابع بداخله "محمد بن عبد الرحمن الله وليه": "خديمنا الأرضى الحاج محمد الزبدى أعانك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: وصلنا كتابك أخبرت فيه أن الكافر الصبنيولى خذله الله كسر سنجقه علامة على الكرة وركب البحر بعد أن استناب نائب جنس الفرنصيص، وأنكم دفعتم لنواب الأجناس نسخا من الكتب التي دارت بينكم وبينه ليعلموا منها كذبه وعدم صدقه فيما يظهره لهم من التظلم وعدم التوصل ببعض حقه، فطالعوها

واستحسنوها ووجهوها لدولهم وذكرت أنكلم قائمون على ساق في ترتيب العسة في الأبراج والمرسى بعد أن سردتم الجيش السعيد وفرقتم عليهم ما فيه الكفاية من العدة والبارود والخفيف، وزدتم لهم -أى للعساسة- درهما واحدا على ما يقبضونه لضعف حالهم، وأن الجميع في غاية الثبات والنشاط والاستعداد لمبارزة الكافر، وأنه خذله الله لا يهول ولا يهتم به لما سلط الله على عسكره من الوباء والجوع. وذكرت أن المدافع الجديدة التي جلب مولانا قدس الله روحه مفتقرة لمعلمين طبجية نجباء عارفين بنيشان فرمتها، وأنكم كتبتم للطالب التهامى بن محمد بن عبد السلام في شأن المعلم عبد النبى الشديد الرباطى ورفيقه لنجابتهما ولقربهما بالعرائش، فاستبطأتموهما. وذكرت أن بعض أعيان قبيلة لنجرة قدموا عليك عازمين على الوفود على حضرتنا العالية بالله فغضضت عنهم الطرف، ووعدتهم بذلك، فأما ما ذكرتم من وقوفكم على ساق الجد في ترتيب العسة إلى آخر ما ذكرتم من القيام فذلك الواجب أصلحكم الله ورضى عنكم، وأما ما ذكرته في شان الكافر فنسأل الله أن يعجل بالانتقام منهم آمين، وأما ما ذكرته في شأن الطبجيين اللذين بالعرائش فها نحن أمرنا الطالب التهامى بن عبد السلام بالتعجيل بتوجيههما إليكم وأكدنا عليه في ذلك غاية غاية، وأما ما ذكرته في شأن أهل لنجرة فقد وردت على حضرتنا العالية بالله تعالى جماعة منهم على يد سيدى عبد السلام ولد سيدى الحاج العربي الوزانى وليتهم تأخروا لكن حيث وفدوا علينا لا يسعنا إلا معاملتهم بما ينبغى أن يعاملوا به، والطبجيان المشار إليهما أعلاه متوقف توجيههما إليكم على استغناء عامل العرائش عنهما، وإلا بأن توقف عليهما فإنه يبقيهما عنده، وفى الطبجيين اللذين وجهنا لكم من حضرتنا العالية بالله تعالى كفاية لنجابتهما وفطنتهما بهذا أمرنا العامل المذكور.

وما أشرت به من توجيه معلمين من الطبجية بمهارس المرمى بها على سبتة وبالكتب لقبائل حوز تطوان بحصارها هو حسن لو تيسر، فإن عامل تطوان كتب يطلب توجيه المحلة من هنا لتطوان وألفين من العدة والكتب لأهل تطوان وحوزها بضرب الكافر، وذكر من ضعف أهل البلاد وعجزهم ما يقضى بقلة فائدته وعدم نجدته، وأين هذا مما أشرت به أصلحك الله: والذى ظهر لنا واقتضاه نظرنا هو أن نوجه عشرة فرسان بكتابنا لأهل لنجرة وجيرانهم من القبائل بالكون عينا وأذنا على الكافر بحيث إن رأوه خرج من خربته قاصدا جهة من الجهات يجتمعون عليه ويضربونه، فإنه لا يعجزهم بحول الله، ثم إن رد على عقبه وظهر المسلمون عليه فيحسن حينئذ أن يقصد بالرمى المشار إليه بعد الاستعداد له إذ له شروط، وإلا ففى قصده ابتداء بالرمى ما لا يخفى. وها نحن وجهنا العشرة المذكورين بكتابنا لمن ذكر، وأعلمناك لتكون على بصيرة والسلام في 5 ربيع الثانى عام 1276". ونص الثالث عشر من بوعشرين صحبة الظهير: "محبنا الأعز الأرضى السيد الحاج محمد الزبدى أمنك الله وسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله. وبعد: وصلنا كتابك وعرفنا ما فيه، وها جواب سيدنا يوافيك بما فيه الكفاية، وقد نشط أيده الله ونصره بما أخبرت به من أن المسلمين رموا الكافر فأصابوا، ورمى هو فأخطأ، لله الحمد وله المئة والسلام 8 ربيع الثانى عام 1276 الطيب بن اليمانى عن عجل". ونص الرابع عشر في مرابطة مولاى العباس والقائد عبد السلام بن عبد الكريم وغير ذلك:

"خديمنا الأرضى الحاج محمد الزبدى، أعانك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وصلنا كتابك أخبرت فيه بأن أخانا مولاى العباس كتب لكم من القصر يستفهمكم عن تعيين محل رباط المحلة هل بعد الغربية كما قدمتم أو بغيره، فظهر لكم أن تربط بموضع يقال له ابن قلى قرب الوادى للمصلحة التي بينت، وأن يربط الطالب عبد السلام بن عبد الكريم بالحد المذكور حتى يظهر لكم ما تقتضيه المصلحة من إبقائه به أو انتقاله لغيره، لما ثبت لديكم من أن الكافر دمره الله يحمل عسكره المخذول بسبتة قاصدا تطوان حسبما جدد لكم الإعلام به نائب النجليز الذى تأخر عن السفر مع نواب الأجناس، وطلب أن يبقى بمدشر من المداشر التي بحوز المدينة فساعدتموه وكلفتم بحراسته بعض أصحاب العامل لكونه طلبهم أيضا، وأن القمح كان وصل إلى واحد وعشرين أوقية للمد هنا كلم فساقت الأقدار مركبا منه وتعين نزوله هنا كم. وصار يباع قمحه بإحدى عشرة أوقية للمد، وأن الطالب التهامى بن عبد السلام وجه لكم المعلمين الطبجيين الرباطيين اللذين قدمت إعلامنا بهما. أما ما ذكرته في شأن الرباط فقد كتبنا لأخينا مولاى العباس حفظه الله بأن ما اقتضته المصلحة في ذلك يفعله، وأما ما ذكرته في شأن القمح فذاك من الألطاف الخفية، وأما ما فعلتموه مع نائب النجليز فذاك المراد وقد أحسنتم فيه، وأما ما ذكرتموه من وصول الطبجيين إليكم من العرائش صار بالبال، ولم تخبرونا هل وصلكم الطبجية الذين كتبنا عليهم للعدوتين ولا الذين وجهنا لكم من حضرتنا العالية بالله؟ فلا بد أخبرونا إن وصلوكم، فإن الأمناء أخبرونا أنهم زودوهم ووجهوهم إليكم، وبقى المخاطر متشوقا لخبرهم.

هذا وقد أمرنا عامل العرائش أن يوجه لأخينا الأرضى مولاى العباس حفظه الله خمسين ألف مثقال ليصيرها في مئونة الجيش وغيره من المجاهدين، وإن قرب نفادها يزيده مثلها إن شاء الله، وسنوجه له ما تيسر من الدقيق والبجماط شيئا فشيئا إن شاء الله، وأعلمناكم لتكونوا على بصيرة كما أمرنا الطالب عبد السلام بالرباط بالمحل الذى أشرتم إليه والسلام في ثامن ربيع الثانى عام 1276". ونص الخامس عشر من مولاى العباس في مسائل: "خديم مولانا الأرضى، الحاج محمد الزبيدى، السلام عليك ورحمة الله وبركاته عن خير مولانا نصره الله. وبعد: فقد وصلنا كتابك وعلمنا ما ذكرت فيه في شأن القبائل، وأنهم بلا أشياخ، وإن قدم علينا أحد منهم نعين له شيخا ضابطا حازما ولا نتراخى في ذلك، وطالعنا كتاب سعيد جسوس وعلمنا ما ذكر في شأن المعلمين، فإن رأيتم أنكم في الحاجة فيهم فلا بأس، فإن الشارع أباح لنا الاستعانة بالمشرك في الخدمة، وكذلك كتاب الفاسى وعلمنا ما ذكر لك وما طلب منك من الشيخ لقبيلة آنجرة فذلك عين الصواب إذ لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا حكام، وبالحكام تنظم الأحكام وتؤمن السبيل، وهأنا في انتظار ما يرد علينا من تطوان بأخبار من وفد عليهم من القبائل التي كتبنا لها ترد عليهم، فعند ذلك يظهر لى هل نقدم بنفسى نرتبهم ونجمعهم على من يكون كبيرا في وسطهم يظهر ذلك إن شاء الله، وأما ما ذكر في شأن أحوار آصيلا فإن الطالب عبد السلام بن عبد الكريم هو الذى يكون هنالك، ولعله اليوم ينزل الحد أو نزل به وأهل العرائش جميع قبائل إيالتها وجهناهم لها، والإعانة بالله وحده، والقبائل الجبلية لا تمر ثلاثة أيام حتى تجتمع كلها عندنا إن شاء الله، وأما الخزائن فما وجهتم بها هو عندى وكتبت للعرائش على ما عندهم وساعتئذ نكتب لتطوان على ما عندهم ونأمرهم بإنشائهم ولا

نقصر، ولا نروا إن شاء الله إلا المسرات بفضل الله ورضاء مولانا الوالد رحمه الله وسعادة سيدنا المنصور بالله والسلام في 8 ربيع الثانى عام 1276. العباس لطف الله به". وبطرته: "وساعة كتبنا هذا سمعنا أربعة مدافع ما علمنا سبب ذلك ولا بد بين لنا أعانك الله". ونص السادس عشر: "خديم مولانا الأرضى الحاج محمد الزبيدى السلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله. وبعد: يرد عليك الطبجيان الذى ذكرت، وذكر لك مولانا في كتابه الذى طالعنا، وقد وصل المعلم وها هو عندى إلى غد إن شاء الله يصلح ويروح، وقد وجه لنا مولانا خمسين قنطارا فاروك وأشبار ومثلها خفيفا إن احتجنا إليها أو احتاجت القبائل. فها هى عندنا وما ذكره سيدنا من أن الرأى أن لا تبدأ سبتة بالضرب هو الذى يظهر لى لأن أمر القبائل لا ثبات فيه بدون مخزن، ورباطها ليس بالسهل فيؤثر عمن تقدم أن مولاى اليزيد كان بعد وعدد ومع ذلك رأيت ونحن نرجو من الله خرابها إن شاء الله، وأن يبقى بقدر الله يبقى مذلولا لا شوكة له، وكتاب بوهلال تركناه عندنا لحاجة لا تخفاك والله يعينك والسلام. ومنه أنه علمنا ما وجه لك الطالب التهامى وما وجهتم له من البنب فرمة 50 الكل في سبيل الله وفى الجهاد والحمد لله، وبمثل ما كتب لك سيدنا جاءنا كتاب

من عنده، وأحواز مكناسة سالمة هانية والحمد لله، وكذلك غيرها من النواحى لله الحمد والسلام ثانيا في 10 ربيع عام 1276. العباس لطف الله به". وبطرته: "وقد جاء ناس من بلاد أحمر بقصد الجهاد في سبيل الله ساعتئذ صح به، وكذلك العشرة الموجهون لآنجرة باتوا اليوم عندنا وغدا يتوجهون والبهائم الواصلون عليها الطبجيان وجههما لنا غدا إن شاء الله. والحاج عبد الكريم إن لم تكن عليه مشقة وجهه وأنت تعرف المناسب من حاله". ونص السابع عشر في وفود أعيان تطوان على مولاى العباس واجتماعه مع الزبدى والخطيب: "خديم مولانا ومحبنا الأمين اللبيب، الحاج محمد الزبيدى، السلام عليك ورحمة الله وبركاته عن خير مولانا نصره الله. وبعد: فقد وردوا حضرتنا آل تطوان كبراؤهم وتلاقوا بما أتوا به في يدهم وولد عاملهم من جملتهم الحاج محمد الرزينى الكبير، والحاج عبد المجيد يعلا وكلمونا بأمور ولابد من الاجتماع معك ومعهم والطالب محمد الخطيب، والآن إن كان لكم أن تقدموا عندنا تجدهم هنا فلا باس، وإن كان إبقاؤكم في البلاد أولى وأردتم أن أركب مثل يوم دخلت هناك إلى محل قريب كأنى وردت أطوف بأحواز البلاد وتلتقى، فما هو الصواب أشِر به أو افعله أعانك الله والسلام في 12 ربيع عام 1276. العباس لطف الله به".

ونص الثامن عشر للخطيب والزبدى: "خديمينا الأرضيين الطالب محمد الخطيب، والحاج محمد الزبدى، سلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد بلغنا أن الكرة إذا أريد عقدها لابد من اتفاق المتنازعين في وقتها، بأن يجعل أجل لها وفى محل الخروج للقتال بأن يقال مثلا المحل الذى يخرج به الكافر هو المحل الفلانى لا غيره، فإن كان هذا الذى بلغنا صحيحا وقانونا فنحب أن يجعل مع الكافر أجل ريثما يأخذ الناس أهبتهم على الوجه الأكمل، وأن يعين هو المحل الذى يخرج فيه ليقابل بما يجب أن يقابل به، وإن كان ذلك غير صحيح فلا علينا فيه والاستعانة بالله، وما هذا إلا كلام بلغنا فأخبرناكم به والسلام في 13 ربيع الثانى عام 1276". ونص التاسع عشر من بوعشرين جوابا للزبدى عن الاستعداد والاستنفار وحصار الإسبان للمراسى الثلاث بحرا: "محبنا الأعز الأرضى، الأمين الحارم الضابط المرتضى، السيد الحاج محمد الزبدى، أمنك الله وسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله. وبعد: وصلنا كتابك واستفدنا منه وصول سيدى مولاى العباس حفظه الله ورباطه برمل ابن قلى، وما أشرتم به عليه من الكتابة لتلك القبائل للرباط بناحية تطوان وطنجة، وأن يرتب لهم ما يكفيهم من المئونة. وذكرت أنه لابد لهم من الخزائن وطلبت توجيه محلة تربط بناحية تطوان، والأمر بجلب الشعير لها ولطنجة على بغال مولانا أيده الله لفقده هناك، وأشرت بحراسة ما بين طنجة وآصيلا، وأخبرت بالأجل الذى أخبرتم به أنه بقى لخروج العدو الكافر دمره الله، وأنه اخذ في الاستعداد وما أخرج من المراكب لمنع دخول المراكب للمراسى الثلاث.

أما ما ذكرته من وصول سيدى مولاى العباس لطنجة، فقد أخبر أنه دخلها حفظه الله ووجدك في غاية الحزم والضبط وترتيب أمور أبراجها وعستها، وأنهى لسيدنا جميع ما رأى من حزمك وضبطك، ودعا لك أيده الله بخير غاية. وأما ما ذكرته في شأن استنفار القبائل للجهاد، فقد كتب مولانا نصره الله لجميع القبائل الجبلية حتى أحواز فاس كإيالة ابن الطالب، والصنهاجى، وابن عوده ولم يقصر أيده الله في وعظهم وتحريضهم على الجهاد، وتوجهت إليهم كتبه الشريفة صحبة القائد المأمون الرازى وغيره. وأما ما ذكرته في شأن المئونة للمرابطين، فقد كتب سيدنا أيده الله لسيدى مولاى العباس ولعامل تطوان في شأن، وأمر أيده الله بجعل مائة خزانة، وفى الإثر إن شاء الله تصل ليد سيدى مولاى العباس. وأما ما طلبته من المحلة لتطوان فقد وجه لهم سيدنا مددا معتبرا صحبة القائد المأمون المذكور، ووجه لهم نصره الله مددا آخر مع أهل تطوان الوافدين على حضرته السعيدة. وأما ما ذكرته من فقد الشعير بتلك الناحية وأشرت بجلبه، فقد أمر مولانا قواد الشراردة بجلبه لتطوان وطنجة بقصد بيعه، وأكد عليهم في ذلك غاية. وأما ما ذكرته في شأن الكافر وحصره الداخل للمراسى الثلاث، فقد أعلمنا به سيدنا وصار بباله، ونسأل الله أن ينتقم منه وينصر جيش الإسلام عليه آمين، كما أعلمناه بوصول الطبجية إليكم من العدوتين وبقدر ما يخرج في الصائر اليومى هناك وعلى محبتك والسلام في 14 من ربيع الثانى عام 1276 الطيب بن اليمانى". "والله يجزيك خيرا على الاهتمام بأمور المسلمين آمين".

ونص العشرين في توجيه البارود لآصيلا: "خديمينا الأرضين الطالب محمد الخطيب والحاج محمد الزبدى وفقكم الله وسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فإنا وجهنا خمسة عشر قنطارا من البارود الرومى لأخينا مولاى العباس أصلحه الله، بقصد ثغر آصيلا، وأعلمناكم لتكونوا على بصيرة والسلام في 15 من ربيع الثانى عام 1276". ونص الحادى والعشرين: "خديمنا الأرضى الحاج محمد الزبدى أعانك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: وصلنا كتابك أخبرت فيه بما عليه أهل ذلك الثغر السعيد من الحزم والضبط والاستعداد، وأن أهل تطوان لما سمعوا بوصول مولاى العباس حفظه الله لتلك الناحية، وورد عليهم بعض القبائل الجبلية فرحوا وزال عنهم ما كان بهم من الخوف والجزع وحصل لهم من الحزم والتيقظ ما وصفته، وأن الطالب عبد السلام ابن عبد الكريم ربط بعد الغربية، وأن بذلك الثغر السعيد من المهاريس الجيدة والبونية المعتبرة ما يرغم أنف العدو ويكبته، وأنك وجدت بخزينه من طاكوس البونية عدداً فاسدًا بالسوس فوجهت لتطوان مثالا منه ليخرطوا عليه عدد 100 ويوجهوه لكم، وأن المعلمين الطبجيين الواردين عليكم من ثغر العرائش مشتغلان بصنع التخليطة لتعمير الطواكيس المذكورة، وأنه ليس هناك من يحسنها ويتقن معرفة المهراس مثلهما، لافتقار ذلك الثغر لمن يحسن هذا الفن، وأن نجابة اللذين وجهنا لكم من حضرتنا العالية بالله مخصوصة بعلم المدفع فقط، ولم يبلغا مرتبة الأولين، وأنك لما ورد عليك أمرنا بإبقاء الطبجيين المشار إليهما بمحلهما بالعرائش

تحيرت في امتثال الأمر وارتكاب المصلحة، ثم ظهر لك فوجهت أحدهما للعرائش ووجهت معه من ارتضاه من نجباء طبجية العدوتين، وأبقيت الآخر عندكم مع الباقين. وذكرت أن الأخبار تواترت عليكم من جبل طارق بما حصل للكافر الصبنيولى دمره الله من الرعب والفشل لما رأى عليه المسلمون من الضبط والاستعداد، والقيام بأمور الجهاد، وتبين كذبه وفجوره، فيما كان زعمه من أن جنس الفرنصيص وعده بالأخذ بيده فيما يحتاجه، وأن نائب الفرنصيص ورد عليه الكتب من دولتهم بتكذيب الكافر الصبنيولى والتبرى من إعانته وإمداده، وظهرت ثمرة ما دفعته من نسخ ما دار بينكم وبينه لنواب الأجناس، وأنه دمره الله وخيب سعيه لما رأى ما عليه الثغور من التحصين طمع في الإتيان لآصيلا لما علم من تفريطها فوجهتم من ينظر في أمرها بما أشار به عليكم نائب النجليز، وأن طبجية الرباط أخبروك أن بها برجا صائنا وفيه عدد من المدافع بلا كراريط. وأما ما ذكرته في شأن ثغر طنجة وتطوان صار بالبال، وقد بلغنا عنك من الضبط والحزم ما كنا توسمناه فيك أصلحك الله ورضى عنك. وأما ما ذكرته من توجيه أحد الطبجيين للعرائش مع الذى اختاره من طبجية الرباط وإبقاء الآخر عندكم لنجابته، فقد أحسنت في ذلك وأصبت الصواب فيه. وأما ما ذكرته مما حصل للكافر دمره الله فقد عرفناه راده الله رعبا وهوانا، وهلاكا وخسرانا، آمين وصار بالبال ما كتب به دولة الفرنصيص لنائبهم. وأما ما ذكرته في شأن آصيلا عرفناه، وقد أحسنتم في التنبيه عليه وها نحن وجهنا خمسة عشر قنطارا من البارود الرومى بقصده واصلة لأخينا الأرضى مولاى العباس حفظه الله والسلام 15 ربيع الثانى عام 1276".

ونص الثانى والعشرين من بوعشرين صحبة الظهير: "محبنا الأعز الأرضى الأمين الضابط الأحظى السيد الحاج محمد الزبدى أمنك الله، وسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله. وبعد: فقد وصلنا كتابك ذكرت فيه افتقار آصيلا لعامل مستقل يضبط أمرها لعدم نجدة الخليفة الذى بها، وذكرت ما وقع بين الكافر خذله الله وبين أهل مرسى وادى التان وبين عسة المسلمين التي بقرب سبتة، كما وصلت نفولة الخطيب في شأن ما أخبر به نائب النجليز مما يتعلق بآصيلة وزمام تسراد الجيش السعيد، وطالع سيدنا ذلك وصار بباله، وها جوابه الشريف يصلك بما فيه الكفاية وعلى المحبة والسلام 18 من ربيع الثانى عام 1276. الطيب بن اليمانى". ونص الثالث والعشرين: "خديمنا الأرضى الحاج محمد الزبدى أعانك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وصلنا كتابك جوابا عما كتبنا لك به في شأن الثلاثين ألفا التي تحت يد خديمنا الطالب عبد السلام بن عبد الكريم، وذكرت أنك بعد ما كتب الطالب محمد الخطيب بطلب الصائر اختبرته فأجاب بأن تحت يده من الوفر ما ينيف على العشرة آلاف مثقال، وأن تحت يد القائد محمد بن العربي السعيدى ما يقرب للثلاثة عشر ألفا من واجب القبائل زيادة على ما ينيف على الخمسة آلاف مثقال الفاضلة من العشرين ألفا التي دفعت منها صلة الجيش والطبجية، وأن هذا وفر معتبر، والصائر اليومى إنما هو نحو المائتين مثقالا، فلا يحتاج للثلاثين ألفا المشار إليها، وأن كتابتك مع الخطيب في جل كتبه إنما هى مساعدة له لاقتضاء

الحال لها، وأنك في انتظار الجواب عن الذين توجهوا لآصيلا، وأن أمرها لا ينضبط إلا بعامل مستقل، وأن المدافع التي بها مفتقرة للكراريط، وطلبت أن نأمر عامل العرايش بتوجيهها إليها، وأنك وجهت بطاقة مشتملة على ما أخبره به نائب النجليز الذى كان بآصيلا. أما ما ذكرت في شأن الوفر وعدم الاحتياج للصائر فقد بينته وكشفت عنه غطاءه، حتى صار كأنه بمرأى منا، وما قط سبقك أحد لبيانه أصلحك الله، وأما مساعدتك للخطيب في الكتابة معه فهى من تمام عقلك. وأما افتقار أصيلا إلى عامل مستقل بهالى الكراريط فقد أمرنا أخانا مولاى العباس أن ينظر رجلا حازما ضابطا ويكلفه بها حتى يفوت أمر الكافر، ونتفرغ لها وننظر في أمرها ولا نتركها مهملة إن شاء الله، وقد أمرنا عامل العرايش أن ينظر كراريط يوجهها لها بما أمكن. وأما البطاقة، المشار إليها فقد وصلت وعرفنا ما فيها والسلام في 17 من ربيع الثانى عام 1276"" ونص الرابع والعشرين من مولاى العباس للزبدى والخطيب في تغيير رباط المحلة وما يصنع بالأسرى وغير ذلك: "خديمى مولانا الأنصحين الحاج محمد الزبيدى والطالب محمد الخطيب السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عن خير مولانا نصره الله. وبعد: فقد بلغنا كتابكما وعرفنا ما ذكرتما فيه من القرب بالمحلة إلى البلاد إلى المحل الذى يعين لنا القائد العباس امقشد وما ذكرتم من توجيه مائتى فارس لاشقار تزيد على السعة هنالك، ومن أن عدو الله صبنيول جد في تنزيل عسكره

المخذول بعناية الله بسبتة ومكاتب جبل طارق التي وردت عليكم بتفصيل أمر عسكره. أما ما ذكرتم على المحلة فكذلك يكون إن شاء الله، وما ذكرتم على المائتى فارس فسنوجهها لاشقار، وما ذكرتم على عدو الله فنحن له إن شاء الله، والله أشد تنكيلا، وقد زدنا هذا اليوم بتطوان لأنهم كانوا في غاية الضيق التام حيث لم ترد عليهم جوارهم كبنى حسان وغمارة والأخماس وأرادوا خروج أولادهم، فهذا موجب قدومى عليهم، وأنا أثبطهم وأرسى بحلول الله أمره وبعد تاريخه نروح للمحلة بحول الله إن شاء الله، وقد أخبرنا قائد المحلة وأن بنى عروس وردوا للمحلة، فها نحن أمرناه بإبقائهم هنالك يقبضون مئونتهم حتى نقدم يوم الجمعة إن شاء الله، وقد فهمنا ما ذكرت من أنكم خرجتم لاشقار وانتظرتمونا جميعا فلم نقدم، لأنى قدمت لما هو أهم وهو أمر تطوان، وما ذكرتم من أنا إذا قبضنا الأسارى نبقوهم حيا بذلك نوصى جميع القبائل المجاهدين وهو السداد المعروف والله يعينكم والسلام في 20 ربيع الثانى عام 1276. العباس لطف الله به". ونص الخامس والعشرين من سفير إنكلترا للنائب الخطيب في شأن الأسرى بعد الحمدلة: "خديم سلطان مراكش والنائب عنه أسماه الله في الأمور الفقيه المحب السيد محمد الخطيب سلام عليك ورحمة الله وبركاته. وبعد: فقد كنا ذكرنا عن الأسرى إذا قبضوا فلا يضر ويجعلهم في محل يأكلون ويشربون إلى تمام القتال بين الجانبين، فبذلك يسهل الفصال ولا تزاد الفتنة، وإلى الآن لم نسمع بقبض الأسرى من الإسبنيول بسبتة، نعم بعض المساجين الذين هربوا من الاسبنيول وقتلهم لا كلام لنا عليهم.

وهذه الأيام سمعنا أن آل الريف بكلعية قبضوا في القتال مع اسبنيول قرب مليلية خمسة وثلاثين عسكر، وأخذوهم ووجهوا بهم للحضرة الشريفة وفرحنا حيث سمعنا ذلك، إذ حيث يكن الأسرى بيد السلطان يسهل الأمر في المستقبل. ونحبك تكتب للحضرة الشريفة أنهم إذا كانوا ذلك الأسرى عسكر لا يجعلون في السجن ولا يضر بحيث يجعلون في محل يكون ويشربون إلى حين الفتح فيما يكون إن شاء الله، وكذلك إذا رضوا بالكتب لأهلهم وديارهم ويسموا جميعهم ففى ذلك الخير، وهو العادة في الجرة بين الأجناس نعم تكون المكاتب مفتوحين، والذى فيه الضرر لا يوجه. ونحبك توجه هذا الكتاب بظله عن خطرنا، إذا الاسبنيول يذكرون أن المسلمين بعد ما ذكروا لنا على مطلوبنا من رحمة الأسارى فإنهم لا يرحمهم بل يقتلوهم ويقطعهم أطرافا، ومن ذلك الكلام يسمعون الأجناس ويظنون بالمسلمين كل ما قبضوا من الأسارى بسبتة قتلوهم ويعيبهم الأجناس على ذلك، وحتى الأجناس الذى يحب لكم الخير إذا يثق بهذا الكلام يقلب خاطرهم، ونحب بشهادة المكاتب واسوم الأسارى يظهر الحق ويبطل الباطل، إذ لا نحب القول الذى فيه الضرر لهذه الإيالة. ونحبك لا تغفل في هذا الأمر وتخبرنا بالجواب عِن هذا الكتاب حيث يرد من الحضرة الشريفة، وأنت عارف بهذه الكرة لا تطول، إذا فيها الضرر الكثير بهذه الإيالة لا يخرج منها فائدة على كل حال، والسلطان أيده الله من فور عقله يحب الصلح أولى من الفتنة، والاسبنيول هم الذين بحثوا في ذلك لا المسلمين وعلي المحبة والسلام في 30 دجنبر سنة 1859 عن إذن النائب المفوض في أمور سلطانة اكريت ابرطن أيدها الله جان هى در منضو هى" وأسفله إمضاؤه الإفرنجى.

ونص السادس والعشرين من بوعشرين: "محبنا الأعز الأرضى الأمين الضابط الأحظى السيد الحاج محمد الزبدى أمنك الله، وسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله. وبعد: وصلنا كتابك واستفدنا منه ما حصل لأذل الأجناس من الحزن والدهش والحيرة لما رأى ما عليه قبائل تلك الجهة من حراسة مراسيها والقيام على ساق الجد في الذب عنها، زيادة على ما حل بالفاجر قصمه الله من الجوع والوباء حسبما أخبر به الذين كان أسرهم وأنقذهم الله من يده راده الله الرعب والهوان، والهلاك والخسران، أضعافا مضاعفة وجعله غنيمة للمسلمين آمين. وذكرت أن بتطوان من المقاتلة ما بينته 7000 ومن البارود ما ليس غيرها من الثغور، وأن ما حصل لهم الجزع من عدم نجدتهم، وبينت ما وجهه لكم السيد التهامى بن عبد السلام من إمداد الزرع 137 ودفعتموه للعامل ليزيده على ما تحت يده من زرع المخزن، وأعلمنا سيدنا بذلك كله وصار بباله، وما قط أطلعنا سيدنا على كتبك إلا ونشط بها ودعا لك غاية غاية، ونسأل الله أن يجازيك عن المسلمين خيرا آمين وعلى المحبة والسلام في 21 ربيع الثانى عام 1276 الطيب بن اليمانى أمنه الله". ونص السابع والعشرين من بوعشرين أيضا: "محبنا الأعز الأرضى الأمين الضابط الأحظى السيد الحاج محمد الزبدى أمنك الله، والسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله. وبعد: وصلنا كتابك واستفدنا منه أن الكافر خذله الله اشتغل بعمارة مراكبه بالعسكر وآلات الحرب وعزم على الخروج في اليوم الذى ذكرت حسبما في المكتب التي ورد بها البابور، ووجهتها لسيدى مولاى العباس حفظه الله، وأشرت عليه

بالانتقال لقرب البلد للمصلحة التي بينت ووجهتهم على عدد من رماة الجيش وغيره لعسة اشقار، وركبت إليه أنت والخطيب والقائد العباس فوجدتم ببعض مراكب العدو قصمه الله قريبة من البر، ولم تقصروا في التأهب والاستعداد وكتبتم لعامل العرائش وتطوان والسيد عبد السلام يأخذ الحذر، وصار كل ذلك بالبال فنسأل الله تعالى أن يعينك ويأخذ بيدك وينصر جيش الإسلام آمين وعلى المحبة والسلام في 24 من ربيع الثانى عام 1276. الطيب بن اليمانى". ونص الثامن والعشرين من مولاى العباس: "خديم مولانا وأمينه الأرضى الحاج محمد الزبيدى، السلام عليك ورحمة الله وبركاته عن خير مولانا نصره الله. وبعد: فقد وصلنا كتابك وعرفنا ما فيه وقرأنا مكاتب جبل طارق وما تحدث الكافر به نفسه خيب الله رجاه ومناه آمين، وها نحن كتبنا حذرنا الطالب عبد السلام بن عبد الكريم كما كتبنا لأهل تطوان ولأهل آنجرة وحذرناهم خروج هذا الفتان الكافر المهان، نسأل الله أن يبطل كيده وما ذلك على الله بعزيز. وأما توجهنا لاشقار فلا يمكن غدا لأن الأشغال عندنا كثيرا وردت كمانية كثيرة من عند سيدنا ليلا، وغدا إن شاء الله ننظرها، ولابد تكلم مع القائد العباس امقشد على الدار التي أردنا بها الكمانية ولابد ولو بالكراء والله يعينك والسلام في 24 ربيع الثانى عام 1276. العباس لطف الله به".

ونص التاسع والعشرين من بوعشرين: "محبنا الأعز الأرضى السيد المجاهد المعتنى الخير الدين الأجل الحاج محمد الزبدى أمنك الله، وسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله. وبعد: فقد وصلنا كتابك أخبرت فيه بما شرح الله صدوركم إليه من توجيه القائد العباس امقشد مع من ذكرت بما ذكرت للغرض الذى بينت بعد المفاوضة في ذلك مع مولانا العباس حفظه الله، واستحسانه ذلك على الكيفية التي شرحت، بعد أن عرفك نائب النجليز بأوصاف البلاد التي خرج به عدو الله قصمه الله، وبأن القبائل الجبلية ترادفت على أهل آنجرة لما بلغهم خروج الكافر لناحيتهم واشتغالهم بالقتال معه حسبما في كتبهم التي وجهت بطى كتابك بقصد إطلاع مولانا عليها، وأنهينا الكل لسيادته الشريفة فدعا لك بخير غاية تقبل الله منه كما دعا للمسلمين بالنصر والتأييد على أعداء الدين، وبالهلاك للكافرين نسأله جل وعلا أن يستجيب دعاءه آمين وعلى المحبة والسلام في 3 جمادى الأولى عام 1276. الطيب بن اليمانى أمنه الله". ونص الثلاثين من بوعشرين: "محبنا الأعز الأرضى الأمين الضابط الأحظى السيد الحاج محمد الزبدى أمنك الله، وسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله. وبعد: فقد وصلنا كتابك أخبرت فيه أنكم أشرتم على سيدى مولاى العباس حفظه الله بالانتقال لبيانة، وبالكتب للسيد عبد السلام بالانتقال لشرف العقاب، وأن الكافر قصمه الله نزل بالعدد الذى بينت بالمحل الذى سميت فأمددتم أهل لنجرة ببنى مصور، واستنفر سيدى مولاى العباس ودارس ومن عطفت عليهم من

القبائل لإعانة أهل لنجرة وأشرتم عليه بالكتب لأحد رؤساء المحتلين اللتين بتطوان للرباط بقبيلة آنجرة، وتجتمع عليه القبائل وبالكتب لمولانا نصره الله في شأن الشعير لتطوان وحمله على البغال لعجز الإبل عن السفر به من كثرة الوحل لتحصل للناس الكفاية، ويتقووا على العدو خذله الله، فقد كتب سيدى مولاى العباس بذلك لمولانا المنصور بالله وأجابه أيده الله بما فيه الكفاية، ودعا لكم سيدنا أيده الله غاية لوقوفكم واعتنائك بأمور المسلمين، فالله يجازيكم عنهم أحسن الجزاء ويأخذ بأيديكم لما فيه رضاه آمين وعلى المحبة والسلام 8 جمادى الأولى عام 1276. الطيب بن اليمانى". ونص الحادى والثلاثين من بوعشرين أيضا: "محبنا الأعز الأرضى الأمين الحازم الضابط الأحظى السيد الحاج محمد الزبدى أمنك الله، وسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله. وبعد: وصلنا كتابك أخبرت فيه أنك وجدت هناك عددا كثيرا من الكبريت وتخوفت أن تتولد منها الإذاية إن وقع ضرب من الكافر خذله الله، وظهر لك أن توجهها لفاس على الإبل الواردة عليكم بالكمانية، وأعلمت سيدى مولاى العباس والسيد محمد الخطيب بذلك، وشرعتم في توجيهها وطلبت إعلام سيدنا نصره الله بذلك، فقد أعلمت به سيادته فاستحسن أيده الله فعلك غاية، غاية، غاية، ودعا لك بخير وعلى المحبة والسلام في 10 من جمادى الأولى عام 1276. الطيب بن اليمانى أمنه الله آمين". ونص الثانى والثلاثين في بعض الوقائع: "خديمنا الأرضى الحاج محمد الزبدى أعانك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.

وبعد: وصلنا كتابك أخبرت فيه أن المبارزة وقعت بين المسلمين والكافر يوم الجمعة واستشهد من المسلمين مَن مَنَّ الله عليهم بالشهادة، ومات من الكفار عدد كثير، واستلبت أسلحتهم وآلة حربهم وأسر منهم، وشرحت ما صدر من أهل تطوان للبابور الفرنصيصى المار بهم بقصد تبديل الهوى وما قابلهم به المرابط من الضرب بالعدد 1000 الذى بينت من الكور، وأنك باشرت أمر ذلك بمن ورد نائبا في الكلام عنهم، واعتذرت عن أهل تطوان وتلطفت في الجواب عنهم رعيا للسداد وعدم الفتنة، وأن المدفع الذى سمع يوم السبت من ذلك وذكرت أن المجاهدين اتفقوا على الضرب على الكافر ليلة الثلاثاء، وأنه قصمه الله يركب ببعض خيله ليقطع على الكمانية الواردة من تطوان فأشرت على أخينا مولاى العباس حفظه الله بالكتب لمولاى إبراهيم ومن معه من العسكر بالرباط بالمحل الذى سميت ليحصروه، وأن الخبر ورد عليكم من جبل طارق أن الكافر حمل من بقالص من العسكر قاصدا به سبتة وأشرت بتوجيه عدد من رماة القبائل وغيرها والخزائن والكمانية والشعير للخيل التي بتطوان خوف ضياعها. أما ما ذكرته في شأن الكافر فقد صار بالبال، وسنوجه إن شاء الله ما يسره الله من الخيل وفى الأثر يرد عليكم ما تيسر من البارود والخفيف والاشفار والكمانية، وأما الشعير فقد كتبنا لعاملى العرائش والغرب في شأنه وأكدنا عليهم في شأنه غاية. وقد أحسنت فيما باشرت به أمر ما صدر من أهل تطوان للبابور الفرنصيصى أصلحك الله ورضى عنك، مع كونهم لا ينبغى لهم أن يرتكبوا ذلك، إذ ليسبوا بجاهلين بطرقة البحر وقانونه، كما أحسنت فيما أشرت به من رباط مولاى إبراهيم ومن معه بالمحل الذى يحصرون فيه الكافر عن التعويض لما يرد من تطوان، وكان من حقهم أن يركبوا هم للتعرض للكافر، لا أنه هو الذى يركب ويتعرض لهم، لأنا لم نوجههم للجلوس بتطوان، وإنما وجهناهم ليكونوا عينا

وأذنا على عدو الله ويقعدوا له كل مرصد والله يعينك والسلام في 10 من جمادى الأولى عام 1276". ونص الثالث والثلاثين في الموضوع: "خديمنا الأمين الأرضى الحاج محمد الزبدى، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وصلنا كتابك مخبرا بما فتح الله به على المسلمين في جهاد الكافر المخذول عدو الدين حيث قاتلوه يوم الأربعاء الفارط، وأنهم مع قتلهم وكثرته قتلوا منه عددا كثيرا وغنموا من أسلحته كذلك، وهزموه إلى أشبار جامع بارباشن، وأخذوا له السنجق الذى عمل هناك بعد أن مات من المسلمين من ختم الله له بالسعادة، فما على ميتة عز من ندم. والحمد لله على إعزاز دينه وإظهاره على دين الصليب زاد الله المسلمين عزا وظهورا وفتح عليهم في قريب، إنه سميع مجيب، وعلمنا ما ذكرت من تنبيهك على قدوم المجتمعين بتطوان بلا طائل من المخزن والعسكر والقبائل وكتابة أخينا مولاى العباس حفظه الله على قدومهم، فلم تطب نفوس أهل تطوان بقدومهم، مع أن العدو الكافر لازال يزيد العسكر، وطلبت توجيه المدد من رماة الجيش والقبائل مع الخفيف والبارود الجيد لا الفاسد كالموجه من مكناسة، كما طلبت توجيه الكمانية والبغال لحمل ما عندك منها مع المعلمين الجرارحية من فاس ومكناسة وغيرهما لمعالجة مجاريح المسلمين. فأما ما أشرت به من توجيه المدد فقد وجهنا ما يسره الله، ولا زلنا نوجه إن شاء الله، وقد وجهنا عدداً معتبرا من البارود وتوابعه لأخينا مولاى العباس قبل التاريخ بأربعة أيام وكذا البغال، ووجهنا في يوم التاريخ الجرارحية وقد أحسنت في

الإشارة بقدوم من بتطوان من المخازنية والعسكر، ونسأل الله أن يعجل بهلاك الكفار آمين والسلام 13 جمادى الأولى عام 1276". ونص الرابع والثلاثين كذلك: "خديمنا الأرضى الحاج الزبدى أعانك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وصلنا كتابك وفى طيه كتاب خديمنا القائد العباس امقشد فطالعناه، واستفدنا منه ما من الله به من الظفر والتأييد للمسلمين وهزمهم أعداء الله الكافرين، فسرنا ذلك غاية، ووددنا أن لو كنا معهم لنفوز فوزا عظيما، فالحمد لله حق حمده، وما كل خير إلا من عنده، وهو المسئول سبحانه أن يشفع هذه الواقعة بأختها أو أكثر منها حتى لا تقوم قائمة لأهل الكفر آمين. وعرفنا ما وجه أخونا مولاى العباس أصلحه الله من رماة المخازنية الذين وجهنا، ومن رماة الجيش لإعانة المسلمين المجاهدين، فالله يعينهم ويظفرهم، ويجعل الألطاف تحفهم، وما ذكرت من نزول مطر غزير ووصول ثمن المد من الشعير إلى خمس وعشرين أوقية وطلبت توجيه الخزائن من الشعير لاحتياج المجاهدين إليهما غاية، فأما الخزائن فقد وجهنا منها مائة وأمرنا بفصالة مئة أخرى وتوجيهها بمجرد الفراغ من خياطتها، وأما الشعير فقد وجهنا أمينا لاشترائه من أسواق أهل سوس أزغار، وعينَّا من جمالنا التي بالغرب مائة لحمله، ولا تغفل من توجيه غير ذلك مما يقوى جانب المسلمين، ونسأل الله أن يمنحهم تمام الظفر بأعداء الله الكافرين، والسلام في 19 من جمادى الأولى عام 1276". ونص الخامس والثلاثين من النائب السلطانى طنجة الخطيب التطوانى في شأن مركب يريد الإتيان بالبنادق للمغرب ووصول النجدات من الداخل بعد الحمدلة والصلاة:

"حبنا وخلاصة ودنا الأبر الأرضى، خديم مولانا وأمينه المرتضى، سيدى الحاج محمد الزبيدى السلام عليك ورحمة الله وبركاته عن خير مولانا نصره الله، وأدام لنا والمسلمين وجوده. وبعد: البارحة قدم علينا فارس من الحضرة العالية بالله بكتاب من عند مولانا نصره الله لنا ولك، يذكر لنا فيه بأن قائد بلاد آسفى كتب لمولانا أيده الله أنه قدم مركب مزر كان لمرضتهم بقصد الوسق، ثم إن رائسه ذكر إلى عامل آسفى إذا خصتكم لمكاحل يأتي لهم بما تتوقفون عليه، وقد أمرنا أيده الله في كتابه الشريف لنا ولك إذا يتأتى قدومهم في هذه الساعة نوجهوا على عشرين ألفا من المكاحل، وإذا لم يتأت قدومهم في هذه الساعة قدومهم يعنى من أجل هذه الكرة فالله يختار منها، وهذا الذى ذكر عليهم إلى قائد آسفى هو الرومى الذى كنا ذكرنا قبل هذا بنحو خمسة عشر يوما، كان قدم من جبل طارق وتكلم معنا هنا لأنه كان ذكر لنا كان في بلاد آسفى وتكلم مع عامل البلاد جاوبه يشاور سيدنا نصره الله على ذلك، والآن خبرناك بهذا وترانى نجاوب سيدنا نصره الله، ونعلمه بأنك اليوم سفرت مع سيدنا الخليفة سيدنا ومولانا العباس حفظه الله، ونذكر له بأنه هذا النصرانى قدم أيضا لهنا وتكلم معنا وخبرنا أنه تلكم مع عامل آسفى، ونذكر إلى سيدنا أننا كتبنا إلى هذا النصرانى يصحب زوج مكاحل وإلا ثلاثة مشترى، ولما يوجه لنا المشتري تبقى تحت يدنا حتى تقدم علينا بالسلامة، ويكون الفصال معه إن شاء الله. وأيضًا البارحة قبضنا كتاب من عند القائد العباس مقشاد خبرنا أنها قدمت عليهم قيلة الأخماس بعدد 1100، وأيضا ذكر قدموا عليهم الزراهنة بعدد 600 وذكر تخبار قدموا لتطوان من أهل الريف مع صنهاجة عدد 2500، نطلب الله يكون ذلك صحيح، ودخلنا من ذلك سرور كثير، ربنا سبحانه يزيد في قوة المسلمين وينصرهم بجاه النبى وآله.

وقد ذكر لنا لقائد العباس مقشاد على حساب البارحة يضربوا على الكافر وذكر بحول الله ذلك تكون بهلاك الكافر إن شاء الله، ونحن نرتجوا في هذا اليوم يأتوا المكاتب من عندهم نطلب الله يأتي الذى يسر المخاطر، لأن البارحة كان سماع المدفع كثير من سبتة لاشك أن المجاهدين دخلوا في وسط محلته، وقد أكد على البارود يوم تاريخه متوجهة له برامل عدد 24 مع صناديق الذى كانوا قدموا من فاس عد 6 مع حمال خفيف، لأنه أكد غاية على البرود مع الخفيف وذلك حاجة لا يكون فيها تراخ، وسلم منا على سيدنا الخليفة سيدنا ومولانا العباس ونطلب منه صالح الدعا، وقد ترك علينا فيزة كبيرة والله يا سيدى ما بقينا من شوقكم إلا مثل الغريب الذى ليس له أحد من قرابته، ربنا سبحانه يكمل عليكم بخير وترجعوا على خواطركم، كما تريدوا بحول الله والسلام وفى 25 جمادى الأولى عام 1276. محبكم محمد الخطيب وفقه الله" من تعبيره إلا أغلاطا خطية أصلحناها وكذا ما يأتى. ونص السادس والثلاثين من الخطيب أيضا في الموضوع: "حبنا وخلاصة ودنا الأبر الأرضى، خديم مولانا وأمينه المرتضى، سيدى الحاج محمد الزبيدى السلام عليك ورحمه الله وبركاته عن خير مولانا نصره الله وأدام لنا وللمسلمين وجوده. وبعد: وصلنا كتابك جواب ما كتبناه لك على كتاب سيدنا الشريف الذى بعثه لنا ولك يأمرنى على شرى عشرين ألفا من المكاحل، وذكرنا لك أننا جاوبنا مولانا عن ذلك وعرفناك بما جاوبنا سيدنا نصره الله بانك توجهت مع سيدنا الخليفة سيدنا ومولانا العباس حفظه الله، وأننا نكاتبوا على زوج من المكاحل، ولما يأتوا نعلمك ويكون فصال ذلك فيهم بمحضرك، هكذا جاوبنا سيدنا نصره الله

ونحن الجواب الذى جاوبنا سيدنا نيتنا لما كنت مسافر ذكرت لنا نكاتب مولانا ونعرفه بسفرك مع مولانا الخليفة. وأما المكاحل فلا كانت نيتنا إذا قدموا زوج منهم حتى تنتظرهم أنت وتصفى أمرهم بنفسك، لأنك أعرف بذلك منا، والآن بعدما كنت كتبت كتاب للتاجر المذكور ثم به البابور هذه سبعة أيام من الذى سفر من هنا وإلى الآن لم قدم وجد الحال كتاب التاجر لم رسلته له ترانى عملت خيرة، فلا نرسله ولا نكاتبه حتى يأتى جوابك كيف يكون في ذلك، وذكرت نوجه له كتاب سيدنا نصره الله بظله يوصلك داخل هذا وما ذكرت من أمر اليهود ترانى نجاوب بالذى ذكرته لنا عن عدم قدومهم، نطلب الله سبحانه يجيبنا وإياكم في الصواب ويرزقكم الإعانة والنصر والظفر بعدو الله حتى لم يبق اسمه يذكر بجاه النبى وآله وهذا ما نعلمك به والسلام وفى 3 جماد الثانى عام 1276. محبكم محمد الخطيب وفقه الله ". ونص السابع والثلاثين منه في شأن البارود: "حبنا وخلاصة ودنا الأبر الأرضى، خديم مولانا وأمينه المرتضى، سيدى الحاج محمد الزبيدى السلام عليك ورحمة الله وبركاته عن خير مولانا نصره الله وأدام لنا وللمسلمين وجوده. وبعد: اعلم حفظك الله يوم تاريخه قدمت لعند صهركم الفقيه الأجل سيدى محمد بن خضراء وذكرت له نقدموا إلى دار البارود ننتظر الذكره فيها من البارود قدمنا لها وجدنا خزين فيها عامر، لكن لا يصلح لشئ، كله تراب يعنى غبرة، ومن الملح الذى قدر لنا مشنين كبير الطبيجة ذكر نحو الستمائة برميل، فلما رأينا نحن مع الفقيه صهركم ذلك كتبنا لك على أن تعلم سيدنا الخليفة بذلك

ويكاتب عاجلا على سيدنا نصره الله على جميع البارود الذى عنده بفاس، والذى عنده بمكناس يأمر قائد الشرارضة وغيرهم من العرب الذى لهم جمال يحملوه جملة لهنا. ويكاتب أيضا للرباط على البرود يأتى منها، لأن هذا الكافر ليس له قدرة للقدوم لمراسى الحوز، وإنما عدو الله قوته كلها جعلها في سبتة، ويكاتب إلى مراكش، يأمر على البرود الذى بها كله يصحبوه أهل دكالة، لأنه يا سيدى أنت عارف الذى يخرج كل يوم من البرود، فلا تكن تأتي عشرين حملا ولا أكثر منها على مرتان فمن الواجب تأتي الأربعمائة حمال وخمسمائة في رفقة وروج، ويكون العجال الذى بفاس يأتى من يومه كله، والذى بمكناس كذلك، والذى في الرباط يأتي عدد منه، ويكاتب مراكش كذلك فلا تكون المماطلة ولا تكون الكتابة لموضع واحد، وأنت تبارك الله عنك لا تقصار في ذلك، لأن البرود هو مثل المئونة فأكثر ونحن كتبنا إلى سيدنا الخليفة مثل ما ذكرناه لك هنا مع هذا، والسلام وفى 8 جماد الثانى عام 1276. محبكم محمد الخطيب وفقه الله". وبطرته: "ويوصلك كتاب صهركم الفقيه البركة سيدى محمد بن خضراء على ما ذكر والسلام" ونص الثامن والثلاثين منه في شأن البارود والخفيف والنجدات: "حبنا وخلاصة ودنا خديم مولانا وأمينه الأرضى سيدى الحاج محمد الزبيدى السلام عليك ورحمة الله وبركاته، عن خير مولانا نصره الله وأدام لنا وللمسلمين وجوده.

وبعد: وصلنا كتابك جواب ما كتبناه لك في أمر البرود، اعلم حفظك الله أنى جعلت البعض من معلمين في خدمة البرود بالقشلة التي تجاور رياض المخزن الذى أنت نازلا فيه هنا ودفعنا لهم نحو عشرة برامل من البرود الذى ذكرنا لك فاسداً فلما فتحناهم وجدوا وسط البرميل مليح غاية، وأطرافه رجع غبرة كاين البرميل الذى يجدوا نصفه مليح، وكاين البرميل الذى كان قرب الحائط ثلثه مليح، والثلثان غبرة، وصحبوا غرائل المليح نجعلوه في برامل ويشاد البرميل والذى هو غبرة يفتلوه والآن خدامين فيه يخرج بحول الله عدد مليح مثل الذى كان يأتى لكم، والغبرة تصلاح، وتكون مثله إن شاء الله. وذكرت على فرغ الخفيف اعلم حفظك الله بأن العامل كل يوم يأخذ أجرة ستة أناس عنده ذكر يفرغوا الخفيف، وذكرت على عدو الله هو بحيدة ومحلة المجاهدين مقابلة له نطلب الله يأتى المدد الكثير من سيدنا نصره الله، ترانى يا سيدى من يوم خرجتم من هنا بالسلامة رسلت إلى سيدنا نصره الله ما يزيد على أربعة رقاصة، وكلهم في أجل المدد نؤكد على سيدنا نصره الله يوجه العدد الكثير. وقد ذكرت له يوجه عدد كثير من البربر ويأتوا القواد متاع كل قبيلة لأنه العامل متاع القبيلة إذا قدم يأتوا معه كبراء القبيلة وإذا بعث عدد ولم يأت العامل متاعها بأمر أشياخه يفرضوا له العدد الذى طلبه فلم يأت سوى الخماسة والرعى بالكرى فلا تظهر منهم مزية، وإذا قدم عامل القبيلة فلا يأتى معه إلا كبراء القبيلة وأيضا لما يكونوا عمال القبائل بأنفسهم كل واحد يريد يورى مزيته فذلك هو الصلاح، وأنت يا سيدى تأكد في هذا الذى ذكرناه عاجلا عاجلا لأن هذا الكافر جمع عسكره من أرضه كلها وقدم به في البحر لأرض غيره، فلا يأتى إلا بالقوة الكبيرة يوجب علينا جميع القوة التي عندنا نقابلوه بها، ذلك الذى عندنا فيه الصلاح.

وأنت يا سيدى تأكد على سيدنا الخليفة سيدنا ومولانا العباس حفظه الله يكاتب مولانا نصره الله على المدد عاجلا عاجلا عاجلا، حتى إذا يأمر عليه سيدنا نصره الله يأتى بليل والنهار ويكون عدد كثير، ويكاتب مولانا نصره الله إلى عمال الحوز قبيلة الشاوية ودكلالة وقبيلة السراغنة وغير ذلك من القبائل كل قائد يوجه جمال زرع وشعير ولو يوصل بما كان، لأننا هذه الساعة لا نجعلوا حساب اللهم لا تتوقف الناس على شئ هو الفائدة وكـ ... سيدنا الحمد لله فلا تكون حاجة بعيدة فإنها ترجع قريبة، والله سبحانه يكمل بخير وهذا الكافر فلا يتكسر إلا بالعدد الكثير من المسلمين، وهذا ما نعلمك به وربنا يكون لنا ولك معين والسلام وفى 12 جماد الثانى عام 1276. محبكم محمد الخطيب وفقه الله". ونص التاسع والثلاثين منه في نكبة الأسطول الإسبانى البحرية وما تكبده من البر وغير ذلك: "حبنا الأرضى، وخلاصة ودنا المرتضى، خديم مولانا وأمينه، سيدى الحاج محمد الزبيدى السلام عليك ورحمة الله وبركاته عن خير مولانا نصره الله، وأدام لنا وللمسلمين وجوده. وبعد: لا زائد على ما كتبنا لك به قبل هذا وخبرتاكم بما وقع لعدو الله في مراكبه التي تكسرت له ما يزيد على عشرين مركب بين ببورات قراسيل ومزركان وفركاطة قرسان ولنشون بالمدافع ومراكب حاملين الكمانية، الحاصل أنزل الله عليه سخطه فالله يزيده ما هو أكثر، وذلك صحيح كأنك ترى ذلك فلو كانت لنا عمارة من المراكب في البحر وقاتلت مراكبه فلا يوقع مثل هذا حتى لو غلبوه كان يهرب، وهذه قدرة الله سبحانه نفدت فيه كما يكون مع الباقى من عسكره ومراكبه يهلكوا جميعا عن قريب إن شاء الله.

وبعد وصلنا كتابك خبرتنا على القتال الذى قتلوا المجاهدين عدو الله يوم الثلاثة وتفرقوا المسلمين على ثلاثة مواضع وررقهم الله سبحانه النصر، وقتلوا منه العدد الكثير الذى لم يحص فالله تبارك وتعالى يزيدهم من القوة والنصر على عدو الله حتى يفاصلوه، ولم يبق اسمه يذكر في الدنيا، وقد كتبوا من جبل طارق إذا رزق الله الصبر والثبات للمجاهدين وقاتلوه جميعا فإنه من يومه يهلك لأنه الكافر دخله الرعب الكبير، وهذا العسكر الذى يأتيه الآن فلا يصلح لحاجة الأول الذى كان عنده هو كان عنده عسكر من قبل، ومع ذلك ذليل حقير وهذا الذى يأتيه فلا يكون منه ما كان لا يصلح لشئ، والأول الذى كان عنده كثيره مات له. وذكرت لنا سيدى على فرغ الخفيف، فقد زاد العامل ستة أناس آخرين، لأن الخفيف كله تحت يده البارحة بعث أجرة اثنى عشر واحد والآن يا سيدى يكاتب مولانا الخليفة على الخفيف من فاس وغيرها، لأن الذى كان هنا برت مائتين وخمسين تفرق منها برت صحاح للقبائل على يد العامل شيئا لما كان يعطى لهم البارود قبل، وأنت باقى هنا بعد ما تكون خرجت ذلك الساعة خمسين تبقى مائتين هى حاجة قريبة، يكاتب الآن مولانا الخليفة عليه إلى سيدنا ويذكر له يوجه منه مائة حمال فأكثر ليس يأتى القليل، فينى نعرف قبل فلا كان يشتريه أحد سوى المخزن بفاس، لا بد يكون هناك كثير، والإنسان يكاتب على تاسع في كل حاجة أفضل مما يتأنى حتى لم يبق منها شئ، لأن هذه الأمور هى الحجة وعليها العمدة اللهم تشيط ولا تخص، وأنت تبارك الله أعرف منا في ذلك، ونحن يا سيدى والله حالتنا فلا يعلم بها سوى الله يجوز النهار كله ونحن نرتجوا ما يأتى من الخبر من عندكم نطلب الله سبحانه يعجل بهلاك هذا الكافر في قريب، ولا شك في هلاكه إن شاء الله، لأن الله سبحانه سلط عليه جميع المصائب، وكمال ذلك

يكون بخرب ملكهم وتشتيت شملهم في قريب إن شاء الله، وربنا سبحانه يكون لنا ولك خير معين والسلام وفى 18 جماد الثانى عام 1276. محبكم محمد الخطيب وفقه الله". وبطرته: "اعلم يا سيدى البجماط الذى كانوا يصنعوه قبل كان يوقع فيه الفساد من أجل يجعلوه قرصة صغيرة ولما يمشى للكوشة مرة واحدة لم يزيده الثانية، ثم ذكرت إلى مقشاد يجعله خبزا ولما يطيب يقصم الخبزة ويمشى مرة أخرى للفرن يتبجماط ذلك يبقى مليح". ونص الأربعين منه في مسائل: "حبنا وخلاصة ودنا الأبر الأرضى، وخديم مولانا وأمينه المرتضى، سيدى الحاج محمد الزبيدى السلام عليك ورحمة الله وبركاته عن خير مولانا نصره الله وأدام لنا وللمسلمين وجوده. وبعد: وصلنا كتابك ومعه كتاب سيدنا نصره الله الذى وجهه لنا ولك، وقد طالعته وجعلته في موضع عندى محفوظ، كما ذكر نصره الله وذلك حاجة التي ذكر أيده الله على ما كتب به لأهل وجدة الكافر فلا يكون ذلك، وإنما فعل ذلك من غير إذن من دولته ولا يوافقوا له على شئ من ذلك، وبحول الله لما تصفى هذه الدعوة متاع الصبنيول ونتكلموا نحن وأنت مع نائبهم فإن دولتهم تعاقب صاحب ذلك الكتاب لأنه كتب بحاجة خارجة على القوانين، ولا تكون أصلا ولم يقبلها أحد، والآن نتأخروا ويأتى بحول الله وقت الكلام في ذلك، ولا شك دولته يعاقبوه على ذلك الكتاب أشد العقوبة، وذكرت نعلمك عن أمر المكاحل إلى الآن لم قدم الببور ولما يأتى الجواب نعلمك بالذى يكون إن شاء الله.

وما ذكرت لنا بأنه مات واحد من كبراء عسكر الصبنيول وماتت عليه ستة خيالة لأجل يحملوه الله أعلم، هو ذلك الكافر الكبير الذى كتبوا عليه من جبل طارق إذا يموت ذلك كأنه مات له نصف عسكره، وخبرتنا على ما غنموا المجاهدين من بغال وخيل وحمير من محلة الكافر فقد دخل علينا سرور كثير بالأخبار الذى تكاتبوا بها لنا، والله يا سيدى ما كنا إلا من جملة الأموات ولما كتبتم لنا بجيوش المسلمين الحمد لله في زيادة كل يوم مع أنها الحمد لله عندكم عدد كثير بذلك يزاد لك الفرح الكثير لأنه يا سيدى هذا الملعون هلاكه هو بقوة جيوش المسلمين، فالله تبارك وتعالى يرزقهم القوة الكبيرة والنصر بجاه النبى وآله، ويذكروا بأنه عدو الله دخله الرعب الكبير وجميع كبراء عسكره ماتوا عن آخرهم، والباقين الآن فلا يصلحون لشئ، إذا سخر الله للمجاهدين فيه فإنهم يأكلوه عن آخره بحول الله وقوته. وأنت فالله سبحانه يزيد في قوتك ويعينك، فإنك تجرى على هذا الدين الشريف بحول الله وقوته دائما يبقى الله ستره عليك وعلى أولادك إلى يوم القيامة، هنيئا لك بهذه الخدمة المباركة التي فيها خير الدنيا وخير الآخرة في الدنيا دائما جميع المسلمين تدعو لك بخير، وفى الآخرة النعيم المقيم، وهذا ما نعلمك به ورينا سبحانه يعجل بهلاك هذا الملعون إنه على ما يشاء قدير، وهذا ما نعلمك به والسلام وفى 21 جماد الثانى عام 1276 محبكم محمد الخطيب وفقه الله -وإذا ظهر خبر من جبل طارق نعلمك إن شاء الله لأنه يأتى خبر هذا الكافر الذى مات والسلام". ونص الواحد والأربعين من بوعشرين في بعض الوقائع: "محبنا الأعز الأرضى، الأمين الضابط المرتضى؛ الحاج محمد الزبدى أمنك الله وسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله.

وبعد: وصلنا كتابك مخبرا بوقعتى يوم الاثنين 28 من جمادى الأخيرة ويوم الثلاثء 7 من رجب، وأن الله بفضله أظهر فيهما من قوة المسلمين وصبرهم وثباتهم ما أقر عيون أهل الدين، ونكس أعلام أهل الشرك المتعدين، حتى هزموا العدو الكافر وأوصلوه الى داخل اشباراته وقتلوا منه وسلبوا عدداً كثيرا، فلله الحمد وله المنة، نسأله سبحانه كمال المراد. ولقد شفيت بكتابك الغليل، واستوعب الخبر فيه، وبينته بيانا شافيا على عادتك، وأدخلت علينا بذلك غاية الفرح والسرور، فلا شلّت يدك ولا فض فوك، وقد أطلعنا سيدنا على كتابك ونشط بما أخبرت به ودعا لك أيده الله بخير، وصار بباله ما ذكرته من اتفاق الناس هناك على روجان الريال 29 والدرهم 4/ 1 2 الثمانى بما بينته، وأشرت بأن الأولى أن يكون نفع ذلك لبيت الله وفره الله فادفعوه -أى الريال- هناك عن أمر سيدنا أيده الله بما يروج به، ولا بُدّ ولا بُدَّ وهو تسع وعشرون أوقية وكذا الدرهم، وأما القبض فلا يقبض إلا بما كان يروج به سابقا، وقد أحسنت في التنبيه على ذلك وعلى المحبة والسلام في 15 من رجب عام 1276. الطيب بن اليمانى أمنه الله" ونص الثانى والأربعين وفيه كلام على بعض ما تقدم في كتاب الخطيب الأخير ووصول مولاى أحمد بن عبد الرحمن بمحلته وبعض الوقائع: "خديمنا الأمين الأرضى الحاج محمد الزبدى، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: وصلنا كتابك مخبرا بوصول كتابنا إليك وبطيه الكتاب الذى وجه المتنصر حاكم البيض لبنى كيل وأولاد فارس وذكر لهم فيه من أمر بنى يزناسن

وغيرهم مع الفرنصيص ما ذكر، وذكرت أنك وجهت الكتابين معا للأمين الطالب محمد الخطيب، وكتبت له بأن يحتفظ بكتاب المتنصر المذكور ويبقى ما كان على ما كان حتى يريح الله الإسلام وأهله بسيف قهره من عدو الدين الاصبنيول، ويقع الكلام في تجديد الشروط معه ومع غيره فيما هو خارج عن القوانين، فقد أحسنت فيما فعلت أصلحك الله والحاضر بصيرة يرى ما لا يراه الغائب وعلمنا ما ذكرت من توافر جيوش المسلمين وأنها مؤيدة محفوظة بعناية الله، وأن أخانا مولاى أحمد حفظه الله قدم عليكم بمحلته في خامس شهر تاريخه وربط بها بفم الجزيرة مع محلة كانت هناك. وفى سابع الشهر زحفتم لعدو الدين، وقاتله المسلمون قتالا يرضى الله ورسوله تسع ساعات، وكانت الدائرة عليه، وقتل منه المسلمون وغنموا كثيرا من خيله وأسلحته، وفلوا حد شوكته، فالحمد لله الذى أعز دين الإسلام، وأظهره على دين الكفرة اللئام، قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين، إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون. وذكرت أنك اليوم بالمحلة مع أخينا مولاى العباس لا يمكن لك أن تفارقه حتى يحكم الله بينه وبين عدو الدين، وأنكم غضضتم الطرف عن أهل لنجرة وصحبتم منهم طائفة لتطوان، وظهر منهم بعض النصيحة، فذلك الذى ينبغى تأنيسا لهم وتأمينا وإزالة لما عسى أن يختلج في صدورهم والسلام 15 رجب عام 1276" ونص الثالث والأربعين من مولاى العباس: "محبنا الأرضى الأجل السيد الحاج محمد الزبيدى السلام عليك ورحمة الله عن خير سيدنا نصره الله.

[صورة] وثيقة تاريخية بتوقيع الجنرال أردنيل قائد الإصبان في حرب تطوان (ترجمة الكتابة الإصبانية) "إن القواعد الأساسية لمعاهدة السلم الواقعة بين إصبانيا والمغرب قد اتفق عليها وأمضاها كل من (دون ليوبول دوق) تطوان القائد العام ورئيس الجيش الإصبانى بأفريقيا ومولاى العباس خليفة دولة المغرب وأمير الغرب. وابتداء من يوم تاريخه تحسم مادة المشاحنات بين الجيشين وتكون قنطرة أبي صخرة هي الخط الفاصل بين الجيشين على أن الموقعين يعطى كل واحد منهما الأوامر اللازمة القاطعة بحيث يعاقب المخالفون لها عقابا صارما. هذا وإن مولاى العباس ملتزم بحسم مادة المشاجرات بين القبائل وإذا وقع ذلك رغم إرادته فإنه يسمح للجيش الإصبانى بمعاقبة القبائل المذكورة من غير أن يكون ذلك محلا بشروط الصلح والسلام".

وبعد: فعند توجهك من عندنا كنا أوصيناك بإعمال سرج جيد أخضر تام، والآن ولا بد ادفعه لأخينا مولاى أحمد، وإن كنت جعلت له شكارة المهماز والمهاميز فوجه الشكار والمهاميز لحضرتنا، والله يعينك وبين لنا صائره والسلام في 6 ذى قعدة عام 1276. العباس لطف الله به". ثم بعد ما تقدم كله من الحرب والاختلال والاحتلال فتحت أبواب المخابرة بين قائد الإصبان والمولى العباس في شأن الهدنة والصلح وشروطه، وبعد مراجعات انعقدت الهدنة والصلح بين الدولتين على أن ترجع إصبانيا على حدودها وتدفع لها دولة المغرب في الغرامة الحربية مائة مليون من البسيطة، وهى عشرون مليونا من الريال، فقبضت نصفها معجلا بحيث لم تبرح من تطوان حتى حازته، وذلك بعد مرور سنة من عقد الصلح، والنصف الباقى مؤجلا من شطر مستفادات المعشرات بمراسى المغرب، وعين الإصبان القبضة والمراقبين بالمراسى المفتوحة لقبض نصف محصولها فدام الأمر على ذلك خمسة وعشرين عاما بحيث استوفت إصبانيا الخمسين مليونا المؤجلة، وزادت عليها خمسة وعشرين مليونا في مقابلة الربا وأجور القبضة والمراقبين وأمور أخرى. غير أنه ما التزم المترجم لهم بهذه الغرامة الحربية إلا بعد أن تحقق أنها لا تفى بخسائرهم وبما ناله المسلمون فيهم وبما بنوه وشيدوه وقت الاحتلال في تطوان، وبأنه لا نسبة بين تلك العدة وبين استخلاص مدينة من علية المدن الإسلامية وأعظم ثغوره، جمعت بيوتا بذكر الله وتلاوة كتابه عامرة وشيوخا ركعا، وصبيانا رضعا، وعائلات كثيرة نشأت وشبت وشابت في الإسلام، لم تعرف غير التوحيد وإقامة شعائر الدين، والعاقل البصير لا يذهب عنه أن ذلك يضمحل في شأنه ما يتراءى في ظاهر القضية من ربح الإصبان لتلك الغرامة، وإن

كان قاصر النظر يرى فيها نقمة وملامة وتقصيرا من ولاتها فهى في الحقيقة منقبة لما تقدم عن أنها فاجأت على غير استعداد ولا إعذار لميعاد، لا سيما والعدو كان بمرأى منه ومسمع ما عليه مَن برز لقتاله مِن قلة العدد والعُدّة وعدم النظام، وكون قوتهم لا نسبة لها بالنسبة لقوته، ومع ذلك فقد تأبط منهم خسائر فادحة في جيشه وعدته وماله، وما قال الصلح إلا بعد أن مسته منهم من الرزايا ما ادخره ذكرى. والظن أن المترجم صار بذلك عند الله وعند رعيته وجيها حيث لم يعط يدا في ذلة الإسلام، ولم يدخر في نصرته والذب عنه ما في وسعه مع القيام والثبات فيما يحفظ جمع الكلمة وضبط مصالح الداخلية، وجعله ذلك عظة وذكرى للانتهاض لتنظيم الجيوش والعساكر الحربية والاستعداد بها وبما يتبعها من القوة لمثل ذلك اليوم، فنظم العسكر وجلب المعلمين الماهرين لتعليمه وتدريبه على الأساليب المستعملة عند الدول الراقية، فكان أول من نظم العسكر المغربى على الطرز الأوروبى. وإليك نصوص الوثائق الصادرة في أثناء الصلح ودفع التعويضات، أما المعاهدات والاتفاقات فستأتى في باب العلائق السياسية. فمن ذلك كتاب مولاى العباس لأخيه السلطان المترجم ونصه من خطه وإنشائه بعد الحمدلة والصلاة: "أدام الله عز مولانا وعلاه، ومتعنا بحياته ورضاه، آمين، هذا وأنهى لعلم مولانا أسماه الله أنى لما عقدت الصلح مع عدو الله صبنيول على ما وجهنا به لمولانا من الشروط لم يكن لعدو الله توكيد إلا في المطلب المالى، وأما غيرها فكلها تساهل فيها، ولما ذكر العدد المذكور وصمم على ذلك وما وصلناه إلى العدد المذكور إلا بعد لأى وشدة؛ لأن عدو الله كان قصده المدينة وقال لنا إن القبائل أحبوا ولايته عليهم واشتغل عدو الله بفسادها وهدم دورها وأسواقها ليفصلها على شاهيته مثل بلدانهم يصل الطرق بجر الكراريس، وإذا وليه جامع أو زاوية أو دار

أو سوق هدمه حتى أفسد منها حومات، وحيث قال إن القبائل أحبته رأينا مصداق ذلك، فليس أحد من هؤلاء القبائل جوار المدينة إلا ويريد البيع والشراء مع عدو الله لكونه يبذل لهم ويظهر لهم الأموال، وأهل الجبال هم أطمع خلق الله، واتخذ منهم جواسيس بعد أن حرسنا جهدنا. ولما تزحزح عدو الله من تطوان لم تكن لهم شاهية في ضربه ولا في الدفاع عن البلاد، إنما تسابقوا لحمل أولادهم وتركوا له الطريق حتى كاد يصل إلى المحلة، وقام الروع في الجبال كلها بسبب رحيل هؤلاء الناس، وكل قبيلة تقول أنا لا أفعل معه العيب لئلا يفعل بى كذا. والقبائل غير المجاورة التي لم تحضر يوم دخول تطوان إنما كانت شاهيتهم كسر المحلة وتفريق الأمر بالتريتيل، وإذا رأينا القبائل والمحال نقول إذا خرج الرومى لا يبقى له عسكر ولا فرس، وربما أخذناه بما معه، فإذا انتشب البارود لم يجد الإنسان النصف ولا العشر مما كان يرى ومن حضر مع هذا لا يقاتل كله، ومن قاتل صباحا بقى تجاه العدو حتى يفنى ما معه من البارود والخفيف ولم يجد من يشد معه ولا يشد عليه، ومن ذهب لينهض الناس أتعبوه إن وجدهم، وإنما شأن الناس أخذ شواهق الجبال بقدر رؤية العين، وليس هذا شأن المقاتلة، والعدو آخذ في البلاد كثيرا، وحيث يزيد العدو شبرا يكتفى به ويظهر له في حاله أكثر مما كان قبله، وقد عاينت كل الناس هذا الأمر وعايناه من جميع الناس حتى إن اليوم الذى ذهبت لمحلة الرومى دمره الله لم يكن أحد يصل معى إلا بمشقة عظيمة، وحين أشرفنا عليه ورأيناه حاملا على بهائمه وإبله وكراريسه قاصدا ناحيتنا، وجهنا للمحلة تأتى خيولها ورماتها لربما يصدر من هذا العدو أمر منكر، فلما بلغهم خبرنا هرب من هرب ومن بقى كان على أُهبة للفرار، فحملنا هذا على الصلح ما أمكن، وكل ما كان من مال أو غيره الله يخلفه لمولانا ومن أعناق البغاة يخرج.

ومولانا يستعد إن شاء الله وعلى الله البلاغ، واليوم سيدنا هذا العدو التزم بالخروج من هذه المدينة ولا ضرر علينا أكثر من بقائه ولو ساعة فيها، وحين طلب المال قال لى لا أخرج إلا بعد تمام اللزمة، قلت له: هذا أمر منكر، لأنه ربما يصدر أمر ونعود للعيب ونحن قصدنا قطع العيب والإصلاح. فقال لى: لا بد من ذلك، ثم بعد أن لاطفته النصف (¬1)، وعلى كم تقدرون على أدائه من الأيام واليوم سيدنا هذا العدو أخذ في تفريق عساكره، وحمل أثاثه في مراكبه، ونقص من محاله ولا يتسنى إلا الجواب عن المال وعن الحال منه، فإذا توصل به ولو في مدة قليلة يخرج من حينه، وسيدنا وإن كان هذا العدد كثيرا ضربنا مثل من يعطى مخ عظمه، والله أظن هو أشد على من ذلك، لأنه لا يمكن إلا بعد كسر العظم، لكن بقاؤه هناك أشد وأفظع وأضر بالإيالة وبجانب المملكة. وحين يخرج يتفرغ سيدنا لأمور عظام كالاشتغال بالعسكر، والنظر في أمر هذه القبائل الذى هو آكد من ضرب العدو وغيره لعدم غيرتهم على الدين، وإنما كان يأتى بالناس أخذ الدراهم فقط فلا يأتى عدد من قبيلة إلا ناقص، ومع ذلك لا نية له إلا في سلب الرومى يظنه سهلا، هذا ما رأينا في أواخر الأمر. وقبل هذا طلب منا نائب الإنجليز الملاقاة معنا، فقلنا له: لا بأس، فجاء هو والخطيب وتكلم معى وقال لى: ما فعلت مع عدو الله اصبنيول؟ لأنه يكرهه، فقلت له: صفيت معه بكذا وكذا وشرط ويخرج من المدينة قريبا ويحمل عساكره قريبا، ولا يتعدى المدينة. فقال لى: كاتب مولانا أمير المؤمنين بهذا، وأخبره أن بقاء هذا العدو هو المضرة، لأن القبائل طماعة، وقل له يبادر بما أمكن حتى يخرج هذا العدو، فإن ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "كذا بالأصل ولعل المراد لاطفته في إسقاط النصف فقال وعلى ... هـ. مؤلف".

بمجرد خروجه يستريح من كل كلفة ويستريح المغرب كله، وتفصيل الدفع أن يكتب مولانا للسيد محمد الخطيب يكترى مركبا بابورا كبيرا من مراكب الكرة موثق من جبل طارق، ويأمر مولانا بحمل المال من الصويرة ومن آسفى بشرط أن يذهب معه أمناء إلى القنصو لجانب مولانا بجبل طارق، وينزل في داره ويعد وتدفع لكبير اصبنيول اطرة يأخذه من هنالك، ويكون في ذلك تموه أن مولانا لم يخرجه من عنده، وإنما ذلك من ذمم التجار، ويبادر مولانا بذلك، هذا تمام لفظه، لأنى واجب على أن أُخبر مولانا بالشاذة والفاذة وكل ما أسمع. ولما تم هذا الكلام قال لى: أزيدك مسألة أخرى، إنى لما كنت أنا مع كبير اصبنيول والمترجم بينى وبينه مسلم ورومى قال للترجمان كبير اصبنيول: قل لفلان يكون على بال من كرة أخرى مع جنس آخر في الربيع، ثم إن هذا الترجمان كتم عنى وأنا كنت فهمت من وجهه أنه قال له شئ ولم يقله لى، وقال ذلك لنائب الإنجليز هو يكتب لدولتهم لعلهم يخبروه بما كان إن وقر ذلك سماعهم لربما يكون هذا العدو اصبنيول قصد بذلك شغل بالنا بهذه الكلمة. ثم قال لى: كاتب مولانا أمير المؤمنين وأخبره بهذا، وقل له: لا بأس أن يكتب لحاكم وجدة ويقول له: إن المال الذى كان يعطون للفرانصيص في هذه المدة يصفون حسابهم معه لئلا يكون هو سبب هذا العيب من هذا العدو، على تقدير أنه هو المقصود، ثم ذكر لى أن مولانا لا يقطع مسألة من الموسوقات مثل الذرة. والقمح وغير ذلك، فإن ذلك ليس فيه إلا دخول المال والزيادة وتكثير التجارة وغير هذا من الكلام لا يكتب، إنما نشافه به، ثم إن مولانا لا يعد هذا منى فضولا ولا شطنا للبال، لأنى لا ينبغى لى أن أكتم عنك ولو لفظة واحدة لأنه شأن الخدمة والنصيحة، وعلى خدمة مولانا والجواب عزما، واعلم أنى ما سمع منى أحد مما كان عليه الفصال إلا بعض من حضر، وأعلم مولانا أنا أمرنا عامل طنجة بالخروج

إلى محدة سبتة وتحديد الأمر على ما يرضى مولانا، ووجهنا معه غيره، وعينَّا أناسا من أهل البلد لذلك، وعينَّا من يجلس هنالك، وفرح الرومى بذلك غاية، وعين هو لعنه الله من يقف من جانبهم كذلك، وحمل كثيرا من عسكره وأموره وعلى خدمة مولانا والسلام في 8 رمضان عام 1276 العباس لطف الله به" بلفظه بلا زيادة ولا نقصان. ومن ذلك التفويض السلطانى لمولاى العباس والنائب الخطيب التطوانى في المفاصلة مع الإصبان على الجلاء عن تطوان ونصه: "يعلم من هذا أننا بحول الله وقوته فوضنا لأخينا الأرضى مولاى العباس حفظه الله ولخديمنا الأنصح الطالب محمد الخطيب في المفاصلة مع نائب دولة الصبنيول فيما سطرته دولتهم من الشروط الخمسة التي علقوا عليها الخروج من تطوان بما فيه مصلحة لكونهما مطلعين على أحوال الرعية، وحريصين على السعى فيما يديم المحبة بين الدولتين والوقوف في الأمور المرعية، والسلام في 6 ربيع النبوى عام 1277". ونص ظهير المترجم لأخيه المولى العباس في شأن دفع التعويضات: "أخانا الأعز الأرضى، مولاى العباس حفظك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وصلنا كتابك أخبرت فيه أنك لما ورد عليك كتابنا بالإعلام بتوجيه ابريشة لحمل مليونين من مراكشة للصويرة وجدك في مشقة فادحة، مع نائب الصبنيول، فأخبرته بأننا يسرنا ما كان بقى عندنا وما بقى سنيسره بالسلف، ثم طلب منك توجيه مراكبه لحمل المال المذكور فأخرته إلى خمسة وعشرين يوما من الشهر، وبأنك لم تجد سبيلا لأكثر من ذلك، وطلبت أن لا تجعل كل سكة

على حدتها لتطول مدة الحساب ريثما يظهر الخبر من الذين ذهبوا للسلف، وبأن نكتب لك بأن الإذن توجه للصويرة ليدفعوا لهم المال بها لا للجديدة، وذكرت أن عامل آزمور منع من تعليق سنجقهم إلا بإذن. أما تعليق سنجقهم فها نحن أمرنا عامل آزمور بمساعدتهم فيه، وأما المال فقد قدمنا لك أن ابريشة توجه لأجل حمله للصويرة، وليس بخاف عليك أن التثبت في أمره مطلوب، وأن لابد من تحقق عدم إعمال حيلة في أمره، وإلا فنكون قد زدناه على الخمسة الملايين الأولى التي دفعت وأفرغنا يدنا من المال، ونرجع معه للكلام الأول، لأنا إن دفعنا له هذين المليونين ولم يتيسر دفع الباقى الذى يطلب التعجيل به يقول: إنه ينزل سنجقه ويتوجه لبلاده ويذهب جميع المال في غير شئ. وهم أهل حيل ومكايد وتلونات، ويكفى ما رأيت من ذلك النائب، فالدفع حينئذ يكون على وجه لا يخشى معه ذهاب المال في غير طائل، وبقاؤنا فارغى اليد على أن المال له بال، ففى حمله مشقة وفى السفر به في وسط القبائل الذين حالهم كما علمت مشقة، فلا بد من توجيهه في رفقات على كيفية تطمئن النفس بها وتأمن معها، ولا بد في ذلك من الطول، وفى توجيه المراكب لحمله قبل وصوله للصويرة عجلة، وفتح لباب الكلام، لأنها إن وصلت ولم تجده ميسراً بها يقولون: إنكم قلتم لنا إن المال ميسر، وقد ذهبت مراكبنا فلم تجد شيئا، وفى ذلك ما لا يخفى، نعم لو طلب النائب أن يوجه من قبله للصويرة من يرى هل لما قلته له من توجيه المال إليها أصل لتسكن نفسه إن وجد ذلك صحيحا لكان له وجه، وهو وإن كان لا يجده تاما بها لكن يجد أوله وصل أو كاد أن يصل. وأما توجيه المراكب لحمله فذاك فرع عن وصوله للصويرة، والفرض أن في وصوله إليها ما ذكرناه من المشاق التي لا بد فيها من طول ولو في الجملة،

والحاصل أنه لا بد من دفع المال في الثابت، وإلا ذهب هدرا ورجعنا للكلام الأول ووجدنا أنفسنا لا نحن بالمال ولا نحن بحصول المراد، فتثبت ولابد وأمعن النظر في هذا الأمر، فإن الكفرة لا يوثق بهم. وقد صرحت في غير ما كتاب بما رأيت منهم من الخروج عن العهود والمواثيق، وبما رأيت منهم من التلونات والمكايد والروغان، ونحن على يقين من نباهتك، لكن الباعث الذى في القلب لا يتركنا نسكت عن التنبيه ونتكل على نباهتك، والتذكار صيقل للأفكار، ومطلق الإشارة يكفى لمثلك لاسيما التصريح لا سيما التأكيد. ونسأل الله أن يرزقك تأييدا وتسديدا بجاه رسوله صلى الله عليه وسلم، واستعجالهم للمال مجرد تضييق وروغان ليتوصلوا لمرادهم الذى أشرنا إليه، لأنهم حيث علموا أنا وجهنا الأمناء للسلف من الأجناس يحققون أنا مصممون على دفعه وعدم الرضا بتأخيره المؤدى للكلام، مع أنا لم نستعجل خروجهم من تطوان، فهم فيها حتى يقبضوا المال ويخرجوا إن شاء الله، والله أسأل أن ييسر أمر السلف لنستريح من تعبهم ونتفرغ لغيرهم إن شاء الله. وأما إن لم يتيسر فلا محالة يرجعون للكلام الأول ويجدهم الحال توصلوا لمرادهم من استخراج المال من يدنا وفورهم به، وما يقال للرعية حينئذ إن قالت أعطيت مالنا للنصارى فلا هو بقى عندنا نستعين به عليهم ولا الغرض الذى دفع فيه قضى فنكون كأنا خناهم والسلام في 27 ربيع النبوى عام 1277". ومن ذلك ظهير آخر لبركاش في الموضوع: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، أعانك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.

وبعد: وصلنا كتابك، وعرفنا محصل ما تضمنه خطابك، وما ذكرت من أن المصلحة اقتضت توجيه طرف من المال يشتغل به الصبنيول ريثما يتيسر ما يوجه له، فاعلم أنا أحرص الناس على ما ينقطع به كلامه ولو تيسر ما أخرناه ساعة واحدة، وفى علمكم أنا دفعنا ما كان عندنا ببيت المال هنا بفاس، وما كان ببيت مال مراكشة حتى لم يبق تحت يدنا إلا ما نقضى به حاجة مع الجيش، إذ لا يمكن صبرهم على الخدمة بالجوع والعرى، ومع ذلك فهو قليل لا يقنعون به، وما تحصل بالمراسى في ثمن الزرع وغيره بعد ما وجه أمناؤها ما كان فيها للصويرة فدفع لهم من جملة المال الأول الذى كملنا به الملاين الخمسة، إن كانوا يقنعون به ننفذه لهم. وقد شرعنا في الكلام مع الرعية في شأن الإعانة، ولو كنا عرفنا أن أمر السلف يتعذر لخاطبناهم من قبل، ولكن لما كنا طامعين فيه أخرنا الكلام معهم إلى أن نفرغ إلى الكلام مع الصبنيول ونتصدى حينئذ للكلام مع الرعية لنرد به المال المسلف، وأعلمناك بالواقع لتأخذ في الكلام مع قونصو الفرنصيص الذى كنت أخبرت أنه لا يقصر في الوقوف إن دعت الحاجة إليه، فتكلم معه ليعين على ما ينفع، ولابد ولا تقصر فإن الاهتمام بأمور المسلمين متعين، والله يعينك والسلام في 11 رجب الفرد عام 1277" ومن ذلك آخر لمولاى العباس نصه: "أخانا الأعز الأرضى، مولاى العباس حفظك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: وصلنا كتابك وعرفنا ما أجبت به عن الإعانة التي خاطبنا بها خدامنا أهل فاس، وموجب البداية بهم وما تمنيته في ذلك، وعلمنا ما دار بينك وبين نائب الصبنيول لما تكلم معك في انتهاء الأجل المضروب لدفع المال، وأنك لما

خيرته في دفع الميسر من مستفاد المراسى على نحو ما كتبنا به، ذكر لك أنه لازال باقيا على الشروط، وأنه يقدر أن يسقط طرفا من الملاين 2/ 121 المذكورة فيها، وطلب منك بيان عدد المال الموجود بالمراسى والإذن في حيازته، ودخول تطوان في القبض من مرساها، وضرب أجل للمال المشار إليه، فأجبته عن ذلك كله بما سطرته وبينته، وأعلمته أنك إنما تتكلم معه على سبيل الإخبار لا غير، وذكر لك أن من هذا الكلام ما تقبله دولته وما لا وأنه بصدد إخبارهم به، وأن شاهيتهم في تمام الأمر بيننا ليكون الخير بين الجانبين. وظهر لك أن هذا المال فرض الإعانة على تلك الإيالة لوجود المحلة هناك ليحصل منها نصيب إن شاء الله. وأشرت بالكتب لكل مدينة وقبيلة بما يناسب من المواعظ المبكية التي ينفعل لها الناس، ويذهب عنهم بحول الله الباس، وصار الكل بالبال. وأما الإعانة التي أشرت بفرضها على تلك الإيالة فلابد من المفاوضة مع أهل الدين من أهلها في القدر الذى يليق أن يفرض على كل قبيلة، فتفاوض مع من تعرفه دينا عارفا بأحوال قبائل تلك الجهة وأعلمنا بما أشار به على سبيل التفصيل، لنكتب لهم به ولابد ممن يباشر القبض منهم أن يكون فقيها إما من تلك الجهة أو من هنا ليصل الشئ محله، ولا يكون عرضة للأكل والنهب، والله يرعاك والسلام في 28 رجب الفرد الحرام عام 1277". ومن ذلك كتاب مولاى العباس لسفير الإصبان ونصه من خطه: "نطلب الله أن تكون بخير بدوام المحبة والموافقة السالمة بين الجانبين. أما بعد: فقد ثبت عندكم بالمشاهدة والأدلة الواضحة أن سيدنا ومولانا أمير المؤمنين نصره الله جد وبالغ في تمام الأمور المشروطة، وهو أعانه الله ونصره

لازال جادا في وفاء ما استلزم به من الأمور التي تضمنتها الشروط المختومة بمدينة مدريد قاعدة ملك إصبانية مضمن مفاد الشرط الثانى والثالث والخامس المذكورة، وها نحن دفعنا لكم نسخة شروط التجارة المصححة بخط مولانا نصره الله، ودفعنا لكم أوامر مولانا على أخذ نصف مستفاد مراسيه المحروسة لدولة إصبانيا و ... مضمن الفصل الأول من الشروط المذكورة أمرنا لكم بتمكين المليونين المسلفين من ريال من نكلاطرة باطرة على التاجر لويز فورط ومكن دولتكم من ذلك، كما أخبر الوكيل المذكور أمس تاريخه وهو 8 عيد الفطر والمليون الثالث الوارد من حضرة مولانا تسرعون في حسابه وحيازته غدا، وهو 10 من الشهر المذكور لأنه كامل عندنا بطنجة هذا. وأما تسليم حدود مليلية، فإن مولانا نصره الله ما قصر مع عتاة أهل قلعية وراودهم بما يذعن له صم الحجر، وإلى الآن ما أيسنا من إجابتهم وإذعانهم، ولكن بها نحن نفعل معهم ما هو الواجب من تعويض بلادهم لهم بالمال كما أشرتم علينا، ووجهنا ذلك في مركبكم مع أناس تخيرناهم لذلك لصدقهم وعقلهم السالم، ولتطيب خواطر أهل ذلك البقعة، ويعين إراءة المال. على انقيادهم وإجابتهم لأمر مولانا والدخول في طاعته، بامتثال أوامره الشريفة، كما وجهنا لكم مكاتيب مولانا الشريفة يزيدهم أمرا ويواعدهم بالنكال على الامتناع. وحاصله ما قصرنا كما في علمكم، والمعوض به هو ثلاثون ألف 30000 ريال كبيرة، فإن حضر لهؤلاء الناس عقول وحضرت عقلاؤهم وأجابوا فذلك غاية ما يزيد منهم، وان هم استمروا على امتناعهم فمولانا نصره الله يوجه لهم عساكره تقودهم لمطلبه وتدفع المحادة لكم رغما على أنوفهم، لأن مولانا نصره الله سلمها تسليما كليا، وإنما أهلها أنفوا ولابد من انقيادهم أحبوا أم كرهوا حتى

تمكنوا منها وتكون في حيازة إصبانية في تصرف سلطانتها أعانها الله وأكرمها إذ لها الحق في ذلك ... ما شرط في حياة سيدنا الوالد قدس الله روحه آمين. وما خاطب عليه مولانا نصره الله ولا يخافكم ولا يغب عنكم ما هو حال المغرب من أمور صارت فيه يشيب لها الرضيع، وهجوم السفلة على الشريف والوضيع، وتواعد الباغية على حصون المملكة وقصدها بالجموع مثل مراكش ومكناسة، ولولا عناية الله وإعانته التي هى قوتنا لما عاد الشئ إلى مقتضاه ولا زالت الفتن تروج والناس في فق حال بعد حال، ولما طغت البغاة في الأرضين كان ذلك سبب خروج مولانا أمير المؤمنين بنفسه ولم يتكل على أحد، وهو نصره الله بقبيلة بنى حسن يسدد أمرها ويردهم عن هواهم المضر بهم وعن حولهم من البرابر، وقد سررنا والحمد لله لتمام الصلح والوفاء بما هو مشروط، إذ به تحصل المحبة بين الدولتين، وتكون المزية للواسطتين. ولم تبق إلا حدادة مليلة، وهى إن شاء الله تكون كما بمضمن الشرط الرابع وحضرة سلطانة إصبانية حيث علمت وتحققت ببذل مجهود مولانا المنصور بالله على الوفاء بما شرط، يزيد منها أن تعيننا على حصول المهادنة في الرعية وبقاء العافية في الملكة فإنها تسير على المنهج القويم، وقد بلغنا هذا المطلوب على يد نائبها المفوض النبيه الأمثل الساعى في الخير المشير به القنصو فرانسيسكورى وكلوم الذى هو المخاطب بهذا الكتاب في 11 مارس الموافق 9 رمضان عام 1278، وإذا بلغ هذا فنحن ننظر الجواب عزما بدوام محبتنا وتم في 8 ... عام 1278" بلفظه من خطه. ومن ذلك الظهير السلطانى الذى وجه لعمال المراسى وأمنائها بتمكين نواب الإصبان من نصف مستفاد أعشارها ونصه بعد الخطاب:

"أما بعد: فإنا أذنا لدولة الإصبنيول في حيازة النصف من مستفاد مراسينا السعيدة، فإن ورد عليكم الذى عينوه من قبلهم للكون بمرساكم فاقبله واجعله مع أمنائنا، وأول مركب يأتي بعد وصوله إليكم يأخذ النصف من مستفاده والسلام في 13 رمضان عام 1278". وقد وجهت نظائر هذا الظهير للصويرة وآسفى والجديدة والدار البيضاء والعدوتين والعرائش وطنجة وتطوان التي كانت لا تزال محتلة، وسيأتى بيان بعض ما حازه من كل واحدة من تلك المراسى الثمان، وقد استمر أمناء الإصبان بالمراسى إلى دولة السلطان مولاى الحسن كما تقدم في ترجمته. ومن ذلك أيضا ظهير شريف لبركاش ونصه: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، أعانك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فإنا وجهنا من المليون الثالث الذى تقدم لكم الكلام في شأنه خمسمائة ألف ريال فرنك وخمسة وعشرين ألف ريال ذهبيا، وبهذه الخمسة والعشرين تكمل خمسمائة ألف ريال من الذهب، فنأمرك أن تدفع لحملته الواردين بالمال مئونتهم حتى يسافروا وزادهم عند سفرهم وعلف البغال مدة إقامتها هناك، وأعط للمكلف بها ما يصيره عليها في الطريق وليقيموا هناك يوما واحدا ولا يزيدوا عليه والسلام 17 رمضان عام 1278". ومن ذلك كتاب مولاى العباس لسفير الإصبان في شأن خرق نصوص المعاهدة التجارية الآتى ذكرها في باب العلائق من خطه بلفظه: "هذا وقد أخبرنا الباشا أنك أمرت أحد أصحابك بصيادة العلق وأمرته ألا يتعرض له أحد وما علمنا موجب ذلك ولا سببه ولابد بيّنه لنا لأنى حيث جعلت

الشروط مع الوزير بمادريد لم يتعرض لكندرة العلق ولا لكنطرة الدباغ، ولا هى مذكورة في المعشرات، وهى محوزة لجانب السلطان نصره الله، وأنت حيث أمرت الناس بالصيادة لابد أن يكون لذلك سبب، مع أن مولانا نصره الله أعطاكم نصف الكمرك من غير حدوث شئ في مراسيه ولا وفى إيالته، وإذا كان هذا الأمر كذلك إنا لا نوافق، لأن الشروط ليس فيها خروج كنطردة العلق من يد مولانا نصره الله، ويشهد لذلك عدم ذكره في المعشرات، والذى تكلم فيها الوزير هى كنطردة المرجان فقط، ومن المعلوم أن هذا الأمر حدث لسبب، وإن كانت كنطردة كل ما يوسق في المستقبل لك فيه النصف وفى شروط الإنجليز استثناء الكطردتين لجانب مولانا وأنتم عملتهم مثلهم، واعلم أن هذا الأمر لا نوافق عليه ولا نقدر على سماعه، وإن أردت أن تحدث لنا مضرة من جانب مولانا لكونه غير موافق ولا دولتك ذكرت لنا ذلك فأنت الظن بك أن لا تجلب لنا مضرة مثل هذا، والجواب ولابد وختم في 7 شوال عام 1278". ومن ذلك كتابه إليه في شأن دفع التعويضات من خطه بلفظه: أما بعد: فإن المال الذى ورد من عند مولانا نصره الله هو مليون من الريال تام، ورأينا مركبكم ورد في هذا اليوم وظننا أن الحسابين وردوا فيه، وأنا أخبركم أنكم إذا أردتم أن تشرعوا في الحساب والقبض ولو من الآن فنحن ميسرون موجودون لذلك. واعلم أن البابور متاع الإنجليز الذى ورد البارحة أتانا بخبر السلك من عند التاجر لويز فورط على يد باشدور الإنجليز الذى بمادريد، يذكر لنا فيه أنه تلاقى مع أرباب الدولة الإصبنيولية على سبيل الكنبى وتفاصل معهم فيه في الكنبى على 494 إذا كان يدفع لهم في الحين هناك، وإذا لم يدفعه لهم في الحين يكون بالزيادة، وحين أخذنا هذا الجواب أجبناه بأنا كنا ذكرنا لنائب الإصبنيول أن ندفعوا

له الاطرة هاهنا وهو يوجهها لدولته على يده، حين نعرف كيف تكون الاطرة موافقة للجميع. وحين ذكر لنا فورط في جوابه هذا الكلام، وأنه بأمر دولتكم أى الدولة الإصبانيلية كتبنا له وأجبناه، فإن كانت دولة الإصبنيول يقول لابد يكون الدفع في مادريد في الحين ساعدهم في ذلك، والدولة الإصبانيلية تخبر نائبهم بطنجة أنهم طلبوا دفع ذلك عندهم، وإذا أرادوا الدفع لنائبهم هاهنا بطنجة، بيّن أنت لنا كيف كتبت الأطرة حرفا حرفا على موافقة خاطر دولة الإصبنيول وموافقة أهل البنك حيث لا يكون منع قيدت في 8 شوال عام 1278". ومن ذلك كتاب مولاى العباس أيضا للنائب بركاش في المشكلة الناشئة عن امتناع قبيلة قلعية من تسليم الحد الواقع عندهم للإصبان، وقد تقدمت الإشارة إليه في كتاب مولاى العباس للسفير، وأن المخزن قد عوض القبيلة عنه بالمال وسيأتى ذكر الاتفاق الخاص بها: "نائب مولانا الأرضى الطالب محمد بركاش، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عن خير مولانا نصره الله. وبعد: فقد ورد علينا الحاج أحمد اليعقوبى وشفانا بخبر أهل قلعية في شأن الحدادة، وذكر لنا أنهم عالجوا أمرهم بكل ما يمكن فما رأوا الامتناع من الكل ولا أجابوا بالقبول، تارة يظهرون أنهم سامعون مطيعون، فإذا طالبوهم بالوفاء بما سمعوا منهم تمردوا كل التمرد، وبسبب هذا لم يظهر منهم انقياد ولا مفيد يعول عليه. وحيث رأينا الأمر قد طال من غير فائدة ظهر لنا أن نوجه على من هناك من المهندسين والطبجية مما كنا وجهناه للفصال، لأن نهاية المدفع حضر عليها كل من

أصحابنا ومن الإصبنيول، وعلموا نهاية الحدادة وعلمها الإصبنيول، وعليه فإن المحل الذى وصلته رماية المدفع بمحضر أصحابنا وأصحابهم أعطاه سيدنا لهم كما هو مشروط وكما في كتب مولانا التي أعطيناهم النسخ منها، وكما هو في الفصال الأخير الذى تفاصلنا به مع الإصبنيول عن إذن وزيرهم الذى وجهنا منه نسخة لحضرة سيدنا نصره الله، فإن نائب الأصبنيول يعرفه فيأخون القدر المشترط عليه فقط، لأنه هو الذى وقع الاتفاق عليه من السلطان ومنا، ومن تعرض له من أهل الريف فبينه وبينهم. وأما ما ذكرت من أن نائب الإصبنيول طلب توجيه نحو المائة أو المائتين من الخيل لتقف على الحد، فاعلم أن الحاج أحمد اليعقوبى ذكر لنا وأن نهاية الحدادة علمت نهايتها، وحينئذ لا يحتاج إلى من يقف عليها وقد كان كتب لنا سيدنا نصره الله قبل هذا حيث كنا بطنجة، أنه كان عازما على توجيه محلة معتبرة للريف لتخليص الحدادة، لكن لما ظهر ما ظهر من الثائر الفاسد حتى تزعزع الغرب بسبب ذلك، لم يتأت لسيدنا أن يوجهها حينئذ في ذلك الوقت، وكنا شافهنا بهذا الأمر نائب الإصبنيول وبسببه وقع الاتفاق الأخير أنه إذا فرغ تطوان وامتنع أهل قلعية من إعطاء الحدادة يأخذونها والآن بنفس ما فرغ سيدنا نصره الله من أمر المغرب وقع ما وقع بمراكش، فبسبب ذلك ذهب سيدنا نصره الله مستعجلا بجميع من معه من الجيش والعسكر، ولم يبق بفاس ومكناس إلا من هو ملازم للبلادين ولا سبيل إلى خروجه خوفا من وقوع مثل ما وقع، ولا يمكن توجيه طرف منه إلا على تقدير لو كان السلطان بفاس أو مكناس أو لازال بالرباط أو كان خليفته بفاس أو مكناس. والآن لما طلع سيدنا مستعجلا لم يعين خليفة إنما ترك العمال كل واحد يحكم في إيالته وما توقفوا فيه، يرفعون الأمر فيه إليه نصره الله، وعليه فلا نقدر على توجيه لا ما قل ولا ما جل، لأن سيدنا لم يفوض لنا في شئ إلا في الفصل مع الإصبنيول وأتممنا فيه العمل.

وإنما كتبنا لك هذا لتعلم أنا حيث كنا هناك بطنجة وكنا نتكلم في أمر الإصبنيول، كنا مأذونا لنا في ذلك، وأما الآن فإنما أنا كأحد الناس ليس عندى إذن في الدخول في شئ أصلا حتى منذ سافر مولانا أيده الله من الرباط، ولم يأتنى كتاب من عنده أصلا في أمر من الأمور إلا الكتاب الذى فيه إذا تم أمر الريف اذهب لدارى، وقل لنائب الإصبنيول: إن الفصال الذى وقع بينى وبينه وهو في كتاب سيدنا نصره الله عليه العمل، ولم يتبدل الأمر فيه، وقوفا من الشرط. وأما أمر الريف فلا دخل لى فيه، كان وقف لك أمر من الأمور فاكتب فيه لسيدنا، وإنما أحلناه على الفصال الواقع في الشروط المعلومة فالأمر لازال عليه، لأن النظر في إصلاح أمور عامة المسلمين خير من النظر في مصالح قلعية بخصوصهم، وتطهير لجانب سيدنا نصره الله فيما هو مشروط لأنهم أجابوا بحضرته، وحيث بلغوا بلادهم امتنعوا كما في الكتاب الذى وجهنا لك في هذه الساعة لتطالعه، وتعلم منه أنهم أجابوا بالقبول، ثم حصل منهم الامتناع بعد ذلك. واعلم أنا وجهنا للطالب محمد بن العربي السعيدى، والحاج عبد القادر احرضان ومن معهما من المهندسين والطبجية ليأتوا ويصبحوا معهم المال الذى كنا وجهناه لينزل ببيت المال بطنجة على يدك ويد الأمناء، وأمرناهم أن يقولوا لأهل قلعية استرعاء عليهم أنهم إن كانوا طائعين للسلطان يمكنون الإصبنيول من الحدود، وإن كانوا لازالوا في طغيانهم فإنى لا أدخل لهم في أمر وينظرون لأنفسهم وبينهم وبين الإصبنيول. ومن هداه الله وأراد أن يبيع أرضه يكتب له العامل كتابا ليأتى إليك وإلى الأمناء ويأخذ الثمن الذى في رسمه، وها نحن إن شاء الله نكتب لك وللأمناء

كتابا مستقلا في هذا الأمر، وأعلم نائب الإصبنيول بهذا ليوجه هذه المكاتب التي تصلك لمن هو بالمليلية ليأتون ويصحبون المال الذى في أيديهم هناك. وأما بقاؤهم هنالك فلا طائل تحته، وقد كنت عارفا قبل هذا أننى إن وجهت لهم المال إلى بلادهم لا يستقيم أمر، لأن كبراءهم يستقلون بالمال ويأخذونه ولا عليهم في أحد من أصحاب الأرض، لكن إنما ساعفنا في ذلك الأغراض ويصلك نسخا مما كتبنا لأصحابنا وللقائد عبد الصادق فطالعه واردده لنا، ولو قدرنا على فعل شئ آخر لفعلناه لكن هذا الذى قدرنا عليه، والله يعينك والسلام وفى 24 حجة الحرام متم عام 1278 العباس بن أمير المؤمنين رحمه الله. لطف الله به" ثم بعد هذا بمدة أراد الإصبان التوسع في ذلك الحد فأجيبوا عن ذلك بما يتضمنه كتاب المترجم للنائب بركاش ونصه: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فلما كتب باشدور الصبنيول ما كتب في شأن إحداث تحويل الوادى ظنننا أن ذلك لا بأس به، فوجهنا من قبلنا من يتكلم مع أهل كلعية في ذلك، فبمجرد ما وصلهم قاموا وقعدوا واحتجوا بأنهم ما سلموا تلك الأرض حتى شرطوا على الصبنيول لا يحدثوا بها شيئا وذلك على عين أخينا مولاى العباس وكبير مدينة امليلية، فكتبنا بذلك لأخينا مولاى العباس فصدقهم ومن المعلوم أن أصل هذه التوسعة التي أنعم بها عليهم مولانا قدسه الله إنما كان لما كان يلحقهم من أهل كلعية من التضييق بهم بسبب وصول الرصاص إليهم، حتى لا يكاد أحدهم يخرج من باب المدينة، ولما ألحوا على سيدنا رحمه الله وقدس روحه في طلب ما يرفع عنهم ضرر كلعية حيث كانوا لا يقدرون على الخروج من امليلة

وطلبوا من سيادته التوسعة عليهم، من أجل ذلك ساعدهم بعد مشقة ثم إن الله تعالى لما استأثر به وتكلموا معنا في الوفاء بما أنعم به قدسه الله لهم بقصد التوسعة فقط ساعدناهم في التوسعة، فوقع الفصال فيها بمحضر أخينا مولاى العباس وكبراء كلعية وكبير امليلية على أن لا يحدثون فيه ما يشوش على أهل كلعية وقوفا مع الفصال الذى حضر له أخونا وكبراء كلعية وكبير امليلية، فبوصول هذا إليك قرر لباشدورهم هذا المعنى وبينه له بيانا شافيا ليستحضر القضية وسببها وامتناع كلعية من المساعدة في إعطاء الأرض إلا بعد وقوع الفصال على عدم إحداث شئ فيها والسلام في 18 ربيع الأول عام 1286". ونص آخر في الموضوع: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وصلنا كتابك جوابا عما كتبنا لك به في شأن وادى امليلية، من أن العمل على ما كنا كتبنا لك به قبل من أن أهل كلعية لم تطب أنفسهم بإعطاء البلاد إلا على أن لا يحدث فيها شئ كما وقع الاتفاق عليه بذلك بين كبرائهم وكبراء الصبنيول بمحضر أخينا مولاى العباس، وذكرت أنك لما وصلت طنجة وتكلم معك باشدور الصبنيول في النازلة أجبته بمضمن كتابنا الشريف فلم يقبل منك، وطلب توجيه كتابه، وحين ورد الجواب عليك به بإحالته عليك في الجواب أعدت له الجواب بعينه فلم يقبله معتمدا على ما في الشروط، قائلا: إنه لا يمكنه قبول ما يصادمها بحال، ثم أخبرك بأنه كتب لحضرتنا الشريفة في القضية، وطلبت أن يكون الجواب لينا متضمنا للإحالة عليك إن اقتضاه نظرنا، ويبقى التردد ومراجعة الكلام بينك وبينه في النازلة حتى يظهر لجانبنا العالى بالله ما يكون فيها. فقد كتب لجانبنا العالى بالله ذلك ولم نجب عنه، إذ ليس بقانون أن نجيب النواب بما يكتبون له، وقد وجهنا لك كتابه على حاله لتجيب عنه أنت، وقد بينا

لك ما تجيبه به بيانًا شافيًا وشرحنا لك القضية لتكون على بصيرة فيما تجيبه به والسلام في 29 جمادى الأولى عام 1286". ومما يتعلق بدفع التعويضات تقييد وقفت عليه يتضمن بيان ما حازته اصبانيا من المال لآخر سنة 1280 ونصه: وقع الفصل مع جنس الإصبنيول في قضية تطوان بعشرين مليونا من ريال الذهب هكذا: ................. 20000000 دفع منها سيدنا أيده الله ثمانية ملايين أولا: ....... 8000000 خمسة من فاس واثنان من السويرة، وواحد مع الحاج محمد بن المدنى بنيس ودفع له بواسطة النجليز أى من سلفه اثنان 2000000 فصار جميع ما حازه أولا عشرة ملايين هكذا 10000000 والباقى لإكمال العشرين المذكورة، وهى عشرة خرج يقبضها من مستفاد المراسى الثمانية فحصل له في حظه من مستفاد المراسى عن سنتين تامتين مليون واحد من الريال الذهبى وثمانية وعشرون ألف ريال وأربعمائة ريال وريال واحد وثلاثة بليون ونصف وثمن هكذا 8/ 21/ 1، 3، 1028401: 1 فمن تطوان في عامين آخرهما 22 قعدة عام 1280 هكذا ريال 18554 2 ومن طنجة عن مدة خمسة وعشرين شهرا واثنين وعشرين يوما آخرها 23 قعدة عام 1280 ريال ............... 1/ 24/ 2/ 1 154365 3 ومن العرائش عن أشهر 24 وأيام 23 آخرها 23 قعدة عام 1280 42618 4 ومن العدوتين عن أشهر 24 وأيام 14 آخرها 15 قعدة عام 80 - 81844 5 ومن الدار البيضاء عن أشهر 25 وأيام 12 آخرها 22 قعدة عام 1280 ............. 5/ 1 134231

6 ومن الجديد عن أشهر 25 وأيام 12 أخرها 22 قعدة عام 780 206870 7 ومن آسفى عن أشهر 24 وأيام 20 وآخرها 23 قعدة عام 480/ 1 11 110577 8 ومن السويرة عن أشهر 25 وأيام 11 آخرها 23 قعدة عام 1880 279339 8/ 1 2/ 1 3، 1028401 وقيد في 19 غشت سنة ثلاث وستين وثمانمائة وألف 1863 الموافق 3 ربيع الأول عام 1280". كما وفقت على التقييد الذى بعثه الحاج محمد الزبيدى من طنجة للنائب السلطانى السيد محمد بركاش بباريس لما ذهب لمداواة عينه هناك وقضاء بعض المآرب السياسية في شعبان سنة 1301، وهو يتضمن ما حازه نواب الإصبان في مدة عشرين سنة ونصه: "تلخيص ما حازه نواب الصبنيول من المراسى الثمانية وذلك عن مدة أولها إبريل سنة 1862 وآخرها متم دجنبر 1883 عجمية، وتقسيط الباقى له من كل مرسى على نسبة المحرر منها في المدة المذكورة أعلاه. فمما:

.......................... سنتيم بليون ريال كبير حازه من مرسى الصويرة: ........ 54 12 2037581 ومن آسفى ........... 9 4 921143 ومن الجديدة .......... 52 0 1532029 ومن الدار البيضاء ........... 51 8 1666067 ومن مرسى الرباط ......... 26 4 486900 ومن العرائش ........... 4 8 620996 ومن طنجة. ............ 2/ 1 54 16 2036535 ومن تطوان ........... 82 158253 جملة المحوز في المدة: ......... 2/: 32 15 9459506 تقسيط الباقى له على نسبة ما حاز من كل مرسى: سنتيم بليون ريال كبير الباقى له من الصويرة على نسبة المحوز منها 27 9 116422 الباقى له من آسفى ................ 98 2 52632 الباقى له من الجديدة ............... 2/: 32 3 87536 الباقى له من الدار البيضاء .................. 2/: 99 95195 الباقى له من مرسى الرباط ....................... 90 5 27820 الباقى له من العرائش ........................ 51 4 35482 الباقى له من طنجة ...................... 18 14 116362 الباقى له من من تطوان ..................... 2/: 51 90423 جملة المحوز في المدة: 4/: 67 4 540493

التقسيط على نسبة ما حاز من كل مرسى هو المسطر أعلاه، لكن ينبغى أن يضم الكسر من البليون والسنتيم ودار العشرات لمرسى طنجة. فمن الصويرة ريال كبير ................. 116400 ومن آسفى ريال كبير ................ 52600 ومن الجديدة ريال كبير ............. 87500 ومن الدار البيضاء ريال كبير ......... 95100 ومن مرسى الرباط ريال كبير ........... 27800 ومن العرائش ريال كبير .............. 35400 ومن طنجة ريال كبير .............. 2/: 67 4 116693 ومن تطوان ريال كبير ............... 9000000 ................................. 2/: 67 4 540493" من كناش مبيضات دار النيابة. ومن ذلك كتاب الأمين ابن المدنى بنيس للوزير بوعشرين في مقدار الداخل على الإصبان من مال المراسى ونصه بعد الحمدلة والصلاة: "سيدنا الفقيه الأجل، ومحل والدنا البركة المبجل، العلامة القدوة الخير أنْمل، سيدى الطيب بن اليمانى رعاك الله، وسلام عليك ورحمة الله، عن سيدنا أيده الله. وبعد: فإنك كنت أعزك الله كتبت لنا عن أمر مولانا نصره الله بأن نطالع كنانيش المراسى لنستفيد منه القدر الداخل على الصبنيول من المال من أول شروعه في القبض إلى تاريخ الكتاب الذي كتبت لنا فيه ما ذكر وتاريخه 18 من رجب

عام تاريخه، وصادف الحال وقت ورود هذا الأمر علينا أن بعض المدة لم يصل حسابها من المراسى وعملنا لوجود منها تحت يدنا حسابه، ووجهناه لشريف الحضرة ومضمنه ريال ذهب 2/ 1، 901332 كما بورقة الحساب التي وجهنا، ثم بعده استدركنا الإعلام بما حازه من طنجة في 8 أيام أخيرة شهر شوال من عام 79 وقدره ريال ذهب/ 3، 546، كما قدمنا لسيادتكم أنه حين يرد علينا حساب المراسى نكمل ما بقى بتمام المدة التي هى شهر رجب تاريخ الكتاب الذى أمرنا فيه بهذا العمل، وقد وصل حسابهما فعملنا فيه مثل عملنا فيما قبله، فتجمل فيما حازه فيما ذكر على حسب ما فصلناه بورقة الحساب الواصلة إليك في طيه ما اجتمع فيه من المثاقيل 11/ 6، 4 87867 1 عنها ريال صغير 3/ 4، 57805 عنها بليون 4/ 63، 109830. وقد وصلنا من الصويرة حساب عدد البليون الذى حازه الصبنيول في الثمانية أشهر الأخيرة من خدمة السيد عبد السلام جسوس، وهى التي كتبنا في شأنها لمولانا أيده الله ليأمرهم بتوجيهها لنا لنستخرج منها ما يجب في فرينسية الدرهم، وحيث وصلتنا ألفينا من فرينسيتها أربعة عشر ألف بليون وأربعمائة بليون وتسعة بليون، كما استخرجنا من السبعة أشهر بعدها في الفرينسية المذكورة اثنى عشر ألف بليون وستمائة بليون واثنين وثمانين بليونا، يزاد على ما في الورقة الواصلة صحبته فيجتمع من عدد البليون 3/ 4، 1125392 عنه ريال ذهب 4/ 123، 56269 تجمل فيما حازه الصبنيول من أول جلوسه بالمراسى إلى انتهاء تواريخ الورقة الواصلة صحبة هذا في شهر رجب عام تاريخه من ريال الذهب 17، 958147 تسعمائة ألف ريال وثمانية وخمسون ألف ريال ومائة وسبعة وأربعون ريالا وسبعة عشر بليونا، فطالع شريف العلم به بارك الله فيك وهذا ما وجب به الإعلام والسلام ختام في 29 رمضان المعظم عام 1280. محمد بن المدنى بنيس لطف الله به"

ومن ذلك تقييد وقفت عليه بخط الشريف العلامة سيدى محمد بن الحسنى الرباطى الذى كان عدلا بمرسى الدار البيضاء في العهد الحسنى والعزيزى يتضمن بيان ما حازه الإصبان من أمناء تلك المرسى ونصه: "الحمد لله هذا بيان ما حازه نائب الإصبنيول من مرسى الدار البيضاء من أمنائها في الشطر عن مدة أولها في شهر شوال عام 1278 فحاز في خدمة الأمينين ج محمد بن عبد المجيد بن جلون الفاسى، والسيد محمد بن ج الطاهر بوحدو، السلوى عن سنة وشهر، إلا أن الشهر الأخير منها الزائد على السنة دفعه ابن جلون المذكور مع ج محمد بن المكى الحارثى السلوى بدلا عن بوحدو السابق. ففى مدة خدمتهما دفعا له: 208373064 وبعدهما ج المدنى الديورى والسيد محمد التازى ابتداء عام 79 وجها في شوال من السنة المذكورة ........................ 14 1598087 وج حفيظ برادة وج مصطفى جسوس عن سنة في قعدة عام 6280 1641098 ثم ج محمد الحلوى والسيد محمد بن ج العربي معنينو عن سنة 62 1742099 ثم ج عبد الكريم بن زاكور الفاسى وج أحمد الرجراجى": 182647530 ثم ج محمد مكوار الفأسى وج مصطفى جسوس عن خمسة عشر شهرا .................................... /: 98 2078631 ثم ج عبد الرحمن أقصى وج العربي افرج في جمادى 1 عام 85 إلى جمادى 1 عام 86 .................................... 73 1593877

ثم الطيب بن كيران والأمين التازى عن ثلاثة عشر شهرا 112008115 ثم الطيب الغربيّ والطالب أحمد التازى الفاسى عن سنة/: 89 2569716 ثم ج محمد بن عبد الكبير التازى وج عبد السلام بلافريج سنة 2/ 120 4731018 ثم ج أحمد بنانى السميرس والأمين التازى عن مدة مبدؤها قعدة عام 89 وأخرها ربيع النبوى عام 91/: 36 6645891 ثم ج المدنى بن عبد الكريم بن جلول والسى محمد بن ج على مرسيل عن شهور 14 أخرها جمادى 1 عام 1292/: 99 4121549 ثم حفيظ برادة وعبد الله حصار عن شهور 10/: 55 2838070 ثم ج محمد بن عبد القادر ابن كيران الفاسى والسى محمد بوصوف الطنجوى عن ثمانية أشهر/: 95 2993794 ثم عبد السلام بنانى وج محمد بن العربي الطريس تسعة أشهر 41 37 39960 ثم ج محمد ابريشة وج محمد بن ج العربي القباج عن تسعة أشهر/: 5 13 33340 ثم السى محمد بن عبد القادر بنانى والسى العربي بن المهدى بنونة شهور 11/: 0 34 1318062 ثم الغنمية وبرادة عن عشرين شهرا آخرها صفر 98/: 0 35 2771879 ثم ابن المليح والرزينى عما بعد ذلك إلى متم رجب عام 1300 عن شهور 43 1 8713046 4/ 54720835190 "

ومن ذلك ما كتب به سفير الإصبان للقناصل ونواب إصبانيا الواقفين على قبض الأعشار بالمراسى بما يكون عليه عملهم في ذلك، ونصه نقلا عن النسخة التي وجهها من ذلك لمولاى العباس من كناشته بلفظه: "القنصوات أو الخلفاء المكلفين أو الواقفين على القبض يستقرون في ديار الأعشار وفى كل وقت الذين يشتغلون فيهم في وسق المراكب، ويأخذون زمام مستويا مع زمام أمناء السلطان ويكون لهم كناش من الداخل والخارج من السلع ومن الأعشار المؤديان في كل عشية حيث تسد دار الأعشار والنائب الإصبنيولى يقابل كناشه مع كناش الأمير متاع مراكش إلى أن تحصل لهم الموافقة فيها. في مراسى مراكش إذا كانت العادة في أداء الأعشار عاجلا على السلع الداخلة والخارجة في ذلك اليوم الذى يكون فيه القبض النائب الإصبنيولى، يحوز في كل عشية النصف في ذلك الأعشار المقبوض ويدفع خط يده مختوم ومطبوع بيد الأمين متاع مراكش. في اليوم الأخير من كل شهر النائب الإصبنيولى يحوز خطوط يده المعطاة منه في كل يوم، ويمكن للأمين متاع السلطان مراكش خط لده من جميع العدد المقبوض في ذلك الشهر حسبما هم مذكورون في خطوط يده في مراسى مراكش التي هى عادتهم هى قبض الأعشار بعد أجل قريب، وذلك بالاطرة على المدن التي يتوجه لها السلع، فنواب الإصبنيول في كل عشية كما ذكرناه قبل في مقابلة كناشه مع كناش أمين مراكش إلى أن تحصل لهم الموافقة ويتمسكون نواب الإصبنيول برسم مختوم من أمين السلطان مراكش ذاكرًا فيه أن الأعشار الداخل اليوم هو كذا والنصف الواجب للاصبنيول هو كذا، وفى اليوم الأخير من كل شهرين يجمعون المحصل ونائب الإصبنيول في ذلك اليوم يحوز ما وجب له دراهم سكية النصف من جميع الأعشار من الشهرين، ويدفع خط يده مختوم ومطبوع

من ذلك العدد بيد الأمين المسلم، ويرد ذلك الأمين جميع خطوط اليد التي مكنهم منها. حيث المنفعة متاع إصبانية ومراكش، هو أن يكون الوقوف والنظر في هذا الأمر مع استقام مباشرته حيث تعلم بفساد في الأعشار تعلم بذلك الأمين متاع السلطان ليكف ذلك وينقطع حتى يكون الاستقام في مراسى الإِيالة، ويحصل حينئذ المنفعة لصبانية وكذلك الخير للسلطان إذا بهذا يؤدى عاجلا ما عليه الإصبنيول وينتقل حينئذ النصف في الداخل في المراسى الذى هو اليوم للاصبنيول. لا شك أنك وأمين السلطان تسيرون في هذا على الموافقة لتحصل المنفعة في خدمة سلطانتنا وفى خدمة سلطان مراكش. دولة سلطانتنا لها الصدق في وقوفك وصدقك وعدلك في ولايتك في هذا الأمر المهم. نسخة ثابتة النائب المفوض لجنس الاصبنيول مختوم. افرنسيسكومرى وكلوم". ومن الباب جواب السفير المذكور لمولاى العباس عن بعض المطالب ونصه: "سعادة الشريف الأرضى مولاى العباس، لا زال السؤال عنك نطلب الله تكون بخير. وبعد: فإنى قد حصل لنا غاية السرور بالبيان لديكم أن سعادة حضرة مولاتنا السلطانة أيد الله علاها قبلت ما طلبته منها بامليلية على اسم حضرة السلطان في خروج آل الريف من الثغر المذكور، نرغب منكم توجيه لمكاتب السيد محمد بركاش ليمكنهم وقت قدومهم بالدراهم الواجبة لهم وبالأرض لمعيشتهم،

كما طلبنا ذلك منكم بعد قبولنا المكاتب يذهب مركب قرصان لامليلية ويجلب لطنجة هؤلاء الريف كما تريد حضرة السلطان لتقوية الصلح والمهادنة والسلام في 18 اناير سنة 1864. الوزير الوجيه لسعادة مولاتنا سلطانة إسبانيا قرب الحضرة الشريفة. فرنسيسكومرى وكلوم". ونص آخر: "السيد الذى عظم قدرا الشريف الأرضى مولاى العباس، بعد إهداء السلام نطلب الله تكون بخير وقد أنهينا لحضرة مولاتنا السلطانة ما شافهتنا به بامليلية عن اسم الحضرة الشريفة في شأن مستفاد غياب هذه المملكة، ووافقت ما قصدته الحضرة العلية، وأمرتنا بالتأخر يحبى في هذا الأمر الصعيب وننبذوه إلى أن تقابلوا حضرة السلطان وتتفاوض معها، وحيث ذلك لم يعمل على ما وجهنا من الاسترعاء للسيد محمد بركاش، وهذا أقوى دليل على محبة سعادة مولاتنا السلطانة في الحضرة المنيفة وبحول الله لما يوجب تفاوضنا في هذه القضية مع حضرة السلطان ناولوا أمرها على وجه العدل والحق، وبما يناسب الجانبين، وهذا ما أمرتنا به سعادة مولاتنا السلطانة الحاصل لنا به غاية السرور في إنهائه لديكم والسلام في 26 اناير سنة 1864. الوزير الوجيه لسعادة حضرة مولاتنا سلطانة إسبانيا قرب الحضرة الشريفة. فرانسيسكومرى وكلوم". ونص آخر: "جناب الشريف العلوى الأعز المحترم الأرفع مولاى العباس خليفة سلطان مراكش وباقى المغرب، السلام على من لا حال له عن المحبة.

وبعد: فإن غدا حلول ميجال الثلاثين يوم الموسوم لتنفيذ المطالب الموضوحة من دولة حضرة السلطانة المفخمة لدولة الحضرة الشريفة سلطان مراكش، فالمطلوب من فضلكم أن تقولوا لنا إذا دولة حضرة سلطان مراكش لا زالت على ما وضحت لنا به في آخر مدة والأمر أدها في بلوغ ما أشرنا به في كتابنا المؤرخ بميو 19 المنصرم فورا والسلام في 23 يونيا سنة 1861. حررها النائب المفوض والقنصل العام لحضرة سعادة سلطانة إسبانيا. فرنسيسكومرى وكلوم". ونص بطاقة وقفت عليها بخط ترجمان السفارة تتعلق بإخلاء تطوان: "هذه نسخة من أمر موجه من الأمثل سيدى الوزير أمور البرنية للنائب المفوض لحضرة سلطانة اسبانية مضمنه: فراغ تطوان سيقع من غير إمطال حتى كاد يكون حينا واحدا بعد وفاء المشروط في أمورنا السابقة، وحالة وقت التاريخ إذن ببدء خروج الأثاث وتأهيب جميع الأمور لتسليم الثغر في الوقت المذكور وهذا الكلام تحققه للخليفة والتمام. مترجمة عن إذن النائب المذكور أعلاه. فليب ريثو". وقد أدت هذه الحوادث الحوالك بالمترجم إلى الاستقراض من الدول الأجنبية، فعقد مع الإنجليز قرضا يشتمل على مليونين اثنين من الريال الكبير الذهبى حسبما مرت بك الإشارة لذلك فيما تقدم من الوثائق، وإليك بيان ما يتعلق بذلك كما وجدته منصوصا: "بيان كيفية السلف الذى أخذه سيدنا أيده الله من تجار النجليز فكان عدده مليونين اثنين من الريال الكبير المعروف بالريال الذهبى 2000000.

فوجب فيها أربعمائة وستة وعشرون ألف ليرة نجليزية هكذا 426000. جعلت كلها كواغد وصار كل كاغد الذى فيه مائة ليرة يعطى فيه خمسة وثمانون ليرة فكسر العدد المذكور خمسة وسبعين ألفا ومائة وستة وسبعين ليرة ونصف ليرة هكذا 2/ 751761. فتزاد على الأربعمائة وستة وعشرين ألف ليرة فيصير المجموع خمسمائة ألف ليرة ومائة وستة وسبعين ليرة ونصفا هكذا 2/ 5011761. يجب فيها من عدد الريال الكبير مليونان وخمسمائة ألف وخمسة آلاف وثمانية واثنان وثمانون ريالا ونصف ريال هكذا 2/ 25058821. فيجب عليها انطريس في مدة من عشرين سنة بحساب خمسة زيادة على المائة مائتان وستة وخمسون ألفا وثمانمائة واثنان وخمسون ليرة وسبعة عشر شيلين ونصف شيلين هكذا 2/ 1 17 256852. فيجب فيها من الريال الكبير مليون ومائتان وأربعة وثمانون ألفا ومائتان وأربعة وستون ريالا وأربع بلاطات ونصف هكذا 0/ 4، 1284264. فيزاد هذا العدد على المليونين والخمسمائة ألف وخمسة آلاف وثمانية واثنين وثمانين ريالا ونصف المذكورة أعلاه فيصير جميع ما يدفع سيدنا نصره الله في مدة من عشرين سنة من عدد الريال الكبير ثلاثة ملايين وسبعمائة ألف ريال وتسعين ألف ريال ومائة وستة وأربعين ريالا وعشر بلاطات ونصفا هكذا 8/ 10 3790146. يجب فيها ليرات سبعمائة ألف وثمانية وخمسون ألفا وتسعة وعشرون ليرة وسبع شيلين ونصف هكذا 6، 7، 758029.

فهذا العدد هو الذى يكمل دفعه في مدة عشرين سنة حسبما هو مبين انتهى. بيان ما يدفع في كل سنة: ....................................... بينيكى شيلين ليرات ما يدفع في 6 الأشهر الأولى ليرات هكذا: 6 19 25058. ما يدفع في 6 الثانية 10 11 24745. ما يدفع في 6 الثالثة 10 7 24432. ما يدفع في 6 الرابعة 4 2 24119. ما يدفع في 6 الخامسة 8 17 23800. ما يدفع في 6 السادسة 11 12 23492. وهكذا كل ستة أشهر تنقص عن التي قبلها بيسير كما هو مبين فيما ذكر أعلاه إلى أن ينتهى العمل في الستة أشهر المكملة أربعين والسلام". وكان المال المدفوع من هذا الدين يوجه أولا لطنجة من أمناء المراسى والحضرة الشريفة وبيوت الأموال بفاس ومراكش، ويجتمع هناك فإذا حل أجل دفعة من الدفعات دفع منه مقدار، وهكذا حسبما وقفت على قائمة ما كان يوجه من ذلك وما كان يدفع منه مشاهرة مؤرخا بالهجرى والمسيحى في بعض أوراق دار النيابة، وكانت الدفعة الأولى عن ستة أشهر حلت في أول صفر عام 79 موافق أول غشت العجمى سنة 1862 إلى سنة 97 موافق عام 1880 وجلب ذلك بنصه يؤدى إلى التطويل الممل وفى الإشارة كفاية. وإليك نص الكتاب الذى أسند فيه مولاى العباس بالنيابة عن أخيه المترجم عقد السلف المشار إليه لريشار فلوبير والحاج عبد الكريم ابن جلون

[صورة] كتاب مولاى العباس في التفويض لريشار فلوفير اسكير والحاج عبد الكريم بن جلون في عقد قرض مع الإنجليز وتحته تعريف سفير الإنجليز بخط مولاى العباس

"الحمد لله وحده، ولا يدوم إلا ملكه، محبنا التاجر الكبير المعظم المركناطى ريكال اكلير أما بعد لازلنا نسأل عنك نطلب الله أن تكون كما تحب ويصلك كتاب مولانا الشريف أيده الله ونصره وهو أيده الله يفوض لك وللتاجر الحاج عبد الكريم في سلف المال الذي عدده ملايين ستة وأن تجعلوا الأجل الذي تعرفوا منه أنه لا يضر بهذه الإيالة لأنكم أعرف بمصاليحها وهو نصره الله يلتزم بأداء ما تحملتم عنه من المال يؤديه لأربابه في الأجل الذي يقع الاتفاق عليه وترضونه وبأداء فائدته (¬1) كما تجعلون له، وعند قضاء الغرض إن شاء الله تكون لك الرعاية والمكانة في هذه الدولة، لأن هذه فائدة ما وصلت على يد أحد من التجار مثلك، ولا تقصر أيها التاجر، واعمل جهدك وأخبرنا بخبر الخير إذا وصلت لبلاد الاندرة، فإن دولتكم تحبنا ونحن نحبها، وإذا لم يقض هذا الغرض من عندكم فلا يقضيه أحد بلا كلفة، واخترنا ملاقاتكم لأنكم أفضل من غيركم، والله ييسر الأسباب بمنه آمين والتمام في 28 ربيع الأبرك عام 1277". خليفة سلطان مراكش ونواحيها العباس لطف الله به". من خطه، وبعده تعريف سفير الانجليز بذلك الخط ونص تعريبه: "يشهد الواضع شكله عقب تاريخه بأن الرسالة فوقه المكتوبة بالعربية هى ممضاة من سمو الخليفة السلطانى المولى العباس وهى موجبة للمسمى ريشار فلوفير اسكير وللحاج عبد الكريم ابن جلون. طنجة -15 - اكتبر 1860. دريموماى الوزير الإنجليزى المقيم ببلاد المغرب". ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "إنا لله وإنا إليه راجعون ولكن للضرورة أحكام والضرورات تبيح المحظورات. هـ. مؤلف".

ونص ظهير شريف لمولاى العباس في ذلك: "أخانا الأعز الأرضى مولاى العباس حفظك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد قدمنا لك كلام المليون الذى أرادت دولة النجليز أن تسلفه لجانبنا العالى بالله تعالى، فإن طلب نائبهم الفصال فيه بالفعل حيث يراد دفعه فتعاط معهم المخطوط فيه بأن تعطيهم خطك فيه على الكيفية التي طلبوا، وهى أن يدفعوه ويعينوا من يقبض أربعين في المائة من كمرك الصويرة حتى يستوفوه إن شاء الله، ويعطوك خطهم بذلك أيضا، والله يرعاك والسلام في 6 من صفر الخير عام 1287". ونص ظهير آخر لبركاش في دفع ما حل من ذلك الدين: خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، أعانك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فإنا نفذنا من وفر مرسى الصويرة أربعين ألف ريال لتدفع في مشاهرة سلف دولة النجليز الحالة إن شاء الله، وأمرنا الأمناء بها بتوجيهها واصلة لأمناء آسفى ليوجهوها بواسطة خليفة الطالب محمد بن بومهدى البوعريزى لأخينا الأرضى مولاى رشيد أصلحه الله، وهو يوجهها واصلة إليك فإذا وصلتك فادفعها على يدك على العادة والسلام في 15 صفر عام 1281". كما أدت هذه الحوادث أيضا بالمترجم إلى طلب الإعانة من رعيته لما شدد الإصبان في طلب الاقتضاء، وأوشكت الحالة أن تعود لما كانت عليه، مما جعل المترجم يأمر بالتأهب والاستعداد مرة أخرى، فلذلك كتب إلى عمال المدن وقواد القبائل بذلك حسبما مرت بك الإشارة لذلك فيما تقدم ذكره من الوثائق، ومن ذلك ما كتب به لعامل سلا ونصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع:

"خديمنا الأرضى الطالب عبد العزيز محبوبة، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فإن أهل سَلا مِنْ خدامنا، الذين لهم كمال المحبة في جانبنا، وممن نعتقد أنهم يهتمون بأمر الإسلام، غاية الاهتمام، وممن لا نشك أنهم يبذلون أنفسهم في مرضاة الله تعالى ويدخرونها ليوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا فضلا عن المال، الذى لا يلقى له عند أهل الإيثار والخصوصية بال، هذا وفى علمكم ما أصاب المسلمين من أمر الكافرين الذين أرادوا خراب الدين وما قاسيناه معهم من الشدائد التي تشيب الطفل قبل المشيب، حتى رأينا أن لابد من الصلح لأمور يطول شرحها وإيضاحها، وإن كنتم تعلمون بالسماع الفاشى جلها أو كلها معتمدين على ما أفتى به الأئمة في ذلك، سالكين فيه أحسن المسالك، وإلا استولوا على ثغور المسلمين، وأفسدوا الدين وصار الناس منقادين لهم ومسالمين، فصالحناهم على مال دفعنا لهم منه ما كان ببيت المال، ثم شددوا الآن في الاقتضاء، واستعجلوا، وراموا نقض ما عقدناه معهم ليتوصلوا لما فاتهم أولا من الاستيلاء، لا أبلغهم الله ما أملوا، فتعين حينئذ الكلام هنا مع خدامنا أهل فاس في هذا المعنى. فسارعوا إلى بذل الإعانة، غيرة على الدين وحرصا على أن لا يصل لإخوانهم المؤمنين ذل ولا إهانة، وقد اقتضى ما نعلمه من غيرتكم وكمال محبتكم أن يذكر لكم ما أل إليه الأمر مع الكافرين، ليقوم خدامنا المذكورون بما قدروا عليه من إعانة المسلمين، وليسوا بدون هؤلاء الذين بذلوا مالهم في مرضاة الله دينا ومحبة وخدمة وإيثارا، والظن بهم جميل فليكونوا عند الظن بهم،، وليشتروا بذلك مرضاة ربهم.

[صورة] كتاب السلطان سيدى محمد بن عبد الرحمن لعامل سلا محبوبة في شأن الإعانة

ولا شك أنه تعالى يخلف لهم ما يبذلونه، وينيلهم بإيثارهم وحسن قصدهم كل ما يأملونه، ولم نحد لهم في ذلك حدا لأن المراد أن يعطى كل واحد على قدر حاله من غير إدخال حرج عليهم في ذلك ولا مشقة ومن كان في خدمة، وظهر عليه أثر النعمة، فهو أولى بالصبر والقيام، وإظهار شكر المنعم سبحانه على الإنعام، والسلام في 25 شعبان الأبرك عام 1277". ونص ما خاطب به أهل فاس: "الحمد لله الذى لا يضيع عمل عامل، ولا يخيب في فضله العميم أمل آمل، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد أصدق قائل، وقائد الخلق إلى ما فيه السعادة الأبدية في عاجل وآجل، وملجئهم المنيع الذى يأوون إليه عند كل أمر هائل، وعلى آله وصحبه، وعترته وحزبه. أبناء عمنا الشرفاء، وخدامنا أهل فاس أخص منهم العلماء، والأعيان والعرفاء، أنجح الله في مرضاته أعمالكم، وبلغكم من فضله آمالكم، وسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، ومرضاته وتحياته. أما بعد: فغير خاف عليكم أن الكافر جنح لمسلم المسلمين بسبب جهادهم، وتقلصت أطماعه بامتداد ظلال إمدادهم، فسالمناه، عملا بقوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ........ (61)} [الأنفال: 61]، وللصلح فصالحناه، عملا بما نص عليه الأئمة، ومصابيح الأمة، من جواز الصلح لمصلحة وإن عن مال ريثما يستعد المسلمون ويرجعون لأحسن أحوالهم، ويسفر الحزم والعزم عن وجه جمالهم، ارتكابا لأخف الضرين، وأخذا بأيسر الأمرين. وما برحنا من يومئذ مخالف الأسا، ونتدارس في جمل أمور الكافر باب لعل وعسى، فتارة نستفتح وجوه الصبر وهى جميلة، ونتعلل بما نرجوه من النصر

في مدة قريبة قليلة، وتارة نفوض الأمر إلى من بيده الألطاف العجائب، ونمد المسلمين من الدعاء بأعظم الكتائب، حتى رأيناه كاد أن يجمح في ميدان الجسارة هواه، ويعود إلى غدره وخداعه ومكره لينال من مراده ما كان نواه، فَتَلَوْنا عند ذلك: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ ...} [الأنفال: 62] وتعين علينا أن نعلم المسلمين بأمره قبل أن تدب عقاربه، وتعم مصائبه، خصوصا من كان في الأقطار البعيدة ليأخذوا في الأهبة والاستعداد، للتقدم للجهاد، إن حققوا غدر الكافر من غير توقف على استنفار، وهذا الغرض لا يحصل على التمام إلا بمشاركة منكم في هذا الأمر تسوغه، وإعانة عليه بالأنفس من ذوى الفضل والدين تؤديه وتبلغه، وأخذكم فيه بالسهم الأكبر، والحظ الأوفر، لأنكم معشر أهل هذه البلاد التي لا يعد فضلها ولا يحصى، قدوة لأهل هذا المغرب الأقصى، فبكم يقتدون، وبهديكم يهتدون، ومثلكم لا تقرع له العصا، ولا ينبه بطرق الحصا، فقوموا لهذا الآمر قيام أمثالكم، واجعلوه من خير أعمالكم، وكونوا عند الظن بكم في هذا الأمر لأنه بكل خير كفيل، وظننا بكم جميل، وافرضوا له عددا معتبرا، وادخروه ليوم تجد فيه كل نفس ما عملت من خير محضرا، وأهل الدين والفضل منكم بهذا الأمر أولى، إذ هم لما خصهم الله به من مزيد الدين والغيرة على المسلمين أجل وأعلى، ونحن نحقق أنكم لم يلذ لكم شراب ولا طعام، منذ استولى عبدة الأصنام، على بلاد أهل الإسلام. واعلموا أنا على نية النهوض لمكناسة إن شاء الله عن قريب، مستنصرين بالسميع المجيب، مستشفعين بالحبيب - صلى الله عليه وسلم -، ومجد وعظم، في كشف هذه الغمة، عن هذه الأمة، ومنتظرين ما يجيب به الكافر عما أمرنا أن يخاطب به من جانبنا العالى بالله عما شدد من الاقتضاء، فإن سالمنا سالمناه، وكان أجرنا وأجركم في الاستعداد على الله، كان أراد حربنا حاربناه بحول الله.

ولم نرد أن نستعجل المجاهدين منكم بالنهوض صحبة ركابنا، بل أردنا تأخيركم رفقا بكم لتستعدوا على سعة وتلحقوا بنا، كان طيرنا الخبر بنكث الكافر لكم، هذا وقد ندبنا القبائل كافة، للاستعداد للجهاد ليقاتلوا المشركين كافة، كما يقاتلون المسلمين كافة. وحذرناهم مما تقدم من التساهل في أمر الكفار، وأرشدناهم إلى سلوك طريق الجد التي سلكها في الجهاد من قبلهم من الأخيار، ليفوزوا من العز الدنيوى والأخروى بما فازوا به، ويحرزوا ما أحرزوه من اتباع ما نص عليه الشارع في ذلك ويتمسكوا بسببه، فنسأل الله العظيم، بجاه رسوله المصطفى الكريم، أن يوفقنا وإياهم، ويبيض يوم تبيض الوجوه محياكم ومحياهم، آمين والسلام في 24 شوال الأبرك عام 1277". ونص ما خاطب به قبيلة بنى ليث: "خدامنا الأمجاد قبيلة بنى ليث وفقكم الله وأعانكم وسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد فإن جنس الصبنيول ضيق في اقتضاء المال المعقود عليه الصلح معه ولم يقصر في التضييق، وجعل للاقتضاء أجلا ضيقا لا يمكن فيه حتى دفع بعض البعض من المال، ولما رأينا منه ذلك وجوزنا أن يصدر منه نقض للصلح، أعلمنا المسلمين بهذه النواحى بما آل إليه الأمر معه ليكونوا على أهبة واستعداد لمقابلته بحول الله وقوته إن سبق منه نقض وحل لما أبرمناه معه، وتعين إعلامكم بذلك لتكونوا على أهبة واستعداد له إن حل عقد الصلح، وأما إن جعل مسلكه وبقى على ما عقدناه معه فإنا لا ننقضه فكونوا عند الظن بكم، واشتروا بمقابلته مرضاة ربكم، وقابلوه مقابلة يرضاها الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ريثما ترد عليكم قبائل هذه الجهة، فإنها ميسرة موجودة، وإياكم أن تمدوا له يدًا أو تحركوا معه ساكنا ما دام باقيا على الصلح والسلام في 10 شوال عام 1277".

ومثله حرفيا لقبيلة بنى سعيد كافة. هذا وفى أثناء ما تقدم ورد أبو زيد عبد الرحمن بن المولى أبى الربيع السلطان السابق سليمان من سجلماسة يريد الوثوب على الملك الذى كان لأبيه باستدعاء بعض أمراء البيت الملوكى بفاس ومكناس وبعض رؤساء الجيش البخارى وايت أدراسن له، ولما وصل لفاس هم بحصارها ولكنه لم يظفر بشئ بوقوف الوزير الصدر أبى عبد الله محمد العربي الجامعى -وكان يومئذ على شراقة- في وجهه برجال قبيله وأحلافهم من شراكة وغيرهم، فصدوه حتى رجع على عقبه رغما على من أجلب بهم من البربر أهل فازار الذين واعدوه النصرة والإعانة على شانه، وبقى يتردد بنواحى جبل العياشى إلى أن اضمحل أمره، وقد عثرت له على رسائل كان يبعثها لبعض كبار الدولة يدعوهم فيها للدخول في حزبه، والانضمام إلى سربه، فمن ذلك ما كتبه للوزير أبى عبد الله الصفار يدعوه لإقامة بيعته وقد ختم الكتاب بطابعه من أعلى، وألحق به إلحاقا بخطه من أسفل ونصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع بداخله "عبد الرحمن بن سليمان غفر الله له": "محبنا الفقيه السيد محمد الصفار السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فاعلم أننا سمعنا ما وقع بين محروسة فاس ومكناسة من النهب وأكل العزائب وسبى الأموال وشن الغارات وغير ذلك من الأمور العظام، فعلمنا أن ذلك يستحيل وقوعه بوجود الأمير، فتعين علينا القدوم لندرى ما سبب ذلك قبل تفاقم الواقع، واتساع الخرق على الراقع، ولما لم يتحقق فوته وجهنا ولدنا مولاى الكبير (¬1) أصلحه الله للفحص عن الأمور بتلك النواحى، ولم نكاتبك معه ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "اسمه سليمان وقد جرت العادة أخيرا في العائلة المالكة أن من كان اسمه من البيت السليمانى سليمان لا يقولون له إلا مولاى الكبير وفى البيت الهشامى لا يخاطبون من اسمه عبد الرحمن إلا بسيدى الكبير ومن اسمه محمد يطلقون عليه سمى سيدى ومن اسمه حسن يقولون له سمى سيدى سيدى حسن تعظيمًا وإجلال وإكبارا ومن ثم يشكل على من لا معرفة له بهذا الاصطلاح مخاطبة بعض الناس لى بعبد الرحمن والبعض بالكبير هـ. مؤلف.".

[صورة]

لعدم تحقق الأمر، فلما نعى به كاتبكم وبعده نقدموا بحول الله وقوته عليه تأهب لملاقاتنا، ولإقامة بيعتنا، وأعجل في ذلك، فالسابق يفوز، وعجلت إليك رب لترضى. وكنا أمرنا ولدنا حفظه الله بدخول مكناسة إن حقق الأمر حرصا على جمع كلمة المسلمين، واستقصاء في الأعذار لقطع حجج الملحدين، وإنذارا لمن أراد الحق واتبعه، وإن وصلنا بلد صفرو، نأمركم بالقدوم علينا فيه فالحزم الحزم، فأنتم أولى بذلك والله يعين الجميع بمنه آمين والسلام في 6 من صفر الخير عام 76 عبد الرحمن بن سليمان لطف الله به آمين وبأتمه نسلم على ابن الفقيه السيد إدريس بن محبنا المرحوم السيد محمد بن إدريس". ونص آخر كتبه لما وصل صفرو للعربى الجامعى المذكور وشراكة وأولاد جامع يدعوهم لطاعته بعد الحمدلة والهيللة والطابع: "خالنا الأرضى الفقيه السيد العربي بن المختار وكافة أخوالنا اشركة وأولاد جامع خصوصا وعموما أصلحكم الله ورعاكم وسلام عليكم ورحمة الله. وبعد: فقد حللنا بصفرو، بقصد درء المفاسد وإطفاء نار الفتنة وهذه نحو الثمانية أيام، ونحن مجدين في إصلاح هذه النواحى حتى أصلحنا بين البرابر واجتمعت كلمتهم على أن لا يقربوا ساحة الفساد ويكونوا عند الأمر والنهى. والآن إن أردتم أن تتبعوا سبيلهم وتتعاونوا على البر والتقوى فذاك، وإلا فكل واحد لا يلوم إلا نفسه، وما حملنا على هذا إلا أننا رأينا الفساد شاع في الأرض، وكثر نهب المساكين وأكل أموال الناس بالباطل، ولا ذاب يذب عنهم، وحينئذ تعين علينا القيام، حسبة لله الملك العلام، وأنتم والحمد لله اختاركم الله وجعلكم جيش الإسلام، فنحبكم أن تكونوا في إعانتنا، وإن لم يظهر لكم الاتباع

فإننا نكف لساننا وأيدينا، وتروا الفساد الذى يقع من أهله، ويكفينا ثوابا وأجرا أننا أصلحنا هذه الطريق التي كانت شائعة الفساد من هنا إلى سجلماسة، فمن أراد اليوم بها المرور فليمر ولا يضيع له بحول الله وقوته قلامة ظفر، وقد حسمنا مادة الفساد قبل أن يتسع الخرق على الراقع، فكونوا في إعانتنا لأنكم أخوالنا وخدامنا بارك الله فيك والسلام في 12 صفر الخير عام 1276". وقد أسلفنا في الترجمة الحسنية بعض أخباره وأخبار ولده المولى سليمان المدعو الكبير الذى خرج على مولاى الحسن لأول ولايته. ثم في عام سبعة وسبعين كانت فتنة الدجال المارق الجلالى الغرباوى المعروف في لسان العامة بالروكى، وهو من عرب سفيان كان له رأى من الجن أو معرفة بضرب من السحر، فتن العامة بذلك فتنة عظيمة، اهتزت لها الأرض وربت، وكان المترجم يومئذ برباط الفتح، ثم لما أراد الله فضيحة هذا الفتان وإبطال سحره وشعوذته، هيأه للتوجه للزاوية الإدريسية من زرهون، فدخلها يوم الجمعة والناس في الصلاة وقصد الضريح الإدريسى وبقبته كان مكثه أولا ربما طلع لمناره للإشراف على البلد، وشاع عنه ادعاء النسبة الإدريسية، ولأجل ذلك مع احترامه بالضريح المذكور كان يتعصب له بعض مَنْ لاَ يؤبه له من بلد الشرفاء الأدارسة. وكان العلويون القاطنون هنالك على الضد من ذلك يريدون الإسراع بالفتك به ويتحينون الفرصة الموصلة لهم إليه خشية تفلته، وكانت تحدث بين الفريقين في ذلك خصومات ومنازعات أفضت إلى إخراج الفتان من قبة الضريح وإدخاله للقوس الذى كان بباب مدارج الضريح المذكور وإغلاقه عليه خشية الفتك به، ريثما ينظر السلطان في أمره، فاحتال الشريف أبو العباس أحمد بن المأمون العلوى الإسماعيليّ أحد سكان الزاوية المذكورة بأن أتى متجردا في قميص غير متمنطق ولا لابس لرداء إظهارا لكونه غير حامل لسلاح، وطلب أن ينظر حال المتدجل في

مجسه هناك وعضده إخوته وأهل عصبيته، فلم يسع حرسه إلا مساعدته، ففتح له فدخل وأسرع بالغلق عليه لئلا ينضاف إليه غيره، فلم تمض عليه هنيئة هنالك حتى شاهد الحرس وغيرهم الدم خارجا على باب القوس ففتحوه، فوجدوا الشريف المذكور فتك بالمتمرد أجهز عليه بمدية صغيرة كان خبأها في عمامته، فأسرع العامة إلى جثته فأخرجوها مجرورة إلى آخر أبواب الضريح وحزوا رأسه، وهيأوا وفدا للذهاب به للمترجم للرباط، وجرت جثته إلى باب الحجر أحد أبواب الزاوية وعلقت هنالك عظة وذكرى لكل باغ، وبقيت معلقة مدة، وإليك نص ما كتب به المترجم في ذلك بعد المقدمات: "وبعد فإن فتانا من سفيان مرق من الدين، وفتن بأمور شيطنته من اغتر به من المسلمين، وجمع عليه أوباشا من أمثاله، وأضرابه وأشكاله، وتقدم بهم لدار خديمنا ابن عودة فقاتلوه، ثم تقدم بهم للشراردة فقاتلوه، ثم تقدم بهم لزاوية مولانا إدريس فقاتلوه قتالا يرضى الله ورسوله ولم يحصل لهم من قتاله ضجر، ثم قبضوا عليه وقتلوه وعلقوه بباب الزاوية المسمى بباب الحجر، وأغلقوا الأبواب بعد ذلك على من دخل معه من أتباعه، وأنصاره وأشياعه، فقبضوا عليهم وجعلوهم في السلاسل والأغلال. ونحن على نية إقامة الحد عليهم إن شاء الله تعالى جزاء وفاقا على ما ارتكبوه من الفساد وقبيح الأعمال، وما كان منهم حينئذ خارجا عن الباب تختطفه الأيدى، وجنوا إنّما وما سعوا فيه من البغى والتعدى وقطع دابر جمعهم فالحمد لله حق حمده، وما كل نعمة إلا من عنده، وأعلمناكم لتكونوا على بصيرة، إذ ربما يبلغ المرجفون على عادتهم النازلة على غير وجهها والسلام في ثامن عشر شعبان المعظم عام ثمانية وسبعين ومائة وألف".

وفى مدة مقام المترجم بمكناس للنظر في شئون محاربة الإصبان ثار الرحامنة بالحوز، وتحزبوا على تفريق الكلمة وتوطيد عرى التهافت على أكل أموال الناس بالباطل، فشنوا الغارة على سوق مراكش ونهبوه وسلبوا المارة وعتوا في السابلة، ولم يتركوا بابا من أبواب التعدى والإفساد إلا وطرقوه، فاشتد الأمر وضاق النطاق، وارتفعت بسبب ذلك الأسعار والناس بين نارين بل نيران، نار فتنة الإصبان ونار فتنة الروكى وفتنة المفسدين من الرحامنة. ولما أطفأ الله تلك النيران نهض المترجم لزجر المتمردين المذكورين، ولما علموا بذلك أجمعوا أمرهم بينهم وصمموا على محاربته، ولكن لم تغن عنهم تحزباتهم من سطوة الله شيئا، فأذاقهم أليم النكال جزاء على ما أجرموا ووجههم لسجون مراكش مقرنين في الأصفاد، وبعد أن أوقع بهم كتب لأخيه المولى الرشيد بما نصه: "الحمد لله الذى تدارك الأمة باللطف الكفيل بتمهيد أقطارها، وتيسير أوطارها، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه الذين نصروا الدين بالصفاح والأسنة، وأوضحوا أحكام السنة، أخانا الأعز الأرضى مولاى الرشيد أصلحك الله وأعانك وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فإنه لما تواترت الأنباء المحققة بعد التباسها، وتواردت الأخبار التي يغنى نصها عن قياسها، بما ارتكبه ظالموا أنفسهم الرحامنة، من أنواع الفساد التي أذاعوها، وأظهروها وأشاعوها، وقد كانت في صدورهم كامنة، صرفنا الوجهة إليهم، وطوينا المراحل من أجلهم. ولما حللنا ببلادهم أرسلنا عليهم سيل العرم من العساكر المنصورة، والجيوش الموفورة، فما كان غير بعيد حتى أتوا منهم برءوس كثيرة محمولة على أسنة الرماح، وأسارى من مقاتلتهم مجردين من الثياب والسلاح، ومن نجا منهم رجع

مجردا إلا من خيبة سعيه، وما سقى إلا بكأس بغيه، واستولت العساكر والأجناد، على جميع ما كان من أهل الفساد. ومن المعلوم أن من سل سيف البغى يعود إلى نحره، ومن ركب متن ... يغرق في بحره، وأن الفتنة نار تحرق من أوقدها، والمخالفة صفقة تعود بالخسارة على من عقدها. ولما أردنا معاودتهم لقطع دابرهم. وتشتيت ما بقى من رماد أثرهم، تعلقوا بالمرابطين من ذوى الوجاهات، وأكثروا من الذبائح على المحال وتوجيه العارات، وقاموا بواجب السمع والطاعة، في كل ما أمرناهم به جهد الاستطاعة، فأبقينا عليهم وإن عادت العقرب عدنا بحول الله لها وكانت النعل لها حاضرة. فالحمد لله الذى خيب آمالهم، وأبطل أعمالهم، وأركد إعصارهم، وخذل أنصارهم، لما أعمى أبصارهم، وردهم ناكصين على الأعقاب، بعد سلب الأموال وقطع الرقاب. ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب، ونعوذ بالله من الآراء المعكوسة، والحظوظ المنكوسة، وسوء الفعل الذى يورد المهالك، والحرمان الذى يجعل البصير كالأعمى في دجنة الليل الحالك. هذا ويصلكم ما قطع من رءوس قتلاهم لتعلق بباب المدينة ويعتبر بها المعتبرون، ويتذكر بها المتذكرون، والله أسأل أن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك، وأن يكون لنا وللمسلمين بما كان لأوليائه، وأحبائه وأصفيائه، وأن يوفقنا وإياهم لما يحبه ويرضاه ويختم للجميع بخير والسلام في ذى الحجة الحرام عام ثمانية وسبعين ومائتين وألف".

وفى سنة ثمانين ومائتين وألف كانت هدة البارود بجامع الفنا من مراكش بسبب نار وقعت في خزين مملوء بارودا، فهدت بسبب ذلك دور وتلفت نفوس، وعظم البوس. وفى سنة إحدى وثمانين ومائتين وألف كمل بناء القصر المحمدى الذى أنشأه بالثغر الرباطى، واستدعى لوكيرته علماء العدوتين سَلاَ، والرباط خصص لكل يوما، فختموا فيه صحيح البخارى وشفاء القاضى عياض. قال صاحب الاستقصا: فدخلنا من جملتهم وتقصينا منازلها ومقاعدها فرأينا ما ملأ أبصارنا حسنا وإتقانا وعجيب صنعة هـ وفيها ظهر بآنكاد الفتان بوعزى الهبرى المتقدم ذكره في الترجمة الحسنية. وفى سنة اثنتين وثمانين ومائتين وألف كانت سفارة أبى عبد الله محمد بن عبد الكريم الشرقى والباشا أبى عبد الله محمد بن سعيد السلوى لباريس كما سيمر بك، وفى شوال منها اعترى السلطان مرض شديد حتى أشاع المرجفون في الأرض موته فشبت الأهوال، واضطربت الأحوال، ولكن الله سلم وفيها كتب لبعض خدامه بما نصه: "خديمنا الأرضى الحاج قاسم حصار وفقك اله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد: فقد وصلنا كتابك مخبرا بوصول أبان بيع مستفادات الرباط، ونبهت على العربي بوعياد والعدلانى اللذين يكثران اللغط في أمر المبيعات ويدعيان الخسارة آخرا ولو ربحا، وأشرت بالكتب للأمناء بعدم قبول زيادتهما، فقد كتبنا لهم في ذلك وحذرناهم منهما والسلام 24 صفر عام 1282". وفى سنة ثلاث وثمانين ومائتين وألف ظهر بالمغرب جراد منتشر أكل النجم والشجر وباض وأنتج.

وفى سنة أربع وثمانين ومائتين وألف وقع بالمغرب غلاء مفرط أرخ الناس به. وفى سنة خمس وثمانين ومائتين وألف عم الوباء، وفيها صدر أمر المترجم بضرب الدرهم الشرعى وأن لا يذكر في عقد ولا معاملة غيره وشدد في ذلك وأوعد. فمن ذلك ما كتب به في الإعلان بذلك ونصه: "وبعد فإن أمر السكة من الأمور الواجبة المتعين رد البال إليها والاهتمام بشأنها، والنظر فيما يصدر سببها، من النفع والضرر للمسلمين وبيت ما لهم، وقد كان أسلافنا رحمهم الله اعتنوا كثيرا بشأنها وبضبط مصالحا ودفع مفاسدها وجعلوها على قدر شرعى معلوم لضبط أمرها والتبرك بتلك النسبة، إذ بذلك يعلم المسلم علم يقين كمال النصاب عنده، فتجب عليه فيه الزكاة التي هى من دعائم الإسلام أو عدم كماله، فلا يكون مخاطبا فيه بشئ. ولما رأينا ما حدث فيها من التغير وعدم الضبط ونشأ عن ذلك من الضرر للمسلمين وبيت مالهم ما لم يخف على أحد، اقتضى نظرنا السديد ردها لأصلها الأصيل، الذى أسسه أسلافنا الكرام سنة ثمانين ومائة وألف، إذْ لَنَا فيهم أسوة حسنة على الإجمال والتفصيل، فرددنا الدرهم الكبير المسكوك على وزن الدرهم الشرعى، والمنهاج المرعى، كما كان على عهد جدنا سيدى الكبير قدسه الله، وجدد عليه وابل رحماه، بحيث تكون عشرة دراهم منه هى المثقال، كما هو معلوم أن عشرة دراهم من الدراهم التي كانت تروج قبل على عهد أسلافنا رحمهم الله هى المثقال، وبهذا العدد الذى هو عشرة منه في المثقال تكون جميع المعاملات والمخلطات في البيع والابتياع وغيرهما بين جميع رعيتنا السعيدة في كل البوادى والحواضر.

وبه أمرنا جميع العمال، ومن هو مكلف بعمل من الأعمال، وإشاعته ليبلغ الشاهد الغائب وبه يقبل لجانب بيت المال، وأمرناهم بالعمل بهذا الأمر الذى أصدرناه، وأبرمناه بحول الله وأمضيناه، وأن يعاقبوا كل من عثروا عليه ارتكب خلاف ذلك، وبأن يسلكوا به أضيق المسالك، جزاء وفاقا على مخالفته، وتعديه الحد وافتياته. نعم ما سلف من المعاملات بجميع أنواعها فيما تقدم قبل تاريخ هذا الكتاب فحكمه حكم ما تقدم في السكة، فلا يكلف أحد بزيادة ومن كان بذمته شئ فيما سلف يؤديه بحساب ما كانت تروج به السكة في الريال والدرهم، والعمل بهذا الذى أمرنا به هو من الآن لما يستقبل إن شاء الله، وبهذا يزول الإشكال فيما تقدم بين الناس في المعاملات، ونسأل الله أن يخلص العمل في سبيله ومرضاته، ويجازى من فضله وكرمه على قصده وصالح نياته، والسلام في شوال عام 1285". وفيها كتب للنائب بركاش بما نصه: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش أعانك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: وصلنا كتابك مجددا فيه الإعلام بنازلة الفاسد عيسى ورفيقه وما كتب به لأهل تطوان من التخويف والتهديد إن لم يخرجوا العامل منها، وما نشأ عن ذلك من الفتنة والهرج والترويع، حتى دار بينك وبين نواب الأجناس بسبب ذلك ما سطرته زيادة على ما قدمت الإعلام به، وأشاروا بتوجيه رجل عاقل حازم وعدد من الخيل بكتاب شريف لأهل تطوان وجيرانهم بما يحملهم على القيام على ساق الجد في حسم مادة فساد هذين الفاسدين، وأكدت في ذلك لما أشرت إليه ورأيته من حال نواب الأجناس، فها نحن نعين من يتوجه لحسم هذه المادة بحول الله وقوته وهو واصل في الإثر إن شاء الله، وهو الذى يباشر هذا الأمر أولا ويرجع للوقوف على نازلة جرش إن شاء الله والسلام في 28 محرم عام 1285".

وفيها كتب لبعض قواده على البربر بما نصه: "خديمنا الأرضى القائد محمد بن محمد بن أحمد الشبلى وعزيز، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وصلنا كتابك مخبرا بما دار بينك وبين وصيفنا الطالب إدريس بن المكى وما آل إليه الأمر من الصلح والمهانة ورجوع كل لمحله، كما علمنا ما ذكرته من انحياش القبيلة إليك واجتماعها عليك بسبب ما وقع من البارود حتى من كان فارا منهم بالجبال أو نازلا بالقبائل، وأنهم لما رجعوا للقبيلة أعطوا مساجينهم كما فعل إخوانهم. وذكرت أنك غير مقصر وتباشر الأمر برفق ولين مهما أمكنتك فرصة تنتهزها حتى لا يكون إلا ما تحمد عاقبته إن شاء الله. وأخبرت أنك بصدد التهيؤ للعيد معنا وصار كل ذلك بالبال، إلا أن آيت ولال لا زالوا على فسادهم، فلا بدّ اشدد الوطأة عليهم حتى تقضى الغرض فيهم بحول الله وقوته والسلام في 24 قعدة عام 1285". وفى سنة سبع وثمانين كتب لبعض قواده بما نصه: "خديمنا الأرضى القائد الغزوانى الموسوى، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وبعد: فنأمرك بالتهيؤ للنهوض للحركة السعيدة بجميع خيل إخوانك الصحيحة كلها إن شاء الله، وعجل بها عزما ليجدكم العيد متأهبين، ويكون عيدا وحركة بحول الله وقوته، والعزم له بركة، وحين ننهض بحول الله تكون ملاقاتكم لنا بوادى أم الربيع، وسنعين لكم المشرع الذى يكون عليه عبورنا إن شاء الله تعالى والسلام في 13 من صفر الخير عام 1287".

وفى سنة ثمان وثمانين ومائتين وألف وقع بآكدير ما وقفت عليه في نسخة من كتاب لعله صدر من مولاى الحسن لبعض عمال أبيه المترجم ونصه: "وبعد: فبعد ما كتبنا لك بما أخبر به وصيف سيدنا بوتيش من ورود الفاسد الحسن انكزرين مع مسكينة لآكدير وإرادتهم الدخول له والاستقرار فيه بقصد الفساد والإفساد، ومضاربة سكانه وجسمية معهم حتى منعوهم من الدخول له أعاد الفاسد المذكور غير مسكينة وأغراهم، وزين لهم ما يعود عليهم وباله في دنياهم وأخراهم، وصاروا معه إخوانا، وعلى الشر أعوانا، ونهبوا جميع مواشى أهل آكدير وزاوية أبى القناديل ونازلوهم وحاصروهم وشدوا عليهم الطرقات والمسالك، حتى إنهم لا يجدون ما يقتاتون به وعزموا على الرحيل منه لأجل ذلك. وعليه فبوصوله إليك شمر عن ساعد الجد في ترويع سربهم، وتشتيت حزبهم، وحذرهم من شؤم عاقبة ما تصدوا لارتكابه ووخيم مآله، واسترع عليهم بأن آكدير إنما هو زاوية وسطهم فيها عدة المخزن وبيت ماله، وأهله لا يقدرون على الكر ولا الفر، وإن مخرم ما فيه أن نهب إليهم يئول وعليهم يقصر، ولا يسامحون منه في قلامة، ويلامون ويؤاخذون عليه أشد مؤاخذة وملامة، ومرهم برد ما أخذوه لسكانه ولأهل الزاوية المذكورة، إن أرادوا لنفسهم السلامة. وقد وجهنا حامله ابن عمنا مولاى المهدى والطالب عبد المالك الردنى للوقوف مع من توجهه من قبلك على تشتيت عشهم وتفريق جموعهم ورد ما أخذوه لأربابه، والإشهاد على كل منهم بتوصله به، وإن حاز أحدهم شيئا مما نهب له ولم يشهد عليه فإنا لا نسلم رده إليه. وقد كتبنا لخديم سيدنا الدوبلالى بمثل هذا في شأن حاحا، فامض على ما أمرناك به وأنذر كبراء مسكينة وأعيانهم وسلهم هل صدر ذلك من رعاتهم بموافقتهم وإشارتهم أم لا، وما موجب سكوتهم إن لم يكونوا موافقين عليه، وهل

أيقنوا السلامة من المؤاخذة به كلا والله إن المصيبة لتعم، وكم من قوم هلكوا بسفهائهم، فليستيقظوا ويتداركوا ويتلافوا هذا الخرق، ولقد أعذر من أنذر، اللهم هل بلغت، ألهمهم اللهم رشدهم والسلام في 27 ذى القعدة الحرام عام 1288". وفى سنة تسع وثمانين أوقع ببنى موسى من تادلا لخروجهم عن طاعة عاملهم. كما وقفت على نسخة من ظهبر تدل على أنه وجه في السنة محلة للتسول للقضاء على فتنتهم ونص ذلك: "وبعد فإن قبيلة الدسول طالما جمحوا في ميدان الجسارة والطغيان، واتبعوا سبيل الشيطان، واشتغلوا عن أداء ما تعلق بذممهم من الواجبات والحقوق، والسلوك فيها مسلك العقوق، وارتكبوا من إذاية جيرانهم مركبا صعبا، وساموهم بأسا وحربا، وكثرت بهم الشكايات إلى على بابنا، وشرح مساويهم لشريف جنابنا، فأمرنا بإنذارهم وتذكيرهم، وتخويفهم من سطوة الله التي هى لكل ظالم بالمرصاد وتحذيرهم، وأعذرنا لهم رحمة بصبيانهم وضعفائهم وإشفاقا، وطلبا للهداية وإرفاقا. فلما لم ينجح معهم عمل، وغيرهم الإمهال والأمل، ولم يرد الله بهم خيرا لفساد نيتهم، وخبث طويتهم، وتعين زجرهم وقمعهم، وحملهم على الواضحة وردعهم، أمرنا المحلة السعيدة النازلة عليهم بالأخذ بمخنقهم وحصرهم، والتنكيل بهم والتضييق، والزحف إليهم وضربهم والمبالغة في النهب والتحريق، فرجعت إليهم العساكر المنصورة، التي لم تزل ولا تزال بحول الله ألوية الفتح أمامها منشورة، وأحدقت بهم من كل جهة، وناوشتهم القتال من كل وجهة، واقتحموا عليهم الأوعار، والنجود والأغوار، ودخلوا عليهم في أعز أماكنهم، ولم يقصروا من تحريق مداشرهم، وبقوا في أيديهم بين قتيل وأسير، وجريح وكسير، وقطعت

علائقه السياسية

منهم رءوس، وأُتلفت مهج ونفوس، وشفى الله منهم داء، وأخذهم أشد ما كانوا اعتدادا واعتداء، سنة الله في كل من طغى وبغى وحاد، عن سبيل الهدى والرشاد، وكل ذلك بقوة الله وحوله، وفضله السابغ وطوله، فلله الحمد حق حمده، ولا نعمة إلا من عنده. وأعلمناكم لتأخذوا حظكم من الفرح بما منح الله سبحانه من النصر العزيز، والظفر الذى له في الأقطار دوى وأزيز، ليعتبر بما وتع بهم المعتبرون، ويتذكر به المتذكرون، والسلام في متم محرم الحرام 1287". وفى سنة تسعين كانت جائحة النار بكثير من بلاد المغرب اجتاح فيها خلق وضاعت أموال. هذا وكانت أيام المترجم في أولها أيام شدة وأهوال، ثم تبدل عسرها باليسر واتسع الحال، وكثر البذخ وعمت الخيرات وانتشرت العلوم والمعارف بين طبقات رعيته، بسبب ما اختص به من الشغف بذلك حتى صارت أيامه مثلا مضروبا بين الناس. علائقه السياسية من الضرورى أن العلائق السياسية هى أصل الدفاع الحبى ومركزه الأساسى، وقد وقفت للمترجم من ذلك على ظهائر ووثائق مهمة تنبئ عما وراءها فمن علائقه: مع الدولة الإصبانية معاهدة حدود مليلية المنعقدة بين النائب السلطانى السيد محمد فتحا الخطيب التطوانى والدون "خوان بلنكودى الباليا" في تطوان يوم 24 غشت سنة 1859 الموافق 24 محرم سنة 1276 (أى قبيل بيعة المترجم بأيام) حسبما وقفت على ذلك

بخط ترجمان سفارة إصبانية بطنجة، وسيأتي ذكرها في المعاهدات الآتية بعد كما أنه تقدم ذکرها في معاهد سنة 1308 المذکورة في الترجمة الحسنية. ومن ذلك عقد المهادنة الواقعة عقب الوقائع الحربية المتقدمة الذكر وتعرف عند الإصبان بمعاهدة 26 إبريل سنة 1860 على ما يأتي في الاتفاقيات الأخرى الموافق رابع شوال سنة 1276 کما بخط الترجمان المذکور، وتشتمل عن مواد وشروط هذا مضمنها على ما عند صاحب الحلل البهية، في ذكر ملوك الدولة العلوية: الأول: خروج الإصبان من تطوان وتسليمها مع ما والاها من الأرض ويدفع لهم السلطان عشرين مليونا من الريال. الثاني: يزاد للإصبان شيء يسير في المحدة على سبيل التوسعة. الثالث: تعيين جمعية من الجانبين للوقوف على الحدود عند الاحتياج لإصلاحها. الرابع: أن يعين السلطان عاملا بمليلية وسبتة لمداومة المهادنة. الخامس: أن يبنى الإصبان تحصينات على الحدود كيف شاءوا. السادس: أن يلتزم السلطان بالإنعام على الإصبان بأرض تكفى للصيد والقنص بها على ساحل البحر المحيط (سنط كروز الصغرى) ليصطادوا بها وتعيّنها جماعة من الجانبين بحدها المتفق عليه (¬1). ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: «تأخر البت في أمر هذه الأرض إلى عهد مولاي الحسن وكانت إسبانيا تطالب بتنفيذ هذه المادة فيطلب منها التأخير إلى أن كتب للنائب بركاش بأن كويدر الرجيلة هو المراد بسانط کروز وليس هو يفني ونظرا لاتصال الدولتين ومحبتهما من قديم حتى أن جده مولاي عبد الرحمن آثر بالحجرة ووالده المترجم أنعم بكويدر الرجيلة فإن لها أن تبنى محلا لصيادة الحوت بيفنى على وجه الخير والإحسان لا على وجه الشرط =

السابع: المساعدة على تأسيس بناء دار للفرايلية (القسيسين) بفاس وغيرها من البلاد التي يريدونها. الثامن: إعطاء قطعة من الأرض بساحة القنصلية بتطوان لبناء (¬1) كنيسة بها قرب القنصلية. التاسع: التزام توقير وتعظيم سكان ديار الرهبان والقسيسين في المصارفة. العاشر: عقد وفق تجارى وإجراء رعية إصبانية على القواعد التي يجرى عليها غيرهم من الدول الحائزين لتصرف الامتياز. الحادى عشر: إذا تحرر الوفق التجارى فإنه لا ينتقض مبرم الشروط المذكورة. ¬

_ = لأن "محالنا محالها ومحالها محالنا" فحينئذ وجه النائب المذكور كتابا بذلك لسفير الإصبان هذه نسخته: "وبعد فقد أخبر المعينون من قبل سيدنا أعزه الله للبحث عن السنط كروز ادرماريكييا المتوجهون مع المعينين من قبل دولة إصبانيا الفخيمة أنهم بحثوا في تلك المحال وذكر المعينون من قبل إصبانيا أن أفنى هو اللائق لهم مع كونه ليس هو بالسنط كروز حقيقة والسنط كروز المحققة هى كويدر الرحيلة من غير شك ولا احتمال، وأما أفنى فليس هو السنط كروز من غير شك ولا احتمال كما كان قرره السيد عبد السلام السويسى، حيث كان توجه سفيرا لدولة إصبانيا في شأن ذلك ولم تقع معارضة فيه لكن من حيث مراد حضرة السلطان مولاى الحسن إظهار شهيته في حفظ المخالطة الحسنة الحبية وازديادها مع حضرة السلطان سنن الفنس فلا يقع تردد في تحقيق السنط كروز ويساعد أيده الله لأن يجعل في أفنى المحل لصيادة الحوت المذكور في الشرط الثامن من شروط الصلح على مقتضى ما هو مذكور في الفصل المذكور فلا شك عندنا أن دولة إصبانيا ستقدر هذا السلوك الحسن الحبى المصادر من الحضرة الشريفة لنحوها حق قدره والسلام في 18 حجة 1300". (¬1) في هامش المطبوع: "وقد بنيت بالفدان منها".

الثانى عشر: لا يمنع الإصبان من وسق الخشب من مراسى المغرب. الثالث عشر: تسريح الأسارى من الجانبين. الرابع عشر: القيام بأمر المهادنة. الخامس عشر: إصلاح الحدود من جهة إصبانية (¬1). السادس عشر: تعرض هذه الشروط على دول أوربا ليروا رأيهم فيها بالتسليم وعدمه وتنفذ بعد عشرين يوما من وقوعها. وذكر أن الذى وافق عليها وأمضاها من الجانبين السيد محمد الخطيب، والسيد محمد بن عبد الملك الجبلى المفوض إليهما في ذلك (ولويس غرشية) (وطماس لخليس بردجى) المفوض إليهما كذلك من دولتهما، إلا أن ترتيب المواد على هذه الكيفية وقع له فيه خلط وغلط حسبما ستفهمه من الإحالة على هذا الاتفاق في المعاهدات الآتية بعد. وبعد ذلك انعقدت المعاهدة التجارية المشار إليها بين الخليفة مولاى العباس والدون كلدرون عضو مجلس الشيوخ وأحد الوزراء السالفين بإصبانية، وهى تشتمل على أربعة وستين شرطا ونص عقدها بلفظه على ما فيه نقلا عن كناشة مولاى العباس: "بسم الله القادر على كل شئ إن جناب الأميرين العظيمين حضرة سلطان المغرب الشريف وحضرة سلطانة إصبانية الفخيمة أرادوا تسهيل مخالطة التجارة بين رعيتهما بغاية الاجتهاد على قدر احتياج الرعية المذكورة ومنافع بعضها ببعض، والملكين المعظمين المذكورين ظهر لهم موافقة ثابتة على ما يجب للقناصل الإصبنيول من الخصوصية في أحكامهم ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "وقد أصلح من جهة آنجرة حد سبتة وجانب البحر".

الشرط الأول

والاحترام والتبجيل المنعم لرعية إصبانية في إيالة المغرب، حسبما وفق بالفصل الثالث عشر والرابع عشر من شروط المهادنة الموثوق بتطوان يوم السادس والعشرين إبريل سنة ستين وثمانمائة وألف، وبالفصل الخامس من الشروط المقررة بمدريد يوم ثلاثين أكتوبر سنة التاريخ. فالمفوض من جانب الحضرة الشريفة سفيره المكلف بغاية تفويضه خليفة أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين مولاى العباس، والمفوض من جانب حضرة السلطانة الكتولكية دون سترنين كلدرون كليانتس وزير الأمور الداخلية وأمور التجارة والعلم والمنافع البلدية كان وأحد أعضاء مجلس مشيخ الملكة والمفتخر بالنواشن العظام من الأصناف السلطانية لكرلوص الثالث ولاليسبات الكتولكية ولللجيون ذى انور الفرنصارية ولليويلد البلجيكى وللحبر الأعظم بيو التاسع ولليس الهاس درمستادى ولدنبروك الدنماركى وللنجمة القطبية السويدية وللمقدس جنار ذو الاسقليتين وللكنثبثيون البليابسيوسية البرتقيسية وللقولفين الانبرية وغيرهما وأول وزير المملكة فهؤلاء شرفاء المقام بعد إظهار بعضهم لبعض أمر التفويض وقع بينهما الانفصال على وفق ما بالفصول الآتى ذكرها حوله: الشرط الأول: إن الصلح والمحبة تكون دائما مؤبدة بين حضرة سلطان مراكش وحضرة سلطانة إصبانية وبين رعيتهما. الشرط الثانى: إن جانب سلطانة إسبانية تقدر تعين قنصوا عام أو قونصوات آخرين أو خلفاء أو خليفة الخلفاء في إيالة الغرب كله، وهذه النواب المذكورين يقدروا يسكنوا في أى مرصة كانت أو مدينة من المدن الذى تختارها الدولة الصبنيولية أو تناسب أخيار خدمة السلطانة.

الشرط الثالث

الشرط الثالث: أن نائب المفوض الصبنيول أو نوابهم الذى يأتي بأمر سلطانته بكتابها لسلطان مراكش والقونصوا العام أو القونصوات الآخرين أو خلفائهم أو خلفاء خلفائهم الصبنيولين الذين يسكنون في ناحية الغرب، يكون لهم الاحترام وموقرين على قدر مرتبتهم هما وعيالهم وأصحابهم وخدامهم موقرين محترمين في الحماية، ولا يقدر أحد يصلهم بمكروه في أقل المسائل لا بالفعل ولا بالكلام، وإن خرج أحد على ما ذكرناه تلزمه العقوبة الشديدة ويتربى به غيره، والنائب المفوض وهو قونصوا العام يقدر يجعل الترجمان والخدم من المسلمين أو غيرهم ولا يلزم الترجمان عنه والخدام له شيئا من الجزية والغرامة ولا ما يشبه ذلك. وأما القونصوات الذين هم خلاف النائب المذكور المستقرين بالمراسى لهم أن يختاروا ترجمانا واحداً وبوابًا واحدًا واثنين متعلمين من المسلمين أو من غيرهم، ولا تلزمهم الجزية أو الغرامة أو ما يشبه ذلك، وإذا جعل النائب المذكور خليفة في خدمة قونصوات بمراسى سلطان مراكش من رعية السلطان يكون هو وعياله الساكنين بداره موقرين محترمين، ولا تلزمهم جزية ولا غرامة ولا ما يشبه ذلك، ولا يكون له أحدا تحت حمايته من رعيته هذه الإيالة الإعيالة فقط، ويأذن النائب المذكور للقونصوات المذكورين في اتخاذ موضعا لصلاتهم، وفى جعل السنجق لجنسهم في كل وقت بأعلى ديارهم الذى تكون بأيديهم داخل المدينة أو خارجها، وفى زورقهم إذا ارتحلوا في البحر. ولا يلزم النائب والقونصوات المذكورين صاكة على حوائجهم وأثاثهم ومسائلهم التي ترد عليهم لإيالة السلطان مراكش لأنفسهم ولأهل أقاربهم في الإيالة المذكورة وللنائب والقونصوات المذكورين حيث يصلوا حوائجهم وأثاثهم للمرسى يحتاجون أن يوجهوا إلى الأمين خط أيديهم بالتاريخ، يذكر فيه عدد ما

الشرط الرابع

يريدون جوازه من حوائجهم، وهذا الإنعام لا يكون إلا للقنصوات الذين لا يتجرون، وإذا دعتهم خدمة سلطانهم أو وجه آخر إلى خروجهم لا يمنعون من ذلك بوجه من الوجوه، ولا يثقفوا لاهُما ولا خُدّامهم ولا حوائجهم ولا أمتعتهم، بل هم على حريتهم في ذهابهم وإيابهم موقرين مكرومين، وللنائب والقونصوات المذكورين لهم ما يكون في المستقبل لنواب وقونصوات الأجناس من الزيادة في ذلك. الشرط الرابع: رعية حضرة سلطانة إصبانيا لهم أن يسافروا ويستقروا ويسكنوا حيث شاءوا بإيالة سلطان مراكش دون تعرض ولا منع من أحد نعم يتبعوا في ذلك قانون حاكم البلاد مثل رعية خاصة الأجناس. الشرط الخامس: إذا اشترى أحد من جنس الصبنيول دارا أو مخزنا أو أرضا بإيالة سلطان مراكش، وأذن له الولاة في ذلك يتصرف في ملكه كيف شاء بأنواع التصرفات ولا يمنع، وكذلك إذا اكترى أحدهم حانوتا أو دارا أو غيرهما إلى أجل فلا يخرج قبل تمام مدته بزيادة عليه أو بغير زيادة حتى يكمل أجله، وكذلك المسلمين من رعية سيدنا إذا اشتروا أو اكتروا بأرض إصبانية ورعية الصبنيول لا يغصبهم أحد ولا يقبض منهم ذعيرة ولا تلزمهم خدمة المخزن برا أو بحرا، ولا يطلبون منهم سلف كرها أو إعطاء شيئا دون خاطرهم وديارهم ومخازنهم. وجميع ما ملكوه وما قربهم للسكنى أو للتجارة، يكونوا موقرين. وعامل البلاد الذى يكون بها لا ينزل عندهم أحد ولا يسكنوه في ديارهم كرها، ولا بحث ولا تفتيش في ديار الصبنيول ولا في كنانشهم ولا في تجارتهم

الشرط السادس

ومكاتبهم وكواغطهم إلا بإذن القونصوا وبموافقته أو نوابه فقط، وعلى كل حال عهد سلطان مراكش بأن رعية الصبنيول المستقرين بإيالته ونواحيه لهم الحق والأمان على أنفسهم وأمتعتهم مثل ما يكون لرعية سلطان مراكش في حكم أرض سلطانة إصبانية، كما عهدت سلطانة إصبانية بأن رعية سلطان مراكش يكون له بإيالتها الحماية والإعانة مثل ما يكون لرعية خاصة الأجناس. الشرط السادس: رعية سلطانة إصبانية لا يقدر أحد يمنعهم من صلاتهم في ديارهم أو جوامعهم في شأن دينهم في أى موضع يكون بها، ويكون لهم في المحل الذى يكون به موضعا لمقابرهم ولا يتعرض لهم أحد من حكام رعية سلطان مراكش في ترتيب دفن موتاهم ذهابا وإيابا ومقابرهم يكونوا موقرين من جميع الرعية، وكذلك رعية سلطان مراكش القاطنين في إصبانية لا يمنعهم أحد من دينهم ولا من صلاتهم في ديارهم مثل ما صار الآن. الشرط السابع: أن رعية إصبانيا تقدر تجعل خديما أو شريكا وتبعثه أين ما أراد بقصد تجارته برا أو بحرا فلا يمنعهم أحد من هذا ولا يتعرض له أحد، وإذا أراد تاجر من رعية الصبنيول وأراد أن يذهب لمركب في مرسى من مراسى سلطان مراكش وكانت المركب خارجة المرسى، فله أن يطلع لها بنفسه أو بمن من أصحابه لا تلزمه غرامة على ذلك لا هو ولا أصحابه. الشرط الثامن: كل من هو من رعية سلطانة إصبانية أو من هو في حمايتها لا يلزم بأداء دين ترتب على غيره من أهل جنسه إلا ما كان ضامنا له من ذلك برسم أو بخط

الشرط التاسع

يد، وكذلك ما يكون من الديون لرعية سلطان مراكش القاطنين في إصبانية لا يلزمهم مثل ما ذكر. الشرط التاسع: إن كان أحد من رعية سلطانة إصبانيا بالغرب وصدر منه ظلم لأحد مثل السب والجراحات وهتك المروة او قتل أحد يرفع لقونصوا العام أو لخليفته أين ما كان هو يزجره، وله النظر فيه على مقتضى حكم بلاده أو يبعثه إلى إصبانية مقيدا. الشرط العاشر: أن أحدا من رعية إصبانية إذا وقع بينهما خصام فقونصوا العام أو خليفته هو يتصرف فيهم، ولا يتكلم في شأنهم أحد من ولاة سلطان مراكش لا قاضى ولا عامل ولا أحد من رعيته. الشرط الحادى عشر: فإن جميع الدعاوى والشكايات وجميع خصومات الشرع أو أسباب الخصام الذى يصدر بين رعية سلطان مراكش ورعية سلطانة إصبانية ففصالهم كما سيذكر فيما هو آت، وذلك إذا كان الشاكى من رعية سلطانة إصبانية والمشتكى به من رعية سلطان مراكش، فإن حاكم البلاد ونواحيها أو القاضى حسبما هو لائق بالدعوى، يكون له الحكم فيها فقط. وعليه فإن كان صاحب الدعوى من رعية سلطانة إصبانية يرفع شكواه للحاكم أو للقاضى لمن يكون له الأمر بواسطة صاحب قونصوا العام أو وكيله، ولهم الحضور في محل الحكم على الدعوى، ومثل ذلك إذا كان الشاكى من رعية سلطان مراكش والمشتكى به من رعية سلطانة إصبانية يرفع قال الحكم والفصال

الشرط الثانى عشر

لقونصوا العام أو لخليفته أو نائبه فقط، بواسطة صاحب العامل أو القاضى من رعية المغرب، فإن لم يرضون بحكم الحاكم والقاضى والقونصو والخليفة فالحكم الواقع عليهم يرفع أمرهم لنائب السلطانة أو نائب سلطان الغرب. الشرط الثانى عشر: إذا أحد من رعية الصبنيول طلب أحد من رعية سلطان مراكش لدى ولاة إيالته على دين ترتب عليه من أحكام سلطانة إصبانية، فإنه ينبغى يستظهر بحجة كتابة بالعجمى أو بالعربى، ونزل عليها صاحب دعواه خط يده أمام القونصوا أو خليفته أو نائبه المتولى من جانب سلطان مراكش، وشهد عليه بذلك القونصوا المذكور، أو لدى شهيدين من أى جنس كانوا ومعرفا بالقونصوا المذكور أو نائبه في الحين أو بعد الحين، أو بشهادة عدل من إصبانية حيث تكون المعاملة بأرض لم يكن بها قونصوا ولا خليفة من سلطان مراكش. وهذه الحجة المذكورة حيث يكون شاهدا عليها القونصوا أو نائبه أو العدل على خط يد عامر ذمته كما ذكر، فإنها تكون جارية مقبولة لدى الولاة المدعى عندهم، وإذا أحد المديانين من رعية مراكش فر وهرب لبلد من إيالة مراكش وليس بها قونصوا من إصبانية ولا خليفته فإن دولة الغرب تبحث عليه وتوجهه لطنجة، وإلا لمرسة أخرى غصبا عليه باقتضاء نظر الدعوى لأى مرسة شاء، وفيها يصفى أمره على يد عامل البلد، وكذلك إذا جر أحد من رعية إصبانية بدين لأحد من رعية سلطان مراكش وتوجه إلى إصبانية فيجب على قونصوا العام أن يبحث عليه ويقبض منه الدين ويدفعه لصاحبه.

الشرط الثالث عشر

الشرط الثالث عشر: إذا قونصوا الصبنيول العام أو خلفائه احتاجوا من دولة الغرب إعانة لهم في القبض أو الحمل لأحد من رعية إصبانية، فإن الولاة يعينهم بالمخازنية والعسة والفلائك بسلاحهم لذلك وتكون سخرتهم مثل ما يعطون رعية سلطان مراكش. الشرط السادس عشر: إن كل دعوة كبيرة أو خصومة أو أسباب الشكايات التي تصدر بين رعية الصبنيول أو رعية الأجناس، لا يدخل ولا يبحث في دعواهم قواد ولا قضاة ولا غيرهم من ولاة مراكش، نعم إذا ظلم أحد من رعية مراكش في ذلك الدعوى في نفسه أو في متاعه فلهم الدخول حينئذ ويكون حاضرا أحدا من ولاة المسلمين أو من ينوب عنه قال الحكم بموضع القونصوا، وجميع هذه الدعاوى يكون الفصل فيها لدى القونصوات في محل خدمتهم فقط دون دخول ولاة مراكش في ذلك، ويكون الفصال والحكم علىْ مقتضى القوانين المعلومين أو بما يقتضيه نظر القنصوات المذكورين. الشرط السابع عشر: وقع الفصال وانعقد بين الجانبين العظيمين بأن لا يقبلوا في خدمتهم ولا يستقر بإيالتهم أحد من رعية الجانبين الذى كان في خدمة جنسه وفر منها، سواء كانت خدمته بالبر أو البحر عسكرا أو بحرية أو خدام بالكراكه وفر منها لما يهرب أحد من هؤلاء من إصبانية للغرب يقبض عليه عامل البلاد ويدفعه ليد قنصوا العام، أو القنصو يتصرف فيه بما عنده من الدولة الصبنيولية، وإذا دفع عامل البلاد شيئا على الفارين المذكورين لأعوانه أو ما صرفه عليهم في أكلهم فإن القنصو يدفع له ذلك نعم إذ قدم أحد من هؤلاء المذكورين وأراد الدخول في الإسلام فإن عامل

الشرط الثامن عشر

البلاد لا يقبله منه بهذا وقع الفصال وانعقد بين الجانبين، فإذا سمعوه رعية الصبنيول أن الشرط بين الدولتين أن لا يقبل أحد منهم ولا يتركوه يدخل في الإسلام يكفوا عن الهروب والخروج من أوطانهم. الشرط الثامن عشر: إذا ورد مركب الصبنيول لمرسى من مراسى المغرب وفر منها بحرى من إيالة الصبنيول وبحث عليه قنصو العام أو خليفته فعامل ذلك الثغر يعينه على قبضه إلى أن يمكنه له، ولا يحيى ولا يعينه أحد وكذلك، مركبا من الغرب إذا قدمت لبر إصبانية وفر منها بحرى مسلما وبحث عليه رايس المركب أو القنصوا إن كان للمسلمين هناك يعينه عامل البلاد حتى يقبضه ويمكنه للرايس أو القنصو، ولا يحيى ولا يعينه أحد. وكذلك وقع الفصال بين الجانبين الدولتين أن بحرى من رعية الصبنيول كان يخدم في مركب من مراكب الغرب وقدم لمرسى من مراسى الصبنيول وفر بنفسه، فإذا طلبه قنصو الغرب أو خليفته فعامل البلاد يعينه ولا يمكنه له ويذهب حيث شاء، وكذلك بحرى من رعية المسلمين إذا كان خدام في مركب من مراكب الصبنيول وقدم لمرسى من مراسى المغرب وفر بنفسه فإذا طلبه قنصو الصبنيول أو خليفته فعامل البلاد يحميه ولا يمكنه منه ويذهب حيث شاء، ومثلهم الوصيف المغربى إذا ذر لبر إصبانية يمنع نفسه. الشرط التاسع عشر: رعية سلطانة إصبانية كائنا من كان إذا كانوا في إيالة سلطان مراكش في وقت الصلح أو في وقت الحرب، فلهم الحرية الكاملة في ذهابهم لبلادهم أو لبلدة أخرى، وفى ركوبهم في أى مركب من مراكب الصبنيول، أو مراكب الأجناس،

الشرط العشرون

ولهم أيضا التصرف كيف شاءوا في سلعهم وأموالهم وغير ذلك من أنواع التصرفات، ولهم أن يصبحوا معهم جميع المسائل المذكورة ويحملون معهم عيالهم وخدامهم. وإن كانت نشأتهم وتربيتهم في بر المغرب أو في موضع خارج عن إيالة إصبانية من غير أن لا يتعرض لهم أحد بمنع وتثقيف، لكن بشرط أن لا يخرج من المحل الذى يكون فيه حتى يعلم القنصو أو خليفته بسفره، ليختبر القنصو أمره هل بذمته دين أو مخالطة مع أحد يلزمه الجلوس بالمحل الذى كان به إلى أن يصفى أمره ويذهب حيث شاء، والقنصوات والخلائف لا يؤدوا شيئا على أحد من رعية الصبنيول إلا إذا كان بخط يد القنصو أو الخليفة، ومثل ما ذكرناه في هذا الفصل كله يكون لرعية سلطان مراكش القاطنين بحكم إصبانية. الشرط العشرون: جميع رعية سلطان مراكش إن أراد أحد منهم يسافر لبر إصبانية لا بد لقنصو العام أو الخلفاء يجعلوا له البسبرط ليقبلوه في إصبانية، وإذا ذهب من غير بسبرط لا يقبلوه أصلا ولا يلزمهم شيئا على البسبرط. الشرط الحادى والعشرون: إذا وقع نقض لهذا الصلح والمحبة التي بين الجانبين وجاء من ذلك حرب، فجميع إيالة إصبانية ورعيتها ومن في حمايتها ممن هو داخل إيالة سلطان مراكش في أى مرتبة كان يكون لهم الذهاب لأى ناحية ارتضوها من الدنيا، ولهم حمل أمتعتهم وعيالهم وخدامهم، سواء خلقوا بإيالة سلطانة إصبانية أم لا، ولهم الركوب في أى مركب أرادوا من مراكب الأجناس، ويكون لهم الأجل في ذلك ستة أشهر لمن طلبه لصلاح أمورهم، وبيع سلعتهم، أو يفعلوا بها ما شاءوا في

الشرط الثانى والعشرون

خاطرهم، ولهم في خلل تلك المدة الحرية الكاملة والأمان التام على أنفسهم وأموالهم من غير أن يتعرض لهم بمكروه أو منع بسبب ما ذكر من الحرب أو غيره، وللولاة إعانتهم ومساعدتهم في صلاح أحوالهم والوقوف معهم في قبض ديونهم من غير مماطلة ولا مكافحة ولا مهلة في شئ من ذلك. ومثل ذلك كله لرعية سلطان مراكش في جميع حكم سلطانة إصبانية، وإذا وقع الحرب بين الدولتين وقبض أحد في مدة الحرب أو العسكر أو البحرية ويتخذوهم أسارى فيكون لهم التوقير من الجانبين، ويرد بعضهما لبعض من غير اختيار، سواء كان كبيرا أو صغيرا، وهذا الرد الذى يكون بين الجانبين في رد الأسارى يكون فورا، وهذا الرد المذكور يكون قبل السنة طال الحرب أو انقطع من يوم قبضهم، ومن رد أسيره يقبض خط يد الدولة به إلى أن يقع بين الدولتين الاعتدال، ولا يقع فيهم بيع ولا شراء من الجانبين. وأما الكهال والنساء والصبيان لا يعدون من الأسارى بمجرد قبضهم يعتقوهم من حينهم، ويجعلوهم في مراكب ليس لنا ولا لهم مثل الأرض المحرومة، ويذهب كل واحد إلى أرضه، وجميع ما صرف على هذه المعتوقين تؤديه دولتهم عنهم، وكذلك واعدت سلطانة إصبانيا أنها وافقت على الشرط المذكور، وبهذا وقع الفصال بين السلاطين وعقد كلامهم عليه، وإذا انقطع الحرب وبقى الزائد من الأسارى عند أحد من الدولتين من عنده خط يد بأسير يرده من غير نزاع ولا مطالبة، وبهذا انقطع الكلام. الشرط الثانى والعشرون: إذا مات أحد من رعية سلطانة إصبانية في إيالة سلطان مراكش فجميع أموالهم وأمتعتهم لا يتصرف فيها أحد من قبل عامل البلاد المتوفى بها على أى وجه كان، ولا يثقف عليه، ولا يبحث في أموره، بل جميع أموال الميت وما كان

الشرط الثالث والعشرون

تحت يده وفى حوزه من الأمتعة يحوزه ويأخذه وصيه الذى سماه في وصيته واختاره لذلك كورثته إن كانوا حاضرين، فإن كان الواصى أو الورثة غير حاضرين، فإن قنصوا العام أو خليفته هما يأخذوا ذلك جميعا بعد أن يحصيه في رقام مبين فيه كل مسألة بعينها، ويجعل ذلك في حوزه حتى يدفعه لورثته أو لأقاربه، وإذا ترك الميت دينا على أناس من رعية المغرب، فإن عامل البلاد أو غيره ممن له التصرف في تلك البلاد يقوم المديانين أن يدفعوا الدَّين الذى عليهم للقنصو أو نائبه، وكذلك إذا كان على الميت دين لأحد من رعية المغرب، فالقنصو أو نائبه يقف له على متاعه حتى يقبضه. وإذا مات أحد من رعية المغرب في حكم إصبانية فالعامل أو خليفته في البلاد الذى توفى بها هو يقوم بأمره ويحفظ جميع متروكه، ويخبر به قنصو العام الذى بالمغرب، ويوجه له نسخة من متروكه والقنصو يخبر ورثته بوفاته ومتروكه إلى أن يتوصل كل وارث بواجبه من غير أن يضيع لهم شئ. الشرط الثالث والعشرون: أن مراكب الدولتين يقدرون يرسون في أى مرسة شاءوا من مراسى إصبانية أو مراسى المغرب، ولا يتعرض لهم أحد من الجانبين، وأما مراكب بزرقان من الجانبين لهم لما يريدون السفر يحملون معهم كواغيط العادة من عمالهم ويقدر يرسى في المراسى المذكورين قدر ما يحتاجوا في أمور تجارتهم. الشرط الرابع والعشرون: أن جميع مراكب المغرب الحاملين السلعة من مراسى المغرب إلى مراسى إصبانية لازم عليهم يقيد الرايس جميع ما وسق في مركبه من المرسى المذاهب منها في قائمة، وينزل عليها خط يده، والقنصو يجعلها في غشاء ويختم عليها باثنين

الشرط الخامس والعشرون

طوابع، وينزل عليها شكله ويدفعها للرايس ليقابل بها أمين المرسة المذاهب لها، ويقبض من القنصو أو الخليفة البطينطة ليسافر بها. الشرط الخامس والعشرون: اتفق سلطان مراكش وسلطانة إصبانيا أن رياس القوارب من أهل الريف لا يقدرون يسافرون في البحر حتى يذهب لثغر من ثغور الصبنيول الذين هم في ساحل البحر الصغير، ويقبضون منه البسبرط، لراذا كان قارب من أهل الريف خارجا عن بلاده في مرسى أخرى فإذا كان قنصو الصبنيول في تلك المرسة يأخذ منه البسبرط ويسافر، وإذا ما كان بها قنصو يذهب للمرسى التي بها القنصو القريبة إليه ويقبض منها البسبرط ويسافر لبلاده، وهذا كله إذا ظهر في ثغر من الثغور المذكورين لا يتعدى عليه أحد وبهذا ينقطع عنهم الفساد والبسبرط الذى يقبضوا من العمال أو من القنصوات أو الخلفاء لا يدفعوا شيئا عليه. الشرط السادس والعشرون: جانب سلطانة إصبانية وسلطان مراكش اتفقوا أن يصرفوا جهدهم في البحث في جميع الطرقات على قطع الزمنطوط، وخص بهذا سلطان الغرب ذكر أنه يبالغ جهده في البحث عن هؤلاء المذكورين المشتغلين بالفساد برا أو بحرا، ولما يقبض عليهم يؤدبهم ويزجرهم على قدر فعلهم ويكون إعانة لسلطانة إصبانيا عليهم. الشرط السابع والعشرون: لقدر دوام محبة الدولتين اتفقوا على أن من ركب من رعية سلطانة إصبانية في مركب لجنس آخر هو في الحرب مع سلطان مراكش وقبضها قرصان المسلمين، فما وجد في تلك المراكب المغنومة من رعية الصبنيول وأمتعتهم ودخل بها لمرسة

الشرط الثامن والعشرون

من مراسى الغرب، فبوصوله يقدم عند قنصو العام أو خليفته ويدفع له ما وجد في ذلك المركب المذكورة، وإذا كانت فيها بضاعة من غير صاحبها كل ذلك يدفعه للقنصو، وإذا وافقته الطريق على بر إصبانية ينزلهم في أى مرسة كانت قربه ويدفعهم لعامل ذلك المرسة. وإذا لم يساعده الحال لا يذهب إلى المغرب ولا إلى إصبانية ينظر مرسة من مراسى الصلح الذى يجدها في طريقه أمامه وينزلهم بها هما وبضاعتهم وأمتعتهم على وجه الأمان والحفظ. ومثل ذلك تفعل سلطانة إصبانية برعية الغرب هما وأمتعتهم وبضاعتهم على خط السواء، كذلك إن وجد أحد في مركب الصبنيول من الجنس الذى نحن معه في الحرب يوفره من جانب الذى هو تحت السنجق متاعهم، ونحن في الصلح لكن إن كان بيده البسبرط صحيح وسلعته كذلك ليس عنده السلعة الممنوعة في وقت الحرب. الشرط الثامن والعشرون: إذا مركبا من مراكب الصبنيول عنده بطينطة صحيحة وغنم مركبا وامتنع بها إلى مرسة من إيالة سلطان مراكش فلهم أن يبيعوا ذلك المركب المغنوم والسلعة المغنومة من غير أن يمنعهم أحد من ذلك، ولهم أن يذهبوا بغنيمتهم ويخرجوا بها إلى حيث شاءوا. الشرط التاسع والعشرون: وإن كانت مركبا قرصان أو بزرقان للجانبين في ثغر من ثغور إصبانية أو ثغور المغرب المحصنين وقدم لها مركبا هو معها حينه في الحرب، فإن الثغر الذى هو فيه يحميه بمدافعه ويمنع مراكب العدو من الخروج من ذلك الثغر عن المحاربة حتى تخرج المركب أو القرصان من ذلك ويبقى امرسى بعده أربع وعشرين ساعة، وبعدها يخرج إلى ما شاء.

الشرط الثلاثون

وكذلك الجانبين اشترطا إذا كانت مركبا امرسيه بساحل إصبانية أو سواحل المغرب، وكان ذلك الساحل قصير ولا تقدر تدخل للمرسة وأراد يغنمها قرصان العدو من أحد الجانبين داخل الثلاثة أميال أو قرب الشط، فإن جنس ذلك المركب المغنومة يطلبها لجنس ذلك الساحل، لأن المركب كانت تحت رمايته. وإذا قدم العدو لمرسى من مراسى إصبانية أو المغرب وصحب في يده مركبا قبضها في وسط البحر قرصان وأراد بيعها في تلك المرسة فلا يبيعها، ولا يبيع ما فيها المركب الذى كانت مرسية في قرب الشط المذكورة وكتمت ودخل بها لمرسة من مراسى الجانبين وثبت أنه أخذها، وهى مرسية يمنع منها ولا يتصرف لا فيها ولا فيما هو بداخلها. الشرط الثلاثون: إذا مركب الصبنيول قرصان أو بزرقان رست بمرسى من مراسى سلطان مراكش أو بساحل إيالته واحتاجت إلى المئونة ما يكفيها لبحريتها فقط بالسعر المعلوم لا يزاد عليه في ثمنها، ولا تلزمه صاكة عليها، وإذا لم يقدر يخرج من المرسة يأخذ ما يكفيه في مدة إقامته بها من المكولات والمشروبات مثل ما ذكر إلى أن يسافر. الشرط الحادى والثلاثون: مراكب الجانبين قرصان أو بزرقان لما يكونوا في جو البحر وتلاقوا بينهما واحتاجوا إلى الأكل والشرب أو حاجة أخرى لإقامة سفرهم وهى عنده فلا يمنعه منها بثمنها المعلوم.

الشرط الثانى والثلاثون

الشرط الثانى والثلاثون: المراكب المكتريين على أمر الدولة الصبنيولية لحمل المكاتب المخزنية أو غيرها تكون موقرة محترمة مثل القرصان إذا لم يصحبوا معهم السلعة بقصد التجارة ذهابا وإيابا من مراسى المغرب، وإذا صحبوا معهم السلعة يلزمهم ما يلزم البزرقان. الشرط الثالث والثلاثون: إذا مركبا من مراكب الصبنيول توجهت لساحل من سواحل المغرب ولا أرادت تدخل المرسة ولا تبيع وسقها، فلا يلزم عليه أحد أن يبحث فيه ولا يفتشه بوجه من الوجوه، لكن تقع عليه العسة بإذن أمين القمرق، ما دام رامى مخطافه لئلا يقع منه الكنطربانض. الشرط الرابع والثلاثون: إذا مركبا من مراكب سلطانة إصبانية قدمت لمرسة من مراسى المغرب وهى موسوقة، فإن أرادت تنزل البعض من الوسق المعين لتلك المرسى لا يلزمها القمرق إلا على الذى أنزلته بتلك المرسى، وأما ما بقى فيها لا يطالب فيه القمرق وتذهب به لأى مرسة شاءت ببقية الوسق الذى بها ورايس المركب لازم عليه يدفع لنواب أمين القمرق قائمة الوسق الذى في مركبه عند وصوله للمرسى من مراسى مراكش، فبمطالعته يقع البحث في المركب في الدخول والخروج والعساس يكون بها من أجل الكنطربانض. وكذلك مراكب إيالة مراكش لما يذهبوا لمراسى إصبانية يكون لهم مثل ما ذكرنا على خط السواء، ورياس مراكب الصبنيول لما يريدون السفر من مرسى من مراسى المغرب يأخذ من القنصو أو الخليفة الشهادة بالوسق الذى عنده في مركبه ليظهر ما عنده، فإذا رسى بمرسى أخرى من مراسى المغرب وذكر له نائب المرسى

الشرط الخامس والثلاثون

أن يطالعه على الشهادة الذى بيده لئلا يكون عنده الكنطربانض فيطالعه عليها الرايس، وهذا كله في انقطاع الشك من أجل الكنطربانض. الشرط الخامس والثلاثون: لا يلزم رياس مراكب سلطانة إصبانية في مراسى المغرب، ولا يلزم رياس مراكب سلطان مراكش في مراسى إصبانية أن يحمل أحدا من الناس ولا من السلعة كائنا من كان بوجه من الوجوه إلا بخاطره، وكذلك لا يلزمه أن يسافر إلى بلد لا يريد السفر إليها ولا يثقف مركبه بوجه من الوجوه. الشرط السادس والثلاثون: إذا اكترى أحد من رعية سلطان مراكش مركبا من مراكب رعية الصبنيول، على أن يحمل فيه سلعة أو أناسا من بلد إلى بلاد أخرى من إيالة المغرب، وهاج عليها الريح والبحر ذلك المركب في حال سفره ودخل إلى مرسى، فإنه لا يلزم رايس المركب إعطاء واجب مخطاف ولا صاكة ولا غير ذلك بسبب دخوله لتلك المرسى ما لم ينزل شيئا أو يحمله، فإذا نزل شيئا أو حمله يلزمه ما يلزم مراكب الوسق. الشرط السابع والثلاثون: مراكب رعية سلطانة إصبانية التي وقع بها مضرة في البحر ودخلت لمرسى من مراسى سلطان مراكش بقصد الإصلاح، فإنهم يقبلوها ويعينها بكل ما تتوقف عليه من الآلات في مدة مقامها بتلك المرسة، وسفرهم للبلاد التي قصدوها إن كانت الآلات موجودة في تلك المحل، ويشترونها أهل المركب لأنفسهم كما يشتريها غيرهم، ولا يثقفون ولا يمنعون من سفرهم بوجه من الوجوه.

الشرط الثامن والثلاثون

الشرط الثامن والثلاثون: إذا مركبا من مراكب الصبنيول قرصان أو بزرقان حرث أو تكسر في ناحية من نواحى إيالة سلطان مراكش فله الاحترام والإعانة فيما يحتاج إليه بما يوافق المحبة، وهذا المركب كله بجميع ما فيه يكون في الأمن والحفظ إلى أن يرجع لأربابه أو القنصو أو خليفته أو نائبه حتى لا يتبدد ولا يضيع شيئا منه والسلعة المغروقة إذا طلعها صاحبها للبر وأراد بيعها هناك أو في ناحية مراكش فله ذلك، ولا يتعرض له أحد بمكروه ولا يدفع على ذلك لا قمرق ولا غيره، وكذلك إن أراد وسق سلعته لبلاد أخرى فله ذلك، ولا يلزمه شئ، ورايس المركب وبحريته يذهبون حيث شاءوا ولا يمنعهم أحد في أى وقت أرادوا. ومراكب المغرب قرصان أو بزرقان لما يحرث لهم شئ في ناحية من نواحى إصبانية يكون لهم مثل ما ذكرناه على مراكب الصبنيول، وإذا غرقت أو انكسرت مركبا أو قرصان من إيالة الصبنيول في ناحية من نواحى وادنون، فإن سلطان مراكش يبالغ جهده في منع رائسه وبحريته، ويكون لهم الاحترام إلى أن يذهبوا إلى بلادهم، وللقنصو والخليفة بموافقة سلطان مراكش يبحثون على من حدث له ذلك من رياس أو بحرية، ويكون له معينا إلى أن يمنعوا، وكذلك عمال مراكش وخلفائهم يكونوا أيضا معينين في البحث لقدر المحبة. الشرط التاسع والثلاثون: أن مراكب الصبنيول بزرقان لما ترسى في مرسى من مراسى المغرب يلزمهم على المخطاف من عشرين بليون إلى ثمانين من البليون، لكل واحد على قدر كل مركب حسبما نذكره أسفله فيما يدفعه الرايس على مركبه من طنلدات واحدة إلى خمسين يدفع عشرين من البليون، ومن الخمسين إلى مائة يدفع أربعين من

الشرط الأربعون

البليون، ومن مائة إلى مائة وخمسين يدفع ستين بليون، ومن مائة وخمسين إلى أعلاها يدفع ثمانين بليون. الشرط الأربعون: أن مراكب الصبنيول لما يقدمون لمراسى مراكب المغرب لا يطالبون بأكثر ما يدفعونه للبلوط أو لقائد المرسى مراكب المغرب أو رعية خاصة الأجناس، ولا يقدر يزاد شيئا على هذا القانون الذى سنذكره، وإن زاد جنس آخر على ما نذكره فلا علينا فيه، إن قدمت مركبا من رعية الصبنيول لثغر الرباط والعرائش لابد لعامل الثغر يبعث البلوط للمركب ليدخلها للمرسى، ولما يرسى لازم على الرايس أن يدفع للبلوط أجرته على كل طنلادة ثمانين جزءا من البليون والبليون من مائة جزء ومثله في الخروج. وإذا ظهر في مرسى أخرى من مراسى المغرب وأراد يدخله البلوط فليخرج إليه، ولما يدخله يقبض منه أربعين جزءا من البليون، ومثله في الخروج ورايس المرسى يقبض على كل مركب صغيرة أو كبيرة ثمانية بليون لا غير في مرسى رسى فيها من مراسى المغرب. الشرط الحادى والأربعون: مراكب الصبنيول لما يدخلون لمرسى من مراسى المغرب من كثرة الريح وهيجان البحر لا يلزمهم شئ لا مخطاف ولا غيره إن لم يبيعوا ولم يشتروا في الدخول ولا في الخروج، وفى شأن ما يلزم البلوط العمل فيه على ما في الفصل الذى قبله، وأما فلانك الحواتة لا يلزمهم شئ مما ذكرناه. الشرط الثانى والأربعون: قراصين الصبنيول وقراصين المغرب إذا دخلوا لأى مرسى شاءوا من نواحى

الشرط الثالث والأربعون

الجانبين، فلا يلزمهم شئ لا مخطاف ولا قائد المرسى ولا غيره، وجميع ما يطلبونه من الأكل والشرب والحطب والبياض والفريشك وما يحتاجوه لمئونتهم لا يلزمهم شئ على ذلك. الشرط الثالث والأربعون: أن من الممارسة ثبت أن قلة الضوء في أشقار كيقع من ذلك ضرر كثير للمراكب المسافرين في البحر وكذلك في البيع والشراء من أجل الخسارة التي تقع للتجار حين ترد المركب ولا تجد ضوءا يحدث لها تكسير أو غيره، فينبغى لسلطان مراكش أن يكف هذا الضرر الذى كيحدث للمراكب وأمتعة الناس، أن يجعل على أشقار منارا للضوء يشعله كل ليلة على الدوام والاستمرار. الشرط الرابع والأربعون: تكون التجارة جارية مستوية في أرض المغرب وأرض إصبانية وتجار إصبانية لما يريدوا يبيعوا ويشتروا في أرض من أرض المغرب الذين يدخلون لها ويخرجون من أجناس آخرين، فلهم أن يبيعوا ويشتروا في السلعة التي ليس هى ممنوعة على الرعية سواء بالقليل أو بالكثير لمن شاءوا بما شاءوا، ولا يقع لهم ضرر في أمتعتهم من أجل الكنطردات يميز سلطان المغرب أحد على غيره، وكذلك رعية الصبنيول تكون لهم المنفعة والتخصيص في تجارتهم مثل خاصة الأجناس فيما يأتى. ورعية المغرب في أرض إصبانية تكون لهم مثل ما يكون لخاصة الأجناس مثل التجارة والمنفعة والتخصيص والاحترام. الشرط الخامس والأربعون: أن رعية سلطان مراكش لهم الحرية في المخالطة مع بعضهم بعضا في ثغر سبتة وثغر المليلية ونواحيهم، ولهم أن يبيعوا ويشتروا في أقل المسائل من الأقوات والملبوس والأمور الغريبة الذى ليس فيها منع في الدخول ولا في الخروج من

الشرط السادس والأربعون

سلطان مراكش، وولاة المغرب وولاة إصبانية الذين في سبتة وامليلية لهم أن يحموا رعية الجانبين في أمورهم. الشرط السادس والأربعون: لا يلزم زيادة على القمرق المعلوم المذكور في الفصل الخمسون اشتروا ذلك لأنفسهم أو نوابهم من رعية الصبنيول بقصد الوسق، لكن السلعة المذكورة وغيرها المنتشئة في المغرب يخرجوها ويوسقوها من أى مرسى شاءوا من مراسى المغرب ويذهبوا بها لأى مرسى شاءوا من مراسى المغرب، باع أو لم يبع لا يلزمه قمرق آخر ولا غيره قليلا ولا كثيرا. لكن يجب على صاحب السلعة أن يقبض كتابا من أمناء المرسى الذى وسق منها إلى أمناء المرسى الذى أراد الوضع بها يخبروهم أن تلك السلعة تخلصوا فيما وجب عليها من القمرق، وحينئذ لا يلزمه قمرق آخر. وجميع ما يشترونه من داخل الغرب من المدن أو من أسواق البادية وأراد بذلك يذهب لمراسى المغرب، فلا يتعرض له أحد من خدام العامل أو من الرعية وقبضوا منه شيئا قليلا أو كثيرا على أى وجه كان في شأن السلعة المذكورة، يؤدب وتلزمه العقوبة الشديدة، وتلزمه الخسارة الواقعة لرب السلعة من أجل المماطلة. الشرط السابع والأربعون: تجار رعية إصبانية القاطنين بالمغرب لهم الاشتغال بأنفسهم في أمورهم أو يعينوا لمن شاءوا بالنيابة والتوكيل في أمورهم، وأن يختاروا من شاءوا لأنفسهم، ولا يلزمهم أداء شئ لأحد إن حتم عليهم لخدمتهم. نعم إن كان أحد خديما من رعية المغرب هو تحت حكم عامله يتصرف فيه كيف شاء على قدر جريمته، والبائع والشارى لا يتعرض لهم أحد في مخالطتهم،

الشرط الثامن والأربعون

ولا مدخل للولاة في أمور تجارتهم، وإذا تعرض لهم قائدا أو خديما في قدر الثمن من أمور البيع والشراء بين الرعيتين أو يمنعهم من البيع والشراء في الداخل والخارج، فإن سلطان المغرب يزجر خديمه عن فعله على قدر جريمته إن كانت تجارتهم على وجه الحلال. الشرط الثامن والأربعون: وإذا حدث لسلطان مراكش أن يمنع وسق القوت أو القطانى أو نوع من أنواع السلع الخارجة من المغرب، فإن رعية الصبنيول يحملوا ويوسقوا ما هو بمخازنهم أو بمخزن لأحد من رعية المغرب، أو مشتريا على أيديهم قبل ظهور المنع، ويستمروا على عملهم في الحمل والوسق، ولا يقع لهم ضرر ولا خسارة في جميع تجارتهم ومثل هذا يكون لرعية سلطان مراكش في إيالة إصبانية. الشرط التاسع والأربعون: السلعة وجميع أمور التجارة الواردة على يد رعية الصبنيول من أى موضع كانت يدخلون بها لمراسى المغرب، ولا يمنعهم أحد من ذلك إلا ما هو ممنوع دخوله من جانب سلطان مراكش، والقمرق يلزمهم ما يلزم رعية المغرب ورعية أجناس آخرين لا غير من أول تاريخ هذه الشرطات، وجميع أنواع سلعة المغرب يحملوها ويوسقوها رعية الصبنيول من أى مرسى شاءوا من مراسى المغرب، ولا يلزمهم فيها أكثر مما يلزم في ذلك رعية المغرب أو رعية الأجناس دون تخصيص، ولا تمييز لأحد على الآخر. الشرط الخمسون: ولمقتضى النفع والرفق الأحق لأنواع السلع الموسوقات من إيالة سلطان مراكش في أعشارها حالة دخولها لإيالة سلطانة إصبانية، وكون المراد هو تقوية

التجارة بين الإيالتين سلطان مراكش وسلطانة إصبانية واستواء النفع بين الجانبين، اقتضى نظر سلطان مراكش أن أعشار السلعة الداخلة لمراسى إيالته على يد رعيتة الصبنيول لا يؤدوا عليها أكثر من عشرة في المائة على تقويمها بالمال بالسعر الواقع بمراسى نزولها، كما أن السلعة الخارجة من إيالة سلطان مراكش على يد رعية إصبانية لا يؤدوا في صاكتها أكثر مما هو مسطر في الزمام الآتى: . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . دراهم. . . . . . . . ريال القمح لكل فنيقة ممسوحة. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 1 الزقور والذرى لكل فنيقة مقببة. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 2/ 1 الشعير لكل فنيقة ممسوحة. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 2/ 1 جميع حبوب أخرى لكل فنيقة مقببة. . . . . . . . . . . . . . . . . 2/ 1 الدقيق لكل قنطار. . .. . . . . . . . . . . 30 الزوان أيضا. . . . . . . . . . . . . . . . . . 12 الثمر أيضا. . . . . . . . . . . . . . . . . . 40 اللوز أيضا. . . . . . . . . . . . . . . . . . 35 اللشين والليمون إلى الألف. . . . . . . . . . 12 الزعتر لكل قنطار. . . . . . . . . . . . . . . 10 الكمون أيضا. . . . . . . . . . . . . . . . . 20 الزيت أيضا. . . . . . . . . . . . . . . . . . 50 العلك أيضا. . . . . . . . . . . . . . . . . . 50

الحنة أيضا. . . . . 15 الشمع أيضا. . . . . 120 الروز للقنطار. . . . . 16 الصوف المصبنة أيضا. . . . . 80 البطانة الودحة أيضا. . . . . 55 البطانة والعنزى أيضا. . . . . 36 الفلالى والغشنى والزوانى أيضا. . . . . 100 الأنصاب الى الألف. . . . . 20 الشحمة للقنطار. . . . . 50 البغال للواحد. . . . . 25 الحمير للواحد. . . . . 5 الغنم للواحد. . . . . 1 المعز للواحد. . . . . 15 الدجاج لكل زينة. . . . . 22 البيض لكل ألف. . . . . 51 البلغة لكل مائة. . . . . 70 شوك الضربان إلى الألف. . . . . 5 الغسول للقنطار. . . . . 15 ريش النعام للرطل. . . . . 36

الشرط الحادى والخمسون

القفف للمائة. . . . . 30 الكروية للقنطار. . . . . 20 الشعر أيضا. . . . . 30 الزبيب أيضا. . . . . 20 المشاطى للمائة. . . . . 5 الحرازى للمائة. . . . . 100 تكوت للقنطار. . . . . 20 الهياضر للقنطار. . . . . 36 القنب أيضا. . . . . . 40 وسلطان مراكش له النظر في منع جميع الموسوقات الخارجة، فإذا منع واحدة من الموسوقات وبعد ذلك أراد تسريحها تكون صاكتها مثل ما كانت، ولا يقع فيها زيادة ولا نقصان، وأما القمح والشعير إذا اقتضى نظره منع وسقهما وأراد بيع ما في مخازنه للتجار مثل ما كيجعلوه كافة الأجناس فله ذلك، وإن اقتضى نظره الرفق والتخفيف في الصاكة، ولا يميز عليهم أحد من رعية الأجناس ورعية المغرب لما يريدوا يخلصون القمرق على الداخل والخارج من سلعتهم بأرض إصبانية يخلصون مثل ما يخلصون خاصة الأجناس ما عدا السلعة الممنوع دخولها. الشرط الحادى والخمسون: بمقتضى ما وفق بالفصل الخامس عشر من شروط المهادنة المقررة في تطوان في 26 إبريل عام 1860 حضرة سلطان مراكش أراد أن يصرف جهده في استهال

الشرط الثانى والخمسون

وسق الخشب لعمارة خزائن المراسى أى الطراسين حضرة سلطانة إصبانية، ولذلك وفق أن رعية الصبنيول المعينين قصدا عن إذن سلطانة إصبانية لقطع الخشب من غيب مملكة المغرب من الموضع الذى يمكن قص الخشب منه يكون لهم التخصيص في ذلك، وفى نصب ما يقيهم من الحر والبرد ويجعلوا فيه آلاتهم ولا يقربهم أحد بسوء، بل تكون لهم الحرية التامة مع الحماية من جانب ولاة الناحية المستوطنين بها. فالاتفاق الواقع بين رعية حضرة سلطانة إصبانية المعينين بقصد قص الخشب المذكورة وبين دولة مراكش لثبوت ثمن الخشب وتعيين شروط قص الخشب لابد أن يكون على يد نائب حضرة سلطانة إصبانية القاطن بإيالة المغرب، وللنائب المذكور أن يقف على تمام وفاء ما شرط بين الجانبين، وإذا وقع بينهما الاختلاف ولم تقع المساعدة يكون الفصال بين الدولتين بموافقة بعضهم لبعض. الشرط الثانى والخمسون: إذا أحد من رعية الصبنيول أو وكيله أراد توجيه سلعة معشرة من مرسى إلى مرسى من مراسى حكم حضرة سلطان مراكش بحرا، فتلك السلعة لا يلزم عليها دفع الأعشار مرة أخري عند وسقها ولا عند هبوطها إن كان بيد حاملها وثيقة بتحقيق دفعه ما ذكر من أمين قمرق المرسى المغربية الوارد منها. الشرط الثالث والخمسون: إذا أحد من رعية الصبنيول أو وكيله اشترى سلعة من أى جنس كانت من السلعة المنتشئة أو المصنوعة بوطن المغرب بقصد خروجها، فلا يلزمه عليها الأعشار ولا غيره من الأداء إلى وصولها لمكان دخولها للمرسى التي مراده يسقها منها، ولما يقع الخروج لا يدفع إلا الأداء المحدود بالقائمة المسطرة بالفصل الخمسين.

الشرط الرابع والخمسون

الشرط الرابع والخمسون: رعية الصبنيول الذين يسقون السلعة في المراكب الواردة لمراسى المغرب ألا يسقها إلا على ظهر الفلائك أى اللنشون للدولة المغربية، وبالأمثال عند الهبوط فإذا الدولة لم تجد بعد اليوم الثانى الفلائك المذكورة ثم رعية الصبنيول بيدها أن تخدم فلائك آخرين من عامة الناس، فحينئذ لا يدفعوا إلى أمين المرسى إلا نصف المعلوم لفلائك الدولة، ولا يزاد على الأداء المعلوم دفعه الآن في مراسى مملكة مراكش عند نقول السلعة من مركب إلى مركب، ويلزم أمين كل مرسى أن يدفع للقنصو الصبنيول أو خليفته أو نائبه نظيرة قائمة الأداء المعلوم دفعها ليكون في علمهم ذلك. الشرط الخامس والخمسون: ففصول هذه الشروط تعم على جميع ثغور المغرب المنصوبين لتجارة الأجناس الآن، سواء كانوا في البحر الأبيض أو في البحر المحيط. الشرط السادس والخمسون: إذا أحد من رعية الصبنيول دخل خفية سلعة ممنوعة أو ظهرت عليه أو كنطربانض من أى جنس كان من السلع في أرض المغرب، فالسلعة الممنوعة تثقف عليه وربها المخالف للحكم يمكن بيد القنصو أو الخليفة أو نائبهم ليؤدبوه على قدر جريمته. ومثل ذلك يفعل في إصبانية مع رعية المغرب إذا فعلوا ما ذكر أعلاه، فعامل البلاد يوجههم مكتفين ليد نائب حضرة سلطانة إصبانية بالمغرب، أو لخلفائه القنصولية ويخبره بما وقع لتحكم فيه دولة المغرب.

الشرط السابع والخمسون

الشرط السابع والخمسون: كافة الرعية سواء كان من أهل الجزيرة أو من جزور الكنارياس أو من الخالديات أو من حصون حضرة السلطانية بوطن إفريقية، لهم أن يصيدوا بسواحل المغرب. الشرط الثامن والخمسون: فإن مراكب الصبنيول المعدين للصيادة بسواحل المغرب ينبغى لهم أن يرفعوا التساريح من ولاة إصبانية البحرية، وإذا وضحوا تلك التساريح أصحاب المراكب لعمال مراكش الغربية للمكان الذى يقصدوا فيه الصيادة فلا بأس بذلك. الشرط التاسع والخمسون: إذا مركبا من مراكب الصبنيول المعدة للصيادة كان يشتغل في السلعة الممنوعة أو الكنطربانض في سواحل المغرب، فعمال حضرة السلطان يخبروا به القنصو أو خليفته الصبنيول القريب، وبعد ثبوت دعوته يطلق أو يزجر رائسها على يد حاكمه بمقتضى أحكام وترتيب القائمة في إصبانية. الشرط الستون: أن لأجل تسهيل صيادة المرجان المولعين بها أهل إصبانية بسواحل مراكش بسبب أن حضرة سلطان المغرب يقبض ما يجب من الأداء المعلوم، قد وفقوا الجانبين المعظمين أن مراكب الصبنيول يقصدون تلك الصيادة في جميع سواحل مملكة المغرب ويدفعون أعدادًا معلومة مؤبدة وقدرها مائة وخمسون ريال دورو في السنة عن كل مركب من تلك المراكب المعدة لصيادة المرجان، ورؤساء المراكب القاصدين الصيادة المذكورة لابد أن يوجهوا مطالبهم لنائب جنس الصبنيول بالمغرب، والنائب المذكور يبلغ المطالب المذكورة ليد نائب الأمور البرانية بحضرة

الشرط الحادى والستون

سلطان مراكش ونائبهم المذكور يمكنهم بالإذن المستحق من غير منع ولا عكس في ذلك، ويقبضون من يد الرؤساء المذكورين الأداء المعلوم، وإن قبض مركبا من غير إذن نائب الحضرة يدفع لقونصوه مثل الذى قبله الحق بين السطرين في السنة السادس والخامس. الشرط الحادى والستون: هذه الشروط المذكورة تبطل جميع الشروط القديمة بين إيالة مراكشة وإيالة إصبانية، ولا يبقى عمل بغير الوفق المرسوم بتطوان في أربعة وعشرون غشت سنة تسعة وخمسون وثمانمائة وألف، والشروط الموثوقة بالمدينة المذكورة وبحضرة مدريد يوم السادس والعشرون من شهر افريل من عام ستين وثمانمائة وألف، ويوم ثلاثين أكتوبر من سنة التاريخ التي باقية في غاية حولها وقوتها في جميع الموافق بهذا. الشرط الثانى والستون: هذه الشروط ستشهر ليعلم بها جميع رعية المملكتين لئلا يخفى على أحد منهم المشروط بها، وسيوجه نسخ منها للعمال وللولاة الواجب عليهم علم ذلك للوفاء به على التمام. الشرط الثالث والستون: فالجانبان العاليان الموافقان على هذه الشروط إن شاءوا في المستقبل زيادة شروط أخرى لتسهيل مخالطة بعضهم بعض لتفوز بها تجارة رعيتها، فلهم أن يشرطوا بينهما بعد مضى عشر سنين من يوم تصحاح هذه الشروط، وكل منهم له الطلب من الآخر في تغيير ما بهذا لكن إلى أن يثبت بينهما الوفق العمل باق على هذه الشروط إلى تجديد شروط أخرى.

الفصل الرابع والستون

الفصل الرابع والستون: فهذه الشروط تصحح بخط يد حضرة سلطان مراكشة وحضرة سلطانة إصبانية، وتبديل تلك التصحاح سيقع بطنجة في مدة خمسين يوما أو قبلها إذا أمكن، وسيحرروا أربعة نظائر من هذه الشروط مختومة مطبوعة، فأحدهما لحضرة سلطان مراكشة، وثانيهما لحضرة سلطانة إصبانية، وثالثها يبقى تحت يد وزير الأمور البرانية لإيالة مراكشة، والرابع يوضع بين النائب الإصبنيولى القاطن بالمغرب، وكل أحد من المليكين المعاهدين له بالوفاء ما في فصول هذه الشروط بغاية الثبوت، وشهد على ذلك المفوضان الخاتمان والواضعان طابعهم أسفله بمدينة مدريد ختم هذا الوفق في 17 ربيع الثانى عام 1278 من الشهر العجمى في 20 نونبر عام 1861". هذا نص تلك المعاهدة التي لم تعقد مع المغرب معاهدة أقسى منها، إذ جل موادها كما ترى هو في مصالح إصبانيا فقط، ولعل من لا خبرة له يفوق سهام اللوم للرجل المقدام صنو جلالة السلطان مولاى العباس الذى فوض له في عقدها ومن علم الحالة التي كان عليها المغرب، وقتئذ وأحاط علما بتلك الظروف الحرجة التي منها احتلال العدو لثغر من أرفع ثغور البلاد، يقرب من النقطة المحتل لها، ومنها جنوح الرعية وتحفزها للثورة اغتناما لفرصة اشتغال المخزن بتلك الحادثة المؤلمة، ومنها إظهار بعض القبائل الجبلية الميل للعدو والتفاخر بحسن معاملته، كما يرشد لذلك جواب مولاى العباس لسمو الأمير المتقدم نقل نصه على أن هذه أمور كلها موجبة لحسم مادة الحرب التي لا يوافق على خوض معامعها إذ ذاك عاقل، ولولا حسن سياسة النائب المفوض مولاى العباس لعظم الأمر واستفحل الداء، ولله في خلقه شئون.

وقد وقفت على معاهدة أخرى مكملة لما سبق وقد وقعها مولاى العباس مع ممثل إصبانيا ونصها بلفظها من كناشة المولى العباس: بسم الله القادر على كل شئ "هذه الشروط المنعقدة ما بين السلاطين العظيمين جناب الشريف سيدى محمد مالك المغرب وجناب ملكة إصبانيا دونيا اليسبات الثانية الفخيمة بقصد إصلاح الاختلاف الواقع في شأن شروط المهادنة المبرمة ما بين الدولتين تاريخها سنة تسع وخمسين وثمانمائة وألف وعام ستين وثمانمائة وألف الفارطة، فالمفوض من جانب السلطان الشريف سفيره المكلف بغاية تفويضه خليفته أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين مولاى العباس والمفوض من جانب حضرة السلطانية الكسولتية (دون سترنين كلدرون كليانتس) وزير الأمور الداخلية وأمور التجارة والعلم والمنافع البلدية كان واحد أعضاء مجلس مشيخ المملكة والمفتخر بالنواشن الأعظام من الأصناف السلطانية لكارلوص الثالث ولاليستبات الكتوليكية وللجيون دى أنور الفرانصوية ولليوبلد البلجيكى وللحبر الأعظم بيو التاسع وللبيس الهاس درمستادى ولدنبروق الدنماركى وللنجمة القطبية السويدية وللمقدس جناردو الاسقليتين وللكنتبثيون البليابتيوسية البرطقزية وللقولفين الانبرية وغيرهما وأول وزراء المملكة، فهؤلاء شرفاء المقام بعد إظهار بعضهم لبعض أمر التفويض وقع بينهما الانفصال على وفق ما بالفصول الآتى ذكرها: الفصل الأول: عسكر الصبنيول سيرحل من تطاون وأرضها لما يتم دفع ثلاثة (¬1) ملاين في الريال الدورو مسكوكة بيد المعينين لقبضها من دولة حضرة سلطانية إصبانيا الفخيمة. ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "كذا بالأصل مع أن المدفوع عشرون مليونا".

الفصل الثانى: العشرة ملايين من الريال الدورو الباقية لكمال معاوضة الحرب حسبما وفق شروط المهادنة فيكون دفعها من نصف أعشار كمارك جميع مراسى مملكة المغرب التي سلمها حضرة السلطان لحضرة السلطانة للقبض على يد ولاتها المعينين بقصد ذلك، والنصف الأخر من الأعشار المذكورة أعلاه يتصرف فيه حضرة السلطان. الفصل الثالث: المتوسعين والقابضين المعينين من حضرة سلطانية إصبانية لقبض نصف الأعشار المذكورة سابقا، سيشرعوا في تصريف أمرهم شهرا واحدا قبل يوم توت حلول تطوان. الفصل الرابع: رسم حدود حصر امليلية سيجعل حسبما بالوفق المقرر يوم أربعة وعشرون غشت عام تسعة وخمسون وثمانمائة وألف المثبتة بشروط المهادنة المرقوم بالسادس والعشرين من شهر افريل سنة ستين وثمانمائة وألف، بتسليم الحدود المذكورة بين دولة حضرة سلطانة إصبانية المنصورة بالله، ستقع من كل بلد ولابد قبل حلول تطوان. الفصل الخامس: شروط التجارة المذكورة بالفصل الثالث عشر من شروط المهادنة، يختم بخط يد المفوضين، ويصحح كذلك قبل فراغ تطوان وأرضها. الفصل السادس: حضرة سلطانة إصبانية أيدها الله لها أن تأمر بجعل دار سكناه رهبان أى قسيسين بمدينة تطوان مثل الموجودة الآن بطنجة، ومثل الذى حسبما بالفصل

العاشر من شروط المهادنة بيدها أن تنشأ، وهؤلاء الرهبان المرسلين لا يمنعهم أحد تقديس أمور دينهم أبدا في أى موضع كان من نواحى مملكة المغرب ودواتهم وديارهم ومدارسهم الساكنين فيها يكونوا في غاية الأمان والحماية الخصوصية من جانب حضرة السلطان وولاته. الفصل السابع: أن الشروط المنبرمة في الفصول السابقة سيتم بحول الله في أجل خمسة أشهر منصرمة، التي مبدؤها يوم مدواح جناب الخليفة الواضع اسمه عقب تاريخه بثغر طنجة، لكن إذا وقع وفاء الشروط المذكورة على التمام قبل الأجل المذكور فيقع حالا بعد ذلك فراغ تطوان وأرضها. الفصل الثامن: ففصول شروط المهادنة المحررة في ستة وعشرون إبريل سنة ستين وثمانمائة وألف الذين ليس وقع فيهم غيار ولا تبديل أو إبطال بما وفق بهذه الشروط، باقية في غاية قوتها وحولها، فتصحح هذه الشروط المذكورة يكون في أقرب وقت وتبديل تلك التصحاح سيقع بطنجة في مدة عشرين يوما، ولثبوت ذلك المفوضين الخاتمين أسفله قد حرروا هذه الشروط باللغتين أى العربية والصبنيولة وأربعة نظائر، فاحدها للحضرة الفخيمة مالك المغرب، والثانى منهم لحضرة السلطانة الكتولكية، والثالث يبقى تحت يد نائب الأمور البرانية بالمغرب، والرابع يبقى تحت يد نائب أمور الإصبانية القاطن بمملكة مراكش والنواب المفوضين المذكورين أسماؤهم عقب تاريخه وضعوا شكلهم وختموه بطوابعهم بحضرة مدريد يوم خمسة وعشرون ربيع الثانى عام 1278 المقابل تاريخ المسيح عام واحد وستين وثمانمائة وألف" بلفظه من الكناش المشار له على ما فيه. كما عثرت في كناشة مولاى العباس أيضا على اتفاق آخر وقعه فيما يتعلق بحدود مليلية ونصه بعد البسملة:

"الخاتمين أسفله الشريف الأرضى مولاى العباس المفوض من حضرة مراكشة ودون فرئنيسكومرى وكلوم الوزير الوجيه لسعادة سلطانة إسبانيا المأذونان من دولتهما كما يجب بمقتضى الشروط لتأول المشاحنات الصادرات في شأن حدود أرض ولاية إسبانيا بإحاطة امليلية اتفقا في الصور الآتية: أول ذلك تحديد وضع العلامات في الأماكن الموسومة من مهندسين إسبانيا ومراكشة قبل برسم الشهادة من الجانبين سنة اثنين وستين وثمانمائة وألف الفارطة، بمقتضى ما بالفصل الثانى من وفق سنة تسعة وخمسين وثمانمائة وألف المثبت بالفصل الخامس من شروط صلح تطوان، ومن أقلع أو هدم تلك العلامات يزجر زجرا شديدا، والعلامة المنقضة يقيمها عامل الريف بمحضر والى امليلية أو نائبه. الثانى: لما ظهر لحضرة السلطان دفع العوض لأرباب الأملاك الداخلين في الأرض المنعم بها لإسبانيا المصيرين لها وتحت ولاية مملكتها التامة، ووفق أن جميع رعية حضرة مراكشة من الأرباب المذكورين يخرجون الأرض الإسبنيولية ويسلمونها تسليما تاما وتصير ملكا لجنس الإسبنيول ورعية المغرب ينفوا حالا من أرض إسبانيا وولاة إسبانيا بامليلية لا يساعدونهم بتجديد القرار في الديار والأراضى المذكورة بأى وجه كان، لأن ذلك يمكن أن ينشأ منه ما يخوض الحدود وفى هذا تبقى الأمور مش ما هو بسبتة. الثالث: أن بسبب حسم المشاحنات الواجب وقوعها لأجل دخول المسلمين بقصد زيارة الجامع التي بداخل الحدود بالموضع المسمى بجنادة فتلك الجامع يهدم ويقطع الكرم والهندى المحيط بها وآل المخزن أو آل الأقحاذ يهدمون الجامع المذكور وينقضون الأرض المحيطة بها.

الرابع: رعية المغرب لا يدخلون مسلحين بأرض إسبانيا التي بحدادة امليلية على أى وجه كان، واعترف الوزير الوجيه لإسبانيا إن خالف أحد ذلك بعد إمضاء هذا الوفق يضيع سلاحه ويبقون به ولاة إسبانيا. وشهد عن ذلك الخاتمين أسفله بوضع يدهما بنسختين ورسم بمحل يدعى بزرع الزيات برابع عشر نومبر سنة ثلاث وستين وثمانمائة وألف الموافق ثالث ثانى الجمادين الموالى عام ثمانين ومائتين وألف عمله بمقتضى لفظه الظاهر منه العباس لطف الله به". وقبل هذا الاتفاق وجه السلطان كاتبه ووزيره الشاعر المجيد السيد إدريس بن الوزير الكبير، الأديب الشهير، السيد محمد بن إدريس السابق الترجمة في الأدارسة سفيرا لملكة الإصبان، ووجه معه السيد أحمد الدكالى لمعرفته بلسان القوم حسبما يدل على ذلك ما في هذين الظهيرين الشريفين ونص الأول بعد البسملة والصلاة والطابع: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش أعانك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فإنا تخيرنا خديمنا الطالب أحمد الدكالى للتوجه مع كاتبنا الأرضى الطالب إدريس بن إدريس لعند سلطانة الصبنيول لمعرفته باللسان العجمى فليتوجه معه ولابد والسلام 28 ربيع النبوى عام 1279". ونص الثانى فيما يتعلق بما روده السفير المذكور من المطالب بشأن حدود مليلية، وقد أسلفنا لك في وثائق مفاوضات الصلح ما وقع في ذلك: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش أعانك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.

[صورة] ظهير سيدى محمد بن عبد الرحمن لبركاش في توجيه السيد أحمد الدكالى مع ابن إدريس السفير لإصبانيا

وبعد: وصلنا كتابك متضمنا لما ذكره نائب دولة الصبنيول من أنهم استبطأوا الجواب عن قضية امليلية التي تضمنها الكتاب الذى قدم به الطالب إدريس بن إدريس، وأوضحوها له بمالقه، فاعلم أنا قدمنا لك جوابه صحبة فارس توجه به من حضرتنا العالية بالله ورقاص راجل ورد من عندكم ولا يكون الآن إلا وصلك، وحاصله أنا لم نقصر في قضاء مرادهم لا في جهة المال الذى وجهناه صحبة أمناء أربعة لأرباب البلاد، ولا في تذكيرهم ووعظهم ولا في غير ذلك، وأن موجب تأخير توجيه المدد لجبرهم على تسليم الحدود هو ما نحن فيه من إصلاح قبائل الحوز، وأنا بمجرد رجوعنا للغرب نبعث عددا معتبرا يقضى به الغرض في أولئك الممتنعين، وأوضحنا لك العذر في ذلك بأبسط من هذا، والمحبة تقتضى قبول الأعذار ولا يفوتهم شئ من ذلك بحول الله وقوته والسلام 19 رمضان عام 1279". وقد أجابت الملكة عن هذه السفارة المغربية بسفارة إصبانية وجهتها من قبلها كما يدل على ذلك هذا الظهير: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش أعانك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: وصلنا كتابك أخبرت فيه أن نائب دولة الصبنيول رجع من عند دولته لطنجة باشدورا وصحب معه كتابا لجانبنا العالى بالله من عند سلطانته ليدفعه بيده وعزم على السفر بإذن دولته من طنجة للصويرة بحرا، ومنها يقدم على حضرتنا العالية بالله في التاريخ الذى بينت صحبة من في التقييد الذى وجهت من أعيان 6 النصارى والأعوان 12، بقصد تجديد المحبة القديمة التي بين أسلافنا الكرام وبين دولتهم وطلب منك إعلامنا بذلك لنيسر له ما هو معلوم للباشدورات المحبين لدينا المقبولين عندنا، كما طلب أن لا يقيم بالصويرة إلا يوما واحدا وأن يرفق به في

مع الدولة الفرنسية

الطريق منها لحضرتنا السعيدة وظن أن ما شافهته به من الخيل 6 وبغال السريجة 2 والروام 20 لا تحصل له به الكافية لعدم تقدم السفر له في البر، فاعلم أنا وجهنا من يقدم به على مهل من الصويرة لحضرتنا العالية بالله تعالى وأصحبناه ما فيه كفاية من المراكب والروام، وأمرنا أمناء الصويرة وقائدها بالقيام به وبمئونته أحسن قيام ولإنزاله بمحل مناسب له، وبأن يعتنوا به وأمرنا العمال الذين في طريقه بالملاقاة له والسلام في 6 قعدة الحرام عام 1279". وأما علائقه: مع الدولة الفرنسية فقد وجه لها في السنة الأولى من ولايته كاتبه ابن إدريس المتقدم ذكره في ثالث عشر قعدة الحرام سنة 1276، فوصل باريس متم الشهر وقابل الإمبراطور لويس نابليون الثالث، وألقى بين يديه خطبة هنأه فيها بالمناداة به إمبراطورا على البلاد الفرنسية، ودفع له الكتاب السلطانى الذى توجه به، ثم شرع بعد ذلك في مفاوضة وزير الخارجية في الشئون التي ذهب من أجلها حسبما تقدم لنا ذكر ذلك في ترجمة ابن إدريس السالفة، وقد ألف في وجهته هذه رحلته المسماة بتحفة الملك العزيز، وهى مطبوعة بفاس في صحائف 109، وبعد أوبته من هذه السفارة كتب الإمبراطور المذكور لصاحب الترجمة معزيا في والده ومعربا عن انشراحه لهذه السفارة وعلى رئيسها بالأخص وإليك فحوى كتابه: "العظمة لله من نابليون إمبراطور فرنسا بعناية الله وإرادة الأمة

إلى المقام الأعلى والجناب الأسمى السلطان ذى الشوكة العظمى سيدى محمد إمبراطور المغرب وسلطان فاس وسوس صديقنا الأعز الحميم: لقد ألمنا خبر وفاة والدكم الجليل القدر، وقد كان متحققا مثلنا بلزوم تثبيت العلائق بين الدولتين وشد عرى حبل المسلم والمودة بين الشعبين، وقد كانت بدت بعض السحب في سماء صداقتنا ولكن انقشعت بكل سرعة ولن تعود للظهور أبدا، وها نحن نأسف على شخصه ونكرم ذكره، والذى يسلينا عن فقده ويلهم قلبنا بعض السلوى عنه هو قبضكم على عنان إمبراطورية المغرب، ولا يخفى عنا ما لكم من الأمانة التي أهلتكم لتبؤ عرش الملك، كما أننا على خبرة بما لكم من الفراسة التي تمتازون بها والتى ستكون باعثة على عدم استماع النصائح التي يبديها لكم المظهرون خلاف ما يبطنون، قصدا منهم لستر الحقائق عن نظركم. وقد وقعت منا عبارات تأكيد الصداقة بيننا موقع القبول لكوننا نحب المسلم من غير أن نخاف الحرب، ولكوننا نرتاح غاية الارتياح عندما نضع يدنا في يد صديق لنا، فلتكن إذا علائق الصداقة رابطة بيننا، ولا ينبغى أن تكون تلك الصداقة اسما بدون مسمى، بل ينبغى أن تكون في المعاملات وتظهر في احترام المعاهدات في احترام علم فرنسا في احترام أشخاص وأملاك جميع من يستظل بها. ثم إن رعاياكم القاطنين بإقليمنا أو بالجزائر لن يزالوا ضيوفًا لدينا وأصدقاء لنا، لن تنس فرنسا قط أن إمبراطورية تتشرف بحماية الأجانب عنها، وأن اتباع العدل والتخلق بالأمانة من الإقرار بعظمة الله.

[صورة] كتاب الإمبراطور نابليون الثالث للسلطان سيدى محمد بن عبد الرحمن باعتماده م ليون فيليب بكلار نائبا ووزيرا مفوضا عن دولة فرنسا بالمغرب بدل دوكاستيون

[صورة] كتاب إمبراطور فرنسا نابليون الثالث للسلطان سيدى محمد بن عبد الرحمن يعزيه في أبيه ويثنى على سفارة ابن إدريس إليه

ولقد كانت قديما المواصلة الشخصية ومكاتبات قناصل فرنسا مع عرشكم تتكفل بإيصال الحقائق إليكم، وقد كانت تلك الوسيلة المتقادمة وسيلة مرضية بين الطرفين، ومنذ توقفت العلائق حسب تلك الوسيلة أخذت الأغراض الشخصية والشهوات النفسية تحاول أن تقوم مقام مصالح الدولة، وقد كنا عرفنا بذلك والدكم فخذ هذه الوصية لأننا نعض عليها بالنواجذ، وقد انشرحنا لاقتبال سفارتكم وكاتبكم الخاص الطالب إدريس بن محمد بن إدريس، وأمينكم البرنوصى بن جلول وعبدكم الأسود عبد القادر البخارى، وقد استقبلهم أهل بلاطنا، وصرحنا لهم بما تكنه قلوبنا من عواطف المحبة في جانبكم. وأما الطالب إدريس الذى تكلم بحضرتنا نيابة عنكم فقد قام بذلك قياما امتاز به عن غيره مع تؤدة، نجد نفسنا تنشرح بإبلاغكم خبرها، ولذلك فإنه يستحق من عرشكم الجزاء، وقد أظهر كونه أهلا لثقتكم به واستحق هو ورفقاؤه إنعامكم الخاص عليهم. وقد أمرنا وزير خارجيتنا بسماع ما كلفتم به سفراءكم إبلاغنا إياه ومقابلة ذلك بالقبول، وعسى العناية الربانية تجعل الصداقة بيننا دائمة للأبد، وحرر في قصرنا الامبراطورى سان كلود في 30 من شهر يليز سنة 1860 نابليون". ثم إمضاء وزير الخارجية وطابع لم يقرأ. وقد وقفت على كتاب آخر من نابليون الثالث لصاحب الترجمة وهو ما بعثه إليه عند إرسال سفير جديد للدولة الفرنسية ونصه:

" من نابليون إمبراطور فرنسا بعناية الله وإرادة الأمة إلى المقام العالى والجناب الأسمى وصاحب الشوكة العظمى الأمير سيدى محمد إمبراطور المغرب وسلطان فاس وسوس إلى المقام العالى والجناب الأسمى والسلطان صاحب الشوكة العظمى. وبعد: فقد رأينا أن من مصلحة العلائق التي بيننا أن نعطى مندوبيتنا بإيالة جلالتكم أهمية أعظم مما كان لها، ولذلك استرجعنا قنصولنا العام المكلف بشئون دولتنا المسيو لوفكنتوت دو كاستيون وبعثنا بدله صفته وزيرا مقيما بطرفكم مسيو ليون فليب بكلار الحائز على وسام جوقة الشرف من رتبة كمندور ونيشان البابابى التاسع ونيشان المسيح ونيشان كفنصيون البرتغال والحائز على الرتبة العظمى من نيشان الافتخار للدولة التونسية، والنيشان المجيدى للدولة التركية من الطبقة الثانية. هذا وإن الخدمات الجليلة التي تقدمت للمسيو بكلار تشهد لنا بالمواهب التي يمتاز بها وحسن تدبيره وإخلاصه لجنابنا، وإننا على يقين من أنه سيبذل غاية مجهوده ليكون أهلا لثقتكم، واعتمادا على هذا اليقين فإننا نرغب من جلالتكم أن تقبلوه اقتبالا حسنا، وأن تمدوا إليه يد المعونة في كل ما يكون فيه زيادة أمن رعايا الفرنصيص الذين يتعاطون التجارة أو يتجولون بالمغرب، وكذلك في تنفيذ جميع المعاهدات التي تربط بلادنا ببلادكم تنفيذا كليا: كما نرغب أيضا من جلالتكم أن تثقوا كل الثقة بكل ما يصرح لكم به وزيرنا نيابة عنا، وخصوصا عند ما يعبر لكم عما نتمناه لملككم من العظمة وما نوده من استمرار الصداقة التي تربط دولة فرنسا بدولة المغرب، وحرر بقصره الإمبراطورى التويلرى في 22 إبريل من سنة 1863. صديقكم العزيز الحميم نابليون"

وقد عثرت على تقييد ببعض دفاتر دار النيابة هذا نصه: "في 19 غشت عام 1863 الموافق 3 ربيع الأول عام 1280. تقييد في الحماية التي يجب أن يسير عليها نواب الفرنصيص الذين هم في إيالة المغرب: الحماية تكون للشخص المعين لها في وقت تعلقه بالخدمة. وهذه الحماية لا تشمل أقارب الشخص المحمى ونائبه وإنما تقدر أن تشمل الأشخاص مدة عمره كله، فإذا مات انقطعت ولا تورث، ما عدا دار موسى بن سمول المكنى بريرو التي هى موروثة عندهم أبا عن جد تولدت منها سماسرة وتراجمة في نيابة طنجة. الحماية تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: أولاد البلد الذين يخدمون في دار الباشدور وديار القنصوات نوابه مثل الكتاب والمخازنية والمتعلمين وشبههم. والقسم الثانى: السماسرة المستخدمين عند التجار الفرنصويين في أمور تجارتهم، هؤلاء التجار المشار إليهم لا يسمى أحد منهم تاجرا إلا الذى يكون يتجر تجارة كبيرة وتكون تجارته بالداخل والخارج في المرسى، سواء كانت تلك التجارة له أو كان نائبا فيها من غيره، عدد السماسرة الذين يكونون في الحماية لا يزيد على اثنين في دار كل متجر نعم الدار التي تكون لها دار أخرى في مرسى أخرى فيكون لها في كل دار سمساران محميان. حماية دولة فرنسا لا تشمل أولاد البلد المستخدمين في البادية في مثل أمور الحراثة والفلاحة ورعى الغنم وشبه ذلك.

ولكن باعتبار ما هو جار الآن وذلك بالاتفاق مع حكام مراكش الحماية لهؤلاء المذكورين، تكون جارية لهم مدة شهرين أولها فاتح شتنبر الموالى لتاريخه. ومعروف أن هؤلاء المستخدمين في البادية مع الفرنصيص حين تجب مطالبتهم بالأحكام فيعلم عاملهم نائب الفرنصيص ليأمر صاحب الغنم أو الحرث بتوجيه من يقف على متاعه ليلا يبقى للضياع. زمام من هو في حماية الفرنصيص يعطيه نائبهنم لعامل البلد التي هو فيها، وإذا حدث تبديل أو تغيير في بعض الأشخاص المحميين فيعلمه بذلك. كل من هو في الحماية تكون بيده بطاقة مذكور فيها اسمه وتعيين الخدمة التي هو بها، وتكون هذه البطاقة مكتوبة بالعربى وبالفرنصيصى وهذه البطاقة لا يعطيها إلا الباشدور المقيم بطنجة". ولعل ما بهذا التقييد هو المراد بوفق عام 1863 في الفصل الأول والسادس من وفق مؤتمر مدريد الشهير، وكذلك ما فيه من حماية السماسرة لعله المراد بوفق 1280 الذى كتب السلطان مولاى الحسن للنائب بركاش بإبطاله في ظهيره المؤرخ بـ 23 جمادى الأولى عام 1297، فلما عرضه بركاش للمناقشة في المؤتمر عارضه ممثل فرنسا معارضة شديدة، كادت تؤدى إلى إحباط أعمال المؤتمر، ثم انتهى الأمر بإبقاء ما كان على ما كان، حسبما هو منطوق الفصل العاشر من وفق المؤتمر المذكور في الترجمة الحسنية. ثم أرسل المترجم بعد ذلك للدولة الفرنسية خديمه الحاج عبد الرحمن العاجى للكلام في أمر السيد الشيخ بن الطيب وأولاده الذين كانوا يشاغبون بالحدود المغربية الجزائرية، فلقى الإمبراطور وقدم إليه الكتاب السلطانى الذى أجيب عنه بعد ذلك حسبما يدل على ذلك هذا الظهير: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.

وبعد: فقد وصلنا كتابك وصحبته كتاب باشدور الفرنصيص الذى كتب لك صحبة جواب سلطانهم عن الكتاب الذى توجه له به الحاج عبد الرحمن العاجى، وعلمنا ما أشار إليه الباشدور المذكور مما له من الغرض في القدوم لحضرتنا العالية بالله، كما علمنا ما كتب لك به في شأن الغلط الذى وقع للحاج عبد الرحمن فيما ذكره في أمر أولاد السيد الشيخ بن الطيب، وأن الكلام الذى وقع منه إنما هو في شأن والدهم يسأل عنه في أى محل هو، وما مرادنا فيه وأن قصدهم توسعته من نواحيهم كما تقدم له في ذلك فالحاج عبد الرحمن ثابت وما ذكره عن سلطانهم وقع منه مشافهة. وقدومه الذى ذكر إن كان بإذن من سلطانهم فذاك، وإن كان من عنديته فلا يحتاج لقدوم وما يريد ذكره يذكره لك مشافهة أو كتابة، والسيد الشيخ لا يقر له قرار لأنه صحراوى يبيت ببلاد، ويبيت إن شاء ببلاد أخرى، وقوله وما مرادنا فيه لو وجدنا السبيل له لأدخلناه لداخل الإيالة، وما تركناه هناك أصلا ولأجله قبضنا على ولده وأقاربه والسلام في 15 صفر عام 1282". وقد عثرت على بعض كتب المترجم لأحد أولاد السيد الشيخ ولغيره في أمرهم وأمر سليمان بن قدور الذين كانوا يحدثون المشاكل على الحدود فمن ذلك ما كتب به لبركاش: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وصلنا كتابك مخبرا بورود باشدور جنس الفرنصيص عليك بالمكاتيب التي وردت عليه من حكومة الجزائر بالشكاية بذوى منيع وعمور الصحرا وأولاد جرير وإيوائهم ولد حمزة وقبوله وإعانته بالنفوس والعدة والميرة، وما أخبروا به عن الشيخ بن الطيب من رجوعه لما كان عليه سابقا من الخوض في إيقاد

نار الفتنة وطلبه الكتب لأولئك القبائل بالنهى عما هم مشتغلون به من ذلك لكون ذلك ينفع فيهم. فقد كنا كتبنا لهم قبل، وها نحن أعدنا لهم الكتب في ذلك وحذرناهم وأنذرناهم وتوعدنا من عاد منهم لمداخلة ولد حمزة أو إعانته، وبينا لهم ما يلحقهم من شؤم ذلك، وكذلك الشيخ بن الطيب أعدنا له الكتب في ذلك وندبناه لما فيه صلاحه إن أراد الخير لنفسه، ونطلب الله التوفيق للمسلمين والهداية والسلام في 3 ذى الحجة الحرام عام 1282". وكتب لأهل اتيوت: "خدامنا الأنجاد أهل اتيوت كافة، وفقكم الله وأرشدكم، وسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وصلنا كتابكم مذكرين لما كان لكم مع أسلافنا الكرام قدسهم الله من الخدمة والانتماء، وما كان لكم منهم من المراعاة والاعتناء، فنحن على إثرهم في ذلك إن شاء الله لا نسلمكم ولا نفوتكم ونراعى لكم خدمتكم ومحبتكم أصلحكم الله ورضى عنكم، وعلمنا ما لحقكم من الأضرار والإذاية من النصارى وسليمان بن قدور، فها نحن كتبنا لعامل وجدة بالكلام مع المتولى هناك يكفون إذايتهم عنكم والسلام 19 جمادى الأولى عام 1288". وكتب لمعمر ولد السيد الشيخ: "خديمنا الأرضى الحاج معمر ولد السيد الشيخ، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: وصلنا كتابك مخبرا بأنكم لما رجعتم من قتال الفتان ولد حمزة أنتم ورعية الفرنصيص بعد قضاء الغرض فيه من رد ما كان نهبه لكم وزيادة، ورجع

فارا بنفسه لناحية القليع خائبا، ألفيتم النصارى حملوا أولادك وأخاك وأولاده وأناسا من بنى عمك وأنزلوهم في ناحية المعسكر وصاروا يخاطبونك بالقدوم عليهم والانتظام في سلكهم، وزعموا أنك من إيالتهم، ووعدوك بفعل الخير معك والامتياز عن غيرك إن أنت ساعدتهم، وإن امتنعت من ذلك منعوك من أولادك ومن معهم فتركتهم بيدهم وفررت بنفسك وأجبتهم بأنك من إيالتنا المحمية بالله، ولا نرضى بالدخول في حزبهم وتحت حكمهم، وطلبت الكلام معهم في شأن خلاص أولادك وشيعتك ذاكرا أن ما وقع بينكم وبينهم في العام الماضى إنما هو على وجه الإكراه من القبائل وولد حمزة، وكانوا قبل ذلك غدروكم وقتلوا أخاك وأبناء عمك ونهبوا أولادكم، فإنا أمرنا عامل وجدة بالكلام معهم على رد من ذكرت من أولادك وأولاد أخيك والوقوف عند الشروط المجعولة مع جنسهم وإنا لا نسلمكم بحول الله وقوته والسلام في 14 من المحرم عام 1289". وكتب له أيضا: "محبنا المرابط الأرضى السيد معمر بن الشيخ بن الطيب وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: وصلنا كتابك أخبرت فيه أنك لما لم تجد من قبائل المغرب من يعينك على الأخذ بالثأر من ولد حمزة حيث فعل في جانبكم ما فعل من القتل وغيره، اتفقت مع رعية النصارى على الأخذ بالثأر وحركوا معك إليه ولم يحضر معكم نصرانى واحد، وحيث سمعوا بما حل به نقلوا أولادكم الذين كانوا نازلين بالحدود وأخذوا مالهم وأسروهم وأنزلوهم بناحية وهران والقبيلة في ناحية سعيدة، وتكرر طلبهم لقدومك عليهم والكون من رعيتهم وإنزالك منزلة العز والحرمة عندهم، فأبيت إلا البقاء على ما أنت وأسلافك عليه من الكون من رعيتنا المحمية بالله، وطلبت السعى في خلاص أولادك وفكهم من الأسر لأنك اليوم نازل إزاء فجيج

تنتظر أمرنا الشريف بما يكون عليه عملك، فقد أمرنا بالكلام معهم في قضيتك ولا زال جوابهم لم يرد والسلام 8 صفر عام 1289". وكتب له: "خديمنا الأرضى الحاج معمر بن السيد الشيخ وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: وصلنا كتابك مخبرا بنزولك مع قبيلة العمور قرب فجيج، منتظرًا صدور أمرنا الشريف لدولة الفرنصيص في شأن خلاص ما أسروه لك من العيال غدرا لما حل بولد حمزة ما حل، مع أنك لا تسعى إلا في الصلاح بين الدولتين. وذكرت أن الفتان المذكور فر لناحية اتوات، ولم يبق معه أحد من شيعته وصار يخاطب قبائل الصحراء بالرجوع إلى ناحية الصحراء، ويكاتب من كان مشتغلا معه بالفساد بالعود إلى قبيح حالهم الأول. وطلبت أن نأمر جميع قبائل الصحراء بطرده وإبعاده ليستريح المسلمون من شره ومكره، كما طلبت تعيين طريق تسلك فيها عين الصواب مع جانبنا العالى بالله، حيث لا تعرف الصواب في ذلك. فأما أمر ولد حمزة فإنا أكدنا على تلك القبائل أن لا يقبلوه بل يطردوه من ناحية بلادهم ويبعدوه من هذه الإيالة السعيدة. وأما الطريق التي تسلكها والسير الذى تسير به هو أن تلزم الاشتغال بما يعنى والإقبال على ما هو من شأن المرابطين من الركون إلى السكينة والسعى فيما يحبه الله وعباده، وأن تقوموا على الساق فيما عسى أن نأمركم به من أمور الخدمة الشريفة والصلاح جريا على عادة أسلافك رحمهم الله والسلام في 29 صفر عام 1289".

ثم في سنة 1282 أوفد أيضا سفارة أخرى لباريس في مطالب منها مسألة ولد حمزة ولد الشيخ بوشماحة المعروف بسيدى الشيخ الذى كان يغير على عمالة الجزائر. ومنها مسألة السفراء الذين يأتون من الدولة الفرنسية للدولة المغربية، واقتراح أن يكونوا منتخبين من بيوت أعيانهم وممن يتصف بالتأنى وحسن السيرة والوقوف عندما حد (¬1) لهم، يرأس هذه السفارة القائد محمد بن عبد الكريم الشرقى خال المترجم، ومعه قائد سلا أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد بن سعيد الصنهاجى من صنهاجة سوس السلاوى المتوفى سنة عشر وثلاثمائة وألف بسلا، ومعهما العلامة أبو عبد الله محمد السدراتى السلوى حفيد شارح موطأ الإمام مالك بصفة كاتب للسفارة، وقد قابل هذه السفارة ملك فرنسا نابليون الثالث بغاية الإجلال والاعتبار، وأعطى رئيسها وسامات عديدة وأقام بباريس أكثر من سنة حضر فيها المعرض الباريسى الشهير سنة 1867 على ما أخبرنى به مؤرخ العدوتين صديقنا العلامة السيد محمد بن على الدكالى الأصل السلوى الاستيطان مكاتبة، وقد أورد صاحب الاستقصا الظهير الصادر في هذه السفارة وقال: أقامت هذه السفارة بباريس شهرا فانظره. وقد وقفت على ظهير شريف يتضمن الجواب عن طلب فرنسا من صاحب الترجمة أن يوجه إليها باثنين من عتاق الصافنات الجياد، فانظر هل المقصود من ذلك عرضهما في ذلك المعرض ونص الجواب: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش أعانك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. ¬

_ (¬1) الاستقصا 9/ 116.

[صورة] جواب سيدى محمد بن عبد الرحمن لبركاش فيما طلبه سفير فرنسا من توجيه 2 من الخيل المغربية

وبعد: وصلنا كتابك مخبرا بأن باشدور الفرنصيص أخبرك بأن وزيرهم كتب له كتابًا أمره فيه على وجه السر، بأن يطلب من جانبنا العالى بالله توجيه اثنين من عتاق الخيل من الطبقة العليا على وجه العارية بحيث لا كلفة فيها في الذهاب ولا في الإياب، حتى إن اقتضى النظر توجيه رجلين معهما للاحتفاظ بهما يرجعا معهما فذاك المطلوب عندهم، وعرفنا ما ذكره لك من أن هذا المطلب بإشارة سلطانهم، وأنه نبه على أن لا يقع بهما إنعام من جانبنا العالى بالله، وبين أن الحامل على هذا هو المباهاة والاشتهار بمحبتهم في جانبنا العالى بالله. فاعلم أن عادتنا أن ما خرج من جانبنا الشريف من مثل ذلك لا يرجع، وفى رجوعه معرة، فأما ما هو بصدد الذهاب والرجوع فهو موكول للتجار المكلفين بذلك وهم أعرف بما يرتكبونه فيه والسلام في 7 شوال الأبرك عام 1283". ثم بعث لفرنسا بعد ذلك نائبة بطنجة السيد محمد بركاش سفيرًا وروده بهذا الظهير المخاطب به الإمبراطور نابليون ونصه: "الحمد لله وحده ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم من عبد الله المتوكل على الله المفوض أمره إلى الله أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين وهو: (الطابع الكبير). أبد الله نصره، وزين بالخيرات عصره، إلى المحب العزيز الملحوظ لدينا بعين الاعتبار والتعظيم، والمخصوص عندنا بمزيد الأثرة والتقديم، الذى أعطته الرياسة قيادها، وأدركت به السياسة اعتيادها، عظيم جنس الفرنصيص المفخم المكرم السلطان نابليون الثالث.

مع الدولة الأمريكية

أما بعد: فموجب تحرير هذا المرسوم إلى جنابكم تجديد العهود المشيدة المبانى، وتأكيد أسباب الود التي يستوى معها البعد والتدانى، وتهنئتكم بما خولتم في هذه النزهة العظيمة، من السعادة والكرامة، وما حزتم بها من الفخر الذى نشرتم في الخافقين أعلامه، فقد تناقلت أحاديثها الركبان في الأقطار، وتدارست أخبارها البوادى والأمصار، ونسخت عجائبها مستلذات الأسمار، وكيف لا وبرأيكم المصيب، كان إيرادها وإصدارها، وعلى مركزكم العجيب، كان مدارها. وقد أخذنا من الفرح بها السهم الوافر، واستجلينا من محاسنها البدور السوافر، لأن المحب بفرح حبيبه يتم له النشاط، وبما يلذ في خاطره يكون له مزيد الاغتباط، ولأجل ذلك وجهنا خديمنا الأرضى الأنجد، ونائبنا العاقل الأسعد، الطالب محمد بركاش وزير الأمور البرانية بحضرتنا العالية بالله لينوب عنا في تهنئتكم، ويأخذ حظه من الفرح والسرور بحضور نزهتكم، والظن بجنابكم مقابلته بعين القبول والإقبال، وتوليته جانب الاعتبار والاهتبال، حتى يرجع قرير العين برؤيتكم، منشرح الصدر بما تولونه من حسن طويتكم، والتمام في 22 ربيع الأول عام 1284". وأما علائقه: مع الدولة الأمريكية فقد وقفت من ذلك على تعزيته لدولتهم في وفاة رئيسها المقتول حسبما جاء في ظهيره الصادر لنائبه ووزير خارجيته بركاش ونصه: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، أعانك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.

وبعد: وصلنا كتابك وصحبته الكناش الذى وجهه لجانبنا العالى بالله تعالى نائب جنس المركان متضمنًا لذكر كل من بلغهم عزاؤه في عظيمهم الذى كان مات مغدورًا، وذكرت أنهم وجهوا مثله لكل من عزاهم من الملوك والدول حسبما في كتابه الذى وجهت، ونبهت على أنك كنت وجهت لهم العزاء مشافهة على مقتضى القانون حين بلغك موته، وصار كل ذلك بالبال، فاعلم أنا كتبنا له بنحو ما أشرت به، ولا بأس بذلك، فإن أسلافنا قدس الله أرواحهم كانت بينهم وبين هذا الجنس محبة ومواصلة، وكان مولانا سليمان قدسه الله يصافيه ويستعمله في بعض أموره المهمات، والله يعينك والسلام في 27 جمادى الأخيرة عام 1285". ولما وافقت الحكومة الأمريكية على رجوع سفيرها المستر "جس مك ماص" إجابة لطلبه وأرادت تعويضه بغيره أرسل رئيس الجمهورية كتابًا لصاحب الترجمة فأجابه عليه بما نصه بعد البسملة والحوقلة: "من عبد الله المتوكل على الله المفوض أمره إلى الله أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين بالمغرب الأقصى وهو (الطابع الكبير). أدام الله علاه، وكان له وتولاه، إلى المحب المعظم، عظيم جنس المركان المحترم، البرزدنط السن سمسر كرنط. أما بعد: حمدًا لله تعالى فقد ورد على حضرتنا المحروسة بالله كتابكم المنبئ عن طلب خديمكم الناصح مسطر جس مك ماص القائم بحسب النيابة عن جنسكم بهذه الإيالة السعيدة -الرجوع لبلاده، مسقط رأسه، ومحل أنسه، وموضع طارفه وتلاده، لطول غيبته عن وطنه، وإلفه وسكنه، فساعدتموه في طلبته، وأجبتموه إلى رغبته، وأمرتموه بإنهاء ما أنتم عليه من المحبة في جانبنا العالى بالله المؤسسة بين الدولتين على أوثق أساس، المعروفة بين المحبين من

ذيول ذلك

الناس، خصوصًا بين أسلافنا وأسلافكم، ورؤسائنا ورؤسائكم، حتى امتزجت بينهم وأورثوها لمن بعدهم من بينهم، وأقاربهم وذويهم. فبلغ ما أمرتموه به قيامًا بعهد المحبة والأخذ بأقوى سببه وذلك معروف عندنا ومقرر لدينا نعرفه ظاهرًا كظهور الشمس، ويعرفه أسلافنا وأسلافكم، وما قصر هذا النائب مدة مقامه في نيابته في القيام على ساق الجد في تجديد العهد وما قط رأينا منه إلا الخير التام، فمثله من يكون نائبًا عن الدول، في إحياء ما أسسه الأسلاف الأول، فنحبكم تراعون له ذلك، وتسلكون به أحسن المسالك، فإنه أهل لكل ما تعاملونه به من الإحسان، والبرور والامتنان، وإن تأتى رجوعه لإيالتنا فهو أولى لعقله ومروءته، وحسن سيرته. وإن كان لكم غرض أردتم قضاءه به ووجهتم مكانه آخر فنحبكم أن توصوه بأن يجرى على سيرته وتجديد المحبة وإحياء عهدها كما فعل هذا النائب العاقل. وبالجملة فلم يقصر فيما كان معروفًا بين أسلافنا وأسلافكم من المحبة حتى رجعت أقوى مما كانت، وأنت قطب رحا هذه المحبة المجددة بيننا وبينكم، وعلى سيرتك كانت أسلافكم مع أسلافنا، ونحن نحب أن نزيدها تأكيدًا ونحيى ما أسسه الأسلاف فإن أسلافنا كانوا يقدمون أسلافكم في أمورهم لشدة محبتهم وصدق وفائهم وعهدهم وأمانتهم، وكذلك نحن نحب إحياء ذلك بيننا وبينكم حتى تصير أكثر مما كانت بين الأوائل، وكل ذلك لصدقكم وكثرة محبتكم ووفور عقلكم حتى عرف ذلك عند جميع الناس، وحصلت بسببكم الألفة والاستئناس، والتمام 23 ربيع الثانى عام 1286". ولنختم فصول باب العلائق بذكر رسائل كان يبعثها بعض ممثلى الدول لرجال دولة صاحب الترجمة تتميمًا للفائدة، فمن ذلك ما كتب به سفير الإنجليز لمولاى العباس من أصله الممضى بخطه العربى بعد الحمدلة:

[مخطوطة] كتاب قنصل فرنسا نائب سفيرها ووكيل دولة الساردو للخطيب وزير الخارجية المغربية

"إلى الحضرة الشريفة سيدنا ومولانا خليفة السلطان أيده الله مولاى العباس، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: هذا التقييد لم هو منا مثل كلام من منسطر سلطانة اكرت ابرطن، إنما هو محض المحبة ومرادنا في الخير لهذه الإيالة، ولا يخفى منا صعب هذا الوقت وقدر ما يصعب الأمر يصعب دواؤه، والله يعين لمن تسبب، والحمد لله عقل سيدنا كبير، ويميز ما يكون فيه المنفعة في هذا الأمر، والله عالم لم تكلمنا في هذا ولم سعينا فيه إلى حيث مرادنا هو تخرج بخير من هذا الأمر حتى لا يضعف السلطان ولا بيت المال وعلى المحبة والسلام في 2 نونبر سنة 1860. عن إذن منسطر سلطانة اكرت ابرطن بإيالة مراكش جان هى درمنض هى". ومن ذلك كتاب سفير فرنسا ونائب دولة الساردو في شأن بعض التجار ونصه على ما به من عوج فاق الحد: "الحمد لله وحده، لا شريك له: من جانب موسى ده عيتليون نائب المفوض له وقنصل جنرال دولة فرنسا في ممالك الغرب إلى حضرة الأكرم المكرم الفقيه العاقل الأجل الأفخم السيد محمد الخطيب خديم مقام العالى بالله نصره الله، بعد السؤال عن عزيز الخاطر إن شاء الله أنتم بخير المبدى إلى حبكم، هو أن بموجب صارت المذاكرة به نرجو فضلكم تتأملوا لقضية موسى كمبرد واثنين والثلاثين من تجار السارود وفى أصفى، وتبلغوا ذلك لمحل الإيجاب لأجل التسريح بمقدار فقط الحبوب الموجودة اليوم تحت يدهم من الفول والضرا والحمص من غير زيادة، وكما ذكرنا إلى حضرتكم، ولو أن التاجر المذكور ورفقاءه يدعون أن بوقت المنع لاستقصوا منهم ما عندهم من هذا

المصنف، وأن في السويرة والجديدة صارت المساعدة للبعض في وصق جانب من ذلك، وأخيرًا أنه راجل مسكين هو ورفقاؤه وتحصل لهم الخسارة الكبيرة في أمرهم إن لم عظى لهم تسريح، مع كل ذلك نحن تغيرنا عليه وعليهم ونصير نبلغهم أن من هنا لقدام لا يتعاطوا شئ يكون مخالف أمر السلطان أيده الله لكوننا نصير نقبل به عذر. والمرجو كذلك من فضلكم حين تكاتب هذه القدية يكون الأمر لامنا صفى حين ورود التسريح المذكور يحققوا حالا ما عند كل من تجار المذكورين ولا يكون الوسق إلا بالذى تحت يدهم ولا غير، وهذا ما نطلبه منكم والسلام 2 اوت عام 1860" ثم إمضاء عجمى وتحته: كذلك النائب المفوض له من جنس السارود حسب التوكيل انتهى بلفظه وحروفه. ومن ذلك كتاب الكولونيل حاكم تلمسان إلى عامل وجدة بعد الحمدلة: "من حضرة سعادة الكرونيل حاكم عمالة تلمسان ونواحيها أيده الله إلى محبنا الفقيه السيد أحمد بن الداودى عامل وجدة ونواحيها، عليك السلام مع دوام الرحمة والبركة. وبعد: قد دركنا كتابك على شأن أولاد انهار وأولاد على بالهامل المهاجرين، وقد استنجزنا وفرحنا غاية، بأن سيدك السلطان أيده الله أمر قبائلكم أن يبعثوا من عندهم العرب المهاجرين وهم المذكورين أعلاه، وتحققنا غاية بأن مرادك في الخير معنا إن شاء الله جزاك الله خيرًا على ما فعلت معنا في الدعوة، وعزمت ببعث نسخة من بطاقتك لسيدنا الجنرال دولينى. وكتب لنا في خيط تيليغراف وأمرنا بالكتب إليك ونجازوك عنه خيرًا عن إصلاح أفعالك، فلذلك نحب منك أن تجمع حذوك جماعة أولاد انهار وأولاد

[صورة] كتاب من حاكم تلمسان إلى ابن الداودى قائد وجدة

على بالهامل، وتخبرهم بأن جميع إخوانهم المسجونين في وهرانه وفى افرانصه قد أنعموا عليهم بالتسريح لأجل عيد سيدنا ومولانا السلطان أعزه الله ودام نصره. واليمانى ولد الموفق فتراه مطلوق بوهرانه ويتنزه فيها، مع ولد أخيه الماحى، وابن رقية ولد محمد وتراه يرجى في خلوط المسرحين من افرانصه، وتلك الناس يكونون في وهرانه البابور أو في البابور متاع يوم السبت الآتى بغير شك، وحين يجتمعوا كلهم بوهرانه يبعثونهم مطلوقين لتلمسان ومن هنا إلى سبدو، وجميع ما ذكرناه لك يكن عندك حقًا وصديقًا من جانب سيدنا الجنرال دولينى، ومن جانبنا ولذلك أبعث أولاد انهار وأولاد على بالهامل يتقربون بلادهم ويكونون موجودين لجمعهم مع إخوانهم حين يقدموا، فالله يجازيك خيرًا ونحبك أن تعود تشتهد في الخير بين الدولتين بتاريخ خمسة وعشرون من ربيع الأول عام 1282 المطابق 18 اوت عام 1865". ومن ذلك كتاب سفير الإصبان للنائب بركاش: "الفقيه العاقل وزير الأمور البرانية للحضرة الشريفة السيد محمد بركاش لا زال عنك السؤال، نطلب الله تكون بخير وعافية. وبعد: وصل لعلمنا أن بعض أشرار الناس حركوا سكان قليعة على نقض الشروط ودخول أراضى إسبانيا التي قبلة امليلية ويزرعونها وينتفعون بها إذ أهل الريف نقضوا الشروط، لابد من ثقل العواقب، كما لا يخفاكم، ولتجنب الوقائع المضاهية التي ينتج منها الداهية وتكدير الصلح بين الدولتين، ينبغى للحضرة الشريفة تبعث كتاب بختمه الشريف إلى متولى الريف ليقرأه لمشايخ وسكان قبيلة قليعة، وتأمر بكتابها اعتبار الأراضى التي لإسبانيا بموجب الشروط العظيمة، وتهدد بالقصاص الأشد على من ينقض الشروط أو تسبب في الشكايات لإسبانيا بأقل ما يكون.

[صورة] كتاب سفير إسبانيا لوزير الخارجية المغربية السيد محمد بركاش في شأن الحدود

ولما ترفعوا طلبنا هذا لعلم حضرة السلطان فلا شك عندنا أنه يرضى بها ويأمر بتوجيه الكتاب السلطانى كما ذكرناه قبل من حيث قبح الطريق تظنوا أن الكتاب الشريف يطل جدًا في إيصاله لمتولى الريف إذ وجهتموه قوامًا من فاس للريف، يمكنكم توجيهه لطنجة واحد من القواد الموجودين هنا يحملها لامليلية على طريق مالقة، ونحن نسهلوا عليه السفر ونحن في انتظار جوابكم فورًا وعلى المحبة والسلام في 9 دجنبر سنة 1868. الموجه المفوض بالتفويض التام لإسبانيا قرب الحضرة الشريفة. فرنسيسكو مرى وكلوم". ومن ذلك كتاب قنصل البرتغال للخطيب: "الحمد لله وإليه يرجع الأمر كله. إلى حضرة المكرم الأرضى، النائب عن المقام الشريف الواسطة في الكلام مع نواب الأجناس الفقيه الوزير السيد محمد الخطيب، فالله يدوم مقامك بخير وعافية. وبعد: فاعلم وأنه بلغنى من حضرتك الكتب الأول بتاريخ 18 والثانى بتاريخ 28 من ذى القعدة شهر التاريخ وتعرفت بجميع ما ذكرت لنا فيهما على أجل تلك البحرية من آل جنسنا الذى عرفتك بهم من قبل، وبما قد كان توقع لهم. ومن مكاتبك هذه قد بانت لنا المساعدة والخاطر معنا في شأن ما تكلمت معك به من أمر ذلك القضية، وقد ورد الأمر الشريف بأن تعرفنى بالتأكيد الصادر بالبحث على الفعال وعقابهم، مع أن ما لنا من غاية القصد والمراد هو أن تبقى مخزنية جنسنا مقررة من غير تكدير الخاطر، حيث الملزوم على أن نعرف وكنت

عرفتها بما جرى من قبل والله يجازى المقام السعيد عنا خيرًا على ما أمرك بأن تعرفنى به في ذلك، وكذلك سيادتك والله يبارك فيك ويبقى واسطتك السعيدة بخير دائمًا وعلى صفاء المحبة والتمام في يوم 30 من ذى قعدة الحرام عام 1275. الخديم جرجى كلاص قنص خنرال لجنس البرطقيز بمحروسة طنجة". ومن ذلك كتاب "فرنسيسكو اميريكية" الأسير الإسبانى بواد نون من سوس ترجمته: "واد نون في 6 ديسمبر سنة 1863. إلى قائد الجيش المغربى (¬1). بعد تقديم سلامنا إلى سيادتكم والدعاء لكم بتمام الصحة والعافية، نخبركم أنه قد ألقى القبض علينا في هذه القرية ونحن الآن بها 25 أسيرًا نصرانيًا، أما 6 منا فقد أسروا هذه مدة تناهز السنة و 8 قد سجنوا هذه ستة شهور بعد ما غرق بهم المركب، وأما 12 الآخرون فهذه ثلاثة شهور، ولهذا السبب لا ينبغى أن يأخذكم العجب حيث تجاسرنا على الكتابة إليكم ولم تتقدم إلينا إلى الآن المعرفة بجنابكم، وعليه قد بلغنا بواسطة أحد أتباعكم أنكم وصلتم صحبة حضرته إلى المدينة التي نحن مسجونون بها، فعزمنا إذًا أن نكتب إليكم على يد خادمكم المذكور وكذلك لسموه طالبين منه أن يبذل كل رخيص وغال لديه ليخرجنا من هذه الغربة، وكما نطلب منكم أن تعملوا كل ما في وسعكم وسنحفظ لكم هذا الجميل ما حيينا. وأما إعداد تخليصنا فقد بيناه في الكتاب الذى وجهناه لحضرته ونعلمكم أيضًا أن الدكتور لويز كارسيل رئس المركب المسمى بلاكولط بوليكاربو من الخزيرات قد أسر معنا، وكان هذا المركب يبحر على طريق الرباط، وقد كان خرج ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "لا يعرف هذا القائد على المحلة المغربية المتوجه لتلك الناحية".

[صورة] كتاب جرجى كلاص قنصل البرتغال بطنجة للسيد الخطيب وزير الخارجية المغربية

[صورة] كتاب وكيل قنصلية بوليفيا بباريس للسلطان سيدى محمد بن عبد الرحمن

من آسفى موسوفًا زرعًا قاصدًا الجزائر الخالدات (كنرية) فغرق في 27 مايو بعد ما امتلأ ماء وفى 29 أمكن هذا الرئس أن يصل إلى الشاطئ دالميانو مع 7 من البحرية فألقى القبض عليهم. وخلاصة الكلام فنؤكد على جنابكم أن تبذلوا الجهد الجهيد في إنقاذنا من هذه الغربة، وأن تتفاوضوا مع الأمير في شأننا واعلموا أن جل هؤلاء الأسرى متزوجون وأن عائلاتهم الآن يتقلبن احتياجًا عادمين يد المئونة. ها ما وجب به الإعلام اليوم وانظروا حالة هؤلاء الأسرى الذين يقبلون يدكم. الكاتب: فرانسيسكو اميريكه. ومن ذلك كتاب وكيل قنصل بوليفيا بباريس للمترجم: [صورة] "إلى جلالة السلطان والخليفة بالمغرب الإمبراطور العظيم. منذ ارتقاء جلالتكم على عرش أسلافها الكرام ما فتلت تحارب الصعوبات الخطيرة التي أزحتموها بفضل شهامتكم وحسن تدبيركم، والآن يا جلالة الملك لأجل المحصول على عظمة دولتكم بصفة دائمة والقيام بسعادة رعيتكم، فإنه لم يبق لجلالتكم إلا تقوية دعائم سلطتكم ونشر أصول الثروة التي أفاضها الله تعالى على البلاد المغربية المخصوصة بكل خير ولأجل المحصول على هذا المقصد السامى فها هى الطرق المؤدية طبعًا لذلك وهى: [صورة] تكثير دخل بيت المال بتحسين طرق الجبايات. تنظيم الجيش على مقتضى أحسن أصول الفن العسكرى الحديث وذلك باستعمالكم للمدافع الجديدة.

[صورة] كتاب فرانسيسكو أمريكيه البحرى الإسبانى الأسير بواد نون

إحداث السكك الحديدية وطرق العربات بسائر أصقاع المغرب لتسهيل انتقال الجنود والحركات التجارية. تأسيس مركز مالى يكون باعثًا ومقويًا للمشاريع الصناعية. ولكن قبل كل شئ فإن جلالتكم سترى بلا شك أن أول عمل مستعجل، هو عقد سلف عام يخصص قسط منه لإرضاء مطالب إسبانيا والقسط الآخر يصرف في الإصلاحات الواجبة بداخل الإيالة المغربية. هذا وإذا قبلت جلالتكم هذه الأفكار فلتتفضل بتشريفى بثقتها النفيسة بتسميتى قنصلها العام ووكيلها السرى بباريس لأعينها على تحصيل ذلك، وأعرض عليها مشروع سلف بعد مفاوضة جماعة من الدور المالية، يكون جامعًا لسائر الشروط التي تفيد المغرب، كما أنى سأعمل غاية مجهودى للقيام بمصالح حكومتكم لدى الدولة الفرنسوية وأقدم لجلالتكم واجب الاحترام. الإمضاء: سيجير دوليبصار. وكيل القنصلية العامة لحكومة بوليفيا. بشارع لافيكطوار عدد 7 بباريز. باريز في 29 أكتوبر سنة 1861". وحوله طابع مكتوب بداخله "القنصلية العامة لحكومة بوليفيا". ومن ذلك تقييد مطالب سفير الإنجليز ونصها بإمضاء العربى بعد الحمدلة. "أوله ما كان واعد به السلطان المقدس من قبض وعقوبة السيد مسمى وأولاد سيدى الشيخ وطردهم من محادة الفرنصيص فلا من وفاء ما ذكر أو تصدر منه مشقة.

فالجسارة الصادرة لخليفة اكرت ابرطن بثغر آسفى من عاملها بهجم محل الخليفة المذكور وحوز أمتعته، وهذا العامل المذكور فالواجب هو عزله من الخدمة عن هذه الجسارة المهمة، ويرجع للخليفة الأمتعة المذكورة وقد أمرتنى دولتنا بطلب الحق التام عن هذا الأمر. والمطالب الكائنة المتعلقة بالمراسى فلا بد من فصالهم دون تعطل، والفقيه السيد على المسفيوى أو كاتبًا آخر يؤمر بفصال هذه الأمور ويجعل الحق. والمكس المجعول على الأبواب ينبغى زواله وتركه حيث يصدر منه الغير الكثير لرعية السلطان أيده الله، وخلافا لمراد دول الأجناس حيث فالسلع يتأدى عليها عشرة في المائة وقت نزولها، وفى السلع الخارجة يتأدى عليها من 19 إلى 29 في المائة، ولهذا يكون مكس آخر على ذلك مخالفًا لمضمن الشروط، وذلك مستنبط من رأى لا عقل له من أحد من أهل فاس، والكثير من المستفاد المذكور يدخل بصناديق الخدام ولم يدخل بيت المال. وديون العمال لرعية الأجناس فلا بد من فصالهم ويصدر كثير الغيار من هذا التعطل. وما كان واعد به السلطان المقدس في أمر جعل المون لمرسى طنجة وحصر البحر بدار البيضة، وجعل الطلكراف، وهو الكلام في السلك فلا بد من وفائه أيضًا. فخدام مرسة الصويرة يشتكون منهم مرارًا فيما يجعلون من المشقة لقونص اكرت ابرطن وقونص الفرنصيص هناك ولغيرها من قنصوات الأجناس من العكس الصادر منهم في الأمور الصغار، وعن جعل الحق ومن ظهور الخصوصية منهم في الأعشار، فالمستحق لهذا الخدام التوبيخ التام أو العزل بالكلية أو تصدر منهم المشقة الكبيرة.

حساب الموازنة والدفاتر المالية في عصره

ويقع النهب مرارًا لرعية اكرت ابرطن ولغيرها من رعاية الأجناس بثغر الصويرة أيضًا، قبل وفاة السلطان المرحوم ولم ينفضحون النهاب ولم رجعت الأمتعة المنهوبة لأربابها، والظاهر وأن عاملها يقسم معهم ويذكرون وأن العامل .. (بتر). ولا بد من البحث في هذا النهب الواقع المذكور وصدور الحق عليه. والأمور الأخر المتعلقة أيضًا فلا بد من فصالهم والسيد بو بكر بيده التقييد عن ذلك وخبر الجميع وفى 22 أكتوبر سنة 1873. جان هى درمنض هى". وقد أتينا لك بهذه الوثائق الرسمية والمعاهدات الدولية بنصوصها على ما بها من ألفاظ عامية، وتراكيب سقيمة، هى الأمثلة العليا للركاكة والفهاهة، بحيث لا يقبلها ولا يسيغها ذوق المتأدب فضلاً عن الأديب، ولكنا آثرنا ذكرها على ما ذكر من اعوجاجها لما فيها من الفائدة التاريخية التي هى المقصد الأهم عندنا، ولأنها صادرة عن رجال مسئولين عن تلك الحوادث وقد كتبوها بخطوطهم، أو أمضوها بتوقيعاتهم، فأقوالهم أصدق الأقوال في موضوعها، ورواياتهم أقوى الروايات، والله الموفق في الماضى والآت (¬1). حساب الموازنة والدفاتر المالية في عصره كان نظام بيت المال أو حساب الموازنة المالية لصندوق الدولة في عصره على أتم وأضبط ما يكون، بل إن من يطالع ويفحص ما بمكتبنا من الدفاتر التي لا تزال ناطقة بحسن النظام وترتيب حساب الموازنة في هذا العصر والذى قبله وبعده، يدهشه ما يعثر عليه من دقتها ونظامها، ولا يكاد كثير من غير المطلعين يدرون شيئًا منها، فبيت المال كان عهده وعهد سلفه سائرًا تحت نظام لا يختلف في شئ من أصوله ومؤسساته عن نظام الموازنة المالية العصرية المعمول بها في هذا الوقت. نجد بين أيدينا دفاتر حسابات الموازنة العمومية، وهذه تشتمل على أقسام ودفاتر متنوعة بتنوع وجوه المدخولات والمصروفات المالية من حساب الجيش ¬

_ (¬1) حافظنا على الأسلوب هنا وفيما مضى ليكون شاهدا على لغة عصره في مثل هذه الوثائق والمعاهدات الدولية.

بأقسامه وحامياته المرابطة بكل ناحية على حدة نأت أو قربت، وحساب المصالح المخزنية والوزارت والعمالات، وحساب النفقات الخاصة والعامة، لمختلف شئون ومصالح المملكة والتابعة لها والمتعلقة بها، كنفقات السفراء والوارذين والمتوجهين لخدمة الأغراض السياسية والتجارية، بينه وبين سائر الممالك، ونفقات الدار السلطانية مفصلة بكل ضبط، فمنها للسلطان نفسه ولخدمه وخاصته وحرسه وو ووهكذا قسم المدخولات وأبوابها المرتبة ونظامها المتقن البديع المتبع فيه نفس النظامات المالية بعينها وذكر كل وارد على حدة وبابه وقسمه وطريقه الوارد منه وإلحاقه بمحله اللائق به. ومن لى بأن يعرف المطالع أو يقف بنفسه على هذه الأسفار الحسابية نفسها، فإن قليلاً من إرسال رائد النظر يدرك معه ما كانت عليه حسابات الدولة العلوية العلية من النظام الذى لا أخشى أن أردد عنه ما قلت من أنه لا يقل شيئًا عن حساب الموازنات المالية في هذا العصر، إن لم نقل إن ذلك عنا أُخذ. ومع كون الحسابات مضبوطة أتم ضبط ومرتبة أحسن ترتيب، نشعر أن الدقة كانت تتناول ما عدا الحسابات اليومية والشهرية ومجموعة السنوية ترتيب الأرقام وأحكام وضع أعدادها المنضبطة إزاء كل فصل من فصول الخارج والداخل، ثم وضع مجموعاتها حاشية الصحيفة بضبط مع جعل شبهه مجموعة عامة اختبارية في الآن نفسه أسفل كل ورقة، وقبل نقل ذلك ومتابعة العمل في الصحيفة الموالية. فنفقات التراتيب المخزنية وحواشى الدار ونفقات ما فوق العادة والطارئة والفصول التي لا تندرج تحت قائمة أو باب معينة، كل ذلك كان معروفًا ومذكورًا بحساب الموازنة المالية المغربية على هذا العهد، وكان السلطان يطلع عليه ويعلمه ويدققه احتفاظًا بحقوق الأمة تصرفًا بالحق والعدل في مال الدولة والرعية،

واستعمالاً لذلك في وجوهه الشرعية والقومية التي يصرف فيها، ومن أجلها وقعت جبايته وتحصيله. وهل تظن أن إصلاح عربة السلطان والتنصيص على فرشها وإقامتها وكل أجزائها، مهما كان ذلك صغيرًا أو مهم، وذكره في حساب النفقات الخاصة بالسلطان، وجعله في موازنته ليطلع عليه كان لغير معنى أو سبب من الأسباب التي نومئ لها من توخى الدقة والمراقبة التامة على جليل الأشياء وصغيرها مع إحكام النظام والحسابات على نمط يشبه أحدث الطرق العصرية المستمدة من علم الحسابات ومسك الدفاتر وفنون التجارة والاقتصاد. وهل لك أن تعيرنى سمعك فأحدثك كيف كانت الدولة تسلف التجار والقبائل سواء بالحاضرة أو بالبادية إذا ألمت بهم ملمة مالية أو همت بالوثوب عليهم أزمة اقتصادية على نحو ما نشاهده الآن من صنيع الحكومات الراقية، واعتنائها بمد يد المساعدة إلى الرعية كلما حدث موجب ذلك من شتى الأحداث والنوائب، وقد كان هذا السلف يدفع لأربابه ومستحقيه من غير فرق في ذلك بين أهل البلاد من المسلمين وأهل الذمة من اليهود الذين كانت أشغالهم التجارية متسعة النطاق على ما هو معهود منهم. وليس ذلك فقط ففى هذه الدفاتر المرتبة المنظمة تجد أنواعا من التراتيب التي كانت تشمل هذا وغيره من الفصول الشاهدة بدقة الحسابات وتنظيم المالية إلى حد واسمع مديد، ليس بعده من مزيد. وما ورثته عن سلفى من ذلك إنما هو نقطة من بحر، وجزء من ألف، ولو وقع الاحتفاظ بدفاتر الدولة وأوراقها التي فرقت أيدى سبا وأوقدت بها الأفران والحمامات ولفت التوابل في البقية الباقية -وليس ذا ببعيد- لكانت آية إعجاز للرائين والسامعين ومادة أبحاث للباحثين والمؤرخين:

[صورة] الصفحة الأولى من كناش الداخل السعيد في 16 شعبان عام 1274

فمن تلك الدفاتر كناشة من الجرم المستطيل نصفها الأول يشتمل على الداخل السعيد بمكناس في مدة الأمين السيد محمد الزكارى، ثم ما دخل في مدة الأمين الحاج محمد بن جلوان، ثم الأمين السيد عبد السلام ودان، ذكر فيه ما دخل على كل واحد منهم يوميا ابتداء من الزكاوى في 16 شعبان الأبرك عام 1274 مع بيان كل يوم وما دخل فيه، وبعد أن ذكر جميع الداخل عليه أسقط منه جميع ما صيره وحسب الباقى على خلفه ابن جلوان، ثم جمع ما دخل على هذا وأسقط منه ما صيره وحسب الباقى على خلفه ودان. ونصفها الثانى يشتمل على بيان الصائر السعيد بمكناس مياومة وما صيره كل واحد من الأمناء المذكورين، فالزكارى ابتدأ من التاريخ المذكور إلى فاتح ربيع الثانى عام 1275، وابن جلون منه لمنتصف ذى القعدة من العام، وودان منه لخامس جمادى الأولى عام 1276، وذلك مع ذكر اسم كل يوم وتاريخه من الشهر وبيان قيمة كل شئ مما يصير فيه فوقه، وإذا كان ذلك الشئ متعددا ذكر عدده عن يسار اسمه، وإذا امتلأ الوجه من الصحيفة وأريد الانتقال لما بعده ذكر أوله جميع الصائر يمينه، فإذا انتهى صائر اليوم الواحد جمع أسفل الأعداد المصفوفة، وربما خط خط عن يمين تلك الأعداد المصفوفة وذكر جمعها في الوسط منها بعد الخط على الهيئة المعروفة اليوم، ومثل ما قلناه في قسم الصائر يقال في قسم الداخل، وقد بلغ جميع ما دخل على الأمين الزكارى في هذا الدفتر: 5074311 وكسور أسقط منه جميع ما صيره مدة خدمته وهو: 4702354 وكسور الباقى الذى حازه الأمين ابن جلون 371957 وكسور جميع الداخل عليه 2799173 وكسور أسقط جميع ما صيره 2485654

ما وجد نقصا عنده 000,348 الباقى الذى حازه الأمين ودان 313170 الداخل عليه 5914384 وكسور صائره 5445255 وكسور فالداخل يجتمع ماله من الأعشار والزكاة والمستفادات والجزية (¬1) والهدايا والملاقاة التي يقدمها الموظفون والعمال، وما يقبض من أصحاب كنطردة تبغة وما يجتمع من متخلف البعض وما يفضل عن الرواتب والصوائر المقررة فيرجع، وما تباع به بعض الحبوب أو الحيوانات وما يخرج من بيوت الأموال والدعائر والمصادرات والسلف المقضى ومتخلف المنقطعين وما يبعثه بعض العمال من الإعانة للحركة وما يرسله أمناء المراسى وغير ذلك. والصائر يصرف ماله في أُجرة الرقاصين أصحاب البريد والحمَّارة والمسخرين، وإصلاح الأدوات والأماكن والشعير وطلبة الحساب وأمناء المدينة والكتب وهدية الطلبة والمئونة الملزمة، وأصحاب العمال والأمناء والخلفاء وغيرهم، ومعونة بعضهم وحجاج الجيش البخارى، وطرافة مجلدى بيت المال، وما يدفع لبعض الأشراف وطلبة بعض المدن والقبائل، وأصحاب اللطيف، والنساء والمتزوجين، والجيش الفاسى، وبعض الإعانات والعطايا والصدقات والكنانيش، والمداد والكاغد، وثياب اللباس، والرايات وفضة دار الضرب ومئونة الجيش اليومية من خيل ورماة ومقدمين وقواد الأرحى والمشفع والنفار في رمضان، وطبجية الثغور والعريفات والمعلمات والوصيفات والفرايجية، ووفود المدن والقبائل في الأعياد وتجهيز موتى الجيش والطبجية، وصدقات طريق المسجد في الجمع، وما ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "بلغت جزية أهل الذمة بالرباط 26666 من المثاقيل وأهل الذمة بسلا 5200 ومن مكناس 1000 ومن آزمور 3500. .

يدخل لبيت المال، وما يدخل للحضرة الشريفة، وراتب أهل آزغار من خيل ورماة ومقدمين وغيرهم والخلط سكان مكس كذلك ونقش الطوابع، وجيش أهل الريف، والأوداية، وصلة ليلة المولد بيد الفقهاء والأشراف والقضاة وصائر الوحوش والمكلف بها، وما يدفع للمؤذنين والموقتين وما يدفع للأمين قدر إن صائرا على الدار العالية بالله وعلى الكشينة السعيدة أو على يد الفقيه المحتسب عن كل خمسة أيام، وعلوج الأجنة وللنساء بباب السوائى كل خميس، وخبز قيالة الأسبوع، والسلف لبعض الناس، وما يعطى للممنون عليهم بالإسلام، والوافدين من الحرم، ومئونة الدار العلية بالله شهريا، وإصلاح الكدش السعيد، وصدقة الطلبة والمساكين وغيرهم عند موت السلطان المولى عبد الرحمن، وللقاضى والعدول الذين كتبوا بيعة المترجم، وصلة أيتام الجيش البخارى والمتأيم منه، وما دفع لأصحاب القصائد والأطباء إلى غير ذلك من وجوه الصرف المتعددة. ومن ذلك كناشة أخرى تقع في مجلدين مربعين ذكر فيها ما دخل للجناب العالى بالله من ربيع الأول عام 1278 إلى جمادى الأولى عام 1287 من السلف، ومستفادات الأبواب، والموازين، والبارود، وكنطردة تبغة والاطرات والكبريت، والحوافر، والأعشار والزكاة والدعائر كل شهر على حدة، كما قيد بها الصائر السعيد للدار العلية بالله بمكناس، وما أضيف إليها من التاريخ المذكور إلى شعبان عام 1286 مبينا فيها ما كان يوجه لها من اللوازم المعاشية السنوية والشهرية واليومية من خليع وزيت ودقيق وخالص وكسكسون ولحوم وخضر وتوابل وغير ذلك من حاجات المنازل، كما ذكر فيها ما كان يخرج صائرا يوميا لغير ما ذكر كمئونة خبز الملزومة والصدقة ومئونة الجيش والشعير والنخالة وطعام باب منصور العلج، وللذاكرين اسم الله اللطيف بضريح المولى إدريس الأكبر، ولذاكريه بمكناس، وما صير في غير ذلك من الأمور الحوادث كطلبة الهندسة والفرايلى

وصاحبه، وصدقة جامع الزيتونة كل جمعة وتجهيز الشريفات والوصيفات والوصفان والمستولدات، ومئونة المساجين وتقطير الورد إلى غير ذلك مما تقدم ذكر مثله في صائر الكناشة السابقة. ومن ذلك دفاتر رواتب الجيش السعيد ومئونته، منها دفتر في مجلدين مربعين أولهما صغير الجرم يتضمن بيان توزيع الراتب الشهرى وتفريقه على الجيش كل شهر على حدة بحسب 25 للفارس، ونصفه للراجل، والربع للكبار والطلبة، والثمن للصبيان، ثم أُبدل ذلك بحسب 30 للفارس والنصف للرماة، والثلث للصغار، والربع للكبار والطلبة، والثمن للصبيان على هذا الترتيب: (عبيد الزنقة، سعادة، الجوارم، الزمراني، سعود، تفيلالت، المسخرون، الفرايجية، أصحاب سيدنا، اجراى، الطبجية، الأعلاج، مجاط) وربما أسقط أرباب المراتب الثلاث الأخيرة أو آخرهم إلى أن حذف ذكره وربما زيد على ما ذكر أصحاب القائد إدريس والعسكر، وراتب أهل سوس سكان فاس وآرغار ومئونة الباشا والقواد والعلافة، وللجدعان الفطام ومئونة العسكر النظامى والداخلين فيه، وذلك مع بيان الصلات التي ينعم السلطان بها أحيانا عليهم وعلى قواد المائة والأرحى والمقدمين. وابتداء هذا الجزء الأول من الدفتر من شهر ربيع الثانى عام 1252 ومنتهاه جمادى الأولى عام 1267 وأول الثانى جمادى الثانية عام 1267 وآخره ربيع الأول عام 1294 فهذا الدفتر بجزأيه يتضمن راتب الجيش على عهد الملوك الثلاثة المولى عبد الرحمن وولده المترجم ونجله المولى الحسن. وقد زيد في الثانى على الأصناف المذكورة في الأول المسخرون الذين مع الخليفة وأصحاب العباس والبوابة، وأبدل اسم الصغار بالشويردات -وأُسقط اسم العسكر، وربما زيد عبيد البخارى الواردون من الغرب والكدارة والخلط وسكان مكس وأصحاب الطالب إدريس وعسكر أهل المدينة.

ولما تولى المترجم صار واجب من ذكر بحسب 50 للفارس، ونصفها للراجل إلى آخر المراتب، ثم عاد لما كان عليه قبل وتقرر اسم العسكر والطبجية والخلط وأهل تولال زيادة على ما كان، ولما تولى المولى الحسن زيد اسم الشرفاء والوصفان وصار يدفع لهم تارة 120 وأخرى 60 وآونة 30. ومنها دفتر المُؤَن اليومية للجيوش والحواشى والحناطى والمسخرين الذين كانوا برسم الخدمة مع صاحب الترجمة زمن خلافته، وكذلك غيرهم يقع في مجلدين مربعين. وقع ابتداء الأول من يوم الاثنين ثالث ذى الحجة الحرام عام 1270، وانتهاؤه متم ذى الحجة عام 1271. وأول الثانى من فاتح محرم عام 1272 إلى متم ذى الحجة منه. وترتيب الأصناف فيه على هذا النحو: (الجيش البخارى، المسخرون منه، مسخرو القائد إدريس، أصحاب ابن قدور، أهل سوس المنشية، زرارة وتكنة والشبانات، جيش دليم، المسخرون منهم، مسخرو الأوداية، مسخرو المغافرة، مسخرو الرباط، الطلبة، الفرايجية، أصحاب الأتاى، الفراش، السجادة، الطبالة، الوضوء، الجزارة، الأروى، الفرادة، المكاحل، المظل، المشاورية، الطبجية، الحمارة، عسكر الحاج أحمد، عسكر مصطفى، الرقاصة، الخلط، أصحاب سيدى محمد بن الميمون، الجمالة، الأوداية). وقد ينقص بعض ما ذكر وقد يزاد عليهم غيرهم من الواردين والعيادة وأصحاب الهدايا كوصفان بربيرة وأهل العرائش وطنجة وزمور وآيت يزدك وآيت يوسى، ووصفان الأحلاف وادالة مكمان، وولد حماد كروم، والسيد على بن الجناوى، وأولاد إدريس، وآيت أسدى، وأولاد الحاج وزيان، وادالة الرصانى

وأصحاب ابن عبد الصادق، وطلبة اكراى والطلبة المختاريون، وأصحاب ابن الشليح وغيرهم، ثم أبدل عسكر مصطفى بعسكر على والطالب. ومن ذلك كناشة كنطردة تبغة عن سنة في مدة أمينيها السيد محمد الديرى والسيد عبد القادر الشعشوع وذلك من تاريخ ذى الحجة عام 1281 إلى ذى القعدة عام 1282، ذكر فيها ما يباع من تبغة والعشبة على اختلاف الأنواع وما يضاف لذلك وما يتعلق به ومن أخذها وفى أى تاريخ أخذت وما صير عليها من أجرة أجير، وثمن متعلقات وغير ذلك، فإذا انتهى الشهر أمضى على ذلك عدلان بشكلهما. وما ذكرناه عن دقة تنظيم دفاتر الدولة وترتيبها وضبطها وجريانها على قانون مرعى لم يكن خاصا بالدفاتر المالية وحدها، ولا بهذا العصر المحمدى وحده، بل هو تابع لما تقدمه وما بعده تابع له كما تدل على ذلك الأدلة التي منها دفاتر عبيد الجيش البخارى في العصر الإسماعيلى، ولا زال بعضها مدخرا بخزانتنا، ومنها الدفتر المذكور سالفا في فصل التراتيب المالية من ترجمة السلطان سيدى محمد بن عبد الله، وقد نقلنا منه فوائد. ومنها دفتر المعاهدات في عهد المولى عبد الرحمن يتضمن الاتفاقات التي عقدها مع الدول الأروبية والأمريكية وغيرها من اتفاقات أسلافه كالمولى عبد الله وولده سيدى محمد ونجله المولى سليمان. وقد وقفت على دفتر مرسى ثغر الصويرة في عهد المولى الحسن من شوال 1308 إلى أواخر 1310 يبدأ فيه بذكر الموضوع يوميا مع ذكر الشهر والسنة وما يوافقهما من التاريخ المسيحى وبيان اسم المعشر واسم الباخرة أو المركب التي وردت فيها سلعته ونوعها وبيان عددها ووزنها وسومها، وما يجب فيها، ثم يتبع بالموسوق كذلك، ويجمع ما تحصل فيهما ويزاد عليه واجب المخطاف للباخرة أربع ريالات، وللمركب اثنان، وتعد المراكب والبواخر الواردة، ويذكر ما قبض من

السلف الذى عند بعض الأفراد ثم يشهد الشهود على ما اجتمع في داخل ذلك كله. وفى الصفحة الموالية يذكر صائر ذلك الشهر من مؤن يومية، ورواتب شهرية ومنجرة القوارب الجديدة والقديمة، وإصلاح السور والمون إذا أفسده البحر والبناءات والأمور الحادثة، وإصلاح الرباع ومؤن المحلات الموجهة لسوس، ويجمع ذلك الصائر كله ويشهد عليه العدول. ثم تذكر نسخ الظهائر السلطانية أو رسائل الحاجب أو أمين الأمناء الموجهة للأمناء بدفع بعض ما في أيديهم وصرفه في وجوه معينة، ويشهد الشهود على مقابلتها ومماثلتها لأصلها، ويجرى العمل كذلك فيما يليه من الشهود، وأعلى ما بلغه الداخل الشهرى فيه 18129 من الريال وأدناه 3514، وأعلى ما وصل إليه الخارج الشهرى فيه 41630 ريالا بانضمام مئونة المحلة الموجهة لسوس، ووادى نون والرقم الذى يليه 32871 بانضمام مئونه المحلة ويليه 2721 بانضمام كسوة العسكر الموجهة لرودانة والمحلة وأدناه 2921 ريالا. ومن ذلك كناشة القوس السعيد وقد أسلفنا الكلام عليها في فصل السكة من الترجمة الحسنية ونقلنا أمثلة منها للإيضاح. ومن ذلك دفتر كان معدا في الدولة الحسنية أيضا لتقييد ما يصاحب الفراش السعيد من صناديق الكتب واللباس والأدوات وغيرها عند انتقال الجناب العالى بالله بين عواصمه، وما يبقى من ذلك في قباب القصور السعيدة، وما يحول عن محله لغرض، وكذلك ما يوجه من الهدايا للدول، والهدية التي كانت معدة للسلطان العثمانى وغير ذلك.

آثاره

ومن ذلك دفتر آخر يشتمل على ما تعلق به الغرض من نسخ المكاتيب التي كانت توجه أصولها من باشا فاس عبد الله بن أحمد للحضرة الحسنية وغيرها من مكاتيب الوزير والحاجب وأجوبتهم عن ذلك. وكذلك عثرت على بعض دفاتر دار النيابة السلطانية بطنجة في هذا العهد، وفيها نسخ ومبيضات ما كان يوجه من الرسائل للحضرة الشريفة والوزراء والأمناء والعمال وسفراء الدول، إلى غير ذلك مما يطول تعداده. آثاره منها معمل السكر الهائل الضخم البناء المحكم الوضع، الذى أحدثه بأخريات جنان أجدال بمراكش الحمراء، وأنفق في بنائه أموالا طائلة، وجلب إليه العملة وما يتوقف عليه صنع ذلك من الأوانى والآلات، وأمر بغرس القصب الحلو واستنباته وتهيئة المزارع الطيبة له، وأتى بمن يحسن عصره من أوربا بأجور عظيمة، ولما عجز أولئك الأوربيون المجلوبون لعصر قصب السكر وتصفيته وإخراجه من القوة إلى الفعل عن إتمام عمليتهم جلب الصناع المهرة من مصر القاهرة. وقد وقفت على كثير من رسائل السلطان مولاى الحسن بإمضائه كان يكتبها لحاجب أبيه لما كان خليفة عنه بمراكش في موضوع هذا المعمل وإشغاله نص أولها: ما وجد نقصا عنده 000,348 الباقى الذى حازه الأمين ودان 313170 الداخل عليه 5914384 وكسور صائره 5445255 وكسور "محبنا الأعز الأرضى الفقيه السيد موسى بن أحمد سلام عليك ورحمة الله عن خير سيدنا نصره الله. وبعد: فإن المعلم النصرانى قد أكمل عمل الكير الكبير الذى أمره سيدنا نصره الله باختراعه فجاء عجيب الصنعة غريب الشكل، وقد دفعناه لأمناء العتبة

الشريفة إلى أن يأمر سيدنا نصره الله فيه أمره المعتبر العالى بالله وعلى المحبة والسلام في 7 ربيع الأول النبوى الأنور عام 1285. حسن بن أمير المؤمنين". ونص الثانى: محبنا الأعز الأرضى الفقيه السيد موسى بن أحمد، سلام عليك ورحمة الله عن خير سيدنا نصره الله. وبعد: فإن القائد إبراهيم الأكراوى قد أخبر أن النصرانى معلم الفبريكات الذى كتبنا قبل بإلحاحه على السفر قد عيل صبره واستبطأ الجواب، وطلب الإذن له في التوجه لثغر الصويرة بقصد المقام بها حتى يرد الجواب الشريف بالاحتياج إليه أو الإذن في ركوبه، فأجبناه بتثبيطه إن أمكن أو مساعدته بعد حوز خط يده بالتزام المقام بالثغر المذكور إلى ورود الأمر المولوى في شأنه، فأجاب بأنه أبى إلا ما عزم عليه من التوجه فأذن له وحيز خطه بما ذكر، وها هو مع كتابى القائد إبراهيم بذلك طيه وعلى المحبة والسلام في 8 ربيع الأول النبوى الأنور عام 1285. ومنه وقد كتبنا لأمناء الثغر المذكور بإجراء حكم مئونة مدة إقامته هناكم على العادة المقررة صح به وبتاريخه. حسن بن أمير المؤمنين" ونص الثالث: "محبنا الأعز الأرضى الفقيه السيد موسى بن أحمد، سلام عليك ورحمة الله عن خير سيدنا نصره الله. وبعد: وصلنا كتابك عن أمر سيدنا أعزه الله بإنزال حامله النصرانى معلم فبركة السكر، وتنفيذ ما يكفيه من المئونة مع ما لابد منه كالفراش والغطاء، وتكليفه

باختبار فبركة عصر السكر، ونظر ما تتوقف عليه فبركة تسحيره وخدمة المتيسر منه هنا، وأشرت بالإعلام بإشرافه على تمام خدمة ذلك حين يبقى له فيها القدر الذى يوجه فيه الكتاب ويرد الجواب عنه لتطالع به شريف علم مولانا أعزه الله. فقد ورد مع ترجمانة وصاحبه وأنزلوا بالدار التي كان ينزل بها من تقدمه من المعلمين أمثاله، ونفذت لهم المئونة وفراش مثل ما ورد به من عند أمناء الجديدة على وجه العارية بعد رد المعار لهم، وذلك لحاف بتلميطة، ووسادة، وحائك صوف، وإزار كتان وهو آخذ في اختبار الفبركة ونظر ما تتوقف عليه، وكأنه أحاط علما بذلك، وإن أظهر خلافه لكونه طلب توجيه ترجمانه للجديدة لغرض له بها واستشعرنا منه أنه قصد تسبيق خبرها لمن وجه فأشرنا عليه بالتأنى على توجيه من ذكر حتى يترجم لنا عما يقيده من أمرها، فأخره وتمادى على عمله مجدا فيه من غير شعور له بإطلاعنا على قصده الأول، وبمجرد استيفائه الغرض من النظر فيها أطير الإعلام به لمولانا نصره الله ليأتى الجواب عنه قبل فراغه من خدمة السكر، فإنا كتبنا لحاحة على قصبه، وأما ما كان منه هنا فقد ألفاه الحال عصره القائد إبراهيم الأجراوى وكنا وجهنا شيئا من غبرته وعلى المحبة والسلام في 9 المحرم فاتح عام 1286". حسن بن أمير المؤمنين" ونص الرابع: "محبنا الأعز الأرضى، الفقيه السيد موسى بن أحمد، سلام عليك ورحمة الله عن خير سيدنا نصره الله. وبعد: فقد توجهت بنفسى لنفقد فابركة السكر لما سمعت بفرار عبد الله العلج الذى كان يباشر خدمتها فوجدتها مغبرة من عدم المباشرة، فكلمت وصيف

سيدنا القائد إبراهيم فأجاب بأن المكلفين بها لما قطعت عنهم المئونة تراخوا في خدمتها، فكلفته بتوجيه المعينين قبل لخدمتها من الوصفان وغيرهم ووجهتهم لمباشرتها، وتعاهد خدمتها، فوردوا بعد اختبارها مخبرين بأن كل مسألة منها يخصها حاجة قد أخفاها العلج المذكور لما تقاشح معه القائد إبراهيم على المئونة وعزم على الفرار. فلم أصدقهم ظانا أن هذا محض اعتذار منهم عن الخدمة، وتوجهت مع عبد الرحمن العلج حتى طاف بها، فأخبر أن الحوائج المقيدة في الزمام طيه خاصة فيها حقا، وعليه فالعلج المذكور يحتاج للتحيل عليه حتى يرد المسائل، وبعد ذلك إن اقتضى نظر سيدنا زجره يزجر، وذلك بأن يقال له بلغنا أن الفابركة منذ فارقتها وقع فيها تفريط، وسيدنا نصره الله أمر برجوعك إليها على القائد إبراهيم إلى غير ذلك، ولا تظهر له سرقته لئلا يفر أو ينكر الأخذ، إذ من الجائز أنه لا يتوجه بتلك الآلات معه ويكون أخفاها هنا، ثم بعد ردها وتسريح خدمتها كما كانت يقبض عليه عقوبة وزجرًا له على جسارته وعلى المحبة والسلام في 3 المحرم فاتح عام 1288 ومنه والعلج المذكور بلغنا أنه بمكناسة حسن بن أمير المؤمنين" وقد زاد مولاى الحسن في هذا الكتاب بخطه ووقع والده المترجم عليه بخطه بما نصه: "يحتال عليه حتى يظفر به ويؤمر برد ما أخفاه ولابد". ونص الخامس: "محبنا الأعز الأرضى، الفقيه السيد موسى بن أحمد، سلام عليك ورحمة الله عن خير سيدنا نصره الله.

وبعد: وافى كتابك جوابا عما كتبنا لك به في شأن ما ألفى خاصا من حوائج الفبركة المبين في الزمام الموجه لك، وعرفنا ما ذكرته من أنك أطلعت شريف علم سيدنا بذلك، فساعد أيده الله عليه وبحثت عن مختلسها وخاطبته بالرجوع لمحله وواعدته بالإحسان منا فقبل، ووجهته صحبة صاحب وصيف سيدنا القائد إبراهيم، وأوصيته عليه، وأشرت بأن يظهر له ما تطمئن به نفسه حتى يرد الحوائج لمحلها، فقد استخبر بعد قدومه بمدة واطمئنان نفسه حتى يرد الحوائج لمحلها، فقد استخبر بعد قدومه بمدة واطمئنان نفسه بها غاية الاطمئنان عن ذلك، فأخبر أن البريمة بآلتها مع المطرقة وأحد المرابيع المعدودة للقطيع وأحد الدابدين والزيار الصغير المعد لحل الأوشاك كانت وجهت على يده لفبركة السكر بإذن سيدنا نصره الله لقضاء غرض بها هناك، فكلف بالإتيان بالجميع ورده لمحله بفبركة السكر ففعل، وطلبة المخرطة والستة مرابيع المعدة للخرط وأحد الدابدين والمرشمان وجدت بفبركة السكر داخل صندوق بها، ولم يلف خاصا إلا غطاء بريمة العقيد مع تشطيبة البابور والقابضة للرحى، وقد صنعهما من الصفر. وليس فيهما من قبل تعطيل الفبركة كبير فائدة إلا من قبل الثمن، حيث كانوا من الصفر، فدل ذلك على أن الخائن لهما المتعلمون وبيان ما وجد بفبركة البارود وما وجد بالصندوق المذكور وما صنع جديدا من الصفر بتقييد طيه، وقد أقام بها العلج المذكور وبفبركة القطن أحسن قيام وعلى المحبة والسلام في 23 شوال الأبرك عام 1288. حسن بن أمير المؤمنين" كما عثرت على العقد الذى اتفق عليه السيد محمد الدكالى الرباطى مع بعض مهندسى الإنجليز الميكانيكيين على القدوم للمغرب لتركيب الآلات اللازمة

لصناعة السكر، وغير ذلك مما يطلب منه، ولعل هذا المهندس هو المراد فيما تقدم بالعلم النصرانى ونص تعريب العقد: "مذكرة عقد محرر في 8 أكتوبر سنة 1862 بين السيد محمد الدكالى بالرباط المغرب (الفريق الأول) ومستر جوهن كلاركسون جى بلندن المهندس الميكانيكى (الفريق الآخر): بناء على أن السيد محمد الدكالى التزم مع مسئوليته أمام الملك بتنمية مؤسسات الأشغال العمومية المختلفة ذات الأهمية بالمغرب، وبما أنه على استعداد ليوجه إلى هذه البلاد جميع أدوات الآلات اللازمة لصناعة وتصفية قصب السكر، ومن جملة تلك الآلات رحى بخارية من النوع ويلسن (من النوع المجاز عنه ماديا وأدبيا) لتصفية قصب السكر وكذلك الآلات الأخرى. وبناء على أن جوهن كلاركسون جى مهندس ميكانيكى مدنى ذو مقدرة ومهارة وله معلومات تمرينية في فن صناعة وتصفية السكر تلقاها في ظرف سنين عديدة أثناء إقامته بالبرازيل، وله اطلاع كبير على خرائط وتركيب الآت السكر التي سيجلبها السيد محمد الدكالى. وبناء على أن جوهن كلاركسون جى موافق على السفر للمغرب لتركيب تلك الآلات والشروع في استعمالها كما يجب، والقيام بمهمته بصفته مهندسا ومستشارًا نائبا عن أمين صوائر السيد محمد الدكالى على مقتضى الشروط والفصول التي ستقرر. وعليه فعملا بما ذكر وبهذا العقد اتفق الفريقان وهما متضامنان على ما سيذكر:

المادة الأولى: يتوجه جوهن كلاركسون جى المذكور إلى المغرب حينما يأمر بذلك السيد محمد الدكالى، وبمجرد وصوله يشرع في القيام بمهمته حالا طبق هذا العقد. المادة الثانية: أما الأشغال التي سيقوم بها جوهن كلاركسون جى المذكور فهى. أولا: أن يعمل ما في وسعه وأن يبذل مقابلته بدون تراخى في تركيب الآت السكر المشار إليها أعلاه والشروع في استعمالها على أحسن ما يرام. ثانيا: أن يقوم بصفته مهندسا مستشارا ومراقبا عاما وأن يبرهن عن ثمار تجاربه ونباهته الهندسية في وضع الخرائط وتأسيس المعامل وتركيب جميع الآلات كيفما كانت، وتتميم ذلك كله وفق ما يطلبه السيد محمد الدكالى، وبالجملة يصرف وقته ونظره في تنفيذ اقتراحات السيد محمد الدكالى المذكور التي لها مساس بالأشغال الموما إليها. ثالثا: وعلى السيد محمد الدكالى أن يؤدى لجوهن كلاركسون جى المذكور اعتبارا من يوم مغادرته للندن أجرا سنويا قدره مائتان وعشرون ابرة دراهم سكة التاريخ الإنجليزية أو ما يماثلها من السكة المغربية حسب قيمة الصرف يوم الدفع، أما أداء الأجر فيقع شهريا أو على رأس كل ثلاثة أشهر باختيار جوهن كلاركسون جى المذكور، كما أنه يعفى من الصوائر التي يستوجبها سفره من لندن إلى محل مهمته بالمغرب، وكذلك من هنا إلى هنالك عند انصرام المدة المتفق عليها بهذا العقد أو حينما يقرر الإياب لوطنه. المادة الرابعة: ولجوهن كلاركسون جى التصرف في دار للسكنى وفرس مهما طلبه ويعطى له مجانا خادم إن أراده.

[صورة] (ب) تتمة العقد حوله

[صورة] الاتفاق المنعقد بين السيد محمد الدكالى والمهندس جوهن كلاركسون الإنجليزى على القيام بشئون معمل السكر وهندسة أشغاله

المادة الخامسة: يقع العمل بهذا العقد مدة سنة واحدة وشهر واحد ابتداء من يوم مغادرة جوهن كلاركسون جى للندن. تحريرا في 8 أكتوبر سنة 1826 الإمضاء: محمد الدكالى وجوهن كلاركسون جى الشاهد بتوقيع السيد محمد الدكالى ثم الشاهد بتوقيع جوهن كلاركسون جى". ومنها قنطرة من الحديد باكورة ما اخترع في ذلك العصر كان رام نصبها على وادى أم الربيع، وكان المرشح للوقوف على اصطناعها وجلبها من أوريا هو التاجر ولد مصطفى الرباطى، وقد صرف في سبيل تحصيلها وجلبها أموالا عظيمة، ومع الأسى والأسف فإن هذه القنطرة لما وردت على حضرته السلطانية سعى بعض الحسدة ومن في قلبه مرض من أهل الوجاهة في إبطال العمل بها، وقالوا: إنها لا تصلح ولا تناسب، وأنها يختل نظامها في أقرب مدة. فحمل المترجم كلامهم على الحقيقة فألقاها في زوايا الإهمال وصمم على بناء قنطرة، وأمر من زعم أنه يحسن النظر في ذلك بالتوجه لاختبار المحل الصالح لما ذكر، وتهيئ ما تدعو إليه الحاجة من الأنقاض والمقومات، وتقدير ما تحصل به الكفاية وإعلام جنابه بذلك ليأمر بتنجيره، والحال أن ذلك الموجه كذوب خئون سيئ النظر فلم تنجح مساعيه وكان أمر الله قدرا مقدورا. ومنها الرحى الذى جاء بها إلى ثغر طنجة فإن الأحاديث عنها من الأعاجيب، ويذكر أنها كانت تطحن عددا كثيرا من الأوسق في ليلة واحدة. ونص الظهير الذى أصدره للنائب السلطانى في حيازتها لجانب المخزن: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.

وبعد: فنأمرك أن تحوز الأرحا التي جلبها الطالب أحمد الدكالى من بر النصارى لطنجة، على أن يقتطع له ولولد أخيه ثمنها مما بذمتهم من الدين القديم لبيت المال، وكن تستعملها في طحن الزرع بقدر ما يتوقف عليه أهل البلاد، ولا بد ورد بالك للثمن الذى اشتروها به ليلا يدعوا أنهم اشتروها بأكثر منه والسلام في 29 من قعدة الحرام عام 1279". ومنها مكينة القطن التي جلبها من أوربا حسبما جاء في الكتاب الذى أصدره لبركاش في جلب أخرى ونصه: "خديمنا الأرضى الطالب محمد بركاش، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فبوصول كتابنا إليك وجه على مكينة جيدة للقطن تأتى من البلاد التي أتت منه المكينة التي وجهتم لحضرتنا الشريفة، واكتب عليها تخرج برباط الفتح، فإنا أردناها للانتفاع بها هناك إن شاء الله، ووجه على معلم من بر النصارى ليبنى هذه التي وصلت لحضرتنا في محلها ويعلم غيره كيفية عملها وما تصلح به إن عرض فيها شئ في أثناء العمل إن شاء الله والسلام في 20 من ربيع الثانى عام 1279". كما وقفت على كتاب من مولاى الحسن للحاجب السلطانى فيما يتعلق بإصلاح معمل القطن بمراكش ونصه: "محبنا الأعز الأرضى الفقيه السيد موسى بن أحمد، سلام عليك ورحمة الله عن خير سيدنا نصره الله. وبعد: فقد أخبر خديم سيدنا الحاج محمد بن عبد الوهاب بنيس بتوقف إصلاح فبركة القطن على اثنتين وعشرين قنطرة من الصفصاف طول كل منها اثنان

وعشرون شبرا وما يكفيها من يقى الغليظ، ذاكرا أنه بحث عنها بالسوق فلم يجدها، وأن جعل القناطر والجائزة والورقة لذلك من الصنوبر أولى وأفضل لطول مكثه أكثر من الصفصاف ويقى، وأن المعلمين قدروا لما يكفى لذلك من أفراد الصنوبر أربعين فردا فلابد طالع شريف علم سيدنا نصره الله بذلك والنظر لمولانا أيده الله فيه وعلى المحبة والسلام في 16 ذى القعدة عام 1288. حسن بن أمير المؤمنين" ومنها برج الفنار الذى بناه على ساحل البحر باشقار قرب طنجة يسرج فيه ضوء قوى ساطع يظهر للسيارة في البحر ليلا من مسافة بعيدة، وصار عليه مال له بال، وكانت المراكب تنشب بذلك الساحل كثيرا إذ لم يكن لها علامة تهتدى بها في البحر، ولما اتخذ المترجم هذا الفنار أمنت من تلك الآفة، ثم جلب لهذا الفنار مكينة للاستصباح بواسطة وزير خارجيته الطالب محمد بركاش. واليك نص الظاهر الصادر بالأمر بصنع المكينة بعد الحمدلة والصلاة والطابع المحمدى بداخله محمد بن عبد الرحمن الله وليه: "خديمينا الأرضيين الحاج بوجنان الباردى والحاج عبد الكريم احرضان، وفقكم الله وسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد دعت الحاجة إلى صنع مكينة للفنار المبنى باشقار ولا بد منها، وقد أمرنا خديمنا الطالب محمد بركاش بالكتب عليها، وعليه فنأمركم أن تدفعوا ثمنها على يده والسلام في 28 ربيع النبوى عام 1279". ومنها معمل تزديج البارود بالمحل المعروف بالسجينة من مراكش الحمراء، ولعله المراد بهذا الكتاب الصادر من مولاى الحسن الخليفة لحاجب أبيه ونصه: "محبنا الأعز الأرضى الفقيه السيد موسى بن أحمد، سلام عليك ورحمة الله عن خير سيدنا نصره الله.

وبعد: فيرد عليك طيه تقييدا تجربة 10000 البارود الذى دفعه أهل صناعته بمراكش لخديم سيدنا الحاج محمد بن عبد الوهاب بنيس، على يد من ذكر فيهما كما عهد وعلى المحبة والسلام في 20 من جمادى الأولى عام 1288 حسن بن أمير المؤمنين" ومنها داره الكبرى بأجدال رباط الفتح والسور الكبير المحيط ببسيطها وجلب الماء إليها بعد أن صير مالا له بال. ومنها إحياء جامع السنة قرب داره المذكورة، وكان بائدا يعشش فيه الصدى والبوم، وأقام فيه الصلوات الخمس والخطبة كل جمعة. ومنها إحياء المسجد الصغير هنالك المعروف بمسجد أهل فاس، واعتنى به وزخرف سقوفه، وفى هذا المسجد يقيم إمام عصرنا المؤيد صلاة الجمعة. ومنها انتهاج الطريق من الدار المذكورة إلى الوادى أسفل من حسان تسهيلا على المارة وتقريبا عليهم. ومنها المسجد الجامع بالسوق من الدار البيضاء. ومنها الحمام القديم هنالك أيضا. ومنها إصلاح أسوار الجديدة وأبراجها. ومنها اعتناؤه بشأن الثغور وبعثه كل آونة من يتفقد أحوالها من نوابه. ومنها في زمن خلافته تكملة غرس أجدال بحضرة مراكش، وكان في زمن الصيف يناله الجدب من قلة الماء لأن بركه التي كان يختزن بها الماء كانت معطلة لامتلائها بالتراب والطين الذى تجلبه السيول إليها، وأعظمها البركة الكبرى التي بدار الهناء، وكان يقال لها البحر الأصغر، فجاء من بنى في وسطها قرية بدورها

وأزقتها وأسواقها، فأمر المترجم بإخراج من في تلك البرك والصهاريج كلها وتنقيتها من الطين المتحجر، فاجتمع على ذلك عالم من الناس فكنسوها وعادت إلى حالها الذى بنيت لأجله، وهو اختزان الماء لوقت المصيف، وبذلك كمل المراد من أجدال وصار آمنا من الأمحال والعطش. ومنها إحياء عين أبى عكاز خارج باب الطبول من مراكش، وكانت لها بركة بائدة على الوصف المذكور، فجر لها عينا ثرة وماء غدقا وأجراه إلى البركة المذكورة بعد أن أمر بتنقيتها وإصلاحها، فعاد البسيط الذى حولها مزارع نفاعة تغنى الزارعين وتبهج الناظرين، وبنى حولها قلعة يأوى إليها الأكرة والحراثون بأنعامهم ومواشيهم، واتخذ هنالك من إناث الخيل المعدة للنتاج عددا كثيرا. ومنها إحياء عين المنارة وبركتها العظمى التي تقرب من البحر الأصغر بدار الهناء وكانت قد عطلت منذ زمان. ومنها إجراء النهر المسمى بتاركى المستمد من وادى نفيس. ومنها إجراء النهر الذى جلبه من تاستاوت إلى البسيط الذى بين بلاد زمران والرحامنة والسراغنة، وهو المسمى بفيطوط، وبنى فيها قصبة يأوى إليها الوكلاء والفلاحون فصارت آهلة عامرة. ومنها تأسيسه مسجد ضريح جده المولى عبد الله بفاس وصومعته وذلك في جدود أربعة وسبعين ومائتين وألف. ومنها بناؤه مسجد أبى العباس أحمد الشاوى، وجعله مسجدا جامعا تقام به الجمعة وذلك في حدود اثنين وثمانين. ومنها بناء سوق المجادليين أمام ضريح الشيخ أبى العباس أحمد السبتى دفين حومة الزاوية من مراكش الحمراء، وكان بناؤه لذلك على عهد السلطان والده زمن خلافته عنه، وشاهد ذلك ما هو مرقوم أعلى الباب هنالك ولفظه:

هذا المقام هو المقام الأحمد ... جادت به يمنى زمان يحمد في عام (رشد 1166 ناجح) قد زانه ... تاج الخلافة ذو الوفاء محمد رمز للتاريخ المذكور في لفظتى رشد ناجح من مجموع مائتين للراء، وألف للشين، وأربعة للدال، وخمسين للنون، وواحد للألف، وثلاثة للجيم، وثمانية للحاء. وصاحب الترجمة أول من نظم الجيش واتخذ العسكر على الطرق الحديثة بالمغرب، وكان ابتداء ذلك أيام خلافته عن أبيه عقب واقعة إيسلى، وذلك يدل على أصالة رأيه ورجحان عقله رحمه الله، ثم اجتهد في ذلك بعد موت أبيه عقب قضية تطوان لما علم أن السبب الأهم في الوقعتين هو اختلال أمر الجند، فجمع منه ما تيسر جمعه من القبائل ونظمه ورتبه ونقل أهل تولال الذين كانوا بفاس إلى نواحى مكناس، وأدرجهم في الجيش البخارى، كما جمع الخلط من البلاد التي كانوا فيها وأضافهم للجيش المذكور تقوية له. وقد كان لباس عسكره من أعلى طراز من الملف وكسوة رؤسائه مزركشة ومرصعة بخيوط الذهب، ونعالهم من جلد أحمر، وسلاحهم من أعلى نوع في ذلك العهد، وكان ينقسم إلى قسمين: خيالة، ورماة. وكل طابور يشتمل على تسعمائة جندى، فيه عدد من حملة الشواقير. وفى دولته أنشئت المطبعة الحجرية بفاس وذلك سنة 1284 وطبع فيها شرح الخرشى على المختصر، وكان تمام طبعه في ذى الحجة سنة 1287 في ستة أجزاء، وكذلك طبع ميارة الصغير، والأزهرى على الآجرومية طبعا متقنا بأرفع خط، وأجود ورق وأصقله لم يطبع مثل ذلك بعد، وله رحمه الله آثار أخر مما يطول تتبعه.

كيف كان نهوض ركابه

كيف كان نهوض ركابه كان إذا هم بالسفر من بلاد لأخرى أول ما يبدأ به مسح الكتب ومباشرتها، فيصدر الأمر لوزير الشكايات وكاتبين وعالمين لمباشرة ما ذكر ويكون الشروع في ذلك كالتنبيه على السفر، ثم يصدر مكاتب للقبائل والولاة يذكرهم ويعظهم ويوصيهم بقرى الضيف واتخاذ المساجد والمواظبة على الصلاة في الجماعة والرفق بالرعية ومراقبة المولى في السر والعلانية، ثم يقع البحث في الهوائر جمال وبغال وخيل، يذهب لمعاينة ذلك موقت وأمين وكاتب للقبائل المعدة لصيانة ما ذكر والاحتفاظ به، فإن مات شئ من ذلك عوض، ثم يصدر الإعلام للقبائل بالتأهب للحركة، ثم يتوجه الموقت وخليفة أفراك لتعيين الطريق المسلوكة وتعداد مراحلها والنظر في المحال ذات المياه الكافية للمحال السلطانية، وكم بين المرحلة والمرحلة، ثم إصدار الأمر للقبائل بالقدوم على شريف أعتابه، فإذا وردوا أطلق كل قادم طلقات بارودية إعلاما بقدومهم، فيخرج إليهم لاستقبالهم رئيس المشور، فيهنئهم بسلامة القدوم، ويأمرهم بالنزول بالمحل المعد لنزولهم، ثم تصدر الأوامر بتهيئ المئونة والعلف وما يلزم من مؤن السفر على نحو ما قدمنا في ترجمة نجله المولى حسن، ثم يسافر الحرم الملوكى، وربما وزع على فرق يتوجه تباعا ويعرفون بالسابقين ثم ينهض الركاب السلطانى. وزراؤه كان وزيره زمن خلافته عن أبيه شيخه الطيب بن اليمانى بوعشرين مار الترجمة، ثم صرف عنها عقب وقعة إيسلى، وتولاها السيد محمد بن محمد غريط الآتى الترجمة، فلما أفضت الإمامة للمترجم أسند الصدارة العظمى لشيخه الطيب المذكور، وبعد وفاته ولى مكانه ولده أبا العلاء إدريس المترجم فيما سبق، والفقيه السيد محمد بن الحاج عبد الله بن عبد الكريم الصفار الجيانى الأصل

حاجبه وقائد ومشوره

التطوانى الدار على وزارة الشكايات والقضايا الشرعية، وهو الذى كان يختبر القضاة لمعرفته بالنوازل وحفظه للمختصر، وكان المولى عبد الرحمن قد استوزره فاتح عام السبعين، ثم لما تولى المترجم جعله على سماع المظالم، والمترجم أول من أحدث هذه الوزارة مستقلة في دولتنا العلوية، والصفار أول من تسنم هذا المنصب فيها واستمر على عمله في الخدمة إلى أن مات عام 1298 ودفن بمراكش داخل قبة سيدى يوسف بن على خارج باب الرب، وأبو محمد عبد الله بن أحمد وزير الحربية. حاجبه وقائد ومشوره حاجبه أبو عمران موسى بن أحمد الآتى الترجمة، وقائد مشوره القائد الجيلانى بن حم السابق الترجمة ثم نقله لعمالة مراكش وولى على المشور الحاج محمد بن يعيش. كتابه منهم الأديب السيد محمد بن إدريس نجل الوزير الشهير، وكان مكلفا بالأشغال الخارجية من غير استقلال، ومنهم السيد محمد غريط ولد المتقدم ذكره في الوزراء، والسيد عبد الرحمن بن محمد الشرفى. سفراؤه لفرنسا الكاتب بن إدريس، والحاج عبد الرحمن العاجى، وابن عبد الكريم الشرقى، وابن سعيد السلوى، والنائب بركاش، ولأسبانيا ابن إدريس أيضا، ولإنجلترا عبد الرحمن الشرفى. خلفاؤه بفاس ولده المولى إسماعيل، وبالرباط أخوه المولى الرشيد صاحب الدار المشهورة هناك، وبتافيلالت ولده المولى الرشيد، وبمراكش ولده المولى الحسن.

نوابه بطنجة

نوابه بطنجة السيد محمد فتحا الخطيب التطوانى، الذى كان أيام أبيه، فالسيد محمد فتحا بركاش الرباطى، الذى استمر على عمله إلى الدولة الحسنية. قضاته منهم بمكناس الشيخ العباس بن كيران، فالشيخ المهدى بن سودة، وستأتى ترجمتهما، وبالرباط أبو زيد عبد الرحمن البريبرى الكبير، وبسلا أبو عبد الله محمد العربى بن منصور، فأبو بكر بن محمد عواد، وبآزمور أحمد بن الطالب ابن سودة. نظاره منهم بمكناس الحاج الطيب بن عبد الرحيم غريط، وبفاس الحاج المهدى بنانى وامتدت ولايته من دولة سيدنا الجد ابن هشام إلى دولة المولى الحسن، وبالرباط الحاج أحمد غنام. محتسبوه بمكناس السيد أحمد بادو، فالسيد إدريس النسب، وبمراكش المولى عبد الله المدعو السواريت، وبالرباط أبو عبد الله محمد بن العباس الزكى، وبسلا عبد الهادى قبطين. نقباؤه منهم بمكناس عم والدنا أبو العباس أحمد بن على ابن زيدان، وبعده أخوه سيدنا الجد أبو زيد عبد الرحمن بن على بن زيدان.

عماله

عماله منهم بمكناس الباشا الحاج المجذوب بن الغنيمى الذى كان متوليا على عهد السلطان والد المترجم، ولما لبى داعى مولاه ولى مكانه الباشا محمد بن أحمد خنيشيش الذى كان قبل قائد المائة على فرقة الجيش البخارى التي كانت بقصبة تمارة -إذ العادة كانت جارية بتوجيه ثلاثمائة من الجيش البخارى من مكناس للرباط والقصبة المذكورة، منها مائتا رام تنزل بقصبة الأوداية وتكون عضدا للخليفة السلطانى هنالك، ومائة فارس تكون حرسا وعيونا ساهرة على تأمين المارة بتلك الجهة- وبمراكش الباشا أحمد بوسته، ثم أبو العباس أحمد بن الطاهر، ثم أبو عبد الله محمد بن داود والقائد الجيلانى بن حم، وبالمنشية منها الباشا إبراهيم الأجراوى، وبفاس الجديد الباشافرجى، وعلى قبيلة شراكة ومن يسكن منهم بفاس، وبفاس البالى إدريس بن عبد الرحمن السراج، وعلى قبيلة أولاد جامع أبو عبد الله محمد بن عبد الكريم الشركى، وبسوس أبو محمد عبد الله بن عبد الملك بن بيهى الحاحى، وبسلا عبد العزيز محبوبة، وأبو عبد الله محمد بن سعيد، وبآسفى الطيب بن هيمة، وبالدار البيضاء محمد بن إدريس الجرارى. قواده على المسخرين الطالب إدريس بن المكى البخارى السالف الترجمة، وأما قواده على العسكر النظامى فعلى طابور أهل سوس الحاج أحمد التطوانى، وعلى طابور خيالة مكناس الخوجه، وعلى طابور أهل فاس الحاج عزوز، وعلى البواخر الحاج عبد القادر البخارى. أمناؤه أمين المستفادات ابن المدنى بنيس، ومن أمناء صائره بمكناس السيد المدنى الحلو، والحاج عبد الرحمن النسب، وأمين العتبة بها الطالب بوعزة بن العربى

أولاده

الفشار المتقدم الترجمة، ومن أمنائه أيضا الحاج عبد الرحمن القصبى الفاسى، والحاج عبد الكريم بريشة التطوانى، والسيد بلقاسم جنون الفاسى، والحاج محمد ابن الحاج محمد فتحا ابريشة التطوانى، والحاج عبد القادر عشعاش، والحاج محمد بن عبد المجيد بن جلون الفاسى، وغيرهم ممن تقدم ذكرهم في أمناء الدار البيضاء الذين حاز منهم الإصبان تعويضه. أولاده السلطان مولانا الحسن، وأشقاؤه السيدة أم كلثوم، والسيدة سكينة، والسيدة آمنة، أمهم السيدة فاطمة حرة جامعية. المولى إسماعيل (¬1)، وأشقاؤه المولى أبو الغيث (¬2)، والمولى إدريس والمولى على (¬3)، والسيدة فضيلة، والسيدة عائشة أمهم ميمونة الشاوية أم ولد، المولى عثمان (¬4)، وأشقاؤه المولى أحمد (¬5)، والمولى الرشيد (¬6)، والسيدة هنية أمهم زهراء أم ولد. المولى الصديق (¬7) وشقيقه المولى المأمون أمهما شريفة هى السيدة صفية بنت المولى المأمون بن السلطان سيدى محمد بن عبد الله. ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "ولى الخلافة بفاس على عهد والده وأخيه وفيها كانت منيته". (¬2) في هامش المطبوع: "نقل لتافيلالت وسكن الفيضة بها إلى أن لقى ربه". (¬3) في هامش المطبوع: "ولى خلافة فاس على عهد السلطان أبى فارس عبد العزيز". (¬4) في هامش المطبوع: "ولى خلافة مراكش على عهد أخيه الأمير أبى على الحسن". (¬5) في هامش المطبوع: "ولى خليفة بفاس قبل صنوه إسماعيل". (¬6) في هامش المطبوع: "ولى خلافة تافيلالت وسكن بأولاد عبد الحليم منها إلى أن توفى وهذا من عجيب الاتفاق الذى لم يقع لغيرهم من أبناء ملوكنا العلويين حيث لم يبق واحد من الأشقاء وقد ولى الخلافة". (¬7) في هامش المطبوع: "نقل لبنى ميمون من تافيلالت وبها توفى".

المولى الحسن الصغير ويدعى لحسن بفتح اللام وسكون الحاء وشقيقته السيدة فاطمة والسيدة جمالة والسيدة مليكة أمهم السيدة هنية حرة عامرية من بنى حسن. المولى إبراهيم (¬1) وشقيقتاه السيدة حليمة والسيدة ربيعة أمهم زهراء الدكالية أم ولد، المولى العربى (¬2) وشقيقه المولى عبد الله (¬3) أمهما هنية الشلحة أو ولد، المولى الحسين (¬4) وشقيقه المولى العباس (¬5) أمهما أم ولد، المولى عبد العزيز (¬6) وشقيقته السيدة صفية أمهما خويرة أم ولد، المولى عبد القادر (¬7) أمه أم ولد، المولى أبو النصر (¬8) أمه أم الخير مستولدة، المولى عرفة (¬9) أمه تسمى غزالة أم ولد، المولى محمد فتحا أمه رحيمو أم ولد، المولى أبو بكر أمه الغالية أم ولد، المولى جعفر (¬10) أمه السعيدة أم ولد، المولى المهدى، المولى الطاهر أمه السعيدة أم ولد، المولى الطيب (¬11) والمولى عبد السلام (¬12). السيدة السعدية أمها آمنة بنت القائد ابن رشيد، السيدة زبيدة وشقيقتها السيدة زهور أمهما فارحة أم ولد، السيدة فاطمة الزهراء أمها الضاوية الفاسية أم ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "لا زال حيا يرزق بفاس". (¬2) و (¬3) في هامش المطبوع: "نقلا لتافيلالت واستوطنا بالدار البيضاء منها وبها كانت منيتهما". (¬4) و (¬5) في هامش المطبوع: "نقلا لتافيلالت وسكنا الفيضة منها وبها توفيا". (¬6) في هامش المطبوع: "لا زال بقيد الحياة بفاس". (¬7) في هامش المطبوع: "نقل لأولاد عيسى بتافيلالت وبها توفى". (¬8) في هامش المطبوع: "ممن نقل لتافيلالت وسكن الدار البيضاء منها ثم في آخر الدولة العزيزية رجع لفاس وبها مات". (¬9) في هامش المطبوع: "ولى خلافة فاس". (¬10) في هامش المطبوع: "لا زال بقيد الحياة بمراكش". (¬11) و (¬12) في هامش المطبوع: "ماتا في حياة والدهما".

بعض ما قيل فيه من المديح

ولد، السيدة ستى، السيدة أم هانى، السيدة عتيكة، السيدة مريم وشقيقتها السيدة فخيتة، السيدة بانى، السيدة حفصة، السيدة شريف (¬1) أمها عبلة أم ولد. بعض ما قيل فيه من المديح من ذلك قول العلامة أبى عبد الله محمد بن أحمد أكنسوس صاحب الجيش العرمرم الخماسى الذى جمعه بأمر صاحب الترجمة الممدوح: هذى لعمرك راية مرفوعة ... بيد السعود يقلها التوفيق رفعت على خير الملوك (محمد) ... ملك إلى كل الجمال سبوق خضل البنان بنائل من دونه ... وجه يجول البشر فيه طليق ورث الأمانة كابرا عن كابر ... عالى المجادة بالعلاء خليق أفضت إليه خلافة نبوية ... من دونها للمشرفى بريق فرحت ببيعته القلوب فلم يمل ... منها إلى أحد سواه فريق فاختال منبرها به وسريرها ... وكلاهما طرب إليه مشوق فالآن قرت في معرسها الذى ... يسمو به نسب أغر عريق ومناقب يزداد طولا عندها ... باع بتصريف الأمور لبيق وشمائل رسخت بهن من العلا ... في منبت الشرف الأصيل عروق وقول بعضهم: حوى العلويون المعالى كلها ... وما منهم إلا ذرى المجد صاعد ولكن أمير المؤمنين محمد ... هو البدر في العليا وهن الفراقد ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "لا زالت حية ترزق بفاس".

وقول السيد التهامى المدغرى المسعودى صاحب الأزجال الشهيرة، المتوفى بفاس ضحوة يوم الأحد 21 محرم فاتح 1273 فيه لما ختم كتاب إقليدس في الهندسة عام 1271 على ما سبق صدر الترجمة: برزت على قدر لنا أشكالها ... من صدرها في طيها أشكالها وحكت مقالتها المقادر بعدها ... صحت نتائجها وصح مقالها أشكالها تحكى قباب محلة ... تحت الخليفة خيلها ورجالها أو خلتها شجرا صغيرا مثمرا ... فاجن الثمار ولو بدت عذالها أو خلتها خيلا بدت عربية ... برباطها قبل العدا أبطالها ما شئت من قوس رنت أوتارها ... ترمى البغاة سهامها ونصالها رنت وأنت في فنا أقطارها ... وحمت مناشرها الحمى ونضالها لكنها قد خيمت بمعاقل ... صفت بمشكلها فعز وصالها واستوطنت قنن الجبال صعابها ... فعلت بها بين الجبال جبالها ورقت مفاخر مجدها في منعة ... فتكبرت وتجبرت أقيالها ظنت بأن الجو خال من مدى ... ظفر البزاة فلا تطيش نبالها فعلت معاقلها الرجال وفلها ... سيف الحجا فتمزقت أوصالها بل لو رأت ليث الكتائب خلفها ... ضاقت مذاهبها وضاق محالها أو لو رأته لدرسها متهيئا ... خضعت لديه سهولها ورمالها يا هند غرتك السنية أوضحت ... برموزها عجبا فبان جمالها قد جئتنا في همة شماء في ... أوج العلا مرفوعة آمالها

فهوت بها أطيار ذهن ثاقب ... من جوها يا حبذا إرسالها وأتت به ليث الوغى مأسورة ... حلت غنائمها وحل منالها فاقتضتها قهرا وكانت قبله ... رتقاء لم تفتح إذًا أقفالها فغدت حضيضا صفصفا في كفه ... لم يخف عنه حالها ومآلها وغدت فتوح سرها طوعا له ... إذ بايعته يمينها وشمالها فانظر لهندسة تلاشى حصنها ... لولا الخليفة ما بدت أظلالها لولا الخليفة بثها في أرضنا ... غربت حقيقة شمسها وخيالها لولا الخليفة معرقا في فنها ... محيت معالمها وقد شكالها لولا الخليفة لم تزل بغطائها ... لولا الخليفة ما استضاء جمالها لولا الخليفة ما سمت شرفاتها ... فوق الثريا واستنار هلالها لولا الخليفة ما علت أعلامها ... كلا ولا انتشرت لديك ظلالها لولا الخليفة ما علا مقدارها ... لولا الخليفة ما صفا منهالها لولا الخليفة عطلت راياتها ... وعدت على حذاقها جهالها لولا الخليفة معتن بدليلها ... ضلت على وجه الفلاة جمالها لولا الخليفة قادها عن خبرة ... تاهت على لجج الظلام رحالها لولا الخليفة جد في إحيائها ... هلكت فما ظفرت بها سؤالها لولا الخليفة ما استجاد نظامها ... كف الزمان ولا بدا إقبالها لولا الخليفة صانها بمراحها ... ضجت نجائبها وضاع عقالها لولا الخليفة بالسياسة راضها ... ضاعت على موج الفضا أحمالها

وفاته

لولا الخليفة قيدت أقلامه ... شراؤها قدت به أغلالها لولا الخليفة حدها بحدودها ... كثرت طرائفها وطال جدالها قل للخليفة حزت سبقا فاحتمت ... بحمى علاك نساؤها ورجالها ظهرت علينا بالهنا أسراركم ... عند الختام مفصلا أجمالها خذها إليك خريدة أهدى لها ... مسك الختام جنوبها وشمالها وفاته توفى رحمه الله زوال يوم الخميس الثامن عشر من رجب الفرد الحرام سنة تسعين ومائتين وألف، بسبب مسهل كان استعمل، ودفن ليلا بضريح جده المولى على الشريف بمراكش، قرب ضريح القاضى عياض، من باب آيلان ونقش على رخامة ضريحه ما لفظه: أمستعبرا حولى رويدك أننى ... ضريح سعيد حل فيه سعيد هو العلوى الهاشمى محمد ... إمام له في الملك سعى حميد أبوه أبو زيد وقد ذكره ... فقد كان يبدى في العلا ويعيد ترحم عليه واعتبر بمصابه ... فعقد نفيس قد أصيب فريد ومن رام تاريخ الوفاة فقل له ... بـ (شعرك 1290) أرخ ما عليه مزيد 180 - محمد بن عيسى بن القاسم الصدفى من أهل طليطلة يكنى أبا عبد الله. حاله: فقيه عارف بالوثائق أديب شاعر، استكتبه ابن الملجوم في قضائه بمكناسة واستخلفه، وسكن بآخر عمره مدينة فاس. ¬

_ 180 - من مصادر ترجمته: التكملة لابن الأبار 1/ 351.

181 - محمد بن حماد بن محمد زغبوش المكناسى

أورده ابن الأبار في تكملته وغيره. مشيخته: سمع أبا على ابن سكرة الصدفى، ولازم مجلسه لسماع الحديث ومسائل الرأى. وفاته: توفى سنة تسع وعشرين وخمسمائة. 181 - محمد بن حماد بن محمد زغبوش المكناسى. حاله: فقيه خير علامة نقاد دراكة، قرأ بقرطبة وغيرها، وصحب جلة من أهل زمانه، امتحنه وإلى مكناسة يدربن ولجوط بالسجن في سبعة من قرابته في دار، وجعل عليهم حرسا، ولم يزالوا مثقفين إلى أن أصبحوا مقتولين ذبحا، وفى الدار نقب نفذ السور حكى أنه دخل عندهم أمس اليوم الذى أصبحوا فيه مقتولين شاب من أخوال أحدهم من بنى علالة، وكان حسن الصوت حافظا لكتاب الله العزيز مجودا لقراءته، وكانت عادته إذا دخل عليهم يؤنسهم بقراءة القرآن فسألوه في ذلك اليوم قراءة عشر فقرأ اقتربت الساعة فكان ما ذكر من حكم الله فيهم، وكان أمر الله قدرا مقدورا. وسبب محنتهم المذكورة أن عبد الله ولد الممتحن كان يقرأ بفاس حين نزل الموحدون مدينة فاس وسنه يومئذ نحو خمس وعشرين سنة، فتشوق أحد الأيام للإشراف على محلة الموحدين، فخرج من مجلس القراءة وسط النهار وقد انصرف الناس إلى ديارهم والأسوار خالية إلا من حراسها، فطلع السور ليطلع منه عليهم، فبينما هو يمشى على السور حدثته نفسه بالهبوط إليهم فارتاد موضعا خاليا خفيا عن الحرس وربط عمامته في إحدى شرفات السور وتقلد خريطة كتبه وتعلق بالعمامة وكانت ضعيفة، فلما ثقلت انقطعت وسقط في الأرض واعتلت إحدى قدميه، وتسارع إليه الموحدون ورفعوه في درقة ووضعوه بين يدى عبد المؤمن بن

182 - محمد بن عبدون بن قاسم الخزرجى نسبة المكناسى دارا ووفاة

على وأكرمه الموحدون وأحسنوا إليه، وكتب له عبد المؤمن صكًا بتسويغ ماله ومال أبيه وأقام معهم يظعن لظعنهم ويقيم بإقامتهم مبرورا لديهم عزيزا عليهم، وكانوا يلحظون من يمت إليهم بسابقية مفخرة، فلما نزلوا مكناسة ظهر عبد الله بن زغبوش المذكور بمحلتهم، واتصل ذلك بالوالى من قبل المرابطين وهو يدر المذكور ففعل بوالده وقرابته ما ذكر، وكان فتح الموحدين لفاس ونزولهم على مكناس عام أربعين وخمسمائة. 182 - محمد بن عبدون بن قاسم الخزرجى نسبة المكناسى دارًا ووفاة. حاله: إمام جليل فقيه علامة فاضل شاعر مجيد نادرة نابغة أديب شهير، أستاذ مقرئ، كاتب بارع ذكره صاحب "الذخيرة السنية، في تاريخ الدولة المرينية" ممن توفى في قعدة عام تسعة وخمسين وستمائة بمكناسة، ووصفه بأديب وقته، وشاعر عصره، دخل مدينة فاس وكان شاعر العدوة. شعره: من ذلك قوله: إن تفتخر فاس بما في طيها ... وبأنها في زيها حسناء بكفيك من مكناسة أرجاؤها ... والأطيبان هواؤها والماء وقوله في مصباح: تلالا مصباحنا فاكتسى ... بهيم الدجى من سناه نحول كأن الذبالة نوارة ... ومن حولها الدهن ماء يجول إذا رويت نعمت نضرة ... وإن ظمئت أخذت في الذبول ¬

_ 182 - من مصادر ترجمته: جذوة الاقتباس 1/ 284.

183 - محمد بن قاضى مكناسة أحمد بن أبى العافية المكناسى يعرف بالأحول

وقوله في الشيب: لما تراءت للمشيب بمفرقى ... شهب أغرن على شبابى الأدهم (¬1) أبدى التجشم من أحب أمادرى ... أن الدياجى حسنها بالأنجم وقوله في نهر وردته عصابة طير: أما ترى النهر في انصبابه ... كأنه الطل في انسيابه (¬2) قدا انتحته ظماء طير ... مقتحمات (¬3) على حبابه (¬4) تنقع من مائه أواما ... وتلقط الحب من حبابه وفاته: قال في الجذوة توفى بمكناسة سنة ثمان وخمسين وستمائة هـ، وتقدم عن الذخيرة السنية أن وفاته عام تسعة وخمسين. 183 - محمد بن قاضى مكناسة أحمد بن أبى العافية المكناسى يعرف بالأحول. حاله: كان فقيهًا خيرا صالحًا نافعًا ورعًا ناسكًا، وعرضت عليه خطة القضاء بمكناسة بعد أبيه فرغب عنها وزهد فيها، ووليها أخوه أبو العز، حلاه ابن غازى بشيخ شيوخنا. الآخذون عنه: أخذ عنه الإمام القورى، وانتفع به كثيرا وكان عيبة نصح له وغيره. ¬

_ (¬1) جذوة الاقتباس 1/ 285. (¬2) جذوة الاقتباس 1/ 285. (¬3) في المطبوع: "مقحمات" ولا يستقيم به الوزن والتصحيح من الجذوة". (¬4) في الجذوة: "جنابه". 183 - من مصادر ترجمته: نيل الابتهاج 2/ 211.

184 - محمد بن قاسم بن محمد الأنصارى المالقى الشهير بابن قاسم الضرير

مؤلفاته: منها موضوع في المسائل الواقعة في المدونة في غير مواضعها، وقد كان بقيد الحياة سنة أربع وثمانين وستمائة. 184 - محمد بن قاسم بن محمد الأنصارى المالقى الشهير بابن قاسم الضرير. حاله: فقيه أستاذ علامة، ناقد مفوه جليل، تعرض له في درة الحجال وغيره. الآخذون عنه: أخذ عنه أبو عبد الله المكناسى اليفرانى وغيره من نقاد الأعلام. وفاته: توفى بمكناسة الزيتون سنة سبع وسبعمائة. 185 - محمد بن ورياش -بفتح الواو وسكون الراء وفتح الياء مشبعة- قاضيها أبو عبد الله. حاله: فقيه صالح، معتقد متبرك به، إمام محدث، مطلع متضلع، تولى خطة قضاء بلده الحضرة المكناسية، وكان يدرس الموطأ بها، وكانت طريقته في التدريس يبدأ بذكر الله تعالى أولا، ثم يأمر خاصة طلبته فيعرضون عليه الدرس، ثم يتكلم على الكتاب كلاما حسنا يعتمد على كلام أبى عمر بن عبد البر في الاستذكار، وأبى الوليد الباجى، ويضيف إليهما شيئا من تعاليق المحدثين، وكان من عباد الله الصالحين. قال في درة الحجال: وكان يروى الحديث بها سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة في غالب ظنى. ¬

_ 185 - من مصادر ترجمته: درة الحجال 2/ 107.

186 - محمد بن عبد الرحمن بن أحمد الصنهاجى عرف بابن الحداد المكناسى

186 - محمد بن عبد الرحمن بن أحمد الصنهاجى عرف بابن الحداد المكناسى. حاله: قدوة الزمان في أحواله، محدث فاضل، ذكى نبيه، أديب أريب، كان يقرض الشعر، ثم نزع عن ذلك ولزم التصوف في لباسه وأكله وعبادته، رحل للمشرق لأمر قام عليه فيه الطلبة لخطبة خطبها ببلده مكناسة، قال: أحمد الله الذى خلق الإنسان على صورته، وذكر اسم الله الرحمن الرحيم في ملاك شريف من شرفائها فكان سبب خروجه، وكان إذا ذكر له شئ من شعره الذى مدح به الملوك في شبيبته يستغفر الله عند ذلك ويتمثل بقول بعضهم: ولما رأيت الناس طرا تكالبوا ... ولم يسمحوا إلا بكذب من الوعد (¬1) ولم يُجْدِ مدحهم (¬2) فتيلا وزادنى ... عناء وحار (¬3) القصد عن سنن الرشد نبذت بهم نبذا وعدت لخالقى ... وما فوق من قد عاذ بالصمد الفرد فمن يملك الأشياء لا رب دونه ... ويرضى بإلحاح السؤال من العبد فيا خالقى عطفا على ورحمة ... تعود (¬4) بها من لا يعيد ولا يبدى وفاته: قال في درة الحجال كان حيا في غالب الظن سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، وكانت وفاته بمكناس وقبره بمسجد الشجرة معروف كما في الروض الهتون. ¬

_ 186 - من مصادر ترجمته: درة الحجال 2/ 108. (¬1) درة الحجال 2/ 108. (¬2) في المطبوع: "ولم يجدهم مدحى" والمثبت رواية درة الحجال". (¬3) في المطبوع: "وخار" والمثبت من درة الحجال. (¬4) في المطبوع: "تقود" والمثبت من درة الحجال.

187 - محمد بن أبى الفضل بن الصباغ الخزرجى المكناسى

187 - محمد بن أبى الفضل بن الصباغ الخزرجى المكناسى. حاله: علامة حافظ مشارك، ناقد مطلع متضلع بصير، نزيه فاضل، مبرز في المنقول والمعقول، عارف بالحديث ورجاله إمام في معرفة كتاب الموطأ وإقرائه، أملى في مجلس درسه بمكناسة على حديث: أبى عُمَيْر، ما فعل النُّغَير؟ أربعمائة فائدة، زاد ابن غازى في بعض كتبه كبغية الطلاب؛ في شرح منية الحساب؛ إذ قال فيه: وقد مر بنا أن بعض العلماء استنبط من هذا الحديث ثلاثمائة فائدة، وحدثنى بعض من لقيته أن بليدينا أبا عبد الله ابن الصباغ الخزرجى المكناسى تكلم في مجلسه بمكناسة الزيتون على هذا الحديث فأملى فيه أربعمائة فائدة، أظنه قال: وكان آخر ما قرأ بها أو آخر ما أقرأ بها، فلم ينشب أن استدعاه السلطان أبو الحسن المرينى أن يصحبه في وجهته إلى إفريقية فلم يجد عن ذلك مندوحة، فكان أحد من غرق من العلماء ببحر الأندلس جدد الله تعالى عليهم رحمته بمنه ووددنا لو وقفنا على الفوائد مسطورة في كتاب هـ ونقله في نيل الابتهاج. وقد انتقد على ابن عبد السلام التونسى أربع عشرة مسألة أقر في جميعها بالخطأ وقوفا مع الإنصاف، الذى هو من شيم الأشراف، قال الإمام القورى: لم نزل نسمع من شيخنا ابن جابر حكاية ظريفة وقعت لابن عبد السلام التونسى مع ابن الصباغ، وذلك أن ابن الصباغ اعترض عليه في أربع عشرة مسألة لم ينفصل عن واحدة منها بل أقر فيها بالخطأ إذ ليس ينبغى اتصاف بالكمال، إلا لربى الكبير المتعال (¬1)، هـ وكم له من تحارير تبهر العقول. ذكره أبو عبد الله بن مرزوق الجد في مؤلفه في مناقب أبى الحسن المرينى وابن خلدون في كتاب العبر وابن الخطيب السلمانى في بعض فهارسه. ¬

_ 187 - من مصادر ترجمته: التعريف بابن خلدون - ص 46، كفاية المحتاج 2/ 51، نيل الابتهاج 2/ 64. (¬1) نيل الابتهاج 2/ 65.

اختاره السلطان أبو الحسن المرينى وكان من كبار جلة العلماء الذين استصحبهم معه في حركته إلى إفريقية، ولم يزل معه حتى هلك غريقا في جملة من غرق من الأئمة الأعلام بأساطيل المرينى المذكور على ساحل تونس في الواقعة الشنيعة التي هى من أعظم الدواهى التي أصيب بها المغرب الأقصى. غرق فيها نحو أربعمائة عالم من أكابر علماء المغرب الأقصى كالإمام محمد ابن سليمان السطى شارح الحوفى، والأستاذ الزواوى أبى العباس، وكان عدد الأساطيل نحو الستمائة أسطول، لم ينج منها غير السلطان أبى الحسن على لوح، وكانت هذه الواقعة بعد عيد الفطر سنة خمسين وسبعمائة. قال أبو عبد الله الأبى لدى الكلام على أحاديث العين من صحيح مسلم ما معناه أن رجلا كان بتلك الديار معروفا بإصابة العين، فسأل منه بعض القالين لأبى الحسن أن يصيب أساطيله بالعين، وكانت كثيرة نحو الستمائة، فنظر إليها الرجل العائن فكان غرقها بقدرة الله الذى يفعل ما يشاء، ونجا السلطان بنفسه، وجرت عليه محن. قال في الروض وحدثنى بعض الأعيان الأصحاب، أنه بلغه أن الفقيه ابن الصباغ المذكور سمع بمقصورة تلمسان المحروسة ينشد كالمعاتب لنفسه: يا قلب كيف وقعت في أشراكهم ... ولقد عهدتك تحذر الأشراكا أرضىً بذل في هوى وصبابة ... هذا لعمر الله قد أشقاكا انتهى من أصله بخط مؤلفه، والذى صدر به في الجذوة أن المترجم كان ينشد البيتين على لوح من ألواح السفينة والأمواج تلعب به (¬1). مشيخته: أخذ عن فطاحل أعلام مكناسة بلده ومشيخة فاس، وباحث ابن ¬

_ (¬1) نقله التنبكتى في نيل الابتهاج 2/ 65.

عبد السلام وابنى الإمام التلمسانيين، وابن هارون، ولقى أبا عبد الله الآبلى ولازمه، وأخذ عنه العلوم فاستفاد بقية طلبه عليه. الآخذون عنه منهم أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عفيف المكناسى. شعره: من نظمه قوله جامعا علاقات المجاز: يا سائلا حصر العلاقات التي ... وضع المجاز بها يسوغ ويحمل خذها مرتبة وكل مقابل ... حكم المقابل فيه حقا يحصل عن ذكر ملزوم يعوض لازم ... وكذا بعلته يعاض معلل وعن المعمم يستعاض مخصص ... وكذاك عن جزء ينوب المكمل وعن المحل ينوب ما قد حله ... والحذف للتخفيف مما يجمل وعن المضاف إليه ناب مضافه ... والضد عن أضداده يستعمل والشبه في صفة تبين وصورة ... ومن القيد مطلق قد يبدل والشئ يسمى باسم ما قد كأنه ... وكذاك يسمى بالبديل المبدل وضع المجاور في مكانة جاره ... وبهذه حكم التعاكس يكمل واجعل مكان الشئ آلته وجئنى ... بمنكر قصد العموم فيحصل ومعرف عن مطلق وبه انتهت ... ولجلها حكم التداخل يشمل وبكثرة وبلاغة ولزومه ... لحقيقة رجحانه يتحصل وقد وضع الشيخ المنجور السابق الترجمة شرحا لطيفا على هذه الأبيات بطلب من بعضهم لذلك. ومن شعره قوله على ما أفادنيه بعض الأعلام من الأصحاب بأنه وقف عليه منسوبا له في بعض الكنانيش الموثوق بصحة ما فيها:

188 - محمد بن أحمد بن أبى عفيف المكناسى

تنعم بذكر الهاشمى محمد ... ففى ذكره العيش المهنأ والأنس أيا شاديا يشدو بأمداح أحمد ... سماعك طيب ليس يعقبه نكس فكرر رعاك الله ذكر محمد ... فقد لذت الأرواح وارتاحت النفس وطاب نعيم العيش واتصل المنى ... وأقبلت الأفراح وارتفع اللبس إلى أن قال: وقوفا على الإقدام في حق سيد ... تعظمه الأملاك والجن والإنس له جمع الله المعانى بأسرها ... فظاهره نور وباطنه قدس فكل له عرس بذكر حبيبه ... ونحن بذكر الهاشمى لنا عرس وهى طويلة انتهى من إملائه على. مؤلفاته: وجدت في بعض التقاييد المظنون بها الصحة أن له شرحا عجيبا على الجرومية. وفاته: توفى شهيدا كما تقدم بعد عيد الفطر عام خمسين وسبعمائة. 188 - محمد بن أحمد بن أبى عفيف المكناسى. حاله: فقيه نبيه عدل رضى، فاضل نبيل خير له جملة حسنة من أصول الفقه أشفى بها على كثير من نظرائه قراءة منه إياها على أبى محمد بن أبى الفضل ابن الصباغ، وشاركه في قراءتها على شيخهما الآبلى، وتصدر لقراءة كتاب الشفا النبوى، وهو من جملة الأعلام الذين لقيهم لسان الدين بن الخطيب بمكناسة الزيتون، قال ابن غازى في روضه: وهو -يعنى المترجم- جدى أبو أم أمى رحمهم الله تعالى هـ من خطه.

189 - محمد بن الشيخ الشريف أبى حامد أحمد بن إبراهيم الحسنى المكناسى

مشيخته: أخذ عن أبى عبد الله محمد بن أبى الفضل بن الصباغ، وعن الإمام الآبلى وغيرهما. وفاته: لم أقف على من تعرض لها بيد أنه كان بقيد الحياة عام واحد وسبعين وسبعمائة، وهو عام اجتماعه بابن الخطيب بمكناسة. 189 - محمد بن الشيخ الشريف أبى حامد أحمد بن إبراهيم الحسنى المكناسى. حاله: شريف جليل، حسيب أصيل، فاضل نبيل، فقيه معظم موقر، عدل مبرز، كامل متقن، محرر متبحر. مشيخته: أخذ عن الخطيب ابن رشيد والمقرئ أبى الحسن على بن سليمان وأجاز له، وعن الخطيب أبى محمد يحيى بن أبى عبد الله بن رشيد. الآخذون عنه: منهم مسند فاس أبو زكرياء السراج، قال في فهرسته: قرأت عليه وسمعت وأجاز لى، إجازة عامة، وأرخ سماعه عليه عام سبعين وسبعمائة. وفاته: توفى ببلده مكناسة الزيتون، وغالب الظن أن وفاته كانت أواخر القرن الثامن. 190 - محمد بن موسى بن محمد بن معطى العبدوسى -بفتح العين وسكون الباء وضم الدال. حاله: فقيه مدرس، عالم زكى، صالح خير ورع، وهو والد الإمامين عبد الله وموسى، وأخو أبى القاسم، وستأتى تراجم هؤلاء بحول الله، وبيت العبادسة بيت كبير شهير من بيوت العلم بمكناسة، رأس العلم في دورهم دهرا طويلا من المائة السابعة إلى المائة التاسعة، وآخر علمائهم أم هانئ بنت أبى محمد كان العلم حتى في نسائهم، وقد كان المترجم حيا بعد التسعين وسبعمائة. ¬

_ 190 - من مصادر ترجمته: كفاية المحتاج 2/ 118.

191 - محمد بن عمر بن الفتوح التلمسانى أصلا المكناسى المقام والوفاة

191 - محمد بن عمر بن الفتوح التلمسانى أصلا المكناسى المقام والوفاة. حاله: علامة ورع ناسك زاهد منقطع للعبادة، يأوى إلى المساجد الخالية ويعمرها بتلاوة القرآن العظيم، حسن المنظر، نظيف الثياب، وهو أول من أدخل مختصر خليل لهذه البلاد عام خمسة وثمانمائة، انتقل من تلسمان إلى فاس، وكان يدرس ألفية ابن مالك بالمدرسة المتكولية، ويقيم أوده بالجامكية المترتبة عليها، ثم عرضت عليه رياسة التدريس للفقه بمدرسة العطارين، وكان يسكن ببيت على بابها يشرف على السوق. فاستخار الله تعالى فرأى في المنام عجوزا شمطاء سيقت له في عمارية بأنواع الملاهى، فعلم أنها الدنيا فلم يقبلها، وكان يقول سبب ارتحالى لفاس في طلب الفقه مسألتان سئلنا عنهما فلم يحضرنا جواب مع شهرتهما، مسألة المكثر من النذور وهى في كتاب الأيمان والنذور من المدونة، ومسألة من اشترى جارية فشرط أنها ثيب فألفاها بكرا، ما حضر أصحابنا فيها شئ غير أنهم قالوا هذا كمن تلف له قب ووجد حماما، وهى منصوصة في نوازل ابن سهل، أنه إن شرط ذلك لغرض كما إذا كان شيخا كبيرا لا يطيق الافتراع، أو كان حلف أن لا يطأ بكرًا وأن لا يملكها فله ردها وإلا فلا. قال ابن غازى: حدثنى شيخنا أبو زيد القرمونى وكان ارتحل إليه من فاس والى رفيقه عبد الله بن حمد فخدمهما تسعة أعوام، وأن سبب انتقاله من تلمسان أنه كان من نجباء طلبتها وكان شابا حسن الصورة مليح الشارة، فمرت به امرأة جميلة فجعل ينظر لمحاسنها من طرف خفى، فقالت: اتق الله يا بن الفتوح يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، فانتفع بكلامها، فزهد في الدنيا فخرج من وطنه ولحق بفاس هـ.

وكان يضيق ذرعه من مخالطة من لا يحفظ لسانه عن الغيبة وغيرها من كلام الهجر، ويتمنى أن لو وجد رفقاء يعينونه على الخير، فدله بعض الناصحين على الشيخ الصالح أبى محمد عبد الله بن حمد وأصحابه، فارتحل إليه بمدينة مكناسة فظفر ببغيته، وصار كما قيل وافق شن طبقة، وافقه فاعتنقه. وقرأ البخارى بمكناسة عند خزانة الكتب من مسجدها الأعظم، وكان بينه وبين شيخ الجماعة أبى محمد عبد الله العبدوسى وُدّ وَإخاء، وكل منهما يفيد صاحبه. قال ابن غازى: حدثنى شيخنا القورى أنه -يعنى المترجم- مرضت إحدى يديه فلم يتمكن له مسح أذنيه إلا باليد الصحيحة، فمسح اليمنى وأراد مسح اليسري فأشكل عليه الأمر في استئناف الماء، ولم يذكر فيه نصا وجدد فكتب لصاحبه العبدوسى يخبره بما فعل، وهل عنده فيها نص فأجابه لا أذكر فيها نصا، ولو نزل بى مثله لفعلت فعلك. مشيخته: أخذ عن فحول علماء بلده تلمسان، وعن شيخ الجماعة بفاس أبى موسى عيسى بن علال المصمودى، وعن الولى الصالح المتبرك به حيا وميتا عبد الله بن محمد بمكناس. الآخذون عنه: منهم العلامة أبو زيد القرمونى وجماعة. مؤلفاته: منها الوثائق المجموعة في جزءين. وفاته: توفى مطعونا عام ثمانية عشر وثمانمائة طعن وهو يقرأ البخارى بالمسجد الأعظم، فحمل لبيته في المدرسة فلقن عند الموت، فقال لمن لقنه: الشغل بالذكر عن المذكور غفلة.

192 - محمد أبو عبد الله بن سعيد بن محمد المكلانى المكناسى

192 - محمد أبو عبد الله بن سعيد بن محمد المكلانى المكناسى. حاله: علامة جليل، ولى قضاء مكناسة الزيتون، قال في الروض الهتون: فقد كان شيخنا الفقيه الحافظ أبو عبد الله القورى يحكى أن السلطان أبا عنان استقدمه -يعنى المترجم- من مكناسة فقدم عليه ومعه أتباعه وأعوانه، فلما بلغ باب المشور بالبلد الجديد تركهم مع بغلته ودخل على السلطان فعزله عن خطة القضاء بسبب عدم مبالاته به في تنفيذ الحق، فخرج فوجدهم فروا عن بغلته، ثم بدا للسلطان لوقته فاسترجعه واستعطفه وأعاده لخطته، فلما خرج وجدهم دائرين بالبغلة وهو شأن الناس كما قيل: الناس أعوان من واتته دولته ... وهم عليه إذا خانته أعوان هـ من خطه. 193 - محمد المكناسى. حاله: وقفت على تحليله بالشيخ الفقيه العدل الفاضل المعلم الفرائضى عند الإمام ابن جابر الغسانى المكناسى في شرحه على المنظومة التلمسانية، وصرح بأنه مكناسى، وذكر أنه أثنى له كثيرا على كتاب الإيضاح لابن ثابت في الفرائض، ولم أقف له لا على مشيخة ولا ولادة لإبهام اسم أبيه ونسبته، فيحتمل أنه عن ترجمناهم، إلا أن الإبهام لم يعرفنا بحقيقته، ويحتمل أنه لم يذكر، وقد ذكرناه زيادة في الفائدة والله أعلم. 194 - محمد بن أبي طالب بن أحمد بن على بن أحمد المكناسى نسبة للقبيلة ثم العياضى عرف بابن السكاك من أبناء أبي العافية. ¬

_ 194 - من مصادر ترجمته: جذوة الاقتباس 1/ 238، درة الحجال 2/ 284، شجرة النور الزكية 2/ 76، كفاية المحتاج 2/ 120، لقط الفرائد في موسوعة أعلام المغرب 2/ 733، نيل الابتهاج 2/ 150، وفيات الونشريسى في موسوعة أعلام المغرب 2/ 732.

حاله: إمام أصولى، بيانى مفسر، محرر متبحر، نحرير نقاد، خطيب مفت، مؤرخ نسابة، ورع زاهد صالح، من أهل الفضل والعلم والدين. تولى قضاء الجماعة بفاس فحمدت سيرته، وقد تبرأ من فعل جدهم موسى وشنع عليه في سوء فعله، ولم يرض ذلك، تعرض لذكره الونشريسى في وفياته وغيره. وحكى صاحب نيل الابتهاج عن صاحبه المؤرخ محمد بن يعقوب الأديب أن المترجم بات عند شيخه الشريف التلمسانى ليلة مع أبى زيد بن خلدون، فولد للشريف التلمسانى تلك الليلة ولد فسماه عبد الرحمن باسم ابن خلدون، وكناه أبا يحيى كنية ابن السكاك تبركا بهما، فخرج الولد عالما جليلا وهو أبو يحيى الشريف. مشيخته: منهم أبو عبد الله الآبلى، والشريف التلمسانى، والعبدرى، وابن العباد، وكان يقول فيه شيخى وبركتى وغيرهم. الآخذون عنه: منهم صاحب الكوكب الوقاد، والقاضى ابن علال المصمودى، ويعقوب الحلفاوى وغيرهم من الأعلام. مؤلفاته: له شرح على الشفا للقاضى عياض أجاد فيه ما شاء وأفاد، ونصح ملوك الإسلام، بالتعريف بما عليهم من حقوق أهل البيت عليهم السلام، وتأليف في الأدعية وهو في مجلد وسط، قال شيخنا ابن جعفر في سلوته: وقفت له على تأليف آخر في نصح ملوك الإسلام أكبر من النصح المشهور، وفيه زيادات عليه وفوائد جمة، وفى آخره التنبيه على أنه النصح الأوسط. وفاته: توفى بفاس العشاء الأخيرة من ليلة الثلاثاء ثانى عشر ربيع الأول سنة ثمان عشر وثمانمائة.

195 - محمد بن أحمد بن عبد الرحمن اليفرنى الشهير بالمكناسى الفاسى بكنى أبا عبد الله.

وكان الحال عليه سهلا طلق اللسان يقرأ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ... (128)} [التوبة: 128] إلى آخر السورة، وورد أبى الحسن الشاذلى وهو سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم لا إله إلا الله إلخ، يكرر جميع ذلك، وأوصى أن تدفن أسماء أهل بدر معه، وكان كتبها بخط يده، وصلى عليه تلميذه أبو يوسف يعقوب الحلفاوى، وأدخله قبره وألحده ودفن كما ذكر غيره واحد بروضتهم التي بكدية البراطيل داخل باب الفتوح مع شيخه ابن عباد قريبا منه. ترجمه في الجذوة، والدرة، والكفاية، والنيل، والسلوة، وغير ذلك. 195 - محمد بن أحمد بن عبد الرحمن اليفرنى الشهير بالمكناسى الفاسى بكنى أبا عبد الله. حاله: فقيه فرضى مؤلف. ولادته: ولد سنة تسع وثلاثين وسبعمائة. وفاته: توفى سنة ثمان عشرة وثمانمائة، كذا ترجمه في الجذوة. 196 - محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن جابر الغسانى المكناسى الدار كذا هو بفهرسة ابن غازى، وبآخر ورقة من شرح المؤلف على التلمسانية، وما يوجد من زيادة محمد بين جده وجد أبيه يحيى لا يصح، شيخ شيوخ ابن غازى. حاله: فقيه عالم ناظم ناثر شاعر مجيد محسن، حافظ لافظ، ثبت ذكى، واعية متقن، متضلع نقاد، أستاذ مقرئ، نحرير نظار، حجة بارع مطلع، مدرس نفاع، راوية ذو دين متين، واطلاع كبير، ورسوخ وتضلع زائد، واقتدار وإمامة كاملة في المعقول والمنقول، وعارضة عريضة، ونبل وذكاء ودهاء، وفضل زائد. ¬

_ 195 - من مصادر ترجمته: جذوة الاقتباس 1/ 239. 196 - من مصادر ترجمته: جذوة الاقتباس 1/ 317.

قال ابن غازى في حق المترجم: ما نصه شيخ شيوخنا الأستاذ المقرئ الشاعر المجيد المحسن ذو التصنيف الحسان والقصائد العجيبة. مشيخته: أخذ عن الشيخ الحاج المجاور الحافظ الواعظ الفقيه أبى عبد الله محمد بن على الذكوانى الأندلسى، والشيخ ابن قاسم بن داود السلوى، والشيخ الإمام محمد بن على المراكشى المعروف بابن عليوات، والشيخ الفقيه العلم رافع راية الشعر والأدب في عصره القدوة الأجمل، المتفنن الأكمل، كاتب الخلافة العلية، المخصوص لديها بالمزايا السنية، محل الوالد المعظم أبو العباس أحمد بن يحيى بن أحمد بن يحيى بن أحمد بن عبد المنان، والشيخ الفقيه الأعدل أبو محمد عبد الله بن الحسن اللخمى المعروف بابن الأصفر، والشيخ الفقيه العددى الفرضى أبى الحسن على بن يوسف التلاجدوتى، والشيخ الفقيه الأعدل الحاج الصالح أبى عبد الله محمد بن أبى إدريس وغيرهم. رأيت هؤلاء الشيوخ بحلاهم في مواضع متفرقة، من شرحه على التلمسانية في الفرائض. الآخذون عنه: منهم الحافظ القورى، وولده أبو عبد الله الآتى الترجمة، وعبد الرحمن بن محمد العبدوسى، روى عنه المصافحة تمام مسلسلات الشيخ صالح الرضوى البخارى وغيرهم. مؤلفاته: منها نظم المراقبة العليا، فى تعبير الرؤيا، قال فى أولها: يقول راجى فضل ذى الإحسان ... محمد بن جابر الغسانى الحمد لله الذى قد ألهما ... من شاء علم غيبه وأفهما وأوجد الأشياء بعد العدم ... وعلم الإنسان ما لم يعلم ثم صلاة الله والسلام ... على الذى انجلى به الظلام نبينا محمد خير الورى ... من جاءنا مبشرا ومنذرا يخبرنا عن ربنا سبحانه ... بعلم ما لم نستطع عيابه

صلى عليه الله ما لذ منام ... وسرحت في الغيب أرواح الأنام وآله الذين هم أكرم آل ... وصحبه الأعلام سادة الرجال وبعد فاعلم أن علم الرؤيا ... علم يريك خافيات الأشيا لأنه جزء من النبوة ... كما أتى عن سيد البرية روى أبو هريرة عن النبى ... خير الأنام الطاهر المنتخب حديث صدق جاء في كلامه ... فيما يرى النائم في منامه وأنه جزء صحيح يرءا ... من ستة وأربعين جزءا وفيه حكمة لمن يفهمها ... فهاكها منى كما أعلمها وذاك أن مدة الوحى التي ... أوحى فيها لنبى الرحمة كانت ثلاثا قل وعشرين سنة ... أولها وحى المَرائى البينة ستة أشهر وبعدها نزل جبريل ... بالذكر الذى قد استقل فإن نسبت مدة الأيام ... وذاك بالتحقيق نصف عام من مدة الوحى الذى حسبت ... وجدت جزءك الذى نسبت قال الإمام الحافظ ابن العربى ... هذا حديث دلنا أن النبى كان بأنواع العلوم عالما ... وبحقائق الأمور قائما انظر ترى كيف أتى بالنسبة ... والجزء من علم الحساب المثبت قال ابن جابر وبالحق يقول ... نعم الذى قال الإمام في الرسول ومنها نزهة الناظر رجز بديع في التعريف ببلده مكناسة الزيتون، وتأليف في رسم القرآن، وتسميط البردة للبوصيرى، ونظم رجال الحلية، ومنها شرحه الحفيل

على منظومة التلمسانى في الفرائض ملأه فرائد ودررا مما يستحسن إيراده ويستطاب ذكره. فمن ذلك ما نسبه إلى الحلية في ترجمة الإمام الشافعى رضى الله عنه أنه تزوج امرأة ذات جسدين في صورة واحدة بوجهين وصدرين وأربعة أيدى وبطنين ورجلين اثنين وفرج واحد، ومنها ما رآه بمكناسة قال: شاهدت بها بنتين بوجهين وأربعة أرجل وفرجين اثنين في جسد واحد افترقت فيه من أسفل البطن ومن عند الصدر، والبنتان المذكورتان ميتتان وكان ذلك بقرب ولادتهما لصعوبة وضعهما وذلك في عام واحد وثمانمائة. شعره: من ذلك قوله: لا تنكرن الحسن من مكناسة ... فالحسن لم يبرح بها معروفا ولئن محت أيدى الزمان رسومها ... فلربما أبقت هناك حروفا وقوله فى مطلع قصيدة: يا بديعا فاق البديع بنظم ... فى عروض من الخفيف ووزن وقوله مخمسا لبيتى ابن الخطيب (¬1): يا سائر الضريح خير العالم ... ينهى إليه مقال صب هائم بالله ناد وقل مقالة عالم: يا مصطفى من قبل نشأة آدم ... والكون لم تفتح له أغلاق بثناك قد شهدت ملائكة السما ... والله قد صلى عليك وسلما يا مجتبى ومعظما ومكرما ¬

_ (¬1) جذوة الاقتباس 1/ 317.

أيروم مخلوق ثناك بعد ما ... أثنى على أخلاقك الخلاق وقوله: على قدر نية أهل التو (م) ... كل يعطيهم الله منه المعونة فإن صحح العبد إيقانه ... كفاه المهيمن هو المئونة وقوله: إذا كان ظنى بربى جميلا .. ولم أتخذ غيره لى وكيلا أتتنى لطائفه بالذى ... رجوت وكان بأمرى كفيلا وقوله: نظرت إلى الوجود بعين قلبى ... فلم أر فيه غير الله وحده فكن بالله وارج الله واعمل ... للقيما الله تأمن كل شده وقوله: قل للحريص تفكر ... إذا كنت في بطن أمك أكنت أعددت رزقا ... يقيم نشأة جسمك وعند خلقك لما ... أصبحت أضعف قومك هل قمت تنشى ثديا ... يدر رزقا برسمك حتى فطمت فأضحى ... أبوك يسعى لطعمك والأم تجهد معه ... فيك إلى وقت حلمك فحين صرت قويا ... أخا احتيال بزعمك خفت الضياع فأضحت ... دنياك أكبر همك هذا لعمرى سفاه ... قضى به سوء فهمك

وقوله: تالله بعد أحبائى الذين مضوا ... وخلفونى رهين الشوق والشجن (¬1) ما أبصرت مقلتى من بعدهم حسنا ... ولا نظرت إلى شئ فأعجبنى وقوله وقد كتبه على زاوية الحجاج ببلده مكناسة: هذا مقام الزائرين لأحمد ... من جاء بالقرآن والآيات (¬2) يا ليتنى أسعى إلى خير الورى ... وأقبل الآثار والجدرات يا رب جاز القائمين بحقه ... بتوابع الإحسان والحسنات واغفر له ولمن أراد بناءه ... والسامعين وناظم الأبيات وقوله: أيا من أراد التخلص من ... دناه لخوف إذاياتها (¬3) إذا شئت تسلم من شرها ... فسلم لما في حويجاتها وفاته: توفى بمكناسة بلده سنة سبع وعشرين وثمانمائة وإلى وفاته أشار صاحب نظم الإعلام، بوفيات الإعلام، بقوله: محمد بن جابر في (أو كتت) ... وفاته القلوب مزنا أو كتت الألف من أو كتت بواحد، والواو بستة، والكاف عشرون، والتاء أربعمائة وكذا التي بعدها. ¬

_ (¬1) جذوة الاقتباس 1/ 318. (¬2) جذوة الاقتباس 1/ 318. (¬3) جذوة الاقتباس 1/ 318.

197 - محمد بن أحمد بن أبى يحيى التلمسانى شهر بالحباك

197 - محمد بن أحمد بن أبى يحيى التلمسانى شهر بالحباك. حاله: فقيه عالم عدل رضى جليل صالح فرضى عددى، له معرفة بعلم الارتفاع بالأسطرلاب كاملة. الآخذون عنه: أخذ عنه الإمام السنوسى كثيرا من علم الأسطرلاب، وكذا الملالى وغيرهما. مؤلفاته: منها شرحه على تلخيص ابن البناء، ورجز التلمسانى، ونظم رسالة الصفار في الأسطرلاب. وفاته: توفى سنة سبع وستين وثمانمائة كما في وفيات الونشريسى. 198 - محمد بن قاسم بن محمد بن أحمد بن محمد القورى اللخمى نسبا المكناسى مولدا ودارا ومسكنا، الأندلسى أصلا الفاسى نقلة وقرارا. شهر بالقورى -بفتح القاف وسكون الواو ثم راء- نسبة لبلدة قريبة من إشبيلية. حاله: كان حامل راية النص والقياس، ولواء المعاريف بين فطاحلة العلم وخصوصا بفاس ومكناس، له الشأو البعيد في النزاهة وإخلاص العمل، إمام علامة مفت محقق، فقيه نزيه بركة، معظم مفيد، صدر جامع أوحد، مشار إليه في سماء تحقيق العلوم العقلية والنقلية، رفيع القدر والشأن، لم يختلف في فضله ¬

_ 197 - من مصادر ترجمته: لقط الفرائد في الموسوعة 2/ 772، وفيات الونشريسى في الموسوعة 2/ 772. 198 - من مصادر ترجمته: توشيح الديباج - ص 202، درة الحجال 2/ 295، الضوء اللامع 8/ 280، كفاية المحتاج 2/ 189، لقط الفرائد في الموسوعة 2/ 779، نيل الابتهاج 2/ 233، وفيات الونشريسى في الموسوعة 2/ 779.

وسعة علمه اثنان، تاج الأئمة الحفاظ، ممن تكل عن ذكر أوصافه العلمية الألفاظ، سيف أقطع، وبدر أسطع، قدوة وأس العلماء والناس، فقيه مكناس وفاس ومفتيهما مبرز في تحقيق العلوم، منطوقها والمفهوم، آية في نوازل الفقه وقضايا التواريخ، مجلسه كثير الفوائد مليح الحكايات له قوة عارضة، ومزيد ذكاء مع نزاهة وديانة، وحفظ مروءة. كان يدرس المدونة وينقل عليها كلام المتقدمين والمتأخرين من الفقهاء والموثقين ويطرز ذلك بذكر موالدهم ووفياتهم وحكاياتهم وضبط أسمائهم، والبحث في الأحاديث المستدل بها في نصر آرائهم، مجلسه نزهة للسامعين، وآية إعجار للمعتبرين، وكان لا يتنفس إلا بالفوائد، وكان لسانه رطبا بلا إله إلا الله، تسمع جارية على لسانه أثناء حديثه. مشيخته: أخذ عن أبى موسى عمران الجاناتى راوية أبى عمران العبدوسى وعليه اعتمد في قراءة المدونة، وأبى الحسن على بن يوسف التلاجدوتى أخذ عنه العربية والحساب والعروض والفرائض، وابن جابر الغسانى أخذ عنه القراءات السبع، وأبى عبد الله عزوز أخذ عنه الحديث والتاريخ والسير والطب، والشيخ ابن غياث السلوى علم الطب وكان مجيدا فيه، وأبى القاسم التازغدرى، وأبى محمد العبدوسى باحثه كثيرا واستفاد منه مشافهة ومكاتبة، وهو الذى أجلسه للتدريس بفاس، كما أجلسه للتدريس بمكناس ولى الله تعالى عبد الله بن حمد. الآخذون عنه: منهم إبراهيم بن هلال، وأحمد زروق، وعبد الله الزمورى شارح الشفا، وأبو الحسن الزقاق، والقاضى امناسى، والمفتى أبو مهدى الماواسى، والإمام ابن غازى، والحافظ الونشريسى مؤلف المعيار وغيرهم.

199 - محمد القطرانى أبو عبد الله.

مؤلفاته: ذكر أبو الحسن المنوفى شارح الرسالة في شرح خطبة المختصر أن القورى شرحه في ثمان مجلدات انتهى لكن قال في نيل الابتهاج لم أره لغيره ولا ذكر له ألبتة عند أهل فاس والله أعلم. فائدة: قال الشيخ ابن غازى حدثنى صاحب الترجمة عن شيخه أبى عبد الله بن عبد العزيز أنه قال: سمعت العالم المحدث الحافظ الربانى البلالى بمصر، يقول: حديث الباذنجان لما أكل له، أمتن إسنادا من حديث ماء زمزم لما شرب له، قال شيخنا القورى: وهذا عكس المعروف هـ. قلت: ولعل النقل انقلب على ناقله سهوا، وإلا فالذى نقل البلالى المذكور في مختصر الإحياء خلافه، بل صرح بأن حديث الباذنجان موضوع وضعته الزنادقة، وأن حديث ماء زمزم صحيح، وقد استوفيت كلامه وكلام غيره في تقييدى على المختصر في كتاب الحج والله أعلم هـ. ولادته: ولد بمكناسة الزيتون أول القرن التاسع حسبما أفصح بذلك تلميذه ابن غازى، وقال غيره ولد سنة أربع وثمانمائة. وفاته: توفى بفاس آخر القعدة على ما ذكره تلميذه أحمد زروق عام اثنين وسبعين وثمانمائة ودفن بباب الحمراء وترجمه أبو عبد الله ابن غازى، وأبو العباس الونشريسى في فهرستيهما، وصاحب الجذوة، والدرة، وكفاية المحتاج، ونيل الابتهاج، وتوشيح الديباج، وسلوة الأنفاس وغيرهم. 199 - محمد القطرانى أبو عبد الله. حاله: كان حافظا جليلا، دراكه نبيلا، يستظهر كتاب ابن يونس أو اللخمى شك أبو عبد الله القورى، ولم أقف على من ترجمه غير ما ذكره به صاحب الروض. ¬

_ 199 - من مصادر ترجمته: الروض الهتون - ص 101.

200 - محمد بن أبي البركات الحسنى الحاج المجاور

200 - محمد بن أبي البركات الحسنى الحاج المجاور. حاله: علامة شاعر مجيد، قال ابن غازى: رأيت له نظما بليغا في علاقات المجاز. 201 - محمد بن سعيد الحباك القيجميسى المكناسى أخو أحمد بن سعيد المتقدم الترجمة. حاله: فقيه صالح زاهد ناسك ورع ربانى مربى، قال ابن غازى: كان والله أعلم في مقام الحلال، لأن الغالب عليه القبض، وكان معاصره أبو محمد بن حمد في مقام الجمال، لأن الغالب عليه البسط هـ وهو من القرن التاسع. الآخذون عنه: منهم أخوه أبو العباس المتقدم الذكر. 202 - محمد بن عيسى بن عبد الله بن حرزوز، ابن منصور المكناسى. حاله: علامة مشارك نقاد. مؤلفاته: منها اختصاره لصحيح الإمام البخارى المعنون بالكوكب السارى، حذف فيه الأسانيد والمكرر فجاء في مجلد وسط، وهو بمكتبتنا. 203 - محمد بن عبد العزيز المعروف بالحاج عزوز الصنهاجى المكناسى. حاله: فقيه متفنن ذكى حجة، رحالة حاج، مجود للقرآن، حافظ للحديث والتاريخ، نابغة في الطب، جيد القريحة في الشعر، رحل إلى المشرق واستفاد من أعلامه، ورجع لبلده مكناسة، وأفاد بها، ثم رحل ثانية فمات هناك. قال ابن غازى: حدثنى عنه شيخنا القورى أنه نزل ببعض المشارقة فقدم له طعاما عندهم يقال له البازين، فلم يصب منه كبير شئ، فقال له مالك لا تأكل؟ فقال: إنه لم يكن بأرض قومى فأجدنى أعافه كما قال النبى - صلى الله عليه وسلم -، فعلم أنه من أهل الحديث فبالغ في إكرامه هـ.

204 - محمد بن على بن أبى رمانة المكناسى قاضيها أبو عبد الله

مشيخته: أخذ عن الأستاذ ابن جابر تجويد القرآن والحديث والتاريخ والطب، وعن ابن مرزوق الحفيد، وعن جماعة من أعلام المغرب والمشرق. الآخذون عنه: منهم الإمام القورى وانتفع به كثيرا، ومنهم زوجه -أى المترجم- رحمة بنت الجنان وجماعة. شعره: من ذلك معاتبا شيخه ابن جابر وقد خرج بتلامذته لينزههم بعرصة كانت له بواد أبى العمائر وأغفل تلميذة المترجم لم يدعه فيهم: ليت شعرى وذاك ليس بمغنى ... ما يرد الفوات حرف تمنى أى ذنب قرفته يا عمادى ... فحرمنا من قربكم قرب عدن ومنحنا الإعراض إذ عرض النا ... س فأعظم بذلك الذنب منى وهب الذنب فيه يعظم هلا ... منكم كان حسن عفو وظن وقوله من قصيدة راثيا ومعرضا بطبيب طب صديقا له من أبناء أبى العافية بالكى بالمحور فمات، وكان اسم الطبيب ابن سالم: ولقد كوى قلبى فراقك كية ... كادت تكون كما كواك المحور لم يذكر في الروض ولا في درة الحجال منها غير هذا البيت. 204 - محمد بن على بن أبى رمانة المكناسى قاضيها أبو عبد الله. حاله: شيخ فقيه خير فاضل، من أهل الحياء والحشمة، وذوى السذاجة والعفة، تولى القضاء بمكناسة الزيتون وهو من جملة الأعلام الذين لقيهم ابن الخطيب بها، ووقعت بينهما مداعبة، وله في المعيار أسئلة ومشاورات فيما ينزل بين يديه من النوازل تنبئ عن كامل معرفة وغزير اطلاع.

205 - محمد بن عبد الله بن محمد

205 - محمد بن عبد الله بن محمد. على ما صوبه في السلوة، وهو الذى لابن القاضى في الجذوة والدرة ولقط الفرائد وغيره وهو اليَفْرنى المكناسى الشهير بالقاضى المكناسى. حاله: فقيه فرضى عددى، ذو سياسة وعدل في أحكامه، فاضل نزيه نبيل، من بيت علم، ومن ذرية أبى الحسن الطنجى، ولى قضاء فاس سنة خمس وثمانين وثمانمائة وبقى عليه إلى أن توفى بضعا وثلاثين سنة، وكان يقول: من طلب منى خطة الشهادة فكأنما خطب منى ابنتى إذ كان يعز الشهادة ويضن بها، ولما روج أبو العباس الونشريسى ولده السيد عبد الواحد قال القاضى المذكور هديتى لعرسه هو إطلاق يده على الشهادة لأهليته. مشيخته: أخد عن أبى عبد الله القَوْرِيّ، والقاضى محمد بن عيسى بن علال المصمودى، وغيرهما من أوعية العلم النقاد. الآخذون عنه: منهم أبو العباس الونشريسى صاحب المعيار كان يحضر مجلسه بعد قدومه لفاس، وولده عبد الواحد الونشريسى، وعلى بن هارون المطغرى وخلق. مؤلفاته: منها كتاب التنبيه والإعلام، ومجالس القضاة والحكام، في الأحكام متداولة بين أيدى الطلبة في سفر وسط، والتنبيه والإعلام، فيما أفتاه المفتون وحكم به القضاة من الأوهام. ولادته: ولد سنة تسع وثلاثين وثمانمائة. وفاته: توفى قاضيا بفاس سنة سبع عشرة وتسعمائة. هـ. ¬

_ 205 - من مصادر ترجمته: جذوة الاقتباس 1/ 244، درة الحجال 2/ 146، لقط الفرائد في الموسوعة 2/ 827.

الطبعة الأولى 1429 هـ - 2008 م حُقُوق الطَّبْع مَحْفُوظَة للناشر الناشر مكتبة الثقافة الدِّينِيَّة 526 شَارِع بورسعيد - الْقَاهِرَة ت: 25922620 - 25938411 - فاكس: 25936277 E-mail: [email protected] بطاقة الفهرسة إعداد الْهَيْئَة المصرية الْعَامَّة لدار الْكتب والوثائق القومية إدارة الشئون الفنية إتحاف أَعْلَام النَّاس بِجَمَال أَخْبَار حَاضِرَة مكناس ج 4 تأليف: ابْن زَيْدَانَ عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد المكناسي, تَحْقِيق: عَليّ عمر، ط 1، الْقَاهِرَة: مكتبة الثقافة الدِّينِيَّة 2008 م 5 مج: 24 سم تدمك: 6 - 392 - 341 - 977 1 - الْفُقَهَاء - معاجم أ - عمر، عَليّ (مُحَقّق) ب - العنوان ديوى: 922.58 رقم الْإِيدَاع: 7669/ 2008

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

206 - محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن على بن غازى العثمانى الأصل

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما * * * 206 - محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن على بن غازى العثمانى الأصل. نسبة إلى أبى عثمان، وهو من قبيلة كتامة حسبما ذكر ابن خلدون، كذا قال عن نفسه، والذى في ترجمة الشيخ عبد الله بن عبد الرزاق العثمانى من نشر المثانى أن نسبتهم إلى العثامنة بطن من مختار حور مكناسة الزيتون والله أعلم، المكناسى النشأة والدار، الفاسى الرحلة والإقبار. حاله: عالم العصر، وبركة القطر، المتفنن الذى لم يسمح الزمان له بمثيل، بحر رخار تتلاطم أمواج تحقيقه، حافظ حجة، فرضى حيسوبى عروضى خطيب، جامع شتات الفضائل، مقرئ مجود صدر في القراءات متقن لها عارف بوجوهها وعللها، طيب النغمة، عذب المنطق، حسن الإيراد والتقرير، فصيح اللسان، عارف بصنعة التدريس، ممتع المجالسة، جميل الصحبة، سرى الهمة نقى الشيبة، حسن الأخلاق والهيئة، عذب الفكاهة، معظم عند الخاصة والعامة، نصوح، قائم بعلم التفسير والفقه والعربية والحديث حافظ له واقف على أحوال رجاله وطبقاتهم ضابط لذلك كله معتن به ذاكر للسير والمغازى والتاريخ والآداب. رحل لفاس في طلب العلم قال عن نفسه: وأظن رحلتى سنة ثمان وخمسين وثمانمائة فأقمت بها ما شاء الله تعالى، ولقيت من الأشياخ بالمدينتين جماعة ذكرت مشاهيرهم في الفهرسة التي سميتها بالتعلل برسوم الإسناد، بعد ¬

_ 206 - من مصادر ترجمته: جذوة الاقتباس 1/ 320، دوحة الناشر في موسوعة أعلام المغرب 2/ 831.

انتقال أهل المنزل والناد، ثم عدت إلى مدينة مكناسة فأقمت بها بين أهلى وعشيرتى زمانا انتهى. ولقد أنفق عمره في طلب العلم والعكوف على نشره وتقييد شوارده. ولى خطابة مكناسة الزيتون وتصدر للتدريس بجامعها الأعظم، ثم خطبة فاس الجديد لما نفى من بلده مكناسة على عهد محمد بن أبى زكرياء الوطاسى، قال في درة الحجال في ترجمة محمد بن يوسف التلافى: حدثنى أن ابن غازى لما نفى من مكناسة نفاه محمد بن أبى زكرياء بن يحيى بن عمر الوطاسى الملقب بالحلو لقيه بباب مكناسة وهو خارج منها قاصدا المشرق، أعنى كان في ظنه ذلك، ثم حبسه أهل فاس عندهم فقال له يوصيه: يا محمد عليك بالقراءة فمن بركتها بلغت هذا المنصب، وهذه الخطة -يعنى خطة الجلوس لحراسة الأبواب- فكان ابن غازى يسلى نفسه بعد ذلك بقوله، وكان أمير فاس يومئذ محمد بن أبي زكرياء (¬1) انتهى. ثم لما انتقل لفاس واستوطنها رشح لخطبة فاس الجديد، ثم للخطابة والإمامة بجامع القرويين والتدريس، ولم يكن في عصره أخطب منه، وكان يسمع في كل رمضان صحيح الإمام البخارى، رحل الناس للأخذ عنه وتنافسوا فيه، وتخرج عليه عامة طلبة فاس وغيرها، وكان شيخ الجماعة بها، وبالجملة فقد فاق أهل زمانه وتبرز عليهم في سائر الفنون، وهو آخر المقرئين وخاتمة المحدثين. جاهد بنفسه وحضر فيه مواقف عديدة، ورابط فيه مرات كثيرة، وخرج في آخر عمره لقصر كتامة للحراسة فمرض ورجع لفاس فاستمر به إلى أن توفى. وفى بذل المناصحة، في فعل المصافحة، لأبى العباس أحمد بن على البوسعيدى أن المترجم كان متخذا من يبحث له عن الأخبار الرائجة ويأتيه بها ¬

_ (¬1) درة الحجال 2/ 182.

مكتوبة في كراريس كل يوم الأربعاء فيتصفحها يوم الخميس يوم تعطيل الدروس انتهى. مشيخته: منهم أبو عبد الله محمد بن قاسم القورى المكناسى لازم مجلس درسه في المدونة أعواما، وسمع عليه كثيرا من الموطأ رواية يحيى بن يحيى الليثى، وسمع عليه السير لابن إسحاق رواية عبد الملك بن هشام وتهذيبه بحثا وتفقها، وسمع عليه بعض مدارك القاضى عياض وبعض مختصر الجوزقى وبعض وثائق أبى القاسم الجزيرى، وبعض المختصر الخليلى، وبعض المدونة رائدا على ما في مجلس درسه العام، وسمع عليه أيضا تبحرا وتوسعا بعض التفسير وبعض رسالة الشيخ ابن أبى زيد، وبعض المرادى على الألفية وغير ذلك. ومنهم الشيخ النظار أبو العباس أحمد بن عمر المزجلدى المتوفى بفاس عام أربعة وستين وثمانمائة قال: ما أدركنا بفاس أعلم منه بالمدونة، كانت نصب عينيه يستظهر نصوصها ويسردها عند الحاجة سردا، وإذا قعد لإقرائها تسمع منه السحر الحلال، ينقل عليها كلام شارحيها بألفاظهم بلا تكلف، ثم يكر على أبحاثهم فيبين من أين أخذوها منها، ويقول: إنهم فهموها ففسروا بعضها وضربوا أولها بآخرها وآخرها بأولها، قال: ولم يكن يقرر في مجلسه إلا الفقه الساذج، ولازمت مجلسه بمدرسة مصباح مدة، سمعت منه فيها بعض رزمة البيوع. ومنهم الحافظ المكثر الخطيب أبو على الحسن ابن منديل المغيلى المتوفى بفاس عام ثلاث وستين وثمانمائة، لازم مجلسه بجامع القرويين مدة، سمع عليه فيها رسالة أبى محمد، قال: وسألته واستفدت منه. ومنهم الولى الصالح أبو زيد عبد الرحمن بن أحمد بن أبى القاسم القرمونى القيسى المتوفى عام أربعة وستين، قال: جالسته كثيرا واستفدت منه، وحضرت مجلسه بجامع القرويين في الرسالة.

ومنهم أبو زيد عبد الرحمن المجدولى المشهور بالتونسى، كان ربما حضر مجلسه واستفاد منه بعض الشئ، وكان مبرزا في علم المعقول وعنه كان يؤخذ بفاس. ومنهم أبو زيد عبد الرحمن الكاوانى دفين مكناسة، قرأ عليه الرسالة وختمتين في فرائض التلقين تفقها وعملا، وبعض الألفية، وسمع عليه بعض المدونة وبعض تفريع ابن الجلاب، قال: وكان إماما في أصول الدين فتح بصائرنا فيها وفى أصول الفقه. ومنهم أبو الحسن بن منون الحسنى المكناسى ختم عليه ختمات كثيرة من القرآن العزيز، وتمرن عليه في الفرائض والوثائق وإعراب القرآن العزيز وأوقافه، واستفاد منه كثيرا. ومنهم أبو العباس أحمد بن سعيد الحباك المكناسى، قرأ عليه نحو ثلث شرح ابن عقيل تحقيقا وتدقيقا لا سيما شواهده الشعرية، وقرأ عليه نظمه لبيوع ابن جماعة قراءة تحقيق وتدقيق وبحث وتغلغل، كانت سببا في رجوعه عن بعض أبيات الرجز المذكور تبديلها بغيرها، ولازم مجالسته واستفاد منه كثيرا. ومنهم أبو عبد الله محمد بن الشيخ أبى عبد الله محمد بن جابر الغسانى الآتى قريبا المكناسى، جالسه بمكناسة واستفاد منه كثيرا، ومن أغبط ما أخذ عنه المصافحة المروية عن الخضر، قال: صافحنى بالمسجد الأعظم من مكناسة الزيتون، وقال: صافحنى والدى الأستاذ أبو عبد الله محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى ابن جابر، وقال: صافحنى الشيخ الفقيه العالم الصالح الزاهد الأكمل أبو عبد الله محمد بن على المراكشى المعروف بابن عليوات بيده المباركة، وأمرنى أن أشد على يده، وقال لى: إن معنى ذلك الاشتداد في الدين فشددت وذلك بالجامع الأعظم من مدينة مكناسة حرسها الله تعالى في أوائل عام اثنين وثمانمائة، وأخبر أنه

صافحه كذلك أبو عبد الإله الصدفى، وصافح أبا عبد الإله الصدفى أبو العباس ابن البناء، وصافح أبا العباس ولى الله تعالى أبو عبد الله الهزميرى أخو ابن أبى زيد الهزميرى وشيخه، وصافح الهزميرى أبو العباس الخضر وصافح الخضر سيدنا ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وشرف وكرم ومجد وعظم. وكذلك صافحنى الشيخ العدل المبارك أبو خالد يحيى بن خالد بن أبى بكر ابن يحيى بن خالد، قال: صافحنى والدى المذكور، والشيخ الفقيه المفتى أبو محمد عبد الله بن محمد بن موسى بن معطى العيدروسى، قالا: صافحنا الأستاذ أبو عبد الله بن جابر المذكور بمثل السند المذكور انتهى من خطه. ومنهم العلامة أبو عبد الله محمد بن الحسين بن محمد بن حمامة الأوربى النيجى الشهير بالصغير، المولود بالحمر من بلاد نيجة بطن من أوربة عام ثلاثة وثمانمائة، المتوفى بفاس ليلة سادس شعبان عام سبعة وثمانين وثمانمائة، وكان متبحرا في القراءات وأحكامها، وبلغ في النحو مبلغا لم يصل إليه أحد من أترابه ولا من أشياخه، لازمه كثيرا وقرأ عليه القرآن ثلاث ختمات آخرها للقراءة السبعة على طريقة الدانى، وحدثه بذلك عن شيخيه أبى العباس أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبى موسى الشهير بالفلالى، وأبى الحسن على بن أحمد الورتناجى الشهير بالوهرى، وأخذ عنه بحثا وتدقيقا لامية الأفعال وبعض كتاب سيبويه، وإيضاح أبى على، والتسهيل، والمغنى، والبداية والهداية للغزالى، وغيرها، وروى عنه بعض المصنفات في القراءات والفقه والحديث بأسانيده إلى أربابها. ومنهم أبو الحسن الأنفاسى، وأبو سالم إبراهيم المعروف بالحاج من شيوخ فاس المهرة، وكانا من شيوخ شيخه الصغير المذكور، قال: وقد شاركته في لقاء هذين الأخيرين -يعنيهما- وحضرت مجلسيهما.

ومنهم القاضى أبو محمد عبد الله بن عبد الواحد الورياجلى قال: جالسته وذاكرته كثيرا واستفدت منه كثيرا في الفقه وأصوله وأصول الدين، وأجازنى متلفظا وخاطا جميع ما حمله عن شيوخه، وكان ذلك في ربيع الثانى عام ستة وثمانين وثمانمائة. ومنهم الفقيه الصالح الورع أبو عبد الله محمد بن يحيى البادسى، قال: جالسته كثيرا وصاحبته في السفر مرارا، واجتمعت معه ومع غيره على قراءة جمع الجوامع لابن السبكى تفقها وبحثا، وعلى المذاكرة في العلم، ثم ذكر أنه أجاره فيما يرويه عن شيخه الصالح المؤلف عبد الرحمن بن مخلوف الثعالى، وهو يروى عن أبى زرعة بن الحافظ العراقى. ومنهم الأستاذ المحقق أبو الفرج محمد بن محمد بن موسى بن أحمد الطنجى قال: جالسته كثيرا للمذاكرة واجتمعنا بجامع القرويين عمّره الله تعالى على قراءة صحيح البخارى حتى ختمناه تحقيقًا وبحثًا، ومطالعة لما نحتاج إليه من الغريب ونحوه، وذكر أنه قرأ عليه بعضه وبعض مسلم وأجازه في سائرهما، وقرأ عليه فهرسة أبى شامل الشهنى، وفرغ من ذلك كله بفاس في محرم عام ستة وسبعين وثمانمائة. ومنهم الفقيه أبو عبد الله بن العلامة الراوية أبى سعيد بن أبى محمد عبد الله بن أبى سعيد السلوى شيخ شيخه الطنجى المذكور قال: أدركته وجالسته ولكن ما كتب لى أن أروى عنه إلا بواسطة هذا الشيخ، وبواسطة شيخنا أبى عبد الله الصغير. ومنهم الشيخ المبارك أبو عبد الله محمد بن أبى القاسم محمد بن يحيى بن أحمد بن محمد النفزى الحميرى الشهير بالسراج، يروى عنه بالإجازة العامة عام ستة وسبعين وثمانمائة عن أبيه عن جده مسند فاس أبى زكريا المذكور.

ومنهم المحدث الرحال أبو محمد عبد القادر زين الدين بن عبد الوهاب بن أحمد البكرى المقدسى الشامى المولد المتوفى ببلاد مزاورة البربر، كان قدم المغرب سنة ثمانين وثمانمائة، قال: فجالسته وذاكرته في الفقه وغيره وربما كنت أذكر مذهب مالك في الفرع ويذكر فيه مذهب الشافعى، وربما يملى في ذلك نص المنهاج، وكان مستحضرا له واستفاد بعضنا من بعض فوائد جمة، وكان له نظر في الحساب فاستجازنى في الرجز الذى لفقته فيه المسمى بمنية الحساب فأجزتها له، وحمل منها نسخة بخطى واستجزته فيما حمله عمن لقى بالعراق والحجاز والشام ومصر فأجاز لى جميع ذلك إجازة عامة. ومنهم الحافظان المصريان: أبو عمرو عثمان الديمى، وأبو عبد الله محمد ابن عبد الرحمن السخاوى، حصل على إجازتيهما عام خمسة وثمانين وثمانمائة بواسطة الشيخ زروق الذى استدعى الإجازة منهما لصاحب الترجمة ولولده أحمد، وللفقهاء: عيسى الماواسى، وأحمد بن يحيى الونشريسى، وموسى العقدى، وقاضى الجماعة محمد بن محمد بن عيسى بن علال المصمودى. ومنهم الراوية المحدث المتفق أبو عبد الله محمد بن شيخ الإسلام أبى عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبى بكر بن مرزوق العجيسى، يروى عنه هو وولده أحمد بطريق الإجازة العامة التي بعثها إليهما متلفظا بذلك وآمرًا لتعذر بصره بكتابته. الآخذون عنه: ممن أخذ عنه العباس الصغير، ومحمد بن على الحسنى التلمسانى شارح الشفا، أخذ عنه سنة ثلاثة عشر وتسعمائة كما صرح بذلك صدر شرحه للشفا، وأحمد الدقون، والمفتى على بن هارون، وأحمد باب التنبكتى،

[صورة] الصحيفة الأولى من الروض الهتون بخط مؤلفه إمام الأئمة وبهجة الأمة أبي عبد الله محمد بن أحمد بن غازى

[صورة] إجازة الشيخ ابن غازي لأولاده وغيرهم بخطه

وعبد الواحد الونشريسى، ومحمد بن شقرون بن أبى جمعة المغراوى ثم الوهرانى المتوفى في حدود تسع وعشرين وتسعمائة، وأبو عبد الله محمد بن عدة الأندلسى المتونى سنة خمس وسبعين وتسعمائة على ما في لقط الفرائد في خلق لا يحصون. وقد وقفت على إجازته لولديه أحمد ومحمد والونشريشى وابن هارون والإخوة محمد وعبد الرحمن، وأحمد أولاد محمد بن إبراهيم الدكالى ومحمد ابن عبد الواحد الغزال بخطه على ظهر فهرسته التي بخطه. مؤلفاته: منها شفاء الغليل، في حل مقفل خليل، في جزء أوضح فيه هفوات وقعت لبهرام ومواضع مشكلة من المختصر أجاد فيها ما شاء من أحسن الموضوعات عليه، وتكميل التقييد وتحليل التعقيد، على المدونة كمل به تقييد أبى الحسن الزرويلى، وحل مشكل كلام ابن عرفة في مختصره في ثلاثة أسفار كبار. وحاشية لطيفة على الألفية مفيدة نبه فيها على مواضع من كلام المرادى مع نقل زوائد الإمام الشاطبى وتحقيقاته العجيبة وهى بخزانتى، ومنية الحساب وشرحها المسمى بغية الطلاب في مجلد مطبوع متداول، وذيل الخزرجية في العروض وشرحه المسمى بإمداد أبحر القصيد ببحرى أهل التوليد، وإيناس الإقعاد والتجريد بجنسهما من الشريد، ونظم مشكلات الرسالة، وحاشية لطيفة على البخارى في نحو أربعة كراريس، وإنشاد الشريد في ضوال القصيد، تكلم فيه على الشاطبية، والمطلب الكلى، في محادثة الإمام القلى، والجامع المستوفى، بجداول الحوفى، والمسائل الحسان، المرفوعة إلى حبر فاس والجزائر وتلمسان، ونظم مراحل الحجاز، وشرحه. ومؤلف صغير في ماحيا (¬1) سماه مذاكرة ابن إسحاق بن يحيا. وإسعاف ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: يعنى الخمر المقطر من التين غالبا كان اليهود يتجرون في ذلك بكثرة، أما اليوم فقد قل ذلك جدا لمقاومة الحكومة لهم ولاتفاق الأطباء على ضرر ذلك بالصحة العامة.

السائل في تحرير المقاتل والدلائل، ونظم فواصل المقال وشرحه، واستنبط من حديث أبى عمير ما فعل النغير مائتى فائدة وترجمها، قال في نيل الابتهاج: وقد وقفت على التراجم، والروض الهتون، في أخبار مكناسة الزيتون، وفهرسة شيوخه المسماة بالتعلل برسوم الإسناد، بعد انتقال أهل المنزل والناد، وذيلها الذى ذكر فيه إجازة ابن مرزوق له والثلاثة توجد بخطه في خزانتنا في مجلد فرغ من الفهرسة أواسط شعبان عام ستة وتسعين وثمانمائة وفرغ من ذيلها عام خمسة وتسعمائة وكان يكتب التسعمائة والثمانمائة مفصولتين. ومن مؤلفاته كليات فقهية على مذهب المالكية مرتبة على الأبواب قال أولها: وكان سبب جمعنا لها إقامتنا في بعض الأيام بطريق تامسنا حين توجهنا للقاء مع الشاوية حين طلبوا على ذلك في أوائل عام ثلاثة وتسعين وثمانمائة وهى مطبوعة. شعره: له مقطعات منتشرة ضمنها فوائد فقهية وفرائد تاريخية من ذلك قوله لما نفى من مكناسة: طلقت مكناسة ثلاثا ... والشرع يأبى الرجوع فيه ليست بدار سوى لقاض ... أو عامل الجور أو سفيه وقوله: السمن والزبد والأجبان مع أقط ... لا تبتعن بعضها بالبعض إذ منعا والجبن إن بعته بالمثل من أقط ... فلا يراه أبو إسحاق ممتنعا وله أيضا في حل الأعداد إلى أيمتها التي تركب منها: إذا عدد قد حل سفر بعدوه ... فعشر له والخمس والنصف في الطبع

[صورة] أول فهرست الشيخ ابن غازي بخطه

وإن خمسة فالخمس والزوج إن يفد ... بتسع فذو ثلث وسدس وذو تسع وإن تبق ست أو ثلاث فإنه ... أخو الثلث مع سدس وإلا فبالشفع ثمان فإن أفنت بثمن وضعفه ... وإن أربع تبقى فليس سوى الربع وإن غيرها فاطرح بسبع فإن أبى ... فنصف له في الزوج أولى فذو سبع وفردًا إذا يفنى بتسع فإنه ... أخو الثلث مع تسع ولا وجه للمنع وإن تبق منه ستة أو ثلاثة ... فثلث وإلا السبع إن يفن بالسبع وإلا أصم خالص أو مركب ... من الصم لا يخلو من الأصل أو فرع وقد كملت والحمد لله وحده ... وأزكى صلاة تأتى بالخير والنفع على المصطفى المبعوث من آل هاشم ... وعترته والتابعين ذوى الرفع ومما ينسب إليه: أقمت بمكناسة مدة ... أعلم أبناءها ما الكلام فلما توهمه بعضهم ... على به بخلوا والسلام ولادته: ولد بمكناسة الزيتون عام ثمانية وخمسين وثمانمائة وهو خلاف ما قال الشيخ المنجور على ما في كفاية المحتاج من أنها عام واحد وأربعين وثمانمائة. وفاته: توفى بفاس إثر صلاة الظهر يوم الأربعاء تاسع جمادى الأولى سنة تسع عشرة وتسعمائة، ودفن من غده الذى هو يوم الخميس كما بكناشة الوزير اليحمدى، واحتفل بجنازته احتفالا عظيما، وحضر السلطان ووجوه دولته فمن دونه، وتبعه ثناء حسن جميل ودفن في عدوة الأندلس من فاس برد الله ثراه ورضى عنه.

207 - محمد فتحا بن عيسى الفهدى

207 - محمد فتحا بن عيسى الفَهْدى - بفتح الفاء وسكون الهاء وبعدها دال مهملة- السفيانى الأصل ثم المختارى النشأة المكناسى الدار والإقبار. حاله: من فحول المشايخ الدالين على الله، من أجل من يهتدى بهديهم ويقتدى بأقوالهم وأفعالهم، مرب عارف بالله تعالى، مورد المريدين، ومفيد المسترشدين، جليل المقدار، صاحب أذواق ربانية، وإفادات عرفانية، طريقه تتبع العمل بالعلم، ومقامه في مشاهدة الواسطة مشهد الروح، واقف في مقام هيبة الجلال، مفارق سره عالم الخلق، مستوطن عالم الأمر تبعا لمشهوده، وهو روحه - صلى الله عليه وسلم - فليس له مع غير الله قرار، ولا عما سوى الله أخبار. نقل عنه أنه كان يقول: كيف تشرق ذات بأنوار النبى - صلى الله عليه وسلم - ولم تفعل ما كانت تفعله الذات الشريفة، وأنه كثيرا ما كان يقول: السنة تجمعنا والبدعة تفرقنا، وأن من الشروط عنده على المريد في تلقين ورده امتثال المأمورات، واجتناب المنهيات، والمحافظة على الصلوات، ومراقبة الله تعالى في جميع الأوقات، والصمت والمحبة والصبر والعزلة والحنانة والرأفة، وأن يرى جميع معاملة الإخوان معه من الله. ويقول في حق المبطلين: يريدون الياقوت بالضرب في الحديد، ويريدون مقام الرجال، بأعمال الجهال، ويريدون أحوال الأبرار، بأعمال الفجار، وما أفلح من أفلح إلا بمجالسة من أفلح، ومخالطة الخواص تكسب ثلاث خصال: العلم وصفاء القلب، وسلامة الصدر والعكس بالعكس. والصدق مع الله نور والمعرفة برهان، والالتفات إلى غيره بهتان، وإضاعة حقوقه كفران، والغفلة عن ذكره خسران، إلى غير هذا. ¬

_ 270 - من مصادر ترجمته: دوحة الناشر في الموسوعة 2/ 848.

[صورة] ظهير السلطان سيدى محمد بن عبد الله لأولاد الشيخ الكامل سيدى محمد بن عيسى

ولد ونشأ في مختار فرقة من قبيلة بنى حسن الشهيرة، ثم دخل فاسا فقرأ ما تيسر من القرآن، ورجع إلى قبيلة سفيان، ثم رحل لمكناسة الزيتون آخر عمره واستوطنها، وقد وقفت على ظهير سلطانى أصدره السلطان أبو عبد الله محمد بن عبد الله العلوى لأولاد المترجم صرح فيه بثبوت شرفهم، وإليك لفظه بعد الحمدلة والصلاة والطابع: "كتابنا هذا أيد الله أمره، وخلد في الصالحات طيه ونشره، يستقر بيد حملته الشرفاء أولاد الولى الصالح، والبرهان الواضح، سيدى محمد بن عيسى نفعنا الله به أننا أسْدَلْنا عليهم أردية التوقير والاحترام، والرعى الجميل المستدام، والمحاشات عما تطالب به العوام، فلا يسام جنابهم ولا يضام، ولا يدخلهم أذى ولا اهتضام، وأسقطنا عنهم كل وظيف، قوى كان أو ضعيف، وجعلنا زكاتهم وأعشارهم يدفعونها للضعفاء من أقاربهم وعليهم بتقوى الله في ذلك ومراقبته في السر والعلانية رعيا لنسبتهم الطاهرة، واشتغالهم بما يعنيهم، فالواقف على كتابنا الشريف من عمالنا وولاة أمرنا العمل بمقتضاه ولا يتعداه، ومن رام حول حماهم أو قاربهم بشئ فإنا نعاقبه أشد العقوبة، صدر بذلك أمرنا المعتز بالله والسلام في فاتح رجب الفرد الحرام عام 1174". ولم أر من تعرض لرفع نسب الشيخ المترجم غير صاحب سلوك الطريق الوارية والمؤلف المنسوب للغزال. هذا وقد قال في ابتهاج القلوب نقلا عن ابن عسكر في دوحته ما لفظه: سمعت بالتواتر من أهل مكناسة أيام سكناى بها كرامات كثيرة يتحدثون بها عن الشيخ وكان تلميذه شيخنا أبو الحجاج بن مهدى يقول: سيدى ابن عيسى هو الإكسير الذى لا نظير له، ولقد حضرت عنده يوما وقد جاءه تلميذه الشيخ أبو الرواين وقال له يا سيدى: إنى جعلت زمام نفسى بيدك وقد شغفت بحب النساء، فإن لم تكن لك عناية ربانية فصاحبك يعصى الله تعالى في هذه الليلة يعنى

نفسه، ووالله حتى أفعل فقال الشيخ: اذهب وافعل ما شئت فإن الله قادر على أن لا تفعل، ولن تستطيع ولو أردت بعناية الله سبحانه. قال فلما كان من الغد جاء أبو الرواين وهو في غاية الضعف ووجهه مصفر فقلنا له: مالك هكذا؟ فقال شاهدت العجب البارحة، فقلنا له: وما ذاك؟ قال: ذهبت إلى امرأة عربية وتكلمت معها أن تبيت عندى لما سبق من يمينى بالأمس فأتت. فما كان إلا أن وصلتها (¬1) وهممت بمواقعتها، فإذا أنا كالمفلوج لا أستطيع تحريك عضو من أعضائى فبقيت مستلقيا على ظهرى كالميت لا أقدر على نطق ولا حركة، حتى طلع الفجر فسمعت صوت الشيخ وهو يقول: أتتوب إلى الله يا أبا الرواين؟ فقلت: بصوت خفى: أنا تائب لله، فقال: قم إلى صلاة الصبح، فنهضت فإذا أنا قائم كأنما نشطت من عقال، فلما دخلت على الشيخ قال: يا أبا الرواين ما فعلت؟ فقلت: يا سيدى من يكون في رعاية مثلك لا يخشى على نفسه غواية، فقال: الحمد لله على تأييده ورحمته. ثم قال لنا أبو الرواين: من لم يوكل على نفسه مثل هذا الشيخ فهو في غرر، فقضينا من الأمر العجب وسمعت الشيخ بصرى يقول: ثلاثة مشايخ لم يكن لهم نظير بالمغرب: السيد ابن عيسى، والسيد أبو محمد الغزوانى، والسيد أبو محمد الهبطى (¬2). قال: وكثيرا ما ينتسب إلى الشيخ ابن عيسى أقوام يهتكون أسرار الشريعة، ويحلون المحرمات ويظهرون أفعالا لا تشبه خرق العادات، ويدعون أن ذلك مما خصهم به من البركات، وحاشاه من ذلك إنما هم زنادقة أو مبتدعة، وكثير منهم يمر بالأسواق يخطفون الصابون وغيره، فيأكله ولا يرى تضررا بذلك، ويدخلون بيوت النار ولا يتضررون، ويشيرون بالهتك والبعج وغير ذلك. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "وصلت إلى" والمثبت من دوحة الناشر التي ينقل عنها المصنف. (¬2) الخبر بطوله في دوحة الناشر 2/ 848 من الموسوعة.

والحق أن ذلك من الحيل كما شاهدناه من بعضهم، وصدقنا في أصل فعله، وذلك أنهم يأخذون الشرناك وهى شجرة معروفة فيسمونها البلعلع، وإذا أكلتها البقر ماتت من ساعتها، ولا يضر غيرها من الحيوان، وإذا قطعت عروقها يخرج منها ماء أحمر كالدم فيتبعون عروقها بالحفر احترازا من تجريحها ولا يحبسونها باليد لكن بخرقة كتان نقية، ويجعلونها في العسل سبعة أيام حول مستوقد النار، ثم يفطرون عليه أو يضعونه تحت لسانهم، ثم يقع لهم شبه السكر فيثبون من المواضع العالية، ويشيرون بالبعج ويدخلون الأفران الى غير ذلك. وغاية هذا، التحريم لإدخاله الضرر على العقل، فضلا عما يبنون عليه من ادعاء خرق العادة والتصرف في أموال الناس ويتحاشى جانب الأولياء عن هذا ومثله. انتهى. قلت: جل من ينتمى لهذا الشيخ وأمثاله في كل بلد رعاع لا همة لهم في تحل ولا تخل، ولا رغبة لهم في حق ولا حقيقة، بل لا يهتدون إلى ذلك سبيلا، ولا يطلبون عليه دليلا، وحسبهم تقليد اللاحق منهم للسابق، فيما هو عليه من ذميم الأفعال والطرائق، وهذا النوع هو الغالب في الوجود في كل زمان ومكان، ولذلك انتشرت بدعهم وتكاثرت أتباعهم وهم مع كونهم عميت عليهم الأنباء، إن أرشدتهم طعنوا فيك وقابلوا نصحك بالإباء، وما أحسن قول مخلص ودنا الفقيه أبى العباس أحمد الزيانى: عجبا للعيساويين وما قد ... نسبوه إلى ابن عيسى الولى نسبوه إلى الضلال وظنوا ... أن ذاك الضلال هدى النبى زعمهم يحسنون صنعا وهم من ... أخسر الناس صفقة يا أخى جلبوا كل بدعة وذميم ... وتساموا لكل شر وغى

تركوا الدين والصلاة جهارا ... شأن كل معاند أو غوى عطلوا كل مسجد عن صلاة ... عمروه بكل فحش جلى وبه رقصوا بدون حياء ... عانقوا كل خودة وصبى أكلوا الميت والدما وهى رجس ... فرسوها افتراس كلب ضرى سودوا وجهك ابن عيسى وحاشا ... أن يضاف إليك كل دنى إيه والله ما أمرت ولا يو ... ما أشرت بذا الضلال الجلى بل ولو كنت قد رأيت فعالا ... تخجل الميت لو رآها كحى لتبرأت منهم دون ريب ... واقتديت بقول عيسى الصفى (¬1) ولعراقتهم في الجهل والغباوة لم يعلموا أن المشايخ الصوفية أهل الحنيفية السمحة بنوا نحلتهم على أصول أصيلة في نظر الشارع، منها متابعة النبى - صلى الله عليه وسلم - في الأقوال والأفعال، ومراقبة الله تعالى في سائر الأحوال، وأكل الحلال والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وأن مقصودهم من تأسيس الطرق يدور على أمور جاءت الشريعة بتأييدها والحض عليها، منها بث روح الاتحاد في نفوس الأمة وجمع كلمتها صونا لها عن الوقوع في مهواة التفريق، ومنها السير بالأمة على المنهج السوى والصراط القويم القوى. ومنها الاجتماع على ذكر الله تعالى على الكيفية الواردة على لسان الشارع. ومنها الاجتماع على مدارسة القرآن والمذاكرة في معانيه والخوض في عباب معارفه وعوارفه، ولطائفه وطرائفه، والنظر في شئون الإصلاح الظاهرى والباطنى ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "يشير لقوله تعالى حكاية عن ابن مريم سبحانك ما يكون لى أن أقول ما ليس لى بحق الآية.

العامة الهامة وملافاة ما أصاب القلوب من الرعونات والأدواء خوفا من أن ينتشر الداء، ويعز الدواء، نظر الناقد البصير فإن وجدوا خيرا حمدوا الله وحضوا على ملازمته واعتناقه بكلتى اليدين، وان وجدوا شرا سعوا في علاجه خوفا من أن تنتشر العدوى، وتعم البلوى، ولا تنفع الشكوى، ولا تسمع الدعوى. ومنها الاجتماع لما فيه صلاح وتقوية للرابطة الإسلامية وتصفية القلوب بالأدوية النافعة الناجحة المنورة للسرائر والضمائر، المخلصة من الوقوع في شبكة النفس والشيطان والهوى، المنجية من تلبيس إبليس، وتحبب العمل وحمل النفوس عليه حتى تكون دائبة على العمل صابرة عليه ولا تألف الكسل، ولا تميل للراحة فتخلد إلى أرض البطالة والتوانى فتخور عزائمها وتسفل هممها وتهلك مع الهالكين. ولكن بالأسى والأسف أبى زاعمو أتباع أولئك المشايخ المصلحين إلا أن يخرجوا عن الخطة المثلى التي رسموها لهم، ويحيدوا عن سننهم القويم، ولسنا نشك ولا يشك كل مؤمن صحيح الإيمان أنه لو قدر ظهور أولئك الشيوخ المتبوعين اليوم، ورأوا ما عليه هؤلاء الذين يزعمون أنهم من أتباعهم من اختلاط النساء بالرجال، والتلطيخ بالدم المسفوح والشطح والردح وضرب الرءوس، بالمعاول والفئوس، وتضييع الصلوات، واعتقاد ذلك دينا من أعظم القربات، وتشويه وجه الإسلام والمسلمين بذلك، لتبرءوا منهم براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام، ولفوقوا إليهم سهام المؤاخذة والملام. فإن قلت: فها نحن بين ظهرانينا علماء الإسلام وهم مفرون لذلك ونجد بعضهم مكثرين لسوادهم في مجتمعاتهم ومواسمهم متبركين بهم ملتمسين لصالح دعواتهم، قلنا: أما السكوت المضاف لمن هو من أهل العلم الحقيقى فعنه جوابان: أحدهما أنهم إن سكتوا فلعلمهم بأن كون تلك الأفعال الشنيعة من المناكر المباينة

لخصال الإسلام صار ضروريا في الدين بمنزلة الزنى والسرقة وشرب الخمر. وكتب الإسلام، ودواوينه الفخام، أتت من بيان ذلك على غاية ما يرام، حتى اشترك في معرفته الخاص والعام، وساوى العلماء في معرفة حرمته وقبحه الغوغاء والعوام، ومثل ذلك يستغنى عن تكرار التنبيه عليه في كل مقام، ولا سيما عند مشاهدة امتلاء الوجود بالشح المطاع والهوى المتبع، وإعجاب كل ذى رأى برأيه فإن هذا إذا وقع ولسنا نشك في وقوعه منذ زمن طويل، قد رخص لنا الشارع عنده أن يكون كل واحد منا مقتصرا على النظر في صلاح خويصة نفسه كما جاء به الحديث الشريف، ولذلك طالما حض الراسخون من متأخرى علمائنا على ترك التعرض للإنكار في العموم. ثانيهما: أنا لا نسلم سكوتهم وكيف يصح أن يضاف السكوت لهم عن ذلك جملة وهم في كل زمن وفى كل بلاد عاكفون على دروس دواوين الإسلام وإيضاح ما فيها من خاص أو عام في مجالسهم العمومية، وفى خطب مواسمهم وأعيادهم، فيقرعون بإيضاح ما فيها آذان العموم، ومن جملة ما فيها بيان كل محرم مذموم، وكل فعل صاحبه ملوم، ومنه مناولة الدم المسفوح، وتعريض النفس للتهلكة، وتضييع الصلوات، وتحريم التلبيس والغش والخديعة وغير ذلك مما استوعبته الشريعة. فالذام لأهل العلم العلم الحقيقى بإضافة مثل ذلك السكوت إليهم هو المذموم، أوقعه في ذلك شدة غباوته وجهالته وفساد تصوره وذهوله عما يقرع آذانه في كل جمعة وعيد وموسم، وعما يلقى إلى العموم دائما في الدروس الدينية ولكن. لقد أسمعت لو ناديت حيا ... ولكن لا حياة لمن تنادى

وأما من يكثر سواد أولئك الجهلة الضلال، أو يلتمس بركتهم ممن ينسب نفسه إلى علم، فذاك من شواهد عدم علمه، وكيف ومن العلم الحقيقى معرفة أن البركة إنما تلتمس من المهتدين والتنفير من تكثير سواد الضالين، وقد بين النبى - صلى الله عليه وسلم - ما أنزل من الذكر الحكيم إليه، وشرح لنا فيه طريق الرشد وطريق، الضلال، وتركنا على محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وقام بإيضاح ذلك علماء الملة وأعلامها بعده حتى بلغ الأمر من ذلك غايته وحده، فعلم من يتعود الجريان على ما يخالف مقتضى العلم ولا يرعوى عن ذلك، هو جهل في الحقيقة لأنه إن كان يعتقد الحرام ومع ذلك يفعله ولا يقلع عنه فقد قال غير واحد من الراسخين في العلم يهتف العلم بالعمل، فإن أجاب وإلا ارتحل. وقد جزم القسطلانى في مقدمة إرشاده بأن ما يحمله الفساق ليس بعلم على الحقيقة، ولذلك علل المولى سعد الدين قول التخليص وقد ينزل العالم منزلة الجاهل هـ بقوله لعدم جريانه على موجب العلم نعم القادح في العلم هو الذى تعود منابذة مقتضاه من غير إقلاع ولا توبة، أما صدور ذلك من عالم على سبيل الزلة والفلتة ثم إقلاعه عن ذلك وندمه عليه فهذا غير قادح في علمه، لأنه غير معصوم. وقد قيل للجنيد: أيزنى العارف؟ فقال: وكان أمر الله قدرًا مقدورًا، وشاهده أن بعض الصحابة لما لعن بحضرة النبى - صلى الله عليه وسلم - شخصا ارتكب موجب حد وأقامه عليه السلام عليه نهاه النبى - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك وقال له: لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله انتهى. فأثبت - صلى الله عليه وسلم - لهذا العاصى محبة الله ورسوله مع عصيانه لهما في بعض ما نهياه عنه، وكيف تكون زلة العالم قادحة وهو بالعلم عرف قبح ما وقع فيه

وبجريانه على مقتضاه بادر إلى الإقلاع والإصلاح لما فسد فكان بذلك من العلماء الذين عملوا بعلمهم. ثم اعلم أن وقوع المعاصى في الوجود لا يعد وصمة في علم العلماء وفضلاء الفضلاء إلا أخرق عريق الجهالة، فإن الله سبحانه من غناه عن العالمين وأعمالهم قدر المعاصى كما قدر الحسنات، وخلق الدارين دار الإكرام ودار الانتقام، وخلق لكل بنين يعمرونها، وقال لخلقه: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، فلا بد من وقوع الأمرين، وامتلاء الوجود بالفعلين، ولذلك كانت تقع المخالفات والمعاصى قيد حياته - صلى الله عليه وسلم - المتعارفة ومن صحبه الكرام. فكان منهم من سرق فقطعت يده، ومن زنى فرجم، ومن شرب الخمر فحد ومن غل ومن خان إلى غير ذلك مما تكفلت بنقله كتب السنة والسير. وقد علم أنه هو - صلى الله عليه وسلم - وصحبه الكرام وزمنهم هو الطبقة العليا في الكمال، ولم يمنع ذلك من صدور المعاصى وقتئذ كما لم يقدح ذلك في علم الصحابة ولا في عملهم، إذا هم أهل العلم والعمل بالإجماع، وسر ذلك ما تقدم من أن المعاصى سبق القضاء بوجودها، فليس في طوق أحد محو ما سبق به القضاء، ثم المضر هو الإصرار عليها وعدم التوبة منها، وهم رضى الله عنهم ما كانوا يصرون على ما يقعون فيه من ذلك بل كانوا يسرعون إلى الإنابة، ولو أتت على نفوسهم. ولا شك أن التوبة وعدم الإصرار هو من جملة العمل بالعلم، والعصمة لا تشترط قطعا فقد قال الله تعالى: {. . . إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ. . . (222)} [البقرة: 222] وهل تكون التوبة إلا من ذنب! وفى الحديث لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم، أخرجه مسلم عن أبى هريرة، فمن يجعل مجرد جريان المعاصى في الوجود أو وقوعها فلتة من بعض العلماء مع قيامهم بالشرح والبيان في كل موطن قد حافى علم العلماء وفضل الفضلاء فهو

ضال، حقيق بكل نكال، وقد بالغ أئمة التحقيق من المتأخرين في رد قول الحكم العلم إن قارنته الخشية فلك وإلا فعليك، وقالوا: إنه من تخليط مقام البداية بالنهاية، وذلك أقرب إلى الضلال من الهداية. وممن قرر ذلك وحرره المواق في سنن المهتدين، وابن زكرى، والشيخ جسوس في شرح الحكم، فهذا وفقك الله هو القسطاس الذى يزن به من وقع في الإنكار على العلماء لا ما تسوله النفوس وتوحيه شياطين الجن إلى شياطين الإنس. وأما ما سبق عن ابتهاج القلوب من قوة هؤلاء الضالين على الأفعال التي سبق وصفه إياها هى بحيلة عمل الشرّ ذاك، فهو لا يطرد في عموم المتظاهرين بذلك، ومن أبعد البعيد أن تقوم على اطراده في كل زمن ومكان حجة، وإنما غالب ذلك من آثار سلطة الروح على الجسم حين الخروج عما هو الأعم الأغلب من الأحوال الاعتيادية بأسباب شيطانية أو ربانية، وقد قرر ذلك وبسطه ابن تيمية في رسائله الكبرى، وابن خلدون أواخر مقدمته. مشيخته: أخذ عن أبى العباس الحارثى السفيانى المترجم قبل وصحبه إلى وفاته، ثم عن سيدى عبد العزيز التباع بعهد من الأول له وعلى يده تم له الفتح، ثم عن سيدى الصغير السهلى، والثلاثة عن الإمام الجزولى رضى الله عنه وعن أهل الله فطريق المترجم جزولية. الآخذون عنه: منهم أبو الحجاج بن مهدى، ومنهم أبو الرواين الحجوب المترجم بعد. ولادته: ولد سنة اثنين وسبعين بتقديم السين على الموحدة من التاسعة بمختار فرقة من قبيلة بنى حسن الشهيرة.

208 - محمد بن مخلوف الضريسى المكناسى

وفاته: توفى بمكناسة الزيتون سنة ثلاث وثلاثين (¬1) وتسعمائة، ودفن بمقبرة شيخه الحارثى خارج باب السيبة أحد أبواب المدينة الآن، وقبره ثم مزارة شهيرة عليه بناء حافل أنيق. 208 - محمد بن مخلوف الضريسى المكناسى. حاله: كثير التنسك والانقطاع إلى الله أحد الزهاد والعباد، وأهل المحبة في الله، مستغرق الأوقات في الذكر والعبادة، ورده ختم القرآن العظيم كل ليلة بين العشاءين في ركعتين، يفتتح القراءة في أول ركعة بعد صلاة المغرب ويختمها في الثانية، فإذا سلم علم الناس بدخول وقت العشاء الأخيرة فيسمعون الأذان في الحين، وذلك كل ليلة لا يزيد ولا ينقص. وكان فصيح اللسان يرتل القرآن ترتيلا دون عجلة، وتلك خصوصية ربانية، وكان يزور الشيخ أبا يعزى في كل سنة يمشى حافيا من مكناسة الزيتون إلى قبره بتاغيا، وكان يقول: من زار هذا الشيخ وسأل الله تعالى عند قبره حاجة واحدة في كل زورة فإنها تقضى له بإذن الله تعالى. مشيخته: منهم أبو اليمن مبارك الحصينى. وفاته: توفى بمكناسة الزيتون عام اثنين وأربعين وتسعمائة. 209 - محمد بن قاسم بن عبد الواحد الكتانى النسب الفاسى الأصل المكناسى النشأة الحسنى الإدريسى. حاله: بركة صالح، سالك سبيل السنة في أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته، معظم وقور، خطير القدر، فاضل جليل، ماجد أصيل، وهو أول من انتقل من مكناسة لفاس من هذه الشعبة الكتانية أواسط المائة العاشرة، وكان انتقال هذه الشعبة الكريمة من فاس إلى مكناسة أواسط العشرة الثانية من القرن الرابع. ¬

_ (¬1) في دوحة الناشر سنة 931 هـ.

210 - محمد بن أبي القاسم بن على بن عبد الرحمن بن أبي العافية المكناسى

وسبب ذلك أن موسى ابن أبى العافية المكناسى لما استولى على فاس والمغرب شمر لطرد الأدارسة عنه، وأخرجهم من ديارهم وأجلاهم عن بلادهم إلى آخر ما هو معلوم، وصار من قدر منهم على الفرار يفر طالبا للنجاة، وكان من جملة من فر إذ ذاك جد هذا القبيل، وهو الشريف الجليل الماجد الأصيل المتبرك به أبو زكرياء يحيى الملقب بأمير الناس ابن عمران بن عبد الجليل بن يحيى بن يحيى ابن محمد بن إدريس، وكان فراره إلى زواوة، ثم إلى بنى حسن من عمل شالة أى المدينة الخربة الآن بإزاء رباط الفتح، ومنها لمكناسة الزيتون، وكان لهم فيها الصيت الشهير بصراحة النسب وعلو المكانة وعظيم الحظوة عند ملوك بنى مرين، ومنها انتقلوا إلى فاس. وقال في الدرة الفائقة: ثم انتقل الكتانيون من زواوة إلى مدينة شالة، وذلك أيام السلطان عبد المؤمن بن على الموحدى واستوطنوها إلى آخر دولة الموحدين، ثم انتقلوا إلى مكناسة الزيتون وذلك في أوائل دولة بنى مرين، والإمام إذ ذاك هو أبو بكر بن عبد الحق المرينى، وذلك سنة نيف وستين وستمائة، وقيل أربع وستين وستمائة، ثم من مكناسة إلى فاس القرويين هـ ملخصا من النبذة اليسيرة النافعة، التي هى لأستار بعض أحوال الشعبة الكتانية رافعة، لشيخنا أبى عبد الله محمد ابن جعفر الكتانى. وقد يجمع بين قول من قال: إن القدوم من زواوة كان لبنى حسن، ومن قال إلى شالة، بأن منهم من استوطن شالة، ومنهم من استوطن بنى حسن والله أعلم. 210 - محمد بن أبي القاسم بن على بن عبد الرحمن بن أبي العافية المكناسى. ¬

_ 210 - من مصادر ترجمته: جذوة الاقتباس 1/ 272، درة الحجال 2/ 203، لقط الفرائد في الموسوعة 2/ 893، وهو فيها: "محمد بن قاسم بن على".

[صورة] إجازة الحافظ ابن فهد لولدى الشيخ ابن غازى بخطه

211 - محمد بن الإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد

حاله: فقيه أستاذ نحوى، كان يستظهر مختصر ابن الحاجب ويقوم عليه وعلى الرسالة قياما تاما. مشيخته: أخذ عن أبى الحسن بن هارون المطغرى، وعن أبى مالك عبد الواحد بن أحمد الونشريسى. وفاته: توفى بفاس عام اثنين وستين وتسعمائة. 211 - محمد بن الإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن محمد ابن على بن غازى العثمانى المكناسى الملقب غازى، نجل الإمام ابن غازى السابق الترجمة، وشقيق أبي العباس المتقدم الذكر في الأحمدين. حاله: علامة نابغة، ومحقق واعية، قال في الجذوة: كان نحويا بارعا فيه أستاذا، أم بجامع القرويين أزيد من عشرين سنة، لم يحفظ عنه فيها سهو في الصلاة، وكان الخطيب بالمسجد المذكور. مشيخته: أخذ عن والده وأجازه عامة كما تقدم نص إجازة والده له في ترجمة أخيه في الأحمدين نقلا عن خط المجيز، ووقفت على إجازة العز بن فهد له ولأخيه، ودونك نص الإجازة نقلا عن خطه المرقوم على آخر ورقة من فهرسة ابن غازى التي وقفت عليها بخطه: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما، الحمد لله الذى وفق العلماء لاتباع السنة، وجعل للمستنبطين منها الأحكام فضلا ومنة، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد الذى بين الله لنا على لسانه الفرض والسنة، ورضى الله عن آله وأصحابه الذين كانوا له أعظم جنة. ¬

_ 211 - من مصادر ترجمته: جذوة الاقتباس 1/ 321.

212 - محمد بن حسين العبدلى السهلى، وقيل اسمه أحمد، شهر بأبى الرواين

وبعد: فقد سألنى من لا أستطيع رده الإجازة لسيدينا الشيخين الإمامين العلمين الأوحدين، العلامتين الأمجدين، أبى العباس أحمد وأبى عبد الله محمد ابنى الشيخ الفقيه العلامة المقرئ أبى عبد الله محمد بن غازى المكناسى ثم الفاسى أمتع الله بحياتهما ونفعنا ببركاتهما، فبادرت لإجابته فأقول مستعينا بالقادر الوهاب: قد أجزت سيدينا الشيخين المذكورين جميع ما يجوز لى وعنى روايته متلفظا بذلك، وكذا لأولادهما وإخوانهما وأقربائهما وخدمهما ومن يلوذ بهما، ولجميع أهل بلدهما، بل ولجميع المسلمين على مذهب من يرى ذلك من المسلمين، قاله وكتبه المفتقر إلى لطف الله وعونه، محمد عبد العزيز بن عمر بن محمد بن فهد الهاشمى المكى الشافعى خادم الحديث النبوى بالحرم الشريف المطهر المنيف هو وأسلافه، وهو يسأل الشيخين المذكورين نفع الله بهما أن لا ينسياه من دعائهما الصالح، خصوصا بخاتمة الخير وقضاء الدين، وكفاية مهمات الدنيا والآخرة والحمد لله وصلى على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا حسبنا الله ونعم الوكيل" انتهى من خطه. وفاته: توفى سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة. 212 - محمد بن حسين العبدلى السهلى، وقيل اسمه أحمد، شهر بأبى الرَّوَايَن. حاله: مجذوب سالك ملامتى، أحد عجائب الدهر، ذو أحوال خارقة للعادة جليل القدر، شهير الذكر، جمالى الحال، واسع النظر، عالى الهمة، حسن السمت، رفيع اللباس، يمسى غنيا ويصبح فقيرا، يدفع كل موجود له للضعفاء والمساكين، وكان أعجوبة الدهر في التوكل والثقة بالله. قال صاحب ابتهاج القلوب: حدثنا الشيخ الوالد رضى الله عنه، قال: مر ¬

_ 212 - من مصادر ترجمته: دوحة الناشر في الموسوعة 2/ 887.

الشيخ المجذوب عليه -يعنى المترجم- يوما بباب داره فقال ايت فاكنس ما تحت هذه الدابة لدابة كانت له بالاروى، فدخل أبو الرواين يخرج له ما يحمل فيه الزبل، وقد كان على الشيخ المجذوب برنس جيد فطرحه في الأرض وأخذ يحمل فيه الزبل، فما خرج أبو الرواين حتى وجده قد فعل، فقال متعجبا منه: ما رأيت مثل هذا قط! وقد غلبنى لأنه أراد أن يختبر مكانه من النظر إلى نفسه والرضا عنها، فوجده فوق ما يظن من خفض النفس وعدم المبالاة بها. وشأن المشائخ أن يحملوا المريدين على إذلالها وما يوجب إخمادها وقضاياهم في ذلك مشهورة، لأنه كلما خمدت النفس وانخفضت قوى معناه وتنور باطنه، إذ لا حجاب له إلا رؤيتها، وقد ورد في الأحاديث الربانية عاد نفسك فليس لى في المملكة عدو غيرها، وورد أيضًا في مناجاة موسى أنه قال: كيف أجدك يا رب؟ قال له عاد نفسك وتعالَ. قال وقد أخبر الشيخ المجذوب أن ذلك البرنس الذى حمل فيه الزبل لم تزل رائحة المسك تفوح منه من ذلك الوقت، وكان عند أهله في الصندوق مع الثياب يتبركون به انتهى. ومعلوم أن العز في مخالفة النفس والذل في طاعتها واتباع هواها ولله در القائل: إذا شئت إتيان المحامد كلها ... ونيل الذى ترجوه من رحمت الرب فخالف هوى النفس الخبيثة إنها ... لأعدى وأردى صفقة من هوى الحب ولقد أجاد من قال: إذا شئت أن تحظى وأن تبلغ المنى ... فلا تسعد النفس المطيعة للهوى وخالف بها عن مقتضى شهواتها ... وإياك لا تحفل لمن ضل أو غوى ودعها وما تدعو إليه فإنها ... لأمارة بالسوء من هم أو نوى

لعلك أن تنجو من النار إنها ... لقطاعة الأمعاء نزاعة الشوى وقد تحدث عن المترجم بكرامات، وخوارق عادات، من ذلك ما حكاه في ابتهاج القلوب قائلا: حدثنى شيخنا الإمام محمد بن الشيخ أبي العباس الفاسى، عن الشيخ المعمر سيدى أحمد السفاج، أن الشيخ أبا الرواين، مرّ يوما مع الشيخ المجذوب على حلة، فقال: لا أذهب حتى أعمر هذه الخيمة أو أخليها، وكانت خيمة جليلة لذى مال من تلك الحلة، فصاح بربها فطلب منه فرسه فقال: يا سيدى عندى من أشاوره في ذلك، فذهب إلى زوجته فقال لها: إن أبا الرواين والمجذوب هنا، وقد قال كذا وكذا، فقالت: وما يكون منك إذا بقيت بلا فرس، فجاء واعتذر بذلك، فقال أبو الرواين: من يشترى منى الخيمة وصاحبتها؟ فلم يجبه إلا خماس كان هنالك، قال له: إن عندى عجلا إن قبلته فخذه، فقبله وسار، ثم إن صاحب الخيمة كان له أندر مجوف فدخله يوما ففقد حتى قيل بعد مدة إن آخر العهد به مكان الأندر، ففتش فوجد ميتا هنالك واعتدت المرأة بعده فأخذها الخماس وركب الفرس وأحاط بالخيمة وما فيها. قال: ومما يحكى عن أبى الرواين أيضًا أن بعض أهل مكناسة لما رأوه على ما هو عليه من الثياب الرفيعة النقية من الدنس وكان عليه كساء مصبوغ الأطراف باللك (¬1)، وصادف أن كان في الطريق طين مطر فأخذ ذلك الرجل يقدم له الله أن يتمرغ في ذلك الطين هزؤا ولعبا وسخرية منه، فأخذ أبو الرواين يتمرغ فيه لما سأله بالله، فلما قام قال: اليوم أنا وغدا أنت، فمن الغد قتل هنالك. وأظن الحكاية مع ولد الفقيه أبى على حرزوز، فإنه كان أخبر بما وقع له وقد سمى لى صاحبها من أخبرنى، إلا أنه طال عهدى هل هو المذكور أو غيره. ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "عروق نبات تستعمل للصباغة".

قال: ولما تغلب السلطان أبو عبد الله محمد الشيخ على مكناسة ألح بالمطالبة لأخذ فاس فجاء الشيخ أبو الرواين وقال له: اشتر منى فاسا بخمسمائة دينار، فقال السلطان: ما أنزل الله بهذا من سلطان، هذا شئ لم تأت به الشريعة فقال: والله لا دخلتها هذه السنة، فبقى شهرًا والأمر لا يزداد عليه إلا تصعبا (¬1)، ففال الأمير أبو محمد عبد القادر لأبيه السلطان المذكور، يا أبت افعل ما قال لك الشيخ أبو الرواين، فإنه رجل مبارك من أولياء الله، وما زال به كذلك حتى أذن له في الكلام معه، فكلمه الأمير عبد القادر فقال: ادفع المال! فدفعه له، فقال: عند تمام السنة إن شاء الله يقضى الله الحاجة وأمري بأمره سبحانه، ثم إن الشيخ فرق المال من يومه ولم يمسك منه لنفسه حبة واحدة، ومن ذلك اليوم والسلطان المذكور في ظهور إلى أن تمت السنة فدخل فاسا كما قال (¬2) انتهى. قلت: قول السلطان محمد الشيخ السابق: إن الشريعة لم تأت بمثل هذه الأفعال التي كان يتظاهر بها المترجم وأمثاله، لعله يعنى من حيث كون الإقدام على أمثال ذلك لم تأذن فيه الشريعة للعموم ومدعى التخصيص عليه البيان، وإقامة البرهان، وإلا فقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى على الربيع بأن تكسر ثنيتها قصاصا لها على ما فعلته بغيرها من مثل ذلك، فقال له سيدنا النضر: والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها فأجابه - صلى الله عليه وسلم - بأن كتاب الله القصاص، وإثر هذا بادر المجنى عليهم إلى العفو عن الربيع، فحينئذ قال - صلى الله عليه وسلم -: إن لله (¬3) رجالا لو أقسموا على الله لأبرهم أو كما قال. ¬

_ (¬1) في دوحة الناشر: "تعصبا". (¬2) الخبر بنصه في دوحة الناشر من الموسوعة 2/ 887. (¬3) في هامش المطبوع: "لفظ الصحاح إلا الترمذى: إن من عباد الله مكان لو أقسم على الله لأبره".

213 - محمد بن قاسم بن على بن أبى العافية المكناسى

ولأهل الخصوصيات من الشواهد في كتب السنة ما هو كثير ويكفى من ذلك ما قصه الله عن الخضر لما صاحبه موسى عليهما السلام، وذلك كله من شواهد أصحاب الأحوال مثل المترجم، ولكن مثل ذلك خاص لخاص، فلا ملام على المتمسك عند حدوث شئ من ذلك بمقتضى ظاهر الشرع وعموماته، حتى يتحقق أن فاعل ذلك من أهل الخصوصية فيسلم له ولا يقتدى به والله أعلم. انظر ابتهاج القلوب. مشيخته: أخذ عن المترجم قبل وهو الشيخ الكامل. الآخذون عنه: منهم أبو عبد الله محمد بن صالح المعروف بعريان الرأس دفين تسابت إحدى عمالة توات كذا لبعضهم. وفاته: توفى سنة ثلاث وستين -بتقديم السين على المثناة فوق- وتسعمائة عن نحو ستين سنة، ودفن قريبا من شيخه ابن عيسى وضريحه مزارة مشهورة إلى الآن. 213 - محمد بن قاسم بن على بن أبى العافية المكناسى الشهير بابن القاضى. حاله: كان فقيها أستاذا نحويا جلس مجلس أبيه في الرسالة بجامع القرويين. وفاته: توفى سنة خمس وستين وتسعمائة. 214 - محمد بن محمد بن أحمد بن على بن عبد الرحمن بن أبى العافية المكناسى الشهير بابن القاضى. ¬

_ 213 - من مصادر ترجمته: جذوة الاقتباس 1/ 218، لقط الفرائد في الموسوعة 2/ 900. 214 - من مصادر ترجمته: جذوة الاقتباس 1/ 249، لقط الفرائد في الموسوعة 2/ 926.

215 - محمد بن عبد الرحمن بن بصرى الولهاصى

والد أبى العباس صاحب الجذوة والدرة وغيرهما. حاله: فقيه نوازلى فرضى حيسوبي، علامة نبيه، فاضل وجيه، من بيت علم وفضل ودين متين. مشيخته: أخذ الحساب والفرائض عن أبى محمد عبد الحق المصمودى السكتانى، وعن أبى الحسن على بن هارون المختصر الخليلى، وعن أبى عبد الله اليسيتنى تلخيص المفتاح. الآخذون عنه: منهم ولده أخذ عنه الفرائض والحساب وشيئا من المنية لابن غازى. وفاته: توفى بفاس سنة إحدى وثمانين وتسعمائة، ودفن بمطرح الحلة (¬1). 215 - محمد بن عبد الرحمن بن بصرى الولهاصى المكناسى المعروف بسيدي بصرى. حاله: عالم عامل ذو أنفاس صادقة، وأحوال رائقة، أستاذ مجود فقيه، ولى صالح، عارف صوفى، نزيه مرشد ناصح، خطيب مصقع، تولى الخطابة بجامع مكناسة كما في درة الحجال. قلت: ولا زالت الخطبة بيد حفدته إلى الآن، ونقل في المنحة عن بعض أتقياء مكناسة وطلبتها أن الشيخ استمر على الإمامة بالمسجد الأعظم إلى أن توفى، وأنه رد جميع ما كان أخذه من أوقاف المسجد، وأنه كانت له زوجة اسمها آمنة بنت الولى الصالح سيدى أبى على منصور الهروى دفين مدينة سلا، ولا زال أهل الفضل من مكناسة يتحدثون عنه بأنواع الكرامات. قال ابن عسكر: غير أنه يزعم أنه أخذ طريقة التصوف عن امرأة هنالك ويدعى لها أسرارًا ومناقب ونحوه في ابتهاج القلوب. ¬

_ (¬1) في لقط الفرائد: "بمطرح الجنة".

شيوخه: قال أبو عبد الله محمد العربي بن محمد البصرى في الباب الرابع من كتابه منحة الجبار، ونزهة الأبرار، وبهجة الأسرار، في ذكر الأقطاب والأولياء والأشراف والعلماء الأخيار، إنه تلا بالسبع على الإمام أبى العباس الحباك المتوفى سنة ست وثلاثين وتسعمائة، واستجازه فأجازه فيها وفيما يتعلق بها من كتب القراءات مع الألفية والرسالة والبردة كما هو دأب أهل الإجازات، ونص ذلك: "يقول العبد الفقير إلى رحمة مولاه، الغني به عمن سواه، أبو العباس أحمد بن الشيخ المكرم الوثايقى الملحوظ المبارك الأسعد أبى عبد الله محمد بن الشيخ المكرم المرحوم أبى عبد الله محمد الأنصارى عرف بالحباك سمح الله له، وسدد قوله وعمله، إن الشاب الطالب النجيب، الكيس الحاذق اللبيب، أبا عبد الله محمد بن الشيخ الأجل، الأفضل الأكمل، أبى زيد عبد الرحمن بن عبد الله ابن عمر الولهاصى المكناسى الدار المدعو بابن بصرى شرح الله صدره، ورفع بالعلم والعمل الصالح قدره، وقواه وأرشده، ووفقه وسدده، كان ممن تردد إلى، وتوخى المثول بين يدى، واعتمد في قصده على ما لدى، فقرأ علىّ القرآن العظيم، المنزل على سيدنا محمد المصطفى الكريم، من فاتحته إلى خاتمته ختمة واحدة، جمع فيها بين قراءة الأئمة السبعة المشهورين، رضوان الله عليهم أجمعين، وأدرج في ذلك الإدغام الكبير لأبى عمرو بن العلاء وكل ذلك بطريق التيسير للحافظ أبى عمرو الدانى، وملخصه حرز الأمانى، ووجه التهانى؛ للإمام أبى القاسم الشاطبى رحمه الله تعالى. ولما كمل له ذلك على على نحو ما ذكر من التعيين والتفصيل، وكان من أهل التجويد للقراءات مع الضبط لأحكامها والتحصيل، سأل منى وفقه الله تعالى أن أجيز له ذلك وأشهد له به في كتاب، ليرتفع به عنه تخالج الظنون وخطرات الارتياب وليكون بيده حجة ساطعة، وبنبله وثبات نقله بينة قاطعة، كما جرت بذلك عادة الأئمة، ومعتمدى هذه الأمة، فأجبته إلى ما سأل، وأسعفته فيما رغب

وأمل، وحدثته بالقراءات السبع تلاوة عن الشيخ الفقيه الأستاذ الخطيب الشهير أبى عبد الله محمد بن أحمد بن غازى العثمانى، عن الشيخ الفقيه الأستاذ الخطيب الشهير أبي عبد الله الشهير بالصغير ابن الحسن النيجى إلى آخر السند. ثم قال أبو العباس المجيز: وقد عرض على المجاز أبو عبد الله محمد المذكور هداه الله تعالى قصيد أبى القاسم الموسوم بحرز الأمانى ووجه التهانى عرضا جيدا من صدره، واستفهمته عنه وعن فصوله، وحدثته به عن شيخنا الفقيه المقرئ الصالح أبى عبد الله محمد بن غازى، عن شيخه الفقيه الخطيب المقرئ محمد بن الحسن النيجى الشهير بالصغير، عن شيخه الأستاذ المقرئ المحقق أبى الحسن على الوهرى إلى آخر السند. قال: وعرض على أيضًا المجاز المذكور قصيد أبى الحسن بن برى المرسوم بالدرر اللوامع عرضا جيدا من صدره كله بالتفهم، وحدثته به عن شيخنا الفقيه أبى عبد الله بن غازى المذكور، عن شيخه الفقيه أبي عبد الله محمد الصغير إلى آخر السند. قال: وعرض على أيضًا الرجز الموسوم بمورد الظمآن، في رسم أحرف القرآن، مع الذيل الملحق به في النقط للإمام العالم العلامة أبى عبد الله محمد بن إبراهيم الشهير بالخراز، وعرض على أيضًا المجار المذكور صدرا من رسالة الإمام العالم أبى محمد عبد الله بن أبى زيد القيروانى، وحدثته بها عن الشيخ الفقيه أبى عبد الله محمد بن غازي المذكور، عن شيخه أبى عبد الله محمد الصغير المذكور إلى آخر السند المرسوم في الإجارة، وفيما كتب به ابن غازى لمن استجازه من أهل تلمسان.

قال: وعرض على أيضًا صدرا من كتاب التيسير، وحدثته به قراءة لبعضه، وسماعا لسائره عن الشيخ أبى عبد الله بن غازى، عن الشيخ أبي عبد الله الصغير المذكور إلى آخر السند المذكور في الإجازة أيضًا. قال: وعرض عَلَىَّ أيضًا جميع القصيدة المباركة المسماة بالبردة من نظم الإمام شرف الدين أبى عبد الله محمد بن سعيد البوصيرى، وحدثته بها عن شيخنا أبى عبد الله بن غازى، قال: أخبرنا بها الشيخ الإمام العالم العلامة أبو عَمْرو عثمان بن محمد بن عثمان الديمى المصرى، عن ابن فهد، أخبرنا بها أبو بكر المراغى، قال: أخبرنا بها أبو الفتح الميدومى، عن ناظمها أبى عبد الله البوصيرى رحمهم الله تعالى أجمعين. قال: وعرض عَلَيَّ أيضًا جميع ألفية ابن مالك عرضا جيدا من صدره، وحدثته بها عن شيخنا أبى عبد الله بن غازى، عن الشيخ الإمام العلامة تاج المحدثين وإمام المسندين فخر الدين أبى عمرو عثمان بن محمد بن عثمان الديمى المصرى المذكور، أخبرنا بها عن هاجر بنت محمد بن محمد المقدسى، عن أبى إسحاق التنوخى، عن أحمد بن محمد بن غانم عن المصنف رحمهم الله. قال أبو العباس المذكور: وقد أجزت للطالب المكرم أبى عبد الله محمد بن عبد الرحمن بصرى المذكور جميع ما قرأه على من القراءات السبع المذكورة، وجميع ما عرضه على وسمعته منه مما ذكر في هذا الكتاب إجازة عامة على أكمل شرطها وأوثق ربوطها، وأذنت له في أن يروى عنى، وعن الشيوخ الذين في هذا الكتاب مما تضمنه من الأسانيد المذكورة، والقراءات المسطورة، وكذلك ما رويته عن شيخى المذكور من تآليف الشيخ أبى وكيل ميمون المذكور كالمورد الروى في نقط المصاحف، وتحفة الإعراب، والدرة الجلية، في نقط المصاحف العلية، وجميع ما قيدته تلاوة وسماعا، وأوصيه ونفسي بتقوى الله تعالى ومراقبة أمره في جميع

أحواله، وتحرى الصدق والصواب في جميع أقواله، والله يعصمنا وإياه من الخطأ والزلل، ويرشد كلًا منا لصالح القول والعمل، بمنه وكرمه. شهد على الفقيه المجيز أبى العباس أحمد المذكور بما فيه عنه وهو بحال كمال الإشهاد وعرفه وعرف تصدره لذلك وعلى المجاز المذكور بطلبه الإجازة المذكورة، وهو بحال صحة وطوع وجواز، وعرفه في أواسط رمضان المعظم عام خمسة وعشرين وتسعمائة عبد الله بن محمد بن على الحسنى الجوطى لطف الله به، وأبو عبد الله محمد المعروف بالعربى الحسنى الجوطى لطف الله به، وعبد الله وأقل عبيده عبد القادر بن محمد الحسنى خار الله تعالى، والواضع خط يده الفانية الشريف أحمد بن محمد بن على بن محمد بن محمد بن عمران الحسنى الجوطى لمن طلب التبرك بالجناب الطاهر النبوي بلغ الله قصده وأمله بمنه، وشهد بذلك أحمد بن أبى القاسم عراقى الحسنى لطف الله به، ومحمد بن على بن طاهر الحسنى وبعد ذلك إشكال أعيان أهل الوقت وقاضيه على المتعارف الآن في عصرنا رحم الله الجميع". وقال: هذا ما وقفت عليه من أمر الشيخ أبى عبد الله في شأن القراءات السبع، ولم أقف إلى الآن على شيخه الذى أخذ عنه الروايات السبع على التدريج إلى أن بلغ أن يجاز، نعم يمكن أن يكون الشيخ أبو العباس هو الذى رقاه من البداية إلى النهاية كما كان يصنع شيخنا أبو عبد الله الأصغر مع بعض طلبته. وأما شيوخه في العلم فلم أقف له الآن على شيخ مع إدراكه لجملة من مشايخ نحارير، وأئمة مشاهير، ورأيت الجزء الأول من التوضيح، وشرح الصغرى للإمام السنوسي بخطه. ووصفه جماعة من الأئمة بالفقه والتدريس منهم الفقيه الحيسوبى الموقت الشريف الطاهرى الجوطى سيدى أحمد بن عبد القادر، ونص ما رأيت بخطه ومنه

نقلت: توفى الإمام الخطيب العالم العامل به قطب زمانه المدرس المحقق الزاهد سيدى محمد بن سيدى عبد الرحمن المكناسى يدعى ببصرى يوم الأربعاء موفى عشرين من ذى الحجة الحرام إلخ إلى أن قال: ورأيت بخط غير واحد من عدول مكناسة الذين انقرض عصرهم وصف الشيخ بالعلم والتدريس والمعرفة بالله تعالى ونص المرئى: الفقيه الأجل المدرس المحقق الأتقى الأرفع الأنزه الأسرى الأحفل الأزكى الأعدل الأكمل الخطيب البليغ الحسيب الولى الكامل، القطب العامل، الشيخ الإمام الأوحد الهمام إلخ. وأما المرأة التي أخذ عنها التصوف حسبما تقدم في كلام ابن عسكر فقال في المنحة: إنها هى السيدة الجليلة ذات الأحوال الباهرة، والخوارق الظاهرة، مريم بنت عبود الأندلسية دفينة رأس التاج خارج باب عيسى أحد أبواب مكناسة الزيتون لها روضة هنالك مشهورة بها مقصودة للزائرين، وأصل الروضة لسيدى عبد الرحمن والد الشيخ أبى عبد الله. وأخبرني بعض الأندلسيين من أهل القورجة أنها السيدة فتحون البزازية، وأن السيدة مريم هى التلميذة، وللسيدة فتحون أيضًا روضة برأس التاج مشهورة هنالك". فائدة: ذكر في منحة الجبار أن جميع من بمكناسة من البصريين منحصرون فكتابنى محمد صاحب الترجمة وبنى عبد الواحد قال: ومنهم شيخنا أبو عبد الله، وبنى عبد السلام، وبنى عبد الرحمن لا غير وكلهم من ذرية ولى الله تعالى أبى موسى عمران، يعنى دفين روضة رأس التاج بمكناسة. قلت: وينحصر عقب المترجم الآن في أولاد قاسم بن الطيب، وأولاد أخيه المهدي بن الطيب بن الصغير بن مسعود بن محمد فتحا بن المترجم.

216 - محمد فتحا بن الشيخ أبى المحاسن يوسف الفاسى وأكبر أولاده

وعقب بنى عبد الواحد ينحصر في أولاد محمد بن الطيب بن عبد الرحمن. وعقب بنى عبد السلام ينحصر في أولاد محمد فتحا بن عبد الرحمن بن عبد السلام بحمام الجديد. وأولاد ابن عبد الرحمن بقى منهم محمد بن الطيب بن محمد بن عبو المدعو ابن دحمان، ويجتمعون كلهم في عمران المذكور، هكذا وجدت هذا التفصيل في بعض التقاييد بخط بعض عدول بلدنا المبرزين الأثبات قائلا: وهذا في أوائل العشرة الثانية من المائة الثانية بعد الألف انتهى. وفاته: توفى بمكناسة آخر ذى الحجة سنة إحدى وتسعين وتسعمائة ودفن بداره من القرسطون إحدى حومات مكناس الشهيرة وقبره إلى الآن مزارة شهيرة. 216 - محمد فتحا بن الشيخ أبى المحاسن يوسف الفاسى وأكبر أولاده. حاله: فقيه علامة وجيه نبيه، نشأ في حجر أبيه المذكور بالقصر نشأة حسنة، وقرأ القرآن وطلب العلم هنالك، وحضر مجالس أبيه، ثم رحل إلى مكناسة وفاس وقرأ على مشيختهما فاستفاد وحصل وأفاد وعلم، وانتفع به جماعة من الطلبة، وكان الغالب عليه علم القرآن والفقه، وكان خيرًا دينًا فاضلا رقيق القلب كثير الخشوع سريع العبرة، سمحا جوادا كريم النفس، مستطاب الحديث، حسن التلاوة، شجى الصوت، لا يكاد يسمع أحد تلاوته إلا بكى ورق قلبه. قال في المرآة: سكن بفاس إلى أن توفى بها في حياة أبيه. مشيخته: منهم والده، وجماعة من أئمة فاس ومكناس وغيرهما. ولادته: ولد بالقصر سنة تسع وخمسين وتسعمائة.

217 - محمد فتحا بن محمد بن موسى المكناسى المدعو العشير

وفاته: توفى سنة ثمان وتسعين وتسعمائة، ودفن بالكغادين في مقبرة الشرفاء الطاهرين كما بعناية أولى المجد. 217 - محمد فتحا بن محمد بن موسى المكناسى المدعو العشير. دفين روضة سيدى عمرو بو عوادة من حومة حمام الحرة بالحضرة المكناسية. حاله: شيخ صالح فالح، صوفى فاضل، ولى معتقد متبرك به من أعظم صلحاء مكناسة الزيتون. مشيخته: وجد منقوشا بلوح خشب في الجدار الجنوبى عند قبر المترجم ما لفظه: أخذ الطريقة عن سيدى محمد بن التقى الخلوتى، عن سيدى محمد بن عبد الله المدعو بالشيخ دمرداش المحمدى، عن سيدى عمر الرقاشى، عن سيدي يحيى عن صدر الدين، عن عز الدين، عن السيد أخى هرمز، عن سيدى عمر الخلوتى، عن سيدى أخى محمد، عن إبراهيم الزاهد، عن سيدى جمال الدين، عن السيد شهاب الدين الغزى، عن سيدى زين الدين محمد السجاسى، عن قطب الدين الأبهرى، عن سيدى أبى نجيب السهروردى، عن القاضى عمر البكرى، عن سيدى محمد البكرى، عن الشيخ محمد، عن سيدى ممساد الدينورى، عن الجنيد البغدادى، عن سيدى سرى السقطى، عمر، سيدى معروف الكرخى، عن سيدى داود الطائى، عن حبيب العجمى، عن الحسن البصرى، عن على رضى الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هـ بلفظه. وفاته: توفى سنة ثمانين وتسعمائة وفى روضته دفن عمرو بوعوادة على قبريهما دربوز خشب. 218 - محمد الوقاد المكناسى. حاله: أحد شعراء المغرب المجيدين، وأفاضله المتقين ذو نفس أبية وهمة ¬

_ 218 - من مصادر ترجمته: جذوة الاقتباس 1/ 324.

219 - محمد بن أحمد بن محمد التلمسانى أبو محمد قاضيها يعرف بابن الوقاد

تطاول الجوزاء له مهارة في علوم الأدب وغير ذلك وكان أوحد عدول مدينة فاس. قال ابن القاضى في الجذوة: حدثني بخبره شيخنا ابن راشد، وذكر أنه أتى القاضى نيابة عن الونشريسى أبا الحسن عليا الشامى ليؤدى عنده وكالة، فقصد تحقيره فهجاه بقصيدة مطلعها: فآه ثم آه ثم آه ... على أسد تمزقه الكلاب فاشتكى الشامى المذكور على القاضى أبى مالك عبد الواحد بن أحمد الونشريسي بالوقاد الذى هجاه بالقصيدة المذكور مطلعها، فبعث إليه أبو مالك وعاب عليه هجوه، فأجابه الوقاد بأن قال له وهبه هجوًا كان ماذا؟ أشهد على أنى لا أشهد [أبدا] (¬1) عندى ثلاث من الإماء يغزلن وآكل حتى لا أحتاج إليه أبدا هـ. 219 - محمد بن أحمد بن محمد التلمسانى أبو محمد قاضيها يعرف بابن الوقاد. حاله: إمام له مشاركة ومهارة في التفسير والحديث والفقه، المرجوع إليه في الأصول والفروع والعلوم العربية بسائر أنواعها، وإليه المرجع في الإفتاء، وعليه التعويل في النوازل والأحكام، ومعرفة الخلافات المذهبية، خطيب مصقع بليغ، أصله من تلمسان، وبها نشأ ثم انتقل بعد التحصيل لسوس الأقصى، ونزول مدينة ترودانت، وتولى خطة القضاء بأعمالها وخطابة جامعها الأعظم، ثم ولى قضاء الجماعة بها نحو ستة أشهر، فأعفى لكون أهلها برابر لا يعرف لسانهم. ثم وجهه أمير وقته قاضيًا لسجلماسة وخطيبًا، فبقى بها مدة، ولقى بها الولى الصالح سيدى عبد الرحمن وغيره من أعلامها، ثم نقل لمكناسة الزيتون وتولى القضاء بها والخطبة بجامعها، ثم خطب بجامع الأندلس بفاس المحروسة، ¬

_ (¬1) من جذوة الاقتباس.

ثم رد لتارودانت قاعدة السوس وولى الإمامة والخطبة بجامعها الأكبر، وتصدر للإفتاء والتدريس بها قائمًا على مختصر ابن الحاجب الفرعى، والشامل لبهرام وغيرهما، صلب في دينه، لين الجانب متواضع، متحمل للأذى؛ صابر على جفاء الفدادين من الطلبة وغيرهم، حسن العشرة، حلو الشمائل، كريم المائدة مبسوطها، مقصود للأرامل والأيتام، مشفق على القوى والضعيف، لا يقدر للدنيا قدرا ولا يستقر بيده شئ منها مع وفور ما ينصب إليه من الجرايات والجوائز. وحصل له جاه ووجاهة عند الخاصة والعامة، تعظمه الملوك فمن دونها ويقدرون قدره، ويجرون عليه الجرايات التي لم ينلها من قبله، وهو أول من سن إبداء الأفراح بتارودانت في ليلة مولد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبذل النفقات فيها على السنن الشرعى، كان يجمع الناس في منزله ليلة العيد النبوى على قراءة الأمداح النبوية بالأناشيد المطربة، وينفق في ذلك نفقة عظيمة إجلالا وتعظيما ومحبة في جانب خير الأنام صلى الله عليه وعلى آله وسلم، واهتماما بإقامة موسم ذكرى مولده. وهو أول من قرأ بها الجامع الصحيح للإمام البخارى قراءة ضبط وإتقان، وأول من خطب بها بلسان عربى مبين وقرط الآذان، بمواعظ توقظ الوسنان، حسن العبارة، لطيف الإشارة، فصيح اللسان، ثبت الجنان، ينشئ الخطيب البديعة الرائقة العذبة، الخالية عن التكلف على حسب ما تقتضيه الأزمنة وما يقع من الحوادث، قال أمير وقته الإمام المنصور في حقه: ليس عنده في المغرب أخطب منه إلا أن الله اختاره لمدينة ترودانت وأن لم تكن كرسى الخلافة. مشيخته: أخذ عن الإمام أبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الجليل التنسى خطيب جامع تلمسان وعن مفتى تلمسان وفقيهها الفقيه أبى عبد الله محمد ابن هبة الله الزناتى المعروف بشقرون المتوفى سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة، وعن أبى عبد الله محمد بن عبد الرحمن المعروف بابن جلال التلمسانى المتوفى ثامن رمضان سنة إحدى وثمانين وتسعمائة، والعلامة المشارك أبى عبد الله اليسيتنى

220 - محمد بن قاسم بن محمد الأنصارى المالقى الضرير الشهير بابن قاسم نزيل مكناسة الزيتون.

المتوفى في سادس عشر محرم الحرام عام تسعة وخمسين وتسعمائة، والعلامة الرحال أبى العباس أحمد بن محمد بن أحمد إذ قال به شهر، المتوفى ليلة الجمعة ثامن عشر رجب سنة ثلاث وعشرين وألف وغير هؤلاء من الأعلام. الآخذون عنه: أخذ عنه أبو زيد عبد الرحمن التمنرتي بفتح المثناة فوق بعدها ميم ثم نون فراء ساكنة فمثناة فوق بعدها ياء النسب مؤلف الفوائد الجمة، ومنها استفدت هذه الترجمة، أخبر عن نفسه في كتابه الفوائد الجمة المذكور أنه أخذ عنه رسالة ابن أبى زيد القيروانى، والمختصر الخليلى من أولهما إلى آخرهما قراءة تفهيم وتحرير، والمختصر الفرعى لابن الحاجب إلى قرب ثلثه، وسرد عليه شامل بهرام إلى قرب نصفه، والعقائد والتفسير من تلك الرسل غاية سورة الأعراف. شعره: من ذلك قوله: من الله أرجو أن يبوئنى غدا ... مقاما عليا في الجنان مخلدا ويسكننى رضوان جنته التي ... أعدت لأهل العدم والحلم والندا بفضل أحاديث البخارى ووجهه ... له ما حييت الدهر أقرأ سرمدا وقوله: لم يبق دهرك من تامن مودته ... ولا صديق إذا خان الزمان وفى فعش فريدا ولا تألف إلى أحد ... فقد نصحتك جهدى والزمان كفى وفاته: توفى ليلة الخميس لعشر خلون من ربيع الثانى سنة إحدى وألف، ودفن قبلة الجامع الكبير بترودانت وهو أول مدفون فيه. 220 - محمد بن قاسم بن محمد الأنصارى المالقى الضرير الشهير بابن قاسم نزيل مكناسة الزيتون.

221 - محمد بن محمد الغمارى بالمعجمة الكومى المكناسى

حاله: فقيه أستاذ جليل، ذكره صاحب الجذوة في ترجمة أحمد بن تميم اليفرني. الآخذون عنه: منهم أحمد بن عبد الرحمن بن تميم اليفرنى الشهير بالمكناسى. 221 - محمد بن محمد الغمارى بالمعجمة الكومى المكناسى. حاله: فقيه نحوى مشارك متفق، مفتى مكناسة، كان يستظهر مختصر خليل، وله مشاركة في الحساب والفرائض والقرآن العظيم بالمقاريء السبعة. مشيخته: أخذ عن أبى عبد الله محمد المسارى، وعن أبى زكرياء يحيى السراج، وأبى راشد اليدرى وغيرهم. وفاته: توفى ببلده مكناسة في الثالث والعشرين من ربيع النبوى عام اثنين وألف كما في التقاط الدرر وغيره. 222 - محمد بن مبارك الزعرى الأصل المكناسى النشأة. حاله: من مشاهير الأولياء الكاملين، وأعيان الصالحين، كان أول أمره. بمكناسة الزيتون يتعاطى القراءة فصعب عليه الأمر وتعذر عليه الفهم، فرأى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: إنك لن تقرأ، ولكنك شيخ، فظن أنه يكون من أشياخ القبائل، فرحل للبادية فلم يزل بها حتى هبت عليه نفحة القرب، من حضرة الرب، فذهب لمراكش ولقى بها الشيخ الكامل أبا عمرو القسطلى، ورجع إلى باديته فبنى مسجدا بالموضع الذى عين له شيخه لسكناه، فيقال: إنه قال له: جعلت محرابه منحرفا فأشار بيده إلى جهة مكة فتزحزحت الجبال حتى شهد الحاضرون مكة والله على ¬

_ 221 - من مصادر ترجمته: التقاط الدرر- ص 21. 222 - من مصادر ترجمته: التقاط الدرر- ص 30.

223 - محمد السبع بن عبد الرحمن المجذوب الولى الشهير

كل شئ قدير، وهذا غير مستغرب في جانب كرامات الأولياء التي لا ينكرها إلا مبتدع مارق لثبوتها بالكتاب والسنة والإجماع، وكان يقول: أهلا زماننا محسوبون علينا، فبلغ ذلك لعصريه الشيخ أبى عبد الله محمد الشرقى فقال رضى الله عنه: اشهدوا أنا من أهل زمان ابن مبارك. مشيخته: منهم الشيخ أبو عمرو القسطلى. الآخذون عنه: منهم العارف الكبير أبو عبد الله الشرقى. وفاته: توفى بتاستاوت سنة ست وألف، وضريحه شهير يزار، قرب ضريح الشيخ أبى يعزى، وهو لا يبعد عنه إلا بنحو ثلاثين كيلو متر. وقد أخبرني بعض من وثقت بخبره أنه وقف بزاوية هذا الشيخ المباركية على نسختين من مؤلف في كرامات الشيخ المترجم لا تاريخ بهما ولا ذكر لمؤلفهما فيهما، إحداهما من حبس الزاوية المذكورة، وثانيتهما ملك للغير، بالثانية نقص في آخرها وأوراق كل نحو الخمسين وليس بذلك المؤلف من الفوائد التاريخية ما يهم الباحث الاطلاع عليه. وللشيخ هناك عقب ذوو وجاهة. وله زاوية بالرباط تعرف بالزاوية المباركية. 223 - محمد السبع بن عبد الرحمن المجذوب الولى الشهير. حاله: شيخ عابد بركة من أولياء الله الصالحين، كان أوصاه والده بخدمة الشيخ أى المحاسن الفاسى، ذكره صاحب المطمح وغيره. مشيخته: أخذ عن أبي المحاسن المذكور وغيره. وفاته: توفى سنة أربع عشرة وألف. ¬

_ 223 - من مصادر ترجمته: التقاط الدرر - ص 45.

224 - محمد بن أبى القاسم بن محمد بن محمد بن قاسم بن أبى العافية الشهير بابن القاضى المكناسى

224 - محمد بن أبى القاسم بن محمد بن محمد بن قاسم بن أبى العافية الشهير بابن القاضى المكناسى. حاله: فقيه عالم علامة قدوة محصل حيسوبى فرضى مشارك رحالة كان أوحد عصره في علم الحساب والفرائض والتوقيت والتنجيم والجدول وغير ذلك وله مخالطة لعلم الحدثان تذكر عنه حكايات في ذلك غريبة مع الفهم الثاقب والإدراك التام، حج ولقى جماعة كالأجهورى وأضرابه. مشيخته: أخذ عن عمه مؤلف الجذوة وعن الحافظ أحمد المقرى وسيدى العربى الفاسى وغيرهم. مؤلفاته: منها البرق الوامض، في الحساب والفرائض، وكتاب لطيف أخذ فيه فصول الفرائض من لفظ زيد بن ثابت، وتحقيق المذهب في مسائل الجد، ورحلة للمشرق، ومحاذى على قصيدة ابن ليون في التكسير، ومحاذى على الروضة في التوقيت، وتحفة الخالى، على نظم سلك اللئالى في المخمس الخالى، لسيدى العربى الفاسى وله غير ذلك. وفاته: توفى رحمه الله قتيلا بمسجد القرويين من فاس غدرًا بعد أن قام من مجلس تدريسه عند عشاء يوم الاثنين في واحد وعشرين من ذى الحجة سنة أربعين وألف. 225 - محمد بن أحمد بن عزون الجزنائى أبو عبد الله المكناسى. أورده في نشر المثانى من جملة أهل العام الثامن من العشرة السادسة. 226 - محمد بن أحمد بن عزوز المكناسى. حاله: قال أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد القادر ¬

_ 224 - من مصادر ترجمته: التقاط الدرر - ص 92.

227 - محمد بن أحمد الصباغ لقبا البوعقيلى نسبا

الفاسى في كتابه الإعلام في حقه ما نصه: فقيه أديب شديد الطلب، بارع في الأدب. مشيخته: منهم أبو محمد عبد القادر الفاسى حضر مجالسه المختلفة الفنون، واقتنى منها ما تقر به العيون. وفاته: توفى بتونس سنة ست وستين وألف، قاله في الإعلام. 227 - محمد بن أحمد الصباغ لقبا البوعقيلى نسبا. أصله من مكناس ونشأ بفاس. حاله: فقيه علامة مشارك حيسوبى فرضى، جليل القدر، ناقد بصير عارف بعلم الحديث والفقه، ماهر في علم الهيئة والحساب والفرائص، سلم له أهل عصره في ذلك، ورجعوا له في خبايا تلك العلوم، وتصدر هو لتعليمها فانتفع به قوم. مشيخته: أخذ عن الشيخ أبى العباس أحمد بن القاضى، وابن عمه أبى عبد الله محمد بن القاضى وغيرهما. مؤلفاته: منها شرح على المنية لابن غازى سماه البغية في شرح المنية، أجاد فيه ما شاء، واليواقيت، في الحساب والفرائض والمواقيت، وكشف قناع الالتباس، عن بعض ما تضمنته من البدع مدينة فاس، وشرح الروضة، واختصار شرح المنجور على المنهاج، وغير ذلك من التآليف والتقاييد الحسنة المحررة. ولادته: ولد سنة تسعين وتسعمائة. وفاته: توفى سنة ست وسبعين وألف ودفن بعين أصليتن من الحضرة الفاسية بدار ضريح ابن عبد الكريم وعمره ست وثمانون سنة.

228 - محمد فتحا ابن الحافظ الضابط أحمد بن أبى المحاسن يوسف الفاسى

228 - محمد فتحا ابن الحافظ الضابط أحمد بن أبى المحاسن يوسف الفاسى. حاله: طائر الصيت، منتشر الذكر في سائر البلاد، فقيه علامة متضلع في جميع العلوم، إمام حجة، ناقد خبير بصير، ضابط متقن مشارك متفق، مقرئ بارع في قراءات السبع، محصل محرر، مدرس نفاع، مقيد حافظ، مستحضر للمسائل، يستظهر تسهيل ابن مالك، ومختصر ابن الحاجب الأصلى وغير ذلك، فصيح العبارة لا يجارى في سائر الفنون، قوى الفهم، حسن الأخلاق، لين الجانب بشوش، مقبل على الصغير والكبير، كريم سريع الدمعة. استوطن مكناسة الزيتون، وتقلد قضاءها مدة، فحمدت سيرته، وتواطأت الألسن على مدحه إلى أن نقله السلطان المولى الرشيد لفاس سنة سبع وسبعين وألف، وولاه الفتيا والخطابة بالقرويين، ثم أخر عن ذلك فلازم القرآن والتقييد والإفادة للخاص والعام. مشيخته: أخذ عن ابن عاشر، وابن أبى النعيم، وعمه سيدى العربى، وعم أبيه سيدى عبد الرحمن بن محمد، وعن أبى الحسن بن الزبير السجلماسى، وأبى الحسن البطوئى (¬1). وبالإجازة عن الشيخ القصار، وأبى زيد بن القاضى، وصاحب الترجمة مع الإمام أبى محمد سيدى عبد القادر بن على الفاسى قرينان في طلب العلم والسن ولقاء المشايخ، وكلاهما من أجل أهل زمانهما كذا في نشر المثانى. الآخذون عنه: أخذ عنه أبو محمد عبد السلام القادرى، وسيدى محمد ¬

_ 228 - من مصادر ترجمته: نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1578. (¬1) قيده في نشر المثانى من الموسوعة 3/ 1285: "بضم الطاء المشددة فواو وهمزة قبل ياء النسب".

229 - محمد العرائشى أبو عبد الله

وعبد الرحمن ابنا شيخ الإسلام أبي محمد عبد القادر الفاسى، والقاضى أبو عبد الله بن الحسن المجاصى، والقاضى أبو عبد الله بردلة. مؤلفاته: منها شرح لطيف على المختصر الخليلى، وشرحان على نظم المراصد لعمه سيدى العربى، وشرح لنظمه أيضا في المنطق. ولادته: ولد بفاس ضحى يوم الخميس تاسع محرم سنة تسع وألف وفى النشر ثمان وألف. وفاته: توفى بفاس آخر ليلة الثلاثاء ثانى عشر ربيع الأول سنة أربع وثمانين وألف، ودفن بروضة جده أبى المحاسن من جهة القبلة خارج القبة، وإلى ذلك إشارة الشيخ المدرع في منظومته بقوله: وسيدى محمد بن أحمد ... سليل يوسف الإمام الأمجد بخارج القبة حوشه اشتهر ... من جهة القبلة بان وظهر 229 - محمد العرائشى أبو عبد الله. حاله: فقيه نبيه جليل، صوفى نبيل، كان ناظرا في العهد الإسماعيلى على أحباس الولى المتبرك به حيا وميتا عبد الله بن حمد، وهو الذى تولى بناء ذلك الضريح المرونق عن إذن سلطان وقته سيدنا الجد المذكور حسبما ذلك مرقوم في نقش زليج بالحائط عند رأس قبر المترجم. ودونك نص الغرض منه: هذا ضريح خديم هذا الولى الصالح سيدى عبد الله بن حمد نفع الله به، وناظر أحباسه والذي بنى هذه الروضة المباركة عن أمر مولانا إسماعيل نصره الله، وهو الحاج محمد العرائشى رحمه الله.

230 - محمد الغمارى.

وفاته: توفى عند فجر يوم الثلاثاء ثامن عشر من جمادى الأولى سنة ثمانية وتسعين وألف. 230 - محمد الغمارى. دفين حومة حمام الحرة جوار الولى الصالح السيد عمرو بوعوادة آتى الترجمة. حاله: لم أقف في ترجمته على شئ زائد على ما برسم حبس دونك لفظه: "الحمد لله وحده، نسخة رسم واحد والإعلام بالقبول عقبه وخطاب نائب من يجب سدده الله لمغيبه عقبه نصه، الحمد لله بشهادة شهيديه أمنهما الله بمنه حسبما في غير هذا حبس الشريف الأصيل مولاى السعيدى ابن مولاى الجيلانى المنونى من داره المعروفة له في جوار سيدى عمرو بواعوادة، الأولى عن يمين الداخل للدرب الذى كان به سكنى العلامة سيدى الغازى، جميع براحها مع البيتين الصغيرين المستندين على اروى مولاى الطيب على الولى الصالح، الكوكب اللائح، سيدى محمد الغمارى نفعنا الله به ليدفن بهما هو ويدفن غيره من سائر الناس، وثمن القبور يكون في مصالح ضريح الولي بعد أن يبني ويكون زاوية، وإن فضل على ذلك شئ اشترى به ما يوقف على روضة الولي للانتفاع به في مصالحه من إيقاد وغيره، وأبقى الشريف المذكور من داره المذكورة مما عدا ما حبسه لنفسه، وذلك البيت المقابل للداخل للدار المذكورة المستند على روضة ولى الله سيدى عمرو بوعوادة، والمقابل له ينتفع بهما بما شاء من دفن أو غيره، والباب تبقى متحدة بينه وبين الروضة، وإن شاء أخرج البيتين أو أحدهما.

وشهد به عليه بأكمله وعرفه في أواسط ذى القعدة الحرام عام خمسة وتسعين ومائة وألف محمد بن عبد الله الرجراجى لطف الله به، وعبد الرحمن ابن الحاج قاسم الفلوسى وفقه الله آمين. وبعده: الحمد لله أعلم بقبولهما عبد الله سبحانه وتعالى محمد الطيب بن محمد بصرى وفقه الله بمنه ولطف به. وبعده بخط نائب من يجب لمغيبه: أعملته انتهت قابلها بأصلها فماثلته وأشهده الفقيه الأجل، العالم الأفضل، نائب قاضى الجماعة لمغيبه بمدينة مكناس، وهو الكبير بن أحمد العوفى تغمده الله برحمته أعزه الله تعالى وحرسها، بأعمال المنصوص عنده الإعمال التام لأعماله لديه بواجبه، وهو حفظه الله تعالى بحيث يجب له ذلك من حيث ذكر، وفى التاسع والعشرين من رمضان المعظم عام أربعة ومائتين وألف عبد الله سبحانه وتعالى فلان بشكله ودعائه وعبد ربه سبحانه وتعالى فلان بشكله ودعائه". وقد أخبرت على لسان أهل العدل أن كرامات المترجم تواترت لدى الخواص والعوام من قدماء أهل بلدتنا المكناسية، من ذلك ما حدثني به بعض المبرزين الموثوق بأمانتهم وديانتهم من العدول أهل العلم والثبات عن بعض الأساتذة الطاعنين في السن، أنه سمع بالتواتر على ألسنة أهل الصدق والدين أن المترجم دخل يوم عيد أضحى لدار من دور حومة حمام الحرة حيث مدفنه الآن، فوجد ربة الدار تشوى كبد أضحيتها وهى تبكى، فاستفهمها عن سبب بكائها فأخبرته بأنها تذكرت ولدًا لها ذهب حاجا في ذلك العام، وأنها لم يطب ولم يهنأ لها أكل ذلك الكبد دونه، فقال لها: ناولينى حظه فناولته قطعًا من ذلك الكبد في آنية، وجعلت له مع ذلك خبزة، فأخذ منها ذلك وخرج، ثم رجع لها من حينه، وقال لها: قد أعطيته ذلك فشكرته، والله أعلم بما يخامر ضميرها.

231 - محمد بن محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن جابر الغسانى الأصل

ثم إن ولدها بعد رجوعه من الحج أخبر بأنه كان مارًا في زقاق من أزقة مكة المشرفة يوم النحر، وإذا برجل جبذه من ثيابه فلما التفت إليه قال له: خذ هذه الآنية بما فيها فأخذها ظنا منه بأنه من أهل مكة، ثم لما رجع لرفقته بمحل نزوله متأبطا لما ذكر وأخبرهم بالواقع، وأنه بمجرد ما سلم له الرجل الآنية غاب عنه، ولم يدر أى فج سلك، وأنه جزم إذ ذاك بأن الرجل ليس من أهل مكة، وأنه ولى كان أولياء الله تعالى خصه بذلك فضلا منه سبحانه، وأن تلك الآنية بعينها تركها بداره بمكناسة عند والدته فسخروا منه وعدوا مقالته من هزل القول، وقالوا له: إنما تلك فضلة فضلت عن عيال الرجل فخرج يتصدق بها فصادفت أمامه فأعطاك إياها، فانتظر مجيئه في طلب الآنية، فلم ير للرجل بعد أثرًا. ثم بعد أوبته من الحج أخبرته أمه بحقيقة ذلك، وقصت عليه القصص فصدق لها الواقع بإخراج الآنية وشاعت القضية بين أهل البلد وغيرهم، وزاعت وازداد حسن اعتقاد جميع الناس في المترجم، وأن المترجم كان يدخل لسائر دور أهل البلد من غير استئذان وبالأخص دور الحومة التي فيها مدفنه اليوم، ويقابل عند الكل بكل تكرمة وإجلال لحسن اعتقادهم فيه ورغبتهم في نيل بركته، وأنه كان يصبح كل يوم في حلة بيضاء ناصعة فيروح بها كأنها ثوب زيات ولم يدر من أين تصاب له بذلك ولا ما يعمل حتى تصير على ظهره كالليل الحالك إلى غير هذا من أنواع الكرامات، الخارقة للعادات. وقد علم وتقرر أن كرامات الأولياء ثابتة كتابا وسنة وإجماعا، فلا يستغرب هذا وأكثر منه في جانبهم رضوان الله عنهم. 231 - محمد بن محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن جابر الغسانى الأصل. ¬

_ 231 - من مصادر ترجمته: كفاية المحتاج 2/ 194، نيل الابتهاج 2/ 239.

232 - محمد بن الحسن المجاصى

نسبة إلى غسان -بفتح الغين المعجمة والسين المهملة وبعد الألف نون- وهى قبيلة كبيرة من الأزد، شربوا من ماء غسان وهو باليمن فسموا به، المكناسى الدار. حاله: ثبت ذكى واعية، أستاذ حافظ متضلع، مطلع نقاد. مشيخته: أخذ عن والده، والشيخ المبارك أبي خالد يحيى بن يحيى بن خالد وغيرهما. الآخذون عنه: منهم الإمام ابن غازى قال: جالسته بمكناسة واستفدت منه كثيرا، ومن أغبط ما أخذت عنه المصافحة المروية من طريق الخضر، ومنهم الإمام سقين العاصمى رأيت في إجارة لأبى القاسم الغسانى أجاز بها سيدى محمد العياشى روى فيها المصافحة عن المنجور عن سقين عن المترجم عن والده بالسند السابق في ترجمة ابن غازى. ولم أر من تعرض لولادة المترجم ولا وفاته، لا ممن ترجمه كسيدى أحمد بابا في النيل، وتلميذ المترجم ابن غازى في الفهرسة، والذى يظهر من أحواله أنه عمر رحمه الله رحمة واسعة. 232 - محمد بن الحسن المجاصى. الغياثى الأصل، المكناسى الولاية والوفاة، قاضيها أبو عبد الله. حاله: فقيه ناقد، علامة مشارك، متبحر مدرس نفاع، مفت مطلع متضلع، محرر محقق، حافظ متقن، خطيب مصقع، بليغ واعظ ناسك، من أهل التثبت في الأحكام والتحرى فيها، له عارضة في التقييد، وباع في النظم والنثر. ¬

_ 232 - من مصادر ترجمته: نشر المثانى في موسوعة أعلام المغرب 5/ 1823.

وكان في أول أمره خامل الذكر معتزلا عن الناس فولاه السلطان المولى الرشيد بن الشريف الحسنى بإشارة من العلامة الأستاذ سيدى عبد الرحمن بن القاضى المكناسى قضاء فاس الإدريسية، بعد أن عزل حمدون المزوار على ما في الدر المنتخب، وذلك آخر جمادى الأولى عام تسعة بمثناة وسبعين بموحدة، وخطبة جامع القرويين بها في ثانى وعشرى رجب عام أربعة وثمانين وألف، فجمع بين قضاء فاس وخطبة مسجدها الأعظم. والذى في نشر المثانى أن تولية المترجم كانت بعد عزل سيدى محمد البوعنانى (¬1) فالله أعلم بالحقيقة. قال في الدر المنتخب: إن مولانا الرشيد لما دخل فاسا سأل أهلها عن أفضل علمائها وأسنهم، فقيل له: سيدى عبد الرحمن بن القاضى، فاستدعاه للقدوم عليه فأجابه بأنه لا قدرة له على القدوم عليه لكبر سنه وملازمته بيته، فقال للرسول: إنى آتيه ويخرج بمحل قريب من بيته ألتقى معه به، فخرج لعرصة درب الدرج التي حائطها موال لمصمودة، ولما ورد السلطان فتحوا له نقبا في جوار العرصة دخل على الشيخ منه واجتمع معه، وبعد التماس بركته والفراغ من سنة السلام، قال له: أتيتك لأستشيرك فيمن أوليه بفاس من حاكم وقاض ومحتسب وناظر؟ فقال له: أما الحاكم فلا أتقلده، والقاضى حمدون المزوار، والمحتسب عبد العزيز الفركلى الفيلالى، والناظر العدل مسعود الشامى. ولما خرج من عنده أمر أن يبني بالمحل الذى دخل منه باب ويبقى طريقا، فهو الآن درب الدرج لم يكن قبله، ولما بلغ دار الإمارة نفذ القضاء لحمدون المزوار، والحسبة للفركلى الفيلالى، والنظر في الأوقاف للعدل مسعود الشامى فامتنع منها وسجن عليها سبعة أشهر، ولما ضاق عليه الأمر أجاب على شرط أن ¬

_ (¬1) نشر المثانى في الموسوعة 5/ 1833.

لا يتعرض له قاض ولا وال، لأن الأحباس كلها حازها اللصوص والأشراف أيام الفترة حتى كادت أن تستأصل كلها، واشتغل بالبحث عنها واستظهارها ومن اتهمه بربع أو أرض يحوز عليه كل ما عنده من الرباع، فما ظهر رسمه رده له، والذى لا يظهر رسمه علم أنه مغصوب فيحوزه للحبس حتى رد الأوقاف كلها. قال: ولما تولى القضاء المزوار المذكور، وكان كثيرا ما يردّ أحكامه المفتى سيدى عبد الوهاب الفاسى في نوازل وأحكام تقع منه تخالف المشهور، وعلم بذلك الشيخ ابن القاضى كتب بذلك للسلطان الرشيد يقول: إن من أشرت عليك بتوليته القضاء له أصهار وأنصار، فأقلنى من عهدته أقالك الله من النار، فأمره أن ينظر للقضاء من هو غريب الدار، فأشار عليه بالمترجم. قال: وتقدم ما ذكره في نشر المثانى في سبب عزل المزوار وتولية صاحب الترجمة وهو ليس مخالفا لما هنا، لأن ما هنالك مجمل وما هنا مفصل هـ وكلام النشر المحال عليه هو ما سيمر بك. ثم صرف، أعنى المترجم، عن القضاء بفاس والخطبة بجامعها في رابع ذى القعدة عام ثمانية وثمانين، ثم بعد مضى عشرين يومًا رام من المتولى بعده وهو الشيخ أبو عبد الله العربي بردلة أن يشركه معه في فتوى فاس أو خطبة مسجدها المذكور، فامتنع الشيخ بردلة من ذلك. فأخذ المترجم في التدريس بجامع القرويين في بعض الكراسي بها من دون تولية إلى أن ولى قضاء حضرة السلطان المظفر مولانا الرشيد الحسنى بمكناسة الزيتون، وسبب تولية صاحب الترجمة قضاء فاس فيما يحكى، أن السلطان المذكور رد إلى القاضي بعض مسائل من الأحكام المتعلقة بنسبة من له الشرف بفاس فلم يتضح للقاضى المذكور ما يجيبه به عنها، فاستعجله السلطان من ذلك وعزله، وقال: لا أولى قضاء فاس إلا من كان غريبا لا أهل له ولا صهر، فاختبر

الفقهاء الذين بمدارس فاس، فلم يجد أنجب من صاحب الترجمة حينئذ فولاه قضاءها، فسلك رحمه الله سبيلا حسنا، وكفى به أن الشيخ اليوسى ارتضاه للمشورة في الرسالة التي كتبها لسيدنا الجد السلطان مولانا إسماعيل، إذ قال له فيها: فعلى سيدنا أن يقتدى بهؤلاء الفضلاء ولا يقتدى بأهل الهوى، وشمال من معه من الفقهاء، كسيدى محمد بن الحسن -يعنى صاحب الترجمة- وسيدى أحمد بن سعيد وغيرهما من العلماء العاملين الذين يتقون الله ولا يخافون فيه لومة لائم. انتهى. وما أراده السلطان من اتخاذ القضاء غريبا هو من أسباب العون على العدل وتيسيره، وما زال أهل العدل يحتاطون له. انظر ما فعل القاضى ابن محسود فإنه حكى عنه في التشوف: أنه لما ولى قضاء فاس اتخذ رياتا بمكناسة يقضى له الضروريات لئلا يكون له مخالطة مع أحد من أهل ولايته بوجه ما، انظر لفظه في ترجمة أبى عبد الله بن محسود. وقد كان صاحب الترجمة من أهل التثبت في الأحكام والتحرى، ومما يحكى عنه في ذلك أنه كان إذا أشكل عليه وجه الحكم قيده وضرب الأجل للخصم حتى يفرغ لتأمله، وكان مظنة وقت فراغه يوم الخميس، فيمضى إلى شيخه إمام الجماعة أبى محمد عبد القادر بن على الفاسى ويذاكره فيه بمحضر من يتفق له حضوره من العلماء حتى يتضح الأمر فيحفظه ليحكم به على الخصمين، وهذه سيرة عالية تدل على قوة الدين، والتمسك بحبله المتين. مشيخته: أخذ عن سيدى عبد القادر الفاسى، وناهيك به وعمن في طبقته من شيوخ عصره، وأجازه عامة: الملا إبراهيم بن حسن الكورانى الشهرزورى بواسطة صاحبه قاضى سجلماسة أبى مروان عبد الملك التجموعتى عندما رحل للحج، كما وجد ذلك بخط التجموعتى المذكور.

والملا إبراهيم هذا يروى عن العارف بالله صفى الدين أحمد المدنى وغيره. الآخذون عنه: تخرج عليه جماعة من الفقهاء القادة الأعلام، منهم سيدى عبد السلام بن الطيب القادرى جد صاحب النشر للأب. مؤلفاته: منها تقييد في الأشراف الجوطيين في نحو نصف كراسة صغيرة قال في آخره: ولجلالة هذا النسب الشريف وعظيم مكانته تعلق به جماعة من أعيان العلماء وصدور الأئمة، فقائل يقول: أمى شريفة، وآخر يقول: جدتى وآخر يحكى أن له في شريفة رضاعا كالشيخ السنوسى، وجلال الدين السيوطى، والشيخ زروق. وقال صاحب الزلفى: ليت لمثلى من ذلك ولو كخيط العنكبوت، ثم قال: وفى الحديث إن الداخل فيهم وليس منهم يفضح بين الخلائق إذا لم يدع باسم أبيه ويستحى، وهذا إذا لم يكن هو المتسبب فيه، وأما المدعى الكاذب الأول فما يناله من العقوية واللعنة أبشع وأفظع من فضيحة تابعه إذا لم يعلم باعتداء آبائه، ولعل هذا سبب من يتورع من الانتساب، ويقول: إن يكن شئ من هذا حقا فإنما نحتاج إليه يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وإن كان باطلًا فنحن منه على جناح سلامة، ويحسن هذا في حق من وجد شيئا بيد أبائه ولم يكن متواترا شائعا ذائعا نعم من غير أن يتبرأ منه، ولعله ينتفع انتفاعًا ما. وفى فهرسة شيخ المشايخ، شيخ شيوخ شيوخنا العلامة سيدى أحمد المنجور في ترجمة شيخه العلامة المحقق أبى عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الرحمن اليسيتنى قال: أصله من بنى يسيتن بربر من عمالة دبدو، من بطن منهم يقال لهم بنو كلال، وهم يشمون إلى الشرف العلوى من فاطمة البتول رضى الله عنها، ولكن لم يثبت لهم ذلك كالمشاهير بالشرف من القبائل، ولهذا لم أسمع شيخنا المذكور قط ينتمى إليه ولا رأيته بخطه في براءة أو كتاب علمى، ولا يزيد على لفظ اليسيتنى وأن كان أبوه الفقيه أبو العباس -وكان يقرأ فرعي ابن الحاجب من أقران أبى العباس الزقاق- ينتمى إليه وكذلك جده الصالح التالى لكتاب الله

تعالى أبو زيد عبد الرحمن كان يقرئ الصبيان بالمكتب المقابل بانحراف لدرب اللمطى من عدوة فاس الأندلس مشهورا بالبركة. وقد رأيت رسم شرف لأم عبد الرحمن هذا وقال لى صاحبنا الفقيه أبو عبد الله ولد شيخنا الإمام: إنه كان عندهم رسم شرف لجده عبد الرحمن من قبل الأب أيضًا، فلما لم يصح ذلك عند الشيخ هرب من ذلك، وأخذ بالاحتياط والحزم في دينه مخافة أن تلحقه لعنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للداخل من غير نسب. وسمعت مولانا أمير المؤمنين أبا عبد الله محمد الشيخ المهدى يوم خروجه لحركة مللو سنة ثمان وخمسين يسأل الشيخ كم لهم بفاس؟ فقال له: نحو مائتى سنة، قال: ملفق هذه العجالة وقضيتنا قريبة من قضية هذا الشيخ فإنى وربى العالم بالخفيات والمجازى يوم تبلى السرائر أدركت والدى رحمه الله وعمًّا لى من حملة القرآن العظيم وهو ابن الصغير بن يعقوب المغراوى ينتمون للجانب العلوى ولا يتوقفون في ذلك، ورأيت بعينى رسم شرف وظهائر ولا أدرى أين صارت، وكان أبى يقول: إن أخاه سيدى محمد قدم مع والده سيدى الصغير من مغراوة الجزائر وأنهم من ذرية ولى صالح يدعى بسيدى يعقوب أو أبى يعقوب وأنهم يعرفون بذلك ببنى مرزبة -بميم فراء ساكنة فزاى مكسورة فباء موحدة بعدها هاء التأنيث- سموا بنبت يعرف بذلك. أما أبى فإنما ولد بحوز فاس ببنى واريش على ما حدثنا به رحمه الله، وبأيديهم رسم الآن ثبت بشيوخ مسنين ممن أدرك الأب والعم، والله المسئول أن يجمع همتنا عليه ويحقق لنا النسبة الروحانية ويرعانا بعين رعايته في الدارين، وأدعو بدعاء القطب العارف بالله مولانا عبد السلام نفعنا الله به: اللهم ألحقنى بنسبه وحققني بحسبه، والسلام على من يقف عليه عبد الله محمد بن الحسن المجاصى وفقه الله وكان له بتاريخ تسعة وتسعين وألف هـ.

ووجد مقيدا عقب التقييد المذكور ما نصه بعد الحمدلة والصلاة: تصفحت الأنقال المشار إليها أثناء هذه الأوراق فألفيتها مطابقة لما تحصل من أصولها المنقولة منها، وأما ما ذكره صاحبنا الفقيه العلامة سيدى محمد بن الحسن عن سلفه فقد سمعته منه والله يثبتنا على القول الثابت في الحياة الدنيا وفى الآخرة، ويجعلنا من أمة سيدنا المصطفى عليه الصلاة والسلام يوم فإنما هى زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة، قال ذلك وكتبه العبد الفقير أواسط ذى القعدة الحرام سنة تسع وتسعين وألف عبد الملك بن محمد التجموعتى وفقه الله هـ. ومن تآليفه: تقييد في مسألة العكاكزة، ونظم في أشراف المغرب، وأجوبة حسنة تضمنتها نوازله على ما له من العارضة في العلوم. شعره: من ذلك قوله ناظما عمود نسب النقيب مولاى عبد القادر بن عبد الله الشبيهى: حمدًا لمن جعل السعادة كلها ... حب النبي وصحبه والآل ثم الصلاة على الرسول محمد ... قطب البرية غوثها المتعال وسلامه الأزكى يؤم ضريحه ... طيبا على طيب المكان العال وعلى صاحبته وعترته النهى ... أهل الندى والجود والإفضال هذا وقد أمر العلى جانبه ... أمرا يذل ضئولة الرئبال أمرا ببذل الدر من أسلافه ... من أصله والى زمان الحال فأجابه العبد العيي لسانه ... مولاى هذا موقف الإبطال فازداد حرصا بعدها وتحتمت ... طاعاته في سائر الأحوال أسعفته وجعلت بيت قصيدتى ... مولاى عبد القادر المفضال

الفائق الأبهى البديع جماله ... عجبا لطينته من الصلصال وسعيت بين جنابه متضرعا ... بأبيه عبد الله في تسآل نجل العروف اللوذعى محمد ... بيت النبوءة سيد الأقيال بأبيه عبد القادر الأسمى الذى ... يعلو على التفصيل والإجمال نجل الشريف الشامخ القدر العلا ... مولاى عبد الواحد المفضال بأبيه أحمد ذى الفضائل والحجا ... هو الشبيه بسيد الإرسال بالزاهد القرشى عبد الواحد بـ ... ـن الهاشمى صاحب الأحوال عبد إلى الرحمن فيه إضافة ... يحمى حماية صاحب الأشبال فاضت أبا غالب بحار نوالكم ... كأبيك عبد الواحد الهطال والفارس الحامى الذمار محمد ... واعرف عليا كاشف الأوجال بأبيه عبد الواحد بن الماجد الـ ... أرقى الذى أحلى من السلسال أعنى أبا عبد الإله وصل به ... عبدا إلى الرحمن ذى الإكمال بالواحد الأسنى الشريف محمد ... من كان والده عليا عال بأبيه حم نجل يحيى المنتقى ... كل المجادة فيه في اضمحلال بأبيه إبراهيم للأصل المنتمى ... للمجد يحيى بارع الأفعال بالفاضل الأرقى الحسيب محمد ... بالجوط يحيى نخبة الأبدال والقاسم الأزكى الرفيع مقامه ... نفع الموالى قاسم الأموال بأبى العلا إدريس ناشئ فاسنا ... بأبيه إدريس المقام العال بابيه عبد الله نجل المجتبى ... حسن المثنى صادق الأقوال

بالسبط والده البهى جماله ... حسن بن فاطم بغية الآمال بالوالد الأدرى على المرتضى ... ليث الحروب مفرج الأهوال من عرسه بنت النبي محمد ... فيه انتهاء العز والإجلال وقوله: يا روضة كملت محاسنها التي ... جلب العقول بهاؤها للناظر في عام شمل غير حول زررت ... أزرارها وتنظمت بجواهر وتزخرفت وتعطرت وتهذبت ... أغصانها وتبسمت للزائر وتشعشعت أنوارها وتكلمت ... أطيارها وتدفقت بكواثر وتهذبت أخلاقها وتنسمت ... أوراقها وتفتحت بأزاهر من بعد أن طرب الزمان بحسنها ... زفت إلى بحر البحور الزاخر قطب البرية عزها وفخامها ... سر النبوءة فخر كل مفاخر المولوى الهاشمى المنتقى ... إدريس منقذ غربنا في الغابر قد صاغها النجل السرى تكرما ... وتفضلا مولاى عبد القادر ابن الرضى مولاى عبد الله ذى الـ ... أصل الزكى الطيب بن الطاهر دامت مسرته ودام سعده ... وحسوده في ضنك عيش خاسر ووقاه من شر الزمان وفتكه ... وكفاه ثورة فاجر أو جائر وأناله في الناس ظلا وافرا ... يكفيه من بغى المظلوم الماكر وكسا بنيه الغر فضل ردائه ... يتناسقونه كابرا عن كابر لا زال مجدهم العلى مؤزرا ... ومؤيدا باسم العزيز القاهر دخل الحمى يا آل بيت المصطفى ... عبد ذليل ماله من ناصر

233 - محمد بن أحمد المزطارى المكناسى الشاذلى

وفاته: توفى عصر يوم السبت رابع ربيع الأول عام ثلاثة ومائة وألف، ودفن عند الغروب من يومه بمكناسة الزيتون في روضة سيدى أحمد الحارثى، المعروفة الآن بروضة الشيخ الكامل، وعليه بناء متصدع على يمين الداخل للروضة المذكورة من الباب المعروف بباب المعراض خارج باب السيبة أحد أبواب العاصمة المكناسية. 233 - محمد بن أحمد المزطارى المكناسى الشاذلى. ذكره في سلك الدرر. حاله: شيخ إمام عارف مسلك مرشد أستاذ كامل صوفى ربانى، حكى تلميذه الشهاب أحمد بن إبراهيم الحبالى الإسكندرى أنه ما غفل قط في وقت من الأوقات الخمسة عن سبعين ألفا من لا إله إلا الله في مدة إقامته معه، وكانت المدة المذكورة ثمانية عشر عاما، وكان جبلا من جبال المعارف منار هدى وإرشاد، وله كرامات كثيرة، وخوارق شهيرة، لا تسعها الأفهام، ولا يطيقها نطاق الأقلام، رحل من بلده مكناسة إلى دمشق الشام، وقدمها غرة جمادى الأولى سنة ست وتسعين وألف، ثم رحل من دمشق إلى مكة المشرفة واستوطنها وبها كانت منيته. مشيخته: أخذ الطريقة الشاذلية عن شيخه الفرد الربانى سيدى قاسم بن أحمد القرشى السفيانى المدعو بابن بلوشة. الآخذون عنه: منهم الشيخ عبد الرزاق بن عبد الرحمن السفرجلانى، والشيخ محمد بن خليل العجلونى، وكتب له بذلك إجازة مطولة، والشهاب أحمد الحبالى وخلق، ويتصل سند المترجم من طريق الشيخ محمد أمين أفندى السفرجلانى الدمشقى الشامي بالسند المذكور، في ثبته عقود الأسانيد. ¬

_ 233 - من مصادر ترجمته: سلك الدرر في أعيان القرن الثانى عشر 4/ 33.

234 - محمد بن محمد العناية

ولادته: ولد عام أربعة وأربعين وألف. وفاته: توفى بمكة المشرفة في محرم الحرام ليلة الجمعة سنة سبع ومائة وألف عن ثلاث وستين سنة، ودفن بباب المعلى بقرب ضريح السيدة خديجة الكبرى. 234 - محمد بن محمد العناية. حاله: ولى صالح عارف بربه، دال عليه ناصح، يقال: إنه من ذرية مولانا عبد السلام بن مشيش رضى الله عنه وعنا به آمين، ويقال: إنه كان من المجاذيب، وإنه من أهل العصر الإسماعيلى، ولم أقف على ترجمته بعد البحث المديد. وشريح من أشهر المزارات المقصودة للمتعلقين بأذيال أهل الله العارفين بحومة باب البردعيين المسماة بجناح الأمان. 235 - محمد بن عمر السجلماسى الأصل الزرهونى الزاووى الدار والإقبار. حاله: فقيه علامة جليل، مشار إليه بالفضل والدين والثبات والرسوخ، كان السلطان مولانا إسماعيل منحه خطبة وإمامة مسجد الضريح الإدريسي الأكبر من زاوية زرهون، حلاه سيدى أحمد بن المبارك في إبريزه بالشيخ الفقيه العالم العلامة، وشهد بمعرفته لمكانته، وقد كان المترجم صاهر ابن مبارك المذكور ببناته الثلاث، وكاتبه لما استدعاه سيدنا الجد السلطان مولانا إسماعيل للقدوم لمكناسة الزيتون للصلاة بالناس في جامع مدينة الرياض العنبرى، فتوجه مع من وجه للقدوم به، ثم رجع لفاس قبل أن يلتقي بالسلطان بدون إذن يحذره مخالفة السلطان قائلا: إنك رجعت من مكناسة ولم تلتق مع السلطان نصره الله ولا فاصلت نفسك فلا تدرى ما ينزل بك بعد قدومك، فالرأى أن ترجع إلى مكناسة وتلقى مع السلطان نصره الله وتظهر له الرضا بقبول الإمامة في المسجد المذكور

236 - محمد البصرى المكناسى

وغير هذا لا تفعله، ولعل استدعاء ابن المبارك للإمامة كان عام خمسة وثلاثين ومائة وألف، وهى السنة التي نزل فيها ضيفا على أبى القاسم بن دارا أياما بداره بمكناسة والله أعلم. وفاته: لا أحفظ الآن تاريخ وفاته بيد أنه توفى بزاوية زرهون وضريحه أعلى سقاية البيبان، حذو باب المعراض عن يمين الطالع هناك لحومة تارجا. 236 - محمد البصرى المكناسى. حاله: طاهر السريرة، دين صالح بركة واعظ، إذا وعظ وجلت القلوب وذرفت العيون، ثلثاه غفلة لا يستعمل الأدب مع الملوك، فكان يتمرغ على نمارق المنصور مستندا بين يديه والمنصور يتحمل له ذلك لما يعلم من ديانته وصفاء باطنه. ذكره القشتالى في مناهل الصفا، وقال في الصفوة: لم أقف على سنة وفاته، وقبره داخل مكناسة شهير هـ. قلت: لا يعرف له اليوم قبر بل ولا ذكر، وإنما المعروف أبو عبد الله محمد الخطيب بصرى المترجم فيما قبل، وهو غير صاحب الترجمة قطعا كما يعلم بالوقوف على ترجمتيهما. 237 - محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بصرى المكناسى الشيخ المقرئ. حاله: فقيه جليل المقدار، جامع لأشتات خصال الفضل والمجد، حامل لراية الإقراء، وخاتمة الحفاظ والقراء، صدر عالم عامل، حافظ للسبع متقن عارف بتجويد القرآن العظيم، حسن الصوت، مجتنب للمحرمات، متوق للشبهات، لا تراه سالكا طريقا إلا وعيناه في الأرض، وإذا لقى امرأة نحى وجهه عنها، وكان ذا كرامات ظاهرة، وإشارات باهرة.

قال تلميذه أبو القاسم بن درة من أجل ما شاهدناه منها -يعنى كراماته- أن بعض الناس كان يحب أن يرومه بشئ يكرهه، فمهما أراد منه ذلك يعطيه الله ما يشغله عنه فيكف عنه إذايته، وقصده بذلك مرارا فلم يظفر به، ونجاه الله منه حتى لقى ربه. قال: ومن أعظم ما رأيت من مكاشفاته أنى جئته يوما فوجدته بداره التي بقرب الجامع من زقاق القرمونى، فقال لى: يا قاسم، ووجهه عبوس، ونظر إلى نظر مغضب، اترك أو فارق عنك كذا وكنت والله مصرا على ما نهانى عنه، فأظهرت له التجلد وتعللت له بعلل فصفح عنى ودعا لي بالهداية، وكان رحمه الله راضيا عنى ودعا لى عند موته بخير فما على إلا فضله وبركته. سمع السلطان الأعظم مولانا إسماعيل بحسن صوته وجودة تلاوته فأمر بإحضاره ليلة سابع عشرى رمضان، فأم به تلك الليلة وختم القرآن برواية ابن كثير يكبر ويهلل عند ختم كل سورة من آخر والضحى إلى آخر والناس، وأدرج القراءة إلى المفلحون فخلع عليه السلطان دائرة سنية كانت عليه وطلب منه صالح الدعاء انتهى. وقد حظى المترجم من لدن جناب مولانا الجد السلطان المذكور بإجلال ورعاية وتبجيل، ووصفه بأوصاف عالية في ظهيره الشريف المطاع الأوامر الذى أصدره بالتنويه بقدر بيت المترجم، ونشر ما لسلفه من المجد المؤثل، والحض على إنزالهم منزلتهم، ومقابلتهم بكل تكرمة وإعظام، والتعريف بما له ولسلفه وبنى عمه من الحظوة لديه، والاعتبار والإكبار، وإليك نصه بعد الحمدلة والصلاة: "عن أمر عبد الله المتوكل على الله، أمير المؤمنين، المجاهد في سبيل رب العالمين، إسماعيل ابن الشريف الحسنى أيد الله أمره، وأعز نصره وخلد في صحف المجد والحمد ذكره، وأشرق في الصالحات شمسه وبدره، يستقر كتابنا هذا أسماه الله بيد حملته أولاد ولى الله تعالى العارف بربه الصالح سيدي بصرى نفع

الله به وأولاد أولاده وحفدته ومن انتمى منهم إليه، وخصوصا الفقيه الأجل السيد محمد بن أحمد بصرى، وبنى عمه وأولاده وأولاد أولاده ما تناسلوا ويتعرف منه بحول الله وقوته، وشامل يمنه العميم وبركته. إننا أسبلنا عليهم جلابيب الإيثار والوقار، وكسوناهم أردية الاحترام ونمارق الإجلال والإكبار، وعاملناهم بما يجب وما يجعل بنظائرهم من السادات الأخيار، ووقرناهم وحررنا جانبهم وأكرمنا مثواهم، وحشيناهم من كل بها يغيض بقدرهم، وأسقطنا عنهم كل مغرم أو تكليف، وسلكناهم مسالك آبائهم وأجدادهم وأسلافهم من قبلهم، وأنعمنا عليهم بمزيد أثرة، وكريم حظوة على ذلك، حيث هم بحمد الله من أولاد هذا الولى العارف المذكور، ومن خيار أهل حضرتنا العلية بالله، ومن لباب اللباب بها ومن أعيانها ومن ذوى الحسب والمروءة والأصالة منها. ولا سيما وفيهم ومنهم النشأة الطيبة والنخبة الزكية الجامع لأشتات خصال الفضل والمجد حامل راية الإقراء، وخاتمة الحفاظ والقراء، الفقيه الصدر العالم العامل السنى أبو عبد الله السيد محمد بن عبد الرحمن بصرى وابن عمه الأحظى الأجل، الأنوه الفقيه النبيه الأمثل، السيد أحمد بن محمد، فما عندنا أعز منه ومنهم، فنحن منه وهو منا وفينا وإلينا، ومحسوب على الله وعلينا، والعلم والدين والسنة معه تجمعنا، والجهل مع البدعة لغيره يفرقنا والعلم والخلافة إخوان. وما هو لدينا في نفوسنا الكريمة إلا من أعيان العصر؛ وأعوان النصر؛ والقلوب تتجازى فلا يقرب أحد ساحته وساحة أهله وبنى عمه وأقاربه بما يسوءهم أو يضرهم في نفوسهم أو يشوشهم على أسبابهم ومعاشهم أو أمر من أمور دنياهم في هذا الأوان، ولا فيما يأتى من الأزمان، ما تعاقب الجديدان، واختلف الملوان، وعلى الدوام، وما توالت السنون والأعوام، من غير منازع، ولا معارض ولا مدافع فيما قابلناهم به وحملناهم عليه واختصصناهم به وأردناه لهم وآثرناهم به

عن سواهم، لأننا جربنا الناس وبلوناهم فألفيناهم ليسوا كغيرهم، وكفى بشهادة الناس فيهم والناس شهداء الله في أرضه، وما علمنا في جملة أولاد سيدي بصرى إلا خيرًا وصلاحًا، ونجدة ومروءة وفلاحا، وكيف يجهل قدرهم أو لا تراعى حرمتهم ولا نؤثرهم على من عداهم. فنعهد بمسطورنا الكريم أعزه الله لكل من وقف عليه من أولادنا أو ولاة أمرنا وقوادنا ووصفاننا أن يعتقد فيهم معتقدنا، وأن ينهج فيهم منهجنا حسب الواقف عليه العمل بمقتضاه، ولا يحيد عن كريم مذهبه ولا يتعداه، صدر به أمرنا المعتز بالله والسلام بتاريخ ربيع النبوى عام اثنى عشر ومائة وألف". وكان المترجم مع ذلك بارعًا في فنون العربية والتصريف كاتبا بليغا شاعرا مجيدا فقيها محققا فصيح اللسان في الخطبة والتلاوة كثير التواضع ثاقب الذهن كريم الأخلاق حسن اللقاء أمه السيدة آمنة بنت أبى سرحان مسعود بن محمد ولى الله محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بصرى وأمها السيدة عائشة من حفدة سيدى على منون وأم أبيه السيدة عائشة بنت الفقيه السيد العربى المرينى من ذرية ابن الحنفية. مشيخته: أخذ القراءات السبع على شيخى التجويد أبى زيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد القادر الرايس وأبى الحسن على بن أحمد بن جارية القصرى وأجازاه في القراءات وسلم له جماعة من أئمة عصره ما في الإجازتين، ومن شيوخه أبو عبد الله محمد بن أحمد القسمطينى وأبو العباس أحمد بن العربي بن الحاج وأبى عبد الله محمد بن عبد القادر الفاسى وأبو مدين السوسى وبردلة وغيرهم. الآخذون عنه: أخذ عنه من أهل مكناسة والطارئين عليها خلق كثير لا يحصى منهم عبد الوهاب ابن الشيخ وأبو عبد الله محمد العربي بصرى صاحب منحة الجبار.

مؤلفاته: له شرح على مختصر خليل بلغ فيه إلى الزكاة واخترمته المنية ومنظومة في إمالة أبى عمرو ابن العلاء وأخرى أفرد فيها رواية ابن عامر الشامى تسمى المنار السامى. شعره: من ذلك قوله في منظومة الإمالة: يقول عبد ربه محمد ... عرف بالبصرى ربى أحمد ثم الصلاة والسلام السرمدى ... على النبي المجتبى محمد وبعد فالقصد بذا النظام ... ذكر إمالة الرضى الإمام أعنى أبا عمر والزكي بن العلا ... من لاح بالبصرة بدرًا كملا وقوله في نظم رواية الشامى: قال محمد بن بصرى وقد ... نوى افتتاحا باسم ربنا الصمد مصليا على الرسول المجتبى ... وآله وتابعيه النجبا وبعد فالقصد بذا النظام ... بيان مقرأ الإمام الشامى ولما أوقف عليه شيخه أبا مدين سماه له بيت رجز بالمنار السامى: هذا واسميه المنار السامى ... لمبتغ نهج الإمام الشامى ومن شعره قوله: ظعنت وفى نفسى من البين لوعة ... ونار اشتياقى في الضلوع كما هيا وجئت بجسم فارغ من فؤاده ... وربى عليم أين حل فؤاديا لعمرى لقد خلفته رهن ما اشتهى ... بأيدى أناس يحسنون التقاضيا وددت ولم أيئس من إدراكى المنا ... لو أن إله العرش حل عقاليا

238 - محمد بن محمد الكاتب القيسى الأندلسى نجارا، الفاسى منشأ ودارا وقرارا

فجاورتهم عمرى ومتعت أعينى ... بطلعتهم في غدوتى ومسائيا فيا أهل فاس خلصوا من نواكم ... وأم حماكم مستهامًا وباكيا أليس بعار أن ينيخ ببابكم ... بأشجانه عبد فيرجع خاسيا وما شرف الضرغام إلا ببطشه ... ولا الهندوانى غيران كان ماضيا وقولوا لمن في أسرنا قد تنافسوا ... فإما يمنوا أو يحوزوا فؤاديا ألم يكفهم أن قدار أقوام دم امرئ ... خديم الهدى دأبا ولو كان عاصيا ألم يغلبوا في عالم الله كله ... سواى ولم يلفوا ضعيفا ورائيا سمعت بأن خافوا على حرارتى ... بلى قصدهم منى عقوقى إلاهيا على أن لى فيمن قصدت كفاية ... وعهدي بهم والله أسدا ضواريا وكيف وقد وجهت نحو محمد ... إمام الهدى شكوى تهد الرواسيا وفاته: توفى في ثامن محرم فاتح عام أربعة وعشرين ومائة وألف بعد أن ألبس البلايا دهرا كما رأيت من شعره ألخ. 238 - محمد بن محمد الكاتب القيسى الأندلسى نجارًا، الفاسى منشأ ودارا وقرارا. حاله: فقيه، نبيه، أمين وجيه نزيه، كان سيدنا الجد المولى إسماعيل برد الله ثراه، جعل له النظر العام والأمانة الكاملة في البناءات السلطانية على اختلاف أنواعها وأجناسها، وله النظر العام في كافة الأحباس الموقوفة على مساجد الحضرة، العلية بالله المكناسية، وكانت له لديه خطوة ومكانة وثقة كاملة به بلغت به أن جعله أمينا على داره العلية، وناظرا على سائر أحباس إيالته الشريفة.

239 - محمد المدعو حم بن عبد الوهاب الوزير الغسانى الأندلسى الأصل الفاسى الدار والوفاة المكناسى الوظيف

وقفت على تحليته في بعض العقود بما نصه: من له النظر العام والأمانة الكاملة في أمر البناءات كلها السلطانية على اختلاف أنواعها وأجناسها بداره العلية حرس الله رفيع أعتابها، وصان من طوارق الحدثان على أبوابها، ناصح خدمته السلطانية، في السريرة والعلانية، وهو الطالب محمد بن الثقة الخير أهل كتاب الله المحب لآل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي بعضها بما لفظه: الناظر الأفلح، الأشهر الأنجح، الفقيه النزيه الأريب النبيه، أمين الدار العالية بالله وناظر سائر أحباس الإيالة الشريفة أبو عبد الله السيد محمد بن محمد الكاتب" بتاريخ خمسة عشر ومائة وألف. 239 - محمد المدعو حم بن عبد الوهاب الوزير الغسانى الأندلسى الأصل الفاسى الدار والوفاة المكناسى الوظيف. حاله: فقيه علامة مشارك متقن، كاتب بارع، يكتب كما يراد منه، انتهت إليه رياسة صنعة الترسيل، ولم يعزر في عصره بتمثيل، استكتبه سيدنا الجد السلطان مولانا إسماعيل وكانت له لديه جلالة ومكانة يوحى إليه المكاتيب العديدة في مواضع مختلفة للعمال وغيرهم من ذوى الحيثيات، فيذهب لمنزله ويكتب جميع ما أملى عليه مخدومه، وينزل في مخاطباته كلا منزلته من غير زيادة ولا نقصان في أيسر وقت مع إيجاز، وحسن عبارة كادت أن تبلغ حد الإعجاز، وذلك مما زاد السلطان به ابتهاجا، وكانت له سرعة في نسخ الكتب لم تعرف لغيره، وقد رشحه مخدومه للسفارة لبلاد الأندلس لفكاك أسرى المسلمين، واستخراج ما بقى من الكتب الإسلامية بالمشاهد المهجورة هناك. مؤلفاته: منها رحلته الموسومة برحلة الوزير، في افتكاك الأسير، شرح بها ما شاهده في سفارته المذكورة من العجائب والغرائب. ¬

_ 239 - من مصادر ترجمته: التقاط الدرر - ص 297.

240 - محمد فتحا بن مولانا الجد الأعظم أمير المؤمنين مولانا إسماعيل

وفاته: توفى عام تسعة عشر ومائة وألف. 240 - محمد فتحا بن مولانا الجد الأعظم أمير المؤمنين مولانا إسماعيل. حاله: جهبذ نحرير، ناقد بصير، ديباجة الدنيا وبهجتها، عالم علامة، بارع مطلع، متضلع نقاد، ذو ملكة واسعة، وعارضة عريضة، وذهن وقاد، له مشاركة تامة، ومهارة كاملة في النحو والبيان والمنطق والكلام والأصول. قال في الشجرة الزكية في حق المترجم: أدرك درجة الاجتهاد، فأداه اجتهاده إلى أن خرج عن طاعة والده انتهى. وكان والده يحبه محبة شديدة لما رأى عليه من مخايل النجابة وتوقد الذهن والتيقظ والمقدرة في الحل والإبرام والنصح له وإخباره بما تخفيه عنه الوزراء والكتاب وأولو الأمر، حتى صار عيبة سره ومحل مشورته، دون سائر إخوته، يسارره ويعمل برأيه في المهمات، ويثنى عليه بالصدق والأمانة ورجاحة العقل، وينوه بقدره بمحضر ولاته ووزرائه وكتابه، فكرهه لذلك غير واحد من الوزراء فمن دونهم، فشمروا على ساق لإفساد ذات البين بينه وبين أبيه والسعى في التفرقة بينهما، فزينوا لوالده ولايته. فاتفق أن وقع اختلاف بين درعة ونواحيها واحتاجوا إلى تولية واحد من أبناء السلطان يكون له عقل راجح، فاغتنم أعداؤه الساعون في ابتعاده عنهم، فأسروا للسلطان أنه لا يصلح لهذا المهم إلا ولدك المولى محمد العالم، فإنه يحسن التدبير مع القريب والبعيد والأخرق، ولا يصدر منه إلا ما فيه مصلحة وسداد، ولم يزالوا يحسنون له ويجيدون توليته إلى أن ولاه بدرعة فحصلوا أمنيتهم في إبعاده عنهم من إحصائه الأنفاس عليهم. ¬

_ 240 - من مصادر ترجمته: نشر المثانى في الموسوعة 5/ 1910.

ثم إن والده لما رأى ما أظهره المترجم في محل مأموريته درعة من العدل والإنصاف ومحبة أهلها له لفضله وهديه وسيرته فيهم سيرة حسنة، وعلا صيته وانتشر في الآفاق نقله منها وولاه على مراكش وما والاها، فأقام سنة العدل ونشر الأمن والطمأنينة، وسار على ما نهجه الشرع الكريم، فسعد الناس بولايته وأشرب حبه في قلوب الخاصة والعامة وراد اشتهارا، وبعد صيت، فحسده أضداده من خاصة والده على ما آتاه الله من فضله. فدسوا لوالده ما أوغر صدره عليه مما هو برئ منه، فعزله عن مراكش، وترك أهلها يبكون، وأهمله مدة مع الفحص والتنقير عما اختلقه الحسدة وألصقوا به حتى ثبتت لديه براءته، فولاه عام أحد عشر ومائة وألف على تارودانت ونواحيها، ورتب معه ثلاثة آلاف من الخيل وفوض له فيها التفويض التام، وقام بمأموريته فيها أحسن قيام، إلى أن صدر منه ما كان في الكتاب مسطورًا. وكان المترجم كثير المخالطة والمجالسة للعلماء، يفدون إليه من كل صوب، وكانوا يقاسون معه الشدائد لذكائه وشدة فطنته مخافة الافتضاح معه في قصور فهم أو نقل كما أفاده أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد القادر الفاسى في المورد الهنى. وكان من أخص خاصته الشيخ أبو عبد الله المسناوي، فوشى به إلى السلطان، وقيل له مع شدة اتصاله به لا يعيب عليه عزمه على القيام على أبيه فهو موافق على ذلك، فبادر بعض أصحاب السلطان إلى الاعتذار عن الشيخ لأنه كان ينهاه عن إرادة القيام وأنشد للمسناوى: مهلا فإن لكل شئ غاية ... والدهر يعكس حيلة المحتال (¬1) ¬

_ (¬1) نشر المثانى في الموسوعة 5/ 1912.

فالبدر ليس يلوح ساطع نوره ... والشمس باهرة السنا في الحال فإذا توارت بالحجاب فعند ذا ... يبدو بدو تعزز وجمال فقبل السلطان ذلك وتحقق براءته، وكان ينفعل للشعر ويتأثر بأريحية الأدب، استخلفه والده بفاس مدة. وفى سنة أربع عشرة ومائة وألف بعث سيدنا الجد الأكبر السلطان الأعظم مولانا إسماعيل ولده المولى الشريف واليا على درعة فثار المترجم ببلاد السوس ودعا لنفسه وزحف لمراكش فحاصرها في رمضان من السنة المذكورة، وفى العشرين من شوال اقتحهما عنوة. ولما اتصل خبره بأبيه بعث ولده سيدنا الجد المولى زيدان في العساكر لقتاله، فقدم مراكش ودخلها في أمن واطمئنان، وذلك سادس عشر ذى الحجة عام خمسة عشر ومائة وألف، فوجد المترجم قد بارحها وعاد إلى تازودانت فدخلها غرة المحرم عام ستة عشر على ما صححه في الدر المنتخب المستحسن، وجمع عليه العرب والبربر، وعظم أمره واشتدت شوكته، ولما احتل مولانا الجد مراكش عاثت عساكره فيها، ثم تبع أخاه محمد إلى السوس فنزل على تارودانت، وكان بطلا شهما مقداما، وشبت الحرب بينهما ودامت ثلاثة أعوام على ما قاله بعضهم. والذى في الدار المنتخب أن مدة الحصار ستة أشهر وستة عشر يومًا من غير اعتبار يوم الدخول، لأنه كان غلسا قبل الإسفار، وقيل مدة الحصار سبعة أشهر وثلاثة عشر يوما، وقيل غير ذلك والله أعلم. وأول يوم التقى فيه الجمعان وشب القتال رابع عشر جمادى الأولى عام سبعة عشر ومائة وألف، وكان نزول مولانا الجد زيدان على تارودانت وحصاره إياها لثلاث خلون من رجب أحد شهور العام المذكور، وكان فتحه إياها تاسع

عشر المحرم عام ثمانية عشر، وقيل في سادس عشر صفر وقيل خامس عشر الشهر المذكور. ولما علم المولى محمد بدخول البلد خرج فارا لناحية الجبل، فاقتفى أثره في الحين وأتى به لأخيه زيدان، فلما وقع بصره عليه حن له وقام إليه وعانقه وبكى وهون عليه الأمر، وقال له: لا ترى إن شاء الله إلا الخير، ثم سلمه لمن يذهب به لأبيه، ووكل بحفظه من وثق به وأوصى بصيانته ورعايته والإحسان إليه والبرور به، وكتب كتابا لوالده يخبره بيوم خروجه من تارودانت قاصدا حضرته المكناسية. ولما بلغ الخبر مولانا إسماعيل وذلك في الحادى والعشرين من صفر عام ستة عشر ومائة وألف، خرج بجيوشه ونزل على وادي بهت لينظر في أمره، ولم يخرج معه أحد من الوزراء والكتاب لاستعجاله الخروج، ووصل لوادي بهت يوم الثلاثاء ثالث ربيع النبوى عام ثمانية عشر، فخيم به وشاور بعض من كان في معيته من العلماء ممن كان يبغض باطنًا صاحب الترجمة فأغراه وأظهر له المصلحة في إقامة الحد عليه، وتلا {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ... (33)} [سورة المائدة: آية 33] فصدر الأمر بذلك، وعلل بعضهم ذلك بأن السلطان كان اشتد به الجوع حيث إن خروجه كان على غير أهبة ظانا أنه يلقى المترجم على مقربة من البلد، فطال به السير إلى وادي بهت فكان ذلك مما زاد في غضبه. انتهى. ومن الغد وهو رابع ربيع الأول وصل الولى محمد مقبوضا عليه مقيدًا إلى وادي بهت، فبعث السلطان من قطع يده ورجله من خلاف. والذى في كناشة اليحمدى أن المولى إسماعيل كان خروجه لوادي بهت في الثالث من ربيع الأول. وفى هذه القضية قال بعض الأدباء:

ويوم (وى) من صفر سنة (حى) ... رودانة لم يبق فيها العشر حى ودخلت بالسيف يوم الجمعة ... ولم يفد صاحبها ما جمعه ويوم رابع ربيع الأول ... جئ بنجل الملك المفضل أعنى محمدًا مكبلًا على ... بغلته بوادي بهت أنزلا وقطعت يمناه من خلاف ... ورجله بسبب الخلاف وفى إقامة هذا السلطان الجليل المقدار الحد الشرعى على فلذة كبده وعضده وساعده دلالة واضحة في وقوفه لدى حد ما حده الشرع الأقداس، لا يراعى في ذلك قاصيا ولا دانيا، شأن أهل العدل والإنصاف، وبعد أن وقع ما كان في الكتاب مسطورًا أمر السلطان بحمل المترجم لمكناسة وملازمة الأطباء له فعالجوه بما قدروا عليه، مع قطعهم بأنه لا ينفع فيه دواء، لأنه اعتراه إسهال كبدى لانصراف مادة الأعضاء المقطوعة إليه، ولم يجزع المترجم لما أصابه بل كان في غاية الثبات والرضا والتسليم. أما والده فقد عظم حجابه، وقل طلابه، وأظهر ما كان أخفاه في باطنه من الحزن على قتل ولده، وأساء السيرة مع الذى أشار بذلك من قريه وبعيده، وصار يطلب ما يسليه، ويطالع كتب التاريخ والأمور التي تزيل ما في ضميره من الغم الذى فيه، وكتب ظهيرًا لبعض أهل مكناس نص المراد منه بعد الحمدلة والصلاة: "كتابنا هذا أسماه الله وأعز أمره، وأطلع في سماء المعالى شمسه وبدره، بيد حامله المتمسك بالله ثم به الأمين الحسن بن محمد بوستى المتطبب والحجام، حرفة يتعرف بحول الله وقوته أننا وقرناه واحترمناه لثقتنا به وله علينا جميل في احترامه لولدنا مولاى محمد رحمه الله حين أمرناه بقطع يده، فتنصل من ذلك وأبى إباية شهدت بديانته واحترامه الأشراف من آل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلذلك جعلناه داره حرما لمن يجئ إليه. هـ بتاريخ سادس عشر ربيع الأول شهر الموت كما بالدر المنتخب المستحسن.

وقد كان المترجم محبا في العلماء، مكرما ومعظما جانبهم، محبوبا مبجلا لديهم، يمدحونه ويثنون عليه، فمن مديحهم فيه قول علامة شنجيط وأديبها المفوه النحرير عبد الله بن محمد العلوى المعروف بابن رازكة بكاف معقودة كما في الوسيط من قصيدة: أثار الهوى سجع الحمام المغرد ... وأرقنى الطيف الذى لم أطرد ومسرى نسيم من اكيناف حائل ... وبرق سقى هاميه برقة ثهمد وذكر التي بالقلب خيم حبها ... وألبسنى قهرا علالة مكمد فبت أقاسى ليلة نابغية ... تعرفنى هم السليم المسهد طويلة أذيال الدجا دب نجمها ... إلى الغرب مشى الحائر المتردد ويزعج وراد الكرى دون مقلتي ... بعوث غرام من لدن أم معبد بنفسى عرقوبية الوعد ما نوت ... وإن حلفت قط الوفاء بموعد ترد إلى دين الصبابة والصبا ... فؤاد الحليم الراهب المتعبد وتقصد في قتل الأحبة قربة ... بشرعة ديان الهوى المتأكد فتاة حكاها فرقد الجو منظرا ... كما ناسبتها نظرة أم فرقد مهفهفة الكشحين لم يدر طرفها ... من الكحل الخلقى ما كحل أثمد إذا ما تثنت واسبكر قوامها ... علمت بأن البان لم يتأود وخاطب قاضى شرعة الشكل (¬1) ردفها ... إذا ما أقام العطف منها بأقعد غضوب أرتها نخوة في عظامها ... أن الوصم وصل العاشق المتودد ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "الشكل بالكسر والفتح غنج المرأة ودلها وغزلها".

على نحوها تأبى الخليل تانفا ... وشحا برشف من لماها المبرد إذا ما ترضاه تسامت بأنفها ... صدودا وسامتني تجرع جلمد وأحرق صدرى ما زها فوق نحرها ... وأشرق من جمر الغضا المتوقد سبتنى فقبلت الثرى متخلصا ... أمام امتدح ابن الشريف (محمد) هو الوارث الفضل النبيئى خالصا ... من العلم والعليا ومن طيب محتد ثمال اليتامى والأيامى موكل ... بتفريج غماء الشجى المتنكد غيور إذا ما الحق غير مولع ... بقطع لسان الباطلى اليلندد (¬1) أديب أريب لين الجنب هين ... ولكن متى عادى فأى مشدد إذا كشفت عن ساقها الحرب والتظت ... وسلوت صدوق الملتقى بالمفند سقى الرمح من نحر العدو -فديته- ... وقام بحق المشرفى المهند أغر المحيا ظاهر البشر طاهر الـ ... سجايا كريم اليوم والأمس والغد جزيل الندا ما أف في وجه حاجة ... ولا كف حاشى جوده كف مجتدى كلا الدين والدنيا به ازدان وازدهى ... وأمن شر المبطل المتمرد فريد العلا يقوى لرقة طبعه ... عن الجمع بين النار والماء في يد حميد المساعى سار في الرتب العلا ... من المجد سير الفائق المتفرد تساعله في ذاك نفس نفيسة ... تعد الثريا للفتى غير مصعد دأبت على السير المبرح والسرى ... أجوب الفيافى فدفدا لعد فدفد مهامه للسارين فيها توقع ... لأهوال أغوال طواغيت مرد ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "اليلندد معناه شديد الخصومة والجدال".

يطير لما يبدينه من تلون ... شعاعا فؤاد الضابط المتجلد إلى حضرة سنية حسنية ... منيرة آلاء (¬1) الهدى المتصعد حوت شرف العلم الرفيع عماده ... إلى شرف البيت الكريم المصمد فما تم الاثم فضل ولا استوى ... سوى ما نحلت من كمال وسؤدد وبحر ندى ما للفرات انسجامه ... ودجلة لا تحكيه فسحة مورد فأعتاد منه ما تعودت من يدى ... أبيه أمير المؤمنين المؤيد هما والد ما توج الملك مثله ... ومولود صدق بالمكارم مرتدى عظيمان معنيان بالدين وحده ... فأعطتهما الدنيا سلالة مقود فلا برحا بدرين عم سناهما ... وبحرين لا يعدوهما قصد مجتدى أمكنه من بكر شعر خريدة ... نتيجة فكر سلسل الطبع جيد عروب عروس الزى أندلسية ... من الأدب الغض الذى روضه ندى من اللائى يستصبين مينحن (¬2) عنوة ... ويعهدن في الحراق أطيب معهد ويسلبن معقول ابن زيدون غبطة ... بأسلوب ما يسقين من خمر صرخد مهذبة يستملح الذهن سرها ... ويستعذب استرسالها ذوق منشد ترقت لما فارقت وراقت تبرجا ... على معتلى برج البديع المشيد وجانستها لفظا ومعنى كما اكتست ... نقى (¬3) السيراء (¬4) البضة (¬5) المتجرد ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "الآلاء النعم". (¬2) في هامش المطبوع: "بضم النون على الحكاية صالح مشهور". (¬3) في هامش المطبوع: "بكسر الياء وعدم إظهار النصب في مثله سائغ". (¬4) في هامش المطبوع: "يطلق على الذهب الخالص وعلى البرد". (¬5) في هامش المطبوع: "الرخصة الجسد الرقيقة الجلد الممتلئة".

وقيدت فيها عزلة لا ينالها ... سوابق فكر السابق المتصيد واودعتها مما ابتدعت خلاصة ... يبادرها بالمدح ألسن حسد تمنى العذارى لو تقلدن سمطها ... مكان عقود الزبرج المزبرجد وزخرفتها في معرض المدح روضة ... لتسقى بوبل من نداه مسرمد روى أنفا زان الندى صفحاتها ... قلدها أسلاك در منضد أرت من رياحين الثناء أنيقها ... ومن زهر الأدب ما لم يخضد هدية من كسرى وقيصر عنده ... من النزر في ذاك المقام المحمدى تخادع وإن كنت اللبيب لبهرجى ... ولا تنتقد يا سيدى وابن سيدى يمينا بما أولاك مولاك من علا ... وعز حلى فاتت بنان المعدد لطابقت وسم الفاطمى وسمته ... فأهلا وسهلا بالإمام المجدد تهنأ على رغم الحسود وذله ... لذاك الكمال الصرف واسعد وأسعد وأبجح وأهلك وأملك الأرض كلها ... فأنت ولى العهد واغور وانجد وشرق وغرب فالبلاد مشوقة ... بما سوف تحبى واشكر الله واحمد وقوله: دع العيس والبيداء تذرعها شطحا ... وسمها بحور الآل تسبحها سبحا ولا ترعها إلا الذميل فطالما ... رعت ناضر القيصوم والشيخ والطلحا ولا تصغ للناهين فيما نويته ... وخف حيث يخفى الغش من يظهر النصحا فكن قمرا يفرى (¬1) الدجا كل ليلة ... ولا تك كالقمرى (¬2) يستعذب (¬3) الصدحا (¬4) ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "يقطع". (¬2) في هامش المطبوع: "ضرب من الحمام". (¬3) في هامش المطبوع: "يستحلى". (¬4) في هامش المطبوع: "رفع الصوت بالغناء".

وقارض (¬1) هموم النفس بالسير والسرى ... على ثقة بالله في نيلك الربحا وأم بساط ابن الشريف محمد ... مبيد العدا ذكرا ومبدى الهدى صبحا فتى يسع الدنيا كما هى صدره ... فأمسى به صدر الديانة مندحا (¬2) ومن هديه ساوى النهار وليله ... فأمسى ينير الخافقين كما أضحى ومن هو غيث أخضل الأرض روضه ... فلا يظمأ الآوى إليه ولا يضحى (¬3) وليث بحق الله لم يبق رعبه ... عواءً لكلب الترهات (¬4) ولا نبحا هزبر عدا في شرعة الرمح والعدا ... غدوا بقرا يستعمل النحر والذبحا أمير ملوك الكفر أضحوا لسيفه ... كما تبتغى الذبح في عيدها الأضحى تزيد على الفاقات فيضات كفه ... فيغرق في التيار من يأمل النضحا فأى منى لم ترو منها فإن تكن ... فمحرومة أن تبرد الظمأ (¬5) البرحا فلا ترم التشبيه فيه فقد جرى ... مع الظاهر المدنى إلى السكر الملحا سعى فسعوا للمكرمات فأقصروا ... ولم يرض حتى استكمل الكرم الفحا (¬6) وفلق فيهم بيضة المجد قاسم ... فناولهم قيضا (¬7) وناوله المحا (¬8) ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "راوح". (¬2) في هامش المطبوع: "متسعا". (¬3) في هامش المطبوع: "يبرز الشمس". (¬4) في هامش المطبوع: "الأباطيل". (¬5) في هامش المطبوع: "الشدة". (¬6) في هامش المطبوع: "الخالص". (¬7) في هامش المطبوع: "أى قشر". (¬8) في هامش المطبوع: "صفار البيض".

فتى يستقل البحر جود بنانه ... على حالة استكثار حاتم الرشحا مساعيه في الخطيب الجليل يرومه ... كآمال من يرجوه يستصحب النجحا صفاة كدر البحر صفوا ولجه ... حسابا فمن يأتي على مائه نزحا وآيات علم أغمد الجهل نورها ... وغايات جد ليس تطلابها مزحا ورأى يريه اليوم ما في حشا غد ... ويكشف عنه من دجى ليله جنحا وحزم يهز الراسيات ثباته ... وعزم يحاكى الزند ماضيه (¬1) قدحا وكف ترى وكف الحيا كيف ينهمى ... إلى خلق يرى نسيم الصبا النفحا وبشر محيل علم الصبح ما السنا ... وقبض أرى النار التأجج واللفحا وتأليفه أشتات كل فضيلة ... ومكرمة غراء تعجزنا شرحا كفانا اتخاذ الفال في القصد يمنه ... فلسنا نخط الرمل أو نضرب القدحا مهيب مخوف بطشه تحت حلمه ... عفو يرى إلا عن الباطل الصفحا فهل كان معزوا إلى الحلم قبله ... نعم أو كريم يدعى عيره سمحا فأقدم حتى فارق الجبن صافر (¬2) ... وجاد إلى أن عاف مادر (¬3) الشحا ولم تذعن الأعداء محض مودة ... إليه ولكن إنما كرهوا القرحا رأوا ضيغما يعطى الحروب حقوقها ... وإن تضع الأوزار يبرم لها صلحا ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "يخرج إظهار الرفع على قول جرير: وعرق الفرزدق شر العروق ... خبيث الثرى كأبى الأزند". (¬2) في هامش المطبوع: "طائر يضرب به المثل في الجبن وقيل الجبان مطلقا". (¬3) في هامش المطبوع: "رجل يضرب به المثل في البخل".

ويستغرق الأوقات في الجد كلها ... ولا يهب التلعاب (¬1) ما يسع اللمحا مواصلة حبل الجهاد جياده ... ووقفا على غزو العدا عدوها ضبحا (¬2) معاديه معطى بالحياة منية ... وبالجنة الأخرى وبالسندس المسحا أيا ابن أمير المؤمنين وسيفه ... وصمصامه أن يرفع الضرب والنطحا تشابهه خلقا وخلقا فسامه ... إلى الفلك الأعلى فإنك لا تلحا تهندست العليا فأحرزت جسمها ... لا حرازك النقطات والخط والسطحا فكم من حديث كان يسند للندى ... ولكنه لولا نوالك ما صحا فأعطيتنى الأعيان والعين والكسا ... وبيض الظبا والنوق والخيل والطلحا فلا زلت للإسلام عيدا منغصا ... تنغص حسناه السعانين (¬3) والفصحا أبوك لحكم الشرع ولاك عهده ... فلم تلق كدا للسؤال ولا كدحا وأعطاكه إذ ليس غيرك أهله ... وللعقل نور ميز الحسن والقبحا كفى دره فخرا تحليك سمطه ... ومنعكه تلك المعرة والقدحا فأهدى إليك الدهر بلقيس ملكه ... وأبدى لك الكرسى والعرش والصرحا وولاك رب العرش ملك بقاعها ... وأصحبك التمكين والنصر والفتحا إليك بها يا كعبة المجد كاعبا ... من الشعر لا يسطاع أركانها مسحا إذا شهدت زكى الأعادى حديثها ... وإن أثخنت عنا قلوبهم جرحًا ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "اللعب". (¬2) في هامش المطبوع: "نوع من العدو وهو نائب عن مصدر عدت -وفيه اقتباس من قوله تعالى: والعاديات ضبحا". (¬3) في هامش المطبوع: "السعانين بالسين والعين. والفصح عيدان للنصارى".

أكلفها فرض المحال أداءها ... لشكر ندى لا ينتهى مزنه سحا فخذها ابنة الحاء التي الحمد مبتدأ ... لها وبها خلاقها كمل المدحا هذا وأبيك الشعر. وقول شيخه العلامة خاتمة المحققين سيدى محمد بن أحمد المسناوى حين فتح المترجم حصن السوسى التمنارى من بلاد سوس. فجر سعدك لاح شمس نهار ... وفخارك ليس فيه ممارى ومعاليك أنجدت وأغارت ... وتلى آى ذكرها كل قارى ووفود التهانى نحوك جاءت ... مهديات عرائس الأفكار ورياح المنى بنصرك هبت ... سائقات له على أقدار مؤذنات لكم بأسنى فتوح ... وبراعة ذلك التمنارى طالما رامه سواكم فولى ... آيسا منه بعد طول حصار وهو يسخر بالجميع ويهزا ... ويدليهم بحبل اغترار وبدا منه إذ رآك ارتياع ... أظلمت منه سبله في النهار شام بارق نصركم فتدلى ... وأتى خاضعا بحكم اضطرار موقنا أن للإله اعتناء ... بكم بشهادة الأبصار فاهن واسلم وقر عينا بما لم ... يؤته أحد من الأنظار وتحس أفواق عيش هنى ... واقتطف زهر روضه المعطار واجرر الذيل في مغانى سعود ... واركبن متن رفعة وفخار واسق دوح النعيم منك بشكر ... إن سقى الرياض نجح الثمار

وأدر عنه جوائح الدهر بالصنـ ... ـع الجميل فإنه خير دارى وأضف شرف الخلال إلى ما ... حزت من شرف الجدود الخيار واسم بالنفس لاقتفاء هداهم ... إنه المجد لا احتساء عقار دمت يا كعبة الوفود مطافا ... لبنى الدهر عالى المقدار وعليك من المحب سلام ... فائح كنوافح الأزهار ما تجلت بأفق مجد علاكم ... وغدت طرز حلة الأشعار وقوله أيضًا في الفتح المذكور: بشراك يا تاج الكرام فقد غدت ... أيام سعدك وهي في إقبال وغدت رياح النصر تخدم مجدكم ... وتؤمكم في الحل والترحال وشدت بزاهر روضكم طير الهنا ... بموشحات البشر والأزجال ورياض أشتات المنى قد أثمرت ... أدواحهن بمبتغى الآمال واتتك وافدة الفتوح مجيبة ... لنداك طائعة على استعجال ولطالما اعتاصت على من رامها ... من قبلكم من سائر الأقيال حتى غدت كالأبلق الفرد الذى ... ضربوا به مثلا من الأمثال هذا وكم من مطلب أعيا النهى ... قد نلته بسهولة في الحال فالسعد أنى سرت فهو مقدم ... واليمن صار لكم محط رحال والنصر مقرون برايتك التي ... تكسو العدو ملابس البلبال فاشكر لمن أولاك ما يشجى العدا ... ويعيدهم في أسوأ الأحوال واعرف ومثلك لا يعرف قدر ما ... أوتيته من رفعة وجلال

واختر لها ما لا يشين جمالها ... من سيرة وشمائل وخلال فطراز ديباج الخلافة مذهبا ... ومرصعا وأبيك حسن معال واشرب كئوس الفخر صافية على ... غيظ الحسود ورغم أنف القال واسحب ذيول العز في روض الهنا ... فالدهر دان لكم أخا إذلال وأصخ إلى سجع القريض فإنه ... يحدو الكريم إلى اقتناء معال لا زلت في أوج الخلافة راقيا ... حتى تهنأ فيه باستقلال وعليك من صافى الوداد تحية ... تغشاك بالبكرات والآصال ما غردت ورق فهاجت شجو من ... قد صار مثلي نازح الأطلال وقول شيخه أبى مروان عبد الملك بن محمد التجموعتى قاضى تافيلالت مجيبًا له: ولولاك ما راجعت عصمة طالق ... ثلاثا ولكنى إلى الله تائب أبنت بنات الفكر واخترت بعدها ... من العلم ما يروى البراء بن عازب إلى غير هذا مما يطول، وليس لغايته وصول. مشيخته: أخذ عن الشيخ محمد بن أحمد بن المسناوى الدلائى المتوفى بعد زوال يوم السبت سادس عشر شوال عام ستة وثلاثين ومائة وألف، وقاضى سجلماسة أبى مروان عبد الملك التجموعتى المتوفى بتافيلالت عام ثمانين ومائة وألف، والمولى عبد السلام القادرى المتوفى صبيحة يوم الجمعة ثالث عشر ربيع الأول عام عشرة ومائة وألف، وقدر رمز لوفاته ابن عمه أبو العباس أحمد بن عبد القادري بقوله: (يشق) على الأقوام موت إمامهم ... كعبد السلام القادرى المبجل

والرمز المشار إليه في قوله يشق الياء عشرة، والشين ألف، والقاف مائة، والحافظ أبى عبد الله محمد بن أحمد القسمطينى المعروف بالكماد المتوفى عام ستة عشر ومائة وألف، والسيد أحمد بن العربي بن الحاج السلمى المرداسى قاضى فاس الجديد المولود سنة اثنين وأربعين وألف، المتوفى سنة تسع ومائة وألف وأجاز له، وأحمد الولالى وأجاز له أيضًا، وأبى عثمان سعيد العميرى وغيرهم من فحول أئمة عصره. ونص إجازة الولالى له: حمدًا لمن جعل الاستمساك بأسباب ضروب العلوم وسيلة للمفاز، وبلغ بفتوح الرواية والدراية من تشرق بالتهمم بطلبهما إلى كنه حقيقة المجدون المجاز، طالبا فصولها إلى فصل الخطاب في إدراكها الإطلاق من غير تخيل مانع يكون منه الاحتزاز، وشرف بشرف التأهل بمعانيها، من كشف له الغطاء عن بديع مبانيها، وشرح بدقائق أفكار الحكماء صدر من نطقت بالاستجابة وانكشف عن حانها وحوانها، ونشر أعلام المجد على رأس من انتخب شراب زلال صفيها في زلال عيونها، ومنازل شهودها وعيانها، والصلاة والسلام على أصدق من أخبر عنه الرواة، وأعلم من أسند بتسلسل الأخذ عنه العلماء الهداة، الذى من بحر نوره فاضت العلوم وتخبرت الأخبار، ومن بركة طلعته طلعت أنجم السعود حتى سعد مقتفوه من العارفين الأبرار، سيدنا محمد أجله الله أن يدرك العارفون حقائقه، وحكم على خلقه أن لا يكون كل منهم إلا تابعه لا لاحقه، ولا سابقه، صلى الله عليه وعلى الله وصحابته الذين هم في الإسناد أرفع الأسانيد وهم في الاقتداء أكبر الأساتيذ. وبعد، فيقول العبد الكثير الذنوب أحمد بن محمد بن يعقوب إن من المنن التي تجب أن تشكر، والمواهب الربانية التي يحق لها أن لا تنسى أبدا على الدوام تذكر، تعاطى العلوم مع من هو أهل لدرايتها، وإيصال متونها لمن هو جدير بحفظها والقيام بروايتها، وإن من أجل من لقيناه في هذا المعنى، وكبر لبيب قام ببنائها على هذا المبنى، العالم العلم، وركن المجادة المستلم، فرع الدولة الهاشمية

الأنضر وأرفع من يرى من أشراف الأوان وينظر، نجل الخليفة الإمام، وابن السلطان الهمام، مولاى محمد بن مولاى إسماعيل خلد الله تعالى مجد الأصل والفرع، ونصب على كل سرادق عز الأمر والمنع، فقد تعاطينا معه علوما سبعة وهى البديع والبيان والمعانى وأصول الفروع وأصول الدين وقواعد التصوف وعلم المنطق، والجمع عن بلوغ ما فيه ينطق. أما الثلاث الأول فقرأنا المشتمل عليها وناهيك به وهو تلخيص المفتاح، وأما الأصلان والتصوف فقرأنا عليها كتاب السبكى الذى جمع من ذلك ما كلت عن الإحاطة به المطولات والشراح، وأما المنطق فقرأنا فيه كتاب الشيخ السنوسى وكفى به شرفا فلجريانه في كتب المنطق مجرى الياقوتة المفردة في عقود الملاح، قرأنا تلك الكتب من أولها إلى آخرها حرفا حرفا، قراءة تحقيق المسائل وتدقيق المعانى صنفا صنفا. فوجدناه أدام الله توفيقه في إدراكها بديع زمانها وفى دراستها والقيام بقياساتها وأدلتها حنيفى رأيها في أوانها، ما عدم تثبتا في مداركها، ولا تتبعا لنهاية حقائقها في مسالكها، بل وسعها بفضل الله تعالى علما، وأحاط بها مدى الدهر فهما، فانشالت به من غير تربص فتلقتها بالوسع بصيرته، وانقاد له صعبها فأخذت بقلادتها سريرته، ثم إن من تواضعه الذى له شيمة في الأصل، وتهممه بمعالى الأمور الذى هو له طبع واستحق به كمال الوصل، أن إشار إلى بالإجازة في تلك العلوم وفى غيرها قضاء بحق الإنصاف، وكان الحق أن يجيز لا أن يجاز، لولا ما فيه من مكارم الأخلاق وشيم الأشراف. فلم أجد بدا من الامتثال، ولا سبيل فيما أشار إليه من الإهمال، لما ألبسنى هذا التاج، وطوقنى ما لست أهله لما في من الاعوجاج، وبضاعتي من العلم مزجاة، ولكن لابد من إجابة الطالب لما يترجاه، لا سيما إن كان من أهل الفضل

والشرف والعلم والصلاح والدين والجاه، وممن يحصل منهم في غد النجاء، إذ هو من الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء، ولا تزال تزيد مدى الأيام سموا ونماء فامتثال الأمر واجب، وكل واحد في هذا الجناب العظيم راغب، وللتعلق بأذياله طالب. فقلت مقالة صدق ووفا، لست أهلا لان أجاز فضلا عن أن أجيز لاسيما من حاز في تحقيق العلوم شرفا، أجزت هذا العالم الشهير، الذى يعجز اللسان عن أوصافه المحمودة فلا يمكنه عنها تعبير، إجازة مطلقة عامة فيما قرأته، وعن الأئمة رويته، من العلوم العقلية والنقلية، وسائر العلوم القريبة والنائية، لعلمى أن الفنون كلها صارت تحت ظله، وبلغ والده أمير المؤمنين فيه ما أمله على الشرط المقرر عند أهل الأثر، ورواه غير واحد من أصحاب الخبر، من إخلاص النيات، وتنقية الطويات لمن لا تخفى عليه السرائر، ويعلم سبحانه الباطن والظاهر، وأن يتقى الله في سره ونجواه، ويتوكل في الأمور كلها على مولاه، {واتقوا الله ويعلمكم الله}، والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين، قال سيد الخلق أجمعين وأفضل العالمين، من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم، وأن يقول لا أدرى حيث يشكل عليه الأمر، ولا تأخذه أبهة العلم ولا نخوة الملك في السر والجهر، فإن العلم مناف لذلك، واتباع السنة المحمدية طريقة المجذوب والسالك، والذى يحيد عنها يوقع نفسه في المهالك، أدام الله عز والدك ونصره، وتوجه بتاج السعادة سره وجهره، وأمدك وإياه بتوفيق مولاه، ورزقك رضاه، والمطلوب منك أن لا تنسانا من دعواتك، في خلواتك وجلواتك، فإن دعاء الغيب مستجاب لاسيما إن كان من أهل الفضل والدين والعلم والشرف من ذوى الألباب. هـ. مؤلفاته: منها حاشية على التسهيل كما صرح بذلك صاحب درة السلوك. شعره: من ذلك قوله مرحبا بصديقه الحميم السيد عبد الله بن محمد العلوى الشنجيطى صاحب القصيدتين الطنانتين في مدحه في إحدى قدماته على والده السلطان المولى إسماعيل:

مكناسة الزيتون فخرا أصبحت ... تزهو وترفل في ملاء أخضر فرحا بعبد الله نجل محمد ... قاضى القضاة ومن ذؤابة مغفر وقوله مخاطبا شيخه القسمطينى المذكور أيام خلافته بسوس الأقصى ومتشوقا إلى فاس كما في اقتطاف الأزهار، من حدائق الأفكار، وغيره: ألا ليت شعرى هل أنزه ناظرى ... وللنفس أقبال بوادى الجواهر أمتع طرفى في رياض أنيقة ... وأقطف أزهارا بها كالزواهر بحيث نرى أسد العرين صريعة ... وقد فتكت فيها ظباء المقاصر وحيث نرى غلب الحدائق سلسلت ... حديثا صحيحا عن نسيم الأزاهر وقد نسجت كف النسيم عشية ... دروع مياه بين تلك النواعر وأصبحت الأطيار فوق غصونها ... فصاحا تقص فوق خضر المنابر سقى الله أدواحا بفاس عهدتها ... تغازل أنواء الغيوث المواطر ولا برحت عين تراها قريرة ... وإن قذفت بالقلب جمرة حائر لك الله من إلف بدرعة جسمه ... وقلب بفاس في قدامة طائر تراوحه الأشواق في كل ليلة ... فما بين مزور هواه وزائر ولو أنه يعطى على قدر قدره ... لكان له ما بين بسر وباسر فمن مبلغ عنى رسالة شيق ... إلى عالم الأعلام صدر الأكابر إلى العالم النحرير والحجة التي ... روى فضلها غير السراة الجماهر إلى شيخنا الأسمى السمى محمد ... أحملها هوج الرياح العواطر أحملها مر النسيم تحية ... إلى الماجد الأرضى الكريم العناصر

وأقطعها الود الصميم وإن نأت ... به الدار عن بحر من العلم زاخر فلله ما يشكو الفؤاد من النوى ... ولله ما تطوى بطون الدفاتر إذا ما ذكرت العهد واشتقت للقا ... جعلت فؤادي بين أضلع صابر فيا دوحة العلم التي عم عرفها ... جميع البرايا بين باد وحاضر ويا سيدًا حملته كل وارد ... سلامى وقد حملته كل صادر ويا كوكبا قد حل في أفق الهدى ... فألقى سناه في عيون المئاثر ألست الذى إن عز في العلم مشكل ... تلقاه فهم منك في زى باتر ألست الذى ترتاح كل عويصة ... إلى ذهنه من بين ناه وآمر حنانيك هاض القلب سهم ابن مقلة ... فأدمى فهل تروى حديث ابن جابر عليك سلام الله ما هاج شيقا ... بريق وما لاح الصباح لناظر فأجابه شيخه الممدوح بقوله: خليلى عج بالركب من أمن عامر ... وعرج على كثبان نجد وحاجر وسل واكفات الدمع فوق محاجرى ... أثار الغضا في القلب أم أُم جابر إلى أن قال: ديار بها روحى وروحى وراحتى ... وقلبى وريحان الفؤاد وناظرى سليل أمير المؤمنين وعلقه ... محمد محمود لسجايا العواطر إلى أن قال: ولا عيب فيه غير أنه حازم ... وحامى الذمار ملجأ للقواسر وعالم أهل البيت فخر سراتهم ... وتاج وسيف الدين عند التشاجر

وقاعدة التحصيل أنك فاضل ... إمام همام مركز للدوائر وقد كانت الأيام تجمع شملنا ... فهل عودة للوصل يا خير شاكر إلى أن قال: عليك من الرحمن صوب تحية ... مبشرة بالوصل من أم عامر وقوله مخاطبا لأخيه جدنا مولاى زيدان أيام حروبه معه: أبلغ الزيدان عنى آية ... بسيوف العدل تشفى ذا الغلل كم لنا يا ابن العلا من وقعة ... كان منا الفضل فيها لو عدل حصحص الحق ولاحت شمسه ... وزمان الغى ولى وانخذل ولواء النصر خفاق ولم ... يبق إلا الجد قولا وعمل وكتب له أخوه مولاى الشريف صدر كتاب بعثه إليه قول سيف الدولة ابن حمدان يخاطب أخاه الناصر: رضيت لك العليا وإن كنت أهلها ... وقلت لهم بينى وبين أخى فرق (¬1) أما كنت ترضى أن أكون مصليا ... إذا كنت أرضى أن يكون لك السبق فاقترح المولى محمد على شيخه المسناوى أن يجيبه فقال على لسانه: بلى قد رضيت أن تكون مصليا ... ويتلو نداكم في العلا من له السبق وما لى لا أرضى لك المجد كله ... وأنت شقيق النفس إن عرف الحق ولكن ذوو الضغن انتحوا ذات بيننا ... فغادرهم إفسادهم وبهم رنق (¬2) ¬

_ (¬1) نشر المثانى في الموسوعة 5/ 1912. (¬2) في هامش المطبوع: "بسكون النون كدر".

نثره: من ذلك ما كتب به لوزير والده اليحمدى الطائر الصيت وقد بلغه أنه بالغ في الثناء عليه لوالده وفند أقاويل وشاته، لفظه: حيا الله تعالى بمنه مقام ركن الدولة الإسماعيلية وسميرها، ومنتقى هاتيك الحضرة السامية ووزيرها، مطلع أنوارها، ومعدن أسرارها. فوالله ما اجتبى لتلك المثابة العالية العلوية حتى كان لها أهلا، وما قرر بذلك البساط المؤيد بالله جهلا، فكم عجمت قبله من عود، فألقته وأبت إليه أن تعود، فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، صاحب القلم العالى والقدم الذى رسخت أنامله على هام المعالى، أبى العباس اليحمدى هذا ولا زائد سوى تأكيد ود صفا مشربه، وطاب أعذبه، وعهد برز الصفاء ميثاقه، وشد بحبل الوفاء وثاقه، لا يبلى منه الجديد، ولا يتألم منه الوريد، وإعلامك بأن بعض محبيك كاتبنا بجميع ما قلته فينا، وما صدر منك إلينا من الصنائع والإحسان، فقد أحسنت أبا العباس ولم يتقدم لك منا إحسان، وقمت في نصرتنا مقاما لم يقم معك فيه إنسان، فلا أنسى لك يوم الفقهاء تنويهك بقدرنا، وإعظامك لأمرنا، ومن قبل كنا بحقك جاهلين وعن قدرك ذاهلين. والآن تبين الحق، وحصحص الصدق، واتضح الصارم من الحسام، والصيب من الجهام، فكم لنا هنالك من خالص وده، ومحفوظ عهده، فما قام أحد منهم مقامك، ولا أرشق سهامك، ولا دافع دفاعك، ولا نازع نزاعك، فسترى إن وسع الله علينا نتيجة تلك المقالات، وثمرة تلك المدافعات، فوالله ما نطلب التوسعة إلا لمكافأة أمثالك، ومجازات أشكالك، فدم على ذلك أدام الله سيادتك، وأبقى بمنه مجادتك، وأبقاك لنا في ذلك المحل ركنا نستند إليه، وعمادا نعتمد عليه. والسلام وفى الخامس والعشرين من شعبان المبارك سنة خمسة ومائة وألف، محمد ابن أمير المؤمنين إسماعيل بن الشريف لطف الله به.

وفاته: توفى بمكناسة ليلة الأحد خامس عشر وعليه اقتصر الوزير اليحمدى في المجلد الرابع من كناشته، وقيل ثامن عشر ربيع الأول عام ستة عشر ومائة وألف، واإى ذلك أشار بعض الأدباء بقوله: وقد قضى نحبه سادس عشر ... من شهره ومالك قبل انتشر من رأسه لفرجه شطرين ... بقدر ما تجود السطرين والأمر لله العلى وحده ... يذل من شاء ويحمى جنده وفى منحة الجبار: أنه توفى سادس عشر ربيع الأول سنة ثمان عشرة، قيل دفن بسيدي بوزكرى، والذى ذكره الحافظ الأستاذ أبو عبد الله محمد بن عبد الله الأغزاوى الإبراهيمى أنه مدفون بضريح سيدى عمرو الحصيني، وأن السلطان مولاى عبد الرحمن أوقفه على قبره، وأراه إياه خارج القبة عن يسار الخارج منها. وقال بعض الأئمة الأعيان: إنه زار السيد عمرو الحصيني، هذا مع بعض أولاد السلطان مولانا سليمان فأوقفه على القبر الذى ذكر مولاى عبد الرحمن وأنه مشهور عند الخاص والعام. هـ. قال في الدر المنتخب: وهذا هو الذى جزم به الوزير اليحمدى في المجلد الرابع من كناشته وبه ينتفي كل ريب ووهم فإنه أدرى وأوثق وأضبط. وكان الذى تولى الصلاة عليه بوصية من المترجم -كما أوصى بدفنه بمقبرة عامة المسلمين وأن لا يبنى عليه فنفذت وصيته رحمه الله حكاه حسبما صرح بذلك الوزير المذكور في المجلد المذكور- هو القاضى أبو عبد الله، وأبو حامد العربي بن أحمد بردلة المتوفى بفاس يوم الاثنين خامس عشر رجب سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف، فنقم عليه بعضهم وأوغر عليه قلب السلطان وقال: إنه يبغضك ولولا شدة بغضه ما سارع إلى الصلاة على عدوك الذى قام عليك، وأراد نزع الملك منك، فكتب السلطان إلى القاضى يهدده ويوبخه فأجابه بما نصه:

"الحمد لله الجواب: قد ورد تقييد من الجناب العالى أدام الله أيامه، ونصر أعلامه، وسد بهيبته يأجوج الفتن، وأبقاه لإظهار واضح الهدى والسنن، يتضمن ذلك التقييد التقبيح لما صدر من أمر الصلاة الموصى بها واستعظام أمر ذلك: إذ كان بغير إذن من الجناب العالى نصره الله، وأنه في عداد الافتيات، وأقول معتذرا عن نفسى ومجيبا عنها بتقرير ما كان وحكاية ما صدر أن ذلك، لم يكن من غير إذن، وإنما كان بإذن جاءنا من قبل الدار العلية بلغ مبلغ الشهرة وخرج من طريق الشك، وكان أمرا مقررا، وحديثا شائعا مكررا، ثم مع هذا لم أذهب لمحل إلا بقائد يقودنى ومترجم ينسب الأمر إلى الجناب العالى ولم أفعل فعلا صلاة أو غيرها إلا مدفوعا إليها ومجذوبا نحوها وكالمجبور عليها، وإذا كان كذلك فلا لوم من جهة عدم الإذن لأن من تلقى ذلك وسمعه وجاءه الأمر به وكان حاله على ما وصف لا يسمى مفتاتا ولا منزلا منزلته، هذا لو فرض أن لا إذن من الجناب العالي بالكلية. فالواجب في حقنا والمناسب لحالنا ولسائر رعية مولانا نصره الله، هو القيام بذلك والسعى والمبالغة فيه إجلالا وإعظاما لجناب مولانا نصره الله، وإذا كان المقصود تعظيم جنابه فلا ينصت إلا لما هو من قبيلة، وسالكا على سبيله، لأن ما هو من قبيل الإجلال والتعظيم واجب أن يعامل به ولا يعذر مثلنا في عدم القيام به، وقد قال مولانا علي كرم الله وجهه لما كتب في قضية صلح الحديبية: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله أهل مكة، فقال المشركون لو علمنا أنك رسول الله ما صددناك ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: والله إنى لرسول الله وابن عبد الله، امح يا علي رسول الله، فقال سيدنا علي: والله لا أمحو رسول الله أبدا تعظيما لجانب النبي وترجيحًا لإجلاله وإعظامه على امتثال أمره، لأن المقام تعارض فيه وجوب امتثال أمره بالمحو ووجوب الإجلال والتعظيم لمقامه، فرجح جانب التعظيم والإجلال، على جانب امتثال الأمر.

وهذا شاهد جلى لمسألتنا لو فرضنا وقوع النهى وعدم الإذن، مع أنه لم يكن نهى واشتهر بدله الإذن فتعين ما فعلنا من جهة ما سمعنا من الإذن ومن جهة ما هو متعين من الإجلال والتعظيم لمولانا نصره الله، إذ كان من قيم بحقه ممن يمت إليه بل مريب القرابة، ثم من جلى الإذن ما كان منه نصره الله صبيحة وقوع الموت مما كان شائعا وسمعه من حضر، وأسمعونا إياه من أمر مولانا نصره الله له بالقيام بأمر التجهيز والتشييع، وفى الأُبي شارح مسلم أن الحسن البصرى لما ليم على صلاته على الحجاج، قال: كرهت أن أستعظم ذنب الحجاج في جانب عفوه. وفى الخازن مختصر تفسير البغوى ما نصه على قوله تعالى: {... لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} [سورة: المائدة: آية 33] هذا الوعيد في حق الكفار الذين نزلت الآية فيهم، فأما من أجرى حكم الآية على المحاربين من المسلمين فينفى العذاب العظيم عنهم في الآخرة، لأن المسلم إذا عوقب بجنايته في الدنيا كانت عقوبته كفارة له، وإن لم يعاقب في الدنيا كان في خطر المشيئة، إن شاء الله عذبه في الآخرة بجنايته ثم يدخله الجنة، وإن شاء عفا عنه وأدخله الجنة. هذا مذهب أهل السنة بحروفه. وفى كتاب الإيمان من البخارى ما نصه: حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهرى، قال: أخبرنى أبو إدريس عائذ الله بن عبد الله، عن عبادة بن الصامت، وكان شهد بدار وهو أحد النقباء ليلة العقبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال، وحوله عصابة من أصحابه: بايعونى على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم، وأرجلكم ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب في الدنيا فهو كفارة ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه. فبايعناه على ذلك.

241 - محمد بن الفقيه البركة أبى القاسم عليلش الحضرمى القرشى البكرى الصديقى التيمى

هذا ما تيسر من الاعتذار، والله يديم عز مولانا ويخلده، ويديم الملك فيه وفى عقبه الأكرمين ويؤيده، والسلام من العربي بن أحمد كان الله له". 241 - محمد بن الفقيه البركة أبى القاسم عليلش الحضرمى القرشى البكرى الصديقى التيمى. كذا وصف في عقد عتيق. حاله: فقيه جليل عالم علامة، دراكة فهامة، متفنن متقن مشارك، حارم ضابط قوال للحق، جامع ما افترق في غيره من المحامد، عدل رضى، تقى نقى، حيى أريحى، خير دين فاضل كامل، موثق ماهر، فرضى عارف، تولى النيابة عن القاضى في الأحكام، واختص بقلم وثائق البياطرة والقوابل النظار بالدويرية بحومة الأسبوع بقبلة المسجد الأعظم محل سكنى شيخنا السيد محمد فتحا بن أحمد السوسى الآن. وقفت على رسم مشهود له فيه بنحو ما وصفناه به أنه المستحق لما رشح له من المناصب العلية، والوظائف السنية، من جم غفير من أعيان صدور معاصريه من أئمة العلم والدين، وفضلاء العدول المبرزين، يبلغ عدد عدوله ستين وعلمائه أربعين، منهم سعيد بن قاسم العميرى، وأحمد بن ناجى، وعبد الجليل بن عبد السلام القباب، وأحمد بن محمد دادوش، ومحمد الشطيبى الزروالى، ومحمد بن أحمد بن سودة، ومحمد بن أحمد الكوهن، ومحمد بن محمد الحلفاوى، ومحمد بن الحسن بن إدريس الغمارى، ومحمد بن عبد الرحمن الحريشى، والكبير بن محمد حجيج، ومحمد بن الحاج بن إبراهيم وذلك بتاريخ ثمانية عشر ومائة وألف.

242 - محمد بن أبى مدين بن الحسين بن إبراهيم السوسى المنبهى

242 - محمد بن أبى مدين بن الحسين بن إبراهيم السوسى المنبهى. الزيادى الأصل المكناسى الدار والإقبار، قاضيها بل قاضى القضاة بالمغرب أبو عبد الله شهر بأبى مدين. حاله: محدث متفنن ناظم ناثر نحرير الزمان، ونخبة الأعيان، علامة جليل إمام في المعقول والمنقول، وعلم الأبدان والأديان، مرجوع إليه في النوازل والفتيا والأحكام، موثق بارع، موثوق بفتواه وحكمه، ملحوظ بعين الإجلال والاعتبار بين معاصريه لفضله ومتانة دينه، مقتدر على الترسيل، فصيح بليغ سيال القلم، خطيب مصقع بل أخطب أهل زمانه. ومن براعته أنه خطب بسيدنا الجد السلطان مولانا إسماعيل في موسم عيد اجتمع فيه جمع عظيم وجم غفير من أعيان المغرب وسراة وجوهه، ولما تعرض لذكر السلطان في الخطبة الثانية على العادة المعروفة ورى باسمه فقال: لو رآه والده الجليل، في هذا الجمع الحفيل، لقال: الحمد لله الذى وهب لى على الكبر إسماعيل، فأعجب به وخلع عليه وهو من جيد التورية التي يقل من يهتدى لها في مثل هذا. وفى أواسط شوال عام ثمانية وثمانين وألف أخر عن القضاء وولى مكانه أحمد بن سعيد المجيلدى، ثم أعيد بعد لخطبته، فقد وقفت على عدة خطابات له بعد التأخير وتسجيلات من ذلك رسم مسجل عليه بتاريخ أواخر جمادى الأولى عام ستة عشر ومائة وألف محلى فيه بما لفظه: الفقيه الأجل، العالم العلامة الأكمل، المدرس البركة الحافظ الحجة الخطيب البليغ المحدث الراوية قاضى الجماعة بمكناس ومفتى الأنام بها. ¬

_ 242 - من مصادر ترجمته: التقاط الدرر - ص 303.

مشيخته: منهم أبو على الحسن اليوسى وهو عمدته وغيره من فحول عصره. الآخذون عنه: منهم أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الواحد بصرى، أخذ عنه شرحه على المسلم، وقرأ عليه مختصر السنوسى والمحلى والسعد وغير ذلك، وابن عاشر الحافى السلوى حضر مجلسه في صحيح البخارى، وأبو نصر عبد الوهاب العرائشى، وأبو محمد عبد الوهاب بن أحمد بن محمد بصرى. مؤلفاته: له شرح على منظومة الأخضرى في المنطق المعنونة بالسلم المرونق، أبدع وأودع فيه من التحقيق الدال على مهارته الكاملة ما شاء. قال في منحة الجبار: وله في الأصلين معا أبحاث وتحقيقات، وفوائد وتدقيقات، وله الخطيب التي لم يسبق بمثلها، التي يقف فحول الأدباء عند حدها. نظمه: من ذلك قوله مداعبا لرجل يدعى سينو من أهل تطوان كما بكناشة العلامة الأقعد أديب الثغر الرباطى السيد محمد بن التهامي بن عمرو: تبارك الملك تحمينا وياسين ... من شر ما نتقيه منك يا (سين) بالأمس يشكوك إسحاق وجيرته ... واليوم بها هى تشكوك المواسين تألف اسمك من ضدين وانتقضا ... نعم لا وهو بمعنى قولنا (سى) (¬1) (نو) نثره: من ذلك ما كتب به للسلطان المظفر سيدنا الجد مولانا إسماعيل: "مولانا الذى لألأت الأكوان غرر شيمه الطاهرة ومفاخره، وملأت الأذان والأذهان درر خيمه البهية الباهرة ومآثره، واستطال نجاد الدين بملازمة حضه على إقامة ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "يشعر بأن له معرفة باللغة الفرنجية فإن معنى (سى) عندهم نعم و (نو) لا. انتهى مؤلف.

منائره الرائقة ومنابره، ظل الآنام، وكهف الإسلام، ملاذ الخاص والعام، مقيم فخر أمة جده عليه الصلاة والسلام، أبقى الله مجد بيته العتيق، تأوى إليه الأعيان خاضعة من كل فج عميق. السلام التام، على شريف البساط وعلى المقام، والرحمة والبركة ما أدار رائد فلكه، وأنام ثاقب فلكه، هذا وليعلم مولانا، المقيم لشعائر الشرائع المحمدية قواعد وأركانا، أن مملوك نعمك، وغريق بحر جودك وكرمك، قد والله ملئت أردان قلبه شوقًا، وجرت به أفراس التشوق إلى مشاهدة الطلعة العلية طلقا، فلا والذي بعث جدك بالحق، وأقامك مقامه في إقامة الشرائع وسياسة الخلق، ما قطعت بك الصافنات الجياد سبسبا أو وهادا، إلا وسوابق الأرواح بين يدي جحافل مولانا تتهادى، ولا نفحت قواصف أو لمحت هواجر، إلا والعيون من فرط الإشفاق، من معاناة مولانا المشاق الشواق، للذيذ كراها هواجر. لكن إذا ارتاد المشفق فكره، وبصر بأن الله سبحانه قد ضاعف لخلفاء العدل مثوبته وأجره، حيث جعل سبحانه هاطل المنافع والمصالح من عنان عدلهم يسح وابله وطله، وناهيك بما أتحفهم من مطارف المجازات إذ جعلهم أشرف الأصناف السبعة الذين يظلهم بظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، فعند ذلك تعم بالحبيب باله، واضمحل لاعج الإشفاق وبلباله، وانقشعت مزن الأتراح والمواجد، وأفترت بواسم الأفراخ حتى أبدت النواجذ. ويكفى في الباب، قول صفوة الأنبياء ولباب اللباب: لعمل الإمام العادل في رعيته يوما واحدا أفضل من عبادة العابد في بيته مائة سنة كما في حديث أبى هريرة، ولا غرو كما قال الأئمة في أن الأجور باعتبار المشاق، ومقاساة الأمور الشواق، ولذلك كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أزكى الناس مناصب، وأعلاهم مراتب، وقد استحثتني بواعث اشتياقى، واستنجدتنى للقدوم عزائم

243 - محمد بن عبد الرحمن بن محمد فتحا

أشواقى، حتى أشاهد أنوار هاتيك الأخلاق الزكية، وأنتشق من أزهارها الذكية، فأشير على من مملوك مولانا بما حاصله أن تقدم الاستئذان على الوفادة، من أجل ما يتحلى به أدب المرء من السنن المستفادة. ثم مع ذلك فالجوارح ناطقة بشكر ما لمولانا من جزيل الأيادى، والجوانح معترفة بعظيم نعمه التي عمت الحواضر والبوادى، والرعية معتكفة على حب أميرها، لاهجة بجميل الذكر على لسان صغيرها وكبيرها، والخصب ببركة مولانا قد أغنى وأقنى رفده، وجاد على الأعجم والناطق بما ملكت يده. وهذه الحضرة المشرفة بعناية مولانا إذ جعلها من ذماره، واصطفاها لقربه وجواره، وشنفها من بديع الفراديس ورفيع القباب، ما لو رآه الإسكندر الأكبر لاعترف بأنه العجب العجاب، قد حليت من المحاسن بمنتهاها، أسعدها الإسعاف بنيل أرفع مشتهاها، والعلوم قد تدفقت بها أنهارها، وتفتقت على أوج التحصيل أزهارها، والأكف مرتفعة لمولانا بصالح الأدعية، والألسنة معربة بما لمولانا من عظيم الحق في المجالس والأندية، إذ هو حفظه الله رفع للعلم مناره، وبوأه قراره، وأحيا معالمه الدواثر، وألزم نصره الله نشر ما حوته الدفاتر، فله المنة بدءا وعودا وجميل الثناء والشكر على ما أولى وأسدى". وفاته: توفى بمكناسة الزيتون زوال يوم الجمعة ثامن أو سابع شوال عام عشرين ومائة وألف عن أربع وثمانين فيم قيل، ودفن عند العصر بضريح ولى الله المولى عبد الله بن حمد خارج باب البرادعيين أحد أبواب المدينة، وقبره هناك مشهور. 243 - محمد بن عبد الرحمن بن محمد فتحا. الفاسى لقبا، الشاوى المعزاوى أصلا، المكناسى نشأة ودارا وقرارا.

حاله: ميقاتى فاضل معدل، حيسوبى ماهر، انتهت إليه رياسة التوقيت والتعديل وما يتعلق بذلك في زمانه، مع سمت حسن، ودين متين، فقيه أديب، لبيب زكى ذكى، كاتب بارع، ذو أخلاق مرضية، وأفعال سنية سنية، نزيه وجيه حيى أريحى مهذب، له اليد الطولى في الإنشاء والترسيل بديع الخط، رحل لفاس. ولازم فطاحل جلة أعلام مشايخها حتى فتحت له النجابة بابها وأدخلته المهارة حجابها، فرجع لمسقط رأسه مملوء الجراب آية في الفهم والإدراك لا يجارى ولا يبارى، فتولى رياسة التوقيت بالمسجد الأعظم بالحضرة المكناسية قبل وفاة والده إمام الفن المرجوع إليه فيه على عهد سيدنا الجد السلطان مولانا إسماعيل قدس الله روحه، وكانت توليته الوظيف المذكور عام ثمانية وعشرين ومائة وألف، وكان السلطان المذكور يجله ويبجله، وقفت على ظهير بإسناد الوظيف المذكور إليه ودونك نصه: "الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، عن أمر عبد الله المتوكل على الله، المفوض جميع أمره إلى مولاه أمير المؤمنين، المجاهد في سبيل رب العالمين، الشريف الحسنى إسماعيل بن الشريف الحسنى الله وليه أيد الله بعزيز نصره أوامره، وظفر جنوده وعساكره، وخلد في الصالحات مآثره. يستقر بعون الله تعالى هذا الظهير المبارك بيد حامله المتمسك بالله ثم به الفقيه الوجيه، المعزاوى النزيه، الموقت المعدل السيد محمد بن عبد الرحمن الفاسى لقبا المكناسى دارا الشاوى أصلا، يتعرف منه أننا حيث ثبت لدينا بتعريف من وثقنا بتعريفه الإمامة والعدالة والمعرفة والتوقيت وأحكامه وآلاته، وليناه خطة التوقيت بالمستودع من الجامع الكبير من حضرتنا العالية بالله، ومباشرة آلة التوقيت ليلا ونهارا، مواظبا على ذلك، ملازما لمحله وشغله منقطعا إليه دون معارض له ولا

منازع وأذنا له في قبض ما هو حبس على التوقيت بالمحل المذكور من الرباع وبلاد الحرث وغير ذلك. وكذلك أذنا له ووليناه الأذان في الصومعة وإقامة الصلاة ورواية الحديث الكريم على الكرسى يوم الجمعة موقرا محترما في جميع أحواله، وكذلك وقرنا والده الخير الدين السيد عبد الرحمن المذكور وأولاده العربى ومحمد توقيرا تاما لانتسابهم لهذا الوظيف الدينى وخدمة بيت الله الذى هو أشرف البيوت وأرفعها، والواقف على هذا المسطور الكريم يعمل به ولابد والسلام، وكتب في التاسع والعشرين من ذى الحجة الحرام مكمل ثمانية وعشرين ومائة وألف". فانظر اعتناء واعتبار أسلافنا المتقين، لإقامة شعائر الدين، واحتياطهم جهدهم وطاقتهم في انتخاب من يرشحونه للقيام بذلك وبسطهم يد التصرف في الأوقاف المعينة لذلك الوظيف وقوفا مع ألفاظ المحبس التي يجب اتباعها شرعا وتحرم مخالفتها لتنزيله منزلة ألفاظ الشارع. مشيخته: أخذ عن سيدى محمد بن عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسى، وسيدى العربي بن عبد السلام بن إبراهيم الدكالى وسيدى محمد بن أحمد بن الحاج وسيدى العربي بن عبد السلام الفاسى، والسيد عبد الواحد بن محمد بن هارون، أجازه عامة في الفنون التوقيتية والتعديلية وما ينضم إليها الأول والرابع والخامس، وشهد له بالمهارة والاستحقاق غيرهم. ودونك نصوص ما كتبوه له على الترتيب ومن خطوطهم نقلت، كما ذلك إثر تقريره الإجازة منهم وسيمر بك بحول الله: الحمد لله، ما قاله الشاب الأرضى الأزكى الأحظى، الفقيه الأديب الفاهم اللبيب، أبو عبد الله المذكور صحيح وقد أجزته في ذلك وغيره من التآليف

التوقيتية والآلات الفلكية، والله سبحانه يوفقنا وإياه، لما يحبه ويرضاه، بمنه وكرمه، نسأل من المجار المذكور ألا ينسانى من صالح دعائه. وكتب عبيد الله وخديم أوليائه، محمد بن عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسى الكنانى غفر الله له وستر عيبه صح في التاريخ أعلاه. هـ. الحمد لله الذى جعل في السماء بروجا وجعل الشمس سراجا والقمر نورا، وجعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، وفرض فيها للدين أوقاتا شرعية رحمة منه وبرورا، ونصب لمعرفتها دلائل أشرقت بيانا وظهورا، والصلاة والسلام على مولانا محمد المنتقى للرسالة قبل أن يكون آدم خلقا مذكورا، المبعوث لإقامة دين الحق فكان به مؤيدا منصورا، والرضى عن أصحابه الذين كان سعيهم مشكورا. هذا وقد وقفت على ما سطره أعلاه الفقيه الأجل، العالم الأفضل، المعظم المبجل الأحفل، شيخ العلوم العقلية والنقلية، والمتفنن في حقائق ودقائق صوفية وشرعية وحكمية، وفرع دوحة تدلت بالعلم أفنانها، وفرع شجرة أظلت الكرام أغصانها، وبيت كرع الأعلام من مناهله، واغترفوا من سيب تياره ونائله. شيخنا أبو عبد الله سيدى محمد بن شيخنا الإمام، الأوحد الهمام، البحر الذى طما تياره، واستوى في البلاغة نظامه ونثاره، محلى أجياد المعانى بمنتقى جواهره، ومورق أفنان البلاغة بمونق أزهاره، الذى درس العلوم وألفها، وقرط المسامع بحلى فوائده وشنفها، ونظم درر الفصاحة في أسلاكها، وضم درارى الأدب في أفلاكها، وحاك ديباج البراءة وفوف، وقوم أود البيان وثقف، أبو زيد سيدنا ومولانا عبد الرحمن نجل الفضلاء الأعلام، أئمة الهدى ومصابيح الظلام، السادات الفاسيون دارا لقبا، الكنانيون أصلا ومنتسبا، أفاض الله تعالى علينا من بركتهم، وحشرنا في زمرتهم آمين.

من إجازته للشاب الفقيه النبيه الأزكى الأحظى الموقت الأديب الزكى المرتضى سيدى محمد بن الفقيه المؤقت العفيف النزيه الخير ذى الأخلاق الزكية، والأحوال المرضية، سيدى عبد الرحمن الفاسى لقبا المكناسى دارا وقرارا في التآليف التوقيتية والآلات الفلكية، فإنه لجدير بأن يجار في ذلك، وأحق بأن يؤذن له في سلوك تلك المسالك، لحذاقته ونبله، وقوة إدراكه، وصفاء مرآة ذهنه وعقله، وولوعه بحصول هذا الفن وتحصيله وعكوفه على طلبه بكرة الزمان وأصيله. وأخذه عن ذويه وخصوصا ما أحرز وحازه عن الشيخ العارف أعلاه فإنه القدوة في ذلك المشهور، وعلم الفلك في هذا العصر عليه مقصور، وهو قطبه الذى عليه يدور، فقد صادفت إجازته صوب الصواب، وكشفت عن وجوه الحق اللئام والنقاب، سيما وهو قد انتصب بالفعل لمباشرة الأوقات، بالحساب والآلات، ومارس أدوارها الفلكية بالأدراج والساعات، وظهرت في ذلك نجابته، وتحققت فيه موافقته للصواب وإصابته، وصدق فيه مقاله، وصح فيه حسابه وأعماله، في ليله ويومه، وصحوه وغيمه، منذ مدة مديدة وأزمان، وليس الخبر كالعيان، والله تعالى يوفقه ويمده بمدده، ويعينه على ما هو بصدده، وكتب الفقير إلى رحمة مولاه الكريم محمد العربي بن عبد السلام بن إبراهيم الدكالى كان الله له وليا وبه حفيا آمين. انتهى. الحمد لله المجاز المذكور، بما هو مكتتب ومسطور، أولا وآخرا حرى بحلاه، وما نظم ورقم أعلاه، إلى ما جمعه من لآلئ ويواقيت، وصار به فذا في المواقيت، نشأة سنية، وسيرة سنية، والله جل جلاله ينفعنا وإياه، ويديم رقيه وبغياه، وكتب طالبا دعاءه، وملبيا نداءه، ومتلمسا من مولاه ذى الطول، يوم الحر والهول، ظله ورداءه، محمد بن أحمد بن الحاج وفقه الله بجاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وذريته الأكرمين. انتهى.

الحمد لله وكاتبه الواضع اسمه عقب تاريخه أحق بإجازة المجاز أعلاه، لمهارته في فن التوقيت وغيره، ولا أعلم أن في بلاده أفضل منه في فنه، ولا في بلادنا هذا، وكتب عبيد الله تعالى العربي بن عبد السلام الفاسى، كان الله له وليا ونصيرا بمنه. انتهى. الحمد لله ما كتبه شيخنا الإمام، الأوحد الهمام، أدام الله الانتفاع به آمين، من إجازته للفقيه الأديب، العدل النجيب، أبى عبد الله بن الماجد الأنجد، العدل الأرضى الأسعد، سيدى عبد الرحمن الفاسى المذكور أعلاه، هو كما قال وهو عين الحق والصواب، لأن المجاز وفقه الله وأسعده ممن له في ميدان التحقيق والدراية جريان، فلا مرية أنه أهل لذلك أدام الله توفيقه، وله اليد الطولى والحمد لله في فن الحساب والتوقيت وسائر تعلقاته الفلكية، وآلاته الشعاعية، وله علم ومعرفة بفن التعديل، وقد أجزناه في ذلك كله كما أجازه شيخنا المذكور ونسأله أن لا ينسانا من دعائه الصالح، وكتب عبيد الله تعالى العياشي بن إبراهيم الخلطى الزرهونى وفقه الله بمنه آمين. انتهى الحمد لله المجاز المذكور أعلاه، الموصوف بما واصفه به قد حلاه، وهو الفقيه النجيب، الفاضل اللبيب، أبو عبد الله سيدى محمد بن الفقيه النبيه، المرابط النزيه، أبى زيد سيدى عبد الرحمن الفاسى حقيق والحمد لله بالإجازة، لما قام به من التحقيق في علم المواقيت وحازه، وقد أجزته لما سبق له من القراءة من كتب الفن، وإن كنت لست ممن سلك تلك المسالك، كما أجازه شيخنا الإمام، الأوحد الهمام، سيدنا وسندنا أبو عبد الله سيدى محمد بن شيخنا العلامة المشارك الدراكة إمام عصره، وعلامة دهره، أبى زيد سيدى عبد الرحمن الفاسى والله يوفقنا وإياه، لما فيه رضاه، بجاه نبينا ومولانا محمد وآله، وفى الحادى والعشرين من ربيع النبوى، عام ثلاثة وعشرين ومائة وألف.

وكتب عبيد ربه المعترف بذنبه الراجى عفو ربه عبد الواحد بن محمد بن هارون. انتهى. نثره: من ذلك تقرير إجارة لفظها بعد البسملة والصلاة: الحمد لله الذى رفع بعلم ما أودع من أسرار، ونفع بما نزع من قلوب المعتدين الأشرار، وأمتع لمن برع بما كشف عنه لأهله الأستار، فصاع بما أبدع مما لا تدركه العقول والأفكار، ورصع بما جمع القلوب بالسبر والمسبار، نحمده سبحانه على ما أبرز من نعمه وحجز من إثمه، وتجاوز عمن طلب الإجازة عن ذنوبه واجتزم من ظلمه، وأنعم على من أكرم بحسن الإنعام، فوفقهم لتعديل الأحكام ففازوا بالحياة والمكاسب، وحازوا بعد الانتقال حسن العواقب، فطوبى لمن صدق برسله ووعده، وتبا لمن عبد الشيطان وحكم بنده، فذلك الذى ضيع دنياه، وفاته مناه ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من أخلص عبادته وعلمه، ووحده في ملكه وشهد بأن الملوك خدمة، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذى أرسله بالهدى فيسر منهجه القويم بالموافق، وأصلح بيسارته الإصلاح الفائق، - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه الشموس المضيئة مع الأقمار، كل بنوبته في روضة الأزهار، الذين تبعوا سنة المختار في الإقبال والإدبار، ففازوا بالأصل الحقيقى والمعدل، وبعد قطرهم عن الميل الثانى والميل الأول، وفضلوا بارتفاع البصر، في أبد الدهر، وحسن النعت، بتعديل السمت، على أن سمت الارتفاع، ظله باع، ومطالع الاستوا، في أفقها استوى، فلله من طالع قوى، ولله من غارب ارتفع صاحبه فكأنه ليس في المغرب ولا هوى، فهناك تود أن المواهب عندها تكمل، وتتلألأ المراتب أبهى من الشموس في الحمل. هذا وإن للعلم ذروة يتبوأها كل ذى حجا، وهمة يتفيأ ظلالها المتفيئ في النهار وفى الدجى، وإن لذويه لخصيصة راسخة، ومراتب سنية غير رازخة، تأهل

السير إليها حتى لجا، وقد سنى الله لنا زمنا امتن فيه بالمنة التي يجب شكرها أبدا، ويستمر على مر الزمان وحقائب المدى، أن تيسر لى ما جنح إليه البال، وسنح بحسب الحال منه المئال، الذي بحضرة شيخنا الذى افتقرت الكواكب في موضع معرفتها إليه، وتنورت منيراتها قبس يديه، فأصبحت تطيب منه النفوس، وقيل أن لا عطر بعد عروس، فهو محتد الفضائل والهدى، وَمَعَشُّ الاهتدا (¬1) يبدر وإن بدا. الهمام المتفنن، والجهبذ المتقن، العلامة الدراكة البركة المشارك الفهامة النحرير، أبى عبد الله سيدى محمد بن الإمام الأكبر، العلامة الأشهر، شيخ المعقول والمنقول، الذى له اليد الطولى في الفروع والأصول، أعجوبة الدهر، ونادرة العصر، أبى زيد سيدى عبد الرحمن نجل الشيخ الإمام، القدوة العارف الهمام، شيخ الجماعة أبى محمد سيدى عبد القادر بن على الفاسى خلد الله مناقب آبائه الحميدة، وأدار فلكه في سمائه السعيدة، فهو الجامع لما تفرق من مهم المهم، والمفرق لما تجمع من أباطيل الجهل الملم، فلله دره جمعا للعلم والفضائل، وتفريقا للجهل ومنكرات الأباطل. فكم خصلة افترقت في غيره فجمعت عنده، وكم فضلة افتضلها رشحت واردها لما يكفى عن عدة، فمن ثمالته منهل المعاصر، ومن ذبالته ينبلج سنا العلم في المفاكر والمناظر، فإذا شرقت علينا بمشارقه العجيبة، ومفارقه الغريبة الرحيبة، كانت قراءته بغية الطلاب للإمام العلامة أبى عبد الله الحباك أروى فيها بمنهله المدرار وبمناجاته السقرطية ومفاكهته العبقرية يروق المنصف النحرير، ويعنى بها الألهوب (¬2) والسفسير، بجمع من الشروح، وزيادة وضوح فوضوح، ثم كتاب السيارة، فما آربه أحباره، ورسالتى الربع المجيب والكامل، إلى غير ذلك من المسائل، مما تناولته حين الاقراء إلى هلم جرا. ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "بياض بالأصل". (¬2) الألهوب: اجتهاد الفرس في عدوه حتى يثير الغبار.

244 - محمد أبو عبد لله بن محمد العكارى الرباطى

وأجازنى في ذلك مما قرأته بلفظى أو لفظ غيرى، وكل ما أورد من المسائل حين القراءة وما عرض الآن أو سوف يعرض لى منه وراءه حسب بها أخذ ذلك عن شيخه والده المذكور، المقدس المبرور، رضى الله عنهم أجمعين، ووفقنا لما يحبه ويرضاه ببركة الصالحين، وعلمنا علما ينفعنا في الدارين، وجعل تعلمنا لوجهه الكريم، ومقربا منه وموجبا للفوز بدار النعيم. وكتب العبد الفقير لمولاه، الغنى عما سواه، محمد بن عبد الرحمن بن محمد الفاسى لقبا المكناسى دارا ومنشأ وقرارا، الشاوى نسبا، ثم المعزاوى من أولاد عمارة أحد أولاد سيدى يشو بن حمدون بتاريخ أواسط ربيع النبوى الشريف عام ثلاثة وعشرين ومائة وألف. الآخذون عنه: منهم ولده عبد القادر آتى الترجمة. وفاته: توفى شهيدا تحت الردم بالزلزلة في صفر عام تسعة وستين ومائة وألف. 244 - محمد أبو عبد لله بن محمد العكارى الرباطى. حاله: فقيه علامة صوفى صالح متبرك به، انتقاه سيدنا الجد الأكبر السلطان الأعظم مولانا إسماعيل إماما للصلاة به بمسجده الأعظم داخل قشه المولوية وخطيبا به حسبما أفصح بذلك ابن أخيه أبو الحسن على العكارى فيما قرأته بخطه، وقد ألف في مناقبه حفيده أبو الحسن على بن محمد تأليفا حسنا سماه البدور الضاوية، في ذكر الشيخ وأصحابه وتلامذته وبناء الزاوية، قال في حقه ما نصه: كان الشيخ ذا مكاشفات ظاهرة، وكان يقرأ القرآن برواية السبع ويجوده ويتقنه غاية الإتقان وكان مشاركا في فنون من العلم كالقراءات والبيان والهندسة والفقه والنحو والتصوف والتوقيت والبديع والحساب والكلام والحديث والتفسير، ويتقن ضبط ذلك، ويحسن المشاركة في غير ما ذكر، دءوبا على نشر العلم، ناسكا ورعًا

زاهدًا، حافظا دراكة، متوسعا في علم التفسير ومعانى الأحاديث، قائما بالطريقة لا يخل بعلم الظاهر تدريسا، وألف تأليف عديدة تقييدا وضبطا، فنفع الله به جميع العدوتين سلا ورباط الفتح، وانتفع به الخلق من كل فج عميق بالتعليم والتربية للمريدين بقوله وفعله. وكان له همة عالية وحالة مرضية، وقلم فصيح مع التمكين والرسوخ، إذا تكلم انتقش كلامه في القلب، وإذا وعظ وضع الهناء موضع التعب، قدم من مراكش إلى سلا، واستوطنها وتعرف بأهلها واجتمع عليه أعيان البلاد، وطلبوا منه التدريس بجامعها الأعظم فامتثل وحضر درسه جماعة من أعيان علماء سلا ثم زاره الأمير العلامة الكبير مولاى عبد الواحد نجل السلطان مولانا إسماعيل، كان مستوطنا رباط الفتح بقصد قراءة العلم، واستدعى المترجم للرباط فلبى دعوته فأنزله بداره، ودرس بالولى الصالح أبى العباس أحمد بن موسى العايدى، وكان يحضر درسه علماء الرباط. ثم ورد السلطان الأعظم مولانا إسماعيل على رابط الفتح، ولما التقى به نجله المولى عبد الواحد المذكور حدثه بحال الشيخ المترجم ومناقبه وفضائله ومحاسنه، فقال له: لابد لى أن التقى معه في هذا اليوم وأخذ عنه الطريقة الشاذلية تبركا فركب السلطان وولده فوجدوا المترجم بالجامع الأعظم يسرد صحيح الإمام البخارى، وكان السارد لديه الفقيه العلامة القاضى سيدى عبد الله بنانى الأندلسى. ولما دخل السلطان صلى تحية المسجد، وجلس لاستماع الحديث والشيخ لم ينظر إليه، ولما تم الدرس نظر الشيخ إلى القاضى وقال له عظنى يا ولى الله، وتذاكروا ساعة زمانية وافترقوا، ولما رجع الشيخ إلى دار سكناه ألفي بها مالا كثيرا وجه إليه به السلطان مولاى إسماعيل هدية، فلما وجد الشيخ ذلك وجه على تلميذه الفقيه الزبدى، وقال له: خذا هذا المال وافعل به ما شئت، فتشاور مع

المريدين، فقالوا له: اشتر له دارا كبيرة تكون حذاء هذه الدار التي نجتمع فيها فاشتروا له بحومة السويقة بدرب البروزى تعرف بدار الفقيه البروزى. ولما أراد السلطان النهوض من الرباط وجه على الشيخ المترجم، وقال له: يا شيخ تقدم معنا إلى سجلماسة لتصل الرحم، ويتبرك بك أنجالى، وتؤم بنا صلاة الخمس، وتختم معنا صحيح البخارى، فإن معنا الفقهاء من فاس فإنهم أرادوا الاجتماع بك، والأخذ عنك. فقال الشيخ للسلطان: يذهب معنا خمسة من فقهاء سلا ومثلهم من الرباط فإنهم يليقون بنا وبك، ويكون الجمع مباركا سعيدا، فأجابه السلطان لذلك، ونفذ له ولهم صلة لعيالهم وصلة لمؤن سفرهم. مشيخته: أخذ عن والده وغيره. الآخذون عنه: أخذ عنه أبو عبد الله محمد البيجرى المكناسى حسبما صرح بذلك ولده لابن أخى المترجم أبى الحسن على فيما قرأته بخطه، إذ قال: لما عرفنى يعنى البيجرى قال لى: إنكم ساداتنا، فقلت له: بل نحن إخوة لظنى أنه قاله تأدبًا، فقال لى: أنتم سادتنا حقيقة، وذكر لى أن والده من تلامذة الشيخين الجد والعم قدس الله روحهما. وممن أخذ عنه العلامة الشيخ زنيبر السلوى، وأبو محمد عبد الله حجى، وأبو الحسن على بوشعرا، وأبو القاسم بن الحسين الغريسى، والسيد المكي الحافى وسيدى مسعود جموع، وأبو العباس أحمد حجى، وأبو عبد الله محمد الصبيحى، وأبو محمد عبد الواحد نجل السلطان مولاى إسماعيل، وسيدى المعطى مرينو، وأخوه أبو عبد الله محمد مرينو، وأبو عبد الله محمد بن الطاهر الزبيدى، وأبو العباس أحمد بن عبد الله الغربى، والقاضى أبو محمد عبد الله بنانى، وأبو عبد الله محمد بن اليسع الفلالى، وأبو العباس أحمد عاشور، وأبو محمد التهامى

245 - محمد بن العربى الغمارى

ابن عمرو، وأبو يعزى المسطاسى، وجل هؤلاء قضاة وغير من ذكر ممن لا يعد كثرة. وفاته: توفى كما بكناشة اليحمدى سنة اثنين وتسعين وألف. 245 - محمد بن العربى الغمارى. حاله: فقيه علامة أصل، جهبذ أوحد نبيل، حلى بحجة الإسلام، البركة الهمام. وفاته: توفى ضحوة يوم الأحد الثانى من ربيع الثانى عام تسعة وعشرين ومائة وألف حسبما وقفت على ذلك منقوشا برخامة ضريحه، ودفن بروضة المولى عبد الله بن حمد. 246 - محمد فتحا الحاج بن عبد القادر التستاوتى. صنو أبى العباس المترجم فيما مر من الأحمدين. حاله: شيخ فاضل متبرك به. وفاته: توفى في المحرم فاتح سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف ذكره أبو العباس الحافى في بعض مقيداته في الوفيات. 247 - محمد بن العلامة أبى عبد الله محمد بن الإمام المتقن أبي زيد عبد الرحمن بصرى الولهاصي. حاله: علامة نظار، نحرير نقاد مشارك مطلع متضلع، إمام في صناعة التدريس وحسن الإلقاء، ماهر نفاع، أحد أعلام الدولة الإسماعيلية وجهابذتها النقاد. مشيخته: أخذ عن العلامة أبى الحسن على بن عبد الرحمن بن عبود آتى

248 - محمد بن العياشى أبو عبد الله المكناسى

الترجمة، والقاضى الأعدل أبى القاسم بن سعيد العميرى، وأخيه سيدى على، وأخيهما أبى العباس أحمد والشيخ عبد الوهاب بن الشيخ، وأبى عبد الله محمد فتحا الدغوغى، والسيد المجذوب بن عبد الرحمن بن عزوز، وأبى الحسن الندرومى، وأبى عبد الله محمد اقلال، وأبى زيد عبد الرحمن بن سعيد العميرى، وأبى حفص عمر الكوش. الآخذون عنه: منهم ولده المترجم بعد. وفاته: توفى يوم السبت خامس شعبان المبارك عام ستة بسين مهملة فمثناة فوق وثلاثين ومائة وألف. 248 - محمد بن العياشى أبو عبد الله المكناسى. حاله: صدر نحرير فقيه جليل، حسيب أصيل، مدرس نبيل، قال في حقه مؤرخ دولتنا العلوية السيد أحمد بن الحاج السلمى صاحب حواشى المكودى والأزهرى وغيرهما المتوفى عام ستة عشر وثلاثمائة وألف في الدر المنتخب المستحسن: الفقيه المفتى النوازلى القاضى العلامة المدرس الكاتب، كان من جملة كتاب السلطان مولانا إسماعيل ملازما لخدمة بابه والوقوف بأعتابه، وأنه كان يستشيره في المهمات، من ذلك أنه استشاره في أى قبيلة يتخذها جندا؟ فقال له: إن المنصور السعدى كان وجه جيشا لفتح السودان فسبى عبيدا واتخذهم جيشًا ودفعهم لولده المدعو بالشيخ الثانى فأنزلهم في جنات أهل فاس بزواغة، وبقوا على ذلك إلى أن قام على والده ودعا لنفسه فقبض عليه والده ونهب العبيد وفرق جمعهم في القبائل، والآن اجمعهم فإنهم مملوكون لبيت المال، واتخذهم جيشا للخدمة، فقال له السلطان: أنت النائب عنى في جمعهم، فقال له: فليعين سيدنا وكيلا يقوم في طلب حق بيت المال وأنا أقضي بينهم وبينه، فقلده القضاء والفصل في ذلك وتسمى بقاضى القضاة، وعين السلطان وكيلا هو الباشا عليلش، فشرع

في جمع العبيد، فكان ابتداء أمرهم أن ينادى في الأسواق في الحواضر والبوادى من يرد خدمة السلطان من العبيد فليأت إلينا إلى أن كان من ذلك ما نبسطه في محله بعد بحول الله وقوته. تنبيه: قد رأيت لعدة من المؤرخين إنهم ذكروا في حق مولانا فخر الملوك أبي الظفر مولانا إسماعيل أنه كان يسترق الأحرار المسلمين بالحراطين، وتمالئوا على ذلك وصرحوا بأن الاسترقاق وقع منه في غير محله الشرعى، وهذا لعمرى من الكذب المفترى ولكن الجهل بالحقيقة أورثهم أن تقوّلوا ما لما يكن، وبنوا على غير أساس، ودونك الآيات البينات، فقد وقفت لى عدة دفاتر كتبت على عهده رحمه الله وقدس سره أشرفت منها في القضية على كمال الاحتياط في استرقاق أولئك العبيد وجمعهم، إذ صنيعه فيه عقد التراجم، لما في كل مدشر من مداشر القبائل الهبطية من العبيد ذكورا وإناثا، ثم ذكر وثيقة مسجلة على قاضى مدينة القصر في حينه، وشكل القاضى المسجل عليه قائم العين به إلى الآن تتضمن تلك الوثيقة ذكر كل فرقة بذلك المدشر من الوصفان وذكر مالكهم وإثبات ملكه لهم وبيان وجه صيرورتهم له من شراء ونحوه، وبيان من تزايد لتلك الفرقة هناك بصفات كل المعينة له، ومن مات منهم، ومن هو في قيد الحياة، وبيان استمرار الملك للمالك إلى أن مات وخلفهم لورثته وهم فلان وفلان لخ، كل ذلك بشهادة الأعيان من علماء وعدول وغيرهم معتمدين فيمن أدركوه منهم على التحقيق والعيان وفى غيرهم على أعلى درجات شهادة السماع المستفيض الفاشى على ألسنة أهل العدل وغيرهم. ثم يذكر تاريخ الشهادة وأول تاريخ وقع بأحد الدفاتر المشار لها وهو بمكتبتى أوائل ربيع الأول عام اثنين وعشرين ومائة وألف.

[صورة] كتابه على ظهركناش إحصاء العبيد الإسماعيليين وعقود أشريتهم

[صورة] صحيفة من علامات العدول وأشكالهم بكناش العبيد الإسماعيليين

ثم يذكر أسماء الشهود ووصفهم وعدة الشهود بأول رسم ست وثلاثون. ثم يذكر وثيقة أخرى مسجلة على القاضى المذكور شكله قائم بها إلى الآن تتضمن إشهاد القاضي بأداء أولئك الشهود عنده بجميع فصول الوثيقة، وبأنه استقلت عنده جميع فصولها، كما استقلت عند جميع من يعطف بشكله عليه من قضاة الإيالة السلطانية الموجودة أشكالهم لحد الآن بالدفتر المذكور وغيره. وبعد ذلك تضمن الوثيقة المذكورة أيضًا أنه سئل من القاضى المذكور وكل من يوقع شكله بعده من قضاة وعلماء، هل بقى فيما ذكر من شهادة الملك ومتعلقاته عمل يتوقف عليه شرعا فيضاف إليه فاشهدوا بتمام ذلك واستجماعه للشروط الشرعية، وبأنهم حكموا بذلك وأمضوه ثم بعد هذا ورخت هذه الوثيقة بالتاريخ المذكور، وأمضاها عشرون من العدول بأشكالهم. وبعدهم كتب قاضى تطوان بأداء الشهود وهم عدول الحكم لديه، وبإعلامه باستقلاله ووضع علامته، ثم كتب بمثل ذلك كل من قاضى طنجة، وقاضى قبيلة بني بوز كار، ثم قاضي بنى زروال، ثم قاضى فشتالة ثم قاضي بنى جرفط، ثم قاضى شفشاون، ثم قاضى رهونة، ثم قاضى العرائش وغيرهم من قضاة قبائل الهبط. وعقب ذلك وثيقة مسجلة على القاضى المذكور أيضًا تتضمن التعديل من عدول سبعة موضوعة أشكالهم عقبها لأربعة من اللفيف الستة والثلاثين المذكورين قبل، معتمدين في ذلك على معرفتهم، ومخالطتهم لهم حضرا وسفرا بتاريخ أواخر ربيع المذكور. ثم بعد ذلك وضع اثنا عشر من القضاة المذكورين خطوطهم وأشكالهم بأداء عدول التزكية عندهم واستقلال شهادتهم لديهم.

وعقبه شهادة عدول ثمانية بمثل ما شهد به اللفيف المذكور من الإراثات، وبعد تسجيل ذلك على قاضى القصر وضع القضاة الاثنا عشر المذكورون خطوطهم وأشكالهم أيضًا بأداء الشاهدين بالمثل المذكور عندهم وباستقلال ذلك لديهم. وعقب ذلك رسم آخر يتضمن الإشهاد على الأرقام المذكورين بالإقرار بالملك لملاكهم المذكورين عن طوع ورضا. ثم بعد ذلك وثيقة مسجلة على القاضى المذكور تتضمن شراء نائب السلطان جميع الأرقاء المذكورين من ملاكهم بعشر أواقى لكل فرد منهم، وحيازة البائعين من النائب المذكور جميع الثمن عيانا، وخلوص ملكهم للجناب العالي بسبب ذلك في التاريخ المذكور أولا. وعقب ذلك أشكال العدول الشاهدين بذلك وهم نحو خمسة وعشرين. وعقبه وضع ستة من القضاة المذكورين قبل خطوطهم وأشكالهم بأداء عدول الشراء المذكور عندهم وإعلامهم باستقلاله. وعلى هذا السنن جرت المسطرة في سائر الدفتر المذكور وهو غاية في الاحتياط لما فيه من الزيادات العديدة على ما يكتفي به في الثبوت الشرعى حسبما يعرفه كل ذى خبرة بالمسطرة اللازمة في ذلك، ومدار الشرع على إعمال اللازم في الظواهر، وإلى الله تعالى توكل السرائر. ومن البديهى أن القائم بحياطة الدين، لا غنى له عن الاستظهار بمقتضى المصالح العامة والاستعانة بالحاجيات والاكتفاء بذلك كله بمقتضى ظواهر الشرع، وإن جاء على خلاف نظر بعض الخاصة الذين لم يطوقوا بحماية البيضة ولا حملوا عموم الذب عن الملة والأمة، وإنما نظرهم في خويصة أنفسهم، وفى التورع لحياطتها بالخصوص، وشتان ما بين النظرين، كما أن المطوق بالنظر العام في

[صورة] ترجمة من تراجم كناش العبيد الإسماعيليين مسجلة

[صورة] أسماء الشهود للملاك للعبيد

مصالح الأمة ليس في طوقه أن يلى مباشرة جميع الشئون المطوق بها بنفسه، بل لابد له من أن ينيب عنه مباشرين فيما لا تمكنه مباشرته، وعلى العامل بعد ذلك بتقوى الله، وهذا هو المهيع المسلوك في النهضة الإسماعيلية بجمع العبيد، فإنه جدد الله عليه الرحمات بذل المجهود فيها وما ترك شيئًا يقتضيه ظاهر الشرع فيها إلا وقد وقف عند حده، بل كاد أن يتجاوز الحد المطلوب في زيادة التوثيق كما قد رأيت، وليت شعري بعد هذا ماذا يقال، وهل بعد الحق إلا الضلال. ولهذا ومثله حذر المحققون من الاعتماد على جهة المؤرخين في كل ما نقلوا، وأن لا يعتمد منهم إلا على من عرفت ثقته وأمانته، وعلت في الصدق درجته ومكانته، وكلام القاضى أبى الفضل عياض في الشفا شهيد صدق على ذلك وليس هذا بأول حديث إفك منهم، فقد قصوا في الجانب العظيم ما يجب أن لا يلتفت إلى ذكره فكن ممن يعرف الرجال بالحق ولا تعرف الحق بالرجال. وقد صح عن هذا الإمام أنه جمع جميع عبيده ووضع بينهم صحيح الإمام البخارى، وقال لهم إنى وإياكم أرقاء لما تضمنه هذا الكتاب الجامع لأقوال من لا ينطق على الهوى وأفعاله، وسائر أحواله، من الأوامر والنواهى، هكذا هكذا وإلا فلا لا. ولعلنا ما أوتينا إلا من قبل مسارعتنا للطعن على حماتنا ومن ذهبت دولته من ولاة أمرنا بغير حق، فليقصر العاقل ولْيَرْعَوِ عما ليس له لإدراك الكنه فيه يدان، وليحسن الظن بمن سلف من أكابر الأئمة وليجعل الدعاء بالمغفرة والرحمة لهم عوض تلطخه وتفكهه بما يزينه الشيطان له من المساوى وإلصاقها بجانبهم والله المرشد بمنه. مؤلفاته: منها زهر البستان في أخوال مولانا زيدان، وهو كتاب كثير الجدوى في بابه، وزيدان هذا هو سيدنا الجد الأعلى نجل مولانا الجد الأعظم، السلطان الأفخم، مولانا إسماعيل برد الله ثرى الجميع، وأخواله هم سفيان القبيلة العربية

249 - محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن يوسف الفاسى

الشهيرة بالغرب، وهم بطن من بطون اثبج بن ربيعة بن نهيك بن عامر بن صعصعة. نثره: من ذلك قوله: عنصر العز والمجد، ومنبع البخت والسعد، من حصلت الدلالة على قدره بوسمه، وعلى قدره المسمى كاسمه، الصدر التقى الزكى، ذو القدر العلى، والفخر الواضح الجلى، جامع أشتات المحاسن بلا مَيْن، الشيخ على بن حسين، ما شئت من العقل الكامل الراسخ؛ والذهن الثاقب الشامخ، وما دل على طهارة الأصل وعلو المقدار، من الحلم والتؤدة والسكينة والوقار، الذى ادخر الله تعالى له من فضله وجزيل نواله ما كمل له به شرف الدين والدنيا، وأحله غير مشارك ما أحله من الدرجات العليا، من إنجاب الوصل بينه وبين مولانا الإمام، الملك الهمام، فخر السلاطين، وشمس الخلفاء أبناء سيد المرسلين، ظل الله في الأرض وناشر ألوية العدل بها بالطول والعرض، أمير المؤمنين وناصر الدين، المجاهد في سبيل رب العالمين، ذى الشرف الأثيل، والفخر الأصيل، أبى النصر والفداء مولانا إسماعيل، أدام الله تعالى نصره، وخلد في الصالحات مجده الأعلى وذكره. وفاته: توفى في دولة المولى أحمد الذهبى عام تسعة وثلاثين ومائة وألف، اضطره العبيد على صلبه فصلب ومات شهيدا رحمه الله. 249 - محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن يوسف الفاسى. حاله: عالم علامة، دراكة مشارك، حافظ ضابط متقن، خطيب بليغ، فصيح بارع، ماهر باهر، له عارضة اللسان في التدريس والخطابة، كثير الحفظ، ولى قضاء فاس الجديد أولا، ثم ولى الإمامة بمسجد مولانا إدريس بزرهون وخطبته، ثم ولى بعد ذلك الخطبة بالسلطان مولانا إسماعيل، وخطب بولده السلطان مولاى عبد الله، وولى التدريس بمسجد قصبة دار الإمارة بالحضرة المكناسية.

250 - محمد أبو عبد الله المكناسى الأصل الفاسى الدار والإقبار

مشيخته: أخذ عن جلة شيوخ فاس كالشيخ سيدى محمد القسمطينى، والشيخ أبى عبد الله المسناوى وغيرهما. الآخذون عنه: أخذ عنه كثير من أعيان طلبة فاس وغيرهم. وفاته: توفى في جمادى الأولى عام اثنين وخمسين ومائة وألف. 250 - محمد أبو عبد الله المكناسى الأصل الفاسى الدار والإقبار. حاله: علامة محصل، مصيب في مضمار السبقية مفصل، محرر العلوم ومفيدها، ومجدد شبيبة الفضائل ومعيدها، أحرز قصبة السبق في مضمار التحقيق، وشيد مناره فكان على أصل وثيق، جمع إلى غزارة العلم فصاحة اللسان، وإلى ثبات الجأش وتوقد الذهن براعة البيان، فكان مجلسه لأرباب المحابر نزهة الأفكار، وصيقل القلوب ومنظر الاعتبار، آية الله في خلقه العجيب، ونعمة كبرى على بعيد الناس والقريب، وضع له القبول في الأرض، طولها والعرض، فكان الخاصة والعامة فيه محبون، وببراعته ومحاسنه يلهجون. ختم بجامع القرويين مختصر الشيخ خليل أوائل العشرة الثامنة من المائة الفارطة، ثم رحل لأداء فريضة الحج، وهو يعطر برياه كل فج، فاتفقت له هنالك نكبة، أعانت عليه ليالى الغربة، وذلك أن صهرا له سرق لكبير القفلة التي اتفق لهما السفر معها حساما مرصعا بياقوت وجوهر، فكان وصفه يستغرب إذ يذكر، وحين ألجأ الحال، إلى البحث عنه بسائر خيام الحاج، ومنها منزل صاحب الترجمة ألقى تحت وسادته دسه هنالك ذلك الصهر الخبيث، ظنا منه أن محل الفقيه المترجم ينزه عن التفتيش لجلالته وعظم مكانته في القلوب، وعدم تطرق التهمة فيه، ولما وقع العثور على الحسام بمحله اغتاظ غيظا شديدا، وتألم ألما مزيدا، ومن ذلك الوقت تردى رداء السقم، ولم يزل عليلا بتلك الغصة حليف العنا، ملازم الضنا، إلى أن قضى نحبه بعد قضاء نسكه رحمه الله وبرد ثراه.

251 - محمد أبو عبد الله بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد اليحمدى

251 - محمد أبو عبد الله بن أحمد (¬1) بن الحسن بن أحمد بن محمد اليحمدى. قال أبو الحسن على بن مصباح الزرويلى: هكذا كنت أراه بخطه أعزه الله في مكاتباته ورسائله، لا يزيد على ذلك. واليحمدى نسبة إلى بنى يحمد القبيلة المعروفة قرب جبال غمارة. حاله: علامة فاضل نحرير، جهبذ نقاد، لوذعى أديب أريب، كامل مهذب، عارف خبير بصير، مستحضر محاضر بحر زخار في فنون العربية والإنشاء، نشأ ببلده بنى يحمد -بفتح الميم- في حجر الصيانة والعفاف، ولما شب ارتحل لفاس بقصد طلب العلم فأقام به مدة وكان ذكيًا نبيلا عاقلا، نزيها طاهر الشيم، حليته الوقار، ومئزره العفة والفخار، عالى الهمة مجتهد، في اقتناء المعانى وتأثيل المحامد، مبتعد عن السفاسف وكل ما يشين، له ولوع زائد بعلوم الأدب وكل ما يؤدى إلى مكارم الشيم، ولم يزل حميد السيرة محمود السريرة، حتى امتد ذكره وطار في الآفاق صيته، وأقر الخاص والعام بتفوقه وفضله. ولما اتصل خبره بسيدنا الجد الأكبر السلطان المولى إسماعيل أدناه لحضرته، وأجلسه على منصة وزارته، واصطفاه لمحاضرته وسمره، وجعله مستودع سره ومحل مشورته، وذلك سنة نيف وتسعين وألف، وصار يسميه باسم جده الأعلى أحمد حتى غلب عليه، وصار لا يعرف إلا به، وخصه بأنعم لم يشاركه فيها سواه وعظمه وبجل، ونوه بقدره، وقصر المفاوضة في المهمات عليه، وجعل بيده أزمة ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "توفى أحمد والد المترجم صبيحة الثلاثاء الحادى والعشرين من رجب عام اثنين وثلاثين ومائة وألف شهيدا بالبطن تاليا كتاب الله عز وجل صحيح الذهن والعقل ودفن بزاوية الولى الصالح أبى عثمان سعيد بن أبى بكر المَشَنْزَائى وحضر جنازته الخاصة والعامة وكذا بكناشة ولده المترجم. انتهى مؤلف.

الحل والعقد، حتى إنه لما عقد لوالده المولى المأمون على مراكش ألزمه الذهاب للمترجم لأخذ صك التقليد منه، وأمره بسماع وصيته والعمل بها رغما عليه، والحال أنه يعلم أن ولده المذكور يكره المترجم أشد الكراهة ولم يسمع منه وشايته فيه. وقلده مفاتيح الخزانة المولوية التي حوت من التصانيف، وجمعت من أنواع الدفاتر وأسماء التآليف، ما لم تحوه خزانة بغداد، ولا علق بحفظ الدانى الأستاذ، وجعله الأمين عليها، بعد أن مدت أعناق شتى إليها، فنسخ أهم ما فيها في صحيفة صدره، وارتسمت علومها في مرآة فكره، فأصبح بحر علم لا يدرك قعره، ولا ينفد ولو كثر السائلون دره، قد تضلع في كل فن بما بهر الألباب، وترك جميع الكتاب وراء الباب، لاسيما في علوم الآداب، فإنه فيها العجب العجاب، له اليد الطولى في معرفة أيام العرب وأشعارها، وآثارها وأخبارها، لا يعزب عنه مثقال حبة من خردل من أمثالها، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا وهو خبير بتفصيلها وإجمالها. وكان في جيد الدولة الإسماعيلية أفخر قلادة، وأفخم مأوى لأهل الفضل والسيادة، برعت في فن البلاغة أقلامه، وتقدمت في ميادين البراعة أقدامه، وطابت في عرش المعانى البديعية ثمرته، وخفقت في آفاق البيان أجنحته، لو رآه قدامة، لقدمه قدامه، ولو نظر إليه النضر بن شميل، لرآه أبعد عنه من السما وأعز عليه من سهيل، ولو أدركه محمد بن يزيد، لكان له كالتلميذ والمريد، يحمده عبد الحميد، ويعتمد عليه العماد وابن العميد، ولو بدا لشاعر بنى حمدان، أو لبدع همذان، لعداه بالخنصر من حسنات الزمان، وفرسان البلاغة والبيان، ولو فتح عينيه في الفتح بن خاقان، لطار لبه من شدة الخفقان، له الأفلام التي تخضع لكلماتها قامات الرماح، وتذوب منها في أجفانها القواضب الصحاح، استخدمت

الأقاليم ورجالها، وهابت فحول الكلام نضالها ونزالها، فمزنها كل يوم فسام الأوداء، وسم الأعداء هامى، حتى كأنه المعنى بقول التهامى: وإذا رأس في الأنامل منه ... قلما واستمد ساء وسرا قلما دبر الأقاليم حتى ... قال فيه أهل التناسخ أمرا يتبع الرمح أمره أن عشريـ ... ـن ذراعا بالرأى يخدمن شبرا وبالجملة فترجمة الرجل طويلة الذيل، بعيدة النيل، أفردها عصريه أبو الحسن على بن أحمد بن قاسم مصباح الزرويلي بالتأليف في مجلد ضخم سماه: سنا المهتدى، إلى مفاخر الوزير ابن أبى العباس اليحمدى. ألفه سنة خمسة وعشرين ومائة وألف، حسبما أفصح بذلك عن نفسه في مؤلفه المذكور، وهو من نفائس مكتبتنا الزيدانية ومفاخرها الثمينة. مشيخته: منهم أبو محمد القادر الفاسى، وأبو العباس أحمد بن حمدان، وأبو عبد الله محمد بن عبد القادر الفاسى ونظراؤهم. الآخذون عنه: منهم مخدومه السلطان الأكبر مولانا إسماعيل، فقد صرح قدس الله روحه بذلك لولده المأمون المذكور لما قال له في وشايته به إن اليحمدي يزعم أنه هو الذى علمك الدين، إذ قال في جوابه: والله إنه لصادق إن قال ذلك، هو الذى علمنى دينى وعرفني بربى. هـ. وذلك أكبر دليل وأعظم شاهد على إنصاف هذا السلطان واعترافه بالحق وعدم ميله للنفس الأمارة. مؤلفاته: منها كناشته الحفيلة المحشوة بكل نادرة وغريبة في مجلدات عشر ضخام، موجودة بتمامها بمكتبتنا، وقد وصف كناشته هذه بعض معاصريه بقوله:

ألف فيه نفائس تبهر العقول، واقتنص من جوها كل عنقاء من مستحسنات النقول، قال: وفيها أقول: معان من الصنع البديع تصيدها ... بزاة عقول في سماء من الفكر تجول مجال الطير فى جو أفقها ... وتسبح كالحيتان في لجة البحر فمنها لطيف صيده نحلة ... ومنها قوى يخطف الصيد كصقر وله عدة رسائل مختلفة الأوضاع، تشهد له بما منحه من غزارة الاطلاع، أورد منها عصريه مترجمه في سنى المهتدى جملة وافرة تركنا جلبها هنا اختصارا. ولادته: ولد على رأس الستين بعد الألف ببلده بنى يحمد حسبما صرح بذلك لعصريه مترجمه المذكور. بعض ما قيل فيه من الأمداح من ذلك قول أبى الحسن على مصباح المذكور مستشفعا عنده في ابن أخ له وعلى لسانه، وذلك أنه كانت ابنة له تحت ابن أخيه فأحفظها يوما فلحقت بأبيها المترجم، فاشتدت ندامة الزوج على ما صنع، فلما أراد أن يهب إلى صاحب الترجمة في شأن أهله هابه وخاف عقوبته، فكتب إليه هذه القصيدة وارتحل بها إليه، فلما قرأها سرى عنه وأرضاه، ورد عليه روجه راضية مرضية: ما لى سوى ذا إليك سبيل ... والذل بين يد الكرام جميل فاصفح فمنك الصفح يرجى وامحون ... حقدا جلاه حاسد وعذول أولست طود الحلم والعفو الذى ... لو زال هذا الدهر ليس يزول وإذا دعت همم العلا أبناءها ... فلانت جد جدودها وسليل وإذا الطريق طريق كل مزية ... ضلت فأنت إلى الطريق دليل

وإذا الوزارة قلدت فرشادها الـ ... ـمتبوع أنت وغيرك التضليل وإذا انتضيت العزم منك فإنه ... سيف بأيدى الفاتكين صقيل وإذا سخطت على الزمان بدا به ... وجل يهين خطوبه ويديل وإذا السياسة فاخرت بسراتها ... فبأصغريك على الكبار تصول وإذا السماحة ساجلتها أهلها ... غمرتهم من راحتيك سجول فلو أصبحت كف الغمام بخيلة ... سقت البرية من يدك وبول بالله ياغوث الطريد ويا أبا الـ ... ـعباس يا من جوده مأمول هذا ابن صنوك وابن نعمتك الذى ... هو في أداهم شكرها مكبول فلقد نزلت وفى اعتقادى أنه ... ما إن يضام لدى الكرام نزيل وأنا الذى لو لم تفيدنى اعتزا ... زًا خامل بين الورى مجهول لو لم تحى غمامة زهر الربا ... لأتى عليه تصوح وذبول ولقد ندمت ندامة الكسعى من ... فعلى الذى هو فلتة مفعول وتأوهى وتولهى وتملقى ... وتواجدى شهدا على عدول فامدد على من الرضاء سرادقا ... يجلو الهناء وصدى الفؤاد يزيل وامنح بفائقة الثريا بعلها ... قد طال منه بها بكى وعويل رضها إلى فإن روض مسرتى ... مذ شح وابل وصلها لمحيل إنى وحقك تائب توبا نصو ... حا ليس ينسخ توبتى تنكيل وأرى أقل حقوقها موتى إذا ... غضبت على وأمرها مقبول ولكم علينا يا منى أملى جميـ ... ـل وافر متكامل وطويل

وقوله جوابا عن رسالة راسله بها المترجم مع صلة سنية وذلك قبل أن يقع بينهما تلاق جثمانى: يا من بدا في سواد العين إنسانا ... فوق الثرى لم أرى سواك إنسانا رمنا تطاول ذلك العلا بتشـ ... ـييد قباب من الثنا فأعيانا ما زلت ترقى مقامات الجلال إلى ... أن فقت في المجد أعيانا فأعيانا لو حاول الدهر حسبانا لما بلغت ... علياك باد وما أطاق حسبانا يا يحمدى قر عينا إذ ظفرت بما ... أعيت به كف يعرب وقحطانا أنت البليغ متى تحز شبا قلم ... أنسيت قسا بما تنشى وسحبانا فداؤك النفس إذ كاتبتنا فلقد ... كسوت والله جسما كان عريانا روت أناملك اللطاف إذ كتبت ... قلبا لأسجاعها العذاب غرثانا كنا رماما لأجداث الخمول فها ... كتابك اليوم بعد الموت أحيانا أحببتنا عن سماع دون سابقة ... والأذن تعشق قبل العين أحيانا فكم مساو سترت وهي بادية ... وبالمحاسن كم شنفت آذانا ولم تذر غير مشغوف بنامقة ... ولم تدع من بسوء القول آذانا كذلك الغيث لا يأتى على دمن ... لم ترو في غابر الأزمان تهتانا إلا وغادرها تزهو مقلدة ... درا نفيسا وياقوتا وعقيانا فها كها كاختلاس الوصل من رشاء ... غراء راجحة معنى وميزانا صنع امرئ ليس في التجنيس همته ... إلا إذا دون ما قصد له جانا لنا قواف لما نريد قافية ... لم يعرف الناس إيطانا وأكفانا

وقوله معتذرا عن تأخير المكاتبة، وراجيا سد باب أليم ألم المعاتبة. لا والذى زان الكواعب بالحور ... وأجال في وجناتها ماء الخفر وأسال من كفيك أمطار الندى ... ما عن قلى غيث الرسائل قد فتر كلا ولا ملل هفا إعصاره ... يوما فغار لحره ماء الفكر لكن نزلت بموطن متبذل ... لا مبتدا السفراء منه ولا خبر فلكم طرقت مسار ركبان إلى ... تلك الديار فما عثرت على بشر ولكم صبا منكم أثارت صبوتى ... فتلاطمت أمواج فكرى بالدرر فنظمتها نظم الخريدة عقدها ... وغدا لها ديوان شعرى مستقر درر بها ديوان شعرى قد زها ... وكذاك يزهو بين أنجمه القمر ومتى ابتأست لنكبة أنشدتها ... والدمع فوق محاجرى يحكى المطر فأرى رفاق الحزن ظاعنة وأفـ ... ــــنان الغرام إليك رائقة الزهر وحياة من ليست تبيد حياته ... ومؤيد الدين المؤيد بالسور ما مر ذكر (اليحمدى) بخاطرى ... إلا ترقرق ماء عينى فانهمر يا سيدا تعنو الوجوه لذكره ... غيبا وتكبره العيون إذا ظهر لا زلت في برد الوزارة رافلا ... محمودة منك الشمائل والسير محفوفة بلطائف محفوظة ... طول الزمان من الحوادث والغير ما هام صب أو هما ودق وما ... فازت يد الملهوف عندك بالظفر وقوله: بأى لسان أم بأى بنان ... وأى خطاب أم بأى بيان

أترجم عن أعجوبة الدهر ماله ... إذا عد أرباب المكارم ثانى فتى أثقلت ظهر الزمان هباته ... وأصبح من خدامه الثقلان أمل على الدنيا من العدل ما به ... إلى الناس طرا أنصف الملوان فلولاه لا أودى به الدهر ما نجت ... بنات المعالى من يد الحدثان فذاك أبو عبد الإله الذي أتى ... لدعوته الرفدان يبتدران وما لا لا الآفاق الاثلاثة ... سنا اليحمدى الوهاج والقمران همام يخاف الدهر من سطواته ... ويرمى برضوى رعبه وأبان متى ما يعد ينجزك إحسان وعده ... وينقض من إيعاده الحسنان (¬1) وزير به استولى الأمير على العدا ... وعاش بخفضى نعمة وأمان متى ما يرم أمنية عجزت بها ... فوارس قيس مده بأمانى وكم في حماه من وزير وكاتب ... ولكن بكف اليحمدى القلمان لكلهم من بأسه متضائل ... وهيبته قرت بكل جنان بكفيه بحر الجود والفتك بالعدا ... فكم مرج البحرين يلتقيان وكم في قضايا الدين حكم فانتضى ... لها صارما لم ينضه الحكمان ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "المراد بها هنا حبلان وعند أهل المدينة يطلقان على السبطين وعند أهل البصرة على الحسن البصري وابن سيرين، ولا يصح أحد الإطلاقين هنا. وقد ورد في اللسان العربى أسماء كثيرة بلفظ المثنى ألف فيها كثير من العلماء وجمع منها حمزة الأصبهانى في آخر كتابه في الأمثال جملة وافرة جداً وشرح أكثرها وأورد منها أبو الحسن على مصباح الزرويلى في كتابه سنا المهتدى مائة وثمانية وعشرين كلمة وشرح الخفى والمبهم منها. انتهى مؤلف.

وكم في سماء الفقه جلى طوالعا ... يرى الحق من أضوائها الاخوان وإن تبغ أخبار الزمان فإنَّه ابـ ... ــــن بجدتها السباق يوم رهان خليلى لا تعتب على متقاصر ... فما لي على إحصا علاك يدان وإنى وإن كنت امرءاً ذا بلاغة ... وسحر البيان اليوم طوع لسانى وكنت متى لاحت صوارم فكرتى ... أتيت بما ينسى صريع غوان فإنى طورا تصطفينى يد الهوى ... فنجرى بميدان القريض بنانى وطورا ترى ذاك الجلال رويتى ... فأمسك من فرط الحياء عنانى وقوله: من لصب مولع بالجفاء ... شف جسمى ولم يجد بشفائى كلما خلت جمر شوق طفا زا ... د اصطلاء الجوى على الأحشاء رست صيد العنقاء إذ رست سلوا ... نا وأخيب بصائد العنقاء قلت للصحب ما الدواء فقالوا ... ما لأدواء من صبا من دواء حظ كل بني الصبابة تذرا ... ف الدموع ودائم البرحاء هم أناس موتى جسوما وأحيا ... ء قلوبا سكرى بلا صهباء حملوا الحب وهو أثقل من رضـ ... ــــوى وهم في نحولهم كالهباء فارتدوه زيا شريفا وزادوا ... في التصابى بأنفس شماء كم ظريف أودت به لحظات ... أوردته موارد الشهداء فغدا في أيدى الرواة حديثا ... بعد ما عاش في عنى أو رواء فتمثل بعروة ابن حزام ... إذ قضى النحب في هوى عفراء

لفتاة كانت تضئ كبدر ... مزقت عنه حلة الظلماء أو كظبى نقى نقى المحيا ... صدته غرة بصيد الظباء يتثنى غصنا ويفتر عن د ... ر يرنو بمقلة حوراء فتجنى من بعد ما قد جنى طر ... في من ورد وجنتيه عنائى ما بدا لي إلا وأوعدنى هجـ ... ـــــرا كهجران واصل للراء رث صبرى به وجسمى حتى ... قد رثت لي في حبه أعدائى كم بوعد أومى فعاد وعيدا ... خلق أهل الجمال خلف الوفاء كم أمانى راقبت من طول آما ... لي فمالت بها يد الرقباء كم ليال قطعتها نابغيا ... ت أناجى تنفس الصعداء كم دموع أذريتها كغمام ... أو يد (اليحمدى) يوم سخاء كعبة المجد والعلا بحر جود ... لم يكدر عبابه بالدلاء سيد لم يزل يرود العلا حـ ... ــــــتى ارتدى بالمآثر الغراء طار في كل بلدة صيته حـ ... ـــــتى غدا في اشتهاره ابن ذكاء حسبه مفخرا ورفعة قدر ... أنَّه اليوم سيد الرؤساء أعلم الأدباء في وقته بل ... هو في الوقت أأدب العلماء أحرز السبق في الصناعة حتى ... فاق أهل الإنشاد والإنشاء فإذا ما احتذت أنامله الأقـ ... ـــــلام أبدى أرق ما أنت رائى ما رأى الناس مثله لا ولم يظـ ... ـــفر به المنذر ابن ماء السماء أو علا الأفق ماجد بمزايا ... هـ مشى اليحمدى على الجوزاء

أبنى (يحمد) له فاشكروا حيـ ... ـــث حصلتم به على الكيمياء قد بنت كفه لكم قبة المجـ ... ــــد ولم يبن مثلها من بناء لم تقوض ولا تقوض حتى ... يرجع القارظان (¬1) بعد اختفاء إنما (اليحمدى) على الناس طرا ... لسعيد من جملة السعداء علم الله أنَّه لسداد الـ ... ــــرأي حق لصحبة الخلفاء فحباه منها بما لم ينل قد ... ما نديما جذيمة من صفاء يا وزيرا في عصمة الوزرا لا ... ح لنا كاليتيمة العصماء بأبى أنت دع لسانى يرد من ... حوض أمداحك الشهى الماء ما أريد استقصاء مدح وهل ينـ ... ـــزح بحر مخضم بالركاء أنا ظمآن إن وردت حياض الـ ... ـــمدح فيك استبعدت منها ارتوائى منذ دهر والقلب صب وقد اتـ ... ـــعبت بيني وبينكم سفرائى فقدمنا عليكم كى نقضى ... بعض ما تقتضى حقوق الإخاء واصطنعنا من الثنا حللا تقـ ... ـــصر عنهن صنعة الخنساء وشيها مطمع ويجز من حا ... وله من جهابذ الشعراء كل بيت منها يحث إلى القلـ ... ــــب غراما كالمقلة النجلاء ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "تثنية قارظ والقارظ مجتنى القرظ وهو نبت يدبغ به أو يصبغ. قال الجوهرى: هما رجلان خرجا في طلب القرظ فلم يرجعا فضربت العرب بهما المثل في الغيبة الطويلة وفي تمديد المدة بما لا ينقضى وكلاهما من عنزة قال ذو الرمة: وأنت غريم لا إخال قضاءه ... ولا العنزى القارظ الدهر جائيا انتهى. مؤلف".

أنا شمس القريظ إن شئت أبدو ... كى يرانى الورى وأنت سمائى وعلى الشكر الجميل لما أو ... ليتنى أنت أنت مذكى سنائى هاكها سيدي ولا عيب فيها ... غير مدح يسلى عن العذراء لست بالراهب المريب ولا الرا ... غب أثنى معرضا بالحياء أنت كوالد الشفيق وحزم ... بالفتى أن يبر بالآباء ذاك أبقى للود وهي لي الشيـ ... ـــمة أقضى بحسن قضائى وقوله: بدت فأرتنا الصبح في وجناتها ... وحيت بإيماء حذار وشاتها وولت فكاد الترب يدمى بنانها ... إذا ما مشت تختال في حبراتها فتاة روينا من طلا الحب حين إذ ... روينا حديث السحر عن لحظاتها بدت وقلوب صاحبات من الهوى ... فأصبحن سكرى من كئوس ظباتها فما ظبية ترعى الخزامى بربوة ... تراع لخفق الريح في أثلاتها بأحسن منها يوم مرت عشية ... وقد قصر الإعياء من خطواتها تضئ كبدر الأفق والزهر حوله ... إذا ما مشت تهتز بين لداتها وعن كعبير المسك ضوع نشرها ... كريحانة أهدى الصبا نسماتها وقد ملأت رحب الإزار بردفها ... كما ملأت عينى من عبراتها ولاح لحانى في الصبابة كلما ... رآنى طموح النفس نحو جهاتها وقال اصح من خمر الصبابة ترشدن ... وما ظن أن الرشد عند سقاتها وقال أتلهو والليالى مناكد ... فكن حذرا يا صاح من غمراتها

فقلت ومالى والليالى فإننى ... أمنت بجاه اليحمدى أزماتها فلو ساورته لانثنت وصروفها ... مفللة والذل فوق قناتها يداه يد يغنى عن السحب جودها ... وأخرى يخاف الدهر من فتكاتها يزاحم في نيل العلا وهو واحد ... وما سقط الأقوام مثل سراتها كذلك أعلام المناسك جمة ... ولكن جماع الحج في عرفاتها وأن مصابيح السماء كثيرة ... وما الصبح إلا من طلوع مهاتها به الدولة الغراء دام سكونها ... فلا قدر الرحمن من حركاتها ولا زالت الآمال تعشو لضوئها ... ولا انقض نجم السعد من جنساتها فدى لك نفسى أيها العلم الذي ... به اعتصمت من دهرها وعداتها إليك تناهى كل مجد وسؤدد ... فدم في المزايا واصعدن درجاتها بنيت قباب المجد أركانها التقى ... ورصفت من غمر الندا شرفاتها فلو جمرات العرب كن بواقيا ... لما كان إلا أنت من جمراتها لك القلم العالى الذي ببيانه ... تكسر من سمر القنا شبواتها وتفتض أبكار المعانى بحده ... إذا احتجبت من عزها عن كماتها ومنه بأحشاء الأعادى رواعد ... قواتل لا ينجون من سطواتها ودونكها غراء تغرى على الصبا ... وها السحر كل السحر في لفظاتها تشهيك في ترجيع إنشادها متى ... بلغت بإنشاد إلى أخرياتها (¬1) ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "للمؤلف بحث خاص بالوزير اليحمدى ألقاه محاضرة في مؤتمر الثقافة العربية المنعقد بحاضرة تونس في شعبان عام 1350".

252 - محمد حنوش.

252 - محمَّد حنوش (¬1). المكناسى أصلاً، الفاسى دارا، الحمدوشى طريقة، يلقب أبا شكال لأنه كان برجله اليسرى خلخال من شعر مربوط ربطا وثيقا قرب ساقه. حاله: كان ضيق الحال، الغالب عليه القبض، لا يدعى بدعوى ولا يسأل من الناس إلا ما يسد رمقه، شوهدت له كرامات، وخوارق عادات، أورده في سلوك الطريق الوارية وذكر بعض كراماته وسرد عدة مما وقع له معه من ذلك، وكان ينتسب في الطريق للشيخ على بن حمدوش، وكان مجذوبا غائبا متبركا به مسنا، وكان أولاً جعل لنفسه حوشا من حجارة بشرقى جامع القرويين بالساباط الكائن هناك، فكان يبيت به ويجلس ويتخذ فحما يتدفأ به، ثمَّ انتقل لباب القرويين المقابل سوق الشماعين، ثمَّ انتقل إلى رأس الجنان بعيون أبى خرز، فكان يقيل ويبيت بها إلى أن توفي هناك. مشيخته: أخذ عن أبى الحسن على بن حمدوش على ما للزبادى في سلوك الطريق الوارية ولى في هذا الأخذ وقفة لجذب الآخذ والمأخوذ عنه. وفاته: توفي بفاس عام أربعة وتسعين ومائة وألف. 253 - محمَّد بن على العَفَّانِي (¬2) الزرهونى أبو عبد الله. حاله: ظاهر البركات، كثير المكاشفات، صالح الأحوال، أحد الأفراد من الأولياء الأكابر، رطب اللسان على الدوام بالتلاوة والذكر، أدام النظر في بدايته ¬

_ 252 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 7/ 2420. (¬1) في المطبوع: "خنسوس" والمثبت من إتحاف المطالع. 253 - من مصادر ترجمته: لقط الفرائد في الموسوعة 3/ 1088. (¬2) بعين مهملة ففاء مشددة فألف ونون بعدها ياء النسب، قيده صاحب لقط الفرائد وتحرف في المطبوع إلى: "العمانى" بالميم بدل الفاء.

254 - محمد البوعصامى

لامرأة شابة متزينة فقال: عين ترى محارم المسلمين إنما حقها العمى، فكف بصره من حينه. وفاته: توفي في القصر سنة خمس وألف على ما في المرآة. 254 - محمَّد البوعصامى: حاله: فقيه علامة جليل، قال في حقه عصريه الشريف العلمى صاحب الأنيس المطرب في أنيسه ما لفظه: بليغ مصره، وإمام الأدباء في مغربه وعصره، رحل إلى المشرق، وطلع عليه كالبدر المشرق، فحل منه الجيد وتوج المفرق، وأخذ عن الأئمة، أعلام هذه الأمة، وقصد المشيخة، وألقى لهم أذنه المشيخة، حتى أثقل بالعلم ردنيه، وقرط بالفوائد والفرائد أذنيه، وبهر في علم النحو، وانتهى إليه الكتب والمحو، وعارض المناطة، بألسن إعجازه الناطقة، وخاض في البديع بحرا، وصنع من البيان للعقول سحرا، ويسر من التفسير، كل عويص وعسير، وعرف أخبار الدول، وفعل الزمان بالأمم الأوَّل، وأتى بكل خارق، وأنسى ذكر الموصلي ومخارق. ثمَّ رجع إلى المغرب، بكل معنى يطرب، ولفظ عن أغراضه يعرب، فأقر له الفضل بما أقر، وانتهى إلى فاس واستقر، فمكث بها دهرا، أفاض على عرصات الأذهان من علومه نهرا. ثمَّ انتقل إلى مكناسة، وحلها حلول الظبى كناسه، فتصدر للتدريس، وظهر ظهور ابن إدريس، ولقد فاق في علم العربية، ونودى باسمه فارتفع بالإفراد والعلمية، قال: حضرت معه يوما في مجلس لبعض الأصحاب، والأفق بطرز ثوب الرياض برقم السحاب، وكان معى الصاحب الظريف، أبو العباس سيدي أحمد الشريف، فمد يده إلى العود، والعود بين انخفاض وصعود، والجو بين

بروق ورعود، فاستخبر العشاق بتوشيته، ورفل في حلل الغناء وأرديته، وعام في خلجان الإتقان وأوديته، فقال يمدحه: تبدى كبدر لاح في غيهب الدجا ... غزال رآه ابن النبيه فحارا يجس بأطراف الأنامل عوده ... فيأتى بشئ ليس فيه يجارى ثمَّ أشار إلى أن عارض، ودع كل معارض، فقلت: بدا كهلال الأفق ليل وصاله ... فصير ذاك الليل منه نهارا وغنى بعود وهو سكران أعين ... فصير منه السامعين سكارى وقد أطال وأطاب في ترجمته، فعلى مريد الزيادة الوقوف عليها. (شعره) من ذلك قوله: سحت بدمع كالعقيق محاجرى ... شوقا لطيبة والعقيق وحاجر تلك المعاهد حيث أظهر دينه ... رب البرية للرسول الظاهر سر الوجود محمَّد خير الورى ... والمنتقى من كل أصل طاهر من قد تجلت طيبة الزهرا به ... وزهت ففاقت كل روض زاهر وسمت على الفردوس حقا واكتست ... حلل السنا من شأنه المتواتر وتواضعت لمعالم الهادي بها ... آفاق كالفلك المحيط الدائر أين اجتلاء وجوهها وبدورها ... من آله والصحب ذخر الذاخر زهر المناظر طيبو الأخلاق من ... فخروا به في الناس أي مفاخر إلى أن قال: عامل بفضلك عبدك الجانى وحط ... من كل خطب مدلهم ذاعر

255 - محمد بن عبد الله بن مصالة الفازازى المعروف بابن عبود المكناسى

وامنن علينا منة تمحو بها ... أسطار إثم فاحش متكاثر واسمح وجد وارحم وعجل بالهنا ... وادفع بيسرك كل عسر ضائر واجبر صدوعا برحت ما إن لها ... مولاى غيرك يرتجى من جابر واختم بحسن الختم واحشرنا مع ... الهادي محمَّد الرسول الحاشر صلى عليه الله ما حل الحيا ... جدبا وأينع كل روض زاهر والآل والصحب الأفاضل ما انتهى ... زهو بخير مثل عقبى الصابر وقوله متغزلا: بى شادن مهما سرى في غيهب ... وأرخى الحنادس أفضح الأقمارا أمسى يجس العود جسا محكما ... فزرى بزرياب وأنسى الدارا ومن العجائب والغرائب شاذن ... يأوى القفار يحرك الأوتارا 255 - محمَّد بن عبد الله بن مصالة الفازازى المعروف بابن عبود المكناسى. حاله: فقيه نحوى مفسر لغوى، تعرض لذكره السيوطي في بغية الوعاة وأسند حديثه في طبقاته الكبرى، ونقل عن أبي حيان في النضار أن قبيلهم يسمون عبد الله: عبودا، ومحمدا: حمودا، وأنه من مكناسة الزيتون. مشيخته: روى عن أبي إسحاق الكمال، وأبى جعفر بن فرتون الحافظين. الآخذون عنه: أخذ عنه إجازة أبو الحسين بن عبد الله الغرناطى. 256 - محمَّد بن الطيب بن عبد القادر بن الحاج حم سكيرج. ¬

_ 255 - من مصادر ترجمته: بغية الوعاة 1/ 136، صلة الصلة لابن الزبير 3/ 26. 256 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 7/ 2418.

حاله: كان فقيها أديباً علامة مشاركا متقنا، أكتب كُتَّاب زمانه وأبرعهم في النظم والنثر، من رؤساء كتاب السلطان الأعظم، علم الأعلام سيدي محمَّد بن عبد الله، قال في حقه بلديه معاصره العلامة الأصيل الأديب الجليل، سيدي سليمان الحوات حسبما وقفت عليه في كناشة له ومن خطه نقلت ما نصَّه: كتب صاحبنا العلامة الدراكة الأديب الجامع لأشتات العلوم قديمها وحديثها، سلطان الكتبة في ديوان الأمير ملك البحرين أبو عبد الله سيدي الحاج محمَّد بن الطيب سكيرج حفظه الله إلخ. ومن خطه أيضاً بالكناشة المذكورة ما نصَّه: الحمد لله خرجت من فاس في جملة من أشرافها لزيارة ولى الله إدريس الأكبر بزرهون، فنزلنا مكناسة الزيتون، على روض البلاغة المزهر الأحفل، الكاتب الأديب الأنبل، العالم الأكمل، أبى عبد الله سكيرج الفاسى وصل الله عنايته فألفيناه في مجلس منادمته، مع خاصته من أحبته، على حالة أغرانى على وصفها باستطلاع مطلع أشرف منه على التخليص فقال: لما أباح النوى راح الفراق وقد ... ركبت ظهر الفيافى منضيا تعبى يممت ربعا به للحسن معترك ... وفيه روض لأهل الفضل والأدب ثمَّ قال أجز، فأجزت بقولى: وكيف لا ودليل الحب أرشدنى ... والحب يرشد أحيانا إلى الأدب فكان لي موقف على الحبور به ... في مظهر الأنس بين اللهو والطرب حيث محيا أبى زيد ورنته ... يستبعدان قريب الهم والوصب ولابن زكرى جس في مثالثه ... أعربن في نغمة الحسين عن عجب

يجيبها بمثانى الصوت مبتسما ... في وجه عاشقه عن بارق الشنب في منتدى كعبة الجدوى سكيرجها ... والعلم ينسل من نجواه عن حدب فلما وصلت إلى هنا استعادنى إنشادها وهو مقبل على بمحل معه يهتز إعجابا وطربا، ثمَّ تنحى دسته جملة وأجلسنى فيه منفردا بعدما كنت مشاركه في جهة منه فقط، فلما استويت أنشدنى للصاحب بن عباد: فلو كان من بعد النبيئين معجز ... لكنت على صدق النبي دليلا ثمَّ اجتليت عن يسارى، بدر تلك الهالة أبى زيد المزدارى، وهو يقول كأن البرق يلمع علينا من أدبك، والشمس تطلع من غرة طربك، وكأنى المعنى عنده أنشدته مغالطا فقلت: البرق يلمع لكن من ثناياك ... والشمس تطلع لكن من محياكا فاحكم بما شئت فينا غير مكترث ... بقتل أنفسنا فالحسن ولاكا والله يا عابد الرحمن ما نظرت ... عينى بمكناسة الزيتون إلاكا أودعت سر غرام بيته خلدى ... لديك فاجعله لي ببيت نجواكا فنشط للمدح وارتاح، وناولنى مترعات الأقداح، وبقى لا يلتفت إلا إلى، ولا يقبل بحديثه إلا على، غير أنى بين حياة وحين، من صوارمه المصلتة من جفون العين، والنفس تشتهى اقتطاف ورد الخدود، النابت حول غاب قسى الحواجب وأسل القدود، فكان ذلك ولله الحمد داعية العفاف، وآية على حمد عاقبته الانصراف، إذ من العصمة أن لا تجد، إن وجدت فاتئد، فمكثنا على ذلك أياما بين تناشد الأشعار، وتجاوب الأوتار، وكئوس حلال الشراب علينا تدور، من راحات حسان كالبدور، لم نستيقظ من سنة المسرة، إلا بعد أن مضت من الشهر عشرة:

نزلنا على أن المقام ثلاثة ... فطاب لنا حتى أقمنا بها عشرا ورب المنزل المذكور، وعلم الإجلال المنشور، حملته الأريحية على المبالغة في الإكرام، بالتردد علينا في كل برهة بموائد الطعام، مختلفة الأجناس، تستلذ مضغها الأضراس، إلى أن انفصلنا كل في وجهته سعيد، وربك الفعال لما يريد، كاتبه سليمان لطف الله به بمنه آمين. وقال في حقه المقيد المعتنى لسيد محمَّد بن عبد السلام المعروف بالضعيف في تاريخه لدى تعرضه لشعراء الدولة المحمدية أعنى دولة سيدي محمَّد بن عبد الله: الفقيه الأديب الماهر الشاعر، وقال قبله بنحو الورقة: الأديب الفقيه الأريب العروضى، وعده أبو القاسم الزيانى في كتاب الدولة المحمدية أهل الطبقة الثانية الذين نظموا في سلك الكتاب من أول نشأة الدولة المذكورة، وحلاه في بستانه الظريف بالكاتب البليغ الأديب. وقال قريبه حبنا العلامة الأجل الناظم الناثر السيد أحمد بن الحاج العياشى سكيرج قاضى ثغر الجديدة في الوقت الحاضر في شرحه لرجز المترجم في علمى العروض والقوافى ما نصَّه: وممن ترجم له المؤرخ المتقن الضابط الحجة المتفنن سيدى الطالب بن الحاج كما وجد بخط يده ونصه: القرم الهمام، العلامة المبرز في حلبة النثار والنظام، نادرة الزمان، في التحقيق والبيان، عماد الدولة، وعظيم الصولة، أبو عبد الله محمَّد بن الطيب سكيرج الأندلسى الفاسى. هـ. وقد كانت بينه وبين معاصره أديب الزمان، وفريد العصر والأوان، أبى العباس أحمد بن الونان صاحب القافية الموسومة باسمه بالشمقمقية التي مطلعها: مهلا على رسلك حادى الأينق ... ولا تكلفها بما لم تطق منافثة ومهاجاة قيل وهو أي المترجم المعنى في قول ابن الونان المذكور:

فبشرن ذاك الحسود أنَّه ... يظفر من بحر الهجا بالغرق مؤلفاته: منها رجزه الموسوم بالشافى، في علمى العروض والقوافى، يقول في فاتحته: حمداً لمن بسط أبحر النعم ... ومن مديد طوله يؤتى الحكم ثمَّ على خير الورى صلاتي ... وآله وصحبه الهداة والتابعين نهجهم على الدوام ... ما مدحه صيغ بنثر ونظام وبعد فالشعر له ميزان ... به يلوح النقص والرجحان وفي الختام قال: لما انتهى سميته بالشافى ... في علمى العروض والقوافى وكان وضعه له في ربيع الثاني من عام ستة وسبعين ومائة وألف وأخرجه. من مبيضته في رمضان من السنة المذكورة كما بشرح هذا النظم لقريبه أخينا أبى العباس المذكور آنفا. ومنها حواش على شرح سيدي محمَّد بن مرزوق المسمى بالمفاتيح المرزوقية، لحل الأقفال واستخراج خبايا الخزرجية، وغير ذلك. شعره: من ذلك قوله يمدح السلطان الأعظم سيدي محمَّد بن عبد الله كما في تاريخ الضعيف: ولما رأيت البحر في الجود آية ... ومن جوده الدر النفيس المقلد سألته من في الناس علمك الندى ... فقال أمير المؤمنين محمَّد وسبب ذلك كما في شرح ابن عاشور على البردة أنَّه اجتمع في مجلس السلطان فأنشد بعض الحاضرين قول الشاعر:

سألت الندى هل أنت حر فقال لا ... ولكننى عبد ليحيى بن خالد فقلت شراء قال لا بل وراثة ... توارثنى عن والد بعد والد فقال السلطان إن ذلك لغاية في بابه فقال ذلك البعض يعني المترجم لو شئت لقلت أحسن منه وأنشد ما نصَّه: ولما رأيت الجود في البحر فاشيا ... ومن جوده الدر النظيم المنضد فقلت ومن في الناس علمك الندى ... فقال أمير المؤمنين محمَّد فتعجب السلطان والحاضرون لارتجاله، وجودة مقاله، وأعطاه السلطان جائزة عظيمة. وقوله كما في منهل الورد الصافى يهجو عصريه أديب الزمان أبا العباس بن الونان: ألا قل لغمر جاهل وحسود ... غيى بليد الطبع حلف جحود نافس في العلياء حبرا مهذبا ... له في مقام المجد خير شهود لعمرك قد أرقيت نفسك للعلا ... بلا سلم إذ لم تبؤ بفريد وحاولت أمراً لست تعلم أنَّه ... تمنع عن ذى منعة وعديد فكم ظلت أسعى في رشادك علنى ... أراك حذورا على صرير وعيد فهأنا ذا مستجمع الفكر راكباً ... مطية فخر في مقام شهود تيقظ لقولى واستمع كل حجة ... فإنك يا ابن القن بيت قصيد وخذ من قرى الأبطال ما أنت طالب ... فأنت على راصى الندى بشديد ولا تأس إن أبصرت زلزال بارق ... تقدمه نكباء ذات خلود

وأنك ما نبهت منى نائما ... فللطعن فاصبر واعتجز بضمود فأما اكتساب المجد من عهد يعرب ... فما هو عن أسلافنا ببعيد وأما العلا فاسأل ترى فضل آلنا ... فكم حملوا للمصطفى من بنود وأما رعايات الذمام فأنها ... بأذيا لنا نيطت بغير جحود وأما الندى فانظر بعينك حينا ... فإن عيون المرء خير شهيد تخبرك الأنام عني حقيقة ... بأنى في لخم أعز وليد ذوى الحسب الموفور والحلم والتقى ... وكل فخار دائر وجديد إذا برزت يوما طلائع حزبهم ... ترى العز يومى نحوها بسجود تراهم لدى الهيجاء أسدا فواتكا ... وفي المسلم سباقا لكل مشيد تهابهم الأسد القواصم في الوغى ... ويألفهم في المسلم كل وليد ركابهم تجدى على كل حالة ... بحرب وسلم من ندى وجسيد هذا ما وجدته من خطه وهي غير مكملة. هـ لفظ منهل الورود. وقوله مادحا شرح سيدي محمَّد جسوس على المختصر: يا صاح إن شئت التنعم في غد ... والفوز بالعز الصميم السرمدى وأردت في الدارين إدراك المنى ... والمكث في عيش هنى أرغد دع ما يشين العرض من طرق الردى ... واترك مدى الدهر ادكار المعهد وانزل من الوغد الجهول بمنزل ... واترك مصاحبة الذميم الفدفد ودع التشبث بالغرام وأهله ... ودع التغزل في القيان الخرد ودع التوغل في الهوى فطريقه ... صعب السلوك وشوكه لم يخضد

فالكل حمق لا يرى بسبيله ... إلا غبى بالهدى لم يعضد واجنح فديتك للعلوم فإنها ... تهدى الفتى وتنور القلب الصدى وهي السبيل إلى النجاة وإنها ... نهج الرِّضا للمقتدى والمهتدى كم من جهول ذى غبى في مهنة ... وحقارة بين الورى كالفرصد إن عاش لم يسمع له ذكر ولم ... يرفع له أن صار بين الألحد لم يكترث أحد به أبدا ولم ... يعبأ به من جهله كالفرقد والعالمون ذوو النهى في رفعة ... لا يهتدى إلا بهم كالفرقد إلى أن قال: شد الرحال لنيله واطلبه في ... كل البلاد وكل فقر فدفد واركب مطايا الحزم في تحصيله ... واقن التوضع طول عمرك تصعد ولتلزم الإنصاف فيه ولا ترم ... سبل الجدال فذاك شأن العسقد إلى أن قال: وذا أردت بلاعنى تحصيله ... وأردت طول الدهر نيل المقصد فعليك بالإفصاح والتصريح إن ... شئت إلى الوصول المقام الأسعد تأليف شيخ شيوخنا بحر الندى ... جسوس ذى القدر العلى محمَّد الفاضل البر الزكى المرتضى ... الكامل الصدر الذكى الأمجد نثره: من ذلك ما كتب به من الحضرة المراكشية لابن أخته الشريف المهذب مولاى أحمد بن العربى العراقى بالحضرة الفاسية، ونصه بعد الحمدلة والصلاة كما بكناشة سيدي سليمان بن محمَّد الحوات ومن خطه نقلت: أجل من تحلى بأكرم

257 - محمد البوعصامى المكناسى أصلا الفاسى دارا ومنشأ وقرارا

الأخلاق، وأكمل من شرفت منه الأوصاف والأعراق، الحال مني محل سويداء أماقى، أبو العباس أحمد بن العراقى، لازلت في خفض عيش ناعم، ما دام ثغر الرياض عن عرف أزاهره باسم، وعليك مني تحية يفوق شذا النسرين طيبها، مستوفى من عبير العنبر نصيبها، مشفوعا ببركات يملأ الخافقين نورها، وتتوج محاسن الدهر سطورها، هذا وقد طار الفؤاد للقياك، وطمحت نار التشوق لاستطلاع محياك والاستمتاع برؤياك، إذ كنت مني محل الزند للساعد، وكيف لا وفيك الغنية عن الأقارب والأباعد، أبقاك الله محفوظ الجناب، متبعا سبيل من أناب، وجبر الصدع بالجمع، بين الأصل والفرع، إنه مجيب دعوة المنيب، وجامع شمل الغريب، وها نحن اليوم قد شغلنا عن كل المطالب، بكل ذاهب وآيب ومطلوب وطالب، فذات النحيين أفرغ مني ذهنا، والجوارح والحواس أصبحت لما سمعت وقاك الله رهنا، وفي حامله كفاية الخبر، عمن أبدل نومه بالسهر، مع مصاحبة أمراض، معشارها يشغل عن أضعف الأغراض، ولكن الطمع في رحمة الله يحملنى على الرجا، وكيف يخيب من إلى أكرم الأكرمين التجا، وهو حسبى ووليى ومن توكل عليه سلم ونجا، في سابع جمادى الأولى عام تسعين ومائة وألف محمَّد بن الطيب سكيرج لطف الله به. وفاته: توفي بالوباء في جمادى عام أربعة وتسعين ومائة وألف. 257 - محمَّد البوعصامى المكناسى أصلا الفاسى داراً ومنشأ وقراراً. حاله: فقير متجرد من صغره ساكت خامل، كان من أهل اللباس الحسن الفاخر، فأبدله له الشيخ العربى بن عبد الله معن الأندلسى بدربلة بقى يلبسها حتى مات، وفي ذلك أعظم دلالة على كسر سطوة سلطان النفس الأمارة وقهره إياها وتمكنه منها، وكان كثيرا ما يجلس بالقرويين وحده ولا يدعى بدعوى، قليل ¬

_ 257 - من مصادر ترجمته: موسوعة أعلام المغرب 7/ 2422.

258 - محمد المدعو البهلول بن عبد الرحمن الفيلالى البوعصامى

الكلام مع الناس، وكانت لوائح الخير ظاهرة عليه، ترجمه في السلوة وسلوك الطريق الوارية. مشيخته: أخذ عن الشيخ سيدي العربى بن عبد الله معن. وفاته: توفي سنة خمس وتسعين ومائة وألف بفاس المحروسة. 258 - محمَّد المدعو البهلول بن عبد الرحمن الفيلالى البوعصامى الأصل المكناسى الدار والإقبار. حاله: أديب ماهر، نحوى مدرس نفاع، شاعر مجيد كثير الجلوس بالمسجد. ذكره العلامة الأقعد الثبت المؤرخ النقاد السيد محمَّد الخياط بن إبراهيم أحد أعلام فاس فقال: اجتمعت به مرة واحدة في بعض أسفارى لمكناسة الزيتون، وكان رحمه الله أعمى كثير الجلوس في الجامع، وله أشعار حسنة، وقال فيه صاحب منحة الجبار، الشيخ النحرير، القائم على ألفية ابن مالك قيام الجد والتشمير، انتهى إليه حسن تقريرها مع المعرفة العجيبة في عدة فنون. شعره: من ذلك قوله في رجل من أصحابه حلو الحديث عذب الألفاظ اسمه يحيى من أهل وادى درى: يحيى ومن يحيى أحاديثه ... أحلى من الشهد لدى المخبر وكيف لا تعذب ألفاظه ... وهو من وادى أبى سكر ومراده بأبى سكر التمر الذي يقال له بوسكر وقوله: أيدى الحوادث مزقت أعراضنا ... فلذلك احتجنا إلى الخياط ويعنى بالخياط الكاتب الوزير الخياط بن على بن منصور، وقد توفي هو وأخوه عبد الرحمن ذبيحين في السجن بمكناسة الزيتون، ذبحهما الباشا الغازى

وأخرجا إلى حوز المقابر وتركا طريحين والناس يعتبرون بالنظر إليهما إلى العشى ودفنا، وذلك في ضحى يوم الأحد ثانى عشر ربيع الثاني عام خمسة وعشرين ومائة وألف كما ذلك بخط العلامة الثبت السيد محمَّد الخياط بن إبراهيم، قال: وقد صادفنى الحال يومئذ هنالك فلم أر يوم سرور عند الناس مثل ذلك اليوم، ولم أجد أحدا يثنى على الخياط المذكور إلا شرا نعوذ بالله من تتابع الألسنة. وقوله: جادلى من هويته بكتاب ... بعد أن كان بالكتاب ضنينا ولقد طال ما انتظرنا إليه ... يعلم الله ذاك حتى ضنينا أنتم السؤل جدتم أو بخلتم ... لا نحب سواكم ما بقينا وقوله: ترفع قوم بالقضاء وما دروا ... بأن قضاة العصر عندى قصاة فإن تلف منهم ذا عفاف عن الرشا ... يكن للرشا منه الكحيل التفات فإن تسألونا بالقضاء فإننا ... نحاة وإن شئتم فقولوا نجاة وقوله: عجبا للزمان يقصى سريا ... فاضلا ماجدا ويدنى دنيا فلو أن الأيام تفقه شيئاً ... لم تكن آثرت على عليا وقوله يخاطب ولدا له: تأمل إذا رمت الكلام فإن من ... تأمل من قبل التكلم لا يخطى ومما يزين الكتب حسن خطوطها ... فنفسك جاهد في التعلم والخط

وقوله: قل للمحاول رتبة ... من غير كد ذا محال فاشر المعالى بالعنا ... فبذاك تكتسب المعال وادرس لترأس يا فتى ... واحفظ ليحفظك الرجال وذوى المعارف سلهم ... فالعلم يدرك بالسؤال وعليك حال تأدب ... معهم فذاك خير حال وجب البلاد فكم يرى ... من جال من حكم الرجال واصحب من الناس الألى ... يودون محمود الخصال وإذا تعذر هؤلاء ... فاختر سلامة الاعتزال والخير اجمعه لدى ... تقوى المهيمن ذى الجلال تمت نصيحة ناصح ... تحكى على الجيد اللآل وقوله معاتبا بعض تلامذته: أقمت بمكناسة برهة ... أعلم أبناءها ما الكلام فلما توهمه بعضهم ... على به بخلوا والسلام وقوله معزيا أبا العباس بن الشاذلى الدلائى في أخيه سيدي محمَّد: أبا العباس كان أخوك نجما ... ومن شأن الكواكب أن تغيبا وكل أخ مفارقه أخوه ... فصبراً لست وحدك من أصيبا ومن ذلك ما رأيته في كناشة العلامة سيدي المهدي بن سودة وخطه نقلت: نفس الكريم لدى العطا مرتاحة ... ويضيق نفسا لو يجود لئيم

والحر في نيل المعالى همه ... بسوى المفاخر لا تراه يروم فخر اللبيب بجده لا جده ... فالجد عظم في التراب رميم أعظم بشأن القبر من إنصافه ... سيان فيه ذو غنى وعديم اصبر على حال افتقارك يا فتى ... فالحال منتقل وليس يدوم والله يفعل ما يشا في خلقه ... فالواجب التفويض والتسليم هذا أخو حمق غبى عيشه ... رغد وهذا عاقل محروم أطلق لسانك بالثناء على الذي ... أسدى إليك فشكره محتوم وإذا ابتغيت بلا مذمة أمراً ... فالمبتغى لك نزر أو معدوم وقوله وقد تخلف عن مجلس درسه يوم غيم: أقراء الخلاصة حال بيني ... وبينكم من الأوحال حائل فعذرا في التخلف يوم وبل ... وذو الطبع الكريم العذر قابل ولولا العذر ما كنا قعدنا ... عن إيضاح المسائل للمسائل محادثة الذكى ألذ لي من ... محادثتى لربات المغازل وقوله سائلا أبا عبد الله محمَّد المرابطى الدلائى عن إعراب ما يجرى على الألسنة من لفظ كائنا من كان: يا إمام النجاة بالله أعرب ... للمسائل (¬1) كائنا من كانا واركبن للجواب متن جواد ... واصرفن نحوه -أعنت- (¬2) العنانا ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "في البيت المعاقبة وهي مما لا يجوز في الصناعة كما ننبه عليه قريبا هـ. مؤلف". (¬2) في هامش المطبوع: "المراد واصرفن العنان نحوه أُعنت هـ مؤلف".

لا برحت إلى المعالى مضيفا ... ومعدا لما يدق البيانا فأجابه بقوله: يا إماما حوى المحاسن واقتا ... د المحامد وارتدى العرفانا كائنا في التركيب حال لما قبـ ... ـــل ومن (¬1) خبر له قد بانا وهو موصوف ذو التمام قد جـ ... ــــلى الغموم مبينا تبيانا كانتماء أبى على وناهيـ ... ـــــك به فارسا دهى الاقرانا كان لا أرى علاء لمن يبـ ... ـــغى على الناس كائنا من كانا فابلونه وأعمل الفكر فيه ... تشهد الحق ساطعا برهانا فلأنت الحبر الذي فاق نبلا ... وذكاء ورفعة وامتنانا وقوله ملغزاً في الواد من ودى يدي إذا أعطى الدية: أيا من غاص في بحر المعانى ... وكم من غامض أبدى وكامن بواد قد مررت اليوم يجرى ... بلا ماء وما إن قلت مائن وأجاب عنه صاحب المنحة بقوله: فيا لبيك قد أسمعت حيا ... لغيرك خذ جوابه عن معاين بواد من وداه يديه حقا ... أردت اللغز لا واد مباين وقوله معاتبا أبا عثمان سعيد العميرى على عدم دعوته إياه لبعض الولائم: يا مولما أو مؤلما إذ لم يكن ... منه الدعا لما دعى بالشامل ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "في البيت توالى سببين مزحوفين معا وهو مما لا يجوز، إذ يجب سلامة أحدهما لقول صاحب الخزرجية: إذا السببان استجمعا لهما النجا ... أو الفرد حتما فالمعاقبة اسم ذا هـ مؤلف" ..

259 - محمد بن عبد السلام البيجرى

ما مقتضى التخصيص من دعواتكم ... وإخال موجب ذاك فقد الجادلى عجب لأيام تهين أخا حجى ... وتحب إكرام الغبي الجاهل هذى مداعبة أبا عثمان قد ... جادت بها لكم قريحة خامل ما ضره عدم الظهور فقد يرى ... عمل على إضماره للعامل خذها شذاها ضائع لكنها ... من بحر فضل وافر أو كامل وعليكم أزكى سلام طيب ... ما قيل للعالى اعتبر بالنازل إلى غير هذا مما يطول: الآخذون عنه: منهم أبو عبد الله محمَّد العربى بن محمَّد البصري صاحب منحة الجبار. وفاته: توفي ليلة الخميس السابع عشر من ذى القعدة سنة ست وعشرين ومائة وألف، ودفن قرب ضريح أبى العباس أحمد الحارثى، وهو الآن بداخل قبته مكتوب على حائط قبره اسمه وتاريخ وفاته. 259 - محمَّد بن عبد السلام البيجرى. حاله: فقيه أديب، نزيه لبيب، نحرير مشارك خطيب بليغ مصقع، مدرس نفاع نقاد، مقتدر ماهر، متضلع مطلع، له مشاركة تامة في المعقول والمنقول، تولى خطة القضاء بالحضرة المكناسية على عهد السلطان مولانا عبد الله بعد عزله لأبي القاسم العميرى، وذلك عام تسعة وأربعين ومائة وألف، ثمَّ عزله وولى مكانه السيد عبد الوهاب بن الشيخ كما في الدر المنتخب، وتولى الإمامة والخطبة بالقصبة السلطانية الإسماعيلية وقضاء الجماعة، وقفت على عدة من خطاباته والتسجيل عليه بتاريخ عام ثمانية وخمسين ومائة وألف.

وكان حسن السيرة، نقى السريرة، قال بعض الأعلام الأثبات تكلمت معه يعني المترجم في مسائل على سبيل البحث منها قوله تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [سورة الأنفال: آية 23] هل هذا قياس واحد، وظاهر نتيجته ولو علم الله فيهم خيرا لتولوا، إلخ. وهو فاسد أم قياسان؟ وكيف يستقيم تقدير الآية؟ فحاول الجواب ولم أسلمه له، ثمَّ أخرج بعض التفاسير ووقفنا على تقدير الآية ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم سماع قبول، ولو أسمعهم ولم يعلم فيهم خيرا لتولوا وهم معرضون، فاتضح المراد. ومنها قوله تعالى: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} [سورة يوسف: آية 29] فإن قياسه من الخاطئات، فما وجه العدول عنه، فأجابني بنص صاحب التخليص في قوله: والتغليب يجرى في فنون كثيرة كقوله تعالى: {. . . وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)} [سورة التحريم: آية 12] فقلت له: وجه التغليب هنا ظاهر، فإن مريم -رضي الله عنها - لكثرة قنوتها شبهت بالرجال الموصوفين بالقنوت، ففيه مدح لا بخلافه في هذه الآية الأخرى، فقال: إن زليخا هنا لما كان الخطأ يصدر منها قليلاً أخرجها عن جنس النساء الموصوفات بوقوع الخطأ منهن كثيراً فإنهن ناقصات عقل ودين، وشبهها بالرجال الذين من وصفهم عدم صدور الخطأ الكثير منهم غالبا. مؤلفاته: منها شرحه المرقص المطرب على السنوسية المسمى بفتح الرحمن، لأقفال أم البرهان، في مجلد ضخم أبد أفيه وأعاد، وحرر وهذب، ونقح وأجاد، برهن فيه عما رزقه من طول الباع، وسعة الاطلاع. شعره: من ذلك قوله يمدح الإمام الفاتح مولانا إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل:

تنبه فما شأن الذكى الفتى الحر ... تراخ وذو الحاجات قد جد في السر ولكن على ذى العقل إن كان حازما ... نهوض إلى إدراك ما رام من أمر فإن كنت حيرانا ولم تلف هاديا ... فإنى سأهدى حائرا رغبة الأجر تحقق بأن الله ليس لغيره ... كثير ولا نزر من النفع والضر كن قارعا أبواب رحماه بالدعا ... تنل كل ما ترجو سريعا من الخير وإن قيل أبواب الولاة تزحزحت ... لغلق فلا تيئس من الفتح والنصر فباب رسول الله وهو طريقه ... بمغربنا مولاى إدريس ذو الفخر إمام تعالت في المعالى سماؤه ... وآياته كالشمس لاحت على القطر به اشتهر الإِسلام في الغرب كله ... فأصبح محفوظ الجناب من الكفر وعنه روى الأعلام وأحكام شرعنا ... بتفصيل إجمال الإباحة والحظر ومنه سرت في العارفين سرائر ... فنالوا منا لا من خصوصية السر وكم حاز من فضل وأحرز من على ... يجل عن الإحصاء والعد والحصر إلى أن قال: فقير أتى نحو الحمى وهو ينتمى ... إلى حب آل البيت في السر والجهر يرجى قبولاً منكم ولعل أن ... ينال الأمانى من مسالمة الدهر فيسمو بإدراك العلوم وذوقها ... على كل نحرير تنبل في العصر فيا رب أنت الله يا منتهى الرجا ... قريب مجيب كل داع ومضطر بخير البرايا المصطفى وبزوجه ... خديجة أنس الدين فرض لها شكرى وبابنته الزهراء والفرقدين من ... سماء على ليث أسد بنى النضر

260 - محمد بن الحسن الملقب بالجنوى الشريف الحسنى العمرانى. نزيل مكناس

وبالحسن بن السبط ثمَّ بنجله ... أبى الفخر عبد الله سر سنا الفخر بمولاى إدريس الزكى وبابنه ... خليفته السامى المكانة والقدر تقبل دعائى يا إلهى بجاههم ... إليك وعجل بالإجابة عن فور وعامل بإحسان لصحبى وجيرتى ... وأهلى وأولادى وبالعفو والستر وثبت على الحسنى فؤادى ومنطقى ... لدى الختم واغفر ما جنيت من الوزر وصل وسلم كل يوم وليلة ... على الشافع المقبول في موقف الحشر وأول الرضا الآل الكرام وصحبه ... ذوى البر ما فضت كمائم عن زهر وما اخضرت الأرجا وأخصبت الربى ... وصاح مغرد بمبتسم الفجر وقوله: أهدى إلى وردة ... ظبى ثوى بقاعها (¬1) كناسه مكناسة ... يسكن في بقاعها مشيخته: أخذ عن والده أبى محمَّد عبد السلام، وأبى عبد الله محمَّد بن محمَّد المكارى الرباطى ومن في طبقتهما من الأعلام. الآخذون عنه: أخذ عنه ولده المترجم بعد وغيره. 260 - محمَّد بن الحسن الملقب بالجنوى الشريف الحسنى العمرانى. نزيل مكناس. حاله: إمام نظار، علامة مفسر محدث، متكلم أصولى، نحوى بيانى، فقيه ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "يشير إلى الحومة الشهيرة بمكناس بقاع وردة". 260 - من مصادر ترجمته: تذكرة المحسنين في موسوعة أعلام المغرب 7/ 2432.

محاضر مستحضر، متفنن نقاد، متبحر نحرير، متضلع ماهر، كامل المشاركة، كبير الإشراف على الفروع والأصول، والتبحر في المنقول والمعقول، والعارضة الطويلة في الاطلاع والحفظ والفهم الصائب والإتقان الوافر، مع المعرفة بالله والورع التام والاعتناء بالتقييد والمطالعة والإقبال على ما يقربه إلى الله زلفى. نشأ بمدشر ازجن من قبيلة سمانة، وهنالك قرأ القرآن العظيم، ثمَّ رحل في طلب العلم بالقصر الكبير ثمَّ بتازروت العلمية زاوية الشرفاء أولاد ابن ريسون، ثمَّ لتطوان، ثمَّ لفاس وجد واجتهد حتى حصل في المعلومات الضافية غاية المراد. شهد له بالإمامة في سائر الفنون جلة أعلام وقته مشايخه وغيرهم، وحصل له ظهور وشفوف مكانة عند عظماء وقته، وخضعت له أعناق الرؤساء والمرءوسين، وتصدر للإفتاء والإفادة بمرأى من مشايخه ومسمع، بل ربما قدموه للجواب عما ورد عليهم من الأسئلة وما يعرض لهم من النوازل المهمة، والعويصات المدلهمة، فيجيب بما يثلج الصدور، ويذهب ضنا المصدور. قال تلميذه سيدي محمَّد فتحا الرهونى: ولقد رأيت شيخه التاودى يسأل عن المسائل بحضرته فيكل الجواب إليه فيجيب على البديهة أحسن جواب، ولقد قدم الشيخ التاودى مرة تطوان وأنا بها فحضرت معه ليلة في دار بعض شيوخنا ومعه شيخنا الجنوى -يعني المترجم - وجماعة من الفقهاء فقال التاودى: سألنى بعض الناس وأنا راجع من المشرق عن آية كذا سماها إذ ذاك ونسيتها الآن فلم أدر ما أقول له فهل على بالكم شيء؟ فأجابه شيخنا الجنوى على البديهة بأن قال له: فيها ثلاثة أقوال للمفسرين المشهور منها كذا كما في ابن جزى، فطلب التاودى ابن جزى فأحضر في الحين فنظروه فوجدوا الأمر كما قال، وهكذا كان دأبه -رضي الله عنه - علمه معه أين ما كان.

وكان في تدريسه لا يقتصر على شرح معين بل يطالع ما أمكنه من الشروح والحواشى ويراجع المسائل في أصولها ويعارض بين النقول، ويبين المردود منها والمقبول، هكذا كان دأبه في التفسير والحديث والكلام والفقه والأصول والنحو والبيان والمنطق والتصوف، موصوفا بالتحقيق والإتقان عند الخاص والعام، مرجوعا إليه في المعضلات العظام، مقدما في كل فن وخصوصا في النوازل والأحكام، لا يكاد يخالف فتواه أحد من القضاة والحكام، مع مروءة تامة، ودين متين وخوف من الله عظيم، وورع جسيم، لا يخالف قوله فعله في شدة ولا رخاء وكانت مجالسه كلها لا تخلو من مواعظ فلا يقوم الإنسان من بين يديه في أي فن كان غالبا إلا وقد أخذت مواعظه منه مأخذا، ولا يختلف في صلاحه ومعرفته اثنان من الصلحاء. وقد سمعت العلامة قاضى الحضرة الإدريسية في وقته أبا محمَّد سيدي عبد القادر بوخريص رحمه الله - ورضي الله عنه - وأرضاه يقول: وبلغنى عنه ممن سمعه من الثقات أنَّه كان يمثل للمبرز في الصدر الأوَّل بسيدنا عمر بن عبد العزيز، وبعد ذلك بأبى محمَّد صالح، ويمثل له اليوم بسيدى محمَّد بن الحسن الجنوى، وكلامه هذا موافق في المعنى لقول سيدي جسوس فيه: وحيد زمانه، وفريد عصره وأوانه، علماً وعملاً ويأتى كلامه بتمامه. وكان يخفى صلاحه كثيرا، ومما كاشفنا به مرة وهو ملازم بوزان وكانت الأسئلة والرسوم ترد عليه كثيرا وكنت أنا خديمه ومتولى أمره بإذنه أنَّه قال: قال لي أصحابنا الذين كانوا معنا إما أن تأخذ الأجرة من أرباب الرسوم، وإما أن تتركنا نتولى أمرها، وكان -رضي الله عنه - لا يأخذ على ذلك أجرا فقلت لهم: أنا لا آخذ من أحد شيئاً، وإن أردتم أن تتولوا ذلك بأنفسكم فافعلوا ونحن في مكاننا ليس معنى أحد ولم يطلع على ذلك إلا الله تعالى.

فلما اجتمعنا معه -رضي الله عنه - على الطعام قال لنا من غير تقدم كلام: إنى حين كنت ملازما هنا قبل هذا كان رجل يدخل لي الرسوم من عند الناس ويخرجها لهم، وكنت أحبه ظناً مني أنَّه يفعل ذلك لوجه الله تعالى، حتى علمت بعد أنَّه كان يفعل ذلك ليأخذ منهم الدراهم فسقط من عينى وتركته، فخجل أصحابنا خجلا شديدا، وعلمنا أن ذلك مكاشفة لا شك فيها، وكان ذا سخاء عظيم مضيافا محبا للمساكين محسنا إليهم. وكان في أول أمره منقبضا عن السلطان جداً لا يرسل إليه ولا يراسله، إلى أن سأل مرة أمير المؤمنين، ناصر الملة والدين، ذو الشرف الأثيل، مولانا محمَّد بن أمير المؤمنين مولانا عبد الله بن أمير المؤمنين مولانا إسماعيل، التاودى عن فقهاء الوقت فذكره وأثنى عليه بين يديه ثناء كثيرا، فأرسل وراءه وهو إذ ذاك ملازم بوزان، فذهب مع بعض أعوانه هناك فلقيه بمكناسة الزيتون فأمره بسكناها بقصد التدريس بها فلم يجد من امتثال أمره المطاع بدا، فسكنها مدة ثمَّ نقله إلى ثغر طنجة فأقام بها مدة ثمَّ نقله إلى تطوان. هـ الغَرض من حاشية الرهونى. قلت: انظر همم الملوك التي هى ملوك الهمم، واهتمامهم بالتنقير عن حملة الشريعة في رعاياهم ليقدروهم قدرهم وينزلوهم محلهم، ويظهروا للخاص والعام فضلهم وشرفهم على من سواهم، وانتقاء جلتهم لبث العلم ونشره في صدور الرجال كى يسود العلم في رعاياهم، وتكسر راية الجهل فيهم، حيث إن العلم أصل أصيل للرقى والاستعمار والتقدم والنجاح المادى والأدبى الدنيوى والأخروى والعكس بالعكس: وليس يصح في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل مشيخته: أخذ عن العلامة المشارك سيدي التهامى أبى الخارق الحسنى، سرد عليه شرح الكبرى، والعلامة القاضى سيدي المجذوب بن عبد الحميد الحسنى،

والمحقق الورع أبى العباس أحمد بن محمَّد الورزازى سمع عليه صحيحى البخاري ومسلم، فالأول سمعه كله إلا مواضع قليلة لعذر ورد، الشيخ يقرأ والمترجم يسمع، وأما الثاني وهو صحيح مسلم فسمعه كله عليه، المترجم يقرأ والشيخ يسمع، وقرأ عليه نحو ثلاثة أرباع من تفسير البيضاوى مع مطالعة غيره، وقرأ عليه الشمائل الترمذية، ومختصر خليل، وجمع الجوامع، والتلخيص إلا القليل منه، ومختصر السنوسى في المنطق، وقرأ عليه شيئاً من التسهيل كما ذلك بخط يد المترجم في إجازته للحضيكى ومنه نقلت، وشيخ الجماعة سيدي محمَّد بن القاسم. جسوس قرأ عليه كثيرا من المختصر الخليلى، وصحيحى البخاري ومسلم، والحكم العطائية وغير ذلك كما ذلك بخط يده في الإجازة للحضيكى. وأبى حفص عمر الفاسى قرأ عليه التلخيص بالمطول إلا مواضع قليلة، وصغرى السنوسى قراءة تحقيق، ونحو النصف من ابن السبكى قرءاة تحقيق أيضاً والشيخ التاودى ابن سودة وغيرهم، وأجاز له عامة أبو محمَّد بن قاسم جسوس المذكور والشيخ محمَّد الحفنى: الأوّل يروى عن سيدي عبد القادر الفاسى المولود بمدينة القصر الكبير قصر كتامة زوال يوم الاثنين ثانى رمضان سنة سبع وألف المتوفى بفاس ظهر يوم الأربعاء تاسع رمضان سنة إحدى وتسعين وألف قرأ عليه ألفية ابن مالك وغير ذلك، وأبو عبد الله محمَّد بن أحمد ميارة الصغير المتوفى ضحوة يوم الجمعة خامس عشر المحرم عام أربعة وأربعين ومائة وألف، وأبو محمَّد عبد السلام بن حمدون جسوس المتوفى مخنوقاً ليلة الخميس خامس عشر ربيع النبوى وقيل منتصف ربيع الثاني عام واحد وعشرين ومائة وألف، وأبو عبد الله محمَّد بن أحمد المسناوى الدلائى المولود بزاويتهم الدلائية البكرية سنة اثنتين وسبعين وألف المتوفى بفاس سادس عشر شوال عام ستة وثلاثين ومائة ألف، وابن عبد السلام بنانى المتوفى ضحوة يوم الأربعاء سادس عشر قعدة الحرام سنة ثلاث

وستين ومائة وألف، وأبو عبد الله محمَّد فتحا بن عبد الرحمن بن زكرى المتوفى ليلة الأربعاء ثامن عشر صفر الخير عام أربعة وأربعين ومائة وألف وقيل توفى في ثامن عشرى صفر من العام المذكور وغيرهم ممن يطول ذكرهم. والثانى عن الشهاب أحمد الخليفى المتوفى عصر يوم الأربعاء خامس عشر صفر سنة سبع وعشرين ومائة وألف ودفن من غده صباحا، والشهاب أحمد الملوى المتوفى منتصف ربيع الأوَّل سنة إحدى وثمانين ومائة وألف، والجمال يوسف الملوى، والكمال عبد الرءوف البشيشى المتوفى في منتصف رجب سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف، والشيخ عيد الديوى، والشيخ عيد النمرسى، والشهاب أحمد بن البقى، واستدعاء المترجم الإجازة لمن ذكر مع نصوص إجازاتهم له مسطور في ديباجة أوضح المسالك وأسهل المراقى لتلميذه أبى عبد الله محمَّد الرهونى. الآخذون عنه: أخذ عنه الشيخ الرهونى، والعلامة الحائك صاحب النوازل، وبصرى صاحب الفهرسة الآتية ترجمته وغيرهم من الأعلام المشاهير. مؤلفاته: كان شرع في تقييد حاشية على ابن سلمون، ثمَّ لما نقل إلى بلدتنا المكناسية شغل بالتصدى للتدريس عن إتمامها، وله تقاييد على حواشى كتبه من كتب التفسير وغيره، فلو خرجت طرره على الزرقانى والحطاب والمواق والشيخ مصطفى والشيخ بنانى لكانت حاشية عظيمة الجرم، وله طرر حسنة على الشيخ ميارة على التحفة قد أخرجها جماعة من حذاق تلامذته، وطرر على المرادى والتصريح وحاشيتى الشيخ يس عليه وعلى النظم لو أخرجت لكانت تأليفا حسناً مفيداً، وكذلك حواشيه على البيضاوى وعلى الجلالين، وكذا ما كتبه بحواشى المحلى على جمع الجوامع، وابن أبي شريف عليه وناهيك من أبحاثه وتحقيقاته ما ملأ به تلميذه الرهونى حاشيته العظمى نقلا عن خط المترجم.

261 - محمد بن العلامة النظار محمد بن عبد السلام البيجرى المكناسى

ولادته: ولد في شهر رجب الأصب بمدشر ازجن المشار عام خمسة وثلاثين ومائة وألف. وفاته: توفى بمراكش زوال يوم الاثنين ثالث عشر رمضان سنة مائتين وألف، ودفن عند الغروب بروضة مولاى إبراهيم الشريف العلمى من حومة القصور الشهيرة. 261 - محمَّد بن العلامة النظار محمَّد بن عبد السلام البيجرى المكناسى. حاله: فقيه علامة، فاضل كامل، من بيت علم ومجد وقضاء، أديب شهير، حسيب نسيب، أريحى مهذب، ناثر ناظم خبير، كان وحيد عصره نظما ونثرا، وظرفا ولطفا ونبلا وأدبا وخبرا، وقريحة سيالة، وأجوبة بديهية مسكتة، مع مروءة وحياء وحشمة وسمت حسن، ودين متين، تعرض لذكره ابن عثمان المترجم بعد في رحلته المشار لها، وأتى بما تعاطاه معه من رائق مدام الآداب والظرف نظما ونثرا. مشيخته: أخذ عن والده، وعن السيد الغازى بن عبود وغيرهما من فحول الأعلام. الآخذون عنه: أخذ عنه: أخذ عنه السيد محمَّد فتحا بن محمَّد بصرى الآتى الترجمة وصاحب الثبت المشار له في ترجمة السيد التهامى أمغار وغيرها صغرى السنوسى، وتلخيص المفتاح، وألفية ابن مالك من النواسخ إلى الوقف، والخزرجية وغير ذلك، ووصفه بالعلامة الدراكة الفهامة سيدي محمَّد بن الإمام العلامة الهمام فريد عصره سيدي محمَّد بن شيخ أهل زمانه المنفرد في عصره وأوانه، سيدي عبد السلام إلخ، وحلاه في موضع آخر بالأديب الألمعى، الأحوذى اللوذعى، كما أخذ عنه غيره.

شعره: من ذلك قوله مخاطبا خله ابن عثمان عند أوبته من الديار الحجازية أنشأها حين بلغه نزوله بتونس آيبا: تاق قلبى فما له استقرار ... منذ جاءت من تونس أخبار توقان وأنس اجتمع الضـ ... ــــــدان عندي فلم يسع إنكار باشتياق لمفرد في المعالى ... تترامى دأبا به الأسفار والتأنس بالتفكر في أو ... صافه قد تؤنس الأفكار قمر المجد سار في فلك السعـ ... ــــد فذاك السيار والدوار وتحرك ذا بتحريك هذا ... له في غاية له اقصار أترى يسمح الزمان بقرب ... منه متصل وتدنو الدار فندال من النوى بسرور ... في منادمة له أسرار مثل ما قيض الإله له الألـ ... ـــــطاف فيما جرت به الأقدار نرتجى دومه عزيزا كريما ... بالمنى في الهنا له استقرار وقوله: يا كريما عز وصفا ... وعظيما جل إلفا أنت أولى بالوفا من ... كل من بالعهد وفي فاجمع الشمل كما قد ... فهت اكرم صاح ضيفا إنما ينفع إلف ... إلفه في ذاك عرفا هكذا المزحة ظنا ... بل يقينا منك يلفى إنك المرء احتمالا ... شأنها عندك خفا

فلتكن ساكن بال ... ذو النهى إن هم عفا كيف لا والشيب عال ... رأسه والماء جفا لكن الأليق حزم ... ومن المحذار خوفا فاسترب من يتزكى ... واحذر المألوف إلفا وقوله مجيبا إلفا له استدعاه: السمع والطاعة منا لكم ... واجبة والأمر ممتثل نأتى على الرأس لمجلسكم ... إن لم تسارع نحوه الأرجل نثره: من ذلك قوله مراسلا خله المترجم بعد: المبرز في العلا، المحرز للمعلى، محيى فصاحة الأوائل، ومعيى سحبان وائل، كرم الله طلعته، وحتم على الدهر طاعته، هذا وما عسيت أُحلى، ولو حصلت لي ملكة المحلى، وأنت أعزك الله السفير بين الملوك، والوزير الذي هو في عقد الوزارة فاخرة السلوك، فأنى يوصل إلى الأوج من فلك مجدك، ولا يقال للزوج إن له معنى من معانى فردك، بيد أنك حفظك الله كريم الأخلاق، وحضرتك العلية حضرة الإطلاق، فبساط أنسك لا شك أنَّه أرفع، لكن انبساطك فيه أوسع للنفس وأنفع، وهو وإن كان به الفرش المرفوعة، والأكواب الموضوعة، وألوان الطعام، مما طار كما قيل وعام، أو من غيرهما كذلك المشرب بالطيب، المشبه بقلنسوة الخطيب، فخطابك البليغ أفضل من ذلك كله وأجمل، ومنزعك اللطيف أوصل للنفوس بها وأحل، لأنَّ ذوق معانى الكلام، ألذ من ذوق ما في الإناء من الطعام، ومما هزنى من ذلك الكلام، ولزنى في المداعبة معك كما لز الألف مع اللام، ما أودعته في رسالة الاستدعاء، من قولك والساق مشمر عن ساق، فإنَّه ذكرنى قول بعض المقاول:

لم أنس يوما ما قام يكشف عامدا ... عن ساقه كاللؤلو البراق لا تعجب إن قامت لذاك قيامتى ... إن القيامة يوم كشف الساق وإنى لما حضرت ذلك المجلس الأبهر، وأظهر فيه الساقى من شمائله ما أظهر، إنما تاه فكرى في لطف مناولته، ووصف مطالعته لرضاك ومحاولته، فغبت بذلك عن ملاحظة الساق المشمر عنه، بل وعن الساعد الذى كان أقرب إلى منه، نعم أتهم لك نفسى بنظرة أولى لمحياه، وكان القلب بها حياه، لكن قلت في الحين على الشذوذ إياى وإياه، فلعل السيد لنفسه هياه، والنظرة الأولى كما علمت معفو عنها، وإذا سمح قدرك العالى بالمداعبة معنا فهذا منها، والسلام. وقوله مجيبا صديقه الحميم المذكور، عن رسالة تزرى بقلائد النحور: سيدي أدام الله لك السعادة، ولا قطع عنك من الإنعام ومديد الإكرام كما لم تقطع عادة، أن هذه النفوس كما جاء تصدى كما يصدى الحديد فتتأكد لذلك صقالتها التي هى لنورها كالتجديد، وأن مما اتفق عليه رؤساء الحكما، وأطبق عليه نجباء العلما، أنَّه لابد لها من رياضة، إذ التدريج حكمة هذا العالم وإن كانت القدرة فياضة، وصاحب القصر يهوى قبابه، وتارة رياضه، ويستحسن من أزهاره المختلفة ما خالطت حمرته بياضه. ولذا قيل: لا يصلح النفس إذ كانت مدبرة ... إلا التنقل من حال إلى حال وكما قيل أيضاً: تنقل فلذات الهوى في التنقل ... ورد كل صاف لا تقف حول منهل وفى المعنى: أفد طبعك المكدود بالجد ساعة ... يريح وعلله بشئ من المزح

262 - محمد بن عبد الواحد بن الشيخ الأموى المكناسى

البيتين. . وقد علمت أعزك الله أن اللذة انبساط باختلاس، وأكل اللذات استنباط حكم همم الجلاس، لأنَّ همة المرء ميزان عقله، وبرهان فضله، وأكثر ما تظهر في قوله، المرء مخبوء تحت لسانه، وقد كان من تقدم من الكبراء والأمراء والوزراء يستعلمون جل أوقاتهم في هذا المعنى، يولعون به ويعنون أجل بذلك يولع وبه يعنى، إلخ. وفاته: توفى فجأة في ثامن عشر رجب عام خمسة ومائتين وألف. 262 - محمَّد بن عبد الواحد بن الشيخ الأموى المكناسى. حاله: فقيه نبيه، زكى وجيه، مشارك متفنن نزيه، بذا حلاه العلامة أبو عبد الله محمَّد فتحا بن محمَّد الطاهر الهوارى، وقال في حقه أبو حامد العربى بن على القسنطينى ما لفظه: ممن ظهرت في تحصيل العلوم رغبته، وبانت فيه مرتبته هذا على صغر سنه وشبابه ومع ذلك لكمال عقله بتوفيق الله إياه، صادف الصواب في إدراك العلوم، وأتى البيت من بابه فما أحقه بقول من قال، وأحسن في المقال: إن الهلال إذا رأيت نموه ... أيقنت أن سيكون بدرا كاملا ووصفه أبو محمَّد الطيب بن عبد المجيد بن كيران بقوله: الفقيه النجيب الدراكة اللبيب. مشيخته: منهم أبو عبد الله محمَّد بن عبد السلام الناصرى، وأبو عبد الله محمَّد التاودى بن الطالب بن سودة، وأبو عبد الله محمَّد بن محمَّد الطاهر الهوارى، وأبو حامد العربى بن على القسنطينى الحسنى، والحارث بن المفضل الحسينى الحسنوى، وأبو عبد الله محمَّد بن محمد البيجرى الأندلسى، وأبو عبد الله محمَّد بن أحمد بنيس الفاسى، وأبو العباس أحمد بن على الحسنى المدغرى،

263 - محمد بن الحسن الوكيلى

والطيب بن عبد المجيد بن كيران، وحمدون بن عبد الرحمن بن الحاج السلمى، وغيرهم وأجازه جميعهم عامة، ووقفت على نصوص إجازاتهم له تركت جلبها اختصارا. الآخذون عنه: من أجلهم مسند فاس في عصره أبو محمَّد التهامى بن المكى ابن رحمون الإدريسى، وأجازه عامة وقفت على إجازته له بخطه. وفاته: توفى في خامس عشرى جمادى الثانية عام ستة ومائتين وألف، حسبما وقفت على ذلك بخط تلميذه ابن رحمون المذكور بطرة إجازته له. 263 - محمَّد بن الحسن الوكيلى. حاله: العلامة الأكبر، المحقق المدقق، المشارك في الفروع والأصول، الباهر في المعقول والمنقول، المدرس النفاع، المنضلع الكثير الاطلاع. مشيخته: أخذ عن سيدي أحمد بن عبد العزيز الهلالى ومن في طبقته. الآخذون عنه: أخذ عنه السيد محمَّد بصرى مؤلف إتحاف أهل الهداية ألفية ابن مالك، وشفاء عياض، وهمزية البوصيرى، والخزرجية، وتلخيص المفتاح، ولامية الأفعال وغير ذلك، وروى الموطأ من طريقه. شعره: من ذلك قوله يرثى شيخه الهلالى: سير الجبال من أكبر العلامات ... على الفنا والزوال والقيامات وهو الدليل على أن لا بقاء سوى ... لمالك الملك بارئ الخليقات مفنى الدهور وقاصم الظهور وقا ... سم الشهور لأيام وساعات إلى أن قال: فى كل يوم له شأن يفصله ... لدى خلائقه من المرادات

إلى أن قال: قضى على خلقه بالموت أجمعهم ... فكلهم عرضة لكل آفات قضية سورها الكلى موجبة ... دامت وعمت لأفراد البريات أين القرون الألى مضوا وما صنعت ... أعصارهم من غرائب الصنيعات أين الملوك وأبناء الملوك ومن ... يجبى إليهم من أقطار بعيدات وأين عاد الأولى وأين قوتها ... وما جرى فيهم من العقوبات وأين شدادهم وأين تبعهم ... وما لساسان من آى عجيبات وأين دارا وقد أدار دائرة ... به الردى فهوى بعد المجارات أين الحكيم وما حواه من ذهب ... وما أعد لملك من خزانات إلى أن قال: وأين أبناء مروان وملكهم ... وأين ما دوخوا من البلادات وأين ملك بني العباس بعدهم ... وما لهم من وقائع غريبات وأين أندلس وما بحوزتها ... من زهرة وأفاخر النعومات أين ابن عباد أين ملك آسره ... حتى سقاه الردى كأسا بأغمات إلى أن قال: مات الهلالى واختل النظام وعـ ... ـــــم الخطب منه الورى حتى الجمادات مات الإمام الذى عمت فضائله ... طود العلوم وقدوة لقادات شيخ الشيوخ فريد العصر قاطبة ... مجدد الدين غاية النهايات فيا لها فجعة حق لوقعتها ... هد الجبال ووقعة السماوات

264 - محمد فتحا بن محمد بن سميه بن عبد الرحمن بن عبد الله

عم الصدا وعيون الأرض قد يبست ... وغض بحر الندى مع الإفاضات إلى أن قال: وليبك من فقده الإِسلام أجمعه ... فالشرق والغرب فيه في مساوات ولتبك عنه كراسى ومنبره ... حتى اليراع لفقده الكتابات وهى طويلة: وفاته: توفى بعد ستة ومائتين وألف. 264 - محمَّد فتحا بن محمَّد بن سميه بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر ابن عبد الرحمن بن ولي الله أبى موسى عمران. البصري بالتعريف الأصل، المكناسى النشأة والدار، هكذا قال عن نفسه في استدعاءاته للإجازة من مشايخه. حاله: فخر مكناس، وواسطة عقد أفراده السراة الأعلام، رواية رحالة، علامة أثرى محدث مسند، مقرئ حافظ لافظ، جماع مؤرخ، حجة فاضل جليل، نبيل أصيل، مدرس نفاع، له مشاركة تامة وقدم راسخ في العلم والدين والجلالة، ذو قلم بارع وإلمام بالمهمات، رحل إلى فاس وقضى بها زمنا في الأخذ عن أئمتها الأعلام إلى أن ملأ من المعلومات الجراب، وأقر له بالتفوق في سائر الفنون صدور الشيوخ، ثمَّ رحل للمشرق وحج وزار، ولقى الأخيار، ودخل مصر وغيرها من الأقطار، واستفاد وأفاد، وكانت رحلته للحج سنة ثلاث ومائتين وألف حسبما ذكر ذلك عن نفسه لدى إيراده للحديث المسلسل بالضيافة. مشيخته ومروياته: أخذ عن والده العلامة الزاهد محمَّد بن العلامة محمَّد ابن الإمام الخير الألمعى عبد الرحمن البصري السابق الترجمة، قرأ عليه بعضا من الرسالة والألفية، والمختصر، والمرشد، والآجرومية مرارا، وسلكات من سور

القرآن، والترغيب والترهيب للمنذرى، والذخيرة للشرقاوى، وأخذ هو عن أولاد العميرى وغيرهم. وأخذ عن الغازى بن العربى بن عبود المتوفى في التاسع والعشرين من صفر عام سبعة وثمانين ومائة وألف الألفية والمختصر، واللامية والجمل، والصغرى والقلصادى، والآجرومية، وابن عاشر، والرسالة، واصطلاح القاموس، وبعض التفسير، والبخارى، والتلخيص. وأخذ عن أبي عبد الله محمَّد بن محمَّد بن عبد السلام البيجرى ما تقدم ذكره في ترجمته. وأخذ عن أبي حفص عمر بن الحسن الصنهاجى المتوفى في الثاني والعشرين من جمادى الثانية عام سبعة وتسعين الألفية، والمختصر، والآجرومية، واستفاد منه كثيرا. وأخذ عن أبي محمَّد المهدي بن العلامة الطيب بن الصغير بصرى المتوفى في العشرين من جمادى الأخيرة عام ثلاثة وتسعين الألفية، والمختصر، والآجرومية، والصغرى. وأخذ عن أبي عبد الله محمَّد بن القاضى الطيب بصرى الآتى الترجمة الألفية، وبعض المختصر. وعن التهامى بن الطيب أمغار السابق الترجمة، قرأ عليه الألفية واستفاد منه فوائد علمية. وعن العلامة أبى عبد الله محمَّد بن الحسن الوكيلى المترجم قبله. وعن الإمام محمَّد الجنوى الحسنى، قرأ عليه المختصر، والبخاري، والتلخيص، والألفية وابن السبكى.

وعن الشريف مولاى محمَّد بن السيد تلميذ أبى العباس الهلالى قرأ عليه المسلم، واستفاد منه. وعن العلامة المقرئ السيد مبارك الشيظمى السالف الترجمة، قرأ عليه القرآن العظيم مرات متعددة بما يحتاج إليه من رسم وضبط وغيرهما. وعن أبي عبد الله محمَّد بن عبد السلام الفاسى. وعن العلامة أبى عبد الله محمَّد بن أحمد بنيس، وعن الشيخ أحمد بن عمار بن عبد الرحمن بن عمار الجزائرى، وعن الشيخ عبد العزيز بن حمزة المراكشى. وأخذ عن العالم الموقت أبى عبد الرحمن محمَّد السعيدى بن الموقت عبد القادر بن الموقت محمَّد بن الموقت عبد الرحمن بن محمَّد الفاسى به عُرِف، الشاوى المعزاوى المترجم جده فيما تقدم، قرأ عليه التوقيت علماً وآلة قراءة تحقيق، وإمعان نظر وتدقيق. وعن الموقت ابن عبد الله محمَّد بن الفقيه محمَّد بن أحمد المصمودى، قرأ عليه التوقيت أيضاً علماً وآلة. وأخذ عن العلامة أبى عبد الله محمَّد بن الحسن بنانى محشى الزرقانى المتوفى عام أربعة وتسعين، التفسير، والكتب الستة، والموطأ، ودلائل الخيرات، ووظيفة الشيخ زروق، وأحزاب الشاذلى، وحزب النووى، وحزب الفلاح، والمشيشية، وحصن الحصين، والحكم، والنصيحة الكافية، والتسهيل، والألفية، والمختصر، وألفية العراقى في الاصطلاح، وسنن المهتدين، والتوضيح، والصغرى، وعقائد النسفى، وتحفة ابن عاصم، وأقرأ بحضرته وحضه على الدءوب على ذلك.

وأخذ عن العلامة سيدي زيان العراقى المتوفى في الثامن والعشرين من جمادى الأوَّل عام أربعة وتسعين لازمه أربعة أعوام ونصفا صباحا ومساء، كان يقرئ التفسير في الغلس وبعده في مجلس واحد البخاري، وفي الضحى المختصر، وبعد الظهر التسهيل، وبين العشاءين المرشد وغير ذلك مما كان يتداوله إذا فرغ من بعض تلك الكتب. وعن الشيخ التاودى ابن سودة لازمه مدة مديدة وقرأ عليه التفسير، وبعض المختصر، وابن عاصم، والزقاقية، والألفية، وجامع الشيخ خليل، وابن السبكى، والحكم، وبعض الكتب الستة، والموطأ والشمائل، والدلائل ووظيفة زروق، وحزب الشاذلى الكبير والصغير، وحزب النووى، وحزب الفلاح للجزولى، والمشيشية، والحصن واستجازه فأجازه وأقرأ بحضرته فرضى بذلك وحضه على الدءوب على ذلك. وعن العلامة الداركة الشيخ عبد الكريم بن عمر بن على بن أبي بكر الزهنى. المعروف باليازغى المتوفى أواخر عام مائتين وألف لازمه مدة مديدة، وقرأ عليه الموطأ وأوائل الكتب الستة والألفية، والمختصر، والسبكى، والمغنى، واستجازه فأجازه. وعن العلامة أبى محمَّد عبد القادر بن أحمد بن العربى بن شقرون، لازمه سنين عديدة، وقرأ عليه المختصر، والألفية، واللامية، والتلخيص، والسلم وأوائل الموطأ، والصحيحين، والشمائل، والشفا. وأخذ في رحلته الحجازية عن الشيخ مرتضى الحسينى الزبيدى الحنفى، والشيخ محمَّد بن محمَّد بن أحمد بن عبد القادر الأمير، والشيخ أحمد بن موسى البيلى -بكسر الموحدة- المالكيين، والشيخ سليمان العجيلى - بكسر المهملة وفتح الجيم وسكون الياء وكسر اللام مشبعة -الشهير بالجمل، والشيخ محمَّد بن

أحمد الجوهرى بضم الجيم الخالدى، والشيخ أحمد العروسى، والشيخ عبد الوهاب بن محمَّد بن على الشبرواى المصرى الشافعيين، والشيخ صالح بن يوسف بن مصطفى المقدسى الحنبلى الأزهرى شيخ حنابلة مصر. أما مروياته فقد أخذ رواية ورش عن شخيه الشيظمى، وهو عن الأستاذين السيد على الخراز والسيد المهدي بن الحاج أحمد بن موسى بارة المتوفى سنة ثلاث وسبعين بتقديم السين ومائة وألف، كلاهما عن سيدي إدريس المنجرة. وأخذها أيضاً عن محمَّد بن عبد السلام الفاسى عن عبد الرحمن المنجرة عن والده إدريس المنجرة، عن أبى عبد الله محمَّد السرغينى الشهير بالهوارى، عن عبد الرحمن بن أبي القاسم بن القاضى، وأخذها أيضاً عن شيخيه الأمير المصرى والشيخ مرتضى الزبيدى. وأخذ عن السيد مبارك أيضاً بالأسانيد المذكورة، والشيخ مرتضى والأمير رواية قالون، والبزى، وقنبل، والسوسى، وهشام، وابن ذكوان، وشعبة، وحفص، وخلاد، والدورى، وأبى الحارث. وأخذ عن الأمير والشيخ مرتضى الزبيدى رواية ابن جماز، وابن وردان وروح، ورويس، والوارق، وإدريس، وخلف. وأخذ الموطأ برواية يحيى بن يحيى الليثى عن السيد الغازى بن الحاج العربى ابن عبود المكناسى، عن الحاج على بن عبود، عن محمَّد بن سالم بن أحمد الحفنى، وأخذها أيضًا عن الشيخ محمَّد بن محمَّد بن أحمد بن عبد القادر الأمير والشيخ أحمد بن موسى البيلى، والشيخ مرتضى الحسينى الحفنى، والشيخ سليمان العجيلى، والشيخ محمَّد بن أحمد الجوهرى، والشيخ أحمد العروسى كلهم عن أبى عبد الله الحفنى.

وأخذها بالرواية المذكورة أيضاً عن الشيخ محمَّد بن الحسن بنانى، عن الشيخ محمَّد بن عبد السلام بنانى، عن الشيخ محمَّد بن عبد القادر الفاسى، عن الملا إبراهيم الكردى. وأخذها أيضاً عن الشيخ محمَّد بن الحسن الوكيلى، عن أبي العباس بن عبد العزيز الهلالى، عن العجيمى. وأخذها أيضاً عن الشيخ عبد القادر بن شقرون، وعن الشيخ محمَّد بن أحمد بنيس، وعن الشيخ التاودى ابن سودة، والشيخ أحمد بن عمار بن عبد الرحمن ابن عمار الجزائرى، وعن الشيخ عبد الوهاب الشبرواى الشافعي المصرى، والشيخ عبد الكريم المعروف باليازغى الفاسى، ومن طرق بعض هؤلاء الشيوخ روى روايات أبى مصعب، ومطرف، وابن الحسن، وأبى حذافة حسبما هو مبسوط في ثبته إتحاف أهل الهداية والتوفيق والسداد. وأخذ صحيح الإمام البخاري عن السيد الغازى وبنيس المذكورين، وعن سيدي محمَّد بن الحسن بنانى، والشيخ التاودى بن سودة، كلاهما عن ابن عبد السلام بنانى، عن سيدي محمَّد بن عبد القادر الفاسى، عن والده، وعن الشيخ صالح بن يوسف المقدسى الحنبلى، عن العدوى. وأخذ صحيح مسلم عن ابن عبود، والوكيلى، والتاودى، وابن الحسن، بنانى وبنيس، واليازغى، وابن شقرون، وعن صالح المقدسي، وعن الشيخ الأمير وغيره ممن ذكر من المصريين بأسانيد الموطأ المتقدمة. وأخذ سنن أبى داود عن الغازى بن عبود، ومرتضى، وبنانى بالأسانيد المتقدمة. وأخذ جامع الترمذي، وسنن النسائي الصغرى المجتبى، عن ابن عبود وبنانى، والجزائرى، والمقدسى، والمصريين.

وأخذ سنن النسائي الكبرى عن شيوخه بنانى، والجزائرى، والعروسى. وأخذ عنهم أيضاً بأسانيدهم المسطرة في ثبته سنن ابن ماجه، ومسند الشافعي، ومسند الإمام أحمد، ومسند الدارمى، والمخلص لأبي الحسن المعافرى، والتقصى لابن عبد البر، ومسند الطيالسي، والأدب المفرد، ومسند عبد بن حميد، ومسند البزار، وعمل اليوم والليلة. وأخذ معاجم الطبراني الكبير والوسط والصغير عن الأمير وغيره من شيوخه المصريين المذكورين في أسانيد الموطأ، وكذلك مكارم الأخلاق للطبرانى، ومسند أبى يعلى التميمى الموصلي، ومسند ابن مخلد الشيبانى. وأخذ صحيح ابن حبَّان عن العروسى وغيره من المصريين وكذلك سنن الدارقطني، ومستدرك الحاكم، والحلية لأبي نعيم، ومسند الإمام أبى حنيفة، -ومن طريق الجزائرى أيضاً- ومسند القضاعى، وأخذ مسند الفردوس عن الأمير وغيره من المصريين، وكذلك كتاب الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا، وكتاب ذم الملاهى، وكتاب قصر الأمل، وكتاب التوكل، وكتاب محاسبة النفس كلها له، وعن العروسى وغيره من المصريين كتاب اليقين، وعن الأمير وغيره من المصريين كتاب الدعاء، وكتاب الشكر لابن أبي الدنيا، وعن ابن الحسن بنانى والأمير وغيره من المصريين مشكاة الأنوار لابن عربى، وكذا سائر كتبه. وعن بنانى والجزائرى والعروسى الأربعين للنووى، وعن الأمير وغيره من المصريين الأربعين للباخرزى، وكذلك الأربعون حديثا لأبى منصور النيسابورى، والأربعون للشيبانى، وعن العروسى الأربعين لأبي بكر الآجرى والأربعين البلدانية للسلفى، وعن الجزائرى والأمير والعروسى والجوهرى المصابيح للبغوى.

وعن الغازى بن عبود، وابن الحسن بنانى، والجزائرى، والشيخ مرتضى الشفاء للقاضى عياض وسائر كتبه، وعن الأمير وغيره من المصريين مشكاة الأنوار للتبريزى، وعن العروسى ثلاثيات عبد بن حميد تخريج الحسينى، وعن بنانى والجزائرى والجوهرى والعروسى الجامع الكبير والصغير للسيوطى، وعنهم أيضاً الترغيب والترهيب والشمائل للترمذى، والجوهرى معانى الأثر، وعن الأمير وغيره من المصريين عوارف المعارف، وعن الجزائرى والأمير والعروسى مصنفات الصاغانى، وعن الجزائرى والأمير كتاب شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادى، وعن الأمير والجوهرى مسند الهداية للبرهان المرغينانى، وعن العروسى والأمير وغيره من شيوخه المصريين سنن البيهقي، وعن الأمير منتقى ابن الجارود، وعنه وغيره من المصريين مسند ابن أبي شيبة، ومسند أبى عوانة، ومسند سعيد بن منصور، وصحيح ابن خُزَيْمة، والخلعيات للموصلى، ومسند الحارث بن أبي أسامة، وصحيح الإسماعيلى، وتأليف أبى الشيخ، وكتاب الزهد والرقائق لابن المبارك، ونوادر الأصول للحكيم الترمذي، ومسند ابن راهويه، والدرة الطاهرة للدولابى، ومسند بَقِى بنَ مَخْلَد، وتاريخ ابن مَعِين، ومصنف وَكِيع، وتأليف أبى مهدى عيسى الثعالبى الجزائرى ثمَّ المكى، وابن شاهين، ومسند الحميدى، ومعجم ابن قَانِع، وعشاريات القلقشندى، والفوائد الغيلانيات وتأليف الحسن بن عرفة وأصول الإِسلام الأربعة للدانى، ومكارم الأخلاق للخرائطى، ومصنفات ابن أبي حاتم، ومؤلفات الخلال، وجامع الأصول لرزين وتآليف ابن الجوزى وأبى بكر الأزرق، وعن العروسى كتاب القربة لرب العلمين، في فضل الصلاة على سيد المرسلين، لابن بشكوال، ومشيخة ابن البخاري، والإعلام، بفضل الصلاة على النبي - عليه الصلاة والسلام - للنميرى. وعن الأمير تآليف عبد الحق، وتآليف السهيلى، وشرح ابن ماجه للبرهان الحلبى، والعشرة الغوالى للرئيس الأصبهانى، وعن بنانى الأبى، وعن الشبراوى

تيسير الأصول، ومؤلفات البقاعي، ومؤلفات إسماعيل اليمنى، والقاضى المزجد وشرح الشفا للدجلى. وكذلك روى عن أولئك الشيوخ تصانيف العراقى، والسحاوى، والسنباطى وزكريا، وابن حجر، والقسطلانى، والزرقانى، والشبراملسى، والغيطى، والمناوى، والمهيثمى، والشوبرى، والفرغانى، والذهبى، والقرطبى، وابن عبد البر، ومقدمة ابن الصلاح، وشرح البخاري لابن الملقن، والكرمانى والفصل بين الراوى والواعى لابن خلاد. وروى عن شيخه الفاضل العالم النبيل الكامل المسن البركة الشيخ عبد العزيز ابن حمزة المراكشى المسلسل بالأولية سمعه منه بالحرم المكى تجاه الكعبة، وبالحرم المدنى تجاه قبر النبى - صلى الله عليه وسلم -، وهو سمعه من مرتضى، وعن بنانى وغيره من الشيوخ المذكورين المسلسل بالمصافحة والمشابكة والسبحة، إنى أحبك، وقراءة سورة الصف، والقبض على اللحية، وسلسلة الذهب، والمحمدين، والمصريين، وقراءة الفاتحة، ومناولة الطاقية القادرية المعروفة في المغرب بالعراقية، ومسلسل تلقين لا إله إلا الله، ومسلسل الصوفية والفقهاء، وقول: والله إنه حق إن شاء الله، وقول: جعلك الله نوراً يستضاء به في المشارق والمغارب في الأذن اليمنى، ومسلسل قص الأظفار يوم الخميس ومسلسل يوم العيد ويوم عاشوراء والأحمدين. وكذلك روى الاكتفاء، وعيون اليعمرى، والدرر لابن عبد البر، وتاريخ ابن خلدون، وسيرة ابن إسحاق، والواقدى، والحلبى والشامى، وابن فارس، والمحب الطبرى، وشرح ألفية العراقى لياسين الخليلى. وأما مصنفات علوم القراءات فروى منها مؤلفات الشاطبى، واليسير وشرحه، ونظم الفريد، وتهذيب الغافقى، ومؤلفات الصَّفَّار، وأبى الحسن بن سليمان، والجعبرى، وتعريف السهيلى في المبهمات، ومقنع الدانى، وممتع ابن

الكماد، ومختصر ابن البقال، وتكملة القيجاطى، والحصرية والخاقانية والبارع، روى ذلك عن شيوخه ابن عبد السلام الفاسى، والشيظمى وغيرهما. وروى في علم الرسم والضبط تآليف الخراز، وابن نجاح، وابن عاشر، وابن برى، وشرح الخراز للتنسى، وأبو جير على الدرر لابن مسلم. وعن الأمير بمحضر جماعة من العلماء بالزواية الناصرية المجاورة لداره بمصر القاهرة في سادس عشر شوال عام ثلاثة ومائتين وألف، المسلسل بالضيافة على الأسودين، والمسلسل بقول أشهد بالله وأشهد لله كما قال ذلك المترجم عن نفسه في ثبته. وعن ابن الحسن الوكيلى، وابن الحسن بنانى، والعروسى، تفسير ابن عطية، وسائر مصنفاته، وهداية مكى. وعن الغازى بن عبود، وابن الحسن الوكيلى، والجزائرى، تفسير البيضاوى وسائر مصنفاته. وعن بنانى، والأمير تفسير ابن جرير. وعن بنانى تفسير الثعلبى، وعنه وعن الأمير والعروسى تفسير الواحدى، وتفاسير أبى حيان الثلاثة. وعن بنانى تفسير أبى السعود، والكواشى، وعنه وعن العروسى تفسير الفخر الرازى. وعن الجزائرى والجوهرى والعروسى تفسير البغوي وسائر مؤلفاته، وكذلك روى تفاسير السيوطي وبقى ابن مخلد، والمحلى، والخازن، والسفاقسى، والحاتمى، والثعالبى، والزمخشرى، والماوردى، والسلمى، والاعتبار للحازمى، وبيان المنن لابن الطليسان، وأخلاق حملة القرآن للآجرى.

وروى عن والده محمد بن محمد بن عبد الرحمن بصرى، عن أبى القاسم العميرى، عن أبى العباس الشدادى، عن أبى العباس بن الحاج، عن سيدى عبد القادر الفاسى. وكذلك عن ابن الحسن بنانى والشيخ التاودى كلاهما عن ابن عبد السلام بنانى كتب الفقة المالكى، كمختصر خليل، وابن الحاجب، ومؤلفات البرادعى، وابن عرفة، والقرافى، والمواق، وابن أبى زيد، وابن عبد السلام، وابن رشد، وحلولو، والرصاع، والبرزلى، والمشدالى، وابن ناجى، والتتائى، والمقرى والوانوغى، وابن الجلاب، والفاكهانى، والمازرى، وابن بشكوال، والخرشى، وا بن راشد، والبساطى، والقباب، واليزناسنى، وابن فجلة الزرقانى، والجنان، والحطاب، والمكناسى، والزقاق، وعبد الرحمن الفاسى العارف، وبابا السودانى والسنهورى، والبدر القرافى، والمعيار، والمنجور، وابن فرحون، وابن جماعة، واللقانى، وابن رحال، والنفراوى، والأجهورى، وعبد الوهاب، وابن شاس وابن عمر، وابن عاشر. وعن الجزائرى، والعروسى، والأمير، والبيلى، والشيخ مرتضى، والشيخ الجمل عن عطية الأجهورى فقه الشافعى. وروى في الفقه الحنفى عن التاودى ومرتضى عن مشاهير علماء الحنفية، وروى فقه الحنابلة عن التاودى وصالح المقدسى. وروى من الفهارس فهرسة ابن غازى، وابن حجر، وزكرياء، والمنتورى، والقصار، وزروق، وابن الزبير، والوادى آشى، والبديرى، والبصرى، وأبى سالم العياشى، وحسن العجيمى، ورحلة ابن رشيد. وروى في علم الكلام مصنفات الأشعرى، والرازي، وابن زكرى، والسنوسى، والنسفى، وإمام الحرمين، والكورانى، والماتريدى، والعضد، والسعد، والباقلانى، والبقاعى، واللقانى.

وروى في أصول الفقه مصنفات التقى السبكى وولده التاج، والمحلى والعراقى، وابن أبي شريف، وابن دقيق العيد، والعضد، والعصام، وابن الحاجب، ومراصد الفاسى. وروى في النحو كتاب سيبويه، ومصنفات ابن مالك، وابن هشام، والمكودى، والبجائى، ويحيى الشادى، والراعى، والزياتى، والقدومى، وابن المجراد، والشاطبى، وأبى حيان، وابن آجروم، والسيوطي، وابن الحاجب، والعينى، والمرابط الدلائى، وعبد السلام القادرى. وروى في علم المعانى والبيان تآليف الفزوينى، والعباسى، والجرجانى، والعصام، والسعد، والجربي، والولالى. وروى في اللغة وفقهها القاموس، والصحاح، وأفعال ابن القوطية، والفصيح، والزبيدى، وألفاظ ابن السكيت، والمقصورة الدريدية، والحازمية، وأدب الكتاب، ومصنفات الحريرى، وأبى منصور الثعالبي، والقلائد، وديوان الستة وشعر المتنبي، وأبى تمام، والمعرى. وروى في الأنساب تآليف الرشاطى، وعبد الحق، وفي علم التعبير المرقبة العليا، وابن جابر، وفي العروض الخزرجية وشرحها للغرناطى، وزكريا، وفي المنطق شروح المسلم لابى مدين السوسى، والعربى بردلة، وقدورة، وشرح المختصر للولالى، وفي علم الأوفاق تآليف العربى الفاسى والجزنائى، وفي الهندسة كتاب ابن ليون، وابن الرقام. وروى في الطب تآليف ابن زهر، والحفيد ابن رشد، وابن الخطيب، والشقور، وابن نفيس، وفي الحساب مؤلفات القلصادى، وابن البنا، وابن قنفذ، والمنية.

وروى في الفرائض الحوفى، والتلمسانية، وشرحيهما للسنوسى، وكتب الطنجائى، والعقبانى، والقلصادى، والسيتاني. وروى في التوقيت والتعديل والأسطرلاب روضة الجادرى، وشرحها للماواسى، والزجنى، وابن القاضى، وكتب ابن الرقام، وابن الكماد، وابن البناء، وابن الحباك. وفي التصوف روى كتب زروق وابن القيم، وابن عطاء، وابن عباد، والساحلى، والبوصيرى، والسنباطى، والقوت، وتذكرة القرطبى، وصفوة ابن طاهر، ومصنفات الشعرانى، والنووى، واليافعى، والقصرى، والحرانى، وابن الفارض، والسهروردى، وإمام الحرمين، والغزالي وابن مت الهروى، والقشيرى، وأبى مدين، والجيلانى، وابن مشيش، والشاذلى، حسبما هو مبسوط بأسانيده المتعددة وطرقه في ثبته المشار له آنفا. مؤلفاته: منها ثبته الحفيل الدال على غزارة علمه وسعة رحلته وشدة اعتنائه بالدراية والرواية المعنون بإتحاف أهل الهداية والتوفيق والسداد، بما يهمهم من فضل العلم وآدابه والتلقين وطرق الإسناد، قال في أوله: رأيت هذا الأمر على أكيد، إذ قطعت على أخذ العلم دراية ورواية بعض مشارق الأرض ومغاربها برها وبحرها بريداً في بريد، ومع ذلك تخاطب بلسان حالها هل امتلأت؟ وأَقول أما من الخيرات فلا نقنع بل هل من مزيد، ذكر فيه أسانيده أولًا، ثم أوائل كتب الحديث، وختمه بأبواب وفصول في فضل العلم وآداب الطلب وما يتعلق بذلك من الفوائد مع ذكر الشيوخ الذين أخذ عنهم بالقراءة أو الإجازة، وثبته هذا بخطه في أصله بمكتبتنا، ومنه انتسخت بعض النسخ لبعض أصدقائنا وقد سقطت منه بعض أوراقه في موضوعين أولها عند ذكره أوائل كتب الحديث، والثانى عند ذكر شيوخه.

[صورة من مخطوط] أول صحيفة من فهرس بصرى بخطه في مسودته

[صورة من مخطوط] آخر صحيفة من فهرس بصرى بخطه

265 - محمد بن العلامة القاضى أبى عبد الله محمد الطيب

أما وفاة المترجم فلم أقف عليها، نعم صرح هو عن نفسه بأن تاريخ فراغه من تبييض ثبته المذكور كان زوال يوم الخميس التاسع عشر من شعبان عام ستة ومائتين وألف كما ذلك بخطة آخر الثبت المذكور. وقد أضاعه قومه خصوصا، وأهل بلده عموما، وأى فتى أضاعوا، فلم أر من يعرفه من أقاربه وبنى جلدته فضلا عمن يعتنى بالأخذ والرواية عنه أو بشئ من آثاره وأخباره. وهذا البيت البصري قد أفَلَت اليومَ شموسُه وأقماره فلم يبق فيه أحد ممن يذكر بعلم أو فهم على ما سلف فيه من الأئمة الأعلام والأولياء الأخيار. 265 - محمد بن العلامة القاضى أبى عبد الله محمد الطيب بن محمَّد بن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن ولى الله أبي موسى عمران بصرى. أحد كبار الأولياء العظام الشأن. حاله: له في المعقول والمنقول رسوخ وثبات، وهجوم على حل الغوامض ووثبات، إمام همام، تاج مفرق الأعلام، مدرس نفاع. مشيخته: أخذ عن الغازى ابن عبود، وأبى حفص عمر الفاسى، وغيرهما. الآخذون عنه: أخذ عنه أبو عبد الله بصرى صاحب إتحاف أهل الهداية ألفية ابن مالك وبعض مختصر خليل، وأخذ عنه غيره من النقاد. وفاته: توفي ضحى يوم الجمعة تاسع رجب عام ثمانية ومائتين وألف ودفن بعد صلاة الجمعة بزاوية سيدي محمد الغمارى، قرب سيدي عمرو بوعوادة، وقبره ما بين السارية الأولى عن يسار الداخل، وبين الباب متصلا بالسارية، وحضر جنازته خلق عظيم رحمه الله ورضى عنه. ¬

_ 265 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 7/ 2451.

266 - محمد بن عبد الوهاب بن عثمان الكاتب السفير الرحالة الوزير الكبير المكناسى النشأة والدار

266 - محمد بن عبد الوهاب بن عثمان الكاتب السفير الرحالة الوزير الكبير المكناسى النشأة والدار. حاله: فقيه علامة أديب أريب نبيه، حسن البديهة، قوى العارضة، شاعر مفلق، نقاد كاتب بليغ، يطرز كتابته بفنون البلاغة والإنشاء، وفق ما يشاء، اصطفاه أمير المؤمنين سيدي محمد بن عبد الله لسرد الكتب وهو إذ ذاك في عنفوان شبابه، وقد كان مورقا وواعظا بمحل أبيه، ثم اتخذه كاتبا في بساطه الملوكى، ثم قلده الولاية بتطوان مدة أعوام كما للزيانى في الفهرسة، ثم استوزره. وكان من أهل الفضل والدين قائما بمأموريته أحسن قيام، وكان منقطعا ليتيمة الأشراف مولاى على بن أمير المؤمنين سيدي محمد بن عبد الله، وله فيه أشعار رقيقة وأمداح رائقة فغمره إحسانا وإنعاما وامتنانا. ثم استعمله السلطان المذكور في السفارة بينه وبين الدول، فجال بسبب ذلك في أوروبا وإفريقية وآسيا وما بينها، أرسله أولا سفيرا عنه لدولة إصبانيا وملكها كارلوس الثالث للنظر في أمر الأسارى المسلمين الذين عندها وكان ذلك سنة 1193، فعقد معها معاهدة، وألَّف في ذلك رحلة. قال "شيني" قنصل فرنسا لذلك العهد بسَلا في صحيفة 519 من الجزء الثالث من كتابه عن المغرب المطبوع بباريس سنة 1787: إن الخلاف الذي وقع بين فرنسا وإنكلترا غير الحالة الساسية بأوربا، فرأت إصبانيا أن ذلك يساعدها على تجديد العلائق مع المغرب، فجدد السلطان معها الصلح والعلائق إجابة لسعيها وذلك سنة 1780 بواسطة ابن عثمان وقبل بكل ارتياح جميع المطالب الإصبانية. ثم ووجهه ثانيا سفيراً لحكومة مالطة ونابولى فباحث الأولى سنة 1195 في شأن الأسرى، وعقد مع ملك نابولى اتفاقا، وألَّف في هذه السفارة رحلة أخرى. ¬

_ 266 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 7/ 2463.

ثم رحل للحج مقلدا التكاليف المولوية في سفارة ثالثة للدولة العثمانية وذلك سنة 1200، وكانت مبارحته رباط الفتح -حيث كان حلول الركاب الشريف ثم -مهل المحرم فاتح السنة المذكورة ودخل القسطنطينية العظمى ودمشق الشام والقدس الشريف وزار الخليل ودخل الجزائر وتونس وتلمسان، ولقى أعلام تلك البلاد، واستفاد وأفاد، ثم آب لمسقط رأسه، ومحل أُنسه، مكناسة الزيتون، حيث له الأهل والإخوان والبنون، ضحوة يوم الثلاثاء لست بقين من شوال عام اثنين ومائتين وألف وكتب في ذلك رحلة أُخرى، وقد أسلفنا شرح ما وقع له في هاتين السفارتين ملخصا من رحلتيه فيهما في فصول العلائق السياسية من الترجمة المحمدية. ثم عثرت بعد ذلك على كلام بعض المؤرخين من الإفرنج يدل على أنه تولى السفارة أيضًا للسلطان المذكور إلى إمبراطور النمسا، وأنه تولى السفارة من بعده لولده مولاى اليزيد إلى دولة الإصبان، فقد ذكر "أكرابير دى همسو" في صحيفة 234 من كتابه الموضوع باللغة الإيطالية المسمى (بالمظهر الجغرافى والتاريخى للمغرب) المطبوع بجنيف سنة 1734: أن ابن عثمان توجه سفيراً لنابولى ثم سار منها سنة 1783 إلى فينَّا عاصمة النمسا من قبل السلطان لعقد معاهدة سلمية تجارية بين الدولتين، وكان إمبراطور النمسا يومئذ: جوزيف الثاني. وقد تكلم على هذه السفارة أيضًا القنصل شينى في كتابه المذكور وطوماسى في صحيفة 305 من كتابه: المغرب وقوافله أو علائق فرنسا مع المغرب، المطبوع بباريس سنة 1745 إلا أنهما لم يتعرضا لاسم السفير الذي هو ابن عثمان صاحب الترجمة. وقال همسو المذكور في صحيفة 36 من كتابه: مختصر الأدب التاريخى في المغرب، وهو جزء صغير تعرض فيه لذكر من ألف في المغرب من سائر الدول طبع بليون سنة 1820: أن عثمان كان وزيرا صدرا عند السلطان سيدي محمد بن

عبد الله، وأن بعض رجال حاشيته المرافقين له في سفارته لنابولى، وفينا ألف رحلة في جزء صغير، وأنه رأى نسخة من هذه الرحلة وبها صور وأبنية شاهدها بأوربا. وذكر همسو أيضًا في كتابه المذكور أن المولى اليزيد وجه ابن عثمان سفيراً لمدريد، ولم أر أحدا غيره تعرض لهذه السفارة، وعلى كل فقد حفظ زيادة على أنه للمنافى لقوله: ولما وردت سفارة أصبانيا على المولى سليمان لتجديد المعاهدات السابقة بينها وبين المغرب كلف وزيره المترجم بمفاوضتها وإمضاء ما يقع الاتفاق معها عليه فعقد معها معاهدة عام 1213 الموافق لعام 1899 المشتملة على ثمانية وثلاثين مادة وشرطا، وفي صحيفة 61 من السنة الثامنة من جريدة المنيتور الجمهورية، أن هذه المعاهدة التي أوقعها ابن عثمان مع إصبانيا تعد خطوة جديدة في سبيل المتقدم والمدنية، وذكر طماسى المذكور في صحيفة 361 من مؤلفه المشار إليه أن مولاى سليمان ووزيره الأكبر ابن عثمان عرفا كيف يقاوما أعداء فرنسا وإصبانيا حليفتها، فلذلك لما بعثت إصبانيا هداياها للسلطان وتبعتها إنكلترا بهداياها التي ضاعفت فيها هدية الإصبان سعيا في قطع علائق الدولتين مع المغرب لم تنجح في مساعيها. هذا وقد كانت بين صاحب الترجمة وبين عصريه ومشاركه في الكتابة والتقدم أبى القاسم الزيانى المؤرخ منافسة تعرض الزيانى لبعضها في رحلته الترجمانة وغيرها من كتبه، ونال من المترجم على عادته مع معاصريه وغيرهم، قابله الله بالعفو والغفران آمين، وذكر أنهما اجتمعا معا في الأستانة وكل منهما حامل لأوامر ملوكية، وأن الدولة العثمانية اعتنت بالزيانى لمحافظته على آداب السفارة بين الملوك أكثر من اعتنائها بالمترجم مع كونه هو السابق في الورود عليها، وأن المترجم غار من ذلك وحدثت بسبب ما ذكر بينهما وحشة تفصيلها في رحلة الزياني.

مشيخته: أخذ عن أمير المؤمنين مولانا سليمان. وأخذ بالقدس عن القدوة البركة العارف الشريف الشيخ أبى السعود محمد المأذون بالخلوة القادرية والخلوتية، قال عن نفسه: وصافحنى بمصافحة شيخه في الطريقة السيد مصطفى بن كمال الصديقى الدمشقي البكرى الخلوتى، عن الشيخ عبد اللطيف بن حسام الدين الحلبى، عن الشيخ مصطفى أفندي الأدرنوى، عن الشيخ على خرباش، عن الشيخ إسماعيل الجروى بسنده المتصل المذكور في رحلة المترجم. ولقى بالشام الشيخ المحدث سعد الدين الحنفى حفيد الشيخ عبد الغنى النابلسى، والشيخ كمال الدين محمد بن محمد الدمشقي الشهير بالغزى مفتى الشافعية، ومفتى الحنابلة الشيخ إسماعيل الجراعى، ولقى بتونس صالح علمائها الشيخ أحمد بن عبد الله بن محمد السوسى السكتانى المغربى، أخذ أبوه عبد الله عن سيدي أحمد بن ناصر ومكث مجاورا بين مكة والمدينة سبعا وعشرين سنة ومات بتونس سنة 1177. مؤلفاته: منها الإكسير؛ في فكاك الأسير، وهي رحلته في سفارته الأولى لإصبانيا، ومنها: البدر السافر، لهداية المسافر، إلى فكاك الأسارى من يد العدو الكافر، وهي رحلته في سفارته الثانية لمالطة ونابولى منها نسخة بخزانتنا، ومنها إحراز المعلى والرقيب، في حج بيت الله الحرام وزيارة القدس الشريف والتبرك بقبر الحبيب، وهي رحلته التي كتبها في سفارته الثالثة وحجته وهي موجودة بخطه في مكتبتنا أيضًا، ومنها أيضًا منظومة في المناسك. شعره: من ذلك قوله: جاء من طال ما تشوقت النف ... ـس إليه بشرى لنا وهنيه

أنعش الروح شم رياه لولا ... ذاك لم تبق في الحياة بقيه إذ تداعوا بالأمس وسط نهار ... درة الملك قد أتتنا جليه فتأخر عن لقاه محقا ... فارتقاب الهلال يلفى عشيه هكذا الشأن ما تقولون أنتم ... عن يقين قلتم وبصدق ونيه فأجابوا أما ترى الشمس ولى ... نورها كاسفا رأته البرى قلت في الفقه إن تبدى هلال ... في نهار أُعطوه حكما وليه وقوله مداعبا بعض أصدقائه وقد أخلف ما اعتيد منه من الزيارة لشغل عاقه، وكان يبعث له كل يوم يقول غداً آتى: إن عهد الملاح ليس بواف ... مثل سائر لأنقل النسيب إلى أن قال: علانى بكاذب الوعد دأبا ... فانتظار الآمال يطفى لهيبى ليت شعرى إذا الصدود جفاء ... أم حذار من وقع عين الرقيب إلى أن قال: موقدا في الفؤاد نار غرام ... موفدا في الحشاء جيش نحيبى إلى أن قال: جد بوصل ولو بطيف خيال ... إذ هوى النجم في الدجى للغروب وتدارك حشاشة القلب إذ كا ... ن لمثواكم من الموهوب طمعى الآن في الوصال قوى ... وشفيعى في نيله المرغوب يصدق الفجر بعد ما يتجلى ... كاذبا في الآفاق غير مغيب

وقوله وقد تعلق به بعض أصدقائه كان اشترى جارية فوجدها تبول في الفراش، فأراد ردها إلى البائع فامتنع في خطاب قاضى البلد: يا أيها القاضى الإمام الكامل ... وكافل الأيتام والأرامل وابن السبيل والغريب قدما ... يشمله الإحسان منه حتما ضيفكم الفقيه إسماعيل ... يبيت بالليل له عويل قد اشترى من ذى البلاد جارية ... يحسبها على المراد جارية فلم يرى من خيرها علامة ... أعيب من بغل أبى دلامة تبول بالليل على الفراش ... على الثياب وعلى الرياش منتنة الريح وعكسه إذا ... حذفت ياء فتحت به أذى كفارة المرحاض أو كعجل ... فقد أضر ريحها بالمقل لا مثل نتن جيفة أو حيض ... أو كظة ممزوجة بهيض لولا هبوب الريح ذات المدد ... وكوننا في منزل عن بعد نظل بالبخور طول الأبد ... أضر نتنها بأهل البلد أما ثيابها فدأبا تصطفق ... تقطر من أبوالها بها وتلتزق عيناه من صنانها في كمد ... ولو ثوى في جبل من إثمد أشفاره إن لم تدارك سقطت ... والتزقت أجفانه واختلطت يقبح أن يأتى لنيل رفعة ... ويترك الزغب تحت الدفة. مع تحمل نوى الأسفار ... يرجع للأهل بلا أشفار عيناه من جواركم في حرم ... من بائع على الإحسان برم

فهو بما ضره غير معتبر ... هان على الأملس ما لاقى الدبر فاستنقذنه وادفعن عاره ... وراع فيه جانب الإمارة وهو مع العلم الذي يمت ... به إليكم شكركم يبت في كل بقعة وكل أرض ... وكل إقليم ليوم العرض وكتب من المدينة المنورة لصاحبه الشيخ كمال الدين الغزى مفتى الشافعية بدمشق مع تمر من تمر المدينة بعثه إليه، وسبحة من النوع المسمى باليسر: أحيى مقاما خص بالرحب والبشر ... كما خصصت أنفاسه بذكى النشر تحية حب لا تزال معادة ... بيوم إذا يجرى وليل إذا يسرى وأهدى إلى الذات الكريمة سبحة ... تظل بها يمناك ملأى من اليسر ومن طيبة جئناك بالعجوة التي ... أحب رسول الله من سائر التمر ليغنك منها لونها -وسوادها ... من المسك- عن عرف وعن عنبر شحرى فهيئى لها منكم قبولا أُعده ... لدى ذكركم يوم السلو من الذخر وقوله من قصيدة في الشيخ عبد الغنى النابلسي دفين صالحية دمشق: مناقبه الكثيرة لا تناهى ... فنشر حديثه في كل حى دواوينه من الأمداح ملأى ... لصحب أو ولى أو نبي فلم يترك إلى غير مقالا ... وآب الكل ذا حصر وعى فصاحته من الرحمان فيض ... فما سحبان أو غيلان مى نثره: من ذلك قوله في وصف القسطنطينية العظمى، التي فاقت حواضر الدنيا ترتيبا ونظما، إن قلت بلد، اتكالا على مالها من التخصيص في القلب

والخلد، فقد أضعت حقها، ويبقى الاحتمال في أن يكون هناك من هو فوقها، وإن قلت مدينة واقتصرت، فلا منعت دخول غيرها ولا حصرت، وإن قلت إقليم فقد يشتمل على عمران وخراب، وبحران وسراب، والحق أعلى، وتأدية الحقوق من أخبارها أولى، وما رأيت ما يؤدى وصفها ومعناها، وما اشتمل عليه أقصاها وأدناها، فهي محشر الأمم ومحط الرحال وبحر العمران وغاية القصاد، والمورد العذب للوراد، لا يوقف في وصفها على حد، ولا يتناهى في مآثرها ومحاسنها على عد، فلها المساجد التي بهرت، وبالتدريس وطلاب العلم ازدهرت، إلى أن قال: إلا أن بردها عاصف، وقرها لا يصفه واصف، لا يرده دثار، ولا موقد نار، فهي إناء للثلج المنصوب، فتنبو عن المضاجع من قرها الجنوب. وقوله من فصول استدعاء لبعض أصدقائه: وإنا لننتظر قدومك علينا قبيل الشمس شروقا، والإبريق يصطك فؤاده لسقياك حفوقا، حتى نقضى من منادمتك حقوقا، والساقى مشمر عن ساق، والإبريق متأهب بما يليق لأن يراق، والكاس، بحلى عسجدية كاس، والكل للقياك متأَهب. وبطاعتك متقرب. وقوله مجيبا لبعض الخاصة من أصدقائه: أبقاك الله لطرفة تحليها، وبنات أفكار بدر نثارك تحليها، ونادرة تردفها بأخرى تليها، تلك رياض تفتحت عن أزهارها أكمام، ولات حين للأزهار إلمام، هذه يقظة أو منام، عهدى بالرياض لم ينتج الآن لشمام، أو ذاك مسك فض عنه ختام، تحيرت في ذلك أظنه سحرا أجل نفث به حبر وإن شيئت بحر فخد أمام، إمام تجلت بطلعته الأيام، وتجمعت له شوارد العلوم فتسنى له بعد تفرقها التئام والتمام. أما الأدب فهو بعض بعض فنونه، ورشوحه من معين انهمار عيونه، أما تراه قدوة للأنام، حل من درى المعقول والمنقول حيث لا محل للمحلى، وأربى فيما أبدع من البدائع على بدائع الحلى، أليس معدودا في إحراز السبق في مرتبة لو

كانت قبل المجلى، وأما ذكاؤه فهو شهاب يتوقد، وألمعية في كل آونة تتجدد، فقد غدا إياس، عن إدراك شأوه ذا إياس، عذبت مفاكهته، وعدمت مشاكهته، رمى بسهمه في أغراض المداعبة فقرطس، واستخرج من لجج بحارها ما أعجز من غطس، ما ألطفه تشبيها، يشهد للمشبه بأن له شبيها، في ذكر القلانس والخطيب، فقد هصرت من أفنان البلاغة كل غصن رطيب، وما أعلى منازعك، علوت منازعك، ولو حضر لأذعن لك ابن الخطيب، وقد وصف سيدي ما استحسن من المجلس والساق، وساق ذلك أحسن مساق، فأبدع ما شاء في تناسب واتساق، وإحكام المبنى، وتسديد اللفظ لغرض المعنى، والخروج من معنى لآخر حيث لا شعور للسامع، شاغلا له ببوارك سحرك اللامع. غير أن سيدنا يسر حسواً في ارتغا، وما أدرى ما الابتغا، فقد رأيته راجع الالتفات، لاستدراك ما فات. وللنظرة ومدها استنزر. ولصيده في جوه حلق واستنسر. وذكر أنه ما أعرض عنه إلا لتوهمه أنني هيأته لنفسى فاستأثرت به. وإلا لالحفه بثوبه. فإن كانت المثابة العلية ممن يقنع بنظرة. وإن أعقبت حسرة وتمذهب بمن قال: وهويته يسقى المدام كأنه ... قمر يطوف بكوكب في مجلس فقد استوفى حظه. وأنال مراده لحظه. وليكتف بذلك أدام الله حفظه. ولم تبق له منة على في استبقائه. حيث استسقى الشمائل السالفة عند المعاطفة من تلقائه، وإن يقنع بذلك المقدور من التغزل، وأراد من خلع العذار كمال المرام من التنزل، وتمذهب بقول الآخر: وضممته ضم البخيل لماله ... أحنو عليه من جميع جهاته فلا ملام. على اغتلام، فالمجلس والغلام مع كمال المرام، ولعل بتيسر الجمع تجردكم عند الانفصال غمام، هذه دعابتى بعثت بها إلى محل كمالك،

267 - محمد بن قاسم بن حلام المكناسى الدار والقرار

وعظم جلالك، ثقة ببرك. ورحيب صدرك، واعتمادا على تحملك لمداعب، وإغضائك عن المعائب. فأغض أبقاك الله واسمح. وبعين الصفح والتجاور فامنح. وفاته: توفي في مراكش الحمراء بالوباء العام بحواضر المغرب عام ثلاثة عشر ومائتين وألف. 267 - محمَّد بن قاسم بن حَلَّام المكناسى الدار والقرار. حاله: خاتمة أعلام عصره في تقرير مختصر خليل بالزرقانى، وبنانى حسبما وصفه بذلك بعض تلاميذه، فقيه جليل، مدرس نفاع حفيل، تولى نيابة القضاء والأحكام الشرعية، بالعاصمة المكناسية حسبما وقفت على نسخة رسم مسجل عليه على فيه بالعلم والتدريس، والنيابة عن قاضى الجماعة بالحضرة المكناسية المولوية بتاريخ منتصف ربيع الثاني عام خمسة وعشرين ومائتين وألف، وعدلاه العلامة القاضى مولاى أحمد بن عبد المالك الحسنى السجلماسى المترجم فيما مر، والسيد محمد بن عبد القادر بن عمر المكناسى. الآخذون عنه: منهم أبو العباس أحمد الأغزاوى المدعو الجبلى المترجم فيما مر. وفاته: توفي سنة أربع وثلاثين ومائتين وألف، ودفن بالمباح الجديد من ضريح المولى عبد الله بن حمد، دفين خارج باب البرادعيين من مكناس، الموالى لكدية العشاق المبنى سنة نيف وعشرين على عهد السلطان المولى سليمان رحمه الله كذا في بعض تقاييد أبى العباس المذكور وأخذ عن المترجم. ¬

_ 267 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 7/ 2504.

268 - محمد بن عبد القادر بن محمد فتحا بن عبد القادر بن على بن موسى بن المير الصبيحى النافعى الغربوى أصلا الزرهونى دارا ومدفنا يعرف بابن قدور.

268 - محمد بن عبد القادر بن محمد فتحا بن عبد القادر بن على بن موسى بن المير الصبيحى النافعى الغربوى أصلا الزرهونى داراً ومدفنا يعرف بابن قدور. حاله: فاضل دين، خير ناسك ورع، فقيه متضلع جليل، علامة معتمد في الفروع والأصول، مفت مدرس، بركة كامل، تولى قضاء الجماعة بالحضرة المكناسية المولوية الهاشمية، وقفت على رسم حبسى مسجل عليه بالحوالة المشتركة بين الكبرى والأحمدية أعنى المنسوبة لمولاى عبد الله بن حمد بتاريخ تسعة عشر ومائتين وألف، وذلك بصحيفة مائتين وثلاثة عشر محلى فيه بالعلم والفضل والتدريس والتحقيق والإتقان وقضاء الجماعة بالحضرة الهاشمية المولوية السلطانية مدينة مكناسة، وآخر بتاريخ أربعة عشر ومائتين وألف، وآخر تأدية بصحيفة مائتين واثنى عشر، وآخر بتاريخ سبعة عشر ومائتين وألف وفيه زيادة نسبة النافعى بعد نسبة الصبيحى. حدثني ابن عمنا العلامة المثبت المحقق سيدي محمد بن أحمد العلوى أنه أخبره بعض المسنين ممن أدركه يتعاطى خطة الشهادة سماعا من الشريف الفقيه سيدي عبد الواحد الإدريسى، أن المترجم كان قاضيا بالزاوية الإدريسية من قبل الأمير مولانا سليمان، فاتفق أن الأمير المذكور جاء لزيارة الضريح الإدريسى فخرج أهل البلد لاستقباله عدا الفقيه المذكور، وأهل مجلس درسه، فإنه تأول أن محبة الأمير في العلم ونشره تقتضى أن يجده في درسه حين مروره بالمسجد للضريح فعمل على ذلك، وحين دخل الأمير المسجد وعاين اشتغاله بالدرس قام مع أهل مجلسه وأدوا حينئذ تحية الأمير فغضب من ذلك وعزل المترجم من خطة القضاء، قال محدثى المذكور: لكن سألت عن ذلك بعض المسنين من عدول بلدنا، فأخبرنى أن المترجم لم يتول القضاء بالزاوية، وإنما كان من جلة المفتين، فاتفق أن أفتى في قضية وقعت من يهودى كان محترما بأخت السلطان المذكور بأن تقطع يده.

لموجبه فقطعت وفق فتياه فأفضى ذلك إلى موت اليهودى، فغضبت من ذلك أخت السلطان فسجن المترجم لذلك في دار شأنها إهلاك من يسجن فيها، فلما أُدخلها المترجم ودار على أماكنها وجد على حجر كنيفها اسم الجلالة مرقومًا بقلم لا يهتدى إليه كل الناس، فأسرع بتقليع ذلك الحجر وتطهيره ورفعه إلى محل لا تصل إليه إذاية، فكان ذلك من أسباب سلامته وحصول الفرج له، وانضم لذلك كون الشيخ سيدي أحمد التجانى كان كتب لصاحب الترجمة بملازمة قراءة صلاة الفاتح والله أعلم أي ذلك كان. مشيخته: أخذ عن الشيخ التاودى ابن سودة، وأجازه عامة حسبما وقفت على ذلك بخط بعض الأعلام الأثبات، وعن المحشى بنانى وطبقتهما، وأجاز له خاتمة المحدثين الشيخ مرتضى الزبيدى شارح الإحياء، والقاموس. الآخذون عنه: منهم مسند فاس وراويتها في القرن الثالث عشر أبو محمد التهامى ابن المكى بن عبد السلام بن رحمون المتوفى عام ثلاثة وستين ومائتين وألف، وأجازه عامة وبجميع ما تضمنته فهرسة الشيخ التاودى ابن سودة، وفهرسة ابن الحسن بنانى، وفهرسة ابن قاسم جسوس، وفهرسة أبى العباس الهلالى، وفهرسة بن العربى بن الحاج السلمى، والمنح البادية لأبي عبد الله محمد فتحا بن عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسى، وفهرسة ابن عبد السلام الناصرى، حسبما وقفت على ذلك في نص إجازة المترجم لتلميذه المذكور ومنها نقلت، ومنهم أبو حامد العربى الدمناتى فقد صرح بالأخذ عنه في فهرسته، وابن العربى الحدرانى، والسيد المهدي الورياجلى وغيرهم. مؤلفاته: منها رجز نظم فيه العقائد المندرجة تحت كلمة الإخلاص ودونك نصه:

وقول لا إله إلا الله ... محمد أرسله الإله يجمع ستة من الصفات ... وضف لها الستين بالثبات أولها الوجود ثم القدم ... كذا البقاء دائما لا يعدم مخالف وقائم كما أتى ... والسمع والبصر جاء يا فتى كذا الكلام مع سميع وبصير ... ومتكلم تعالى المقتدر ونفى الأغراض وحتم الفعل ... كتأثير بقوة فحصل فهذه أربعة عشر صفة ... وضدها تحت الغنى مؤلفة وتحت الافتقار يدخل عدد ... قدرته إرادته علم الصمد حياة قادر مريد عالم ... حى وواحدانية لا تسأَم ونفى تأثير بطبع وكذا ... حدوث عالم وصد ذا خذا فهذه عشرتان مما وصف ... مع اثنتين ضفهما لما سلف وتحت ثان من شهادتين ... صدق أمانة بغير مين كذاك تبليغ وضد كذب ... خيانة كتمان شيء لا تخب جواز الأعراض وضدها فزد ... الإيمان بالعقبى وبالرسل تعد وبالملائكة أيضًا والكتب ... وصد ذى الأربعة العظمى تصب فهذه تدخل تحت الصدق ... عليك بالمسير صوب الرفق وكل ما ذكر من صفات ... جملتها ست على الثبات كمل بها الستين تحظ بالصواب ... وتملك الأمان في يوم الحساب صلى إله العرش كلما دفق ... حب الغمام وبه نور فتق على البشير والنذير المصطفى ... وكل من بالاعتقاد قد وفى

269 - محمد بن العربى الزمورى، من زمور الشلح القبيلة البربرية الشهيرة، الحدرانى بفتح الدال وتشديد الراء نسبا المكناسى دارا

وله توليف في نحو الكراسة على ما قاله مؤرخ سَلاَ، الفقيه السيد محمد ابن على السلاوى في الكلام على البسملة والحمدلة والصلاة على النبي وفي نسب الحمد والشكر. وفاته: توفي في منتصف حجة الحرام متم عام واحد وثلاثين ومائتين وألف، وضريحه أسفل المحل المعروف بالدرازات من حومة الحفرة عن يمين الذاهب لمزارة الحرم الإدريسى من الزاوية الإدريسية في بيت خاص به معروف. 269 - محمد بن العربى الزمورى، من زمور الشلح القبيلة البربرية الشهيرة، الحدرانى بفتح الدال وتشديد الراء نسبا المكناسى دارا. حاله: علامة حافظ، مدرس أديب مشارك، نحوى عروضى منطقى بيانى أصولى، فهامة دراكة، خاتمة المجتهدين، وقدوة العاملين حاج أبرّ. صالح أشهر. مشيخته: أخذ عن صاحب الترجمة قبله يليه كما سبق. الآخذون عنه: منهم أبو العباس الأغزاوى الجبلى مار الترجمة في الأحمدين، وهو الذي حلاه في تقاييده بما ذكرناه ومن خطه نقت مباشرة وقال أيضًا: وقد رثاه الفاضل الوجيه، العلامة النبيه، الحافط الأكمل العالم الأجل. الحجة الأنبل. المدرس الأكبر. المحدث الأشهر. أبو عبد الله سيدي وسندى محمد ابن الحاج الأبر، الفقيه الأشهر. صاحب العلم الأكبر، علم الأبدان، الواجب تعليمه قبل علم الأديان، سيدي الحاج محمد الهادي الغرناطى الأندلسى نسبا المكناسى أصلا ومنشأ ودارا. هـ. 270 - محمد بن عيد الرحمن الشهير بابن هنو اليازغى قاضيها. حاله: فقيه علامة، مشارك موثق، مؤلف مجيد فاضل، حافظ حجة، أعدل أهل عصره، صدر نحرير كامل، وكان يتعاطى خطة الشهادة بسماط عدول فاس،

وكان غير حريص عليها، قنوع بالقليل، خرج يوما القاضى أبو العباس ابن سودة من مقصورة مجلس حكمه فرأى الشيخ المترجم ذاهبا من سماط العدول لداره، فسأله عن موجب استعجاله؟ فقال له الشيخ: حصلت على ما أحتاج إليه لنفقة يومى ولا حاجة لي بالزائد على ذلك، وتولى قضاء الجماعة بالحضرة الهاشمية مدينة مكناسة الزيتون. وقفت على رسم سجل عليه بتاريخ سابع عشر جمادى الأولى عام عشرين ومائتين وألف، وآخر بتاربخ خامس جمادى الأخيرة من العام المذكور محلى فيه بما لفظه: يشهد الفقير إلى الله سبحانه، الراجى عفوه وغفرانه. قاضى الجماعة بالحضرة المولوية الهاشمية وهو محمد بن محمد الهنيوى اليازغى أعزه الله، وآخر مؤدى عليه بتاريخ خامس رجب العام عدلاه عبد الرحمن بن التهامى المزطارى ومحمد المكى بن الجيلانى بن المير، وآخر بتاريخ عشرى شعبان من العام نفسه نص تحليته فيه العلامة إمام المدرسين، وقدوة المتقين، قاضى حضرتى فاس الإدريسية القرويين والهاشمية السلطانية المولوية مدينة مكناسة الزيتون، المصونة باسم الله المصون، وهو القاضى الخ. مشيخته: أخذ عن الشيخ عبد الواحد بن أحمد بن التاودى بن سودة حسبما صرح به في مكتوب له، والشيخ عبد الكريم اليازغى المتوفى في السابع والعشرين من ذى القعدة عام تسعة وتسعين ومائة وألف وغيرهما. مؤلفاته: له شرح على شامل بهرام في عدة أسفار ضخام تمم به شرح العلامة التسولى بأمر السلطان الأعدل مولانا سليمان رحم الله الجميع. نثره: من ذلك قوله مقرظا البستان الظريف لأبي القاسم الزيانى: الحمد لله الذي له ملك السماوات والأرض وحده. والصلاة والسلام على من هو للأنام قدوة. مولانا محمد أفضل هذه الأمة. وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى مولانا

أمير المؤمنين، وأختم بالدعاء والرحمة، لمن نزه أبصارنا وشنف أسماعنا بمطالعة هذا التأليف الحافل الباهر، والبحر المتلاطم الأمواج الزاخر، الجامع لخبر الأوائل والأواخر، وأطلع في ذلك شمس هذه الدولة العلوية الإسماعيلية التي كانت في حيز الإهمال. ولم يتعرض لذكرها أحد من أدباء وقتها بنقص ولا كمال، ولا تفصيل ولا إجمال، وفي غابها الأسد الهصور، والنمر المقدام الجسور، والهيكل الأكبر، والقمر المنير الأزهر، العادل بن الكامل بن الفاضل بن الجليل، سليمان ومحمد وعبد الله وإسماعيل. وكيف لا وفيها ثالث العمرين. ومشيد معالم الدين، بهجة الزمان، وآية الرحمن، أمير المؤمنين مولانا سليمان، فكيف لا يفتخر على الأدباء من ألفه، وكيف لا يعلو على الرؤساء من صنفه، وخلد آثاره في وجنات الدهور وشما، ومكارمه في المشارق والمغارب وسما، فحقه أن يكتب منه نسخا ويشهر، ولا يقتنى ويدخر، لاشتماله على فضائل هذا السلطان الجليل، الماجد الأصيل، وجمعه لخبر الأولين والآخرين، في الجاهلية والإِسلام والفرق الضالة الملحدين، خذ ما شئت من آيات قرآنية تنزيلية، صحابية، وقصص معلومة تابعية، ومواعظ صوفية، وحكم لقمانية، وحكمة أفلاطونية، وسياسة عدلية، وقوانين أزلية، ورسائل سجاعية، وأشعار أدبية، وحكايات أنسية، وقواعد هندسية، وضوابط فلسفية، ونوادر ومداعبات سرجية، وتقاويم فلكية، ومساحة طولية وعرضية، وصورة أرضية، مكورة وبسيطة، ونصوص قطعية سنية، في الرد على أهل البدع من الخوارج والروافض والمعتزلة. وشبهت هذا التاريخ. بالنخلة ذات الشماريخ، تعلو على رءوس الأشجار كالتاج، وتضئ ثمارها كالسراج، ينفتح طلعها في بياض الأكمام، وحبه كالدر المنظوم في أجياد الحور المقصورات في الخيام، ثم يرجع كالياقوت الأحمر، ثم يكون فاقعا أصفر، فإن نضج عاد العسل منه يقطر، فإذا اسود ويبس يكون تمر.

وكذا هذه الدولة مطرزة بلطائف كل دولة، منمقة بكل من له نخوة وصولة، ممزوجة بكل حادثة وقعت قبلها، وفي قصرها وضعت كل حامل حملها، وكل عروس طوقتها حليها، اطلب ما شئت من شراب عذب سائع بعد القرى، فكل الصيد في جوف الفرى، تقبل الله من مخترعه عمله، وبلغه في الدارين قصده وأمله هـ. ومن ذلك رسالة كتب بها إلى العلامة سيدي عبد الواحد بن أحمد بن التاودى بن سودة، رأيتها بخط العلامة المحقق، قطب الفصاحة وأساس البلاغة والبراعة، مركز العلوم، المحيط بالمنطوق والمفهوم، المتخلق بمكارم الأخلاق، مع الأقارب والأباعد، سيدنا العلامة أبى محمد عبد الواحد، من تحلى بقلائد العقيان، وبرز على الأقران. إلى غاية لا يختلف فيها اثنان، وليس الخبر كالعيان، وكيف لا وهو نتيجة مولانا أبى العباس نجل مولانا الإمام، سيد العلماء الأعلام، وشيخ المشايخ العظام، خاتمة المحققين، ونخبة الأولياء العارفين. مَن أشرقت أنواره على الحاضر والبادى، سيدنا ومولانا التاودى، قدس الله روحه وأعلى درجته في عليين، وأبقى بركته في ذريته وعقبه وسائر المسلمين إلى يوم الدين، هذا وقد ورد علينا كتابكم السنى، وخطابكم الشهى، وقد تلألأت بمعانى تبيانه وجواهره الحسان أقلام السطور والطروس، واهتزت ببديع براعته وبلاغته الأعطاف والرءوس، وسما ببديع البنان وسحر البيان، على قس وسحبان، لا زالت أقلامكم تجرى بالسعادة والسعود، وتبعث الأمانى البيض من الخطوط السود، وبعد سلام ألطف من نسيم الصبا، وألذ من أيام الشيبة والصبا، وثناء منتظم كعقود الجمان، وأبهى من الورد في أجياد الحسان، فإن سائلكم عن مسألة الحبس قال إنه يأتى برسمه لينظر، فلعله بدا له وتأخر، ونحن على محبتكم مع الاعتراف بنفعكم والأخذ عنكم، زادكم الله شرفا وتعظيما، ومكانة وتكريما،

271 - محمد بن أحمد بن الكبير العوفى قاضيها

كتب من ولا يخفى عليكم وسمه لطف الله به محمد بن محمد بن عبد الرحمن الشهير بابن هنو تغمده الله برحمته ثامن وعشرى شعبان عام تسعة وعشرين ومائتين وألف. 271 - محمد بن أحمد بن الكبير العوفى قاضيها. حاله: فقيه جليل، علامة نبيل، صدر نحرير، فاضل كامل، قدوة بركة شهير، حافظ حجة حفيل، إمام خطيب، مصقع بليغ، تولى خطة القضاء بالحضرة السلطانية مدينة مكناسة الزيتون، وقفت على رسوم بخطاباته وإعمالاته والتسجيل عليه أحدها بتاريخ سابع ربيع النبوى عام 1228 ثمانية وعشرين ومائتين وألف وآخر بتاريخ ثلاثين ومائتين وألف. حدثني من أثق به من أهل العدل أن أهل مكناس رفعوا شكواهم بالمترجم للسلطان العادل مولانا سليمان وطلبوا منه عزله عنهم فلم يرفع لهم رأسا، وقد كان عزم على الوقوع ببعض عتاة البرابر، وأظنه عين له زمور الشلح، فلما نزل بهم ظهروا عليه فصار يقول: اللهم اشهد بأنى عزلت العوفى عن منصبه. فوقعت الكرة حينا على أولئك العتاة وظفر بهم وكسر شوكة بغيهم فنجز عزله في الحال. شعره: من ذلك قوله مضمنا الكلام على فروع أولاد ابن سودة ونسبهم وما كانوا عليه قديما وحديثا حسبما وقفت على ذلك في بعض الكنانيش ودونك لفظه: تدرى وتجحد ما ترى قوما رووا ... عني أحاديث الصبابة ما اختفوا سل عن غرامك من وثقت بنصحه ... لتكون من أهل المحبة إذ هووا واجف الجوى وأرض الهوى متثبتا ... بشعاره كى لا ترى ممن جفوا ¬

_ 271 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 7/ 2504.

فالصبر أجدر بالتلذذ في الهوى ... والذل عين العز فاصبر إن قضوا ودلالهم فيه المنى لو بالمنا ... ياهل تمثل من أطاع بمن أبوا وإذا الذليل تواصلت أفراحه ... هجر الألى عن باب ذلهم انثنوا طابت حياة مساعدى ودنا له ... فأعاق واشيه وسروهم بكوا ما كل من يهوى يراعى في الهوى ... نهج الأُلَى يهوى وما عنه نهوا والمدعى لو شاهدت عيناه ما ... شاهدته يفنى كأقوام فنوا تركوا المآكل والمشارب عفة ... وتمسكوا بودادهم وبه اكتفوا هانوا النفوس تذللا فحباهم ... عز الوصال وعاينوا ما قد عنوا قرت العيون منهم بحبيبهم ... ورضوا بذلهم له وبه اشتفوا فغدا الغرام شفيعهم فتشفعوا ... في المدعين فخيروا فيمن عصوا فهموا فهاموا في الحقيقة فانجلى ... عنهم ظلام الجهل فيها واجتلوا والمقتدون على الشريعة خيموا ... فسقوا معين شرابها حتى رووا سهروا الدياجى في العلوم فأصبحوا ... غرا جهابذة على الفضل احتووا مثل السراة السوديين فكم بفا ... س من مجالس أظهروا ولها علوا حفظا لدين الله من غرناطة ... جاءوا وما زاغوا ومن كفروا قلوا بزغوا بدورا موضحين سنا الهدى ... زمن المرينى فاستقروا وازدهوا جاءوا إلى نشر العلوم فيالهم ... بالنسك والدين القويم لها أتوا ما بان في أفق السعادة طالع ... للدين إلا نحوه خببا سعوا في كل عصر هم أئمة وقتهم ... فتوى قضا نسكا به الفضلا اقتدوا

فسلن لسان الدين أعنى ابن الخطـ ... ـيب وصفوة والقادرى عمن مضوا جمعوا الفضائل والمكارم والتقى ... وعلى معارج نسبة الشرف استووا فالسوديون جميعهم من متلد ... منهم بأندلس ومن يمن ثووا سل عنهم صنعا بذى يمن وعن ... شرف شهير كالظهيرة قد حووا فلهم بها مجد وعلم ثروة ... ومروءة وعلى حبا الخير انطووا وعصابة منهم بأندلس لقد ... نسبوا لمرة من قريش واكتفوا علموا بأن العلم أوفر قسمة ... بالإرث من طه فحازوا واقتنوا خاروا انتسابهم إلى علم وما ... بانوا عن الشرف الأصيل وما انتفوا شيم إذا عدت يباهى بعضها ... بعضا ولكن الفعال بها نموا خل المزايا وائت بالخلق التي ... كرمت وكل العالمين بها سموا تنسى الأواخر ما الأوائل أَنهجوا ... فإذا الأوائل من أواخرهم حيوا فالسوديون المريون ذوو الوفا ... لهم المكارم والمنابر قد علوا ما كان غيرهم استحق دراسة ... في مدرس أو جامع وهم يروا ومن استمد سجية من فضلهم ... منحوا المريد مراده ولكم حبوا ناهيك ما في الغرب إلا دارهم ... وهم بها يعسوب سر ما انقضوا لا زالت الأحقاب تبدى عزهم ... والعز يتبع شوطهم وله مشوا سل من تشا في بابهم فهم الأولى ... سادوا وشادوا ذروة ولها ارتقوا أكرم بهم يا نعم ما حازوه من ... مجد أثيل شامخ فيه اجتبوا هذى شعارهم وهذا دأبهم ... ما أن يحيدوا عن كريم لا ولوا

زانت مدائحهم نظام محبهم ... فامتاز بين معانديه وإن عتوا. ما كل من مدح الكرام أصاب ما ... فيهم وما كل إذا مدحوا صغوا لكن مناقب هؤلاء جليلة ... أنستك ذكر من مضى لما بدوا دلوا على الهدى القويم بحالهم ... ومقالهم ومن الجهالة قد شفوا فالله يحفظهم ويبقى فرعهم ... وهم هداة للأنام كما اهتدوا قلت: حدثني بعض العدول المبرزين الأثبات من شيوخى الأعلام، أنه وقف على هذه القصيدة بخط ناظمها عند الفقيه السيد المكى بن سودة نجل قاضى الحضرة المكناسية العلامة السيد الحاج المهدى آتى الترجمة خالية من الأبيات المصرحة بنسبة الممدوحين بها للشرف، وإنما هى ملحقة بالهوامش بخط غير الخط المكتوب به الأصل. هـ. وعليه فلا ريب أن تلك الأبيات مختلقة، ومما يؤيد اختلاقها ويبرهن على براءة المترجم منها قوله في البيت الرابع والثلاثين من نفس القصيدة: فالسوديون المريون ذوو الوفا، فإنه اقتصر على نسبتهم لمرة، وقد حقق النسابون أن مرة من مشترك الأنساب كما هى في قريش في غيرها من قبائل العرب، وقد تقرر أن الأعم لا إشعار له بأخص معين، وإذا كانت القرشية لم تتحقق فكيف بالهاشمية التي هى أخص، وقوله أيضا قبل ذلك في البيت الثالث والعشرين فسلن لسان الدين الخ، فإن ابن الخطيب وصاحب الصفوة والقادرى في النشر المحال عليهم لم يفه واحد منهم بكون السوديين من أهل النسبة الطاهرة الهاشمية. هذا وقد وقفت على ما يقطع دعوى كل ناعق النسبة لبيت السوديين في رسالة للعلامة الأصيل السيد أحمد بن سودة قاضى حضرتنا المكناسية جوابا عن

مكتوب مخزنى صدر له في الباب ودونك نص السؤال والجواب بعد الحمدلة والصلاة: "محبنا الأعز الأرضى الخلفية عم مولانا المؤيد بالله مولاى عرفة أمنك الله سلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله. وبعد: وصل كتابك معلما بأن الفقيه السيد التاودى بن سودة ورد عليك بجريدة عرف بكتابها عدلان يريد إثبات النسبة الطاهرة طالبا منك توجيهها لشريف الأعتاب بقصد اطلاع العلم الشريف عليها وإمضاء مضمونها بالطابع الشريف تسليما لأمرها، وصار بالبال، فقد وصلت وأنهيناها لعلم سيدنا أعزه الله فاستفهم. أيده الله عما كان تقدم لأسلافهم في ذلك، وهل كانوا ينتمون إليها ويدعونها لأنه قد مضى منهم عدد من فحول العلماء كالشيخ التاودى وأضرابه ويبعد كل البعد عدم اطلاعهم على شيء من ذلك وجهلهم به، بل قد وقع الوقوف في عدد من التواريخ الصحيحة على دعوى انتسابهم لمرة بن كعب وبه كنانبشه وتقاييده ولا زالت قائمة الذات إلى إلا آن. ولو قيل قد يفتح الله للآخر ما لم يفتح به للأول، لقال بذلك والده الفقيه السيد المهدي رحمة الله، وعمه الفقيه القاضى السيد أحمد، فهل يدعى شيئا من ذلك أو يقول بين ذلك عن أمر سيدنا أيده الله ليظهر، وها الجريدة ردت إليك طيه وعلى المحبة والسلام وفي ثانى عشر قعدة عام ثمانية عشر وثلاث مائة وألف". "الحمد لله حبنا الأجل الأمجد، الفقيه الكاتب السيد الحسين بن سعيد حفظكم الله ورعاكم، وسلامه عليكم ورحمته، عن خير مولانا نصره الله وأدام علاه. وبعد: وصلتنى نفولتك مع ما كتب به لسيدنا ومولانا الخليفة أسمى الله قدره وعلمنا المراد من ذلك كله، وأن نجيب عنه بما عندنا، فاعلم رعاك الله أن

نسب آل ابن سودة

الذي أدين به الله سبحانه وألقاه به هو ما كنت أسمعه من أشفتى ومنهم أخونا سيدي المهدي وعمى شقيق والدى وهو السيد حمو رحمه الله، هو أن بيتنا بنى سودة ينتهى إلى مرة بن كعب أحد أجداد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعليه فما يرويه ابن أخي سيدي المهدي المذكور فالله سائله عنه يوم القيامة، وكفى حديث من انتسب إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام، اللهم إنا نبرأ إليك مما يدعيه هذا ابن الأخ وأمه قرميدية بنت هم أمى قرميدية، ولا نعلم له حجة في ذلك لا باعتبار أبيه ولا باعتبار أمه، وبيننا وبين من يؤيده ويعضده الله تعالى. وأما الجريدة التي أدلى بها فلا تقوم له بها حجة، لأنها مطعون فيها من وجوه كلها شرعية، إذ مبناها على هى بن بى، وقد قال التتائى شارح خليل نقلا عن التوضيح قضية والناس مصدقون في أنسابهم وتبعه بهرام ما نصه: وهذه العبارة واضحة بالنسبة للالتحاق، وأما إن ادعى شخص أنه شريف فينبغى أن لا يصدق، فكتب عليه العارف بالله سيدي عبد الرحمن الفاسى في حواشيه على المختصر ما نصه، فقول التتائى: فينبغى أن لا يصدق، يعني حماية لجانب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرة، فهو موافق لما نص عليه غيره من العلماء. وكفى هذا فقها قاله وكتبه مشهدا به على نفسه في ثالث حجة الحرام متم عام ثمانية عشر أحمد بن الطالب بن سودة، ولا أقول السودى لأنه نسبة إلى قرية باليمن، مع أن سكنى أسلافنا غرناطة ثم بفاس زيادة أسلافنا قدموا في جند الشام زمن بني أمية إلى الأندلس، فنزلوا إلبيرة ثم انتقلوا إلى غرناطة ثم إلى فاس وقاها الله من كل باس" من خط من كتب من خطه بحروفه وناهيك به حجة. وفاته: توفي شهيدا رحمه الله بالطاعون الذي كان عام أربعة وثلاثين ومائتين وألف، ودفن بروضة المولى عبد الله بن حمد الولى الشهير آتى الترجمة بالمباح الموالى لكدية العشاق، كما وقفت على ذلك ببعض التقاييد الموثوق

272 - محمد بن الكبير العوفى

بصحتها، بخط العلامة المتفنن أبى العباس أحمد بن محمد الأغزاوى الشهير بالجبلى المكناسى المترجم فيما مر. 272 - محمد بن الكبير العوفى. حاله: فقيه متفنن كاتب موثق فاضل خطيب مصقع ولى خطبة جامع بريمة من حضرتنا الهاشمية المكناسية. مشيخته: أخذ عن والده وغيره ممن هو في طبقته. وفاته: توفي بعد المترجم قبله يليه بأيام قلائل مطعونا أيضا، ودفن بمباح ضريح ابن حمد المذكور آنفا. 273 - محمد فتحا بن أحمد بن محمد بن الولى الصالح أبي يعقوب يوسف بن على الحاج المدعو بركْشة (¬1) بفتح الباء وكسر الراء وسكون الكاف الرهونى. حاله: حامل لواء تحقيق الفقه المالكي في زمانه، مرجوع إليه في تمييز لجينه من لجينه، ورد فروعه لأصوله، أحد أفراد رجال الديار المغربية علما وعملا وفضلا وصلاحا وتقى وهديا وتواضعا وورعا ونسكا وصلابة دين، وضبطا وإتقانا ومعرفة وتحريرا وتحبيرا ونقدا، وقبولا وردا، له مشاركة تامة وباع مديد، انتهت إليه رياسة الفتيا في زمنه ببلاد الهبط، وكان له القدم الراسخ في إدراج الجزئيات تحت الكليات، والتصرف في المذهب بقواعده، ينسب الأقوال لأربابها على طريق المتقدمين، وحاشيته على الزرقانى وبنانى أعظم دليل على تضلعه في الفروع والأصول ومديد باعه، وسعة اطلاعه، وبلوغ الغاية القصوى في إصابة المرمى، ¬

_ 273 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 7/ 2493. (¬1) في إتحاف المطالع: "المدعو بروكشة".

والاقتدار التام على الخوض في عباب الفقه المالكي، ومعرفة أسرار منطوقه ومفهومه، وتفوقه على كثير ممن تقدمه وعاصره، وكان سريع الدمعة دائم الخشية والذكر والتهجد بالأسحار، محبا للصالحين منحاشا لأهل الفضل والخصوصية من المتقين لا تأخذه في الله لومة لائم، وبذلك نما حاله وتم أمره وأثمر غرسه. وكان أكثر مقامه بوزان، وقد خطب بها بمولاى سلامة بن محمد بن عبد الله بن مولانا إسماعيل أول جمعة عندما بويع له بها وذلك يوم الجمعة متم رجب الفرد الحرام عام ستة ومائتين وألف، وكان المتولى حمل راية بيعته سيدي على بن أحمد بن الطيب الوزانى المتوفى يوم الثلاثاء تاسع ربيع الأول عام ستة وعشرين ومائتين وألف، وأعانه على ذلك جماعة أبناء عمه وسيدى على بن ريسون، ودامت دولة المولى سلامة بوزان شهرين، أفاض فيها الأموال الطائلة والملابس الفاخرة على أهل وزان، ثم خلع نفسه وخرج فارا من وزان ناجيا بنفسه ليلة السبت تاسع عشرى شعبان عام ستة ومائتين وألف على ما في تاريخ الضعيف، ويأتى إيضاح ذلك بحول الله وقوته في ترجمته وفي القسم الدولى. ثم إن المترجم قد استوطن مكناسة مدة، وكان محل استقراره بها بمدرسة الخضارين كما يشير إليه ما يأتى عنه، وذلك مدة نقل شيخه الجنوى إليها. ومن فوائد المترجم في حاشيته على الزرقانى وبنانى ما قاله في قول المتن في باب قصر الصلاة ولا تنقل بينهما ولم يمنعه ولا بعدهما ونصه، انظر هل يدخل في النقل بعده أي بعد الجمع ليلة المطر سجود التلاوة، كما إذا قرئ الحزب على الوجه المعتاد بعد الجمع بالمسجد، وقد وقعت هذه المسألة بمكناسة الزيتون زمن قراءتى فيها على شيخنا الجنوى بمدرسة الخضارين، فمن الطلبة من ترك السجود، ومنهم من سجد، ثم تنازعوا بعد الفراغ في ذلك، ثم تكلموا أو بعضهم معى في ذلك فقلت لهم: ترك السجود أولى، فلما أصبحنا سألت شيخنا الجنوى، فقال:

السجود أولى فقلت له: لم؟ فقال: لأنه أرفع رتبة من مطلق النوافل، بدليل أنه يسجد بعد الصبح قبل الإسفار وبعد العصر قبل الاصفرار، فقلت له: ولم لا يسجد بعد الإسفار والاصفرار؟ فقال: لأن الكراهة إذ ذاك أشد، فقلت له: فإذا لم يفعل ذلك لشدة الكراهة فهنا أحرى لمنع النفل بعد الجمع، فقال لي: من قال بالمنع؟ فقلت له: المواق نقلا عن عرفة والزرقانى، فأمر طيب الله ثراه بإحضارهما فأحضرا، فوجد الأمر كما قلت فَسكَتَ فسكت فانفصل الأمر على ذلك، ولم أزل بعد أبحث على النص في ذلك البحث الشديد، وأطلبه الطلب الأكيد، إلى وقتنا هذا فلم أجد من تعرض لذلك أصلا، والظاهر عندي أنه لا يفعل لما ذكرته، ولأن القول بأن سجود التلاوة كمطلق النفل لا يفعل بعد الصبح ولا بعد العصر قوى. هـ وقد تابعه مختصره فيما استظهره والله اعلم مشيخته: أخذ عن الشيخ التاودى ابن سودة المرى المتوفى يوم الخميس تاسع عشرى حجة عام تسعة ومائتين وألف عند صلاة العصر ودفن من غده بعد الظهر، سمع عليه موطأ الإمام مالك بقراءته عليه، وصحيح الإمام البخاري بعضه بقراءته وجله بقراءة غيره عليه وهو يسمع، وسمع منه مواضع من التفسير وشيئا من صحيح الإمام مسلم، وشيئا من لامية الأفعال لجمال الدين بن مالك في التصريف، وذاكره في عدة مسائل فقهية وأجازه عامة. وأخذ عن الشريف أبى عبد الله محمد بن الحسن الجنوى المترجم قبل، وهو عمدته وعليه معوله لازمه في الحضر والسفر، ومن ذلك ملازمته له بمكناس لما أسكنه السلطان بها بقصد بث العلم ونشره فيها كما تقدم، قرأ عليه التفسير إلى سورة الرعد، وصحيحى البخاري ومسلم بقراءته عليه، والأربعين النووية، ومختصر الشيخ خليل غير ما مرة قراءة تحقيق وتدقيق، ورسالة ابن أبي زيد القيروانى، والمرشد المعين لابن عاشر، والتحفة لابن عاصم، إلا أنه لم يختمها

عليه أيضًا، وألفية ابن مالك غير مرة، ومقدمة الشيخ ابن آجروم، وتلخيص المفتاح، وجمع الجوامع لابن السبكى إلا شيئا يسيرا من آخره، والحكم العطائية كل ذلك قراءة حسنة ذات أبحاث رائقة، وتحريرات فائقة، كما صرح بذلك كله المترجم عن نفسه في ديباجة حاشيته على بنانى والزرقانى قال: ولقد منَّ الله علىَّ بمعرفته وصحبته وخدمته سفرا وحضرا زمنا طويلا، قال: ومن أعظم منن الله علىّ أن غطى عنه مساوئى الكثيرة، وذنوبى الغزيرة التي لا يعلمها إلا الله تعالى، فكان يحبنى حبا شديداً، ويظهر ذلك. هـ وأجازه عامة. وأخذ الطريقة الوزانية عن سيدي على بن أحمد بن الطيب الوزانى وكان من خاصته الملازمين له المتهتكين في محبته من غير غلو ولا تفريط شأن العلماء العاملين. الآخذون عنه: أخذ عنه السلطان العادل مولانا سليمان بن محمد بن عبد الله وقرظ له حاشيته على البنانى والزرقانى وكفى كلا منهما شرف بصاحبه، وأخذ عنه أديب الرباط العلامة ابن عمرو، وقاضى العدوتين ومكناسة العلامة السيد الطيب بن إبراهيم بسير وجماعة من الأعلام. مؤلفاته: ناهيك منها بحاشيته على الزرقانى وبنانى الموسومة بأوضح المسالك وأسهل المراقى، إلى سبك إبريز الشيخ عبد الباقي، وحاشيته على الشيخ ميارة الكبير للمرشد المعين، وأظنها لم تكمل، ومجموعة خطب، والتحصن والمنعة، ممن اعتقد أن السنة بدعة، وإظهار ما يفكر أهل الفطنة، ليعرض على ذوى الذكاء والفطنة، وهذا أدرجه في حاشية الزرقانى، إلى غير ذلك مما هو مدرج في الحاشية المذكورة وما هو مستقل بنفسه. نثره: من ذلك قوله في استدعائه الإجازة من شيخته التاودى ابن سودة ولفظه: الحمد لله الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السما،

الذي من استند إليه ارتقى في ذروة الكمال وسما. والصلاة والسلام على أشرف خلقه سيدنا محمد أجل من أسند عنه الرواة والعلما. وأفضل من ارتوى من رشح علومه وحكمه الأولياء والحكما. وعلى آله وأصحابه الذين نقلوا من أقواله وأفعاله وتقريراته ما أزالوا به عنا كل غشاوة وعما، صلاة وسلاما دائمين ما أرسلت السماء قطرا وبدا بها صحو أو غما، والرضا عن ساداتنا التابعين لهم بإحسان وكل من انتسب إليهم إلى يوم الدين وانتمى. وبعد: فليتفضل سيدنا وسندنا ووسيلتنا إلى ربنا الحبر الهمام، ذو الثبات والرسوخ شيخ الشيوخ الجهابذة الأعلام، الذي ألقت إليه العلوم كل زمام، فالناس له تابعون وبه مؤتمون وهو الإمام، أبو عبد الله سيدي محمد التودى ابن سودة المرى، لازال الكريم بنفائس المعارف إليه يقرى، بالإجازة لهذا العبد الضعيف، الذي قطع عمره في البطالة والتسويف محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف الحاج الرهونى، وهو وإن لم يكن لذلك أهلا، فاقبلوه منًّا منكم وفضلا، كى تهب عليه نفحاتكم العظمى، ويستوجب بذلك من الله مزيد الرحمى، ويرتفع بالإسناد إليكم قدر هذا الخسيس، وكيف لا وأنتم القوم لا يشقى بكم الجليس، أجازكم الكريم بأنفس ما أجاز به وفده المقربين، وأطال بكم النفع للخاصة والعامة من المسلمين، بجاه سيد الأولين والآخرين، وأختم استدعائى هذا بما قال القائل: بقيت بقاء الدهر يا كهف أهله ... وهذا دعاء للبرية شامل ولادته: ولد في ذى القعدة الحرام عام تسعة بتقديم المثناة وخمسين ومائة وألف. وفاته: توفي بعد فجر يوم السبت ثالث عشر وقيل موفى عشرى رمضان سنة ثلاثين ومائتين وألف، ودفن يسار محراب روضة شيخه سيدي على بن أحمد المذكور بوزان، رحم الله الجميع بمنه آمين.

274 - محمد بن عبد الوهاب أجانا

274 - محمد بن عبد الوهاب أجانا. حاله: شيخ علامة مشارك نبيل ذكره السلطان أبو الربيع سليمان في عناية أولى المجد. مشيخته: أخذ عن أبي عبد الله محمد بن عبد السلام بن محمد فتحا الفاسى المتوفى بمرض الاستسقاء يوم الأربعاء ثانى عشر رجب سنة أربع عشرة ومائتين وألف عن نحو خمس وثمانين سنة. ولم أقف على تاريخ وفاته. 275 - محمد بن عمر الصنهاجى الأصيل المكناسى الدار. أحد موالى أمير المؤمنين السلطان مولانا سليمان. حاله: فقيه كاتب مشارك علامة محرر. مشيخته: أخذ عن السلطان العادل مولانا سليمان وغيره، ذكره الزيانى في الجمهرة، ولم أقف على تاريخ وفاته. 276 - محمد بن حمادى الصنهاجى الأصل المكناسى الدار. حاله: فقيه علامة تولى قضاء الحضرة المكناسية. مشيخته: أخذ عن أعدل الملوك، مولانا سليمان، صرح بذلك الزيانى في جمهرته، وعن غيره من الأعلام ولم أقف على تاريخ وفاته. 277 - محمد السلاوى أحد موالى السلطان مولانا سليمان والداً عن والد. حاله: فقيه كاتب، نشأ ببيت الإمارة وغذى لبان الأدب الغض، ولاه السلطان المذكور كاتبا بديوانه الملوكى، ثم رقاه إلى الوزارة، ثم إلى الإمارة في ¬

_ 277 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 7/ 2494.

278 - محمد الزرهونى الأصل الفاسى الدار

الثغور البحرية والقبائل الفحصية ثم لقبائل العرب من المضرية اليمنية، ثم جعل له النظر والكلام إبراما ونقضا مع نواب وسفراء أجناس النصارى ولم يزل يتقلب في المناصب العظام، ومعارفه وصدقه وإخلاصه تقدمه إمام، إلى أن لبى داعى مولاه. مشيخته: أخذ عن مولاه أمير المؤمنين مولانا سليمان كما صرح بذلك الزيانى في جمهرة التيجان، وعن غير واحد من جلة شيوخ وقته. وفاته: توفي بمكناسة الزيتون عام ثلاثين ومائتين وألف. 278 - محمد الزرهونى الأصل الفاسى الدار. حاله: فقيه كاتب، رقاه السلطان المولى سليمان من الكتابة إلى عمالة وجدة وأعمالها، ثم عزله ورده للكتابة ببساطه الملوكى، ولم يزل بها إلى أن نفله الله إليه. مشيخته: أخذ عن السلطان المولى سليمان كما لصاحب جمهرة التيجان وغيره من أعلام وقته. وفاته: توفي بفاس عام ثلاثين ومائتين وألف. 279 - محمد بن الطاهر بن محمد بن محمد فتحا بن السعيد بن محمد بن محمد فتحًا بن قاسم بن مولاى الحسن بن سيدى يوسف. نجل مولانا على الشريف من شرفاء بوسلام، أحد قصور ملوية. حاله: فقيه علامة مشارك نقاد، مدرس فريد عصره، وأعجوبة دهره، ¬

_ 279 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 7/ 2539.

محقق إمام في سائر الفنون عقليها ونقليها، ماهر في التفسير والحديث وعلوم العربية، كثير المطالعة، غزير الاطلاع، محبوب مسموع الكلمة، محب في الأولياء والصالحين المجاذيب والسالكين، صلب في دينه، يقال: إنه كان يظعن ويقيم بكتبه العديدة النفيسة وكانت نحو أربعين جملا. وكان ذا جاء ووجاهة، وهمة جاوزت الجوزاء، ونزاهة، قال في الشجرة الزكية: استوزره إمام وقته مولاى عبد الرحمن ونوه به ولازمه في حضره وسفره. هـ. أخذ مبادئ العربية بسجلماسة، ثم ارتحل لفاس واستوطنها، وكانت سكناه بزقاق الحجر منها حسبما أخبرنى بذلك بلدينا حفيده، ثم استوطن مكناسة الزيتون مدة مديدة، ولا زال عقبه بها إلى الآن، وكانت سكناه بها آونة بحومة زقاق القرمونى، وأخرى بحومة حمام الجديد. مشيخته: أخذ عن سيدي حمدون بن الحاج ومن في طبقته، وشاركه في الأخذ عن الشيخ التاودى، واعتمد السيد عبد القادر بن شقرون المتوفي زوال يوم الخميس حادى عشر شعبان عام تسعة ومائتين وألف، والشيخ الطيب بن كيران. الآخذون عنه: أخذ عنه السيد الطالب بن الحاج، وسيدى التهامى بن رحمون، وأجاز للآخرين عامة بتاريخ فاتح رجب عام ستة وثلاثين ومائتين وألف، ومولاى الزكى صاحب الشجرة الزكية، ومولاى الصديق، ومولاى الحبيب أبناء مولاى هاشم بن محمد الكبير. وفاته: توفي بمراكش منتصف جمادى الأولى عام ثمانية وأربعين ومائتين وألف، ودفن بضريح مولاى على الشريف مع عمه رحم الله الجميع بمنه.

280 - محمد بن منصور الفويسى المراكشى

280 - محمد بن منصور الفويسى المراكشى. ذكره الضعيف في تاريخه وحلاه بالأديب، وقال: إنه توفي بمكناس في شعبان عام ثلاثة ومائتين وألف. 281 - محمد بن الطيب الشريف الحسنى العلوى البلغيثى. حاله: فقيه عالم محقق عدل رضي وجيه، بزكة فاضل منور السريرة وقور معتقد، عالى الهمة، صلب في دينه، من أهل زاوية زرهون، تولي نيابة القضاء بالزاوية المذكورة من عام خمسين إلى ستين ومائتين وألف، ونسخ البخاري وغيره بيده، وبه اشتهر عقبه بأولاد ابن القاضى، وببلده الزاوية الإدريسية، توفي ودفن بالظهير المقبرة المعروفة بها. مؤلفاته: منها شرح على الحكم العطائية في جزءين وقفت على جزء منه بخط يده. وفاته: بعد الستين ومائتين وألف، إذ تاريخ رمام تركته ثانى ربيع النبوى عام ثلاثة وستين ومائتين وألف. 282 - محمد بن إدريس بن محمد العمراوى الوزير الأديب الكبير. حاله: فقيه أديب شهير، ناظم ناثر، إمام الصناعتين، وحامل لوائهما بدون مين، تزرى ببديع الزمان بدائعه وأوابده، وتخجل الفتح بن خاقان رقائقه وفرائده. حلاه بعض حذاق الكتاب من معاصريه بما لفظه: رئيس الكتاب. الآخذ بحلقة الباب، الصدر الذي لا يحسن فيه التأخير، والحبر الذي لا ينبغى أن يعامل باليسير، برع في الأدب، وساد بالحسب والنسب. أخلاقه تنبئ عن نسبه، وشيمه تفصح بعراقة حسبه، كان ذا همة عالية وسلامة صدر عن الحقد خالية، يكافئ المسئ بالإحسان، ويعامله بما يناسب من الامتنان، ذا وجه وسيم، وثغر بسيم،

ومروءة ورزانة، وعفاف وصيانة، يحلم إذا أُوذى، ويجيب بالسيادة إذا نودى، ويكرم نزيله ويواسيه، ويتفقد أحواله ويدانيه، سهل المنال، لين المقال، صاحب همة عالية، ومائدة بأنواع الخيرات وافية، جاهد أولاده في تعليم القرآن والعلم، ودربهم على الاحتراف بالحلم، أشد الخدم اعتناء بخدمة مولاه، راع وحافظ لما تولاه، ناصح فالح، قادح مادح، إذا أطلق عنان القلم في القرطاس، أتى بكل غريبة وحجج مضيئة كالنبراس، لا يتوانى فيما أسند إليه من العمل، ولا يتراخى بطول الأمل، حنكته التجارب والخطوب، وعلمته المحن كل مكروه ومحبوب، هـ مختصرا. وكان له معرفة بالحساب والتعديل والنحو واللغة والعروض والأدب، منحاش لجانب الله، محب في الصالحين وأهل الفضل والدين، زوار لهم، متطارح على أعتابهم، يحب السماع ويستنعش به ويرتاح له. وكان في أول أمره ينسخ الكتب ويؤدب الصبيان، ثم انحاش إلى أبى القاسم الزيانى وصار ينسخ له مؤلفاته في الدولة العلوية وغيرها، ثم وقعت بينهما وحشة أوجبت انقطاع المترجم عن الزيانى، ثم عادت الوصلة بينهما على ما كانت عليه قبل حسبما أوضح ذلك الزيانى في بعض كتبه، وهو الذي قدمه إلى سيدنا الجد من قبل إلام السلطان الهمام، مولانا عبد الرحمن بن هشام، أيام خلافته بفاس إثر خمود نار ثورة أهله على السلطان العادل مولانا سليمان ولم يزل يقربه ويصطفيه. ثم لما جلس على كرسى الخلافة بعد عمه السلطان مولانا سليمان أبقاه من جملة كتبته، بل رأسه عليهم لما رأى من حسن عقله وديانته، ثم استوزره فقام بشئون مأمورية وظيفه أحسن قيام لما أُسند إليه الرياسة، واختص بالتدبير والسياسة، وصار لا يدخل إلا من بابه، ولا تنال الرغائب من غير ميزابه، واستمر

على هذا الحال، مرضى المقال، مجاب السؤال، إلى سنة ست وأربعين فعزل في شوال منها عن الرياسة والكتابة، وأمر بلزوم داره وانقطع عند الوارد والصادر. ثم سجن ونهب وثقل بالحديد، وأُصيب بالنكال الشديد، وجفاه القريب والبعيد، إرضاء للأوداية الذين أوغروا قلب السلطان عليه، وصرحوا بأنه السبب الوحيد في إيقاد نيران الفتن بينهم وبين السلطان أبى زيد مخدومه المذكور، وأنهم لا يرضخون للطاعة ما لم يقتص منه، ولا يرضون وساطته ولا يقبلون دخوله في أمر ما من أمورهم. ثم بعد مدة سرح من السجن، وبعد أيام خرج بقصد زيارة مولانا عبد السلام بن مشيش فوشى به بعض الحسدة للسلطان وقرر له أن مقصوده بهذه الوجهة هو الهرب بمال كان دسه، والاستيجار بذلك الضريح، فوجه السلطان في إثره من رده على عقبه، ثم امتحن محنة أشد من الأولى، فبقى بفاس مدة يلتجئ إلى الله تعالى ويتعلق بأوليائه الصالحين، إلى أن أشار عليه من يشار إليه بالخير والصلاح بالتوجه لمكناسة الزيتون، والسلطان إذ ذاك بها، فذهب إليها واحترم بضريح جد الأملاك مولانا إسماعيل. ولما بلغ خبره للسلطان أمنه وأمره بالطلوع لشريف أعتابه، فاستكتبه أولا مع وزيره الفقيه السيد المختار الجامعي، ولم يزل في ترق ودنو إلى أن رده لمنصبه وأعطاه الطابع وعزز له الوزارة بالحجابة، وذلك سنة إحدى وخمسين، ولم يزل على وظيفته بعد عزيزا مكرما، ملحوظا معظما، إلى أن استهل هلال المحرم من سنة أربع وستين فمرض اثنى عشر يوما وقضى نحبه على ما سنذكره بعد رحمه الله. وكان من عادته أنه يلازم الجلوس بباب القصر السلطانى حتى في الأعياد وأيام البطالة، يذهب أرباب الوظائف والخدم لدورهم، ويبقى هو بالباب لا يبرح، فإذا تمم أشغاله نام هنالك، ولا يذهب لبيته إلا في أوقات محدودة، أو حاجة أكيدة، ويقول: الأيام حبالى لا يدرى ما تلد، فربما يحدث أمر وأكون غائبا.

وكان ذا ملكة واقتدار على الاشتغال، يَسُد مَسَدَّ أربعة إذا اجتهدوا، وكان ينبسط إلى الكتاب ويمازحهم قصداً لإدخال السرور عليهم، وكان إذا تحدث مع جلسائه في فن التوحيد أحجم، وقال: كان شيخنا سيدي محمد الحراق يقول: نحن في شرعة الغرام أذله ... إن أقمنا على الحبيب أدله ويقول: يكفينا قول من قال: اللهم إيمانا كإيمان العجائز، وكان يقنع فيه بالتقليد ويكره الخوض فيه، ويقول: الخوض فيه مما يوقع اللبس في ذهن العاجز، وكان لا يرى في غالب أوقاته غير كاتب أو مطالع أو فصل، وكان محافظا على الطهارة كلما أحدث توضأ. قال أبو عبد الله أكنسوس: وجدت بخطه يعني المترجم في ذكر بعض آبائه الكرام محمد بن إدريس بن محمد بن إدريس بن محمد بن إدريس ثلاث مرات، فقلت له: ما هذا التكرار؟ فقال: هكذا بخط والدى السيد محمد بن الإمام إدريس ابن إدريس بن عبد الله الكامل، بتكرير محمد بن إدريس في عمود آبائنا تبركا بالجد المذكور، قال: فقلت لوالدى: هذا النسب صحيح؟ قال: هكذا كان آباؤنا ينتسبون، وكانت عندهم ظهائر الملوك المتضمنة التعظيم والاحترام، وضاعت لهم في بعض الفتن الواقعة في باديتهم بعد انتقالهم لفاس هـ. قال: وكان مقام سلفهم بقبيلة زمور من بني عمرو منهم من عهد قيام مغراوة على الأدارسة واختفاء الأدارسة في أغمار القبائل هـ. قلت: وقد وقفت على تحليته وذكر نسبه وبعض آبائه في رسوم أنكحة بعض أولادها هكذا: "العالم العلامة، الصدر المكين الدراكة الفهامة، الوزير الشهير، الأديب الكبير، الذي نظم درر الفصاحة في أسلاكها، وضم درارى الأدب في أفلاكها، وأسكت كل لسان ببلاغته وأعجزه وأخجل، المرحوم المنعم بفضل الله عز وجل، سيدي محمد بن الفقية الناسك الأجل، الواعظ المحدث المبجل، سيدي إدريس بن الخير الأرضَى، سيدي محمد بن المكرم المرتَضَى، سيدي إدريس بن سيدي التهامى بن سيدي على بن سيدي محمد بن البركة الشهير الشريف المكين

الأنور المرفوع نسبه إلى أحد ولدى مولاتنا وسيدتنا فاطمة الزهراء البتول، سيدنا ومولانا الحسن أحد ريحانتى الرسول، أبى الحسن سيدي على الشريف الإدريسى الحسنى الشهير بالعمراوى الزمورى البويحياوى. وكذلك عثرت على بعض الوثائق بيد أحفاده أحدها رسم يتضمن معرفة الشهود السيد أحمد بن يحيى ومن عطف عليه من المتعاشرين مع بني عمر من البربر المستقرين بالدروج بأنهم يعرفونهم على أتم وجوه المعرفة وأكملها وبها ومعها يشهدون ويتحققون انتسابهم للجانب العلى، واتصال نسبهم للسيدة فاطمة الزهراء تاريخ الشهادة رابع محرم عام ستين وتسعمائة، وبعدها أعمال بعض القضاة لها منهم على بن حماد الحسنى، وقاضى سَلاَ، بتاريخ سادس عشر جمادى الثانية عام ثلاثة وخمسين ومائة وألف وغيرهم من القضاة المنطمس شكلهم، وبهذا الرسم بتر وانكماش. والثانى ظهير إسماعيلى نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع السلطانى بداخله إسماعيل بن الشريف الحسنى: "كتابنا هذا أسماه الله تعالى وأعز أمره. وأطلع في سماء المعالى شمسه النيرة وبدره، ... بيد حملته الشرفاء أولاد سيدي أحمد بن يحيى الحسنى وهم السيد يخلف ... عبد الملك بن أحمد، والسيد محمد بن أحمد، والسيد العميرى ابن أحمد، والسيد منصور بن أحمد، وكافة إخوانهم القاطنين بقبيلة بني عمر يتعرف منه بحول الله وقوته، ونصره ومعونته، أنه لما ثبت عندنا، واتضح لدينا، وأنهم شرفاء ينتسبون للشجرة النبوية وبيدهم رسوم وبراوات الملوك المتقدمة على ... في ذلك وأسبلنا عليهم أردية التوقير والاحترام، وحملناهم على كاهل المبرة والإكرام، ... عما يطالبون به العوام، بحيث لا ... أو يحدث لشملهم ... ولا زيادة ... معارض يعارضهم ولا منازع ينازعهم، ومن نازعهم من قبيلة بني عمر ولا غيرهم يخاف على رقبته، والواقف عليه يعمل به والسلام في أوائل ربيع

النبوى عام عشرة ومائة وألف" وبعده شهد على الطابع الشريف صدره عدل فقبل، وانظر اتصال المترجم بهؤلاء المشهود لهم. ودار سكنى المترجم بمكناس كَانت أولا بحومة حمام الجديد، ثم عوضت لبنيه من بعده بأخرى أحسن بحومة تيبربرين لا زالت تعرف باسمه إلى الآن. مشيخته: منهم أبو عبد الله بن محمد بن الطاهر بن أحمد الحبابى رئيس الموقتين بمنار القرويين، والفقية الأزمى، والسيد حمدون بن الحاج، والسيد محمد اليازغى، والعلامة سيدي محمد بن الطاهر العلوى المترجم فيما مر وغيرها ممن هو في طبقتهم، وأخذ عن الشريف سيدي الطيب الكتانى، والشريف سيدي عبد القادر العلمى دفين مكناسة الزيتون، وسيدى محمد الحراق، واستجار سيدي عمر ابن المكى الشرقاوى. شعره: له شعر كثير، كالدر النثير، جمع بعضه ولده الكاتب الأديب الحاج إدريس المترجم فيما سبق في ديوان يقع في سفرين وقفت على أولهما ينتهى بحرف النون، قال أوله: إنه كان لوالده القدم الراسخ في موالاة أهل البيت الشريف ومحبتهم، والانقطاع إليهم وخدمتهم، من عصر الشبيبة إلى الشيخوخة والوفاة، وأنه كانت تصدر منه في أغراضهم أشعار رائقة، وقواف في أمداحهم رائقة، وعقود جواهر في تعداد وقائعهم متناسقة، غير أنه لشغله بالخدمة، وأداء حق النعمة، لم يحتفل بجمعها، ولا ابتغى غير الآخرة من نفعها، فتفرقت أوراقها. شذر مذر، وحجب تعاقب الليالى محاسن تلك الغرر، فشرح الله الصدر لجمع ما بقى منها في بطون الأوراق، وصدر أهل الأذواق، مما رق وراق، وأنه لما رأى ذلك من آكد الحقوق، والإعراض عن تلك البقية ضرب من العقوق، فجمع منها عُلالَة (¬1) بين أمداح نبوية، وتوسلات وهبية، وفوائد وعظية، وتيجان ملوكية، ¬

_ (¬1) العلالة: بقية كل شيء.

وحقائق سلوكية، ونسيب وغزل، وجد في المسامرات وهزل، وقدمه هدية لمخدومه السلطان مولاى الحسن رحم الله الجميع. ومن جيد شعره قوله من صدر ميلادية: أعد الحديث عن الحمى وظبائه ... فالسمع مشتاق إلى أنبائه وصل الحديث عن اللوى وعقيقه ... والنازلين الجذع من جرعائه فهناك معترك النواظر والنهى ... ومجال أفراس الهوى وظبائه كم من صريع هوى بأفنية الحمى ... فتكت عيون العين في أحشائه ومتيم لعب الغرام بقلبه ... لما سقاه الوجد من صهبائه وأسير وجد في إسار جمالهم ... قادته مرسلة العيون لدائه أن القتيل من الغرام ودائه ... مثل الشهيد مضرجا بدمائه يا صاح إن وافيت منزلة اللوا ... ومررت ما بين العذيب ومائه ولقيت أسراب الظباء رواتعا ... يمررن حول الحى في أرجائه فاحفظ فؤادك من ظبا تلك الظبا ... فلكم كمى صيد في أحيائه وإذا بدا سلع فعرج نحوه ... وتنشق الأرواح من تلقائه وإذا مررت بحى قوم حيهم ... وصل السلام على الحمى وظبائه واخلع نعالك في مقدس وادهم ... واحطط رحالك خاشعا بفنائه فهناك طابت طيبة من طيب من ... طاب الوجود بطيب طيب ثنائه وهناك روضة خير من ركب المطا ... وأجل من لاذ الورى بعلائه وهناك قبر المصطفى من فضله ... عمر الوجود بجوده وعطائه

وهناك مَنْ أسرى الإله بذاته ... ليلا فنال الفوز في إسرائه وحباه قربا لا يضاهى وخصه ... بمصون سر الحب في إيحائه وأراه من آياته وصفاته ... ما كلت العقلاء عن إحصائه وكساه من إجلاله وجلاله ... ما حارت الأفكار في إنهائه إلى أن قال يذكر السلطان: فاق الثواقب بالمناقب والحلى ... وزرى بطيب المسك طيب ثنائه قد فاخر الأعصار عصر وجوده ... وتنافس الأملاك في استصفائه غمرتنى أنعمه التي قد أعجزت ... شكرا فقمت لها ببعض أدائه واتيت من حر الكلام بمدحه ... خلع الجمال عليها حسن روائه وجلوت عذراء المدائح غادة ... وشىَّ حلاها الفكر من إنشائه أهدى القريض لها عقود جواهر ... نظمت على همز الروى وهائه وأتى بكاملها الرفيع لكامل ... بحلى الكمال سما على أكفائه والله أسأل بالنبى محمد ... في أن يمتعنا بطول بقائه ويديم نصرته ويثبت عزه ... وعلاءه ويثيبنا برضائه صلى عليه الله ما حيى الحيا ... وترنم الحادى بحسن غنائه وعلى الأماجد آله وصحابه ... والتابعين الحق من خلفائه وقوله يمدح السلطان مولانا عبد الرحمن بن هشام ويذكر إجراءه الساقية المسماة بتسلطانت حوز مراكش إلى الغراس والجنات السلطانية:

وردت وكان لها السعود مواجها ... والحسن مقصور على مواجها وبدت طلائع بشرها من قبلها ... كالشمس طالعة لدى أبراجها وتسير ما بين الأباطح والربى ... ترمى فريد الدر من أمواجها وتصوغ من صافى النضار سبائكا ... حلت بها الأعطاف من أثباجها هبطت إليك من الجبال وطالما ... تعبت ملوك الأرض في إخراجها وأتتك راغبة تجر ذيولها ... وتفيض غمر النيل من أفواجها تنساب مثل الأفعوان وتنثنى ... كالغصن بين وهادها وفجاجها خطب الملوك نكاحها فتمنعت ... وأتتك واهبة حلال زواجها فلتهنك الخود الرفيعة منصبا ... وليهنها أن صرت من أزواجها حمراء عباسية بدوية ... نشرت ذوائبها على ديباجها وافتك وافدة صبغ الحيا ... وجناتها وجرى على إدراجها فكأنها بلقيس جاءت صرحها ... لكنه صرح بغير زجاجها حاكت لك السيف الصقيل مضرجا ... بدم العدا إذ أُدميت للجاجها فكأنما ذبحوا بها زمرا فذا ... قانى الدماء يسيل من أوداجها علمت أناملك الشريفة أبحرا ... غرقت بحار الأرض في عجاجها فأتتك طالبة الأمان لنفسها ... لتنال بعض الصيب من ثجاجها لبتك إذ سمعت نداك وأقبلت ... مرهوبة تستن من إزعاجها ونزعتها بالقهر من غصابها ... والسابقون رضوا ببعض خراجها حليت مراكشا بدر عقودها ... وفتحت مغلق نهرها وشراجها

وجلبت منها للرعية نفعها ... وحللت ما قد عز من أرتاجها كم من مزارع أخصبت وحدائق ... حلتها بالأقراط من أزواجها يعلى على الإسكندر استدراكها ... ويحار رسطاليس في استخراجها نالت من النيل المقدس شعبه ... وزرى بطيب المسك طعم مزاجها لو يعلم الحكماء ما في مائها ... ما عالجوا المرضى بغير علاجها فاق الرضاب حلاوة وعذوبة ... وحكى لباب الشهد حلو مجاجها لو مازجت ماء البحار بمائها ... غلبت عذوبة مائها لأجاجها يغنى عن السكار طعم زلالها ... وعن الغناء ينوب صوت لجاجها تنسى الغريض ومعبدا نغماتها ... ويحار إبراهيم في إهزاجها حلت لنا دار الهناء وخصصت ... روض المسرة إذ أتته بتاجها أحيت نبات الأرض في جنباتها ... وأرت نجابة دوحها ونتاجها حيث الحدائق شاكلت زهو السما ... في زهرها الزاهى وفي أبراجها نسجت زرابى في الفلا مبثوثة ... من نورها كالمسك في آراجها حفت بها حلل الأعارب رغبة ... في مائها وكلائها ونتاجها جعلت بساحتها ملاعب خيلها ... ومطالع الأقمار من أحداجها وأسامت الأنعام حول فسيحها ... فنمت بنجم جمالها ونعاجها يا أيها المحيى شريعة جده ... والمرشد الهادي إلى منهاجها والباعث الجرد السلاهب ضمرا ... نحو العدا تستن في أفواجها تهدى أسنتها ولمع سيوفها ... نحو العدا كالشهب تحت عجاجها

تجتاب باسمك كل خرق سبسب ... وتعود بالإفلاج عند معاجها الله يسر ما تروم أما ترى ... عقم المنى عادت إلى استنتاجها لو شئت من زهر الكواكب وصلة ... لهداك رافعها إلى معراجها كم أمة شقيت بسيفك إذ عثت ... أخنى عليها الدهر باستدراجها وقبيلة تبعت سبيلك فاهتدت ... حاطتها حارسة العلا بسياجها وممرد لعب الهوى بضميره ... أرضته خطية القنا بزجاجها ومحب حق قد جذبت بضبعه ... فحبته أيدى المكرمات بساجها تفد الوفود عليك طالبة الغنى ... تزجى الركائب تحت مبهم داجها فتنال غاية قصدها ولو انها ... نادتك لباها ندى أفلاجها عمت مواهبك الأنام فمالها ... إسآدها يهدى إلى إدلاجها أنزلت رحلى في حماية مالك ... سامى المناقب والحلى وهَّاجها ولئن لجأت فقد لجأت لسيد ... كشاف معضلة الورى فرَّاجها طود الجلالة أصل كل فضيلة ... بدر الخلافة في الورى وسراجها خذها أبا زيد نتيجة فكرة ... بكراً تهز العطف في ديباجها طالت فطابت كالمنوه باسمها ... إن شئت سحر البابلى فناجها والبس من المدح المنظم حلة ... قد طرزت واعطف على نساجها واسلم لدهر أنت شمس زمانه ... ولأمة أنت الكفيل بحاجها وقوله في العنب: عرائس الروض تزهو في عرائشها ... لها خدور لصون الحسن والحسب

قد ربيت في مهاد ما يحركه ... إلا النسيم إذا يهفو على كثب وأرضعتها ثدى السحب درتها ... في كل حين ولم تبرز من الحجب فأصبحت بعد ما تمت رضاعتها ... تعزى إلى الكرم لا تعزى إلى السحب تكاد تسقط سكرا في أريكتها ... لو لم تقم بسرير العود والعنب فيها لأهل التقى شكر ومهمله ... وزر لأهل الهوى وذا من العجب وقوله يداعب الشريف الفكه الظريف مولاى الحجازى العلوى الذي كان المولى عبد الرحمن يتأنس بمداعبته وكان قد مات له غلام يسمى بيدق وجارية تسمى شويطرة: هى الأيام تفجع بالمصاب ... وتمزج حلو نعمتها بصاب تكدر بالمنية كل عيش ... وتولع بانتهاب واغتصاب وتختلس النفوس ولا تبالى ... وتستلب النفيس ولا تحاب رمت عن قوس نبعتها سهاما ... أتت من لم يكن لي في حساب أصابت بيدقا ورمت جهارا ... شويطرة ولم تشفق لمآب فهذا كان يتبعنى نهارا ... وتلك خديمتى عند الإياب فتحسن عشرتى وتقم بيتى ... وتحرسه وتغسل لي ثياب وذلك كان يحفظ لي مغيبى ... وأمتعتى ويحرس حول باب وكان الصدق شأنهما ولكن ... جيوش الموت تولع بالرغاب أأضحك بعد نيل الموت مني ... وأنعم بالطعام وبالشراب وقد علقت شويطرة المنايا ... وجاورت البويدق في التراب

فأفجعت الفؤاد بها وحسبى ... آسى وعلى الإله أرى احتساب وكانت أنفس الأشياء عندى ... وأحذق من يجيب إلى خطاب وكنت أُعدها لأمور نفسى ... وأحبسها لأنسى في اغتراب وأطمع في اقتضائى لافتضاضى ... بكارتها فيرجع لي شباب فوا أَسفا على ما فات منها ... فإنى بعدها حلف اكتئاب مضت عني شويطرة وأبقت ... فؤادى من هواها في عذاب وإنى أرتجى خلفا قريبا ... من الرحمن مع حسن المآب وقوله وقد وصله كتاب، من شانئ يريد السباب، فسد في وجهه الباب: ألا أيها الرامى بسهم سبابه ... على جهة التعرض لي في كتابه رويدك عندي للسفيه مثالب ... ولكن أغض الطرف دون جوابه رميت امرءا لا يعلق الذم ثوبه ... وليس يحوم العيب من حول بابه ولى من لسانى صارم الحد فاتك ... يقد حشا المغتاب لي في قرابه فإن مضك الذم الذي أنت أهله ... فأنت الذي أَحوجتنى لجوابه وإن مزقت أسمال عرضك نفثتى ... فأنت طرقت الليث في وسط غابه نهيتك عن أمر تبينت غيه ... وقلت لك التوفيق عند اجتنابه فآليت أن لا ترعوى لنصيحة ... وزدت لجاجا في عظيم اغتيابه إذا المرء لم يقبل نصيحة مشفق ... ولم يتحرج من قبيح اكتسابه فدعه وأحداث الزمان تنوشه ... سيطرقه من لم يكن في احتسابه

وقوله: ذكرت ريح الصبا عهد الصبا ... فهوى لصب هواها وصبا ما سرت إلا وسرت قبله ... ونفت عنه العنا والوصبا باكرت روض النقاد وارتشفت ... من لمى ثغر الأقاع الأشبا صافحت زهر اللواغب السرى ... وأتت صبحا تشكى الوصبا جررت ذيل دلال سابغا ... وجرت طلقا بأكناف الربا شوشت أغصان بان عندما ... نازعتها برد خز وقبا سلبت من كل نور نفحة ... وغدت تهدى إلينا السلبا جددت وجدا لنجد والحما ... منذ اهدت مواليه نبا ما هفت يوما على القوم وقد ... سكنوا إلا استطاروا طربا وأتت من طيها في حيها ... بشذا فاق العبير والكبا كيف لا تسمو على الطيب وقد ... جاورت جيره سلع وقبا وقوله: مضى في المناهى والملاهى شبابى ... كأنى لم أُومن بيوم حساب ولم أَدخر رادا ليوم مقامتى ... ولم أتخذ عقبى وحسن مآب أنافس مثلى في البطالة والهوى ... وأُعرض عن تقوى ونيل مثاب وأَسريت في ليل الجهالة خابطا ... به خبط عشوا في هوى وسراب أَأَنعم عيشا في الورى بعد ما بدا ... بياض مشيبى في سواد شباب

وقوله: وأنفع النفثات السحريات رقى ... يبثها قلم الإنشاء في الكتب وأكبر السحر تأثيراً وأصعبه ... سحر تولد بين الحبر والقصب قاض على الكل مقبول وقد شهدت ... له المصاقع عند الحكم بالغلب لم يهرم الدهر ما أثنى على هرم ... زهيره وفنى ما نال من نشب وقوله: أما الرسوم فلم ترق لما بى ... واستعجمت عن أن ترد جوابى ولقد وقفت بها أُكفكف عبرتى ... طوراً وأمسح في فضول ثياب وأسائل الربع المحيل تولها ... حتى رثى صحبى ورق ركاب وقوله: أريد إقامة الحجج المواضى ... لا محو زور أقوال الوشاة وأدحض بالحقيقة كل وغد ... يبين الود وهو من العداة وقوله وقد كان في سفر مع السلطان ماراً ببلاد زمور الشلح فبدا سرب من نسائهم متعرضات للسلطان فاستنشده بعض الرفقاء فأنشده بديهة: أظباء زمور سلبتم مهجتى ... بقنا القدود وصارم اللحظات وهتكتم بالقهر حصن تنسكى ... بجيوش حسن خريدة ومهات شنت علينا بالنواظر غارة ... فأخذتم الألباب في الثارات كفوا ألحاظكم الكحيلة وارددوا ... أسلاب ألباب على المهجات أولا أيبحوا للشفاه شفاءها ... ولتستحلوا لثم تى الوجنات

قالت أفى شرع الغرام تحكم ... أرأيت منحكم على الفتيات نحن الملوك على الملوك وإنما ... أحكامنا بالقهر والغلبات الجور عدل عندنا والظلم حـ ... ـق بيننا والذنب كالحسنات وقوله في معنى التغزل والوداع. وعرض لذلك داع. وتخلص منه لمدح السلطان: عرضت لنا كالظبية المغناج ... تختال في حلل من الديباج هيفاء فوق قضيب بأن أطلعت ... بدر التمام بليل شعر داج ورنت بعين مهاة رمل أُودعت ... فتنا تنسى فتنة الحلاج لضعيف ذاك الجفن صولة قادر ... في العاشقين كصولة الحجاج خرسى الخلاخل والسوار وقرطها ... والحلى مهما مشت كثير لجاج يشكو لليل الشعر مدمج خصرها ... ما مسه من ردفها المواج والعين من فرط السقام شكت لنا ... ما يشكيه الخصر من إدماج أعدى سقام جفونها جسمى كما ... قلبى بنار الخد ذو إنضاج إن مت من فرط الغرام فقاتلى ... غيد الغوان بكل طرف ساج دينى على ظبيا تهن مواعد ... بالقرب منهام الغرام علاج كم من شفا بين الشفاه لذى الجوى ... ودواء صب في لذيذ نتاج أَصف الدواء لذى الهوى وأَظننى ... من لحظ عين العين لست بناج إن التي سفكت دمى بلحاظها ... وسبت فؤادى بطرفها المعتاج حيت فأحيت صبها بمكحل ... أحوى ووجه أبلج وهاج

وتبسمت فأرتنا سمطى جوهر ... بمفلج لمدامة مجاج لم أنس وقفة عيسها يوم النوى ... والظعن في الإلجام والإسراج والقلب من ألم الفراق على لظى ... والعين تسخو بمد مع ثجاج تشكو النوى لمحبها بلواحظ ... نعس الشفار ومقول لجلاج ساروا فكم من مهجة في إثرهم ... ومدامع تستن كالأمواج هم أودعوا قلبى الجوى إذ ودعوا ... وطووا بدور التم في الأحداج نعب الغراب ببينهم فتفرقوا ... ليت الغراب مقطع الأوداج بانوا فبان تصبرى من بعدهم ... وكلفت بالتأويب والإدلاج سقبا لمنزلة اللوى من معهد ... فلكم قضينا بربعه من حاج أيام تسعدنى سعاد بقربها ... وتزيح عنى الهم حين تناج والدهر غض جفون كل مكاشح ... أوقاته للأنس ذات نتاج كم ليلة طلعت طلائع أُنسها ... فجلت جيوش نوائب ودياج إذ نطلع الكاسات فيها أنجما ... تجلى على النغمات والأهزاج وندير من خمر الصبابة بيننا ... صبهاء صافية بغير مزاج لا نقتفى غير العفاف ولا نرى ... غير الوفا في الحب من منهاج وعشية رقت وراقت منظرا ... في شط بحر زاخر عجاج يبدو فتحسبه سماء أفرشت ... أمواجه تلتاح كالأبراج لو كنت شاهده وقد هب الصبا ... لعلمت كيف تلاطم الأمواج والشمس ناشرة دوائب شعرها ... تبدو لدى آفاقه كالتاج

وتزين صفحته بمذهب نورها ... فيهز عطف التيه عقبى الداج والموج أمثال الكتائب يرتمى ... ويغير نحو الشط في أفواج تهدى إليه بنفسجا من مائها ... فيرده متكسرا كالعاج ويكاد يحكى الملك الرضا ... في جودها لو كان غير أُجاج المالك الميمون طائره ومن ... حياه وجه السعد بالأفلاج ما عابد الرحمن إلا رحمة ... ظهرت لحسم ضلالة وعلاج وقوله: قالوا أنراك عدلت عن سنن الهوى ... مذ حدت عن نظم القريض ونسجه فأجبتهم برد الزمان أصابنى ... فجمود نار قريحتى من ثلجه وقوله: ترقرق في وجه الصباح صبوح ... فبان به للهم عنى سروح وعاودنى للأنس عيد مسرة ... به لعهود الأنسات فتوح ولم أر مثل (المامونية) معهدا ... بأكنافه تغدو المنى وتروح هو السهب للشهب الزواهر مطلع ... وللفضل فيه والجلال وضوح قباب كأبراج السما ومنازل ... خلال بروج قد علت وصروح بها للظباء الكانسات ملاعب ... سمت ولربات الجناح جنوح وقد صفقت تحت الظلال مذانب ... وساحت فصاحت في الغصون صدوح ظللنا بها والسحب ينثر دره ... وللغصن فيه والأضات طموح تلون فيه الجو كالدهر بشره ... يمازجه تحت الغمام كلوح

وللريح في تلك الخمائل زفرة ... كزفرة صب قد عراه نزوح وللكأس في كف السقاة تبسم ... وللشرب تقطيب لها وكلوح فلا زال مأوى للملوك وللعلا ... تقرر فيه للسرور شروح وقوله: بنفسى روض من جمال جلوته ... وقد غفل الواشون عند صباح سقاه حيا حتى ارتوى ورد خده ... حياء فحيانا بثغر أقاح وغرد ورق الحلى من فوق قامة ... سمت فوق ردف كالكثيب رداح فعانقت منها الغصن يهتز ناعما ... وقبلت منها البدر غب لياح وقوله: دعا داعى الشريعة للجهاد ... فلبوا مهطعين إلى الجلاد فما هذا التثاقل والتوانى ... وحزب الشرك يضرب في البلاد وكم هذا التغافل والتعامى ... وقد حفت بكم زمر الأعادى وقال من مولدية: يا نسمة هبت مع الأسحار ... تحيى القلوب بعرفها المعطار وتقر من أهل المحبة أعينا ... لم تكتحل بعد النوى بغرار حيت بأنفاس الخمائل أنفسا ... تشرى اللقا بنفائس الأعمار وافت تجر من الدلال ذيولها ... وهنا وتسمح أوجه النوار تروى أحاديث العقيق وحاجر ... عن بان نجد عن شذا الأزهار فتسوق للصب المشوق صبابة ... وتشب في الأحشاء جذوة نار

وتبث عن عرب برامة خيموا ... سرا تنزهه عن الإضمار تتمايل الأشجار عند سماعه ... طربا وتفصح ألسن الأطيار لم تدر دارين لسالب مسكها ... طيب الأريج ولا ظفير ظفار لم لا تفوق وقد تلقفها الصبا ... وروى شذها نسائم الأسحار وأتت على دار الحبيب فآذنت ... منه بقرب مسرة ومزار وتوافق السعدان فازداد العلا ... فصل الربيع ومولد المختار شهر به اهتز الوجود بأسره ... لظهور سر الله في الأسرار وسرت مسرته على طول المدى ... وتجددت بتجدد الأعصار لاحت بغرته السعود وأشرقت ... فرحا بوسطه سنا الأنوار وتزينت فيه الجنان وحورها ... وتبررت بمنصة استبشار وقال من قصيدة يهنئ بها مولانا على بن مولانا سليمان بدار أسكنه فيها والده السلطان رحمه الله وقد جمع فيها العلماء والأعيان، لقراءة ختمات من القرآن، وكان ممن جمعته تلك الجملة، وانخرط مع أولئك الجلة،: حياك حياك رب العرش يا دار ... ودار مع ساكنيك العز ما داروا ولن تزالى بإذن الله دار على ... والمجد والجود والعلياء عمار دار تود الشموس لو تحل بها ... وتحسد النازلين فيها أقمار شيدت بها غرف من فوقها غرف ... وقد جرى تحتها كالخلد أنهار بها سوارى عوارى كالجوار بدت ... عليها للحسن والإتقان أنوار قد نمقت ببديع الحسن ساحتها ... كأنها الروض والألوان أزهار

جرى بها سلسل مثل اللجين بدا ... في خصة فيها للرائين أسرار فما البديع بديع عند رؤيتها ... وليس يذكر للرهراء أخبار أست على الدين والتقوى ألست ترى ... فيها مدى الدهر للرحمن أذكار عذراء قد بهرت حسنا وقد عنست ... دهراً لكفء لها في الناس تختار فكفؤها المرتضى الأسمى أبو حسن ... فنعم من حلها ونعمت الدار وزادها شرفا فخما إلى شرف ... أن قد غدا صنوه الأسمى لها جار بتنا بها ليلة ما كان أقصرها ... كذا ليال الوصال فيها أقصار للقارئين لدى أرجائها ... وللمصلين بالتسبيح إظهار بنعمة تدهش الألباب مطربة ... ليست تحاكيها قينة وأوتار للند والعود في أرجائها أرج ... وللمدائح إقبال وإدبار وللشموع سطوع في مجالسنا ... كانهن قنا له سنانها النار قابلن جيش الدجى ففر منهزما ... إن الدجا من جيوش النور فرار وللمصابيح في تأنيقها عجب ... مثل النجوم لها في الليل إزهار نردد الطرف في أرجائها عجبا ... فيرجع الطرف عنها فيه إحسار يقول مبصرها من حسن بهجتها ... وللورى ببديع الحسن إقرار يا روضة الحسن منك الحسن مسترق ... وللبها منك إيراد وإصدار أنت التي جمعت للحسن أجمعه ... لما ثوى بك من للمجد مختار

وقال يهنئ أخاه في الله الفقيه النزيه السيد محمد الشرفى بعرس: هنيئًا أبا عبد الإله لك البشرى ... فهذا زمان السعد قد أظهر البشرا وهذى رياض الحسن تزهو أريضة ... وهذى بشارات السعود أتت تترا فرد من زلال الود غير مكدر ... وجل برياض الحسن واقتطف الزهرا فقد وصلت من بعد طول تشوق ... غزال بليل الشعر قد أطلعت فجرا سرت وظلام الليل أرخى سدوله ... وزارت على بعد الديار لنا بدرا عجبت لشمس زارت البدر في الدجى ... وعهدى بأن الشمس لا تدرك البدرا حكت ظبية وعساء جيدا وناظرا ... وأزرت بقد الغصن والصعدة السمرا تشوق منها القرط صوت خلاخل ... فأرسل للإتيان بالخبر الشعرا وقد غردت من فوق غصن قوامها ... حمائم حلى آذنت باللقا جهرا تريك عقود الدر عند ابتسامها ... وتسقيك من سلسال ريقتها خمرا ولا عيب فيها غير سقم جفونها ... وكفل رداح ثقله أنحل الخصرا وغير حديث قد حكى السحر رقة ... له في سويدا قلب سامعه مسرا فواصل بها وصل السرور ودم على ... ذرى المجد والعلياء مرتقيا فخرا وخذها كما شاء الوداد خريدة ... تفوق الذى أُعطيت في وصلها مهرا ودونكها كالروض قد نشر الحيا ... بأرجائه من دمع ديمته درا ففتق من صوب الكمام أزهرا ... فأَعبقت الأرجاء من طيبها نشرا ونادت طيور الشكر فوق غصونها ... هنيئا أبا عبد الإله لك البشرا

وقال يتغزل: سحرتك بالطرف الكحيل الساحر ... وبحسن قد كالقضيب الزاهر وبغرة كالفجر تحت ذوائب ... كدجنة فاعجب لحسن باهر وبنقطة مسكية في وجنة ... وردية ذات الأريج العاطر وبريقها المعسول إلا أنه ... يشفى الحشا من كل داء ضائر ريق أعز على من نيل المنى ... وألذ من رشف الرحيق لخاطرى ماذا وكم أَوقعتنى في حسرة ... وجلبت لى من شقوة يا ناظرى ولكم جمحت بتيه مبدان الهوى ... وحصلت في شبكات ظبى نافر ولأنت يا قلبى فكم أصليتنى ... ورميتنى في بحر حب زاخر أدخلتني في وسط معركة الهوى ... ما بين جيش قواضب وبواتر وتركتنى في حى ليلى مثخنا ... بظبا ظباء لم أجد من ناصر يا سعد هل لى في الهوى من سعد ... بشفا شفاه اللعس تحت غدائر أم هل بنجد هواهم من منجد ... لمتيم في حاجز بمحاجر فتكت عيون العين في أحشائه ... بشفار ألحاظ رمت بخناجر وسطت عوامل قدهن بقلبه ... فغدا أسير عوامل ونواظر أوثقنه بجبال وعد مخلف ... وشددن أسر وثاقه بمغادر نفسى الفداء لظبية فتانة ... فتاكة بشفار شفر فاتر نامت نواظرها وقد سلبت كرى ... طرفى بطرف بابلى ساحر وغدا الجمال بأسره في أسرها ... والسحر أُيد جنده بعساكر

فإذا بدت سجد العيون لحسنها ... تسبيحها سبحان ربى الفاطر وترى القلوب خواشعا لجمالها ... مكسورة من كسر طرف كاسر شمس على غصن تكون في نقا ... من تحت ليل ذوائب وغدائر نصبت قسى حواجب موتورة ... بالسحر ترمى كل صب ناظر فكأنما هاروت عن أجفانها ... يروى فيسند ساحر عن ساحر ورعت رعاها الله في ربع الحشا ... حب القلوب ولم تخف من زاجر كيداء قد ورثت محاسن يوسف ... ناهيك من حسن بهى باهر وتوطنت بالمنحنى من أضلعى ... ومحصب الأحشا رمت من حاجر فغدوت ما بين الأنام متيما ... بجمالها ومهيما في سائر وغدا عذولى عاذرا في حبها ... فاعجب لعاذل ذى غرام عاذر كم من عذول في الهوى ومكاشح ... غابت شواهده بوجه سافر ولكم رقيب في الهوى ألفته ... بالشعر حتى عاد عند أوامرى ولكم نظمت سلوكه في غادة ... فاقت قلائده بدر فاخر ولكم ليال قد جلوت فريدة ... والكاس نجم في سماء أزاهر ومديرنا رفع العقيرة منشدا ... قطعا ألذ من المدام الدائر يشدو فيبدو الدر من أصدافه ... ثغر وشعر مع عقود جواهر سقيا لأيام الوصال وقربها ... وزمان أنس بالأوانس زاهر إنى لأذكره فأحسب أننى ... من كثرة الأشواق بين محاضرى وأقول للأيام هل من عودة ... لزماننا الماضى بوصل حاضر فعساه يظهر لى المتاب بعودة ... ويكفر الماضى حسن الآخر

وقال يمدح سيدى محمد بن السلطان الموالى عبد الرحمن وكان إذ ذك خليفة والده بمراكش وولى عهده ووجهها له سنة 1262 مع ولده الحاج إدريس: عرضت وجيرتنا على أوفار ... في سرب عين بالنسيم جواز هيفاء يعطفها الدلال فتستثنى ... فرحا ويكسوها حلى الإعزاز هزت من القد القويم مهفهفا ... ومن اللحاظ الدجع حد جراز حكمت بحلية الدماء ومادرت ... أن الشريعة لم ترد بجواز وقضت علينا بالوفاء ولم تدن ... في مطل موعدها لنا بنجاز بانت فقلبى خافق ومدامعى ... مرمضة والصبر في أعواز تلك الظباء ظباء رامة قد غدت ... في جيش أرباب الغرام غواز من كل قاصرة تطول إذا رنت ... حزب الكماة وهى في تجواز تبدى التأنس بالنسيب وطالما ... أعيت مكايده على الغناز جور الحسان على الكرام وظلمهم ... عدل بلا شكوى ولا اشمئزاز ما ذاك إلا أن أنصار الهوى ... في صولة تخشى وفى إعزاز ملك الجمال على القلوب محكم ... وجيوشه من أفخد الأوشار تعنو لهيبته الرقاب كما عنت ... لمحمد المحمود ذى الأحراز علم تفرد بالجلالة والنهى ... وغدا لخصل السبق ذا إحراز زان الرياسة بالسياسة والعلا ... بسخائه والوعد بالإنجاز وسما إلى رتب الكمال بعزمة ... لا تنثنى وبصارم هزهاز فاق الثواقب بالمناقب وارتقى ... عن طيب أخلاق وطيب نجاز

قل للمحاول شأوه أقص فقد ... ساويت بين الصقر والخزباز ما كل برق لاح برق تهامة ... كلا ولا كل النسيم حجازى والطير يظهر في المطاعم فضلها ... ما صيد باشقها كصيد الباز حاولت مدح محمد فأقامنى ... إجلاله في موقف الإعجاز وأطلت في أوصافه متطفلا ... فوجدت بسط القول كالإيجاز يا مفردا جمع الفضائل كلها ... ما إن لفضلك في الزمان موازى أرهقت أرباب الضلال بصولة ... ردت أبى النفس كالجلواز وأسمت سرحك في رياض سعادة ... وسواك سام السرح في الأجراز وكساك والدك الرضا حلل الرضا ... وقضى لوعد علاكم بنجاز أَدركت في التقديم كل حقيقة ... لما اكتفى منها السوى بمجاز سابقت أرباب العلوم ففقتهم ... بذكاء فهم زائد وحزاز فلك اليد البيضاء في أنواعها ... والسبق في الميدان يوم براز فسعيت سعى موفق ومسدد ... ونطقت نطق مصدق ممتاز كم فتكة بكر لسيفك في العدا ... ومشاهد مشهودة ومغاز كيف النجاة وسيف سعدك طالب ... للمارقين وسبف كفك غاز قدت الخميس إلى الوطيس بعزمة ... تذر الكماة الصيد كالحراز واسود حرب غابها سمر القنا ... مشهورة بالفتك في الشراز لا يعرفون سوى التقدم في الوغا ... والضرب في الأعناق والأجواز وإليكها أبكار فكر غضة ... جهزتها لحلاك خير جهاز

تاهت على شعر العراق لطافة ... وزرت بأهل الرى والأهواز يهوى الرقيق الطبع رقة طبعها ... وبعدها الجهال في الألغاز قد جئت بالدر النفيس مفصلا ... عقدا وما أَنفقت من أعواز ولطالما طلب الغواة ذخائرى ... حرصا ففاقهم نفيس ركاز سمحت بها الأفكار وهى لواعب ... فأتت بغنة قينة ميجاز وأَتتك عفوا حرة من حرة ... والحر لا يحتاج للمهماز أنى يعارض الغوى وقد غدت ... بصفات حمدك في صوان طراز حصتها بعلاك خير تميمة ... من كيد كل مكاشح هماز ترمى نجوم سمائها حرسا لها ... شهبا لحرق الكاشح اللماز ويحوط حوزة سرها ذو مرة ... فكأنه باز على قفاز ولكم دَعِىٍّ رام عجم عقودها ... والدر لا يمتاز للبزاز أسدى وألحم في مجال غروره ... ما حرفة الصواف كالقزاز والشعر يعرف قدره من حاكه ... نساجه أدرى من البزاز دم في ذمام المجد محروس العلا ... في نعمة موصولة بمفاز وقال: نادى السرور بسعدكم فتنزهوا ... فالروض قد أَهدى حلاه وخزه بسط الربيع به بساط زبرجد ... قد أحسنت أيدى السحائب طرزه قد كان كنزا في التراب مطلسما ... فتحت رقى كنز الغمائم كنزه أبدت خبايا الأرض من بركاته ... ما أَوضحت لس الكمائم رمزه

طلعت طلائعه بكل ثنية ... تهدى بدائعه وتنشر بزه وجيوشه النوار تظهر في الرُّبى ... أعلامه يبدى علاه وعزه ملك الفصول له التقدم بينها ... من رام شأو سناه منها عزه فخر الزمان بصفيه وخريفه ... وشتائه يوم الفخار وبزه متصرف في الأرض عند وروده ... فأشب نرجسه وشيب لوزه تتنفس الجنات فيه أما ترى ... أرجا سرى أحيا الفؤاد وهزه وقال: ما للظباء الجواز ... أعرضن عند الجواز فتكن بى فمن أفتى ... في مهجتى بالجواز بكل قد قناة ... وكل شفر جراز لهن في كل يوم ... لدى فؤادى مغاز قد طال للعين جور ... وهن حلف اعتزاز ولا شفاء لقلبى ... إلا اللقا والتجازى سأشتكى الظلم يوما ... إلى (الشريف الحجازى) فهو في الحب قاض ... يقضى بحسن نجاز قد حاز كم من خصال ... فهو بها ذو إمتياز ففى الفصاحة فرد ... ما أن له من مواز إن قال أسكت قهرا ... كل فصيح مماز وهل لديك صراخ ... إن صاح في الأفق باز

أُقسم بالبيت حقا ... وبالصفا والحجاز ما إن رأَيت ظريفا ... مثل الشريف الحجازى وقال يتغزل: ألا خبروا ذات الخلاخل والقرط ... بأنى ملك للجمال بلا شرط لقد أودعت قلبى وربك لوعة ... غداة بدت بين الوشاحين والمرط تميس كخوط البان غازله الصبا ... وتسفر عن بدر وتفتر عن سمط رمتنى بسهم الغنج عن قوس حاجب ... فأصمت فؤاد المستهام ولم تخط وما كان الحب إلا بنظرة ... وتبتدئ النيران من ضرم السقط عجبت لها مذ ورد الحسن خدها ... وزينة كف المحاسن بالنقط وحلت بقلب المستهام وأهلها ... بذات الغضا ما بين نعمان وأسقط وقال: أبصر مقلتى فريد جمال ... قد سبى مهجتى بثغر الرباط ظبى أنس قد قلبى بلحظ ... حل في حبه على رباطى همت فيه لما تطلع بدرا ... فوق غصن هفا بـ (برج السراط) وقال مجيبا لبعض أهل الرباط، ممن كان له به معاشرة وارتباط، وضمنها مساجلة ومداعبة في عتاب، وملاما على تقصير في كتاب: أَتانى نظام منك كالدر في السمط ... فأنهلنى كأس الوداد على شحط وذكرنى عهد الصبا ولطالما ... صبا للصبا النجدى ذو اللمم الشمط هززت به عطفى ارتياحا ونخوة ... كأنك قد عاطيتنى كأس إسفنط

ودبت حميا لفظه في مفاصلى ... جررت بها من نشوة طربا مرطى وقرظت أرضا بالجهاد تشرفت ... وحلت من العلياء في موضع القرط أما في رباط الفتح للفتح آية ... لمن يفهم المعنى المراد من الربط ولكننى أُملى عليك دعابة ... تلوح كأخت الظبى تختال في الربط وأبديت في حكم الغرام تلونا ... فطورا أخو ضبط وطورا أخو خبط كأَنك في هذا خليع صبابة ... يشبب بالسودان طورا وبالقبط أراك استباك البحر والموج والهوى ... وهمت هيام البط بالماء والشط وقابلتنى لما نأيت بجفوة ... ولم تجر في شرع الوداد على شرط أما هذه شهران مرت ولم يجئ ... رسولكم لا بالسلام ولا الخط إلى أن أتت من بعد نأى رسالة ... خبطت بها عشواء في مضمر الخبط وجئت بها بدعا لفرط اختصارها ... ولم تسم الأخبار والود بالضبط ولولا اتضاح الصفح في صفحاتها ... وما قد حواه الصدر من غرر البسط لأرسلت من عتبى إليك كتائبا ... مجللة بالزعف والبيض والخطى ولولا الحياء من صفيى أبى العلا ... أخى المجد والعليا والخلق البسط لم يراعى السرى في الأرى واغتدى ... على البعد يغرى الكف بالقد والقط حماك حماه من سماع يراعى ... فلا ترع بعد مربع الأثل والخمط وقم في مقامى عنده وارع وده ... وراع رعاك الله مالى من قسط وكن شاكرا للفضل والفصل ذاكرا ... عهودى ولا تصبح لذاك أخا غمط فلا زلتما في نعمة وسلامة ... بجيد كما حلى المكارم كالسمط

وقال من قصيدة: بدور أَعارت للبدور كمالها ... وأخفت بأفلاك السعود جمالها حوى كل خدر بدر تم وأَسدلت ... عليها الغوانى الحافظات حجالها فقلت أفجر قد تبلج ضوؤه ... أم الشمس أبدت في السحاب اعتدالها فقيل بلى شمس الجمال تطلعت ... فأَخفت لنا شهب السما وهلالها تأَمل ترى حسن البداوة ساذجا ... تجل عن التمويه من أن ينالها تعلم منها الظبى حسن تلفت ... وقد سلبت غض الغصون اعتدالها تشابه حسنا ثغرها وعقودها ... تأمل ترى أسلاكها وفصالها وفى الكلة الحمراء بيضاء غادة ... تود ذوات الحسن منها دلالها لديها قلوب العاشقين أسيرة ... تروم ببذل الروح منها وصالها عجبت لها والليل أرخى سدوله ... بآفاقها والنور يبدو خلالها نظرت إليها نظرة يوم حاجر ... فأَهدت إلى نفس المحب خبالها وأخرى بأكناف العقيق فأرسلت ... إلى القلب من قوس اللحاظ نبالها فعدت وفى قلبى من الوجد لوعة ... تهد من الشم الرواسى جبالها وعاشت لما منت من الوصل برهة ... وقد سئمت نفسي الغداة مصالها إذا أزمعت وصلى نجازا لوعدها ... تصدى لها واشى الهوى فأمالها وإن رمت سلوان الهوى قال قائل ... من الوجد هل تسلو الجياد اختبالها سموت إليها بعد هدء وهجعة ... وقد جدل النوم الثقيل رحالها فقالت ألص أنت أم أنت فاتك ... يروم من الحسناء قهرا منالها

فقلت لها إنى محب فقهقهت ... وقالت لعًا لو كان غيرك قالها أتهوى وصال الغانيات وقد بدا ... بفودك صبح الشيب ينفى اتصالها فأبت ولم تعلق بكفى ريبة ... وعدت على نفسى أُقبح حاله أشيب وعيب إن ذا غير لائق ... بمن يبتغى الأخرى ويبغى كمالها وقال يصف أهل الزمان، وأن الإنسان لا يسلم منهم كيفما كان: أرى الناس قد أُغروا ببغى وريبة ... وغى إذا ما ميز الناس عاقل وقد لزموا معنى الخلاف فكلهم ... إلى نحو ما عاب الخليقة مائل إذا ما رأوا خيرا رموه بظنة ... وان عاينوا شرا فكل مناضل وليس امرؤ منهم بناج من الأذى ... ولا فيهم عن زلة متغافل وإن عاينوا حبرا أديبا مهذبا ... حسيبا يقولوا إنه لمخاتل وإن كان ذا دين رموه ببدعة ... وسموه زنديقا وفيه يجادلوا وإن كان ذا زهد يسموه نعجة ... وليس له عقل إلا فيه طائل وإن كان ذا صمت يقولون صورة ... ممثلة بالعى بل هو جاهل وإن كان ذا شر فويل لأمه ... لما عنه يحكى من تضم المحافل وإن كان ذا أصل يقولون إنما ... يفاخر بالموتى وما هو زائل وإن كان مجهولا فذلك عندهم ... كبيض رماد ليس يعرف خامل وإن كان ذا مال يقولون ماله ... من السحت قد رابى وبيس المآكل وإن كان ذا فقر فقد ذل بينهم ... حقيرا مهينا تزدريه الأراذل وإن قنع المسكين قالوا لقلة ... وشحة نفس قد حوتها الأنامل

وإن هو لم يقنع يقولون إنما ... يطالب من لم يعطه ويقاتل وإن يكتسب ما لا يقولوا بهيمة ... أتاه من المقدور حظ ونائل وإن جاد قالوا مسرف ومبذر ... وإن لم يجد قالوا شحيح وباخل وإن صاحب الغلمان قالوا ألاَ بنت ... وإن أجملوا في اللفظ قالوا مبادل وإن هوى النسوان سموه فاجرا ... وإن عف قالوا ذاك خبيث وباطل وإن تاب قالوا لم يتب لزهادة ... ولكن لإفلاس وما ثم حاصل وإن حج قالوا ليس لله حجه ... وذاك رياء أنتجته المحامل وإن كان بالشطرنج والنرد لاعبا ... ولاعب ذا الآداب قالوا مداخل وإن كان في كل المذاهب نافذا ... وكان خفيف الروح قالوا مثاقل وإن كان مقداما ما يقولون أهوج ... وكان ذا ثبت يقولون ناكل وإن يعتلل يوما يقولوا عقوبة ... لشر الذى يأتى وما هو فاعل وإن صح قالوا ليس لله حاجة ... بمن يتعداه الردى والغوائل وإن مات قالوا لم يمت حتف أنفه ... لما هو من شر المآكل آكل وما الناس إلا جاحد ومعاند ... وذو حسد قد بان منه التحامل فلا تتركن حظا لخيفة قائل ... فإن الذى تخشى وتحذر قائل وقوله مادحا السلطان المذكور ومهنئًا له بشامخ تأييده لما خرج جيش الوداية عن الطاعة، وشقوا العصا ونبذوا يد الجماعة، وظهرت له مخايل الإعراض من جلالته قبل النكبة، واستجماع الهزبر للوثبة، وكثرت به الوشايات، ودبت له عقارب الإذايات، فخرج له المدح بالعتاب. وذكره بصالح خدمته لتلك الأعتاب، وما يغنى الدفاع إذا تمكنت الأسباب، وإلى الله المرجع والمآب:

أمولانا أمير المؤمنينا ... حباك الله نصرًا مستبينا وزادك رفعة وعلو شأن ... وإسعادا وتمكينا مكينا وحكم سيف عدلك في الأعادى ... وأودى به البغاة المعتدينا فإنك غالب بالله مهما ... غزوت حبالك الفتح المبينا كفاك به اعتصامك كل عاد ... فعون الله للمتوكلينا فقد حان حين مهلكهم ونادى ... فقم بالله ربك مستعينا ولو لم تغزهم لكفاك ربى ... وكان لهم بمكرهم مهينا وقد فشلت رياحهم وخابت ... مكايدهم وعادوا صاغرينا وقد ساموا كبارهم هوانا ... وأَضحوا ما أَتوه ناكرينا وقل لعبيد سيدنا البخارى ... ومن في حزبهم والمسلمينا ثقوا بالله واعتصموا وقولوا ... إلهى أنت خير الناصرينا فأنت ملاذنا وبك استعنا ... على هلك البغاة المارقينا سيخزيهم وينصركم عليهم ... ويشفى صدور قوم مؤمنينا ولا تخشوا فأنتم في جهاد ... ونصرة دين رب العالمينا فإن الشرع في الباغين أفتى ... وألحق فعلهم بالمشركينا وقدم أهل مذهبنا جهادا الـ ... ـبغاة على جهاد الكافرينا وحكم الشرع في الأعداء ماض ... وليسوا في الأنام بمعجزينا فقد شقوا العصا وبغوا وخانوا ... بغدرهم أَمير المؤمنينا فكم من مثلهم صاروا حديثا ... وذكرا سائرا في الغابرينا

وإن البغى مرتعه وخيم ... عقوبته معجلة يقينا فهم أهل الردى إن لم يتوبوا ... ولم يأتوا لحكمك طائعينا وأنتم أهل مكرمة وحلم ... وعفو عن جميع المذنبينا يزيد الله أهل العفو عزا ... كما بحديث خير المرسلينا أمير المؤمنين إليك أشكو ... أمورا خلفت قلبى حزينا وأكبرها صدودك لا لشئ ... سوى زور الوشاة الحاسدينا وإهمال الخديم وذاك عار ... على أهل الوفاء الأكرمينا فلا كتب تسر ولا سلام ... به يحيى المشوق إليك حينا وإصغاء السماع إلى أعاد ... حسبتهم لملكك ناصيحينا وقد أشفوا صدورهم وأضحوا ... بنا بين البرية سامتينا وكم قاسيت بعدك من أمور ... يكاد الصخر منها أن يلينا بكيت لها دموع دم ولما ... أجد بين البرية راحمينا وضاقت هذه الأرضون عنى ... لزور الممترين المفترينا فلو كان الممات يباع يوما ... لكنت لكأسه في الشاربينا ولكنى سأسال عفو ربى ... فإن الله خير الراحمينا وأرجو الحق يبدى الحق حتى ... يريك الأصدقاء والكاذبينا فإن الله لا يخفاه شئ ... وليس يضيع صدق الصادقينا وهل يخفاكم أمرى وأَنى ... خدمت جنابكم تسعا سنينا وأَفنيت الشبيبة في رضاكم ... ولم أمدد لغيركم عيونا

ولم تكن الخيانة من فعالى ... ولست بناشئ في الخائنينا ولكن ضاق بى الأعداء ذرعا ... فابدوا من مكايدهم فنونا فلولا حلمك البادى علينا ... لكنت بمكرهم في الهالكينا فديتك إن غدوت بعيد دار ... فلا تسمع كلام العار فينا فشيمتك الكريمة ذاك تأبى ... وتأباه قلوب العارفينا وحسن الظن خلقك قد عهدنا ... فعاملنا بذلك ما حيينا فرجع حسن ظنك بى فإنى ... على حسن المذاهب ما بقينا وتعلم حالتى وصلاح أمرى ... وحسن تقدمى في الناصحينا فما بدلت بعد البعد حالا ... عرفت ولا رضيت سواها دينا أنا الياقوت في طبع ونفع ... يزيد علا بنار الموقدينا وإنى إن عدت عنكم عواد ... لملتزم لحضرتك الحنينا وأسأل ربنا في كل وقت ... يكن لك فهوض خير الناصرينا بجدك سيد الأوان طه ... محمدنا شفيع المذنبينا عليه صلاة ربك مع سلام ... وآل والصحابة أجمعينا وقوله مخاطبا الأمير المذكور وقد بلغه أن أعداءه نسبوا له عنده الخوض مع خاض من أهل فاس في الفساد عند خروج الوداية، وتجردهم للفحش والإذاية، وكان السلطان يعرف براءته ودينه، ويورده من حسن الوداد معينه: مولاى إنى بعهد ودك واثق ... إذا أنت بالحال الخفى عليم قد أكثر الواشون من بهتانهم ... والزور في خلق الورى معلوم

ليس الملام عليهم فيما أتوا ... بل من يصيخ إلى الوشاة ملوم إنى صبرت على المكاره حسبة ... والله يعلم أننى مظلوم وكفى بعلم الله واسع قول من ... قبلى وظلم الحاسدين قديم: حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... فالقوم أعداء له وخصوم خافوا فضيحتهم بردى فانبروا ... للسعى في هلكى وذلك لوم إنى ليحجزنى الوفاء عن الجفا ... والدين عما زوروا والخيم فالود باق والمحبة غضة ... والصدر من داء الفساد سليم إن كنت خنتك في المغيب فخاننى ... حال المصاب الصبر والتسليم وإذا سمعت بما يسئ سماعه ... أملت أن لو حل بى المحتوم إنى سعيت ولا أزال بفضلكم ... أسعى لنيل طلاحكم وأروم وبذلك نفسى وما ملكت لأجلكم ... وصبرت حيث المستعين عديم ولسوف تتضح الحقائق جهرة ... ويلوح من أسرارها المكتوم وإذا علمت بحالتى ولم تصخ ... للحاسدين فأمرهم معدوم إن صح لى منك الوداد فإنه ... حسبى وحسب الحاسدين الشوم ظنى الجميل بكم لحسن وفائكم ... ولدينكم ولفضلكم معلوم أنا عبد إحسان له بولائكم ... كولاء سلمان له التقديم وعليكم حفظ الوداد لأنكم ... أهل الوفاء وعيدكم مكروم حاشاكم أن تشمتوا الأعداء بى ... أو أن يساء على الوفاء خديم والله أسأل أن يدوم لملككم ... النصر والتمكين والتعظيم بالمصطفين وبآله وصحابه ... فعليهم الصلوات والتسليم

وقوله في حالة سجنه، وفقدان أمنه، يتضرع للسلطان في إقالة عثرته، واستنقاذه من نكبته: الحلم شيمة أهل البيت والكرم ... والصفح والعفو والإغضاء شأنهم والرفق ينشأ منهم والحنانة مع ... لطف وعطف فمهما استرحموا رحموا حسن الوفاء وحسن العهد شأنهم ... طول الدوام ومنهم تحفظ الذمم لا يؤيسنك من غير عقابهم ... فبعد رعد وبرق تسكب الديم خلائق ورثوها عن أب فأب ... قد سنها خير خلق الله جدهم أقررت بالذنب والغفران يشملنى ... وجئتهم تائبا والفضل فضلهم وقد جعلت شفيع الخلق كلهم ... وسيلتى أرتجى الغفران عندهم يا سيدى عابد الرحمن عفوك عن ... عبد مسئ بحلم منك يعتصم قد تاب توبة صدق من جنايته ... وعندك الحلم والإغضاء والكرم عامله لله وأعتقه ورق له ... فقد أضر به التعذيب والعدم قد عم حلمك كل الناس من كرم ... فكيف يخرج عنه مفرد علم لا زال ملكك في عز وفى شرف ... والفتح والنصر والعليا لكم خدم بجاه جدك خَير الخلق قاطبة ... صلى عليه إلهى ما بدا كرم والآل والصحب ما هبت بجاهم ... نسائم اللطف للقصاد فاغتنموا وما سرى فرج للمستجير بهم ... وجاء العفو والتسريح والنعم وقال وهو بحال الاعتقال، وكان الحكيم محمد يفرح رحمه الله رمز له بمقال، وأوضح له لغز فال، فكتب له يستدعيه، كى يستفيد منه ما يعيه:

عسى نفحة من حضرة القدس تسرح ... فيزهو بها قلب المعنى ويفرح وتأتى بتفريج وأمن وبسطة ... ويصدق ما قال الموفق يفرح لقد غاب عنى النهار وضوؤه ... فلا سره يبدو ولا الكتب تشرح لئن صدر عنا النهار وضوءه ... فبعد غروب الشمس مسرى ومسرح عليه سلام الله ما هب ناسم ... وما دامت الأرواح في الكون تسرح وقال: ألا عطفة يا آل بيت محمد ... على ضائع في السجن من غير فائدة أضر به ثقل الحديد وبرده ... وهذى الليالى بالبرودة شاهدة يحاكى الذى الموصول معنى وصورة ... هبوا صلة بالفضل منكم وعائدة وقال: ألا يا سيد الشفعاء غوثا ... لعان قد أضر به الحديد وآلمه الثقاف وعظم حزن ... يخر لبعضه البطل الشديد دعاك وإنه فيك ذو يقين ... يعالجه بك الفرح العتيد وأَنزل رحله بك مستجيرا ... فداركه بجاهك يا حميد عليك الله في القرآن صلى ... وسلم إنه الرب الحميد وقال من قصيدة: أسيدنا إنى بعفوك لائذ ... من العتب أو من ظنة وملال تكدر عيشى مذ رأيتك معرضا ... وأسهرت في عد الذنوب ليال فإن كنت قد أذنبت فالعفو واسع ... وفى العتب للأحرار ضرب نكال وفى سارعوا خير لمثلك نيله ... وأخذك بالآداب خير منال

وسر العلا والود يظهر للفتى ... بإفهام حال أو بلحن مقال فلا تشمت الأعداء بى بعد ما غدت ... رقابهم يوم الفخار نعال ولا ترخصوا عرضى لهم بصدودكم ... فإنى إن تولوا المبرة غال ولا تجمعوا هجرا على وغربة ... وداء عفاكما ربنا المتعال خدمتكم عشرا سنين أعدها ... وسابقت في الميدان كل مغال قطعت بها شرخ الشباب وقد بدا ... صباح مشيبى في سواد قذال ومثلى محسود عليكم ومثلكم ... خبير بواش في الأنام وقال إذا ما حوت نفسى رضاك فحسبها ... ولست بحزب المبطلين أبال وقد كنت في يمينى يديك جعلتنى ... فلا تجعلنى بعدها في شمال وأنت بتتميم الصنائع كافل ... وبالرعى للخدام خير موال وعودتنا من حسن عهدك شيمة ... ومن خلقك المحمود حسن فعال تسائل عنا حيث غبنا وتعتلى ... وتمنحنا فضلاً بغير سؤال وتولى الذى تلقى البشاشة راضيًا ... وتلك لعمرى شىيمة المتعال ولم يك عن سوء يظن تأخرى ... وأنتم -حفظتم- تعلمون بحال وإنى لمولاكم وكاتب سركم ... ولى ذمة منكم وحرمة وال أعادى الذى عاداكم وأذمه ... وأمدح من والاكم وأوال وإنى لعمر الله حسان مدحكم ... أنافس في أمداحكم وأغال وقلدت جيد الدهر كم من قلادة ... بحمدكم فاقت سلوك لآل فلا تحرمونى قربكم بعد نيله ... ولا تقطعونى بعد طول وصال

ولا تطردونى بعد ما بعلاكم ... عرفت فأنتم سادتى وموال بقيتم بقاء الدهر كهفًا لأهله ... وهنيتم النعمى بغير زوال بجاه رسول الله جدك أحمد ... شفيع الورى السامى بكل كمال عليه صلاة الله ثم سلامه ... وآل وصحب ماجدين وتال وقال: لمكناسة الزيتون عرج على صحب ... وخيم به في ذروة السعد والرحب وحى به من صفوة الود جيرة ... كرام السجايا عاكفين على الحب وأوطان أوطار سقى ربعها الحيا ... وطيبها العرف الأريج من القرب وقال: نأت قوت قلبى فالصبابة عائدة ... وزائدة في حرقة القلب زائدة قد استأنفت نفسى لمكناسة هوى ... لواذع شوقى نحوها متزايدة وقد كان قبل بالقديمة لى هوى ... ولكن نفسى بالحديدة واجدة وقال: أحن إلى ثغر الرباط وأهله ... حنين غريم للصبابة والوجد وأصبو إليه كلما عنَّ ذكره ... صبابة قيس أو مضاض إلى هند وما ذاك إلا أن قلبى ساكن ... لدى سكن فيه قريب على بعد متى تجمع الأيام بينى وبينه ... وأشكو إليه ما لقيت من البعد ويبدى الرضا والشوق منا تعانقًا ... بصدر إلى صدر وخد إلى خد فأجنى ثمار الوصل من روضة المنى ... وأسقى كئوس الأنس من خمرة الود

وقال: أخلاى بالحمراء هل شفكم بعدى ... وهل شاقكم ذكر المعاهد من بعدى وهل عهدكم باق كما قد عهدته ... فإنى لعمر الله باق على العهد وهل عهدكم صافى المناهل سلسل ... جميل صفات الود مستحكم العقد فإنى وإن شطت بى الدار عنكم ... لأكثركم شوقًا ووجداً بذى ودى فإن تدعوا في الشوق أبعد غاية ... فأضعف ما تعنون عندكم عندى سلوا الليل عن وجدى بكم وصبابتى ... وبزل المطايا عن حنينى وعن وجدى أكن الجوى والدمع يبدى سرائرى ... فلله ربى ما أكن وما أبدى عسى نفحة أو لمحة من جنابكم ... تعلل صبا مستهامًا على بعد وقال وقد لقى بعض السلويين فسألهم عن أدباء بلدهم فأخبروا عنهم بالعجب فشوقوه لرؤيتهم والرواية عنهم فأنشد: أأهل سلا إنى مشوق لربعكم ... لألقط من أشعاركم حلية النحر وما هو إلا الدر نظم عندكم ... ولا غرو يلفى الدر في ساحل البحر وللقلب سر في سماع حديثكم ... ليعلم كيف النفث في عقد السحر وقال على شاطئ البحر بسلا في 20 محرم سنة 1238 م وكان قد توجه مع وفد إعلام، ذوى آراء وأحلام، قاصدين السلطان المولى سليمان فمكثوا بالعدوتين مدة، وخامرهم شوق جاوز حده: عرانى من ذكر الأحبة وحشة ... تضاعف وجدى عندها ونأى صبرى لطيف سرى بالوهم وهنا خياله ... فزار على بعد وقد كان لا يسرى عجبت له أنى اهتدى ومتى ارتقى ... إلى وكم من مهمه بيننا قفر

وولى فكم نار توقد في الحشا ... اشتياقًا وكم دمع على أثره يجرى فبت وجنبى عن قتادة مسند ... وعينى حديث السهد تروى عن الزهرى فقلت أسلى الهم عنى بنظرة ... إلى خضرة أو بالتعجب في البحر فما زادنى إلا اشتياقًا كلاهما ... وصرت كمثل مطفئ الجمر بالجمر لعل الذى كان التفرق حكمه ... سيجمعنا بالقرب من حيث لا ندرى وقال: يا ظبية الأنس ذات الدل والخفر ... كم صدت صبابسهم الغنج والحور تخذت قلبى كناسًا تنزلين به ... والقلب منزلة تعزى إلى القمر متى أفوز بوصل منك مفردة ... يا منية القلب والإسماع والبصر ولا رقيب سوى كأس نروقها ... ولا مؤنس غير رنة الوتر وقال: حنت لأحمال أثقال النوى عيرى ... فذكرتنى أصوات النواعير يا عيرى حثى الخطا واستنشقى أرجا ... من نحو فاسى وإن عز الخطا طيرى فما مقامى بأرض لا أنيس بها ... ولا شراب سوى ماء الخطاطير إيه فما البعد عن أرض بها سكنى ... أهل الحضارة فيها والقناطير في كل قطر بها روض وساقية ... فلا مجاز سوى على القناطير تلقى بها أوجها راقت نضارتها ... مثل الدنانير في زى النواوير وقال: رأيت العز أجمع والمعالى ... بظل المشرفية والعوال

وضرب الخيل المذاكى ... وتسليط الرجال على الرجال وإن خطابهم بلسان سيف ... لأفصح من مخاطبة المقال إذا أبدى على الراحات وعظا ... هدى رشداً وأنقذ من ضلال ومرهم بندق الجعبات شاف ... لأهل البغى من مرض الخبال إذا ومضت بوارقه وحنت ... رعود الوند من طلب النزال رقت روح الكماة إلى التراقى ... وطار القلب من خوف اغتيال وقال: عسى نفخة الألطاف يهدى نسيمها ... شذا فرح يشفى القلوب شميمها فإنى بباب الله أنزلت حاجتى ... وفى فضله آمال نفسى أسميها وجاه رسول الله أفضل شافع ... إلى الله في حاج لعبد يرومها فما خاب من إفضاله متوسل ... به فهو مقبول المساعى عظيمها وما لى مع حسن الرجاء وسيلة ... سوى دعوات بالخضوع أديمها وقولى وقد ضاق الخناق ضراعة ... مقالة مكسور الجناح هضيمها ألا يا رسول الله غوثًا لضارع ... فإنك محمود الخلال كريمها وإنى وإن علقت كفى بصاحب ... وقربى بباب الله لست أريمها وقال: حيت فأحييت بروج اللطف والفرج ... وانشقت من شذاها أطيب الأرج صبًّا صبا كل صب نحوها شغفا ... إذا هفت أذهبت ما كان من حرج عجيبة الصنع لو مرت على جدث ... أحيت به ميت الأشباح والمهج

ولو سرى نفس منها على كبد ... حرا لأطفأ ما تلقى من الوهج ولو تنسم يوما عرفها دنف ... عان لعالجه الرحمن بالفرج وافت وقد حملت من كل نافحة ... شذا به يدرك الإفراج كل شج في ضمنها من ربى نجد وجيرته ... ما فاوح العنبر الشحرى في أرج جاءت بنشر الخزامى في تنفسها ... وحنوة وعبير عبهر بهج فلو درى مسك دارين بهبتها ... إذا سرى سرقا من نشرها الأرج وهل يقاومها طيب وقد نفحت ... من نحو طيبة مأوى صاحب الفرج محمد صفوة الأكوان من خلقت ... لأجله واكتست من نوره البهج ما زال يدعو إلى الرحمن حتى هدى ... من اهتدى لسبيل الرشد والفلج وكانوا من قبل في ظلماء مجهلة ... حتى استضاءوا بصبح منه منبلج خير الوسائل أزكاها وأشرفها ... عند الإله وأوفاها بمنزعج به توسل آدم فنال علا ... وفاز بالتوبة الخلصاء والعلج وكل فضل بدا في الكون منشؤه ... من سيد الرسل والخيرات منه تجى وكل من نال تشريفًا ومكرمة ... فمن علاه رقى لأرفع الدرج عمت شفاعته دنيا وآخرة ... لكل فرد بذاك الجاه مندرج بالمصطفى كل صعب يستلين لنا ... في كل ضيق بإذن الله منفرج وباسمه إن دعونا يستجاب لنا ... أو استجرنا ننال الأمن في اللجج فسل بجاه النبى كل ما أمل ... وافتح بجاه الرسول كل مرتتج فجاهه عند رب العرش ذو عظم ... وقدره أرفع الأقدار والحجج

إنى نزلت حماه الرحب محتميًا ... بجاهه دافعًا للضيق والحرج وإن عرتنى من الأيام نازلة ... ناديت يا أزمتى بالمصطفى انفرج وإن تخوفت مكرًا أو خشيت أذى ... فليس إلا على علياه منعرج فلن يخيب امرؤ حط الرحال به ... وإن غدا عن سبيل الرشد ذا عوج أستغفر الله مما ضاع من عمر ... في سكرة الجاه محسوداً على الهوج وما اقترفت من الأوزار مشتغلاً ... في كل ممشى إلى نيل الدنا ومج يا ليتنى قد خلصت من حبالتها ... رأسا برأس ولم أحصل على حرج وليس لى عند حسن الظن أو لجإى ... لباب خير الورى بمنطق لهج يهيج الوجد شوقى من تذكره ... وأى قلب بذكر الحب لم يهج أقول للنفس إذ جد الرحيل بنا ... ونحن من خدع الأيام في وهج قدمت شيئًا تنالين الأمان به ... قالت نعم برجاء المصطفى فلج ما خاب قاصد خير الخلق من مضر ... وكيف وهو بكل المكرمات حج كم ذا التوانى وركب القوم قد سبقوا ... لحضرة الله والمغبون في هوج فإن حضرة خير الخلق قد فتحت ... باللطف بادر إلى أبوابها ولج وسر على نهج أهل الخير مقتفيًا ... أثر الثقات وإن أصبحت ذا عرج وتب إلى الله واضرع في القبول له ... وابك الذنوب بدمع غير ممتزج والجأ إلى الله في التوفيق مبتهلاً ... بالمصطفى ولتقل بمنطق هزج يا رب بالمصطفى والآل عترته ... وكل قلب بذكر الله مبتهج دارك عبيدك يا رب بمرحمة ... وستر لطف بسر العطف منتسج

واحفظه في أهله وماله أبداً ... وامددهم مدد الخيرات في فرج وصل رب وسلم دائمًا أبداً ... على حبيبك هادى الخلق للنهج والآل والصحب والأخيار أجمعهم ... فالكون من نورهم في منظر بهج وارض عن الأولياء الصالحين فهم ... حصنى وأمنى وهم بين الورى سرج إنى بكم يا رجال الله في وزر ... فدار كونا بخير الخلق بالفرج وقال: والله لولا سبعة أرجو بها ... نيل المفاز ورحمة الرحمن ما قمت في باب الخلافة آمرا ... أو ناهيا في خدمة السلطان إبلاغ حاجات وغوث مؤمل ... ودفاع مكروه وبذل أمان وعلاء إسلام وبث نصيحة ... وإعانة الإخوان والأخدان وقال: أدر كاس البشارة يا نديم ... فقد رضى الإمام على الخديم وقابله بإقبال ورفق ... وعاتبه معاتبة الكريم علمت بأننى عبد لمولى ... سما بالفضل والصدر السليم يعود على الجناة بفضل حلم ... إذا صدقوا ويعفو عن المظلوم أضعت الحزم من جهلى فأغضى ... وأدبنى بتأديب كريم درى إنى سبيل رضاه أقفو ... فعلمنى وناهيك من عليم فلم يهمل لحسن العهد أمرى ... وأجرانى على العهد القديم ولولا فضله ما كنت شيئا ... ولكنى انتسبت إلى عظيم

إذا ظفرت يدى برضاه عنى ... حصلت على الكرامة والنعيم وإن آنست منه وحاش غيرا ... يلملنى مململة السليم أدام الله رفعته وولى ... كرامته على النهج القويم وأسأله رضاه في رضاه ... وفوراً بالنجاة من الأليم بجاه جده المختار من قد ... حبا الرحمن بالخلق العظيم سلام الله والصلوات تترا ... على علياه من رب رحيم وآل والصحاب ومن تلاهم ... على نهج الصراط المستقيم وقوله متغزلاً: حوراء لو نظرت إلى صم الصفا ... عادت كثيبًا باللحاظ مهيلاً ولو انتمت يومًا لعزة حسنها ... لا ترتضى غير النجوم قبيلاً وقال: من لى بأهيف أحوى الطرف أحوره ... ممزق الود حلو الوعد كاذبه بدر ولكن قلبى من مطالعه ... ظبى ولكن فؤادى من ملاعبه رفعت راية حبى إذ خفضت له ... قدرى فجاد بجرى عن نواصبه لو لم يكن مفرداً في الحسن ما كتبت ... يد العذار سطورا حول شاربه لو لم يكن حبه قد حل في خلدى ... ما بت ليلى أرعى في كواكبه أقول للنفس إذ لج الغرام بها ... أما ترين الجوى الذى كواك به وقال: أحب القدود الهيف والأعين النجلا ... وأهوى الثغور البيض والساعد العبلا

وأهفو لذات الردف والعطف إن مشت ... تحمل ضعف الخصر من عظم ثقلا فيا رب نعمنى بإدراك غادة ... فإنك يا مولاى عودتنى الفضلا وقال: وافت تجر من الدلال ذيولا ... ومن الهوى تجرى إلى خيولا هيفاء تخطر في برود شبابها ... فتزيد نظرتها المحب ذبولا وتهز مرط قوام قد مثمر ... بدرا كسا بدر السماء أفولا وقال: سل الرواة عن نفثات شعرى ... فكم أبرأن من قلب سقيم وكم أظهرن جودا من بخيل ... وكم أولدن من بكر عقيم فإن الشعر في التحقيق سحر ... كما قد جاء في الأثر الكريم ولى في نظمه القدم المعلى ... وأسرار تغيب عن العليم فأنظم حين أنظم رائعات ... تفوق الدر في العقد النظيم وأرفع بالمديح مقام قوم ... وإن كانوا ذوى أصل لئيم وأخمل بالهجاء منار قوم ... وإن كانوا ذوى قدر عظيم ولى قلم به بأس شديد ... يثلم حده حد الصريم يلين بالبلاغة كل قاس ... ويسحر بالبيان لهى الصريم ويترك ضربه الأقران صرعى ... لدى الميدان بالضرب القويم نثره: من ذلك في ظهير شريف، علوى منيف، أصدره السلطان مولاى عبد الرحمن لولده ولى عهده سيدى محمد معلمًا له بما أتاح له المولى من الفتح

والظفر بمردة قبيلة زمور الشلح في واقعة سنة تسع بتقديم المثناة على السين وخمسين ومائتين وألف، تلك الواقعة التي فات منهم فيها الأحزاب، وتقطعت بهم الأسباب: "ولدنا الأرضى الابن الأرشد، سيدى محمد أصلحك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد كنا أردنا الإبقاء على قبيلة زمور رحمة وإشفاقًا، وحملهم على الاستقامة بالإرهاب من الشدة في بعض الأمور هداية وإرفاقاً، فلم يرد الله بهم خيرا لفساد نيتهم، وخبث طويتهم، واتكالهم على حولهم وقوتهم، فما رأوا منا ميلاً وسداداً، إلا ازدادوا شدة وفساداً، ولا أظهرنا لهم عظة وإرشادا، إلا أظهروا تطاولاً وعنادا، وما أخرنا المحلة المنصورة عن الركوب إليهم إبقاء وإلفا، إلا ظنوا ذلك عجزاً وضعفًا، قد طمس الإعجاب منهم بصرا وسمعا. ولم يروا أن الله قد أهلك من قبلهم من القرون من هو أشد منهم قوة وأكثر جمعًا: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا ووضع الندى في موضع السيف بالعلا ... مضر كوضع السيف في موضع الندا فلما رأينا لجاجهم وعماهم، وعدم رجوعهم عن هواهم، وأنهم لم يعتبروا بجلائهم عن بلادهم، ولا بما أصابهم من الفتنة في أنفسهم وأولادهم، ولم يرعوا ما نهب من زرعهم القائم والحصيد، ولا ما استخرج من مخزونهم الكثير العتيد، رأينا قتالهم شرعًا، وجهادهم ذبا عن الدين ودفعا، فاعتمدنا على حول الله وقوته وأمرنا بالزيادة عليهم في الأخذ والتضييق، والمبالغة في النهب والتحريق، وتركهم محصورين في أوعارهم، ومقهورين في أوكارهم، إِذْ رُبَّ مطاولة؛ أبلغ من مصاولة، فتوالت عليهم الغارات، وتتابعت عليهم النكبات، لا يجدون إلى الراحة سبيلاً، أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً، ففى كل يوم تثمر العوالى رءوس

رؤسائهم، وتختطف أيدى المنايا أهل بأسائهم، وكلما زادوهم إقبالا وطلبًا، ازدادوا توغلاً في الجبال هربا. حتى نهكتهم الحرب، وضرستهم موالاة الطعن والضرب، وضاع بالحصار الكسب والمال، ولحق الضرر الأولاد والعيال، فجعلوا يرحلون لقبائل جوارهم، طالبين لحلفهم وجوارهم، وبلغ البؤس فيهم غايته، وأظهر الله فيهم آيته. وهم في خلال هذا كل حين يتشفعون، ويتذللون في قبول توبتهم ويتضرعون، ونحن نظهر لهم التمنع والإباية لنبنى أمرهم على أساس الجد، ونجازيهم على ما ارتكبوه من خلف الوعد، فلما أنجزت القهرية فيهم وعدها، وبلغت العقوبة فيهم حدها، قابلنا إساءتهم بالإحسان، ورعينا فيهم وجه المساكين والنساء والصبيان، فولينا عليهم منهم ثلاثة عمال، ووظفنا عليهم خمسين ألف مثقال، وشرطنا عليهم تقويم مائتين من الحراك مثل قبائل الطاعة، والتزام الصلاح والخدمة جهد الاستطاعة، فقاموا بذلك أحسن قيام، وأعطوا المراهين في أداء المال بعد أيام، وكان أخذهم بعد تقديم الأعذار، وتكرير الإنذار، وعفونا عنهم عفو غلب واقتداء، ورب عقاب أنتج حسن طاعة، وتوبة نصوح تداركت ما سلف من التفريط والإضاعة، وفى الناس من لا يصلح إلا مع التشديد، وربك يخلق ما يشاء ويفعل ما يريد: وما عن رضا منها عطية أسلمت ... ولكنها قد قادها للهدى القهر أردنا بها الإبقاء فازداد عجبها ... وأد بها التشديد والفتك والأسر ولو قيدوا النعمة بالشكر لأمنوا الزوال، وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه من وال، والسلام فاتح رجب الفرد الحرام عام تسعة وخمسين ومائتين وألف". وقوله في مقامة:

"الحمد لله. حدثنا فتح بن سلامة، عن نصر بن كرامة، قال: ألحفنى السعد ببرده، وأتحفنى بحلو عيشه وبرده، وبوأنى من حمى الخلافة العلوية العلية ظلالا، وأعلق كفى في خدمة الحضرة المولوية العبد الرحمانية حبالا، في دولة علوية أعلى العلا أعلامها، وحمى الإله حماها، عقد السعود على التناصر عقدها وذمامها، واليمن قد واخاها، فبلغت بطلعتها أمنها ومرامها، وتوصلت لمناها، وبنى الأئمة من قريش مجدها ومقامها بين الورى وعلاها، حموا الشريعة بالسيوف وأوضحوا أعلامها وتنوروا بسناها، فكنت منتظمًا في سلك كتابها، ومعهود في خدمة أعتابها، وصحبت ركاب مولانا العلى العلوى، وجيشه المنصور المولوى، في إحدى قدماته من الحوز، في سفر أسفر طالعه عن وجه الظفر والفوز: في عسكر ملأ القلوب مهابة ... والأرض خيلا بالعوارف يفهق للفتح والتمكن فيه دلائل ... وعليه ألوية السعادة تخفق نهض لها أيده الله غرة ذى الحجة متم عام ناشر، والسعد لمعهود العنانة ناضر، والرعب يقدم جنوده، والسعد ينشر ألويته وبنوده، والنصر تحت ظلال أعلامه، وحفظ الله من خلفه وأمامه: والدهر معتدل الآناء مقتبل ... والشمس حلت ببرج السعد والشرف ومطارف السندس بالآفاق قد نشرت، وجنود النور حشدت ألوانها وحشرت: والأرض تجلى عروسًا في ملابسها ... وشت حلاها يد الأنواء بالزهر والنسيم قد عطر بنشره الأودية، وغازل الأغصان فنازعها المطارف والأردية، وجر ذيل دلالة في الآكام والأودية. والريح تلطم أرداف الربى ... مرحا وتلثم أوجه الأزهار

ومنابر الأغصان قد قامت بها ... خطباء مفصحة من الأطيار وألسن الحال تهدى إلى التفكير في مصنوعات الله وترشد، وكأنها تتمثل بقول أبى نواس وتنشد: تأمل في نبات الأرض وانظر ... بدائع ما بها صنع المليك عيون من لجين شاخصات ... على أطرافها الذهب السبيك على قضب الزبرجد شاهدات ... بأن الله ليس له شريك والناظر الأديب المتأمل، ينشد قول المجنس الممثل: إن هذا الربيع شئ عجيب ... تضحك الأرض من بكاء السماء ذهب حيث ما ذهبنا ودرٌّ ... حيث درنا وفضة في الفضاء والجيش المنصور بحر متلاطم الأمواج، يسير فيملأ الفضاء ويغص الفجاج، ويقيم فيكون هالة على بدر سعود وشرف، وسور حفظ لا يعرف له طرف، قد رصت صفوفه، وتعددت ألوفه، وتنوعت أجناسه وصنوفه: من كل أبيض قد تقلد أبيضا ... عضبا وأسمر قد تقلد أسمرا والخيل تمرح في أعنتها، وتمضى في الخيلاء على سنتها، قد خليت من الأسلحة بما راق وراع، وأعجز وصفه ألسن اللسن وأهله اليراع: مؤصلة من ذى العقال وداحس ... وآل الوجيه والنعامة والخيفا فمن أشهب لبس النور رداء، وسابق البرق عداء: فكأنه في حليه وسلاحه ... صبح تقلد حلية الجوزاء ومن أدهم خلع الليل عليه إهابه، وأثبت بين عينيه شهابه: فكأنما لطم الصباح جبينه ... فاقتص منه فخاض في أحشائه

واحمر فأما وصفه فمطهم عتيق، وأما لونه فعقيق، واصفر كأنما صيغ من ذهب، أو خلق من لهب: ألقى الأصيل عليه من نضارته ... غلالة وشت الظلما حواشيها ومن أزرق قد تسربل حلة السماء وتحلى بالنجوم، أو رام استراق السمع فرمته بشهب الرجوم: عطايا أمير المؤمنين وبره ... بأجناده والبر بالجند يحمد مليك حليفاه التوكل والرضا ... وأوصافه علم وحلم وسؤدد يصاحبه أمن ويمن ورحمة ... ويعضده فتح ونصر مجدد فتى المجد أما هديه فموفق ... رشيد وأما رأيه فمسدد به الدين سام والشريعة غضة ... تروق وركن المجد عال مشيد وإن له في مقعد الحكم حكمة ... يحل بها في الله طورا ويعقد فلا زال محمود المساعى مؤيداً ... يغور ثناه في البلاد وينجد فسرنا تحت ظلال العدل والأمن، نستجلى كل حين من غرته الميمونة طالع الفتح واليمن، ونرفل في أردية المعالى الضافية، ونكرع في بحار الجود الصافية، ونتمسك من النجح بالعهود الوافية، ونرتع في روض الأمانى والعافية: وقد بدت لنا وجوه الهدى ... مسفرة ولاح نور الفلاح فلما خيمنا بشاطئ وادى العبيد، قابلنا بوجه الجبار العنيد، وأبدى من مده آية الإعجاز، وقال بلسان حاله لا مجاز لا مجاز، واستعان من ثلج الجبال بالمذاب، فأرانا بحراً طامى العباب: نهر يريك السهم سرعة جريه ... والبحر عمقًا والشفير سعيراً

فليسلم النفس المريد عبوره ... إن لم يكن لطف الإله ظهيرًا فأحجم عن عبوره القوم، واستبشر بالزبون العارف بالسباحة والعوم، وبات الناس في الآراء يترددون، ولقصص الناجين والغرقى يعدون، وقصارى أمنية كل واحد عبور ذلك الصراط، والانتظام في سلك الناجين والانخراط، حتى أنشد بعضهم واستحسن، وتمنى ما تمنى الحسن: ألا ليت شعرى هل أبيتن (¬1) ليلة ... بسهب الثنين أو بسهب بنى ورا وهل تعبرن نهر العبيد ركائبى ... وهل أتركن دايا وأدواءها ورا فلما تبلج أدهم الليل عن أشهب الصباح، وحيعل الداعى بحي على الفلاح، وتولت نجوم الليل تقفو إثره، وغدت سيوف ذكاء تخرق ستره، وأدى الناس النفل والفرض، وأشرقت بنور ريها الأرض. ولاحت لنا شمس النهار كغادة ... بدا حاجب منها وضنت بحاجب صدر الإذن المولوى بالعبور، وقدم له الصبور فالصبور، وجعل فاتحة ذلك نجله الأسعد، وفرعه الأنجب الأصعد، سيدنا ومولانا محمد، تفاؤلا لتستحسن العاقبة وتحمد، وكان قد تقدم الأمر المطاع بإعداد المعادى، للإعانة على عبور ذلك العدو العادى، فلم يكن إلا أن عبر الأول مكتفيًا بالمختصر عن المطول، وظهر من لطف الله وسعادة مولانا ما عليه المعول، وحمد الناس الله على ما سهل من ذلك وخول، وتتابع العبور على الريح والأعواد. مع سلامة الأنفس والأرواد. وشاهد الناس لجيش مولانا المنحمى، شبه ما ظهر من الكرامة لعبد الله بن الحضرمى، ولا غرو أن يعطى التابع حكم المتبوع، ويظهر للعيان حقيقة ما هو مروى ومسموع، ولله قوم يسعدهم ويسعد بهم، ويظهر عنايته على من تعلق بسببهم. ¬

_ (¬1) تحرف في المطبوع إلى: "أبين" وهو غير صحيح عروضيّا، والبيتان من بحر الطويل.

وإذا السعادة أحرستك عيونها ... نم فالمخاوف كلهن أمان واصطد بها العنقاء فهى حبالة ... واقتد بها الجوزاء فهى عنان ولما خيمت الجموع بالعدوة الأخرى، ورأوا السلامة غنيمة وذخرا، وعاين الناس ما تعودوه مع أمير المؤمنين من النجاة والصعود، والفوز المشهور المشهود، والتيسير المعلوم المعهود، هنأ بالسلامة بعضهم بعضًا، وجعلوا ذلك بينهم سنة وفرضًا، فلا تلقى غير حامد وشاكر، ومقر بنعم الله ذاكر، واتسع لديهم المجال، في الروية والارتجال، فمن ناظم وناثر، ومقصر ومكاثر. ومن قائل: أرى نهر العبيد غدا عنيدا ... يعاملنا بجور واشتطاط عبرناه على خطر وخوف ... على غير اختيار واحتياط وذلَّله الإله لنا فسرنا ... من الريح المسخر في بساط يهنئ بالعبور البعض بعضا ... كأنا قد عبرنا على الصراط ومن متمثل في عبور الوادى. على المعادى: لئن كنا ركبناها ضلالا ... فيا لله إنا تائبونا فأخرجنا عن المرغوب منها ... فإن عدنا فإنا ظالمونا ومن منشد، وإلى لطف الله مرشد: عبرت نهر العبيد قهرا ... على بساط من الهواء ولما حمد الناس الإيراد والإصدار، واستقرت بهم بعد العبور الدار، وشكروا على فضل الله إمامهم، وجعلوا القبيلة التادلية أمامهم، وذكروا معاهد البلد ورجالها، وأطالت الألسن في ذلك مجالها، وأوضحوا بذكر كراماتهم غرر السيادة وأحجالها، فقام زعيمهم، فقال: يا قوم إن الشعر ديوان العرب، ووسيلة لقضاء

الأرب، ومفتاح لكنوز الأسرار، ووصلة إلى عطف الأبرار، وحلية للفضلاء والأحرار، تنفعل النفوس الكريمة لنشيده، وتعنو الهمم العلية لبديعه ومشيده، وترتاح إليه الطباع العربية، وتهتز له النفوس الأبية، فتستجلب الأرباح بتقليد أعلاق فريده، وتستحلب أخلاف الفضل بحديثه الغض وجريده: فكم شفع القريض فنال سعدا ... وقرب للسيادة من قصى وكم أغنى أخا فقر وأقنى ... وكم أعلى أخا قدر دنى وحسبك آية إكرام كعب ... وما قد نال من عطف النبى فهل فتى منكم يورى في مدحهم زنده، وينفق على أخوته مما عنده، ويجلب للجميع ببديع الاستلطاف، ورفيع الاستعطاف، ما تفيض به أبحر المواهب، وتستجلى به وجوه المذاهب. فقال أحدهم أجل، وقام وارتجل: أرجال تادلة إليكم عزمتى ... تسمو وعطفكم الذخيرة والسنا أنزلت رحلى في حمى عرصاتكم ... فعلى الكرام لضيفهم نيل المنى فتعطفوا لنزيلكم وتلطفوا ... ونداكم يقضى بإدراك الغنى فقالوا لقد دعوت منهم مجيبًا، وسترى من سر الله عجيبًا، غير أنك اقتصرت واختصرت، وقصرت لما اهتصرت، فهلا آثرت من نحن جميعًا تحت ظلاله الوارفة، وخصصت من ملكنا بفضله تالد المجد وطارفه، واستجلبت فإن المولى، أحق بالأثرة وأولى، مع أن نواله للبرية شامل، وأفضل ما به يدين الإنسان الله ويعامل، وقد أفصح عن ذلك وأعرب، أثر الدعاء إذا كان أعم كان إلى الإجابة أقرب، فأنشد فتى وما روى، وأنقع غلة السامعين وروى:

أرجال تادلة الأكا ... رم أنتم خير الرجال وإليكم تنمى العوا ... رف والمعارف والمعال ولديكم يرجو المؤمـ ... ل عطف أرباب الكمال هذا أمير المؤمنيـ ... ـن بحيكم حط الرحال متفيئا من ظلكم ... وعلاكم ضافى الظلال وقراه نيل العطف من ... كم والقبول والوصال راج منكم فتحا ونصـ ... راً ظاهرين بلا قتال وصلاح أحوال الرعـ ... ـية في مقام وارتحال ومنال تيسير المقا ... صد كلها في كل حال فلأنتم أسمى الوسا ... ئل في السؤال والابتهال ولأنتم الحصن الحصيـ ... ـن إذا طغا خطب وهال ولأنتم العضد القو ... ية والقواضب والنبال وحماكم الحرم الأميـ ... ن لذى اعتلاء واعتلال ما أمكم متوسل ... بعلاكم إلا ونال كلا ولا انتصر امرؤ ... بجنابكم إلا وصال فلتقبلوا ولتقبلوا ... بالفضل يا أهل لكمال إلى أن قال: فلما أكمل الإنشاد، وأشاد من المفاخر ما أشاد، بلغت النفوس مرادها، واستحسنوا ختام المجلس بذكر أهل الفضل والنسك، واستنشقوا مسك ختامه وكان ختامه مسك".

283 - محمد أبو عبد الله بن على بن حرزهم المكناسى أصلا ومنشأ ودارا

بعض ما قيل فيه: من ذلك قول الأديب الشيخ بدر الدين يوسف المدنى لما وفد على حضرة السلطان سنة 1257: شنفت أسماعى بقول مطرب ... لله درك من بليغ معرب لاطفتنى وجبرتنى وسررتنى ... ولقاء شمس علاك غاية مطلبى ورضاك حسبى في الفخار فكيف إذ ... ألبستنى حدل الثناء الأطيب ما كنت أهلا للثنا كلا ولا ... جيدى لذاك العقد بالمستوجب أنتم أولو المجد الذى يأوى إلى ... بيت على هام السماك مطنب وبحلية العلم الشريف وبالتقى ... والحلم زينتم جلال المنصب فلكم بدا الفضل المبين وغيركم ... مستنجع لوميض برق خلب وعقود درك سيدى جمع الثنا ... فيها وكان الفخر حال المطنب شكرا فإن جميل برّك قد حوى ... رقى وضاق بنيل كفؤك مذهبى حليت منى عاطلا وذكرت مـ ... ـنى خاملاً وأزلت حالك غيهبى لن أستطيع لك الجزا لكن من ... بالوسع جاد فذاك غير مؤنب فاعذر دان قابلت درك بالحصا ... هذا مقام العائذ المستعتب وعليك من محض الوداد تحية ... أذكى وأشهى من سلاف الأكؤب وفاته: توفى ضحى يوم الأثنين الرابع من المحرم الحرام فاتح سنة أربع وستين ومائتين وألف. 283 - محمد أبو عبد الله بن على بن حرزهم المكناسى أصلاً ومنشأ ودارا. حاله: فقيه أستاذ حافظ، أعدل أديب خطيب بجامع مكناسة الكبير، كان

284 - محمد فتحا بن أبي سالم عبد الله بن الطاهر الشريف الأمرانى

قد حاز قصب السبق في ضبط القرآن وحسن الصوت، فكان يخطب بأمير المؤمنين مولانا سليمان، هكذا ذكره أبو العباس الأغزاوى الجبلى في بعض تقاييده. 284 - محمد فتحا بن أبي سالم عبد الله بن الطاهر الشريف الأمرانى. والد المولى الكامل المتقدم الترجمة، وقد تقدم رفع نسبهم الكريم في ترجمة ولده المذكور. حاله: علامة مشارك، خطيب مصقع، صالح عابد، ذاكر ناسك، فاضل جليل القدر، ولد بأفران ونشأ بزرهون، وقرأ بفاس وسكن مكناسة الزيتون، وتولى خطبة الجامع العتيق بها، وكان لا يخطب بخطب غيره ينشئ كل جمعة خطبة بحسب مقتضيات الأحوال، وكان ناصرى الطريقة ناهجًا نهج السنة والجماعة في سائر شئونه. صاهره السلطان أبو الربيع سليمان ببنته المصونة السيدة أم هانى، وكانت صالحة عابدة ناسكة، تقرأ دلائل الخيرات، والورد الناصرى، لم يكن في وقتها أجمل منها، فما مات والدها السلطان أبو الربيع ولم يكن دخل بها بَعْلُها هَمّ السلطان بعده أبو زيد بن هشام بالعقد عليها لنفسه، فلما بلغها الخبر ذهبت إليه وقالت له: يا فلان، اتق الله فإن هذا لا يحل، ألست تعلم أن والدى كان زوجنى من الأمرانى، فتراجع وأمر بزفافها لزوجها المذكور ودونك نص عقد الصداق: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد المصطفى الكريم، وعلى آله وأصحابه أولى البر والتعظيم، ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، الحمد لله الذى خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان ربك قديرا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث إلى سائر الخلق بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجًا منيراً. ¬

_ 284 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 7/ 2612.

أما بعد: فإن سيدنا ومولانا أمير المؤمنين المنصور بالله. المتمسك بأذيال سنة رسول الله، المصحوب بالأمن والأمان، أبا المواهب سيدنا ومولانا سليمان، زوج بنته المصونة البكر التي في حجره، وتحت نظر أمره، سيدتنا أم هانى شقيقة سيدنا ومولانا إدريس أصلحه الله وحفظه وأقر به العين آمين للشريف الأرضى، الفقيه المرتضى، مولاى محمد بن مولاى عبد الله الأمرانى لمروءته، وطلبه وقرابته ومسكنته، على صداق مبارك تدره ونهايته أربعون مثقالاً سكية حلولا حضر الزوج المذكور وقبل ما ذكر وارتضاه، وألزمه نفسه وأمضاه، شاكراً فعل سيدنا وداعيًا له بأن يجعل جزاءه رضا الله والنظر في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا، إشهاداً تامًا وقبولاً عامًا، كما يجب على سنة المسلمين، وطريقة سيد المرسلين، شهد على مولانا دام نصره وهو على كرسى ملكه وعلى الزوج بحال الكمال من أشهداه به وعرفه في عشرى رمضان المعظم عام أربعة وثلاثين ومائتين وألف عبد ربه تعالى محمد التهامى البورى، لطف الله به وعبد ربه تعالى أحمد بو عشرين لطف الله به". ووقفت على كتاب للوزير المختار الجامعى بعثه للمترجم يستدعيه للحضرة السلطانية نصه بعد الحمدلة والصلاة: "سيدنا الشريف الجليل، الماجد الأصيل، والفقيه العلامة الداركة مولاى محمد بن عبد الله الأمرانى سلام عليك ورحمة الله بوجود مولانا أيده الله ونصره. وبعد: فاعلم بأن والدكم البركة مولاى عبد الله شاور عايك سيدى نصره الله فأثنى عليك سيدى غاية، وأمرنى أيده الله بأن نكتب لك بأن تقدم لحضرته العلية فبوصوله إليك جد السير ولا تتراخى بارك الله فيك، وعلى عهدك ومحبتك والسلام في 23 من جمادى الأولى عام 1247 المختار خار الله له ولطف به":

285 - محمد بن العربى بن عمر الصنهاجى أصلا المكناسى دارا ومنشأ.

مشيخته: أخذ عن الأزمى وغيره ممن في طبقته العلوم العقلية والنقلية الأصلية والفرعية، أخبر المؤرخ الثبت الفقيه القاضى حينه بقبيلة بنى حسن السيد عبد الحفيظ الفاسى أن نجل المترجم العلامة مولاى الكامل حدثه أن والده المترجم حدثه أنه قرأ مختصر الخليلى على شيخه الأزمى في أربعين يومًا في كل يوم يقرأ الشيخ درسين أحدهما صباحًا والآخر مساء في كل درس نصف حزب، وأخذ الطريقة الناصرية عن الشيخ أبى بكر بن على الناصرى، عن والده على المذكور عن والده سيدى يوسف، عن ابن عبد السلام بنانى، عن أبى العباس أحمد بن ناصر، وأخذها أيضًا عن والده عن سيدى على بن يوسف المذكور وعن غيرهما. وفاته: توفى بفاس متم سنة خمس وسبعين ومائتين وألف، ودفن بالزاوية الناصرية هناك. 285 - محمد بن العربى بن عمر الصنهاجى أصلاً المكناسى داراً ومنشأ. حاله: فقيه صوفى منور السريرة، درقوى الطريقة، لقنه إياها الشيخ المحبوب المدعو بأيوب. مؤلفاته: منها تقييد على الأبيات الثلاثة المنسوبة للإمام الجنيد وهى: توضأ بماء الغيب إن كنت ذا سر ... وإلا تيمم بالصعيد أو الصخر وقدم إمامًا كنت أنت إمامه ... وصل صلاة الفجر في أول العصر فهذى صلاة العارفين بريهم ... فإن كنت منهم فانضح البر بالبحر وقفت على مبيضته في نحو الكراسة فرغ من تبييضه ليلة الأربعاء ثانى شهر رجب عام أربعة وسبعين ومائتين وألف.

286 - محمد فتحا ابن الهادى غريط المكناسى النشأة والدار المراكشى الإقبار

286 - محمد فتحا ابن الهادى غريط المكناسى النشأة والدار المراكشى الإقبار. حاله: من أهل المشاركة في العلوم، ومن يشار إليهم في تجرير المنطوق منها والمفهوم، حصل على الإجادة والإتقان، وأصبح علما يهتدى به، قوى العارضة، جيد النظم والنثر، ماهر في علم الطب وخواص النباتات، تقى نقى، هين لين، صالح خاشع متواضع، انتقاه سيدنا الجد السلطان المولى عبد الرحمن بن هشام لنفسه وحرمه وجعله الطبيب الخاص به، له فيه الثقة الكاملة، يعتقده ويعظمه ويقدره، ويأتمنه على حياته، لا يفارق على بابه، يظعن بظعنه ويقيم بإقامته. وكان رحمه الله مغرمًا بحب الصالحين وأهل الفضل، معتقداً خصوصيتهم منتسباً ظاهراً وباطنًا إليهم، وعلى الأخص العارف الكامل أبو محمد عبد القادر العلمى فكان ملازمًا لخدمته، فانيًا في محبته. مستغرق الأوقات في مجالسته. والثناء عليه والحض على صحبته. والعض عليها بالنواجذ، وقفت على عدة مكاتيب له أصدرها لخاصة أصدقائه بما ذكر ودونك بعض نصوص بعضها ومن خطه نقلت: عوض أخى وولدى حقًا وصدقًا، الطالب السيد الهادى بصرى أصلحك الله وحفظك، وسلام عليك ورحمة الله عن خير ولله الحمد. وبعد: فقد وصلنى يا أخى كتابك، وأفهمنى مضمونه خطابك، وقد لوحت إشارتك، ووضحت عبارتك، وإنى وأنت يا أخى كلمحة برق في بعض العوالم، غير أن الله تعالى تفضل علينا جميعًا بنفحة كرمه تنسمت نسمات طيبها العاطر في مظهر منة العلمية، فاستوجبت منا جميعا أن ننفق بضاعة عمرنا في أداء شكر من بسط ضياء شمس وجودها علينا جميعًا، ومتعنا بوسع كرمه اللدنى فيه حتى شملتنا مبرته فأوسعنا خاطره رضى الله عنه بالتنزل الرحمانى الربانى، حتى إنه

رضى الله عنه مع ثقوب نورانية كوكبه الدرى في بسط خلقه معنا جميعا كأحدنا، وأحني وأشفق علينا جميعا من والدينا، يهتم لما أهمنا وما يهمنا أكثر من اهتمامنا لأنفسنا. وهذا الأمر يا أخى في كثير من المعارف والأحباب صار كعنقا مغرب في زماننا، بل وفيما قبله في غالب غابر القرون الماضية، فلم يبق لنا جميعا يا أخى والله إلا حصر الشوفة القلبية والقالبية في انتظار كرم الكريم فيمن أظهر لنا كرامته، وأوسعنا مبرته، ففيه بربنا وربه غاية المنى، وشفاء الضنا، وفى إقبالنا بالله عليه تسهيل المقاصد، لكل قاصد، وسترى أنت وأنا وجميع أهل محبته رضى الله عنه من فضل الله ورحمته ما لم يكن لنا في حساب، فالله يا أخى معنا حيثما كنا حاضر لا يغيب، ودائم الحياة لا يموت، وعلى ما يشاء قدير لا يعجز أبدًا. هذه مذاكرة معك فيما لا يخفى عليك، والحمد لله يقننا الله وإياك بكمال اليقين، وطوى طويتنا وطويتك على إخلاص الموقنين، ورزقنا وإياك شكر الصابرين وتوبة الصديقين إلى الآخرة. وما أوسع يا أخى حلم الحليم، ورحمة الرحيم، وإن ربى لطيف لما يشاء، ولا تغفل يا أخى عنى وعسى نصر من الله وفتح قريب، متعنا الله جميعًا يا محل إخوتى في مطالعة كتب محاسن قدرته، ومحاضرة أنس بشائر ذخائر مبرته، فيما تفضل الله علينا به، فجعله لنا قدوة الاهتداء، وجمعنا به إليه فصار لنا خير في ليل عليه، وبالحقيقة كان الله ولا شئ معه، وفى قريب يرى عبد الله حسن الشفاء والعافية بالضامن الملى جل وعلا، وطالع يا أخى والخير العظيم في قراءة ما شاء الله من القرآن العظيم بالترتيل والتأمل، وفى الأسحار ربيع الأبرار، وملازمة ما تيسر من دلائل الخيرات بالتأمل التام أيضًا، تستلزم جلب المسرات، ودفع المضرات

بمنة الله، واذكرنا بقلبك لله وعلى المحبة والسلام في سابع عشرى محرم عام ثلاثة وستين ومائتين وألف هـ. من خطه. فانظر هذا النفس النفيس، وتأمل ما منحه صاحبه من الرسوخ وثبوت القدم في توحيد الله وانغماسه في بحر الحقيقة الَّذي هو عبارة عن مقام الإحسان من الله علينا بالولوج فيه على أكمل الحالات وأرضاها لله وكم للمترجم من رسائل على هذا المنوال. مؤلفاته: منها رجزه المسمى رياض الأنس والفكر والقلب في التصوف والنصائح والمواعظ والرقائق وأحوال طريق القوم وآدابها، وسيرة شيخه العلمي وأوصافه من نشأته إلى وفاته ومعاملة أصحابه وما تلقاه منه من الحكم والأسرار والآداب، يزيد هذا الرجز على ثلاثة آلاف بيت قال في طالعته: سبحان من كون ما أرادا ... تكوينه إعدامًا أو إيجادا والكون محتاج إليه وفقير ... لفضله سواء صغير وكبير وفى تسميته يقول: سميتها رياض أنس الفكر ... والقلب كى يروى بنيل الشكر لله في مستودعات الإنسان ... من فضله جل بمحض الإحسان وفى بعض أوصاف شيخه المذكور قال: والجذب معه نحو أربع سنين ... وبعضنا به من المستيقنين ومع ذا بسائر الأذكار ... يصدع بالليل وبالنهار حتَّى قضى بفجر يوم الاثنين ... ليلة يوم سادس وعشرين شعره: من ذلك قوله متوجًا بحروف حسبنا الله ونعم الوكيل:

بحفظ الحفيظ من أذى الغى والأعدا ... وساتر منه يرعاه من سائر الأدوا حفظنا وعين الله تكلؤنا ومن ... يكدنا بسوء في مكايده يهوى سلمنا من الآفات والله ناصر ... مجير لنا وقاصد الشر لا يقوى بك الله لذنا واعتصمنا وحسبنا ... حماك فلا تلمم بساحتنا بلوى نواصى العباد في يديك زمامها ... وتصريفها إلى نهايتها القصوى أجرنا من أيدى الجائرين ورد من ... يروم أذانا فاقدا نيل ما يهوى أعذنا من الخذلان واجعل مآلنا ... إلى جنة الفردوس يا سامع النجوى لو المجد ملجأ اللائذين فكن لنا ... وبالفضل تؤوينا إلى ذلك المأوى لنا كنت قبل الكون فاجعل عناية ... لنا منك تحمينا من الضر والأسوا أسأنا وحمل الوزر أثقل ظهرنا ... ولكن من الغفران أوزارنا تطوى هداك لنا المطلوب منك مع الرضى ... وخيرك يا ربى يزيد ولا يطوى ومجدك يا ذا النول حتَّى تصوننا ... وتنقذنا من المهالك والأهوا نصول بك اللهم فاحم جنابنا ... ومن كادنا رغمًا على أنفه يلوى عوائدك الحسنى لنا قد تكاثرت ... ولولا رضاك ما على نيلها نقوى موائدك العظمى إلينا تواردت ... ولا الشكر ودينا وما قدرنا يسوى أيقوى جميع الخلق شكرًا لبعضها ... وهيهات يحصى الرمل أو تحصر الأنوا لك الحمد حمدًا بالمزيد على المنى ... كفيلًا لنا أشهى من المن والسلوى ونشكرك اللهم شكر موفق ... تبر به من دون سؤل ولا شكوى كفى بك برا واهبًا متفضلًا ... وفضلك مع رضاك من أعظم الجدوى

يوارى جميع العيب سترك منة ... فللذنب أول الصفح يا رب والعفوا لو أذى بوجهك الكريم وقدرك الـ ... عظيم التماسا للإجابة والدعوى بجاه عظيم الجاه أعظم شافع ... ومن شربوا من هديه المشرب الصفوا عليه الصلاة والسلام مع الرضا ... على حزبه الألى فضائلهم تروى وقوله: وسيلة خير بالخيار محبره ... بعبد السلام للرسول مشوره مشيش أبو بكر على وحرمة ... وعيسى وسلام ومزور حيدره محمد إدريس فإدريس كامل ... وبالحسنين أختم بدور منوره وبالخل في ذات المهيمن يخلف ... أخى ابن مشيش في الطريق المبرره وأسلافه الغر الكرام ومن لهم ... من أخلافهم وأولى المعالى المقرره كمثل عبيد القادر العلمي ومن ... له الله بالمختار في الحب خيره وكل محب مخلص في جميعهم ... من أهل القلوب النيرات المعمره بصفو اليقين الراسخين به فهم ... سرائرهم لله فيه محرره تجلى لهم نور الرسول وسره ... فنالوا الكرائم العظام المسطره فيا ربنا بالفضل عامل جميعنا ... وصير لنا الخيرات منك مسخره إليك بجاه الأصل والفرع كن لنا ... وللشيخ والأحباب دنيا وآخره وصل وسلم ثم بارك على الَّذي ... أتى رحمة للعالمين مبشره وأصحابه والآل مع كل تابع ... ولله أبحر المواهب زاخره

287 - محمد بن عبد السلام بن عبود أبو عبد الله المكناسى أصلا ومنشأ السلاوى الدار والمدفن

وقوله: بيملح ابن مشيس الرشاد ... وحمدان حامد رب العباد ومن نوره منهم في ازدياد ... بنجله قاسم المستشاد ضياه بمكناسة في اتقاد ... بعبدك يا قادر يا جواد تفضل علينا بعير نفاد ... بفضل مديد ليوم المعاد فنرجوك والمصطفى خير زاد ... لنيل الرضى وكمال المراد وفاته: توفى بمراكش عام واحد وسبعين ومائتين وألف ودفن بضريح مولانا على الشريف رحم الله الجميع. 287 - محمد بن عبد السلام بن عبود أبو عبد الله المكناسى أصلًا ومنشأ السلاوى الدار والمدفن. حاله: صوفى ينحو منحى أرباب الحقائق، فصيح اللسان ذو ذكاء وحذق تام، كان لهجًا بالقرآن، متدبرًا لمعانيه، مستشهدا به في كل أحواله، حاد المزاج ضيق العطن، قل ما ترى العين مثله في حاله، تجرد على طريق أهل التجريد، ولازم العبادة على الحالة المعروفة عند كمل الطائفة الدرقاوية من رفع الصوت بالهيللة في الطرق، ووضع السبح المتنوعة في العنق. ثم رحل إلى فاس واشتهر اسمه بها، وأخذ الطريقة عنه بعض المنقطعين بها والراحلين إليها، ووقع بعض الإنكار عليه من أفرادها، ولم يزل يلقن أذكاره بها إلى أن أخرجه منها قاضيها أبو التقى الهادى الصقلى المتوفى بالمدينة المنورة بعد أدائه فريضة الحج وزيارته لجده صلى الله عليه وآله وسلم في محرم الحرام عام أحد عشر وثلاثمائة وألف، ودفن ببقيع الغرقد رحمه الله. ¬

_ 287 - من مصادر ترجمته: سل النصال في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2948.

فتوجه المترجم إلى ثغر سَلَا، واعتنى به عاملها إذ ذاك الخير الناسك الطيب الذكر الحاج الطيب الصبيحى مع بعض المحبين له، واشتروا له دارًا قرب المسجد اتخذها زاوية لنفسه، ووقعت له مع معاصره علامه سلا، ومؤرخها سيدى أحمد ابن خالد الناصرى مراسلات بمناسبة ما كان الناصرى المذكور ينكره على الطرق، وبالأخص على الطائفة الدرقاوية، وجهها له في معرض النصح له والتحذير من الإنكار على أهل النسبة، فلم يحتفل أبو العباس طبق ما أراد المترجم لعلمه بطرق الإنكار، وأما أنكرته الشريعة لا محاباة فيه، ولم تزل زاوية المترجم مزارًا للوافدين على سلا المنتسبين لطريق القوم رضوان الله عليهم، والمترجم في كل ذلك لائح عليه أثر الجذب، كثير النطق بذكر هادم اللذات إلى أن أجاب داعى مولاه رحمه الله ورضى عنه. مشيخته: أخذ القرآن بمكناسة الزيتون عن أبي العباس أحمد الأعرج والمكى القصرى، وأبى عبد الله بن عزوز الحسنوى، وقرأ العلم بها على أبي عبد الله بن عزوز المدعو الهويج، وسميه ابن الجيلانى السقاط، والمختار الأجراوى، وأخذ الطريق الدرقاوية عن الحاج محمد العياشى أبي الشمع المكناسى المتوفى سنة أربع وتسعين ومائتين وألف، عن سيدى مالك الزرهونى، وأخذ أخيرًا عن أبي عبد الله محمد العربى المدغرى العلوى وعنه تلقى الحفيظة الدرقارية. الآخذون عنه: أخذ عنه الطريقة الدرقاوية على قاعدة أهل التجريد جماعة منهم العلامة أبو بكر بن محمد التطوانى السلاوى قاضى قبيلة زمور الشلح المتوفى بسيدى سليمان من بنى حسن سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة وألف 1337، وأخذ عنه الطريقة العلامة المشارك الميقاتى الفرضى سيدى المهدى متجينوش الرباطى، والعلامة المحقق شيخنا سيدى أحمد بن الجيلانى الأمغارى الفاسى، وصديقنا المؤرخ القاضي سيدى عبد الحفيظ الفاسى في آخرين.

288 - محمد الوزير أبو عبد الله بن محمد بن عبد الله غريط

آثاره: له رسائل عدة على نمط رسائل مولاى العربى بعث بها لبعض مريديه والمحبين له، ورسائل في كراريس بعث بها إلى العلامة الناصرى، أخبرنى من وقف على بعضها، وأشعار ملحونة ومتزنة كما أُخبرت من طريق البعض ولست على يقين، كما أن له رسالة بعث بها إلى أبي عبد الله الحجوى. وفاته: توفى في رابع ربيع الأول عام أربعة وأربعين وثلاثمائة وألف. 288 - محمد الوزير أبو عبد الله بن محمد بن عبد الله غريط. يدعى الفقيه بوغنبور الأندلسى الأصل المكناسى النشأة والدار، الفاسى النقلة والإقبار. حاله: قال حفيده صديقنا الفقيه الأديب الكاتب أبو عبد الله محمد بن الوزير الصدر المفضل غريط فيما ترجمه به ومن خطه نقلت: رجل الوقار والجد، أصيل السؤدد والمجد، شاعر تنبع الحكم من لسانه، وتمد أكف التسليم لإحسانه، كاتب حسن الشمائل، ذو رأى لا متأود ولا فائل، وحال عن العرض الزائل مائل، وخط تحسده الخمائل، ويحفه القبول عن اليمين والشمائل، وتبتهج العيون برونقه، وتنعطف النفوس لنسقه، كما قال المتنبى وأبلغ به من قائل: من خطه في كل قلب شهوة ... حتَّى كأن مداده الأهواء وله يد في الرباعيات والأرجال، وحظوة لدى بلغاء صلحاء الرجال، كالولى الصالح السمى، سيدى عبد القادر العلمي، والولى المجذوب الَّذي لا زالت كراماته تبدو، سيدى حفيد بن عدو، وذى الأحوال الباهرة والمدد العرفانى، مولاى الطيب الكتانى، قدم من مكناسة مسقط رأسه، ومنبت غرسه، إلى فاس مطلع شمسه، بعد أن حصل من العلم قدرًا كافيًا، وورد من الآداب منهلًا صافيًا، فاستكتب لعاملها الودينى مدة ولايته، اقتصر على صروف الدهر براية رعايته، إلى أن عزل العامل لسيئة اجترحها، وفتنة اقتدحها.

قيل: إنه عبث بنسوة بعض الأعيان، وأطاع فيهن داعى العصيان، فاستجار أزواجهن بمن لهم كلمة مسموعة، وأسرة مجموعة، من الشرفاء الطاهرين أهل العدوة، وأثاروا ما لهم من نجدة ونخوة، فخرجوا عن طاعته وتمالئوا على الفتك به، وأعلنوا بعد صلاة الجمعة بحرم مولانا إدريس نور الله مضجعه بلعن القائد وسبه. وخشى السلطان مولانا عبد الرحمن أن يتسع الخرق بسببه، فأطفأ النار بحبسه، وسد ثلمة الهيعة برأسه، وحمل إلى سجن المدينة، بهيئة مهينة، وولى على أهل فاس القائد الأحمر، فأذاقهم البلاء الأكبر والوبال الأمر، ونفى بعض أولئك الشرفاء إلى مرسى الصويرة جزاء على فعلتهم الخطيرة، ونقل الوزير المذكور لأعتابه، مؤمنًا من ملامته وعتابه، وأدرجه في خاصة كتابه، وأغناه الله بالبحر على النهر، ومكث على ذلك حينا من الدهر، ولما كان فذ أهل أهل طبقته في الاختصار، والتجافى عن الإسهاب والإكثار. كان الإمام المذكور يؤثره لذلك بتنقيح واختصار ما استطوله، وتوضيح ما أشكله، فيرتب فصوله، ويلغى فضوله، ويبقى محصوله، ويغص به من يجر في مقام التشمير ذيوله، ثم ولاه الصدارة فأوسع لها درعه، واستفرغ في إدارتها وسعه، ولما رأى أن هذا المنصب محك القول ومحط الأهواء، وهدف سهام الوشاة والأعداء، صاحبه على غرر. وإن استخرج منه الدرر. ومعتقده في هم وتعب، وإن افترش السندس ومشى على الذهب، فهو كراكب الأسد، يخافه الناس وخوفه منه أشد: قرب الملوك يا أخا البدر السنى ... حظ جزيل بين شدقى ضيغم

قدم للسلطان طلب إعفائه. واعتذر بأنه ليس أهلًا لهذا الأمر ولا من أكفائه. لكبره وضعفه عن تحمل أعبائه. فقال الملك ما معناه: مالك أيها الرجل كلما أردنا لك رفعا ونفعا. أظهرت إباء ودفعًا؟ أما الكبر والضعف. فكلنا بذلك الوصف. فاصبر واحتسب. في مصالح الأمة على ما لا تحب، فأجابه بما معناه: يا مولانا إنى لا أصلح أن أكون رئيسًا معلمًا، بل يجب أن أكون مرؤوسا مسلما، ثم أعفى بعد مراجعة، وعتاب في طيه منازعة. واستشاره السلطان فيمن يولى هذا المحل بعده، ويطوقه عقده، فأشار بجماعة كلهم للتقديم طامح، وللانتخاب لامح، ولسمك تلك المرتبة بسنان أمله رامح، حتَّى وقع الاختيار، على الفقيه الكاتب أبي عبد الله الصفار، وهو إذ ذاك متعلق من المسكنة بسبب، عاطل إلا من العلم والكتابة والأدب، فأتته الوزارة على قدر، تقود البدور والبدر، وبقى المترجم له محفوظ الحرمة، كاتبا مستشارًا في كل مهمة. ثم استوزر لأمير المؤمنين سيدى محمد زمن استخلافه عن أبيه ولخليفته بفاس إلى أن خبت ريحه، واشتمل عليه ضريحه. ومن مناقبه المحمودة. ومآثره التي هي على هامة الاعتبار معقودة، أن السلطان مولانا عبد الرحمن قدسه الله لما جرى عليه من الجيش ما جرى، واعترى عبيده من التشريد ما اعترى، بعد أن تفانوا على حماية جنابه، وتباروا في التزام ركابه، حتَّى تغير شكل موكبه، ونهب ما عدا علمه المقدم ومركبه، واشتد عليه الظمأ، حتَّى لا ساقى ولا ماء. التفت فلم ير سواه، فاستدناه وآواه، فأسقاه بخفه حتَّى أرواه. ودخل صحبته إلى مكناسة الزيتون، فأحله حيث تجله العيون، واستنجد بأفكاره على استنتاج أطواره، حتَّى أدبر جيش الفتنة بسنان قلمه وفيصل رأيه، فاعترف بمزيد فضله وحميد سعيه.

ولم تزل تلك اليد محفوظة له ندية، متلوا حديثها في جميع الأندية، وحضر مع أمير المؤمنين سيدى محمد زمن خلافته، بوصف القيام بوزارته، في الليلة التي أسفر عن وجه النصر صبحها، وكسر سورة الخسر ربحها، ليلة أجلب الحاج عبد القادر بن محيى الدين على ملحته بخيله ورجله، وألقي بكيده وحيله. أخبرنى من سمعه أنَّه قال: لما انسدلت جلابيب الظلام، وتكافأ الساهرون والنيام، وابتسم ثغر البسيط لبكاء الغمام، جاء المذكور بمن اقتفاه من صحبه، المستميتين لإعلاء كعبه، فأطلقوا على سمت المحلة من الرصاص شؤبوبا، وعبابا مشبوبا، بعد أن أوقدوا نارًا على متون الركاب، وشردوها بين الأخبية والأطناب، فامتلأت القلوب والجوانح قرحا، والجوانب قتلى وجرحى، وصارت الجيوش السلطانية ترمى بعضها، وتهم أن توسع في الفلاة ركضها، حيث لم تدر للعدو ناحية، ولا شعرت بالداهية، ولسان حال الزعيم يقول رب حيلة، أنفع من قبيلة. ثم نودى بالنهى عن الركوب، والصبر على الأمر المكتوب، فتراجع الطبجية إلى المدافع ففجروا منها بحارًا ذات أمواج، اهتزت لها الجبال والفجاج، وتلتها شهب منقضة من أفواه المكاحل، كحلت بميل الردى كل مدبر وواحل، فشرق الزعيم، لا يلوى على حميم، وأصبح جمعه كسيرًا، ووزيره البوحمدى أسيرًا، في جماعة من تلك الفئة، التي كانت نحو الألفين وخمسمائة، ووجد على أصحابه أقبية الحرير، والعمائم الموسومة بالتذهب والتحبير، إغياء منه في الترفيه، وزيادة في الأثرة والتنويه، وكان ذلك في المحرم فاتح عام أربعة وستين ومائتين وألف. هـ بمعناه. وعلى الإجمال ففضل هذا الوزير عند أهل الفضل معلوم، وأثره في صحف المفاخر مرسوم، ولولا تمسكه بذيل العفاف، وقناعته من الدنيا بالكفاف، وانقباضه عن غير من ترجى بركته، وتحض على السكون حركته، لسار صيته مسير

الشمس، وأشير إلى محله بالخمس، وتغنت طيور الطمع بمدحه، ونما نتاج النفاق بسرحه. وما أحسن قول ابن الحسين: وإذا خفيت عن العيون فعاذر ... أن لا ترانى مقلة عمياء مشيخته: أخذ عن السيد اليمنى بو عشرين أصول الخط، أخذ إحكام وضبط، وعن العارفين الجليلين الشريف سيدى عبد القادر العلمي وسيدى حفيد بن عدو وغيرهم ممن يقتدى به علما وعملا: شعره: من ذلك قوله مجيبًا أبا عبد الله أكنسوس وقد أبدع في ترصيع نفائس الحكم، وأتقن وأحكم: من أوتى الدين عالى القدر مغبوط ... وغيره معلوماته أغاليط والنقط ليس يزيد الحرف تكرمة ... كم مهمل دونه ما هو منقوط والجد ليس بمجد من مقاصده ... يلفى بها عند الانتقاد تخليط وأحمق الناس من قد غره عرض ... به الذهاب والاضمحلال مربوط وليس يسلم في حال القيام به ... من ذى قلى قوله بالزور مخلوط ومن عجائب ما أبداه ذا الوقت أن ... يعز شرط ولا يعز مشروط ومن تحقق فيه ثمة لم ... يفز بمشروطه لا شك مغموط يا فاضلا فوق هام المجد أخمصه ... ماذا يكافى به ثناك غريط ألبستنى منه أبهى حلة فغدا ... بها لنفسى تفريج وتنشيط كأننى قد شربت في معتقة ... ما أن يمس بها الأعضاء تثبيط لله من قطعة عنى قطعت بها ... موصول هم به الفؤاد مضغوط ما حاك نجل الحسين مثل بردتها ... ولا ابن حجر إذا ما كان تمليط

كل المسامع تهوى أن تكون لها ... من حلى شعرك حر الشعر تقريط وكل جيد مجيد قد تشوق أن ... يرى وهو بعقد منك معلوط تنشيه ثم توشيه الأنامل من ... يمناك من كلفها بالخير مبسوط بمثلكم دولة الأشراف تفخر لا ... بمثل من فيه إفراط وتفريط وأنت غرة هذا العصر دمت وما ... للدهر يومًا على علياك تسليط وقوله: عبيد العصا فاضرب منهم كل من عصى ... ولا تغترر منهم بمن لك بصبصا وإن كنت في شك فجرب تجدهم ... كماكمه فيما نص عنه وأبرصا وفاته: توفى بفاس عام ثمانين ومائتين وألف ودفن بالمسجد المجاور لضريح الولى الأشهر سيدى على أبي غالب وكتب على قبره هذا البيت (¬1) المضمن تاريخ وفاته: فرش السعادة في ذا القبر تاريخ ... ووزر صاحبه بالعفو منسوخ هـ من فصول الجمان، في أبناء وزراء وكتاب الزمان، لأبي عبد الله بن المفضل غريط المذكور. قلت: وقد كان المترجم زاهدًا ناسكًا، حدثني ولده الفقيه الكاتب السيد المهدى وزير الشكايات في العهد العزيزى سابقًا ووزير الخليفة السلطانى بمراكش حينه، أن فريقًا من قبيلة عبدة وردوا عليه ذات ليلة بأمة وحمل سكر وجرابًا من الريال الدور وهدية إليه مدة وزارته، فرد ذلك عليهم وعنفهم وأقسم لهم بالله أنَّه لا يسمع منهم كلامًا إلا إذا حملوا هديتهم، فلم يسعهم إلا الامتثال، ولما حملوا ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "البيت لولده السيد محمد".

289 - محمد أمزاج المكناسى الأصل الفاسى النقلة والدار

هديتهم قالوا له: إننا نأمل أن ترفع شكايتنا للجلالة السلطانية بطلب رفع ضرر عاملنا فلان، وكامل العامل من خاصة المولى عبد الرحمن، فأجابهم بأن السلطان لا يقبل في ذلك العامل كلامًا لإفراطه في محبته ولكن لا بد لى من أن أبلغ كلامكم لمحله، ولما كان الفجر توجه لشريف الأعتاب طبق عادته ولما أخبر الأمير بحضوره وجه عليه، وقال له: يا فقيه أراك لا تنفع نفسك ولا تنفع غيرك، فقال له: يا سيدى ماذا فعلت؟ فقال له الأمير: الهدية التي رجعت البارحة على أصحابها لم تحزها لا لنفسك ولا لبيت المال، وكان اطلاع السلطان على ما حصل غريبًا إذ لم تكن له عيون للمراقبة مبثوثة تراقب الأمور ثم تطلعه عليها بسرعة فائقة. وللمترجم أيضًا: وعار على الحر المقام ببلدة ... يكون بها نذل العبيد شريفًا قاله لما أخر عن منتصب الوزارة، وأكثر عبيد البخاري من التعريض به وإظهار الشماتة وحاول التنقل من مكناس لفاس، وله شعر جيد في احتلال تلمسان وتطوان. 289 - محمد أمزاج المكناسى الأصل الفاسى النقلة والدار. حاله: فقيه صوفى قال لكتاب الله ذو ذوق عجيب، وإدراك مصيب، له معرفة كاملة بالرقائق وطريق القوم ودقائقها متأدب بآدابها، ولوع بحضور مجالس العلم، متقشف معرض عن زهرة الدنيا وزخارفها، كثير الخمول متجرد لا يتشوف لما في أيدى الناس، ولا يرضى بالدون، لباسه لباس الزهاد والبهاليل، إلا أنَّه لا ينعق في الأسواق ولا يدعى لنفسه مزية، وربما سأل الناس إذا دعته الضرورة لقمع سطوة الجوع.

290 - محمد بن هاشم العلوى الحرونى المكناسى الدار والإقبار

كان في ابتداء أمره يحترف بصناعة الدباغة بجد واجتهاد وحزم وعزم، يلبس الثياب الرفيعة، ذا تؤدة ونخوة وافتخار، طوافا على حلق العلم، وكراسى الوعظ، متبعًا للسنة مستحضرًا للسيرة النبوية، حافظًا للأمداح المصطفية، يحفظ جل ما في سيرة الكلاعي من الأشعار، قال الزبادى في سلوك الطريق: إنه سمع منه أنَّه يحفظ من كلام ابن الفارض ستة آلاف بيت، وكثيرًا من كلام الششترى وغيرهما من كلام الصوفية. مشيخته: أخذ عن سيدى محمد جسوس الحكم العطائية، وكان يباحثه ويعجب الشيخ بأبحاثه ويستحسن سؤالائه، وأخذ عن أبي محمد العربى بن أحمد ابن محمد فتحا بن عبد الله معن وغيرهما رحمهم الله جميعًا بمنه. 290 - محمد بن هاشم العلوى الحرونى المكناسى الدار والإقبار. حاله: فقيه بركة عفيف منيف، أستاذ فاضل جليل، محب في الصالحين معتقد لهم، صاحب الولى الكامل سيدى عبد القادر الشريف العلمي وانتفع به واغترف من بحر معارفه، حدث عنه أبو عبد الله محمد التاودى السقاط الفاسى في رحلته الموسومة بالمنح الوهبية، في الرحلة الحجازية، أنَّه أخبره أنَّه سمع من الشيخ يعنى العلمي المذكور أن كل سارية من سوارى جامع الزيتونة الشهير بولى وأوصاه بزيارة المسجد المذكور والمواظبة عليه، وأنه ذكر له أنَّه لازم الإمامة به في الصلوات الخمس أربعين سنة احتسابًا بالله تعالى، وأنه صلى به الضحى مرة وسأل الله بجاه النبي أن يجمع بينه وبين صاحب الوقت بالمسجد المذكور، فإنه لا يخلو من حضوره هناك وفق ما تلقاه من الشيخ المذكور، قال: فلما فرغت من الصلاة والباب مغلق وإذا بسيدى قدور بسارية بالقرب منه فأتى إليه فقال هو هذا الَّذي طلبت، يشير إلى نفسه. مشيخته: أخذ عن مولاى عبد القادر العلمي وغيره.

291 - محمد بن محمد بن التهامى بن حمادى الحمادي المدعو السريح المكناسى

وفاته: توفى في ثالث عشرى قعدة الحرام عام خمسة وثمانين ومائتين وألف ودفن بضريح سيدى الحاج القدوة من الحضرة المكناسية. 291 - محمد بن محمد بن التهامى بن حمادى الحمادي المدعو السريح المكناسى. حاله: فاضل وجيه نزيه، فقيه مدرس نفاع، حافظ حجة لافظ، متضلع مطلع متقن، شهد له بالتبريز جماعة من الأئمة الأعلام المقتدي بهم في الحضرة الفاسية، وقفت على موجبين متضمنين للشهادة له بالاشتغال بالإفادة والتصدى للتدريس نص الأول منهما: الحمد لله، يشهد من يضع شكله إثر تاريخه بمعرفته للفقيه الأنجب سيدى محمد بن الفقيه الأمجد سيدى محمد المكناسى، المعرفة التامة بها ومعها، يشهد بأنه مشتغل بتدريس العلوم مدة تزيد على ثمان سنين، فمن علم ذلك قيد به شهادته مسئولة منه في حادى عشر من شهر الله المحرم من عام أربعة وسبعين ومائتين وألف عبيد ربه أحمد بن محمد المرنيسى، ومحمد بن الحاج، وعمر بن سودة، والحاج محمد الفيلالى، ومحمد البدراوى وبناصر النسب، وحفيد الأمرانى، وعلال المرينى، وأحمد بن الحاج، وحفيد بن محمد الحسنى، كل هؤلاء العشرة من الأعلام المحققين المدرسين بكلية القرويين عمرها الله بدوام ذكره. ونص الثانى: الحمد لله الَّذي اختص بفضله ورحمته من شاء، وأقدره على التصرف بالإخبار والإنشاء، وتوجه بعقل الكمال والتشريف، وحلاه بعد التنكير بأداة التعريف، والصلاة والسلام على سيدنا محمد مادة الوجود، ومعدن الفضل والكرم والجود، صلى الله عليه وعلى آله النجباء الأقطاب، وأصحابه الذين آتاهم الله الحكمة وفصل الخطاب.

وبعد: فإن ماسكه الفقيه الحبى العفيف النزيه، العالم الوجيه، سيدى محمد ابن الفقيه العلامة الأريب، الحافظ الحجة الصدر الخطيب، سيدى محمد بن الحمادى المكناسى ممن تصدر هذه مدة مديدة، وسنين عديدة، لنشر العلم والتدريس والتعليم، وتصدر بين الصدور للتبليغ والتفهيم، وأنفق يواقيت عمره في حل المقفلات، واستعمل دقائق فكره في النتائج والمقدمات، وسبر أقسام المسانيد والعلل والألقاب، وكشف عن وجوه مخدرات المعانى والبديع النقاب، واقتنص من المهمات شواردها، واقتنى من النكت فرائدها وفوائدها، وساير أرباب البلاغة في مجالها حتَّى ظهر أنَّه من أفضل رجالها، مع ماله من الحياء والمروءة والاستكانة، وعدم الدعوى والمحافظة على دينه والصيانة، لكن قد تقرر واشتهر، وعلم لدى الخاص والعام وانتشر، أن الاهتمام بالرزق والكد على العيال، يخل بالجد والاجتهاد في نشر العلم في الحال والمآل، ويوجب الفتور والكسل والكساد، ويقطع الإنسان عما هو بصدده من نفع العباد. ومقصور مولانا أيده الله، وأدام وجوده وعلاه، كثرة نشر العلم وتكثير طالبيه، وصيانة أهل العلم عما يدنس حرمتهم وحفظ ذويه، فمن المستحسن بالنظر والقياس، أن يقوى على نشر العلم بمرتب من الأحباس، ليحصل غرض مولانا من تكثير العلماء في الناس، وأن يعان بما يكون سببا له في كثرة اجتهاده، أبقى الله مولانا رحمة لعباده، آمين. وفى مهل رمضان الأبرك عام خمسة وسبعين ومائتين وألف عبيد ربه تعالى أحمد بن محمد المرنيسى وفقه الله بمنه، وعبد ربه أحمد بن أحمد بنانى ستر الله عيبه آمين. رحل المترجم لأداء فريضة الحج وزيارة خير الأنام سنة أربع وتسعين ومائتين وألف وهو من جملة الأعلام الذين شهدوا بصحة نسب الشرفاء الدباغيين المنتقلين للحجاز ورفعه لخير الأنام.

292 - محمد بن الهادى بن عبود المكناسى النشأة والدار والقرار والإقبار

مشيخته: أخذ عن والده ومن في طبقته. الآخذون عنه، ممن أخذ عنه الشيخ عبد الكريم الكتانى والد صديقنا المحدث أبي الإسعاد عبد الحى، وشيخانا أبو عبد الله محمد فتحًا بن قاسم القادرى، والمرحوم أبو محمد عبد السلام الهوارى قاضى فاس، وأبو العلاة إدريس بن أبي العشرين. وفاته: توفى بالحجاز عام حجه الذكور رحمه الله. 292 - محمد بن الهادى بن عبود المكناسى النشأة والدار والقرار والإقبار. حاله: فقيه عالم، عدل نزيه، تقى نقى، مدرس فاضل واعظ خطيب بليغ، من أهل الخير والصلاح والزهد والرغبة عن الدنيا وزخرفها، سرادًا للأحاديث النبوية وبالأخص صحيح الإمام البخاري في الأشهر الثلاثة رجب وشعبان ورمضان، ذو صوت حسن لا يمل سامعه، تولى الإمامة بالمسجد الأعظم، والخطبة بمسجد باب البرادعيين، ونيابة القضاء عن السيد العباش بن كيران والحاج المهدى ابن سودة. وقفت على رسم مسجل عليه بتاريخ ثالث رمضان عام ثمانية وسبعين بتقديم السين على الموحدة تحت ومائتين وألف على فيه بالعلم والإمامة والتدريس والنبل والنزاهة. وآخر بخطه وشكله بتاريخ ثالث شوال عام تسعين بتقديم المثناة على السين ومائتين وألف يتضمن تحبيس الحاج محمد بن يعيش البخاري قائد مشور السلطان إذ ذاك جميع النصف الواحد من العرصة الكائنة بسيدى عبد العزيز من ناحية حارة بنى موسى من الحضرة المكناسية على من يقرأ ذخيرة المحتاج بمسجد الشافية من روى مزيل قرب داره هناك، كل يوم بعد الفجر وقبل صلاة الصباح إلا أن القراءة صارت اليوم قبيل العصر وشرط المحبس يأبي ذلك.

293 - محمد العياشى بن المكي بو شمعة المكناسى

وفاته: توفى بعد التسعين بالحضرة المكناسية، ودفن بمسجد أبي العباس أحمد الشلبى بالصف الأول منه. 293 - محمد العياشى بن المكي بو شمعة (¬1) المكناسى. حاله: فقيه فاضل صوفى عالى الهمة منحاش إلى الله دال عليه في سره وعلانيته، ملازم للذكر وتعمير الزاوية الدرقاوية في سائر الأوقات، محافظ على صلاة الجماعة، إذا رُئى. ذكر الله، يحض أصحابه ورفقاه على الذكر والمذاكرة في أحوال السلف الصالح، والتأسى بأقوالهم وأفعالهم، مشتغل بقراءة الحكم العطائية، والمباحث الأصلية، ورسائل مولاى العربى الدرقاوى. وكان يسرد صحيح البخاري مع جماعته في الأشهر الفاضلة الثلاثة رجب وشعبان ورمضان، ويحتفل لختمه كل سنة، وكان كثير السياحة، رحل إلى حج بيت الله الحرام، مجلسه مجلس علم وخير وخشية، وكان يكنيه بعض شيوخه بعيش القلوب، وكان يقول كثيرا: لا يعتبر في الفقير المقال ولا الكرامة، وإنما يعتبر فيه الحال واتباع السنة، ولما حضرته الوفاة ازدحم الفقراء أتباعه عليه وكثروا الإلحاح عليه في الدعاء لهم، فكان جوابه ما معناه دعونى الله الغنى. مشيخته: أخذ عن الولى الصالح السيد مالك الغرباوى دفين زاوية مولاى إدريس من جبل زرهون وعن غيره. الآخذون عنه: منهم السيد محمد بن عبود المكناسى الأصل والنشأة السلوى الدار والاستيطان وخلق. مؤلفاته: منها تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ¬

_ 293 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 7/ 2657. (¬1) في المطبوع: "بوالشمع" والمثبت من إتحاف المطالع.

294 - محمد بن المجذوب ابن عزوز يدعى الهويج بالتصغير المنكاسى

{فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ... (32)} [سورة فاطر آية 32]، وشرح على الصلاة المشيشية حل فيه ألفاظها. وفاته: توفى في حجة الحرام سنة أربع وتسعين ومائتين وألف. 294 - محمد بن المجذوب ابن عزوز يدعى الهويج بالتصغير المنكاسى. حاله: فقيه علامة، جليل مشارك نقاد، دراكة، نبيل عدل مبرز مدرس نفاع، نحرير ذو خط بارع، وربما قال الشعر وإن كان لا يحسن صناعته ولا يجيد، وسيمر بك بعض شعره. مشيخته: أخذ عن ابن عمه العلامة السيد فضول بن عزوز، وعمن في طبقته، وشاركهم في بعض مشايخهم كالحاج المهدى ابن سودة، والسيد مبارك، وابن كيران رحم الله الجميع. الآخذون عنه: أخذ عنه العلامة السيد الغالى السنتيسى، وشيخنا العلامة الناسك سيدى محمد العرائشى، والفقيه السيد محمد الواسترى، وعمنا مولاى عبد القادر، وسيدنا الوالد، وقاضى أحواز مكناسة الحالى السيد أحمد الناصرى وجماعة. شعره: من ذلك قوله: تبسمت الأيام واحتفت سعدها ... وقد لبست من كل حلى زبهجرا دنا قطف آمال لصب له رنا ... بلحظ ذكى قد ألهب من الكرا تفتحت الأزهار في كل شارع ... وفاح لها ريح بمسك تعطرا وقال: إليك رسول الله أرفع حاجتى ... ومنك رسول الله أرجو قضاءها

295 - محمد بن محمد بن أحمد المصمودى

وأنت لها يا سيد الناس كلهم ... إذا عقدت يمناك فيهم لواءها وأنت لها يا من يقول أنا لها ... إذا نكصت رسل الأنام وراءها وأنت الَّذي ترجى لكل عظيمة ... إذا قطعت نفس المريد رجاءها وأنت الَّذي تحيى القلوب فتهتدى ... بأنوارك الحسنى وتجلو جلاءها وأنت الَّذي لولاك ما كان مهتد ... ولولاك لم تدر النفوس اهتداءها وأنت الَّذي أوليت كل فضيلة ... فلا نعمة إلا وصلت عطاءها ومن سرك الأسرار فاض عبابها ... ومن نورك الأنوار تبدى ضياءها ومن روضك الزاهى الأزاهر فتحت ... ومنه استمدت حسنها وبهاءها ومن برك الطامى الحياض تدفقت ... فلله ما أحلى وأعذب ماءها نثره: من ذلك ما خاطب به تلميذه عمنا مولاى عبد القادر: سيدنا الشريف، العالم المنيف، ذا الأرج الأدبى العاطر، مولانا عبد القادر، أسعد الله صباحك وشرف أيامك، ونشر في ميادين المجادة أعلامك، وسلام على شريف سيادتك ورحمة الله. وبعد: فنحب حضورك ختام الخلاصة، ليكمل سرورنا بلا خصاصه، وأعط حامله عروش إقامة، أمدك الله بسر الاستقامة. وفاته: توفى يوم الاثنين رابع حجة الحرام سنة سبع وتسعين ومائتين وألف، ودفن بزاوية سيدى على بن عبد الرحمن أمام فرن الكدية حذو حمام مولاى عبد الله بن حمد. 295 - محمد بن محمد بن أحمد المصمودى. حاله: فقيه موقت، متقن محقق، حيسوبى، نبيل فاضل.

296 - محمد بن الهادى الشريف الحسنى العلوى حفيد السلطان مولانا سليمان

مشيخته: أخذ عن الموقت الماهر السعيد السعيدى المدعو الفاسى آتى الترجمة. الآخذون عنه: أخذ عنه السيد محمد بن سميه بصرى صاحب إتحاف أهل الهداية، علم التوقيت علما وعملًا وغيره. 296 - محمد بن الهادى الشريف الحسنى العلوى حفيد السلطان مولانا سليمان نزيل مكناس ودفينها. حاله: فقيه أستاذ مجود مقرئ له معرفة شافية بعلم القراءات وإتقانها وتوجيهها، انتهت إليه رياسة ذلك الفن في زمن، حكى عنه أنَّه سئل عن الإشمام والروم، فأجاب سائله عن ذلك بالأبيات الآتية، ولما تمم الأبيات ذهب للحجام وأمره بقلع ثنيته ليتمكن من النطق بالإشمام على حقيقته، وقد كان مدررًا يعلم الصبيان ويرشد الشيوخ الأساتيذ نفع الله به خلقا. الآخذون عنه: منهم العدل البركة سيدى محمد بن الرضا الطاهرى ومنه استفدت ترجمته، وآخرون: شعره: يا سائلى نظما على الإشمام ... والروم فاستمع أخي كلامى الرفع فيه الروم والإشمام ... والخفض بالروم فقط يرام النصب لا روم ولا إشماما ... في مذهب القراء خذ أحكاما وفى عريص شكل قل بالمنع ... وهاء تأنيث وميم الجمع 297 - محمد بن سميه بن العناية ابن فقيرة الأنصاري المكناسى. حاله: فقيه علامة، متقن محرر متبحر، مدرس نفاع، ذو سر وبركة، لقى

298 - محمد بن محمد المترجم قبله يليه ابن محمد بن فقيرة

الشيخ الربانى أبا العباس أحمد التجانى وصحبه وانتفع به، وكان من أخص أصحابه. مشيخته: أخذ عن الشريف القاضي مولاى أحمد بن عبد المالك العلوى المطغرى، وعن السيد العباس بن كيران وطريق القوم عن أبي العباس التجانى. الآخذون عنه: منهم أبو حامد العربى بن السائح العمرى الشرقاوى دفين الرباط، وناهيك به مفخرة للمترجم، والسيد المختار الأجراوى وجماعة، حسبما أفادنى بهذا كله حفيده الفقيه السيد أحمد الكاتب الأول بالصدارة حينه ولم أحفظ وفاته. 298 - محمد بن محمد المترجم قبله يليه ابن محمد بن فقيرة. حاله: أستاذ فاضل مقرئ، مجود متقن، حسن التلاوة، أخبرنى ولده أنَّه أخبره أنَّه حفظ قراءة البصري قبل بلوغه. 299 - محمد الأمرانى. حاله: فقيه علامة معدل ماهر، ذكره خاتمة المحققين ذو الباع الطويل في سائر الفنون والعارضة العريضة أبو إسحاق إبراهيم بن عبد القادر التادلى الرباطى في إجازته لأبي عبد الله محمد بن خليفة المدني آتى الترجمة قائلًا في حقه: كان آية في علم التعديل، كان يجئ إلى المدرسة العنانية بمكناس يقرأ معى كل يوم منهاج ابن البنا في التعديل الَّذي لا أصعب منه في كتبه هـ. وناهيك بهذه الشهادة من هذا البحر المتلاطمة بالتحقيق أمواجه في حق المترجم، وكفاه فخرًا وشرفًا كون أبي إسحاق هذا من تلاميذه. وقد ذكره أيضًا في فهرسته التي لا تزال مسودة بخطه بما نصه: وكان شيخنا الشريف سيدى محمد المرانى السجلماسى المكناسى المجاور الآن 1306 بأهله

300 - محمد الزهنى الزرهونى

وأولاده بالمدينة المنورة غاية في المسكنة والصمت، لا يتكلم إلا في علم أو ذكر، ولا يعلم سوى التعديل والتوقيت والحساب والكيميا، والغالب الأول، كان شديد النصيحة في التعليم، سافرت من فاس لأجله بمكناس فقعدت فيها شهرين في دار ساداتنا الكرماء العلماء دار العلم والولاية والكرم سيدى بصرى نفعنا الله به، وقرأت عليه المنهاج لابن البنا في التعديل إلا قليلا بلا مطالعة منه. ثم تلاقينا بشيخنا الشريف المذكور المكناسى بالمدينة أيام مجاورتنا بها، فوجدته ملازما للمسجد لا يخرج منه إلا لحاجة، لا يعرف ولا يخالط أحدًا في غير علم، فقرأت عليه شيئًا من ذلك أيضًا وأخذنى لبيته وأكرمنى وأعطانى تقويم كسوف بعمل يده في قطعة كاغد بعمل المنهاج وغريتم يتحير الماهر فيه، وأتقنه رضي الله عنه كل الإتقان، ربما يبقى غيره في استخراجه نحو شهر فأخذته لمكة، وأطلعت عليه تلامذتنا الشرفاء الذين قرأنا معهم التعديل باللمعة فتعجبوا من ذلك ووضعه ورصدوا وقت الكسوف كما هو مؤرخ في القطعة المذكورة فصادف الوقت واليوم وصلَّينا مع أهل مكة صلاة الكسوف عقب صلاة الظهر بالخطبة. هـ من خط من نقل من خط التادلى مباشرة، وكذلك عدة من شيوخ أبي إسحاق المذكور تلميذه العلامة الشريف الربانى سيدى محمد بن الحسنى الرباطى فيما كتبه بكناشته ترجمة لشيخه أبي إسحاق رحم الله الجميع. الآخذون عنه: منهم أبو إسحاق التادلى وناهيك به. 300 - محمد الزهنى الزرهونى. من أهل زاوية مولانا إدريس الأكبر. حاله: فقيه عدل رضى من وجوه أعيان عدول الزاوية، تولى نيابة القضاء بها عن قاضى وقته.

301 - محمد فتحا الأمرانى

301 - محمد فتحا الأمرانى. يدعى البيصارة بياء موحدة مفتوحة بعدها ياء ساكنة ثم صاد مفتوحة مشبعة فراء فهاء. حاله: فقيه علامة، نحرير ماجد، أصيل ألمعى، نبيل عدل، مبرز، كان يتعاطى الشهادة بسماط العدول، دين فاضل مشتغل بما يعنيه. مشيخته: أخذ عن الحاج المهدى ابن سودة، والسيد العباس بن كيران، والحاج مبارك الفيضى وغيرهم من الجهابذة النقاد. 302 - محمد بن على النيار أبو عبد الله الأندلسى القص رى مولدًا ومنشأً المكناسى دارًا ووفاة. حاله: صالح بركة، منقطع إلى الله تعالى، هذا ما وقفت عليه من ترجمته. 303 - محمد بن محمد بن الجيلانى بن المعطى السقاط الأندلسى الأصل المكناسى النشأة والدار والإقبار. وجزم بعضهم في نسبه غير هذا مما لا أتحققه والله أعلم. حاله: فقيه علامة مشارك، مدرس نفاع، عدل رضى، مبرز خاشع، ذاكر ناسك، صالح أواه، ذو دين متين، وإقبال على الله في كل حين، وخشية وحشمة ووقار وسمت حسن، تولى نيابة القضاء، وإمامة مدرسة الشهود، ثم إمامة المسجد الأعظم وكان من صدور مدرسيه مشارًا له بالخير والفضل، متبرك به في السر والعلن، منظور إليه بعين الإجلال والإكبار، وكان ذا صوت حسن له حلاوة، عليه طلاوة، يسرد ذخيرة المحتاج بالمسجد الأعظم فما تسمع الأذان أحلى من صوته بها، وكانت بينه وبين الشريف البركة المعتقد المشهود له بالمعرفة والفضل العلامة المتضلع أبي مروان عبد الملك الضرير محبة ووداد. ¬

_ 303 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2761.

حدثني ابن عمنا العلامة المفضال مولاى عبد السلام بن عمر العلوى، أن شيخه المولى عبد الملك رحمه الله، كان يقول له: ربما حملنى على السفر لمكناس زيارة ولدنا ابن الجيلانى، كان ملازمًا للمولى عبد الملك المذكور مدة رحلته في طلب العلم بفاس، وأنه ربما سمع شيخه يقول للمترجم: ستكون رأس علماء مكناسة فكان كذلك، كان في وقته من هو مشهور بالعلم والتحقيق، ولكنه لم تكن له منزلة صاحب الترجمة في الإقبال على الله والشهرة بالديانة، وأنه وقعت له معه كرامة، وذلك أنَّه أي المترجم توجه لزيارة مولانا إدريس الأكبر وهو -أعنى ابن عمنا، المذكور- إذ ذاك صغير يحفظ شيئًا من المختصر الخليلى، فسأل عنه بعد دخوله لدارهم هل قرأ شيئًا من العلم، فأخبروه أنَّه يحضر بعض المجالس، فذكر له بعض الأمثلة وطلبه في إعرابها فأعربها له، فسكت قليلًا ثم قال: أنت سنعطيك شريفة بفاس وتكون من أهل فاس أو من علمائها، شك المحدث، قال: وما خطر لى شيء من ذلك قبل، ثم كان ما أخبر به كما أخبر. ومن إفادته ما حدثني به ابن عمنا العلامة الثبت سيدى محمد بن أحمد العلوى قائلًا: إنه حدثه تلميذ المترجم شيخنا ابن عبد السلام الطاهرى عاشر شعبان عام ثمانية وثلاثين وثلاثمائة وألف سماعا منه، أن التجربة العادية حكمت بأن رابع شوال إن كان هو الجمعة أو السبت أو الأحد، فإن صابة صيف العام تكون تامة كاملة، وإن كان الاثنين فالصابة على النصف، وإن كان الثلاثاء فعلى الثلث، وإن كان الأربعاء فعلى الربع، وإن كان الخميس فإنما يرجى لطف الله وقد جربها الشيخ زروق السنين الطويلة فوجدها صحيحة. مشيخته: أخذ عن شيخ الجماعة السيد مبارك الفيضى، والقاضيين السيد العباس بن كيران، والسيد الحاج المهدى ابن سودة، والسيد الهادى بادو، والمولى عبد الملك الضرير، ومن في طبقتهم من شيوخ فاس ومكناس.

304 - محمد بن عبد الله الغريسى المشرى الحسنى نزيل معسكر

الآخذون عنه: منهم شيخنا القاضي سيدى محمد بن عبد السلام الطاهرى، وشيخنا سيدى محمد القصرى، والسيد التهامى بن عبد القادر السوسى، والغالى الستتيسى وغيرهم من الأعلام. وفاته: توفى صبيحة يوم الجمعة ثالث ربيع الثانى عام واحد وثلاثمائة وألف، ودفن بضريح السيدة العلمية من حومة حمام الجديد بالحضرة المكناسية، ولم يتخلف أحد من وجوه أهل البلد وأصحاب الحيثيات وأعيان رؤساء البساط الملوكى عن تشييع جنارته. 304 - محمد بن عبد الله الغريسى المشرى الحسنى نزيل معسكر. حاله: كان فقيهًا نابغة، نبيلًا قاضيًا، رحالة شاعرًا دراكة، وجيها، ورد على أمير وقته مولانا عبد الرحمن بن هشام في سنة خمسين ومائتين وألف لدار المملكة مكناسة الزيتون. آثاره: لم أقف على شيء من آثاره إلا على قطعة شعرية ألفيتها على ظهر كتاب بخط بعض الأثبات، نظم فيها صور الشغار الثلاث ونصها على ما فيها: غريس خلا مذ غاب عنه الإمام ... عليه من الله الرضا والسلام وقد صار مفتى الوقت من آل واشق ... عليه من الطود العظيم سلام مررت به يقرى الشغار كنائم ... ثم أيقظته سلام فلم يدر ما قد قاله في منامه ... ولا ما عراه يقظة أم منام فقلت له والقوم محدقة به ... كحوض بلا ماء عليه زحام فهاك نظاما ما في الشغار وحكمه ... نظاما بديعا ما حكاه نظام فإن صرحوا بالمهر قل ذلك جمعه ... وإن سكتوا فهو الصريح الحرام

305 - محمد الخرزة

وإن قرنوا بين السكوت وضده ... فذلك قسم منهما مستقام فهذى أصول للشغار ثلاثة ... وبالقبلى والبعدي ست تقام وحكم الجميع الفسخ ما عدا جمعه ... إذا تم يمضى بالكثير التمام وقيل بمهر المثل مثل صريحه ... وإن كان هذا فيه لا يستدام ولا مهر من قبل البنا في ثلاثها ... وقس قسمى التركيب كى ترام كذا فصل الأشياء يا جاهلًا بها ... وداو سقام الجهل فهي حرام وصل في بلاد الله تلو أئمة ... أقاموا بحق الله ثم استقاموا وقل لهم يا آل ودى تكرموا ... على عبدكم من جودكم يا كرام وراقب فجر شمس علومهم ... فأنت إذا راقبت ذاك همام ولم يبق يا من في دجا ظلماته ... إذا طلعت شمس العلوم ظلام وجانب مزاح الأرذلين من الملا ... فإن مزاج الأرذلين حرام وسلم لأهل العلم تسلم ولا تكن ... ملوما مشوما في الملا فتلام 305 - محمد الخرزة. رفيق المترجم يليه. حاله: فقيه كاتب نشيط نبيل، ورد على المولى عبد الرحمن بن هشام رحمه الله في سنة خمسين ومائتين وألف، صحبة صديقه سيدى محمد بن عبد الله الغريسى. 306 - محمد بن عبد الله بن محمد الطاهر بن عبد القادر بن عبد الله بن فخر الملوك مولانا إسماعيل. حاله: من أنجب أقرانه وأفقههم وأجلهم وأفضلهم وأبرعهم وأتقنهم، نسخ

307 - محمد بن الأمين السيد المعطى المسطارى المكناسى النشأة والدار

بخطه البارع كتبا عديدة حديثية وفقهية ونحوية، وكان من أهل الفضل والدين المتين والاشتغال بشأنه. مشيخته: أخذ عن السيد الطاهر بوحدو، والسيد فضول بن عزور، والسيد محمد الهويج، والسيد فضول السوسى وغيرهم، وحفظ القرآن وجوده على سيدنا الجد المولى عبد الرحمن بن زيدان. ولادته: ولد بمكناس بدارهم من الستينية سابع ذى القعدة الحرام سنة ستين بتقديم السين على المثناة فوق ومائتين وألف حسبما وقفت على ذلك بخط يد والده. وفاته: توفى في متم ربيع الثانى عام أربعة وثلاثمائة وألف، ودفن بروضة سيدى عمرو الحصينى الشهيرة بالحضرة المكناسية. 307 - محمد بن الأمين السيد المعطى المسطارى المكناسى النشأة والدار. حاله: فقيه عدل، مبرز موثوق ماهر، فرضى جليل، أديب بل ناظورة الأدب، ومصدر مفاخر لسان العرب، بارع القلم واللسان، له في الارتجال أكبر باع وشان، جامع لأشتات معانى الكلام في بديع خطاب، مجيدًا فصيحا دون عى ولا إغراب، يراعه يسيل أدبا، وفكره يبدى عجبا، له اقتدار تام عاث الإنشاء، صرفه الله تعالى فيه كيف شاء، من أجل ذلك كانت له المرتبة السامية، والمكانة العالية، ومزيد الحظوة والعناية لدى أفخر الملوك العظام، وسلالة آل بيت الفخام. أمير المؤمنين المقدس أبي عبد الله سيدى محمد، ونجله مولانا الحسن ذى الخلق الحسن الأحمد، أفنى رحمه الله جل عمره في خدمتهما، والتشرف بملازمة عتبتهما، مواظبا على الكتابة في بساطهما الملوكى من أعيان الشعراء والكتاب، محافظًا على ¬

_ 307 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2773.

الآداب اللائقة بذلك الجناب، مخصوصًا بمزيد الاحترام والاعتناء، أعطى اسم شاعر الحضرة دون من عداه من الشعراء. مشيخته: أخذ عن جلة أعلام بلده مكناسة الزيتون كالشيخ عبد الرحمن بصرى ومن في طبقته. شعره: من ذلك قوله: عذب فتعذيب هذا الصب فيك حلا ... فالكل لما هواك من سواك خلا لو قلت طأفى لظى وطئت مبتدرا ... طوعا ولا أتقى حرا ولا وهلا يا من إذا نظرت عيناى طلعته ... قبلت موطئه وصرت مبتهلا دل الكئيب على وصل فقد لعبت ... به عواصف أشواق بها ذهلا ورد طيف الكرى لطرفه كرما ... عسى يراك خلال النوم إن حصلا وارع لذمة رق يشتكى لهفا ... كى يستقى من كريم عطفك العسلا وانظر لفرط جواه فهو منتحل ... جفا المضاجع والسلوان والبجلا لم يبق يرقب إلا لسانك ومن ... سواك لا يرتجى عطفًا ولا بدلا أنى وحقك لم أزل أقارع ما ... قد هالنى من جوى بين كفى شغلا يا من شمائله جلت فليس لها ... حد ويا مالكا به المنى كملا وقوله: مضى الحسن لا تسأل فقلبى في أسر ... وقلبك جذلان تسارع للفخر ولا عذر لى دون التشبث بالرضا ... وأما الهوى يقضى بما شاء من قهر وأى فتى يهوى ولم يذق الجوى ... وأقرب ما في الحب وقف على الجمر

وأعذبه هو العذاب فلا تقل ... مذاق الهوى عذب فكم فيه من مر ففيما مضى كان الحسان إذا رأوا ... عفيفا أنالوه الأمان من المكر ورقوا له ثم انتحوا لوداده ... ومالوا إليه ميل من شاق للبر فدام عليهم رونق الحسن والبها ... ونال الَّذي يهواهم الفوز بالبشر لذاك رأيت العاشقين تميلوا ... بمدح شمائل المحسن في الشعر ولو عاينوا ما شمته اليوم لم تجد ... أديبا أتى إلا بهجو بلا نكر فكنت غبيا بالزمان وأهله ... وهمت بأنسى سنين من الدهر وصرت على حكم الغرام علامة ... سميعا مطيعا صنته في دجا فكر وقوله: عبث النسيم بقده فتأودا ... وسرى الحياء بخده فتوردا رشأ تفرد فيه قلبى بالهوى ... لما غدا بجماله متفردا قمر هدى أهل الضلال بوجهه ... وأضل بالفرع الأثيث من اهتدى مغرى بإخلاف المواعد في الهوى ... يا ليته جعل القطيعة موعدا سلبت محاسنه العقول بناظر ... يصدى القلوب وباسمه يروى الصدا يا صاحى الأعطاف من سكر الطلا ... ما بال طرفك لا يزال معربدا قاسوك بالغصن الرطيب جهالة ... تالله قد ظلم المشبه واعتدى حسن الغصون إذا اكتست أوراقها ... ونراك أحسن ما تكون مجردا إن كنت محبوبا فقلبى حاجب ... لك فاطمئن النوم لا تخش الردى

وقوله وقد طلب منه بعض الطلبة تخميس الأبيات الأربعة المشهورة وهي: صبرت على النيران الخ فخمسها في الحين فقال: إلى الله رد الأمر وارض وقل عسى ... ولا تكثرت مهابك القنط عسعسا فكم سر مضني حيث قال منفسا ... صبرت على النيران والضرب والأسا فأبلغنى صبرى لرشف المباسم فذو الملك يبدى ما يشا ويعيده ... وفى يده بسط القضا ومديده فالصبر ما قد غاب تصيده ... تأن ولا تعجل لأمر تريده وكن راحما بالناس تبلى براحم فداج القضا بدر الرضا قد أناره ... وما موقد إلا سيصلى جماره ومن ظن شرا للهوان أصاره ... ومن يزرع المعروف يحصد ثماره ومن عاند الأيام ليس بسالم فما ضل حادى البزل أحسن سوقها ... وما خاب والى الناس يرفأ خرقها فتحمده نفس قد أخمد شوقها ... وما من يد إلا يد الله فوقها ولا ظالم إلا سيبلى بظالم فلما فرغ منها قال مؤذن الظهر الله أكبر، فقال للسائل: قد استجيب لك قد استجيب لك. وفاته: توفى أواسط جمادى الأخيرة عام خمسة وثلاثمائة وألف، ودفن بصحن روضة ولى الله تعالى مولاى عبد الله بن حمد من الحضرة المكناسية.

308 - محمد بن إدريس بن الطيب الواسترى المكناسى

308 - محمد بن إدريس بن الطيب الواسترى المكناسى. حاله: فقيه علامة أديب نجيب له مشاركة وخط بارع نساخ للكتب، تولى خطة الكتابة بالحضرة السلطانية وخدمها نحو الستة أشهر ثم اخترمته المنية. مشيخته: أخذ عن السيد الطاهر بوحدو، والسيد فضول بن عزوز، والسيد فضول السوسى، والسيد محمد بن الجيلانى السقاط، ومن في طبقتهم من أهل التحقيق. شعره: من ذلك قوله: يا من يرى ذلى وضعفى وغربتى ... إنى ببابك واقف يا عمدتى يا من تفضل بالوجود على من ... بعد انعدام مكونا من نطفة يا من تكفل لى برزقى مذ أنا ... طفل صغير إلى انقضاء مدتى يا من يتوب على المحصاة بمنه ... إنى سألتك أن تمن بتوبتى ما لى سواك وسيلة فلإن رجعـ ... ـت من ندائى خائبًا يا سوأتى وفاته: توفى بعد الثلاث مائة وألف. 309 - محمد بن الخليفة التونسى الأصل المدني الدار، المغربى الرحلة والجوار، المكناسى الإقبار، يعرف في تونس بالرقاع. حاله: فقيه علامة، مشارك ناقد، راوية مسند متقن، رحال، ناظم ناثر، مجيد ناثر، مجيد في الصناعتين، ماهر مقيد جماع، قلّ بلد إلا وله فيه أثر، وعنه بها آخذ، وله كثير من التقاييد والإنظام، ذو همة عالية في جمع الكتب واقتنائها، وبذل الأمور في استنساخ الغريب منها، حتَّى تجمع له من ذلك عدد وافر. ¬

_ 309 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2804.

رحل في صغره إلى المدينة المنورة وأقام بها مدة في طلب العلم وخدمته حتَّى برع وفاق، ثم رحل إلى مصر وتونس والقيروان والجزائر وفاس ومراكش والصويرة وآسفى والرباط ومكناسة الزيتون وبها كانت منيته كما يأتي، ووقفت في دفتر مرسى ثغر الصويرة على ظهير حسنى لأمنائها نصه بعد الحمدلة والصلاة والطائع: "خدامنا الأرضين، أمناء مرسى الصويرة المحروسة بالله، وفقكم الله وسلام عليكم ورحمة الله. وبعد: فنأمركم أن تركبوا الطالب محمد بن خليفة المدني مع صاحب له واصلين للإسكندرية من غير كراء يلزمهما، والسلام في 7 شعبان عام 1308"، وقد ذكر في فصل الصوائر المختلفة من باب الصائر من الدفتر المذكور المبلغ الَّذي أرْكِبَا بِهِ "الفقيه الشريف محمد خليفة مع صاحبه بريال 40". مشيخته: أخذ بالمدينة عن الشيخ أبي خضير الدمياطى المدني، وأبى حفص عمر بن إبراهيم برى المدني، والمفتى محمد بن عمر بالى المدني الحنفى، والسيد جعفر البرزنجى، وأبى المحاسن محمد بن خليل الطرابلسى. وبمكة عن الشهاب دحلان، والشيخ محمد حقى النازلى، صاحب خزينة الأسرار والشيخ رحمة الله الهندى صاحب إظهار الحق. وأخذ بمصر عن الشيخ عبد الهادى الأبيارى، والشمس الأنبانى، والشيخ إسماعيل الحامدى وغيرهم. وبالقيروان عن الشيخ الصدام، والشيخ محمد بهاها الصغير. وبتونس عن الشيخ سالم بو حاجب المتوفى في الرابع عشر من رجب عام اثنين وأربعين وثلاثمائة وألف، والشيخ الطيب النيفر المتوفى في رجب عام أربعين وثلاثمائة وألف، والشيخ الطاهر جعفر.

وبالجزائر عن المفتى الشيخ على بن الحفاف، والشيخ على بن موسى. وأخذ بفاس عن سيدى جعفر الكلتانى، وولده سيدى محمد، وقاضيها حميد بنانى، وأبى محمد عبد الله بن خضراء السلوى، وأبى محمد عبد الهادى الصقلى، وأبى محمد عبد الله بن إدريس البدراوى وغيرهم. وأخذ بالرباط عن أبي إسحاق إبراهيم التادلى وتدبج فيه مع قاضيه سيدى أحمد بنانى. وأخذ بمراكش عن الحاج محمد أُزنيت، وأبى حامد العربى بن السائح، وأبى العباس أحمد الوعزونى التنانى الصويرى وغيرهم من شيوخ المشارق والمغارب، وجل هؤلاء أجازه عامة ومنهم من تدبج معه. الآخذون عنه: أخذ عنه السيد أحمد بن العباس البوعزاوى، والشيخ فتح الله بنانى الرباطى، وأخوه أبو محمد زين العابدين وغيرهم. مؤلفاته: منها رسالة في جدار المحراب أهو من المحراب، وفى صورة أنَّه من المحراب فالمصلى بحذاء المحراب إذا لم يسجد في المحراب فهل يكون مصليا خارجه أو يكون مثل مصل سجوده في المحراب وقدماه خارجه، وعلى تقدير أنَّه يعد مصليا خارجه فهل يكره. شعره: من ذلك قوله مقرظًا رسالة شيخه الشيخ عمر برى المسماة رسالة الأفراح والبشائر، لطالب العلم والمجاهد والحاج والزائر، في نحو الكراسة: يا مغرما بمناصب الدنيا ارعوى ... أو ما دريت بموتك المستقرب فالعلم أنفس منصب في دارك الـ ... أخرى فما لك نحوه لم تذهب أو ما ترى البرى كيف زهت له ... أيامه وحبى بأصفى مشرب ترك المناصب واستعد لنصرة الد ... ين القويم وذاك أعظم مأرب

ولئن تخلى عن مناصب أرخت ... برسالة الأفراج آكد منصب 771 321 27 182 ج 1301 وقوله في تقريظها أيضًا: لله درك أيها المفضال إذ ... أبديت لؤلؤ فكرك السماح وأجلت فكرك في فرائد سنة ... فجمعت منها نزهة الأشباح وجنيت من روح البيان دقائقا ... تورى الجهول محجة الأفلاح وأزلت عن غرر الأدلة برقعا ... حتَّى غدت في غاية الإيضاح واخترت أقوى حجة تتلى بها ... أبكت كل معارض ملحاح قد كان يبطل حكم هجرتنا التي ... أفصحت عنها أكمل الأفصاح يا زائرين عليكم بزيارة الـ ... ـبرى مولى البر والإصلاح عمر المعمر للمدينة بالتقى ... والعلم معجز ألسن المداح يا حاديًا عرج بساحته وقل ... نفديه بالأجسام والأرواح إذ قد أفاد جنانه ولسانه ... وبنانه بنظيرة المصباح أضحت به مفتاح كل عويصة ... لكنها تسمو على المفتاح بعذيب مشربها فارخ طاب لى ... من مبدع لرسالة الأفراح ونظمه رسالة الجانى، ومزيلة ترح العاني، في مدح القطب الصمداني، مولانا أحمد التجانى، بها أبيات سبعمائة. وقوله معارضا قول من قال: ألا يا مستعير الكتب دعنى ... فإن إعارتى للكتب عار

310 - محمد بن العربى المنونى المكناسى الأصل والنشأة والدار والإقبال

فمحبوبى من الدنيا كتابى ... وهل أبصرت محبوبا يعار ومن خطه نقلت: ألا يا مالكا للكتب عرها ... فما بإعارة للكتب عار لئن أحببت من دنيا كتاب ... فمحبوب الأحبة قد يزار وقول من قال: لا تعيرن كتابا ... واجعل العذر جوابا واقبض الرهن عليه ... إن في الرهن صوابا بقوله: عرا لى الخل كتابا ... لا يك العذر جوابا واترك الرهن عليه ... لا ترى في ذا صوابا فإذا خالفت قولى ... أنت ضعيف الصحابا وفاته: توفى سن الخمسين بمكناسة الزيتون بالعلى الَّذي بالزاوية التجانية منها ربيع الأول عام ثلاثة عشر وثلاثمائة وألف، ودفنِ بروضة الشيخ محمد بن عيسى خارج باب السيبة أحد أبواب العاصمة المكناسية. 310 - محمد بن العربى المنونى المكناسى الأصل والنشأة والدار والإقبال. حاله: فقيه علامة، مشارك مدرس، خطيب مفوه، تقى نقى، عدل فصيح خلو الشمائل، حسن الصوت لا يمل سامعه، كان الناس يأتون لسماع قراءته وسرده الأحاديث والواعظ والأمداح المصطفية من الحومات البعيدة عنه لما رزقه من الحلاوة والطلاوة، وتاثير ما يخرج من فيه بالقلوب التأثير العجيب.

وكان ميالا لجناب الله محبا في المنحاشين إليه، ملازما للتدريس، وغالب تدريسه كان بزاوية شيخه التجانى، وكانت له معرفة بعلم الأسماء والأوفاق، وكان ممن يرجع إليه في الطريقة التجانية غير متغال ولا متنطع فيها ولا متقول على الشيخ رضي الله عنه ما لم يقله، ولا ملصق به ما هو برئ منه براءة الذئب من دم يوسف، بل كان لا يحيد فيها عن نهج السنة الَّذي بنيت عليه، مقتد فيها بقول الشيح: ما سمعتموه منى فزنوه بميزان الشرع، فما وافق فخذوه، وما خالف فاضربوا به وجه الحائط، شأن السلف الصالح، تولى آخر عمره عدالة المرس المخزنى الَّذي تجبى إليه الأعشار. مشيخته: أخذ عن العلامة ابن الجيلانى السقاط وهو عمدته، وعن أبي العباس قاضى الحضرة المكناسية السيد أحمد ابن سودة المرى، وعن الشيخ السيد المفضل بن عزوز، وعن أبى حامد العربى بن السائح العمرى، دفين الرباط، وتلقى منه فوائد عملية مشافهة مدة مقامه بمكناس وغيره ومراسلة، وعن غيرهم من حاملى لواء التحقيق والإتقان من علماء وقته. الآخذون عنه: أخذ عنه شيخنا وابن عمنا مولاى الحسن بن اليزيد العلوى المحمدى، والشريف الفقيه العدل سيدى محمد بن إدريس الإدريسى الشبيهى، والفقيه الشاعر العدل السيد عبد القادر بن أحمد العرائشى، والأستاذ الفقيه النجيب السيد محمد فتحا بن العربى بن شمسى وجماعة. وفاته: توفى ثالث جمادى الأولى عام ستة عشر وثلاثمائة وألف، ودفن بضريح العلامة الصالح سيدى يوسف الخطيب من حومة براكة بفتح الباء وتشديد الراء مشبعة.

311 - محمد بن أحمد بن المكي السوسى

311 - محمد بن أحمد بن المكي السوسى. حاله: فقيه نجيب، علامة فاضل، عدل مبرز، مدرس نفاع، قليل العبارة، لا يستطيع أن يعبر عن مقصوده كما يريد، كثير الانحياش لجانب الله، محب في أهل الخير والدين، زوار للصالحين، وكان فيه انقباض وضيق صدر حتَّى ربما يقع له ذلك بأدنى سبب في مجلس درسه فيقوم قبل تمام الدرس مغضبا منقبضا، وكان يفر من كل هرج ويحب العزلة. مشيخته: أخذ عن عمه السيد فضول، وعن قاضى الحضرة أبي العباس أحمد السودى المرى وغيرهما ممن هو في طبقتها. الآخذون عنه: أخذ عنه أخوه شيخنا السيد محمد فتحا السوسى، وابن أخته مولاى إدريس بن عمر المطهرى، وشيخنا أبو على الحسن بن اليزيد وجماعة من نجباء وقته. وفاته: توفى في أواخر عام ستة عشر وثلاثمائة وألف. 312 - محمد بن محمد فتحا المنونى الحسنى المكناسى النشأة والدار والوفاة. حاله: عدل رضى، فاضل من أهل الخير والصلاح، كثير الاعتناء بمطالعة كتب القوم والمذاكرة فيها، حسن السمت والهيئة والمروءة، وافر الحياء، هين لين، عالم بالحساب والتوقيت بالمسجد العتيق من حضرتنا المكناسية كأبيه وجده من قبله، ثم رشح لنظارة الأحباس الصغرى مدة، ثم كاتبا بالحضرة السلطانية زمن السلطان المقدس مولانا الحسن برد الله ثراه ببنيقة الداخل من الأعتاب المولوية، ثم ¬

_ 311 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2816. 312 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2815.

313 - محمد أبو عبد الملك بن زيدان

بعد وفاة السلطان تنازل عن خطة الكتابة ورجع لوطنه مكناسة، وتصدى لتعاطى خطة الشهادة بسماط العدول إلى أن لبى داعى مولاه. وفاه: توفى رحمه الله في سابع جمادى الثانية عام ستة عشر وثلاثمائة وألف، ودفن بضريح سيدى غريب من حومة الأنوار بمحروسة مكناسة. 313 - محمد أبو عبد الملك بن زيدان. ابن جد العائلة المالكة الأعلى المولى إسماعيل السلطان الأعظم الطائر الصيت في المشرقين والمغربين. حاله: فقيه خير دين ناسك، متواضع كريم الأخلاق، ذاكر قال لكتاب الله له معرفة كافية بالفقه والعربية، ومزيد تثبت، لا يرى نفسه شيئًا ولا تهمه زهرة الحياة الدنيا، راض بما قسم له، كان يؤدب الصبيان في آخر عمره، وعليه حفظت القرآن وجودته، تخرج على يده عدة من حملته، وكان له خط بارع، ومعرفة بالرسم والتجويد. والله ما خرج من الدنيا حتَّى كاشفنى بأمور جاءت بعد وفاته وفق ما أخبر، من ذلك أنَّه ورى لى محذرا إياى من بعض أبناء العم، وقال لى ما معناه: ما لى ولفلان عينه لى مهما أغمضت عينى في هذه الليلة يقف أمامى يريد كيت وكيت ثم يأخذه رحمه الله مثل السنة ثم يستيقظ يكرر مقالته. ومن ذلك أنَّه وَرى لى بانقضاء أجله، وأنه يموت صبيحته قائلا جاءنى الآن الشيخ فلان رجل صالح عين لى اسمه وناولنى مفاتيح وشيئًا آخر وقال لى: خذ أجرك فقد تم بناء دارك. ومن ذلك أنَّه حدثني بتشاجر عظيم بين رجلين كانا على قلب واحد إذ ذاك ¬

_ 313 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2820.

314 - محمد أبو عبد الله السوسى الأصل

فوقع بينهما من التشاجر ما أخبرنى به، وتصدى كل منهما لإذاية صاحبه كما تصدى لإذايتى من حذرنى منه بكل ما في طوقه فكفانى الله شره، وأوقفنى سبحانه على ما دسه لى بخطوط يده بعد وفاته سامحه الله، وجزاه على إذايته لى بالجنَّة، والكل حدثني به قبيل انسلال روحه بنحو ثلاث ساعات برد الله ثراه. مشيخته: أخذ عن شيخنا أبي عبد الله القصرى، والطاهر بوحدو، والمفضلين ابن عزوز، والسوسى، وأبى عبد الله الهويج، وشيخنا أبي عبد الله محمد بن عبد الهادى الفيلالى، وشيخنا المعطى بن عبود، وقرأ القرآن والتجويد على والده، وأتقن حفظه على شقيقه الأستاذ أبي محمد عبد القادر. الآخذون عنه: منهم عمنا المولى الطاهر حفظ عليه القرآن العظيم، والمولى الطيب بن عبد الله المترجم فيما سلف، والمولى العربى بن إبراهيم بن عبد الله وجماعة من حملة القرآن، وعليه حفظت الكتاب المبين، وجملة من المتون، وعليه تعلمت أحكام الوضوء والصلاة ومبادئ النحو، رحمه الله وجزاه عنى أفضل ما جزى به أبا عن ولده. وفاته: توفى بعد طلوع شمس يوم الثلاثاء سابع عشرى حجة الحرام متم عام سبعة عشر وثلاثمائة وألف، ودفن بروضة ضريح الولى الكامل أبي زيد عبد الرحمن المجذوب جوار ضريح جده الأكبر السلطان الأعظم مولانا إسماعيل، حيث مدفن سلفه. 314 - محمد أبو عبد الله السوسى الأصل. حاله: أُستاذ مقرئ مجود يحفظ العشر ويحرره، حافظ متقن ماهر، له معرفة بعلم النار، أخبرنى من شاهد مباشرة عمله لذلك من أطل العدل الثقات الأنبات، وأنه خرج بمحضره سبيكة فضة خالصة، وكان يستحضر الألفية، وابن

315 - محمد أبو عبد الله الريفى

عاشر، وصدرًا من المختصر الخليلى، ولامية الشاطبى، ودالية أبى العباس بن المبارك، ومنظومة ابن الجزرى في التجويد وغير ذلك. وكان خيرا دينًا فاضلا، تقيا نقيا، زكيا مرضيا، كثير التلاوة لا يعرف كللا ولا مللا، قدم مكناسة الزيتون بعد الحادية عشر من القرن الرابع عشر، وأقام بها مدة ودخل الأستانة والجزائر وغيرهما في طلب علم النار. مشيخته: أخذ عن شيخنا العلامة أبي الفضل الفاطمى الشرادى، ولازم دروسه بفاس نحو ستة أعوام، وأخذ القراءات السبع عن المتبرك به الشيخ الزوين، والعشر الكبير عن القاضي الفلاق، والولى الصالح ابن يرمق. الآخذون عنه: منهم صديقنا الأستاذ المقرئ المجود أبو عبد الله محمد بن أحمد الحميدى، أخذ عنه العشر الكبير. 315 - محمد أبو عبد الله الريفى. حاله: علامة مشارك، أُستاذ مجود يحفظ السبع ويتقنه، فاضل زكى، كان يؤم بمسجد باب عيسى، وكان العلامة الناسك أبو عبد الله محمد جنون لا يبغى بالصلاة خلفه بدلًا إذا كان بمكناس، يأتى الصلاة خلفه من حومة أبي العباس أحمد بن خضرا، فقيل له في ذلك، فقال: إن نفسى تطمئن بالصلاة خلفه لما اجتمع فيه مما تفرق في غيره، فإنه عالم بأحكام الصلاة، عارف بفن التجويد، كذا حدثني الفقيه الحميدى المذكور في الترجمة قبله يليه قائلا هكذا حدثه شيخه بل شيخ جماعة الأساتذة المقرئين بالعاصمة المكناسية أبو الحسنات العربى بن شمسى، وهو ثقة صدوق، أخبر عن مشاهدة، ويكفى صاحب الترجمة فخرا شهادة أبي عبد الله جنون له.

316 - محمد بن الهادى فرموج الصنهاجى الأصل المكناسى النشأة والدار والإقبار

316 - محمد بن الهادى فَرْمُوج الصنهاجى الأصل المكناسى النشأة والدار والإقبار. حاله: عدل مبرز فقيه، نبيه مدرس، تولى نيابة القضاء عن العلامة أبي العباس ابن سودة المترجم فيما مر، وكان تدريسه بالزاوية المعروفة بزاوية حمادشة. مشيخته: أخذ عن شيخ الجماعة السيد مبارك الفيضى، وعن السيد المهدى ابن سودة، والسيد الهادى بادو، ومن في طبقتهم. الآخذون عنه: أخذ عنه السيد محمد الزيانى، والسيد عبد القادر الريو، والسيد قاسم بن حمدوش. وفاته: توفى في جمادى الأولى عام ثمانية عشر وثلاثمائة وألف، ودفن بالزاوية الناصرية من الحضرة المكناسية. 317 - محمد بن المهدى المنونى الحسنى المكناسى. حاله: فقيه مجود مرتل له الطولى في معرفة الرسم وتعليم الصبيان، وإفادة المقرئين، لا يرى في غالب أحواله إلا تاليا أو ذاكرا أو معلما، وفور مهاب، معتقد عند الخاصة والعامة، محبوب لديهم، متبرك به، اتخذ عدة مكاتب لتعليم القرآن العظيم عامة وخاصة، ونفع الله به أقواما، ثم رشحه السلطان مولانا الحسن لتأديب بناته بداره المحروسة المحوطة، وأفاض عليه من سجال البر والإحسان ما هو له أهل، ورتب له أحسن قيام إلى أن لبى داعى مولاه وانتقل لما اختير له رحمه الله. الآخذون عنه: منهم شيخنا الشريف سيدى الحسن بن اليزيد ختم عليه ختمات من القرآن، وغيره ممن لا يعد كثرة. ¬

_ 316 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2823.

[صورة مخطوطة] الخليفة سيدى محمد الأمرانى

318 - محمد بن الشريف الفقيه العدل مولاى عمر بن هاشم العلوى المدغرى

وفاته: توفى في حجة الحرام عام اثنين وعشرين وثلاثمائة وألف، ودفن بضريح الولى الصالح سيدى محمد فتحا الغمارى حذو سيدى عمرو بوعوادة، من حومة حمام الحرة من الحضرة المكناسية. 318 - محمد بن الشريف الفقيه العدل مولاى عمر بن هاشم العلوى المدغرى. حاله: فقيه وجيه عدل رضى، من صدور العدول، وأعيان الأشراف، ملحوظ بعين التبجيل والتكريم بين قومه، كريم السجايا، سمح الأخلاق، فاضل نبيه، كان يتعاطى خطة الشهادة بالزاوية الإدريسية مدة، ثم رشحه أبو العباس بن سودة للنيابة عنه في القضاء بالزاوية المذكورة إلى أن أُعفى. مشيخته: أخذ عن العلامة الصالح المتبرك به مولاى عبد المالك الضرير، وعن غيره ممن هو في طبقته. وفاته: توفى زوال الاثنين ثانى جمادى الثانية عام اثنين وعشرين وثلاثمائة وألف، ودفن أمام الخارج من باب جامع الموتى بالمزارة الفوقية من الزاوية الإدريسية. 319 - محمد بن سميه بن هاشم العلوى الحرونى المدعو الشيخ التيكر. حاله: فقيه نبيه، مسن بركة نزيه، ذاكر متبتل، محاضر مستحضر، مقبل على شأنه، خلع لباس الدعوى وارتدى برداء الخمول والوقار، له اليد الطولى في نسج الأزجال الملحونة على أباع منوال وأحسن أسلوب، وكان يميل إلى التقشف، ولباس ما خشن من الثياب، وربما احترف بخدمة حب الزيتون وعصره زيتا. عنَّ له يوما من الأيام لدى الوزير الصدر غرض من أغراضه الشخصية فذهب إليه لمحل مأموريته بالحضرة السلطانية، فوجد معه جلة أعلام منهم

أبو محمد العربى بن السائح، وجماعة يتجاذبون أطراف المذاكرة إلى أن قال بعضهم لمزيته - صلى الله عليه وسلم -، والمترجم وراء الباب مع أوباش الشرطيين غير مبالى به، وعليه أثواب رثة وسخة، فناداهم قائلا: يا فقيه المزية لا تقتضى التفضيل، فبهتوا وانقطع حديثهم، وصار بعضهم ينظر لبعض فقال لهم الوزير وهو إذ ذاك موسى بن أحمد: ما لكم سكتم؟ فقال المترجم مجيبا له من وراء الباب بقوله تعالى: {وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85)} [سورة النمل: آية 85]. فاستدنوه إذ ذاك منهم، وقالوا له مثلك لا يجلس هنالك، وسألوه عن حسبه ونسبه وأين قرأ، وعمّن أَخذ فعرفهم بذلك وشاركهم في المذاكرة، فقالوا له: بين لنا معنى كون المزية لا تقتضى التفضيل، فقال: إن الوزير رعاه الله وأعز أوامره له من نفوذ الكلمة والأوامر المطاعة ما لا يحتاج إلى إقامة دليل عليه، إذ قد ميزه المولى تبارك وتعالى بجعل سر كلمة التكوين بين شفتيه، أرأيتم لو أمر بضرب أحدنا أو سجنه وإخراجه من هذا البساط مذموما مدحورا لامتثل أمره على الفور ونفذ بالفعل وفق ما أمر به، فهذه مزية له امتاز بها دوننا وهي لا تقتضى تفضيله، بل منا من هو أفضل منه، فأَنصت الكل لمقاله وأنصف، وله بالفضيلة الجميع اعترف، وأقدوه قدره، وقضى الوزير في الحال أمره، ثم إن المترجم تخلى في آخر عمره عن جميع الأشغال الدنيوية، ولازم الضريح العلمي، واشتغل بعبادة ربه حتَّى أتاه اليقين، ولم يزل نهما يتطلب العلم ويحضر مجالسه ويذاكر أهله إلى أن ختمت أنفاسه رحمه الله. مشيخته: أخذ عن السيد المفضل بن عزوز، والسيد فضول السوسى، والسيد المختار الأجراوى، والسيد محمد بن الجيلانى السقاط، والسيد أحمد ابن سودة المرى، والحاج المختار بن عبد الله وشاركهم في جل شيوخهم، كالسيد مبارك بن عبد الله الفيضى، والسيد الهادى بادو، والسيد المهدى ابن سودة، والسيد العباس ابن كيران.

320 - محمد القصرى شيخنا أبو عبد الله العبدرى المكناسى الأصل والاستيطان

وفاته: توفى رحمه الله بالحضرة المكناسية في يوم الجمعة تاسع عشر حجة الحرام، متم عام ثلاثة وعشرين وثلاثمائة وألف، ودفن بالزاوية الكنتية بالصف الأول منها. 320 - محمد القصرى شيخنا أبو عبد الله العبدرى (¬1) المكناسى الأصل والاستيطان والوفاة. حاله: فقيه علامة مشارك، مدرس نفاع، كان في أول أمره يحترف بعمل الخبز، ثم أقبل على التعلم بجد واجتهاد حتَّى وجد ضالته المنشودة، فأكب على التدريس بحزم وعزم، وكانت له ملكة كاملة يقتدر بها على التدريس بدون مطالعة، وكان مقترا عليه في الرزق، ثم رشحه السلطان المولى عبد العزيز لإقراء إخوته وأعمامه ونفذ له مؤنة ضافية طعامية يومية وشهرية، تحسنت بها أحواله المادية، ثم حالت الأحوال وأُسقطت عنه تلك المؤنة ورجع لاشر مما كان عليه، ولم يزل صابرا محتسبا إلى أن لقى الله مع همة عالية، ونفس آبية. مشيخته: أَخذ عن العلامة السيد فضول بن عزور، والعلامة السيد فضول السوسى، والعلامة السيد محمد بن الجيلانى الساقط وهو عمدته وغيرهم ممن هو في طبقتهم. الآخذون عنه: أخذ عنه قاضى الأحواز المكناسية أبو العباس الناصرى، والعلامة السيد محمد الواسترى، وشيخنا السوسى، والفقيه السيد محمد فتحا بن مبارك الهلالي، والفقيه مولاى إدريس بن عمر المطهرى، ووالدنا المقدس، وشيخنا أبو على الحسن بن اليزيد، وجامع هذا الديوان عفا الله عنه وغيرهم من أعيان نجباء فقهاء مكناس. ¬

_ 320 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2843. (¬1) في الإتحاف: "العبدوى".

321 - محمد بن عبد الواحد بن محمد بن محمد بن عبد الواحد بن عبد الله بن محمد

وفاته: توفى ليلة الاثنين خامس صفر الخير عام أربعة وعشرين وثلاثمائة وألف، ودفن بضريح سيدى الدغوغى من حومة جامع الزرقاء. 321 - محمد بن عبد الواحد بن محمد بن محمد بن عبد الواحد بن عبد الله بن محمد بن عبد القادر النقيب بن عبد الواحد بن الولى الصالح المتبرك به حيا وميتا أبي العباس أحمد الشبيه. دفين روضة رأس التاج المعروفة اليوم بروضة عمرو الحصينى، إحدى الروضات الشهيرات بالحضرة المكناسية، وإلى أبي العباس هذا ينتسب كافة الشبيهيين. وهو ابن عبد الواحد بن عبد الرحمن بن أبي غالب بن عبد الواحد بن محمد بن على بن عبد الواحد المجاهد، وهو أول نازل من الجوطيين بمكناسة، وفيه يجتمع الشبيهيون والطاهريون. وهو ابن عبد الرحمن بن عبد الواحد بن محمد بن على بن حمود بن يحيى ابن يحيى مرتين بن إبراهيم بن يحيى الجوطى على قول ابن القاسم بن إدريس الأزهر، بانى مدينة فاس ودفينها ابن إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل بن الحسن ابن الحسن بن على وفاطمة الزهراء ابنة سيد المرسلين ورسول رب العالمين، مولانا محمد الصادق الأمين، صلى الله عليه وآله وأصحابه والتابعين، الشريف الحسنى الإدريسى الجوطى الشبيه من أهل راوية جده مولانا إدريس الأكبر رضي الله عنه وأَرضاه. حاله: فقيه علامة، مشارك محاضر، ممتع، باقعة في السياسة والكياسة، كان إليه المرجع في الفتوى بالزاوية الإدريسية، وبيده أزمة نواب قضاتها، وعليه ¬

_ 321 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 8/ 3844.

التعويل في التعديل والتجريح، وعند إشارته يقف الولاة وغيرهم من الأكابر في كل مهم، مع السمت الحسن، والهدى المستحسن، والدين المتين، والأخلاق الحسنة، والكرم المبذول، والتحبب إلى أهل الخير وموالاتهم والسعى في مرضاتهم ومجاملة كل فريق، بما هو به خليق، مع المبادرة إلى كل فضيلة، والتخلى عن كل رذيلة، مرت عليه سنون عديدة وهو لا يرى إلا في مسجده أو في داره ولا تراه خارجا عنهما إلا في النادر لموجبه القوى. أما الولائم فقد كان تاركا لحضورها، عكس عيادة كل من له حق يقتضيها من المرضى، ولا يكاد يتخلف عن حضور جنازة تجده في كل ذلك من أهل الرعيل الأول، ولقد كان الإمام في الخمس بالضريح الراشدى، والواعظ الوحيد بالمسجد الجامع من بلده إثر صلاة الصبح يصعد كرسى الوعظ وهناك ويشنف آذان السامعين برقائق التفاسير القرآنية، وجوامع الكلم المصطفية، ونافع معارف السادات الصوفية، فترتاح لذلك القلوب وتنشرح الصدور لحسن تحبيره، وتمكن تصديره. ولقد كان مع هذا كله لم يترك نصيبه من الدنيا يحسن تدبيرها، وخصوصا الفلاحة، وقد كان قائما بحظ وافر منها، وسيطا بذلك في الثروة وتنمية العقار، وفذًّا واحدًا في الجاه وعلو المنزلة، وخصوصا بعد وفاة مشاركه في الصدارة وكمال المنزلة ابن عمه العلامة مولاى الفضيل. حدثني ابن عمنا العلامة الأقعد سيدى محمد بن أحمد العلوى أنَّه شاهد يوم موت المترجم رجلا كان يشار له بالخير يقول خطابا لبعض الحاضرين إنه -يعنى صاحب الترجمة- من أهل الخير والصلاح، قال محدثى المذكور: ومن قرائن ذلك أنَّه لما بقى لموته نحو عشرة أيام صمم العزم على أنَّه حان وقت لقيه لمولاه تبارك وتعالى، وتجرد من كل العلائق وأوصى وحبس وأعتق وأعطى وقسم على أولاده حتَّى فراشه ولباسه، ولم يبق في محل سكناه إلا الفراش الَّذي هو

راقد عليه والثياب التي هو لابس لها، وودع أحبابه ومعارفه من حضر منهم بالمشافهة ومن غاب بالمكاتبة، وهيأ نعشه وعين صدقة أيام مَأْتَمه، ومن يغسله، ومن يصلى عليه، ومن يلقنه في قبره إلى غير ذلك، وصار بعد ذلك لا يأذن لمن ودعه في الدخول عليه، ويقول: قد ودعته في الله، واختلى تلك المدة بربه لا يدخل عليه عند الحاجة إلا ولداه الفقيه المولى على والفقيه سيدى محمد، إلى أن انتقل لوطن الرحمة محمود المساعى. وأنه شاهد يوم وفاته جماعة من سعاة أهل بلده يبكون عليه ويقولون مات أبو الدراويش، كان يعطينا ويفعل معنا. وبالجملة فالرجل لم يترك بعده ببلده مثله رحمه الله. وكان سكنى هذه الشعبة الشبيهية التي منها المترجم أولا بمكناس، ثم انتقل جلهم لجوار ضريح جدهم بزاوية زرهون، وبقى البعض إلى الحين الحالى بحضرتنا المكناسية، صانها المولى من كل بلية. مشيخته: أخذ عن العلامة سيدى أحمد المرنيسى، والعلامة الحاج المهدى ابن سودة، والعلامة سيدى الحاج عمر ابن سودة، والعلامة الحاج أحمد بن سودة، والعلامة ابن عبد الرحمن الحجرتى وغيرهم ممن هو في طبقتهم. الآخذون عنه: منهم ابن عمنا العلامة مولاى عبد السلام بن عمر العلوى المدغرى، وابن عمنا النقاد الأقعد الثبت السيد محمد بن أحمد، والعلامة سيدى الفاطمى بن الفضيل الإدريسي، وولداه مولاى على وسيدى محمد وغيرهم من أهل العلم والدين. مؤلفاته: له تقييد في أدب زيارة الأولياء والترغيب في ذلك، وآخر في جواز تأخير السحور إلى طلوع الفجر، وطرر على صحيح البخارى من كتاب

322 - محمد بن محمد فتحا المتقدم الترجمة

التفسير إلى الختام وغير ذلك حسبما أخبرنى بذلك ولده الفقيه العدل مولاى على قائلا: لا زال الكل تحت يدهم في مسوداته لم يخرج. وفاته: توفى سحر ليلة عيد الأضحى متم عام أربعة وعشرين وثلاثمائة وألف، ودفن بتربته التي أعدها لنفسه أَعلى الظهير بالتصغير، الروضة الشهيرة خارج باب زاوية زرهون رحمه الله رحمة واسعة. 322 - محمد بن محمد فتحًا المتقدم الترجمة ابن عبد الله بن الطاهر الشريف الأمرانى. أمه بنت السلطان المولى سليمان. حاله: فاضل وجيه نزيه، نسيب حسيب نبيل، سياسى ماهر، داهية عاقل، حنكته التجارب وحنكها، فارس شجاع، خبير بالأمور، بصير بالعواقب، كان السلطان المولى الحسن اصطفاه وقربه وصاهره بشقيقته المصونة السيدة أم كلثوم، وكانت أَحب الناس إليه يجير من أَجارت، ويجيبها لما أشارت، وبسبب ذلك حظى المترجم لديه بكل عناية، واختص لديه بكل حظوة ورعاية، فكان ينتد به للطواف بالنواحى والنظر في أمر القبائل وإصلاح أحوالهم وجمع الموظف عليهم، وتأديب من ارتكب العصيان منهم، وتعيين من يصلح لهم من العمال، وإصلاح ذات بينهم، فكان يقضى تلك المآرب المولوية على أحسن وجه تارة بالسياسة، وتارة بالقوة حسبما تشهد بذلك أعماله في القصابى وملوية ونواحى زيز وآيت يوسى وأولاد الحاج وآيت يزدك وقبائل الريف وغيرها. وقف على عدة ظهائر ملوكية علوية في التنويه بقدره وقدر عائلته الكريمة والحض على احترامهم وتبجيلهم وتوقيرهم واعتبارهم، منها ظهير حسنى منيف ودونك نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع الشريف: ¬

_ 322 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 8/ 2878.

"يعلم من كتابنا هذا النافذة أوامره، المسفرة عن وجوه الحق بواطنه وظواهره، ويتعرف من فحوى خطابه، لمن أمعن النظر في أساليبه وأسبابه، أننا بحول من له القوة والحول، والمنة والطول، أقررنا حملته أبناء عمنا سيدي محمَّد ابن المرحوم بكرم الله مولاى محمَّد الأمرانى وشقيقيه مولاى عبد السلام، ومولاى الكامل على ما ألفوه من جانبنا العالى بالله، وجانب أسلافنا قدسهم الله، من التوقير والتعظيم والاحترام، ومزيد القرب والاجتباء والإكرام، وزدناهم على ذلك توقيرا واحتراما وعناية وتعظيما بحيث لا يسام جانبهم باهتضام. ولا يعاملون إلا بالجميل والإعظام، وأبقيناهم في ذلك على عادتهم المألوفة، وطريقتهم المعروفة، من التحرير من جميع الكلف المخزنية، والوظائف السلطانية، وجعلنا أمور زكواتهم وأعشارهم بيدهم جريا على عادتهم إقرارًا تامًا، نأمر الواقف عليه من عمالنا وولاة أمرنا أن يعمله ويعمل بمقتضاه؛ ولا يحيد عن كريم مذهبه ولا يتعداه، صدر به أمرنا الشريف في حادى عشر جمادى الأولى عام تسعة وثلاثمائة وألف" هـ. وكان السلطان المذكور يقدمه للشئون ذات البال، ويعتمد على سياسته ودهائه ويعترف له بذلك، ودونك نص اعترافه له بما ذكر بعد الحمدلة والصلاة والطابع الشريف الذي نصه (الحسن بن محمَّد الله وليّه ومولاه): "الفقيه الأرضى القاضى السيد عبد الوهاب البادسى سددك الله، وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: وافى كتابكم بتيسير ما وجه لأجله ابن عمنا الأرضى سيدي محمَّد الأمرانى، على أقصى الأمانى. مثنيا عليه بحسن السياسة ولطف التدبير. وجميل المباشرة والعقل الكبير. فنعم هو كذلك ونحن نعرفه منه سدده الله والسلام في سادس عشرى حجة الحرام عام واحد وثلاثمائة وألف" هـ.

وكان يأخذ برأيه في مهمات الأمور ويعتمده وله الوثوق التام بصدقه وأَمانته قامت لدى الخاص والعام على ذلك براهين ساطعة، فكم جهز الجيوش الهامة ذات العدة والعدد، وعقد له عليها وأَسند إليه أمرها، وقصر النظر فيه عليه، وبالجملة فقد كان له لديه جاه ووجاهة ومكانه لم يلحقها غيره، يرافقه في الأسفار. يخصه ببث الأسرار. حتى إنه كان كلفه بالنظر في كل ما ينسب لفل ذة كبده وأعز أبنائه لديه وولى عهده من بعده السلطان السابق مولاى عبد العزيز، ودونك نص الظهير المصادر له في ذلك بعد الحمدلة والصلاة والطابع الكبير: "يعلم من كتابنا هذا أعلى الله مقداره. وأجرى على فلك الإسعاد مداره. أننا بحول الله وقوته. وشامل يمنه ومنته. كلفنا ابن عمنا الأرضى سيدي محمَّد الأمرانى بالنظر في كل ما ينسب للولد عبد العزيز أصلحه الله من الماشية والحرث ونحو ذلك مما تنتجه المواشى من الغلة كالصوف والسمن والنتاج ونحو ذلك، وكذلك الحرث بحيث يكون بصيرة في الكل يعرف الداخل والنتاج والغلة وما زاد وما نقص حتى لا يضيع شيء منه، ويعلمنا عن ذلك بما ظهر له فيه من صلاح أو ضده، وكذلك في عمل المكلفين به، وما يرى في ذلك من استحسان وتسديد أو غير ذلك، لنأمر فيه بالمقتضى والسلام صدر به أمرنا المعتز بالله تعالى في خامس محرم الحرام فاتح عام أربعة وثلاثمائة وألف" هـ. وقد اقتفى أثر هذا السلطان العظيم المقدار في تبجيل المترجم وإجلاله وندبه للمهمات وترشيحه للملمات، بنوه الملوك الحيلة من بعده ووجهه المولى عبد العزيز لقبيلة الأخماس وطنجة وتطوان لما تفاحش أمر الريسونى بتلك النواحى، ولو تتبعنا خصوص ما بمكتبتنا من الأوراق الرسمية المتعلقة بمأمورياته لجاء في مجلدات، وإليك مثالا منها كتبه له أحمد بن موسى باقعة الوزراء وداهية الصدور والرؤساء:

"محبنا الشريف الأرضى، سيدي محمَّد الأمرانى أمنك الله وسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله. وبعد: وصل كتاباك أحدهما بتاريخ رابع عشر شهر التاريخ, والثانى بتاريخ خامس عشر منه أخبرت في الأول بأنك لما حللت المحلة السعيدة أَلفيتها بخير، غير أن فساد الأعشاش وملال ومن شوكتِهم اشتدت شوكتهم وكثرت آراؤهم في تعمير موسم طبق ما تقدم الإعلام به بعد ما كان أخبر عمال الأعشاش باضمحلال أمره، وأن الفساد تمالئوا واجتمعوا بسوق أولاد محمَّد ونادوا بعمارته رغما على كل أحد، وصار الفساد يسرى، وأن العمال لم يغنوا في ذلك شيئًا ولم تظهر لهم خدمة ولا نتيجة، وأنك لما رأيت ما هم عليه من الرعب خاطبت، قواد أولاد مراح والشبانى والبرهمى بإنهاض حركتهم حلة ومحلة امام المحلة لعزمك على الرحيل غد التاريخ والتخييم بطالع السلطان قرب بلاد الأحلاف والأولاد بعد مفاوضتك في ذلك، مع عمال الشاوية المخيمين بالمحلة وجوابهم لك باستحسان ذلك وعدم المصلحة في طول مقام المحلة، وأن بسبب ذلك استطال الفساد حتى صاروا يزحفون لقرب المحلة، واشتد طمعهم فيها وسرى ذلك لغيرهم من القبائل التي كانت تنالها الأحكام، فامتدت أيديهم لنهب السبل وقطعها على المارة، وأن من المتعين إنهاض محلة القرب للتخييم بقربكم وتجديد شريف الأمر للجوار بشد العضد والتضييق بالفساد حيث لا زال لم يظهر أثر منهم عدا أولاه عبدون الذين لم يقصروا في ضرب الخزازرة. وأن من المصلحة تعجيل نهوض الركاب العالى بالله لتدارك رقع أولئك خرق أولئك الفساد، وجعل ذلك بيت القصيد، ذاكرًا أن من هون أمر تلك الناحية وسهل أمرها، فقد خان وغش الجناب المعتز بالله.

وأخبرنى في الثاني بنهوضهم يوم التاريخ المذكور بالمحلة السعدية وتخييمكم بطابع السلطان قرب دار الحاج عبد القادر الحلفى وقرب الأولاد وتلقيه لكم مع قواد الأولاد والخدمين الإبراهيمى والشبانى بعدد وافر معتبر من الخيل، مظهرين الفرح والسرور، وتخييم بعض حلة أولاد مراح مع حلة الشبانى والإبراهيمى بقرب المحلة، ذاكرًا أن هذا النهوض يكون بحول الله سببا في إخضاد شوكتهم وتفريق جمعهم الفاسد، وأنه ظهر بسببه أثر الخير، وطلب منك، عمال الأعشاش الزيادة بالمحلة لقصبة المعاريف قرب دار ولد توزرت، وأَشار عليك البعض بالتخييم بدار ابن أحمد، حيث إن بعض أولاد محمَّد نازل بقربها، وأنك كتبت لأعيانهم وكبرائهم بما تقتضيه المصلحة من التأليف المشوب بالإرهاب مع التأمين عليهم، وأنه إن أفاد ذلك فيهم فذاك المراد، وإلا فلا بُدّ من الزيادة بالمحلة السعيدة للتخييم بأحد المحلين المذكورين إظهارًا للسطوة المولوية عليهم، وصار بالبال بعد اطلاع العلم الشريف، فقال دام علاه: أما ما كانوا توافقوا عليه من عمارة موسم الفساد إلخ فقد كان بلغ شريف علمه ذلك وصدر الأمر بالبحث عن حقيقة ذلك، وأما ما خاطبت به أولاد مراح ومن ذكرت معهم من إنهاض حركتهم حلة ومحلة أمام المحلة السعدية بقصد التخييم بطالع السلطان، فقد استحسنه مولانا دام علاه وعده من الحزم، وأما ما أنتجته مفاوضتك مع عمال الشارية من تعين نهوض المحلة الغربية للتخييم قربكم إلخ، فقد صادف الحال أن الأمر الشريف صدر لمولاى الأمين بالنهوض بها والتخييم بمائة بير وبير من بلاد الحلاليف من زعير في الحدود بينهم وبين الأعشاش، ولا يكون الأوصل وجدد له شريف الأمر بالتضييق بهم فقد جدده لهم وأكد عليهم فيه، وها مكاتبه الشريفة بذلك تصلك طيه لتوجهها لهم على يدك، إلا أنك لم تبين المراد بالتضييق هل بشد الوطأة عليهم فقط كما أُمروا الآن أو بضربهم فلتبين ذلك.

وأما ما ذكرته من المصلحة في تعجيل نهوض الركاب الشريف فقد تقدم لك الإعلام بما ظهر منهم، فلتمض على ذلك. وأما ما أشرت إليه من عدم تهوين أمر تلك الناحية، فسيدنا أيده الله من ذلك على بال، وسيحكم الله في كل فاسد بباهر قدرته. وأما نهوضكم وتخييمكم بالمحل المذكور، فقال أعزه الله جعله الله نهوض يمن وظفر وسلامة. وأما ملاقاة من ذكر من الخدام للمحلة السعيدة بعددهم وعددهم فقال نصره الله: ذاك المراد منهم أصلحهم. وأما ما ذكرت من ظهور أثر الخير بسبب نهوض المحلة فقال أعزه الله: كمل الله بخير وحكم سيف عدله في رقبة كل باغ، آمين. وأمامه طلبه عمال الأعشاش من نهوض المحلة لقصبة المعاريف وما أشار به الغير من نهوضها لدار ابن أحمد، فقال نصره الله: الحاضر بصيرة، والذي تقضيه المصلحة من التخييم بأحد المحلين يرتكب. وأما ما كتبت لهم به إلخ فقد استحسنه دام علاه. وأما ما ذكرته من كونهم إن لم يظهر منهم انقياد فلا بد من الزيادة لأحد المحلين المذكورين إلخ فقال دام علاه: العمل على ذلك ولا تغيب خبرا وعلى المحبة والسلام في 20 ربيع الثاني عام 1315 أحمد بن موسى بن أحمد لطف الله به". وقد استخلفه السلطان مولانا عبد الحفيظ بثغر الدار البيضاء ودونك نص ظهير التولية بعد الحمدلة والصلاة والطابع الكريم: "يعلم من كتابنا هذا أعلى الله قدره، وأَعز أمره، أننا بحول الله وعونه جعلنا ماسكه ابن عمنا الأرضى سيدي محمَّد الأمرانى خليفة عن جانبنا العالى

بالله بالدار البيضاء المحروسة، وأقمناه مقام عمنا مولاى الأمين فيما كان له من التكليف هنالك، والنظر في أمور المخزن ومباشرة المصالح المنوطة بتلك الناحية، فنأمره أن يجرى في ذلك على ما يراد من المقابلة بجد واهتمام، وعدم ارتكاب ما يخل بالمصالح في نقض أو إبرام، كما نأمر من يقف عليه من خدامنا وولاة أوامرنا الشريفة أن يعرفوا قدر ما أسندناه إليه من ذلك التكليف، وطوقناه من ذلك الوظيف، والله يلهم الجميع رشده والسلام، صدر به أمرنا المعتز بالله تعالى في ثامن عشر حجة الحرام عام ستة وعشرين وثلاثمائة وألف" هـ. وأقره على ذلك هنالك السلطان المعظم مولانا يوسف، وزاد بأن جمع له بين الخلافة عنه والعمالة هناك، ونص الظهير الشريف الذي أصدره له في ذلك: الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمَّد وآله وصحبه (يوسف بن الحسن بن محمَّد الله وليّه) ومن تكن برسول الله نصرته إلى منتقم: خدامنا الأرضين أهل الثغر البيضاوى كافة، وفقكم الله وسلام عليكم ورحمة الله. فقد اقتضت المصلحة العامة اجتماع ووظيفتى خليفة حضرتنا الشريف وعامل البلد في ذلك الثغر في يد واحدة، وعليه فقد أعفينا خديمنا الطالب محمَّد الجباص من التكليف هنا كم ووظفناه بالوزارة الكبرى, وأسندنا لابن عمنا الأرضى سيدي محمَّد الأمرانى الوظيفتين المذكورتين وأمرناه بالقيام بشئونهما، فنأمركم أن تسمعوا وتطيعوا فيما يأمركم به من أمور خدمتنا الشريفة أسعدكم الله به وأسعده بكم ووفق الجميع لما فيه رضاه، والسلام في متم رجب عام 1331". ولم يزل قائما بأعباء تلك المأمورية أحسن قيام إلى أن قبضه الله إليه. وهو الذي ترأس جيوش الحماية عند مقدمها لفاس، ثم لمكناس عند انتصار السلطان مولاى عبد الحفيظ بها على باغية البرابر زمن قيامها عليه بمكناس على ما.

سنوضحه بعد بحول الله، ولولا حسن سياسة المترجم لأصبحت مدينة مكناسة في خبر كان. مشيخته: أخذ العلم عن شيوخ عصره والطريقة الناصرية عن سيدي محمَّد ابن أبي بكر الناصرى، والعلامة الصالح سيدي محمَّد بن طلحة النسب بمراكش، وهو عن سيدي على بن يوسف. ودلائل الخيرات عن والده، وعن خاله الشريف الفقيه الناسك مولاى يوسف بن الأمير مولانا سليمان عن والده الأمير المذكور عن والده الأمير العظيم الشأن مولانا محمَّد بن عبد الله. كما أخذه أيضًا عن ابن طلحة المذكور، وكان أخذ السلطان المولى سليمان له عن والده ومناولته إياه له وما معه من الأحزاب بالمسجد الأزهر المعروف بجامع الأروى من القصبة السلطانية المكناسية عام ستة وتسعين ومائة وألف. كما أخذ دلائل الخيرات عن الشيخ عبد الكبير بن المجذوب الفاسى، وكل ما له فيه رواية من الأذكار والأوراد والدعوات. ولادته: ولد في ربيع الأول عام تسعة وأربعين ومائتين وألف، حسبما وقفت على ذلك في ظهير أَصدره سيدنا الجد السلطان مولانا عبد الرحمن بن هشام في جواب لابنة عمه والدة المترجم الشريفة المصونة السيدة أم هانئ بنت السلطان الأعدل سليمان عن إعلامها إياه بازدياد المترجم عندها، وإليك لفظه بعد الحمدلة والصلاة والطابع الفخيم. "بنت عمنا قال أم هانئ سلام عليك ورحمة الله. وبعد: وصلنا كتابك وعلمنا بالولد المتزايد لك جعله الله مبارك الناصية، وها أمرنا يوافيك للأمين السيد المعطى المزطارى بأَن يدفع لك أربعين مثقالا عُقِّى بها عن الولد، وقد سميناه محمدًا والسلام 23 ربيع الأول عام 1249" هـ.

323 - محمد بن العباس المكناسى النشأة والدار والإقبار.

وفاته: توفي بثغر الدار البيضاء ضحوة رابع عشر رمضان عام واحد وثلاثين وثلاثمائة وألف، وحمل في سيارة لفاس ودفن من غده بروضتهم الشهيرة حذو الزاوية الناصرية هنالك. 323 - محمَّد بن العباس المكناسى النشأة والدار والإقبار. حاله: فقيه نبيه لوذعى، فاضل دين خير ذاكر متهجد، مشرف على تاريخ المتقدمين ووقائعهم وطرق أخبارهم، حببت إليه العزلة، له اليد الطولى في علم الأوفاق وسر الحروف واستخدام الجان، تواترت عنه في ذلك وقائع، أخبرنى من وثقت بخبره ممن أخذ عنه أنه سمع من بعض خاصة المترجم المعروفين بالصدق ومتانة الدين أنه كان كثيرا ما يخرج مع المترجم لاسترواح النفس خارج البلد في بعض الأصائل ويتحرى الأماكن الخالية من الناس، ثم إنه في بعض الأيام نسى المخبر لبدة له كان جالسا عليها مع المترجم لم يتذكرها حتى رجع وفارق المترجم، ثم لما خرجا على عادتهما من الغد، وراما الجلوس بحث الشيخ تلميذه عن اللبدة فأخبروا بتلفها، فسكت الشيخ، ثم من الغد وجدوا اللبلدة عند الشيخ، فظن التلميذ أَن الشيخ هو الذي كان أخذها بقصد أن يباسطه ويختبر ذكاءه، فبحثه من أين له بها فقال له: إن الذي وجدها هو الذي أتى بها إلي، وذلك أنى لما أخبرتنى بضياعها توجهت إلى الله ببعض أسمائه فما أتممت ذكرى حتى أتانى فلان وطرق الباب بإزعاج واضعا يده على إحدى عينيه وهو يتألم أشد الإيلام (¬1)، فقال: يا سيدي نزل بي حالا ما تراه من غير سابقية سبب، ووقع في نفسى أن شفائى لا يكون إلا على يدك، فقلت: اذهب ائتنى باللبدة التي أَخذت من المحل الفلانى، فأتى بها مسرعا بعد أن أبدى أعذارا، وبمجرد ما مكننى منها زال أَلمه بإذن الله. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "أشد الإمام" ولا وجه له.

324 - محمد بن أحمد حلام المكناسى

وكان مقصودًا للرقيا يرقى المصابين بالمس وسائر ذوى العاهات، فيحصل لهم الشفاء بإذن الله تعالى وسر الله في صدق الطلب. وكان مدررا يعلم الصبيان، له ملكة على التدريب وقدرة على حسن التعليم، وجد واجتهاد لم يلحقه أحد في ذلك. رحل إلى الحج وزيارة خير الأنام مرتين، ولقى كمل المشايخ بالحرمين، وأفاد واستفاد، وكان كثير الولوع بمطالعة مقامات الحريرى لا يخرج من داره إلا لمكتب تعليمه أو لأداء الفريضة جماعة، أو لاسترواح النفس عند سأَمها. مشيخته: أَخذ عن الشريف سيدي إدريس بن إدريس البوعنانى علم الأوفاق وتوابعه وغير ذلك من العلوم الدينية والأدبية، وعن غيره من أئمة عصره. الآخذون عنه: أَخذ عنه الفقيه السيد محمَّد بن العربي غريط أحد الكتاب بالصدارة سابقا بالحضرة السلطانية، ومحتسب فاس الجديد حالًا، وسيدى مشيش الومغارى، وسيدى عبد القادر بن بنعيسى آل الشيخ الكامل سيدي محمَّد بن عيسى أخذ عنه أصول الخط ومبادئ العرابية والفقه وعليه حفظ القرآن العظيم كما أخبرنى بذلك هو نفسه. وفاته: توفي في صفر عام واحد وثلاثين وثلاثمائة وألف، ودفن بروضة الشيخ الكامل حذو الجدار عن يمين الداخل الصحن الضريح المذكور رحمه الله. 324 - محمَّد بن أحمد حلام المكناسى. حاله: فقيه وجيه عدل رضي، من أعيان العدول المبرزين وأعرفهم بالتوثيق وأعلمهم، له يد في عدة فنون وبالأخص النوازل الفقهية. مشيخته: أخذ عن قاضيها العلامة السيد أحمد بن سودة، والسيد فضول السوسى، والسيد فضول ابن عزوز، وشيخنا الحاج المختار بن عبد الله وغيرهم. وفاته: توفي أواسط جمادى الأولى عام واحد وثلاثين وثلاثمائة وألف.

325 - محمد يدعى منصور أبو منصور أبو عبد الله المرابط

325 - محمَّد يدعى منصور أبو منصور أبو عبد الله المرابط بن محمَّد بن عبد الله القادر بن محمد بوعزة بن سميه بن الولى الصالح السيد سعيد ابن عبد السلام آل الولى الكامل أبي عثمان سعيد بن أبي بكر المَشَنْزَائى. دفين خارج باب الخميس من الحضرة المكناسية. حاله: مجذوب ساقط التكليف، ذو كشف واضح، وأحوال خارقة، تَفِدُ الناس لزيارته والتبرك به ولا سيما النساء، يكاد مجلسه أن لا يخلو منهن، يسمى جمل من يدخل عليه في الغالب باسم منطبق عليه غير اسمه، إما تلميحا لبعض أجداده أو عائلته أو وظيفه أَو وظيف يرشح له استقبالا، وكان ولوعا بشرب الأَتاَى ولو بالماء البارد. كان في أول أمره يؤدب الصبيان بمنار جده أبي عثمان سعيد، ثم انتقل منه إلى قبة الذكر من الضريح المذكور التي بها ضريحة الآن، ثم بعد ذلك اشتغل بقراءة دلائل الخيرات وكان محبا في الصالحين معتقدا في كل من يشار له بخير، كثير التردد لسيدى عبد القادر العلمى، ثم من بعده لسيدى عبد الكريم بن الرضى الوزانى، لازمه مدة، قيل: إن سبب جذبه أن سيدي عبد الكريم أَلبسه يوما من الأيام قميصا له فغاب من حينه عن حسه، ثم بعد لازم بيته وشاع أمره واتضح كشفه وكثر معتقدوه، وصار الناس يقصدونه في المهمات والمدلهمات فيفرج الله عنهم الكروب وينيلهم المأمول، ودام على هذا مدة ليست بالقصيرة، ثم انتقل لضريح جده ولازم عتبة بابه لا يخرج إلا في النادر لباب الضريح، ثم في آخر عمره صار يطوف على أضرحة بعض الصالحين وبالأخص ضريح الشيخ محمَّد بن عيسى، وكان يدخل ضريحه راكبًا دابته، زرته مرارًا، وكان ينادينى قبل الاحتلام بالمزوار مولاى على بن المتوكل، ولم يزل ينادينى بهذا الاسم إلى أن لبى داعى

مولاه، وكان ربما أقسم على الله فأبره، يورى في كلامه للزائرين بمقاصدهم وما يعقل توريته إلا العالمون. مشيخته: قرأ القرآن وحفظه على المسن البركة المدرر السيد عبد القادر المدعو هويضرة البخاري والأسرار والمعارف عن سيدي عبد القادر العلمي، وسيدى عبد الكريم بن الرضى وغيرهم من الكمال. وفاته: توفي ظهير يوم الأحد ثانى عشرى ربيع الثاني عام أربعة وثلاثين وثلاثمائة وألف، ودفن من يومه بضريح جده في قبة الذكر، ولم يتخلف أحد من العلماء والأعيان الفضلاء فمن دونهم عن تشييع جنازته رحمه الله ورضى عنه. بعض ما قيل فيه من المديح: من ذلك قول ابن عمنا النابغة مولاى عبد السلام المحب آتى الترجمة وذلك عام 1323: طلول عفت آياتها أدمع الطل ... وطال على أشخاصها العهد بالظل طلول لسلمى لائحات رسومها ... كما لاح وشم الواشمات على رجل ولم يبق من آثارها غير ما بدا ... على الخد من خيلان أو حدق نجل تمشى بها الآرام كالروم في الضحى ... فيحسبها المنتاب من عدد النمل بأَتلع يغلى المسك في عقد نحره ... فيغلو إذا أُهريق صائكه المغلى وأحور مخضوب الأكارع والشوى ... خضيب بلا حنا كحيل بلا كحل تهيج به هوج الرياح لواقحا ... فتعقب من نكبائها المحل بالمحل ولو جادها من جود منصور ماطر ... لأسمع في أرجائها دوى النحل هو الوابل الهطال والأسد الذي ... يحامى بلا ظفر ويصمى بلا نبل هو ابن أبي عثمان والوارث الرضا ... وهل يرث الليث الهصور سوى الشبل

326 - محمد فتحا ابن عمنا مولاى على بن الكبير العلوى الإسماعيلى

مناقبه كالشمس في رونق الضحى ... وأسراره مثل الكواكب في الليل وفرع على أقوى الأصول نباته ... وأطيبها والطيب في الفرع بالأصل أمولانا يا منصور إنى رضيعكم ... فحنوا فإن الأم تحنو على الطفل وإنى بلا ريب محبكم الذي ... برابط راج منكم صلة الوصل وإنى لخفاق الجناح إليكم ... على نصه في الشوق صرت لدى شغل فياليت شعرى هل أبيتن ليلة ... وأُصبح في مكناس حطت بكم رحلى بمغنى السنا والعز والسعد والهنا ... ومغنى الهدى واليمن والخير والفضل بعود بلا تدخين ماء بلا قذا ... عطاء بلا من وجود بلا مطل وإنى إذا ما سرت نحو حماكم ... فما سرت من أهلى إلا إلى أهلى عليكم سلام الله ما فاح ذكركم ... وعطرت من مسك الختام به قولى 326 - محمَّد فتحا ابن عمنا مولاى على بن الكبير العلوى الإسماعيلى. حاله: أستاذ فقيه عدل رَضِىٌّ؛ نزيه وجيه نجيب، كثير المطالعة لا يمل من السرد حتى يمل السامع، معمر للمساجد، متقن لعبادته، ربما تحرى الناس الصلاة خلفه لتطويله في السجود والركوع، وكان يتعاطى خطبة العدالة، ولم يزل يتعاطى الإشهاد حتى لبى الدعى. مشيخته: أخذ عن السيد فضول ابن عزوز، والسيد المهدي الوزانى، والسيد أحمد بن الجيلانى الفيلالى، وسيدى أحمد بن الخياط، والحاج المختار بن عبد الله وغيرهم. وفاته: توفي متم شوال عام ستة وثلاثين وثلاثمائة وألف، ودفن بضويح سيدي الورزيغى من حومة قعروردة، إحدى حومات مكناس الشهيرة.

327 - محمد بن عبد السلام الطاهرى

327 - محمَّد بن عبد السلام الطاهرى. شيخنا قاضى مكناس. حاله: فقيه مشارك، مدرس مفت موثق نقاد، متضلع حسن الإدراك، متواضع، يعرف من أين تؤكل الكتف، له معرفة كاملة ومهارة كافية في صناعة القضاء، وكان مجلسة مجلس تحقيق وتدقيق، وكان ممتع المذاكرة مع إنصاف واعتراف بالحق حتى للمبتدئين من الطلبة. تصدر للعدالة بسماط الشهود، وتولى إمامة مدرسة الشهود المعروفة بالفيلالية والنيابة في القضاء عن أبي العباس ابن سودة مدة مديدة، ثم استقل بالقضاء في الدولة الحفيظية، وصدرًا من الدولة اليوسفية، وأُخر عن خطبة القضاء يوم الأحد الآخر من شعبان عام ستة وثلاثين وثلاثمائة وألف، وتولى بعده أبو العباس بن أبي بكر عواد السلوى. مشيخته: أَخذ عن العلامة السيد محمَّد بن الجيلانى السقاط، والعلامة السيد فضول ابن عزور، والسيد المختار الأجراوى، وأبى العباس ابن سودة وأجازه الأخير عامة. الأخذون عنه: أخذ عنه شيخنا أبو عبد الله العرائشى، وشيخنا السيد محمَّد فتحا السوسى، ومولاى إدريس بن عمر المطهرى، وابن عمنا مولاى على ابن الشاد الأمرانى، والحاج الجيلانى بن الباشا حم بن الجيلانى، والسيد محمَّد بن مبارك الهلالى، وجامع هذا الديوان، ونقيب الأدارسة الحالي المولى راشد، والسيد العباس المسطارى وجماعة. مؤلفاته: منها نظم رسالة الوضع، وحاشية على ورقات إمام الحرمين في الأصول، وكنت القارئ بين يديه زمن تأليفه إياها للمتن المذكور بشرح المحلى، وحاشية السيد عبد الله بن خضراء السلوى، وكان كثيرا ما ينتقد كلامه، وتويلف

328 - محمد بن حمدوش المكناسى الخزرجى

في جواز العمل في الصوم والإفطار وغيرهما من الأمور الشرعية بالتلغراف، وتقييد في جواز إنشاد شعر في خطبة الجمعة، وسببه أنه كان أنشد بيتا من الشعر في خطبته الأولى بعد بيعة السلطان مولاى عبد الحفيظ فسأله بعض تلامذته، هل إنشادها إياه منصوص عند الفقهاء؟ فكتب في ذلك التقييد المذكور. وفاته: توفي غروب الشمس يوم الأحد رابع شوال الأبرك عام تسعة بتقديم المثناة على السين وثلاثمائة وألف، ودفن من غده بالزاوية الكنسية من الحضرة المكناسية. 328 - محمَّد بن حمدوش المكناسى الخزرجى. حاله: فقيه أديب، ناظم ثائر، وقفت على عدة أشعار له، ومع الأسف قد أتى التلف عليها وصيرها في خبر كان لا يمكن تلفيق بيت منها على وجهه، ولم أقف على تاريخ وفاته، ولا على شيء زائد على ما ذكر في ترجمته. 329 - محمَّد بن إدريس سميه بن عبد السلام ابن يوسف البوعنانى. المكناسى النشأة والدار والإقبار. حاله: فقيه وجيه، نزيه مساجد جليل خير دين خاشع ناسك تقى نقى مبجل فاضل معتقد ذو شيبة منورة متبرك به مقصود للرقيا، له معرفة بالأوفاق وخواص الأسماء وكان مدررا يعلم الصبيان القرآن الكريم فنفع الله به وتخرج عليه من حملة القرآن عدد وافر. الآخذون عنه: منهم العلامة مولاى الكامل الأمرانى وأخوه مولاى عبد السلام والسيد محمَّد السوسى والأستاذ العشرى السيد علال بن صالح، وقد تقدمت تراجم بعض هؤلاء كما أخذ عنه غيرهم ممن لا يكاد يعد كثرة. وفاته: توفي عام ثمانية وثمانين ومائتين وألف بالعاصمة المكناسية.

330 - محمد أبو عبد الله الرجراجى المكناسى

330 - محمَّد أبو عبد الله الرجراجى المكناسى. حاله: قال في حقه بعض تلاميذه: الفقيه الأوحد، العلامة الفهامة الأمجد، شيخنا وبركتنا. ولم أقف على زائد يتعلق بترجمته غير ما ذكر، وغير رثاء أبي عبد الله بن حمدوش المترجم فيما مر لم تُبق يد البلا منه غير قوله: من للمجالس بعد فقد محمد ... كهف العلوم وعمدة الإقراء من للمنابر والمحابر بعده ... من للفصاحة حالة الإلقاء 331 - محمَّد دعى حمود بن محمَّد بن العربي بن محمَّد فتحا بن العربي. المكناسى النشأة والدار والإقبار. حاله: فقيه عدل رَضِىّ، مبرز موثق ماهر محقق، ناقد فاضل زكى، تقى نقى، ذو خط بارع ومروءة ودين متين، يقصده الوجهاء والأعيان وذوو الحيثيات للإشهاد فيما يعرض لأمانته وكامل معرفته وتحريه، وكان يسر: بالمسجد الأعظم الذخيرة المعطوية، والتفسير، وكان يجيد قراءة ذلك ويفهمه الخاص والعام، حسن النغمة، حلو القراءة، متواضع هين لين، وكان مرشحا لإقراء أبناء السلطان مولانا الحسن بداره العلية المحنشة، كما كان مرشحا لإقراء أبناء عمه مولانا العباس. مشيخته: قرأ القرآن على البركة السيد محمَّد بن الحاج أغربى، والعلم على السيد المفضل ابن عزوز، والسيد محمَّد بن الجيلانى السقاط، والسيد أحمد بن سودة المرى، وشاركهم في شيوخهم كالقاضى السيد المهدي ابن سودة وعن غير هؤلاء. الآخذون عنه: أخذ عنه عم مولانا المنصور بالله مولاى أبو بكر بن الحسن

332 - محمد الشريف الأصيل ابن الحاج عبد الله بن البركة مولانا أحمد الوزانى

حفظه الله والشريف الفقيه العدل مولاى على بن الشاد الأمرانى آتى الترجمة، والشريف الفقيه مولاى أبو بكر بن العباس وغيرهم. وفاته: توفي بمكناسة عام أربعة عشر وثلاثمائة وألف. 332 - محمَّد الشريف الأصيل ابن الحاج عبد الله بن البركة مولانا أحمد الوزانى. المكناسى الدار والإقبار. حاله: زكى ذكى، حيى أريحى، مهذب هين لين، ذو أخلاق نبوية، وأحوال مرضية، فقيه نبيه، فاضل صالح فالح، بشوش صادق اللهجة من الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، والذين إذا رءوا ذكر الله، وكانت له معرفة بالأوفاق والتنجيم، وإلمام بالنحو والفقه والحديث، مشتغل بما يعنيه، تارك لما لا يعنيه، مائل إلى الخمول، رحل لفاس في طلب العلم ولازم بجد واجتهاد حتى فتحت له النجابة أبوابها، وأدخلته النباهة حجابها، ثم عاد لمسقط رأسه وأقبل على شأنه حتى أتاه اليقين. مشيخته: أخذ عن شيخنا أبي محمَّد عبد السلام بنانى وهو عمدته، وعلى غيره من الأعلام. وفاته: توفي ليلة الأربعاء ثامن عشرى رمضان عام واحد وأربعين وثلاثمائة وألف، ودفن بروضة أسلافه من الحضرة المكناسية. 333 - محمَّد بن أحمد أبو عبد الله الوزانى الأصل المكناسى الدار والإقبار. حاله: فاضل ناسك ذاكر معتقد، ذو دين متين، مشتغل بما يعنيه، مقبل على شأنه، معظِّم لأهل البيت النبوى محب لهم، استوطن أولا بمدشر موساوة

334 - محمد اليزناسنى.

أحد مداشير جبل زرهون حتى عرف بالموسوى، ثم انتقل لمكناس وبقى بها معظما ملحوظا عند سائر الطبقات إلى أن لقى ربه، وكان ولوعا بالرماية مسدد الرمى ماهرا في صنع البارود، وكان يلقن أوراد سلفه الوزانيين. الآخذون عنه: فممن أخذ عنه شيخنا أبو عبد الله محمَّد بن الحسين العرائشى لقنه الصلاة المنسوبة للعارف أبي محمَّد التهامى بن محمَّد الوزانى، وهي: اللهم صل على سيدنا محمَّد وعلى آله صلاة أهل السماوات والأرضين، وأجر يا رب لطفك الخفى في أمرى وأمر المسلمين يكررها، مرات 129 حسبما قرأت ذلك بخط شيخنا المذكور. وفاته: توفي بين العشاءين من ليلة الاثنين ثامن محرم عام خمسة وأربعين وثلاثمائة وألف، ودفن حذاء ابن أخيه المترجم قبله يليه يوم الاثنين المذكور بزاويتهم الشهيرة، وحضر تشييع جنازته جمهور أهل البلد وغيرهم. برد الله ثراه آمين. 334 - محمَّد اليزناسنى. 335 - محمَّد غازى. 336 - محمَّد القباب. 337 - محمَّد بن عزوز. 338 - محمَّد الغمارى. 339 - محمَّد الإسحاقى. 340 - محمَّد دادوش. 341 - محمَّد الزرهونى الفقيه الأستاذ.

342 - محمد الزولاتى.

342 - محمَّد الزولاتى. 343 - محمَّد الجرارى. 344 - محمَّد اقلال. 345 - محمَّد المطاعى. 346 - محمَّد البوعصامى. 347 - محمَّد بن محمَّد البوعصامى. 348 - محمَّد مخلوف الأستاذ. لم أقف على ترجمة واحد من هؤلاء الخمسة عشر، غير أنهم كانوا من العلماء المدرسين بالجامع الأعظم الذين يقبضون المرتب العلمى، كما ذلك بحسابات النظار المعاصرين لهم بتاريخ عام تسعة وأربعين ومائة وألف وفاتح الخمسين، لغاية أوائل محرم الحرام فاتح واحد وخمسين، وربما كان ذكر بعضهم قد تقدم في التراجم السالفة. 349 - مالك ابن العناية بن المفضل بن خدة الغرباوى الزاووى قرارا ومدفنا. مشيخته: أخذ عن مولاى العربي الدرقاوى. الآخذون عنه: أخذ منه سيدي إدريس بن الشريف جد ابن عمنا العلامة سيدي محمَّد بن أحمد، ومولاى الفضيل الشبيهى خطيب الحرم الإدريسي، وأخوه سيدي أحمد، وجل أعيان شرفاء الزاوية الإدريسية في وقته، ولم أحفظ وفاته، بيد أنه كان حيا سنة ست وخمسين ومائتين وألف، وضريحه بالزاوية الدرقاوية قرب مزارة الضريح الإدريسى.

350 - المختار بن الحاج الحبيب الأجراوى

350 - المختار بن الحاج الحبيب الأجراوى. حاله: فقيه صالح ناصح مرشد علامة متبحر، متضلع نقاد، مشارك محقق، متقن حافظ لافظ، زاهد ورع، حجة جدا، واجتهد في قراءة العلم وإقرائه والعمل به، ما شهد قط ولا أفتى ولا تعاطى سببا دنيويا حتى قضى نحبه، قلما تجد أحدا في وقته لم يقرأ عليه، ختم المختصر إقراءً دون قراءته هو على غيره إحدى عشرة مرة، تسع منها بالقطب الدردير، واثنتان بالخرشى، وكان يحفظ لتسهيل وغيره من مطولات الشروح. حدثني بعض العدول ممن كان يلازم درسه أنه اشترى يوما كتابا في النحو مبتور الأول والآخر لم يدر ما هو، فجاء به إلى شيخه صاحبي الترجمة يسأله عنه، فلما اطلع عليه أخبره أنه تسهيل ابن مالك، وأنه كان يحفظه عن ظهر قلب منذ عصر قديم. وحدثنى شيخى أبو عبد الله بن الحسين العرائشى أن بعض الطلبة طلب من المترجم أن يقرأ معه تلخيص المفتاح فقال له إن شئت أقرأ معك النصف الأول فذاك, لأنه الذي قرأته على أشياخى، وأما النصف الثاني فلا أقدر على قراءته معك لأنى لم أقرأه عليهم، وذلك غاية الورع، وكان إماما بمدرسة الشهود ثم رشح للإمامة بالمسجد الأعظم. مشيخته: أخذ عن شيخ الجماعة الحاج مبارك الفيضى، والسيد المهدي بن سودة، والسيد العباس بن كيران، والسيد محمَّد بن محمَّد بن العناية بن فقيرة. الآخذون عنه: أخذ عنه شيخنا القاضى محمَّد بن عبد السلام الطاهرى والسيد الغالى ابن المكي السنتيسى وشيخنا أبو عبد الله محمَّد القصرى وشيخنا ¬

_ 350 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 7/ 2675.

السيد المعطى ابن عبود وشيخنا أبو عبد الله محمَّد بن الحسين العرائشى وغيرهم من أعيان العلماء النقاد. وفاته: توفي رحمه الله يوم الأربعاء سادس ربيع الثاني عام ثلاثمائة وألف ودفن بروضة سيدي عمرو الحصينى ورثاه تلميذه السيد الغالى السنتيسى بما لفظه: يا لهف نفسى على قوم عهدتهم ... كانوا هم جنة من سواء أغيار جادت بهم راحة الأيام فانبلجت ... شمس السرور بهم من كل أقطار من كل مكرمة عضوا بناجذهم ... على فريدتها في المنظر الفار علم وحلم وزهد عفة وتقى ... جميل ظن وصبر ثم سجوار كفاك بأعلم منهم فقه مختصر ... ونحو ألفية من خير خيار إذا أساء إليهم فاحش صفحوا ... وعن قبيح يغض طرف أبصار لو أن رضوى أتى مع ضعفه ذهبا ... إليهم أدبروا هم أي إدبار لعلمهم أن مولاهم مطهرهم ... لم تلتفت نفسهم لفتا لأكدار وكيف والله ذو الأنعام ملبسهم ... من التقى لبس أخيار وأبرار يرون كل محب مخلصا ومقا ... ويسترون ممساويه بأستار لكل نائبة يولى الزمان بها ... صبر جميل إليها منهم سارى لا يعذب العيش إلا في جوارهم ... وكان طول على من أمهم جارى يبناهم كالذى قد قص وصفهم ... مستوطنون سواد وسط إبصار إذ صاح فينا غراب البين يندبنا ... من قد ألفنا بهم من كل أوطار

351 - المختار بن الباشا عبد الله بن احماد السوسى الأصل

فأصبحت كائنات الكون قائلة ... أين الذي حبه في طى أسرارى أين الذي أمت الطاعات أمته ... قد أوهنتها عبادة بأسحار يا عين فابك عليه غير مصحية ... واستفرغى الجفن منك كل أقطار واستبكه كل عين مدمعا هطلا ... واستمطريه كثيرا سحب أمطار يا عين فابك فإما أنت باكية ... فلا أمنت، المكروه والعار فلست أرضى به حبا سواه عدى ... أن يبدل الله مختارا بمختار هـ من خطه وقد أثبتناها على ما بها تتميما للفائدة. 351 - المختار بن الباشا عبد الله بن احماد (¬1) السوسى الأصل، المكناسى الدار والإقبار، الصدر الأعظم. حاله: عالم علامة فاضل نحرير، مشارك بشوش، كريم الأخلاق والسجايا، حسن السمت والبزة، كثير الصمت, هين لين، لطيف المحادثة، أديب أريب ناقد بصير سياسى ماهر، كاتب مجيد راوية للشعر وأمثال العرب، ممتع المجالسة والمذاكرة، مدرس نفاع، يتلقى بحث الطلبة في درسه بكل إنصاف. استوزره السلطان مولانا الحسن مع ولده مولاى عمر مدة خلافته بفاس، وكذا مع ولده وخليفته مولاى محمَّد وجعله السلطان المولى عبد العزيز وزيرا لعمه وخليفته بفاس مولاى عرفة. ثم لما توفي الشريف مولاى الطاهر البلغيثى الكاتب الأول بالصدارة العظمى اختاره ابن عمه الوزير الصدر أبو العباس أحمد بن موسى المار الترجمة للتولية مكان المتوفى المذكور، حذرا من اطلاع الكتاب الأجانب على سره. ¬

_ 351 - من مصادر ترجمته: سل النصال في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2898. (¬1) في المطبوع: "أحمد"، والمثبت رواية سل النصال.

ثم رشح للصدارة العظمى بعد وفاة ابن عمه المذكور وذلك فاتح عام ثمانية عشر، ثم عزل أواخر ذى الحجة من السنة المذكورة، وأخرج من مراكش وسلب مما كان خرج به من ماله بعد مبارحته بأهله لها، وذلك أنه رجع يوما من دار المخزن في موكب وزارته فوجد كل ما بداره محمولا والنساء ينتظرنه بالباب، وكتيبة من الخيل في انتظار وروده لتذهب به لمكناس، فأركب نساءه وسافر صابرا محتسبا، ومن الغد أدركته كتيبة أخرى بالطريق وفي معيتها مكلف من قبل المخزن للإتيان بجميع ما خرج به من مال ومتمول، فسلب من ذلك كله على وجه التعنيف والانتقام. قيل: أخذ له من خصوص الناض ستون ألف ريال، وصدرت الأوامر المخزنية في اليوم نفسه لفاس بإحصاء جميع ما لديه بها وحيازة ذلك لجانب المخزن منفذ الأمر المصادر، وهو في ذلك كله يقرأ قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ... (26)} [سورة آل عمران آية 26] الآية ولما وصل رباط الفتح أنزله عامله على يده ومنعه من التوجه لمكناسة، وبقى في حكم الاعتقال بالرباط مدة، ثم غريب لتطاوين تبكيتا له، وأقام بها مدة ينشر العلم، ثم أذن له بالتوجه لبلده مكناسة، ولما حل بها أقبل على نشر العلم وبثه في صدور الرجال غير مبال ولا مكترث بما امتحن به من العزل وسلب بعض أمتعته. ثم في أول تسعر نيران الفتنة البربرية في الدولة الحفيظية وذلك في ربيع الأول عام ثمانية وعشرين وثلاثمائة وألف، سلبه البرابر بمقربة من فاس جميع أمتعته وأثاثه، ولم يتركوا له ولا لعياله وصغار أطفاله زائدا على ما يستر العورة المغلظة، حيث إنه كان قادما من فاس لمحل استيطانه بمكناس بعد أن باع كل ما كان له بفاس من العقار وما لا يحتاج له من الأثاث، فرجع لفاس على حالة تخجل المروءة والإنسانية، وأقام بها مدة، ثم رجع لمكناس وأقام بها إلى أن وافته منيته، وقد كف بصره في آخر عمره رحمه الله فصبر وشكر.

352 - المكي ابن القاضى أبي القاسم العميرى

مشيخته: أخذ عن العلامة المحدث أبي محمَّد عبد القادر العراقي الفاسى المتوفى بالإسكندرية في ربيع الأول عام ثمانية وثمانين ومائتين وألف وأجازه عامة، وعن جنون مختصر الرهونى، وسيدى إبراهيم التادلى المتوفى في سابع عشر حجة الحرام متم عام أحد عشر وثلاثمائة وألف برباط الفتح، والقاضى العلامة سيدي أحمد ابن سودة، والسيد فضول السوسى، وأجازه عامة وقفت على إجازته له بخطه وهي عندي يظهر مما سطره فيها أنه يرى أن الإجازة شهادة وليس الأمر كذلك كما هو مقرر مشهور، وعن السيد فضول بن عزوز، وشاركهم في مشايخهم، وأجازه سيدي على بن ظاهر المدني عامة عن الشيخ عبد الغنى بن أبي سعيد الدهلوى بأسانيده المفصلة في اليانع الجنى، وأبو العباس أحمد بن زينى دحلان صاحب الشهرة العظيمة وأجازه عامة. الآخذون عنه: منهم شيخنا ابن عبد السلام الطاهرى، أخبرنى أنه قرأ عليه درسا أو درسين في الخزرجية، وشيخنا العرائشى، وعمنا وشيخنا مولاى عبد القادر بن زيدان، وسيدى محمَّد بن عبد الله بن الطاهر المترجم فيما مر، والسيد الجيلانى بن حم، والسيد محمَّد بن حلام والمولى راشد بن على الشبيهى نقيب الأدراسة الحالي، والمولى إدريس بن عمر المطهرى، وجامع هذا الكتاب، وأجارنى رحمه الله عامة وغير من ذكر بفاس ومكناس وغيرهما. وفاته: توفي بمكناس أواسط شعبان الأبرك عام خمسة وثلاثين وثلاثمائة وألف، ودفن بالزاوية الكنتية من حومة صدراتة. 352 - المكي ابن القاضى أبي القاسم العميرى. حاله: فقيه علامة نبيه عدل رضي مبرز مفضل، مساجد زكى، من صدور أعيان عدول سماط مكناسة ووجهائها الموثوق بدينهم وأمانتهم. ¬

_ 352 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 7/ 2467.

353 - المكي بن المختار الحناش

مشيخته: أخذ عن والده ومن عاصره من الأعلام الحيلة. وفاته: توفي أواخر محرم أو أوائل صفر عام أربعة عشر ومائتين وألف، إذ قد كان بقيد الحياة ووقع الإشهاد عليه بوصية في عشرى محرم من العام، وقومت داره بعد وفاته في سابع صفر كما برسم الشهادة على العراف. 353 - المكي بن المختار الحناش. حاله: فقيه علامة مفوه جليل عدل رضي كان يتعاطى الشهادة بسماط العدول من أعيان وجوه صدور عدول الحضرة المبرزين وقاداتها الأخيار المعتبرين، وقفت على نسخة رسم بشهادته بتاريخ سادس شوال عام حتى وستين ومائتين وألف، وتولى النيابة بالحضرة عن قاضى وقته. وكان أوحد زمانه في الأدب والإنشاء نظما ونثرا، نساخا للكتب، شديد المحافظة والضبط والإتقان، حتى انتقاه سيدنا الجد السلطان مولانا عبد الرحمن بن هشام لنسخ مهم الكتب بحضرته السلطانية. ويقال: إنهم أشراف أدراسة من ذرية مولانا عبد السلام بن مشيش، وإن سبب ورودهم لمكناسة هو أن لصا سرق جدهم الأعلى وهو إذ ذاك صبي يقرأ بالمكتب وأتى به لحضرة فاس زاعما أنه ابن له، والصبى ينفر منه ويفند دعواه إلى أن علم بذلك أولو الأمر وافتضح اللص، فأبق ناجيا بنفسه، ولما فشا الأمر وبلغ سيدنا الجد الأكبر مولانا إسماعيل وجه على الصبي واستفسره عن حقيقة الأمر فأخبره بالواقع فأبقاه بشريف أعتابه، وأدخله المكتب من جملة أبنائه ثم بعد قلائل جاء بعض أقاربه يتطلب أثره فدل عليه، فأتى الأبواب السلطانية فأخرج له الصبى فتعارفا، وحن كل منهما للآخر، ولما تيقن السلطان صدق الواقع أمر الولد بالتوجه لذويه فامتنع الصبى من الذهاب لما رآه من البرور به والإحسان إليه، فأبقاه السلطان

من جملة أبنائه، وكبر في عينه وأحسن لأهله وأكرم مثواهم ووفادتهم عليه، فرجعوا لأوطانهم مبتهجين، وبشكر صنيع السلطان لهجين. ثم بعد مدة ورد والده بسائر أهله واستوطن مكناسة الزيتون، فقوبلوا بكل اعتبار من لدن الجلالة السلطانية، وقلدوا الوظائف العالية المناسبة لهم كالكتابة والنساخة والدًا عن والد، إلى أن انقرض عقبهم والبقاء لله وحده، ولم يبق لهذا العهد من نسلهم غير امرأة مسنة تناهز التسعين، ومنها استفدت بعض الترجمة بواسطة والدها من غير نسبها، وإلى الله علم تفاصيل الحقيقة. شعره: من ذلك قوله كما بكناشة أديب الرباط السيد محمَّد بن عمرو: لما حللتم جنب اليم أمكم ... وقبل الأرض مسرورا بكم وربا وصار يهدى إليكم من ذخائره ... وصاب بالحوت إكراما لكم وحبا أعداه جودكم حسن شدوكم ... فاهتز لقرب منكم راقصا وحبا وقوله: محياك شمس الضحى المشرقة ... به حدقات الورى محدقة وأسهم لحظك ترمى الحشا ... تخالها شهب السما المحرقة وقوله: يا من إذا الصبح أقبل ... حكى ضياء جبينه ومن إذا الليل أسبل ... حكى سواد جفونه وفاته: توفي في حدود السبعين ومائتين وألف.

354 - المكي بن أحمد السوسى والد السيد فضول

354 - المكي بن أحمد السوسى والد السيد فضول. حاله: فقيه عالم عدل زكى مدرس، كان يتعاطى خطبة الشهادة بسماط العدول. مشيخته: أخذ عن والده وغيره من مشائخ عصره. الآخذون عنه: أخذ عنه ولده السيد فضول ومن في طبقته، ولم أحفظ وفاته. 355 - المكي أبو زكرى المكناسى الأصل والدار. حاله: فقيه كاتب بذّ، حلاه الزيانى في الجمهرة في عدد الذين لازموا الأخذ عن مولانا سليمان في المقام والترحال، ولم أقف له على ترجمة. 356 - منانة مزوارة المكناسية. حالها: مجذوبة ساقطة التكليف، تخرج في أسواق مكناس بادية في قشابة خضراء منقبة بثوب أبيض أو أحمر، كثيرة الوقوف عند باب المسجد الأعظم، وربما جلست ببعض الدكاكين تكلم الناس بكلام لين غالبا, ولها مكاشفات كالشمس الضاحية، تقول للناس: أعطنى كذا يكن لك كذا، هذه كانت حالها إلى أن لبت داعى مولاها. قال الزبادى كنت أزورها كما دخلت مكناس تبركا بها وبدعائها ولما قرب أجلها لقيتها بقبة السوق فسلمت عليها فقالت لي: إنى قد تزوجت جئت تحضر عرسى، فقلت: نعم، فقالت: عاهدنى على ذلك، فقلت لها إن شاء الله تعالى ولما رجعت إلى فاس مرضت وفي أثناء مرضى رأيت في المنام أنى بمكناسة الزيتون وجازت جنازة عظيمة معها خلائق عديدة فسألت عنها، فقالوا: منانة مزوارة، فقلت في ذلك المنام: الحمد لله الذي أكرمنى بحضور هذه الجنازة المباركة وتبعتها

357 - المصطفى الشريف العلوى المدغرى ابن محمد الكبير

حتى دفنت بروضة السيدة العلمية، واستيقظت ومن الغد وبعد الغد دخل بعض الفقراء وذكر لي أنه جاء من مكناسة وبلغنى السلام عن الإخوان هناك فسألته عن السيدة المذكورة، فقال لى: توفيت بالأمس رحمة الله عليها، ودفنت بروضة السيدة العلمية، وكانت لها جنازة عظيمة، فكان يصف لي وأنا أنظر في ذلك. وفاتها: توفيت سنة أربع وتسعين ومائة وألف. 357 - المصطفى الشريف العلوى المدغرى ابن محمد الكبير بن عبد الرحمن بن محمَّد، عبد الله بن محمَّد بن طاهر بن قاسم بن عبد العزيز بن الحسن بن يوسف بن مولانا على الشريف. حاله: علامة مشارك، له معرفة بعلم الأوفاق وتجويد القرآن، حسن التلاوة خلو الشمائل، كريم الأخلاق، له معرفة بعلوم القراءات درس ابن برى وختمه مرتين، ثم حدث به مثل جذب واعتراه قلق وضيق صدر، فصار يطوف على أضرحة الصالحين ويتطارح على أبوابهم ويدعو بقوله: اللهم إنى أسألك بمشاهدة أسرار المحبين، وبالخلوة التي خصصت بها سيد المرسلين، حين أسريت به ليلة السابع والعشرين، أن ترحم قلبى الحزين، وتجيب دعوتى يا أكرم الأكرمين، ويكتب ذلك في أوراق ويلصقها بجدرات أضرحة الصالحين، ولم يزل ذلك شأنه حتى تيسرت له أسباب السفر لبلاده بالصحراء، فوجد شيخه العارف بالله مولاى المهدي نزيل أبار في مرضه الذي مات به، فلازمه إلى انتقل لوطن الرحمة محمود المساعى، وكان يحدث عن شيخه المذكور أنه لما قربت وفاته أكثر من تلاوة قوله تعالى: {... أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ... (54)} [سورة الأعراف، آية 54] ثم بعد وفاة المولى المهدي رجع لمكناس، وأقبل بكليته على القراءة تعلما وتعليما، ثم رحل لفاس وأخذ عن جهابذة نقادها الأعلام، ثم رحل لبلاده وذلك آخر العهد

مشيخته: أخذ عن ابن الجيلانى السقاط، والسيد فضول بن عزور، والسيد محمَّد بن التهامى الوزانى، وشيخنا البركة أبي عبد الله محمَّد بن قاسم القادرى والسيد التهامى جنون، وأبى عبد الله محمَّد بن عبد الواحد ابن سودة المدعو الجلود، والشريف القاضى مولاى محمَّد، والشريف سيدي جعفر الكتانى. وأخذ القراءات عن الأستاذ العلامة أبي عبد الله محمَّد التهامى بن الطيب الغرفي. الآخذون عنه: أخذ عنه شيخنا العرائشى، والسيد محمد الواسترى، والسيد أحمد ابن فقيرة وغيرهم. نثره: من ذلك قوله في خطبة شرحه على منظومة الهلالى بالدعاء بأسماء الله الحسنى ولفظه: الحمد لله الذي تعرف لعباده بصفات الاتحاد والانفراد، وهيأ بتوفيقه من شاء لطاعته فقاموا بالجد والاجتهاد، وكشف عن بصائرهم بنور الهداية والرشاد، نحمده على ما أسدى، ونشكره على ما أولانا قديما وعهدا، وصلاته على سيدنا محمَّد نور الهداية والهدى، وعلى آله نجوم الاهتدا، وأصحابه أئمة الإقتداء، وبعد فهذا شرح لدعاء الهلالى، بأسماء الله الكبير المتعالى. مؤلفاته: منها شرحه على نظم أبي العباس أحمد بن عبد العزيز الهلالى في الدعاء بأسماء الله الحسنى عنون هذا الشرح بالمنة الإلهية، في شرح الأسماء الهلالية، ودونك مطلع النظم المشروح: إذا نابنى خطب وضاق به صدري ... تلافاه لطف الله من حيث لا أدرى ولا سيما إذ جئته متوسلا ... بأسمائه الحسنى المعظمة القدر

358 - المعطى بن العناية البخاري الغربوى السفيانى المعتكى من أولاد علال

358 - المعطى بن العناية البخاري الغربوى السفيانى المعتكى من أولاد علال. حاله: ناسك فاضل جليل، له مهارة تامة في التوقيت والتعديل والحساب وما يرجع لتلك الفنون، يحسن كل ذلك ويتقنه إتقانا تاما، وكان يحفظ قراءة ابن كثير حفظا متقنا، كثير التلاوة والذكر، مشتغل بما يعنيه، تارك لما لا يعنيه، وكان سيدنا الجد السلطان مولانا عبد الرحمن بن هشام نظمه في سلك موقتيه الملازمين له حضرا وسفرا بعد أن كان مستخدما لديه في جملة أصحاب، فراشه المولوى، وكان يجله ويقدره قدره ويرضى أمانته حتى إنه رشحه لإقراء بناته، ولما كبر سنه ووهن عظمه تقاعد عن الخدمة السلطانية، واستقر بمحل استيطانه مكناسة الزيتون، فنفع الله به وبمعلوماته أقواما. مشيخته: أخذ عن البحر الزاخر السيد عبد الرحمن بن محمَّد فتحا بصرى المكناسى وغيره. الآخذون عنه: منهم الطالب بوعزة بن العربي الفشار، والعدل الطالب صالح الحلمونى المترجم فيما يأتي وجماعة من مهرة الحيسوبيين وأهل الميقات. وفاته: توفي في ربيع الثاني عام ستة وسبعين بموحدة ومائتين وألف، ودفن بروضة الولى الصالح أبي العباس أحمد المعروف بالضاوى من سوق الغزل الواقع خارج باب بريمة من حضرتنا المكناسية. 359 - المعطى الشاوى المسكينى القرقورى نزيل مكناسة. حاله: يحب في الله ويبغض فيه لباسه حائك صوف وبرنس منه وقميص وعمامة صغيرة ذو أتباع وعيال، نفقته من الفيض الوهبى، نزيه عالى الهمة، كثير الخشية، لا تأخذه في الله لومة لائم، له مشاركة في فنون شتى، وأكثر دروسه في التوحيد.

وكان في أول أمره منعزلا عن الناس، مشتغلا بعبادة ربه في خلوة بعيدة عن رهطه وعشيرته ثم في بعض الأيام خطرت بباله مسألة اعتقادية حيرت ذهنه وعسر عليه فهمها، فرحل لفاس بإشارة من بعض أهل الخصوصية الربانية، ولازم العلامة الصالح الحاج محمَّد جنون مختصر الرهونى، ومن عجيب الاتفاق أنه أول ما حل بفاس حضر درس جنون المذكور ووجده يقرر المسألة التي أشكلت عليه، وكانت سبب رحلته فلازمه مدة حتى مهر وحصل غاية منيته في فنون شتى، ثم رحل لبلده وتصدر للإفادة وأقبل على التدريس، وأسس زاوية لإلقاء الدروس، وإفادة الناس، فاشتهر صيته، وأقبل الناس عليه من كل صوب. ثم مر السلطان المولى الحسن في بعض حركاته على زاويته فلقيه واعتنى بشأنه ورفع المغارم وسائر الكلف المخزنية عن أقاربه وسائر المتعلقين بأذياله، فاشتد لذلك غيظ عامل بلده حسدا من عند نفسه، ولم يزل يضمر له السوء وينصب له حبال المكايد حتى قبض عليه وأودعه السجن ومكر به، ولما علم بذلك السلطان المذكور قبح فعل ذلك المتولى الخبيث، وسب وجدع وقرع ووبخ، وأمر بتسريحه حالا والإتيان به إليه على كاهل المبرة والإكرام لحضرته المكناسية، فأقام بمكناس واشتغل بالتدريس وإفادة الناس مدة، ثم رجع لبلده، ثم نقل لسطات بقصد تولية القضاء بها وبها كانت منيته. وقد ظهرت له مدة مقامه بمكناس كرامات، وخوارق عادات، لا زال المسنون يتحدثون بها، من ذلك ما أخبرنى به بعض من وثقت بخبره من الآخذين عنه الملازمين له أنه كانت عنده آنية من العود أعدها لطعام الأضياف تسع ملء الكفين مرتين، وكان يطعم منها العدد الوافر من الناس ولا تنفد، وأنه جاءه رجل بولديه يدعو له فقال له: ارجع بولدك فإنه ولى من أولياء الله تعالى فكان الأمر كما قال، نشأ ذلك الصبى في عبادة الله تعتقده الخاصة والعامة ويتبركون به، ولم يحفظ عنه

360 - المعطى بن محمد بن الهادي بن عبود المكناسى

ما ينقم عليه في أمر دينه، وأنه كتب له بعض أهل مكناس كتابا فأجابه بقوله: أخانا في الطين، فقيل له: لم لم تقل له أخانا في الدين؟ قاد: ما شهدنا في وصفه إلا الأخوة في الطين، ولا أثر عليه من الدين، فاستقرئت أحوال الرجل فوجد كما قال، وكان لا يأكل طعاما حتى يعرف حال صاحبه فإن كان من أهل الظلم والتعدى رده عليه، ثم إنه أكل يوما مع العلماء طعام السلطان فندم وبكى واستغفر الله من ذلك. مشيخته: أخذ عن مختصر الرهونى. الآخذون عنه: منهم السيد الطاهر السوسى وهو مخبرى بحل ترجمته. 360 - المعطى بن محمَّد بن الهادي بن عبود المكناسى. حاله: عالم خاشع ناسك ورع، ذو عفة ووقار وهيبة، محب في النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله، وسائر المتعلقين بأذياله، فاضل متبتل، واعظ خطيب مصقع، مدرس نفاع، عدل رضي، عارف بالتوثيق ماهر، كان إمام المسجد الأعظم وخطيب مسجد البراذعيين، سرادًا للذخيرة المعطوية، وتفسير الثعلبى، وسيرة الكلاعى النبوية، وصحيح البخاري في رجب وشعبان ورمضان، مستحضرا لأحاديثه تولى نيابة القضاء بالحضرة المكناسية، ورحل إلى الحج وزيارة خير الأنام عام ستة وعشرين وثلاثمائة وألف. مشيخته: أخذ عن والده، وعن السيد فضول السوسى وهو عمدته وشاركه في مشايخه كالشيخ مبارك شيخ الجماعة، والسيد العباس بن كيران، والسيد المهدي ابن سودة. الآخذون عنه: أخذ عنه سيدنا الوالد، والشريف سيدي محمد بن إدريس ¬

_ 360 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2867.

361 - مغيث أبو الفضائل زغبوش القرشي

الشبيهى، والسيد عبد القادر بن أحمد العرائشى، والسيد الغالى السنتيسى، وكاتب هذه الأحرف، والفقيه الكاتب السيد أحمد بن محمَّد بن فقيرة والنقيب سيدي مشيش بن المختار الشبيهى، ومولاى إسماعيل بن عبد الرحمن العلوى، وجماعة من أعيان أهل العلم. شعره: من ذلك قوله من قصيدة قرظ بها همزيتى الموسومة بكفاية المحتاج، في مدح صاحب اللواء والتاج. أعد المديح بزينب الزيدانى ... فالوقت أبرز نغمة الزيدانى كم أشعلت في مهجتى حرقا وكم ... سدلت على مآزر السلوان برزت فأدهشت العقول بحسنها ... ورمتهم بذوابل الأجفان إلى أن قال: همزية همزت عقولا وارتقت ... بفصاحة وبلاغة وبيان إلى أن قال: لا زلت في فلك السعادة ساميا ... تجلى عليك فضائل الرحمن وفاته: توفي ليلة الثلاثاء آخر يوم من حجة الحرام متم عام ثلاثين وثلاثمائة وألف. 361 - مغيث أبو الفضائل زغبوش القرشي. حاله: فقيه عدل صالح، نبيه كامل ناصح، عابد سالك ناسك متبرك به فالح، ذو مواهب سنية، وأحوال مرضية سنية، وقفت على تحليته في بعض العقود القديمة بالذكى العابد، الناسك المجاهد، قدوة العباد، وعلم الزهاد، قطب العارفين، وغوث المستغيثين، من ظهرت بركاته، وبانت مآثره وكراماته.

362 - المفضل بن أحمد الفلوسى الزرهونى الوربى الأصل المكناسى النشأة والدار

لا زال ضريحه مزارة مقصودة للتبرك إلى الحين الحالي موقعه قرب باب البرادعيين من هذه الحضرة المولوية المكناسية، وقد غابت عنى وفاته بعد مزيد البحث والتنقير، بيد أنى وقفت على عقد صداق لبعض عقبه مرفوع فيه نسبه إلى المترجم بتاريخ أحد عشر ربيع الثاني عام سبعة عشر ومائتين وألف، صاحب الترجمة هو الجد الحادى عشر له، وفي ذلك دلالة على تقادم عصره. 362 - المفضل بن أحمد الفلوسى الزرهونى الوربى الأصل المكناسى النشأة والدار. حاله: من صدور أعلام الدولة الإسماعلية، ودولة ولده مولاى عبد الله، وحفيده سيدي محمَّد رحم الله الجميع. فقيه عالم، أصبح علمه واضح المشاعر والمعالم، خاتمة المحققين، وأوحد النقاد المحررين المدققين، منع وأجاز، وتصرف في الحقيقة والمجاز، وجاز إلى بيوت الدراية على أوثق مجاز، حتى تصرف في طرفى الإسهاب والإيجاز، ووعد العقول بسحر بيانه فاختار الإنجاز، وكان من العدول المبرزين، والقادات المميزين، في طبقة أبي القاسم العميرى، والطالب بوعنان وغيرهما من أماثل الجهابذ وكان يتعاطى خطبة الإشهاد بالأحباس وغيرها بتاريخ خمسين وواحد وخمسين واثنين وخمسين بعد مائة وألف حسبما وقفت على عقود بإشهاده في الأزمنة المذكورة. مؤلفاته: منها شرح على همزية البوصيرى سماه الفوائد الفكرية ومن فوائده فيه لدى قول المتن: والأقاويل عندهم كالتماثيـ ... ـــــل فلا يوهمنك الخطباء ما نصه: وقال آخر يعني من العلماء ما من شيء إلا يمكن استخراجه من القرآن لمن فهمه الله تعالى حتى إن عمره - صلى الله عليه وسلم - كان ثلاثًا وستين استنبط من آخر

363 - المفضل بصرى.

سورة المنافقين لأنها رأس ثلاث وستين سورة، وعقبها بالتغابن لظهوره بفقده - صلى الله عليه وسلم - وتوجد نسخة منه بمكتبتنا عتيقة في مجلد في غالب الظن أنها بخط مؤلفه. 363 - المفضل بصرى. وقفت عليه في زمام المدرسين بالجامع الأعظم من الحضرة المكناسية الذين يقبضون المرتب العلمى بتاريخ خمسين ومائة وألف، وكذا عام واحد وخمسين، ولم أقف على شيء من ترجمته. 364 - المفضل بن العدل الزكى السيد الهادي بن أحمد بن المجذوب صنو العارف بالله سيدي الطيب بن على بن عبد الرحمن بن على بن عزوز. دفين زغوان، بلاد قرب تونس كما بخطه. حاله: بحر علم متلاطم الأمواج، يغسل الناس للالتقاط من فرائد فوائده فرادى وأزواج، فقيه جليل عالم بالتفسير والحديث والسير والفقه والأصول وعلوم البلاغة، ماهر مهارة كاملة في جميع تلك الفنون وغيرها عدا العروض وقرض الشعر، مقتدر مستحضر، متقن للقواعد غواص على درر المعانى واستخراجها من أصدافها بذهن ثاقب وفكر كشاف، عارف بإدراج الجزئيات تحت الكليات، فصيح اللسان، ثبت الجنان، سريع الإدراك والجواب، مع إصابة صوب الصواب، شديد الولوع بالمطالعة، وقفت على عدة من كتبه المطبعية لا تكاد تجد حرفا واحدا في الغالب إلا وأعاده بقلمه. تولى نيابة القضاء ببلده مكناسة، وانتهت إليه رياسة النوازل والأحكام فيها، ¬

_ 364 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2826.

ثم رشح للقضاء ببلد القصر، وتقلد به تلك الخطة التي هو أحق بها وأولى، وذلك عام واحد وثلاثمائة وألف. وكان خروجه من مكناس مسقط رأسه لمحل مأموريته القصر الكبير في السادس عشر من ربيع الثاني عامه، ودامت توليته للقضاء ستة أعوام، ولم يشغله القضاء عن التدريس والتقييد، تخرج عليه قادات أجلة، وكانت دروسه للمنتهين أفيد ما خاض في مسألة الإقرار فيها فنونا وأتى بما يبهر العقول، من منقول ومعقول فيبرز المعقول، في قالب المحسوس بأسهل عبارة وأبدع أسلوب، له من المقدرة على التصرف في الكلام والتفنن في أفانين التعبير وتنويع، الأمثلة ما أبهت كل معاند، لا يخشى أحدا, ولا يراقبه لين العريكة، يتواضع مع العالم والجاهل، يبتدئ بالسلام كل من لقيه عرفه أو لم يعرفه، يباسط الصغير والكبير، قليل السعد مع الولاة وذى الحيثيات، صادق الفراسة. اجتمع يوما مع جمع حفيل من أعيان الأعلام في وليمة وقد تأخر بعض الأعلام المعزومين عن الوقت المعين للحضور فيه، فسأل عنه رب المنزل فأجابه المترجم بقوله: إنه يطالع مسألة ليلقيها علينا، فلما جاء الفقيه واستقر به الجلوس، والتفت إلى المترجم وقال له أيها الفقيه ما معنى قوله تعالى: {... وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ... (60)} [سورة الإسراء آية 60] مع أن الشجرة لا تكليف عليها، فلا تستحق اللعن الذي هو الطرد عن رحمة الله، فنفر القوم بعضهم إلى بعض تصديقا للفراسة، ثم أجابه المترجم بما معناه في الآية احتمالان: الأول أن يكون اللعن بمعنى الذم مجازا لا بمعنى الطرد، وهي أي الشجرة شجرة الزقوم قد ذمها الله تعالى فهي مذمومة، الثاني أن يكون المجاز في الإسناد أي الملعون آكلها وهو الكافر قال تعالى: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44)} [سورة

الدخان] , فلما فرغ المترجم من تقرير الاحتمالين قال السائل المذكور: والله أيها الفقيه إن هذا هو الذي قالوه فضحك الحاضرون وعلموا صدق فراسة المترجم. وقد سأله يوما بعض الجلة من أعلام فاس بمجلس عاملها إذ ذاك السيد عبد الله بن أحمد عن قوله تعالى: {... فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ... (14)} [سورة المؤمنون آية: 14] والحال أن العظام مكسوة لحما وجلدا فسكت المترجم، فقال له السائل: أننظرك إلى أن تطالع؟ فقال له المترجم: لا تنظرنى، فلا أخرج من المجلس إلا بعد أن أجيبك، وبأثر ذلك قدمت لهم حريرة (¬1) فتركت أمامهم إلى أن بردت يسيرا أو جعلت جلدا فنظر المترجم إلى السائل وقال له: ما على الحريرة من الجلد هو حريرة أو غيرها؟ قال: حريرة، فقال له: قد أجبتك فاستحسن السائل جوابه. وسأله هل قرأت بفاس؟ فقال: الناس يشدون الرحلة إلى فاس بقصد القراءة على أعلامها، وأنا فاس شدت إلى الرحلة حتى قرأت، فقيل له: وكيف ذلك؟ قال: أعلم أهل فاس السيد العباس بن كيران جاء قاضيا لمكناس فأخذت عنه، ثم لما قبضه الله إليه خلفه السيد الحاج المهدي ابن سودة، فكان مضارعا له في سعة العلم والإدراك، وربما فاقه فأخذت عنه كذلك، ولم أحتج إلى ذهاب لفاس، فهذا هو الجواب، فاستحسن منه ذلك. والذي يظهر لي أن الإشكال في الآية المتقدمة غير وارد، وذلك أن الآية إنما سبقت للاستدلال على باهر قدرة الله تعالى وإلزام المنكر لإحياء الموتى الحجة، ولم تسق لبيان التشريح واستيعاب الأجزاء التي يتركب منها الإنسان، ويمكن أن يقال على تسليم ورود الإشكال إن العظام مكسوة باللحم لا بالجلد واللحم هو المكسو بالجلد، فوقع الاقتصار على المباشر غالبا. ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "الحريرة دقيق يطبخ بلبن أو دسم قاله في القاموس".

أو تقول في الآية حذف الواو مع ما عطفت والله تعالى أعلم، وإنما قيدت بقولى غالبًا لأنه ربما باشر الجلد بعض العظام والنادر لا حكم له. هذا وقد مدح المترجم غير واحد من الأعلام فمن ذلك قول بعضهم وقد ختم صحيح البخاري: جادت بوصل قرة الأعيان ... ذات الجمال اليوسفى الفتان جاءت تميس كأنها بدر الدجى ... في غاية الإشراف واللمعان أهدت لنا من عطفها روحا سرى ... كالروح في الأحشاء والجثمان أفنى فؤادى حبها ولطالما ... كابدت فيه مرارة الهيمان يا لائمى في حبها ومعنفى ... دعنى فما منها قسيت كفانى لو عاينت عيناك ما عانيته ... لغدوت في أسر الهوى متفانى لكن فؤادك منه خلو لم يذق ... ما ذاقه الحذاق من الحان أهل الهوى أهل الوفا أوصافهم ... محمودة من سالف الأزمان كيف السبيل إلى السلو وقد حوت ... رقى وأفنت مهجتى وجنانى فهي المنى وهي الهنا وهي الغنى ... وهي الشفا مما برا وعنانى لا يسلنى عنها سوى ختم البخا ... رى عند طود الخير والعرفان الفاضل العلم المفضل من غدا ... في النيل مشكور بكل لسان الفاضل بن الفاضل بن الفاضل ... بن الفاضل بن الفاضل الربانى الطيب العطر الهمام المرتضى ... شمس الهداة السادة الأعيان العالم العلامة البحر الذي ... جلت مناقبه عن الحسبان

ذاك الذي صحت دلائل فضله ... وكماله من غير ما برهان الألمعى اللوذعى الأريحيـ ... ـــى وسيلتى ومنيتى وأمان هذا هو القدر الرفيع وذا هو الـ ... ــــركن المنيع مؤسس الأركان هذا ابن عزوز وحاش جاهه الـ ... أسمى يعزز في الوجود بثانى هذا هو البر الزكى المحتمى ... بحماه في سر وفي إعلان أخلاقه محمودة أحكامه ... في غاية الإحكام والإتقان آدابه غرا وآية فضله ... كبرى فلا تحتاج للتبيان همم له شما سمت أسمى السما ... وعلت معاليه على كيوان ما شئت من حلم ومن علم ومن ... كرم ومن حسن ومن إحسان فالزم مجالسه السنية تلق ما ... تبغيه من فهم وسبك معاني وتجد بها بحرا يموج ذكاؤه ... بلطائف ودقائق وبيان وترى الفصاحة والصباحة والسكينة ... والوقار هناك رأى عيان وترى الختام الأسعد الباهى المنيـ ... ـــــر المشرق ألمتلألئ النورانى ختم شريف طابت الدنيا به ... وتتوجت بمفاخر التيجان ختم شريف أشرفت أنواره ... وبات بجامعنا الكبير الشان له ختم خصنا المودى به ... وأزال ما بالقلب من أدران عمت مواهبه وعم نواله ... كل الورى قاصيهم والدانى فالله يحفظ ذا الهمام وجاهه ... من سائر الأغيار والحدثان وينيله ما شاء من خبر وإقبال ... ومن عز ومن سلوان ما ضاع مسك ختامنا الزاهى وما ... جادت بوصل قرة الأعيان

وقول آخر: زارت فأزرت بالنقا والبان ... تفتر عن در زها وجمان غيد تلألأ نورها فأضاءت الـ ... أرجاء بالإشراق واللمعان حيت فأحيت كل صب هام في ... ذاك المحيا الفائق الفتان فاستنشقت أرواحنا من روحها ... عرفا ذكيا عم بالسلوان بزغت من الفلك المضى لكنها ... سقط العشاء بها على سرحان ظلت تقد العاذلات بقدها ... وترى الغوانى نخوة الميسان أنى يماثل حسنها وجمالها ... بدر الدجى وخرائد الغزلان عجبا لريم راضت الأسد الغضا ... ب إلى حمى الإسعاف والإذعان لما درت أن أرقتنى بالنوى ... رقت فراقت مهجتى وجنان إذ طوقت حلى المكارم والوفا ... وتسربلت بلطائف الإحسان وتتوجت بشراف أخلاق تهـ ... ـــــز الراسيات بلازم الإمكان وأرت بمعصمها المسور آية ... منها شاهدنا باهر البرهان خل العواذل لو تسارع غيهم ... للإفك هاذى قرة الأجفان هذى التي منها الصباحة أفصحت ... للفاضلين بدرة العرفان هذى ذكاء فريدة العقد النفيـ ... ـــــس من هبتك قلائد العقيان هذى التي زفت لكفؤ شاقها ... وهنانة ما إن لها من ثانى بدر سما فوق السما بصباحة ... علم الأجاود غرة الأعيان قد فاق أهل الفقه بالتوفيق والـ ... ـــتدقيق والتحقيق والتبيان

جبذ الشوارد من علوم أحجمت ... عنها الليوث فقادها بعنان وأتى الحديث بعفة ونباهة ... فجلى عنا الأصداء والأدران وأماط عنه خماره فأقره ... قاعا قريرا في قرى الأذهان فعنا له التحرير والتقرير والـ ... ــــتصدير في سر وفي إعلان وغدا يعرف بالثقات عن الثقات ... بنقله من غير ما ديوان بفضيلة التدريس والتدريب في ... أحكامه شهدت له الثقلان هل كل من أقرأ البخاري راق من ... يصغى إليه فمال كالسكران ما مثل قاضينا ابن عزور المفضل ... حسن روض عاطر فينان أعطاه ربى رفعة وسيادة ... وكلاءة من صوله الأزمان أو ما هو ابن الأوليا وكريمهم ... هذا المهذب سيد الأقران أو ما مواهب ربنا هذى التي ... ظهرت عليه من رضى الرحمن خال الصفا فتواصلت أمداحه ... في كل قلب نير ولسان لو لم يكن أهلا لكل جليلة ... ما أوتى الفصل المزيح الران لما تصدى للحديث ففاز منـ ... ـــــه السامعون برقة وحنان لله من ختم بمسجدنا المعـ ... ــظم ليلة القدر ارتقى لعنان حضرته أهل الفضل يا بشراهم ... فازوا برأفة ربنا المنان إن ابن إسماعيل نور يهتدى ... بكتابه في حالك الديجان لمَّ الأحاديث الصحاح وجاء في ... أبوابه بمفاتح الإيمان فهو الرشاد أمن بغاه فانتهج ... بسبيله تحظى بأى معان

تخذ الأساتيذ العظام أئمة ... أكرم بهم من ستة تيجان ملكوا زمام العلم والتقوى فمن ... يقفو طريقهم اكتفى بأمان غرفوا من الميم الخضم شهامة ... فسقوا معينهم لذى الإمعان حياهم المولى الذي سناهم ... لحبا الرضا وعناية الرضوان وأمدنا من عطفهم بالمبتغى ... من مالك الملك العظيم الشأن سبحان من يعطى لكل ما نوى ... ويقيل عثرة ذا الأسير العان من يرتجى مدد النبي محمَّد ... صلى عليه الله كل أوان وعلى الصحاب وآله ما قيل قد ... زارت فأزرت بالقنا والبان وقول آخر: حديث الصبا رويته عن قرنفل ... عن الورد عن زهر الربيع المفضل عن الآس والنسرين والياسمين عن ... أكارم زهت بالقيقلان وصندل عن الملك عن عرف البنفسج عن سنا ... رياض أنيق فيه راق تغزلى عن الجزع عن نشر الخزامى فلعلع ... فربع بني سعد خيام التجلل عن الشعب عن جيران ساكنة الحمى ... حمى له في كل المسالك موئلى عن الشوق عن قلبى عن الوصل عن لقا ... حبائب منهم الغزالة تجتلى عن الفجر عن صبح تلته لويلة ... تنزلت الأملاك فيها من العلا فناهيك من صبح تلألأ نوره ... بختم البخاري في ضحاه المهلل تاب جليل أظهر الله سره ... فخص به التعظيم في كل محفل تفرد بالإسناد عن ستة هم ... ذوو العزم في أبناء أكرم مرسل

حباهم من أولاهم كل رفعة ... وبوأهم من فضله كل منزل فسادوا جميع الناس حيث تأهلوا ... لجمع صحاح حبها كل أمثل فجاه ابن إسماعيل سيدنا الرضا ... محمَّد النحرير دون مترا على لذلك مزاياه توالت وأنهجت ... لنا سبل الإرشاد رأد تأمل فقراؤه والسامعون كفاهم ... تغشاهم الإشراق من نوره الجلى أما ثملوا لما سقوا جام عطفة ... أصارتهم في زمرة الحزب الأول فيا آل بدر ها مشوقكم رجا ... بجاهكم يحظى بكل مؤمل فأنتم وقاية الضعيف وأنتم ... وسيلة أندادى عليكم معول فمنوا وجودوا واعطفوا وتفضلوا ... على عسى ما هال قلبى ينجلى فإنى مكظوم وحالى ما خفى ... على علمكم يا جيرة الجانب العلى وها بالبخارى جئتكم متوسلا ... فحاشاكم تثنوا على توسيلى وبالجامع الكبرى التي ضاع نشره ... بها عند تدرس الفقيه المبجل من امتاز في هذى البلاد ببره ... وصار نجيبا فاق كل مفضل ولا غرو إن الفرع يتبع أصله ... وكيف وهذا من سلالة أفضل تشبث صان الله ربى شبابه ... بمن سن إيضاح الحديث المسلسل فأصبح يقفو نهجه بِدراية ... ففض وثاق القفل عن كل معضل وأوضح أبواب الوصول لفهم ما ... تقاصرت السباق عنه بأجمل فإدراكه لا يمتطيه مشارك ... فيال ابن عزوز الزكى المفضل أنور الدياجى لا برحت مفضلا ... بريئا نزيها عن أذى المتقول

وقاك الذي رقاك أسنى منصة ... مراقى العلا عنها تراءت بأسفل وتوجك التقوى لتزداد عزة ... وعلمًا بأحكام الكتاب المفصل وأعطاك من يحيى النبي إجابة ... كما زكريا قد أجيب بأنبل ولا برحت علياك يبرق سعدها ... فترغم من شاناك بالعز الأكمل وهاك أبدر التم مني خريدة ... تحلت بعقدها النفيس المكلل بختم البخاري ضمت الحسن والبها ... وأصبح منها الجيد غير معطل بها فكرتى رامت قبولا فجد لها ... بما ترتوى منه فإنك منهلى وإنك ممن حاز علما وسوددا ... وفار بمجد في البرايا مؤثل فإن تفتخر فاس بأعلامها فها ... سناك بمكناس جدير التهلل فلا شك هذا الختم مفتاح رحمة ... من الصمد الأعلى إليه تبتل أيا يا عالم النجوى ويا سامع الدعا ... ويا كاشف البلوى دعاى تقبل وجد واعف وارحم وامح كل جريمة ... تخللتها في سابق ومؤجل وأخلص لوجهك الكريم مدائحى ... فقد طل في الأهواء قدما توغلى وعن أمة الهادي الشفيع محمَّد ... تجاوز إذا الصفح العظيم التفضل وصل عليه يا كريم وآله ... وأصحابه أولى الرضا والتوكل صلاة تناجى بالبشائر من يقل ... حديث الصبار وتيه عن قرنفل إلى غير هذا مما لو تتبعناه لجاء في مجلد ضخم ولكن ما لا يمكن كله لا يترك كله. مشيخته: أخذ عن شيخ الجماعة في وقته بالحضرة المكناسية السيد مبارك بن

عبد الله الفيضى المترجم سابقا، والسيد العربي بصرى المدعو قطيطة، والسيد المهدي بادو، والسيد المهدي بن سودة، والسيد العباس بن كيران وغيرهم من الفحول النقاد. الآخذون عنه: أخذ عنه شيخنا الحاج المختار بن عبد الله، وشيخنا أبو عبد الله محمَّد بن عبد السلام الطاهرى، وشيخنا أبو عبد الله محمَّد القصرى العبدري (¬1)، وأبو عبد الله المدعو الهويج، والعلامة السيد التهامى بن عبد القادر المدعو الحداد، والعلامة الأديب السيد الغالى بن المكي السنتيسى، والشريف مولاى المصطفى بن عبد الرحمن المترجم فيما مر، والسيد إدريس بن اليزيد، والشريف سيدي محمَّد بن العربي المنونى، وشيخنا أبو عبد الله محمَّد العرائشى حفظه الله، وخلقٌ. مؤلفاته: منها كشف الران، عن قلب مانع الزيارة ومفضل الوظيفة على القرآن، والنصيحة الشافية النافعة للطريقة الدرقاوية، وشرح على رجز سيدي العربي الفاسى في الذكاة اختصر فيه شرح الزياتى، وكواكب البسملة، وشرح على أبيات الهلالى: ألا يا لطيف لك اللطف إلخ، وشرح على الألفية لم يكمل، وشرح على الهمزية لم يكمل وغير ذلك. وفاته: توفي في شهر صفر عام تسعة عشر وثلاثمائة وألف، ودفن بالزاوية الكنتية بحومة صدراتة من العاصمة المكناسية، وقد رمز لوفاته أحد نجباء تلاميذه وهو السيد إبراهيم بن محمَّد بن قاسم المسطاسى بحروف (حمدا وشكرا وزهدا حاو) من قوله: هذا ضريح سليل الأكرمين ومن ... قد فاق مجدا وعلما سائر العلماء هذا المفضل نجل القرم من فخرت ... به الدنا فامتطى من فخره السنما ¬

_ (¬1) في الموسوعة: "العبدوى".

365 - المفضل بن المكي بن أحمد السوسى

عبد الهاد بن عزوز وذلك من ... غدا وحيد الدهور مفردا علما وإن ترد على عام القض فابغ تجد ... (حمدا وشكرا وزهدا حاز) فاكتتما 53 1227 32 16 ج 1319 365 - المفضل بن المكي بن أحمد السوسى. المكناسى النشأة والدار، الفاسى الإقبار. حاله: كان رحمه الله صدرًا شهيرًا علاما أصيلا، جم التحصيل، قوى الإدراك، منطلق اللسان، مشارك نقاد، حسن العبارة، مقتدر على التفتن في أفانين التعبير، إماما في العربية، ذا هيبة وجلال، وحزم وعزم، لا يقدر أحد أن يكلمه في مجلس درسه، ما سئل عن شيء إلا رد السائل مسئولا، ذا سمت وتؤدة، شديد المحبة في الصالحين، كثير الزيارة لهم والبحث على التعريف بهم ونشر كراماتهم، وجيها عند الأمراء والولاة، مبجلا عند العظماء، مسموع الكلمة. وكان يقرأ في دروسه الليلية عدة مؤلفات في مجلس واحد يتخلص من فن لآخر بأبرع تخلص وأحسنه، لا يجارى في ذلك ولا يبارى، لا يقدر أحد من الآخذين عنه في حلقة درسه أن يتحرك أو يتنحنح أو يفوه ببنت شفة، يجلسون أمامه كأنما على رءوسهم الطير، ثم إنه ترك القراءة في آخر عمره ولازم الوزير أحمد بن موسى إلى أن لبى داعى مولاه، ثم لازم المتولى بعده المهدي المنبهى، ولم يزل يظعن بظعن السلطان ويقيم بإقامته إلى أن ختمت أنفاسه رحمه الله. مشيخته: أخذ عن شيخ الجماعة الحاج مبارك الفيض، وأبى الإسعاد المهدي ابن سودة، وأبى اليمن العباس بن كيران، وأبى الفتوح الهادي بادو، ووالده السيد المكي وغيرهم من الأعلام. الآخذون عنه: أخذ عنه شيخنا الحاج المختار بن عبد بن أحمد، وشيخنا أبو ¬

_ 365 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 8/ 2829.

عبد الله محمَّد القصرى، وشيخنا الحاج المعطى بن عبود، والعلامة الأديب السيد الغالى بن المكي السنتيسى، وابن أخيه السيد محمَّد فتحا السوسى، وأخوه السيد محمَّد السوسى، والسيد الطيب بنونة، وابن عمنا سيدي الحسن بن اليزيد، والوزير أحمد بن موسى في جماعة من الأعلام. نظمه: من ذلك قوله جامعا بين قول الشيخين القاضيين في مدح السفر وذمه: أقول وقول الحق يعظم وقعه ... تخالف طبع الناس مبنى الطرائق فإن رمت تحقيق الحقائق سلمن ... أمورك للمولى تكن خير واثق نثره: من ذلك قوله مجيبا ابن عمنا الفقيه الأديب الأكتب مولاى إدريس بن عبد السلام الأمرانى ولفظه ومن خطه نقلت: هلال اليمن والسعد والسعادة، الدال مبتدأ بزوغه على خير أكمل زيادة، غصن شجرة أصلها ثابت أول المحاسن بلا ريب، وجدول حديقة الفضائل السالمة من النقص في علم الغيب، الطالع السعيد، في أفق الرشاد والمجادة الحميد، من برع على الأقران، وانهزم بين يدي رشده حزب الهوى والشيطان، واقتنى كنز الحياء ساعيا في المرضى بلا توانى، ولدنا حقا بمحبته الصادقة مولانا إدريس الأمرانى، لا زالت الكمالات تخدم أبوابه، والسعادة ترتضى أسبابه، وأمنه الله من كل مخوف وحفظه وسلمه على الدوام، عن خير من أنام الأنام، في ظل الأمان مولانا الإِمام، أدام الله مجده وأناله جميع المرام. أما بعد فقد وفي لذيذ خطابك المطرب، وعجيب بليغ فصيح إعرابك المعرب، مقرطا به ومشنفا، حتى لم تبق فصاحتك المفحمة على الحقيقة معارضا ولا معنفا، فيا لها من جواهر استحقها بالأصالة من أعارها، ومعارف لا ترضى بمفارقة من أنارها، فكل فضل في العالمين، فمن فضل جدكم سيد المرسلين، عليه أفضل الصلاة وأزكى التحيات في كل وقت وحين، فبجاهه وحرمته عند الله تعالى نسأله أن يبرد لهيب الاشتياق، بتحيات المشافهة والمعاينة وحسن التلاق،

ولولا (¬1) ما جبل الله سبحانه عليه هذا الحب العزيز المثال، الذي لم ينسج على منواله فيما يظهر لأحد بمنوال، من على قدره وطاب سره، وحسن بين الناس كغيبة علانيته وجهره، الفقيه العلامة الوزير الأرشد، الأسعد الأمجد، المسئول لنا وله من المولى الكريم في كل وقت حسن العاقبة، وكمال الحفظ والسلامة كما نسأله سبحانه أن يرزقنا وإياكم التوفيق والإعانة، ويجعلنا من أهل طاعته وطاعة رسوله ومن الحافظين للأمانة، وأن يفتح علينا وعليكم، ويرضى أفعالنا وأفعالكم، ولا بأس على الحب الأود، الأعز الأمجد، الصادق في الود شهادة وغيبا. ولم يكن لعدو أن يثبت له عيبا، والدك حفظه الله وجعل الضيافة التي كان فيها طهورًا؛ وجعل عقب ذلك سرورا وحبورا ونورا، ولما أطلعت علم الفقيه الوزير، بكتابك الحبير المنير، تهلل وجهه نشاطا، واغتبط بمثلك اغتباطا، وأعجب كل الإعجاب فأفصح في الدعاء الحينى الأحسن، وشهد بأن هذا أفضل هدى وسنن، وعنده من خبر ضيافة الوالد ما أغنى، وهو بأموره وأمور أمثاله أعنى وأغنى وأقنى، كما ثبت عنده من نصحه وصداقته وبره ومروءته، فالحمد لله الحمد لله والسلام وفي رابع جمادى الأولى عام ستة عشر وثلاثمائة وألف المفضل السوسى لطف الله به من خطه. وقوله من رسالة خاطب بها بعض أصدقائه المخلصين وكلفه في النيابة عنه في إعلام أحد تلاميذه النجباء الحيلة، وهو ابن عمنا مولانا الحسن بن اليزيد العلوى بوصول رسالته التي أصدرها له ويعلمه بأنه متهيئ لجوابه ولفظ الغرض منها: واعلم أن الشريف المحبوب، المخصوص من الله الكريم بأفضل موهوب، قد وجه رسالة عجيبة، ترى النفس من بلاغة تلك الرسالة، أن أجوبت بها غير وافية ولا مصيبة، فهي جداول بلاغة جرت فتضاءلت البحار، وأسرار مواهب سرت فأذعنت لمحاسنها وجميل محياها الأفكار، أعنى بذلك النبات الطيب معدنه وأصله، الحسن ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "أغفل جواب لولا صح مؤلف".

فصله ووصله، ابن من فضله من شرف سيد الورى - صلى الله عليه وسلم - يزيد، وكل خطاب زورته في نفسى ليكون جوابه كان لمبتدأ تلك الرسالة شاهدا بأن خبرها له مزيد، وربك يخلق ما يشاء ويفعل ما يريد. ولما عزمت على ممكن الجواب في المستقبل، عجلت لك هذه التخبرة بأنى لا أضيع فصاحته البارعة الفائقة، بل تكرم وتعز وتقبل، ولا عطر بعد عروس، وهكذا تكون طيبة الغروس، زادنا الله تعالى وإياه من الفضائل والكمال، وأصلح أحوالنا في الحال والمآل، ولا تقصر في إكرامه باللائق، وإنما جعلت لك النيابة عني في أمثاله لأنك المحب الصادق، وقد بالغ حفظه الله في الأوصاف، فتح الله بصيرتنا وبصيرته وألهمنا الصواب وباعدنا من الإطراء والإجحاف, وجعل سلوكنا سواء الطريق، وألهمنا الرشد والتسديد والتوفيق، آمين والسلام في ثامن شوال عام ستة عشر وثلاثمائة وألف. وقوله في جواب الرسالة المشار لها تبارك الذي من هيبته وجلاله وعظمته سبحت بصريرها الأقلام، وخضعت لكبريائه وسبحت قدسه سطور السماء طروس الأرض ودفاتر جهابذة الفصحاء الأعلام، أرسل أفصح البلغاء وأفضل الرسل لإبلاغ ما حمله فقام به أحسن قيام، وأمر بالمستطاع من عمل البر فمن أتى به لا يذم ولا يلام، ونحمده ونشكره، ونذكر بنعمائه بعض من يكفره، على ما أنعم به من الخير المزيد، المقدر في الأزل لمن شاء من العبيد، فلا يقدر أحد منهم على نقض ولا إبرام، ونسأله الغفران لذنوب أوقفتنا لباب الاضطرار، وسترها بسعة رحمته وكفى بكرمه ومنته شؤم الإصرار. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من ظن كما أمر بربه الجميل، فنال أفضل مرغوب ومسئول ومأمول من عطاء خالقه الرب الجليل، ونشهد أن سيدنا ومولانا محمَّد عبده ورسوله المحبوب، عين الرحمة المهداة

المبعوث ببيان السبيل الموصلة في الدنيا والآخرة لنيل كل مرغوب، صلى الله عليه وعلى آله سفينة النجاة والأمن والأمان، وصحابته الجلة الكمل المقتدى بهم في تحقيق إخلاص الطاعات وبمحبتهم الكاملة زيادة الإيمان, صلاة وسلاما نخوض بهما بحار المعرفة، ونتحلى في الدنيا والآخرة بأحسن حلة مرضية في الدين وأفضل صفة. أما بعد فالله أكبر ولا أكبر سواه، فسبحان من صور الخلق كيف شاء فأحسن خلقه وعدله وسواه، ولا حول ولا قوة إلا بالله، الذي جعل الأسفار مطايا الرسائل، وممكن نيل الوسائل، ومجرى مجار الفواضل والفضائل، بتوالى الغدايا والأصائل، ومظهر ما تقر به العين وتنشرح به الصدور. من أسرار نتائج الأرواح أصحاب الصدق والمحبة الواصلة الموصلة لنيل الحبور، لما تضمنت أضلاعهم وانطوت عليه من خالص البر وصادق البرور، خصوصا من طاب أصله وفضله، وقد شب حسن خلقه وكرم فعله، حائز قصب السبق في مضمار الأدب والحياء والمروءة والعفة والسماحة، من أصوله الطيبة ومعدنه المتأصل في كمال الذكاء والرجاحة، حافظ زمام اللسن، الشريف الحيي التقى النقى الملقب بالاسم الحسن، فقد أجادت قريحته اللطيفة في رسالتها كل الإجادة، وبنات شفته نثرت على الأسماع جواهر المعانى وأفادت أكمل الإفادة، فلله الحمد وله الشكر والثناء الجميل، حيث أظهر بما قدره من هذه الأسفار من أولاد الروح مثل هذا اللّيل، وشاهدت الأبصار ما تقر به العين، وانتعشت الأسرار بما أملته فيهم فكان بمنظر منها ومسمع قبل أوان الحين، وهذا بحمد من له القدرة والحول، يجبر خواطر كراسى العلم والمسجد الكبير ويقشع عنهما سحاب توهم الحنين والأنين والتحسر والهول. فحيث حللتم هناك بهذه الأحوال العجيبة، والأقوال اللطيفة المصيبة،

366 - المستضئ بنور الله ابن السلطان الأعظم أبي النصر والفدا إسماعيل

تراجعت أمواج هيجان الوجد، فبشروا المحبين بالقفول القريب إن شاء الله تعالى وحلول المنير المنير في برج السعد، ولو تذكرت الكراسى والمسجد ما تلى هناك غير ما مرة في أسباب الخروج من الأوطان والرحاب، من سفر لتجارة أو هجرة أو زيارة أولياء أو أحباب، لذهب في الوقت ما توهم لها من الأوصاف، وسطع سرورها ولها العيش طاب، فلتذكر ما كانت تسمعه، فالعاقل اللبيب لا يتحول عما ينفعه، ولو استحضر مع ذلك ما أعد الله تعالى في المقاصد الحسنة المستحسنة، الصارفة عن العقل غفلته ووسنه، لعاد الحنين والرد عليه بالنحيب ضحكا وسرورا، واستحسنت خدمة أسْكُفَّة هذا الوزير المبارك الأرشد الأسعد, المخلص في النصيحة للمسلمين القريب والأبعد، إجلالا وإعظاما وبرورا، فلن يكافئ إحسانه إلا أن نرفع جميعا أيدى الضراعة والابتهال، ونخلص له في ظل مولانا الإِمام، نصره الله على الدوام، ما أمكن العبد من مستجاب الدعاء وأكمل سؤال. اللهم يا ذا الطول والحول والفضل والامتنان، أحسن عاقبتنا وعاقبته وبارك في عمره وأحسن في أثرنا وأثره وافتح بصيرتنا وبصيرة تلامذتنا أجمعين، واجعلنا ممن علم فعمل، وعمل فقبل يا قوى يا معين. وفاته: توفي بمحروسة فاس يوم الأحد سابع ربيع الثاني عام عشرين وثلاثمائة وألف، ودفن بالزاوية الناصرية هنالك رحمه الله. 366 - المستضئ بنور الله ابن السلطان الأعظم أبي النصر والفدا إسماعيل. صفته وحاله: أبيض اللون، حسن النقد، مليح الوجه، أمه عودة الدكالية، قاله أبو عبد الله محمَّد بن عبد السلام بن أحمد بن محمَّد المعروف بالضيف الرباطى المولود سنة خمس وستين ومائة وألف حسبما قال ذلك عن نفسه في تاريخه.

كان المترجم منكوس الراية، مسيكا ذا خفة وقساوة وطيش، غير متأن ولا ناظر في العواقب، ولا متوقف في سفك الدماء، بويع له بعد أخيه أبي عبد الله محمَّد المدعو ولد عريبة عشية يوم السبت ثالث ربيع النبوى عام واحد وخمسين ومائة وألف، وهو يومئذ بسجلماسة، فوجه له عبيد البُخَارِيّ الذين سعوا في البيعة له شرذمة من الخيل تأتى به من تافيلالت وبمجرد ما اتصل به الخبر، خرج مسرعًا يطوى المراحل، ولما وصل صفرو، وخرج إليه أشراف فاس وعلماؤها وأعيانها وأدوا بيعتهم له، ولما حل بفاس ولى عليها القائد أَحْمد الكعيدى، واستخلف الكعيدى شعشوعا اليازغى، كما عزل قاضيها الشدادى، وولى مكانه السيد محمَّد الدلائى البكري، وأصلح ما كان بين الأدارسة وعامة أهل فاس هناك. ونهض لمكناس عاصمة ملك والده، ولما دخلها كتب العبيد له البيعة العامة، ووافق عليها أهل الحل والربط ظاهرًا لما كان للعبيد من الاستبداد والسيطرة، ثم وفدت عليه بها الوفود بهداياهم وبيعتهم. وكان وصوله لمكناسة في رابع عشر ربيع المذكور، وكان فاتحة أعماله بها بعثه بأخيه ابن عريبة السلطان المخلوع قبله المذكور موثقا بالأغلال لفاس، ومنها لسجلماسة سجينا ينضم لغيره من الأشراف الذين بالسجون هنالك، كما وجه السيد عبد المجيد المشامرى بو طالب، والشيخ أبا زيد عبد الرَّحْمَن الشَّاميّ يسجنان بفاس الجديد، وأمر بنهب دار المشامرى المذكور والتنكيل به وسومه سوء العذاب، فامتثل أمره فيه، ولم يزل المشامرى المذكور يتقلب في أنواع أليم العذاب إلى أن مات، وسبب محنة الرجلين شكاية مولاى عمر الأمرانى نهب داره بفاس بتداخل الرجلين. ثم اشتغل بالبحث على ما في خزائن والده التي لم يلق لها بالا أحد من

إخوانه الذين تملكوا قبله لاحتياجه إلى ما يصرفه ابتغاء مرضات العبيد، ولم يترك خزينا من الخزائن إلَّا ونسف ما به نسفا حتَّى الحديد والكبريت الذي كان يعد بآلاف القناطر وملح البارود والشب والبقم وغير ذلك مما كان مدخرا من الغنائم التي كان يغنمها والده من أجناس الفرنج، وباع ذلك كله، فلم يجد المتحصل فيه شيئًا وأزال بعض السراجيب المذهبة والشبابيك، وألزم أهل الذمة بأداء ثمن ذلك. ثم أنزل المدافع النحاسية من الأبراج فكسرها وضربها فلوسا كما فعل ذلك قبله أبو العباس أَحْمد بن إبراهيم السلطان العثمانى الذي هو أول من ضرب سكة النحاس الأحمر وموهها بالفضة، وكل ما ذكر لم يغن المترجم شيئًا، كما أفصح بذلك الزيانى في الروضة السليمانية وغيرها من كتبه، ثم وظف على أهل فاس أموالا طائلة عجزوا عن الوفاء بها، وألقى القبض على جماعة منهم وأودعهم السجون، وأمر ببيع عقارهم لاستيفاء ما بقي بذممهم مما وظف عليهم، وألزم التجار بشرائه، وقبض على بعض الأشراف العراقيين وهو السيد العربي بن السيد عبد الكريم صاحب الدار الكبرى بجرنيز بعد أن أوجعه ضربا، وزج به في السجن بدعوى أن خنائة بنت بكار زوج والده استودعت عنده أموالا. ولم يترك بابا من أبواب القساوة إلَّا وطرقه، فكم استصفى من أموال، وأزهق من نفوس بغير حق، وذلك بإغراء من رفيقه أبي حفص عمر الأمرانى انتقامًا من أهل فاس، حيث إن داره نهبت على عهد أبي عبد الله محمَّد ولد عريبة أخ المترجم، ولم يدافع عنها أحد منهم وولى أَبا حفص المذكور على فاس، وأغرى البرابر على العيث في الطرقات وشن الغارات على الودايا، فانقطعت بسبب ذلك السابلة، وتعذرت أسباب المعاش، وأصدر أوامره بتوجيه أخيه المولى زين العابدين سجينا مقيدًا إلى تافيلالت بعد أن ضربه ضربا مبرحا, ولولا أن العبيد وجهوا من انتزعه من يد المتوجهين وبعثوا به لأبي العباس الكعيدى ببني يازغة واستوصوه خيرًا فاحتفظ به واعتنى بشأنه لهلك.

وكتب لصهره الباشا أَحْمد الريفى يأمره بالإيقاع بأهل تطاون لتخلفهم عن بيعته، وقد كانت بينه وبينهم عداوة وشحناء، فاغتنمها الريفى فرصة واقتحم تطاون على حين غفلة من أهلها فدمر ونهب وقتل من وجوهها نحو الثمانية، ووظف على من بقي ما ضاقوا به ذرعا مما لا طاقة لهم بوفائه. وقد كان الحوات هو صاحب أمر المترجم ولم يزل حاملا راية الدفاع عنه والسعى في نصرته إلى أن قبضه الله إليه، وكانت وفاته في ثامن ربيع الأول عام اثنين وخمسين بعد أن دعا المترجم عليه بالهلاك. وفي سابع جمادى الأولى من العام سرح المترجم أخاه ابن عريبة من عقاله. وفي عاشر رجب عاثت فرقة من حجاوة وانضم إليها خليط من الرعاع وأطلقوا يد السلب والنهب في السابلة، ولما تفاحش أمرهم أرسل المترجم عليهم القبائل المجاورة لهم، وأمر بإلقاء القبض عليهم حيثما وجدوا والبعث بهم لمكناسة. وفي السادس عشر من شوال أمر بضرب أعناق عدد من وصل لحضرته المكناسية من المتمردين المذكورين، وعلقت رءوسهم على أبواب المدينة وجدراتها، ولم يزل هذا شأنه معهم إلى أن تابوا وأنابوا. وفي يوم السبت الرابع والعشرين من ذى القعدة الحرام وجه أخاه المولى بناصر لقتال عبدة لما كانوا عليه من التمرد والعيث في الطرقات والاستطالة على القبائل الحوزية، فقتل منهم عددًا وأرغمهم على الرضوخ للطاعة، ووظف عليهم مالا له بال، وآب لأخيه المترجم سالمًا غانما. ولما كان عام اثنين وخمسين ومائة وألف، أوقع صاحب الترجمة بالباشا العياشى وتوالت الأمطار وقام النَّاس على ساق في الحراثة ركما عما كانوا عليه من

الفاقة والإملاق وعدم الدواب لتوالى السنين الشهباء عليهم جلهم كان بالفُئُوس والأغنياء منهم حرثوا على الحمر، قال في الدر المنتخب نقلا عن بعض المؤرخين لقد علمت أن سبعة اشتركوا في زوجة حمير، فحملوا عليها إحدى وعشرين وسقا، وأعطى الله تبارك وتعالى البركة في تلك السنة وتدارك عبادة باللطف بعد، الشدة هـ. وفي يوم الثلاثاء سابع عشر صفر عزل السيد محمَّد البكرى الدلائى عن قضاء فاس، وولى مكانه أَبا عبد الله محمَّد بن عليّ الشدادى، وعزل أَبا العباس أَحْمد الصبيحى عن الإمامة والخطابة والتدريس بالحرم الإدريسى، وولى مكانه العلامة أَبا المواهب عبد الكبير السرغينى. وفي الرابع والعشرين من صفر صدر الأمر السلطانى بين العشاءين بإخراج محمَّد مامى من الضريح الإدريسى، وقد كان مستجيرا به، فأخرج قهرًا ولما مثل بين يدي المترجم بمكناسة قتله من حينه. وفي يوم الأربعاء ثالث ربيع الأول ألقى القبض على العربي بن عزوز ناظر القرويين لما تحقق لديه من اشتغاله بما لا يعنيه، واجتماعه مع لفيف من خاصته على الغناء والملاهى بداره، وسجنه مع جماعته ثم وقعت الشفاعة فيه للسلطان فعفا عنه ورده لمأموريته. وفي سادس جمادى الأولى وقيل صبيحة يوم الاثنين الحادى عشر منه، نهض المترجم إسعافا لرغبة العبيد واتقاء لشرهم لجبل فازاز في عساكره وجنوده، حيث بلغهم أن السلطان عبد الله بويع له بمراكش وأحوازها، والحال أنَّه كان بعيدًا عنها، وأقام المترجم بجبال فازاز مدة تنيف على الشهر، ثم اعتراه انحراف في المزاج فانقلب لمكناس، ودخله في عاشر جمادى الثَّانية، ونزلت تلك المحال

بضواحى البلد فمدت يد التعدى بالنهب والإفساد في أجنة وبحائر البلد وأحوازها. وفي فاتح شعبان قتل جماعة من رؤساء العبيد منهم البشا غانم، والقائد عبد المجيد سعدون، والقائد عيسى مفتاح، وأولاد الريفى. وفي أوائل رمضان عزل بوعزة الزيزى عن حسبة فاس ووليها العدل الحاج محمَّد سوسان، وفي يوم الأربعاء رابع عشر رمضان أكلت قافلة بين فاس ومكناس وتعذر المرور في السابلة من يومئذ، وفي آخر رمضان المذكور عزل سوسانا. وفي أوائل شوال كتب لأبي عيسى المهدي الفاسى يستقدمه لحضرته للوساطة في إصلاح ذات البين بينه وبين الباشا أَحْمد بن عليّ الريفى، إذ كانت حدثت بينهما وحشة تكدر بها جو الصفا وأصبح الريفى المذكور حجر عثار في طريق نجاح مساعى المترجم، وفي سابع شوال وجه أَبا عيسى للريفى بكتاب لفظه بعد الحمدلة والصلاة: "الأجل الأسمى، المجاهد الأحمى، أخبرنا في الله تعالى الباشا أَحْمد بن على أمدك الله بمعونته، وأبقاك مصونا في حوز حمايته، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته، وأمانه وتحياته. أما بعد: أبعد الله عنك كل ما يطويه الفكر، وأبقاك سالم الأحوال في جميع الآصال والبكر، وقوى محاسنك بالجد، ومطالعك بالسعد، آمين فلقد اتصل بمقامنا العلي بالله الفقيه الجليل، العالم النحرير النَّبِيل، نجل السادات الأبرار، العلماء الصلحاء الأخيار، الأئمة الأعلام، والقدوة لمن أصلح الله حاله من الأنام، سيدي المهدي حفيد نبراس أولياء الله الأصعد، القطب الأوحد، أبي يعقوب سيدي يوسف الفاسى نفعنا الله ببركاته، وأفاض علينا من بحر كمالاته، آمين يَا رب العالمين.

ولما حل بنا دينا، وخاض معنا في ماء وادينا، أجللناه وأعظمناه، وفي داخل الأحشاء جعلناه، فتفاوضنا معه الحديث، القديم والحديث، وعقدنا له مجلسين فزنا فيهما بمحاورته، وحسن محاضرته، فألفيناه من حسن أوصافه، على طريقة أسلافه. ولما كان من ينبوع الحكمة والعلم والصلاح، تطارحنا معه الحديث في جانبك من إفشاء ودك وتعظيم منصبك مما هو علينا واجب ومباح، وعرفناه بمالك عندنا من المرتبة السامية، والمحبة الشافعية النامية، وجلنا معه في السر والجهر، وأطلعناه على مكنون الجوانح والصدر، لتحقيقنا فيه أن مثله ممن تذاع بين يديه الأسرار، ومن يتحمل أداء الأمانة من صدق الأخبار، وما كتمنا عنه شيئًا مما هو في الخلد والضمير، فهو يخبرك بما سمع منا ولا ينبئك مثل خبير. فاعقد له مجلسا سريا حتَّى يشفيك الغليل في جميع ما قلناه من الإبلاغ لك، فإنك تجد في ذلك بغيتك، ومنيتك وأملك، فإنَّه لم ينفصل عنا حتَّى اتضح له الأمر ظاهره وباطنه ووقف فينا على حقيقة الحال، ونفى الظنون والشكوك والمحال، وقد وجدنا فيه من محبتك، وكمال مودتك، ما حملنا على البرور به وقربه، زيادة على الوصف الذي هو قائم به. فقد شرح صدورنا بطيب كلامه وحسن حديثه مما نحن فيه في جانبك أغرف. وإلى إيذاعه والتحدث به من مثل هذا السيد ونشره بين أيدينا أشوق وأشوف، فهذا بلغك الأمانة التي حملناه فـ (اتهلا) فيه واستوص به خيرا ففي مثله تنفع الصنيعة والمعروف، ولا يستوى في إسداء النعم الشريف والمشروف. فهذا السيد له شرف العلم وشرف الحسب وشرف الصلاح وشرف الدين، ولا يخفى عن علمك ما كان لسيدنا الوالد قدس الله روحه في سلفه الصالح من

صدق المحبة وخالص الوداد، وجميل الاعتقاد، فكان يؤثرهم ويعظم أقدارهم، ويرفع على سائر الديار ديارهم، مع ما أكرمهم الله به من العلم والصلاح والقيام بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإظهار معالمها، والاصطفاء لحاملها وعالمها، وتشييدهم لبنيانها، وتدعيم أركانها، ووقوفهم في بثها وتعليمها، وحضهم على تخليصها. فقد أعلوا منارها بوضع التآليف، وحسن التصانيف، فكثرت في ذلك دفاترهم، وعظمت عند العلماء والصلحاء والملوك وذوى السلوك مآثرهم، فناهيك بتلك الدار، وما لها من الحرمة والمقدار، حتَّى إن بعض علماء العصر ذكر في قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتَّى يأتى أمر الله، وفي بعض الروايات وهم بالمغرب، قال: ولعلها أن تكون راوية سيدي عبد القادر الفاسى من كثرة ما تواتر عنها من وقوف أهلها في إحياء السنة، جعلنا الله وإياكم ممن يقوم بشروطها، ويختال إن شاء الله في حالها ومروطها. فثق بهذا السيد في كل ما يبلغه عنا لسانه وبيانه، فهو كتابنا إليك حقيقة، وهذا الكتاب إنما هو عنوانه، ولما تحدثت معه على شأنك آليت له بأيمان غليظة على صدق ما حدثته به، ولا يعرف تلك الأيمان إلَّا من هو مثله، إذ لا يعرف الأشياء على حقائقها، وكشف دقائقها، إلَّا ذووها، ومعاده عليكم الرحمة والبركة وفي 7 شوال عام 1152". وفي يوم الاثنين الخامس والعشرين من شوال أتت فرقة من آيت يوسف بقصد قتال الودايا وشبت بينهما حرب مات وجرح فيها من الفريقين عدد، ونشأت عن ذلك قلاقل وفتن، وفي آخر شوال المذكور رفض عبيد البخارى طاعة الباشا الدكالى لقبح سيرته ومقابلته إياهم بغاية الصرامة والأذى حتَّى بالقتل، وولى مكانه القائد بو عزة مولى الشربيل وكان ممن حنكته التجاريب، ومن أهل السبقية في الخدمة السلطانية في العصر الإسماعيلي، عصر الجد والنجدة والحزم، فقام في

مأموريته أحسن قيام، وأحيا بسياسته وتدبيره ما أمكنه مما اندرس من رسوم الخلافة ونوامسها، وأمن بولاية هذا السياسى المقتدر كل من كان خائفًا يترقب. ثم اتفق الباشا المذكور وَرُؤساء الديوان ومن يشار إليه من الجيوش على خلع المترجم والمبايعة لصنوه أبي محمَّد عبد الله، وتم الوفق على ما ذكر يوم السبت خامس عشر ذى القعدة، ولما اتصل الخبر بالمترجم بارح مكناسة ناجيا بنفسه في شيعته وأنصاره، ويوهم أنَّه يريد زيارة أبي محمَّد عبد السلام ابن مشيش، وكان الزمن زمن برد قارص وأمطار هاطلة، ولما علم العبيد بذلك اقتفوا أثره فوقع بينهما قتال كانت الكرة فيه على العبيد، فولوا الأدبار منهزمين وسار المترجم إلى أن وصل طنجة، فاستقبله الباشا أَحْمد الريفى بالإجلال والترحيب، وبقى في ضيافته أيامًا، ثم استنجد الباشا المذكور وصديقة السلوى في نصرته، وشد عضده حتَّى يرجع لمكناسة، وينكل بمن سعى في خلعه من العبيد. ولما تعذر ذلك وحالت الظروف بينه وبين ما يريد، طلب من الباشا الريفى أن يوجه لمراكش، فأسعف رغبته وزوده بجميع ما يحتاج إليه: يكفيه من مئونة ومال ودواب لحمل أثقاله وأثقال أتباعه، وشيعته رسله من قبيلة إلى أخرى، إلى أن قطع تلك الجبال الفحصية، ووصل إلى كارت ومنها إلى الصحراء، ولما لم يحصل على ضالته المنشودة انقلب راجعا إلى أن وصل للقصبة التي كان بناها بجبال مسفيوة بناء محكما بواسطة أَخيه وخليفته بمراكش المولى بناصر. ثم دخل لمراكش فوفدت عليه القبائل الحوزية بهداياها وبيعاتهم ما عدا قبيلتى أحمر وعبدة، ومن انضم إليهما فإنهم رفضوا طاعته ولم يبايعوه، فأرسل لهم سبحته وأمنهم إن هم دخلوا فيما دخل فيه غيرهم، فوجهوا له مائة فارس منهم ومعهم كسوة أبي محمَّد صالح فلما مثلوا بين يديه، قتلهم عن آخرهم وأعطى خيلهم لدكالة.

وفي عاشر ربيع الثاني من عام ثلاثة وخمسين ومائة وألف اجتمع على جيش السلطان عبد الله الذي كان بآكدير شيعة المترجم من قبائل أحوار مراكش كالرحامنة ودكالة وزمران ومسفيوة ووقع بين الفريقين حرب شديد كانت الهزيمة فيه أولًا على أتباع المترجم، ثم رجعت الكرة على الجيوش التي بآكادير لاشتغالهم بالسلب والنهب ولم يأخذوا بالأحوط والحزم، فأَتاهم من خلفهم خليفة المترجم صنوه المولى بناصر واستولى على جميع ذخائرهم وأمتعتهم حتَّى الأخبية، ثم وقعت ملحمة أخرى بين الفريقين المذكورين في التاسع والعشرين من جمادى الأولى كانت الهزيمة فيها على المترجم وأتباعه ففر إلى القصبة التي كان بناها بمسفيوة. وفي أوائل محرم عام خمسة وخمسين دخل المترجم مكناسة عاصمة ملك أَبيه، وأتت الوفود لتهنئته وتقديم الطاعة إليه. وفي أواخر المحرم أرسل الباشا أَحْمد الريفى لأهل فاس يطلب منهم تجديد البيعة للمترجم فلم يجيبوه لذلك، فاغتاظ وأضمر لهم سوءًا، وخرج المستضئ لمضايقة فاس إلى أن يرضخوا لطاعته ونزل بظاهر فاس يوم الثلاثاء رابع عشرى ربيع الأول وصار يشن الغارة على البلاد. وفي خامس عشرى الشهر وقع القتال بين العبيد أتباع المترجم ومن انضم إليهم، وبين أهل فاس وأشياعهم، وكان الحرب سجالا، ثم وافى السلطان عبد الله جيش جرار من البرابر، ولما رأى المترجم أنَّه لا قبل له بهم فر ليلًا وحمل أمتعته وترك الأخبية مضروبة فارغة ليس بها ما يطلق عليه اسم شيء غير رجل أنهكه المرض، ولما أصبح الصباح زحفت إليهم الجنود البربرية فأخبرهم ذلك السقيم المخلف بحقيقة الواقع، وسار المترجم على بلاد شراكة والحياينة فنهبوا

الزرع والماشية، وسار على ورغة إلى أن دخل تازا ثم آب لمكناسة، ولم يدخلها لفشو الطاعون بها إذ ذاك. وفي عشية يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من المحرم فاتح عام ستة وخمسين ومائة وألف، نزل المترجم وصهره أَحْمد الريفى بالعسال من مزارع فاس قرب وادى سبو، وأعجبتهم كثرة جنودهم المجندة منقسمة على قسمين قسم مع المترجم، وقسم مع الريفى، وفي يوم الخميس رابع عشرى الشهر وقعت مناوشة خفيفة بين محال المترجم ومحال أهل فاس. وفي يوم السبت سادس عشرى الشهر وقعت معركة عظيمة مات فيها خلق، ولما كان زوال يوم الخميس الثاني والعشرين من صفر حشد الريفى ومتبوعه جنودهما وقطعوا قنطرة سبو، يريدون استئصال الجنود الفاسية، فقذف الله في قلوب شيعة المترجم الرعب بدون قتال فولوا الأدبار، ووقع فيهم الطعن والقتل فازدحموا على القنطرة وسقط في الوادى عدد كثير منهم، وفر المترجم لبنى حسن واحتمى بهم، وسار الريفى على بلاد صنهاجة يطوى المراحل إلى أن وصل طنجة وترك جميع ما أتى به غنيمة. ثم رجع المترجم بنواحى مكناس يأمل النصرة. وفي ثانى جمادى الثَّانية دخل المترجم ومن انضم إليه من بني حسن والعبيد وشرذمة من البربر وذلك على حين غفلة من أهلها، ومدوا يد النهب والإفساد، وجاسوا خلال البلاد؛ فقاومهم أهل البلد وأخرجوهم ناكصين وقتلوا منهم عددًا عديدا وقاموا على ساق في تحصين البلاد. وفي يوم الأحد التاسع عشر من رجب نزل المترجم على الرئيس عبد الحق فنيش صاحب سَلَا، وطلب منه النصرة فبايعه بسلا انتقامًا من السلطان عبد الله كما في تاريخ الضعيف، ثم تبع أهل سَلَا، في بيعة المترجم قبائل بني حسن وفرقة

من عبيد دكالة لا غير، وقد راود أهل الرباط على الدخول فيما دخل فيه أهل سلا، فأبوا من إجابته، فحاصرهم أربعة عشر شهرًا وبالغ في التضييق عليهم. وكان ابتداء حصاره لهم في رمضان العام وألقى القبض على أبي عيسى المهدي مرينو الأَنْدلسيّ الذي صار قاضى الرباط بعد أن هم بقتله، ثم سرحه وخلى سبيله لحفظه مختصر خليل. وفي رجب الفرد عام سبعة وخمسين اتخذ السلاليم وأراد التسور بها على الثغر الرباطى ليلا من ناحية البحر، ولما أحس بذلك على من الحرس الذي كان بالأبراج أخرج فيمن طلع نفضا مات منه خلق وكسرت تلك السلاليم، وتسارع أهل الرباط لالقاء القبض على من انفلت من الموت ممن هبط إلى مدينتهم. وفي ذى القعدة من العام أوقع المولى عبد الله ببني حسن وقعة كادت أن تحص منهم كل شيء بتلماغت، ففر صاحب الترجمة لمسفيوة حيث كان اتخذ بها دارًا فشرده منها صنوه أبو محمَّد عبد الله، فذهب إلى مراكش، فوجد صنوه الذي كان خليفة عنه بها وهو بناصر قد لبى داعى الله. وفي ثمانية وخمسين ثار المترجم بجبال مسفيوة واجتمع عليه هنالك بعض الغوغاء أَيضًا وسماسرة الفتن وبايعوه، فوجه صنوه أبو محمَّد عبد الله من يشرده ويبدد أحزابه وشبت بينهما حروب كان انطفاؤها بتشريد صاحب الترجمة عن جبال مسفيوة، ولجا إلى مراكش فطرده أهلها، فسار إلى دكالة فتامسنا ببني حسن، ولما لم يرفع له رأس في جهة من الجهات المذكورة صرف وجهته لطنجة وأعمالها، واستقر به الثوى بالفحص، فأقام به أيامًا عسف فيها أناسا منهم القائد عبد الكريم الريفى سجنه وسلمه واستصفى أمواله، فثار عليه بسبب ذلك أهل الريف وألقوا القبض عليه، وسلبوه من كل مال ومتمول وامتحنوه وأوثقوه وموا بتوجيهه لصنوه المولى عبد الله، ثم بدا لهم فسرحوه، فعند ذلك كتب لصنوه المذكور وكان يومئذ

بفاس يعتذر له عما صدر منه ويطلب منه محلا يستقر به فأجابه بقوله: إنك لم تأت إلى ذنبا ولم ترتكب في حقى عيبا، إنما كنت تطلب ملك أبيك كما كنتَ أَطلب ملك أبي، والآن فإن أَنْتَ أردت الخمول مثلى فأقم بآصيلا واسكن بها، فإنها أحسن من دار دبيبغ التي أَنَا بِها، وأَرح نفسك كما أرحتها، وإن كنت إنما تطلب الملك فشأنك وإياه فإنِّي لا أنازعك فيه والسلام. فلما وصل إليه هذا الكتاب من صنوه السلطان المذكور انتقل لآصيلا واستوطنها، واعتنى بها وأصلح منها ما يحتاج إلى الإصلاح كما أَصلح دار الخضر غيلان التي بقصبتها وسكنها سنة أربع وستين ومائة وألف. ثم اتصل به بعض الأشرار من قرناء السوء الذين يستفزهم الطمع فدلوه على التكسب بالبيع والشراء في الزرع بجلبه من الداخلية ووسقه للبلاد الأجنبية فَارْتأى برأيه وتصدى للاتجار في ذلك، حتَّى تضرر النَّاس ورفعوا شكاياتهم للسلطان، فصار يقرع من الندم على إذنه له في السكنى بالثغر المذكور، وأصدر أوامره إلى القائد أبي محمَّد عبد الله السفيانى بالزحف إلى المترجم وإرغامه على الخروج من آصيلا، وكتب لولده خليفته بمراكش أبي عبد الله محمَّد أن يبعث إليه من يعززه في إجلاء المترجم عن الثغر، فبعث سيدي محمَّد رفيقه ابن عمه أَبا العلاء إدريس ابن المنتصر في مائة فارس وأمره باللحوق بالقائد المذكور طبق إشارة والده، فسار أبو العلاء إلى أن لحق بالسفيانى ونزلا على آصيلا وأرغما صاحب الترجمة على إخلائها, ولم يقبلوا منه عذرًا في التأخير، فلم يسعه غير الخروج منها. ثم استولى أبو العلاء على جميع أمتعته وأمواله وذخائره الحربية وغيرها، وتوجه بجميع ذلك لعمه السلطان أبي محمَّد عبد الله، وسار المترجم إلى أن نزل بضريح الشيخ أبي بكر بن العربي من فاس، ووجه ولده للسلطان يشكو بما فعل به خليفته ولده سيدي محمَّد فكان من جواب السلطان له قل لأبيك: لا سبيل لي عليه هو أعظم شوكة مني ومنك، فسر إلى بلاد أبيك وجدك وأرح نفسك من

التعب والموت قريب مني ومنك، فلما بلغه الجواب لم يسعه غير التوجه إلى صفرو، وذلك بعد أن ترك عياله بدار الشريف أبي محمَّد التهامى ونزل هو بدار الإمارة من صفرو. ولما أوصل أبو العلاء للسلطان ما استولى عليه من أمتعة عمه المترجم أخذ السلطان البارود والسلاح، ووجه الباقي لربه قيل، ولما طال المثوى بصاحب الترجمة بصفرو، وبعث إلى آيت يوسى يندبهم لنصرته، والقيام بدعوته، فتخاذلوا عنه وأحالوه على آيت يدراسن وجروان وواعدوه بإسعاف رغبته إن أجابه المذكورون لمطلبه، ولما لم تنجح مساعيه بعث من أتى إليه بعياله وأثاثه من فاس وذهب إلى سجلماسة فاستوطنها، وذلك في عام ستة وستين ومائة وألف. وكانت أيامه كلها غلاء ووباء ونحس مستمر، وما جلبناه في هذه الترجمة هو الزبدة واللباب مما في تواريخ أبي القاسم الزيانى وتابعيه، وتاريخ الضعيف، وتقاييد ابن إبراهيم الدكالى، مع مزيد إيضاح وتهذيب. وزراؤه وقضاته وكتابه وعماله: فمن وزرائه العلامة أبو الحسن على بن سعيد العميرى آتى الترجمة، ومن قضاته أبو القاسم بن سعيد العميرى والشدادى، الأول على مكناس، والثاني على فاس. ومن كتابه أبناء الوزير اليحمدى الحسن ومحمَّد. ومن عماله الباشا محمَّد الدكالى، والباشا عبد المالك، والباشا سالم الدكالي. بناءاته: منها داره التي لا زالت إلى الآن بمسفيوة أحواز مراكش مع قصبتها. بعض ما قيل فيه من المدح: من ذلك قول بعض أدباء العصر ولفظه: ظفرت فصل ونل قدرا رفيعا ... أتاك الملك مستمعا مطيعا

وقد حقت لك العلياء فردا ... فطب نفسًا بما تهوى جميعًا مولاى المستضى قطب المعالى ... لنا بنت العلا حصنا منيعا نصحت فكنت ذا حزم وعزم ... فمن قدام بابك لن يضيعا إذا دعى الملوك لأى أمر ... وكل الكل عنه وقد أضيعا أطاع بهيبة المنصور رغما ... وإن لم يجتهد فيه سريعًا لك الأمر المطاع فدم هنيا ... ودان لك الورى ريعا فريعا وحق لمن وليت من البرايا ... وقد خاف الحوادث أن يريعا وينعش آمنًا بل مطمئنا ... قرير العين لا يخشى مريعا لأنك للرعية خير واق ... تدافع عنهم الأمر الفظيعا حميت بسيفك المسلول منهم ... جنابا كاد قبلك أن يضيعا وكم أوليت ذا بؤس نعيما ... وذا بأس تغادره صريعا تصول إذا الوغى شبت لظاها ... على الأبطال منشرحا وليعا كأنك فيهم ليث عبوس ... يطارد من ظبا داى قطيعا وأعجب ما رآه النَّاس طرا ... مواهبك التي جلت صنيعا سحائب في يمينك أم بحار ... تناولت المشايخ والرضيعا أقر بها الأنام فكل من قد ... رآك غدًا سمانمه ربيعا وصار لك المدا حقا ينادى: ... ظفرت فصل ونل قدرًا رفيعا وفاته: تُوفِّي بسجلماسة بلده سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف، رحمه الله وغفر لنا وله آمين.

367 - مسلمة ويقال له بسلمة وسلامة ابن السلطان الأفخم أبي عبد الله محمد بن السلطان أبى محمد عبد الله ابن السلطان الأفخر أمير المؤمنين بالمغرب الأقصى أبي النصر إسماعيل الجد الأعلى.

367 - مَسْلَمَة ويقال له بسلمة وسلامة ابن السلطان الأفخم أبي عبد الله محمَّد بن السلطان أبى محمَّد عبد الله ابن السلطان الأفخر أمير المُؤْمنين بالمغرب الأقصى أبي النصر إسماعيل الجد الأعلى. حاله: كان جوادا كريما لا يكبر في عينه شيء من متاع الدنيا وزينتها، آية في السخاء وعلو الهمة، بطلا شجاعًا، كريم الأخلاق والسجايا، أُمه شهرزاد العلجة، استخلفه شقيقه المولى اليزيد المترجم فيما يأتى لنا بحول الله ببلاد الهبط والجبل، وأسند إليه تدبير أمور ثغور تلك الجهة، وفوض إليه في النظر في مصالحها فأحبه أهلها لسلوكه فيهم مسلكا حسنًا، ولذلك لما اتصل به نعى أخيه اليزيد المذكور ودعا لنفسه بايعه أهل تلك البلاد ولم يتخلف أحد منهم عن بيعته، واتفقت كلمتهم عليه، وذلك عشية يوم الجمعة ثانى رجب عام ستة ومائتين وألف. وكان حامل راية بيعته أبو الحسن على بن أَحْمد بن الطيب الشريف الوزانى، وتشيع له جروان ودخيسة وأولاد نصير وآية يمور -وكانت منازلهم بسلفات- وبنو مستارة، وأهل جبل زرهون، وزمور، وزعير. ولما تمت له البيعة وجه ولده الرشيد وجعفرًا لتطاوين بقصد إلقاء القبض على عشعاش وذلك يوم السبت الموالى ليوم بيعته، ولما وصلا إليه أنزلهما وبالغ في إكرامهما ونجا بنفسه ليلا إلى جبل العلم واستجار بضريع أبي محمَّد عبد السلام بن مشيش، فرجع الولدان المذكوران لأبيهما وقصا عليه القصص، وفي يوم الاثنين خامس الشهر ورد عليه قاضى تطاوين أبو محمَّد عبد السلام بن قريش وفي معيته الشرفاء والفقهاء والأعيان فاهتبل بوفادتهم، وأَكرم نزلهم ووصلهم بصلات ضافية، وفي اليوم نفسه وردت عليه بيعة شفشاون مع قاضيها عبد الكريم الورديغى وأعيانها، ووفدت إليه القبائل الجبلية وأهل طنجة والعرائش والقصر ¬

_ 367 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 7/ 2543.

الكبير ووزان، ووجه له البيعة أبو الحسن على الوزانى المذكور، وأهدى له فرسًا من عتاق الخيل وندبه للإسراع إلى العاصمة المكناسية. ثم وجه المترجم من يقطع رأس محمَّد وعزيز، وسعيد بن العياشى، وغيرهما من قواد العبيد فلما سمع بذلك وعزيز المذكور وجه للشيخ التاودى ابن سودة بفاس يطلب منه أن لا يبايع أحدًا من أولاد السلطان سيدي محمَّد بن عبد الله، فأجابه الفقيه المذكور لتأخير ذلك إلى أن تجتمع كلمة المسلمين، ويتفق أهل الحل والربط على إحضار أبناء السلطان المذكور، وينظرون لأنفسهم من يبايعونه منهم بالتسليم أو القرعة، وإلا فالأحق بها هو مولانا هشام الذي حارب عليها وقتل أخاه، وهو أَيضًا بالأرض التي مات فيها السلطان، ثم بعد هذا بدا لوعزيز المطيرى المذكور أن يبايع أَبا الرَّبيع سليمان وزيف قول الفقيه المذكور وذلك بعد موافقة رؤساء العبيد معه على البيعة للمذكور. أما المترجم فإنَّه أقام بتازروت، وفي يوم الثلاثاء الثالث عشر من رجب ورد عليه أبو محمَّد التهامى بن الحسنى بالفرس الذي أهداه أبو الحسن على بن أَحْمد وتولى أبو محمَّد التهامى المذكور كلمة المترجم وصارت كالوزير له. وفي يوم الأحد حادى عشر الشهر نهض المترجم من تازروت بخيل أهل الريف وسفيان وبنى مالك والخلط وطليق وغيرهم، وفرق في الأشراف وغيرهم نقودًا ذهبية وخيم ببني عروس، ومن الغد ارتحل بعد أن التقي بالمرابط السيد هدى وسار إلى أن نزل بزيتونة بني كرفط، ومن الغد ظعن لوادى المبهازن ودخل القصر يوم الخميس الثالث والعشرين من الشهر وأقام فيه فريضة الجمعة، وبات يوم السبت بصرصر، ونزل يوم الأحد بآزجن، وفي يوم الاثنين دخل وزان وخيم بالظهر الطَّويل، وأعطى الشرفاء أَلْف دينار ذهبا وكساهم بالملف والحرير والكتان. وفي يوم الجمعة متم الشهر جددت له البيعة بوزان على يد أبي الحسن على ابن رشدون وخطب به الفقيه أبو عبد الله محمَّد الرهونى فأعطاه نحو خمسين دينار، وأظهر الشعار الملكى هنالك ولعب البارود طلقا على الخيل، وقبل هذا

اليوم وردت عليه بيعة كلعية، ووفد عليه البعض من برابر زمور وآيت يمور وعرب بني حسن، وتجرد أبو الحسن بن أَحْمد لندب القبائل للعض بالنواجذ على بيعة المترجم وحثهم على ذلك وكتب بذلك للشاوية، وَسَلَا، والرباط. وأما محمَّد وعزيز فإنَّه صار يندب النَّاس لبيعة أبي الربيع، وكتب للرباط وَسَلَا أَيضًا والقبائل البربرية وأهل مكناس والعبيد وفاس وتازا وغير ذلك، فأَجابوه لبيعة أبي الرَّبيع وبايعوه، فصارت الدولة دولات والملوك وكذلك: مولاى هشام أمير مراكش، وأبو الرَّبيع أمير فاس، والمترجم أمير وزان والجبال الهبطية وما وإلى ذلك. وفي يوم السبت فاتح شعبان قدم بنو مستارة لصاحب الترجمة فرسًا برسم الهدية وكذلك قبيلة دخيسة وأولاد نصير وآيت يمور وجروان، وفيه أَيضًا وجه القائد عمر الرحيوى البُخَارِيّ للإتيان بعيال أخيه اليزيد من تطاوين وكذلك من بقي بها من نساء أَبيه. وفي يوم الاثنين ثالث شعبان وردت عليه خيل جروان وآيت يمور وأثنى عليهم بالشجاعة والثبات، وأمرهم بالتعرض لمحلة العبيد التي بقيت بعد وفاة أخيه اليزيد بمراكش، حيث بلغه أنها من أهل طاعته فليتركوها وليعززوها إلى أن تأتى إليه، فإن رأَوا أنها تريد اللحوق بأخيه أبي الرَّبيع فلينهبوها، فإنَّها حاملة للانفاض والسلاح والمزارق وغير ذلك مما خلفه اليزيد، ومعها نحو الثمانين بغلة وعدد رجالها ما بين فرسان ورماة نحو الألفين، ووصلهم بنقود ذهبية والتزم لهم بأداء دية من هلك منهم، وغرم ما عسى أن يموت أو يتلف لهم من أفراسهم فأجابوه بالسمع والطاعة، وتوجهوا لما أمروا به يوم الثلاثاء رابع شعبان فوجدوا المحلة التي توجهوا من أجلها دخلت مكناسة يوم الاثنين ثالث الشهر. وفي يوم السبت الثامن منه بلغ الرحيوى المذكور آنفًا جبل الحبيب راجعا من

تطاوين بمن ذكر من النساء اللاتى توجه لأجل الإتيان بهن للمترجم، فتعرض له عشعاش الذي كان صاحب الترجمة همَّ بالإيقاع به أول ما بويع له ونزع منه ما أتى به من مال ومتمول وسلاح وبارود وثياب، وأعانه على ذلك الشرفاء أولاد مولاى عبد السلام بن مشيش، وذلك يوم السبت الثامن من شعبان المذكور، وفيه وردت عليه ثلاثمائة فارس من زمور الشلح مبايعين. وفي اليوم نفسه اجتمع أهل العدوتين سَلَا، والرباط بالزاوية التهامية بقصد المفاوضة فيمن يبايعونه من المنتصبين للملك، إذ المترجم كان قائما بوزان وما والاه مما ذكر، وأبو الرَّبيع سليمان بفاس ومن انضم إليهما، وهشام بمراكش ونواحيه، فوقع النزاع بين أهل العدوتين عبد الله بركاش مال لبيعة هشام محتجًا بأن أبناءهم تحت يده، وأنه قاتل على الملك حتَّى ظفر به، وأن كتابه بطلب مبايعتهم له سبق غيره في الوصول إليهم، وبأنهم إن بايعوا سليمان أو مسلمة يقتل هشام أولادهم، وكانوا ثلاثين ما بين أهل الرباط وَسَلَا، فنازعه الحاج العباس مرينو وأبي إلَّا المبايعة لصاحب الترجمة، واحتج بكتاب أبي الحسن على بن أَحْمد الوزانى، فنازعه أولاد الرايس بكتاب من أبي عبد الله محمَّد بن عبد القادر يقول فيه: نحن أهل وزان ما بايعنا أحدًا من سليمان ولا سلامة، وقال فقهاء أهل سَلَا لبركاش: بايع من شئت، وحسبنا الإشهاد عليك، فأجابهم بقوله: لا تشهدوا عَلَيَّ ولا أشهد عليكم، وأنتم فقهاء تحللون وتحرمون، فإن بايعتهم سلامة مكنونى من خط يدكم فإن ورد هشام نمكنه منه ودونكم وإياه، أو قدم سليمان فكذلك، وكان فقهاء العدوتين يريدون سلامة إلَّا محمَّد الغربى الرباطى، فإنَّه كان يعزز بركاش في رأيه، ثم اتفق رأى العلماء بعد أخذ ورد على البيعة لأول قادم عليهم من المذكورين، ثم وقعت إثر ذلك حيل وخدع لا حاجة بنا لذكرها وقد بسطها الضعيف في تاريخه.

وفي يوم الأربعاء الثاني عشر من شعبان وجه المترجم ولده جعفرًا مع بني مالك وسفيان وبعض بني حسن والبعض من زمور الشلح وآيت يمور ووصلهم بنصف دينار لمنفر، وكانوا نحو الألفين وأمرهم بالتعرض لبوعزة القسطالى وقطع رأسه، ولما وصلوا وادى بهت وجدوه دخل مكناسة. وفي اليوم نفسه وجه أبو الرَّبيع سليمان أخاه الطيب في جيش لمطاردة الرشيد ابن المترجم، إذ كان يومئذ مخيما بزرهِون مع آيت يموريشن للغارات على الزراهنة الذين هم في طاعته، وكان المترجم بعث للعبيد الذين خلفهم اليزيد محاصرين لسبتة، وكان عددهم نحو الخمسمائة، ولما وافوه لوزان وجههم رِدْءًا لولده الرشيد المذكور، وفوض الأمر لرئيسهم ابن عليّ، وأعطاه بطائق مختومة بخاتمه يكتب فيها للقبائل بما يراه مصلحة وفي اليوم نفسه وجه المترجم ولده جعفرًا لإغاثة صنوه الرشيد بزرهون مع آيت يمور وزمور الشلح وبنى مالك وسفيان وبنى حسن وغيرهم، فأوقعوا بمحال المترجم شر وقعة ونسفوا أموالهم وبددوا جموعهم، وفروا إلى الريف ولحق المترجم بابنيه المذكورين وابن أخيه الحسن. ثم بعد ذلك نهض إليهم أبو الرَّبيع في جنود جرارة لا قبل لهم بها, ولما التقى الجمعان على ضفة وادى سبو بالمحل المعروف بالحجر الواقف وقعت الهزيمة على المترجم وأنصاره في أول غارة، فولوا الأدبار وتركوا جميع مقوماتهم غنيمة باردة لأبي الرَّبيع، وبإثر ذلك وافى نساء آيت يمور وصبيانهم على الحضرة السليمانية متشفعين تائبين، وفي العفو عنهم راغبين، فعفا عفو قادر، ثم بعد هذا عسكر المترجم وسط بلاد الحياينة فتوجه إليه أبو الرَّبيع وفلَّ جموعه ورجع الحياينة في قيود الهوان والصغار يطلبون العفو والأمان، فأمنهم قال في الجيش: ولم يبق مع المترجم إلَّا خاصته وولداه وابن أخيه الحسن بن يزيد.

وفي يوم الجمعة الرابع عشر فرق على عرب الصباح صندوقين من جعاب المكاحل الرومية وكساهم وولى عليهم أحد أتباعه يسمى العياشى، وفي اليوم نفسه وقع هرج ومرج برباط الفتح حيث إن بركاش المذكور رام أن يخطب بهشام والحاج العباس أراد الخطبة بالمترجم، وآخر الأمر لم ينفذ مراد واحد منهما، وصلى النَّاس الجمعة ظهرًا، وكثرت الأهوال، وفسدت الأحوال، واضطربت الأمور، وتحرجت الصدور، وأصبحت الدوائر على المترجم تدور؛ وفت في عضده فخلع نفسه وقد كان فرق في الأشراف وغيرهم نحو السبعين قنطارا. وفي ليلة السبت الثامن والعشرين من شعبان عام ستة ومائتين وألف، خرج وزان ناجيا بنفسه، حيث رأَى أن شوكة أخيه سليمان قد بلغت الغاية في الشدة، وكانت دولته بوزان نحو شهرين، ونفوذه سائر في القبائل الجبلية وأهل الفحص وما والى ذلك من الثغور. ثم لم تزل أيدى التغريب والنوى تلعب به إلى أن رحل إلى الحج ودخل مصر وأقام بها مدة، ثم توجه إلى مكة فنزل على سلطانها صهره على أخته، ثم عاد إلى مصر، ومنها توجه إلى تونس فعظم أميرها حمودة باشا شأَنه وأَكرم مثواه ونزله ورتب له جراية كجراية ولى عهده، وبقى بتونس معظما مكرما، وتزوج عقيلة من بيت الشيخ القصرى أَولدها ذكرًا تُوفِّي صغيرًا. قال في تعطير النواحى: زار المترجم إمام عصره الشيخ أبو إسحاق الرياحي، ولما أراد الخروج قال له: لا أُسرحك في حر الشَّمس، وألزمه أن يتغدى معه، ولما أراد الشيخ الرجوع عشية أَنشد للمترجم. ولما نزلنا في ظلال بيوتكم ... أُمنا ونلنا الخصب في زمن المحل ولو لم يزد إحسانكم وجميلكم ... على البر من أهلى حسبتكم أهلى

فقال له المترجم: إنك إن أتيت أخي مدحته وأجارك وهو سلطان، وأنا غريب وكان بإصبعه خاتم ثمين فنزعه من خنصره وناوله الشيخ فأخذه الشيخ وضمه إلى صدره وأنشد: نظرت لخاتم قد جل قدرا ... تحف به الخلافة والكرامة فقلت له شرفت وأى فضل ... حويت بلبس مولانا سلامة وقال له: إن خاتمك شريف، والشريف لا يستعمل، وقد أجازنى أخوك في الدنيا وجائزتى منك في الآخرة، ووضعه بين يديه فامتنع مولانا سلامة من قبوله، فقال له الشيخ: لا تحرمنى من جائزة الآخرة، فهي خير وأبقى والأعمال بالنيات فتركه الشيخ بين يديه، وخرج. رحم الله تعالى الجميع. ثم بعد هذا عاد إلى المشرق ولم يزل يتردد به إلى أن وافته منيته. هذا ملخص ما للزيانى، والضعيف، والجيش مع ترتيب، وتحرير وتهذيب، يظهر للقارئ المنصف بمراجعة الأصول. وكان ختم أنفاسه بتونس بعد أن اعتراه شبه اختلال، وأقبر بزاوية أبي الحسن على عزوز قرب سوق البلاط، على ما أخبرني به صاحب التعطير صديقى الحميم الشيخ عمر الرياحي التونسى حفيد الشيخ أبي إسحاق إبراهيم المذكور آنفًا. وقال أبو العباس أَحْمد وابن أبي الضياف التونسى في تاريخه: إن مولاى مسلمة خرج من المغرب إثر خلعه وجاب الآفاق وأقام مدة بالديار المصرية، واجتمع فيها بنابليون الأول ووقعت بينهما المهادات، وكان هذا الشريف منصفا يذكر ما شاهد من حزم نابليون وشجاعته وثقوب فكره وإخباره بما آل إليه حال المسلمين وأسبابه من الانغماس في النعيم والتفنن في الحضارة واستعمال السرف؛ في مذاهب الترف، حتَّى إن أثقال أمراء الجيوش توازى أثقال الجيش أو معظمه،

368 - مسعود الموقت ابن العلامة المشارك أبي محمد عبد القادر الطليطى الأندلسي

والحال أن بيت هذا الأمير تحتوى على فراش منامه وموضع جلوسه وأمامه مائدة عليها دواة وقراطيس وأرائك لجلوس من يأتيه لا غير. قال: واتفق أن يوم قدوم هذا الشريف الشيخ على الباهى بحلق الوادى فقال للكاهية: عجل بإرسال الشوانى لنزول الشريف فورا، فقال له نتوقف في ذلك على إذن خاص من الباى، فقال له: أنا رسوله إليك في هذا الشأن وأتى الشيخ الباهى إلى الباى بباردو -وكان مقربا عنده- فقال له: إنِّي افتت عليك في أمر يزيدك فخرًا، وقص عليه الخبر، فقال له: اشكر الله حيث لم يكن الأمر بالعكس، فشكر صنعه وعظم مقدم الشريف وأكرم نزله ورتب له جراية كجراية أخيه، وعين له منزلا، وبقى بتونس معظما مكرما مرموقا بما يجب لمقامه الدينى والدنيوى، وتزوج عقيلة من بيت الشيخ القصرى أولدها ولدًا وتوفى صغيرًا. قال: وله في الإيثار والسماحة أخبار، ثم اعتراه في آخر عمره جذب احتقر به مقام السلطان والدنيا القليل متاعها الفانى، فكان يأخذ من الأغنياء ويناول الفقراء، إلى أن لبى ربه للدار الآخرة، بهذه الحالة الفاخرة. وفاته: قال ابن أبي الضياف: إنه تُوفِّي في منتصف جمادى الثَّانية من عام خمسين ومائتين وألف، ودفن بزاوية سيدي على عزور، بالحاضرة بموكب شهده الديوان والأعيان كجنائز ملوك الحاضر رحمه الله. 368 - مسعود الموقت ابن العلامة المشارك أبي محمَّد عبد القادر الطليطى الأَنْدلسيّ. الفاسى دارًا نزيل مكناس وموقت جامع قصبتها السلطانية. حالة: خير دين فاضل، نزيه وجيه له الباع الطَّويل العريض في التوقيت، ¬

_ 368 - من مصادر ترجمته: نشر المثاني في الموسوعة 5/ 1827.

369 - مسعود بن جلون

تولى رياسة التوقيت بمنار القرويين، وبقى بها سنين عديدة، ثم نقله السلطان إلى مكناسة الزيتون، وولاه رياسة توقيت جامع قصبته. مشيخته: أخذ عن مشايخ فاس، وحصل التوقيت على الحافظ أبي زيد الفاسى. وفاته: تُوفِّي بفاس سنة أربع ومائة وألف. 369 - مسعود بن جلون. القاطن بمكناسة الزيتون، ترجمه الزبادى في سلوك الطريق الوارية. حالة: قال في سلوك الطريق في حقه: المرابط الأرضى، الخير الناسك الخامل، المتجرد المحب، إلى أن قال: كان رحمه الله سنيا، ذاكرا محبا صادقًا، ذا أخلاق كريمة، وتواضع لله وللعباد، وخشوع وخضوع، ممن تعتريه الأحوال، وتظهر عليه ذو وجد وغيبة، يخبر عن أشياء في حال سكره، وينكر في حال صحوه، وكان متقشفا متجردا عن الدنيا وأهلها, يفتر لسانه عن ذكر الله، زَوَّارًا للصالحين الأحياء منهم والأموات، وله خبرة بمقابرهم، حتَّى كان رحمه الله ما دخلت مكناسة قط في حياته وسلمت عليه إلَّا وقبضنى من يدي في الحين، ويمر بي ويطوف بي على جميع من بمكناسة داخلها وخارجها من الأموات والأحياء، ولا يفارقنى مدة مقامى هناك ليلا ولا نهارًا، وإذا ورد علينا لفاس لا يلتفت حتَّى يصل إلى دارنا وينادى علىّ، فإن وجدنى وإلا فيقول لأهل الدار: إذا جاء قولوا له: إن مسعودا جاء ساعيًا بأبوابكم، وكان يعتمد الشيخين مولاى التهامى، وأخاه مولاى الطِّيب الشريفين اليملاحيين الوزانيين رحمهما الله ورضى عنهما. مشيخته: أخذ عن مولاى التهامى، وأخيه مولاى الطيب المذكورين.

370 - مسعود البريشى

وفاته: تُوفِّي بمكناسة الزيتون عام تسعة وستين ومائة وألف، كذا في سلوك الطريق الوارية. 370 - مسعود البريشى. حالة: كان متوليا خطة النيابة عن القاضي بالحضرة المكناسية، وقفت على رسم مؤدى عليه بتاريخ خامس عشرى حجة عام عشرين ومائتين وألف، على فيه بنائب قاضى الجماعة بالحضرتين فاس ومكناسة. 371 - المهدي الزريهنى بالتصغير. جد بني الزرهونى بفاس وهم بربر من جبل زرهون. حالة: شيخ فقيه صالح، خير متمسك بالدين، وأولاده فقهاء صلحاء، ذكره بعضهم في تأليف له في بيوتات فاس في القديم، وكذا الشيخ أبو زيد الفاسى في تأليف له في ذلك، وهو أول قادم على فاس من زرهون، وانظر هل هو القاضي الزريهنى الذي كان بفاس وكان صلبًا في الحق معاصرا لأبى الفضل راشد الوليدى، وأبي الحسن الصغير والله أعلم، ولم أحفظ تاريخ وفاته، بَيْدَ أنَّه مات بفاس. 372 - المهدي بن عبد المالك بن إدريس بن عبد المالك بن المنتصر بن السلطان الأعظم سيدنا الجد مولانا إسماعيل. حاله: فقيه علامة مشارك، مطلع سياسى ناقد خبير حنكته التجارب، عارف بالأمور بصير بالعواقب، مهذب الأخلاق لين العريكة، محاضر فاضل، نبيل ذكى زكى، كريم النفس، عالى الهمة، وقور هيوب، اجتمع فيه من العلم والفضل والدين والشعور ومكارم الأخلاق وحسن العشرة ما افترق في غيره من أبناء ¬

_ 372 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع 7/ 2621.

373 - المهدي الكحاك

عصره، صاهره سيدنا الجد أبو زيد السلطان مولانا عبد الرَّحْمَن بن هشام بابنته الدرة المصونة السيدة زينب، وكان له لديه جاء ووجاهة، ثم جاء من بعده ولده السلطان سيدي محمَّد فزاده حظوة على حظوة، واصطفاه لمجالسته ومشاورته والمفاوضة معه في المهمات، وكان لديه مستودع سره يتيامن بآرائه لما يعلمه من فضله ودينه وأمانته، ولم يزل محبوبًا مبجلا منظورا إليه بعين الإكبار والرعاية إلى أن لبى الداعي، وانتقل لوطن الرحمة محمود المساعى. مشيخته: أخذ عن فطاحل علماء وقته، ولازم العارف بالله مولاى عبد القادر العلمى، وانتفع بأسراره ومعارفه، وظهرت عليه بركته ولا كظهور شمس الظهيرة. وفاته: تُوفِّي ببلده محروسة مكناسة الزيتون عام ثمانية وسبعين بموحدة بعد السين ومائتين وألف، ودفن بضريح أبي العباس أَحْمد الشبلى الولى الشهير قرب دار سكناه. 373 - المهدي الكحاك. من أولاد الكحاك من أهل فاس الإدريسية المستقرين بمكناسة الزيتون. حالة: رأس المترسلين، وصدر الكتاب المعتبرين، قال أبو عبد الله محمَّد بن الطيب بن عبد السلام القادرى في الأزهار النادية لدى تعرضه لذكر المترجم ما لفظه: خدم السلطان مولانا عبد الله بن مولانا إسماعيل إلى أن سار إلى سوس، ثم خدم بعده أخاه السلطان مولاى المستضئ بالله ابن مولانا إسماعيل، ثم اتصل بخليفة العصر أمير المُؤْمنين سيدي محمَّد بن عبد الله الحسنى، فكان صدرهم، يحسن الإنشاء في الترسيل ويجتنب الفضول والتوغل في التصريف، ولا يتكلم إلا فيما يؤمر به مشتغل بما يعنيه، يطلب من الرزق ما يكفيه، ولا يطمع في أحد

374 - المهدي بن العلامة الخير الدين أبي محمد الطيب بن الصغير بصرى

سوى السلطان، عالي الهمة متعفف، ثِقَة كتاب العصر، يحب الخمول، هذا دأبه، إلى أن تُوفِّي بمكناسة الزيتون. وفاته: تُوفِّي عام ثمانين ومائة وألف. 374 - المهدي بن العلامة الخير الدين أبي محمَّد الطيب بن الصغير بصرى. المكناسى النشأة والدار. حاله: فقيه علامة عامل مشارك، محرر نحرير، متبحر نقاد متفنن، نبيل جليل، مدرس نفاع. مشيخته: منهم السيد محمَّد فتحا بن محمَّد بصري صاحب المثبت المذكور فيما مر وغيره، أخذ عنه الألفية وبعض مختصر خليل، وبعض الآجرومية، وصغرى السنوسى. وفاته: تُوفِّي يوم الاثنين موفى عشرين من جمادى الأخيرة عام ثلاثة وتسعين ومائة وألف. 375 - المهدي قاضيها شيخ شيوخنا أبو عيسى ابن الطالب بن محمَّد فَتْحًا ابن محمَّد الرضا بن أَحْمد بن محمَّد فتح ابن محمَّد بن عبد الرَّحْمَن ابن حمدون بن عبد الله بن القاضي على بن أبي القاسم بن القاسم. أول قادم لفاس من غرناطة على عهد أبي عنان. حاله: شيخ الإِسلام، وحجة الأنام، بحر علم زاخر لا تكدره الدلاء، ولا يدري له أول ولا آخر بين السراة الألباء؛ إمام الفقة والحديث والسير والأصول والفروع، متفرد في المعقول والمنقول، ذو عارضة طويلة عريضة، وأبحاث دقيقة، ¬

_ 374 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 7/ 2415. 375 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 7/ 2657.

ومشاركة كاملة في سائر الفنون، ضابط متقن، راوية ذرب اللسان، ثبت الجنان، سياسى ماهر، مطلع خبير بصير بالعواقب، حامل لواء التحقيق في زمانه، مشار إليه بالبنان بين أقرانه، درس العلم بأقطار المشرقين والمغربين فأجاد وأفاد، وخلد الثناء عليه في الأغوار والأنجاد، وكان شيخ مجلس السلطان العادل سيدنا الجد مولاى عبد الرَّحْمَن بن هشام، ثم السلطان سيدي محمَّد، ثم السلطان مولاى الحسن في صحيح البُخَارِى في الأشهر الثلاثة رجب وشعبان ورمضان. رحل إلى الحج ثامن ربيع النبوى عام تسعة بتقديم المثناة وستين ومائتين وألف فحج وزار، ولقى هنالك جماعة من الفضلاء والأخيار، ودرس بمصر والحرمين، وأقر له بالفضل والتقديم دون مين، ووقع له هنالك ظهور كبير، أخبر به الجم الغفير، وقد مدحه غير واحد من أعلام تلك الأصقاع، فمن ذلك ما مدحه به الشيخ إبراهيم بن سراج الدين الإسكندرانى وذلك في 25 ربيع الثاني عام 1270 من جملة قصيدة طويلة: فسبحان من أمضى على الجور حكمها ... وجدد بالمهدى ما كان أخلقه همام له في صولة البحث مدرك ... به أنطق الدين الحقيق ومنطقه وما مدحه به الشيخ حسن بن الحاج على اللقاني في جمادى الأولى عامة. أفاتكة الألحاظ مائسة القد ... أضلتك عن نهج الهداية والرشد إلى أن قال: أم الدين والدنيا أَشارا وأشرقا ... فهل هذا روح الله أم قدم المهدى همام له في الفضل والعلم والعلا ... خصائص قد جلت عن الحصر والعد هو البحر بحر العلم والحلم والتقى ... وكشاف ما تخفى العبارة عن قصد

وهي طويلة طنانة مثبوتة بخطه في كناشته كسابقتها ولاحقتها. وما قاله في حقه الشيخ محمَّد محمود أفندي الإسكندرانى من قصيدة رائقة طويلة: إن يكن في الهوى صدودك حظى ... لا تدع للوشاة منك نصيبا خل قوما هم الغواة فإنى ... قد رأيت المهدى فينا قريبا قام فينا للدين ركنا حصينا ... وتخلى للعلم صدرا رحيبا قرشى عنه سمعنا حديثا ... فرأينا من الحديث عجيبا ثم رحل ثانية إلى الحج في معية أنجال السلطان المقدس مولاى عبد الرَّحْمَن، وهم: موالينا على، وإبراهيم، وجعفر، وعبد الله، وابن عمهم أبو بكر ابن عبد الواحد بن محمَّد بن عبد الله فبارحوا مكناسا يوم الاثنين خامس رمضان من عام 1274، ودخلوا مصر في 12 شوال، وخرجوا منها في تاسع ذى القعدة، فدخلوا مكة يوم الجمعة 17 قعدة، ودرس بها قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا ... (23)} الآية ووقف على قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ... (38)} [سورة الحج 23 - 38] ومن ليلة الأحد سابع ذى الحجة تُوفِّي نجل السلطان مولانا إبراهيم ودفن بالمعلى، بجوار مولاتنا خديجة، ثم رحلوا من مكة ودخلوا المدينة سادس المحرم فاتح عام 1275، ثم أَعادوا الرجوع، فبلغوا إلى الحضرة الملوكية بمكناس أواخر صفر، وما جاء في الاستقصا من أنَّهم لحقوا بالأمير بمراكش سبق قلم، والحق ما نقلناه من خط المترجم مخبرا عن نفسه. وقد عد في كناشته حسبما وقفت عليه بخطه عدد المراحل التي قطعوها وبعض الوقائع التي لاقوها في طريقهم، وسمى شيوخ الأَزْهَر الذين فرقت عليهم صلة السلطان على اختلاف مذاهبهم وطبقاتهم بعد أن عين للطبقة الأولى ثمانية

وأربعين ريالا, وللثانية خمسة وأربعين، وللثالثة اثنين وأربعين وها نص أسمائهم طبق ترتيبهم: الطَّبقة الكبرى من المالكية خمسة وعشرون نفرا، وهم: الشيخ محمَّد عليش، الشيخ محمَّد المصورى، الشيخ محمَّد كموة، الشيخ أَحْمد منة الله، الشيخ عمر فتح الله، الشيخ بوشتى التتائى، الشيخ عيسى الغزولى، الشيخ عمر البرطوسى، الشيخ حسن العدوى، الشيخ عبد الغنى المكواتى، الشيخ منصور كساب، الشيخ أَحْمد الإسماعيلي؛ الشيخ على الطهولى، الشيخ عيسى مرزوق، الشيخ ظفر الدسوقيّ، الشيخ محمَّد الحداد، الشيخ محمود بن الشيخ عليش، الشيخ محمَّد رابح التونسى، الشيخ عبد الله عليش؛ عبد المنعم الجرطاوى، الشيخ محمَّد قطة، مصحح الطبع الشيخ محمود الفيومى مكرم، الشيخ عبد الله الدسوقى. الطَّبقة الثَّانية من المالكية عددهم 22: محمَّد الصاوى، محمد البساطى، محمَّد السنهورى، محمدى أبوهر، إبراهيم دقيس، منصور المناوى، محمَّد بن شهاب، إبراهيم النائمى، عبد الرَّحْمَن عليش، محمَّد الشماخ، محمَّد النطراوى، محمَّد الحفناوى، محمَّد هلال، أبو الحاج على، سليمان الصفن، عيسى البولاقي، عبد القارئ المازنى، محمَّد الكُوفى، إبراهيم الدسوقى، أَحْمد السمخراطى، محمَّد الناصرى، محمَّد العدوى. الطَّبقة الثالثة من المالكية عددهم 35: محمَّد الجزيرى، محمَّد الشعبوتى، محمَّد نقموس، محمَّد العبادى، حسن داود، أَحْمد الشريف، عبد الفتاح المطيع، سليمان الخونكى، على شعبان، سليمان البولاقي، إسماعيل الخمرى، مضر ناظر المساكين بمسجد أبي العباس بن طولون، عبد الله الطحاوي، محمَّد اللقاني، أَحْمد العطار، عبد الله المكارى، معتوق الفيومى، على الفيومى، محمَّد الكاوى الموقت، محمَّد الأنجباوى، عبد الرَّحْمَن الفيومى، أَحْمد كبره، إبراهيم التونسى، محمَّد الفاسى، محمَّد الأيوبى، يوسف الطحاوي، محفوظ العدوى، أَحْمد

المسلاتى، عبد اللطيف الطهولى، الشيخ عرفة، رزق مجلس، على المصرعاوى، عبد القادر المتيحى. الطَّبقة الأولى من الشافعية: الشيخ إبراهيم الباجورى، الشيخ إبراهيم السقاظفى المسلط، ظفر الذهبي، عبدة اللقاني، محمَّد الابراستى، أَحْمد أبو مصلح، محمَّد الخنانى، خليفة القشنى، عبد الله النبراوى، السيد أبو عماشة، محمَّد الطوخى، يونس البوهى. الطَّبقة الثَّانية منهم: عيسى البلتانى، على المخلاسى، إبراهيم الزور، محمَّد الأشمونى، محمَّد العشماوى، محمَّد الدفلاوى، محمَّد الحطمى، نور الدين مسرا بيردى، عبد الرَّحْمَن القيانى النجريدى، إسماعيل الكلاوى، محمَّد القلماوى، حسن المرصفى، محمَّد السبكي الطحاوي، عبد القادر القبلشلى. الطَّبقة الثالثة منهم: أَحْمد راضى، سيد الشرشمى، محمَّد عميرة، حسن شخيخة، مصطفى عز، عبد الحس عبد اللطيف الشَّاميّ، محمود الغرى، فتوح الشجرى، أَحْمد الغربى الشرقاوى، محمَّد الأنبانى، محمَّد مليحة، أَحْمد الحماقى، فيروش الدمنهورى، على المناوى إمام الحسين، محمَّد البلقامى، ظفر الأشراقى، عبد الله الكفراوى، أَحْمد الأجهورى، أَحْمد المرصفى، عبد النبى البردينى، على الأسيوطى، صالح اليحياوى، إبراهيم الشجليقى، إبراهيم الشَّافعى، سليمان الخواجة، محمَّد النتينى خضر. الطَّبقة الأولى من الحنفية: محمَّد العباس، المهدى الدافعى الطرابلسى، محمَّد القطب، ظفر القرسنى، إسماعيل الحلبي، عبد الرَّحْمَن البحراوى، على البلقى، عبد الحميد شيخ الأتراك. الطَّبقة الثَّانية منهم: أَحْمد أبو العز، سليمان الخلفاوى، عبد المطلب إبراهيم الربعى، حسن الخليلى، وهبة الأسيوطى. الثالثة منهم: عبد العظيم الطحلاوى، عبد القادر الرافعى، إبراهيم القطب، عبد الوهاب السليماني، يوسف أفندى العاجز، أبو العلاء الحلفوى.

من الحنابلة الطَّبقة الأولى منهم: عبد الرَّحْمَن الحنبلي انتهى لفظه. وفي أوائل صفر عام اثنين وسبعين ولى قضاء بَلَدِنا مكناسة الزيتون، وبقى واليا بها إلى أن نقله الله، ومع ما كان عليه المترجم من الحظوة والجاه، فقد كان كثير التنصل من توليته خطة القضاء، فقد وقفت على عدة مكاتيب بعث بها إلى جلالة السلطان يطلب الإعفاء من الخطة ويعتذر بشدة رغبته في التأليف والتدريس مع كبر السن, فلم يجب إلى رغبته لما عرف به من العدل والاستقامة والصرامة في الحق. فمن ذلك مكتوب بعث به إلى الوزير الطيب بو عشرين بتاريخ 29 شوال عام ستة وسبعين أَلح فيه كثيرًا وأكثر من الاستعطاف، ومكتوب آخر بعث به إلى المذكور أَيضًا لم يدع بابا من أبواب الالتجاء إلى الأعتاب الشريفة إِلَّا وَلَجه، ومع ذلك قدمت الجلالة الشريفة حقوق الأمة على حقوقه رحمه الله رحمة واسعة. مشيخته: أَخذ عن العلامة سيدي عبد السلام الأزمى المتوفى يوم الأحد عاشر شعبان عام واحد وأربعين ومائتين وألف وهو عمدته في المعقول، وعن السيد عبد القادر الكوهن المتوفى بطيبة الطيبة عام ثلاثة وخمسين ومائتين وألف وهو عمدته في الفقه، وعن سيدي محمَّد الحراق وهو عمدته في التفسير والحديث، وأجازه الثلاثة عامة، وعن سيدي على بن إدريس قصارة أخذ عنه النحو والحساب والعروض، وعن سيدي بدر الدين الحمومى، وشيخ الجماعة السيد محمَّد بن عبد الرحمن الفيلانى وغيرهم. الآخذون عنه: أَخذ عنه بمصر الشيخ عليش، والشيخ عبد الهادي نجا الأبيارى، وبدمشق الشيخ دكدوك، وبفاس أخوه السيد أَحْمد قاضى مكناسة من بعده، والحاج محمَّد جنون صاحب اختصار الرهونى، وشيخنا أبو العباس بن الخياط الزكارى، وشيخنا السيد العباس بن أَحْمد التازى، والعلامة سيدي جعفر الكتابى، والقاضى السيد حميد بالتصغير بنانى، وخلق وبمكناس السيد فضول ابن

عزوز، والسيد فضول السوسى، وابن الجيلانى السقاط، والسيد المختار الأجراوى، والسيد محمَّد الهويج وغيرهم. مؤلفاته: حاشية على المسلم في المنطق وحاشية على رسالة العضد، وشرح على الهمزية، وحاشيتان على الخرشى، وحاشية على المحلى على جمع الجوامع، وحاشية على صحيح البخارى، وحاشية على السعد، وتقاييد كثيرة في أوضاع مختلفة. شعره: من ذلك قوله داعيا ربه بتيسير الحج له ولإخواته: يا ربنا يسر لنا المحجة ... لبيتك العتيق كى نحجه بالمال والصحة والهناء ... ورفقة طيبة الثناء يدعوك ربى أَحْمد والمهدى ... وعمر متعهم بالقصد وقد استجاب الله دعاءه فحج جميع من ذكر. وقوله معتذرا وقد استدعاه السلطان الأعدل سيدي محمَّد بن عبد الرَّحْمَن قدس سره، للخروج معه في بعض أسفاره، وذلك في ربيع الأول عام أربعة وثمانين ومائتين وألف بواسطة وزيره السيد الطيب بن اليماني حسبما ذلك بخط يد المترجم في كناشة له ومنها نقلت: بلغت سنين فقل البصر ... وأثقل فكرى وعظمى الكبر وبان المنام وجمع الملاذ ... فماذا أؤمل ما المنتظر وأترابنا قد مضوا جملا ... فكانوا كطيف بدا فغبر وأنت الإِمام الرءوف الشفيـ ... ـق بكل الورى وجميع البشر فكيف بمن عمره معكم ... مضى في الحديث وآى السور

376 - المهدى بن على الإسماعيلى

وهذا شفيع عظيم فجد ... على من بدا عجزه فاعتذر بقيت مشيدًا لدين الإله ... ومنك ينال المني والوطر ولادته: ولد سنة عشرين ومائتين وألف بالحضرة الفاسية. وفاته: تُوفِّي عن ثلاث وسبعين سنة عشية يوم الخميس رابع رمضان عام أربعة وتسعين ومائتين وألف، ووافق أن كان أول يوم من شتنبر، وصلى عليه من الغد بعد صلاة العصر بجامع القرويين، ودفن برحبة الزبيب بمحل اتخذ له زاوية بين مسجد عقبة الزرقاء المعلق الأسفل والمكتب الكائن أسفل منه. 376 - المهدى بن على الإسماعيلى. الشريف الأصيل، نزيل أبار من تافيلالت. حاله: ولى صالح، مكاشف فالح، ذو وجاهة ودين متين، وأسرار ظاهرة، وأنوار باهرة، واستغراق في بحار المحبة الإلهية، والذات المحمدية، كثير التفكير والعبادة، دائم السكوت إلا لأمر بمعروف أو نهى عن منكر أو إبداء حكمة، يخبر بما كنته الضمائر، تواترت عنه كرامات، وخوارق عادات. امتحن أيام السلطان مولانا عبد الرَّحْمَن بالسجن في قيود الحديد في دار مكناسة أيامًا عديدة لأسباب كانت في الكتاب مسطورة، فكان يراه بعض النَّاس يحضر الجمعة بالمسجد الجامع والحال أنَّه مثقف عليه قيود الحديد، وإذا حان وقت الصلاة نزع القيد عن رجليه وكان إذا مشى الهوينا لا يماشيه المهرول، حَدَّثني غير واحد ممن وثقت بخبره من أهل بلدنا ممن كان يحرسه مدة اعتقاله أنَّه دخل يوم جمعة حين حان وقت الصلاة على المترجم فوجد القيد مطروحا ولم يجد المقيد والحال أن الحرس بالباب، فتحير واشتد خوفة من العقوبة المخزنية التي تلحقه ¬

_ 376 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 7/ 2664.

حيث يعتقد فيه التفريط، فرجع للباب وجلس في حيرة عظيمة فبينما هو يضرب أخماسا في أسداس إذ سمع نحنحة المترجم بالمحل، فدخل فزعا فوجده مقيدا، فقال له: مالك أخي حتى الصلاة مع النَّاس نتركها إلى غير هذا مما يطول. ولا شاعت وذاعت في النَّاس كراماته سرحه الأمير المذكور، وأبدى له أعذاره وطلب مسامحته، فسامحه على أنَّه لم يؤثر فيه ذلك شيئًا، وحدثنى بعض أهل العدل الأعلام أنَّه أى المترجم كان يدعو للسلطان المذكور فقيل له: كيف تدعو له وهو قد فعل بك كيت وكيت؟ فأجابه بقوله: كيف لا تدعو لمن كان السبب في ربحك وفلاحك. وبالجملة فقد كان المترجم كعبة خير وفضل وصلاح وفلاح، يطوف حولها أئمة الدين، وحملة شريعة خير العالمين، لاستصباح قلوبهم من فيض أنوار هديها، منظور إليه بعين الإكبار، والإجلال والاعتبار، معتقدا عند العامة والخاصة. فلقد كان الشيخ القدوة الحاج محمَّد جنون كثير الإنكار على أهل الدعوى من المتصوفة شديد الشكيمة في الله، ومع ذلك فلم يسعه غير الإذعان والخضوع والإقرار والاعتراف بفضل صاحب الترجمة، فكان إذا حل بفاس لا يتقاعد عن تعاهد زيارته ومن ذلك ما عاينه تلميذه أبو العلاء المولى إدريس الفضيلى العلوى، قال: رأيته -يعني شيخه- جنونا يومًا وقد دخل على صاحب الترجمة وحوله جمع عظيم يناهز المائة نسمة ما بين أشراف وعلماء وغيرهم، قال: وشيخنا رحمه الله محتبى بين يديه مطأطئ رأسه بعد أن احتبى حبوات بين يديه، فلما رفع رأسه -أعنى صاحب الترجمة- طلب منه صالح دعائه فدعا له بخير وانتفع رحمه الله بدعائه. وفاته: تُوفِّي بسجلماسة أواخر شعبان أو أوائل رمضان عام ستة وتسعين ومائتين وألف، ودفن بداره بأبار، إذ قد تنازع بعد وفاته في مدفنه أهل تلك

377 - المهدى بن فضول بصرى

البلاد، ثم أقرعوا فخرجت القرعة أن يدفن بقصره المذكور، وبنيت عليه قبة عظيمة، وله الآن هناك شهرة كبيرة، ولا تجد إلا من يلهج باسمه بتلك الأقطار رحمه الله ورحم به. 377 - المهدى بن فضول بصرى. حاله: شاب نشأ في عبادة الله فقيه نجيب وجيه، فاضل نزيه، حيى أريحى، مهذب طلب العلم ببلدة مكناسة ثم رحل لفاس بعد العشرين من هذا القرن، واستقر بمدرسة الشراطين من فاس، ولازم الأخذ عن شيوخها حتى فتحت له النجابة بابها ثم رجع لمسقط رأسه. مشيخته: أخذ عن شيوخنا الجلة كالقاضى ابن عبد السلام الطاهرى، وأبى عبد الله بن الحسين العرائشى، والسيد الحاج المعطى بن عبود، وسيدى الفاطمى الشرادى، ومولاى عبد الله الفضيلى، وسيدى محمَّد بن قاسم القادرى، وأبى العباس أَحْمد بن الجيلانى، وأبى العباس ابن الخياط الزكارى وغيرهم. وفاته: تُوفى في بلده مكناس عام أربعة وعشرين وثلاثمائة وألف. 378 - موسى بن محمَّد بن معطى العبدوسى وبه عرف أبو عمران. حاله: علامة محصل، ناقد خبير متضلع، نقاد مشارك، مفت مدرس نفاع، انتهت إليه رياسة العلم والفتيا في زمنه، آية في المدونة، وكان الشيوخ يقولون: فقهاء العصر على ثلاثة أقسام: من أُعطى الحفظ فقط، ومن أُعطى الفهم فقط، ومن جمعا له وهو سيدي العبدوسى. ¬

_ 378 - من مصادر ترجمته: "جذوة الاقتباس" 1/ 346، شرف الطالب في الموسوعة 2/ 648، كفاية المحتاج 2/ 249، نيل الابتهاج 2/ 300، وفيات ابن قنفذ - ص 369.

قال ابن الخَطيب القسنطينى فيه: شيخنا ومفيدنا طريقة الفقه، الشيخ الحافظ، مجلسه بفاس أعظم المجالس، يحضره الفقهاء والمدرسون والصلحاء وحافظ المدونة يحضره من نسخها بيد الطلبة نحو أربعين، وله إدلال عجيب في إقراء التهذيب، سمعته يقول: لى أربعون سنة نقرأ المدونة، وفي عام وفاته وقف قارئ الرسالة على باب الجنازة فكره ذلك الطلبة وأرادوا الزيادة ففهم وقال لهم: كرهتم الوقوف على الجنائز، والله لا أقف إلا عليها، فوقف القارئ، وتوفى الشيخ تلك السنة وقال: كان له في الفقه مجلس لم يكن لغيره في زمانه، لازمته في المدونة، والرسالة بفاس ثمان سنين، وكان يعظم الشيخ أَبا يعزى، ويحكى عنه في باب زكاة الحرث أنَّه يخرج للضعفاء تسعة أعشار صابته ويتمسك بالعشر، ويقول: من سوء أدبى أن أُخرج العشر وأتمسك بتسعة أعشار. مشيخته: أخذ عن عبد العزيز القورى، وأبي زيد عبد الرَّحْمَن الجزولى الذي ينسب إليه شرح الرسالة المتوفى في حدود أربعين وسبعمائة، وهو عن الفقيه راشد كما أخذ المترجم عن غيرهما من حفاظ المذهب المالكي. الآخذون عنه: منهم الإِمام ابن عباد، وأبو حفص الرجراجى، وأبو عبد الله الهوارى، وابن الخَطيب القسمطينى، والحافظ عمران بن موسى الجاناتى وخلق. مؤلفاته: له تقييد على المدونة، وآخر على الرسالة، وقيد عنه الحافظ الجاناتى التقييد البديع على المدونة في عشر مجلدات. وفاته: تُوفى بمكناسة الزيتون كما في الجذوة سنة ست وسبعين وسبعمائة -بتقديم السين على الموحدة فيهما - ورمز لوفاته صاحب الإعلام، بوفيات الأعلام، بلفظ (وعست) من قوله: وجده موسى أبو عمران ... في (وعست) وفاته الأقران

379 - موسى العزاف

379 - موسى العزاف. حاله: صالح عارف كامل، له قدم عال في التقشف والصبر على سلوك سبيل الخير والمثابرة على فعل الأوامر واجتناب النواهى، أظهر الله على يده كرامات وخوارق عادات، ذكره العلامة المؤرخ الأديب أبو عبد الله محمَّد بن أبى بكر الحضرمى في كتابه السلسبيل العذب والمنهل الأحلى، المرفوع للخلافة العزيزة -يعني المرينية- التي لا تزال مناقبها على مر الدهور تتلى، في سلك من تحلى سلكم في الأربعين في الجيل جيل فاس ومكناسة وَسَلَا، وذكر له كرامات. مشيخته: أخذ عن الشيخ أبي العباس بن عاشر السلاوى، ولم يذكر له الحضرميّ وفاة. 380 - موسى بن الحجاج أبو عيسى المكناسى. حاله: إمام في العربية، قال في الروض محليا له: بشيخ شيوخنا، يقوم على تسهيل ابن مالك، ويقرر الألفية بجامعها الأعظم تقريرا حسنا وكثيرا ما يتمثل: خلت الديار فسدت غير مسود ... ومن الشقاء تفردى بالسؤدد حَدَّثني عنه بذلك الشيخ المعمر أبو عبد الله ابن الأستاذ ابن جابر. هـ. ويغلب على ظنى أنَّه هو صاحب الضريح الشهير المتبرك به بحومة التوتة إحدى حومات حضرتنا الهاشمية المكناسية والله أعلم. 381 - موسى بن عليّ الزرهونى. المعروف بذى الصخرة دفين مدشر موساوة أحد مداشر جبل زرهون. حاله: ولى شهير، عارف كبير، ذو سمت حسن، ولين عريكة وخلق مستحسن، يلوح عليه أثر الخير والصلاح، كان يأتى إلى الحجارة الكبيرة والصخور

382 - موسى بن أحمد بن مبارك

العظيمة التي لا تطاق فيجهد نفسه في قلعها وقلبها وتشييعها، فإذا قلعها ودحرجها عن مكانها أخذ في الاعتبار، والتدبر في باهر صنع الواحد القهار، ولذلك سمى بذى الصخرة، وقد أظهر الله على يده كرامات وخوارق عادات. مشيخته: أخذ عن سيدى عبد الله الخياط وغيره من صلحاء الأمة. الآخذون عنه: أخذ عنه الولى الكبير أبو يحيى الخلطى الدخيسى المتوفى بفاس عام عشرة وألف. وفاته: تُوفِّي بجبل زرهون أواسط العشرة التاسعة من القرن العاشر وضريحه بالمدشر المذكور مزارة شهيرة مقصودة. 382 - موسى بن أَحْمد (¬1) بن مبارك. حاله: شعلة ذكاء ودهاء ونباهة، تقدمت ترجمة والده وولده في الأحمدين، ولاه السلطان أبو عبد الله محمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن هشام الحجابة فقام بها أتم قيام إلى أن لبى السلطان داعى مولاه، وأقره السلطان المقدس أبو على الحسن على وظيفه إلى أن استبد على الوزير الصدر إذ ذاك، ولم يزل مستبدا على المنصب إلى أن ختمت أنفاسه رحمه الله. وقفت على كثير من رسائل مولاى الحسن إليه لما كان لا زال خليفة عن أَبيه والمترجم هو الحاجب، بعضها بخطه كلها، والبعض بتوقيعه، والبعض بطابعه وهي في الشئون التي كانت تجرى على يده وفي محل خلافته، وقد مرت بك أمثلة منها في الترجمة المحمدية، وأقدمها تاريخا فيما رأيت أوائل عام واحد وثمانين، وبخزانتنا أَيضًا مجلدات مجموع فيها بعض رسائل المترجم الرسمية التي كان يبعث بها في العهد الحسنى. ¬

_ 382 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 7/ 2662. (¬1) في إتحاف المطالع: "احْمَاد".

إليك بعضًا منها، وهي مما كتب به لأخيه باشا فاس في مختلف الأوامر. نص الأول بعد الحمدلة والصلاة: "أخانا الأعز الأرضى، الفقيه العلامة الباشا الأسعد سيدى عبد الله بن أَحْمد، رعاك الله وسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله. وبعد: فقد وصلنا كتابك في شأن ما كتب لك به السيد عبد السلام احرضان من جعل طابعك بعد ختم الكتاب فيما تكتب به للباشدورات ونحوهم، وتوقفك في ذلك لما شرحته، وصار ذلك بالبال، فقد أشار عليك بالقانون الجارى في ذلك، وهو الذي نفعله نحن معهم، وجرى به العمل سابقا, فلا يتوقف الأخ فيه، ولكل وقت عمل، ولكل فاعل حجة، والله يبارك في عمر مولانا وينصر به أعلام الإِسلام آمين، وعلى الأخوة والسلام في 2 فاتح محرم الحرام عام 1295، نعم القنصوات الصغار والتجار فلا بأس بجعل الطابع لهم في المحل المعهود أو بطرة أعلى الكتاب دون هؤلاء لأن مرتبتهم اقتضت لهم ذلك صح به. موسى بن أَحْمد لطف الله به". الثاني للقائد الجيلانى بن حم: "محبنا الأعز الأرضى القائد الجيلانى بن حم، أمنك الله وسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله. وبعد: فإن باشدور جنس الطليان الذي كان بحضرة سيدنا أيده الله توجه لمحله على طريق عقبة العربي وقصر فرعون، فيأمرك مولانا أيده الله أن تكتب لخليفتك بزرهون بالقيام بمئونته ومئونة من معه من غير إسراف ولا تفريط، وأكد عليه في القيام بالعسة عليه حتَّى يخرج من إيالتك ولابد وعلى المحبة والسلام وفي 28 ربيع الثاني عام 1292. موسى بن أَحْمد لطف الله به".

الثالث: "أخانا الأبر الأعز الأرضى، الطالب السيد عبد الله رعاك الله، وسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله. وبعد: فحامله إليك وصيف معتق ساكن بالصويرة اشتكى أن بنتا سرقت له منها وهي حرة تبعًا لأمها، إذ هي حرة بالأصالة، وتداولتها الأيدي إلى أن كان آخر علمه بها أنها وصلت ليد ولد مزوارة الدكالى العمري، أحد أمناء قبيلته، وقدم بها لفاس، ثم الله أعلم بما فعل بها، إذ لا تحقيق عنده فيها، والآن فلا بُدّ ابحث عنها وهو يبحث أَيضًا واستنشق خبرها حتَّى تعثر عليها عند من هي، ثم إن سلمها له من وجدت عنده فذاك، وإلا فثقفها على يدك وأعلمنا، وعلى الأخوّة والمحبة والسلام في 11 شوال عام 1292. موسى بن أَحْمد لطف الله به". الرابع: "أخانا الأعز الأرضى، الباشا الفقيه السيد عبد الله بن أَحْمد رعاك الله، بوجود سيدنا أيده الله. وبعد: فغير خاف على إخوتك أن الشريف اللطيف الفقيه العلامة مولانا الصديق طالما يطلب منَّا حِينَ كُنّا بفاس بأن يصل معك الرحم من لدن سمع بولايتك على أهل فاس، وأن يبارك لك فيها, ولم يساعد على ذلك في تلك الساعة، ولما ورد على حضرة مولانا أيده الله طلب منه ذلك فساعده أيده الله عليها، وها هو يرد عليك فلا بد استوص به خيرا، لكونك اليوم أَنْتَ باشا، وأما قبل كنت مخزنيا مثلنا وعلى الأخوة والسلام وفي 24 شوال عام 1292 ومنه وقد ضرب له سيدنا أيده الله آجلا. بأن لا يزيد عليه ولا ينقص. موسى بن أَحْمد لطف الله به".

الخامس: "أخانا الأعز الأسعد, الفقيه الباشا الأنجد، أديب الزمان، وعين الأعيان، الرئيس الذي انتخبه الله لرتب المجد والجاه، أَبا محمَّد سيدي عبد الله، أدام سلامتك، وأبقى في الحق صرامتك، وسلام على أخى ورحمة الله تعالى وبركاته عن خير سيدنا أيده الله ونصره. وبعد: فإن القائد عبد الله الدليمى طلب من سيدنا نصره الله ومنا أن يكون من خدامك ويخدم معك ولده أيضا وتكلفه بالأمور التي يناسب تكليفه بها، وإن أردت من إخوانه نحو العشرة أو أكثر يمدك بهم لتستخدمهم معك إقرارا بإحسانك القديم معه، وكونه منحاشا لجانبنا ومن أهل محبتنا، وقال: إنما هو واحد من أصحابك، فأجاب سيدنا أيده الله أن نكتب لك بمطلبه والاعتناء به، فلا بد أخي استخدمه وولده ومن أحببته يخدم معك من إخوانه مراعاة لمحبته في جانبنا معا، وتعلقه بأذيال كرمنا، بارك الله فيك، وأدام عزك، وحفظنا فيك وعلى الأخوة والمحبة والسلام في 26 شوال عام 1292. موسى بن أَحْمد لطف الله به". السادس: "أخانا الأعز الفقيه العلامة الباشا الأسعد السيد عبد الله بن أَحْمد، رعاك الله، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته عن خير مولانا نصره الله. وبعد: فعن أمر مولانا نصره الله مر الأمناء أن يصنعوا غشاء من الموبر المطرز بقصد الكتاب الشريف الموجه للدولة الفرانصوية صحبة الأمين الحاج محمَّد الزبدى، حسبما يشير به عليهم ولا بد، وعلى المحبة والسلام في 21 ذى القعدة الحرام عام 1292. موسى بن أَحْمد لطف الله به".

السابع: "أخانا الأعز الأرضى الفقيه الأمجد السيد عبد الله بن أحمد، رعاك الله والسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله. وبعد: فعن أمر سيدنا أعزه الله نفذ لعيال المعلمين الستة الذين توجهوا للوندريز من النجار والفخار والحداد ومن معهم نصف ما قبضوه من الصلة والزرع عند سفرهم إعانة لهم، وعلى الأخوة والمحبة والسلام في 12 من جمادى الثَّانية عام 1293. موسى بن أَحْمد لطف الله به". الثامن: "صنونا الأعز الأرضى الفقيه الأجل الباشا سيدى عبد الله بن أَحْمد، سلام عليك ورحمة الله تعالى عن خير سيدنا أيده الله ونصره. وبعد: فعن أمر سيدنا المنصور بالله نفذ للستة والعشرين رجلًا من طلبة الهندسة من الصويرة وآسفى وتردانت زادهم، واكتر لهم مراكبهم واصلين لبلادهم ومركوبهم واصلا إلى محل كل واحد منهم ومؤنتهم ما داموا مقيمين هنالك من أمناء دار عديل ولا بد، وعلى أخوتك التامة والسلام 12 جمدى الثاني 1293. موسى بن أحمد لطف الله به". التاسع: "أخانا الأبر الأعز الأرضى، الفقيه العلامة الأجل الأحظى الباشا الأسعد, السيد الحاج عبد الله بن أَحْمد، أعانك الله ورعاك، وسلام عليك ورحمة الله تعالى عن خير سيدنا نصره الله.

وبعد: فقد وصلنا كتابك مخبرا بما أقلقكم مما أشاعه المرجفون لا بلغهم الله مناهم، وما حصل لكم من العنت لأجل بطء الخبر الحق عن كنه الحال حتى حملكم ذلك على توجيه وصفانكم وأصحابكم لمشافهتنا وعلم حقيقة ما لدينا، فلا شك عندنا في اعتنائك وتشوفك لخبرنا وكيف لا، ونحن نفس واحدة، وهل عندنا أعز منك أو عندك أعز منا! ولأى شيء تتشوف إن لم تتشوف لخبرنا، أدام الله عافيتنا وعافيتك، وشد أزرنا بك، وبارك فيك وفي ذريتك، وقد شافهنا الوصفان والأصحاب ورأوا وسمعوا لما قدمنا لك أولا وثانيا، والحمد لله الذي بنعمته وفضله تتم الصالحات، وعلى الأخوة والمحبة والسلام في مهل رجب الفرد الحرام عام 1293. موسى بن أَحْمد لطف الله به". العاشر: "أخانا الأعز الأود، الفقيه النبيه الأمجد سيدى عبد الله بن أَحْمد، حفظك الله وسلام عليك ورحمة عن خير مولانا نصره الله. وبعد: فإن أهل الذمة بفاس ذكروا أن الذين يحفرون أساس السور الذي بإزاء قبورهم جعلوا يحفرون التُّراب الذي بالقبور مختلطا بعظام موتاهم ويبنون به وتضرروا بذلك وتشكوا منه، فأنهينا لمولانا المنصور بالله شكواهم فقال أيده الله: أما القبور الخارجة عن الأساس فلا تمس أصلا، وما وجد منها بالأساس ينقل لداخل مقبرتهم ويدفن ولا يرمى به، ويعين اليهود من يحضر منهم لذلك والوقوف عليه، وإن احتيج إلى التُّراب للبناء يؤتى به من الفضاء ولا بد عن أمر سيدنا أيده الله، وعلى المحبة والأخوة والسلام 8 رجب عام 1293. موسى بن أَحْمد لطف الله به".

الحادى عشر في السرور بانتصار الأتراك على الروسيا في حربهما: "أخانا الأعز الأرضى الفقيه العلامة الأحظى الباشا الأسعد سيدى عبد الله بن أَحْمد، رعاك الله وسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله. وبعد: وصلنا كتابك وبطيه المكاتيب الواردة في شأن ما سناه الله لعساكر المسلمين من الفتح والظفر، ووقوع الكرة على من بغى وكفر، وقد أطلنا بمضمنها العلم الشريف أعزه الله، وصار من سيادته على بال، وقد سر بذلك غاية، ودعا للمسلمين بالنصر والظفر أعلى الله منار الإِسلام والمسلمين؛ ومنح لهم الفتح المؤزر المتين، وكبت أعداء الله المعتدين، آمين. وقد أحسنت في تأكيد الإعلام، وزيادة الاهتمام، وعلى الأخوة والسلام في 5 شعبان عام 1294. موسى بن أَحْمد لطف الله به". الثاني عشر: "الأخ الأعز الأرضى، الفقيه العلامة الأمجد، السيد عبد الله بن أَحْمد، رعاك الله وسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله. وبعد: فقد وصلنا كتابك مخبرا بأن الأمناء أحصوا ما بالقوس السعيد من مال المستفادات الواردة من المراسى وغيرها ودفعوا مفتاحه للسيد عبد الوهَّاب الشَّاميّ امتثالا للأمر الشريف، ووصلت الورقة المجملة التي فيها جميع الداخل على القوس والخارج منه التي دفع لك الأمناء، وقد روجعت وقوبلت مع الكناش الذي وجهه السيد عبد الوهاب، فوجد الفرق بينهما في الباقي بالقوس تسعين أَلْف مثقال أخرج منه ما هو كسر في سكة المال الوارد من مستفادات المراسى بعد رده لريال سوم 32، وبقى تسعة وأربعون أَلْف مثقال زائدة في زمام الأمناء، ولم نعرف هل وردت بعد توجيه الكناش فلم تدخل له، أم كيف الواقع؟ هذا وقد قوبل كناش القوس تفصيلا مع ما هنا في كنانيش الحضرة الشريفة فوجد فيها فرق

كبير من مستفاد المراسى وغيرها لم يدخل بكناش القوس ولا عد في الخارج، ولم ندر هل تأخرت بالمراسى ولم تصل أو وصلت وحازها الأمناء قبل أن تدخل للقوس أم غير ذلك؟ مع أن الواجب أن يدخل كل شيء للقوس حتَّى يستقر به ويقيد في كناشة، ثم يخرج ويثبت في الخارج. كما أنا عثرنا على أمور مذكورة في كنانيش دار المخزن لم نجد لها ذكرا في كناش القوس، وَهَا زِمام فيه تفصيلها فأَطْلع عليه الأمناء وأجبنا بجوابهم، وهذا نوع من التخليط الذي ذكر في كتاب الشريف، واشمأز منه الأمناء وانتصرت لهم، وكنا ننتظر بيانها لنجيبك به، وحين يظهر نوع آخر نعلمك به، فنبههم ليسلكوا الجادة ويضبطوا الأمر، فإن هذه التعذرات إنما تنشأ منهم، ولو صاروا على النهج الصافى الذي عينه لهم مولانا نصره الله عند سفره لم يقع تعذر ولا تخليط وعلى الأخوة والسلام في 21 صفر عام 1295. موسى بن أحمد لطف الله به". الثالث عشر: "أخانا الأعز الأرضى الفقيه النبيه الباشا الأسعد, سيدى عبد الله بن أَحْمد، رعاك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته عن خير سيدنا نصره الله. وبعد: فقد أخبر باشادور النجليز بأن هذه مدة من أربعة أشهر منذ كتب لك بالأخذ بيد التاجر الذي كلفه بشراء الزليج لوزيرهم، وإعانته على ذلك، وإخباره بالثمن الذي اشتراه به فأهملت جوابه، وتغرضت التاجر على شرائه بالثمن الذي يباع به، ولم تبادل به، وعليه فلا بد ثم لا بد خذ بيده في شراء ما توقف عليه من ذلك، وكن تعامله بمزيد الاعتناء والمراعاة وتقف في قضاء ما يعرض له عندك، فغير خاف عليك أنَّه من أنصح النواب وأحبهم في الجناب الشريف، وأتمهم وقوفا

في قضاء الأغراض المولوية، والسعى في مصالح الدولة الشريفة، ولو لم يكن من ذلك ألا تعلم عسكرنا ببلاده وما يمت به من محبة الجناب العالى بالله ومحبتنا لكان كافيا في الاعتناء بجنابه وتسويغ مطالبه، وعلى الأخوة والسلام في 4 ربيع الثاني عام 1295. موسى بن أحمد لطف الله به". الرابع عشر: "الأخ الأعز الأرضى الفقيه العلامة الأمجد، سيدي عبد الإله بن أَحْمد رعاك الله وحفظك، سلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله. وبعد: فقد وصلنا كتابك وبطيه نسخة من الكتاب الذي كتبه لك السيد محمَّد بركاش في شأن إعلامه في كل جمعة 4 مرات بعدد من مات وبأى أَلم مات وبما أجبته به على ظهره، وعرفنا مضمن ذلك وأنهينا لمولانا أعزه الله فقال أيده الله: قد أجبته وأحسنت الجواب، ولا يلزمنا شرعا ولا طبعا ولا قانونا أن نخبرهم بما عندنا في ذلك، ونتكلف للرقاقيص وأُجرتهم، وعلى الأخوة والسلام في متم رمضان المعظم عام 1295. موسى بن أَحْمد لطف الله به". الخامس عشر: "أخانا الأعز الأرضى، الفقيه العلامة الأمجد، سيدي عبد الله بن أَحْمد رعاك الله، وسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا المنصور بالله. وبعد: فقد وصلنا كتابك وبطيه تقييد ما أُخرج من القوس من مشاهرات النجليز على يد الأمناء، وما أخرج بعد وقوف الشامى، وذكرت أن الذى أخرج من بيت المال مقيد في كناشه، ولم يؤذن للأمناء في فتحه ليتصفحوه، وقد أنهينا

ذلك لعلم مولانا نصره الله، وصار منه بالبال، فأمر أيده الله أن يفتح بيت المال ويتصفح كناشه ويؤخذ منه المشاهرات المذكورة، ويضاف لها ما دفع من القوس ليكون التقييد على نسق واحد، وقد توجه لكم الأمر الشريف بفتحه وإخراج مائتى أَلْف مثقال منه الصائر فإن وجد كم الحال لازلتم لم تخرجوها فيتصفحه الأمناء عند إدارة إخراجها، وإن وجدهم الحال أخرجوها فيعيدوا فتحه وتصفح الكناش لأجل ذلك ويعلموا قدر الداخل لبيت المال والخارج منه والباقى، ويطلعوا به العلم الشريف ليكون فيه على بصيرة، وها كتاب مولاى إسماعيل بالمساعدة على فتحه يصلكم. وعلى الأخوة والسلام في 6 شوال الأبرك عام 1295. موسى بن أَحْمد لطف الله به". السادس عشر: "أخانا الفقيه العلامة الأرضى، الباشا الأحظى، سيدى عبد الله بن أَحْمد، رعاك الله وسلام عليك ورحمة الله عن خير سيدنا نصره الله. وبعد: فقد وصلنا كتابك مخبرا بورود آيت ولال، وآيت عياش، وآيت سليمان، وآيت لحسن وشعيب على الأعتاب الشريفة، وولاية عبد الوهاب الذى كان خليفة عند ولد مامة عليهم، كما ورد آيت نعمان، وآيت لحسن وعمرو وتوافقوا على ولاية اليزيد وولى عليهم، وذكرت أن الفرق 4 الأولى هم ربع بنى مطير والفرقتان الأخيرتان هي الخمس، وقد أنهينا ذلك لمولانا أيده الله وصار بباله الشريف، وقد كتب سيدنا الخليفة مولاى إسماعيل بذلك غير أنكم لم تعرجوا على ذكر ولاية آيت شغر وشن الذين كانوا مضافين إليهم، فلا بد أجروهم ذلك

المجرى، وكذلك من بقي من فرق بني مطير حسبما تقدم لكم، وعلى الأخوة والسلام في 15 حجة الحرام متم عام 1295. موسى بن أَحْمد لطف الله به". هذا وقد كان مخدومه المذكور السلطان المولى الحسن يجله ويحترمه ويعتبر له سابقية خدمته. وفاته: ولما قبضه الله إليه في محرم عام ستة وتسعين ومائتين وألف، شيع السلطان جنازته بنفسه، وأقبره مع والده المقدس وسلفه الأكرمين بضريح مولاى على الشريف من باب إيلان بالحاضرة المراكشية رحمه الله. ورثاه الأديب الكاتب السيد إدريس بن إدريس بقوله حسبما نقلته من خطه: عش ما تشاء وأكثرن أو اقصد ... ما ذى الحياة على الأنام بسرمد لا بد من يوم ترد ودائع ... هيهات ليس بممكن أن تفتدى هذى المنايا لا تغادر صالحا ... كلا ولا ترثى لحبر سيد فتكاتها في العالمين شهيرة ... بالقهر تعبث في العباد وتعتدى لو كان يدفع بالعشائر مكرها ... خلدت عصائب تستعز باجند أو لو بحسن الفعل والقول السديـ ... ـد بقى الوزير ولم يكن بموسد لكنها الأعمار تطوى سرعة ... كملاءة بأكف جلد أَيد والمرء تحسبه مقيما وهو في ... سفر يخلف فدفدا في فدفد أين البرامكة الكرام وأين من ... سادوا وجادوا بالمبرة واليد أين ابن يحيى جعفر وأبوه والـ ... ـفضل ابن سهل وابن طاهر من هدى

أين الوزير ابن الخَطيب واين زمـ ... رك بعده وابن العميد المحتدى أيت ابن مقلة وأين ماهان الفتى ... والفتح والمنصور ممدود اليد أين الأوائل والأواخر كلهم ... أفناهم الجد المحتم لا اللّدد ساروا كراما ثم نتبع نهجهم ... تالله ما أحد بها بمخلد يَا عين جودى بالدموع فهذه ... أوطانها لا تبخلى بل اسعدى أوما نعى الناعون نبراس العلا ... موسى الكريم البر نخبة أَحْمد أوما نعوا طود العلوم وبحرها ... وجمال وجه الدهر والفخر الندى أوما نعوا خلى ومالك مهجتى ... وأجل آمالى وغاية مقصدى تبا لها من قاله كم غادرت ... فينا أسى من حائر متبلد مرهت جفون الدهر من فقدانه ... حزنا وكان بها مكان الإِثمد وعرت محياه الكآبة بعد ما ... كانت به الدنيا ضيا كالأسعد فليبكه الباكون طلق جفونهم ... من لم يجد بالدمع ليس بجيد وليبكه القرطاس والقلم الفصـ ... ـيح وكل دوح في العلا متأود موسى بن أَحْمد من لما أسسته ... من صالح من للرشاد مسددى من للديانة والصيانة والحنا ... نة والعفاف وللتقى والمسجد من للضعيف وللكئيب وللغريـ ... ـب وللقريب وللبعيد المجتدى من للمفاخر والمآثر (¬1) والكبائـ ... ـر والصغائر والأمور اللبد من للمهمة والملمة والصعا ... ب المدلهمة والزمان الأنكد ¬

_ (¬1) المَأْثُرَة: المكرُمة. الجمع مآثر.

من للسياسة والرياسة والكيا ... سنة والنفاسة والعلا والسؤدد نفسي تعزى واصبرى واستسلمى ... لمراد مولاك المليك الأوحد وإذا قضى أمرا بماضى حكمه ... حق عليك لأمره أن تسجدى ما ثم إلا ما أراد ومن أبى ... فليتخذ نهجا سوى أو يردد لو كان خير في الخلود لماجد ... كانت لخير العالمين محمَّد ولئن مَضَى فلقد بقت أخلاقه ... تتلى ووارثه الزكى المولد ما مات من ترك الخليفة بعده ... مثل النجيب البر الأرضى أَحْمد كلا ولا ضاع امرؤ له علقة ... ووسيلة في ذا السبيل الأحمد خدم الخلافة ناصحا متبصرا ... وقضى الزمان بطاعة وتهجد فليهنه ما نال من رضوانه ... وليهنه ما يرتجيه في غد وليهن أنجالا له قد أُنزلوا ... من بره بمحل عز ممهد لقاه مولاه الكريم مسرة ... ومبرة في ظل عيش أرغد بجوار خير المرسلين وآله ... متنعما فيها باعلا مقعد وصلاة ربي والملائكة العلا ... تترا على قبر النبى محمد وعلى كرام الصحب والآل الألى ... جارت مزاياهم مناط الفرقد ما قال محزون على أُلَّافه ... عش ما تشاء وأكثرن أو أقصد وقد كتب السلطان المولى الحسن رحمه الله بخطه بقلمه الخفيف على نسخة هذه المرثية ما نصه: "وهو كذلك رحمه الله وفوق ذلك وتوجه لابن الحاج يجعلها في تاريخه لفصاحتها وبلاغتها وعذوبتها".

383 - الموهوب بن الإدريس الشبيهي

383 - الموهوب بن الإدريس الشبيهي. نزيل زاوية زرهون. حاله: فقيه مدرس فاضل، مساجد جليل، عدل مبرر نبيل. وفاته: توفى ببلده راوية زرهون تاسع عشر شعبان عام ثلاثة وثلاثين وثلاثمائة وألف، ودفن بالظهير خارج الزاوية. 384 - المؤذن الكاتب. من بنى المؤذن السجلماسيين. حاله: فقيه نبيه، كاتب مؤرخ نسابة، ثقة ثبت، مطلع محاضر لوذعى، لبيب نقاد، ناظم ناثر، يحسن الإنشاء والترسيل، بديع الخط، ممتع المجالسة، سريع الجواب مع إصابة المرمى فيه، عين لمخدومه السلطان الأعظم سيدنا الجد الأكبر مولانا إسماعيل يوصل إليه من أخبار الرعية ما تظافر غيره على كتمانه عنه، ويفرغ ذلك في قوالب لطيفة خيالية مضحكة، لا يعقلها إلَّا العالمون. كان في أول أمره ينسخ الكتب للسلطان مولانا الرشيد بن الشريف المترجم سابقاً، وذلك سبب اتصاله به إذ أعجبه حسن خطه، ولما أَحضر بين يديه بعد أن طلبه لخدمته وقعت له به غبطة، وحصلت له لديه مكانه مكينة، لما رأى من نباهته وتيقظه ورجحان عقله وحسن سياسته ودهائه، فصار من أخص ندمائه، يمازحه ويضحكه بما لم يقدر أحد لأنَّ ينطق به بين يديه، ويخصه بسره ويشاوره في مهمات الأمور، ويعمل بإرشاداته الصائبة المحمودة العقبى، ولم يزل المترجم ملازماً لخدمة السلطان المولى الرشيد إلى أن ليس داعى مولاه، فخدم بعده المولى أحمد بن محرز، إلى أن قتل بسوس، ثم خدم السلطان مولانا إسماعيل فقربه واصطفاه أنيساً وجليساً.

وكانت للمترجم زوجة ذات آداب ومعرفة بالنظام البيتى اللائق بالملوك، فكانت تهذب نساء السلطان مولانا إسماعيل وتعلمهن ما لم يكن لهم به معرفة، فازدادت بذلك عند السلطان مكانة ورد عليها وعلى إخوتها ما لم يبع من أصول والدهم أحمد بن صالح الليرينى رئيس فاس الذي كان أوقع القبض عليه المولى الرشيد لما تحقق لديه عيثه وتعديه وظلمه بشهادة عدول فاس، وغرقت ذمته وضمت أمواله لبيت مال المسلمين، وعند ذلك زوج السلطان الرشيد المترجم ببنت الليرينى المذكور، ولم يزل عيبة سر سيدنا الجد المولى إسماعيل ومحل ثقته يخبره بخفايا الأمور وينقر على سير العمال وولاة الأمر في الرعية، ولا يخفى عن متبوعه شاذة ولا فاذة، شأن أهل النصح والإخلاص للإسلام والمسلمين، إلى أن نقله الله لما هو خير الأبرار. * * *

حرف الصاد

حرف الصاد * * * 385 - صالح. قاضيها أبو محمد بن القاضي أبي العباس أحمد بن أحمد الحكَمى -بفتح الحاء والكاف. نسبة لبنى حكم، فخذ من زمور الشلح القبيلة البربرية الشهيرة الحالة بين حضرتنا المكناسية، ورباط الفتح ويقال له الحكماوى. حاله: علامة فاضل، جليل أديب، كامل مدرس نفاع، خطيب مصقع، ناظم ناثر، له مساجلات شعرية، ومراسلات نثرية، مع بلديه أديب الرباط الشَّهير ابن عمرو الأوسى، وقد ذكره في كثير من مقيداته وحلاه بأوصاف عاليه تسفر عن شفوف قدره وعلو كعبه، تولى قضاء مكناسة وخطبة جامع قصبتها المولوية والتدريس بجامعها الأعظم، كما تولى قضاء بلده رباط الفتح، وكان يتداول قضاء مكناسة والرباط مع القاضي السيد الطَّيِّب بسير المترجم فيما مر، والفقيه القاضي سيدى الحسن بن فارس مراراً نحو الستة أشهر أو العام، لكل واحد في الدولتين السليمانية والرحمانية. وقفت على عدة خطابات له وتسجيلات عليه، من ذلك عقد بتاريخ ثالث شوال عام سبعة بموحدة وأربعين ومائتين وألف، وآخر في منسلخ قعدة عام ثمانية وأربعين ومائتين وألف، وآخر في منسلخ قعدة عام ثمانية وأربعين ومائتين وألف، وكان أبداً بفتح شكله ولا يطمسه، وكان من أهل العدل والصرامة في الأحكام. مشيخته: أخذ عن والده أبي العباس ومن في طبقته من نقاد أعلام وقته. شعره: من ذلك قوله لما وصل في تدريس البردة لقول ناظمها فاق النبيئين في خلق وفى خلق، وقد قرر ما هنالك أربعة أيَّام وختم بالعجز عن إدراك الحقيقة

المحمدية، كما نقل عنه ذلك بلديه رفيقه في الطلب العلامة السيد محمد بن التهامى ابن عمرو الأوسى المذكور ومن خطه نقلت: توارت وقالت بعد طول تطلع ... مقالة من في بسطة قد تبخترا إذا رمت إدراكا وكشف حقيقة ... فيغنيك عما لا ترى بعض ما ترى وقوله: سلام على الأحباب من شيق صب ... حنين إلى الأوطان في البعد والقرب جريح طريح لا يكاد يبين من ... تواطئ أحداث وناى عن الحب تصابى إلى بدر عزيز نظيره ... فراح بلا لب وقد كان ذا لب له الله من عبد صدوق أصاره ... هواه وفرط الشوق فردا بلا صحب يحن إذا غنى الهزار فيهتدى ... إليه ولولا الشجو ما رئى عن قرب وبيدى عقيق الدمع ما قد أكنَّه ... جهارا ويأبى أن يكف عن الصب ولو قلت مهلا عززته هواطل ... من الجفن لو تسقى لأغنت عن الغرب فيا عظم ما ألقى وهان لو أن لي ... سبيلا إلى حبى وحسبى منى حسبى وقوله مخمسا: ألا من لخود قد تجرعت بينها ... ولو أن ربات الجدور رأينها لكبرن إجلالا وقبلن عينها ... (رمتنى وستر الله بيتى وبيتها عشية آناء الديار رميم) توارت وقلبى بانتسابى لبيتها (¬1) ... ولو أننى أهل لقلت فديتها ¬

_ (¬1) في المطبوع: "بيتها" وفى هامشه: "كذا" ولعل ما أثبته أولى وهو موافق للمعنى والوزن، والأبيات من بحر الطَّويل.

وحسبى فخرا أن أكون وقيتها ... (ويارب يوم لو رمتنى رميتها ولكن عهدى بالنضال قديم) والأصل المخمس لأبي حفص الفاسى. وقوله: برد شجونك يا قمرى وابك فما ... على امرئ ندب الأطلال معترض وروح النَّفس بالتغريد فهو على ... ظام تجرع كأس البين مفترض وقوله في رثاء والده رحم الله الجميع: عز المصاب وسله وانهض إذا ... ما احتاج للتأنيس والإكرام وابك الكرام إذ فقدت دليلهم ... واشك النوى وتواطؤ الأيَّام واندب ربوعا طالما يممتها ... متعطشا فكفيت شر أُوام واحبس مطايا الدمع إن عاينتها ... تشكو الخطوب بطرفها البسام واجهد وجد عسى تنفس بعض ما ... لاقت من الأهوال والآلام بنوى أبي العباس درة عصرنا ... بيت القصيد وكعبة الإعظام آه لفقد شمائل ولت لدن ... أولى العباد وذاق طعم حمام بعدا ليوم ذقت فيه بعاده ... متصبرا لسهام شهم رام لهفى عليه ولهف قومى والألى ... صاروا برعى الود من أقوام يا حسرتاه وهل درى دهر بأَن ... أفنى اصطبارى وساسنى بحسام واغربتاه وكم شكا متغرب ... مثلى بفرقة قرمى المقدام من للأرامل والمؤمل والعلا ... من للضعاف الغبر والأيتام

من للعلوم يبينها إن أشكلت ... وتمنعت من عاجز بلثام من للوفود وبذل ميسور القرى ... من للمساجد بعده بإمام من لي إذا ما جئت أمراً منكراً ... أولى الجميل وزاد في الإكرام لا زلت أنشده وأنشد بعده ... يارب من له بدار سلام وأنله صحبة أحمد في جنة ... أعدتها لعصابة الإسلام وامنن على بتوبة تمحو بها ... عنى الذنوب وسيئ الإجرام وتول كل مواصل ومجامل ... بزوائد الإفضال والإنعام وارحم عديما طالما عودته ... منك الجميل وجاء بالآثام واجعل إليك توجهى فيما عرا ... واسمح بفضلك لي بحسن ختام بمحمد وبصحبه والمنتقى ... حياهم رب العلا بسلام وقوله: يا أبتاه سقتك الغايات فكم ... قد عضدتها دموع أعين النادى ولا زمت في دياجى الخطب تذكركم ... وكررته فأغنتنى عن الحادى ولم أزل ساهراً والنجم يشهد لي ... أنى فريداً سلكت ذلك الوادى لهفى عليك وما يغنى أخا حرق ... لهف على قامع الباغين والعادى وكانت بينه وبين رفيقه في المطلب أبي عبد الله بن عبد الله بن عمرو الأوسى الرباطى المذكور مساجلات، من ذلك ما كتب لي به صديقنا مؤرخ سلا أبو عبد الله محمد بن على الدكالى قائلاً أنَّه وقف عليها بخطِّ ابن عمرو ولفظه قال الأخ صالح الحكمى رحمة الله يعني المترجم:

أَضاءت وقد طال انتظار عميدها ... تجلى سناها في دياجى النوائب فقلت: وجاءت تجر الصبح غرة وجهها ... تزاحم فخراً لاح فوق الذوائب وأَصدر: ومنت وما امتنت ونفسى فدا لها فأعجزت: وإن مزجت صرف الهوى بالشوائب فأصدر: فأبقت على الصب الكئيب تكرما فأعجزت: بقية شرب في كئوس الكواعب فأَصدر: فتاة سواد العالمين لوجهها وأعجزت: كنقطة خال تحت ماضى القوالب هـ قال ابن عدي، ومرادهما يوح، وهو معنى لطيف لم أره لغيرهما، وقال ابن عمرو في كناشته الحجازية: لما وصل الأخ العلامة أبو محمد صالح ابن شيخنا العلامة الأوحد النحرير أبي العباس سيدى أحمد بن أحمد الحكمى تولاه الله بمنه في تدريس البردة قول ناظمها رحمة الله ونفع به: فاق النبيئين في خلق وفى

386 - صالح بن العربى بن صالح الطليقى الحلمونى البخاري

خلق، وقرر بعض ما هنالك في أربعة أيَّام وختم بالعجز عن إدراك الحقيقة المحمدية فتح الله بأن قال ما أنشدنيه لنفسه: توارت الخ البيتين السابقين. بعض ما قيل فيه من المديح: من ذلك قول الأديب السيد الحسين بن أحمد ابن شقرة يهنئه بعرس ولده أبي عبد الله محمد، وذلك أواسط جمادى الثَّانية عام تسعة وأربعين ومائتين وألف: أهدى إلى ذاك المقام الأكبر ... أزكى سلام فإن نشر العنبر حيث السيادة والسماحة والتقى ... والعلم تنمى للإمام الأشهر هو صالح الأقوال والأفعال من ... طابت خلائقه بطيب العنصر قاضى الجماعة من سمت بمقامه ... مكناسة ذات البهاء الأبهر أفديه من حبر تسنم للعلا ... رتبا يجر لها ثياب تبخر شوقى إليه لم يزل متجددا ... نيرانه في القلب ذات تسعر يا ليت شعرى هل يتاح لي اللقا ... فأفوز منه بالنصيب الأوفر يا سيدى فاق الأنام بهمة ... من دونها نجم السها والمشترى يهنى سليلك مع جنابك ذلك الـ ... ـعرس الذي وافى بعيش أخضر لا زلت في مرح وسابغ أنعم ... وكلاءة بادى السنا والمفخر وفاته: توفى بتاريخ واحد وخمسين ومائتين وألف. 386 - صالح بن العربى بن صالح الطليقى الحلمونى البُخاريّ. المكناسى النشأَة والدار والإقبار. حاله: أُستاذ متقن ماهر، مجود مقرئ فاضل، متفان في محبة المصطفى وآله، إذا سمع شمائله - صلى الله عليه وسلم - وأوصافه الكريمة خلقا وخلقا وما منحه الله به من

387 - صالح بن يوسف البخاري

الخصائص والفضائل والمزايا صاح وخر مغشيا عليه، محب في الخير وأهله، معمر للمساجد، ملازم لمجالس أهل العلم، عدل مبرز، كان يتعاطى الشهادة بسماط عدول الحضرة المكناسية، منظور إليه بين أهلها بعين الإجلال والتعظيم. وفاته: توفى بعد الثمانين والمائتين والألف. 387 - صالح بن يوسف البُخاريّ. المكناسى النشأة والدار والإقبار. حاله: فقيه أستاذ، يحفظ السبع والعشرين حفظاً متقنًا، وكانت له مشاركة كاملة في الحساب والتوقيت والتعديل، وكان من جملة موقتى الحضرة السلطانية الذين يظعنون بظعنها ويقيمون بإقامتها في الدولة الرحمانية، ثم تقاعد عن الخدمة السلطانية، وتولى رياسة بعض فرق الجيوش التي جرت العادة بإبقائها بعاصمتنا المكناسية بعد ظعن السلطان منها، فنفع الله أقواما بمعلوماته التي بثها مدة مقامه بالعاصمة المذكورة مسقط رأسه. مشيخته: أخذ عن السيد التهامى الزرهونى بالعرائش، وعن السيد عبد الخالق الأودى، وعلى بريط بباء مفتوحة بعدها راء مشددة ثم ياء ثم طاء بثغر طنجة وغيرهم. الآخذون عنه: أخذ عنه السبع والعشرين علال بن صالح الحلمونى وغيره. وفاته: توفى بعد الثمانين ومائتين وألف بالحضرة المكناسية، ودفن بضريح سيدى عمرو بوعوادة من حومة حمام الحرة. 388 - الصِّديق البُخاريّ الأجراوى. المكناسى النشأة والدار والإقبال. حاله: فقيه أستاذ ماهر، يحفظ العشرين حفظا متقنًا، انتفع به جم غفير من

[صورة] خط يد السلطان مولاى عبد الله

حملة القرآن وحفاظ السبع، وكان من أهل الدين والفضل والخير والصلاح، رآه بعض العدول بعد وفاته فقال له: ما فعل الله بك؟ فأجابه بأن من جملة ما أكرمه الله به أن شفعه فيمن شيعه -أَعنى جنازته- وقد كانت الطرق والدكاكين وقت المرور بجنازته فارغة إلَّا من المشيعين لها، لتأهب الخاص والعام من أهل البلد لذلك. الآخذون عنه: ممن أخذ عنه الأستاذ علال بن صالح الطليقى الحلمونى، والأستاذ السيد صالح بن يوسف البُخاريّ المترجم قبله وغيرهما. وفاته: توفى بعد السبعين ومائتين وألف، ودفن بضريح أبي اليمن عمرو بوعوادة دفين حومة حمام الحرة. * * *

حرف العين

حرف العين * * * 389 - عبد الله أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين السلطان الأعظم إسماعيل ابن أمير المؤمنين الشريف بن على الحسنى العلوى الينبوعى السجلماسى. مولده: ولد بمهد سلفه تافيلالت بقصبة الفرخ قرب الدار البيضاء من وادى يفلى، في منتصف ذى الحجة عام واحد وعشرين ومائة وألف، أمه الحرة العالمة العاملة خناثة بنت الشَّيخ بكار المغفرى مارة الترجمة. صفته: أبيض مشرب بحمرة، مليح الوجه، قصير القامة، خفيف اللحية جداً، مفلج الأسنان، بخده الأيسر شامة، طويل اليدين والأصابع، إذا تكلم تحرك شارباه الطويلان، صغير الرجلين دقيق القدمين، إذا ركب حسبته طوالاً، وإذا مشى حسبته لخفة مشيته شاباً صغيراً، مهاب لا يكاد أحد يبدؤه بالكلام، كذا وصفه من عاصره. حاله: قال في الشجرة الذكية: كان محباً لأهل البيت ذنبهم عنده مغفور، وعيبهم مستور، يتجاور عن المسئ منهم ويجارى المحسن ويواسى الجميع بالأموال، ويعفو ويصفح في سائر الأحوال، قال: وكان معروفاً بالسماحة يعطى ولا يبالى وخصوصًا للأشراف. هـ. ¬

_ 389 - من مصادر ترجمته: نشر المثانى في موسوعة أعلام المغرب 6/ 2197.

وقال في الدرر البهية: كان رحمه الله في العلوم آية باهرة، وعلى أعدائه صاعقة قاهرة، فكم أحيا من علوم، وأباد من ظلوم، وجدد من رسوم، وجدلت سيوفه من بذى غشوم، وكم ضم من حشود، وقهر من حسود، تصدى للخلافة في معظم أيَّام الفتنة، وقد زاحمه إخوته في كل بلدة، ولم يزل يقارع الأهوال، مع معارقة الأحوال، إلى أن تمحضت له ولبنيه من بعده، وناداه منادى يمنه وسعده هـ. وقال أبو عبد الله الضعيف: كان ذا رأى وحزم وإقدام؛ أيامه (¬1) أيَّام دعة ورخاء، وأبي وبهجة حسنة، مستبداً برأيه دون وزرائه، قاهرًا في سلطانه إذا أعطى أغنى، وإذا صال أقنى، ذا فضل وكرم وعلو همة، وافياً بالعهود، شجاعاً يباشر الحروب بنفسه، دوخ المغرب بأسره، إلَّا أنَّه مسلط على العتاة والطغاة والظلمة، سفاكاً لدمائهم، رفيقاً بالضعفاء والمساكين واليتامى هـ. وقال في الشجرة الزكية: فلما تمكن، قتل من أهل فاس ثلاثمائة، ومن العبيد أربعمائة في يوم واحد، وبقتلهم كانت له قوة عظيمة في المملكة هـ. وقال غيره شديد الغضب، ذا بطش غير متوقف في الدماء ولا واضع في موضع السيف (¬2) الندى هـ. قلت: ومن حكم ذى القرنين الإسكندر الملك البعيد الهمة (نعم العون على إصلاح القلوب الموغرة الترغيب بالأموال وأصلح منه الترهيب وقت الحاجة إليه) وكأن المترجم بهذا كان ينظر في سياسته ولفساد الرعية أسرف في القتل وتجاوز الحد، فكان ما كان مما سيتلى على المطالع. ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "لعله يعني الأيَّام التي لم يكن له فيها منازع والتى لم يلزم فيها قصره". (¬2) في هامش المطبوع: "سيأتى في قتل أهل تطاوين لعاملهم خلافه".

وقال في نشر المثانى: هو الواحد في العز والمقام، الذي اختاره الله لتصريف أمور الأنام، كان ممن عمرت به الأرضون فأحيا أنجادها وأغوارها، وسعد به أهل العز من كل فريق، وتمهدت به السبل من كل فج عميق، وشقت هيبته المشارق والمغارب، وقال الضعفاء بعزمه ما تمنوه من المئارب، وعمر به سوق العلم بعد دروسه، وضحك به وجه الزمان لأهله بعد عبوسه، ولله در من قال في مديحه: كفاك افتخاراً أن عزك ظاهر ... وجودك منسى به جود حاتم وكون سجاياك التي فاح عرفها ... سجايا الملوك الشم أولى المكارم لعمرى لقد ألقت إليك زمامها ... سروج العلا إذ كنت أحزم حارم وأغناك رب النَّاس عن جمع عسكر ... برأى مصيب للعساكر هازم ونفس على فوق السماكين قدرها ... وعقل غنى عن هداية عالم فأمتنا من كل طار وطارق ... وحصنتنا من كل داه وداهم قال أبو القاسم الزيانى في تواريخه ما زبدته مع مزيد تنقيح وإيضاح: بويع له بالإمامة العظمى بمكناس بعد وفاة صنوه أبي العباس أحمد الذَّهبيُّ سابق الترجمة، أوائل شعبان عام واحد وأربعين ومائة وألف كما هو ظاهر نصوصهم؛ باتفاق من أعيان الديوان، من عبيد وودايا، وطير الإعلام لإخوانهم جيرانهم أهل فاس وبالغوا في حصنهم على الموافقة على ما ذكر والتسارع لبيعة المترجم، وهو يومئذٍ بسجلماسة، ووجهوا إليه جريدة من الخيل لإعلامه باجتماع الكلمة على بيعته، والإتيان به، ولما وصل الكتاب المشار إليه لأهل فاس تلقوه بكلِّ ارتياح وانشراح، وجمعوا أمرهم وشركاءهم على قراءته على منبر جامع القرويين، وبإثر

قراءته أعلنوا بنصره، ولم يتوقف أحد ممن حضر القراءة ولا من غيرهم في بيعته بشرط تعجيل حضوره كذا قال الزيانى ومن تبعه. والذى في الدرد المنتخب المستحسن نقلاً عن العلامة المؤرخ ابن إبراهيم الدكالى: أنَّه في خامس شعبان المذكور قدم من مكناس لفاس جماعة من العبيد والوزراء والكتاب للمشورة والمفاوضة فيمن يتولى أمر المسلمين، من إخوان السلطان المتوفى، فاتفق رأيهم على المترجم لكن أهل مكناس أعلنوا بنصره حالاً، وتأخرت بيعة أهل فاس إلى يوم الخميس تاسع الشهر، وزاد في الدر المنتخب نقلاً عن بعض الأعلام أن المترجم لما بلغه اجتماع الكلمة عليه امتنع من الإجابة لذلك، ولم يزل متمادياً على امتناعه إلى أن دخل عام اثنين وأربعين فاستخار الله ونهض من تافيلالت أواخر محرم الحرام ووصل لفاس في خامس صفر. ثم حكى أقوالاً أخر في تعيين وقت قدومه فاسا، منها: أنَّه يوم الأربعاء سابع رمضان عام واحد وأربعين ورجح هذا القول واختاره. ومنها: أن قدومه كان في مهل رمضان. ومنها: أنَّه في سابع عشرى شعبان وكان نزوله عند وصوله إلى فاس بالمحل المعروف إلى اليوم بظهر المهراس بظاهر فاس. وبمجرد تخييمه به هرع الأشراف والعلماء والأعيان لاستقبال جنابه وتقديم مراسم التهانى لجلالته، فقابلهم بكلِّ تجلة وإكبار، وكرم وفادتهم وأوعدهم بالدخول من غده لزيارة التصريح الإدريسى فرجعوا مبتهجين، وبالثناء على شمائله لهجين، وما كان الغد حتَّى أخذوا زينتهم وحملوا ألويتهم وأسلحتهم وخرجوا لمخيمه طبق الوعد الذي كان بينهم وبينه، وبمجرد وصولهم ركب المترجم فرسه

وتوجه معهم في موكبه الحفى الحافل وحاشيته الكريمة، وساروا إلى أن دخلوا على باب الفتوح أحد أبواب مدينة فاس الإدريسية، وكان اختيارهم للدخول على ذلك الباب تيمنا وتفاؤلا بما أضيف إليه. ثم أن بعض سماسرة الفتن الموقدين لنيرانها من أهل فاس أولاد ابن يوسف رام اغتنام الفرصة بالإيقاع بحمدون الروسى غيلة، حيث إنه كان قتل أباهم، فشعر الروسى بذلك وتنحى عن الموكب، وقيل سبوه والسلطان يسمع واقتفى لأثره فانفلت منهم، ولحق بالمترجم، وأخبره بالواقع وهو إذ ذاك على قنطرة الرصيف فاغتاظ، ورجع على طريق جامع الحوت، وذهب على جزاء ابن عامر، وخرج على باب الحديد، وسار إلى أن دخل دار الملك من المدينة البيضاء فاس الجديد. وقيل: إن ذلك كان والسلطان بالمحل المعروف بين المدن، وأنه سار على حومة البليدة، وخرج على باب الجيسة، وسار إلى أن بلغ فاسا الجديد، ولم يزر الضريح الإدريسى تحرزاً من توقد نيران الفتن على حين غفلة، وذهب القوم في إعراض المترجم عن الزيارة كل مذهب. ثم بعد أن أحاطوا علما بالسبب الموجب للتخلف طلع لدار الملك أعيان البلد من أشراف وعلماء ووجهاء ببيعتهم، وكان القاضي الأعدل أبو العلاء إدريس ابن المهدى المشاط، هو الذى تولى إنشاءها وكتبها، وقد أوردها بنصها أبو القاسم الزيانى في البستان مؤرخة بسابع صفر عام 1141، وتبعه في جلبها صاحب الجيش، والاستقصا، والدار المنتخب المستحسن، تركت نقلها هنا اختصارًا، لكن صاحب الاستقصا أوردها بتاريخ سابع رمضان العام لا صفر وهو في نظرى أصوب (¬1) وأصح، ولما قدم الوفد الفاسى للحضرة السلطانية ببيعتهم المشار لها ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "لأنَّ صفر عام واحد وأربعين لا زال مولاى أحمد الذَّهبيُّ قائماً ولم يمت حتَّى وصل شعبان هـ".

أبدوا أعذارا عما أضمره السفهاء، فأعرض عنهم فيما يتعلق بذلك الموضوع، ووصلهم بقنطار ونصف ذهباً، اقتسموه أمامه بينهم. ثم أمرهم بتهيئ خمسمائة رام للتوجه معه للعاصمة المكناسية طبق عوائدهم المقررة في ذلك، مع الملوك قبله من سفله وغيرهم، فأجابوا بالسمع والطاعة، ثم نهض المترجم لمكناس وفى معيته الخمسمائة رام المذكورة. ولما كان على مقربة من العاصمة المكناسية وجد عسكر العبيد وقوادهم وقواد العرب والبرابر في استقباله فرحين مستبشرين، فأدوا لجلالته ما يجب من مراسم التهانى والترحيب والإعظام والإجلال، ثم انضافوا لجنده وسار وألوية النصر تخفق، إلى أن حل بعاصمة والده مكناسة الزيتون في موكبه المدهش العجيب التَّرتيب، وما استوى على العرش حتَّى وفد على شريف أعتابه الأشراف والعلماء والأعيان ببيعتهم العامة، ثم صارت وفود القبائل الشاسعة والدانية تفد على حضرته ببيعاتها، وهو يستقبل كلا بما يليق به، ولما فرغ من شأن الوفود فرق الصلات على سائر الطبقات كل وما يستحق، إلَّا أهل فاس فإنَّه حرمهم نواله. ولما كان عيد الفطر قدم على الحضرة شرفاء فاس وعلماؤها وأعيانها بالهدايا العيدية كغيرهم من الحواضر والبوادى لحضور العيد مع الجلالة السلطانية وفق المقرر المعهود، ولما رجع من مصلى العيد فرق الصلات والجوائز على جميع تلك الوفود الوافرة والعساكر والجيوش غير أهل فاس، وصلات الوفود كما وفدوا على الجلالة السلطانية ومن ذكر معهم كانت من مألوف العادات عند ملوك دولتنا، ولا سيما في أيَّام الأعياد، واستمر العمل على ذلك ولم يتعطل إلَّا في هذه الأزمنة الأخيرة، ولما كان يوم ثانى العيد أمر بإحضار أهل فاس فأحضروا بمشوره السعيد وهو على سرير ملكه، ولما مثلوا بين يديه أمرهم بالكتب لإخوانهم بتسليم البساتين (المعاقل)

والقصبات لأنَّ ذلك ملك للسلطان ومن وظيفه، وأوعدهم إن هم امتنعوا بهدم ديارهم عليهم، فلم يكن لهم إذ ذاك بد من الامتثال والجواب بالسمع والطاعة. ولما جن الليل ارتحلوا إلى بلادهم فاس، وقرروا لإخوانهم الأوامر السلطانية، فاتفق رأيهم على رفض ذلك وعدم الإجابة له، واجتمع فقهاؤهم وأشرافهم وأعيانهم للمفاوضة والنظر في وجه يمكن به خلاصهم مما ذكر، وبإثر ذلك ورد عليهم من الحضرة السلطانية كتاب بتسليم ما ذكر لجانب السلطان، فحاصوا حيصة حمر الوحش وهاجوا وماجوا، ثم اتفق رأيهم على أن يعينوا وفدا يوفدونه للشفاعة لدى المترجم أولاً، والتزموا بأداء جميع الوظائف التي كانوا يؤدونها لوالده وإعطاء الضمان على ذلك، فلم يرفع لهم رأساً، وردهم ناكصين على الأعقاب، ثم اتفق رأيهم ثانيا على أن يوجهوا لسدته الكريمة هدية تبرع بها تجارهم، وعينوا جماعة من أعيانهم توجهت بها فتعرض الودايا إليهم ونزعوا منهم الهدية وسلبوهم من كل ما بيديهم وأودعوهم سجن فاس الجديد، وصرحوا لهم بأن صاحب الترجمة أمرهم بحصار فاس الإدريسية. ولما علم بذلك أهل فاس القديمة صمم العامة منهم على رفض بيعته، ونازع العلماء في ذلك محتجين بأن بيعته في أعناقهم فطاعته واجبة عليهم، إلَّا إن أمرهم بكفر براح فأعارهم الجمهور أذنا صماء وأعلنوا بخلع ربقة بيعة المترجم ورفض طاعته، ونادوا في المدينة من أراد الخروج لبلاده فليتهيأ لثلاث، وأغلقوا أبواب البلد وذلك في سادس الشهر المذكور. ولما اتصل هذا النبأ بالمترجم صمم على محاربتهم، فجيش الجيوش وخرج لإرغامهم على الرضوخ للطاعة في خامس عشر شوال المذكور، وأحدقت عساكره الجرارة بفاس، وعثت في السبل الموصلة إليها، وقطعت أشجار جناتها، وهدمت مبانيها، وأفسدت الزروع والبحائر، وقطع عنهم الوادى، وحاربهم من كل ناحية

وباب، والمدافع والمجانيق تمطرهم بوابل كورها وأحجارها المدمرة، واستمر القتال عليهم بالليل والنهار حتَّى سئموا وكلوا وملوا وضاق بهم المتسع، ويئسوا من النصرة، وبارت حيلهم، وارتفعت الأسعار، وأنتنت المدينة من كثرة الأوساخ وعدم الماء، ولم يسعهم إلَّا الجنوح إلى المسلم، فسعوا في الصلح فاشترط المترجم عليهم تسليم المعاقل والقصبات، فكبّر عليهم ذلك واستأنفوا القتال وأظهروا التجلد. وفى الرابع والخامس من ذى القعدة التقى الجمعان ووقعت بينهما معركتان خفيفتان بباب الجيسة، وفى الثَّاني منه وقعت معركة ثالثة بباب الفتوح، وفى الثالث عشر وقعت معركة كذلك، وفى الخامس عشر منة ركب السلطان في ملأ من جيشه فلقيه أهل فاس تائبين وفى عفوه راغبين ولأمانه آملين. فأجابهم لما طلبوا بالشّرط المذكور، فلم يقبلوا، وفى الواحد والعشرين وقعت معركة عظيمة بباب الجيسة من الصبح إلى الزوال ومات من أهل فاس نحو الثلاثين، منهم: مولاى عبد القادر بن عبد الرحمن الدباغ، وعبد الخالق بن خالد، وعبد الله بن علال. وفى الثَّاني والعشرين وقعت مقتلة بباب الفتوح مات فيها من أهل فاس ثلاثة أنفار. وفى خامس ذى الحجة نزلت قنبلة بالعطارين وأهلكت بوجيدة بن عيشون. وفى عيد النحر نزلت قنبلة أخرى على قبة الضريح الإدريسى أصابت أناسا، هلك منهم رجل وجرح باقيهم، وكان ممن جرح العلامة أبو العباس أحمد بن الخياط بن إبراهيم الدكالى، وعطلت صلاة الجمعة. ومن الغد وقعت معركة بباب الجيسة مات فيها من أهل فاس نحو العشرين، فتوسط أهل فاس للسلطان ببعض الوجهاء الذين اعتقدوا أن شفاعته لا ترد لديه، فأبى إلَّا إذا سلموا البساتين والقصبات، فامتنعوا وتمادوا على القتال.

وفى فاتح محرم عام اثنين وأربعين كان قتال عظيم ببابى الجيسة والمسافريين، مات فيه من أهل فاس نحو الثلاثين رجلاً، واستؤنف القتال من الغد ومات فيه خلق، وارتفعت الأسعار وبلغ وسق القمح ثلاثين مثقالًا، وزادت نيران الفتن توقدا، وتكاثر الهرج والمرج، وجعلت المحال السلطانية ترمى القنابل المدمرة على المدينة. وفى ثالث صفر وقعت معركة أول النهار، ولما كان العشى اتفق أهل فاس على الهجوم على المحال السلطانية من سائر الجهات، فخرج اللمطيون من باب الجيسة للمحلة التي بوادى المالح وكان قائدها موسى الجرارى فوثبوا عليها، وفر أهلها واستولى أهل فاس على جميع ما فيها، وكان من جملة ما غنموا مدفعان. وخرج الأندلسيون وأهل العدوة من باب المسافريين واستولوا على جميع ما كان مدخرا بالسيد أبي جيدة حيث كان الحصن المنيع لتلك المحال، وساقوا من وجدوه من الجند هنالك إلى الباب وقتلوهم شر قتلة. ومن الغد نصبوا المدفعين اللذين غنما بالقصبة البالية وجعلوا يرمون بهما فاسا الجديد. وفى التاسع عشر من الشهر انضم الجيش السلطانى بعضه إلى بعض، وكان المترجم حاضرا بنفسه، ووقع قتال عظيم بين الفريقين انجلى بانهزام المحال السلطانية، ولم يمت من الجيش الفاسى غير ستة. ومن الغد فقد الزرع بالمدينة، واشتد الهول، وعظم المصاب، ووقع التنازع بين العامة والرؤساء، وضعفت قوى المقاتلة عن المقاومة، ولم يكن لهم بد من الإذعان وتسليم ما طولبوا بتسليمه للجناب السلطانى. وبسبب ذلك تم الصلح على يد القائد محمد السلوى بالضريح الإدريسى، وذلك يوم الثلاثاء عاشر ربيع الأول عند صلاة الظهر.

ثم اجتمع رؤساء الأشراف والعلماء وذوو النجدة والوجاهة، وطلعوا في معية القائد السلوى المذكور لدار الملك لاستئناف تقديم الطاعة فقبلهم المترجم وقابلهم بالعفو والإغضاء، ووصل الشرفاء والعلماء بألف دينار. وكسا الأعيان، وولى عليهم الحاج على السلوى، وانطفأت نيران تلك الفتن. وفى الثالث عشر من ربيع النبوى عمر الجند السلطانى القصابى مع البساتين (المعاقل). وفى العشرين منه نهض صاحب الترجمة من فاس ووجهته العاصمة المكناسية، ولما حل بها وجد القبائل استأنفت عملها الأول من ركوب الخيل واقتناء السلاح والعيث في الطرقات، فأصدر أوامره للعبيد بتجهيز الحركة لتمهيد البلاد، وقطع جرثومة الفساد. ثم نهض قاًصدا تادلا لقمع آيت يمور الذين نزلوا بها لما أخرجهم آيت ومالوا من رأس ملوية، وأضروا بأهلها، ولما أحسوا بمقدمه فروا أمامه ودخلوا بلاد آيت يسرى، فاقتفى أثرهم وأوقع بهم شر وقعة بوادى العبيد نهبت فيها أموالهم وقتل منهم آلاف. ولما رجع المترجم لتادلا قتل من أعيان رماة أهل فاس عشرين، وكتب لأهلهم يعتذر عن قتل من قتل منهم مبيناً لهم وجه ذلك وموجبه، وأمرهم بتوجيه حركة أخرى فامتثلوا وعينوا من يتوجه للحركة وفق الأمر الصادر إليهم، وكان الذي استعرضهم حمدون الروسى برأس الماء، وبعد الاستعراض توجهوا للحضرة السلطانية. ومن غد يوم الاستعراض قتل الروسى المذكور عبد الواحد بتير، ومحمد بن الأشهب بباب السجن وأمر بجرهما، ثم من الغد أصبح يهدم أبواب المدينة، فهدم

باب المحروق، وباب عجيسة، وباب الجديد، وكان ذلك لما تقدم من الاستعانة بغلقها على التمرد ونبذ ما لزم من الطاعة. وفى الخامس والعشرين من ربيع الثَّاني بعث المترجم للعلامة أبي عبد الله محمد بن عبد السَّلام بنانى فلحق به بمكناس، ولما مثل بين يديه سب وجدع وقرع ووبخ لأمر سوء بلغه عنه، وعزله عما كان بيده من الوظائف بجامع الأندلس، ثم عفا عنه وأغضى. وفى الحادى عشر من جمادى الثَّانية عزل على السلوى عن عمالة فاس وسجنه لما تظاهر به من السوء لأهل فاس وقتله رئيس أهل العدوتين الشَّيخ دحمان المنكاد، وأسند عمالة فاس للبادسى بن حمدون الروسى. وفى العشرين من رمضان عزل أبا العباس أحمد الشدادى عن قضاء فاس، وولى مكانه أبا الحسن على بوعنان. وفى الثَّاني عشر من شوال عزل البادسى عن عمالة فاس، وولى مكانه عبد النَّبي بن عبد الله الروسى، فأساء السيرة فعزله، وولى مكانه حمدون الروسى وأوصاه بالرفق واللين، وحذر وأنذر، ولكن ما بالذات لا يتبدل فلم يزده التحذير إلَّا إغراء: إذا كان الطباع طباع سوء ... فلا أدب يفيد ولا أديب وفى أوائل جمادى الأولى صدر الأمر بهدم القصبة البالية وحطب ما فيها من الأجنة، ولما علم السلطان بذلك سجن الناظر ونكل بمن فعل ذلك من الولاة محتجا بأنه لم يأمر بذلك، وإنما أمر بتخفيف بعض الأشجار التي لا غلة لها، ثم أمر ببناء ما تهدم وغرس ما قلع، وفى أواخر شعبان قتل عبدٌ الواحد بن سودة الذي كان أمين المواريث قصاصا.

وفى محرم الحرام عام ثلاثة وأربعين ومائة وألف ابتدأ في هدم أسوار المدينة، وصرح بأنه إذا فرغ من هدم الأسوار يشرع في هدم الدور وأمر بحمل الأنقاض لفاس الجديد. ثم لما اتصل بالمترجم عتو الروسى وطغيانه، كتب كتاباً بتوبيخه وتهديده وإيعاده قرئ على منبر القرويين، ولما تيقن أن لا ملجأ له ولا منجى مما جنت يداه فر لزاوية جبل زرهون، حيث مدفن البضعة النبوية الطرية، إدريس بن عبد الله الكامل، ولما رجع المترجم من حركته وتوجه لزيارة الضريح الإدريسى تعلق حمدون بأذياله فلم يلتفت إليه، ثم بعد ذلك أحضره بين يديه وعدد عليه ما ارتكبه من الجرائم التي لم يجد لها مدفعا، ثم أمر بتوجيهه لفاس وقتله قصاصا، فأنشد بين يديه ما أنشده بعضهم لأبي جعفر المنصور العباسى: إنا بطاعتك الألى ... كنا نكابد ما نكابد ونرى فنعرف بالعدا ... وة والبعاد إذا تباعد هذا أوان وفاء ما ... سبقت به منه المواعد فأطرق المترجم ساعة ثم قال له وهبتك لشيبتك، وأبقيتك لصبيتك، على أن لا تقرب ساحتنا، ولا تحوم حولنا، وإلا حلت بك عقوبتنا، وولى على فاس كاتبه الطَّيِّب بن حلوة، وذلك في يوم الاثنين تاسع عشر شعبان، وكان شديد الشكيمة على أولاد العرب والعلماء، ظلوما غشوما، لم يتول على فاس أتعس وأشأم منه، حتَّى سمى حجاج الوقت، يقال: إنه هو الذي أغرى المترجم على نهب زرع العرب الذي كان بخزائنهم، فأمر بحيازته، وتوجه الأشراف والعلماء للسلطان في الشفاعة فردهم خائبين، واستمر ابن حلوة على عمله من النهب والغصب والقتل والتدليس وتشويه وجه الحقيقة إلى أواخر رمضان وقيل شعبان، فنكبه المترجم وعزله وغربه إلى مكناسة الزيتون، فلم يزل بها في شبه عقال إلى أن لقى ربه بعد

خمسة أشهر، وولى على فاس مكانه عبد اللطيف بن عبد الخالق الروسى، ووجه به عاملاً فوصل إليها في سابع شوال. وفى ربيع الثَّاني أصدر المترجم ظهيرًا شريفًا نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع بداخله (عبد الله بن أمير المؤمنين إسماعيل الحسنى الله وليه ومولاه) وبزواياه اليمن والإقبال وبلوغ الآمال والسعد: "كتابنا هذا أسماء الله وأعز أمره، وأطلع في سماء المعالى شمسه المنيرة وبدره، بيد حامله الفقيه الأجل، المجود الأفضل، السيد الحاج أحمد بن عاشر العامرى يتعرف منه بحول الله وقوته، وشامل يمنه وبركته أننا جددنا له بحول الله وقوته حكم ما بيده من ظهائر سيدنا الوالد قد س الله روحه في أعلى الجنان آمين، وظهائرنا الكريمة التي تضمنت توقيره واحترامه على مر الليالى والأيام، والسنين والأعوام، فلا سبيل لمن يروم أو يحدث في جنابه الملحوظ نقصا ولا زيادة، وأبقيناه على مرتبه الذي كان يقبضه من وقف أحباس مسجد سلا الأعظم عمره الله بدوام ذكره، وقدره خمسة وعشرون أوقية دراهم من كل شهر إعانة له على ما هو بصدده من تعليم الطلبة بالمسجد المذكور، وعلى الفقيه المذكور بالاجتهاد فيما كلف به، والواقف عليه يعمل به ولا يتعداه والسلام في الثَّاني العشرين من ربيع الثَّاني عام ثلاثة وأربعين ومائة وألف". وفى السابع والعشرين من شوال 1143 وقع الشروع بأمر المترجم في هدم مدينة الرياض المارة الذكر التي كانت زينة مكناسة وبهجتها، وفيها دور العمال والكتاب والأوداية وأهل الدولة الإسماعيلية، والتى كان بها المسجد الإسماعيلى الأعظم والمدرسة والأسواق والحمامات، وكان يقصدها التجار بالبضائع، فلم تمض عليها عشرة أيَّام حتَّى صارت كدية تراب. وكان قد أشرف على الشروع في هدمها بنفسه وفى نظرى أن أحسن ما يعلل به هدمه إياها زيادة على ما أسلفناه، هو أن صدور الدولة وذوى الحيثيات من رؤساء الجيش ألهتهم قصورهم الفاخرة بزخاريفها عن القيام بوظائف الدولة،

واتفق ما حدث من الفتن بعد وفاة والد المترجم وأساطين دولته وساساتها، ولما آل الأمر للمترجم لم يجد من أولئك من يعيره لتنفيذ أوامره أذنا صاغية، بل قوبل جلها إن لم نقل جميعها بالرفض وإبداء العلل الواهية زيادة على كونها صارت بعد أبيه مركز المؤامرات السياسية عليه وعلى إخوته. وأثناء هذا وسوس بعض شياطين الإنس لصاحب الترجمة في أبي العباس أحمد بن على الريفى حتَّى أوغر صدر السلطان عليه، وصمم على المكر به، فطير له الإعلام بذلك بعض أصدقائه من الحاشية الملكية فخاف بطش الملك ووجه بهدية ذات بال جمع فيها تيجانا مرصعة بنفيس الأحجار وأموالاً طائلة وأوفد معها ثلاثمائة نفر من أعيان إخوانه أهل الريف يبرهنون للمترجم على إخلاص مرسلهم ورضوخه للطاعة وبراءته مما ألصق به ويطلبون أمانه فأمر بقتل جميعهم، ولما اتصل ذلك بالريفى المذكور قام لإيقاد نيران الفتن على ساق حتَّى اضطرمت وتسعرت وتطاير شررها، وعم الفساد الحاضر والباد، وقطعت السابلة وكان ما كان مما لست أذكره. ثم بلغ المترجم عيث آيت يمور وتمردهم واشتغالهم بالسلب والنهب، فحشد إليهم جيوش العبيد والودايا ونزل بساحتهم من غير تأهب لهم ولا استعداد للمقاومة، فأخذهم أخذاً وبيلا، وقتل أبا يعقوب الحنصالى شر قتلة، إذ وجده نازلاً بين أظهرهم، قال في نشر المثانى: ولما قتله منع النَّاس من دفنه حتَّى تمزقت أشلاؤه وتفرقت أعضاؤه، فعل ذلك به لئلا يتوهم ضعفة العقول من أصحابه أنَّه لم يمت لأنَّه كان يخالط علم الحدثان. وفى العام نفسه قتل مائتين من لصوص حجاوة على قطع الطَّريق على المارة ببلادهم، ولما قتلهم خرج أهل مكناس والطالبون للفرجة في المقتولين بباب البطيوى، فاتفق خروج المترجم في تلك الساعة على ذلك الباب، فلما رأى القوم

قصدهم ظاناً أنهم المأمور بقتلهم ففروا خوفاً منه ودخلوا كهفاً عليه, مقربة من المحل يختفون فيه، فقصدهم حتَّى وقف على باب الكهف وأمر من كان معه بغلق باب الكهف عليهم بالأحجار فأغلقوه غلقاً متقنًا، ومات جميع من به ولم يوقف لهم بعد على خبر، ولم يعرف عددهم، وفى العام أيضاً أمر عبيد مشرع الرمل بالتهيؤ للحركة لجبال فازاز. وفيه ولى أبا عبد الله محمد وعلى الزمورى عمالة فاس وأمره باستصفاء أموالهم وأن لا يترك لهم قيراطاً، إذ كان البعض نقلوا إليه أن المال أطغاهم وأنهم يحاولون الخروج عن طاعته وشق العصا عليه، فتوجه الزمورى المذكور إلى فاس ونزل بدار أبي على الروسى من حومة المعادى وصار ينقب على ذوى اليسار ووظف عليهم أولاً غرامة قدرها خمسمائة ألف مثقال وبالغ في التشديد في اقتضاء ذلك منهم، وعمَّر بهم السجون، ومن تغيب يلقى القبض على أقاربه. ولما استوفى العدد المذكور ممن ذكر صرف وجهته لأهل الحرف والملاكين والبطالين، وقام بسبب ذلك هرج ومرج، وفر النَّاس لشواهق الجبال والقرى والأمصار الشاسعة، وامتدت ولايته عليهم ثلاثة عشر شهراً، وكان كلما قبض شيئاً وجهه للمكلف بالداخل للعاصمة المكناسية. وقد ساق العلامة المؤرخ ابن إبراهيم الدكالى هذه الحادثة ببعض مخالفة وزيادات ونص ماله في تقاييده: وفى هذا الوقت قدم عبد الرَّزاق بن على ويشى، وقبض جميع تجار أهل فاس وسجنهم ودخل ديارهم وحوانيتهم، وشرع في قبض المال منهم، ثم دفعوا مائة وعشرين قنطاراً، وكان من جملة سرق قبض في المال الحاج محمد الأندلسيّ الرحوى، أخرجوه من حرم سيدى أحمد الشاوى، وأدخلوه السجن وضربوه حتَّى مات، وطوفوه على النعش وهم يقولون هذا جزاء من لم يعط مال السلطان، وكان ذلك في صفر وجاء العفو يوم الجمعة السادس عشر منه.

وفى الحادى والعشرين منه ذهب عبد الرَّزاق بمال التجار الذي قبض ودفعه للسلطان، وكان معه التجار الذين دفعوه، فأمرهم بالزيادة عليه، وسجن بعضهم وقد كان عبد اللطيف الروسى من جملتهم، وقد كان عبد اللطيف هذا أمر بقتل السيد الحسن بن السيد عبد العزيز بن إبراهيم الموقت بمنار القرويين بإشارة من القاضي السيد على بو عنان، وقتل بعد صلاة العصر من يوم السبت خامس المحرم عام 1145. ولما تلاقى عبد اللطيف المذكور مع السلطان وتكلم معه في شأن المال الذي دفع أهل فاس غضب عليه السلطان من أجل الرماة، وأمر بضربه بالسياط، فضرب ثم ثمانمائة، ثم طعنه برمح وأمر بذبحه وجره لباب الملاح جزاء وفاقاً بما فعل بالسيد الحسن المذكور. ثم تولى حكومة فاس الطالب محمد بن على ويشى أخو عبد الرَّزاق المذكور، وكان حسن الأخلاق يوقر الأشراف والعلماء وأبناء الصالحين، فكان جعل للطلبة خراجاً يقبضونه من وفر القرويين، إلَّا أنَّه كان فظاً غليظاً على التجار لا يقبل منهم عذراً، وقبض منهم زمن ولايته أموالاً عريضة، وانتفى بسببه من فاس من أهل الغرامات ما لا يحصى، وبقى حاكماً بفاس من حين قتل عبد اللطيف الروسى إلى وقت نجاة المولى عبد الله بنفسه كما يأتى هـ. وفى 1144 لما كان المترجم وجه للمولى الطَّيِّب الوزانى في شأن الباشا عبد النَّبي الحيانى، وقدور السهلى، وقد كانا مستجيرين بوزان وتراخى المولى الطَّيِّب في توجيههما إليه، بعث له قائلاً: والله إن لم تأت بهما حتَّى أهدم عليك تلك الدشرة، وأجرك في أزقتها، فذهب إليهما فامتنعا من الخروج فأعطاهم عهوداً ومواثيق بأنه لا يتخلف عنهم ولا يسلمهم، فخرجا معه وخرج معهم جمع من الأشراف والصبيان أولادهم بالألواح.

فلما وصلوا لحضرته وأعلم بورود عبد النَّبي نهض وخرج إليهم راجلاً، وقبض على لحية المولى الطَّيِّب وهزه منها وقال له: أخى فارقنى فما أدخلك بين عبيدى ورعيتى .. فقال له: أريد من الله ومنك أن تعتقهما، فقال له: إن أعتقتهما فلست بولد لإسماعيل بن الشريف، والأشراف والصبيان واقفون وبيدهم غطاء جدهم المولى عبد الله الشريف، وغطاء المولى التهامى. والتفت لعبد النَّبي وصار يخطب عليه ويعدد مساويه، وكان من جملة ما خاطبه به: إننى ما نسيت ولا أنسى ما شافهتنى به على رءوس العبيد: والله إن قبضتك يا عبد الله بوسبيبط الصَّغير (¬1) ربيب الدغمى، حتَّى أرمى على رجلك كبلا (قيدا) من عشرين رطلاً، وألقيك في الدهليس إلى أن تموت فيه، وتكررها مراراً .. وتذكر اليوم الذي قبضت فيه لجام فرسى ودككته إلى ورا، إلى أن سقطت من فرسى على الأرض وقلت لي: اذهب من هنا، إنما أنت طفل صغير، فطلعت إلى ربوة وبكيت حتَّى كاد أن يعود الدمع دماً، ومن أجلك أنفنت بيت المال كان إذا أتى إلى صاحبك بكتابك أو كلامك لم يكن لي بد من إعطائه قنطاراً سخرة له اتقاء لشرك، ثم قال لمن حوله اقبضوا الظالم عدو الله فصاروا يجرونه وقد كان قابضاً بيد المولى الطَّيِّب، فقطعوا يده وأخذوه، وكذلك فعلوا بصاحبه قدور السهلى، ذكره الضعيف. وفى عام ستة وأربعين، عقد للباشا قاسم بن ريسون على جيش من العبيد منتظم من خمسة عشر ألف فارس، وللقائد عبد الملك بوشفرة الأودى على ثلاثة آلاف فارس من إخوانه الودايا، ووجه بالجميع لجبل آيت ومالوا، ولما عبرت تلك الجنود، وادام الرَّبيع على مجاز البروج، خيمت بآدخسان، ولما رأى أولئك البرابر العتاة ما لا قبل لهم بمقاومته، فروا للجبال فاقتفى الجند أثرهم إلى أن توغلوا في ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "كان المترجم كذلك رقيق القدمين حذاءهما كأحذية الأطفال كما تقدم في وصفه".

وعر تلك الجبال، ثم وجه البرابر ذات ليلة من سد الثَّنايا التي دخلوا منها بالأشجار الأرز. ولما كان الصباح هجموا عليهم من كل ناحية وقاتلوهم قتالاً شديداً في تلك الأوعار التي لم يقرءوا لها حسباناً، فهزم الجيش هزيمة شنعاء، وولوا الأدبار، فوجدوا الثَّنايا قد سدت دونهم فازدادوا فشلاً ورعباً، ولم يسعهم غير الترجل وتسليم الخيل والسلاح والزاد، ولما تجردوا من كل شيء وتركوه غنيمة باردة حقن البربر دماءهم، ولم يقتلوا أحداً منهم. ولما لحقوا بالمترجم لمكناس حفاة عراة منحهم وكساهم ووعدهم بإخلاف ما ضاع لهم، وأمرهم بالرجوع لمشرع الرمل فرجعوا وقد بذر في قلوبهم بغضه، شأن ما جلبت عليه الطباع فيمن تسبب لها في لقى ما تكره، وإلا فالمترجم إنَّما كان وجههم لحسم مادة المفسدين. وفى عام سبعة وأربعين: اتفق العبيد والودايا على قتله والتمثيل به انتقاما منه لإسرافه في قتلهم حتَّى كاد أن يستولى على رءوسهم وصناديدهم سعياً وراء كسر شوكة استبدادهم وطغيانهم على الملوك وإيقادهم نيران الفتن في الرعية، وأخذاً بدم صنوه أبي مروان عبد الملك الذي خنقوه، وكان قصده استئصال شأفتهم لتحققه أنَّه لا يستقيم معهم ملك لأحد، قالوا بلغ عدد من قتل منهم عشرة آلاف ونيف، "إنَّما جزاء الذي يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض". ثم إن المترجم أنذر بما صمم عليه العبيد من اغتياله، فخرج من العاصمة المكناسية يوم الأحد ثامن وعشرى ربيع الثَّاني ليلاً ناجيا بنفسه، ومن الغد الذي هو يوم الاثنين بلغ لفاس خبر خروج السلطان، فهرب عاملها محمد بن على

ويشى وأتباعه، وسار المترجم إلى أن بلغ آيت أدراسن ففرحوا به وآووه وعززوه إلى أن بلغ لمشرع بولعوان. وكان هنالك لجانب السلطان عدد وافر من الزرع، ففرقه في أتباعه وضعاف النَّاس، إذ كان الغلاء بمراكش ونواحيها، ففرح النَّاس واطمأن المترجم وودعه أهل تادلا، وانقلبوا لحللهم ومحالهم، وسار هو إلى مراكش، ثم تارودانت، وأقام بها أياما، ثم انتقل إلى السوس، ثم وادى نول حيث استقرار أخواله المغافرة فنزل عليهم. وكان في معيته ولداه أبو عبد الله محمد مار الترجمة دون بلوغ، وأبو العباس أحمد فوق البلوغ، قاله الزيانى: وقال غيره: إنه ترك الأول من الولدين المذكورين مع جدته خناثة بمكناس، وهو ما حققه في الدر المنتخب وهو الذي يشهد له التاريخ. وكانت مدة خلافته هذه خمسة أعوام وثمانية أشهر ونصف على ما شهره في الدر المنتخب، وكانت مدة مقامه بوادى نول عند أخواله ثلاثة أعوام. أما العبيد فإنهم لما علموا بذلك وجهوا لسجلماسة جريدة من الخيل تأتى إليهم بصنو صاحب الترجمة أبي الحسن على الأعرج ليبايعوه، على ما سنفصله بعد في ترجمته بحول الله. وفى عام ثمانية وأربعين ومائة وألف: كانت فتنة عبد الله بن محمد الكرسيفى مدعى المهدوية بالسوس، وارتفع صيته في تلك الأصقاع، ملأ أرجاءها، واقتحم حصن آكدير عنوة، وفعل بأهلها ما يخجل وجه المروءة، وخيم بالمحل المعروف بفونت تحت أبي القناديل، ومنعهم من الماء حتَّى مات جل تلك البلاد نساء ورجالا وصبيانا عطشا، وحيل بينهم وبين المقابر العامة فصاروا يدفنون

موتاهم بالدور والمساجد، وكان الفتان المذكور يحث أهل سوس على غزو أهل آكدير ويقول: إن ثلثهم نصارى، وثلثهم يهود، وثلثهم عصاة حصب جهنم. فأجابه لذلك خلق كثير من أهل سوس، والحال أنهم لم يروا البحر قط، ولما نزلوا بساحته أخذوا يشربون ماء البحر ويلثون به سويقهم، فهلك منهم عدد عديد، ثم عاد الثائر لتارودانت مصمما على الإيقاع بهوارة، ولما شعروا بمراده اتخذوا سائر الاحتياطات اللازمة وأجمعوا أمرهم على اغتياله، فأوعز إليه بذلك بعض المعتقدين له، فأشاع أنَّه يريد زيارة أبي حفص عمر وهارون برأس الوادى، فتبعته هوارة إلى أن لحقوا به بثلاثاء تماصت بزاوية السيد عياد، وأخذوا يلعبون بالبارود مع أصحابه مظهرين الفرح به والطاعة له، فلم يأمن فيهم، ونجا بنفسه فاقتفوا أثره إلى أن لحقوا به بصهريج آيت أيوب في تنزرت، وأطلقوا عليه أفواه مكاحلهم بالرصاص ففر ودخل دار الشَّيخ أحمد ويدير، ومات بداره ونهب آيت يش ماله. قاله الضعيف: وقد وقع لصاحب الدر المنتخب في سوق هذه الحادثة تخليط واشتبه عليه أمرها واشتبك وارتبك، وبموت هذا الفتان الأفاك اطمأنت نفوس أهل تلك البلاد، وأمنت سبلهم، وكان الذي قتله هو ابن همان وماين الهواريان ويعيش الزكنى المنبهى. ثم وفد المترجم على تارودانت واستولى عليها وعلى أحوازها، وبويع له بتلك الأصقاع، ووقعت بينه وبين هوارة معارك عظيمة انجلت بانهزامهم وفشلهم كل الفشل، ثم نهض من تارودانت وخيم ببلاد السراغنة وأوقع بهم وقعة شنيعة، وحكم السيف في أربعمائة رجل من عوامهم، ومائة من طلبتهم، حيث إنه وجدهم هدموا مسجد القصبة وصيروه بلاقع، وكان ذلك كما قال الضعيف سنة 1148 ثمان وأربعين.

وانظر هذا التاريخ مع ما سبق أنَّه بقى بوادى نول ثلاثة أعوام، وكذلك يخالفه ما في الاستقصاء من أنَّه لما كان شهر ذى الحجة من سنة تسع وأربعين ومائة وألف ورد الخبر بأن السلطان المولى عبد الله قد أقبل من وادى نول، ووصل إلى تادلا، فاهتز العبيد له وتحدثت فرقة منهم برده إلى الملك، وخالفهم سالم الدكالى في جماعة من شيعته، وقالوا: لا نخلع طاعة مولاى على، إذ كان سالم هذا وأصحابه هم الذين تسببوا في خلع المولى عبد الله، وتولية أخيه مولاى على. ثم إن شيعة المولى عبد الله قويت وكثروا أصحاب سالم وأعلنوا ببيعته، ففر سالم فيمن معه من القواد إلى زاوية زرهون مستجيرا بها. ولما سمع بذلك السلطان المولى على فَرَّ من مكناسة إلى آخر ما يذكر في ترجمته، ولما فر اجتمعت كلمة العبيد على ذلك أهل فاس وسائر القبائل، ثم إن سالماً الدكالى الذي بزرهون كتب إلى أهل فاس يقول لهم: إن الديوان قد اتفق على خلع المولى عبد الله، وبيعة سيدى محمد بن إسماعيل المعروف بابن عريبة، والمشورة لعلمائكم، فأجابوه بأن قالوا: نحن تبع لكم، فلما سمع أهل الديوان بما فعله سالم الدكالى وما تقوله عليهم خرجوا من المحلة إلى زرهون، وقبضوا على سالم الدكالى ومن معه من القواد وبعثوا بهم إلى السلطان المولى عبد الله بتادلا، فاستفتى فيهم القاضي أبا عنان، وكان يومئذٍ معه فأفتاه بقتلهم هـ، ونحوه في الدر المنتخب، والترجمان المعرب، وغيره من كتب الزيانى. لكنهم صرحوا بأن القبض على الدكالى وأنصاره كان بإيعاز من المترجم، وأنه لما ألقى القبض عليهم قيدوا بالحديد ووجه بهم لصاحب الترجمة وهو يومئذٍ بتادلا، وهنالك وقع استفتاء من ذكر فيهم وقتلهم، واستؤنفت البيعة للمترجم،

ونهض من تادلا وسار إلى أن خيم بأبي فكران وتوجه لاستقباله، ثم أهل فاس ومكناسة أشراف وعلماء وأعيان، ولما مثلوا بين يديه وقدموا إليه بيعتهم سب وجدع وهدد وأوعد على ما صدر منهم وتكرر من شق العصا والخروج عن الطاعة، وقتل جماعة من أعيانهم، وعزل قاضى العاصمة المكناسية أبا القاسم العميرى، وولى مكانه الطالب بوعنان، وألقى القبض على عاملها مسعود بن عبود، وولى على فاس محمد بن على ويشى. ولكنه لما توجه إليها لم يستطع الدخول إليها خوفا على نفسه من الإيقاع به، ونزل بالقصبة الجديدة إذ كان فيها عبيد المترجم وخاصته أدالة. وفى يوم الخميس خامس عشرى صفر مد الودايا يد النهب والسلب في الطرقات، ونهبوا ما كان بسوق الخميس من الماشية والدواب، أخذوا من البقر نحو الألفين، ومن البغال نحو سبعمائة، ومن الثياب عددا عديدا، وأغاروا على سرح أهل فاس وعاثوا في ضواحيها والسبل الموصلة إليها، واتفق أن كان اليوم العنصرة، وفى اليوم نفسه شرع أهل فاس في بناء أسوار المدينة التي تهدمت. وفى يوم الأربعاء فاتح ربيع الأول قدم مسعود الروسى من مكناس لفاس والمدينة في حصار، فزار الضريح الإدريسى وانصرف لداره بالعدوة، فسأله بعض القوم عن سبب مجيئه، فقال: إن السلطان مولاى عبد الله ولانى حكومة فاس، ولما شاع ذلك النبأ تحزبت الغوغاء والأخلاط وهجموا عليه وقتلوه أمام داره وجروه إلى توتة الصفارين، وهموا بتعليقه عليها فتعذر (¬1) حمله لضخامة جثته وبقى ملقى هناك إلى الغد هـ. وفى نظرى أن ما جاء في تاريخ الضعيف نقلاً عن تاريخ ابن موسى أصح وأقعد، لأنّه عاصر المترجم وحفظ ووعى وقيد على عهده ونقل كلامه الضعيف ولم يتعقبه. ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "لا تعذر في الضخامة مع التحزب المذكور".

وفى الدر المنتخب نقلاً عن صاحب نشر المثانى: أن السلطان -يعني المترجم- نادى بالوعيد الشديد لمن أتى بالميرة لفاس، وبقوا في الحصار إلى مهل ربيع الأول، فأرسل السلطان القائد مسعود الروسى والياعلى فاس لما شاع عنهم أنهم إنَّما كرهوا محمد بن على المذكور، وأمَّا غيره فهم راضون به أيا كان، ففرح عامة النَّاس بدخوله لخمود الفتنة، وإطفاء نارا الغلاء، فدخل الروسى دار أخيه بعدوة الأندلس من فاس، وجعل النَّاس يأتون للسلام عليه وكثر علبه الازدحام وهو داهش لا يدرى ما يحل به، ثم دخل عليه من جرى في الفتن فقتلوا بعض أصحابه بين يديه، وخرج هو فاراً لدور بعض الأشراف محترما ومحتفيا. فلما كان الليل اجتمعوا على قتله أخذا بثأر أخيهم بوده إذ كان قتله في زمن ولايته لمولاى على، فأخرجوه من المحل الذي كان به وقتلوه، وأصبحوا على أشد ما يكون في حصارهم، وغلا الزرع وكان به نحو ثمان موزونات للصاع النبوى، وقل الإدام، وانقطع اللحم واستمروا على حصارهم ومكث أهل فاس على نصر مولاى عبد الله والخطبة به على المنابر هـ. وفيه أيضاً نقلاً عن صاحب النشر وغيره قائلاً ما لفظه ومن كلامه الممزوج بكلام غيره: وفى عاشر ربيع الأول تولى عبد الخالق الزيتونى أمر فاس بإجماع أهلها، وجعل ينظر في مصالح المسلمين من إصلاح الأسوار وغيرها، وفى السادس عشر قبض الودايا ثلاثة من أهل فاس وطوفوهم بفاس الجديد وقتلوهم، وقتل أهل فاس الهزاز، وابن حمو. وفى يوم الجمعة الثالث والعشرين من ربيع الثَّاني اختلفت كلمة اللمطيين والأندلسيين في ذكر السلطان مولاى عبد الله على المنبر في الخطبة، فأراد الأندلسيون ذكره، وامتنع اللمطيون، وصليت الجمعة بذكره في مسجد الأندلس والطالعة، وترك خطيب باب الجيسة ذكره، وكذلك نائب خطيب القرويين، لأنَّ

خطيبها قاضى فاس كان بالحرم الإدريسى محترما، وأمَّا خطيب المقام الإدريسى فإنَّه كنى عنه ولم يصرح، وإنَّما قال: وانصر اللَّهم من بايعناه على طاعتك من أبناء السادات الشرفا، سمى جده والد المصطفى. وخاض الناس في ذلك وكثر القيل والقال، واجتمع العلماء في المقصورة فانفصلوا عن غير فائدة. وفى السادس والعشرين اجتمعوا أيضاً بمسجد اللبارين، فأمَّا الفقيه سيدى محمد بن عبد السَّلام بنانى، فقال للعامة: أخرونى حتَّى أراجع المسألة وأراجع كتب الأئمة، وأمَّا الفقيه السيد محمد الزيزى فقال لهم: طاعة السلطان واجبة، وإن تفاحش ظلمه فإنَّه متغلب ولا تقدرون على مقاومته، ومن قال لكم غير هذا فقد غشكم، وأنا لكم من الناصحين. فهاجت العامة عليه، وهموا بقتله حتَّى تشفع فيه بعض الأشراف، وانفصل المجلس على ما ذكره بنانى ومن تبعه من التأجيل، ثم اشتد الغلاء فبلغ القمح عشرين مثقالا والشعير عشرة مثاقيل، وتحير الناس في أمورهم، وأراد اللمطيون أن ينصروا سيدى محمد بن عريبة وامتنع الأندلسيون. وفى مهل جمادى الأولى تذاكر النَّاس في الصلح مع مولاى عبد الله على يد السيد أبي بكر بن محمد بن الخديم الدلائى، فلم يظهر لذلك أثر بعد أن كانوا نصروه على المنابر في الخطب. وفى ثانى جمادى الأولى جاء القائد محمد مغوس المجاطى بقصد الصلح، ثم إنه وقع خصام بينه وبين الودايا فجرحوه، وذهب لمكناسة وتوفى بها في سابع الشهر المذكور. وفى السابع عشر منه تناول أهل فاس صلحاً مع السلطان على يد زيان بن على ويشى رئيس المحلة النازلة فلم يكمل، لأنَّه اشترط عليهم شروطا لم يقبلوها.

وفى يوم الثلاثاء السادس والعشرين منه وقع خصام بين بعض البوابين بباب الجيسة مع خديم من خدام الشرفاء أهل دار القيطون فضربوه، فلما سمع بذلك أصحابه الشرفاء تحزبوا، وانضاف إليهم جماعة وجاءوا لاشبارات من ناحية سيدى اللزاز من ناحية الطالعة، فلما وصلوا للقصبة الجديدة وتلاقوا مع محمد بن على ويشى قائد مولاى عبد الله، قالوا له: نحن لا نوافق على ما فعله أهل فاس، وما خرجنا إلَّا لهذا الغرض، فأعرض عنهم، وحينئذ اجتمع اللمطيون والأندلسيون بعد صلاة العشاء بالقرويين وتحزبوا على عدم نصر مولاى عبد الله، وشد السلطان في الحصار مدة من أربعة أشهر ولم يكن بين أهل فاس ومن حاصرهم قتال ولا رمى بكور ولا بمب ولا حفر مينة ولا طمع في الاستيلاء على المدينة، لأنَّ السلطان أوصاهم بعدم ذلك، وقال: إن ذلك لا يفيد في فاس شيئاً، وقد بالغت في الحصار الأول الذي قبل هذا الجهد وما حصل لي منى ذلك إلَّا تضيع الأموال والمشقة، وإنَّما يذعن أهل فاس المساكين من أهلها والضعفاء الذين لا يقدرون على الدفاع من أنفسهم شدة من الغلاء والجوع، هذا كله والسلطان بمكناسة يقتل من طغى من العبيد وتجبر هـ. وفى يوم الثلاثاء سادس عشرى وقيل الثامن من جمادى الأولى عام تسعة وأربعين، اجتمع رأى أهل فاس والودايا ومن شايعهم على رفض طاعة صاحب الترجمة والبيعة لصنوه أبي عبد الله ابن عريبة مار الترجمة، وقد كان النَّاس سئموا الفتن وإتلاف الأنفس والأموال وضيق المعيشة وقطع السابلة وكلوا وملوا. وفى الاستقصا أن بيعته كانت في خامس الشهر سنة خمسين. هـ. ومن الغد الذي هو يوم الأربعاء أعلنوا بذلك ونادوا به في الأزقة والأسواق وكتبوا البيعة لابن عريبة المذكور، ومن توقف أو خالف في ذلك نكلوه، وإن كان موظفا عزلوه، وكان ممن آخر عن الوظيف لعدم إسراعه بالإجابة لما ذكر أبو عبد

الله محمد البكري الدلائى وسجن وذعر، وأبو عيسى المهدى الفاسى، وأبو مدين أحمد الفاسى، وأبو العباس أحمد بوعنان، الأول منهم عن إمامة الضريح الإدريسى وولى مكانه أبو عبد محمد بن عليّ بن إبراهيم، والثانى عن الإمامة بمدرسة الطالعة وعين للإمامة بها بدلاً عنه الشَّيخ التاودى بن سودة، والثالث عن الإمامة بجامع الأندلس وولى مكانه السيد بوعزة بن إدريس المشاط، والرابع عن إمامة جامع باب الجيسة وعين بدلاً عنه أبو عبد محمد فتحا السلاوى. ولما اتصل ذلك بالمترجم جمع أهله وعياله وماله وكل ما له قيمة بالقصر الملكى بمكناس وأطلق سراح من كان بالسجون، وخرج من مكناسة ونزل بالحاجب، وقيل بجبال فازاز، والتفت عليه البرابر وصاروا يغيرون على سرح مكناسة وسايس وما والى ذلك. ثم بعد ذلك بخمسة أيَّام أتى المترجم بالبرابر أتباعه ليلاً إلى مكناسة ونهب جميع أحوازها، ووصل إلى سيدى فرج وبقى هنالك إلى أن طلعت الشَّمس وفتح باب الأروى فدخلها وهدم البيوت وحرق المساكن، وأخذ جميع ما كان بها من خيل وسلاح، ورجع للحاجب فاقتفى أثره جند صنوه ابن عريبة ولما رأى المترجم ما لا قبل له به نجا بنفسه وترك مخيمه غنيمة، فتبعته جنود العبيد والودايا وأهل فاس إلى ملوية وتوغل في جبالها وخفى عنهم ولم يدروا أين ذهب، وفى منقلبهم اعترضهم البربر وسلبوهم من كل شيء، واشتبكت الفتن وارتبكت، وفى هذه الفتن كانت منية المولى الرشيد صنو المترجم، والقائد ابن النوينى. وفى نسخة عتيقة من نشر المثانى غير مطبوع ما نصه: إن عبيد مكناسة تبعوا المترجم للفتك به فلما نزلوا على عين اللوح أنزل الله المطر الكثير وأرياحا وبردا شديداً حتَّى كادوا أن يهلكوا، فرجعوا وقد خاب قصدهم.

وفى شوال أكثر أتباع مولاى عبد الله من البرابر الغارة على سايس وغيره من البلاد الموالية لبلاد البربر، ففر جميع من كان يلي البربر، فخلت جميع تلك البلاد، ثم شن البرابر الغارات على من يمر بالطرقات، وأكثروا النهب في سائر البلاد التي يقدرون على الوصول إليها، وقاموا بدعوة مولاى عبد الله في جميع جبالهم واتخذهم بطانة له، وفى ذلك الوقت بدأ انتعاشهم، ولما رأى مولاى عبد الله فرار النَّاس من البربر نزل جبل غمره الموالى لبلاد سايس، وانقطعت الميرة على فاس الإدريسية من كل ناحية من غارات البربر على ما حولها، وحبس الله المطر عنها وعن حوزها فارتفعت الأسعار. وفى رابع عشرى رمضان أقيمت صلاة الاستسقاء ببوعجول، وخطب مولاى حمدون الشريف الطاهرى نائبا عن القاضي سيدى يعيش. وفى الثامن والعشرين من ذى القعدة أقيمت صلاة الاستسقاء أيضاً بباب الفتوح، وخطب الفقيه السيد أحمد الورزيزى، ثم أقيمت بباب الجيسة، وخطيبها سيدى حمدون الشريف الطاهرى. وبالغد أقيمت صلاة الاستسقاء أيضاً بباب الفتوح، وخطب سيدى حمدون المذكور. وفى الثلاثين صليت بباب الفتوح، وخطيبها الشريف المذكور. وفى مهل ذى الحجة أقيمت صلاة الاستسقاء أيضاً، وخطيبها السيد أحمد الورزيزى المذكور. وبالغد أقيمت صلاة الاستسقاء بوادى الزيتون، وخطيبها سيدى بومدين بن سيدى أحمد الفاسى. وبالغد أقيمت بباب الجيسة، وخطيبها السيد أحمد الورزيزى.

وفى خامس ذى الحجة أقيمت بمصلى بباب الفتوح، وخطب الورزيزى أيضاً ولم ينزل المطر، وحينئذ اختل النظام وشاع الفساد وحصلت المجاعة العظيمة، ومات بالجوع من لا يحصى، وقل الإدام وانقطع اللحم. ولم يزل الأمر في شدة، وازدادت الفتن وفر النَّاس، فعند ذلك أتى القائد العباس بورمانة أكبر رؤساء جيش أبي عبد الله بن عريبة صنو المترجم وقال له: إن البربر عثوا، ولم يبق التفات للأمير، فخرج في خيله ورجله ووقع قال شديد بين جنود ابن عريبة والمترجم وأحزابه البربرية بسايس من الزَّوال إلى الاصفرار انجلى بهزيمة بورمانة وجموعه، وتركوا جميع مقوماتهم واستعداداتهم غنيمة، ولو أن الظلام حال بينهم وبين جنود المترجم لاستأصلوهم قتلاً وأثخنوهم جرحاً. وقام عدة ثوار كل يدعو لنفسه ويحاول جر النَّار لقرصه والاستيلاء على ما بيد غيره، استولى الحوات على عبيد الرمل وبنى مالك وسفيان والطليق والخلط وما وإلى ذلك، واستولى الباشا أحمد الريفى على الفحص، وبلاد غمارة، وطنجة، والقصر وما حول ذلك من المعاقل وعلى بلاد الريف وجبالها وقلاعها إلى ناحية كرسيف، واستولى القائد القلعى على بنى يازغة وما والاها. أما المترجم فقد كان تحت سلطنته الصحراء، وسوس، ومراكش، والبربر، وقد نص التاريخ على أن هذه الفتن لم تكن في هذه السنة بالمغرب فقط بل عمت سائر أقطار العالم. ولما طال مقام صاحب الترجمة بين أظهر البربر ينتقل من أغوارها إلى النجود، والفتن قائمة على ساق، والقحط ضارب أطنابه، سار لتافيلالت وصار يترقب ما تنجلى به تلك الغياهب. وفى رجب عام خمسين ومائة وألف: بلغ ثمن وسق القمح مائة مثقال، قال ابن إبراهيم الدكالى في تقاييده: بعد أن كان في الرخاء بخمسين أوقية والشعير

يقاربه، وكذلك الذرة حتَّى كاد أن ينقطع الطَّعام من فاس، وكان وزن الخبزة التي تباع بالسوق بموزونة خمس أواقى بالبقالى، وافتضح وجوه النَّاس وأعيانهم، وخلت المدينة وسدت حومات متعددة، مثل حومة الكدان؛ ودرب اللمطى، وحومة الأقواس، والبليدة، والطالعة، والدوح، وسدت الأسواق إلَّا القليل، وهدمت الديار وبيعت، ومات من النَّاس ما لا يعلمه إلَّا الله، حتَّى ذكر بعض النَّاس ممن أثق به أنَّه وصل للمارستان من الموتى في رجب وشعبان ورمضان نحو الثمانين ألفاً، فضلاً عمن لم يصل إليه وكانت الدار التي قيمتها عشرة (كذا) مائة مثقال تباع بثمانين مثقالاً وسبعين ولا تبلغ المائة، وانجلى كثير من النَّاس عن المدينة وذهبوا إلى القصر، وتطاوين. وممن ذهب بعياله لتطاوين العلامة سيدى محمد بن عبد السَّلام بنانى شارح الاكتفاء، واندثرت بسبب ذلك قبائل كثيرة من أهل فاس، ولولا أن النصارى أتوا بالزرع من بلادهم لتطاوين ونواحيها وجلبه أهل فاس لهلك الكل جوعاً، وقد كان وإلى تلك البلاد أحمد بن عبد الله الريفى ذا إبل عديدة اكتراها منه أهل فاس لحمل ما اكتالوه من المغيرة، قيل: إنه ساعدهم على الكراء ظاهرا، ومنع الحمالين من الحمل باطناً، وتمرد عليهم ستة أشهر حتَّى تحقق لديه أن أكثر العائلات الكبيرة الذين لا يقدرون على التنقل لبلد آخر من قلة الزاد وكثرة أفراد العائلة ماتوا جوعاً فسر بذلك باطناً، وساعدهم ظاهراً، ووصل الزرع لفاس، وانجلت الأزمة التي حصت منهم كل شيء، ولما أتى ركب الحجاج من طرابلس أتى معه بالقمح الكثير وانحط السعر ورحم الله عباده. قال ابن إبراهيم في تقاييده لدى تعرضه لهذه الأحداث ما لفظه: كان اللصوص يأتون ليلاً لديار النَّاس ينهبونها ومن قام معهم يقتلونه ويأخذون جميع ما وجدوه، فكانوا يأتون لرأس الجنان والمخفية ومصمودة والطالعة والدوح وسوق

النخالين وباب السلسلة، وقد جاءوا مرَّة إلى سوق قيسارية البز وحصل للناس بسبب ذلك خوف عظيم، وهذا كله والسلطان بمكناس يعني ولد عريبة لم يلتفت للناس ولم يعبأ بما نزل بهم، وحيل بين النَّاس وبين اجتنهم بلمطة والمرج وغيرهما من أحواز المدينة، ولم يبق أحد يذهب لموضعه بالمرج إلَّا من اتخذ يدًا مع السياب. وجاء لصوص من ناحية باب الفتوح للفندق الذي يقرب من مدرسة الوادى وأخذ منه قافلة كانت عزمت على السَّفر، فلما اجتمع أهل فاس وخرجوا إليهم وجدوهم قد ذهبوا بما أخذوه وذلك في وسط النهار. وفى هذه الأيَّام أغار الودايا على القصارين بوادى فاس ونوبوا ما عندهم من الثياب، ثم صار القصارون يخدمون الثياب بوادى مصمودة، فأخذها اللصوص أيضاً، وكثر الخوف بسبب ذلك، وصار النَّاس يبيتون في الشوارع التي هي مظنة مجئ اللصوص ليلاً والأمر في كل نفس يزيد اشتداداً. وفى خامس عشر شعبان ذهب السياب إلى مدرسة الصفارين ليلاً ونهبوا جميع ما كان بها، لأنها كانت خلت من أهلها وغلقت أبوابها وافتضحوا، وقام معهم النَّاس وقتلوا منهم السلاسى بباب المدرسة وباقي أصحابه هربوا، ومن الغد قتل بالموضع نفسه بورمضان الحيانى وتسعة من أصحابه بالموضع المذكور، وفى هذه الأيَّام جاءت قافلة من الغنم ونزلت بفندق التجارة قرب القرويين لعدم الأمن من غيره. وفى سابع رمضان ضرب الأندلسيون المحتسب السيد محمد بن عبد السَّلام المحمودى بحومة البليدة قرب دار القائد السيد عبد المجيد بوطالب، ووقعت بسبب ذلك فتنة بين الأندلسيين واللمطيين ثم اصطلحوا ليلاً بروضة مولانا إدريس، ووقع اتفاقهم على تقديم التاجلوتى على الأندلسيين، والحاج محمد برزوز على

اللمطيين، وأحمد الغرناطى على أهل العدوة، والسيد عبد المجيد بوطالب يكون الحاكم على الجميع ورضى الكل بذلك. وفى ليلة الأحد الخامس من شوال جاء السياب لسوق قيسارية البز ونهبوا منها بعض الحوانيت. وفى سادس شوال قتل سيدى محمد بن عبد الرحمن إنّ القاضي بجنانه المسمى باللب، قتله القطاع رحمه الله. وفى ليلة الحادى عشر منه جاء السياب لدار الغزوانى الهزاز بشارع سويقة الذياب ونهبوها. وفى ليلة الثَّاني عشر منه جاء السياب أيضاً لدرب جنيارة ودخلوا على الحاج محمد برزوز بدار هنالك كان بها مع جماعة من أصحابه، فضربوه برصاصة ومات من الغد، وجرح من أصحابه مولاى أحمد بن إدريس العراقى، والشريف سيدى محمد بن المهدى بوطالب، وأحمد بن جلون، والتاودى ابن عبد الخالق بنانى، والحاج محمد عديل. ومن الغد اجتمع أولاد برزوز وقتلوا محمد بن العربي الجزولي كبير حومة البليدة، لاتهامهم له بأنه هو الذي أدخل السياب على عمهم الحاج محمد. وفى أواسط شعبان ذبح يَحْيَى الشاوى ليلاً وألقى بالبرادعيين. وفى مهل ذى القعدة ذبح المحتسب سيدى محمد بن عبد السَّلام المحمودى قرب درب رطوانه، كان ذاهباً لداره بسيدى أحمد الشاوى ولم يدر من قتله. ومن الغد وقعت بسبب ذلك فتنة بين الأندلسيين واللمطيين ثم اصطلحوا. وفى التاسع والعشرين من ذى الحجة جاء السياب لدار الراعى قرب ضريح سيدى محمد بن عباد، وأخذوا منها غنماً وبقراً كثيراً، وضربوا الحاج محمد بن

عبد السَّلام قصارة برصاصة فمات من حينه هـ بنقل صاحب الدر المنتخب المستحسن. وفى ترجمة أبي عبد الله محمد بوطالب من نشر المثانى أنه لما نزلت بالنَّاس مسغبة عام خمسين، احترف رؤساء الرماة ببيع الزرع من البادية يمنعون المساكين من شرائه ويشترونه بما شاءوا، ويبخسون النَّاس أشياءهم، وإذا باعوا يبيعونه بما شاءوا، وكان من جملتهم رجل يقال له العمارى رئيس الرميلة والكدان والصفاح من بنى عمار أحد شعوب سكان زرهون ورد على فاس جده، فكان يسرح البقر حتَّى يحفى، فاشترى بقراً لنفسه وكان يبيع الحليب بحانوت بالصفاح، وسكن بالكدان، ثم بعد ذلك اشترى الدار الأولى عن يمين الداخل لدرب خلوق، وكان يبيع اللبن، ثم ولده كذلك، إلى أن نزلت مسغبة عام خمسين، وترأس على أهل الكدان وجدبت البلاد ومات البقر ولم يبق حليب يباع، صار يبيع الزرع بسوق الكدان بالصفاح. فاضطر مولاى عليّ بن مولاى محمد بوطالب صاحب الترجمة إلى شراء ما يتقوت به، فقصد سوق الصفاح فجلس ينتظر ما يشترى، فإذا بتليس جاء من البادية فاشتراه العمارى بما شاء، ولم يقدر أحد من المساكين يشتريه بما ساومه به العمارى ولا يعطيه فيه السوم، فباعه للعمارى بما شاء بمدهم الذي أحدثوه. ثم أتى تليس آخر من البادية فساومه للعمارى أيضاً وأعطى فيه السوم فزاد عليه مولاى على الثالث وباعه له مالكه فأراد العمارى منعه من شرائه، فلم يتركه له مولاى على، فتسابا بينهما وتصارعا، فصرعه مولاى على فدخل العمارى إلى حانوته وأخذ كابوسا كان عنده مرصصا وخرجه في مولاى على من خلفه وهو لا يشعر فخر ميتا فحمله بعض المؤمنين إلى داره، فقالت لهم أمه: لا ندفنه حتَّى نقتل قاتل ابنى، فقالوا لها: قتلناه فدفنوه من يومه في روضة أبي غالب على.

ثم في غده حمل السلاح الشرفاء الأدارسة وغيرهم وساروا إلى قتل العمارى وأهل الرميلة والصفاح والكدان الذين تعرضوا عليه ونصروه، فاقتتلوا وسلم الله الشرفاء من الجرح والقتل، وقتل العمارى وعدة من أنصاره، ثم افترقوا وكفوا، وهدنت الفتنة والمدينة، ثم سلط الله على أهل الرميلة والصفاح والكدان السارق بوزيان العبادى من أولاد عباد صفرو، ومعه جماعة من سراق إخوته والمزاوغة وبنى يازغة، فكان يأوى لحوز فاس ليلاً ويدخل الديار وينهبهم، فخلت بذلك الحومات الثلاث المذكورة ولم يبق منهم إلَّا القليل، ورجعت تلك الديار بساتين وجنات. ولم تنزل نيران الفتن والأهوال في توقد، وأمر ابن عريبة في اختلال وانحلال، والدماء تراق، والأموال تؤكل بالباطل، والفوضى ضاربة أطنابها، ونفد ما في بيوت الأموال، وسدت أبواب الجبايات، وتعذرت المصالح العامة، ولم يوجد ما تدفع منه رواتب الجند وانقطعت عن الرؤساء وأولى العصبة مادة ما كانوا يستفيدونه من بيوت الأموال، والأمر في كل يوم يزداد شدة، فاتفقت كلمة العبيد مع رئيسهم الحوات والبعض من الودايا والبربر على خلع ابن عريبة. وفى صبيحة يوم الأربعاء التاسع والعشرين وقيل الرابع والعشرين من صفر العام أخرجوا ذلك من القول إلى الفعل، فأعلنوا بخلعه، ولم يقتصروا على الخلع، بل ألقوا عليه القبض وعقلوه بداره الواقعة على ضفة وادى يسلن جوار حمرية التي لازالت معروفة إلى الآن خارج العاصمة المكناسية، والهرج والمرج والخلاف في ازدياد، فرأى آيت عياش أن لا مخلص من ذلك إلَّا الرجوع لطاعة المترجم واستئناف البيعة له، فذهبوا إليه لتافيلالت مقر سلفه فشرحوا إليه جميع ما حل بالرعية من الأحداث، وما أوصلها التنازع إليه من الفشل وذهاب الريح، وما آل إليه أمر صنوه ابن عريبة والمنازعين له من إخوته، وألحوا عليه في القدوم معهم

للقيام بنصرته، فقابل مطلبهم بالرفض قائلاً: لا غرض لكم إلَّا أن تجعلونى طريقاً موصلة لإذاية المسلمين، والتوصل لأكل أموال العجزة والمستضعفين بالباطل وردهم بخفى حنين. ثم بعد ذلك بدا للمترجم الرجوع إلى المغرب، فنهض من تافيلالت وسار إلى أن بلغ تادلا ثم آيت عتاب، فاجتمعت عليه قبائل تلك الناحية وهادوه واستبشروا بطلعته، وبقى هناك يستطلع أخبار فاس ومكناس وما والاهما، ويبحث من أحوال إخوته مع العبيد إلى أن تحقق لديه اجتماع الكلمة عليه. واستؤنفت إليه البيعة فعلاً على يد القائد بوعزة مولى الشربيل، وذلك يوم الاثنين الخامس عشر من ذى القعدة عام اثنين وخمسين على الأصح، وقيل يوم الجمعة، وهو يومئذٍ ببلاد السراغنة، ولما تم له الأمر وجه للمترجم فئة عظيمة من أعيان العبيد لإعلامه باستئناف البيعة له، ولما لحقوا به أنزلهم منزلة تجلة وإكرام، وأقاموا معه ببلاد السراغنة أياما، ثم أنهضهم لناحية سيدى رحال مع الباشا الزيانى ومكثوا ثمة بضعة أيَّام، ثم أصدر أوامره بحصار اكدير فأجابوا بالسمع والطاعة وصارت تفد عليه الوفود من سائر الأصقاع المغربية يطلبون عفوه وأمانه، فأمن الجميع وقابل بالعفو والإحسان. وفى حادى عشر ذى الحجة منصرم العام أمر رؤساء العبيد أشراف فاس وعلماءها وأعيانها بالتوجه لتقديم الطاعة لصاحب الترجمة، فأجمعوا أمرهم من فاس أول عام ثلاثة وخمسين، ينتظم ذلك الوفد من القاضي أبي العباس أحمد بن على الشعراوى، والعلامة أبي عبد الله محمد الزيزى، وأبى حفص عمر بن إدريس الإدريسى، وصنوه المولى أحمد وابن عمهما أبي عبد الله محمد بن عبد الله المدعو الغالى، ونحو الأربعين من الرماة والأعيان في طليعتهم شيخ ركب الحاج وهو الخياط عديل ورؤساء العبيد والودايا.

وصاروا يظعنون ويقيمون إلى أن وصلوا للحضرة السلطانية، فأنزلهم منزلة تجلة وإكرام، ثم أحضرهم لديه ووجه اللوم على ما صدر منهم على الفقهاء، فاعتذر الكل بأنهم مرغمون على ذلك ممن لهم السلطة الاستبدادية من عبيد وودايا، فقال لهم ما قاله الصِّديق نبى الله لإخوته: لا تثريب عليكم فيما جنيتم، وعين عبد الله الحمرى عاملاً على فاس، ورد الجميع رداً جميلاً. ثم استقدم العبيد بأجمعهم لحضرته، ولما قدموا عليه جمع جيوشاً عديدة من القبائل الحوزية، ثم عقد الرياسة على الجميع للقائد الباشا الزياني، ووصل الجميع وأوصى بالعدل والإحسان والبر والتقوى، ووجههم لحصار آكدير إلى أن يدخل أهله فيما دخلت فيه الجماعة فساروا إلى أن وصلوا لسيدى رحال إلى أن لحق آخرهم بأولهم، ثم نهضوا يطوون المراحل إلى أن خيموا على حصن آكدير، ولم يزالوا محاصرين له إلى أن فتحوه عنوة في سابع ربيع الثَّاني من العام واستولوا على جميع ما كان به. وفى عاشر ربيع المذكور، وقعت ملحمة عظيمة بين الجيوش السلطانية والقبائل الحوزية مراكش ودكالة والرحامنة وزمران ومن انضاف إليهم من الأعراب والبرابر، كان الظفر أولاً للجيش السلطانى ولكنهم أضاعوا الأخذ بالحزم ونبذوا الاحتياطات اللازمة وراءهم ظهرياً، واشتغلوا بالنزاع على الغنيمة، حتَّى أتاهم من خلفهم المولى المنتصر بنور الله شقيق المستضئ بنور الله وحال بينهم وبين الأثقال والأخبية، وحاز الكل غنيمة باردة ورجع من حيث أتى. أما الجيش السلطانى فكان منه من لحق بصاحب الترجمة، ومنهم من بقى بآكدير حتَّى يصدر إليه الأمر العالى بما يكون عليه عملهم، وقد كان من بقى من عبيد مشرع الرمل بمحل استيطانه من المشرع المذكور أنهضوا منهم جيشاً ثانياً رأسه الباشا بوعزة مولى الشربيل، وتوجه للحضرة السلطانية ليكون ردفاً للأول، وسار

إلى أن بلغ لبلاد تامسنا وأقام هنالك حتَّى تلاحق المتأخر بالمتقدم، ثم نهضوا وساروا إلى أن خيموا بتساوت، وأقاموا هنالك إلى أن لحق بهم المترجم في فاتح ربيع الثَّاني في جنود جرارة، واطمأن بعضهم لبعض، ونشطوا للقتال، واستعدوا للنزال، أخذاً بثأر إخوتهم. ثم نهض بهم المترجم إلى ناحية وادى تانسيفت، فوجد صنوه أبا النصر قد حال بجنوده الحوزية بينه وبين الماء، ولما التقى الجمعان ببوكر كور وتسعرت نيران القتال وحمى الوطيس تقدم الباشا بوعزة المذكور وقد كان على الميمنة للطعن والنزال، واقتفى أثره ابن النوينى وقد كان على الميسرة، ثم تبعهما صاحب الترجمة، وكان القلب والساقة، وكان انجلاء الملحمة بانهزام أبي النصر وأحزابه شر هزيمة، وذلك يوم الخميس فاتح جمادى الأولى من العام، ثم نزل المترجم على الماء واقتفى الباشا بوعزة أثر المنهزمين، إلى أن نزل على رأس العين، ومن الغد رجع إلى المحال السلطانية، وأقام المترجم بزاوية ابن ساسى نحو سبعة عشر يوماً. وفى يوم الأربعاء متم جمادى الأولى من العام كانت وقعة كبيرة بـ (منزات) حضرها صنو المترجم المستضئ بنور الله بنفسه، وكانت الكرة عليه، فاعتصم هو وشيعته بجبال مسفيوة، ولولا ذلك لداستهم حوافر الجنود السلطانية، ولما أيقن المترجم بفشلهم وذهاب ريحهم أقلع عنهم وتوجه إلى دكالة فحصت جنوده منها كل شيء وأقام بها نحواً من شهر. وفى آخر جمادى الثَّانية أقلع عنهم ووجهته مكناسة الزيتون مقر عرش والده، وكان وصوله إليها في منتصف رجب العام، وخيم بباب الريح خارج البلد، ولم يزل مخيمًا هنالك والوفود تفد عليه بالهدايا والبيعات من سائر الأقطار المغربية من عرب وبربر، وهو يقابل كلاً بما يليق ويصله على قدر حيثيته ومكانته،

وكم قضى لخاصتهم والعامة من مآرب ومطالب ووالى من إحسان إلى أن رجع الكل لوطنه لاهجًا مثنياً شاكراً. قال أبو عبد الله الضعيف: إلى هنا انتهى تأليف الفقيه المؤرخ الحاج عبد الكريم بن موسى الريفى الذي سماه بزهر الأكم، قال رحمه الله: وهنا انتهى بنا هذا التأليف، وقد قيل في بعض الكلام، من قعدت به نكاية الأيَّام، أقامته إغاثة الكرام، والبقاء والدوام، للملك العلام هـ. ولم يتخلف أحد عن البيعة وتقديم الطاعة غير زعيم الريف الباشا أحمد بن على ومن هو تحت سيطرته لتمرده وشقه عصا الطاعة. وكان سبب عدم دخول المترجم لدار الملك ما كان صدر من أخيه المستضئ من التزوج ببعض نسائه، ولذلك ألقى القبض على قاضى البلد أبي القاسم بن سعيد العميرى، والقاضي أبي العباس أحمد بن على الشدادي، والعلامة أبي الفضل العباس بن الحسن بن رحال المعدانى، وأبى العباس أحمد بن عبد الله التملى، وأبى الحسن على الندرومى خليفة القاضي العميرى المذكور، وأغلظ لهم في القول وقرع ووبخ على موافقتهم لأخيه المستضئ على التزوج بزوجاته، وكان ذلك في يوم الخميس حادى عشرى رجب المذكور، وعزل الخطباء الذين كانوا يخطبون باسم أخيه المستضئ. ثم بنى دويرة لسكناه بباب الريح، ولما تم العمل فيها سكنها بمن كان معه من الحرم، ووظف على أهل البلد وظائف أثقلت كواهلهم، ولما بلغت زروعهم أوان الحصاد أطلق أيدى الجيوش فيها، ولما ضاق بهم الخناق وبلغ بهم الجهد منتهاه عفا عنهم وأحلم وصفح فاطمأنت النفوس، وزال عنهم ما كانوا فيه من شدة

وبوس، وأنجح الله لهم الأسباب وصلح الزرع والضرع وتوالت الأمطار، وانحطت الأسعار، وتبدل عسرهم يسرا. وفى أوائل المحرم فاتح عام أربعة وخمسين نزل بفاس، وولى عليها الحاج عبد الخالق عديل شيخ ركب الحاج، وأمره بتأخير كل خطيب خطب بصنوه المستضئ، وكان عديل المذكور ذا ثبات ورسوخ عقل فقال له: يا مولاى هذا من وظيف القاضى، وحسبى شد عضده فيه، فولى قضاء فاس أبا يعقوب يوصف بوعنان وأمره بما أمر به عديل فعزل السيد بوعزة المشاط عن خطبة مسجد الأندلس وولى مكانه الفقيه أبا عبد الله محمد الزيزى، وعزل أبا حفص عمر بن عبد الله الفاسى عن خطبة باب الجيسة وولى مكانه أبا عبد الله محمد السلوى، والشيخ التاودى بن سودة عن خطبة مدرسة الطالعة وولى مكانه أبا العباس أحمد الحارثى الدلائى، وأبا الحسن على التوزانى عن خطبة جامع القصبة البالية بباب المحروق وولى مكانه أبا العباس الشامى. وولى قضاء تازا الفقيه أبا محمد عبد الواحد بوعنان، وأمره بعزل من هنالك من الخطباء للسبب المذكور، ولما كان في أثناء الطريق لمحل مأموريته اعترضه اللصوص وسلبوه من كل ما كان معه، وتوفى بعد وصوله لتازا قبل قضاء ما أمر به. وفى صبيحة يوم الثلاثاء تاسع عشرى محرم أتى اللصوص لفندق النخالين من فاس ونهبوه. وفى أواخر صفر جاءوا لسوق البز ونهبوا منه دكانين. وفى العام سلط الله الفار على الزرع والقطانى والبحائر والفواكه الخريفية في سائر البلاد.

وفى العام نفسه اختط المترجم دار الدبيبغ الشهيرة بضواحى فاس، وفيه بعث القائد محمد الكعيدى اليازغى كبير أهل الديوان لجباية الأموال المترتبة بذمم الحياينة وغيرهم، فقتله الحياينة مع من كان معه من الأصحاب بالموضع المعروف بعين مديونة، وذلك في ثانى عشرى ذى الحجة منصرم العام. وفى اليوم نفسه اتصل بالمترجم وهو يومئذ بفاس خروج الباشا أحمد بن على الريفى من طنجة ووجهته القصر الكبير في استعداد زائد، فانهض لمقاومته وصده عن القصر جيشا جراراً من عبيد الرمل وذهب هو للعاصمة المكناسية، فخان القواد ومن في قلبه مرض ولحقوا بالريفى المذكور ورجع الباقون إلى مكناس وانحل الأمر، ولما نزل القواد الخائنون ومن في حكمهم إلى الريفى، أكرم مثواهم ونزلهم ووصلهم واقترح عليهم الكتب لإخوانهم الذين بمشرع الرمل بالقدوم عليهم لديه، ونكث بيعة صاحب الترجمة، ووعدهم على ذلك بمال جزيل. واتفق أن كان ذلك غب زمن المسغبة، فأسعفوا رغبته، ووجهوا لإخوانهم يستقدمونهم، فوجدوهم ارتحلوا لمكناسة لما لحقهم من عيث جيرانهم سفيان وبنى مالك وبنى حسن والبربر، ولما حلوا بمكناسة تطاولوا على أهلها وضيقوا بهم أشد التضييق، واستباحوا الأموال والأعراض، ونزعوا عن وجوههم جلباب الحياء، حتى انجلى عن البلاد كثير من أهلها وتفرقوا في البلاد، ولم يقتصر العبيد على أذى أهل المدينة بل مدوا يد الطغيان والظلم والتعدى في ما جاورها وعثوا في السابلة، ولما اشتعلت نيران الفتن وعجز المترجم عن رِتق ما انفتق، جمع عياله وماله ووجه بذلك لفاس، وكان وصوله إليها ضحى يوم الخميس الموفى ثلاثين من ربيع الأول على الأصح، واجتمع رأى أهل النقض والإبرام على خلع المترجم لعجزه عن الدفاع، والمبايعة لصنوه زين العابدين سابق الترجمة، وقد كان عند الباشا أحمد الريفى.

ولما اتصل هذا النبأ بالريفى المذكور وكان من أشد الناس عداوة لصاحب الترجمة، بادر للإعلان بنصر زين العابدين وتبعه على ذلك من كان معه من العبيد، وطيروا الكتب لإخوانهم الذين بمكناس بتعجيل رفض بيعة المترجم من أعناقهم، والبيعة لصنوه المذكور. ولما وصلت إليهم تلك الرسائل ارتأوا أنه لا يتم لهم أمر إلا بموافقة الودايا وأهل فاس معهم على ذلك، فكتبوا لهم بشرح ما أصاب الناس من الضيق والحرج بتراكم الأهوال والفتن، ورغبوا منهم الدخول معهم فيما راموه وأبرموه، فأجابوهم برفض ذلك المطلب وإلغائه محتجين بأن بيعة المترجم في أعناقهم لا يبيح لهم الشرع خلع ربقتها. وفى ثانى ربيع الثانى خيم المترجم بدار الدبيبغ الشهيرة خارج فاس، حيث المدينة الجديدة اليوم، فاستقبله الودايا وأهل فاس وشرح لهم ما تحقق لديه مما أضمره العبيد له فأجابوه بأنه لا سبيل لرفض بيعته، وأن طاعته لازمة لهم. ثم انتصر حزب العبيد وأعلنوا بخلع صاحب الترجمة والبيعة لصنوه زين العابدين، وذلك يوم الأربعاء تاسع عشرى ربيع، فكانت دولة المترجم في هذه المرة من اليوم الذى بويع فيه وهو الخامس عشر من ذى القعدة عام اثنين وخمسين إلى اليوم الذى خلع فيه وهو الأربعاء تاسع عشرى ربيع من عام أربع وخمسين، عاما واحدا وأربعة عشر يوما وهى الدولة الثالثة له. وفى ثالث عشر رمضان عام أربعة وخمسين ومائة وألف، أعلن العبيد بخلع زين العابدين مار الترجمة، واستئناف البيعة لصنوه المترجم، وهو يومئذ بالقبائل البربرية، وبويع له بالعاصمة المكناسية بمحضر الشرفاء والعبيد وإلأعيان، وتمت له

البيعة العامة حيث إن البربر والودايا وأهل فاس والعرب كانوا لازالوا متمسكين ببيعته ببواطنهم، وإن اضطرهم العبيد على التظاهر بالطاعة لزين العابدين. ولما اتصل هذا النبأ بالمترجم قدم لمكناس، ووفد عليه أربعمائة من العبيد يطلبون عفوه وأمانه فأمنهم وقابل جنايتهم بالصفح، واستقر بمكناس أياما، ثم بدا له النهوض لفاس، ولما نزل بداره المعروفة خارج المدينة بدار الدبيبغ خرج لاستقباله الأشراف والوجهاء وذوو المناصب العالية فرحين مستبشرين، وتسابقت الفرسان على الصافنات الجياد أمامه إظهارًا لما خامرهم من السرور، وسدت الأسواق. ثم صارت الوفود تفد على جلالته لتقديم الطاعة وإظهار الخضوع، فأوسعهم برا وحلما، ونقل من دار أبيه لداره المذكورة كل ما له قيمة من ذخائر وأثاث، فكبر ذلك على العبيد، ولم يرضوه وطلبوا منه الرجوع عن ذلك، وأن لا يتمادى على إكمال بناء تلك الدار لتيقنهم أنه إن تم بناؤها وسكن بها اعصوصب عليهم، وخرج من ربقة استبدادهم، فلم يلتفت إليهم، فهددو، بالخروج عليه، فلم يرفع لهم رأسا. ولما علم بذلك الباشا أحمد الريفى اتخذه فرصة، وكتب لعبيد مكناس قائلا: إن الأمر صار لغيركم ولم يبق لكم أمان على أنفسكم، وإن المترجم لم يبق تحت يده مال، والملك لا يقوم إلا بالمال، فقوموا على ساق في خلعه وتبديد جموعه وأحزابه، ولكم من المال ما تحتاجون إليه، وها صنوه المستضئ بمراكش وقد بايعه أهلها فاتبعوهم، وأعلنوا بنصره، فأجمعوا أمرهم على ذلك وفعلوا، فوجهوا للمستضئ يستقدمونه.

وفى ذى القعدة بلغ المترجم ما صمم عليه العبيد مما أوعز لهم به الريفى، فاشتغل بتأليف القبائل المتمسكة بطاعته وحالفهم على المدافعة عنه ومحاربة أضداده والموت دونه، وإثر ذلك ورد على فاس من مراكش الحاج أحمد السوسى داعية المستضئ ينشر دعوته ويرجف الناس ويعظم شوكته، فأصدر صاحب الترجمة أمره بقتله قصاصًا، فقتل واستصفيت أمواله، واستؤصل ما كان بداره. وفى أول المحرم عام خمسة وخمسين دخل المستضئ مكناسة في عساكره العبيد، وبأثر ذلك ورد كتاب الريفى المذكور على أهل فاس يدعوهم لبيعة المستضئ، فأجابوه بالرفض وصمموا على نصرة المترجم ومقاومة كل من ناوأه والموت دونه، وتعاهدوا لإصلاح المعاقل والصقائل، وجعلوا لباب محروق أحد أبواب المدينة أبوابا من ساج مغشاة بالحديد. وفى يوم الثلاثاء رابع عشرى ربيع الأول خيم المستضئ بجند العبيد بظهر الزاوية، وفر المترجم للقبائل للانتصار بهم، ونزل على آيت يدراسن، ولما كان الغد الذى هو يوم الأربعاء وقع قتال شديد بين المستضئ وأهل فاس ومن انضم إليهم من الحياينة وشراقة وأولاد جامع، مات في المعركة من الودايا نحو اثنى عشر رجلا، ومن أهل فاس نحو الستة، ومن العبيد نحو الستين. وفى يوم الجمعة رابع ربيع الثانى رجع السلطان عبد الله صاحب الترجمة في جيوش جرارة ذات قوة وبأس شديد من البرابر بنى مطير وجروان وآيت يوسى وأيت أدراسن وزمور وآيت ومالو وغيرهم، وجلب بهم على أحزاب صنوه المستضئ، ولما التقى الجمعان علم المستضئ أنه لا قبل له بمقاومة تلك الجنود البربرية المجندة، فنجا هو وأتباعه بأنفسهم بعد عشاء يوم السبت خامس ربيع الثانى، وعصم الله بمحض فضله دماء المسلمين.

وفى العام عم الطاعون بالمغرب وخصوصا بفاس ومكناس ونواحيهما وانحبست الأمطار، وارتفعت الأسعار، وفشا الجوع في القرى والأمصار، وتفرق أهل فاس في البلاد كالقصر ووزان والعرائش وتطاوين وطنجة. قال أبو عبد الله الضعيف: حكى لى من أثق به من أهل القصر أن صبيان أهل فاس كانوا يتكففون بأبواب الدور والأزقة. وفى جمادى الأخيرة وقعت فتنة بين الحاج عبد الخالق عديل، وأبى عبد الله محمد الغالى الشريف الإدريسي، فرفع عديل الشكاية بالشريف لصاحب الترجمة فأصدر الأمر بإلقاء القبض عليه، ففر واستجار بضريح جده أبى العلاء إدريس الأزهر بن إدريس الأكبر، فضيق عليه إلى أن خرج وضرب ووبخ وسجن وقتل أنصاره لسعيهم في الأرض الفساد. وفى يوم الخميس سابع عشرى رجب سرح المترجم أبا عبد الله محمد الغالى الشريف الإدريسى، ولما علم بذلك أهل فاس تحزبوا وخرجوا لباب محروق بقصد قتل الشريف المذكور إن رام النزول لفاس القرويين، فأوعز بعض الناس بذلك للإدريسى المذكور فسكن فاسا الجديد. وفى العام وجه المترجم مع ركب الحاج ثلاثة وعشرين مصحفا كلها محلاة بالذهب مرصعة بنفيس الدر والياقوت، منها المصحف الكبير العقبانى المنسوب لعقبة بن نافع الفهرى الذى كان الملوك يتوارثونه من عهد بنى أمية بالأندلس، ونقل إلى المغرب على يد عبد المؤمن الموحدى، ثم انتقل إلى بنى مرين، ثم وقع بيد الأشراف السعديين، ولم يزل يتداول إلى أن وقع بيد المترجم ووجه معه بألفى حصاة من الياقوت المختلف الألوان العزيز الوجود وسبعمائة حصاة هدية للحجرة النبوية.

وفى العام توالت الأمطار حتى هدم قوس من أقواس قنطرة وادى سبو، واستهلكت السيول كثيراً من الماشية وأقلعت الأشجار. وفى السنة ثار العبيد على قبيلة سفيان وبنى مالك وأوقعوا بهم شر وقعة، واستحوذوا على كل ما أمكنهم الاستحواذ عليه من مال ومتمول ورجعوا لمحالهم، وبعد أيام قلائل نهضوا لناحية الفحص لمحاربة الباشا المذكور مخيما بجنوده، ولما التقى الجمعان انهزم العبيد بعد أن تركوا إخوانهم صرعى طعمة للعقبان والذئاب، ورجع الريفى لمقره بطنجة. وفى أوائل المحرم عام ستة وخمسين ومائة وألف، نهض الباشا أحمد الريفى بخمسين ألف مقاتل أو يزيدون لمحاربة المترجم، ونزل على وزان بقصبة ارجن من بلاد مصمودة، وكان الإبان إبان مطر، فحبس به هنالك نحو الشهر، وشرفاء وزان قائمون بكل ما يلزمه من مئونة وعلف دواب وسائر اللوازم. وفى عشية يوم الثلاثاء ثانى عشرى محرم المذكور نزل الباشا المذكور بجموعه المتكاثفة بالعسال من مزارع فاس من ناحية قنطرة سبو، فنارشه القتال بعض القبائل، ثم ورد عليه جند من العبيد معززين له، وانضم إليه من القبائل الجبلية نحو الخمسة عشر ألف رجل، ثم لحق به متبوعه المستضئ وأتباعه من عبيد الرمل وتازا ومكناس وبنى حسن، وكان الحياينة وشراقة وأولاد جامع جاءوا لتحصين فاس، ونصرة صاحب الترجمة لما علموا بمقدم الريفى ومتبوعه، ونزلوا بحللهم باجنتها وأحدقوا بها من كل جهاتها، وتوجه المترجم في عشرة من أتباعه لآيت أدراسن يستصرخهم ويستنصر بهم ويعرفهم بمقاصد الريفى، فأجابوه لما أراد، ووجهوا لحلفائهم من آيت ومالوا وبنى حكم وزمور وكروان يستنهضونهم ورجع المترجم من حينه لداره دار الدبيبغ.

ثم لحقت القبائل البربرية المذكورة بمحال الريفى والمستضئ، وذلك يوم الخميس ثانى عشرى صفر الخير من العام، ولما أقبلوا عليهم صاحوا وحملوا عليهم وحكموا فيهم سيوفهم وهزموهم شر هزيمة لم يسمع بمثلها، حتى إن عددًا عديداً منهم رموا بنفوسهم في الوادى فغرقوا، واستولت جنود المترجم على جميع ما كان بمخيمهم من مال وعدة وكراع، وقد كان الأمير أبو عبد الله محمد نجل المترجم حاضراً بهذه المعركة، وكان عدد من قتل من جند المستضئ والريفى ثمانمائة، ورجع الريفى لمقره طنجة وقام على ساق في تجديد الاستعداد رجاء الأخذ بالثأر، وأقسم ألا يأكل لحما ولا يشرب لبنا إلا إذا احتل فاسا وجاس خلال خيم أولئك البرابر. ولما كان أول جمادى الثانية من العام نهض من طنجة ووجهته فاس، ولما اتصل الخبر بصاحب الترجمة طير الإعلام لأنصاره من القبائل البربرية وغيرهم، ثم نهض من فاس في مهل جمادى الأخيرة وخيم بوادى سبو، وهنالك استعرض جنوده وعساكره ورتبها أحسن ترتيب، فجعل رماة أهل فاس مع خاصته وعبيدة، ورماة العبيد مع بوعزة صاحب الشربيل، والودايا وزرارة وأهل سوس مع ولده أبى عبد الله الأمير محمد، وآيت يدراسن وجروان في رماة حاجبه القائد عبد الله اليمورى، وشراقة وأولاد جامع وأولاد عيسى في رماة قائدهم أحمد بن موسى الشركى. وسار على هذه الحال إلى أن قرب من مخيم المحال الريفية، ولما علم الريفى أن المترجم بات على مقربة من مخيمه ارتحل بجنده وسار إلى أن أقبل على وادى لوكس، ورأى جيوش المترجم بدار العباس على ضفة الوادى المذكور مقبلة فاستقلها ونزل وأمر أتباعه بالنزول، ولما رأى المترجم اشتغال محال الريفى بالنزول

نادى في عساكره لا نزول إلا بغنيمة أو هزيمة، فأجابوه بالسمع والطاعة، وانقضوا على المحال الريفية انقضاض البزاة فولوا الأدبار منهزمين، وتركوا جثتهم وأشلاءهم مبعثرة بالهضاب والسهول من بينهم جثة الزعيم الريفى فقطع رأسه وأتى به للمترجم، وذلك صبيحة يوم الاثنين الرابع عشر من جمادى الثانية من العام، ووجه برأسه لفاس فطيف به بالأسواق، ثم علق بباب محروق، ولم يزل معلقا هنالك إلى أن قدم على المترجم أولاد أبى زيد عبد الرحمن الثعالبى من الجزائر متشفعين للمترجم في إنزاله، فشفعهم وأصدر أوامره المطاعة بإنزاله، ووجه القاضى إذ ذاك عدلين لمشاهدة إنزاله وتسليمه للمتشفعين فيه، فذهبا -أى العدلان- وهما العلامة خطيب المدرسة العنانية من طالعة فاس أبو عبد الله الحارثى الدلائى والعلامة المفتى الشيخ أويس، وكتبت بذلك وثيقة من إنشاء أبى عبد الله محمد بن علال وإليك نصها: الحمد لله الذى يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، العفو الذى يحب العفو حتى لا يهتك الستر ولا يؤاخذ بالجريمات، الذى من كمال عفوه ورحمته ومنته أن وعد بالجنة التي أعدت للمتقين، للكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أحلم رسول أرسله، المأمور بإعطاء من حرمه، وإيصال من قطعه والعفو عمن ظلمه، بقوله في الكتاب المبين {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} [الأعراف: 199] وعلى أصحابه وأنصاره وأحزابه وآله البالغين الغاية في اتباعه، واقتفاء اتباع أتباعه .. وبعد: فعن الأمر المطاع، الذى يجب له الانقياد والاتباع، والإذن الشريف العلوى، السلطانى المولوى، أمر مولانا أمير المؤمنين، المحفوف من الله تعالى بالنصر والتمكين، فخر الملوك والأشراف، وظل الله على الأقوياء والضعاف، خليفة الله في أرضه، وأمين الله على جنده بطوله وعرضه، المعتمد في أموره على

مولاه الذى ولاه، أبو محمد مولانا عبد الله، أيد الله أوامره، وظفر بمنه جنوده وعساكره، عاين شهيداه ظهيره الأسمى، وطابعه الشريف الأنمى، بيد حملته السيد فلان، والسيد فلان، بقبول شفاعتهما في رأس أحمد الريفى المخالف أمر السلطان وصحبته كتاب لخليفته الأسعد، وركن إيالته الأرشد، خديم المقام المولوى، وشيخ الركب النبوى، القائم بأمر مولانا المنصور، المضاعف له في الثواب والأجور، في سعيه الصالح، ومتجره الرابح، التاجر الجليل، الحاج عبد الخالق عديل، المتضمن عفو مولانا نصره الله وأيد أمره وخلد في صفحات الدهر مآثره الشريفة، وأوامره عن رأس خديم إيالته الشريفة، وعتباته المنيفة، الباشا أحمد بن على بن عبد الله الريفى، من إنزاله من شرفات باب الشريعة من فاس، أمنها الله من كل باس، ودفعه لحملة الظهير الشريف، العالى القدر المنيف. ففعل العامل المذكور ما أمر به امتثالا للأمر الشريف السعيد، المحفوف من الله تعالى بالنصر والتأييد، والعز المديد، ودفع لمن ذكر بمحضر شهيديه ومعاينتهما لما سطر، فمن عاين ذلك كما قرر، وشهد على من ذكر كما حرر، وهم عارفون قدره وعرفهم في يوم السبت السابع عشر من شوال عام ستة وخمسين ومائة وألف، والله تعالى يحسن عاقبة الجميع في يوم البعث والنشور هـ-. هذا ولما مات الريفى ومزقت أشلاء أحزابه كل ممزق استولى المترجم على البقية الباقية من معسكره، ثم قدم عليه أهل تلك الجبال والخلط وطليق وغيرهم لتقديم الطاعة وطلب العفو والأمان، فعفا عفو قادر، وبعد ذلك توجه لطنجة وألقى القبض على خاصة الريفى وعماله، واستصفى أموالهم، ووجه القائد عبد الخالق عديل وجماعة من أهل فاس لحيازة ما بدار أحمد الريفى المذكور، وأمر أهل الريف بالإتيان بما له عندهم من ماشية وغيرها، ولما جمع ذلك وأحصى فرقه فيمن كان معه من البرابر، وكان نحو الأربعة آلاف وأقام المترجم بجنوده بطنجة أربعين يوماً.

أما المستضئ فإنه لما علم بموت عضده الأيمن وساعده المساعد أحمد الريفى، أغرى من معه من العبيد وبنى حسن على الأخذ بثأر إخوانهم واستئناف قتال صنوه المترجم، وقطع خط الرجعة بينه وبين فاس، فأجابوه لذلك. وأطلق عيونه لترقب حركات المترجم وسكناته وإعلامه بظعنه ومقامه، فكانت تأتيه بتفاصيل ذلك، ولما بلغه أن صاحب الترجمة خيم بدار العباس التي كانت بها تلك المعركة التي قضت على جموعه بالدمار والخذلان، ركب في أتباعه من العبيد وبنى حسن، وصبح المترجم على حين غفلة، ولما التقى الجمعان ولى المستضئ وجنوده الأدبار. وانكسروا أى انكسار، مات من خصوص بنى حسن ما يزيد على الألف، وسلب لهم من عتاق الخيل والسلاح ما يزيد على الخمسة آلاف، ومات من العبيد نحو الخمسين. وبعد الهزيمة فر القائد حسن فنيش هاربا، وهو أخو الباشا عبد الحق فنيش عامل سلا، فلقى في ذهابه أحد قواد عبيد الرمل كان مصاحبا له وقد مات له فرسه في المعركة، فطلب من القائد الحسن أن يردفه فأردفه لسابفية الصحبة، ثم غدر العبد به وأكبه على رأسه وشد وثاقه وأقسم له يمينا بالله إن لم يسر أمامه حتى يقتله، فسار به إلى أن أوصله لصاحب الترجمة ولما مثل بين يدى المترجم، قال له: أنت يا فنيش من علوج أبى إسماعيل ووالدك كذلك، فلم تركت خدمتى وأخذتك الغيرة على الحمار ابن الحمار؟ فقال له فنيش: أعتقنى وأنا أعطيك عشرين قنطارًا فقلع المترجم عشبة من الأرض، وقال له: هذه العشبة عندى أفضل من مالك، وأنشد متمثلا بقول القائل: إن الأسود أسود الغيل همتها يوم الكريهة في المسلوب لا السلب وضربه بمزراقه فقتله، وذلك بوادى الدزاز من وزان.

ثم نهض المترجم وسار إلى أن حل بفاس مؤيدًا منصورًا، فكسا وفرق الجوائز، وعمم الصلات بدار الدبيبغ إلى ربيع الثانى من عام سبعة وخمسين، فقدم عليه رءوس العبيد وقوادهم ببيعتهم له وإعلامهم بخلع المستضئ، خاضعين معتذرين طالبين عفوه وصفحه عما اقترفوه. فعفا وصفح على عادته ووصلهم، وأمرهم بالتهيُّؤ لقتال بغاة بنى حسن ومن في حلفهم من شيعة المستضئ كدكالة أخواله وأهل مراكش المتمسكين بطاعته سعيا وراء جمع الكلمة وإطفاء نيران الفتن التي حصت كل شئ، فأجابوه بالامتثال والسمع، وأمرهم باللحوق به لدار ملك أبيه مكناسة الزيتون، وأصدر أوامره للحياينة وشراقة وأولاد جامع وأهل فاس والغرب بالإتيان إليه بحركتهم لأجل ما ذكر. ثم نهض لمكناس وبها اجتمعت عليه تلك القبائل، ووفدت إليه الوفود ببيعاتها وبعد تجديد البيعة العامة له وهى البيعة الخامسة، كتب الكتائب وجند الجنود، ورتب الجيوش، ونظم المقاتلة، ونهض قاصدًا بنى حسن على طريق الفج ليحول بينهم وبين الشعاب التي يتحصنون بها. قيل: كان نهوضه في ذى القعدة الحرام من العام، وسار إلى أن وافاهم ببسيط زبيدة، ففروا أمامه للغابة، وخلفوا حللهم وأموالهم غنيدة باردة، وما كان مساء اليوم حتى جاءوا تائبين منيبين، فعفا عنهم ورد عليهم مالهم وارتحل عنهم. وسار إلى أن نزل بداره من القصبة الكائنة بأبى لعوان بين الشاوية ودكالة، وخيمت عساكره أمامه ببسيط دكالة، وقد كان أهلها فروا مع المستضئ للحور، فأقام المترجم بدكالة سنة كاملة بعساكره، أتى فيها على ما لتلك القبيلة من زرع وضرع، وقطعت أشجارها وهدت قراها ومداشرها وصيرها بلاقع كأن لم تغن بالأمس.

ثم انتقل لبلاد السراغنة، وما استقر به الثوى بتلك البلاد حتى وفد عليه أهلها طائعين وفى عفوه راغبين، وانضموا لجيوشه، ثم وثب البعض من السراغنة على ستة من صعاليك العبيد وقتلوهم لارتكاب عار وذعر. ولما اتصل الخبر بصاحب الترجمة أسرع للانتقام من غير فحص عن السبب، فقتل منهم عددا كبيرا، ونهض من بلادهم مغاضبا، ثم وفد عليه دمنات وما والاها من سهل وجبل طائعين مذعنين، ثم انتقل لبلاد زمران وأعلام النصر خافقة، ولما حل بها قدم عليه الرحامنة وأهل سوس والدير وقدموا لجلالته الطاعة وانضموا بمحالهم لمحلته. ثم تقدمت تلك الجنود الجرارة لبلاد مسفيوة، حيث كان المستضئ وأحزابه، وشبت نيران القتال بين جيوش المترجم وأهل مسفيوة ومن انضم إليهم إلى أن فشلوا، وفلت جموعهم وضعفت البقية الباقية عن المقاومة، فأتوا للمترجم بنسائهم وصبيانهم حاملين الألواح والمصاحف يستجيرون، ولما مثلوا ببن يديه طلبوا من جلالته المقابلة بما جبل عليه من الحلم والإغضاء، فأمرهم بالإتيان بالمستضئ، فأخبروه بأنه قد فرّ لمراكش، فعفا وسامح، ثم ورد عليه أهل دكالة بنسائهم وصبيانهم كمن قبلهم، فقابلهم بالصفح وأمرهم بالرجوع لبلادهم، وألقى عصاه واستقر به الثوى إلى أن وفد عليه أهل الدير ببيعتهم وهداياهم، وطلب الرحامنة وأهل سوس من جلالته المسير معهم لمراكش فأسعف رغبتهم. أما المستضئ فإنه لما فر من مسفيوة لمراكش صده عنها أهلها، ولم يزل يتردد بين القبائل ولا يقابل بغير الطرد إلى أن بلغ الفحص وأقام بحور طنجة كما مر. وبينما يقدم رجلا ويؤخر أخرى في التوجه لمراكش، إذ ورد عليه أعيانها وشرفاؤها ببيعتهم، وقدموا لحضرته طاعتهم وأبدوا أعذارا عما تورطوا فيه من شق عصا الطاعة، وطلبوا من جلالته القدوم لبلادهم، وقد كان جل تلك الجيوش سئم

الحرب وكل ومل من الغربة وفراق أوطانهم نحو العامين، فصاروا يتسللون حتى لم يبق بالمحال إلا نحو النصف من الجيش ورؤساء القبائل، فرأى المترجم أن الرأى هو أن يرجع لعاصمة ملكه ودافع الراغبين في التوجه لمراكش بالتى هى أحسن، وعين ولده الأمير أبا عبد الله خليفة بها، ووجه به إليها في معية وفدهم وذلك عام ثمان وخمسين ومائة وألف. ثم ولى وجهه نحو العاصمة، وكان مروره على تادلا وأقام بها أياما، ثم سار إلى أن بلغ لرباط الفتح، واستخلف به ولده أبا العباس أحمد، ثم سار إلى أن خيم بقصبة وادى أبى فكران وذلك في خامس عشرى ربيع الثانى عام تسعة وخمسين ومائة وألف على ما في الترجمان المعرب وغيره، والذى في تاريخ الضعيف أن المترجم دخل مكناسة الزيتون أوائل ربيع الأول والله أعلم. وفى مهل جمادى الأولى خرج من الحضرة الفاسية وجهاء البلد من العلماء وذوى المناصب لتهنئته بسلامة القدوم وتقديم ما يجب لجلالته، فسر بمقدمهم وقابلهم بكل تجلة وإكبار، ووصلهم وأكرم وفادتهم، ثم ودعهم وأمرهم بالأوبة لوطنهم، ووجه معهم الرماة الذين كانوا معه. ووفد على حضرته أيضا قائد طنجة ووجهاؤها وأولاد الباشا أحمد المذكور ونساؤه بهدية سنية وتحف نفيسة، وكان عدد الوافدين يتجاوز المائة، ولما مثلوا بين يديه قال لهم: إنه قد بلغنى أنكم استخرجتم مالا كثيرا كان أخفاه الباشا أحمد عند خروجه ثانى مرة لمبارزتى واقتسمتموه فيما بينكم، وأمرهم بشرح الواقع فأجابه سبعة منهم بالإقرار، والباقى بصريح الإنكار، فأمر بزت الجميع بالسجن، وبعد ثلاث سرح السبعة المقرين، وهم: العاقل، وأولاد الباشا، وبنو عمهم وأمر بقتل المنكرين فقتلوا جميعا، وفى ذلك اليوم نفسه قتل من بنى حسن وغيرهم نحو ثلاثمائة نسمة.

ثم وجه نفرا من حاشيته لطنجة للإتيان بمال الريفى المذكور، فقام في وجوههم أهل طنجة وصدوهم وشتموهم أقبح شتم، بل هموا بالإيقاع بهم لولا أنهم نجوا بأنفسهم، ولما رجعوا للمترجم وأخبروه الخبر ثار غضبه، وأمر بقتل من كان أبقى عليه من أهل طنجة المذكورين. وبعد ما نفذ الأمر فيهم أخبر صاحب الترجمة أن المال الذى كان قد أخرج من طنجة وأمنه عند عديل بفاس صرف منه في مصالح نفسه عدداً لا يستهان به، فأصدر أوامره بالإتيان بذلك المال، ولما أحضر أمر بوزنه فأخبر من باشر الوزن بأنه يخص من العدد المؤمن اثنان وثلاثون ألف قنطار عدة قديمة، فألزم عديل بأداء العدة فعجز، وضمنه بعض الرؤساء ووتع عليه الإشهاد بالأداء حلولا، وأمر بإعطاء عشرة آلاف مثقال صلة للودايا، سكان فاس الجديد، فكان من أقوى موجبات وغر صدر أهل فاس على صاحب الترجمة، حيث خص الودايا بالعطية دونهم، والحال أنهم -أى الودايا- أول من شق العصا عليه، وهم -أى أهل فاس- أول من تمسك بطاعته وآخر من قاتل دونه. ومما زاد الطين بلة وطنبور الفتن نغمة أمره للمسخرين من جيشه بكل زرع ما حرثه آيت يدراسن أنصاره بأحواز العاصمة المكناسية انتقاما منهم لتأخرهم عن الإتيان لحضرته للتهنئة بسلامة القدوم، وبعد ذلك كتب الرئيس القبيل المذكور محمد وعزيز يلومه عن التأخر، وقد كانت بينه وبينه صداقة، ومصافاة تامة، حتى كان صاحب الترجمة لا يخاطبه إلا بياأبت، وكل ما يرومه يمضيه بدون أدنى توقف. ولما وصل الكتاب السلطانى لوعزيز جمع إخوانه وأمرهم بجمع هدية والإتيان إليه بها ليتوجه بها مع وجوههم للحضرة السلطانية، فأظهروا الامتناع وتعللوا بالخوف على أنفسهم إن هم ذهبوا لعدم توقفه في سفك دماء الواردين

عليه، فتكفل لهم بأنهم لا يرون منه إلا ما يسرهم، وأنهم ليسوا كغيرهم بناء على ما يعتقده من كامل الصداقة، وأنه يستحيل لديه أن تخفر له ذمة عند الأمير المترجم، فأجابوه لما اقترح، وعينوا مائة من صدورهم للتوجه مع رئيسهم المذكور، وساروا بهديتهم إلى أن وصلوا لمخيم السلطان بقصبة أبى فكران، واستقبلوا حاجبه عبد الوهاب اليمورى. فأخبر السلطان بمقدمهم فأمر بإدخالهم لبساطه مجردين من السلاح، ولما مثلوا بين يديه أحدق بهم لفيفا من الحرس ثم قال لمحمد وعزيز هؤلاء حادوا عن الطريق المثلى، وعاثوا في الطرقات وروعوا المسلمين بالسلب والنهب، وأخذوا أموال التجار غصبا ولم يتركوا ضعيفا ولا يتيما ولا مسكينا إلا وآذوه في ماله وبدنه، فإذن مالهم ودمهم حلال. وأمر الحرس بإلقاء القبض على جميعهم غير وعزيز فانقض الحرس عليهم وأوثقوهم بالحبال وساروا بهم إلى بطون السجون، فقال له وعزيز: أغدراً بعد عهدٍ! فقد جاءوا في أمان. فأجابه المترجم بقوله: هؤلاء حاربوا الله ورسوله، وسعوا في الأرض الفساد، وقد خير الله فيهم الإمام، فقم أنت في حفظ الله لأنك بمنزلة والدى لا تخاف دركا ولا تخشى، فقال له: لا أقوم إلا مع إخوانى، فإن ماتوا مت، وإن عاشوا عشت، وكيف يسمع عنى أنى قدمتهم للذبح ورجعت! فأى أرض تقلنى وأى سماء تظلنى؟ لابد أن يقتلنى إخوانهم وأخلف بعدى سبة لا تنفى مدى الأبد، وقد تنبئوا بهذا لما أمرتهم بالقدوم معى لحضرتك، فقالوا: إن ذهبنا إليه سلك بنا مسلك من قبلنا من الوافدين عليه، فنفيت لهم ذلك، وأعطيتهم العهود والمواثيق على أنهم لا يقابلون من جلالتك إلا بالجميل ووافر الإحسان.

فأطرق مليا ثم رفع رأسه وقال لحاجبه المذكور: يا عبد الوهاب لا خير في رجل يقول لرجل: يا أبت، ثم لا يشفعه في قبيلته، وأمر بتسريحهم فسرحوا، ولما خرجوا ركبوا خيولهم وتوجهوا لحللهم مع رئيسهم وعزيز. ولما اجتمعوا بإخوانهم قالوا لهم: لقد أحيانا الله حياة جديدة بعد أن متنا فلا بُدَّ لنا من الأخذ بثأرنا مادام فينا عرق ينبض، وأجمعوا أمرهم على الخروج على المترجم والهجوم عليه بعد ثلاث، ومن تخلف منا عاديناه، وبأنواع الأذى والإهانة سمناه، فلم يشعر المترجم إلا وخيولهم مطلة عليه من ناحية الحاجب، فتيقن أن ذلك أمر دبر بليل، ولم يسعه غير حمل عياله وجواريه وإحاطتهم بالخيل والرماة، ثم ركب هو في من بقى معه من الجند وانحدر خلفهم مع بطن الوادى وتفرق العبيد يمين الوادى ويساره، وتركوا كل ما كان بالمحلة من أمتعة وأخبية وعدة ومقومات غنيمة باردة، وشب القتال بين البربر والمحال السلطانية وحمى الوطيس ودام ذلك إلى أن دخل المترجم على باب القزدير أحد أبواب العاصمة المكناسية، فرجع البربر وقد مات منهم خمسمائة مقاتل، ومن العبيد ثلاثمائة وذلك يوم الخميس سابع شعبان العام. ثم اتفقت كلمة العرب على الخروج على المترجم، ووافقهم على ذلك شيخ العرب محمد الحبيب المالكى الحمادى، وقد كان صاحب الترجمة ولاه على إخوانه سفيان وبنى مالك والخلط وطليق وغيرهم من عرب تلك الناحية، ثم بعثوا إلى أهل فاس يحثونهم على متابعتهم في رفض بيعة المترجم فأجابوهم لذلك، ثم اجتمع رأى العبيد على الانضمام لهؤلاء وكتبوا لإخوانهم يغرونهم على الانخراط في سلكهم والموافقة معهم على ما أبرموا، وحققوا لهم غدر المترجم ووثوبه عليهم إن لم يربئوا بأنفسهم ويغتنموا الفرصة قبل الظفر بهم، ولما اتصل كتاب العبيد

بإخوانهم وتمعنوه تواعدوا على الرحيل لمكناسة بعد ثلاث إجابة لإخوانهم، وفرارا مما لحقهم من إهانة بنى حسن وإضرارهم بهم غاية الإضرار. فأخبر السلطان بذلك بعض عيونه، وعندما تيقن صدق الخبر طير الإعلام لأخواله الودايا الذين بفاس يحضهم على القدوم عليه من يومهم قبل بلوغ السيل الزبى، واتساع الخرق على المرتق، واشتغل بجمع ماله وأثاثه وحمل ما عز عليه وأسراج خيله مظهرا أنه يريد الرجوع لقصبة أبى فكران حيث كان مخيمه، ولما كان وقت العشاء ورد عليه من خيل أخواله الودايا أربعمائة، فخرج من باب القزدير بجميع ماله وعياله ولم يترك بدار الملك غير النزر مما لا يؤبه به، وسار في معيتهم إلى أن بلغ دار ادبيبغ. وفى ثالث عشر شعبان اجتمع البربر مع بنى مالك بفاس لقتال الودايا، فتحصنوا بالمدينة البيضاء فاس الجديد، ثم عاث البرابر في الطرقات ونهبوا دار ادبيبغ، وقلعوا أبوابها وحرقوا الأخصاص التي كانت محدقة بها، وجعلوا يغيرون على سرح الودايا ويناوشونهم القتال، ومات من الفريقين عدد عديد، وشبت نيران الفتن وقطع الودايا الماء على فاس القرويين. وفى يوم الجمعة الخامس عشر من شعبان المذكور وقع التوافق على أن لا يذكر اسم المترجم في الخطب، واشتبكت الفتن وارتبكت وكثر الهرج والمرج، وامتد ذلك نحوم من سبعة وعشرين شهرا. وفى أوائل رمضان أخلى العبيد مشرع الرمل، وبقيت بيوتهم خاوية بما ظلموا، ولما لحقوا بإخوانهم لمكناسة، نزلوا بالقصبة والمدينة، والأروى وقصبتى بريمة وهدراش، وبعضهم اتخذ الأخصاص والعرائش بضواحى المدينة والرحاب المتسعة وثووا هنالك في البلاد، وخرب بنو حسن ما خلف العبيد بمشرع الرمل من الدور والقصور التي كانوا يتنافسون في تشييدها.

ولما وافى عيد الفطر وجه العبيد الذين بمكناسة جماعة من، قوادهم في معية قاضى البلد أبى القاسم العميرى ووجوه الأشراف لحضور العيد مع المترجم والاعتذار عما صدر منهم، وطلب رجوع جنابه إلى عاصمة الملك مكناس. ولما وصلوا لحضرته ومثلوا بين يديه قابلهم بالعفو والإغضاء، ووصلهم وكساهم ووعدهم بتوجهه للعاصمة المذكورة، فانقلبوا إلى مقارهم فرحين مبتهجين، ولما كانوا في أثناء طريقهم لمكناس اعترضهم البرابر بوادى الجديدة وسلبوهم حتى مما يستر عوراتهم، ولم يفلتوا منهم غير القاضى المذكور أبقوا عليه ثيابه وبغلته. ثم صارت البرابر تغير على الذين نزلوا بضواحى مكناس وتنهب أموالهم وأولادهم حتى ضاق بهم المتسع، وتفرقوا في البلاد، ولم يبق منهم إلا القواد وشرذمة من أهل الحرف والصنائع، ومات منهم بالزلزال الذى وقع بمكناس خمسة آلاف. وفى فاتح جمادى الأولى عام ستين قدم قبائل البربر وقبائل العرب لإعانة أهل فاس على محاربة المترجم فنزل القائد الحبيب بإيالته الغرب والخلط، وطليق بدار الأضياف، ونزل محمد واعزيز بأتباعه البرابر بجبل أطغات، وانحجر الودايا بفاس الجديد، والعبيد بقصبة شراقة، وأحاطوا بالمترجم بداره دار الدبيبغ إحاطة السوار بالمعصم. ولما كان الغد ركب العبيد والعرب وقصدوا دار الدبيبغ والبربر على آثارهم، فلما بلغوا حريم الدار المذكورة اتصل بهم أن البربر غدروا ونهبوا محلتهم فارتاعوا ورجعوا القهقرى منهزمين لا يلوى بعضهم على بعض، وتفرقت تلك الجموع الباغية، وكفى الله المؤمنين القتال، قيل: إن المترجم أغرى واعزيز بمال وجهه إليه ليلا على تفريق تلك الأحزاب ففعل، وسقط في يد أهل فاس وبقوا يتجرعون الغصص في ضيق وعناء يستغيثون فلا يغاثون.

وفى انقلاب عرب الغرب من انكسارهم هذا لبلادهم مروا بحلة بنى حسن فانتهبوها، فقدم بنو حسن على السلطان شاكين إليه بما فعله بهم عرب الغرب فحركوا منه ما كان كامنا بصدره عليهم، وجيش إليهم جيشا كثيفا من العبيد والودايا للإيقاع بهم أخذا لثأر بنى حسن منهم، ولما شعروا بنهوض الجيوش التي لا قبل لهم بها للاقتصاص منهم انجلوا عن البلاد وتوجهوا للعرائش وتحصنوا بأسوارها، فاقتفت أثرهم تلك الجيوش وأحدقت بهم وشددت الحصار عليهم ثلاثة أشهر، هلك فيها لهم الزرع والضرع ثم رق لهم المترجم ووجه لهم شرذمة من الودايا بأمانه ومصحفه وسبحته، وأفرج الجيش عنهم، وقدموا مع الودايا على المترجم بهداياهم تائبين، ولفضله شاكرين، فولى عليهم كبيرهم الحبيب المالكى، وأضاف إليه قبائل الجبل كلها. وفى شوال عام واحد وستين ومائة وألف، استأنف أهل فاس الرضوخ لطاعة المترجم وتجديد البيعة له، وذلك بواسطة بعض بنى عمه من أهل سجلماسة، والعلامة أبى الإجلال عبد الكبير السرغينى، فأنهضوا وفدا من الأشراف والعلماء وذوى الجاه والوجاهة في طليعتهم الفقيه المذكور ومعهم هدية قيمة للعاصمة المكناسية إظهاراً للخضوع، وطلبا في العفو والصفح، ولما مثلوا بين يدى المترجم سب وجدع ثم سامح وأحلم وردهم لبلدهم رداً جميلاً، ثم انعقد الصلح بين أهل فاس والودايا، وفتحت أبواب المدينة بعد الحصار سنتين وثلاثة أشهر، وكان ذلك في ذى القعدة من السنة. وفى هذه الأعوام انتشر الوباء الجارف في هذه السنين سائر البلاد المغربية وتفاحش الغلاء. وفى ثامن عشر جمادى الأولى، وقيل الثانية من العام، نهض المترجم من فاس لمكناسة، لكسر شوكة متمردة البربر وخيم بقصبة أبى فكران ينتظر ورود

القبائل التي كانت تظهر له الطاعة، إذ قد كان استنهضهم لذلك، ولما طال انتظاره وتبين تقاعسهم عن اللحوق به، رجع للعاصمة المكناسية بمن كان معه مصابا بألم إحدى عينيه. ولما سمع البربر برجوعه لمكناس طمعوا فيه، وأجمعوا على غزوه، وزاد طنبورهم نغمة وطينهم بلة، ما وقع من الصلح بين الودايا وأهل فاس وذلك يوم الاثنين الثالث عشر من شوال، وخضوع الكل لصاحب الترجمة، فلم يألوا جهدا في تفريق الكلمة واستشاروا في التدابير الموصلة لهم لذلك زعيمهم واعزيز لما يعلمون في قلبه من المرض، فأشار عليهم بأنه لا يتم لهم معه أمر ماداموا لم يقطعوا خط الرجعة بسايس، ويحال بينه -أى المترجم- وبين الموالين له من الودايا والعبيد وأهل فاس، فاستصوبوا رأيه ونزلوا بحللهم في تلك البسائط، وأطلقوا يد السلب والنهب، وأغاروا على سرح الودايا أفسدوا وزروعهم وبحائرهم، وجعلوا يختطفون أطفال العبيد النازلين بضواحى مكناس ويغيرون على سرحهم كلما أمكنتهم فرصة. وفى أول رجب من السنة ورد الخبر بإلقاء أهل الريف القبض على المستضئ مار الترجمة، واستيلائهم على كل ما كان له من مال ومتمول لإلقائه القبض على القائد عبد الكريم بن على الريفى صنو أحمد المذكور، وسمله عينه. وفى شعبان أوقد الودايا النار بأجواف باب محروق ليلا، فشعر بذلك الحرس وطردوهم عن الباب، ومن الغد ركبوا له أبوابا جددا. وفى ثالث عشرى شوال أوفد أهل فاس على المترجم بمكناس القائد الحسن ابن صالح الليرنى، والفائد قاسم بن الأشهب، والقائد الحاج محمد الصفار، وقاضى البلد وغيرهم من الأشراف والعلماء، وكان ذهابهم على طريق زرهون خوفا من عيث عتاة البرابر، ولما وصلوا لحضرته ومثلوا بين يديه شرحوا أعذارهم

في التظاهر بالقيام عليه، وأقاموا الحجج والبراهين على أن ذلك لم يكن عن اختيار منهم، فقبل المعذرة شأن الكرام، وقال: لا تثريب عليكم، وإنى عاهدت الله أن لا أفعل بأهل تلك المدينة -يعنى فاسا- إلا الخير وكتب بهذا كتابا لأهل فاس. وفى متم الشهر آب الوفد الفاسى لوطنه فرحا مسرورًا، وقرئ الكتاب السلطانى المشار له على منبر القرويين، وبه وقع الإعلان باستئناف بيعته، وانبرم الصلح بينهم وبين الودايا، وتبادلوا الطعام بالمدينة البيضاء وفاس القديمة، وزينت المدينة إظهارًا للارتياح، وإشهارا لما أقاموه من حفلات الأفراح. وفى ثالث عشرى قعدة قدم ركب الحجيج الذى كان محصورا بتازا لانقطاع السابلة وتوقد نيران الفتن بها. وفى يوم السبت تاسع ذى الحجة خرج من فاس وفد من أعيانها لتهنئة جلالة المترجم بغرة عيد الأضحى والمشاركة في أفراحه ومشاهدة فاخر حفلاته، من جملة أعيان ذلك الوفد: القائد قاسم بن الأشهب، والقائد ابن صالح الليرينى، والحاج محمد الصفار، والقاضى أبو محمد عبد القادر بوخريص، وناظر الأحباس التاودى بن أحمد المشاط، فقابلهم بغاية الإجلال وغمرهم بنعمه الضافية، وردهم بعد يومين ردا جميلا. ثم إن البربر لما علموا بانبرام الصلح بين أهل فاس والمترجم والواديا والعبيد سقط في أيديهم، ورأوا أنهم قد ضلوا وصاروا يضربون أخماسا في أسداس، ويبذلون جهدهم وطاقتهم في اتخاذ الحيل في تفريق الكلمة، ولا سيما لما ثبت لديهم أن العبيد صمموا على الحركة لغزوهم، وأخذوا يغرون القبائل على نصرتهم على ذلك ومعاضدتهم، فلم ير البربر حيلة أنفع لهم من المسارعة لشن الغارات والتضييق على العبيد من كل جهة وقطع الميرة عنهم، ومديد السلب والنهب في

السبل عمومًا والعبيد خصوصا، حتى ضاق بهم المتع فلم ينفعهم إلا الجنوح للسلم ومصالحة البربر، وبعد اتخاذ الوسائط لذلك صرح لهم البربر بأن السلطان هو الآمر لهم بذلك، فلم يرتب العبيد في صدق مقال البربر لما سلف من المترجم مع واعزيز عند تخلفهم عنه حين أمرهم بغزو البربر، وصاروا يدبرون في كيفية يتوصلون بها لإلقاء القبض على صاحب الترجمة والفتك به، فأوعز إليه بذلك بعض عيونه، فنجا بنفسه لدار الدبيبغ وذلك في صفر سنة اثنتين وستين. ثم اتصل الخبر بنجله خليفته بمراكش أبى عبد الله محمد مار الترجمة فكتب للعبيد يعلمهم بصيرورته على بال، مما أضمروا لوالده، ويعدد عليهم إحسانه إليهم ويوعدهم إن لم يرجعوا عما سولت لهم أنفسهم الأمارة، فأجابوه بتنفيذ ذلك الخبر، وأنه لم يكن خطر لهم قط ببال، ورجعوا إلى أنفسهم، وقالوا: إن هذا الخليفة -يعنون محمد بن عبد الله- ذو قوة وبأس شديد، وهو أمامنا، ووالده وراءنا، والبرابر محدقة بنا، فكيف الخلاص؟ فاتفق رأيهم على أن يعيدوا البيعة لصنو المترجم أبى عبد الله ابن عريبة المترجم سابقا فأبى وامتنع، ثم بعثوا لصنوه أبى الحسن على آتى الترجمة وكان يومئذ بسجلماسة مهد ملك سلفه فقابل طلبهم بالرفض، ولما كانت نتيجة سعيهم فيما راموه الخيبة عقدوا صلحا مع البرابر على المبايعة لنجل المترجم أبى عبد الله المذكور، وأقاموا لهم حججا على أنه لا يصلح للملك وتدبير أمور الرعية غيره فأجابوهم لذلك. وفى أوائل ربيع الأول أعلن العبيد والبرابر بنصر أبى عبد الله المذكور بمكناس وزرهون وخطبوا به على المنابر، وأشاعوا ذلك في البوادى والحواضر، ثم جهزوا فئة من أعيانهم وأوفدوها إليه لمراكش لإعلامه بجمع الكلمة على المبايعة له وطلب تعجيل قدومه عليهم، ولما بلغوا إليه وأبلغوه ما جاءوا لأجله قبح فعلهم وعنفهم ثم وصلهم، وقال لهم: ارجعوا عن غيكم فإن بيعة والدى في عنقى وأعناقكم لا يحل خلعها بحال، وألزمهم الرجوع للطاعة والتزم لهم بأن لا

يلحقهم أدنى سوء من والده، وأنه يسعى في إصلاح ذات البين بينهم وبينه، فرجعوا آيسين من بلوغ مقصدهم، ولم يرجعوا عن غيهم بل تجادوا على الدعاية لسيدى محمد والخطبة به، والمترجم مستعير لذلك كله آذانا صما وعيونا عميا، وولده الخليفة المذكور يرجف فؤاده من ذلك خوفا من أن يظن به والده أنه راض بفعل أولئك الأوغاد الجفاة، وصار يتابع الهدايا ذات البال لوالده استجلابا لمرضاته، وإظهارا لطاعته، ولما تيقن صاحب الترجمة كراهية نجله المذكور لسوء فعل العبيد ورفضه لمطلبهم، رام استجلاب القلوب الشاردة عنه، فصار يفكر في ما يوصله لذلك. ولما كان يوم الخميس تاسع عشرى شعبان العام أمر بإعلان النداء بسوق الخميس وغيره من أسواق فاس، بأن كل من أتى إليه من العبيد لدار ادبيبغ يعطى خمسمائة مثقال، ومن تخلف فلا يلوم إلا نفسه، فتساقطوا على أعتابه زرافات ووحدانا ووفاهم بما وعد به، وأمرهم بالكتب لإخوانهم الذين بمكناس وغيرها من البلاد بالإتيان لحضرته، وأن كل من أتى يقبض القدر المذكور تأليفا لهم وكفا لأذاهم، فلم يزدهم ذلك إلا نفورا وتمردا وطغيانا، شأن النفوس الخبيثة، ولم يقتصروا في ذلك على أنفسهم، بل أغروا البرابر النازلين بسايس على قتل كل من وجدوه من إخوانهم ذاهبا لفاس، لأنه يعد ناكثا للعهد الذى تعاهدوا عليه، وخارقا لإجماع جموعهم الفاسدة. فأجمع البرابر أمرهم وشركاءهم ودرسوا الحالة هم عليها وحالة العبيد معهم قديما وحديثا، وما جنوه من ثمار ما زرعوه من الفتن، فتمحض لديهم أن العبيد إنما يسعون وراء ما رأوه مصلحة شخصية لهم، ولو أدى الحال إلى تضحية من سواهم، وأن أكد مصالحهم هلاك البربر. واتفق رأيهم على الرجوع لطاعة المترجم وعضدهم في رأيهم الأسد رئيسهم محمد واعزيز، ثم كتبوا للمترجم يطلبون عفوه وأمانه فأجابهم بقبول إنابتهم وعدم

مؤاخذتهم طبق ما عرف في غالب أحواله، وبأثر ذلك وفد محمد واعزيز مع إخوته، فكرم وفادتهم ووصلهم بعشرة آلاف مثقال، فسروا وابتهجوا ورجعوا لمحالهم شاكرين. وفى آخر رمضان رجعوا لحضور الحفلات العيدية ومشاهدة الطلعة الإمامية، فوصلهم بمثل ما ذكر كما وصل الودايا، وأعطى لأهل فاس خيلا مسومة وجواهر نفيسة وأوانى من الزجاج، وكساهم بفاخر الثياب، قال في الدر المنتخب: تزيد قيمة ما ذكر على عشرة آلاف مثقال بتقويم ذوى العرفان، ولم يحرم من نواله المدرار غير العبيد الذين جبلوا على كفران النعم. وفى هذه السنة جمع رأس عتاة العبيد، وشيطانهم المريد، المسمى زعبول إخوانه الذين بمكناس ونواحيه ونهض بهم لسفيان وبنى مالك، ولما رأى المذكورون ما لا قبل لهم به، فروا إلى العرائش، فاحتوى الزعيم وإخوته على ما خلفه سفيان وبنو مالك من ماشية وغيرها، وفى منقلبهم دخلوا القصر على حين غفلة من أهله، وارتكبوا كل شنيع على عادة الأوغاد السفل، وكان الوقت وقت اشتداد البرد وتهاطل الأمطار فعظم الخطب واشتد المصاب. وفى السنة أيضا قتل المولى الحسن صنو المترجم أولاد أخيه المولى يوسف، وتسبب في خراب دار ابن أخيه مولاى الشريف بن زين العابدين إرضاء لأهل تافيلالت أعدائهم، فدخلوا الدار عنوة وقتلوا أهلها صبرا ظلما وعدوانا. وفيها أيضا هجمت شرذمة من دخيسة وذوى منيع وعرب الصباح وآيت عطا، على تافلالت، فنهبوا الأموال وسبوا النساء والأطفال، وقتلوا عددًا عديدا من أهلها، وسلبوا تجار أهل فاس القاطنين هنالك من أموالهم، وذلك من نتائج ما فعله الحسن المذكور بأبناء أخيه، ولم يزل الحسن ثاثرا بتلك البلاد إلى أن صار الأمر للأمير أبى عبد الله محمد بن عبد الله ونقله لمكناسة وذلك آخر العهد به.

وفى أوائل جمادى الأولى عام 1163 ضحى يوم الاثنين قدم من الحضرة المراكشية الخليفة السلطانى أبو عبد الله محمد إلى مكناس، وخيم بأبى زكرياء الصبان، ومن الغد دخل البلد، وزار ضريح جده المولى إسماعيل، وقد وجد العبيد لازالوا على انحرافهم عن والده، متمادين على الخطبة به، فتبرأ من سوء فعلهم وقرعهم أشد التقريع، وأمر بإحضار العلماء والأعيان لديه وقال لهم: هؤلاء العبيد بايعونى وبغوا على والدى السلطان، وإنى أشهدكم أننى أبرأ إلى الله مما أجرموه، فهل ترون لهم مندوحة فيما ارتكبوه، فأجابوه جميعا بأن الخروج على السلطان لا يحل، وأن دم مرتكبه حل. ولما سمع العبيد جواب العلماء ورأوا قوة الخليفة وخافوا شدة بطشه لم يسعهم إلا الرجوع لطاعة المترجم وأنفهم صاغر، وأعلنوا بنصره في الأسواق والأزقة، ولاذوا بالخليفة في الشفاعة لهم لدى والده الإمام والاعتذار له عما اقترفوه، والوساطة لهم في أن لا يحرمهم من نواله، فأجابهم لذلك، وتكفل لهم به. ثم كتب لوالده بشرح الواقع وطلب الإذن له في القدوم بهم لحضرته، وأعلمه بأنه أمنهم بأمانه فيرجو ألا يخفر له فيهم ذمة فلم يرد له والده جوابا عن الكتاب، فأعاد الكتابة ثانية فأذن له في القدوم بهم لحضرته، وواعده بأنهم لا يرون إلا ما يسرهم ويرضيه هو فيهم. وفى يوم الأربعاء الثانى والعشرين من جمادى الأولى هذه قدم الفقيه السيد على بن زيد من عند الفقيه السيد على وهو الباشا بتونس على السلطان المترجم بهدية سنية، يطلب منه عددا من الخيل سماه، ففرح به وأعطاه ستة من إناث الخيل قيمتها ثمانمائة مثقال، وأعطاه خنجرا مرصعا بالياقوت مختلف، الألوان لا تعلم قيمته.

وفى يوم الأحد الحادى عشر من جمادى الثانية وصل الخليفة سيدى محمد المذكور بمن في معيته من العبيد والجند الذى أتى به من مراكش، وكان نحو أربعة آلاف جندى لحضرة والده بدار دبيبغ، ووجد والده في موكبه وأهل فاس والودايا في استقباله، ولما مثل بين يدى والده ترجل وأدى التحية اللائقة بعلى مقامه، وقدم إليه هدية ثمينة، وقدم العبيد، وطلب لهم عفوه وأمانه، فعفا وأمن، وكان ذلك اليوم من أيام الأفراح المشهودة، وأقام الخليفة مع والده ثلاثة أيام يذاكره في أمور ولايته، وأحوال رعيته. ولما كان صباح يوم الأربعاء ودع والده وطلب رضاه وصالح دعائه، ونهض من دار دبيبغ وخيم برأس الماء بجنوده الجرارة، ومن الغد نهض وخيم بوادى النجا، وفى يوم الجمعة السادس عشر من الشهر دخل الحضرة المكناسية. هكذا في الدر المنتخب، وفى الترجمان وغيره أن والده ودعه من حينه وأمره بالانصراف لمكناس خوفا من اغتيال البربر، فامتثل ولم يبت إلا بوادى النجا، ثم سار لمحل مأموريته، وكان وصله إليه في ثامن عشرى شوال، وتلقاه أهل الهدايا بالرايات والطبول، وأظهروا بقدومه غاية الارتياح، وقدموا لحضرته هدايا ذات بال. وفى العام فشا الوباء وانتشر، ودفن بفاس في يوم واحد ما يزيد على أربعمائة نسمة، واشتد الأمر وحبس المطر، حتى كررت صلاة الاستسقاء ست عشرة مرة. قال ابن إبراهيم: في يوم الجمعة الرابع عشر من صفر خرج الناس للاستسقاء بباب الفتوح فصلوها، وإمامهم خطيب القرويين أبو مدين الفاسى. وفى يوم الأحد أعيدت الصلاة بالمحل والإمام الخطيب المذكور.

وفى يوم الثلاثاء بعده صليت صلاة الاستسقاء، والإمام خطيب المقام الإدريسى الفقيه، الناسك الشيخ الكبير ابن الغزوانى السرغينى. وفى يوم الخميس بعده خرج الناس لصلاة الاستسقاء، وإمامهم العدل سيدى أحمد الطاهرى الجوطى الحسنى. وفى يوم السبت الموالى أعيدت الصلاة خارج باب الفتوح أيضا، والإمام خطيب القرويين كذلك. وفى يوم الاثنين ثانى ربيع الأول أعيدت الصلاة خارج باب الجيسة بإمامة الخطيب المذكور. وأعيدت أيضا في يوم الخميس بعده بإزاء روضة ابن عباد، والإمام من ذكر. وفى يوم الثلاثاء الموالى له أقيمت داخل باب الفتوح قرب باب الحمراء بإمامة الخطيب المذكور. وفى يوم الأحد خامس عشر ربيع المذكور أعيدت الصلاة بالمحل المذكور وإمامها من ذكر. وبإمامة أيضا أعيدت من الغد بالمحل نفسه. وفى يوم الخميس أعيدت طبق ما ذكر. وكذلك أعيدت من غده. وفى يوم السبت ثامن عشرى الشهر استدعى المترجم لدار دبيبغ وأعطاهم مائة بندقة وست عشرة بندقة وثمانية مثاقيل لكل فرد. وفى يوم الاثنين متم ربيع أعاد الإمام المذكور صلاة الاستسقاء خارج باب الفتوح قرب ضريح الشيخ دراس بن إسماعيل.

وفى يوم الأربعاء ثانى ربيع الثانى أعاد الإمام المذكور الصلاة بالمحل نفسه. وفى يوم الأحد المتصل الولاء أعاد الإمام المذكور الصلاة بالمحل المعروف بمطرح الأجلة خارج باب الفتوح. وفى يوم الأحد أعيدت الصلاة بعد، ولم ينزل المطر إلا في شهر إبريل آخر العام، ونزلت معه أحجار بلغ وزن بعضها نصف كيلو، ودام ذلك نحو الساعتين، وتكاثرت السيول وفاضت الأودية وتهدمت الدور وقلعت الأشجار، وتعطلت السبل، وارتفعت الأسعار، وبلغ القمح خمس موزونات للصاع النبوي، وأكل الناس الجيف والنبات. وفى محرم فاتح عام أربعة وستين، وجه صاحب مراكش لوالده هدية ثمينة مع بعض الخاصة من أصحابه فتلقاها بيمنى القبول، ودعا له بالرضا والخلف، ووجه له مع الهدية كتابا يستلفت فيه أنظاره للعبيد الذين تشفع فيهم إليه، ويذكره إهمال شفاعته، حيث إنه كان وصل البرابر الذين وفدوا على حضرته لحضور عيد الفطر مع جلالته بصلة قدرها عشرون ألف مثقال، ورد قواد العبيد الذين كانوا معهم صفر اليد، فوصل الودايا بصلة تقدر بعشرة آلاف ريال، والعبيد الذين معه ثلاثة آلاف، وأعطى لمن تشفع فيهم ولده المذكور عشرين ألف ريال رعيا لشفاعة ولده، فطابت نفوس العبيد بذلك. وفى سادسه أعطى أهل فاس مائة وسق بين قمح وشعير كانت أمانة له عندهم، وأمرهم بتوزيعها على الرماة بعد أن عين منها مائة مثقال تعطى لأبى عبد الله محمد الغالى بن عبد الله الشريف الإدريسى، وثلاثين مثقالا للقاضى أبى محمد عبد القادر بوخريص. وفى أوائل ربيع الأول السنة قدم بشدور النصارى على المترجم ومعه من المال والثياب والملف وغيرها مما يناسب ذلك نحو من خمسين قنطارا، بعضها فداء بعض إخوانه، وبعضها هدية للسلطان، قاله ابن إبراهيم.

وفى أواخر شعبان توفى ولد المترجم المولى أحمد بفاس، وحضر جنازته جميع كتاب أبيه ووزرائه وغيرهم من العامة. وفى عام خمسة وستين اتصل بالمترجم خبر قتل أهل تطاوين لعاملهم الحاج محمد تميم، وبعد ذلك قدموا على أعتابه معتذرين ولعفوه مؤملين، فعفا عنهم ولم يعنفهم، بل قال لهم: أنتم وليتموه وأنتم قتلتموه فاختاروا لأنفسكم من يتولى عليكم، فوقع اختيارهم على أبى عبد الله محمد بن عمر الوقاش، وفى نظرى أن هذا من الفشل وضعف العزيمة المؤديان لا محالة إلى الفساد وقديما قيل: ويقبح وصف الحلم في سمة الفتى ... إذا اتسعت في الحلم طرق المظالم وقيل: ووضع الندى في موضع السيف بالعدا ... مضر كموضع السيف في موضع الندى والله يقول: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ... (179)} [البقرة: 179]. وفى أوائل ربيع الأولى من العام ورد على الحضرة السلطانية سفير دولة الإصبان بهدية مائة ألف ريال دورو، وتحف ثمينة، وعدد من الملف والحرير والكتان، طالبا فداء أسرائهم الذين بالدولة المغربية، فقبل الهدية وعلق له فكاك الأسارى على فكاك أسارى المسلمين الذين عندهم من غير مال، فكان الأمر كما أراد، ووصل ذكور العبيد وإناثهم بريالين لكل نسمة، وكانوا ألفا ومائتين. وفى منتصف هذا الشهر بعث البربر إلى الودايا الإعلام بنقض ما كان منبرما من العهد بينهما، وفى غده اختطف البربر ماشية أهل فاس، وكان ما نهب لهم من خصوص البقر ينيف على المائة وتناوشوا القتال.

وفى أوائل جمادى الأولى من العام وفد على الحضرة السلطانية ولد الباشا أحمد بن على الريفى، وشكا إليه بما مسه من الفاقة والاضطرار فرق له وولاه عمالة طنجة وما والاها، ووعده بأنه سيضيف إليه عمالة تطاوين وأعمالها. وفى يوم السبت خامس جمادى الثانية أنعم على العبيد بخمسة آلاف ريال، وعلى الودايا بمثلها. وفى يوم الأربعاء ثالث عشرى الشهر أنعم على أهل فاس بمائتى قفطان وخمسين قفطانا فلبسوها أمامه، ووصلهم بعشرة آلاف ريال. وفى الشهر نفسه ورجب الذى بعده وشعبان انتشر الوباء في الأرض المغربية، ولم يزل أمره في تفاقم إلى منتصف شعبان. وفى أواخر رمضان وفد العبيد على الحضرة السلطانية بقصد حضور العيد مع علىّ جنابه فوصلهم بعشرة آلاف ريال، وقتلوا أبا عبد الله محمد السلوى، والقائد الحسن زعبول استجلابا لرضا المترجم، إذ كانا من أكبر أعدائه وألد خصومه. وفى منتصف شوال وفد على صاحب الترجمة صنوه أبو الحسن على آتى الترجمة، فأكرم وفادته وأعطاه مالا جزيلا وذخائر مهمة، وخيره بين أن يستوطن مكناس أو تافلالت، فاختار مكناس فأقره على استيطانها، ثم تشكى منه العبيد فوجهه لتافلالت. وفى السنة ورد بعض النصارى على الخليفة السلطانى بمراكش يطلب تأمينه والترخيص له في وسق الصوف وغيرها مما يتوقف على وسقه وشراء المرتب على السفن التي تأتى لمرسى آكدير بقصد الاتجار وحمل البضائع، فأجابه إلى ذلك، وأعلم والده بما راج بينهما فأمضاه، فإذا بالنصرانى أتى لآكدير بسفن كثيرة ممتلئة

بمقومات البناء من جير وآجر وغير ذلك وعدد من العملة بنائين ونجارين وحدادين وغيرهم، يريد بناء قصبة تحول بين مرابطى أكدير والماء الذى يستقون منه، فتفطنوا لذلك، وطيروا الإعلام للخليفة المذكور، فأمر بإلقاء القبض على النصرانى ومن معه، فقبض النصرانى وبعض ممن أتى بهم وفر الباقون في مراكبهم. وفى العام نفسه تفاحش أمر صالح المجاطى وتظاهر بأمور سحرية استهوى بها سخفة العقول من الأوباش وكثير ما هم، وطار صيته بذلك في القطر السوسى وغيره، وطمحت إليه الأنظار، وصارت الدولة منه في خطر، فحذره الخليفة بمراكش وأنذره، ووعظه وذكره، فلم يزده ذلك إلا عتوا وطغيانا، ولما اشتدت شوكته رأى الخليفة أن شوكته لا تنكسر قوة، وإنما يؤخذ باللين والسياسة إذْ رُبّ حيلة، أنفع من قبيلة، فصار يتظاهر له بالتودد وصفاء المحبة ويهاديه ويستشيره في الأمور ويسترشده ويتغافل عما يضمره ويتجاهل، ويحمل استفاض ما يصدر على أحسن المحامل، ويشيع ذلك في الحواضر والبوادى، حتى استفاض وذلك عند الثائر وحمله على الحقيقة ومن يرد الله أن يضله فما له من هاد. ثم إن الخليفة نهض من مراكش لآكدير قاصدا الإيقاع بالثائر المذكور، ويورى بأنه يريد غزو قبيلة مجاورة للثائر المذكور حادت عن الصراط السوى، وذلك بعد أن استشار صالحا المذكور في تأديبها، فأذن له في ذلك وأعطاه تعاليم يتمشى عليها، ولما كان الخليفة على مقربة من آكدير اختار عشرة من الفرسان الصناديد ووجههم أمامه يتجسسون خبر صالح المذكور ويعرفونه بأمره، فاتفق أن وجدوا السوق عامرة خارج آكدير والرجل راكبًا بغلته يتطوف بالسوق ويرتب شئونه فحملوا عليه بخيولهم وألقوا القبض عليه وأوثقوه وساروا به إلى الخليفة، ولما رجعوا إليه بالرجل أسيرا أسرع لداره فدخلها واستولى على جميع ما وجده بها من مال وذخائر وعدة وسلاح وذلك شئ كثير، وأدخل صالحا السجن، ولما طال

سجنه وجه لأولاده يأمرهم أن يوجهوا له موسى وسط خبزة كيلا يتفطن السجان لها فيحجزها عنه، ولما بلغته ذبح نفسه بها، وقد كان فيما سلف صد السلطان والد الخليفة عن دخول آكدير ورماه بالأنفاض، وبعد أوبة الخليفة من هذه الحركة لمراكش أخذ في إكمال داره بالبديع وغرس جنان رضوان وجنان العافية وغيرهما. وفى عام ستة وستين استقر المترجم بداره دار الدبيبغ، وضعفت قواه عن الحركة، وظهر بالمغرب ثوار: فبالغرب عبد الله السفيانى، وببنى مالك الحبيب المالكى الحمادى، وفى أوائل ربيع الأول استقل أهل فاس بأنفسهم وأخذوا يشترون الخيل وجعلوا يركبونها كل بكرة وعشى، واتفقوا على عقاب من لم يشتر الفرس، واستقل كذلك أهل رباط الفتح بأنفسهم وصاروا يولون عليهم ويعزلون ويقتلون ويسجنون، وثار الودايا وطغوا وسعوا في الأرض الفساد، وأصاب الضعفاء والعجزة من البؤس ما كاد أن يقضى عليهم. وفى هذه السنة ثار البعض من عتاة الرحامنة وراموا نهب مراكش فلم يوافقهم على ذلك أهل الرأى منهم، وخوفوهم عقوبة السلطان، وشدة بطشه، ثم تحين السفهاء منهم فرصة ودخلوا على النساء الحمامات وثارت بسبب ذلك فتنة عظيمة بينهم وبين أهل البلد، وتلفت نفوس، ولما اتصل الخبر بالخليفة السلطانى بارح مراكش للتأهب لكسر شوكة المتمردين خوفا من اتساع الخرق، ونزل بزاوية الشرادى فاهتبل به زعيمها ووجه للرحامنة اللوم والتعنيف والعتاب الأليم، على فعلهم الذميم، وكان لهم فيه اعتقاد قوى ونية صالحة يخشون غضبه ويسعون في مرضاته خوفا من أن يدعو عليهم بما فيه هلاكهم، ولا يشكون في سرعة استجابة دعائه ولا ريب أن ذلك كان من حسن حظ أهل مراكش وسعادة خليفتهم.

فارتاع الرحامنة وبادروا للخضوع والتوبة والإنابة، ثم استعطف الخليفة في الرجوع لمحل مأموريته وأوصاه بالرحامنة خيرًا لأن التوبة تجب ما قبلها، {إنما التوبة للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم}، {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه}، ومن يومئذ رضخ الرحامنة للطاعة وقابلوا الأوامر السلطانية بالسمع والطاعة وقاموا بذلك أتم قيام. ولما اتصل بالقبائل الحوزية ما أوجب مبارحة الخليفة لمراكش، أرسلوا إليه رسلهم قائلين: إننا قد ساءنا ما صدر بذلك البلد الطيب من أولئك الأوباش، وإننا تحت أوامركم فيما ترون في زجرهم وتأديبهم جزاء عما أجرموا، وردعا لأمثالهم، فمُرْ تُطَعْ فالمال والرقاب، ملك لسمو ذلك الجناب، فشكر حسن عواطفهم وإحساساتهم الجميلة، وعرفهم بتوبتهم النصوح، وحمد الله وأثنى عليه ما خوله من ميل قلوب الرعية إليه، واستيلائه عليها من غير سيف ودم مهراق. وفى السنة أيضا انعقدت الشروط بين المترجم وبين جنس الاصطادوس، وفيها أغار نصارى الجديدة على آزمور، واقتحموا ضريح الشيخ أبى شعيب ليلا وقتلوا به نحو الخمسين من أهل آزمور. وفى عام سبعة وستين ثار أبو عبد الله محمد وعلى بوثقالا الشريف الكثيرى، وكان ذا حيل ودهاء يتظاهر بالصلاح شأن من يريد الوثوب على الملك، ويقيم الأدلة على أنه صاحب الوقت، من ذلك أنه صنع طبولا من نحاس ببلاد تعرنت، ومن دهائه أنه لم يطلع عليه في صنعها أحد ممن يريد استهوائهم وجعلهم في قبضته كالصولجان، ودفن تلك الطبول بالمحل المعروف بماسة من غير أن يعلم بذلك غير خالقه، واختار للدفن موضعا لا يخطر ببال أحد وقوع الحفر به، وقد كان أهل ذلك القبيل يعتقدون أن طبول ذى القرنين مدفونة بتلك الناحية في

موضع غير معين لا يطلع عليها إلا صاحب الوقت المجدد للدين، وتواتر ذلك الخبر الواهى لديهم وتناقله كذلك جيل بعد جيل وقيدوه في دفاترهم، ولم يكن لأحد منهم في صحة ذلك أدنى شك ولا ريب، وما ذلك عند سخفاء العقول سفهاء الأحلام بمستحيل بل ولا بعيد. وصار هذا الثائر يتحين الفرص لاقتناص الملك والوثوب عليه بالتظاهر بنشر دعاية دينية، إلى أن كانت هيعة الرحامنة المذكورة فاغتنم تلك الفرصة ولم يبق له أدنى شك في أن الحين حان، فأعلن النداء في القبائل السوسية بأنه صاحب الوقت والمجدد الأكبر، وأن علامة صحة دعواه إخراجه طبول ذى القرنين التي هى أكبر علامة عند صغيرهم وكبيرهم على صدق مقاله، فنسل المغفلون إليه من كل حدب وكثير ما هم، واحتف حوله ملأ من الأخلاط عظيم. ولما رأى كثرة جموعه وإقبالهم عليه ذهب بهم إلى الموضع الذى دفن فيه الطبول وحفرها وأخرج الطبول منها، وهم ينظرون فآمنوا به وصدقوا، ورأوا أنهم قد ظفروا بالضالة المنشودة، والمسلمون ميالون للدين بالطبع، ولا سيما من ليس لديه علم يميز به اللجين من اللجين، والغث من السمين، فاعتروا به وتمسكوا بدعوته، وانتشر خبره في الآفاق، وادعى أنه لا يحتاج إلى بارود ولا سلاح، وقويت عصبيته حتى لم يستطع من تبين أمره ولم تجر عليه حيلة من علماء وعقلاء القطر السوسى وغيرهم أن يفوه ضده ببنت شفة، وكثر القيل والقال فيما وراء سوس من القبائل. ولما شاع أمره وذاع ولم ينفع الخليفة السلطانى بمراكش تغافل، أرسل من طرفه بعض خاصته الذين حنكتهم التجارب يختلطون بأتباعه ويتبعون حركاته وسكناته ويأتون إليه بأخباره، فساروا إليه ولازموه ملازمة الظل، واتصلوا ببعض العقلاء المميزين الملازمين له، واتخذوهم أصدقاء إلى أن صاروا يفضون إليهم

بأسرارهم الخاصة، ودرسوا جميعا حقيقة الرجل المدعى حتى تمحض لديهم أنه أفاك خداع، ماكر يحاول التوصل للملك، ولما قرر أمره للخليفة أصدر أمره لهوارة وهشتوكة أصهاره بقتله وإراحة الأمة من شيطنته ومكره، فنهضوا إليه وقتلوه في خلق عظيم من أتباعه وأنصاره، ولم يكن لديهم بارود ولا سلاح يدافعون به عن أنفسهم اغترارا بقوله، وحزوا رأسه ووجهوا به للخليفة بمراكش، وأراح الله من فتنته البلاد والعباد. وفى أوائل رمضان هجمت على المغرب أسراب جند الجراد المنتشر وأهلك الأشجار، ولم يترك منها سوى الأعواد مجردة من الورق والقشر، أما الزرع فقد وجده تم نضجه فلم يحصل فيه أدنى ضرر. وفيه أخرج أهل فارس من كان بها من العبيد لاتهامهم بإفساد ذات البين بينهم وبين الودايا، ونقل الأخبار إليهم على غير وجهها، فلم يسع العبيد لضعف قوتهم غير مغادرة فاس القديمة، ونزل البعض منهم بالمدينة البيضاء، والبعض الآخر بقصبة شراكة. وفيها كان الزلزال العظيم الذى هد جل بناءات مكناس وزرهون، ومات به بالردم خلائق، وتسمى هذه السنة سنة الثلجية لما تراكم فيها من الثلوج التي لم يتقدم لأحد عهد بمثلها، قال أبو عبد الله الضعيف: في ليلة السبت التاسع من ربيع الثانى نزل عندنا بالرباط بالليل ثلج عظيم ما رأيناه أبداً ولا ذكر لنا أحد من الناس المسنين أنه عقله، ووافق ذلك ليلة الثانى والعشرين من يناير عام أربعة وخمسين وسبعمائة وألف للمسيح. وفى يوم الاثنين سادس ربيع الأول موافق عشرى دجنبر نزل ثلج كثير بفاس دام يوما وليلة، راد في الدر المنتخب: وملأ السطوح كثر من ذراع ورموه بالأزقة، وبقى بها مدة أيام وليال، ثم نزل مرة أخرى في أول يناير الموالى.

وفى عام ثمانية وستين انكسرت سفينة حملة للحجاج في منقلبها من الديار الحجازية، فيها من المغاربة سكان فاس وغيرها أربعمائة نسمة من جملتهم القائد أحمد الولتيتى الرباطى، وشريفان من أعيان العراقيين سكان فاس، ولم ينج من ركابها غير قليل، وكان ورود هذا الخبر المؤلم لفاس في شعبان. وفى العام نفسه توفى زعيم آيت يدراسن، وركنهم المشيد محمد وعزيز، وأضرمت نيران الفتن بين قبيله وبين جروان، وكانت الكرة على جروان، حتى إنه لم يسعهم إلا الالتجاء إلى المترجم وهو يومئذ ملازم قعر بيته بدار الدبيبغ، ولما ضاق بهم المتسع وعدموا المرعى أخذوا في بيع ماشيتهم بأبخس الأثمان، ثم إن المترجم لما رأى ما حل بهم رق لهم وآخى بينهم وبين أخواله الودايا، وعقد لهم حلفا معهم فقاموا بنصرتهم والدفاع عنهم والأخذ بثأرهم من آيت يدراسن حتى صيروا بلادهم حصيدا كأن لم تغن بالأمس، وقتلوا منهم نحو الخمسمائة ولجأ جلهم إلى بلاد شراكة. ومن آثار احتجاب المترجم ونبذه أمر الرعية وراءه ظهريا وعدم التفاته لكل ما يأتى إليه من أخبار الدولة، اضطراب جل بلاد المغرب وفساد النظام وأكل القوى الضعيف وكثرة الثوار، ولما رأى خليفته بمراكش الرتوق لا تزيد إلا انفتاقا، والسيل قد بلغ الزُّبى، وأن والده لا يجيبه عما يصدر إليه من المكاتب بشرح الوقائع والأحوال، فضلا عن أن يبتدئه بكتاب، جَمَعَ أهلَ الحل والعقد وفاوضهم في الدواء الناجع في جبر ما انصدع، فأشاروا عليه بالمسارعة بالنهوض بنفسه لإخماد ما اتقد من نيران الفتن قبل أن يعم البلاء، ويلتهب اللفح الأبرياء، ولات حين مناص، فجند الجنود، وقوم البنود، وفرق الأموال، واتخذ سائر الاحتياطات اللازمة فيما يأتى وما يذر، ولما كان شوال العام نهض لرباط الفتح.

ولما بلغ ضواحيه سدوا الأبواب في وجهه، وركبوا الأنفاض وتحالفوا مع رئيس أهل سَلاَ، عبد الحق فنيش على المقاومة والمخالفة والعصيان، ولما رأى ذلك أعرض عنهم وخيم بالدار الحمراء قرب سَلاَ، فتسارع أهلها لفتح الأبواب وخرجوا إليه مع رئيسهم المذكور والصبيان حاملون ألواحهم على رءوسهم متشفعين، وفى العفو والأمان راغبين، قال أبو عبد الله الضعيف: والسيف في فم عبد الحق المذكور وأولاده الصغار أمامه ويده وراءه، فعفا عنهم، زاد ابن الحاج وأكرمهم وأعطى الصلة لصبيانهم. ولما رأى ذلك أهل الرباط حلوا أبوب المدينة وخرجوا إليه مع الفقيه أبى العباس أحمد بن عبد الله الغربى، والشريف أبى إسحاق إبراهيم حفيد أبى محمد التهامى الشريف الوزانى، فألقى عليهم القبض وقيدهم بالحديد وأمرهم لإحضار مستفاد المرسى، فأجابوه بأنهم أنفقوه في بناء سور الثغر، ثم عفا عنهم، ونقل البعض من أعيانهم بأهليهم لمراكش كأبى العباس مرينو الأندلسى، والشيخ أبى عبد الله محمد التونسى الأندلسى، والتهامى مرينو، وولى عليهم القائد العربى المستيرى، إذ كان يعلمه بكل شاذة وفاذة، عن أخبار أهل الرباط قبل التعرف به، ويجعل في إمضاء كتبه خديمك كدية، ولما حل بالرباط وقدم عليه أهلها قال: أين فيكم كدية؟ فخرج إليه فعرفه وولاه. وكان الخليفة الأمير لما سدت في وجهه أبواب الرباط، وجه إليهم صاحبيه الحاج سعيد التامرى الكديرى السرار، والفقيه أبى عبد الله محمد بن زاكور ليؤمنوهم وليأتوا إليه بهم في خفارتهما، فلم يسعهما غير الامتثال وإن تيقنا أن مرسلهم ممتلئ صدره غيظا على أهل الرباط بما صدر منهم وازداد حنقا حيث سدوا الأبواب في وجهه، وأنه إذا ظفر بهم لا يفلتهم. فقال الحاج سعيد: اللهم إن هذا الرجل لا يريد بأهل الرباط خيرًا، اللهم لا تلاقينى بهم ولا معه، وكان رجلا

صالحا فاستجاب الله دعاءه، وانقلب القارب الذى ركبا فيه وغرقا رحمهما الله تعالى. وقد وجد الخليفة أهل سَلاَ، يصنعون سفينة لأنفسهم رئيسها أبو عبد الله محمد عواد السلوى، فأخذها وسفينة أخرى رئيسها أبو عبد الله محمد عواد يدعى قنديل السلوى فأخذها أيضا كما أخذ السفينة التي كانت، شركة بين أهل العدوتين سَلاَ والرباط، المصنوعة من خشب جامع حسان المسماة لديهم بالكركجيا. قال الضعيف: وهى أول سفينة طلعت قبل هذه السفن، كانوا يتسببون فيها، وكذلك أخذ سفينة كان صنعها عامله على الرباط العربى المذكور، والذى في تاريخ ابن الحاج أنه لم يأخذ غير السفينة المشتركة وأبقى الغير لأربابه، وما في الضعيف أصح في نظرى. هذا ولما صفا للخليفة أمر العدوتين سكن الرعب قلوب من سواهم، فرتب العمال على القبائل، ووجه لمدينة شفشاون القائد العياشى عامل رودانة سابقا، ولكنه لما وصل إليهم صدوه وأغلقوا الأبواب في وجهه وحاصروه، وولى الباشا مسرورًا على القصر، وأصدر الأمر للقائد عبد الله السفيانى بترحيل عمه المولى المستضئ مار الترجمة من أصيلا، ثم رجع لمراكش منصرم العام. وفى هذه السنة كتب والى طرابلس الغرب العثمانى رسالة للمترجم في شأن السكة المغشوشة والحياك المدخولة التي كان يحملها الحجاج المغاربة معهم بقصد التجارة فيها في طريقهم للحجاز، وكانت السكة قد فسدت منذ استقل القائد قاسم ابن الأشهب بالتصرف في دار الضرب بفاس، فإنه نحس دينار الذهب والموزونات وبالغ في تنحيس الموزونات غاية مقصده، فكان في الموزونات عشر فلوس من نحاس وأربعة عشرة فلسا من فضة من غير علم السلطان.

كما أن حالة مناسج الطرازين قد صارت سيئة لما تولى الحسبة الفقيه السيد الطيب الريحانى، وكان المحتسب في فاس هو الذى يلى البحث في مناسج الطرازين والحرارين ويمنع من يحدث دخولا أو فراغا في المنسج أو نقصا في الحائك، فلما ولى الريحانى غفل عن البحث في ذلك، فأحدث الحرارون الفراغ في المناسج وجعلوا مكان الكثيرة النشا من الدقيق. وأحدث الطرازون الدخول في المناسج، وجعلوا يصنعون الذراعين الذين يليان الطرفين معقودين ومن أنفاس القيام حلاوة وبياضا ورطوبة ويزدون حال النسج على الطرفين لتمكن الصحة فيها، ويجعلون وسط الثوب فارغا والسدا خشينا أحرش أسود، فإذا نسج الحايك تجد طرفه في غاية الحسن حلاوة وصحة ورطوبة وبياضا ووسطه مثل الشبكة. وكان الحجاج يشترون تلك الثياب ويبيعونها في طرقهم إلى طرابلس وفى أعمالها، ويحملون الدراهم والدنانير ويشترون بها ما يتقوتون به في الطريق، فظهر النحاس في طرابلس في الدنانير والدراهم العام بعد العام، وصارت الثياب تتقطع من وسطها فشكا عامة الناس ما نزل بهم إلى التركى والى طرابلس وأعمالها فأراد القبض على الحجاج، فكلمه في ذلك بعض فقهاء طرابلس وقال له: الحجاج لم يصنعوا الثياب بأيديهم، وإنما اشتروها ممن صنعها والدراهم والدنانير المتنحسة ليس هم الذين ضربوها، وإنما قبضوها في أمتعتهم، فأعلم سلطانهم بذلك، فترك الحجاج وكتب رسالة تضمنت خبر ذلك إلى صاحب الترجمة. ولما دفع له شيخ الركب الرسالة التي وجه له بها صاحب طرابلس وأعمالها بما وقع للحجاج بطرابلس، قرأ الرسالة وبعث بها إلى أهل مدينة فاس، فاجتمع أهل فاس وقرءوها وقص عليهم الخبر الحجاج، فقال لهم بعض من له الرأى من

الفقهاء: هذا منكر متفق على تحريمه يجب تغييره، وقد ذم الله أمة كانوا لا يتناهون عن المنكر فقال: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ... (79)} [المائدة: 79]. فاتفق رأى أهل الدين والخير على تغيير ذلك وعينوا من يقوم به، فأمروا الأندلسيين أن يقطعوا مناسج النيارين المدخولة، لأن سوق النيارين في جهة الأندلس ويقطعون ما يجدونه في الطرازات من أسداء مدخولا، لأن أكثر الطرازات في جهة الأندلس، وأمروا اللمطيين بأن يبحثوا في الحوانيت التي تباع فيها الحياك فما وجدوه مدخولا مزقوه، وأن يقبضوا على القائد قاسم بن الأشهب الذى أفسد السكة ويأتوا به ليجرى عليه حكم الشرع. فامتنعت طائفة من اللمطيين من القبض عليه، وتبع أهل فاس في ذلك طائفة منهم، وهم الأندلسيون الساكنون بجهة اللمطيين المحسوبون في عددهم، فقال لهم أعيان أهل فاس: دونكم فلا يهمنكم شأن هؤلاء في رجل واحد لا قبيلة له ولا مال ولا أصول بفاس، يبدل ويغير في سكة السلطان من غير إذنه، فلا ترجعوا عن زجره. أما الأندلسيون فساروا إلى النيارين وقطعوا ما وجدوه بحوانيتهم مدخولا وغير مدخول، وساروا إلى الطرازات فوجدوا أكثرهم قد حملوا سدواتهم من الطرازات، فقطعوا ما وجدوه في الطرازات مدخولا. وأما اللمطيون فأقاموا بذلك الحاج أبا جيدة بن سليمان الأندلسى، والحاج عبد الواحد عاشر من عقب سيدى عبد الواحد صاحب المرشد المعين الأنصارى الأندلسى، لأنهما ممن كان قبض عليهم التركى صاحب طرابلس، فلما كلم في ذلك خلى سبيلهم ومعهم من تبعهم على تغيير ذلك المنكر، فساروا إلى سوق الجوطية الذى يباع فيه الحياك فوجدوا الحوانيت فارغة حملها التجار لدورهم.

فساروا إلى دار قاسم بن الأشهب ليقبضوا عليه ويأتوا به لتجرى عليه أحكام الشرع فلم يجدوه خارج الدار، فوثبوا عليه في الدار واقتحموها عليه، فملا دخلوا الدار عليه، وأرادوا البحث فيها، فإذا بطائفة أخرى الذين من تعصبوا عليه قد أقبلت ورموا من بالدار بالحجر، فخرج جميع من كان بالدار، وربما نهب بعضهم من حوائج الدار شيئا، ثم اشتد القتال خارج الدار في الشارع بالحجارة حتى افترقوا، واختفى قاسم بن الأشهب أياما إلى أن هدن الهرج وخرج، قاله ابن الحاج. ثم كلف صاحب الترجمة كاتبه الأسمى أبا الحسن عليا اليحمدى بجواب والى طرابلس، فكتب في ذلك رسالة من بديع صنعه، قال في الدر المنتخب: إنها اشتملت على أسلوب من البلاغة في المنثور تسحر الألباب، يعجز عن إدراك ذلك أهل العصر ولولا الإطالة لأوردتها الخ. وفى عام تسعة وستين وقعت زلزلة أعظم من التي كانت في العام قبله، اهتزت بها الأرض وربت وبقيت تضطرب برهة من الزمان، وسمع لها دوى هائل وتغيرت العيون، ووقف الماء في الأودية عن الجرى، وسقطت الدور وتصدعت الجرات العظيمة، وفر الناس من البيوت والأبنية، واتخذوا الأخبية بالضواحى. ثم وقعت زلزلة أخرى بعد هذه بنحو ستة وعشرين يوما فظع من هذه بعد صلاة العشاء، انهدت فيها غالب دور مكناسة الزيتون، وكثير من مساجدها ومنار جامعها الأعظم إلى الأساس، ومسجد القصبة السلطانية، ومات تحت الردم خلق أحصى منه عشرة آلاف، وعلم من لم يشمله الإحصاء عند الله. قال الضعيف نقلا عن تاريخ الحاج المسناوى الرباطى: وفى يوم السبت السادس والعشرين من محرم فاتح العام موافق واحد وعشرين من أكتوبر سنة ألف

وخمسمائة وخمسة وخمسين وقعت زلزلة عظيمة ودامت نحو أربعة أدراج، وذلك قبل الزوال بثلاثين درجا. وفى العام قدم على المترجم كافة قواد عبيد مكناس، ولما مثلوا بين يديه طلبوا من جلالته النهوض معهم لعاصمة ملك والده ليكون توجهه معهم برهانا على صفاء باطنه عنهم، فأجابهم: كيف أسير معكم وفيكم فلان وفلان أناس سماهم لهم؟ فرجعوا لمحلتهم، ولما جن الليل وثبوا على الأشخاص الذين عين لهم المترجم وقتلوهم، ومن الغد أتوه برءوسهم، منهم: القائد سليمان بن العسرى، فقال لهم الآن طاب العيش ووضعت الفتن أوزارها، وواعدهم بالقدوم عليهم ووصلهم بأربعين ألف مثقال، وأمرهم بالرجوع لمكناس ورجعوا مسرورين، وقد كان قال للعبيد قبل ذلك: والله لا زلت أصيح عليكم فوق كل ثنية وعلى رأس كل ربوة وهضبة كالذيب وأنتم كالغنم لا شغل لى سواكم أنا عبد الله بن إسماعيل إن لم تعرفونى. وفى العام قدم أبو عبد الله الوقاش عامل تطاون على المترجم بهدية تقدر بألف ريال وأثاث ونصارى أسرتهم مراكبه، فأكرم وفادته وأعطاه جاريتين ورده ردًا جميلاً. وفيه حرق الفحص القائد عبد الله السفيانى، قيل بإشارة من صاحب مراكش، أعنى الخليفة السلطانى أبا عبد الله، وذلك عندى يصح لاستبداد السفيانى المذكور عن صاحب الترجمة، فضلا عن خليفته واستقلاله الاستقلال التام بناحيته، حتى إنه كاد أن يدعو لنفسه لما أُوتيه من اشتداد الشوكة، ولم يكن له من ينازعه في تلك الناحية غير الحبيب المالكى، وقد كان المترجم لما ترك الدفاع والمقاومة ولزم قعر بيته، تارة يقول: إذا رفعت إليه مظلمة وقعت في السابلة إنما أنا ثالث الأمراء، فإن غرم الأميران عبد الله السفيانى والحبيب المالكى أغرم معهما

ثلثى، وتارة يقول، لمن يأتيه من البقية الباقية متمسكة بطاعة السلطان: اذهبوا إلى سيدى وسيدكم، يعنى ولده خليفة مراكش. وفيه نهض الخليفة صاحب مراكش للشاوية لما ظهر فيهم من العتو والاستبداد والعيث في الطرقات، فحص منهم كل شئ، وأتى بالقتل على أركان الفساد منهم، ونظم الباقين في قضب السلاسل ووجه بهم يرتاعون في قيود الهوان ليعتبر بهم غيرهم ممن هو على شاكلتهم، وسار هو إلى أن خيم برباط الفتح فاستقبله أهلها بالترحاب وإظهار الفرح والسرور، وقدموا إليه هدايا ذات بال وأطعمة فاخرة، أما عبد الحق فنيش فإنه أعرض عنه ونأى بجانبه، وأغلق أبواب المدينة دونه، ولما كان الغد نهض وسار ووجهته القصر من غير أن يلتفت لما قابله به عامل سَلاَ، ولا أن يحرك معه ساكنا في ذلك، إذ كان الأهم لديه أمامه. وفى عاشر صفر عام 1170 أغار البربر على سرح فاس، ونهبوا عددا من بقرهم، كما نهبوا أزواج الحرث. وفى ضحوة يوم الاثنين رابع ربيع الثانى وقع تخاصم وتشاجر بين القاضى أبى محمد عبد القادر بوخريص وبين بعض الأندلسيين حتى همَّ قائدهم محمد الصفار بقتله، ولولا أنه استجار باللمطيين لقتل، وقام هرج ومرج سدت لأجله القرويين، وعطلت صلاة العصر بها. وفى يوم الثلاثاء سادس عشرى الشهر المذكور اتفقت كلمة العامة على هدم سقف البلاط الوسط من القرويين الواقع يسار الثريا الكبرى هنالك واجتمع رأى اللمطيين والأندلسيين وأهل العدوة على حجز حبس المساكين الذى يقبضه الأشراف وغيرهم عمن يستحق وعمن لا يستحق، وبإثر ذلك نجزت فكرة الهدم فعلا.

وفى يوم الجمعة السادس من جمادى الأولى بعث المترجم لأهل فاس بستة مدافع صغار، فاعترضهم الودايا وأخذوهم، فاجتمع رأى أهل فاس على سد باب محروق فسدوه من الغد الذى هو يوم السبت، وأعلنوا النداء بأنهم مسالمون جميع من يوالى المترجم من سائر القبائل، ومحاربون لكل من يعاديه. وفى يوم الثلاثاء المتصل استقبلهم المترجم واستسمحهم فيما كان صدر منه لهم وأثنى عليهم. وفى منتصف رمضان نهض الخليفة صاحب مراكش من محل مأموريته، يريد النظر في أمر الثغور، وحسم مادة فتن الوقاش عامل تطاوين، الذى رام الوثوب على الملك وقطع دابر الفتان أبى الصخور الأفاك الذى كان يستغوى قبائل الأخماس بما يدعيه لنفسه من الصلاح، ويوهمهم بأنه صاحب الوقت ويحثهم على قتال صاحب مراكش، ومحاصرة سبتة وتأديب أهل شفشاون المحاصرين للقائد العياشى المشار إليه آنفا. ولما وصل بلاد الشاوية قاموا في وجهه وقاتلوه إلى أن انهزم لدكالة، ثم استعد لقتالهم ورجع إليهم بجنود ذات قوة وبأس شديد، وتولى مقاتلتهم بنفسه حتى أباد رءوسهم وبدد جموعهم الفاسدة وأذعنوا وهم صاغرون. وسار إلى مدينة سَلاَ، وأمر بقطع الأعواد من غابة المعمورة وإنشاء السفن، وأصدر أوامره للباشا الزيانى بالوفود عليه بإخوانه العبيد للقصر، وسار إلى أن وصل القصر. ولما خيم به وفد عليه المولى الطيب الشريف الوزانى، ثم وفد عليه الباشا الزيانى في جند العبيد، ولما مثل بين يديه قال له: أنت سلطان العبيد وأنا سلطان الأحرار، وقد كانت بندقة الخليفة بيده فأطلق في الباشا رصاصة صادفته بين عينيه فخر ميتا من حينه، وذلك بوادى امكرول تحت بلد بنى كرفط، وأعطى فرسه وسلاحه لابن زاكور التطوانى، ثم قتل يوسف السلاح، وذلك لتأخيرهما العبيد

عن القدوم عليه لمراكش، فعند ذلك دخل العبيد رعب فاستجاروا بالمولى الطيب المذكور ووجه لوالده صاحب الترجمة بنحو ألفى مثقال، وولى على العبيد سعيد ابن العياشى. ثم نهض لجبال الأخماس حيث مقام أبى الصخور، فألقى عليه القبض ثم بدا له فقتله وأراح الرعية من فتنته، وكان قتله إياه بسبت رهونة من لكس، ثم صعد لقنة جبل سكنا، ثم سار لشفشاون وقطع أشجارها عقوبة لأهلها على ما ارتكبوه مع العامل المولى عليهم، ثم بعث العياشى المذكور عاملا على القصر مع ولده سعيد. ثم نهض وسار نحو سبتة، ثم ارتحل ونزل بتطاوين فخرج لاستقباله أعيان البلد مع عاملهم الوقاش للتهنئة بسلامة القدوم وقدموا إليه هديتهم طبق المألوف، فطالبهم بمستفاد المرسى الذى ترتب في ذممهم فأجابوه بأنهم كانوا اشتروها من والده بثلاثين قنطارا مسانهة، فنزعها من أيديهم وقال لهم: أنا أولى بشرائها من والدى، ونؤدى له مائة قنطار كل سنة. وألقى القبض على الوقاش ووجه به لمراكش سجينا، بعد أن هدده بالقتل لسيره في عمالته على غير الطريقة المثلى، وولى مكانه عبد الله بن زاكور المذكور، وقيل: عفا عنه فسرحه وأقره، ثم سار إلى طنجة ومنها للعرائش. ثم كتب لوالده يعلمه بما جرى، وأنه حاز المرسى، فأجابه قائلا: هل أنا محجور لك؟ تلك المرسى أتقوت منها، واغتاظ غيظا شديدا حتى قال: اللهم سلط عليه من ذريته من ينزع له ما بيده. وفى يوم الثلاثاء ثالث شوال ذهب أهل فاس إلى صاحب الترجمة ليقدموا إليه مراسم التهنئة بغرة عيد الفطر وفق المألوف، فسر بمقدمهم وأعطاهم أربعة آلاف مثقال صلة.

بحث اجتماعي

وفى آخر شوال رجع صاحب مراكش لمقره محل مأموريته، وذلك بعد تنظيم أمور الدولة وإصلاح ما كان اختل من الشئون. وفى العام وقعت حرب شعواء بين آيت يدراسن وجروان أعان فيها الودايا جروانا حتى انتصروا على آيت يدراسن بوطا النخيلة من سايس. وفى يوم الاثنين موفى واحد وعشرين من ذى القعدة قدم حجاج بيت الله الحرام وفى معيتهم رسول أمير مكة بكسوة البيت العتيق، فسر المترجم بها وابتهج، ووجه بها للضريح الإدريسى، وأكرم الرسول بألف مثقال. وفى صفر كانت منيته على ما سنذكره في محله. هذا ملخص ما ذكره في ترجمة هذا الأمير الزيانى في كتبه، والضعيف في تاريخه، وابن إبراهيم في تقاييده، وصاحب نشر المثانى، وابن الخياط القادرى، وابن الحاج في دره، وصاحبا الاستقصا والجيش العرمرم، مع مزيد تحرير وضبط وإتقان، إذ تضاربت كثيرا أنقالهم واضطربت أقوالهم وتناقض كلام الكثير منهم. هذا ولا ريب أن سنة الله في الدول منذ نشأة العالم جرت بتطورها أطواراً طور الشباب فطور الكهولة فطور الشيخوخة فطور الهرم فالموت. وقد قسم ابن خلدون عمر الدولة أطوارا: 1 - طور الظفر بالبغية والاستيلاء على الملك وانتزاعه من الدولة السابقة. 2 - استبداد صاحب الدولة الظافرة على قومه وأهل عصبيته والاستيثار بالملك دونهم. 3 - طور الفراغ والدعة. 4 - المسالمة والاقتناع بما حصل. 5 - الإسراف والتبذير وهو آخر الأطوار وينتهى بالانقراض.

وقد أفاد محررو المباحث السياسية تطرق الضعف إلى الدولة الاستبدادية وهو كثير ينحصر فيما يلى: 1 - التنافر بين الملك وأهله، والسبب في ذلك أن الملك إذا أتاح له الحظ التربع في دست السلطنة أخذته أبهة الملك فيقوم في اعتقاده أذا خلال الكمال، وصفات الجلال، انحصرت فيه، فإذا توهم ذلك في نفسه شق عليه أن يسمع مخالفة من رجال دولته، لا سيما أهله الذين يجور للواحد منهم أن يخلفه في الرياسة، فيزداد مع الزمان حذرا من أهله، وتختلف طرق تصرفه معهم أو معاملته إياهم باختلاف مزاجه ودرجة تعقله وسائر أحواله، لكنه في كل حال يخاف على منصبه منهم. 2 - الركون إلى الحضارة. يصح هذا على الدولة ذات القوة والمنعة، فلا تلبث أن تتحضر حتى تضعف قوتها، ويذهب ما كان لها من شدة البأس، ويصير أهلها إلى الرخاء والتمتع بالملذات، وهذا الرخاء إنما يصيب الملك ووزراءه ورجال دولته، لأن الأموال في الحكم الاستبدادى تصير إلى هؤلاء، وقد تكون الرعية في أشد الضنك، إلا من التف حول رجال الدولة وارتزق بالتزلف إليهم ومصانعتهم، والقيام بما يحتاجون إليه من أسباب الملاذ. 3 - اصطناع الجند، الترف والرخاء، يؤثران في رجال الدولة، فتذهب منهم شدة البأس، فيركنون إلى الملاهى والملذات ويقعدون عن الحرب، وبعد أن تكون قيادة الجند في أيديهم، يعهدون بها إلى بعض صنعائهم من أمراء الجيش، وهم يستولون على أعطيتهم من الملك، فلا غنى لهم عن طاعته والأخذ بناصره، فيزداد بذلك الملك ركونا إلى الرخاء، ويزداد ضعفا ويزداد قواده وصنائعه من الجيش نفوذا في الدولة ودالة على الملك، فيطمعون في المناصب الرفيعة، فتصير إليهم الإمارة أو الوزارة أو قيادة الجيش في الحرب، ويصير الحل والعقد في أيدهم،

يولون الملوك ويعزلونهم أو يقتلونهم أو يحجرون عليهم، كما فعل الترك بالخلفاء العباسيين، والانكشارية بالسلاطين العثمانيين، وجيش العبيد بالسلاطين العلويين. ويظهر الهرم على الدولة إذا تكاثر المصطنعون، واشتغل السلطان ووزراؤه بأنفسهم عن الدولة وفسدت أمورها، ويزيدها فسادا اضطرار الملك ورجاله إلى النفقات الباهظة على أنفسهم في سبيل الملذات، وبناء القصور، واقتناء الجوارى، والاستكثار من أسباب الترف بأى وسيلة كانت. ويكثرون الضرائب فتنتشر المظالم، فتغضب الرعية وينقمون، ويتشاورون فيما بينهم عن فساد الدولة، ويتمنون الخلاص منها، ويترقبون فرصة للخروج من سلطانها. أما الملك فلا يهمه يومئذ غير حفظ نفسه واستبقاء نفوذه، فينفق الأموال في التجسس واصطناع الجند لحمايته، وكثيرا ما تنشب الفتن بين رجال النفوذ أو بينهم، وبين الملك ويتنازع الخاصة -وهم طلاب المناصب- في التقرب من السلطان التماسا للكسب لانحصار المال هناك، ويشتد النزاع على أسباب الرزق، فتكثر الأحزاب ويصبح الأمر فوضى، فيعجز الملك عن تدبيره، وهو عاجز عن ذلك بطبيعة الحال لأنه شب محجورا عليه بين النساء والأطفال، على أن الدولة قد توفق في كهولتها أو شيخوختها إلى ملك مقتدر يريد بها خيرا، لكن لا يستطيع ذلك لتمكن الفساد فيها، وتعويل رجالها على الارتزاق من ذلك الفساد، فيعود سعيه وبالاً عليه، كما أصاب عمر بن عبد العزيز في الدولة الأموية، والمهتدى بالله في الدولة العباسية، والسلطان سليم في الدولة العثمانية ... فإذا اعتبرنا الدولة جسما حيا، كانت هذه الظواهر أمراضا في ذلك الجسم تدل أعراضها عليها، فتكون العلة في الرأس أو الصدر أو الأطراف، فإن كانت في الرأس فهى في الملك من ضعف رأى أو فساد خلق، وإذا كانت في الصدر ففى

رجال الدولة من طمع وانقسام، وإذا كانت في الأطراف فمن ضعف العمال والولاة أو من جائحة أصيبت بها المملكة. ومعالجة هذه الأمراض أيسر في الحكم الدستورى مما في الاستبدادى، لأن الملوك المستبدين إنما يطلبون النفع الشخصى، فإذا كانت علة الفساد من ضعف أخلاقهم، فإن ذلك الضعف يغريهم على التمسك بالسيادة لو آل أمرها إلى خراب المملكة. أما إذا كان الرأس سليما فيهون عليه معالجة سائر أسباب الضعف، فالدولة الاستبدادية يتوقف موتها وحياتها بالأكثر على الملك خلافا للدولة الدستورية. والفرق بين الحكم الاستبدادى والحكم الدستورى، أن الأول هو الشريعة التي يحكم بها الملك رعاياه، والثانى عبارة عن القوانين التي تقيد الرعايا بها أحكامه وأحكام رجال دولته، وبعبارة أخرى: إن الحكومة أو الدولة قد تكون مؤلفة من رجل أو عدة رجال، وبها ثلاثة أعمال: سن القوانين، والفصل في الخصومة، وما هى نسبة أعضائها بعضهم إلى بعض، ويبين الكيفية التي ينبغى أن تجرى بها الأحكام، فهو قيود للقوة المتسلطة، والإنكليز هم أول من أنشأ مجلس النواب وأعطاه هذه السلطة، ولذلك يقولون في أمثال الإفرنج "إن الإنجليز أم المجالس النيابية" والدستور لا يختص بالحكم الملكى ولكنه يتناول الجمهوريات، بل الجمهوريات أولى أن تقيد بإدارة الشعب، وكل أمة فيها مجالس تنوب بأصواتها عن الشعب كانت حكومة دستورية. ويسوءنى للغاية تغلب الاستبداد على طبيعة ملوك الإسلام، مع علمهم بفائدة التقييد بقوانين الشريعة المتعلقة بالأمور الدينية والدنيوية، التي من أصولها المحفوظة إخراج العبد عن داعية هواه، وحماية حقوق العباد سواء كانوا من أهل الإسلام أو غيرهم، واعتبار المصالح المناسبة للوقت والحال، وتقديم درء المفاسد على جلب المصالح.

ومن أهم أصولها وجوب الشورى، ومن الأصول المجمع عليها وجوب تغيير المنكر على كل مسلم بالغ عالم بالمنكرات، ولولا تغيير المنكر ما استقام للبشر ملك -لأن الوازع ضرورى لبقاء النوع الإنسانى ولو ترك ذلك الوازع يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لم تظهر ثمرة وجوب نصبه على الأمة لبقاء الإهمال بحاله- فلا بد للوازع المذكور من وازع له يقف عنده إما شرع سماوى أو قانون معقول، وكل منهما لا يدافع عن حقوقه إن انتهكت -فلذلك وجب على علماء الأمة وأعيان رجالها تغيير المنكرات، فالمغيرون للمنكر في الأمة الإسلامية تنقيهم الملوك كما تتقى ملوك أوربا المجالس وآراء العامة الناشئة عنها وعن حرية الطابع- ومقصود الفريقين واحد، وهو الاحتساب على الدولة لتكون سيرتها مستقيمة. قال ابن خلدون في فصل الإمامة من مقدمته: إن الملك لما كان عبارة عن المجتمع الضرورى للبشر ومقتضاه التغلب والقهر اللذان هما من آثار القوة الغضبية المركبة في الإنسان، كانت أحكام صاحبه في الغالب على ما ليس في طوقهم، فتعسر طاعته بذلك، وتجئ العصبية المفضية إلى الهرج والقتل، فوجب أن يرجع في ذلك إلى قوانين سياسية مفروضة يسلمها الكافة وينقادون إلى أحكامها كما كان ذلك للفرس وغيرهم من الأمم، وإذا خلت الدولة من مثل هذه السياسة لم يستقم أمرها ولا يتم استيلاؤها، فإذا كانت هذه القوانين مفروضة من العقلاء وأكابر الدولة وبصائرها كانت سياسة عقلية، وإذا كان فرضها من الله تعالى بشرع يقررها كانت سياسة دينية نافعة في الدنيا والآخرة - ... أجل نفعها لا يتم إلا ببقائها محترمة بصونها، والذب عن حوزتها بمثل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر: فمن ثم وجب أن نجزم أن مشاركة أهل الحل والعقد للملوك في كليات السياسة مع جعل المسئولية في إدارة المملكة على الوزراء المباشرين لها بمقتضى قوانين مضبوطة مراعى فيها حال المملكة، أجلب لخيرها وأحفظ له.

قال ستورد الإنجليزى في تاريخه: "إن رفعة شأن الأمة الإنكليزية بلغت الغاية في مدة الملك جورج الثالث الذى كان مجنونا وما ذلك إلا بمشاركة أهل الحل والعقد ومسئولية الوزراء لهم" ... فتبين أن المملكة التي لا يكون لها قوانين ضابطة محفوظة برعاية أهل الحل والعقد خيرها وشرها، منحصر في ذات الملك وبحسب اقتداره واستقامته يكون مبلغ نجاحها. قال المؤرخ الشهير تيراس الفرنسى عند ذكره عواقب الاستبداد وأن العمل بالرأى الواحد مذموم ولو بلغ صاحبه ما بلغ من الكمالات والمعارف -بعد ما ترجم لنابليون الأول بأوصافه الخاصة وألحقه في السياسة بأفراد الرجال الذين جَادَ بهم الدهرُ في القرون الماضية- إلى أن قال مخاطبا للفرنسيين: تعالوا نمعن النظر في أحوال هذا الملك التي هى في الحقيقة أفعالنا، فيستفيد منها من كان جنديا كيف ينبغى أن تقاد الجيوش، ومن كان من رجال الدولة معروفة كيف ينبغى أن تكون إدارة المملكة وكيف ينبغى أن يرتفع شأنها بدون خروج عن دائرة التواضع والرفق، إذ المعاملة متى لم تكن مصحوبة برفق وقناعة لا تتحمل، وربما يفضى ذلك إلى أسباب الاضمحلال كما أفضت إليها سيرة المذكور الذى هو أقل البشر قناعة، فبالجملة نعتبر بغلطته فنتجنبها ثم نستفيد معاشر أبناء الوطن تربية أخيرة لا يسع نسيانها، وهى أنه لا يسوغ أبدا أن يسلم أمر المملكة لإنسان واحد، بحيث تكون سعادتها وشقاوتها بيده، ولو كان كمل الناس وأرجحهم عقلا وأوسعهم علما .. إن الذى له القدرة بحيث يستطيع أن يفعل كل ما يريد معه داء لا دواء له، وهو الشهوة الداعية لفعل كل مستطاع ولو كان قبيحا، وإذا تقرر هذا فعلى أبناء الوطن أن يتأملوا في سيرة المذكور ويستخرج منها كل فريق ما يناسب خطته

والأهم أمر واحد وهو أن لا يطلق أمر الوطن لإنسان واحد كائنا من كان وعلى أى حالة كان. وقد ختمت هذا التاريخ المطول المستوعب لأحوال نصرنا وانهزامنا بهذه النصيحة بل الصيحة الصادرة عن صميم فؤادى غير مشوبة برياء راجيا بلوغها إلى قلب كل فرنسى ليتيقن جميعهم أنه لا يليق بهم بذل حرمتهم إلى أحد -كما لا ينبغى لهم الإفراط فيها حتى لا تنتهك حرمتها هـ. وفى حكمة أرسطو أن من الغلط الفادح أن تعود الشريعة بشخص يتصرف بمقتضى إرادته. هذا ومن تأمل هذه الترجمة ودرسها كما يجب تبين له جليا كيف كانت الرعية تعامل المترجم وهو من خيرة ملوك هذه الدولة التي لا يزال شأنها ممتدا ونفوذها مستمرا وظلها وريفا، ولست متنكبا ولا مغضيا إذا قلت -ملكا من خيرة ملوك هذه الدولة- فقد مر بك كيف انزوى وتورع عن الانتصاب لهذا الأمر مدة يبالغ في الإلحاح عليه فيه ويخاطب بكل رغبة من أجله، ثم مرّ بك كيف كان يعطي العطاء الوافر، وكيف يحسن وفادة القادم المطيع، ويحتفى بالنزيل المخلص، وكيف كان يفزع لكل من يتوسم فيه مقدرة للعمل وأصالة في الرأى وقوة في الحق، فيوليه الأمر ويسند إليه النظر ويشركه السلطان. فهل كان فاعلا ذلك ومبالغا في الغضب إذ ينتقم من أجل إخلال بالأمور أو سير للشئون على طريقة غير منتظمة أو غير عادلة، إلا خدمة لمبدأ العدالة المنشود، ورغبة في استتباب الأمن المرغوب، وحبا لنشر ألوية السكينة في كل مكان، وتعميم المساواة والحق بين جميع أفراد الإنسان. فهل كان وهو كما مر بك يأمر بعزل أبناء الروسى واحدًا فآخر مثلا أو آمرًا بولاية أفراد من غيرهم وآخرين من عشيرتهم إلا قاصدًا أن يجد في هذا ما ساء

الظن به في ذاك، وهل كان يتغير ويستبد ويعمل بصرامة وشدة ما فوقها من شدة ما لم تكن دسيسة تؤثر أو مكيدة تدبر أو مؤامرة تنقل ... إلا إن أمكن أن تفرض له من غاية غير معروفة أو قصد غير مطرد وهذا ألا أراه كما لا يراه الجمهور العاقل من غيرى. لنرجع إلى التاريخ نفسه. فهل له أن يرشدنا إلى وقت سادت فيه السكينة وعم فيه الأمن أو وقف فيه فقط دولاب الحركات والثورات وإيفاد نيران الفتن من زعمائها وأحزابها، ثم نسائله هل كان من صاحب الترجمة أن عمد إلى شئ من استبداد برأى أو سوء صنيع برعية؟ وهل كان إن انتهك حرمة أو أساء صنيعا أو تعمد قتلا وأسرف فيه ما لم يكن قد ضاق صدره واشتعلت أطراف الفتن والمؤامرات من كل ناحية؟ بل هذا ملك البلاد وهو على رأس السلطنة يضطر لتحمل إهانات شنيعة من زعانيف صعاليك بعد تجرع أنواع المضض من سوء السيرة وأنباء الفتن وحوادث الاضطرابات وآفات التفرق، ثم تزوج عليه نساؤه بدون موجب، ويؤخذ منه حريمه غصبا, ثم يوقف موقف السوقة مؤاخذا معاتبا من أنذال لا خلاق لهم كنت لا تجد بينهم لو اطلعت عليهم من لا تفرق بين دماغه وبين أرض البادية الخلاء البلقع محلا وجدبا، ثم ندعوه أمام التاريخ لحسابه على ما فرط، ولمؤاخذته على ما جنت يداه. ومع ذلك فلست أنكر أن كانت للرجل مندوحة في كثير من الأحيان وفى نظائر وأشباه من المناسبات والظروف عن تحمل مسئولية كثير من الوقائع والأخطار، وتجنب غير قليل من الحروب والمشاغبات، فقد كان يمكن أن يفض الكثير منها بحسن السياسة المستعمل في غيرها، وجميل التدبير المتخذ في نظائرها، وبذلك كانت تصان دماء وتحفظ حقوق وتقف اضطرابات عند حد.

ثم كان ذا نظر ثاقب في الأمور، ومعرفة واسعة بأحوال شعب يتقلب في مجالات ممتدة من الاضطراب وفقدان الثقافة وجمع الكلمة أن يحالف في الأغلب الأكثر من وقائع الدولة وشئون الأمة، ولكن الوقت القليل كان لا ينقضى أحيانا إلا والأمر قد تجدد، والشر قد عاد وبوادر الفتنة قد أمست تجهر بأعلى صوت مولية وجهها نحو مقر لم تغادره إلا من أمد قريب، فما ظنك بمن يئول إليه أمر هذه المسئولية كُلا، ومن يخاطب عن هذه الوقائع طُرّا، فهل كان يجد له من غالبها مخرجا إلا ضربا بشدة، وقمعا بجميع ما أوتيه من صرامة ممكنة؟ لعل مراجع التاريخ المغربى والمتصفح بدقة وإمعان لا شأن للقصور أو الغرض فيه، يرى من ضرورة هذه الأحوال وقضاء الظروف بها ما يخفف من غلواء النقد ويبيض صحيفة من حسن القصد في تاريخ ملكنا المترجم، مهما أملت علينا ترجمته من وقائع كلها محزن، وحوادث كلها أليم. ثم هنالك ما لا يسع التاريخ إهماله أو غض النظر عنه من بحث لأحوال حاشية السلطان ونظر لبطانة الملك، فهل كانت هذه البطانة أو الوزارة التي لا غنى عن صلاحها وإصلاحها موفية بالغرض من وجودها في جوار صاحب الترجمة وإعانته على خدمة أغراض الدولة ومهام الأمة؟ كلّا وألف مرة كلا فقد مر بك متكررا معادا ما كان يحاول من انتقاء المساعد والمعين ومبالغة في اجتناب من لا خير ولا صلاح للرعية فيه وفى ولايته، ثم ما كان يلاقى منهم من جفاء في الطبع ولؤم في العشرة وكفران للنعمة، وجحد للواجب وتصرف شائن خائن، كله أغراض ومطامع ذاتية لا شأن للشرف والذمة وصدق الخدمة فيها. ومتى بربك تصلح حال أُمة أو تصلح أحوال ملك وحاشيته وأعوانه ومعينوه على تدبير الأمور كلهم عابث متمرد أو حقود مستبد أو متصرف لنفسه وغاياته،

يحسب الناس منهم صنيعا شريفا أو يرقبون عملا مفيدا، وما هو في ذلك من المعدودين. فكم كان يكون صلاح الرعية والملك لو استقام المشاور وأخلص الوزير، وكرم عنصر المساعد والمعين، فما إن يولى الولاية كما تقدم في كل موضع أو يمنح الأمر أو يشرك الحكم إلا والعبث مستحكم والاستبداد منتشر، وحبل الأغراض والمطامع ممتد مجالا بعيدا. ثم ليت شعرى وهذه حال أمة تصادف من متبوعها ما صادفت من صرامة وشدة وطأة وقمع بمختلف وسائل القوة، ثم لا يزيدها الورد إلا عطشا، ولم يكن العلاج لها إلا مثيرا ومحرضا، فهلا كان من الضرورى أن تعامل كما عاملت وتقابل بالنظير مما فعلت؟ وهل يبقى حال شعب هكذا وربك من وقت للنظر في أحوال صلاح أو تمهيد إصلاح فأحرى نظر أحوال خارجية أو أمور تقضى بها ضرورات المدنية، وهذه السبل متقطعة والمواصلات منعدمة، والدماء تسيل، والفتن تتوالى من كل حدب وحبل، إلا من ينصدع من بين أمس الدابر والغد المنتظر. فلعل التاريخ كان يصارحنا بما يقلل من عظيم مسئولية هذه النكبات والخطوب أن لو كنا لجريانها في وقتها من الحاضرين أو لدراستها بأسبابها ووقائعها المحلية من المستوعبين، وهكذا التاريخ لا يسوغ أن نكتبه أو ننقله، فأحرى أن ننقده ما لم نكن لحوادثه ودقائقه قَلَّت أو جلت من المتعللين، ولأحكامه وشواهده المأثورة من الجالبين. وما القصد من ذلك إلا خدمة علم التاريخ وإحكام وضع مبانيه على ما تأسس من قواعد محكمة، وأصول مرتبة، وإلا ففيم التاريخ وقد حاد كاتبه عن

الحق وجانب الصواب أو أغضى عن تحقيق الحقائق وإعلان الواقع، وإن كان يهم أقرب الناس إليه وأكثرهم اتصالا به، والتصاقا بسببه. وما أشد ما يذكرنى هذا بصنيع ذلك الفريق الجاهل المتورط الذى ظن أن التاريخ وقائع تسرد لإرضاء زيد أو عمرو، وحكايات تنقل لمجرد سواد عيون (بصرى) معجب أو كوفى فخور كلا، فالتاريخ الحكم العدل على الأشياء والأعمال، ومصادر الرجل إن خيرا كانت لهم صحفا بيضاء تبيض وجوههم ووجوه عثرتهم يجب أن يقتفى أثرهم فيها، وإلا فخزيا وسبة تكون لهم ولمن بعدهم ممن قلدهم فيها مثلا في سوء الصنيع وشر الأحدوثة إلى الأبد. ولقد كان جزاء عدلا أن يلقى المتعنت على التاريخ خسة، وينال حطة، ويصادف ضعة، وإلا فالحقيقة لا تحارب، وقول الواقع لا ينجى من وخزه إلا التنكب عن طريق الضلال، والإنابة إلى المثوبة وحسن الحال. هذا وقد كانت مدة مقام المترجم بدار دبيبغ عشرة أعوام، وقيل سبعة، وقيل أربعة، قالوا: وقد قتل مدة سلطنته صبرا ما يزيد على سبعين ألف نسمة، قتل منها في يوم واحد خمسمائة وخمسين، قالوا: وقد كان يعطى عطاء من لا يخشى الفقر من النقود الذهبية والفضية والكراع والضياع والأثاث والثياب الفاخرة وغير ذلك مما أشرنا لبعضه. مشيخته: منهم أبو محمد عبد الله المنجرة، عن والده أبى العلاء إدريس بأسانيده المتصلة في فهرسته. الآخذون عنه: منهم ولده أبو عبد الله محمد المتبوئ عرش الملك من بعده، أخذ عنه دلائل الخيرات.

خلفاؤه

خلفاؤه: بمراكش أبو عبد الله محمد، وبرباط الفتح أبو العباس أحمد ولداه. حجابه: منهم عبد الوهاب اليمورى. أطباؤه: منهم أبو اليمن عبد الوهاب أدراق. عماله: منهم الباشا بوسلهام، وحمدون الروسى، وولده البادسى، وابن المجاطية، وبوعزة مولى الشربيل، ومحمد بن عمر الوقاش على تطاوين، وبوسلهام الغرباوى الحمادى على بنى مالك، ومحمد الحبيب المالكى الحمادى كان على سفيان وبنى مالك والخلط وطليق، وسليمان بن الرغاى، وأحمد بن على الريفي، وأبو عبد الله محمد بن على بن كنتى الزمورى، ومحمد واعزيز على البرابر وكان بينه وبين السلطان محبة ووداد كبير، حتى إن السلطان كان يناديه بياأبت، وعبد الخالق عديل بفاس المتوفى ليلة الأربعاء ثالث عشرى ذى القعدة عام 1158، وعبد القادر عديل، وعلى بو طيب، وعبد الله بن محمد المعروبى السفيانى على سفيان، والحسن بن صالح الليرينى على فاس الأندلس. ولما مات في أوائل محرم عام 1162 ولى مكانه ابن عمه مسعود الليرينى، وقاسم ابن الأشهب، ومحمد الصفار، وأبو العباس أحمد الكعيدى، والباشا قاسم ابن وينون، وعبد المالك بن أبى شقرة، وأبو عبد الله محمد السلوى، وعبد النبى ابن عبد الله الروسى، فكاتبه الطيب بن حلوة فعبد اللطيف بن عبد الخالق الروسى، ومحمد بن على ويشى وعبد الله الحمرى.

[صورة] ظهير السلطان مولاى عبد الله بتولية المسطاسى ناظرا عاما

قضاته

قضاته: منهم أبو عيسى المهدى مرينو بالرباط، وأبو محمد عبد القادر بن العربى الكاملى بوخريص، وأبو يعقوب يوسف بن أبى عنان، وأبو القاسم العميرى، وعلى بوعنان، وأحمد الشدادى بفاس، والطالب بوعنان، والعميرى، ومحمد بن عبد السلام البيجرى، وعبد الوهاب بن الشيخ بمكناس، وعبد الواحد بوعنان بتازا وفاس. محتسبوه: منهم بوعزة الزيزى بفاس، ثم محمد الريحاني، ثم عبد النبى المشرف، والطيب الريحانى، ومحمد بن زيان، وعبد العزيز الخلطى، ومحمد بن عبد السلام المحمودى. نظاره: منهم التاودى المشاط بفاس، ولما توجه للحج أضيفت النظارة للمحتسب الطيب الريحانى، ومنهم السيد بلقاسم المسطاسى أسند إليه النظر في أمور أحباس جميع المدن والبلدان والقرى والمداشر حسبما بهذا الظهير الصادر له في ذلك، ونصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع الشريف: "كتابنا هذا أسماه الله وأعز نصره، وخلد في دفاتر المجد أمره وذكره، بيد خديمنا وحبيب أبوابنا الأرضى، الخير الأقرب، السيد بلقاسم المسطاسى ويتعرف منه بحول الله وقوته، وشامل يمنه العميم ونصرته، أننا جددنا له به ما كان عليه من النظارة في أمور الأحباس في جميع الأقطار والمدن والبلدان والقرى والمداشر، وبسطنا له اليد الطولى على جميعهم بحيث لا يقصر عن البحث والتفتيش في الأدنى والأقصى، فإن جل مهماتنا هذا الأمر الأكيد، وجعلناه العوض منا في ذلك، فمن نازعه أو خالفه أو ناوشه فإثمه على رقبته، وإنى بفضل الله تعالى وقوته أقمته هذا المقام، على مر الليالى والأيام، فعليه بتقوى الله ومراقبته، في

آثاره

سره وعلانيته، وعليه بمحاسبة النظار وأهل التصرف في هذا الأمر حتى يترك من أراد ويولى من أراد ومنا إليه في التقصير، وعلى الله المعول وهو حسبنا ونعم المولى ونعم النصير، وفى منتصف جمادى الثانية عام ثلاثة وأربعين ومائة وألف". آثاره: لم يحفظ عنه من الآثار العلمية فيما أعلم شئ غير ما نسبه إليه نسابة أهل عصره العلامة الثبت المحرر النقاد أبو عبد الله محمد الزكى الشريف العلوى السجلماسى، قال في مؤلفه في الأنساب الموسوم بالشجرة الزكية ما لفظه: صرف همته -يعنى المترجم- في صناعة الملحون كان طوع يديه. ومن آثاره التي لا زالت قائمة العين بفاس دار ادبيبغ الشهيرة التي كان أسسها واستوطن بها إلى أن وافته منيته، وكان الشروع في بنائها أوائل محرم عام 1154، ومن بناءاته دويرة باب الريح خارج مكناسة، ومنها تنميق باب منصور العلج، وباب مسجده المعروف بجامع الأنوار. ما خلفه من الأولاد: لم يعقب غير ولدين وبنت، أما الوالدان فهما: أبو عبد الله محمد خليفته بمراكش، وأبو العباس أحمد خليفته بالرباط المتوفى بفاس في شعبان عام 1164، وأما البنت فهى السيدة فاطمة ربة الدار. وفاته: توفى بمرض السل بدار الدبيبغ ليلة الخميس سابع عشرى صفر عام واحد وسبعين ومائة وألف، وتولى غسله قاضيه أبو محمد عبد القادر بوخريص. قال ابن الخياط القادرى، ودخلنا إلى داخل الدار وقرأنا عليه وأخرجناه إلى خارجها، وصلينا عليه بعد صلاة العصر في البراح الذى بخارجها، وإمام الصلاة عليه خطيب جامع الأندلس، وإمامها سيدى محمد بن أحمد ابن الإمام سيدى محمد ابن شيخ الشيوخ سيدى عبد القادر الفاسى.

بعض ما قيل فيه من المديح

بعض ما قيل فيه من المديح: من ذلك قول بعض شعراء دولته حسبما جاء في كناشة الوزير اليحمدى التي كان صاحب الترجمة هو السبب في إحيائها بالنسخ وإبرازها إلى الوجود فهى حسنة من حسناته: لقد فخر الزمان وكان قدما ... فخورا بالملوك من الفحول فقلت له وقد أبصرت شمسا ... تضئ على الأباطح والتلول بدت بسعودها في خير برج ... تدوم ولا تعقب بالأفول لها مولاى عبد الله نور ... سليل المصطفى وابن البتول به فافخر وفى مغناه فانظم ... فلا فخر كأبناء الرسول وقوله: يمينا بمن حض الملوك على الخير ... وألبسهم ثوب المكارم والفخر كمولاى عبد الله خير خليفة ... تحلى بتاج الملك، العز والنصر له همة تعلو على هامة العلا ... وتسمو به فوق السماكين والنسر فلا زال منصورا عزيزا مؤيدا ... ودامت لنا أيامه لمدى الدهر وأهدى لمولانا أجل تحية ... يفوق شذاها نسمة العنبر الشحرى وقوله: كتاب كريم جاء من خير مالك ... فصغت به تاجا لرأس المئالك وقمت بأمر الضيف إذ هو واجب ... على كل ذى عقل وجوب المناسك

وقوله: وجددت ديوان الكرام محليا ... ظباه بإبريز مذاب السبائك ولو كان في إنسان عينى زينة ... لحللته منها لأرضى مالكى فيارب زده رفعة وجلالة ... ليسلك في علياه خير المسالك وأبق لنا والمسلمين وجوده ... ودافع به عنا جميع المهالك وصل على المولى النبى محمد ... إمام الهدى المرفوع فوق المسامك وقول بعضهم: عليك سلام يا ضياء العوالم ... ويا بهجة الأشراف من آل هاشم ويا من سما عضبا على كل جاهل ... وأصبح مسرورا به كل عالم وأصبح ظل الله في الأرض ناظرا ... إلى كل مسكين بمقلة راحم ويا من كساه الله منه مهابة ... تذل لها رغما أنوف الأعاجم ويا من له حزم وعزم وسطوة ... تفتت إرهابا قلوب الضراغم كفاك افتخارا أن عزك ظاهر ... وجودك منسى به جود حاتم وكون سجاياك التي فاح عرفها ... سجايا الملوك الشم أهل المكارم لعمرى لقد ألقت إليك زمامها ... ضروب العلا إذ كنت أحزم حازم فقمت على الملك المشيد ركنه ... تذود لديه بالقنا والصوارم وأغناك رب الناس عن جمع عسكر ... برأى مصيب للعساكر هازم

علائقه السياسية

ونفس علت فوق السماكين همة ... وعقل غنى عن هداية عالم فجئت وسيل الغرب قد بلغ الزُّبى ... وأسواقه معمورة بالجرائم ونار الشرور في الفجاج تأججت ... فطاب لأهل البغي هتك المحارم فدوخته من بعد ما استنسرت به ... بغاة وقد طالت رعاة البهائم فأمنتنا من كل طار وطارق ... وحصنتنا من كل داه وداهم علائقه السياسية: وقفت له في هذا الباب على معاهدة هذا نصها بلفظها وحروفها: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وصلى الله على من لا نبى بعده ثم إمضاؤه (عبد الله كان الله له): "هذه نسخة شروط الصلح والسبب بين سيدنا نصره الله السلطان الأنجد، الشريف الأسعد، سيدنا ومولانا عبد الله بن مولانا إسماعيل قدس الله روحه في الجنة آمين سلطان مراكش وفاس ومكناسة والغرب، الإصطادوص المعظمين في بلادهم وهم سبعة من قبائل الفلامنك مفاصلين بأمر سيدنا وتفويضه نصره الله والبشادرات فرنصصك ودون اليوزبوطلير بأمر وتفويض الاصطادوص المتاويين المذكورين مع وكيل سيدنا ومولانا نصره الله، وهو خديمه القائد محمد لوكاس، ووكيل الاصطادوص المذكورين افرنصصك بوطلير وأخيه لويز هـ. الشرط الأول: انبرم الصلح وتصحيح العهد بين سيدنا ومولانا عبد الله نصره الله وبين الاصطادوص المتأويين من يوم عهد الصلح يكون فيه الأمان التام، يأمن الخائف فيه الجهتين، وكلما وقع من الزمان الفايت من الكرة وغيرها فهو منسى، وهذا الصلح

دائما إن شاء الله من الجانبين ورعيتهم ومن اليوم لأمام تكون المحبة وعهد دائم بين الجانبين هـ. الشرط الثانى: جميع سفن الفلامنك وسفن رعيتهم المعروفين للديوان المذكور سواء كانوا نصارى أو أهل ذمة من الذين تحت أيديهم إن دخلوا مرسة من مراسى طاعة سيدنا ومولانا نصره الله بقصد الترصية خيفة من البحر أو بقصد التجارة لا يتعدى عليهم أحد، ولا يعطون سوى عشر سيدنا ومولانا نصره الله من غير أن يخرق عليهم أحد عادة جديدة، والسلعة التي تبور لهم في البلاد بعد أن كانوا أدوا عشرها إن أرادوا يحملونها ويتراجعون بها حيث شاءوا، بل حيث يظهر لهم برًا وبحرًا، من غير لازم آخر يلزمهم، بوجود سيدنا نصره الله وكمال إحسانه، وكذلك إن ورد مركب من مراكبهم لبلاد من بلدان طاعة سيدنا ومولانا أدامه الله، وكانت عنده سلعة وأراد أن ينزل منها طرفًا في تلك البلاد والباقى يسافر به لغيرها، نطلب من سيدنا أيده الله ألا يعترض أحد لذلك المركب، ولا يكرهه على نزول تلك السلعة في البلاد التي يرضى بها، ولا يعطى إلا عشر السلعة التي نزل في البلاد من غير معارض له في ذلك بوجود سيدنا ومولانا نصره الله، وكل ما كان محسوبا من آلة الحرب كالبارود والعدة واللوح للسفون وما أشبه ذلك، إن جاء به مركب من مراكبهم بمرسة من مراسى سيدنا نصره الله بقصد السبب فلا يلزمهم عليه عشور بوجود مولانا وسيدنا نصره الله هـ. الشرط الثالث: أن جميع سفن الفلامنك التي يهيج عليهم البحر أو يفرون من عدوهم، إن دخلوا مرسة من مراسى سيدنا ومولانا نصره الله لا يلزمهم بارود ولا مخطاف ولا غيره مما هو معلوم من لازم المراسى ووظائفها، بفضل سيدنا نصره الله، وكذلك

مراكب طاعة سيدنا إن وردت على مرسى من مراسى الفلامنك في هذه الحالة المذكورة لا يلزمهم شئ إن شاء الله هـ. الشرط الرابع: أن جميع سفن الفلامنك تسافر في البحر من غير أن يتعدى أحد عليهم في مراكبهم في مال ولا سلعة ولا رائس ولا بحرى ولا راكب إن كان معهم من غير الفلامنك، إذا كان تحت سنجق الفلمنك سواء كانت السلعة له أو لغيره بفضل سيدنا نصره الله هـ. الشرط الخامس: أن جميع مراكب سيدنا القرصانية وغيرها إن تلاقوا في البحر مع سفاين البزركان وأراد أحدهما أن ينظر بصبرط يبعث إليها رجلين من غير القدافين ينظرون ذلك، ويرجع كل أحد منهم لمركبه من غير تعدى ولا تعارض، ولا يطلع أحد منهم للسفينة إلا من يجيب رائسها، وكيف يورى له كيف هو مبين هذا الشرط يسرحه، وإن سفر مركب من مراكب سيدنا نصره الله القرصانية وغيرها يكون عنده بخط قونصوا الفلمنك المقيم بطاعة سيدنا نصره الله، فإن كان القونصوا غائبا فتجار الفلمنك، وإن لم يحضروا تجار الفلمنك فمن تجار النصارى المقمين بطاعة سيدنا نصره الله، وإن كان عنده ذلك يوريه الرائس ولا يتعدى عليه أحد ويسرحه في الحين والساعة هـ. الشرط السادس: لا يتعدى رائس ولا بحرى من أهل طاعة سيدنا نصره الله على سفن الفلمنك، ولا ينزلون منها راكبا من أى جنس كان تحت سنجق الفلمنك ولا يترامى عليه أحد هـ.

الشرط السابع: ألا يتعدى أحد على سفاين الفلمنك التي تحرث قرصانا أو زركانا في طاعة سيدنا نصره الله، ولا يأخذ لهم شيئا من السلعة ولا قلوع ولا غير ذلك من سائر حوايج المراكب المعلومة ولا ركابه ولا رائسه بوجود سيدنا نصره الله، ويكونون متع رءوسهم من غير أسر وأهل طاعة سيدنا نصره الله، يأخذون بأيديهم ويعينوهم إن وقع شئ من ذلك ربما تفسد السلعة أو يموت أحد من أهل ذلك المركب، فلا يضيع شئ من متاعه بوجود سيدنا نصره الله، ويدفع ذلك للرائس أو لمن له الأمر يأخذ السلعة ويعطى الأجرة لمن يعينهم، وأهل المركب يتوجهون حيث شاءوا ولا يتعرض لهم أحد هـ. الشرط الثامن والتاسع: ألا يأتى أحد من أهل طاعة سيدنا نصره الله ولا من طاعة الفلامنك إلى طاعة أخرى ويعمل سنجاقا غير سنجاقه، ويقرضون على من له صلحا معهم من طاعة سيدنا وطاعة الفلامنك، وكذلك أيضا بشرط الذى هو لعمالة أخرى غير الذى هو صلحا معها، وجميع سفن سيدنا نصره الله القرصانية لا تأتى لطاعة الفلمنك ولا تقرص عليها ولا على نواحيها هـ. الشرط العاشر: أن جميع من كان عدوا لطاعة سيدنا ويأخذ غنيمة لا يدخل بها طاعة الفلامنك يبيعها ولا غير ذلك، وكذلك من كان عدوا للفلامنك لا يدخل طاعة سيدنا نصره الله يبيع الغنيمة التي يغنمها للفلامنك، وكذلك إن كان بمرسى من طاعة سيدنا مركب من أعداء الفلامنك وكان مركب من مراكب الفلامنك بتلك المرسة السعيدة لا يتعدى عليه أحد، ولا يقربه بسوء، وإن كان مركب من مواكب

الفلامنك على سفر من تلك المرسى فلا يترك مركب العدو يسافر إلا بعد سفر الفلامنك باربعين ساعة هـ. الشرط الحادى عشر: إذا أخذ الفلامنك سفينة من أعدائه وأعداء سيدنا نصره الله ودخل بها إلى مرسة من طاعته وأراد بيعها فلا يتعرض له أحد ولا ينازعه، وكلما ينزلوا من السلعة بخاطرهم في البر يعطوا ما يلزمها من العشر من غير زيادة، وإن توقفوا على ما يقضونه من الفرشك بسعر السوق لما يأكلونه فلا يلزمهم عليه خارج بوجود سيدنا نصره الله هـ. الشرط الثانى عشر: إن ورد مركب من قرصان الفلامنك على مراسى طاعة سيدنا نصره الله فالقونص الفلامنك يعلم به حاكم البلاد ربما يكون عنده أسير فرّ له، وإن دخله الشك وأن الأسير فرّ إلى المركب فيسأل رائس المركب هل هو هناك أم لا، ورائس المركب يقبضه له، وإن لم يكن هناك وقال له رائس المركب ما هو شئ عندى فلا يتعدى أحد على رائس القرصان ولا على القونص ولا على أحد من التجار، وإذا تحقق الخبر على ذلك الأسير وأنه هرب في ذلك المركب من غير علم الرائس وأخفوه عنه البحرية فالقونص يكتب للاصطادوص، ويحكم في الذى أخفاه ورب الأسير يقبض مال اليسير هـ. الشرط الثالث عشر: من اليوم الذى انعقد هذا الصلح لا يقع أسر على أحد مر، رعية الفلامنك لا نصارى ولا أهل الذمة ولا على من يكون تحت سنجاقهم، وإذا اتخذ مركب بعد ما عقد الصلح فيرجع ولا يطالبون أهله في فدية ولا في غيرها هـ.

الشرط الرابع عشر: إن مات أحد من التجار من رعية الفلامنك وترك سلعة أو متاعا لا يتعدى عليه أحد من عمال سيدنا نصره الله ولا يأخذ من ذلك شيئا إلا إذا أوصى الهالك عليها أحدا، تبقى في يده سواء كان وراثه أو شريكه أو وكيله، فإن كان حاضرًا بقت بيده، وإن كان غائبا ولم يحضر أو توفى القونص الفلامنك يأخذ ذلك، ويدفعها لربابه، وإن لم يكن القونص حاضرا فتجار الفلامنك المقيمين في البلاد يحزونها ويبعثونها لأربابها من غير معارض لهم في ذلك بوجود سيدنا نصره الله هـ. الشرط الخامس عشر: تجار الفلامنك المقيمين بطاعة سيدنا نصره الله من النصارى الفلامنك أو من أهل الذمة إذا جاءوا بسلعة لا يعطون عشرها إلا منها، وكذلك حاكم البلاد إن كانت بيدها سلعة لا يكلفهم يأخذونها منه كرها إلا عن خاطرهم ورضاهم بذلك، وكذلك رياس المراكب لا يحكم عليهم أحد من حكام البلاد يحملوا سلعة في مراكبهم إلى بلاد أخرى إلا إن رضى بذلك الرائس، كذلك حاكم البلاد لا يتقف سفينة ولا رائس ولا بحرى، وقونص الفلامنك وتجارهم لا يقبضهم أحد في دين أحد إلا إذا كانوا ضامنين عليه وكذلك سفينة الفلامنك إذا تعمل زنبطوط لا يتخذ فيه لا قونص ولا تجار، وإنما القونص يكتب للاصطادوص بش يفتشوا عليها هـ. الشرط السادس عشر: وكذلك النصارى الفلامنك وأهل الذمة منهم إن وقعت بينهم دعوى أو خصام أو موت أو جرح، فالقونص الفلامنك الذى في يده تولية الاصطادوص يحكم بينهم هـ.

الشرط السابع عشر: إن كان المسلم خصم مع نصرانى فحاكم البلاد مع القونص يفاصلهم، وإن وقع أمر من نصارى الفلامنك جرحوا المسلم يرفع أمرهم لسيدنا نصره الله، وهو يحكم فيهم، وإن هرب صاحب الدعوة لا يقبض فيه أحد من تجار الفلامنك ولا القونص هـ. الشرط الثامن عشر: أن ديوان الاصطادوص يبعثون قونص واحدًا أو أكثر لطاعة سيدنا نصره الله للموضع الذى يريدون والقونص المذكور لا يتعدى، عليه أحد في ماله، ويستوصى به خيرا، وكذلك التجار المقيمين بطاعة سيدنا نصره الله وترجمانتهم وسماسرهم يطلعون للمركب الذى يريدون لطاعة سيدنا نصره الله ولا يتعدى أحد عليهم، وكذلك يسافرون في البر للموضع الذى يريدون من طاعة سيدنا نصره الله، وكيف يريدون دفن موتاهم لا يتعرض لهم أحد ولا يمنعهم من صلاتهم المعهودة من دينهم والقونصوات والتجار هم الذين ينظرون من يصلح بهم من السماسر والترجمانات. الشرط التاسع عشر: إن وقع شئ مما يوجب نقضى الحكم بحساب ما يقتضيه رأيه الرشيد، أن يعلموا بواجب ذلك، وأن يؤجلوا القونص الذى بطاعة سيدنا نصره الله أجلا مبلغه ستة أشهر، بينما يجمع القونص ماله الذى يكون مفترقا من دين أو معاملة ويرجع لبلاده هو وجميع من يكون من التجار بطاعة سيدنا نصره الله بأمتعتهم وأولادهم وأصحابهم، ولا يتعدى عليهم أحد بوجود سيدنا نصره الله هـ.

الشرط العشرون: إن كان أحد من جنس الفلامنك راكبا في مركب أعداء سيدنا نصره الله وظفر بذلك المركب سيدنا نصره الله لا يتعرض أحد لذلك المركب الذى هو من طاعة الفلامنك، سواء كان نصرانيا أو ذميا ولو كان تحت سنجق العدو، ولا يتعرض أحد لسلعته، وكذلك إن كان أحد من طاعة سيدنا نصره الله راكبا في المراكب الذين هم أعداء للفلامنك وظفر به الفلامنك لم يأخذ أحد شيئا لذلك المراكب الذين هو من طاعة سيدنا نصره الله لا سلعة ولا شيئا من متاعه هـ. الشرط الحادى والعشرون: إن تبين على أحد أنه نقض الصلح ويسعى في المسائل التي تكون سببا في ذلك وكان نصرانيا يعلمنا به سيدنا نصره الله ويحكم فيه، ترد كل ما أخذ، وكذلك إن فعل ذلك أحد من طاعة سيدنا نصره الله يحكم فيه ويرد كل ما أخذ، ويكون الأجل في ذلك ستة أشهر بينما يحصل الخبر ويأتي الجواب، هـ. الشرط الثانى والعشرون: يجعل سيدنا نصره الله علامته المباركة بموافقة على هذا الصلح، ويجعلوا الاصطادوص علامتهم بخط العجم في الوقت الذى يساعدوا الهوى والريح، وهذا الصلح مبدوه من يوم الكتب بعقد صحيح، وأن يأمر سيدنا نصره الله حكام طاعته ويعرفهم بأمر الصلح ويبينوه لهم لئلا يتعدى أحد من كونه لا علم له بأمر هذا الصلح المبارك مع جنس الفلامنك، وأن يكون كل أحد على بصيرة في ذلك، وكذلك يفعلون الاصطادوص في جميع طاعتهم بوجود سيدنا نصره الله والسلام".

389 (ب) - عبد الله بن عمر بن هشام الحضرمى الأشبيلى القرطبى المعروف بعبيد

389 - عبد الله بن عمر بن هشام الحضرمى الأشبيلى القرطبى المعروف بعبيد. حاله: فقيه علامة مقرئ نحوى أديب شاعر، جوالة في البلاد، ولد بقرطبة ونشأ بها ثم رحل وجال، ولقى الرجال، ثم قصد المغرب وتصدى للإقراء والتعليم، فأخذ عنه بمراكش ومكناسة، وأقام بتلمسان سبع سنين يقرئ بجامعها، ثم صدر إلى الأندلس فسكن ألْمَريّة، ثم نزل مرسية وخطب بجامعها وأقرأ القرآن ثم انتقل منها بعد خمسين وخمسمائة. مشيخته: أخذ القراءات عن أبى القاسم بن النخاس، وأبي الحسن عون الله ابن محمد، وأبى جعفر أحمد بن عبد الحق الخزرجى، وأبى بكر بن عياش بن مخارج لقيه بإشبيلية، وسمع الحديث من أبى محمد بن عتاب، وأخذ العربية والأدب عن أبى محمد بن متنان، وسمع بألمرية من أبى القاسم بن ورد، وأبى الحجاج بن يسعون. مؤلفاته: منها كتاب في قراءة ورش وقالون، قال القضاعى في تكميل الصلة: وقفت عليه، وله كتاب الإيضاح والإفصاح، في اختصار المصباح، وشرح مقصورة ابن دريد. ولادته: ولد بقرطبة لتسع خلون من ربيع الأول سنة تسع وثمانين وأربعمائة، ولم أقف على تاريخ وفاته. 390 - عبد الله بن حماد يعرف بابن زغبوش المكناسى النشأة والدار. حاله: كان من أهل المعرفة والنباهة، دخل الأندلس، وسكن شاطبة، وخلف على بنت القاضى أبى عبد الله بن سعادة بعد وفاة محمد بن عاشر الفقيه سنة سبع وستين وخمسمائة، وولد له منها ابنه محمد قال الحافظ القضاعى في

تكملته: ولا أعلم له -يعنى المترجم- رواية بعض خبره عن ابن سالم. قلت: وعبد الله هذا والده هو محمد بن حماد بن رغبوش، وهو الذى امتحنه يدر بن ولجوط في سبعة من قرابته، وكان فقيها خيرًا قرأ بقرطبة وغيرها، وصحب جلة من أهل زمانه حسبما تقدم في ترجمته في المحمدين. وقد استقضى أمير المؤمنين أبو يعقوب بن عبد المؤمن بن على صاحب الترجمة على مدينة شاطبة وجزيرة شقرون، ومن ذلك الوقت استقر بشرق الأندلس بعض ذريته، ولما أسن رغب في استيطان بلده فأسعفت رغبته فاستوطن داره بتاورا ولم يدخل قط تاجرارت المدينة الآن فيما زعموا أنفة منه لما أصيب به والده وقرابته من المحنة بالذبح التي صدرت لهم من يدر المذكور، وكان إذا أراد لقاء الشيخ محمد بن عبد الله واجاج تلقاه بالبحيرة التي تولى غراستها في ذلك التاريخ، وكان في بلده مكرما وجيها يزوره قضاته وطلبته وأعيانه. وكان -أعنى صاحب الترجمة- بمدينة فاس يقرأ حين نزلها الموحدون وسنه يومئذ خمس وعشرون سنة، فتشوف في أحد الأيام إلى الإشراف على محلة الموحدين، فخرج من مجلس القراءة وسط النهار وقد انصرف الناس إلى ديارهم والأسوار خالية إلا من حراسها فطلع السور ليطلع منه عليهم، فبينما هو يمشى على السور حدثته نفسه بالهبوط إليهم، فارتاد موضعا خاليا خفيا عن الحرس وربط عمامته في إحدى شرافات السور وتقلد خريطة كتبه وتعلق بالعمامة، وكانت ضعيفة فلما ثقلت انقطعت وسقط في الأرض واعتلت إحدى قدميه، وتسارع إليه الموحدون ورفعوه في درقة ووضعوه بين يدى عبد المؤمن بن على، وأكرمه الموحدون وأحسنوا إليه، وكتب له عبد المؤمن صكًّا بتسويغ ماله ومال أبيه، وأقام معهم يظعن بظعنهم ويقيم بإقامتهم مبرورا لديهم عزيزا عليهم، وكانوا يلحظون من يمت إليهم بسابقة أو هجرة، فلما نزلوا مكناسة ظهر بمحلتهم واتصل ذلك

391 - عبد الله بن محمد بن عيسى

بالوالى يدر بن ولجوط، وكان ذلك السبب في قبضه على وانده وامتحانه إياه بالذبح فيمن قبض معه من قرابته، وقد مرت الإشارة للقضية فيما أسلفناه. وفاته: توفى سنة أربع وتسعين وخمسمائة في سن الثمانين. 391 - عبد الله بن محمد بن عيسى. التادلى الأصل، الفاسى الدار، المكناسى الإقبار. حاله: علامة متفنن، فقيه أديب، شاعر مفلق، حسن الخط جليل القدر، له رسائل وأشعار، مع شجاعة وصرامة عرف بها، تولى قضاء مدينة فاس على عهد أبى يعقوب اللمتونى يوم السبت سادس عشر ذى الحجة سنة تسع وسبعين وخمسمائة، كما تولى قضاء بسطة وغيرها، وكان من أعدل القضاة، واستوطن مكناسة ودخل الأندلس في آخر الدولة اللمتونية، ولقى أبا بكر بن العربى بإشبيلية، وهم بالسماع منه فصده الفقهاء للتباعد الذى كان بينهم، وكان والده أبو عبد الله من حفاظ المذهب المالكى مشاورا بفاس. مشيخته: روى عن أبى بحر الأسدى، وأبى محمد بن عتاب، وأجازا له وهو آخر من روى عنهما بمغرب العدوة، وصحب القاضى أبا الفضل عياضا، ولقى ابن بشكوال فأجاز له ولم يعول إلا على ابن عتاب، وأبى بحر، ولم يعتمد على غيرهما، وبسببهما أخذ الناس عنه كثيرًا لانفراده بهما أخيرًا، وقيل: إنه صحب أبا بكر بن الصائغ الحكيم بألمرية. الآخذون عنه: منهم أبو عبد الله بن حوط، وأبو عبد الله الحضرمى، وأبو الحسن بن القطان، وأبو الربيع بن سالم، وأبو الخطاب بن خليل، وأبو عبد الله الأزدى، وأبو الحسن الغافقى في جماعة. قال ابن خليل: وكتب لى بالإجازة من مراكش. ¬

_ 391 - من مصادر ترجمته: جذوة الاقتباس 2/ 421.

392 - عبد الله بن أبى مدين الحاجب العثمانى

شعره: من ذلك قوله مخاطبا ابن مضا. يا غارسا لى ثمار مجد ... سقيتها العذب من زلالك أخاف من زهرها سقوطا ... إن لم يكن سقيها ببالك ولادته: ولد سنة إحدى عشرة وخمسمائة. وفاته: توفى بمكناسة مغريا عن وطنه سنة سبع وتسعين وخمسمائة عن سن عالية، وقال ابن فرتون توفى قرب الستمائة وقد اختل عقله من الكبر كما في الجذوة. 392 - عبد الله بن أبى مدين الحاجب العثمانى. نسبة لبنى عثمان من زواوة بجاية من البربر، ونزلوا مصمودة الغرب بجبال وزان منها. حاله: له مشاركة في الفقه، وشعر وسط، بيته بيت فقه وكتابه، وثروة وحجابة، استوطن سلفه قصر كتامة، وهو أول من انتقل منهم من القصر المذكور، رحل إلى مدينة مكناسة واستوطنها، وبرز عدلا في سماط عدولها لمعرفته بالوثائق، وكان يخالط الرؤساء وولاة الأمر، ويقول لأصحابه: لابد لى أن أخدم السلطان، وأدبر الدول ونستولى على الأمر، فخرج يوما من مكناسة إلى نزهة مع جماعة من الفقهاء أصحابه، فلما أخذوا في أطراف الحديث قال لهم على قوله: لا بد أن أدبر الدول، فليشته كل واحد منكم ما يريد ويطلبه منى أعطه إياه، فطلب كل واحد، منهم ما في أمله، فطلب الفقيه ابن زغبوش قضاء بلاده مكناسة فمكنه منها لما مكنه الله تعالى من تدبير الدول، وأعطى لبقية أصحابه ما سألوه منه في النزهة خارج مكناسة قبل اتصاله بالملوك وفاء بالعهد ورعيا لسالف الود: إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا ... من كان يألفهم في المنزل الخشن

ثم ارتحل لمدينة فاس واستوطنها، وتعلق بالحاجب الكاتب صاحب العلامة محمد بن محمد الكنانى حاجب يعقوب بن عبد الحق المرينى ورسوله في أسفاره وكاتب علامته، فاختصه الحاجب الكنانى لنفسه يعلم أولاده مع أولاده الوزير عمر ابن الوزير السعود بن خرباش الحشمى، فلما علم أولاد الحاجب الكنانى القرآن وكان من أولاده الفقيه العالم الحافظ ذو الوزارتين أبو المكارم منديل بن الحاجب الكنانى، طلب عبد الله بن أبى مدين من الحاجب المذكور أن يدينه من الخدمة بدار السلطان يعقوب بن عبد الحق، فقدمه يكتب علف الخيل وجعل له على ذلك مرتب تلك الخطة وهو ثلاثون دينارا فضية في كل شهر. ثم طلب منه بعد ذلك بمدة أن يرقيه، فقدمه يكتب البطائق بحضرة يعقوب ابن عبد الحق فكتبها مدة إلى أن مات الحاجب الكنانى، وولى مكانه أخوه سعيد ابن محمد أبو الطيب، ثم مات أبو الطيب فولى مكانه محمد المدعو حمو بن أبى الطيب، فتخلف وخرج عن خطة الكتابة وأخذ في الفروسية والصيد وضيع الخدمة السلطانية، ولزم ابن أبى مدين القعود في مشور السلطان يكتب الصكوك من أول النهار إلى آخره، فشكر له السلطان ذلك ثم زاحم به السلطان حمو الكنانى، وأطلق يديه على العلامة إلى أن عزله عنها وثبت المترجم فيها -وبقى الكنانى إلى أن أدرك على بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق وقتل في خدمته بالقيروان في عام خمسة وسبعمائة- فامتاز ابن أبى مدين بالعلامة عند يعقوب بعد أن شاركه فيها إدريس المخزومى، ويحيى المليانى، ومحمد العمرانى. ثم تخلصت له العلامة والحجابة وتدبير الدولة مدة دولة يعقوب، ودولة ولده يوسف, ودولة عامر بن عبد الله بن يوسف، ودولة أخيه أبى الربيع سليمان، وأبو الربيع هو الذى قتله.

393 - عبد الله بن الحسن اللخمى عرف بابن الأصفر

والسبب أن الحاجب خليفة بن إبراهيم ابن رقاصة اليهودى زاحمه في حجابة أبى الربيع، وكان المترجم لا يفصل شيئا إلا عن إذن خليفة ومشورته، ثم إن خليفة ابن رقاصة اليهودى افتعل براءة مزورة ونسبها إلى جارية من جوارى السلطان تعلم فيها المترجم أنها تحبه، وأعطاها له اليهودى معنونة عند انصرافه إلى داره، وأمره أن يجعلها في جيبه، وأن لا يقرأها إلا بعد وصوله لداره ففعل، فعندما جعلها في جيبه قال لأبى الربيع خبرها فامتعض أبو الربيع لذلك، وأمر عنصال قائد النصارى بقتل ابن أبى مدين فقتله عند قبر أبى بكر بن العربى. ثم فحص أبو الربيع عن الحكاية فوجدها مزورة، وأحضر كاتبها بين يدى السلطان وأخبره أن اليهودى أمره بكتب الرسالة عن إذن الجارية وذلك من غير أن يعلم الكاتب أن الجارية لأبى الربيع، وإنما قال له: إنها من أهل الزنى، وأنها تحب الاجتماع معه، فطلبت من اليهودى أن يكتب لها ذلك الكتاب عن إذنها فطلب اليهودى منه كتب ذلك، فكتبه خوفا من سطوته ومكانته عند الأمير، فأمره الأمير إذ ذاك أن يكتب بيده وهو ينظر ليزداد يقينا ففعل، وقوبل الخط بالخط والأمير ينظر فوجد الخط واحدًا، وتيقن السلطان اختلاق اليهودى وبهته، فاشتد غيظه عليه وعظم النكير عليه، وصعب عليه ما فعل، وندم حيث لا ينفع الندم، وأمر بقتل اليهودى اللعين فقتل من يومه، بعد أن كان هذا اليهودى بلغ في الحجابة غاية يقصر عنها الوصف، أورد ترجمته ابن الأحمر في تأليفه في بيوتات أهل فاس. الآخذون عنه: منهم ذو الوزارتين الحافظ أبو المكارم منديل الكنانى. 393 - عبد الله بن الحسن اللخمى عرف بابن الأصفر. حاله: وصفه تلميذه الإمام أبو عبد الله محمد بن جابر الغسانى في شرحه على منظومة التلمسانى في الفرائض: بالشيخ الفقيه الأعدل، وذكر عنه أنه توجه إلى السلطان أبى العباس المرينى في طلب حسبة مكناسة، فعسر عليه أمرها فنظم:

394 - عبد الله بن حمد -بفتح الحاء والميم من غير ألف-

يا باسط الرزق كلَّ السعى والطلب ... وأنت لو شئت هان الأمر والسبب لكن رجوتك في رزق تيسره ... من حيث لم أحتسب أو حيث أحتسب شعره: أنشد أبا عبد الله بن جابر الغسانى لنفسه: يا من لديه مفاتح الأرزاق ... وله المشيئة والدوام الباقى كثر التفاتى للخلائق شاكيا ... وحقيقة الشكوى إلى الخلاق فترددى فيما لديك إلى الورى ... عجز وقد عجزوا على الإطلاق لكن بسطت رجائى بسط مؤمل ... متوسل لك باسمك الرزاق في عطفة الملك المؤيد أحمد ... ذى الخلقة الحسنى وذى الأخلاق 394 - عبد الله بن حمد -بفتح الحاء والميم من غير ألف- من بيت بنى حمد، أحد بيوتات فاس الشهيرة. حاله: فقيه عالم عامل صالح، ولى كامل فالح، متواضع حسن الخلق، متبرك به حيا وميتا، آية الله في الزهد والورع والعبادة واتباع السنة، له مناقب كثيرة، وكرامات ظاهرة شهيرة، ارتحل من فاس للشرق، ولقى خيار المشايخ، فأشار عليه بعضهم باستيطان مكناسة. قال العلامة الحافظ سيدى العربى بن يوسف الفاسى في تقييده في العقوبة بالمال: وقد سمعنا مشايخ فاس يحكون عمن قبلهم أن الشيخ العالم الولى سيدى عبد الله بن حمد دفين خارج مكناسة الزيتون، سار بركب إلى الحج والتزموا التزاما يأخذونه ممن يغتاب منهم أحدًا، فجمعوا من ذلك مالًا وافرًا واجتازوا بتونس، فسألوا الشيخ ابن عرفة عن ذلك فأفتاهم بأكله هـ، أى لأن ذلك ليس من ¬

_ 394 - من مصادر ترجمته: جذوة الاقتباس 2/ 424، درة الحجال 3/ 53، الروض الهتون - ص 114، كفاية المحتاج 1/ 173، نيل الابتهاج 1/ 247.

باب الإلزام وإنما هو من باب الالتزام، التي يقال فيها ادخلوها بسلام، وفيما جمعه أبو زيد الفاسى من تقرير والده على البخارى بعد كلام: وليس منه ما وقع لأصحاب الشيخ سيدى عبد الله بن حمد حين توجههم إلى المشرق، وأنهم تعاقدوا أن من لم يحضر الجماعة فعليه كذا، ومن اغتاب أحدًا فعليه كذا حتى جمعوا من ذلك مالًا كثيرا فتوقفوا فيه، فلما مرَّوا بابن عرفة أجار ذلك لأن هذا بموافقتهم هـ. وكان المترجم مجاب الدعوة، وكان وزير وقته يعظمه جدا ويقضى له حوائج الناس حتى أفسد بعضهم نية الوزير فيه، فصار لا يقضى له حاجة فبحث عن سببه فذكر له خبر الرجل، فقال الشيخ منجلى في منجله على كلام العامة ثم قال: اللهم خذه من حيث اطمأن، ثم قدر الله أن ذكر له الوزير شيئا من سر السلطان وخاف أن ينمه عليه فأمر بذبحه فجأة. ومن مآثره الخالدة التالدة أحباسه الوافرة على الضعفاء والغرباء والمنقطعين وذوى العاهات، التي لا زالت تجرى عليهم من محصولاتها الجرايات مياومة ومسانهة. وقد ترجم هذا الشيخ الإمام صاحب درة الحجال، وجذوة الاقتباس، والسودانى في الديباج وكفاية المحتاج، والإمام ابن غازى في روضه وفهرسته، والحافظ أبو زيد الفاسى في بيوتات فاس، وغير هؤلاء. قال أبو زيد الفاسى: إنهم من فريق من البربر وإنهم بيت علم وثروة هـ. وقال في الروض الهتون: له بيت حسب بفاس، كان ارتحل منها للمشرق (¬1) ولقى الأخيار من المشايخ (¬2) هـ. ¬

_ (¬1) في الروض الهتون: "للشرق". (¬2) الروض الهتون - ص 114.

ويوجد في لوح خشب منقوش ملصق بجدار من جدرات قبة ضريح صاحب الترجمة ما لفظه بعد البسملة: هذا ضريح العارف بالله الولى الأشهر سيدى ومولاى عبد الله بن حَمَد الشريف الحسنى، نفعنا الله به، ثم ذكر سنده الآتى في مشيخته. قلت: ولعل معتمد شيخنا أبى عبد الله محمد بن جعفر الكتانى في سلوته في الجزم بكون المترجم شريفا حسنيا، هو ما في ذلك اللوح، وهو ليس بشئ، كيف وقد ترجمة غير واحد من المحققين النسابين ولم يشر واحد منهم لكونه حسنيا، بل وقع التصريح ممن يعتمد ويرجع لقوله بأن بيت بنى حمد الشهير بفاس الذى هو منه بربر، ومن نمط ما في اللوح المشار له ما صرح به العارف الكامل الشريف المولى عبد القادر العلمى في بعض أزجاله الملحونة فلا تغترر به، ومعلوم أن كل فن يرجع فيه لأهله، ورب البيت أدرى بما فيه، والشرف لا يثبت شرعا بطريق الكشف. مشيخته: أخذ عن سيدى على وفا، عن والده سيدى محمد، عن سيدى داود الباخلى، عن سيدى أحمد بن عطاء الله عن أبى العباس المرسى، عن أبى الحسن الشاذلى، عن مولاى عبد السلام بن مشيش، عن سيدى عبد الرحمن المدنى، والشيخ تقى الدين الفقير، عن الشيخ فخر الدين، عن الشيخ شمس الدين محمد، عن الشيخ زين الدين محمد العروسى، عن الشيخ أبى إسحاق إبراهيم البصرى، عن الشيخ أبى القاسم أحمد المروانى، عن الشيخ أبى محمد سعيد، عن الشيخ سعد، عن الشيخ فتح السعود، عن الشيخ سعيد الغزوانى، عن جابر بن عبد الله الصحابى، عن سيدنا ومولانا الحسن، عن جده سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم -، هكذا هذا السند في اللوح المشار له. الآخذون عنه: منهم: الإمام القَوْرى، وابن الفتوح دفين روضته المترجم فيما مر، وأبو زيد القرمونى وجماعة.

395 - عبد الله بن العريف

وفاته: توفى بمكناسة الزيتون سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة على ما في الجذوة والدرة واللوح المشار له في جدار ضريحه، وقال الونشريسى في وفياته: عام واحد وثلاثين هـ، وإلى الرمز لوفاته أشار صاحب الإعلام بلفظ أظلا من قوله. موت الرضا ابن حمد أظلا ... به الشجا علينا في (أظلا) وضريحه مزارة شهيرة مقصودة للتبرك، مجربة لإجابة الدعاء خارج باب البرادعيين أحد أبواب الحضرة المكناسية. 395 - عبد الله بن العريف. حاله: فقيه عالم، عدل رضى، كان مجتهدا في طلب العلم، ورحل لفاس وأخذ عن الأستاذ أبى زيد الجادرى مقصورة شيخه أبى زيد المكودى شارح ألفية ابن مالك في النحو المتوفى بفاس عام واحد وثمانمائة، وموضوع هذه المقصورة مدح الجناب النبوى، وقد نكت ناظمها فيها على حازم وابن دريد حيث أخليا مقصورتيهما من مدح المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، الذى هو كنز كل ربح وغنى، وتحتوى هذه المقصورة على مائتى بيت نثنية وأربع وتسعين بيتا مطلعها: أرقنى بارق نجد إذ سرى ... يومض ما بين فرادى وثنى أهبنى إذ هب منه موهنا ... ما سد ما بين الثريا والثرى فيا له من بارق ذكرنى ... من الهوى ما كنت عنه في غنى أثار شوقا كان منى كامنا ... بين ضلوع طال ما بها ثوى فكان قلبى المجتوى إذ هاجه ... كالزند إذ أوراه مور فورى وسح سحب مقلتى فما بقى ... نوع من الدمع بها إلا همى ما كنت أدرى قبل أن أنفدته ... أن البكا يمنعني من البكا

396 - عبد الله بن محمد بن موسى بن محمد بن معطى العبدوسى -بفتح العين وضمها- الفاسى المكناسى

إلى أن قال: مقصورة لكنها مقصورة ... على امتداح المصطفى خير الورى ما شبتها بمدح خلق غيره ... لرتبة أحظى بها ولا جرى فاقت علاء كل ذى مقصورة ... وإن هم نالوا الأيادى واللهى فحازم قد عد غير حازم ... وابن دريد لم يفده ما درى وروى عنه وعن غيره غيرها، وظهرت نجابته، إلا أنه اخترمته المنية في صغره كما اتفق لمعاصره أبى الفضل ابن المجراد بمدينة سلا، وكان أمر الله قدرا مقدورا. ذكره ابن غازى في روضه من جملة علماء حاضرتنا المكناسية وفضلائها قال: ولم أدرك هذا الفاضل، وقد كانت بيننا وبين نجله القاضي الأرضى الأعدل أبى عبد الله محبة ومؤاخاة، وكان له حسن عهد ما رأيته لغيره رحمه الله هـ. مشيخته: أخذ عن الإمام المحدث الميقاتى أبى زيد عبد الرحمن بن مخلوف الجاردى المولود سنة ست أو سبع وسبعين وسبعمائة المتوفى بفاس سنة ثمان عشرة وثمانمائة، وقيل سنة نيف وأربعين، وقيل تسع وثلاثين والله أعلم، وأخذ عن غيره من شيوخ فاس ومكناس وقد غابت عنى وفاته حال الكتابة. 396 - عبد الله بن محمد بن موسى بن محمد بن معطى العبدوسى -بفتح العين وضمها- الفاسى المكناسى. قال صاحب التعلل برسوم الإسناد: فهو -أى المترجم- مخضرم فاسى مكناسى. ¬

_ 396 - من مصادر ترجمته: توشيح الديباج - ص 95، الضوء اللامع 5/ 67، كفاية المحتاج 1/ 175، نظم العقيان - ص 122، نيل الابتهاج 1/ 249.

حاله: إمام فقيه، عالم صالح، محدث حافظ بارع، كامل المشاركة، شيخ لجماعة الفقهاء والصوفية، انتفع به خلق في العلمين، وأمات كثيرا من البدع، وبذل النصح للأمة، وأقام الحدود والحقوق، أكثر علمه فقه الحديث، حفظ مختصر مسلم للقرطبى في كل خميس خمسة أحاديث، كان أبوه يعطيه عليها درهما، وكان يشترط العزل في النكاح فرارًا من الولد لفساد الزمان، وكان لا يفارق كمه الشمائل، وكان يعمل الخوص ويعطيه رجلا لا يعرف أنها له يبيعها ليتقوت بثمنها في رمضان، وكان لا يدخر شيئا حتى إنه لما توفى لم يوجد عنده في تركته غير برنس ودراعتين، وحسبوا ما كان يدخل عليه مع ما كان ينفقه فوجدوه أكثر من مدخوله. ولى الفتيا بالديار المغربية، وانتهت إليه الرياسة فيها، نقل الونشريسى في معياره جملة صالحة من فتاويه، وتولى في آخر أمره خطابة جامع القرويين بفاس، ومناقبه كثيرة، قال في نيل الابتهاج: جمع فيها بعض أصحابنا تأليفا ذكر فيه كثيرًا. هـ. وكان راسخ القدم، آية في الحفظ، قطبا في السخاء، إماما في نصح الأمة محبا في الصالحين، معظما آل البيت. قال في الدر النفيس: وكان يعظم الإمام إدريس بن إدريس ويزوره، وهو الذى أمر بكتب ما على المشهد الذى على قبره والثناء على شرفه. مشيخته: أخذ عن والده ومن في طبقته من فطاحل شيوخ وقته. الآخذون عنه: منهم ابن آملال، والقَوْرى، وأبو محمد الورياجلى، وخلق. مؤلفاته: منها الفتاوى المشار لها إلا أنه لم يجمعها في ديوان، ونظم في شهادة السماع. وفاته: توفى فجأة وهو في صلاة المغرب في جمادى الثانية، وقيل ذى

397 - عبد الله بن محمد اليفرنى

القعدة سنة تسع وأربعين وثمانمائة، ورمز لوفاته صاحب الإعلام بحروف لفظ خرطم من قوله: موت الرضا العبدوسى عبد الله ... في (خرطم) الممات كل ساه 397 - عبد الله بن محمد اليَفَرْنى. الشهير بالمكناسى -نسبة لمكناسة الزيتون- كما صرح بذلك ابن غازى في الروض في فريق المترجم قائلا: ولها ينسبون. حاله: فقيه علامة، فرضى جليل حيسوبى، كان قائما على كتاب الحوفى. وفاته: توفى بمدينة فاس سنة ست وخمسين وثمانمائة. 398 - عبد الله الخياط. دفين جبل زَرْهُون، الولى الشهير ابن إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم، ينتهى نسبه على ما في جواهر السماط وغيره، إلى العارف الشهير سيدى أحمد الرفاعى الشريف الحسنى. حاله: فقيه علامة، مدرس نفاع، كثير الاتباع للسنة وحضور مجالس العلم والحض على التعليم، من كبار مشايخ الصوفية المربين الصادقين، الذين نفع الله بهم، كان له أحوال سنية، وأفعال سنية، وشعائر مرضية، ظاهر الاستقامة على سنن السلف الصالح وهديهم، يدل على الله بحاله ومقاله، أظهر الله على يده كرامات دالة على صحة ولايته، وصفاء طويته، وتنوير سريرته. وكانت له زاوية عظيمة لإطعام الطعام لم يكن لأحد مثلها في عصره، وكان موئلا لأهل العلم والدين، وموردا للضعفاء والمساكين، وكان يربى أصحابه كما ¬

_ 397 - من مصادر ترجمته: لقط الفرائد في موسوعة أعلام المغرب 2/ 761. 398 - من مصادر ترجمته: دوحة الناشر في موسوعة أعلام المغرب 2/ 859.

يربى المعلم الصبيان، ويحضهم على الصلاة في وقتها، عالى الهمة، ممتع المجالسة، طيب المؤانسة، كامل العقل، سديد الرأى، جميل المعاشرة، ينزل الناس على قدر منازلهم، مراعيا للصحبة حق المراعاة وأكملها. دخل مكناسة الزيتون في سن الاحتلام مع ابن خالته سيدى عمر الخطاب دفين جبل زرهون، وكان يقرأ القرآن معه بها في مكتب واحد على مؤدب واحد، ثم دخل لفاس، ولقى علماءها، ثم خرج للسياحة فلقى كثيرا من المشايخ، ثم ذهب لزرهون بإذن من شيخه سيدى أحمد المليانى، وطاف البلاد في مقدمه، فدخل مراكش، وَمرّ بدكالة، فتادلا، ثم استقر بمكناسة الزيتون، وصحب الشيخ محمد بن عيسى الفهدى المختارى، وكانت بينهما محبة عظيمة، وموالاة كبيرة، ثم رحل لجبل زرهون، واشتغل بعبادة ربه، وتجرد لإذايته أهل القليعة من الزراهنة حتى الصبيان منهم، ثم انتقم الله منهم بدعائه عليهم، واشتهر أمره وطار صيته، وأقبل الناس عليه من كل ناحية حتى كان بزاويته ما ينيف على الألف من حملة القرآن العزيز، وكانت زاويته آهلة بنشر العلم وبثه في صدور الرجال آناء الليل وأطراف النهار. ومن كلامه رضى الله عنه: واعلم أنه لا يسمى العارف عارفا وله دعوى، ولا يسمى المحب محبا وله شكوى، ولا يسمى الموحد موحدًا وله اعتراض، ولا يسمى السالك سالكا وله اختيار، ولا يسمى المريد مريدا وله إرادة، من لم يضبط المحسوسات، لا يقدر على ضبط المدسوسات، إذا رأيت السالك لا يفرق في سلوكه بين الاستقامة والاعوجاج، فكفى بجهله دليلا على الاستدراج. وله كلام عال نفيس في الطريق، وقد أُفردت ترجمته بالتأليف. ودعى بالخياط لمسحه بيده المباركة على رجل من خدام السيد أحمد المليانى كان يستقى له الماء، فاتفق أن ضربته بقرة أحدثت في جسده فتقا فالتأم ذلك الفتق

بمجرد وضع يد المترجم عليه كرامة له رضى الله عنه، وذلك بإذن من شيخه سيدى أحمد بن يوسف المليانى المذكور، إذ قال له لما حدث بخديمه ما ذكر خيطها له يا سيدى عبد الله بن إبراهيم الرفاعى: الله يرفع مقامك على جميع الأشياخ الحاضرين، فدنا منه، ومسح بيده المحل المصاب، فقام الرجل من حينه ليس به شئ، أفاده في جواهر السماط. مؤلفاته: منها الفتح المبين، والدر الثمين. في فضل الصلاة والسلام على سيد المرسلين، وقفت عليه بخزانة وزان عام أربعة وأربعين وثلاثمائة وألف، في جزء وسط. مشيخته: أخذ عن السيد الحسن بن عمر أجانا، وأحمد بن يوسف المليانى المتوفى في العشرة الثالثة بعد التسعمائة بمليانة، وقبره مزارة شهيرة ثَمّ. أما الطوائف المبتدعة التي تنسب إليه المعروفة باليوسفية فليسوا على شئ من أحوال الشيخ، بل هم مارقون من الدين بمعزل عن سبيك المهتدين، عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. الآخذون عنه: منهم الشيخ الصالح الناصح أبو الطيب بن يحيى اليحياوى دفين ميسور المتوفى في ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وتسعمائة كما في مرآة المحاسن، ومنهم السيد محمد فتحا العائدى دفين خارج باب الفتوح أحد أبواب مدينة فاس المتوفى في شهر رمضان عام أربعة وثمانين وتسعمائة، ومنهم أبو عمران موسى بن على، دفين زرهون وخلق. ولادته: ولد بقابس سنة تسع وثمانين وثمانمائة. وفاته: توفى مسموما سنة تسع وثلاثين وتسعمائة، ودفن بزاويته الشهيرة من جبل زرهون.

399 - عبد الله بن إبراهيم بن الجندوز

399 - عبد الله بن إبراهيم بن الجندوز. ابن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد فتحًا بن بهاء الدين بن الحسن بن الفضيل بن عبد الواحد بن محمد فَتْحًا بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن على بن عيسى بن إبراهيم بن محمد فَتْحًا بن الحسن بن جعفر بن عبد الله بن الحسن المثلث بن المثنى بن الحسن السبط بن مولانا على كرم الله وجهه ومولاتنا فاطمة الزهراء البتول رضى الله عن جميعهم. هكذا وقفت على عمود هذا النسب في نسخة شجرة نسب والد المترجم عليها تصحيحات جماعة من الأعلام، منهم: القاضى محمد الغرناطى، وأبو وكيل ميمون الفخار، وأبو وكيل ميمون الفخار، وأبو القاسم بن نعيم وبعد الكل ما نصه: الحمد لله حق حمده، وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وعبده، أعلم بخطوط السادة عام عشرة وألف الإمام العلوى والسلطان الحسنى والجانب العالى بالله مولاى عبد الله بن مولاى زيدان ابن أمير المؤمنين أحمد الذهبى، كان الله له ولوالديه في الدارين آمين. حاله: نشأ في حجر والده بجزولة من سملالة بالسوس الأقصى على ما في الشجرة المشار لها، وكان من أهل العلم والدين والخير والصلاح والفضل، صرفه الله تعالى في الجن فكان كل من استجار به ممن به مس الجن يعجل الله شفاءه فشهر بذلك، وأقبل الناس عليه، وأذعنوا لفضله، وعلموا مكانته عند مولاه، ولا زال ضريحه إلى الآن قرب بنى عمار أحد مداشر جبل زرهون مقصودًا عند العوام والخواص لذلك، وهو مرهم لذلك الداء قاطع. وبعد وفاة والده رضى الله عنه، وذلك عام أربعة وتسعين وثمانمائة، انتقل إلى محروسة فاس بقصد قراءة العلم، فأقام بها اثنى عشرة سنة، ثم توجه لزاوية زَرْهُون بقصد زيارة مولانا إدريس الأكبر رضى الله عنه وأرضاه، فأقام بها أربعة

400 - عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبود بن على بن عبد الرحمن بن أبي العافية المكناسى الشهير بابن القاضى

أشهر وخمسة عشر يوما، ثم ندبه بعض تلاميذه للخروج معهم لمحلهم حيث مدفنه الآن، فلبى دعوتهم واستقر به النوى هنالك، ولم يزل مقيما ثَمَّةَ، إلى أن نقله الله إليه، ولم يعقب. وفاته: توفى سنة اثنتين وسبعين وتسعمائة، وضريحه بالمحل المذكور بجبل زَرْهُون من أشهر المزارات المقصودة للزوار، ينسل إليها الناس من كل حدب إلى الحين الحالى. 400 - عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبود بن على بن عبد الرحمن بن أبي العافية المكناسى الشهير بابن القاضى. حاله: فقيه علامة، يستظهر مختصر خليل والرسالة، والألفية عن ظهر قلب. مشيخته: أخذ عن أبى بكر السراج المولود سنة إحدى وعشرين وتسعمائة، المتوفى بفاس عام سبع وألف، وعبد الواحد اليحمدى المتوفى سنة ثلاث وألف، وأبى العباس القدومى، وأبى عبد الله بن مجبر المولود سنة ثمان وتسعين -بتقديم المثناة- وثمانمائة، المتوفى في المحرم سنة خمس وثمانين وتسعمائة وغيرهم. وفاته: توفى بمدينة فاس سنة سبع وثمانين وتسعمائة. 401 - عبد الله مولى الرئيس الأوحد أبى عثمان سعيد بن حكم (¬1). صاحب مَيُورْقةِ بفتح الميم وضم الياء المثناة تحت وسكون الراء بعدها قاف مفتوحة فتاء. ¬

_ 400 - من مصادر ترجمته: لقط الفرائد في موسوعة أعلام المغرب 2/ 937. 401 - من مصادر ترجمته: رحلة العبدرى - ص 280. (¬1) تحرف في المطبوع إلى: "حكيم" وصوابه من ملء العيبة 2/ 329، ورحلة العبدرى - ص 280.

402 - عبد الله بن على المعروف بالحجام الصبيحى

حاله: فقيه علامة، راوية محدث، وصفه العبدرى في رحلته بالفقه والحديث والاهتمام بالعلم والاعتناء بالرواية، قال: وقد وقفت على فهرسة شيوخه وقد شاركته في بعض شيوخه الذين ذكرهم، قال: وقد كان في أملى الاجتماع به ولم يقض له به هـ (¬1). وقد كان بقيد الحياة سنة ثمان وثمانين، إذ سفر العبدرى كان في الخامس والعشرين من ذى القعدة من التاريخ المذكور حسبما أفصح بذلك العبدرى في رحلته المنقول عنها. 402 - عبد الله بن على المعروف بالحجام الصبيحى. دفين جبل زرهون. حاله: شيخ صالح حسن الأخلاق متحمل أذى الخلق، وكانت له زوجة سيئة الأخلاق تؤذيه جدا، فقال له بعض أصحابه هلا طلقتها؟ فقال له: لو فعلت لابتلى بها مسلم غيرى. وله أتباع كثيرون، ونية صالحة، ومعتقد صحيح، وأخلاق حسنة، ودين متين، مقصود للزائر، مزدحم للتسليم عليه، مشهور البركة في الديار المغربية، صاحب كرامات ظاهرة، وأحوال خارقة، من ذلك أن رجلًا جاء لزيارته وهو لا يعرفه فوجده في سفح الجبل فقال له وهو لا يعرفه: أين سيدى عبد الله الحجام؟ فقال له الشيخ: وما حاجتك به؟ قال: جئت أزوره لوجه الله تعالى، فقال له الشيخ: والله لا تطلع إليه إلا محمولا على ظهرى حيث كان قصدك زيارته لله تعالى فقط، فحمله على ظهره فلما بلغ به داره وعرفه نفسه وتكلم معه، قال: يا سيدى نريد منك أن تكلم حاكم البلاد في مسألة كذا، فقال له الشيخ: قد خدعتنى، والله لتردنى على ظهرك إلى الموضع الذى حملتك منه، وكان المترجم ¬

_ (¬1) رحلة العبدرى - ص 80. 402 - من مصادر ترجمته: نشر المثانى في موسوعة أعلام المغرب 3/ 1064.

403 - عبد الله الجزار.

جسيما فحمله إلى ذلك الموضع. قال في الصفوة بعد إيراده هذه الحكاية: هكذا رأيت الحكاية بخط شيخنا الفقير الصوفى أبى عبد الله محمد بن عبد الرحمن، ويقال: إن ذلك وقع للزائر مع بعض قرابة الشيخ، والله أعلم. مشيخته: أخذ عن سيدى عمر الخطابى دفين جبل زرهون عن التباع. وفاته: توفى عام واحد بعد الألف، ودفن على رأس مدشر زاوية مولانا إدريس الأكبر المعروف الآن بخبير من جبل زرهون، وبنيت عليه قبة، وضريحه إلى الحين الحالى من أشهر المزارات المقصودة للتبرك بها. 403 - عبد الله الجزار. دفين الحضرة المكناسية. حاله: سمعت من غير واحد أنه كان من كمال العارفين المتبرك بهم أحياء وأمواتا، وأن الدعاء بضريحه جربت إجابته مرارا، قال في حقه صاحب جواهر السماط ما لفظه: كان رحمه الله ورعا سنيا، وكان في ابتداء أمره جزارا، وكان يتورع في البيع والشراء، فلا يشترى الغنم إلا من قوم عرف طيب مكسبهم، ثم يذبحها فيبيعها بأرجح ميزان، وما فضل له من الربح يذهب به لزاوية الشيخ الخياط -يعنى شيخه سيدى عبد الله المترجم قبل- فيفرقه على الفقراء، ثم ترك بيع اللحم ولازم الشيخ الخياط إلى أن كان منه ما كان هـ. ولم أقف على زائد يتعلق بترجمته غير ما هو منقوش في الخشب الذى على ضريحه بخط بارع، أخذت في مناولته يد البلى نقلته هنا صونا له من الإتيان على باقيه، وغير ما هو منقوش في لوح خشب أيضا ملصق بالجدار ثمة، ودونك لفظ ما هو منقوش في الخشب الذى على الضريح: الحمد لله العلى البارى ... ملك الملوك وفاتح الأسرار ثم الصلاة على النبي محمد ... سر الوجود ومنبع الأنوار

وعلى الأفاضل آله وأصحابه ... أهل الكمال القادة الأخيار هذا ضريح سامى المقدار من ... قد شاع في الآفاق والأقطار قف ضارعا متذللا تلق المنى ... تكف النوائب تحظ بالأوطار إن الوقوف ببابهم أصل الغنى ... ما في وقوفك ساعة من عار وإذا قصدت لمثل عبد الله ذا ... فاقصد وسل مولاك بالجزار وبشيخه والطائعين لربهم ... أهل التقى في حضرة ووقار كم حاجة قضيت لمن قد أمه ... والواردين ببحره الزخار ... ... ... ... ... (1) كافيا ... فكاك ماسور من الكفار فعليه منى ألف ألف تحية ... كالمسك نسمته مع الأزهار ... ... ... ... . (¬1) ... من هجرة المختار مشيخته: في اللوح الخشبى الملصق بالجدار المشار له، أنه أخذ عن الحارثى بن موسى بن خشان (كذا) عن عبد الله موسى بن على مولى آية رأس، عن على بن قاسم الدكالى، عن موسى بن على مولى الصخرة، عن الشيخ الكامل محمد بن عيسى الفهدى المختارى، عن أبى العباس الحارثى، عن سيدى محمد بن سليمان الجزولى، عن سيدى عبد الله أمغار الشريف، عن أبى عثمان سعيد الهرتنانى، عن أبى زيد عبد الرحمن الرجراجى، عن أبى الفضل الهندى، عن عنوس البدوى، عن الإمام القرافي، عن أبى عبد الله المغربى، عن أبى الحسن الشاذلى، عن مولانا عبد السلام بن مشيش، عن أبى زيد عبد الرحمن المدنى، عن تقى الفقير، عن فخر الدين، عن أبى الحسن، عن شمس الدين، عن زين الدين ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: تلاشى أصله.

404 - عبد الله بن السلطان محمد الحاج الدلائى رحمه الله

القزوينى، عن إبراهيم البصرى، عن أبى القاسم المروانى، عن سعيد، عن سعد، عن فتح السعود، عن سعيد الغزوانى، عن جابر، عن سيدنا ومولانا الحسن بن على رضى الله عنهما وأرضاهما وعنا بهما آمين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشرف وكرم هـ. وقد أغفل أخذه عن سيدى عبد الله الخياط، وعلى كل حال فقد شارك شيخه في بعض مشيخته وإن أخذ عن تلاميذه وتلاميذهم، بل الله ثرى الجميع بالرحمة والرضوان. الآخذون عنه: منهم سيدى أحمد حجى كما في فهرسة الشيخ الإمام سيدى جعفر بن إدريس الكتانى المعنونة بإعلام الأئمة الأعلام وأسانيدها، بما لنا من المرويات وأسانيدها. وفاته: توفى على ما في اللوح المذكور أواخر الحجة سنة إحدى وستين وألف. 404 - عبد الله بن السلطان محمد الحاج الدلائى رحمه الله. حاله: إمام فقيه علامة مدرس، وقور حليم، جواد فياض، سخى كريم، فارس شجاع، بطل مقدام، جميل الوجه والقول، حسن السيرة والفعل، ذو سمت حسن، وحال مستحسن، وفراسة صادقة، ومؤانسة رائقة، ومعاشرة فائقة، من لدن صغره إلى كبره، وحصل من العلوم، ما يكل عنه راقم الرقوم، وله من مكارم الأخلاق، ما به كثيرًا من أهل زمانه فاق، وطار صيته في الآفاق. ولما قلد والده ولاية المغرب ولاه بسلا عاملا فأقام بها مدة نائبا عنه في الأحكام، وفصل معضلات الخصام، وتصدر للتدريس، وتصدى للقول بالحق والعمل النفيس.

وكان مواخيا له بها ومصاحبا، ومواليا له أيامها ومعه كاتبا، الفقيه الأجل، البركة الأفضل، أبو مروان عبد الملك التجموعتى، ثم نقله والده لمكناسة الزيتون وولاه بها مدة، وكان ينوب عنه تارة في الحروب وتارة في غيرها من ولايات الأحكام، وكان قد نزل على فاس بأمر والده حين تحالف أهلها مع الدريدى، وخالفوا على والده فحاصرها مدة من الأيام وأقلع عنها. وخرج فيمن خرج من الزاوية مع والده عند الوقعة العظمى بها عليهم، وسار فيمن سار معهما لتلمسان، وأقام بها إلى أن توفى والده، فذهب للمشرق بقصد حج بيت الله الحرام، وزيارة قبر نبيه عليه الصلاة والسلام. فلما قضى نسكه وطاف وزار، بقى في المشرق نحوًا من عامين اثنين، وانقلب راجعا عام خمسة وثمانين وألف في جملة من أتى معه مسافرا من المشرق، فلما قربوا من الجزائر أخْبِرُوا بثورة أهل تلمسان على الترك الذين بها، ولما وصلوا للجزائر وجدوا جيوش الترك خارجة منها قاصدة لقتال أهل تلمسان فخرجوا معهم من الجزائر، وأقاموا في أثناء الطريق، وتأخروا عن القدوم مع المحلة بعد أن أوصى المترجم رئيس المحلة باحترام أولاده الذين بالعباد، وأخبره بخبرهم فأنعم له بذلك. وبعد أن هدأت أصوات تلك الفتنة وخمدت نارها وتبين ما آل إليه أمرها، توجه المترجم لتلمسان، فوجد إخوانه أهل الزاوية الذين كانوا بالعباد قد رجعوا لفاس، ولم يبق أحد منهم يراعيه إلا ولده أبو العباس أحمد، فاستقرا بالعباد، بما لهما من الأهل والأولاد، إلى أن لبى المترجم داعى مولاه، وانتقل لما اختير له رحمه الله. مشيخته: أخذ عن والده وجماعة من جلة فحول زاويتهم الدلائية. الآخذون عنه: منهم ولده أبو العباس أحمد وجماعة.

405 - عبد الله بن المجذوب القصرى العبدرى

وفاته: توفى بتلمسان أواخر سنة ستة وثمانين، أو أوائل سبعة وثمانين وألف، ودفن بالعباد، ورثاه ولده المذكور بقصيدة طنانة رنانة اشتملت على اثنين وخمسين بيتا يقول في أولها: ألا هل فتى مثلى كئيب أُراسله ... يسائلنى عن موحشى وأُسائله يطارحنى أحزانه وهمومه ... وأشكو له قلبا دهته بلابله لعل التأسى يعقب القلب سلوة ... ويخمد وجدًا ليس تخبو مشاعله ويطفى بفيض الدمع حزنا تغلغلت ... بباطن أحشاء الحزين دواخله ومنها: فيا صاحبى إن كانت لى خير صاحب ... فساعد بجفن ليس يرقأ هامله على من شجا المجد الصريح مصابه ... وأضحت على رغم خلاء منازله همام حوى المجد المؤثل يافعا ... كما حازه من قبل ذاك أوائله قضى من طلاب العز أقصى مراده ... ولو عاش ما أعياه أمر يحاوله لهفى على موت المكارم والعلا ... بموت كريم يخجل السحب نائله وهى مذكورة بتمامها في البدور الضاوية. 405 - عبد الله بن المجذوب القصرى العبدرى. حاله: ولى صالح، دال على الله تعالى ناصح، ذو سر لائح، وبرهان واضح، متبرك به حيا وميتا، رحل إلى حج بيت الله الحرام، وفاز بنيل البغية والمرام، وقفت على رسم إراثته بتاريخ رابع جمادى الأولى عام سبعة وتسعين ومائة وألف بخطاب الشريف مولاى أحمد بن على الحسنى المترجم فيما مر.

406 - عبد الله بن محمد سميه بن الخياط بن محمد فتحا

وقبر المترجم من المزارات المكناسية المقصودة للزيارة وحصول بركة الاعتبار، عليه بناء حافل، وبإزائه مسجد تقام فيه الخمس، وأشار لذكره العفيفى الوقاد، في هداية السائل المطبوع بمصر سنة ست عشرة وثلاثمائة وألف. وضريح المترجم من أشهر الأضرحة بمكناس بالمحل المعروف بالكدية، لم يتزوج قط، ورثه بعد وفاته شقيقة أبو فارس عبد العزيز، ثم وفى وأحاط بإرثه ولده عبد الله دعى عب الذى من أحفاده الآن، سمى جده عبد العزيز وعبد الواحد، ووالد أخيهما السيد محمد بن سميه المدعو البنضاضى، وولد أخيهما إدريس، السيد محمد وشقيقة العلمى حسبما ذلك مثبوت عندهم بإراثات وظهائر سلطانية، وقع الوقوف عليها، حين منازعة أبناء عمهم لهم في فتوحات ضريح صنو جدهم المترجم هـ من خط بعض شيوخنا الأثبات. مشيخته: أخذ عن الشريف مولاى الرضى اليملاحى الوازانى، وأخيه مولاى المكى دفين رباط الفتح المتوفى في تاسع رمضان سنة إحدى عشرة مائة وخمسين، عن والدهما سيدى محمد، عن والده مولاى عبد الله الشريف، عن سيدى على بن أحمد الأنجرى، عن سيدى عيسى المصباحى. الآخذون عنه: أخذ عنه أبو العباس أحمد التواتى في جماعة. 406 - عبد الله بن محمد سميه بن الخياط بن محمد فتحا بن أحمد بن إبراهيم العطار الزرهونى الوربي القليعى منشأ عرف بالخياط. حاله: علامة مشارك، متفنن نقاد خبير، دراكة فهامة، مدرس نفاع، فقيه نوازلى، انتهت إليه رياسة التدريس والنوازل بالزاوية الإدريسية من جبل زَرْهُون، إليه كان المرجع في كشف عويصات المسائل العلمية هنالك، وكان يخبر عن نفسه أنه كان يحسن أربعا وعشرين علما.

ومن فوائده ما وجد بخطه على هوامش أواخر نسخته من شرح شيخه التسولى على التحفة ونصه: عَايَا (¬1) كاتبه عبد الله الخياط سمح الله له بفضله، جملة من أحبته الطلبة وفق الله الكل بمنه، في مسألة الخنثى يولد له من ظهره ومن بطنه معا، على ما لحافظ المذهب ابن رشد في مقدماته، وما للشيخ خليل في توضيحه، وهو ما نقلة شيخنا الشارح رحمه الله، بقوله: أُحاجى ذوى الحجا مفديهم بما ... لدى شرعنا نصا لذى العلم والحسب وذاك أمرؤ يعزى له ابنان وهو أب ... وأم ووزع وأنف بينهما النسب له إرثه من كل كالعكس ثم لا ... توارث بين ذين للفقد للنسب وأجاب نيابة عنهم بقوله أيضا: لك الله أيها المفدى لكلنا ... بأنفسنا والأهل والأم ثم الأب تعاى بما لنجل رشد وخلنا ... بخنثى له الولادتان ولا عجب فلله أبدا ما يشاء لملكه ... فسبحانه من واهب يا أخا الأدب ومعنى قولنا ووزع أن تجعله أبا لهذا الولد وأما للآخر هـ. مشيخته: أخذ عن الشيخ بدر الدين الحمومى، وأبى الحسن على التسولى وغيرها. الآخذون عنه: منهم الشريف سيدى الفضل الشبيهى إمام الضريح الإدريسي وخطيبه، والشريف مولاى الحسن بن الشريف العلوى في جماعة من الأعلام. وفاته: توفى بالوباء بمدشر موساوة أحد مداشر زرهون، عام خمسة وتسعين ومائتين وألف، ودفن بضريح سيدى عدو خارج الزاوية الإدريسية رحمه الله. ¬

_ (¬1) عَايَا فلانٌ: أتى بكلام أو أمر لا يُهتدى لوجهه. وصاحبَه: ألقى عليه كلاما لا يُهتدى لوجهه.

407 - عبد الله بن العرفاوى الخيارى المكناسى

407 - عبد الله بن العرفاوى الخيارى المكناسى. حاله: فقيه أديب، له مشاركة في فنون، مدرس مجود، شاعر مفلق، انتدبه بعض الفاسيين لإقراء أبنائه القرآن العظيم، فأسعف رغبته وانتقل معه لفاس، وأخذ عن جهابذتها النقاد، حتى انفتح له باب تحصيل العلوم العقلية والنقلية، وبرع وتصدر للإفادة في القرويين وغيرها، ثم رشح من انتدبه لإقراء أولاده لوظيف بثغر طنجة، فرحل في معيته وأقبل على بث العلم ونشره، وتعاطى خطة الإشهاد، فكان من المبرزين بطنجة، لقيته بها عند وجهتى لأداء فريضة الحج عام واحد وثلاثين وثلاثمائة وألف ناشرًا للعلم مفيدا، وطالعا في سماء النجابة والنزاهة بَدْرًا سعيدا، ولم يزل جميل السيرة، محمود السريرة، إلى أن لبى داعى مولاه. مشيخته: أخذ عن السيد فضول السوسى، والسيد فضول بن عزور والسيد محمد القصرى، والسيد محمد بن عبد السلام الطاهرى، والسيد محمد بن الحسين العرائشى، والسيد أحمد بن الخياط الزكارى، والسيد أحمد بن الجيلانى الفيلالى، والسيد الفاطمى الشرادى، والشريف مولاى أحمد البلغيثى، وأبى محمد عبد السلام الهوارى المتوفى سنة ثمانية وعشرين وثلاثمائة وألف، والحاج محمد فتحا جنون يدعى جنيون مصغرا المتوفى عشية يوم الجمعة ثامن عشرى شعبان عام ستة وعشرين وثلاثمائة وألف وغيرهم من الأعلام. شعره: من ذلك قوله مجيبا صاحبنا الفقيه العلامة الأديب السيد محمد فتحا ابن عبد الكبير بن الحاج السلمى الفاسى: وافى كتابكم السعيد موشحا ... بفرائد المكتوب والنفحات أبذرت في قلبى الكئيب حروفه ... وسقيتها بفرات ما العطفات طابت محبته بشمس ودادكم ... ولو أنها زرعت بأرض موات

408 - عبيد المدعو المظلوم

عجل لقطف ثمارها بوصالكم ... قبل الفوات بدفعها العبرات فعلى محمد الأديب تحية ... مارق شعر في بديع صفات وقوله مجيبا المذكور أيضا: قريبا يجود الإله بجمـ ... ـعنا بكم في قريب قريب فنار بعادكم أحرقت ... فؤاد لمحب الكئيب الكئيب وجسمى بمكناسة قاطن ... وقلبى بفاس نحيب نحيب يحن إلى فاضل ماجد ... حبيب نجيد أريب أريب فيارب جمعًا به فعسى ... ليلا أموت غريبا غريب فمن بوصل بعيد انفصا ... ل بجاه النبى الحبيب الحبيب عليه صلاة الإله الذى ... علينا عتيد رقيب رقيب وفاته: توفى بطنجة في شعبان عام تسعة وثلاثين وثلاثمائة وألف. 408 - عبيد المدعو المظلوم. دفين عاصمتنا المكناسية، ولا تعرف له ترجمة فيما أعلم، ويحكى أنه كان وشى به بعض الجهلة لسلطان وقته فأمر بضرب عنقه، فصار رأسه بعد انفصاله عن جسده ينادى: عبيد المظلوم، والله أعلم. 409 - عبد الحق قاضيها أبو محمد بن سعيد بن محمد المكناسى. حاله: من أهل المعرفة والحصافة (¬1)، قائم على كتاب ابن الحاجب في ¬

_ 409 - من مصادر ترجمته: نفح الطيب 5/ 350. (¬1) في هامش المطبوع: "مصدر حصف ككرم واستحكم عقله فهو حصيف محكم العقل والحصافة ثخانة العقل وجودة الرأى".

410 - عبد الحق الزرهونى.

مذهب مالك، ممتاز به فيما دون تلمسان، كما لابن غازى والمقرى في النفح نقلا عن نفاضة الجراب لابن الخطيب وتصدر للإقراء والتقييد فما شئت من اضطلاع ومعرفة واطلاع، وبث العلم ونشره، فأفاد وأجاد، وهو من جملة مشايخ مكناسة الذين لقيهم ابن الخطيب السلمانى. مشيخته: أخذ عن الأخوين أبى موسى وأبى زيد ابنى الإمام رحمهما الله. الآخذون عنه: منهم أبو العباس ابن القاضى صاحب جذوة الاقتباس وناهيك به قال: قرأت عليه الخارمة، على الرسالة الحاكمة، وأذن لى في تحمله، وأخذ عنه صاحب نيل الابتهاج كما قال ذلك عن نفسه في الكتاب المذكور، ولسان الدين ابن الخطيب كما في نفح الطيب. مؤلفاته: منها جزء نبيل على فتوى أبى بكر بن العربى المسماة بالحاكمة، سماه الخارمة. وفاته: توفى بعد نيف وستين وسبعمائة. 410 - عبد الحق الزرهونى. دفين جبل زرهون، وهو المعروف اليوم لديهم بسيدى بوحبق شهير الضريح بحومة خيبر، من الزاوية الإدريسية والله أعلم. حاله: شيخ جليل، محب صادق ملهم، ذو فكر ثابت، وشوق إلى الله دائم، عظيم الإفادة بالهمة والحال، متمكن مخلص، ذو قدم ثابت، ودين متين، كثير الاتهام لنفسه، من الأولياء الأكابر الصالحين القادة الأماثل، تعرض لذكره أبو العباس أحمد بن عبد القادر التستاوتى في يائيته التي توسل فيها إلى الله بأهل الله إذ قال فيها: وإن جئت عبد الحق فاجنح لبابه ... بزرهون قد أمسى عن الشر نائيا

411 - عبد الحق أبو محمد السحيمى

وذكر في شرحه لها أنه معروف بزرهون من الأكابر، وأنه دفن بحمام الحرة من مكناسة الزيتون لفظه. قلت: الذى في ممتع الأسماع وهو الأصل الذى اعتمد التستاوى في نظمه المذكور كما أفصح هو بذلك عن نفسه، أن المترجم وهو عبد الحق الزليجى دفن بجبل زرهون، ومثله في ابتهاج القلوب في ترجمة المترجم، وهو الصحيح والله أعلم. مشيخته: أخذ عن أبى العباس أحمد زروق، وأبى العباس أحمد الحارثى، واختص بالشيخ أبى عبد الله الصغير السهلى المتوفى سنة ثمان عشرة وتسعمائة، وهو أخذ عن الشيخ الجزولى. الآخذون عنه: منهم الشيخ عبد الرحمن بن عياد المجذوب. ولادته: ولد بزرهون في العشرة الثامنة من القرن التاسع. وفاته: توفى سنة إحدى وأربعين وتسعمائة، ودفن بجبل زرهون رضى الله عنه، كذا في ابتهاج القلوب. 411 - عبد الحق أبو محمد السحيمى. حاله: قال في حقه صاحب الدر المنتخب ما نصه: الكاتب الذى حمى حيد بدور أفكاره، وطار طير البيان من أوكاره، خاتمة أهل الأدب، وسراج من تأدب وتهذب، هـ. وبالجملة فقد كان صدر حملة الأقلام، وواسطة عقد البلغاء الأعلام، ناظما ناثرا، محنكا خبيرا ماهرا، إذا نظم سحر الألباب، وإذا نثر أتى بآيات إعجاز وإعجاب.

شعره: من ذلك قوله مادحا مخدومه السلطان الأعظم سيدنا الجد مولانا إسماعيل: أمن أرضهم ريح الصبا تتضوع ... ومن دونهم بدر الأسنة يلمع وفى حيهم ثار الهياج عشية ... فبات زئير الأسد في الحى يسمع إذا ارتحلوا ليلا فضوء رماحهم ... لهم فيه عن ضوء الكواكب مقنع وبين أسود الغاب بيض أوانس ... وهل في أسود الغاب للناس مطمع وعيشك ما أدرى وأين خيامهم ... نساء أم الغزلان في الخدر رتع وما أنكرت عينى من الحسن ما رأت ... وإن الشموس في الهوادج تسطع وتحت رماح القوم كل مدجج ... ظلوم غشوم بالدماء مدرع إذا نظرت عينى غزالا مبرقعا ... أشارت لليث في الحديد مقنع وما ضربوا حمر القباب عليهم ... وفيهم جبان بالنزال يروع وفى البلدة الحمراء شمس منيرة ... تراقبها عيناى من أين تطلع لها في سواد القلب أشرف موضع ... وليس لها عند الجوانب موقع فلله ما حملت قلبى من الهوى ... وفيه كناس للظباء ومرتع ألم يأن للحى الذين ترحلوا ... رجوع وهل عصر الشبيبة يرجع سقى الله أرضا حلها نور شمسه ... له في الحشا عندى شفيع مشفع ولا روع الرحمن سرب عقائل ... نوازع آمالى إليهن نزع لهن عهود لا تضيع حقوقها ... ولست أرى عهد الكرام يضيع فيا أخت حامى الحى يوم نزالهم ... ويا بنت من يدرى العفاة وينفع

ودادى محفوظ على عهدته ... لديكم أم الود الصميم مضيع رعى الله أيام الشباب فإنها ... مواسم فيها للنفوس تمتع وحى القصور الخضر صوب غمائم ... مباركة تهمى عليها وتهمع قصور بها المنصور يحمى حقائقا ... من الدين فيها الخير للخلق أجمع يجهز إسماعيل منها كتائبا ... تكاد قلوب الشرك منها تصدع فلله منه النفس والحرب ترتمى ... بموج المنايا والأسنة شرع وما افتر ثغر قبل تقبيل سيفه ... ولله سر في الخلائق مودع وكم ليلة باتت بها الخيل عوما ... بحورا من الظلماء والناس هجع وما سر منه النفس غير سريرة ... يخب إلى الأعداء فيها ويربع ولم تك أوقات الرخا تستفزه ... ولا كان يوما في الشدائد يضرع فلله ما ضمت ثياب أبي الفدا ... من المجد والتقوى وما هو يصنع يباشر في كل الأمور أموره ... بقلب نقي للمكارم منبع أعز الإله الدين بابن نبيه ... وما أن يعز الدين الاسميذع فيا ابن الألى سارت بمدح جدودهم ... رفاق لها بين السبايب مهيع ألستم سراة المسلمين وأسرة ... محبتهم يوم القيامة تنفع إذا أطعموا يوم الوليمة أشبعوا ... إذا طعنوا يوم الكريهة أوقعوا ألستم شموسا في الورى ووجودكم ... أمان لهم من كل ما يتوقع إذا سدتم الأملاك شرقا ومغربا ... فما سادهم إلَّا النبال الموقع وإن كان فيهم للخلافة زينة ... فمنصبكم فيها أجل وأرفع بقيت لهذا الدين تعلى مناره ... وقدرك من بين الملوك مرفع

وقوله وقد أمر السلطان المذكور كتابه بوصف قضية حال قصها عليهم، ومراده اختبار قرائحهم، وذلك أنَّه كان يوما مع بعض جواريه وقد حملت سيفا وسارت أمامه: حملت سيوف الهند وهى غنيمة ... عن حملها بلواحظ الأجفان حسب الفتاة جلالة ومهابة ... عز الجمال مهابة السلطان * * *

الطبعة الأولى 1429 هـ - 2008 م حُقُوق الطَّبْع مَحْفُوظَة للناشر الناشر مكتبة الثقافة الدِّينِيَّة 526 شَارِع بورسعيد - الْقَاهِرَة ت: 25922620 - 25938411 - فاكس: 25936277 E-mail: [email protected] بطاقة الفهرسة إعداد الْهَيْئَة المصرية الْعَامَّة لدار الْكتب والوثائق القومية إدارة الشئون الفنية إتحاف أَعْلَام النَّاس بِجَمَال أَخْبَار حَاضِرَة مكناس ج 5 تأليف: ابْن زَيْدَانَ عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد المكناسي, تَحْقِيق: عَليّ عمر، ط 1، الْقَاهِرَة: مكتبة الثقافة الدِّينِيَّة 2008 م 5 مج: 24 سم تدمك: 4 - 393 - 341 - 977 1 - الْفُقَهَاء - معاجم أ - عمر، عَليّ (مُحَقّق) ب - العنوان ديوى: 922.58 رقم الْإِيدَاع: 7670/ 2008

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

412 - عبد الرحمن بن هشام بن محمد بن عبد الله بن فخر الملوك أبي النصر إسماعيل السلطان ابن السلطان ابن السلطان ابن السلطان ابن السلطان

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما * * * 412 - عبد الرحمن بن هشام بن محمد بن عبد الله بن فخر الملوك أبي النصر إسماعيل السلطان ابن السلطان ابن السلطان ابن السلطان ابن السلطان. ولادته: قال نجبه العلامة المولى العباس فيما قرأته بخطه ومنه نقلت ولفظه: ولعل في هذا العام (يعنى عام 1204 أربعة ومائتين وألف) ازداد والدنا رحمه الله سيدى ومولاى عبد الرحمن بن هشام هـ أمه السيدة هنية بربرية. حاله: وصفه أبو حامد العربى الجامعى فيما كتب به للأمين الحاج محمد الزبيدى معزيا بتاريخ خامس صفر عام ستة وسبعين بقوله: مولانا فخر الملوك، وملجأ الضعفاء والمساكين، وسيف الله على الطغاة المعتدين، الحليم الرءوف الصابر، الجابر المتيقظ المتغافل، العابد الزاهد أُويس وقته هـ. ووصفه العلامة الناسك المرشد الشيخ المختار بن محمد بن المختار الكنتى فيما كتب به إليه يعظه وينصحه بما لفظه: نخبة الأخيار، وخلاصة خاصة الأحرار، سلسلة السادات الأبرار، وخاتمة القادات ذوى الأقدار، منبع الفضل والجود، وفرع سبب أصل الوجود، من ثبت أصل شجرته وفرعها في السماء، وطاب ثمرها ودنت قطوفها للاجتناء، فكان أعرقها عرقا، وأرحبها عزقا، الفارع البارع، الورع البر المتواضع، الساعى في الخيرات المسارع، الجهبذ المجاهد أعداء

[صورة] تقريظ حضرة صاحب السمو الأمير أحمد باشا باى صاحب المملكة التونسية للتاريخ

الدين، حامى بيضة الإسلام من المعتدين، إمام الأمة، القائم بكل الإمَّة (¬1) الباقعة السامى يتيمة الخلف، الخليفة المستخلف، الَّذي أنشد فيه الحال: أتته الخلافة منقادة ... إليه تجرر أذيالها فلم تك تصلح إلَّا له ... ولم يك يصلح إلا لها الإمام الحق، الحاكم بالحق، وظل الله في أرضه، أمير المؤمنين سيدنا ومولانا عبد الرحمن ابن أمير المؤمنين سيدنا ومولانا هشام ابن أمير المؤمنين سيدنا ومولانا محمد ابن أمير المؤمنين سيدنا ومولانا عبد الله ابن أمير المؤمنين سيدنا وملانا إسماعيل بن مولاى على الحسنى. إلى أن قال: هذا وقد قدم علينا من ناحيتكم الميمونة الفاضل الأديب، الفائق الأريب، السالك الناسك الصادق الذائق سيدى بابا أحمد بن عبد الرحمن في وفده المبارك غير خزايا ولا ندامى، فأثنوا عليك بما أنت أهله، وأنشدوا من فضائلك ما طوى البين، وفصلوا وأذاعوا من تقريبك العلماء، واحتفالك بالعلم، وصرفك عنان الهمة إليه، وإحيائك السنة، وإماتتك البدعة، ولين جانبك، وخوفك وتواضعك، وعفوك وحلمك وصبرك، ووقارك، وتوكلك وزهدك، وورعك وكرمك، ما هو الغاية القصوى المنتقاة، وقرة العين المبتغاة، والدليل القاطع على أحقيتك بالإمامة الحقيقية وأخلقيتك بالخلافة الحقية الحقيقية. إلى أن قال: إنه لم ينقل إلينا واش ولا خاص ولا عام قديما وحديثا من سيرتكم من عهد أمير المؤمنين مولانا سليمان إلى الآن ما ينقم حاسد، ولا ينقد بصير ناقد، إلَّا شدة الحجاب إلخ. ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "الإِمة بالكسر: النعمة، كما في المصباح".

ووصفه العلامة الخطيب السيد عبد الحفيظ الملقب الكبير الفاسى الفهرى في "إعراب الترجمان، عن قصة الأوَدايَة مع مولاى عبد الرحمن" بما لفظه: الإمام الَّذي حطت لديه السيادة ركابها، وأرخت عليه السعادة أطنابها، وتنظمت عقود مملكته أي انتظام، وانقادت له سوابق الخلافة بغير زمام، وتقلد بسيف النصر والمهاد، وقام على ساق الجد والاجتهاد، وشمر على ساعد السعد لنصرة الدين، مقتفيا آثار الخلفاء الراشدين، الأمير الَّذي ارتقى ذروة الجلال، وتحلى بأوصاف الكمال، وتفرد بالمحاسن الرائقة الجليلة الحسان، وجمع من الفضائل ما لم يأت على حصره لسان، رفيع القدر والشأن، أمير المؤمنين أبو زيد مولانا عبد الرحمن هـ. وقال أبو محمد العربى بن على المشرفى الراشدى في مؤلفه "فتح المنان بشرح قصيدة ابن الونان" أو "المواهب السنية، في شرح الشمقمقية" -وكان شروعه في هذا الشرح مستهل شوال سنة 1294 أو في العشر الأواخر من رمضان، وانتهاء استخراجه من مبيضته أواخر جمادى الأولى سنة 1295 كما قال ذلك عن نفسه- في حق صاحب الترجمة ما لفظه: أعز الله به الدين، وخذل الأعداء والبغاة المعتدين، وتمم مكارم الأخلاق لمن كان قبله، ولم يسود للإيمان وجها بل نور نهاره وأقمر ليله، وأرغم أنف الشيطان وأولياءه بوصية المولى سليمان، فكان في أسوأ الزمان حسنة الليالى والأيام، المضاعف أجرها للمولى الإمام، إذ هو الَّذي عهد له بالخلافة، وما شأن تصرفه طول عمره على وفق الشرع وما رام خلافه. فهو الَّذي اختاره الله سلطانه العزيز، ورفعه على منصة التبريز، بل هو الإمام الَّذي ألقت إليه الإمامة زمامها، وقدمته الأفاضل لما اختص به من الفضائل أمامها، عميد المجد الَّذي لا يتناهى فخره، ووحيد الحسب الَّذي تسامى قدره،

فرع الدوحة المحمدية التي عم خيرها الإسلام، وغصنها الناعم الَّذي في روض أمنه أنام الأنام، بل هو المستظل بظل حرم نسبه المتصل بسيدنا محمد النفس الزكية، وشجرته الثابتة في الروضة الفاطمية العلوية، أعز الله به هذه الأمة المحمدية، التي هي خير أمة أخرجت للناس، وأسعد به هذه الأقطار المغربية كما أسعد بطالع سعده حاضرة فاس، وكان يسترعى على رعيته، حفظا لرعايته، ويأخذ في تسكين هذه الأوطان وتمهيدها، واستئناف العزائم وتجديدها، وإطفاء نار الفتن وإخمادها، وإعلاء أركان الإيالة ورفع عمادها، فكسر للبغاة الشوكة، ودفع بسياسته عن رعاياه الوثنية والشركة، وقد كان وعاظا لرعيته مشفقا عليها رءوفا بها، وإذا ظهر جور عامل وكررت به الشكوى لديه ولم يوافق على عزله في الحين، فإنما ذلك. من سوء الظن بالشاكى، لعموم الفساد على وجه الأرض في البر والبحر، وفى كل ذلك لم يخل فؤاده من نية عزله وكذلك عند جور وزير أو غيره هـ. وقد كان رحمه الله صواما قوامًا، من أتقى ملوك الإسلام وأقومهم طريقة، ذا علم وورع، وديانة وعفاف، وكمال هدى وجد، ونجدة وشجاعة، وصدق لهجة، واقتصاد في الأمور وتدبر ونظر في العواقب، ومراقبة وخوف وخشية، وحلم وشفقة، وتأن وتوقف في الدماء، وصلابة في الدين، وقوفا مع الحق لا تأخذه في الله لومة لائم. مقتصدا في مأكله ومشربه وملبسه يلبس المرقع والمخصوف، قدم له يوما صاحب طعامه جريدة صائره اليومى فوجد به زيادة غير معتادة، فسأله عنها؟ فقال: هي قيمة بعض الخضروات أول ظهورها، فقال له: لا تعد لمثلها، فإنى لا أحب أن أتناول إلَّا ما يقدر الضعيف على تناوله، ما لى وللخضرة الجديدة، حتى إذا كثرت آكلها كغيرى.

قال الفضيلى في الدرر البهية: أخبرنى من أعتمد حديثه من أقاربنا أنَّه تعذر ذات يوم على أهل مطبخته الوقود، ولما أمسى المساء بات جل أهله بدون عشاء، فلما بلغه ذلك كشف رأسه واعتراه سرور عظيم، ثم رفع يديه وقال: اللهم لك الحمد والثناء حيث سويت بين أهلى وبين ضعفاء المسلمين، وما لام من فعل ذلك ولا عاتبه ولا عنفه ولا أنبه، قال: وهذا دأبه في سائر الأحوال هـ. وحسبك في هذا الباب أنموذجا ما كتب به لنجله المولى سليمان وإليك لفظه بعد افتتاحه: "ولدنا الأبر مولاى سليمان، أصلحك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فاعلم أن التوسع في المأكل والمشارب بأن يكل المرء كل ما اشتهى من الخصال البهيمية، والأخلاق الحيوانية، مع أنكم اليوم في مقابلة جهاد ورباط، ولستم بِصَدَدِ رفاهية ونشاط، ففي الحديث من كانت همته في بطنه فقيمته ما يخرج منها، وفى الأثر عن سيدنا عمر رضي الله عنه: كفى بالمرء إثما أن يأكل جميع ما اشتهى ونحن من العرب، وشأن العرب أخذ البلغة والاكتفاء بما وجد ولقد قائلهم: وإنك مهما تعط بطنك سؤله ... وفرجك نلت غاية الذم أجمعا كما كان أسلافنا في حركاتهم لتمهيد القبائل بناحية الترك يقتصرون عند الحاجة على جمع فضلات علف الخيل، ويقلونه ويدقونه ويقتاتون به، وما أدركوا الَّذي أدركوه بالرفاهية والسعة، وإنما أدركوه بالصبر وتحمل المشاق من جوع وغيره، فالزم القناعة والإمساك عما فيه غضاضة وشره، وإياك أن تكلف الأمين هنالك أو غيره بشيء خارج عن الضرورى، وتجعل تقول: ايتنى بهذا الشيء، فإنى إن

سمعت عنك شيئًا من ذلك لا تبقى تساوى عندى قلامة، وتسقط من العين التي أنت فيها عندى، فاقبل على ما آتاك الله ولا تمدن عينيك إلى ما زاد على ذلك، وإياك أن ترى فرسا عند عامل أو غيره وتوجه له فيه، وارفع همتك عن كل أحد حتَّى إن عرض عليك أحد شيئًا قل له: لا أتوقف على شيء، وأنا الَّذي أُعطى للناس، وإذا دعتك داعية لشهوة أو غرض فاقمع نفسك، وشم يدك واشبع، ففي المثل: تجوع المرأة ولا كل من ثديها، وقال الشافعي: إذا أظمأتك أكف اللئام ... كفتك القناعة شبعا وريا فكن رجلا رجله في الثرى ... وهامة همته في الثريا فإن إراقة ماء الحياة ... دون إراقة ماء المحيا واعلم أن تلك المراسى الثلاثة تطوان وطنجة والعرائش من أضعف البلاد وأقلها زرعا، وإنما يجلب لها من القبائل جيرانهم، فلا ينبغي أن يكلفوا أو يشططوا، بل ينبغي للنازل فيهم أن يعيش بعيشهم ويقتصر على قوتهم: البس لكل حاجة لباسها ... إما نعيمها وإما بؤسها وهذه وصية خصصناك بها، وتذكرة آثرناك لها لتجرى على مقتضاها، وتسلك السبيل التي نحبها ونرضاها، والله يبقيك والسلام في 28 رجب الفرد الحرام عام 1260 هـ". وكان قبل هذا قد كتب كتابا شديد اللهجة للقائد بريك الحبشى يحذره من أن يدع ولده المولى سليمان المذكور يتمتع بأنواع الملابس، كما حذره قبل من التنوع في المآكل والمشارب، ونص ما كتب به بعد الحمدلة والصلاة والطابع: "وصيفنا الأرشد بريك الحبشى، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى، وبعد:

فاعلم أنا إنما بعثنا ولدنا المولى سليمان بقصد قراءته والاشتغال بما يعنيه، ولم نوجهه دلالا يتخير في الشقق ويتلون في الملابس، ولم نبعثك معه إلَّا بقصد حراسته وحفظه من هذا وشبهه ومنعه ما لم نأذن لك فيه، فإن احتاج إلى كسوة أو شيء يطلبه منا ولا يباشر ذلك بنفسه ويوجه ... عليه ولم ننقم على أخيه مولاى أحمد إلَّا هذا وشبهه، مع محافظته على دينه ومروءته، وعليه فإنى أعاهد الله تعالى إن سمعت عليه شيئًا بعد هذا أو أطلقت له اليد في التصرف في شيء مما دخل عليه من الهدايا شققا ودراهم حتَّى نخلى داربوك، فإنما وجهناك معه لتمنعه مما لا يناسب، فإذا تركته وما يريد فوجودك وعدمك سواء، فإن ضاع مما دخل عليه قلامة أو تصرف في شيء ببعث أو إعطاء نعاقبك عليه، واترك ذلك موقوفا حتَّى أرى فيه رأيى إن شاء الله والسلام في 23 شعبان المبارك 1255 ". وله قدس الله سره في مثال هذا أخبار يضيق عنها المقام. ولاه عمه أبو الربيع سليمان أمانة ثغر الصويرة وعمالتها، ثم نقله للخلافة عنه بفاس وذلك عام سبعة وثلاثين ومائتين وألف، فأحسن السيرة وقام بمأموريته أحسن قيام. ووجهه مع أولاده للحرمين الشريفين بقصد أداء فريضة الحج وزيارة قبر جده عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وأعطاه بضاعة ينفقها في سبيل حجه فحفظها ولم يتصرف في قيراط منها، ولما آب من حجه ردها إلى عمه وقال له يا سيدى: إننى كنت ادخرت بضاعة جمعتها من كد يدى لأنفقها في هذا الصدد، وآليت أن لا أضيف إليها غيرها إلَّا إذا نفدت، وقد حصلت لى بها الكفاية والحمد لله، فعجب عمه من حاله وسر واستبشر وقال له: خذ ذلك بارك الله لك فيه. بويع له بالخلافة بعد وفاة عمه أبي الربيع المذكور بعهد منه يأتى نصه في ترجمة عمه سليمان بحول الله وقوته، وكانت بيعته بفاس في خامس عشر ربيع

[صورة] بيعة أهل الرياط للمولى عبد الرحمن

النبوى عام 1238 ثمانية وثلاثين، وبويع له بالعاصمة المكناسية يوم الأحد الرابع عشر من ربيع الثانى، وسبب تأخر بيعة أهل مكناس ما كان من المخالفة والشقاق بين قاضيها أبي العباس أحمد بن عبد الملك مار الترجمة، وبين عبيد البخاري على ما قرأته بخط أبي العباس الأغزاوى المترجم فيما سلف، قال: حتَّى هم العبيد بقتل القاضي، وما منعهم من ذلك إلَّا الشرفاء، قال: وأقام المترجم بفاس بعد البيعة له سنتين هـ. والذي للزيانى في "عقد الجمان، في شمائل السلطان المولى عبد الرحمن بن هشام" وذكر حركاته وغزواته وعماله وقواده وأمنائه وقضاته، أن خبر وفاة المولى سليمان إنما وصل لفاس في السادس والعشرين من ربيع الأول هـ. وفى الاستقصاء أن القاضي ابن عبد الملك كان ممن حضر البيعة بفاس هـ يعنى وهو متول خطة القضاء بها إذ ذاك، والذي يظهر أن ما عند الأغزاوى المذكور أصح وأضبط، لأنه ممن حضر وعاين الوقائع وممن كان بصدد تقييد الحوادث مياومة والله أعلم، ثم أعلنت بيعته في سائر البلاد المغربية. ونص بيعة أهل الرباط له من إنشاء أبي العباس أحمد الرفاعى الرباطى كاتب الدولتين ومن خطه نقلت: "نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين. هذه بيعة مظهر العدل والإحسان. أمير. المؤمنين مولانا عبد الرحمن. ابن حائز الشرفين. وشريف الطرفين. مولانا هشام بوأه الله فراديس الجنان. الحمد لله عاقد ألوية النصر بمعاقد العز منشورة الأعلام، وناشر الرحمة العامة بأنوار الخلافة العظمى عناية بأهل الإسلام، ومرسى قواعد الشريعة بالخلفاء أن تميد، وهو الَّذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولى الحميد،

ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم، أحمده حمدًا يوافى متوالى آلائه التي من أجلها الاستظلال في كنف الخلافة، وأشكره شكرًا كفيلا بالمزيد من كرمه الَّذي نؤمله ولا نعتمد خلافه، وأستعينه على القيام بأمور الدين وأتولاه، وأستنصره جلت قدرته وما النصر إلَّا من عند الله، إن الله عزيز حكيم، وأستغفره مما يعرض من التقصير فيما طوقناه من الأمور الأكيدة، وأعوذ بوجهه الكريم من شرور أنفسنا التي لولا عدل الخلافة يحجزها لهوت في هوة المكيدة، وأستهديه إلى الاستضاءة بشمس الخلافة في فلك السعادة، وأستكفيه فتنة من يعشو عن أنوار الحق في البدء والإعادة، وأعتصم به اعتصام الذين باعوا من الله أنفسهم فآمنوا وجاهدوا، وأستمسك بسنته استمساك الواثقين به الموفين بعهدهم إذا عاهدوا، ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم. وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له شهادة يزين التدين بطاعة سلطان الله حلاها، وينتظم في سلك الدين والوفاء علاها، شاهدة لمن وفى بما عاهد عليه الله بالنجاة، كفيلة لمن دان بها بأعالى الدرجات، فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم. وأشهد أن سيدنا ونبينا ومولانا محمد - صلى الله عليه وسلم - عبده الَّذي بعثه رحمة لخلقه يزكيهم ويهديهم، وخليفته الأعظم الَّذي أوحى إليه {إِنَّ الَذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ... (10)} [الفتح: 10]، وأمينه الَّذي شرع نصب الخلافة عصمة نأمن بها سوء العدو ومكره، وحبيبه الَّذي ألزم خلقه السمع والطاعة في المنشط والمكره، ووليه الَّذي نوه بذكره فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم: 4]، اللهم فصل وسلم عليه وعلى آله العترة الزكية، والنسمات الذكية، الذين عقدت لهم لواء المجد في صدور الأكارم، وحفظت بهم نظام أشتات المكارم، وأغليت

نفائس معاليهم فوق الدر النظيم، صلاة وسلاما يشملان أصحابه الذين قاموا على الواجب بأعباء ما رغب فيه وأمر، وأجمعوا على إنفاذ عهد أبي بكر بالخلافة لعمر، وحافظوا على التمسك بسنته في الحديث والقديم، وواصل اللهم رضوانك الأكبر، ورحمتك الموجودة في المورد والمصدر، على ساداتنا العلماء الذين بلغونا عنه حقائق الدين، وأئمتنا الخلفاء المهتدين، الذين لم يزالوا شجى في لغاديد المعتدين، وسرجا يستضاء بهم في دياجى ليل الخطب البهيم. ونضرع لك في تأييد مولانا الإمام الَّذي عقدت عليه الخناصر، وقطع به أثر كل باغ متمرد فما له من قوة ولا ناصر، وكففت به أكف أهل العداء وإخوانهم يمدونهم في الغى ثم لا يقصرون، ومننت على العباد تيمنا به بعام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون، والله يؤتى ملكه من يشاء والله واسع عليم. أما بعد: هذه الفاتحة التي تيسر لها من الآمال كل مرتجى، وأطلقت من ألسنة المسألة والابتهال ما كان معقودا مرتجا، ورسخت في قواعد التأييد والظفر سوقها، ونفقت في متاجر العز والتمكين سوقها، وسقاها اليمن وابل عهاده، وأحلها الإقبال بحبوحة صدره وفسيح مهاده، وأسرعت نحوها الآمال خاضعة، ولبت دعوتها أعيان الأكابر وأكابر الأعيان مطرقة متواضعة، وابتسمت لها ثغور اليمن ضاحكة بملء فيها، وهش لها من كل قلب منيب يبتغى الديانة ويصطفيها، فإن الله جل جلاله، وعز كماله، دعا خلقه والصحف مطوية والأقلام جافة، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْم كَافَةً ... (208)} [البقرة: 208]. وإن الإمامة العظمى من الدين بمحل الروح من الجسد، والشجاعة من الأسد، ومنصب عظيم الخطر والبال، ومرتبة يعز منالها بتكلف واهتبال، ولكنها موهبة من الله يرشح لها من اختصه بفضله ومبرته، ومظهر قدرة حفته عناية قوله عليه السلام: إذا أراد الله أن يخلق خلقا للخلافة مسح يده على ناصيته، وقد احتضنتها بهذا

المغرب والحمد لله أبوة نبوية، ونسبة هاشمية علوية، فتمت له المآرب بهالات البدور، وانشرحت به الصدور من الصدور، فإنها دولة رفعت منار العدل على العلم المنيف، وأمنت كل مروع من الخطوب في إقامة الدين الحنيف، وازدهت بالخلافة بيض أيامها وغر لياليها، واتسقت لها المفاخر الجسام من مواليها، ونشرت أعلام الفضل المبذول للأنام على السوية، وحاطتها أيدى الأقدار لحسن السيرة وصفاء الطوية، وصارت أزمانها على التجدد موسما وعيدا، وأمنتها عناية الملك الحق إسعادا وتأييدًا، بأمراء ورثوا سر النبوءة كابرا عن كابر، وتأثلوا الفخر التليد المتلو في المصاحف على رءوس المنابر، حتَّى أفضت بالتأييد والمبرة العميمة، إلى صدر صدورهم الَّذي حاز من هذا الفخر صميمه، إمامنا الَّذي لم يختلف في عدله وفضله اثنان، وسلطاننا الَّذي أيد الله به الدين وقلده أمر المسلمين فما بات عن مصالحهم بطرف وسنان، سلطان العلماء وعالم السلاطين أبي الربيع مولانا سليمان، فلم يأل جهدًا رضي الله عنه في نصيحة يدخرها لغده، ومبرة يتعجلها حيثما مرت على خلده، مؤيدا للدين والسنن، موضحا بالقول والفعل كل نهج حسن، رافعا منار الحق وشعاره، جاعلا تقوى الله دثاره وشعاره. وكانت أيامه الغر شامة في محيا الدهر، وعوامله المرجوة المخوفة محيية للمهج قاصمة للظهر، في خفض ودعة، وبركة وسعة، لا جرم قد طلع في آفاق السعد مطلعا قفى به وفاق سلفه، ويسر له وعلى يديه من الآمال ما أجزل به أجره وأدخله كنفه، وناهيك به من إمام حسنت أياديه فهي لعيون الزمان نواظر، وطابت بعدله أغصان السول فهي زواه نواضر، تزهى في ثوب العز والقبول، وتميس ببرد قشيب بين الصبا والقبول، وللناس ببركته سرور وازدهاء، والأيام في طرب من مراد واشتهاء. وهو لنا أب بر ونحن له بنون، تجرى بأمره الأقدار وعلى حكم خواطره

المنون، حتَّى اشتاق إلى ربه، وأحس بإجابة الداعى من قلبه، نظر رحمه الله شفقا في الأمانة، في عصابة أبقى الله على خلقه ببقائهم أمانه، فاختبر على محك السبر يواقيت الآل، ونفائس اللآل، فتخير أثبتها جنانا، وأقواها نجدة وبيانا، وأوفرها مروءة وديانة، وأكملها عدالة وصيانة، وأجمعها لشرائط الإمامة اتفاقا، وأوعبها لضروب الكمال في سوق المعارف والعوارف نفاقا، وكان هذا البدر الساطع، والسيف القاطع، حسنة الدهر، وشذا خمائل الزهر، المفضال المبرز في ميدان العلوم بذكائه، والمقدام المجلى في مضمار السبق بذكائه. طالع الأمن في غرة الأزمان، ويتيمة الفخر التي تضاءلت لعلو مقدارها الأرواح والأثمان، أبو زيد مولانا عبد الرحمن ابن أخيه أمير المؤمنين مولانا هشام ابن أمير المؤمنين السلطان الجليل مولانا إسماعيل الشريف الحسنى العلوى. فعهد إليه بالخلافة بعده، وألزم كل واحد من رعيته السمع والطاعة له جهده، فكان أمره رحمه الله حتما، وعهده حكما، ولما تحول رحمه الله للملك الكبير، وجوار الملك الخبير، وثبت عهده الَّذي نصح فيه لله ولرسوله وللمسلمين كان أول من قام بتنفيذ أمره العاطر الأنفاس، صدور العلماء وعلماء الصدور بحاضرة فاس، في جملة من بها من الأئمة والأشراف الذين هم بدور الحنادس المدلهمة، وعامة المسلمين وخاصتهم، والجيش السعيد من الوداية وغيرهم، فقلدوه الإمامة الجسيمة، ورفعوا ببيعتهم منار الإسلام اغتناما لبركته العميمة، فقام بها علما، وأرضاها عدلا وسيفا وقلما، وأفاض سجال الفضل وهو أيسر شمائله، وسار سيرة أخجلت ورود الزهر في خمائله، فأرتهم محاسنه من ضروب الحسن والإحسان عجائب أحجم المقوال عن إبانة فضلها، وتلت عليهم باليمن والعافية {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ منْهَا أَوْ مِثْلِهَا ... (106)} [البقرة: 106]. وإنا معشر أهل رباط الفتح من الخاصة والعامة من ساداتنا الشرفاء والفقهاء،

والعلماء والطلبة والمجاهدين الرؤساء، من الطبجية والبحرية قاطبة، وأهل الحرف قد بلغنا على الحقيقة جميل ما صنعه أهل حارة المغرب قاعدة فاس، العطرة الأنفاس، من تنفيذ عهده، والوفاء بوعده، فأسرعنا مهرولين، وعلى إجابته معولين. فإنا نشهد الله وملائكته أنا نقر له بالسمع والطاعة، في المعروف حسب الاستطاعة، وأعطينا أمير المؤمنين مولانا عبد الرحمن هذا أيده الله تأييد جده ببدر، وأحله من القلوب بسويدائها ومن محافل الجلالة بالصدر، صفقة أيدينا، وعقد قلوبنا، وبايعناه بيعة نبتغى بها رضا الله والدخول في الطاعة، وننتظم بها في سلك جماعة المسلمين، فيد الله مع الجماعة، وقد التزمنا إمامته، ورضينا بها تاجا للفخر وعمامته، على الوفاء بما ألزمنا الله من طاعة إمام البرية، وما ألزمه الله من حقوقنا في جملة الرعية. اللهم اجعلها بيعة مستمدة بكرمك من بيعة الرضوان، وأتح لنا من نعمك بها ما لا يخطر ببال في كل حين من الأحيان، وبارك لنا في إمامته بركة تشمل النفس والأهل والأموال والأولاد، وتحفظ بها المهج والسفار والتجار والبلاد، ويسر له آمال الراغبين، وحطه وحط به فإنك ملجأ الطالبين. اللهم وَآلِهِ بوَلائِك، وكن له نصيرا غامرا بآلائك، وألهمنا وإياه شكرا يقتضى الآلاء، ويقضى بانقضاء اللأواء، إنك سميع الدعاء، بجاه سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام آمين. شهد على نفسه وعلى جميع من حضر هذا العقد السعيد بعقده والتزامه، وعرفهم وهم بأتم حال وأكمله في وقت الضحى والشمس على ارتفاع 28 ثمان وعشرين درجة من يوم الخميس التاسع عشر من ربيع الثانى عام ثمانية وثلاثين

ومائتين وألف، عبد ربه تعالى، أحمد بن محمد الرفاعى الحسنى لطف الله به آمين. وبعده واحد وعشرون توقيعا وشكلا منها: محمد بن أبي العباس الرفاعى، ومحمد بن محمد الأوسى الأندلسى، ومحمد بن العربى عاشور، وعبد القادر بن المهدى مرين، وصالح بن أحمد الحكمى، ومحمد بن محمد البوعزوى، ومحمد بن محمد السلاسى، ومحمد الطيب بسير، ومحمد بن المكي البنانى، ومحمد بن على الزعيمى، ومحمد بن محمد فرج. وقد رفع على خط الكاتب المذكور بما نصه: "الحمد لله، الخط والشكل الأول عقبه بصك بيعة أهل هذه الحضرة الرباطية لأمير المؤمنين أبي زيد مولانا عبد الرحمن العلوى، روح الله روحه، وأسكنه من الجنان فسيحه، أعلاه كلاهما للفقيه العلامة الأوحد أبي العباس سيدى أحمد بن الفقيه الأسمى سيدى محمد الرفاعى الحسنى، قاله عارفهما معرفا بهما من غير شك يلحقه في ذلك في ثامن عشر محرم الحرام عام اثنين وخمسين وثلاثمائة وألف، عبيد الله تعالى محمد بن العباس الرفاعى لطف الله به". ونص الأداء عند قاضى الرباط الحالى: "الحمد لله وحده أدى المعرف أعلاه فقبل وأعلم به عبد السلام بن إبراهيم لطف الله به". هذا ولم تزل البلاد على عهده في هدوء وراحة وإقبال، وسعادة وثروة وزيادة نوال، والحدود قائمة، والفتن نائمة، والمظلوم ينتصف من الظالم، والبرئ لا يخشى سطوة الحاكم، رغما عما وجده أمامه من الأهوال، والفتن البربرية التي أصبحت بها الدولة في انحلال كاد أن يئول إلى الاضمحلال.

فقابل تلك الخطوب بلا مال ولا معين ولا ناصح، فرد الملك المحمدى إلى عنفوان شبابه، وجدد سياسته على المهيع العتيق الوثيق، ونظم التراتيب الداخلية، على نحو ما أرَاد، ورتب أمور الرعية وأصلح ما أفسده الزمان منها. وولى وعزل، ونكل من استحق التنكيل، وأقر من يستحق الإقرار مع التكريم والتبجيل، وأصدر في هذه السنة الأولى من ولايته الملك ظهيرا شريفا بتوقير واحترام حفدة الأستاذ سيدى عبد الرحمن بن القاضي وإبقائهم على عادتهم. ونصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع بداخله "عبد الرحمن بن هشام بن محمد" وبدائريته "محمد، أبو بكر، عمر، عثمان، على" {... وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإلَيْهِ أُنِيبُ (8)} [هود: 88]: "جددنا بحول الله وقوته حكم ما بأيدى المرابطين حفدة الفقيه الأستاذ سيدى عبد الرحمن بن القاضي، من ظواهر عمنا المرحوم المتضمنة التوقير والاحترام، والرعى الجميل والإعظام، وما بأيديهم من الظهائر السلطانية والمكاتب الملوكية، لأجل انتسابهم، وأبقيناهم على عادتهم المألوفة في ضريح الولى سيدى المليلى من الاختصاص بما يوضع فيه من الصدقة والنظر في مصالحه، بحيث لا ينازعهم فيها أحد، والله يوفقنا وإياهم والسلام في 11 جمادى الثانية عام 1238". ولما فرغ من التراتيب الداخلية خرج من فاس لتفقد الأحوال، ومراقبة ما عليه العمال، واستخلف على فاس ابن عمه أبا عبد الله محمد بن الطيب (¬1) فنزل ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "قد أوصى المترجم على سيدى محمد بن الطيب هذا الشيخ المختار الكنتى في رسالته المشار لها ونوه به قائلا: "واختر لجيوشك من القواد أكملهم عقيدة وأتمهم ديانة وأقواهم نصيحة وأشدهم على أعداء الدين شكيمة كسيدى محمد بن الطيب ابن سيدى محمد وأشباهه".

بقصر كتامة، وبه اجتمعت عليه الجيوش من أعمال مراكش، فرحل إلى الرباط وبه أقام مناسك عيد الأضحى، ورجع إلى فاس أَوائل رجب سنة 1239 تسع وثلاثين ومائتين وألف، فأمر بشراء الأملاك التي بين قبة المولى إدريس وسوق البزازين، فهدمت وزادها في سعة مسجد الشرفاء. ثم أمر بسنة الختان لأولاد الغرباء والضعفاء والأيتام من الحواضر والبوادى، وكان اختتان من ذكر بضريح الشيخ أبي الحسن على بن أبي غالب، وأمر أمناءه بإعطاء جميع من ختن، قميصا من كتان ودراهم، ثم وصل ضعفاء فاس بمال جزيل وكان توزيعه على يد مقدمى الحومات، فخان أولئك المقدمون، واستبدوا بنحو النصف لأنفسهم. قاله في عقد الجمان. وفى هذه الأثناء خرج للعاصمة المكناسية وكانت تعجبه، فرأى من تلاشى الجيش البخاري بها ما أهمه، ولم يزل يعالج أمره حتَّى أنعشه وأمده بالخيل والسلاح، ورتب له الرواتب الشهرية ثلاثون أوقية للفارس ونصفها للراجل وثلثها للشويردات -أبناء الجيش الذين لم يبلغوا الحلم- وربعها للمسنين الذين تقاعدوا عن الخدمة، وثمنها للصبيان. وقرر أن يسقط راتب من مات ممن ذكر، فإن وجد من يخلف الهالك يعين في محله، وإلا فيبقى المرتب بيد ورثة الهالك إلى أن يوجد من يخلفه. أما إذا مات فرس فيجمع المرتب المعين له إلى أن يجتمع ما يعوض به فيشترى فرس آخر بدله، ولا بد من الإشهاد بالعدول على عين الفرس الَّذي مات ووصفه وصفا مدققا، ويكتب ذلك في كناش ليقابل بكناش إحصاء الخيل بأوصافها الخاصة. ينبئك عن كبير الاعتناء والتدقيق الَّذي كان جاريا في أمور الخيل وأنسابها وأسمائها وأوصافها في دولتنا العلوية، ما كتب به ولد صاحب الترجمة سيدى

محمد زمن خلافته عن أبيه للقائد الجيلانى بن بوعزة في هذا الشأن ونصه بعد الحمدلة والصلاة: "وصيف سيدنا الأرضى القائد الجيلانى بن بوعزة، أعانك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته، عن خير مولانا أيده الله ونصره. وبعد: فقد وجدنا في نفولة من نفائل أنساب الجذعان الفطام الذين وجهت جذعة زرقاء بالدينار بنت الحيمر فرس ابن العامرى، مع أن الحيمر أصله من الصحراء لا مِنْ بنى حسن، والآن أعلمنا هل الكاتب الَّذي كان يقيد أنسابهم أراد أن يجعل الحميرى فغلط ونجعل الحيمر، أو كائن لابن العامرى فرس يقال له الحيمر لنكون على بصيرة، أصلحك الله والسلام في 22 ربيع الثانى عام 1263". واتخذ الجيش من خمس قبائل: الأوَدايَا، والشراردة سكان آزغار، وأهل سوس سكان مراكش، وشراكة وأولاد جامع، وأهل فاس، وعبيد البخاري، ورتب لهذا الجيش الكسوة في كل ستة أشهر، والصلة شهرا دون شهر مقدار المرتب الشهرى المذكور، ويكون توزيع تلك الصلات طبق توزيع الراتب هـ. وكان له مزيد اعتناء بالجيش المذكور، يتفقد أموره، وينظر في إصلاحه يدل لذلك هذا المقال الَّذي كتب به للقائد الجيلانى بن بوعزة يأمره بوجوب متابعة قوانين الجيش، والتمشى على سننها، ويذكر الإنعام الصادر لوفد عيادة الجيش، ويأمره باستعراضهم ودفع رواتبهم والنظر في خيل فرسانهم. ونص أولها بعد الحمدلة والصلاة والطابع: "وصيفنا الأرضى القائد الجيلانى بن بوعزة، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وصلنا كتابك، وعرفنا ما فيه، ووصل عيادة الجيش السعيد

وفرهم الله مخازنية، وقواد المائة ومقدمين وقائد المسخرين، وقواد الأرحى والعلاف، ووقفنا على زمامهم مبينا فيه عدد الخيل وما معهم من الرماة 25. وقد حضروا عيد المولد النبوى على مشرفه أفضل الصلاة والسلام، واغتنموا بركته، وقاموا بواجب الخدمة والطاعة أصلحهم الله ورضى عنهم، وقد وجهناهم بعد أن أبقينا الإدالة ومن يعجز عن القيام بفرسه، وأنعمنا عليهم بثلاثين أوقية للفارس ونصفها للراجل وخمسًا وأربعين أوقية للمقدم، وستين أوقية لقائد المائة، وثلاثين مثقالا لقائد الرحى ومن جملتهم المدني، وخمسة عشر مثقالا للعلاف بناصر، وقدر ما يجب لهم بحسب ما ذكر تسع وعشرون مائة مثقال، وخمسة وعشرون مثقالا. وزمامهم على التفصيل يرد عليك طى هذا، وبوصول كتابنا هذا إليك اشرع في تسريد الجيش، وعند كماله ادفع له الراتب الوارد صحبة الطاهر الرغاى، وقدره ثلاثة عشر ألف مثقال وخمسمائة مثقال واثنان وتسعون مثقالا وسبع أواقى ونصف الأوقية، كما ترد عليك عشرون ألف مثقال اجعلهما ببيت المال عمره الله من جملة ما سبق، وقد أمرنا المدني يحضر معكم عند التسراد ليحصى الخيل الضعيفة بقصد أن يتوجه صحبتها للعذير، فإذا أحصيتم عددها وجهوه لحضرتنا الشريفة لنوجه الكتاب الَّذي يصحب معه المدني لقائد الغرب، ونوجه الخيل الراكة التي هنا تلحق به أيضًا وإذا وصلت الإدالة ادفع لها ما أنعمنا عليه بها المذكور صدره إلَّا من تخلف عن العلامات فلا تدفع له شيئًا والسلام في 7 ربيع الثانى عام 1267". ونص ثانيها: "وصيفنا الأرضى القائد الجيلانى بن بوعزة، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.

وبعد: فقد نقم على ابن العواد مسائل كان يرتكبها ليس للجيش فيها سلف ولا في ارتكابها خير، منها ما قدمنا لك النهى عنه من التخليف كل شهر، ومنها أنَّه بلغنا أن المائة تسرد جملة ولا تسرد كل رباعة وحدها كما هو القانون المعروف والجيش البخاري به يقتدى المخزن في كل الجهات، ومنه يأخذون القوانين حتَّى إن اختلفوا في أمر يرجعون إليه، وهذا التسراد الَّذي تقف فيه المائة كلها لا يعرف زائدها من ناقصها ولا غائبها من حاضرها، والمعروف المعمول به قديما وحديثا هو تسراد كل رباعة وحدها، حتَّى إن خص لعددها شيء يبينه واحدا واحدا ويذكر وجهته ومحله، وإذابيان المقدم لا يسأل نسى وقائد المائة من باب أولى وأحرى، فقد ضاع الحزم والضبط الَّذي يقتبس من عبيد سيدى البخاري، فبوصول كتابنا هذا إليك رد القوانين لأصولها. وتنبه لما لا تحمد عاقبته، واجعل تسراد كل رباعة وحدها كما هو القانون المألوف، لتعرف الزائد من الناقص، وتطلع على ما خفى عنك من التلبيس. وقد كان الجيش فيما سلف يعادل القبائل كلها قوة ونجدة، ويفوقهم عَددا وعُددا، وانظر إلى القبائل الدائرة بكم اليوم كل قبيلة تعادل الجيش أو تقاربه، فينبغى أن لا يحسب في الجيش إلَّا أهل النجدة والحزم والشجاعة، الذين يقاوم واحد منهم العدد الكثير، والناس ألف منهم كواحد وواحد كالألف إن أمر عنّا، والله يعينك ونسأله سبحانه وتعالى أن يبلغ قصدنا فيكم، حتَّى ترجعوا لأصلكم الأصيل من العدد الكثير، والمدد الغزير بمنه، والسلام في 3 ذى الحجة الحرام عام 1258". ونص ثالثها: "وصيفنا الأنجد القائد الجيلانى بن بوعزة، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

وبعد: فخيل مسخرى الجيش السعيد الذين كانوا في الخدمة مع ولدنا سيدى محمد أصلحه الله ووجهم لصلة رحمهم وذكر أن فيهم عزابا، ومن لا اعتناء له بفرسه فاربط منها ما هو للعزاب ومن لا اعتناء له بفرسه بمحل العسكر وفى وقت علفها يحضر قائدهم الطالب إدريس بن المكي، والعلافة الطالب بوعزة الفشار، والطالب أحمد الخضر حتَّى تعلف الخيل المذكورة على أعينهم مدة مقام أربابها هناك للاستراحة، فإن هؤلاء العزاب بنفس ما يستريحون نوجههم لولد سيدى محمد أصلحه الله يقابلون خدمتهم. وبوصول كتابنا هذا إليك خلف الهراب منهم والموتى والعاجزين عن الخدمة وعددهم عند قائدهم إدريس بن المكي، وزد على عددهم المذكور من لا شغل له من الجيش إلَّا الدوران في الأزقة على حسب ما يشير به إدريس بن المكي، والحاضر بصيرة، والسلام في 14 ربيع الأول عام 1269". وكان له ولوع زائد بعتاق الخيل لا يركب غيرها، لم يحفظ قط أنَّه ركب بغلة في حضر ولا سفر، ومن عادته أنَّه يجلس لملاقاة الناس، وسماع المظالم بكرة وبعد صلاة العصر من كل يوم، وترفع إليه المظالم في الوقتين المذكورين، وإذا كان بمراكش يركب صباحا لترويح النفس بجنان أجدال، يتطوف أقسامه، يدخل من باب ويخرج من باب آخر، ولا ينزل غالبا عن فرسه إلى أن يرجع لاقتبال الناس وسماع المظالم. ولم يزل عمله جاريا على ما ذكر منذ جلس على كرسى ملك آبائه الأكرمين إلى أن لقى ربه. وفى أيامه استكشفت معادن نحاسية في سواحل طنجة وتطوان ومعدن حديدى بنواحى رباط الفتح، واختبرت كلها فوجدت صالحة، واكتشف بمقربة من فاس معدن الكبريت، ولكنه لم يتم عمله.

وفى أيامه حدث الاتجار في بيع العلق لأروبا، يصطاده الناس من المروج ويحتفظون على إبقائه حيا، ثم يوسق للخارج بالأثمان ذات البال. وفيها جرى العمل بالاتجار أيضًا في بيع قشور الدباغ ووسقها للديار الأروبية، كذا قال بعض حذاق كتابه في مؤلف له تعرض فيه لبعض أخلاق المترجم وعوائده وبعض ما كان في أيامه من الأحداث والوقائع. وفى عام 1240 أربعين وصل ضعفاء أهل فاس وما أضيف إليها بمال جزيل أيضًا، وأسند توزيعه عليهم للفقيهين أبي عبد الله محمد بن الطاهر وأبى زيد عبد الرحمن بن مخلوف، فلم يحرموا أحدا ممن يستحق، وتوليا دفع ذلك لأربابه بأنفسهما يدا بيد. وفيه أصدر ظهيرا بإبقاء الأشراف الكتانيين على ما عهد لهم به. ونصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع: "يعلم من كتابنا هذا أعلى الله قدره، وأنفذ في البسيطة أمره، وجعل في الصالحات طيه ونشره، أننا أبقينا السادات الأشراف الكتانيين على ما عهد لهم من توليتهم ضريح الولى الشهير، الغوث الكبير، سيدى دراس بن إسماعيل دفين خارج باب الفتوح واستبدادهم بجميع ما يهدى للضريح المذكور من غير منازع لهم في ذلك ولا معارض، ولا مزاحم ولا مداحض، فعلى الواقف عليه من خدامنا وولاة أمرنا العمل بما فيه، ولا يحيد عن كريم مذهبه والسلام في 17 ربيع الأول عام 1240". وفى شوال من العام تحرك لحسم مادة الزيغ والعناد من متمردة الأعراب ذوى منيع، وأولاد نصير، ودخيسة، فمزق جموعهم الشيطانية كل ممزق، وألقى القبض على رءوس الفتنة منهم وقيدهم بالأغلال والسلاسل وأودعهم بطون السجون،

وكانوا نحو المائة، وألزمهم بإعطاء العسكر، ووظف عليهم غرامة مالية فلم يسعهم غير السمع والطاعة وتنجيز الجميع، وأراح الله البلاد والعباد من عيثهم. وفى عام 1241 واحد وأربعين أنف بنو زروال من ولاية ابن يشو عليهم لظلمه وتعديه، وفروا وتحصنوا بالجبال، فحشد العامل المذكور جنودا مجندة واقتفى أثرهم، فلم ينل منهم شيئًا، فتوجه إليهم المترجم لإرضاخهم للطاعة خوفا من انتشار الفساد واقتداء العامة بهم في خلع ربقة الطاعة من أعناقهم من غير أن يرفعوا أمرهم للسلطان، فيتسع الخرق، ولما نزل بساحتهم وعلموا أن لات حين مناص أتوا خاضعين طائعين، فقوبلوا بالعفو، وولى عليهم الودينى وكان ظلوما غشوما. وفى عام 1242 اثنين وأربعين ومائتين وألف توجه المترجم للصويرة ونواحيها من حاحة وغيرهم، فطاف على تلك القبائل وأصلح خللها، وأقام الحدود ورتب الأمور، ثم رجع لمراكش، ثم نهض لزمور الشلح ونزل بساحتم وحكم بالسيف فيهم حتَّى كسر شوكة تمردهم ووجه أسراهم في الأغلال والقيود للسجون. وفى آخر عام 1243 ثلاثة وأربعين، اتصل بالمترجم ما عليه هشتوكة والشياظمة من العيث في الطرقات وأنهم نهبوا الحجاج، وأن زرارة والشبانات خرجوا عن الجادة واتبعوا أهواء حامل راية ضلالهم الضال المدعو المهدى بن محمد ابن العباس الشرادى، فاستعمل الحركة وأخذ في تجهيز عساكره فقومها وجمع آيت يمور، فخرجوا معه من مكناسة الزيتون بحللهم، وسار إلى أن بلغ ثغر تطاوين، فتفقد أحوالها وأصلح أبراجها وركب مدافعها ورتب حاميتها، ثم توجه على طريق آزمور مولاى بوشعيب لهشتوكة والشياظمة النازلين أحواز آزمور، فأوقع بهم شر وقعة انجلت عن تعمير السجون المغربية بهم، حملوا إليها أربعة على جمل،

ووقع الاستيلاء على محصولاتهم، ومن انفلت منهم من السجن بقى عالة يتكفف. وفى أوائل عام 1244 أربعة وأربعين، توجه نحو الزاوية الشرادية على طريق آسفى في جنود جرارة متلاطمة الأمواج، وأحدق بها من جهاتها الأربع، ودخل الزاوية عنوة بعد معارك عظيمة، واستولى على جميع ذخائرها من مال ومتمول، وفرقت بغاة صناديدهم على سجون المغرب زجرا لأمثالهم، ووجه بعيال الفتان وأولاده لمكناسة الزيتون، فأنزلوا بدار القائد محمد بن الشاهد البخاري، وصير تلك الزاوية بلاقع، وقلع أشجارها، ونقل ما كان بها من الزيتون والفواكه للجنان الكبير الَّذي اتخذه بمراكش وسماه الزهراء والزاهرة. قال أبو العلاء إدريس أحد كتبه الديوان الرحمانى في الابتسام: إن الزاوية بقيت خالية لم تسكن إلى سنة تسع وأربعين، فعمرها المترجم بالأودَايَة حين أجلاهم عن فاس هـ. والذي للزيانى في عقد الجمان: أنَّه أنزل بمحلها آيت يمور الذين كانوا معه. هـ. ويمكن أنَّه أنزل بها أولًا آيت يمور، ثم نقلهم بعد وأنزل الودايا. والله أعلم. أما زعيمهم موقد نيران الفتن الضال المدعو المهدى، فإنه نجا بنفسه للفيافى وسار إلى أن انتهى به المسير إلى آيت باعمران من ولتيتة، وبقى هنالك ثلاثة أعوام، ولما ضاقت عليه الأرض بما رحبت اتخذ الشفعاء والوسائط لصاحب الترجمة فأمنه وجاء تائبا، فوجهه لأولاده بمكناس، ثم ولاه على إخوانه فآذاهم ومكر بهم، فشكوه إلى المترجم فعزله عنهم.

ثم استعطف السلطان في الإذن له في أداء فريضة الحج فأذن له، ولما قضى مناسكه ورجع استأنف له صاحب الترجمة الولاية على إخوانه فلم يقبلوه، ثم سجن ثم سرح، وتقلبت به الأحوال وتأخرت وفاته إلى أوائل شوال من سنة ثلاث وتسعين ومائتين وألف، وقد كان ذا قساوة وشكاسة غليظ الحجاب، طويل النقاب، لا يبالى بما وراء الباب. وفى وقعة الزاوية الشرادية المشار لها يقول الفقيه الأديب السيد محمد بن الحسن أقصبى: مبين الفتح بالتيسير لاحا ... وبالنصر العزيز غدا وراحا وسار في البلاد كسير شمس ... وفاق المسك نشرا حيث فاحا فحق لنا الهناء ولا كيوم ... من الشرادى الغرب استراحا وكيف وفى اسمه الشر ابتداء ... وحيث الشر ينفى لا جناحا فما المهدى بمهدى لرشد ... ولكن سبه شرعا أباحا أضل فريقه عن نهج حق ... فراموا من أميرهم الكفاحا غرورا بالمضل فاحتواهم ... خميس منهم ساءوا صباحا فحكم فيهم الآلات ضربا ... ورميا والد ما منهم أباحا وصار منهم أسرى وقتلى ... وأعمل في رءوسهم الرماحا وجاد بالجسوم على وحوش ... يعودها بما منه السماحا وخرب دورهم وهو ارتداع ... لكل مفسد يأبى الصلاحا فلا جمع الإله لهم شتاتا ... ولا نالوا بفسقهم رباحا فمن لم يشكر النعماء يجزى ... بمنع غيره نال الفلاحا

فلو أموا الأمير لنالوا عفوا ... وأتحفهم نجاة بل نجاحا همام شأنه حلم وصفح ... لأهل الدين قد خفض الجناحا إضافته إلى الرحمن أومت ... بأن له إلى الرحما ارتياحا مآثره الكريمة ليس تخفى ... وليس تقاوم الشمس اتضاحا فلم تزل الأنام به بخير ... لسان ثنائهم بالشكر باحا فزدت يا أبا زيد سرورا ... وبسطا وابتهاجا وانشراحا وأبقاك الإله لنا بخير ... وزاد ملكك الأسمى صلاحا بجاه من عليه الله صلى ... أتى في ذكره قولا صراحا عليه ألف ألف صلاة تهدى ... مسا ومهبها بهدى صباحا كذا للآل ما أذنت ببشرى ... مبين الفتح بالتبشير لاحا وفى عام 1246 ستة وأربعين ومائتين وألف، عزل الوزير ابن إدريس إرضاء للودايا كما نشرحه بعد. وفيه كانت ثورة الودايا على صاحب الترجمة، وذلك أنَّه لما كان ورد على صاحب الترجمة من علماء أهل تلمسان وأعيانهم مبايعين له عمن خلفوه وراءهم وراغبين في الدخول تحت طاعته وملحين في توجيه مدد من قبله وخليفة عنه ينزل ببلادهم ويكون ردءا لهم، والتزموا بإعطاء جميع ما يلزم في ذلك من مصاريف وعدة وأسعف رغبتهم، فوجه معهم ابن عمه المولى على بن سليمان خليفة عنه، وعددا من فرسان الودايا، وعين القاضي والمحتسب وكان في معيتهم السيد الحاج العربى بن على الوزانى، وخط لهم الخطة التي يجب تمشيهم عليها، وساروا إلى أن حلوا دار الإمارة بتلمسان وضيعوا الحزم ونبذوا الخطة التي رسمت لهم، وكان

ما كان مما لست أذكره، واتصل تفصيل ذلك بالمترجم فاشتد غضبه، وحقد على الرؤساء المستبدين كالطاهر بن مسعود، ومحمد بن فرحون وغيرهما. وكان الحاج الطالب ابن جلول الفاسى قائما على ساق في الشيطنة والوسوسة، يدس الدسائس لإيقاد نيران الفتن بين المترجم والودايا، إذا كانوا ذوى قوة وبأس شديد، فاغتنم هذه الفرصة وجسم الأمر وطير الإعلام للودايا بنوايا المترجم نحوهم، وهول لهم غاية التهويل، فتمكنت منهم شيطنته وصمموا على الخروج عن الطاعة ونقض البيعة، وخرجوا من تلمسان قاصدين فاسا، وساروا إلى أن بلغوا قنطرة سبو، فوجه المترجم على أعيانهم وهو يومئذ بفاس، فوفدوا عليه لمشور الدكاكين من دار الإمارة بعد أن تحالفوا مع إخوانهم على أنهم لا يسلمونهم للسجن، وأنهم يقومون في وجه الأمير والمأمور لنصرتهم، ولو أدى الحال إلى إتلاف نفوسهم وأموالهم. ولما مثلوا بين يدى صاحب الترجمة أظهروا غاية الغلظة والجراءة، فأمر بالقبض عليهم وإيداعهم السجن، فلما كانوا بباب المشور قام الصعاليك إخوانهم وانتزعوهم من أعوان المترجم قهرا، وكان الَّذي تولى كبر ذلك الطاهر ابن مسعود الأودى، وذلك في تاسع عشر شوال العام، ثم لما بلغ هذا النبأ لصاحب الترجمة خرج لقصبة الشراردة في خاصته يريد التوجه لمكناس، ولما علم بذلك الودايا ضجوا، وآذنوا بالقتال، وشقوا عصا الطاعة، وأحدقوا بالقصبة، ففر عن السلطان جميع الناس ونفرت منه قلوب العامة، ولم يتجاهر بمؤازرته غير ابن عمه القاضي مولاى عبد الهادى، ووزيره أبي عبد الله محمد بن إدريس العمراوى، ثم اغتنم المترجم فرصة أمكنه فيها الخروج بما خف وعز من الذخائر النفيسة فخرج ناجيا بنفسه يريد مكناسة، فاقتفى أثره الودايا فردوه مسلوبا للقصبة، وجعلوا يعدون عليه

ما نقموا من الأمور وأزالوا جلباب الحياء وتجودوا في أثواب الوقاحة وهو ساكت لا يجيب. ولما كان الصباح احتال إلى أن ركب فرسه ورجع لدار الإمارة بفاس العليا، فاجتمعوا للمشورة فيما يفعلون به، فمن قائل نوجه به لبلده سجلماسة، ومن قائل نقتله لأنه لا يفلتنا إذا تمكن من نواصينا، ولا نأمن غوائله ما دام حيا، وتعددت اجتماعاتهم على ما ذكر أياما وهو يبعث العيون لترقب حركاتهم وسكناتهم حتَّى لا تغيب عنه من نتائج تلك الاجتماعات شاذة ولا فاذة، ويستعمل النظر في وجه يمكنه به الخلاص منهم، فأسَرَّ في يوم من الأيام لبعض خاصته أنَّه يريد التنقل لترويح النفس مع بعض حرمه لجنان أبي الجنود المكتنف بين فاس الجديد وفاس القديم، ومراده بذلك الاحتراس على نفسه والأخذ بالأحوط لها، فركب صبيحة بعض الأيام فرسه كأنه يريد استنشاق الهواء وتنسم النسيم على عادته من قبل، وغلقت الأبواب بينه وبينهم، وأمر بالعيال فلحقوا به للجنان المذكور، ولما علم بذلك بغاة الودايا تعاقدوا مع أهل فاس على الإعلان بخلع ربقة الطاعة، وانضم إليهم أهل الفساد من أولاد جامع. ثم إن صاحب الترجمة لما حل بعياله بالجنان المذكور اطمأنت نفسه وأمن من تسور أولئك البغاة عليه، ووجه للجيش البخاري الَّذي بالعاصمة المكناسية يأمرهم بالقدوم عليه لفاس في ألفى فارس من أهل النجدة والبأس، يرأسهم أبو سلهام بن العريف البخاري، وبمجرد وصول الأمر العالى للجيش المكناسى لحق بالسلطان لفاس، فاعترضهم الودايا على مقربة من وادى النجا، وحميت الحرب بين الفريقين نحو ساعتين، وساروا إلى أن اقتحموا فاسا عنوة رغم أنف الودايا. وبعد أيام عزم المترجم على التوجه لمكناسة ولكن رأى أنَّه لا يمكنه المسير على طريق سايس لتجول خيل شياطين الودايا به مع البربر حلفائهم، ثم عين

اليوم الَّذي يسافر فيه وقسم محلته على قسمين الأثقال مع قسم، وهو مع قسم، وقد أخذ كل غير طريق الآخر. وذلك يوم الاثنين ثالث عشرى حجة الحرام منصرم العام، ولما علم بذلك الودايا اقتفوا أثره وصمموا على قتله وتبديد الجنود البخارية التي معه، ولما وصل لعقبة المساجين من ناحية وادى سبو، لحقوا به وركضت خيولهم على كل ذروة وغارب، واقتحموا الحملة عليه وهو يذودهم ويدافعهم ذات اليمين وذات الشمال، وفر الناس ونهبت الأثقال وتلفت أنفس، ورجعوا العيال لدار الإمارة بفاس الجديد، والمترجم يكرّ ويفر إلى أن انفلت منهم ونجا بنفسه لمكناس على طريق زرهون، وأثناء ما ذكر كتب للقائد بوسلهام ابن يشو يستنجده ويستدعيه لمقابلة البغاة الخارجين، ومنازلتهم، بما نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع الكبير بداخله (عبد الرحمن بن هشام الله وليه 1243): "خالنا الأرضى الأنجد القائد بوسلهام بن يشو، أصلحك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: وصلنا كتابك وعرفنا ما فيه وعلمنا ما أنت عليه من الحزم والتيقظ والسعى في الصلاح، الله يرضى عنك ويصلحك، وأنتم أقرب الناس إلينا، وأحظاهم لدينا، وأولاهم بنصرتنا وحمايتنا، وأن الله تعالى استرعانا إياكم، وجعل بيعتنا في أعناقكم، وهو سبحانه سائلكم عنها إن لم تقوموا بحقها. وهؤلاء الأودَايَة طغوا وتجبروا، وعتوا في الأرض واستكبروا، وقالوا بزعمهم: مَنْ أشد منا قوة؟ فنقضوا البيعة، وشقوا عصا المسلمين، وفتحوا عليهم بابا من الفتنة عظيما، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: الفتنة نائمة ومن أيقظها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وقال عليه السلام: من فارق الجماعة قيد شبر مات ميتة جاهلية، وقد أوجب الله عليكم قتالهم بالكتاب والسنة، فشمروا عن ساعد الجد

إيمانا واحتسابا، وجاهدوا في الله حق جهاده فسيأخذهم الله على أيديكم وينفلكم أموالهم ويورثكم أرضهم وديارهم، وهذا أمر شرعى أوجبه الله عليكم وعلى غيركم من المسلمين، فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين. فانهض إليهم مع الأعراب نهوض أمثالك، ونشطهم واقتف سيرة أخيك، فلو كان موجودا ما فعلوا هذا، ولكان رابطا عليهم بمكس، وهذه أول كلفة كلفناك بها، وفيها تظهر نجدتك وحزمك، والسلام في 21 ذى الحجة عام 1246". وكان حلوله بمكناس عاشر محرم فاتح عام سبعة وأربعين ومائتين وألف، وفى يوم السبت الرابع عشر من الشهر المذكور نهض من مكناس لقمع مردة جروان الذين سعوا في الأرض الفساد، فأوقع بهم ومزق أحزابهم كل ممزق، ورجع للعاصمة من يومه، ولم يزل ثاويا بها وأهل الأهواء في طغيانهم يعمهون، والمترجم يكتب لعماله بالمراسى يأمرهم ببعث الأخبية والميرة وما يحتاج إليه، فبعث إليه القائد محمد عشعاش عامل تطاوين كل ما دعت الحاجة إليه من أخبية وكساوى وميرة إلى أن كان العيد النبوى، فأتت لتهنئة جنابه وفود القبائل تَتْرَى، ففرح الناس واستبشروا. قال في إعراب الترجمان: ثم فرق -يعنى صاحب الترجمة- بعد العيد تلك الجموع، وانقلب كل واحد لبلده يود الرجوع، لأجل ما شاهد من بشائر التمكين، وعلامات النصر المكين، فعند ذلك قال الذين يريدون العتو في الأرض والفساد: لو كانت له قدرة ما استقر به الوساد، حيث فرق ما كان بيده، فكيف يعود من وصل إلى بلده. ثم أعلن المترجم بقتال الفرقة الباغية، وشرذمة الودايا الطاغية، حتَّى تفئ إلى أمر الله.

وذلك يوم الاثنين الثامن عشر من ربيع النبوى المذكور، فكتب للقبائل الحوزية يستنهضهم فأتوه مسرعين، ووردت عليه القبائل الغربية وقائدهم ابن يشو، وخيم ذلك الجند العرمرم بضواحى مكناس، وعقد لقائد المسخرين القائد بوسلهام المذكور على ذلك الجيش، ونهض به لفاس لقطع جرثومة فساد شرار الودايا ومن شايعهم، ولما وصل لوادى ويسلين وجد نساء الودايا وصبيانهم أمامه بالألواح متشفعين، فرق لحالهم فتقدم إليه بوسلهام المذكور وقال له: يا سيدى نصرك الله، إن الودايا لم يتركوا للصلح محلا وليس العفو عنهم في هذه الحالة مما ينبغي، ولما كان بسايس أجلب بخيله على عتاة بنى مطير واستولى على ما لديهم من مال ومتمول، ولما اتصل الخبر بالودايا اجتمعوا مع أهل العدوة من فاس وأجمعوا أمرهم على الإصرار على التمرد والعدوان. وفى رابع عشرى ربيع الثانى من العام، وجه كتابًا لأهل فاس ليقرأ على المنابر، قال صاحب إعراب الترجمان. فقرئ وحضر جميع الناس ولا خصوصية للأكابر، فألفى منهلا يروى ويمير، بفصاحة يكل عنها منطق بنى نمير، ولقد نثر الدر فيه من فيه، وازدادت فيه الطائفة الصالحة ما كانت تنويه من التنويه، بألفاظ رائقة، ومعانى فائقة، وأحاديث نبوية، وآيات من محكم القرآن، وهو في غاية الضبط والإتقان، ولعمرى إنه لباب الأدب وفصه، وعنوان الفصاحة ونصه هـ. وقد تركت جلب نص ذلك الظهير هنا اختصارا، ومضمنه الإخبار بحال تلك الفرقة الفاسدة، ذات التجارة الكاسدة، وما تسببت فيه للإسلام والمسلمين من الفتن والأهوال، وأنه لما لم ينفع فيها تحذير ولا إنذار، ولم تزد المقابلة بالحلم واللين إلَّا طغيانا ونفورا، وانهماكا في هتك الحرم، تعين أن يقابلوا بالحرب والتضييق بعزائم قوية. وقد أصدر إليهم ذلك الرقيم من المحل المعروف بالسوير حيث كان مخيمه،

وأعلمهم فيه أنَّه سينهض منه إلى وادى النجا أو العيون الزرق، ومنه إلى وادى فاس، ولما بلغوا وادى النجا أمر المترجم الديارة وابن يشو بالتوجه على باب الجيسة، والجيش البخاري على باب الساكمة، وتحالفوا على أن من لم يدخل من الباب المعين له لا تتزوج له بنت. وخيم السلطان بجبل تغاة، وضرب به فسطاطه وخيمت الجيوش السلطانية من دار الأضياف إلى أعلى عين قادوس إلى وادى الملاح، وكان عدد تلك الجنود يناهز الخمسين ألفا، واشتعلت نيران الحرب وحمى الوطيس إلى أن صار الكور ينزل أمام المترجم، وذلك ثلاثة أيام قتل فيها بوسلهام المذكور. ثم وقع الصلح بواسطة السيد الحاج العربى الوزانى، والطالب ابن جلول موقد نيران هذه الفتن بشروط شرطها الودايا، منها: عزل المولى عبد الهادى عن خطة القضاء، ومنها عزل الوزير ابن إدريس عن الوزارة، فلم يكن للمترجم بدل من قبول ذلك فعزل القاضي وولى مكانه السيد العربى الزرهونى، وولى مكان ابن إدريس المختار الجامعى، وتم الصلح وتفرقت أحزاب الضلال. ثم بعد هذا كله لم يزل عرق فساد الودايا ينبض، فتصدى لهم المترجم ولم يقلع عنهم حتَّى أذعنوا قهرا، ولم يسعهم ومن شايعهم غير التوبة والإنابة فأقبلوا بصبيانهم وشيوخهم بالمصاحف والألواح متشفعين وبالنصر معلنين، وذلك في ثامن عشرى ربيع الثانى من العام. ولم يزل صاحب الترجمة مخيمًا بجنوده خارج فاس إلى جمادى الثانية، فنهض لمكناسة، وكان حلوله به يوم السبت ثامن عشرى الشهر، وولى على فاس القائد الأحمر، وعزل الزرهونى عن القضاء، وولى مكانه أبا حسن على التسولى، ووجه الطاهر بن فرحون ومحمد بن مسعود والعكادى لسجن جزيرة الصويرة،

وأمر بصلبهم، واستعمل الأحمر العروى على فاس، واستخلف بها ولده أبا عبد الله سيدى محمد. وقد ألف الناس في هذه القضية وذهب الكتاب في شرحها كل مذهب، ووقع لبعضهم تخليط واشتباه وعلى ما سقناه وأوضحناه تشد يد الضنين. هذا وفى السنة نفسها سافر صاحب الترجمة لمراكش، وأخذ معه جماعة من أعيان الودايا، ولما استقر بها قبض عليهم وثقلهم بالحديد وتركهم بسجن مراكش نحو العامين، ثم قطع رأس اثنين منهم كما قطع أربعة من خلاف شاركوا في البغى والشقاق، ثم كتب لعامله على فاس بالقبض على رؤساء الفتنة من أهل فاس والتوجه بهم لسجن مراكش ففعل. وفى عام 1248 وفد عليه أبو الربيع سليمان بن محمد الشيبى القرشي المكي أحد سدنة بيت الله الحرام، فبالغ في إكرامه ورده ردا جميلا، ولما بلغ في أوبته لطنجة اخترمته المنية بها رحمه الله. وفى عام 1249 تسعة وأربعين، أصدر أوامره بترحيل الودايا من فاس وتفريقهم على فرق ثلاث: فرقة عين لنزولها ثغر العرائش، وفرقة أنزلها برباط الفتح، وفرقة بوادى نفيس حول الزاوية الشرادية. وفى عام خمسين ومائتين وألف، كتب ظهيرا شريفا يحض فيه على الاتحاد وجمع الكلمة أمام الخطر الداهم، والجيش المهاجم، ونصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع بداخله: "عبد الرحمن بن هشام الله وليه" وبدائرته: "ومن تكن برسول الله نصرته، البيت": "خديمنا الأرضى القائد مصطفى بن إسماعيل وفقك الله وسددك، وسلام عليك ورحمة الله تعالى.

[صورة] ظهير رحمانى إلى مصطفى بن إسماعيل في الندب للصلح بين الأمير عبد القادر الجزائرى وبين المتشاجرين معه

وبعد: وصلنا كتابك الأول والثانى مخبرا بما شجر بينكم وبين الحاج عبد القادر بن الحاج محيى الدين، فغير خاف على أحد ما يريد العدو الكافر لذلك القطر من تشتيت كلمته، وموت مقاتلته وإهانته، وسبى ذراريه ونسائه، أحال الله بينه وبين ما يريد بما شاء من قدرته، ودافع عن حوزة الإسلام، وأصلح أمر الخاص والعام، بجاه سيدنا ومولانا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، ومهما ظهر بينكم خلاف وعدم ائتلاف إلَّا ونشط له عدو الدين، واعتقد أن حيلته ومكره تمكنا من المسلمين. فعليكم أيها المسلمون بالتمسك بالكتاب والسنة وما أجمع عليه سلف صالح هذه الأمة من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وتحمل الأذى، والصبر على ما آذى، فإن في طلبكم عدوا ماكرا، لم يزل فكره لأخذكم والحيل التي يتوصل بها لإهانتكم حائرا، فتفطنوا واستيقظوا من سنة الغفلة، واعملوا فيما يدرأ عنكم هذه الثلمة، وتضرعوا لمولانا جلت قدرته في كشف الرجز عنكم، وأزيلوا حظ النفس الأمارة، واسعوا فيما يجلب لكم الألفة قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ... (10)} [الحجرات: 10] وقال عز من قائل: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ... (29)} [الفتح: 29]. وأنت في ذلك القطر من العقلا، والرؤساء النبلا، فكان من حقك والأنسب لمثلك أن تصلح ما أفسد الحاج عبد القادر، وتسعى في ألفة المسلمين، وتنظر في العواقب، وتقصد بذلك وجه الله وحياطة المسلمين. وعليه فإن أردت رضا الله ثم رضانا، فاجتهد في صلح بين خدامنا الدواثر والزمالة، والشيخ ابن الغمارى مع الحاج عبد القادر بن محيى الدين، لتجتمع كلمة المسلمين ويكونوا يدا واحدة على من سواهم، ونفسا متحدة على من عاداهم، وقذى في عين من ناوأهم، والله يتولى هداكم، واقصدوا بذلك وجه

الله والدار الآخرة، قال تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ... (114)} [النساء: 114]، وفضل الجهاد والترغيب فيه وما أعبد الله للمجاهدين في سبيله كتابا وسنة وإجماعا مما يعلمه كل من يعقل بالضرورة، فلا حاجة لنصب البراهين عليه: وليس يصح في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل وها نحن وجهنا من خاصتنا وخيار جيش أخوالنا الأوداية، صاحبنا، حامله محمد بن العربى ليحضر الصلح المذكور، فإياك والتراخى، أصلحك الله والسلام في مهل المحرم الحرام فاتح عام 1250". ومما يدل على أنَّه -مع تحمله أعباء الخلافة وقيامه بواجباتها قدر المستطاع- لم ينس نصيبه من الدنيا ما كتب به لابن عمه المولى الهاشمي ابن ملوك فيما يتعلق بجنان له ما نصه: "ولد عمنا الأرضى، مولاى الهاشمي بن ملوك، سلام عليك ورحمة الله تعالى. وبعد: فقد بلغنا أن سور الجنان كمل فاجعل له أساسا داخل السور حائطا به من كل الجهات عرضه ثمانية أشبار، واشتغل بجمع الحجر والجير ليكونا مهيأين ميسرين، وحين نكون بالغرب نوجه لكم كيفية الفصالة بحول الله، وما بداخل الجنان المذكور من الكدا ومدر الذور يجعل في الحفر التي به وبالأساس المذكور، والسلام في 24 من المحرم فاتح عام 1249" صح من أصله. ومما يدل على ما كان من تبادل التجارة مع الخارج في عهده ما كتب به لأمناء العدوتين، وعامل الرباط، ونصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع بداخله "عبد الرحمن بن هشام الله وليه":

"خدامنا أمناء العدوتين القائد محمد السويسى، والحاج بناصر غنام، والحاج العربى معنين أعانكم الله، وسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد سرحنا لخديمنا الحاج عبد الكريم الغسال وسق الصوف والزيت من مرسى العدوتين وما أُبيح وسقه من مراسينا، وأذناه أن ينوب عنه من شاء ويعزله متى شاء، فاستوصوا به خيرا، وسرحوا له ذلك والكل بالصاكة المتعارفة التي عليها العمل بجميع ثغورنا المحروسة بالله، والسلام وفى 18 من جمادى الثانية عام 1349". وبعده بخط من يجب: "استقل قابلها بأصلها فماثلته وأشهده الفقيه الأجل، العالم العلامة الأفضل، المدرس الخطيب الأنبل، قاضى الجماعة بفاس الإدريسية وما والاها وهو (فلان ...) أعزه الله تعالى وحرسها باستقلال الرسم أعلاه عنده الاستقلال التام بواجبه، وهو حفظه الله تعالى وأكرمه بحيث يجب ذلك من حيث ذكر، وفى تاسع عشر جمادى الثانية عام تسعة وأربعين ومائتين وألف (فلان ...) وعبد ربه (أحمد البكرى ... الله برحمته). وبعده: الحمد لله أديا فقبلا واعلم به عبد ربه تعالى (فلان ...) ". وهذا الرجل المصرح له بوسق ما ذكر كان من الأمناء ذوى المروءة والصدق، حسبما يدل على ذلك ظهيران شريفان نص أولهما بعد الحمدلة والصلاة والطابع الكبير: "يعلم من كتابنا هذا أعلى الله قدره، وأطلع في سماء المعالى شمسه المنيرة وبدره، بيد حامله المتمسك بالله تعالى ثم به خديمنا الحاج عبد الكريم بن محمد الغسال الطنجاوى، يتعرف منه بحول الله التام، وشامل يمنه العام، أننا أسدلنا عليه أردية العناية منا والتوقير، من ولاة أمرنا وحملناه على كاهل المبرة والإكرام،

والرعى الجميل المستدام، فلا يكلف بتكليف، ولا يوظف عليه وظيف، لما ثبت لدينا من مروءته ودينه وصدقه فعلى الواقف عليه من خدامنا وولاة أمرنا العمل بما فيه ولا يحيد عن كريم مذهبه، صدر به الأمر المعتز بالله في 21 من ذى القعدة عام 1243". ونص ثانيهما بعد الحمدلة والصلاة والطابع الكبير: "كتابنا هذا أسماه الله وأعز أمره، وأطلع في سماء المعالى شمسه المنيرة وبدره، يعلم منه سدلنا بحول الله وقوته، وشامل يمنه ومنته، على ما سكه خديمنا الأمين الأرضى الحاج عبد الكريم الغسال أردية التوقير والاحترام، وحملناه على كاهل المبرة والإكرام، والرعى الجميل المستدام، لما هو عليه من الدين والمروءة والعفاف إذ ينبغي لمن كان كذلك أن يميز ويوقر ويحترم، فنأمر من يقف عليه من عمالنا وولاة أمرنا أن يعمل به، ولا يحيد عن كريم مذهبه، وقد أخرجناه من زمرة العوام فلا يسام معهم بتكليف، ولا يوظف عليه وظيف، صدر به أمرنا المعتز بالله في 23 ذى الحجة الحرام عام 1249". وفى ثانى محرم من سنة 1250 المذكورة أصدر ظهيرا للشرفاء العلويين في شأن توزيع صلتهم عليهم نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع: "يعلم من كتابنا هذا أسماه الله وأعز أمره، وأطلع في سماء المعالى شمسه المنيرة وبدره، أننا جددنا بحول الله وقوته، وشامل يمنه ومنته، لأبناء عمنا الشرفاء العلويين أهل الدار الكبيرة وسكان المدينة حكم ظهير عمنا رحمه الله الَّذي بأيديهم وأقررناهم على ما جعل لهم فيه، من تفريق ما يوصلون به من بيت المال على الصغير منهم والكبير، وعدم إنفاق الوالد على ولده المطلقة أمه من واجبه في الصلة، بل من متاع الوالد لوجوب إنفاقه عليه شرعا، وإنفاق واجبه في الصلة على ولده إن امتنع من الإنفاق عليه، لينكفوا بهذا عن الطلاق، فالواقف عليه

يعمل به ولا يحد عن كريم مذهبه، والسلام في ثانى المحرم الحرام فاتح عام 1250". وفى جمادى الأولى من العام أذن لقاسم حصار والذمى الياهو الزاكورى بضرب فلوس النحاس بالرباط ونص الإذن بذلك: "يعلم من كتابنا هذا أعلى الله قدره، وأنفذ في البسيطة أمره، وجعل فيما يرضي الله طيبه ونشره، أننا أذنا حامليه الحاج قاسم حصار والذمى الياهو ابن إبراهام الزكورى في ضرب سكة الفلوس برباط الفتح قطع ثمانية عشر موزونات في الرطل، وأن لا يضيفا للنحاس أكثر مما يستوجبه من خفيف وروح التوتية، وكل ما يضربانه ينظره الأمناء، فما ألفوه على الكيفية الموصوفة أجازوه، ويروج بأيدى الناس، وما لا كسروه ولا يروج بأيدى الناس، وإن أخفيا منه شيئًا ووجد يعاقبان، وقصرنا عليهما شراء شظاية النحاس بالعدوتين سَلَا، ورباط الفتح على أن يؤديا لبيت المال وفره الله سبعمائة مثقال عن كل سنة. ونأمر خديمنا القائد محمد السويسى أن يشد عضدهما على ذلك ويعينهما فيما احتاجا إليه فيه، ألحق عليهما وأصلح، ونأمر خديمنا القائد والسلام في 3 جمادى الأولى عام 1250". وفى رجب منه كتب لهْ عامله القائد العربى السعيدى بما نصه من أصله بعد الحمدلة والصلاة: "بعد تقبيل حاشية بساط مولانا الشريف، ولثم الثرى تحت قدمه المنيف، سيدنا أمير المؤمنين وناصر الدين، ناشر لواء العدل على جماعة المسلمين، سيدنا ومولانا عبد الرحمن بن مولانا هشام أدام الله نصره، وكبت عدوه وخلد في الصالحات ذكره، آمين.

[صورة] إذن رحمانى للحاج قاسم حصار والذمى الزاكورى بضرب سكة الفلوس بالرباط

أما بعد الإعلام لمولانا أيده الله ونصره: أنه ورد على العبد من عند خديم سيدنا القونص يهودي ابن عليل أقجار قزدير مطبوع عليه، وداخله مكاتب لمولانا ورسوم كنطرادة الصلح مع جنس نابليطان بذكره فها هو يصل حضرة مولانا العالية بالله صحبة فارسين مع إخواننا التباعة خدام سيدنا، كانوا هنا على الخدمة وتوجهوا لخدمتهم مع مولانا، ثم الإعلام به لمولانا أيده الله أنه ورد علينا كتاب نجل مولانا سيدى محمد بارك الله لنا فيه يأمرنا فيه بتوجيه خمسين فارسا ادالة للريف لعند خديم سيدنا القائد محمد بن عبد الصادق بقصد الخدمة والانتفاع معه، ونمكنهم من راتبهم خمسين أوقية لكل فارس منهم، ومقدمين خمسة وسبعين أوقية، وقائد المائة عشرة مثاقيل، وذلك من سائر سيدنا من عند خديم سيدنا الأمين القائد عبد الخالق اشعاش، فامتثلنا أمر سيدنا ومكناهم بما قال ووجهناهم للخدمة فالله يقضى بهم غرض مولانا ويبارك لنا في عمره آمين. ثم الإعلام به لسيدنا أن الذمى زنكوط من آل ذمة طنجة الذى هو في علم سيدنا كان يطلب من مولانا يوسق البقر من طنجة ولم يساعده مولانا لذلك، وكان بمدينة مكناس وهرب منها إلى وهران، ومعه اثنان من اليهود لعنهم الله، فلما خرج عن تلمسان اتصلوا به القطاع وقتلوه هو ومن معه، وكانت عليه بذمته لمولانا من صاكة المرسى نحو أربعة مثقال ومائتين مثقالا وخمسين أوقية، تخلدت بذمته الآن، ولم يكن له ما يوفى ما بذمته سوى دار سكناه إن كان بيعها للمسلمين تساوى ستمائة مثقال إلى سبعمائة، كان أمر سيدنا ببيعها لليهود تزيد على تلك القيمة والله أعلم. وهذا دون ما كان بذمته أيضا من صاكة سيدنا كان أعطى فيه ضامنا للأمين، وعليه ديون للمسعودى وغيره ما ينيف عن ألفين مثقالا، بهذا وجب الإعلام لمولانا بارك الله لنا في عمره وأبقاه لدى الأنام، وهذه النواحى سالمة والحمد لله

ولا ما يخطر في البال من فضل الله ووجود مولانا، والعبد يطلب مولاه صالح الأدعية لنا ولعقبنا والسلام في رجب الفرد الحرام عام 1250. خديم المقام العالى بالله العربي بن على السعيدى" صح من أصله بلفظه. وفى هذا العام ولى ابن عمه وصهره على بنته المصونة المولاة خديجة المولى عبد الهادى خطبة القضاء بفاس. وفى شوال عام 1251 كتب لخليفته ولده بما نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع الكبير: "ولدنا البار الأرضى، سيدى محمد أصلحك الله ورضى عنك، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد بلغنا دخول العدو الكافر دمره الله لتلمسان جبرها الله، وتحققنا أن ذلك من خيانة المسلمين وموالاتهم للنصارى والعياذ بالله، فإنا لله وإنا إليه راجعون على غربة الإسلام وأهله، وقد طلب (... كذا) خديمنا القائد العربي الرحمانى شدة احتياج المسلمين للإعانة والمدد بالبارود والخفيف والعدة، فبوصول كتابنا هذا إليك وجه له ثلاثين قنطارا من البارود وما يكفيها من الخفيف يجعل ذلك تحت يديه احتياطا إن احتاجوا إليه يجدونه موجودا، وانظر إن كان تحت يدك من المكاحل نحو المائة والخمسين اجتمعت بالخزين من دفع أو غيره، وجهها له مع ذلك. وإن لم تتيسر ففى البارود والخفيف كفاية وهو العمدة التي تدعو إليها الضرورة، وقد كتبنا للشيخ أبى زيان بالانتجاع بحلته والنزول بطرف الإيالة في الحدود التي حدها الأسلاف قدسهم الله مع الترك ولا يتعداها، وأمرنا أن يستكثر من الخيل، ويأمر بالاستظهار بالعدة والعدد، ويحشد ما قدر عليه من خيل إيالته،

ويقيم هناك بحلته أياما كأنه متبع الكلأ لرعى المواشى على عادتهم في الانتجاع، حتى يشيع خبره في الآفاق، ويسمع العدو الكافر دمره الله قوة الإسلام واستعداده، فلابد كاتبه بذلك وأكد عليه وحرضه أتم التحريض، ويوافيك كتاب إليه فوجهه على يدلّ عزما، والسلام في 15 من شوال عام 1251" صح من أصله. وفى عام 1253 أصدر ظهير للحاج قاسم حصار السلوى المتقدم الذكر بالتوقير والاحترام، ونصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع الصغير بداخله "عبد الرحمن بن هشام الله وليه". "كتابنا هذا أسماه الله وأعز أمره، وخلد في الصالحات طيه ونشره، بيد المتمسك بالله تعالى ثم به خديمنا الأرضى الحاج قاسم حصار السلوى يتعرف منه بحول الله وقوته، وشامل يمنه ومتته، أنا أسدلنا عليه أردية التوقير والاحترام، وحملناه على كاهل المبرة والإكرام، على ممر الليالى والأيام، لمحبته في جانبنا العالى بالله تعالى، وحسن خدمته فالواقف عليه يعمل بمقتضاه، ويقف عند حده ولا يتعداه، صدر به أمرنا المعتز بالله في ثالث ربيع الأول النبوى الأنور عام ثلاثة وخمسين ومائتين وألف". وفى عام 1255 كتب له خديمه محمد عشعاش بما نصه من أصله بعد الحمدلة والصلاة: "مولانا السلطان المساجد الهمام، الرافل في حلل الإجلال والإعظام، قرة الأعيان، أمير المؤمنين سيدنا مولانا عبد الرحمن، بارك الله في عمر سيدى وزاده شرفا وتعظيما، وسلام الله ورحماته وبركاته على الحضرة المحروسة المحفوظة بالله تعالى. وبعد: لثم حاشية البساط الكريم، وأداء ما يجب للمقام الرفيع من

التعظيم، فقد ورد كتاب سيدى المعظم المبجل في شأن تفصيل الألفى كسوة من الكارية كما وصف، فبوصوله فصل مما حضر من الكارية محمد 1200 وبعثت لجبل طارق على ما يكون به الكمال، وأما الملف الموفر من الأعشار فبوصول إذن سيدنا في بيعه بيع بعشرة في المائة فائدة، فإن كان لا زال مراد سيدى في كساوى الملف فليأمر بما يريد منه عددا ووصفا يبعث عليه وتصنع بحزم وعزم، وكساوى الكتان نطلب من سيدى أيده الله الإذن فيما يكون بها، هل توجه بوجدانها أم حتى يأمر سيدى متى شاء؟ وما ذكر سيدى أيده الله على شأن قفاطين النساء يجعل بدل السفيفة كمخة فذلك العمل فيما يوجه من قفاطين النساء، نعم إن كان سيدى يريد ذلك في قفاطين الرجال فليأمر بذلك، يكون في التالي للقابل والعمل على ما يأمر به سيدى أدام الله نصره وتأييده وعلى الخدمة والسلام في يوم الثلاثاء 4 رمضان المعظم عام 1255. الخديم محمد أشعاش وفقه الله آمين" صح من أصله مباشرة بلفظه. وفى عام 1256 كتب لخليفته بما نصه: "ولدنا الأبر الأرضى، سيدى محمد، أصلحك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد كتبنا لك هذا بعد حلولنا الصخرة وإقامتنا بها الاثنين أول شعبان، ونقيم بها يوما آخر للاستراحة، وننهض إن شاء الله إلى ماز (¬1) ومنها إلى بين الصاع وعين البل، فبوصول كتابنا هذا إليك عين للنهوض معك جميع خيل الجيش الفاسى ولا يبقى هناك إلا ما لابد منه، وادفع لهم راتبا من عند أمناء فاس خمسين أوقية للمخزنى، وسبعة مثاقيل ونصف للمقدم، وعشرة مثاقيل لقائد ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "محل بين تادلا وزعير والشاوية".

[صورة] ظهير رحمانى للحاج أحمد عواد بوصول جزية أهل الذمة بسلا

المائة، وانهض على بركة الله لحضرتنا العالية بالله قاصدا لمكناسة على مهل، ويكون مبيتك بوادى النجا، ومنه لمكناسة إن شاء الله. وقد أمرنا ابن العواد أن يهيئ للتوجه صحبتك ثلاثمائة من خيل عبيد سيدى البخارى، تنتظرك بمكناسة، وقبض الراتب مثل الجيش الفاسى، وأمرنا البهلول الشرادى أن يعين من الشراردة مائتى فارس بالتثنية ويأمرها بملاقاتك حيث تعين لهم، فإذا وصلت مكناسة تقص في الخبر عن أمر زمور زيادة على ما عندك من خبرهم، فإن تحقق عندك صلاحهم فمر حراك الشراردة يلحقون بك لمكناسة، وادفع لهم ثلاثين أوقية للمخزنى، وأربعين أوقية للمقدم، وخمسين أوقية لقائد المائة. وانهض على بلاد زمور قاصدا لرباط الفتح، وإن كانوا على غير استقامة تامة فأظهر عذرا موجبا لانحرافك عن بلادهم، واقدم على طريق جروان وقدم لحراك الشراردة الأمر بملاقاتك حيث تعين، ويكون راتبهم معك لتدفعه لهم عند الملاقاة لتوافينا بالرباط إن شاء الله عند حلولنا به، فيتوجه حراك الحوز معك، فإنهم راغبون في توجيهك صحبتهم. وما كان من أمور تافيلالت على يد الحاج الطالب مره بالقيام به وقضائه، وما كان على يد السيد علال الشامى كذلك، وأمر وصيفنا فرج بأن يصير إلينا كتب تافيلالت مهما وردت، والسلام في فاتح شعبان المبارك عام 1256" صح من أصله الموجود بالمكتبة الكتانية. وفيه كتب بما نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع: "خديمنا الأرضى الحاج أحمد عواد، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.

وبعد: فقد وصل لحضرتنا العلية بالله كتابك وصحبته ألف مثقال جزية أهل ذمة سَلا، حسبما بينت، وذلك على يد خديمنا الطالب محمد السويسى، وذلك جزية ثلاث سنين مضت عن تاريخه والسلام في 24 محرم الحرام عام 1256". وبعده: "الحمد لله أعلم بأعمال الكتاب الشريف أعلاه عبد الله تعالى فلان ... ". وفيه كتب لقاضى سَلاَ بما يكون عليه العمل في أمر الأملاك بعد حيازتهما عشر سنين بما نصه: "الفقيه القاضى السيد محمد زنيبر أرشدك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى، وصلنا كتابك وعرفنا ما فيه وعلمنا أن ما حكم به علماء الرباط في قضية بوعمرو بن الحسن الشاكى مع الحاج محمد أمغار السلوى موافق لما حكمت به فيها قبلهم، فالحمد لله على موافقة الحق، وعلمنا أن الشاكى لا حق له، وإنما هو ملد ونحن نسمع ممن ورد لبابنا السعيد شاكيا ونرد قضيته لمن يبحث فيها من الحكام تفصيا من العهدة، لأنا لا نعلم المحق من المبطل، وحيث تحقق أن الشاكى ملد فبوصول كتابنا هذا إليك اجلده ثمانين جلدة أدبا له وزجرا لأمثاله، والعمل في أمر الأملاك على ما في كتاب عمنا رحمه الله الذى وجهت النسخة منه من أن من ملك ملكا مدة من عشرة أعوام لا ينزع من يده ولا يسمع ممن ادعى فيه بدعوى إن كان حاضرا ساكتا والسلام في 14 ذى الحجة الحرام متم عام 1256". وعلى هذا الظهير ذهب ولده السلطان سيدى محمد، فقد كتب لقاضى تلك المدينة في عهده بما نصه: "الفقيه القاضى السيد العربي بن منصور السلاوى، سددك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.

وبعد: فإن الناس في هذا الوقت اعتادوا القيام في الأملاك المبيعة بل قديما لارتفاع ثمنها ويلتمسون لذلك أسبابا يفتحون بها باب القيام والخصام بعد سكوتهم عنها وهى في يد مشتريها وتصرفه المدة الطويلة، وذلك مؤد إلى الشغب، وكثرة الخصام المطلوب تقليله ما أمكن، ومن جملة ذلك المعلم أحمد أحسيسو السلاوى الحصار، اشترى دارًا من بعض ورثة عمر عواد ما يزيد على الثلاث عشرة سنة صفقة، وأمضى له الباقون، وأفتى له من يعتبر من الفقهاء بإمضاء البيع وصحته كما رسمه بيده، وقد كان مولانا المقدس بالله كتب للقاضى السيد محمد زنيبر بأن العمل في أمر الأملاك على ما في كتاب عمنا مولانا سليمان رحمهم الله، من أن من ملك ملكا عشرة أعوام لا ينزع من يده، ولا يسمع ممن ادعى فيه بدعوى إن كان حاضرا ساكتا، ونحن على أثرهما في ذلك، فنأمرك أن تنتهج نهجه، وحيث أفتى من يعتبر من الفقهاء بصحة شراء أحسيسو المذكور، وطال أمره زيادة على المدة المذكورة، فلا تسمع للقائم عليه فيه كلاما والسلام في 20 شوال الأبرك 1282". وبعده بخط من يجب حفظه الله استقل، وبعده: انتهت قوبلت بأصلها فماثلته ووافقته وأشهده الفقيه الأجل، العلامة الأفضل، قاضى محروسة سلا ونواحيها حينه وهو (محمد العربي بن أحمد بن منصور لطف الله به) أعزه الله تعالى بعز طاعته وحرسها بثبوت المنتسخ أعلاه الثبوت التام، لصحته عنده وثبوته لديه بواجبه، وهو حفظه الله ورعاه وسدده وكلاه، بحيث يجب له ذلك من حيث ذكر دامت كرامته، وتوالت بحمد الله سعادته ومجادته. وفى ثامن عشرى جمادى الثانية عام ثلاثة وثمانين ومائتين وألف فوقه والاستقلال عقبهما بخط من يجب رعاه الله، بطرته: وبعده بخط من يجب حفظه

الله استقل، بين أسطره ونص خطابه، أصلح نسخة، لحصاء، له، ضرب بين تعالى ووصلنا صح به عبيد ربه محمد إدريس بن محمد الجعائدى الحسنى لطف الله به في الدارين آمين بين فقته، وأشهده صح به محمد وعبيد الله محمد العربي ابن محمد بن سعيد لطف الله به في الدارين. ونص الثبوت عقبه: الحمد لله أديا لدى أصلا وإلحاقا، فقبل وأعلم به أسير نفسه محمد العربي بن أحمد بن منصور لطف الله به، ونص الأعمال أسفله بخط من يجب رعاه الله: أعملته. وبعده ثبوت ثان نصه: انتهت فقوبلت بأصلها فماثلته ووافقته وأشهده الفقيه الأجل العالم العلامة الأمثل، الدراكة الأنبل، المحدث الحجة الأكمل، قاضى سلا ونواحيها وخطيب أعظمها حينه ووقته وهو أبو الحسن (فلان ...) أعزه الله تعالى بعز طاعته، وحرسها بثبوت المنتسخ أعلاه الثبوت التام لصحته عنده، وثبوته لديه بواجبه، وهو حفظه الله ورعاه وسدده وكلاه، بحيث يجب له ذلك من حيث ذكر، دامت كرامته وتوالت بحمد الله سعادته ومجادته، وفى ثالث عشرى ربيع الثانى عام عشرة وثلاثمائة وألف بين أسطره من من لطخ بين مولانا والمقدس صح به عبيد ربه تعالى (فلان ... .) بشر محل وفى ثالث عشرى ربيع الثانى عام عشرة وثلاثمائة صح به (فلان ... . "). وفى عام 1257 ورد على صاحب الترجمة العلامة الأديب السْيخ يوسف المدنى فأكرم وفادته وأحسن إليه. وفى عام 1258 كتب لولده الخليفة بما نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع: "ولدنا الأبر الأرضى، سيدى محمد أصلحك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.

وبعد: فتصلك كتب فيها أخبار المسلمين مع العدو الكافر، قصمه الله بناحية الشرق وغيره، وجهناها لك لتطلع على ما فيها وتعلم حقيقته، فإن الأعداء أهلكم الله حسبوا كل بيضاء شحمة، وقويت أطماعهم ومنتهم أنفسهم وهموا بما لم ينالوا، ولما استولوا على تلمسان ورأوا ما عليه أهل حوزها من التواكل والتخاذل والفشل والرعب منه والفرار أمامه، ظنوا أن هذه الناحية مثل تلك، وأرادوا تعدى الحدود ومد اليد إلى الإيالة، وأعملوا الوجهة لها بعد الوجهة الأولى التي لم يحضر هناك أحد من الجيش، فلما دنوا وجدوا المخازنية أمامهم في شرذمة فثبتوا وناوشهم خيل المتنصرة القتال فردوهم على أعقابهم، فخشى العدو على نفسه وفر ليلا. ولما عاين من نجدتهم وثباتهم ما لا قبل له به وتخلف ظنه، كتب لطاغيته بذلك، وأرادوا إعمال التمويه والتلبيس ونصب المكائد بالتخيلات والأوهام، فظهرت بعض قراصينهم بنواحى طنجة والعرائش، فأمرنا جميع القبائل بإظهار القوة والاستظهار بالعدة والعدد ليرى من ذلك ما يسوءه ويبلغ الشاهد الغائب، ولا ينبغى إلا ذلك، فإنه دمره الله صاحب غدر ونكر وتلبيس، لا تؤمن غوائله، ولا تنقضى حيله ومكائده. فلتكتب لعمال الثغور وعمال القبائل الموالية لها لإظهار القوة والاستظهار بالعدة وكثرة العدد، فإن ذلك مما يقوى سواد المسلمين، ويفت في أعضاد الكافرين فقد قال الله تعالى: {... لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفُّارَ ... (29)} [الفتح: 29] مثل أن تأمر خديمنا عبد الله أبه (¬1)، وسليمان بن الطاهر بحشد عديد قبائلهما، خيلا ورماة للصويرة، وعمارة ساحتها بلعب البارود وغيره، مما يغيظ العدو، ويقيمون يومين ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "بضم الهمزة وكسر الموحدة تحت والهاء، أحد كبار عمال سوس وصناديدهم".

أو ثلاثة، وبعد ذلك ينصرف الجل ويبقى البعض، ويجعلون عمارة ذلك الثغر مناوبة، إذا توجهت طائفة وردت أخرى، وأمر ابن الغنيمى يفعل مثل ذلك بآسفى، وابن إبراهيم يفعل مثل ذلك في فحص المجاهدين، والحاج موسى كذلك، فإن ذلك مما يغيظ الكفار ويفت في أعضادهم ويرهب المشركين ويرعبهم، وفيه مغفرة الله ورضوانه، فإن كل ما فيه إغاظة عبدة الأوثان، وإرغام أشياع الشيطان فيه رضا الرحمن والفوز بالثواب والأمان، قال الله سبحانه: {... وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ...} [التوبة: 120] الآيات. ولتأمر عمال الثغور الصويرة وآسفى والجديدة وآرمور بمباشرة آلة الحرب ونصبها على كراريطها في مواضعها، ووضع الإقامة حذوها، وإصلاح ما احتاج إلى الإصلاح من ذلك وتهيئته ليبلغ العدو من ذلك ما يغيظه ويسوءه، فإنه أهلكه الله عين وأذن على ما يتجدد من ذلك ولا يغيب عنه شئ منه، والله يرفع راية الإسلام، ويخذل عبدة الأصنام بجاه النبى عليه الصلاة والسلام في 4 ربيع الثانى عام 1258"، صح من أصله الموجود بالمكتبة الكتانية. وبنفس التاريخ كتب لعاملي العدوتين ظهيرا في شأن المناوشات الواقعة على الحدود، يأمرهما بأخذ الأهبة والاستعداد وتهيئ الأبراج والمدافع، واستعراض رجالها. ونصه بعد الحمدلة والصلاة والتوقيع السلطانى صدر الكتاب "عبد الرحمن ابن هشام وفقه الله" بخطه كما كان يفعل أحيانا في بعض رسائله: خديمينا الأنجدين القائد محمد بن الحاج محمد السويسى، والقائد بوعمران ابن الحاج الطاهر فنيش السلوى، وفقكم الله وسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

[صورة] ظهير رحماني لعاملى العدوتين الرباط وسلا بالاستعداد للطوارئ المنتظرة من جانب فرنسا ويرى خط السلطان صدر الظهير

وبعد: فاعلموا أن عدو الدين الفرنصيص دمره الله لما استولى على تلمسان ردها الله دار إسلام، ورأى اضطراب أحوال قبائل تلك الناحية وفشلهم عن ملاقاته وفرارهم أمامه، ظن أن كل الناس كذلك، وحسب كل بيضاء شحمة، فسولت له نفسه لعنه الله التشوف إلى قبائل إيالتنا السعيدة وإرهابهم بتهويل أمره ونصب حيله ومكره بدورانه بعسكره المخذول، ومحاكته للحدود ليرهب ضعفة العقول ويرعبهم، فتحرك على عادته وأراد النزول بمحل نزل به قبل توجه جيشنا المنصور لتلك الناحية، فلما قرب منه وجد بعض خيل المخزنية أمامه فنزل على بعد، لعلهم يتزلزلون فثبتوا، وناوشهم خيل المتنصرة القتال فردوهم أعقابهم وولوا إلى العدو منهزمين، فسقط في يده وهرب ليلا، فلما رأى ما لا قبل له به أراد إعمال المكر والحيلة بظهور القوة الإسلامية، والاستظهار بالعدة والعدد، ليرى ما يسوءه ويزداد غيظا وهوَانًا، ويعلم أن الإسلام والحمد لله بأنصاره، وأن أمة النبى عليه الصلاة والسلام راغبة في جهاده ساعية في دماره. فبوصول كتابنا هذا إليكم أظهروا أخذ الأهبة والاستعداد بتركيب آلات الحرب في محالها على كراريطها وعجلاتها في صقائل العدوتين، وأنزلوا حول كل مدفع ومهراس عددا من آلاف حربه من الكور والبنب وغير ذلك، وأظهروا الحزم بتفقد العدة ومسحها وتشميسها وتسراد الرجال أهل العدة، وتعمير الصقائل والأبراج بأهلها، ليصل العدو ذلك، فإنه لا يغيب عنه شئ، لأن له عيونا يطالعونه بذلك، ويبلغ الشاهد الغائب، وفى ذلك من توفر أَجْر نيّة الجهاد، ونيل رضوان الله ما يتبادر إليه المؤمنون ويتسابق إليه الموقنون، فإن في ذلك إغاظة الكفار، وإرغام الشيطان وأشياعه، وكل ما فيه إرغام الشيطان فيه رضا الرحمن. والقصد بذلك إظهار عزة الإسلام، وإلا فالعدو قصمه الله في هوان وصغار، وذلة واحتقار، فالمراسى معمورة والحمد لله بحاميتها، والثغور مشحونة

بعدة الحرب وآلتها، وكل عين أمامها إصبع ما تحرك في ناحية إلا ويلقى من أهلها خسارا، ولا يطمع في جهة إلا وينال هلاكا وبوارا، بحول الله وقوته، وهذا الأمر افعلوه عند ظهور شئ، والسلام في 4 ربيع الثانى عام 1258". ثم كتب له بما نصه: "ولدنا البار الأرضى، سيدى محمد أصلحك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فاعلم أن المهدى الشرادى كنا حسَّنَّا به الظن، حيث أظهر التنسك وأبدى النصيحة والتودد مع أخذ الحذر منه، ووليناه على قبائل أهل سوس طلبا لجمع كلمتهم، حيث رأينا رغبتهم فيه وميلهم إليه، حتى طلب التوجه للمشرق فساعدناه وجعلنا خليفته البهلول كما في علمك، ولما سافر صرحنا له بالاستقرار، ونحن في خلال ذلك نلتمس انحرافهم عن المهدى وانقطاعهم عن محبته، ولما قدم أعرضنا عنه وأقررنا الوالى على عمله، فكان لا يبرم أمرًا دون ولده في غيبته ودونه في حضوره حتى ألقى الله العدواة والبغضاء بينهم وبين العامل، وسعى في فساد القبيلة عليه فلم يصلح الله له عملا ولا بلغه من ذلك أملا، بل رجع شؤم سعيه عليه، وعادت سهام فساده إليه، فأصبح وقد كشف الله عواره، وأبلى أسراره، وأطلقت ألسنة خاصتهم وعامتهم في ثلبه، وإبداء العجر والبجر من عيبه، ورموه عن قوس واحدة، وهتكوا حرمته وخرقوا عوائده، ولم يبق مصمما على اتباعه غير البعض من زواره، أمرناهم بالانتقال لفاس فكان مبلغ شيعته مائة ونيفا وخمسين فارسا وما يناهز الأربعمائة رام، بعد ادعائهم أن الكل له تابع وبعد انتقالهم جعلوا يتسللون فرادى وأزواجا، ويرغبون في الرجوع أفواجا، وتطرقت إليه ألسنتهم بكشف ما كان يسر من قلة الدين، والتلبيس بالانتساب للصالحين، حتى ذكرت شبانية كانت بداره قالوا على وجه الفساد فأخرجها عند توقع الشرّ به.

وحدثت أنه يبول على المصحف الكريم وموضع خلوته وقبلة استجابة دعوته المستراح، وأنه تارك للصلاة، مشتغل بالسحريات، وصدقتها في دعواها زوجته بنت عمه وشاع ذلك وذاع، وملا الأفواه والأسماع، وحدث به العامة عن الخاصة وعمدوا إلى زريبته فحرقوها، وإلى مخازنه فنهبوها وفرقوها، ومن سر سريرة ألبسه الله رداءها، وأصبحوا اليوم وقد خرجوا من الظلمات إلى النور، يتأسفون على ما فاتهم من الاغترار به وتقلبات الأمور، وقد اختفى بحيث لا يدرى محله، وعامله الله بما هو أهله، فكان طلب الانتقال إلى المشرق بأولاده، وإعراء الأرض من فساده، وسنجيبه إلى ذلك إبعادا له عن هذه الأقطار وننشد: إذا ذهب الحمار بأم عمرو ... فلا رجعت ولا رجع الحمار وأيضا اعلم أن ابن العواد ظهر منه من الفساد ما لم يكن في حساب، واغتررنا ببكائه وما كان يظهر من الدين والطهارة وكثرة إيمانه بنصيحته في هذا الجيش وشفقته، وكانت تصدر منه هنات، وتبلغنا عنه أمور يتحاشى أهل الدين عنها، فنعاتبه على ارتكابها فيجيب بالتفصى من عهدتها، ويبرهن برسوم زور، وكلام فجور، فنحمله على علاته، ونغض الطرف عن هناته، ثقة بما يظهر، واغترارا بما يموه ويزور، وهو ساع في تبذير هذا الجيش البخارى بخرق العوائد، وإفساد القوانين، وأحدث فيهم أموراً شنيعة من بيع المراتب والخطط وتوليتها غير أهلها، ومنع المستحق منها، وإيثار الدخلاء ومن لا خلاق له بذلك، وإلزامهم المغارم زيادة على خيانة الرواتب الشهرية، والغفلة عن تفقد الأسلحة والعدة والخيل التي نخصصهم بها حتى كادت أن تضيع المخزنية رأسا. وفقد الحزم والضبط المعهود في المخازنية، وعدم الإقدام والشجاعة فيهم مع أنهم كان يضرب بهم المثل، فإن الرعية على رأسها، وتصدى لإرث كل من حانت منيته من المخازنية وحيازة متروكه وبيع أصله ومنع ورثته. وأما أهل مكناسة فقد سار فيهم سيرة جور وعسف، وأذاقهم عذاب ظلم

وخسف، بجعل حيل ونصب حبالات وأساليب لاستخلاص الأموال، ومصادرة ذوى الأغراض، وأفضى به الحال إلى جعل ديار مخصوصات للفاسد، وتوظيف خراج على الفاسدات في كل شهر، ولم يكفه ذلك كله حتى جعل من جهاته لإفساد القبائل ومداخلته أعيان الفساد، وتمالئهم عن الخروج على عمالهم، فكل من لم يمل إليه ولم يواصله أو تشانا معه، بث في رعيته القيام عليه وواعدهم بالمعونة، ورتب لهم الطعام عند الزوقة، مع أنه أبخل من مادر، وإن نزل عليه ضيف واحد أضجره ونصب العداوة مع قواد البرابرة المجاورة لمكناسة، وألقى الشرّ بينهم وبين المخازنية، حتى لم يبق لهم وُدًّا في قلب القريب والبعيد، ولم تبق له همة إلا في هذا وشبهه. وأما أهل الذمة فأبدأ فيهم وأعاد، حتى أخرجناهم من حكمه، ومع ذلك لم يتحاش عن فعله فيهم وفى غيرهم، ولما تفاحش أمره، وفشا في الرعية شره، قبضنا عليه ووجهناه لفاس بكبله، وحاق به سوء مكره، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله. واستخرنا الله تعالى فيمن نوليه على الجيش ممن يسعى في جبره، وينصح لله ولرسوله وللمؤمنين في سره وجهره، فشرح الله صدرنا لتولية قائد مشورنا السعيد القائد الجيلانى بن بوعزة لما بلوناه من نصحه ومحبته، وعلمناه من دينه ومروءته، نسأل الله تسديده وتوليقه، وإلهامه الرشد وطريقه. واعلم أن جل الحياينة وخصوصا أولاد أرياب منعوا الحقوق، وأظهروا العقوق، فطلب عاملهم خروج المحلة إليهم، فوقع منهم وعد وإخلاف، ومنع وإرجاف، فنهضت المحلة المنصورة إليهم وأحاطت بالمفسدين وأخذتهم أخذة رابية، ولاذوا بالفرار، وتركوا الأموال والأنعام، فامتلأت أيدى المحلة منها، وقبضوا

وقتلوا وهو مشروح في الكتب الواردة عليك صحبته، والسلام في 4 جمادى الأولى عام 1258، صح من أصله الموجود بالمكتبة الكتانية. وفى عام 1260 ستين ومائتين وألف، كتب له الأمير عبد القادر بن محيى الدين الحسينى الجزائرى يسأله عن أبناء عمه المهاجرين للمغرب، وفى طى كلامه الإعلان بانحياشه وانحيازه إلى شريف حضرته، وطلبه صالح أدعيته، ونص كتابه بعد الحمدلة والصلاة ثم الطابع بداخله "عبد القادر بن محيى الدين 1258" وبزواياه الاثنتى عشرة: الله، محمد أبو بكر، عمر، عثمان، على، عبده، ناصر الدين، الواثق بالقوى المعين. وبدائرته ومن تكن برسول الله نصرته البيت: "ملاذنا وعمدتنا وقاطبة أهل الإسلام، الذى بلغ الله به قصد ومرام، ورفع به مقام أهل الإيمان على كل مقام، متعنا الله بنصرته على الدوام، ومر الليالى والأيام، ذلك الإمام الهمام، الذى اشتهر كنار على رءوس الأعلام، ولا تحصى مزاياه أو تحصرها الطروس والأقلام، مولانا عبد الرحمن بن مولانا هشام على مولانا ما لا يتناهى حصره من السلام، مضمخا بطيب التحيات والإكرام والإعظام، وأسبغ عليكم أنواع الإنعام، ونصر بكم ملة النبى العدنان، وخذل بكم أهل الكفر والطغيان، ولا زائد بعد التماس صالح دعاء مولانا ورضاه الأرضى، عن أبناء صنو أبينا الذين حلوا بساحته، وصموا بجوار حضرته، وهم السيد أحمد وإخوته أولاد المرحوم السيد أحمد بن أبى طالب، وأن لا يكونوا مطرحين بزاوية الإهمال، لأننا وإياهم منسوبون من جملة الخدمة والعيال، ومثل مولانا نصره الله، من قال فيهم تعالى جل جلاله: {... يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهم ...} [الحشر: 9]. ونحن لك أينما كنا وحيثما حللنا واستقر المكان بنا، لأن من إلى الشرف الرفيع انحاز، فقد قال المطلوب وفاز، وأن لا ينسانا من دعواته، في خلواته وجلواته، المرجوة القبول عند الله، ونحن من أهل الحسبة عليه بعد حسبتنا على

[صورة] كتاب من الأمير عبد القادر الجزائرى للسلطان المولى عبد الرحمن

الله خديم حضرتكم الباذل جهده في مرضاة الله ورسوله ثم مرضاتكم، المتوكل في كل أموره على الله وعليكم الموضوع اسمه بالخاتم، النائب عنكم بما قدر من جهاد العدو القائم، في 1 ربيع الثانى سنة 1260" هـ من أصله الفتوغرافى الموجود بالمكتبة العمومية للحكومة بالرباط. ولما دخلت هذه السنة التي هى سنة ستين، كان قد تم استيلاء فرنسا على سائر شمال المغرب الأوسط، اضطر الأمير عبد القادر المذكور للدخول لحدود المغرب الأقصى، فنزل بعين القصب فاقتفت أثره ووقفت جنودها وراء نهر تافنة، وجعلت تبنى قصبة في الغزوات على شاطئ البحر لتقرب منها مراكبها وتنزل إليها عساكرها، وقصبة أخرى على وادى الحاجة مغنية، فكثر العيث بأعمال وجدة وملحقاتها، وعمد بعض الحامية الفرنسية النازلين ببنى واسين وكانوا تابعين لأعمال وجدة، وكانت تربة المرأة الصالحة مغنية، معتقدة من بنى واسين، فأهانوا قبتها بما قام له بنو واسين، وقعدوا وصدر منهم ضد الحامية ما جسم المسألة، وكدر صفو المسلم بين الإيالتين، وأوجب إلحاح سفير فرنسا بطنجة على المترجم في طلب الترضية. وفى أثناء المخابرة وجه المترجم جيشا في نحو ثلاثة آلاف بين خيل ورماة تحت رياسة كاتبه على بن الطيب الأجناوي، وأمره أن لا يفاتح بقتال حتى يصدر إليه الأمر، ثم لما وصل الكاتب لوجدة فتح باب المخابرة مع رئيس الحملة الفرنسية، ولم يشعر حتى ابتدأ المسلمون بقتال جيش الحملة، ولما رأى رئيسها ذلك أمر عسكره بالكمون للمسلمين بعريش الوادى، ثم أحدقوا بهم وقتلوا منهم نحو الثمانين، فرجع الجيش السلطانى لوجدة، ثم نهض لعيون سيدى ملوك، ودخلت الحملة الفرنسية لوجدة فوجدتها خالية فباتت بها ليلة واحدة أعدمت ما كان بها من بارود ورصاص، ثم بارحتها من غير أن تحدث بها أدنى حدث.

ولما اتصل هذا النبا بالمترجم وهو يومئذ بمراكش، وجه لخليفته بفاس ولده أبا عبد الله محمد للنظر في شأن الحدود ريثما تنفصل القضية بطريقة سلمية، فجهز جيشا من القبائل الغربية يبلغ ثلاثين ألف مقاتل، وسار به إلى أن بلغ وجدة، وألقى القبض على على بن الطيب رئيس المحلة السابقة المذكور. وقد عثرت له على كتاب أرسله لوالده المترجم يخبره بحلوله بالعيون وما كان من اجتماع قبائل آنكاد والصحراء وحسن استعدادهم، ونصه بعد الحمدلة والصلاة: "بعد تقبيل حاشية البساط الشريف، وأداء ما يجب بين يد سيدنا أيده الله من التبجيل والتعظيم والتشريف، يكون في علم مولانا أيده الله، أنا حللنا بعيون سيدى ملوك حلول عز ويمن وسعادة بوجود مولانا أدام الله وجوده، ونصر أعلامه وجنوده، وتلقتنا بها قبائل آنكاد بعطاطيشهم، وأظهرت من الفرح والسرور بمحال سيدنا أيده الله ما لم يعهد منها، وسكنت أنفسهم واطمأنت وزال عنهم ما كانوا فيه من الخوف والجزع، والروع والفزع، بسبب فعل ابن الأكناوى، وانحاشت إلى عاملها الطالب حميدة الشجعى، وانتظم شملها، وما بقى منها من تطمح عينه للعدو الكافر بوجه ولا بحال، كما تلقانا بتازا أخوال سيدنا الكرارمة في أحسن زى وأعجبه بعطاطيشهم أيضا، وقاموا بمؤنة المحلة أحسن قيام وصحبتنا كافة فرسانهم ورجالاتهم وجميع أعرابهم، وما تخلى أحد عنا من هؤلاء القبائل المعتبرة، ولا أظهرت عجزا ولا تكاسلا. وقد اجتمع من القبائل الصحراوية أيضا خلق كثير لله الحمد وله المنة، والمسلمون الآن في غاية الظهور، والعدو من أجل ذلك ينادى بالويل والثبور. هذا وقد بلغتنى كتب سيدى أيده الله ونصره في شأن العدو الكافر الذى جعل طنجة نصب عينيه، واستفدت منها ما حدث بطنجة من الهرج، فإنا لله وإنا

إليه راجعون، نسأل الله ببركة سيدنا أن يجبر صدع الإسلام، ويكسر شوكة عبدة الأصنام، والمحال التي هنا في غاية النشاط، والسرور الانبساط، وما لحقتها خصاصة ولا تلحقها بحول الله وبركة سيدى ووجوده أيده الله. والسيد عبد القادر بن محيى الدين تأخر بمن معه لملوية بألطف إشارة، وأوجز عبارة، من الطالب حميدة والشيخ حمدون بأمرنا وإشارتنا، فلم يبق للكافر الآن ما يعتذر به من جهته، والذى حققناه أن هذا العدو لا يقنع بتأخير السيد عبد القادر ولا بكل ما يفعل معه، إذ لا زال مصمما مع ضعفه الآن بالنسبة للمسلمين المجتمعين هنا على تعدى طوره إن وجد إليه سبيلا، وقد خوطب من قبل الطالب حميدة بنص ما في التقييدة الواصلة في على هذا الكتاب فأجاب بالامتناع من الخروج من مغنية، والمتعين خروجه منها إذ ليس في بقائه بها إلا الفساد، ورد هؤلاء القبائل للخوض والعناد، فيتعين اشتراط الخروج عليه منها عند عقد الصلح معه، وإلا فلا يتم كلامه ولا تحسم مادته ولا ينقطع تشوف من في قلبه مرض إليه، ولا يستقيم مع بقائه بها أمر من أمور هذه النواحى. وهذه القبائل عزمت على الزحف عليه وإخراجه منها وإعمال موجبات التضييق عليه من قطع الماء عنه، وأخذ من خرج منها، ومنع من يريد الدخول إليه حتى لا يقر له بها قرار، ويطلب النجاة بنفسه والفرار، وإن تمادى على البقاء بها مع توفر أسباب إخراجه منها الآن وذهبت هذه الجموع، وبقى بها مد يده بل ورجله وملك ما شاء من قرى وأمصار، وصدر منه ما لم يصدر منه في عصر من الأعصار، فلا ينفع معه إلا الجد، ولا يخدع سيدنا بإبقاء عسته بها -أى بمغنية- فإنه يترك بها محلة لا عسة وحاصله مكائده لا يحدها حد، ولا تدخل تحت محمد، وما رضى أحد من هؤلاء القبائل بإبقائه بها خوفا من غدره، وجسارته ومكره، إن تفرقت هذه الجموع وكذا الحراك قالوا: إن رجعنا وأبقينا هذا الكافر بمحله ذهب

عملنا، وظهر له فشلنا، والله يبارك في عمر سيدى آمين والسلام في 20 رجب عام 1260. محمد وفقه الله بمنه آمين". ثم إن الخليفة المذكور خيم بجنوده على ضفة وادى يسلى حول وجدة، في ذلك البسيط الممتد من غير تَروِّ وَلا نظر في العواقب، وعندما نزلت المحلة على تلك الحالة، ورأى ذلك الأمير عبد القادر، قال لهم: إن هذه الفرش والأثاث والثقلة التي جئتم بها حتى وضعتموها بباب جيش هذا العدو، ليس من الحزم في شئ، والرأى أن لا تلاقوا العدو إلا وأنتم متحملون منكمشون بحيث لا يبقى لكم خباء مضروب على الأرض، وإلا فإن العدو متى رأى الأخبية مضروبة وإلا وقصدها ولا يرجع دونها ولو أفنى عليها عساكره، فلو أبقيتم هذه الأثقال بوادى زا، فإن كانت لكم فلا يبعد إتيانها، وإن كانت عليكم فتسلم من الأخذ وتجدون الراحة والمقام بها حتى تعودوا للقتال، ولكن لم يجد لنصحه أذنا واعية، فرجع من حيث أتى يتنفس الصعداء. ثم إن بعض الأعراب لما رأى قائد تلمسان يريد أن يصبح الجيش السلطانى على حين غفلة، قدم على المحلة وأنذرهم بالهجوم عليه، وحقق لهم أنه ترك الجيش الفرنسى يستعد للنهوض إليهم حينا، فلم يلتفوا إليه، ولا رفعوا لخبره رأسا اعتمادا على قوة عددهم وبسالة مقاتلتهم، ولما كان الصباح أعجلهم قائد الفرقة المذكورة الجنرال (لامور يسير) الشهير عند العرب بابى هراوة وعسكر بجيشه بمغنية، وقبل فتح المخابرة هجم على الجيش المغربى في غلسن يوم الخميس ليلة الخامس من شعبان السنة. ولما أشرف على اسلى، نظم جيشه على هيئة قلعة مركزها مئونة الجيش وأركان الجيش، تحيط بالمركز عسكر المشاة ثم الخيالة ثم القبائل الدائنة بطاعته،

وتحيط بالدائرة بطريات المدافع الخفيفية من سائر جهاتها، وأمر القائد العام لامور جيشه بالهجوم والسير على هذا النظام، ولما تراءى الجمعان ركبت محلة المخزن وكان أكثرها خيالة وأضعاف المحلة الفرنسية وتسابقت إلى اللقاء، والجيش الفرنسى محافظ على النظام المذكور لا يتحرك من مركزه حتى أحاطت به جيوش المغرب إحاطة السوار بالمعصم، صارت تصب رصاصها فيه. فعند ذلك أمر القائد الفرنسىي بإطلاق المدافع من سائر الجهات إطلاقا متواليا بلا إمهال دام العمل على ذلك ثلاث ساعات، والجيش الفرنسى لم يتزحزح عن موقفه، وما كانت الساعة العاشرة من اليوم المذكور حتى افترقت محلة المغرب ومات أكثرها، وتمزقت أوصال حماتها -الذين جعلوا صدورهم هدفا لمدافع مقابلهم- كل ممزق، وتطايرت أشلاؤهم في الهواء وباقيهم طارت بهم خيولهم فلم ينزلوا إلا وراء نهر ملوية، وبقى الخليفة في نحو عشرة من خاصة فرسان غلمانه، ثم سار إلى أن لحق بتازا، ثم سار إلى أن بلغ فاسا، وتقدم الجنرال (لامور يسير) بجيشه إلى مضارب المعسكر وقد كانت بقيت به فرقة من جيش العبيد والطبجية، فأبلوا بلاء حسنا، وقتلوا من المهاجرين عددا كبيرا إلى أن غلبوا عليهم، واستأصلوهم واستولى الجنرال المذكور على المعسكر بما فيه. وعندما وصل خبر الواقعة للمترجم وهو بمراكش فخرج يطوى المراحل طيا كى يدرك رتق الفتق قبل اتساعه، ولما بلغ ثغر الرباط بلغه أن أسطولا فرنسيا يريد الهجوم على طنجة، فبعث ولده أبا الربيع سليمان في شرذمة من الخيل لحراسة طنجة، وفى ذلك الأثناء بلغه أن الأسطول رمى طنجة بخمسة آلاف كورة في نحو ست ساعات ودمر منها أماكن كثيرة، ثم ارتحل عنها وتركها خاوية، ومن لطف الله أن كان أهلها أخلوها قبل هجوم الأسطول عليها فنقلوا أموالهم وأولادهم للفحص.

وقد عثرت على كتابين في هذا الشأن: أحدهما من القائد محمد عشعاش، والثانى من المولى سليمان يذكر فيه دخوله لطنجة وكيف وجدها بعد أن ضربها الأسطول الفرنسى ونص أولهما: "أدام الله العز والتأييد والتمكين، والنصر والظفر والفتح المبين، لمولانا السلطان المعتصم بالله المعان، سيدنا ومولانا عبد الرحمن، زاد الله سيدنا عزا وشرفا ومكانة وتبجيلا وتعظيما، وسلام الله وتحياته ورحماته ورضوانه الطيبات المباركة على الحضرة المنيفة التركية، وبعد لثم حاشية البساط الكريم، وأداء الواجب للمقام الرفيع المبجل من التعظيم، فلا ريب أن ما فعل مراكب الفرنصيص بطنجة يوم الثلاثاء العشرين من شهر التاريخ من إطلاقهم عليها وتخريبهم بعضها لا يعزب عن كريم علم سيدنا، ولا شك أن نجل سيدنا الأسعد أنهى ذلك لكريم علم سيدنا وعليه اعتمدنا، والذي نعلم به سيدنا أن عشية يوم الخميس الثانى والعشرين من شهر التاريخ خرجت تلك المراكب عن آخرها وغاصوا في البحر الكبير، والشائع أنهم قاصدون التخريج على العرائش والرباط والصويرة، ثم يعودون لتطوان يفعلون بالجميع كفعلهم بطنجة. ووجب أن نعلم سيدنا ليكون من أمرهم على بصيرة، ونجل سيدنا الأسعد مولانا سليمان كتب لنا أن نوجه، له الكمانية (¬1) فنحن نوجه له كل يوم ما يستحق له ولمحلته حفظه الله، وأقر عين سيدنا به وبإخوته، ولا حركة عند اللعين الفرنصيص في هذه الساعة للنزول في البرّ على ما بلغنا، وإنما غايته الفساد في المراسى، اللهم إن حدث شئ فالله يجعل كيده في نحره، والخفيف الذى أمر سيدنا بتوجيهه لفراجى قد وجهنا منه نحو الثلاثمائة ونحن ننتظر الإبل لنوجه له الكمال وعلى الخدمة والسلام في 23 رجب الفرد الحرام عام 1260. الخديم محمد اشعاش وفقه الله آمين". ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "ما يحتاج إليه من التموين".

ونص الثانى: "سيدنا الإمام، المؤيد بالله الهمام، مولانا أمير المؤمنين، وناصر الملة والدين، وبعد أداء ما يجب من الإجلال والإعظام. وإهداء رفيع السلام. لعلى ذلك المقام، فقد وافانا الأمر الشريف، والخطاب العلى المنيف، فتلقيناه بالإعظام والإجلال، والمبادرة إلى أوامره بالامتثال. فإنا بحمد الله كما يحب سيدنا ويرضى من الوقوف والأخذ بالحزم في المصادر والموارد، فالعسة داخل البلد وخارجها ليلا ونهارا على أكمل وجه من الضبط والترتيب، فالكل قائم أحسن قيام. وقد دخلنا قبل تاريخه بيوم إلى المدينة وقصدنا النظر إلى أبراجها فظهر لنا أن إصلاحها يتيسر في أقرب مدة، لأن رمى العدو لم يعم جميعها، وإنما كان يصيب شرفات البعض فتسقط إلا ما كان من البرج الجديد الذى طريقه مارة أسفل سور البلد الموالى للمرسى والبرج المتصل به من أعلى، فقد تهدم الكثير منهما، ودخلنا مسجدها الجديد فرأينا بسوره الموالى للبحر أثرا كثيرا من رمى المدفع له، وبسقفه أيضا وأحصى ما نزل بالمسجد فألفى ستا وثلاثين كورة، والواقع خارج البلاد شئ كثير جدا. وقد جمع الأمين الحاج أحمد الرزينى مما وقع داخل البلد بالخصوص ثلاثة آلاف، وقد رأيناه مجموعا بالبرج الذى بإزاء باب المرسى، وأما ما وقع بالأجنة وأطراف البلد فإلى الآن لم يجمع منه شئ، وسمع أهل البلد من القنصوات بعد نزولهم ورجوعهم لمنازلهم أن ما رمى به قصمه الله ينيف على ستة آلاف بكثير، ومع هذا كله فالسلامة حاصلة بفضل الله وسعادة سيدنا. وذكر لنا الأمين المذكور أن الكور الذى اجتمع عنده كله يصلح لوجود مثل تلك المدافع التي كان يرمى بها عندهم بالمرسى، وقرأنا كتاب سيدنا الشريف على

القائد محمد بن عبد الملك وكبراء البلد من القواد والطبجية وغيرهم، ففرحوا به أشد الفرح، وظهر عليهم من السرور والنشاط ما لا مزيد عليه، وحرضناهم وذكرناهم ومنيناهم وبينا لهم بعض ما أعد الله للمجاهدين من الأجر والمثوبة، وما ادخره لهم من رفيع الدرجات فقاموا فرحين مستبشرين، ودفعنا لهم الكتاب الشريف بعد ليقرأوه على من لم يحضر منهم ليعم الفرح جميعهم. والقائد محمد اشعاش قد بذل المجهود، وظهر منه ما هو المعهود، فمنذ وصلنا لطنجة ورسله تترادف علينا منه من الخبز والبشماط (¬1) ما عم جميع المحلة، فالله يعينه على خدمة سيدنا الشريفة. وورد علينا جسوس وكيل سيدنا بجبل طارق أمس تاريخه، فتلاقينا معه بالمحبة السعيدة، وذكر أنه راجع لمحله فورا والسيد بوسلهام ورد علينا منه كتاب يخبر فيه بأنه بأحد الغربية، وأنه بنية الورود لطنجة يوم الكتب، وهذا ما وجب به إعلام سيدنا والسلام وفى 27 رجب الفرد الحرام عام 1260 سليمان وفقه الله بمنه" صح من الفتوكرافية المأخوذة من أصله الموجود بملف الفتوكرافيات بالمكتبة العامة للحكومة بأجدال من رباط الفتح. ولما اتصل بالمترجم ما حل بطنجة تضاعف همه وغمه، وتوقع الهجوم على الثغر الرباطى، فأخذ في الاحتياطات اللازمة، وكتب لعاملى العدوتين بالاستعداد، وصمم على المقام بالرباط، فبينما هو كذلك إذ حدث ما أوجب إسراعه بالنهوض لفاس، وما استقر به الثوى بفاس حتى بلغه هجوم الأسطول على ثغر الصويرة ومقاومة أهلها له بقدر إمكانهم، وأخيرا دخلها الأعراب النازلون حولها فنهبوا وعثوا وأفسدوا، فازداد ضجرا وضاقت عليه الأرض بما رحبت، ولم ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "قطع من الخبز صغيرة مشوية في الفرن".

يكن له بد من الجنوح إلى المسلم التي جنحت إليه فرنسا، لفساد الرعية وفزعها وعدم توفر الدواعى. ثم التفت لمنهزمة الجيش الذى كان مع خليفته ولده أبى عبد الله المذكور بوجدة فقبض على جماعة منهم وأودعهم السجون مدة، وأهان كبراء، وحلق لحاهم وقطع خراجهم مدة ثم عفا عنهم. ولما تمت المهادنة انعقد الصلح على تسوية الحدود بين وجدة ومغنية على ما هى عليه الآن، وعلى طرد الأمير عبد القادر من حدود المغرب. ثم بعد ذلك نهض المترجم وسار إلى أن خيم برباط الفتح، وولى عليها عبد اللطيف فرج، وأقام به أربعة أشهر، ثم نهض وسار إلى أن عبر وادى أم الربيع على مشرع بولعوان، وهنالك التقى بنجله الخليفة أبى عبد الله المذكور، إذ كان مخيما على دكالة بثلاثاء سيدى أبى النور، وأمره بالتوجه لفاس وسار هو إلى أن بلغ مراكش، وما استقر به الثوى بها حتى بلغه أن الأمير ابن محيى الدين قام في قبائل أنجاد وتبعته أعرابها وبرابرها، وقاتل طائفة من أهل قلعية، وقتل منهم نحو الثلاثمائة، وسار إلى أن وصل إلى قرب تازا عازما على التوغل في البلاد المغربية، وأنه اتفق مع بنى عامر والحشم على الملاقاة معه بضفة وادى الحياينة ودخولهم جميعا بقصد التغلب، كذا قال بعضهم. وعند هذا الحد أظلم الجو بين المترجم والأمير عبد القادر المذكور، وساءت الظنون واتسع للأوهام المجال، وشمرت على ساق شياطين الجن والإنس للمبالغة في الإفساد، فبعث المترجف ولده الخليفة المذكور وأمره بنقل بنى عامر والحشم لداخل الإيالة، فعرض عليهم الخليفة ما لديه من الأوامر فأجابوا بالسمع والطاعة، واعتذروا بأنهم ليس عندهم ما يحملون عليه رحالهم، فالتزم لهم بإعطائهم جميع ما يحتاجون إليه، وبعث معهم خيلا توصلهم إلى الأرض التي عينت لنزولهم، ثم

لما وصلوا لخيامهم قالوا: لا ننتقل من مكاننا هذا حتى نموت عن آخرنا، وضرب واحد منهم أحد الفرسان الذين وجهوا، ولما رأوا انكباب الناس عليهم انحازوا للغابة وقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم، ولم ينج من القتل إلا النزر القليل، فقيدوا وصفدوا وحشدوا مع النساء والصبيان لفاس، ثم أمروا بالنزول بضفة نهر سبو. ولما اتصل خبر الواقعة بالأمير رجع لسلوان، وأُشيع عنه التظاهر بالعداوة للمترجم والتأهب لمحاربته داخل إيالته والاستبداد عليه، فوجه المترجم إليه جيشا بقيادة شيخ بنى مالك ابن رباح القائد محمد بن سالم الأحمر المالكى، وكان من كبار الأبطال ووجوه الأعيان من العمال للنظر في شأن الأمير ومطاردته أو القبض عليه، غير أن القائد الجسور لم يحسن التدبير، ولا حسب حسابا للمصير، فبوصوله لقصبة سلوان صمد جيشه الجرار للغارة على حلل المهاجرين أتباع الأمير، وكانوا منتشرين بكارت وقلوعها (قلعية) فتوقف الأمير عن مناجزته وكتب إليه يتبرأ مما نسب إليه من البهتان، وأقسم بصدق ولاية السلطان بكل أيمان، وبرهن على أنه مستظل بحمى أمير المؤمنين، مع بقية السيف من أبناء المسلمين، وأكثرهم شيوخ وأيامى، وعجزة ويتامى، فلم يصخ القائد المذكور لكلامه ولا التفت لاستعطافه، بل هجم على دائرة الأمير فوقفت بقية الأبطال دونها يدافعون عن الحريم والمال، عملا يقول من قال: وإذالم يكن من الموت بد ... فعلى الحر أن يموت كريما وبعد حرب شديدة سقط القائد الأحمر قتيلا بين الصفوف، وافترقت جيوشه، وقد تركوا بين يدى الأمير معسكرهم بما فيه من حريم وأثقال وأثاث وأموال، فجمع الأمير ما تركوه، وعين وفدا من الأشراف والعلماء وأعيان رجاله برياسة شيخ الجماعة أبى عبد الله محمد سقاط بن الشيخ المشرفى، وكان ملحوظا عند المترجم لكثرة تردده سفيرا لحضرته فيما مضى، وقدموا ما تركته محلة الأحمر

من الأخبية والأثقال والحريم والمتاع وتبرءوا واعتذروا عن الأمير واستعطفوا المترجم، وأدوا السفارة كما ينبغى، فقوبلوا بكل تجلة وإكرام، وتحقق السلطان براءة ساحة الأمير من أقوال المرجفين، وأحسن إلى بقية الجشم وبنى عامر وجمعهم وحملهم لمراكش، وأنزلهم بأخصب بلاد بالويدان من قبيلة الرحامنة من عرب حشم البلاليين إخوانهم، وانقلب الوفد إلى الأمير مغمورا بجود المترجم وكرمه. ثم بعد هذا قضت الظروف على صاحب الترجمة بإبعاد الأمير عن حدود بلاده، ولم يكن له بد من ذلك بعد أن كانت بينهما محبة صادقة، ووصلة كاملة وإخاء، كم أمده المترجم بآلات الحرب، وأعانه بالأموال والملابس والصافنات الجياد حسبما بتحفة الزائر والحلل البهية وغيرهما. ولكن لما كان للأحوال مقتضيات وللضرورة أحكام لم يسعه إلا تنفيذ ما وقع عليه الاتفاق إثر قضية أسلى، وارتكاب أخف الضررين، فجهز المترجم جيشا كثيفا بقيادة ولديه: المولى محمد، والمولى أحمد لإزعاج الأمير للخروج من إيالته أو الجنوح للصلح، وأمر جميع قبائل الناحية بمعاضدة الجيش ضد الأمير عبد القادر إنْ أبَى مما ذكر، ونزلت الجيوش السلطانية بتازا وأقامت بها أياما، وكانت تزيد على عشرة آلاف مقاتل. ولما علم الأمير عبد القادر بذلك بعث خليفته البوحميدى للحضرة السلطانية يطلب الصفح والعفو عفا مضى، فلحق بالمترجم لفاسق فأكرم وفادته، واقتبله بجنان أبى الجنود الذى صار اليوم جنانا عموميا، ولما مثل بين يديه وبلغه ما أتى لأجله أجابه المترجم بقوله: إن أحب الحديث إلى الله أصدقه، وإنى لا أقبل منكم إلا أحد أمرين: الدخول لداخل الإيالة والنزول لدينا نزول عز وإكرام، أو الخروج من الإيالة وحدودها، ولا يمكن قبول غير هذا بحال، فطلب البوحميدى الإمهال

إلى أن يخابر مرسله، فأمهله صاحب الترجمة وأمنه وأبقاه في ضيافته، فبعث لمرسله الأمير بجواب المترجم له فأعرض عنه ولم يجبه. ثم بعد ذلك نهض الخليفتان بمن معهما من الجيوش من تازا وساروا إلى أن بلغوا سلوان، ثم وقعت مناوشة بين جيوش الأمير والجند السلطانى، ثم ارتحل الأمير وسار إلى أن عبر الوادى فاقتفت أثره الجنود وانضمت إليها جميع قبائل انكاد، ووقف الجيش الفرنسى بالحدود له بالمرصاد، ولم يتركوا للأمير ملجأ ولا منجى مما قدره الله وقضاه. وهذه نسخة بطاقة لأهل آنكاد وبنى يزناسن في ذلك نقلا عن مسودتها المحفوظة بمستودع الأوراق بالقصر السلطانى بالرباط: "خدامنا أهل آنجاد وبنى يزناسن كافة إلخ. وبعد: فقد وصلنا كتابكم مخبرين بما صدر من أعداء الدين من تعدى الحدود وما قابلتموهم به من الغلظة والقوة، وأبديتموه من الحمية والأنفة، وتوجيه جماعة منكم مع كتاب عاملكم ومخاطبته بالجد حتى رجع عن مراده واعترف بخطئه وتعليه وأنصف للحق وصار ما دار بينكم وبينه منا على بال، ذلك هو الظن بكم، وهو المعهود من أهل الدين المتين، المتبعين لسبيل المهتدين، فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون، والله معكم، والحق يعلو ولا يعلى عليه، والمؤمنون أقوياء بيقينهم، موقنون بنصر دينهم، مصدقون بوعد ربهم، وكان حقا علينا نصر المؤمنين. واعلموا أن نزول الحاج عبد القادر ودخوله بين أظهركم هو الذى جرأ أعداء الدين عليكم، وجعل وجهتهم إليكم، ولولا هو ما طرق حماكم، ولا تعمد أذاكم، لأنا عقدنا معه الصلح الذى فيه مصلحة الإسلام، وسددنا بذلك باب الفتنة

عن الخاص والعام، فإن ذلك الفتان جر البلاء لأهل الواسطة حتى جرأ عدو الدين عليها حتى جاس خلالها، وكسر شوكة أهلها وزادهم انحياشا للكفر، وتوغلا في الشر، بإجلابه عليهم، ونهب ما أبقت لهم الفتنة من أموالهم، وحكم فيهم بحكم الطاغوت من استحلال الدماء والأموال، وانتشار الفساد إلى العيال، فإذا ظهرت له بارقة من الكفار لجأ إلى حوزكم، واحتمى بكم، وجعلكم حجابا بينه وبينهم ليجر لكم الفتنة والوبال، ويرميكم كما رمى من قبلكم بالمحنة والخبال. وأنتم عن دسائسه ساهون، وعن مكره بكم لاهون، ولو عقلتم رشدكم، وحفظتم عهدكم، لكان أعدى الأعادى إليكم، ولعاجلتموه بالقتال والدفاع عن حوزتكم، وأخرجتموه وأتباعه عن بلادكم. ليطيب لكم العيش، ولا يطرق الرومى حِمَاكم، بعسكر ولا جيش، وحتى لو ظهر من الرومى نقض لأمددناكم بجيوشنا المنصورة، وعاجلناكم بنصرتنا المشهورة، مع أنكم تجدون في العدو من الوفاء ما لا تجدون في تلك الشرذمة الفاسدة، والفئة الكاسدة. فلا تظنوا بهم حمية ولا دفاعا، ولا تعتقدوا فيهم نصرة ولا انتفاعا، وانظروا ما تكرر على أسماعكم من وقائع غدره، وما رمى به المنحاشين إليه من ظلمه وضره، تعلمون ما يريد بكم ولكم، وما هو جار من سخط الله إليكم، فقد كاد أن يزلزل يقينكم، ولو ساعدتموه لبدل دينكم، فإنه حملكم على مخالفة من أوجب الله عليكم طاعته وبيعته في أعناقكم، وجراكم على عدم امتثال أمره مع اعترافكم بالسمع والطاعة في حال خلافكم. هذا من فعل الشيطان إنه عدو مضل مبين، فتيقظوا لدسائسه واستعيذوا بالله من وساوسه، وأصرموا حباله ومن معه وأخرجوهم، وضيقوا عليهم بمنع الأسواق وأحرجوهم، لتعودوا عليكم بركة الامتثال، وتفوزوا برضا الكبير المتعال" هـ.

وبعد مناوشات خفيفة ختم الأمير أعماله بالتسليم للفرنسيين على شروط، ورجعت أتباعه لأوطانها، وحمل إلى فرنسا بمن معه من العيال والأتباع في بابور وأنزل بـ (طولون) وذلك في صفر عام 1264 أربع وستين، وقيل في متم عام 1263 ثلاثة وستين ومائتين وألف، وبقى لديها في عقال ستة أعوام. ثم سرحه نابليون الثالث وعين له مرتبا سنويا يدفع إليه من خزينة الدولة، وأباح له الذهاب حيث شاء، فاختار أخيراً سكنى دمشق بأهله، وبها كانت منيته في الساعة السابعة من ليلة يوم السبت التاسع عشر من رجب سنة ثلاثمائة وألف 1300 والرابع والعشرين من إيار سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة 883 كما بتحفة الزائر، ودفن بجنب الشيخ محيى الدين بن عربى الحاتمى. وكان هذا الأمير رحمه الله عالماً عاملا كاملا، راسخ القدم في الحقائق والرقائق، وكتابه المواقف اكبر دليل على تضلعه وسعة اطلاعه، ودقة مداركه. أما الشجاعة والإقدام فهو ابن بجدتهما، وقد عرفت له فرنسا ذلك، وقدرته قدره، وما زالت الأعاظم تنزل الأعاظم منزلتها، وقد بسط صاحبا الجيش والاستقصا وغيرهما نبا وقائع الأمير الحاج عبد القادر وصاحب الترجمة في حالتى المسلم والحرب، ووقعت الإشارة لبعض ذلك في تحفة الزائر تركنا جلبها اختصارا. وقد عثرت للأمير على رسالة بعثها وهو بفرنسا إلى صاحبه البوحميدى يصف فيها حالته في الاعتقال ومقامه بتلك الديار، ويدعو فيها للسلطان المترجم بالتوفيق والإعانة ويعذره عما صدر منه في حقه، ويستغفر الله مما كان ونصها: "من عبد القادر بن محيى الدين، كان الله له ولإخوته آمين، إلى أخى سيدى محمد بن أحمد البوحميدى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: فإنا نسأل عن أحوالك ونرجو أن تكون في نعمة مثلنا، فإننا في نعم لا نحصوها، وخيرات لا نستقصوها، وحصل لنا من صفاء الوقت والبسط

وانشراح الصدر ما لا نقدر قدره، ولا نكيف أمره، نسأل الله أن تكون كذلك، وحمد الله واجب علينا لا سيما حين جرت علينا المقادير باللطف والرأفة، وسيق كل منا لما قدر له وعليه محفوفا بالعناية، فإنا لو حاولنا غير ما نحن فيه واستظهرنا بالجن والإنس والملائكة ما كان غير ما هو كائن، فلنطب نفسا ونعلم يقينا أننا في عافية، فإنها غير محصورة فيما صورته صورتها، والحق تعالى إنما أذن لعباده في الأسباب وجعل لهم الكسب وصورة الاختيار قبل ظهور مراده. أما بعد إبداء قضائه وقدره، فليس لهم إلا تلقف مواقع القدر شريعة وحقيقة، وإرادتهم غير إرادة الله قريبة من الكفر، أو هى الكفر، ومراد الحق تعالى أن يتعرف لنا فى كل شئ حتى لا نجهله في شئ. اللهم أشعرنا لطفك حيثما أقمتنا حتى نكون بك ولك. وإنه تعالى أوجب ما أراده فينا مثل ما أوجبه فيما أراده منا، فكما يجب علينا قبول هذا يجب قبول ذاك. وأن عيالك وأولادك في خير، ويصلك كتابهم مع هذا الكتاب، وأننا وقت التاريخ اطلب وزير الحرب يجمعهم معنا وأنه لا يخيب ظننا ولا يرد كلمتنا إن شاء الله، فكن على هناء منهم في القراءة وغيرها مثل أنفسنا، وإذا تسرحنا إلى الشرق إن شاء الله نطلب تسريحهم أو ذهابهم معنا إلى الشرق وأن تسريحنا قريب إن شاء الله، فإن الجنرال ذو لا منسيار صار من عظماء الدولة وهو حبيبنا حارص على تعجيل تسريحنا. وما أقعدنا هذه الأيام إلا ما كتبه الله لنا من الماء والطعام، فإننا في أيام الدولة السابقة حين وصلنا إلى طولون، واسترحنا من تعب البحر، وعزموا على سفرنا، وأخذوا في أهبة السفر وقع ما وقع من التبديل، ولما جلس في دار الإمارة

من جاء بعدهم كاتبونى وقالوا لى: إنك عندنا في ضيافة الإكرام، وقد وقع هذا التبديل فأقبل عذرنا في تأخير سفرك حتى يستقيم أمر الدولة ونسرحك لبر الإسلام، وقد استقامت أمورهم وصلحت أحوالهم، فتسريحنا قريب بحول الله وقوته، وجميع ما قصدناه أو ظنناه في الفرنصيص من الخير والإحسان والاحترام فعلوه معنا، وزادوا فوق ما ظنناه، فنحن اليوم ملوك على الحقيقة، فقد أنزلونا في منزل سلطانهم في قصر يحار فيه الطرف، ويقصر دونه الوصف، وفرش وطية، ومآكل شهية، وملابس بهية، مع التعظيم التام، من الكبير والصغير والخاص والعام، ورفقتنا ما بين تال وذاكر ومدرس ومتعلم صار الشهر عندهم كاليوم وتيقنوا بحسن اختيار الله لهم، وقد بلغنا أن لك وجها عند السلطان وفقه الله للخير وأعانه عليه وأصلحه وعلى يديه، وهذا دعاؤنا له اليوم والأمس وغدا ونعذره في حقنا، ونستغفر الله في حقه، فإنى ما أُبرئ نفسى وستبلى السرائر، وتجزى كل نفس بما تسعى. فإن كان ما بلغنا حق فاسع في تسريح ابننا الصادق، فإن والده قد احترق صدره، وعيل صبره، وسرى لنا ذلك جميعا، وما كان يخطر ببالنا أن السلطان يبقيه لهذا الوقت، والأمر لله، وعليك السلام من الوالدة ومن محمد وأمه ومن السيد الحاج مصطفى بن التهامى، ومن السيد قدور بن محيى الدين، ومن قاره محمد، ومحمد بن البشير، وبعض من جاء معنا إلى فرنسا مفترقا معنا كمحمد ابن الخير وعن قريب يقع لهم التخيير بين المجئ عندنا وبين التسريح أينما أرادوا. وقد خبرنا أنك شممت كافورة ومسكة فبالرفاء والبنين والكيس الكيس، ولا تكثرت بالحادثات، وسلم تسلم وتسترح وهو جنة الدنيا، وإنى أعلم أن أهم شئ عندك قراءة الأولاد فكن مستريح القلب منهم بعد جمعهم معنا إن شاء الله، ولا

تنسانا عند ضريح الدرياق المجرب، مولانا إدريس، وعند غيره من أهل الله أحياء وأمواتا، وفى عاشر ذى القعدة الحرام عام 1264" من كناش موثوق بما فيه. هذا وإن مولانا الجد السلطان ابن هشام كان للأمير عبد القادر عضدا معاضدا. وساعدا مساعدا. ومعينا ماديا وأدبيا، أعان بالعين والسلاح وجياد الخيل وفاخر الملابس، سرا وعلنا ضد محاربيه. قال في الابتسام عن دولة ابن هشام: إن الأمير ابن محيى الدين كان يخاطب السلطان ابن هشام بالوالد ورسائله لا تنقطع عنه، وخطب به وبعث له بالبيعة، وكان يقول إنما أنا نائب عن مولانا عبد الرحمن بن هشام، كان السلطان ابن هشام كان يخاطبه بالولد البار وأورد كتاب أصدره المولى ابن هشام للأمير المذكور ونصه بعد الحمدلة والصلاة: "محل الولد البار الأحظى، المجاهد الأرضى، السيد عبد القادر بن محيى الدين، أمدك الله بالعون واليقين، ونظمنا جميعا في سلك عباد الله المتقين، وسلام الله الأتم، ورضوانه الشامل الأعم، يتوالى لديك في المواقف، ويخصك بتواتر الأمداد الربانية والعوارف، ورحمة الله تعالى وبركاته تترى وتتوالى. هذا وقد وصلنا كتابك الذى فاح نشرا، وأهدى بشارة وبشرى، مخبرا بما رزق الله المجاهدين من شحذ العزائم، وما توالى على الكفر وشيعته من النكبات والهزائم، فالحمد لله حمدا يليق بجلاله، ويؤذن بزيادة النصر واتصاله، فقد سعدتم والله وفزتم، وحزتم من الأجر الوافر ما حزتم، لقيامكم بفرض الجهاد المتعين، وسبقيتكم لهذا الفضل البين، فاحمدوا الله أن جعلكم ردءا للإسلام وأهله، وخصكم بالجهاد في هذا الزمان، وألبسكم رداء فضله، واشكروه على ما هيأه لكم من السعادة، وكتب لكم من الحسنى والزيادة، فإن الجهاد مما شرف الله

به في صدر الإسلام الصحابة، وتلاهم أهل الخير والإصابة، وجعلكم الله زهرة وعصابه، ألبسكم لبوس التقدم وأعطاكم نصابه، فنلتم شرفا ضخما وأجرا عميما، يا ليتنى كنت معكم فأفوز فوزا عظيما. فإن الجهاد كما علمتم فضله، نغبط فيه أهله، لأنه كميا السعادة، ومفتاح الرحمة في الغيب والشهادة، وحسبك ما أعد الله للمجاهدين في الدنيا والآخرة، وما خصهم به من المراتب العلية والمنازل الفاخرة، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ...} [التوبة: 111] الآية. قال بعض المفسرين في إيقاع اشترائه تعالى على أنفس المؤمنين وأموالهم غاية التشريف لهم، لأنهم قالوا: إن نفاسة السلعة تعرف بثلاثة أشياء: بعظم المشتري لأن العظيم القدر في العادة لا يباشر إلا شراء الأشياء العظيمة، وبجلالة الواسطة يجل قدر المتوسط فيه ويعظم الثمن، فإن من أعطى الجنة في الثمن أعطى فوق الأمنية، فبان بهذا غاية شرف المجاهدين عند الله تعالى، ومن شرفهم الحياة الأبدية، والكرامة السرمدية، قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)} [آل عمران: 169]، وفى الصحيح: أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في أشجار الجنة. وقال عليه السلام، وقد سئل عن أفضل الأعمال، فقال: الجهاد في سبيل الله. وقال: من مات ولم يغز ولم ينو الغزو مات ميتة جاهلية. وقال: لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وقال: ما أحد يخرج من الدنيا له عند الله خير فيتمنى الرجوع إليها إلا الشهيد لما يرى من فضل الشهادة ولوددت أنى أُقتل في سبيل الله ثم أحيى ثم أُقتل ثم أحيى ثم أقتل. وقال: والله لن تلج النار عين حرست في سبيل الله وعين بكت من خشية الله وعين غضت عن محارم الله. وقال: والله لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف مسلم أبدا. وقال عليه السلام: يأتى الشهيد يوم القيامة وجرحه يثعب دما اللون لون الدم والربح ريح المسك. وقال عليه السلام: رباط يوم خير

من الدنيا وما فيها. فهنيئا لكم يا معشر المجاهدين وبشرى بما لكم عند الله من الخير العظيم، والأجر الجسيم، فإن أنفاسكم وخطواتكم حسنات. وسائر أفعالكم عند الله درجات. قال الله سبحانه: {... ... ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ...} [التوبة: 120] الآيات. فأيقنوا بنصر الله. وصمموا عزائمكم على إنجاز ومحمد الله. ولا يهولنكم ما يزخرف به العدو على ألسن شياطينه من كثرة الحشود والجموع. وما يظهره من قوة ويهدد من خنوع. فإنما ذلك ترهات باطلة وتمويهات كاذبة {... . . لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ... ....} [المجادلة: 10] مع أنه بلغنا على ألسن الثقات أنه يكترى العسكر من صبانية وغيرهم ليهول بكثرة العدد والعدد، وذلك كله كسراب لا طائل تحته، وكيف يرد المزية أو يقف للموت من هذه صفته، مع أن المسلمين المجاهدين ثبتهم الله أعدادهم موفورة، وعزائمهم على قتال العدو مظفورة، وقلوبهم بما عند الله مسرورة، وهم يقاتلون على دينهم وبلادهم {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)} [النساء: 76] فتأملوا قوله سبحانه: {... . كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249] وقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} [آل عمران: 173] إلى قوله: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ...} إلى (مُّؤْمِنِينَ) [عمران: 173 - 175]. وقد وهن الله كيد الكافرين فقال سبحانه: {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18)} [الأنفال: 18] وقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ... ...} [الأنفال: 65] الآية. فكان في صدر الإسلام لما بدا الواحد لا يفر من عشرة والعشرون لا تفر من مائتين والمائة لا تفسير من الألف، فلما أكثر المسلمون خفف

الله سبحانه فقال: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ... . .} [الأنفال: 66] الآية. ويحرم على المسلم الفرار من كافرين والله مع الصابرين بالعكان والتأييد ولعل هذه الخرجة آخر خرجاته لهذا البر فلا نشك أن الله يجعل تدميره في تدبيره فقد عول قبحه الله وأخزاه على الخروج من ثلاث طرق، من وهران ومن مستغانم ومن قسنطينة في يوم واحد وساعة واحدة على ما بلغنا وذلك بحول الله سبب خذلانه وتمزيقه، وتوهين كيده وتفريقه، فإن عادة الله في هذا العدو الأصفر مهما طغى وتمرد وتعجب في نفسه يوبقه الله سبحانه ببغيه. ويورده موارد شقائه وغيه. كما وقع له في مصر وغيرها وأذكرك غزوة وادى المخازن على عهد السعديين فإن أعداء الله خرجوا في مائة ألف فارس وخمسة وعشرين ألفا وكان إذ ذاك مولاى عبد المالك لمرض كان به حين حمى الوطيس وكان أخوه مولاى أحمد مدبر أمره فهزم الله الكافرين وقتلوا وسبوا وغرقوا ولم يفلت إلا النزر اليسير ومات محمد المسلوخ الذى أتى بهم وطاغيتهم بستيان وغنم المسلمون وكراعهم وفل حد البرطقيز من يومئذ حتى الآن ونسأل الله أن يجعل هذه الغزوة نظيرتها على هذا العدو الكافر، فالصبر ثم الصبر فإن الشجاعة، صبر ساعة، وفى الحديث: الصبر عند الصدمة الأولى، وليس للكفار كبتهم الله إلا الحملة الأولى ثم يفشل ريحهم وتضعف عزائمهم، والصبر والثبات، يكسران الوثبات، ولم يكن الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم يقاتلون بكثرة عدد ولا عدد وإنما كانوا يقاتلون باليقين لإعلاء كلمة الله ورجاء لما عند الله حتى انتشر الدين في المشارق والمغارب فاصبروا وصابروا ورابطوا وأبشروا وبشروا، وأيقنوا أن الله متم نوره وناصر دينه إنجازا لوعده الصادق، وقضائه السابق، قال سبحانه: {... . . وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8] وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم

حتى تقوم الساعة وهم بالغرب" وفى رواية بالمغرب نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإياكم منهم، فقد كان الدين عند ابتدائه غريبا فأظهره الله على الدين كله وأقسم سبحانه بنصر من ينصره فقال: {... وَلَيَنصُرَنَّ اللَّه مَن يَنصُرُهُ ... (40)} [الحج: 40] فهو تعالى المتكفل بإعزازه وإعلائه، والممد بالظهور والنصر لأوليائه، فعلينا امتثال أمره، وعليه سبحانه إمدادنا بنصره، فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون، والسلام. قال صاحب الابتسام: انتهت هذه الرسالة من خط ابن إدريس وعلى هذا المساق الرسائل التي كان يبعث له منذ ظهر إلى أن غبر وانقطع منه الأثر هـ لفظه. ومن تأمل بإنصاف تصريحات المرحوم المنعم الأمير أبى عبد الله محمد نجل الأمير عبد القادر المذكور في مؤلفه تحفة الزائر صحيفة 206. وصحيفة 207. وصحيفة 317: علم علما يقينا صِدْقَ ما ذكرناه، ولم يبق له أدنى ريب في حسن نوايا الجد ابن هشام وإخلاصه للأمير عبد القادر وموازرته له وطهارة سريرته نحوه، وإبدائه النصائح لسموه وسعيه في إزالة ما ينشأ من خلف أو سوء فهم بينه وبين غيره من المجاهدين المدافعين، ولكن لما رأى استيلاء الأجنبى على بلدان المغرب الأوسط واحدة تلو الأخرى حتى اضطر الأمير عبد القادر إلى الفرار من بلده والحلول بأطراف إيالة المغرب الأقصى ومد الأجنبى بسب ذلك يد العداء والانتقام في بعض الثغور المغربية وأطراف الإيالة السلطانية، وألجأ ذلك الجد ابن هشام إلى مناشبة الحرب مع الجند الفرنسى، وكان له الظهور على الجند المغربى لعدم تكافؤ القوتين، وعدم اتحاد القلوب، وغير ذلك من الأسباب التي لا تكاد تعزب عن المطالع اللبيب. وهجمت بوارج فرنسا على ثغرى طنجة والصويرة، وقذفت أفواه مدافعها الكور عليهما على حين غفلة، واحتلت وجدة وضيقت على سلطنة المغرب برا وبحرا، وصمم الجيش الفرنسى على اقتفاء أثر الأمير عبد القادر حيث ما حل

وارتحل، والأمير عبد القادر إذ ذاك حال بتخوم الإيالة السلطانية على مقربة من فاس، وفرنسا تعلن استرعاءها على أمير البلاد مشددة في مطاردة الأمير أو الإيذان بالحرب. وتحقق السلطان العجز، وأن لات حين مناص، وليس بعد العيان بيان طلب أولا من الأمير الجنوح إلى الصلح حسبما في تحفة الزائر، وأبدى له نصائح وإرشادات وتكفل له بكل ما يضمن راحته وراحة أتباعه، فأبى الأمير ذلك كل الإباية، كما في تحفة الزائر. ثم طلب منه بعد ذلك مبارحة إيالته التي أصبحت في خطر عظيم، تهددها القوة الأجنبية برا وبحرا وفى هذه الظروف الحرجة صدر من المهاجرين من بنى عامر -الذين كانوا ارتحلوا لبلاد السلطنة المغربية مغاضبين فأواهم السلطان وأكرم وفادتهم ونزلهم وأقطعهم أرضا للحراثة ذات أهمية كبرى وبسائط خصبة- ما صدر من مقابلتهم الإحسان بالإساءة، ووقع الهرج والمرج بسبب ذلك داخل الإيالة وفى أطرافها والقلوب مندملة، وفتنة الودايا ومن شاكلهم حديثة عهد، واتسع للمرجفين ومن في قلبه مرض المجال. فلم يبق والحالة ما ذكر لأمير البلاد بد من القيام على ساق في إعمال اللازم في إطفاء ما تأجج من نيران الفتن، ودفع الضرر المحقق لحوقه لقطره المغربى، ورعيته المسئول عنها قبل أن يحيق بهما ما حاق بجيرانها أهل تلمسان وغيرهم، وقد تحقق من نفسه ومن إيالته عدم القوة في ذلك الوقت على التسرع للحرب، وأن الإقدام على ذلك والحالة ما ذكر غير جائز سياسة وعقلا وشرعا. قال ابن يونس في ديوانه الذى قيل فيه إنه مصحف المذهب .. التسرع في غير قوة يورث النكث، أخّر الحرب ما استطعت، فإن النفقة فيها من النفوس هـ.

وقد اضطر سلطان المغرب لما ذكر، وشرح للمهادنة وعقد الصلح مع فرنسا وقبول شروطها فيه، إذ يتعين على المكلف بالنظر في مصالح المسلمين الاهتمام بدرء المفاسد أكثر من الاهتمام بجلب المصالح وسد أبواب الخرق الذى يتسع على الراقع، ولا خلاف في جواز الصلح مع العدو وإن كان طالبا إذا دعت الضرورة لذلك إبقاء على المسلمين وبلادهم، وأن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب. وقد نقل الشيخ بنانى في الفتح الربانى لدى قول خليل المبين لما به الفتوى: وللإمام المهادنة لمصلحة ما نصه ابن عرفة المازرى، لا يهادن الإمام العدو بإعطائه مالا لأنه عكس مصلحة شرع أخذ الجزية منهم إلا لضرورة التخلص منه خوف استيلائه على المسلمين، وقد شاور عليه السلام لما أحاط القبائل بالمدينة سعد بن معاذ وسعد بن عبادة في أن يبذل للمشركين ثلث الثمار، فلو لم يكن ذلك جائزا عند الضرورة ما شاور فيه هـ إلخ. ومقتضى الاستثناء في قول ابن عرفة أن لا محذور في المهادنة مع الضرورة، قاله سيدى عيسى السجستانى في أجوبته هـ. ومن قواعد مذهبنا المالكى الضرورات تبيح المحظورات، وما شرحناه هو حقيقة الواقع، والحق أبلج، وقد ذهب المغرضون في نشر هذه الأحدوثة التي هى من أعظم المواقف في تاريخ المغربين كل مذهب، وعند الحق الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، تجتمع الخصوم وتنكشف الحقائق ويقتص من الظالم والمظلوم. هذا وفى عام 1260 كتب له بما نصه من أصله: "المقام الذى أعلى الله قدره. وشرف في العالمين ذكره، مولانا الإمام. خلاصة آل الرسول عليه الصلاة والسلام، جلى المناقب، وجميل العواقب، أمير المؤمنين. المجاهد في سبيل رب العالمين، محل اليمن والأمان، ومعدن الخير

والإحسان. سيدنا ومولانا عبد الرحمن، لا زالت مواهب الله على قلبه هائمة الانسجام، وعوارف معارفه دائمة الازدحام، وسلام على تلك الحضرة العالية بالله ورحمة الله وبركاته وتحياته دائمة متوالية. هذا وقد وصل كتاب مولانا الشريف. العلى القدر المنيف، فاستفدنا منه سلامة سيدنا التي تحمد وتشكر، وتذكر ولا تنكر، أدام الله وجودكم للمسلمين، وأبقاكم رحمة للعالمين، وما ذكر سيدنا من قدومنا وانتداب المسلمين للجهاد فما قصرنا في ذلك بوصولنا تلاقينا مع هؤلاء القبائل، وقرأنا عليهم أمر سيدنا وأجابوا بالسمع والطاعة، وشرعوا يتهيئون للحركة، وبعثنا أمر سيدنا لزيان، وكنا في انتظارهم فنحن على ذاك، إذ سمعنا بخروج سيدنا من الرباط، فلم أدر ما السبب في ذلك؟ والتبس علينا الأمر، وبلغنا خبر جيش وجدة، وكذلك خبر الصويرة وما حل بأهلها، فتأسفنا على ذلك الغاية، والحمد لله على سلامة ولد سيدنا سيدى محمد ففى سلامته سلامة المسلمين، والعاقبة للمتقين. ولما وصل كتاب سيدنا زال اللبس علينا وها نحن بصدد القدوم مع المجاهدين، وانتداب من طابت نفسه من المسلمين للمحل الذى أمر به سيدنا بإثره عاجلا إن شاء الله، مستعينا بالله وعلى محبتكم وودكم، سائلا دعاكم وملتمسا رضاكم حالا ومآلا، والسلام على سيدنا ورحمة الله، وفى 9 رمضان المعظم عام 1260. محبكم ابن داوود بن العربي لطف الله به". ومما كتب به للبعض من إيالته في الموضوع أصله بملف أوراق الحدود المغربية الموجود بمستودع الأوراق بالحضرة السلطانية، من الرباط، نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع: "خدامنا الطرافى الباقين مع جماعة المسلمين، وفقكم الله وسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

وبعد: فقد بلغنا انحراف إخوانكم عن الإسلام ودخولهم في حزب الكفر وشيعته، واختيارهم للكفر عن الإيمان، نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى، وركوب ما يجلب سخط الله اليوم وغدا. وقد كتبنا لكم هذا الكتاب غيرة على جانبكم وموعظة لكم ولإخوانكم، فإذا قرأتموه تقدموا لإخوانكم بالتذكرة والموعظة، وحذروهم سطوة الله وغضبه النازل على من والى الكفر وشيعته، وبالغوا في تذكيرهم ووعظهم لعل الله أن ينفعهم بذلك فيستيقظوا من غفلتهم ويرجعوا من ضلالتهم، ففى الحديث: لأن يهدى الله بك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس، وإياكم أن يستفزكم العدو الكافر بخداعه، فإنما ذلك كالسراب سيضمحل عن قريب، فعضوا على دينكم بالنواجذ، وأخلصوا النية في جهاد عدوكم بحسن يقين بنصر الله وإعلاء دينه على الدين كله بوعده الصادق، وقوموا على ساق الجد في مقاطعة الكافر، ومصارمة أهل شيعته، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ... . .} [المائدة: 51] وقال عز وجل: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)} [المائدة: 56]. ونأمركم أن تكونوا يدًا واحدة، ونفسا متحدة مع البركة السيد الشيخ بن الطيب البكرى، فإن المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضا، وقد أمرناه أن يصلح بينكم وبين إخوانكم قبائل الصحراء، حتى تكونوا معهم يداً واحدة على أعدائكم كما كنتم من قبل، لتربحوا وتنجحوا، ولا تقصروا في إرشاد إخوانكم حتى يرجعوا إليكم ويعمروا البلاد معكم، فإن الفرنصيص لا يأنفون من هذا ولا يكرهونه ولا يتعدون الحدود، ولا يطمعون فيمن هو من إيالتنا وإيالة أسلافنا قدسهم الله، وذلك لما جددنا معهم من الهدنة وعقدنا من المصالحة والسلام وفى 3 رمضان المعظم عام 1261".

وفى عام 1261 كتب لمجاط بما نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع الكبير: "خدامنا قبيلة مجاط كافة وفقكم الله، وسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد كان أخبرنا خديمنا ابن حد الشعيوى، بأن الخارجين عليه من إيالته رغبوا في الرجوع إليه، والبعض من إيالة وصيفنا الجيلانى بن بوعز ذبحوا عليه راغبين في الدخول في ولايته، فوجهنا كتابنا صحبة وصيفنا المعطى الزعرى لاختبار صحة ذلك من عدمه، لأنا يزيد لكم الصلاح والسكينة وما يعود عليكم بانتظام الأمر وحسن الخدمة وصلاح الأحوال، ولو علمتم ما نحب لكم من الخير ونؤمله لكم من الصلاح لبذلتم أنفسكم وأولادكم في الطاعة والخدمة، وعليه فها نحن أقررنا وصيفنا الباشا المذكور على من كان في ولايته، ومن رغب في الانحياش لإيالته منكم، وأبقينا خديمنا القائد محمد بن حد الشعيوى على من بقى معه حسبما بالرسم المشهود عليكم، ونأمر الكل بالسمع والطاعة وحسن الخدمة والاستقامة، ومن حاد منكم عن الخدمة ورام نقض ما شهد به عليه فلا يَلُمْ إلا نفسه، ولا يضر إلا رأسه، وفقكم الله والسلام وفى 28 محرم الحرام فاتح عام 1261". وكتب للفقيه القاضى سيدى محمد بن عبد الهادى في شأن شراء الأصول بتافيلالت بالطابع الصغير بداخله "عبد الرحمن بن هشام الله وليه" بما نصه: "ابن عمنا الفقيه سيدى محمد بن عبد الهادى أعانك الله، وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: فقد بلغت موجبات بيع المواضع التي أراد مولاى اليمنى بلغثى وحفيده بيعها وتقويمها بسوم الوقت صحبتهما، ولم نشتر شيئا من ذلك، إذ لا

يشترى الأصل من لم يكن عنده من يقوم بصيانته وحفظه وخدمته، فقد بلغنا ما يقع في أصلنا هناك من تفريط الخدام والوصفان فيه وعدم خدمته وتعريضه للتلف وضياع غلته، وليس من الرشد أن نعمد إلى شراء أصل آخر ونعرضه للتلف أيضا، فإنما يشترى الأصل ويغتبط بزيادته من عنده من يقوم على حفظه وخدمته من ولد أو ابن عم أو خديم أو وصيف حازم، والله يعينك والسلام في 3 رمضان عام 1261 ". وفيها اخترع العسكر على الهيئة المنظمة وضمه إلى جيوشه وكلف بتنظيمه على نسق النظام التركى عامليه اشعاش وازطوط، ولكن لم يتم بذلك أمر لأنفة الناس مما لم يألفوه، وما انتظم في ذلك السلك غير من لا يؤبه من أخلاط الرعاع، فارتكبوا ما هو من شأنهم من كل شنيع، فاغتاظ المترجم بذلك وأمر بتركه وإبطال العمل به. وفيها وجه عامله على ثغر تطاوين سفيراً لفرنسا، وفى معيته جماعة من أعيان الثغر المذكور، ووجه معه وحوشا وخيلا وطرفا واحتفلوا لمقدمه بباريس احتفالا عظيما، وبالغوا في إكرامه، وقاموا بضيافته أتم قيام، وأطلعوه على معامل السلاح والمقومات الحربية، ثم بعد قضاء المأمورية التي توجه من أجلها وأوبته للحضرة السلطانية ورد باشدور فرنسا لرد الزيارة والسلطان يومئذ بمراكش، وكان نزول الباشدور المذكور بثغر الجديدة في مقدمه هذا سادس عشرى قعدة عام اثنين وستين، ووصوله لعاصمة الجنوب في الثانى عشر من ذى الحجة، وورد في معيته من أهل طنجة والجزائر خمسة عشر رجلا، ومن الفرنسيين تسع وعشرون، ومن اليهود عشرة، فأكرم وفادته وأنزله بالبستان المعروف إلى اليوم بالمأمونية، ورتب له جراية وافية مياومة أربعة رءوس من الضأن، ونصف ثور، ومائتى خبزة، وخمسين

دجاجة، وثمانية أرطال من الشمع، وما يناسب ذلك من السمن والزيت والخضر والحليب والزبد. وفى اليوم الثالث من أيام وصوله صدر إليه الإذن بلقى السلطان، وفيه كان اقتباله له أمام قبة الصويرة الشهيرة بعاصمة الجنوب، والمترجم ممتط ظهر جواده، والجيوش والوزراء وأعيان الدولة مصطفة عن اليمين والشمال، ثم تقدم السفير وقدم ما أتى به من الهدية ستة مدافع نحاسية من الطراز الجديد محمولة على كراريط مزخرفة، وما يحتاج إليه كل مدفع من الإقامة، وأربعة أفراس من إناث الخيل العتاق، ثم ناول الكتاب الذى أتى به للحضرة السلطانية فناوله السلطان لقائد مشوره ففتحه وناوله للترجمان فقرأه أمام صاحب الترجمة، ولما ختمه وأحاط المترجم علما بما حواه كان من جملة ما شافهه به أن قال له: سنكون معكم على ما كان عليه أسلافنا وأنتم جيراننا لكم علينا حفظ الجوار، وقد كنا قبل نسمع عنكم ما لا يليق، أما اليوم فقد تحققنا صدق محبتكم في جانبنا. وإننا مستعدون لقضاء شئونكم، ثم دخل جنانه، ورجع السفير قال نزوله، هذا ملخص ما أفاده بعض من شاهد ما ذكر من حذاق الكتاب في مقيداته، وكان إبحار هذا السفير من ثغر السويرة، كذا قال بعض كتاب الدولة العبد الرحمانية في بعض مقيداته. وفى عام 1262 كتب لأبناء عمه بما نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع: "أبناء عمنا الأشراف، أهل قصبة سيدى ملوك، وفقكم الله وسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وصلنا كتابكم، وعرفنا مضمنه وما ذكرتم من حطنا من قدركم، وأنا لم نجركم مجرى أسلافنا الكرام قدسهم الله من الاعتناء بكم، والدفاع عن

حوزتكم، فمعاذ الله أن يصدر ذلك منا، وحاشا الله أن نسلمكم أو نهملكم مع أنكم من خيار أبناء عمنا وأرضاهم وأحظاهم لدينا، وما طلبتم من أمرنا الشريف بتقويم بلادكم لتبيعوها لجانبنا العالى بالله، وتنتقلوا منها لسكنى مراكشة حيث تخيرتموها لشبهها بالصحراء، فاعلموا أن بلادكم لا تصلح إلا لكم، وعن قريب ينجلى هذا الغبار، ويأخذ الله أهل الفساد الفجار، ويرجع المخزن إلى نصابه، والصلاح إلى أحزابه، فإن مع العسر يسراً، إنَّ مع العسر يسرًا، والسلام وفى 24 ربيع الأول عام 1262". وفى عام 1263 كتب لولده الخليفة بما نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع الكبير: "ولدنا الأبر الأرضى، سيدى محمد أصلحك الله ورعاك، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فيرد عليك كتابان لولد الشبلى في شأن خديمنا الحسين الجروانى، طالعهما لتكون على بصيرة في أمره، فقد عجز الذين معه عن مقاومة بعض زمور ولم يقوموا به، فكيف بعداوة بنى مطير! والعاقل لا يرتكب ما لا يقدر عليه، ولا يسعى فيما يجر الغلبة إليه، فلا بدّ اسعَ في إطفاء نار الفتنة الثائرة بين القبيلتين، وباشر الصلح بينهما حتى تضع الحرب أوزارها، وتذهب الشحناء بين الفئتين. وقد تواتر لدينا من كتب العمال ولد الشبلى وغيره، ارتكابه للخوض والسعى في إثارة الغوغة على العمال ومواعدة فسدة القبائل بالولاية، حتى تشوف لذلك كل قاطع ومارق، وأن الواقع في بنى حسن، إنما هو بسببه لسعيه في ولاية العامرى بن إدريس وتسريحه، وقد كان حاول ذلك لما كان هنا وتكلم حتى في هذا أخ عق أرح الذى وجهنا، ولم نساعده على شئ من ذلك، ولما قدم وجد فيك محل قبول لذلك ومساعدة، ونحن لم نكره ولاية العامرى، واستقامة بنى

حسن معه، لأنه ولد الدار وله، ولسلفه صالح خدمة ونصيحة وقدم صدق في الحزم والنجدة، غير أنه خلط ولم يتبع سيرة سلفه وتخلق بأخلاق البربر وآثرهم على العربية، وأراد جعل قدمهم على رقاب بنى حسن، وسعى في وطئهم بهم، وجعلهم مخزنا عليهم مع فسادهم، وخصهم بإعطاء جيد خيل بنى حسن وتفريق مال الله الذى جمع عليهم، وجعلهم وزره وحاميته، حتى أعلام المخزن التي كانت عنده أعطاها لزمور، ورضى بالدنية لهم التي لم يرضها أسلافه من قبل، حتى عقد حلف الطاطة معهم، الذى لا يرضى فعله ذو نفس أبية، وهمة عربية، من ارتكاب عادتهم الجاهلية في ذلك من الاجتماع معهم على طعام مخصوص، والمشى إليهم حافيا عارى الرأس، ليكمل العقد ويطمئنوا إليه، ويصير من جملتهم، وقد اقتدى به إخوانه وغيرهم، وتخلقوا بهذا الخلق السيئ الشيطانى، وقد كان بنى حسن أشداء على عداوة البربر، ساعين في قمعهم، مثابرين على قتالهم، لا يرضون بجعل العافية معهم فضلا عن مؤاخاتهم ومحالفتهم، وبذلك صلاح زمور واستقامتهم، فانظر إلى ما رجعوا إليه اليوم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، مع أنه من المعلوم المجرب أن ولايته عليهم لا تعقب إلا بالفتنة والاضطراب، كالواقع الآن وسعى الجروانى في هذا وشبهه ليس فعل عمال النصيحة وولاة الصلاح. وقد سرى ذلك حتى دخل في الغرب، فقد لقيه الحباسى بمكناسة، وأهدى له بغلة ووعده بالولاية، وصار يشنع ذلك ويشيعه في آذان العامة مع سكون أهل الغرب ورضاهم بولاية عاملهم لما مسهم من الراحة وعمهم من العفة وحسن الملكة، وأعلمناك بهذا كله لتكون على بصيرة، وتنظر فيه بحسن النظر، وتتنبه لما وقع وصدر، وتكشف عن حقيقة ذلك وصحته من عدمها، ونحن الآن نراعى أمر الفتان الحاج عبد القادر، فقد بلغنا استفحال أمره، وانتشار ضره، ونريد من يسعى

في أمر الألفة والجماعة ما أمكن، ليكون ذلك عونا على ما يحاول من اجتثاث أصله، وحسم مادة إفساده، ولا شئ أعون على ذلك من إصلاح القبائل، واستقامة خدمتها، وهذا الحباسى لا يبعد وقوع هذا منه لخفته وطيشه. فبوصول كتابنا هذا إليك، وجه عليه كأنك احتجته لغرض، ووجهه موكلا به من يحفظه من غير كبل ليد اشعاش لتطوان، ومره بتثقيفه كما كان عبد الله بن القرشيّ عنده وعند والده من قبل، وهذا الأمر لا تظهره للجروانى، ولا يشم له رائحة، إذ ربما يسوء ظنه لأن طبعه جاف يأبى قبول النصح ويشمئز منه، إنما أردنا بهذا كله تبصرتك وتنبيهك لتتفطن وتكون على بال، والسلام في فاتح جمادى الثانية عام 1263". ثم كتب له بما نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع الكبير: "ولدنا الأبر الأرضى، سيدى محمد أصلحك الله ورعاك، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وصلنا كتابك مخبرا بسلامة تلك النواحى وسكون قبائلها وانتفاء ما كان من الخوض والاضطراب فيها، فالحمد لله، فهذه النواحى كذلك، زاد الله المسلمين صلاحا وألهمهم رشدا ونجاحا آمين، وقد وصل كتاب ولد أب محمد مخبرا بما أعقب قتال فسدة غياثة من دخول الرعب في قلوبهم وقلوب جيرانهم، حتى قدموا عليه راغبين في معونة المحلة لظهور ثبات الجيش السعيد، وإقدامه وفتكه في المتجاسرين عليه، وعلمنا من جوابه عتابك له على الواقع، ولعل ذلك خير، فإن غياثة لئام لا ينبغى إلا أن يقابلوا بالجد والقوة، وأن يهانوا ولا يكرموا، وليسوا أهل مكرمة، إن قوبلوا بالبشاشة واللين رجعوا وراعوا بل عند ذلك يزدادون جسارة وتعنتا:

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا وإنما اللائق هو مقابلتهم بالشدة، وأخذهم بالعنف، ليلزموا طورهم، ويعرفوا قدرهم، فقد جربناهم وخبرناهم، وتعرفنا ذلك من طباعهم أهلكهم الله، ومع هذا النازل بهم ورغبتهم في الصلح لا تركن لما أظهروا ولا تغتر بسكون الفتان، وخذ الأهبة والاستعداد بعمارة تازة وشحنها بالرماة النفاعة، التي تكون حامية ومنعة، مثل رماة العرب دخيسة مائة، وأولاد نصير مائة، وذوى منيع خمسون، والشجع خمسون وثلاثمائة أو أربعمائة من رماة الجبل إيالة الصنهاجى وفرجى. ورتب لهم الكفاية، فإن الرماة أكثر معونة وأقل مئونة، حتى إن كان الطول يملهم اجعل لهم الإدالة يتبدلون بعد الشهر أو الشهرين، ولا يلحقهم ملل ولا ضجر، وهذا العسكر النظامى حيث ظهر ثباته وإقدامه ونكايته في العدو استكثر منه على قانونه وإعداد عدته، وقد أخبر ولد أبي محمد أن سبب اضطراب تلك القبائل هو ما ألقاه الوزغ ولد بوزيان مما كنا منيناه به، حين كان بحضرتنا الشريفة، وذلك إنما كان منا على وجه المدافعة والوعد، حيث أكثر الإلحاح والرغبة، وإلا فأى فائدة ظهرت على يد الكرارمة، وأى عائدة عادت على الدولة منهم حتى يجابوا لما طلبوا! وما أفسد قلوب تلك القبائل وكفرهم في المخزن إلا ولايتهم لما يرتكبونه فيهم من العسف والظلم والبغى الخارق للعوائد حتى يختاروا الكفر عن عودهم لولايتهم، فكيف بالدخول في حزب الفتان! فذلك أيسر عليهم من تحمل أعباء ولايتهم. وانظر ما نتج منهم من كثرة الإرجاف وإلقاء الرعب في القلوب مما سودوا به الصحائف، وطولوا وهولوا وخوفوا من أمر الفتان، وأنه قادم لتازة لا محالة، وطلبهم للمدد والخيل والعدة والمعونة بالعسكر وغيره.

وقولهم في مكاتبهم: إنه قال لهم إن أردتم الخير لأنفسكم تنحوا عن الطريق، وإلا فسيحل بهم ويحل، وذلك فتٌّ في عضد المخزن وشيعته وإرجاف، حتى كأنهم ينادونه هلم فليس هناك من يلقاك، أهلكهم الله وزادهم ذلا وهوانا، فلا أضر على الدولة منهم، فإنهم الذين ربوا هذه الفتنة بإيواء الفتان ودائرته، وإظهار الإشفاق عليه والترغيب في الإحسان إليه، وأن ليس مراده في شئ إلا الحماية والمعيشة وهو يسر حسوا في ارتغاء، حتى برز منه ما برز ولحقهم من شؤمه ونحسه ما صيرهم عالة {. . . وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ. . . (18)} [الحج: 18]. وما ذكر على شأن الجيلانى بن العواد والشافعى وعدم نجح سعيهما في تلك الناحية، فالأمر كذلك، فالأول قائد فتنة لا زال لم يغسل عارها، وسبب محنة أصلاه نارها مع خبث لسانه وعدم إحسانه، وأما الشافعى فلا يعرف صرف أهل تلك الناحية ولا الكلام معهم، لأن صرف الشاوية وكلامهم بخلاف هؤلاء، والموجه لهم ينبغى أن يكون به عارفا. واندب لكل مهم أهل بلواه. وفى تكليف ولد أب محمد بذلك غنية فإنا نعرفه في حال الخلافة خيرًا دينا مع محبة وصدق لهجة، فهو أولى بالمباشرة وأحق بالتكليف، وقد مارس قبائل تلك الناحية وعرف أهلها وصرفها وحمد مسعاه وحنكته التجارب، والله ولى التوفيق والسلام في 6 رمضان المعظم عام 1263". وفى سنة 1266 كتب بعض أولاد سيدى الشيخ للقائد حميدة الشجعى يخبره بحالة قبائل الحدود بما نصه ومنه تعلم بعض الأسباب التي اضطرت المترجم إلى ارتكاب ما قدره الله وقضاه: "محبنا الأرضى، الرئيس الأعز المرتضى، القائد السيد حميدة بن علي، أعانك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته ورضوانه الأعم وتحياته.

وبعد: فإننا والحمد لله بتمامه لازلنا على عهدكم ومحبتكم، نسأل عنكم ونحبكم وندعو لكم، لكن بقى القلب متعلقا من أجلكم حيث لم يأتنا من لدنكم كتاب ولا جواب مع قربكم منا ومحبتنا معك راسخة لا يفصمها عارض من العوارض. . . . وأما خبر هذه الناحية فالسكوت عنه خير من الخوض فيه، فقد تراكمت أهوالها واشتدت أزمة الفتن حتى وصلت حدها، وخافت الناس سطوة العدو الكافر دمره الله، وهابوه لذلك لا سيما حيث أمنوا انتقام المخزن وعدم قيامه لديهم، فجدوا في الفساد واتخذوه سبيلا، وامتلأت بلاد الله بغيا وفسادا، وأكل القوى الضعيف، ولم يبق خوف ولا حياء إلا من الكافر لا غير، فلما ثار ذلك وشاع لديهم ذهب ميعاد المهاية بفرسهم وهديتهم للكافر يطلبون الأمان لأنفسهم، فتبعهم كثير من القبائل كبنى حمليل، وبنى بوحمدون وغيرهم، فأمنهم الكافر وأجابهم بما يقتضيه ظاهره، كما كانت عادته وباطنه على دغل يترقب الفرصة وينتهزها مهما وجدها، والناس في وجل منه، والفساد بينهم لا حدّ له. فأهل أنجاد يشنون الغارات على أطراف وجدة وبنى مطهر أكلوا مال بنى وكيل وبعض مال المزاوير معه بوترفاس بنفسه ولم يبق حسن ولا محسن، والجهة التي تلى الحدود كلها التجأت لإيالة الرومى ما عدا بنى يعلى مع أنهم بقوا في حيرة من عدم الملتجأ، فهذا وجه ما عليه الناس في نواحينا كافة، نسأل الله السلامة لديننا ودنيانا آمين، وحامله الطيب الطرشى منا وإلينا استوص به خيرًا بارك الله فيك وأعانك، وعلى محبتك وعهدك والسلام في 28 ذى الحجة الحرام متم عام 1266، ويسلم عليك أخونا كاتبه صح منه حمزة بن الطيب لطف الله به" من ملف أوراق الأمير عبد القادر المحفوظ بمستودع الأوراق بالقصر السلطانى بالرباط.

وفى عام 1266 أحدث المترجم المكس أولا في الجلود فقط بفاس وغيره من الأمصار، وذلك على يد المصطفى بن الجيلانى الدكالى، والمكى القباج ثم أحدثه في البهائم ثم تفاحش أمره من بعده. وفى عام 1267 أصدر ظهيرا نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع الصغير: "يعلم من كتابنا هذا أسماه الله وأعز أمره أننا أمضينا للتاجر الحاج قاسم حصار السلوى وشريكه ولد المسعودى بيع كنطردة الثيران التي يسقها جنس اللنجيز من طنجة وتطوان حرسهما الله تعالى مدة من عام واحد، يأتى من تاريخه على أن يؤديا لبيت المال عمره الله عشرة آلاف مثقال، الحق بالطرة وشريكه ولد المسعودى والسلام في 11 ربيع الأول عام 1267". وفيها كتب بعضهم للقائد فرجى باشا فاس الجديد واحد وصفان السلطان سليمان الممتازين كان بمثابة أحمد مولى إتاى، وكان له نفوذ شاسع ومكانة عالية في الدولة العبد الرحمانية، ونص الكتاب بلفظه بعد الحمدلة والصلاة: "أدام الله سعادة الباشا الأمجد، الفارس الأنجد، الوجيه النزيه، الأفضل النبيه، الماجد الأكمل القائد فرجى أدام الله عزك بوجود مولانا المنصور بالله، وسلام تام شامل عام عليكم ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله وأبد ملكه. وبعد: فليكن في كريم علم مولانا أدام الله عزه أننا لما توجهنا لهذه الناحية ما رأينا إلا الخير الكبير ببركة وجود مولانا أعزه الله، حتى وصلنا لعيون سيدى ملوك فالتقوا بنا كبار بنى يوناسن والنجع وهوارة وفرحوا بنا كلهم فرحا كبيرا، ومانونا مئونة جيدة، وسرنا لوجدة فلما دخلنا والتقوا بنا أهلها سلموا علينا ومانونا مئونة ضعيفة ونفروا منا نفورا تاما خاصتهم وعامتهم، فغفلنا عنهم حتى ننظر مرادهم.

فلما كان بعد وصولنا بثلاثة أيام قدم (¬1) كبار بنى يزناسن وشيخهم الحاج ميمون ليسمعوا أوامر مولانا المنصور بالله، فلما دخلوا عندنا اجتهد (¬2) أهل في إقامة الفتنة وساروا يترددون في الهجوم علينا وعليهم حتى لصبيحة غد خرج للسوق بعض من قدم معهم من أهل وجدة الفارين من البلد، فدفعوا عليه وهجموا على القصبة عن آخرهم بالعدة والسلام والبارود، وطلعوا على الأسوار واستولوا على القصبة، والتجار ينادون بالشرع ويستغيثون، ونحن نطفئ ذلك بأنفسنا، حتى قدم بعض من أشياخ العرب، فركبوا وركبنا، وخرجناهم سالمين، وحضر لطف الله في الدماء والأموال والحمد لله، ولما وقع ذلك اجتمعوا بنى يزناسن وجميع عرب آنكاد وتعاهدوا على أن من حاد منهم عن خدمة المخزن يحرقوه أو يقتلوه واجتمعوا أيضا أهل وجدة وتعاهدوا على الفساد والعصيان، وساروا يكاتبون الرومى دمره الله بما لا يليق، وهذا بإشهاد جميع التجار وغيرهم من أهل العدل والصلاح وهذا ما وجب به إعلام مولانا أدام الله عزه والسلام وفى 3 شعبان الأبرك عام 1267". وفى عام 1268 كتب بما نصه وهو يدل على اهتمامه بكل شئ بعد الحمدلة والصلاة والطابع الصغير: "وصيفنا الأفلح بريك الحبشى، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: فيرد عليك صحبة حامله اثنتان وثلاثون جلاسية (¬3) من الخليع البقرى، فيها ثلاث من البطون، فنأمرك أن تدفع لولدنا مولاى سليمان ثمان جلاسيات، ولمولاى عبد الله أربعا، ولمولاى الحسين أربعا، ولابنتنا زوجة سيدى ¬

_ (¬1) في المطبوع: "قدموا". (¬2) في المطبوع: "اجتهدوا". (¬3) في هامش المطبوع: "أوانى خزفية معروفة".

المهدى بن العربى ثلاثا، ولأختها زوجة مولاى الظاهر ثلاثا، والباقى وهو عشر جلاسيات ادفعهم لدارنا بآبار، واجعل ذوات البطون في عددها لا في عدد ما أمرنا بإعطائه، وحظ مولاى عبد الله ومولاى الحسين ادفعه لهما ولا يتصرفان فيه، بل أبقه تحت يدك حتى يدخل كل واحد لمحله، لأن مئونتهما اليوم من دارنا، كما يرد عليك صحبة الحامل المذكور أربعة قناطير من الزيت، ادفعها للدار تكون بالخزين أيضا، ومنه تكون عولة مولاى سليمان والسلام في 25 صفر عام 1268". وفيها كتب القائد محمد بن عبد الصادق للمترجم بما نصه بعد الحمدلة والصلاة: "بعد تقبيل بساط سيدنا المنيف، ولثم قدمه الشريف، ثم الإعلام لمولانا أن الرومى دمره الله لما كتبت له قبل ورود الأمر الشريف، وطلبت منه أن لا يترك عساكره هناك، وأن ينهض من محل نزوله امتثل، لكن عدو الدين لا يؤمن بقى بمحله بعد بعث من حيز عليه من غير مضرته لشئ وقوله لا ينهض حتى يتلاقى مع عبد مولانا، ويجعل معه العقدة التي يكون فيها الصلاح للدولتين، ثم بقى على حاله المذكور إلى يوم الثلاثاء السادس والعشرين من شعبان الأبرك ونهض لمرس قربه من قبيلة بنى يزناسن، إلى أن وصل ولم يجد الحال حينئذ من أهل القبيلة المذكورة بالمرس المذكور إلا شرذمة قليلة من بنى خالد وبنى منقوش نحو المائتين، ومنعوه النهب من المرس المذكور وقاتلوه قتالا عظيما وردوه على عقبه، ومات من الجانبين من مات وانجرح من انجرح، ورجع لمحل نزوله. ويوم الأربعاء من شهر الله رمضان وافانا نجل مولانا السعيد مولانا العباس بالمحلة السعيدة لتفرسيت، ولاقيناه بالفرح والسرور الواجب وكثرة المئونة، وساعة وصوله ورد علينا رقاصيص في وجدة وبنى يزناسن يطلبون التعجيل بقدومنا

لناحيتهم لما أصابهم من القلق ووفور الوجل، ونحن ما ظهر لنا توجه لتلك الناحية بالمحلة السعيدة ما دام عدو الدين قربها، إلا أن أذهب بنفسى خاصة في نحو مائة فارس وبعض أعيان قبائلنا الريفية بعد تركى المحلة السعيدة في قبائلنا الريفية ناعمة بحمد الله بوفور المؤنة ونئوب عاجلا لقبض الواجب من القبائل الريفية التي هى آكد التقديم، وفى ذلك مصلحتان: إحداهما لئلا ينسب الرومى لنا إعانة الرعية، الثانية التقديم منهم لأن النفع فيهم أكثر من غيرهم من القبائل الوجدانية ولراحة المحلة أيضا، ثم الإعلام أيضا لسيدنا أن بنى يزناسن آخذون في خواطرهم ذاكرون أن مولانا سمع فيهم كلام غيرهم وقبض مساجنهم، وامتنع من تسريحهم، لأن الأشجاع إخوانهم وتحت كفالتهم، وكذلك من معهم من الثلاثة نفر لأنهم إخوانهم، ولم يكن بوجدة إلا سكناهم، وهم الآن مجموعون في سجن فاس، وقد طلبوا منا الشفاعة فيهم المرة بعد المرة، وجوابى لهم أن الطاعة لا تكون بالشرط، وحتى الآن تعين علينا الكلام وظهر لنا أن الشفاعة في شأنهم فيها مصلحة، حيث القبيلة المذكورة زرب الطرف قابضة على دينها وإيمانها أفضل من غيرها، فالمطلوب من سيدنا أن يجبر خواطرهم بتسريح المساجين المذكورين، وينفى عنهم الشك الواهى من أنهم فيهم غرض أهل وجدة، وهم الآن إخوان وذات واحدة وهم عمارة وجدة، ما عدا ابن زعيم، لا كلام لنا فيه. والنظر في هذا كله لمولانا والعبد على الخدمة طالبا من سيده صالح الأدعية والسلام وفى 5 رمضان المعظم 1268، مقبل الأرض بين يدى سيدنا، محمد بن عبد الصادق أمنه الله" صح من أصلها الموجود بمستودع الأوراق الرسمية بالقصر السلطانى من رباط الفتح. ثم كتب أيضا بما نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع الكبير: "خديمنا الأرضى القائد محمد بن عبد السلام بن عبد الصادق الريفى، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة تعالى وبركاته.

وبعد: فقد وصلنا كتابك مراجعا فيما أمرناك به من إسقاط الواجب هذه السنة عن فرقتى بنى منقوش وبنى خالد جبرا لحالهم، وإعانة على ما ضاع لهم، فذكرت أنك طالعت كبراء القبيلة كالخديم الأنصح الحاج ميمون وأشباهه، فنشطوا لذلك وفرحوا برد البال لهم، وكون الخاطر معهم، ثم ذكروا أن الذى تقتضيه المصلحة هو عدم الإسقاط عنهم وأحرى حيث ألفاك الحال قبضت منهم لا يناسب الرد لهم، لأن القبيلة تتشوف لمثل ذلك لكون الجهاد وقع من الكل إلى آخر ما ذكرت. أو أنك بعد ما أردت الشروع فيما أمرناك به من الكلام مع الرومى على الحقوق التي قبلهم ومحاججته ردك عن ذلك أعيان القبيلة مخبرين أن المصلحة في عدم المراجعة الآن للعلة التي ذكروا، وأن مثل ما صدر هو كثير الوقوع من الجانبين من قديم، ثم يقع الصلح في ذلك ووجهوا كتابهم بهذا، وأن ترحيل الشيخ سليمان العطياوى من المحل الذى هو به لا يناسب لما في بقائه هناك من المصلحة، فاعلم أرشدك الله أن الذى يبلغنا ويظهر لنا نكتب لكم والعامل الناصح العاقل السديد الرأى يتأمل القضايا على مقتضى مصلحة الرعايا، ثم ما يرى المصلحة في تنفيذه ينفذه، وما يرى المصلحة في عدم تنفيذه يراجع فيه، ونحن لا نكره. المراجعة. والآن حيث اقتضى النظر عدم الإسقاط عن الفرقتين المذكورتين، وعدم الرد لهم فاترك ما قبضت منهم تحت يدك وأضفه إلى غيره، ولا ترد لهم شيئا، فإنا ما أمرنا بذلك إلا جبرًا لحالهم، وأما الجهاد فهو فريضة وفضيلة يتعين على كل أحد حيث يفجأ العدو، ثم حيث أشار أعيان خدامنا بنى يزناسن وفرهم الله بعدم الكلام الآن مع الرومى وأن الرأى تأخير ذلك، واستصوبت أنت إشارتهم فاترك الكلام معه، ولا تخاطبه فإن الحاضر بصيرة ويرى الشاهد ما لا يرى الغائب.

وكذا الشيخ سليمان البطياوى حيث كانت المصلحة في بقائه بمحله فاتركه فيه ولا تنقله منه، وأنت بصيرة ما يناسب فإنا نكتب على مقتضى ما يبلغنا، فما يكون صوابا وسداد نفذه، وما تأملته وكان الأمر على خلاف ما بلغنا فيه راجعنا، فإنك أصلحك الله من أهل العقل والتجربة والعراقة في الخدمة، زادك الله توفيقا وإرشادا آمين، وما كان على خلاف الصواب ونفذته فالعهدة فيه عليك، والله يوفقك والسلام في 25 قعدة الحرام عام 1268". وفى عام 1270 كتب بما نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع: "ولدنا الأبر الأرضى سيدى محمد أصلحك الله ورضى عنك، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فيصلك طى هذا كتاب وجهه الطالب عبد السلام بن عبد الكريم جوابا عما قدمناه له من كتاب الزكاة، أخبر فيه عن حال القبيلة بما تراه فيه، ولا شك أن الزكاة فرع عما يزكى، وحيث كان حال القبيلة كما شرح، فمن كان عنده نصاب شرعى من زرع أو ماشية فليطالب بها على قدر ما عنده، ومن ليس عنده نصاب فلا يطالب بشئ. وعلى هذا يكون العمل في شأنهم لكن إن صرحنا لهم بذلك تشوف له غيرهم من جيرانهم، لأن تلك النواحى كلها هذا العام ضعيفة، والآن تأمره مشافهة حين يكون عندك في العيد بأن يخاطبهم بأن من كان عنده شئ فليزكّ على ما عنده، ومن ليس عنده شئ يقول لهم: أنا أؤدى عنكم، ولا يطالب بعد بشئ من ذلك، وإنما يفرغه لهم في هذا القالب للعلة المذكورة لأن أهل الغرب لا يقصرون إن كان عندهم ما يعطون، فينبغى الآن الرفق بهم والسعى في جبر حالهم، لأن ذلك الظالم تركهم لحما على وضم كما يصلك بطيه أيضا كتاب وجهه عبد الكبير بن المدنى في شأن ما كلفناه به من قبض ما تراه فيه من عند

رجلين ظننا أنهما معا بإيالته، فبوصوله إليك مُرْ عبد السلام بن عبد الكريم بالقبض على ولد أخت الشافعى وأخيه المذكورين فيه وتوجيههما إليك، ثم وجههما لعاملها المذكور ليستخرج منهما متاع بيت المال، هذا وقد وصلنا كتابك وعلمنا ما فيه وتصفحنا ما أجاب به ابن عبد الصادق في القضية المعهودة، وعلمنا من كتابه الذى وجهت سابقا ما أخبر به من رد الولد النصرانى لأهل ملته، وما ذكره في شأن العداوة بين الريف والصبنيول، وأن لا خير في الهدنة بينهما، فذلك هو المقصود، لكن لو كانوا يقتصرون على مقابلة السيئة بمثلها مع الصبنيول فقط. وأما ما يفعلونه بالإنجليز وغيره من الأجناس البعيدة عنهم، فإنهم يجرون به كثرة الكلام والهرج. وما ذكرت على الشريف الذى جاء يعرض بيع أملاك له باكحيك، فإن لنا هناك أصولا، فاكتب لوصيفنا الحبشى يقومها، ويوجه لك رسم التقويم ومواجب البيع، وادفع ثمنها للبائع أو بوكيله بعد تسليم الموجبات شرعا، وما طلبه مقدم الشيخ أبى يعزى من زليج البديع على المثال الذى كانت مزخرفة به القبة، فادفع له من الزليج الموجود في الوقف لا غير، لأن الترقيع ليس كالبناء. وما ذكرت في شأن مجاط الذين قبضهم الطالب عبد السلام بن عبد الكريم الشعيوى ومن معه، فهؤلاء كانوا نازلين هنالك بالإذن قديما، فأمره بتسريحهم وإبقائهم هنالك، ونحن لما ألح علينا إخوانهم هؤلاء بالطلب في جلب الفارين أجبناهم لذلك، ومن كان له إذن كهؤلاء فليسوا منهم، وعلمنا ما ذكرت من توقف مولاى عبد الهادى فيما توجهه إليه من أمر الأصول على الإذن من قبلنا، فها نحن كتبنا له بذلك، وها كتابه يصلك طى هذا، فاختم عليه ووجهه له. وأما الحطوشى فقد قدمنا لك أنه لا يوثق به، لأنه يقبض من البائع والمشترى ولا عليه.

وما ذكرت في شأن الولد المقبوض في جرح وصيف سمار من وصفاننا فانظر في أمره، فإن كان من أهل الدعارة والفساد فألقه بالسجن ورتب له ما يقتات به، وإن كان لم يصدر منه إلا الجرح المذكور فهذا حق لنا قد سامحناه فيه فسرحه والسلام، ألحق بطرته مشافهة حين يكون عندك في العيد، بعد تسليم الوجبات شرعا صح به في 1 ذى الحجة عام 1270 الحق بين أسطره شرعى صح به" صح من أصله. وفى عام 1271 كتب أيضا بما نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع: "ولدنا الأبر الأرضى، سيدى محمد أصلحك الله ورضى عنك، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وصلنا كتابك وعرفنا ما فيه، ووصل زمام أمناء فاس بصائر الشهر الفارط، وعلمنا ما ذكرت من صدق الحشم فيما ادعوه من ساقية الجديدة، كما علمنا كتبك لمولاى الصادق بما قدمناه لك وإعادتك الكتب له بعد ورود كتابه الذى وجهت بطيه، وقد تصفحناه وكتبنا له بما تراه طى هذا، فاختم عليه ووجهه له، والله يوفقه للقبول، ويصلك زمام رسوم 4 وبطائق 3 كانت تحت يد الأمناء تضمنت ما بذمم المذكورين فيها من صائرنا الموفر بالله، فأما ما بذمة دخيسة وأولاد نصير وذوى منيع فكلف عمالهم باقتضائه والإتيان به. وأما ما بذمة بوزيان فعهدى أنى كنت أمرت بحيازة بلاده في ذلك، فإن كانت حيزت فذاك، وإلا فأمر بحيازتها، وكان بذمته وبذمة إخوته أكثر من ذلك، فقد كنا سلفنا له لما كنا بحركة عين زورة أكثر من ألفين، فباحث الأمناء لعلهم أن يجدوا ذلك في كناش الأمين الذى كان معنا وقتئذ. وأما ما بذمة ابن المانع فإن كان ما يحاز منه فحزه، وأمر الأمناء أن يجعلوا لعبد الله العلج الذى بباب دارنا العالية بالله هنالك الوارد من المشرق كسوة تناسبه

من كساوى المخازنية، وأن يدفعوا له خمسة عشر مثقالا، كما يصلك كتاب لابن عبد المالك الريفى، وآخر لقونصو الفرنصيص تطلع منهما على قضية وقعت بطنجة، وكنا كتبنا للخطيب لما ورد علينا كتاب ابن عبد المالك أن يحتج عليهم بأن هذا الرجل هم أتوا به من بلادهم بعد ما صدر منه معهم ما صدر، فهم يعرفونه ويعرفون حالته وأنزلوه عندهم وأجروا عليه مئونتهم حتى صدرت منه هذه الواقعة، وكان من حقهم حيث أتوا به مع معرفتهم بحاله أن يسلموه لعامل البلد في كبله فيعلمنا به، وننقله من هنالك ونعرف ما نسلك في أمره حتى لا يصدر منه هذا ولا شبهه، فصاروا هم المتسببين في قتل ذلك المسلم فهم المطالبون بدمه. وأمرناه أن يسلك معهم في القضية ما ينقطع به الكلام حتى إن رأى أنهم لا يريدون إلا القصاص، وأن لا محيد عنه، فليكتب لابن عبد المالك أن يقتص منه، لأنه قتل مسلما عمدًا، ثم بعد ختمه ورد كتابه في القضية فاستدركنا له في الكتاب المذكور، أن الذى يكون عليه العمل هو أن يحتج عليهم أولًا بما ذكر، فإن لم يفد فليسلك معهم مسلك الشرع، وما حكم به عليه العمل إن أذعنوا لذلك وإلا فليخبرنا، ولا شك أن الشرع لا يقتل مسلما بكافر لكن هذا قتل مسلما عمدا عدوانا ومصالحا يجر بقتله ضررا على المسلمين، فعلى كل حال استحق القصاص بقتل المسلم، وإذا كان كذلك فنخرج من باب واسع. وقد ورد أخوك مولاى العباس أصلحه الله ومن معه، ووصلنا كتابك صحبتهم، وعلمنا تنفيذك لهم ما يحتاجونه لسفرهم وللطلبة ما أنعمنا به عليهم أصلحك الله ورضى عنك، ويصلك كتاب للطالب أحمد اللب وجهه له مع ظهير والسلام في 25 جمادى الأخيرة عام 1271" صح من أصله.

اهتمامه بأمور الدين وصدور أوامره لولاته بجبر رعاياهم على إقامة رسومه

اهتمامه بأمور الدين وصدور أوامره لولاته بجبر رعاياهم على إقامة رسومه قال المشرفى في شرحه للشمقمقية بعد ما نقلناه عنه صدر هذه الترجمة: وكان -أى السلطان المولى عبد الرحمن- في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بالمحل الذى لا ينكر، يأمر عماله بالرفق والسير الحسن في الرعية والاستمساك بالسنة وعمارة المساجد واتخاذ الفقهاء يعلمون الصبيان بكل حلة ودوار، وينهاهم عن البدع والمحدثات التي أعظمها إشاعة الفاحشة والربا في معاملاتهم، حتى ابتلاهم مولاهم بغلاء الأسعار والآيات التي نشأت عن أفعالهم. وبذلك كتب لسائر عماله في رابع جمادى الأولى عام سبعة وستين ومائتين وألف مكاتب فرقها جائلة في الأقطار، تقرأ عليهم في مساجدهم وأسواقهم وموضع اجتماعهم في مواسمهم ما نصه في النسخة التي بعثها لعامل الغرب المالكى القائد محمد بن الحاج الحباسى -فأقام ابن عمه الأستاذ الخير الفقيه ابن عبد السلام في نفر من أصحابه وأهل شرطته، يدور في المناهل ويطوف على كل حلة ويقرأ عليهم مكتوب السلطان، ولثقته وأمانته ومعرفة الناس له بأنه ابن عم الحاكم فيهم كى تأخذ بقوله وتنفذ ما أمر به السلطان- وفاتحة الكتاب: "الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، عاملنا فلان، سلام عليكم. وبعد: فقد قال الله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ. . . (90)} إلى {تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل: 90] وقال تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)} [الذاريات: 55] وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - يتخول أصحابه الكرام بالموعظة أحيانا مخافة السآمة، ولنا فيه أسوة، لأن سنته لمن تمسك بها أوثق عروة، ولم يقبضه الله إليه حتى أكمل به الدين، وأزاح غياهب الشك باليقين، قال جل جلاله: {. . . الْيَوْمَ

أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا. . . (3)} [المائدة: 3] فتركنا - صلى الله عليه وسلم - على المحجة البيضاء التي لا يحيد عنها إلا شقى، ولا ينحرف عن مناهجها القويم إلا غوى، فقد رغب وبشر وحذر وأنذر ولم يأل جهدا في نصح أمته، وندب الناس للانخراط في سلك ملته، فجزاه الله عنهم أفضل ما جزى به نبيا عن قومه آمين، وآكد ما جاء به - صلى الله عليه وسلم - قواعد الإسلام الخمس المشار إليها بقوله - صلى الله عليه وسلم -: بنى الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا". "فالتوحيد أساسها وقطبها الذى عليه مدارها فالبداية به أهم، والعناية به أتم، ومعرفته على الوجه الأكمل الذى هو إقامة الدلائل والبراهين أولى، ليخرج المكلف به من ربقة التقليد المختلف في إيمان صاحبه". "والصلوات الخمس عمود الدين وذروة سنامه، فهى منه بمنزلة الرأس من الجسد، وقد وقع الحض عليها في كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية كقوله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)} [البقرة: 238] وكقوله - صلى الله عليه وسلم -: أول ما يحاسب عليه العبد صلاة الفريضة، فإن صلحت له صلح سائر عمله، وإن فسدت عليه فسد سائر عمله، وكفاها فضيلة وشرفا أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما قال الله فيها، وتاركها يقتل حدًّا كما قال خليل في مختصره: ومن ترك فرضا آخر لبقاء ركعة بسجدتيها من الضرورى وقتل بالسيف حدا، ولو قال أنا أفعل وصلى عليه غير فاضل هـ، ولها وسائل من طهارة حدث أصغر وأكبر وطهارة خبث وستر عورة واستقبال قبلة، وغير ذلك مما لا بد من معرفته".

"والزكاة واجبة في الحبوب والثمار والعين والأنعام على من حال عليه الحول، وكمل عنده النصاب، "وهى أخت الصلاة قارنها الله بها في غير ما آية من كتابه لكونها طهارة للأموال كما أن الصلاة طهارة للأبدان قال تعالى: {. . . وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} [البينة: 5] وقال عليه السلام حصنوا أموالكم بالزكاة والمال الذى أخرجت زكاته ليس بكنز فلا يدخل صاحبه في الوعيد المشار إليه بآية (يوم يحمى) الآية". وقال تعالى في الحج: {. . . وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا. . . (97)} [آل عمران: 97] وقال عليه السلام: من حج هذا البيت ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنبه كيوم ولدته أمه، وفى حديث آخر: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة). "وقد تساهل الناس في قواعد الإسلام المذكورة فتجد جل العوام لا يعرفون عقائد التوحيد ولو على سبيل التقليد المحض ولا يصلى، ومن صلى فإنما يعرف كيفية الصلاة بكثرة تكرارها ولا يعرف مسنونا ولا مفروضا ولا يحسن طهارة ولا غيرها من وسائلها، ويتثاقل الكثير منهم عن إخراج الزكاة ويعدها من قبيل المغرم، ويتجاهر البعض بكل رمضان من غير نكير، وجل الصائمين يتهاونون بحقه، ولا يبحث عما يصحح صومه أو يفسده، وبعضهم يصوم ولا يصلى، وفى الحديث: من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه، لما يكثر فيهما من الرياء والسمعة ويتلبس في سفره بمعاص كثيرة التي أعظمها ترك الصلاة في وقتها، ولا يبالى مع كثرة الرفث والفسوق والله يقول: {. . . فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ. . . (197)} [البقرة: 197]. "وكما وقع التساهل الكثير في أصول الدين المذكورة وقع التساهل في فروعها بالأحرى كالجهاد فإنه وإن كان فرض كفاية يسقط الطلب عن البعض

بسبب قيام البعض به فربما يصير فرض عين إن فجأ العدو، وقال خليل في مختصره: وتعين بفجأ العدو، وإن على امرأة، يحتاج الإنسان إلى نيته ومعرفة أحكامه وتعلم ما يقوى به عليه من رماية وفروسية وغير ذلك قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ. . . (60)} [الأنفال: 60] وقال عليه الصلاة والسلام: من مات ولم يغز ولم ينو الغزو مات ميتة جاهلية". "وقد أكثر العمال من التساهل في أمر الزنى والسرقة والدماء واكتفوا فيمن ثبت عليه شئ منها بالسجن والذعيرة مع أنهما من الكبائر شدد الشارع في أمرهما وعين في كل واحد منهما مائة جلدة وأما المحصن فحده الرجم حتى يموت لأن السنة خصصت الآية وقال جل وعلا في أمر السرقة {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا. . . (38)} [المائدة: 38] وقال عليه السلام: لو أن. . . . سرقت لقطعت. . . . وذكر عضوا شريفا من ذات شريفة وحاشاها من ذلك وقال تعالى في حق الدماء: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى. . . (178)} [البقرة: 178] {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ. . . (45)} - إلى قوله {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45]، وقال: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ. . . (179)} [البقرة: 179] فهذه نصوص صريحة قاطعة لا تقبل التأويل، فالإعراض عنها إلى الحكم بالهوى والغرض الدنيوى إلحاد في الدين، وخروج عن ربقة سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله قال تعالى: {. . . وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)} [المائدة: 45] وفى آية أخرى: {. . . فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)} [المائدة: 47] وفى آية أخرى: {. . . فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} [المائدة: 44]. "ومن ذلك فساد المعاملات بيعا وغيره وتعاطى الربا بإسلاف الدراهم بزيادة أو كرائها بكذا لكل مثقال في الشهر، مع أن الله شدد فيه لقوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ. . . (275)} - إلى

قوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وقال - صلى الله عليه وسلم -: لعن الله الربا وآكله وموكله وكاتبه وشاهده، وقال: من نبت لحمه من سحت فالنار أولى به، وقال في حديث: ولا فشا في قوم الربا إلا أخذوا بالسنة". "ومن ذلك تسلط الأشياخ في نساء رعاياهم بالاحتيال بالقبض على من كانت عنده زوجة حسناء، حتى يتوصلوا للإفساد فيها، ومن ذلك فساد الأنكحة والتساهل فيها من خطبة الرجل على خطبة أخيه والدخول بالمطلقة قبل كمال العدة وغير ذلك من المنكرات، وأبشعها وأشنعها ما كان بلغنا عن فجرة الأشياخ والخلايف من بيع النساء، وصورة ذلك أن يرغب الرجل في زوجة حسناء تحت آخر ويتوصل إليها بإغراء الشيخ على زوجها بالقبض عليه، وتوظيف ذعيرة لا يفى بها ماله، فإن أدى ما قدر عليه تحمل عنه الراغب في زوجته بالباقى ويتسلمها منه، ويجعلها فجرة عدول الوقت في صورة خلع، وربما يدخل بها الراغب فيها قبل انقضاء عدتها". "ومع شيوع هذه الحوادث الفظيعة، والبدع الشنيعة، فلا غرابة من حبس الأمطار، وارتفاع الأسعار واستيلاء العدو الكافر على كثير من الأقطار، فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وهذه المسغبة التي امتحن الله بها عباده، وجعلها فيهم حكمه ومراده، أعظم الآيات التي قال الله فيها: {. . . وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59)} [الإسراء: 59] فليجهد الإنسان في الإقلاع عن ذنبه، والرجوع لربه، حتى لا يكون ممن قال فيهم: {. . . وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)} [الإسراء: 60]. "وقد غاضت حياض العلم وأقوت ربوعه، وضيعت من الدين أصوله وفروعه، وزهد الناس وخصوصا ذوى أمرهم في الباقية، رغبة في هذه الدنيا الفانية، مع أن مآلها إلى ذهاب، ومصيرها إلى عقاب، ولو استقام العمال

لاستقامت الرعية، لأن القوم على دين رئيسهم، فهم أولى الناس بالتفقه في الدين لتكون سيرتهم في الرعية على منهاج الشريعة، فإنه لا يحل لامرئ مسلم أن يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه كما في الحديث. والعامل إن كانت بطانته صالحة، كانت أعماله جارية على الصلاح والسداد، وإن كانت بطانته على غير هداية، كانت أحكامه مخالفة للشرع فضلّ وأضلّ. وقد كان العمال الأقدمون أهل الخير والدين ويقتدون بأفعالهم بالعلماء العاملين والأخيار الصالحين، ويعينون من ظهرت نجابته في قبائلهم على طلب العلم من محله، وأخذه من أهله. واليوم تجد القبيلة الكبيرة من قبائل البادية ليس فيها عالم واحد يرجع الناس إليه في مسائل دينهم ونوازل أحكامهم، وما ذاك إلا للانهماك في زهرة الحياة الدنيا والإعراض عن الآخرة، وقد قال النبى - صلى الله عليه وسلم -: خيركم من لم يدع آخرته لدنياه ولا دنياه لآخرته، فيجب على من ولاه الله أمرًا أن ينصح لنفسه ولرعيته جهد الاستطاعة، فإن النبى - صلى الله عليه وسلم - يقول: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، ويحمل الناس على اتباع السنة والجماعة، ويزجر من قصر في دين الله وخالف أمره، ويبدأ بنفسه لينفع تعليمه ويقبل ما يقول ويسعى في إحياء العلم ما أمكنه فإن رفعه من أشراط الساعة، وتعظيم العلماء من تعظيم حرمات الله، والله لا يقبض العلم انتزاعا من صدور الرجال ولكن يقبضه بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوساء جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا، ويلزم العامل كل دوار أو جماعة مشارطة طالب علم يرجعون إليه في أمر دينهم وتعليم صبيانهم وجهالهم، ويقوم بالأذان والصلوات الخمس في أوقاتها، ومن لم يفعل زجره

وعاقبه، ويختار الأشياخ من أهل الدين، ويرفع القضايا الشرعية لقضاة العدل الذين يتقون الله ويتحرون في أحكامهم. ومن وجب عليه حد من حدود الله يرفع أمره إلينا لنأمر بإنفاذ حكم الله فيه، ولا يقال: فسد الزمان، وقل أهل الدين وفقد الناصر، فإن من قام لله وجد الله قال تعالى: {. . . وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)} [الحج: 40، 41] فهذه تذكرة لمن تذكر، وتبصرة لمن تبصر، فاجعلوا ما اشتمل عليه هذا الكتاب نصب أعينكم، فإنا نصحناكم ولمنهاج الشرع أرشدناكم، فمن أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها، والله يوفقكم لما يحبه ويرضاه آمين". قال المشرفى المذكور بعد جلبه لهذا الظهير: فلينظر العاقل إلى هذه الوصية الجامعة التي لم تصدر إلا من خليفة أو من ابن نبى ولى، جمع فيها بين علوم الشريعة والحقيقة، دلت على صفاء باطنه واتصافه بالعدل وإيثاره للدين على غيره، وإعراضه عن الأغراض المفسدة للطبع البشرى، فيجب على كل خليفة وولى عهد من أمير ومأمور أن يحفظ فصولها، ويعمل بمقتضاها، ولذلك أدرجتها في تأليفى هذا لنأخذ قسطا من الثواب مع من عمل بها، فينبغى للحاكم أن يمشى على منهاجها فهى كرسالة مولانا على بن أبى طالب كرم الله وجهه للقضاة وأهل الفتوى، ولقد شاهدنا من لم يخالف أمره نجح سعيه وصلحت أحواله ونتجت بخير قضاياه، ومن ادعى عليه أو خالف أمره واتبع هوى نفسه بدد الله شمله ومحا المولى سبحانه اسمه ورسمه. وقضية الوداية، فيها الكفاية، فقد كانت لهم السطوة والجاه العريض الباع والحظوة، وحيث استخفوا بسلطان الله أهينوا، وكان عاقبة أمرهم خُسْرًا والذى قرأناه في فنون الأدب أن ثمانية إذا أهينوا فلا يلومون إلا أنفسهم: من أتى مائدة

لم يدع إليها، والمتأمر على صاحب الدار، والداخل في حديث اثنين لم يدخلاه فيه، والمستخف بالسلطان، والجالس في مجلس ليس له بأهل، والمقبل بحديث على من لا يسمعه منه، وطالب الرفق من أعدائه، وراجى الفضل من اللئام، وهى مجموعة نظما: أحق بالصفع في الدنيا ثمانية ... لا لوم في واحد منها إذا صفعا المستخف بسلطان له خطر ... وداخل في حديث اثنين مندفعا ومتحف بحديث غير سامعه ... وداخل الدار تطفيلا بغير دعا وطالب الخير ممن لا خلاق له ... وجالس مجلسا عن قدره ارتفعا وطالب الرفق من أعدائه وكذا ... ضيف تأمر فاحفظها أخى لمعا وقضيتهم مذكورة في الحسام، وسببها أنهم كانوا هم الرؤساء على محلة مولاى على بن مولانا سليمان بتلمسان لكونه خليفة عن مولانا عبد الرحمن، فجاروا وعاثوا، وكرههم أهل تلك الإيالة لميلهم للطمع الدنيوى، ولا يمضون حكما على وجهه، فنفوهم وأعرضوا عن أحكامهم، وكم بلغوا أمرهم لمولاى على الخليفة بفسادهم وإشاعة الفاحشة منهم، فتارة يأمر بسجنهم ويسرحهم عند غيبة الشاكى، وتارة يوعدهم بالزجر، ولم يفعل، وحين تحققوا ذلك مدوا أيديهم فيهم، عند ذلك كرهوا البقاء هناك، ورجعوا عن غير إذن الإمام، وشهد عليهم الخليفة بذلك بين يدى السلطان فخلى سبيله لكونهم أكرهوه على الرجوع وعاقبهم بما هو معلوم ويستوجبونه، وذكرنا ذلك في غير هذا، وكانت قبيلتهم مشئومة مهما وجدوا مندوحة لإثارة الفتنة أثاروها، فدعا عليهم العلامة السيد محمد بن أبى بكر بن عبد الكريم بن على اليازغى ثم الزهنى، في قصيدة له حين أكلوا ملاح اليهود بفاس العليا وقت فتنة الفترة، التي كانت آخر ولاية مولانا سليمان مطلعها:

يا غارة الله عهد الله ينتظر ... إن الودايا لذلك العهد قد كسروا شنوا على ملة الإسلام غارتهم ... وذمة المصطفى في أهلها خفروا سبوا نساءهم من بعد ما سلبوا ... ديارهم ولدور البغى قد عمروا إلى أن قال: يا أهل فاس سيروا بهم على مهل ... ولا عليكم فإن الله ينتصر تربصوا بهم بالسوء دائرة ... تأتى حماهم فلا تبقى ولا تذر تصبها راحة المنصور فوقهم ... فيصبحون وفى أخبارهم عبر اهـ كلامه. وقد وقفت على ظهائر شريفة للمترجم أصدر أحدها للقائد المهدى الشرادى، والثانى للقائد العربى السعيدى، كلاهما بتاريخ رمضان سنة 1252، والثالث للقائد ابن عبد الصادق الريفى بتاريخ صفر عام 1270 يأمر فيها العمال المذكورين بالاهتمام بإقامة قواعد الإسلام بمحل ولايتهم، وإرشاد الناس إليها، وتعليمهم أمور دينهم، وما يجب عليهم وجبرهم على العمل به، ويأذن بعقوبة من تهاون بذلك، ويستغرب سكوت العمال عن عقاب تارك الصلاة مع أنه أولى بالعقوبة. وقد سبق تصريح المشرفى أنه كتب بتاريخ جمادى الأولى عام 1267 لسائر عماله بهذا المعنى، كما عثرت في بعض ظهائره الصادرة بتاريخ عام 141 لرؤساء المراكب البحرية التجارية منها والحربية على الحض على التقوى، والصلاة لوقتها وقراءة القرآن (¬1)، ويوصى بعدم حمل مثل الخمر والخنزير، ويوعد من فعل ذلك ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "هذا نظير ما أمر به السلطان المولى عبد العزيز بحرية "البشير" كما قدمناه".

بالنكال، وتلك أدلة كلها تدل على مبلغ اهتمامه بالدين، وحمل الأمة على العمل بأوامره، وتجنب نواهيه. وإليك نص ما وقفت عليه مما كتب به للقائد المهدى الشرادى الذى كان ادعى المهدوية وعتا وتمرد، مار الذكر آنفا، بعد الحمدلة والصلاة والطابع السلطانى: "محبنا المرابط الأرضى السيد المهدى الشرادى، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فإن الله سبحانه رضى لنا الإسلام دينا، وجعلنا من أمة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - الذى لم يخلق الله له في الوجود قرينا، فمن اتبعه واقتفى ما جاء به فقد فاز فوزا عظيما، ومن حاد عن سنته، فليس من أمته، وقد خسر خسرانا مبينا. وقد بلغنا من غفلة الناس عن دين الله وتفريطهم في جنب الله وإعراضهم عن أداء ما فرض الله عليهم ما حملنا على تنبيههم من سنة الغفلات، وإرشادهم لتدارك ما فات، بإصلاح ما هو آت {... إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ. . . (114)} [هود: 114]، قال تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)} [الذاريات: 55] وقال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ. . . (125)} [النحل: 125] وقال: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ. . . (22)} [الزمر: 22] وقال: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ. . . (13)} [الشورى: 13] وفى الصحيح عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم: كان النبى - صلى الله عليه وسلم - يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا. فاعلموا أن التوحيد أصل الإيمان، وبه يخرج الإنسان من ربقة الشرك وحزب الشيطان، وهو النطق بلا إله إلا الله محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع اعتقاد

معناها، والجزم بأن الله واحد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله {. . . لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى: 11] والسورة الجامعة للتوحيد {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} [الإخلاص] وقد قال عليه الصلاة والسلام: بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا. فمن أخل بقاعدة من هذه القواعد الخمس فقد اختل إيمانه، ولا يخفى أن الصلاة هى عمود الدين وذروة سنامه، وقد ذكرها الله في مواضع من كتابه وأوصى عليها ومدح القائمين بها كما ذم من ضيعها قال سبحانه: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ. . . (3)} [البقرة: 3]، وقال: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ. . . (59)} [مريم: 59] الآية، ولا يكون القيام بها إلا بأدائها في وقتها بشروطها المعلومة شرعا، قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)} [البقرة: 238] وقال: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)} [النور: 36 - 38]. وقد قال عليه السلام أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة، فإن قبلت قبل سائر عمله، وإن ردت رد سائر عمله. فمن حافظ عليها فهو لما سواها أحفظ، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، ويجب حفظ أم القرآن، وسور منه للقراءة في الصلاة قال تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ

وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)} [المزمل: 20]. وقد تواترت لدينا أن الناس أهملوا الصلاة رأسا، وتركوا ما كان عليه سلفهم من جعل المساجد في الحلل وترتيب الطلبة للأذان، وإقامة الصلوات وتعليم الصبيان، وهذه غفلة كبيرة عن الله، وتضييع لدين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فإذا قرأت كتابنا هذا فمر كل أهل دوار من إيالتك بجعل مسجد فيه إمام راتب، وأجبرهم على إقامة رسوم دينهم، وإحياء سنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم -، بإقامة الصلوات في أوقاتها بشروطها المعتبرة شرعا، فإنهم رعيتنا ينبغى لنا نصحهم وإرشادهم لما ينفعهم دنيا وأخرى. قال عليه السلام: كلكم راع ومسئول عن رعيته، وقال: الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. فمن قام بواجب ذلك وواظب عليه فقد استبرأ لدينه، وأدى ما عليه، ومن تراخى في ذلك وحاد عن سنن الدين فنعاقبه بحول الله وقوته أشد العقوبة ولا يلم إلا نفسه. وبث نسخا من هذا الكتاب في إيالتك ليعم النفع به إن شاء الله وليعملوا بمقتضاه، والله يوفقهم لما فيه رضاه، وقد أذنا لك في عقاب من لم يمتثل بعد الإعلام، فأحق ما يعاقب عليه الإنسان دينه، وقد علمت أن سبب نزول المصائب غالبا من احتباس الأمطار وغيرها، التفريط في الدين، فلا بدَّ قُمْ على ساق الجد في هذا والسلام في 16 رمضان المعظم عام 1252" هـ من أصله. وبمثله ولفظه كتب للقائد العربى بن على السعيدى بتاريخ 15 رمضان عام 1252.

[صورة] ظهير رحماني للقائد المهدي الشرادى بإقامة رسوم الدين وإحياء السنة بكل دوار من إيالته

[صورة] ظهير رحماني إلى القائد محمد بن عبد الصادق بإقامة رسوم الدين في البادية وإلزام كل دوار بمشارطة طالب علم يعلمهم وأولادهم الدين ويقيم الصلاة

ونص ما كتب به لابن عبد الصادق بعد الحمدلة والصلاة والطابع الكبير: "خديمنا الأرضى، القائد محمد بن عبد الصادق الريفى، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فمن أعظم من الله على هذه الأمة أن رضى لها الإسلام دينا، وأتم عليها به النعمة قال تعالى: {. . . الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا. . . (3)} [المائدة: 3] وقال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} [آل عمران: 85] وأن الصلاة منه كما ورد بمنزلة الرأس من الجسد، فهى بعد التوحيد والإيمان بالله أعظم قواعده، وذروة سنامه ويتيمة عقد فرائده، حض عليها الكتاب والسنة، قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)} [البقرة: 238] وقال: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ. . . (132)} [طه: 132] وقال: {. . . إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ. . . (45)} [العنكبوت: 45] وفى صحيح البخارى وغيره عن النبى - صلى الله عليه وسلم -: بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا. وقال - صلى الله عليه وسلم -: أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة إن صلحت له صلح سائر عمله، وإن فسدت عليه فسد سائر عمله، فمن حافظ عليها فهو لما سواها أحفظ ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، وقد ذم الله قوما بإضاعتها فقال: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ. . . (59)} [مريم: 59] الآية، وفى مختصر خليل وقتل بالسيف حدًّا، ولو قال أنا أفعل وصلى عليه غير فاضل، ولا شك أن لها وسائل وشروطا من طهارتى الحدث

والخبث، واستقبال القبلة مع الأمن إلى غير ذلك مما تتوقف معرفته على مخالطة العلماء الأخيار، وسؤالهم عنه كما يسأل غيرهم عن أمور الدنيا. وقد بلغنا أن الناس تركوا الصلاة بالبادية وأضاعوها، حتى كأنها ليست من قواعد دينهم، وما ذاك إلا من غفلة العمال عن أمور الدين وصرفهم وجه عنايتهم للأغراض الدنيوية، وإعراضهم عن النظر في الأمور الدينية الأخروية: ما هكذا يا سعد تورد الإبل إذا لم يكن دين فلا كانت الدنيا إن دام هذا ولم يحدث له غير ... لم يبك ميت ولم يفرح بمولود فإن الله تعالى يقول في معرض الثناء على العمال أهل الخير والدين، المقتفين منهاج سيد المرسلين: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)} [الحج: 41] وفى الحديث الشريف: خيركم من لم يدع آخرته لدنياه، ولا دنياه لآخرته. وما سمعنا أحدا من العمال سجن أحدا أو عاقبه على ترك الصلاة، مع أن تاركها أولى بالعقوبة وأحق، ولو أن العمال اعتنوا بأمور الدين لأعانهم الله على صلاح دنياهم قال تعالى: {. . . وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ. . . (40)} [الحج: 40] فيجب على كل عامل تحرى لدينه وأراد السلام لنفسه أن يتفقد أحوال إيالته، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فيلزم كل دوار ومدشر مشارطة طالب علم يرجعون إليه في أمر دينهم، وتعليم صبيانهم وجهالهم، ويقوم بالأذان والصلوات الخمس، ومن لم يفعل زجره وعاقبه فإن دين الله أولى ما يعاقب عليه العامل الرعية.

وقد ذكرناكم وأرشدناكم لأنكم مسئولون عن الرعية ونحن مسئولون عنكم {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15)} [الجاثية: 15] ألا هل بلغت، اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد، وفقنى الله وإياكم، وهدانى والمسلمين إلى صراطه المستقيم وهداكم. آمين والسلام في 8 صفر الخير عام 1270". فهذه الظهائر الشريفة، والأوامر المنيفة، هى مرآة مكبرة لماضى صالح سلفنا الأكرمين، وأمرائنا العظام من الفتح الإسلامى إلى العصر الحاضر، لا يتقاعسون عن زجر وإنذار من حاد عن الطريقة المثلى والمحجة البيضاء، التي لا يزيغ عنها إلا هالك، ولا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، تارة بالوعد، وأخرى بالوعيد، فلقد كان يهمهم كثيرا تعظيم شعائر الدين ورعاية حرماته وإعلاء منار النظام الذى رتبه الله لخلقه، ورسمه بالشريعة، وأوجبه بالحكمة البالغة امتثالا لأوامر الخالق الرازق، ورضوخا لتعاليم الدين الحنيف، ولتحققهم أن الدين أكثر تأثيرًا في بقاء الملك ورسوخ الدولة وجمع الكلمة في الدفاع عنها، وأن أهل الاعتقاد الواحد يعملون بقلب واحد ويد واحدة، ويعتقدون برابطة دائمة بينهم في الدنيا والآخرة، وأن أعظم واجب على السلطان القيام بحفظ الدين ووظائفه الشرعية حتى لا تزول عن أوضاعها، وأن وظيفة الملك قد علم بالضرورة أنها هى حراسة الدين لحماية الناموس. والأوائل لا يسمون بالملك إلا من حرس الدين وقام بحفظ مراتبه وأوامره وزواجره، وأما من أعرض عن ذلك فيسمونه متغلبا ولا يؤهلونه لاسم الملك، وأن الدين هو وضع إلهى يسوق الناس باختيارهم إلى السعادة القصوى، والملك حارس هذا الوضع الإلهى حافظ على الناس ما أخذوا به، حتى إذا أغفل شيئا من حدوده دخل عليه من هنالك الخلل والوهن -وحينئذ تتبدل أوضاع الدين ويجد الناس

رخصة في شهواتهم، ويكثر من يساعدهم على ذلك، فتنقلب هيئة السعادة إلى ضدها، ويحدث بينهم الاختلاف والتباغض المؤديان إلى الشتات والتفرقة، وبطلان الغرض الشريف، وانتقاض النظام الذى طلب صاحب الشرع بالأوضاع الإلهية، فتحتاج الأمة إذ ذاك إلى تجديد الأمر واستئناف التدبير، قال حكيم الفرس وملكهم ازدشير: إن الدين والملك أخوان توأمان لا يتم أحدهما إلا بالآخر، فالدين أس والملك حارس، وكل من لا أس له فمهدوم، وكل من لا حارس له فضائع. إن الإسلام جاء بالحكمة والعزم هادما للتشريك بالكلية، ومحكما لقواعد الحرية السياسية المتوسطة بين الديموقراطية والأريستوقراطية، فأسس التوحيد وأظهر للوجود حكومة كحكومة الخلفاء الراشدين التي لم يسمح الزمان بمثال لها بين البشر حتما ولم يخلفهم فيها بين المسلمين خلف، إلا بعض شواذ كعمر بن عبد العزيز، والمهتدى العباسى، ونور الدين الشهيد. فإن هؤلاء الخلفاء الراشدين فهموا معنى القرآن وما يدعو إليه وعملوا به واتخذوه إماما، فأنشأوا حكومة قضت بالتساوى حتى بينهم أنفسهم وبين فقراء الأمة في نعيم الحياة وشظفها، وأحدثوا في المسلمين عواطف أخوة وروابط هيئة اجتماعية، وحالات معيشية اشتراكية، لا تكاد توجد بين أشقاء يعيشون بإعالة أب واحد وفى حضانة أم واحدة، وهذا القرآن الكريم مشحون بتعاليم إماتة الاستبداد وإحياء العدل والتساوى حتى في القصص منه. إن الحكومة الإسلامية مؤسسة على أصول إدارة الديمقراطية، أى العمومية والشورى الأريستوقراطية أى شورى الإشراف -وقد مضى عهد النبى صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده على هذه الأصول بأتم وأكمل صورها، خصوصا وأنه لا يوجد في الإسلام نفوذ دينى مطلقا في غير مسائل إقامة

الدين. . . هذا الدين السهل السمح الذى رفع الإصر والأغلال وأباد الميزة والاستبداد. ومما يدل على خضوع ملوكنا للشرع المطاع وتسوية أنفسهم مع أقل الرعية، أنه لما كان المولى عبد الرحمن صاحب الترجمة عاملا وأمينا بالصويرة استقرض البعض منه مالا وبقى بذمته إلى أن نقل لخلافة فاس، ثم إلى أن تسنم عرش الملك، ومات المستقرضون، ولما طلب الأمير من الوراثة أداء ما على موروثهم من المال المستقرض طلبوا من السلطان إعمال الشرع معهم في ذلك، فعين وكيلا عنه لرفعهم لمجلس الشرع الحاج عبد القادر بنانى ناظر أحباس القرويين، والقاضى يومئذ مولاى عبد الهادى الشريف العلوى، وبعد تقييد المقال وإجراء المسطرة الشرعية وقع الحكم على الورثة بالأداء وعلى السلطان بيمين القضاء، ثم صالحهم الوكيل بحط قدر من الدين في مقابلة اليمين فأجابوه لذلك، وتم الفصال وهذا يذكرنا بعدل المصدر الأول. قال في الترجمان المعرب آخر ترجمة أبى الربيع في حق السلطان أبى عبد الله محمد بن عبد الله ما لفظه: لما ولى خاله القائد قدور بن الخضر على قبائل الجبل وأمره بالخروج بالمحلة لقبض الزكاة والعشر في إبان الخريف واقتضاها منهم ورجع، فكثر شاكو تلك القبائل بباب السلطان بأشياخهم فاستفهمهم السلطان عن العامل، فقالوا: ما رأينا منه إلا الجميل، وما تشكينا إلا بالأشياخ، فوجه معهم رحمه الله أحد قواده بهذا الكتاب (من إملائه) ونصه: "خالنا القائد قدور بن الخضر سلام عليك ورحمة الله وبركاته. وبعد: بلغنى ما صار إليه حال المستضعفين من الرعايا الذين أسندناهم لنظرك، لتحفظهم بسمعك وبصرك، فتركتهم في حيز الإهمال، وليس هذا شأن من يتولى الأعمال، فنأمرك أن تخرج إليهم وقت قراءتك لهذا الكتاب، في

خمسمائة من الركاب، وأدرك هذه الغنم قبل أن تفترسها الذئاب والقبيلة التي تنزل عليها فاصل دعاويها، ورد مظالمها، وانتصف من ظالميها، ولا تكثر المقام وتطيله، واترك الطمع وسبيله، فإن ذلك مما يضر بالرعية ويجحف بالمال، والحظ عاقبة المآل. والقبيلة التي تشتكى من شيخها لا تهمل أمرها، وابحث عن حال الشيخ المشتكى منه، فإن كان ممن علم بالجور والتعدى فانتصف منه وأبدله بغيره، وإن كان الشيخ من أهل الخير ولم يعلم ظلمه فأقره على شيخوخته وافصل مسألته بوجه سديد. وأصحاب الجنايات أحوالهم تختلف، فمنهم من يسجن ولا يطول سجنه ويمكث ثلاثة أيام أو أربعة تأديبا له ويسرح، ومنهم من يضرب ويسجن ويبقى الشهر والشهرين عقوبة له، وأما أهل الجرائم العظيمة مثل القاطع والسارق والهاجم والمتلصص وقاتل النفس، فالواجب أن تتصرف فيهم بالضرب والسجن، وقبض النصاف، ويبقوا تحت يدك إلى أن تأتينا بهم وتخبرنا بجرائمهم، ولا تجعل فسحة في تسريحهم. وأوصيك بتقوى الله والرفق بالمساكين، والضرب على أيدى الجبارة والمتمردين، فإن ذلك من القربة في الدين، وإياك أن تتعدى هذا الحد وتفرض على القبائل مالا أو تكلفهم لما لا يطاق من المئونة والسخرة، أو تظلمهم مظلمة، فما وجّهتُك في هذه الحركة إلا لرد المظالم وإقامة الحقوق لأربابها، ومن تجنب الظلم في هذا الحركة إلا لرد المظالم وإقامة الحقوق لأربابها، ومن تجنب الظلم في هذا فهو مأجور والسلام" وقد أسلفنا في ترجمة صاحب هذا الكتاب سيدى محمد بن عبد الله نصيحته للأمة كما قدمنا نصيحة السلطان المولى الحسن القرنية في ترجمته.

ومن هذا الباب ما كان من تحرى صاحب الترجمة المولى عبد الرحمن في الأوقاف الدينية، فقد وقفت له على ظهير أصدره لناظر سَلاَ، أبى العباس أحمد عواد في الموضوع، ودونك لفظه بعد الحمدلة والصلاة ثم الطابع السلطانى بداخله "عبد الرحمن بن هشام الله وليه": "خديمنا الناظر الأرضى، الحاج أحمد عواد، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فدور الحبس المنفذة بأيدى الناس هناك أردنا التحرى منها، فإن كان من دور المخزن هناك ما يناسب فأعلمنا به لنكون ننفذ منها والسلام في 22 ذى الحجة متم عام 1252". ومن الباب ما كتب به وزير المترجم المختار الجامعى لعواد المذكور ونصه بعد الحمدلة والصلاة: "محبنا الأود الأرضى، الخير الدين المرتضى، السيد الحاج أحمد عواد، سلك الله بنا وبك مناهج السداد، وبلغنا وإياك من رضاه غاية المراد، وسلام عليك ورحمة الله وبركاته عن خير مولانا أيده الله ونصره. وبعد: فقد وصلنا كتابك واستوعبناه، وأطلعنا عليه مولانا فسر غاية، ودعا لك بخير، وحمد الله على وجود مثلك في هذا الوقت، لأنه أيده الله لا يحب أن يتولى أمور المسلمين إلا من هو مثلك وهو ضالته المنشودة، وغايته المقصودة، فابق على عملك فإن الله يعينك ويسددك حيث لم تطلب هذا الأمر وما ذكرت في شأن ما ضربه المتولى قبلك من المكوس وأحدثه من الأمور المذمومة شرعا وطبعا، أسقطه واقطع مادته، فإن سيدنا لا يحبه ولا يرضى لولاة أمره أن يسمع عنهم ما يخالف الشرع والسلام في 14 ربيع الثانى عام 1247، وأسلم على الفقيه السيد

محمد عواد والحاج العربى معنين والفقيه السيد التهامى مرسيل بأتمه وأزكاه والسلام. المختار خار الله له ولطف به" ومن الباب أيضا ما وقفت عليه لولده السلطان سيدى محمد بن عبد الرحمن ونصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع: "خديمنا الأرضى الأمين، الحاج عبد الله حصار، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وصلنا كتابك مخبرا بورود كتابنا الشريف عليك المتضمن للجواب عما أعلمتم به جانبنا العالى بالله من الفصال مع الإنجليز في فكاك دار الأحباس بالعدد الذى قدره ثلاثة آلاف ريال، على أن يدفع خديمنا الطالب الطيب ابن هيمة النصف الذى تطوع به، وأمرناكم بفكاكها من يد النصرانى، ولو أن يزاد من بيت المال ضعف ما تطوع به الخديم المذكور حرصا على تطهير ذلك المحل، وحتى إن توقفتم في خلاصه من يده على محل آخر غيره ويدفع له بالكراء تفعلوا، وذكرتم أنكم أحضرتم النصرانى المرة بعد المرة، واجتهدتم كل الاجتهاد في سل المحل من بين يديه أنت والأمين الذى معك، وذلك بمحضر القائد الطيب بن هيمة وخوفتموه من جهة تسلطه على المسجد وغيره من مواضع البر، بطرق الشرع والقوانين، وضيقتم به غاية حتى أطاع بخروجه منه بمشقة، وطلب فيه ستة آلاف ريال ومحلا يسكن فيه، فبالغتم في الاجتهاد معه حتى أسقط ألفًا وتفاصلتم معه بخمسة آلاف ريال، وعينتم له دارا مناسبة يسكن بها بالكراء من جهة كونها بين دارين لتجار النصارى، وليس في جوارها مسجد ولا زاوية ولا غيرهما من مواضع التقرب، وأنها كانت في القديم معدة للتجار، وكانت بيد نصرانى، ثم بيد ذمية من آسفى، وتكنى بدار الأعشار حيث كانت تنزل بها المعشرات لما كانت تحاز

بجانب المخزن قيد ولاية ابن عزوز، وأنها الآن بيد الأمناء يضعون فيها إقامة البناء وغيرها، ويؤدون للأحباس ستين أوقية كراء في كل شهر، وأسفلها صين وأعلاها متداع للسقوط، وأكريتموها للنصرانى بمائة ريال في السنة، وعملتم معه تصلحوها له، وذكرتم إن اقتضى نظرنا بقاء الأحباس على حيازة الستين أوقية كراء، وأنتم تحوزون المائة ريال من النصرانى في السنة فذاك وإن اقتضى نظرنا أن تناقل مع المسجد بملك يساوى ستين أوقية كراء في الشهر فعلتم، وأخبرتم أن الخمسة آلاف ريال التي تفاصلتم بها مع النصرانى عملتم معه يقطع له نصفها الآن من خدمة إن كانت له خدمة، والنصف الآخر حين تصلح الدار ويخرج إليها ويدفع لكم مفاتح المحل والمخازن التي كانت بيده يصير يقتطع له من خدمته، وصار كل ذلك بالبال، فقد أمضينا ما فعلتموه أصلحكم الله ورضى عنكم، وأمر المناقلة سهل، فما تقتضيه المصلحة فافعلوه فيها والسلام في 23 من شعبان عام 1285". ومن ذلك أيضا ما وقفت عليه لحفيده المولى الحسن ونصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع: "خديمنا الأرضى الحاج عبد الله حصار وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: فقد بلغنا أن بلاد السواحل الحوزية كلها أو جلها ملكها أهلها للنصارى واليهود الذين في حمايتهم بالبيع أو الرهن، بأن يذهبوا إليهم برسومها ويطلبون منهم دينا أو بيع قوت أو شبه ذلك، فيعطونهم ما طلبوه ويحوزوا الرسوم، ولا يبقى لأهلها فيها إلا الاستغلال من تحت أهل الحمايات، وهذا الأمر إن لم يتدارك بالقرب اتسع الخرق فيه على الراقع، ولا يكون هذا إلا مع تجار المراسى الحوزية لقربهم منه وعليه فاستفهم تجار بلدك عما دفعوه لأرباب هذه البلاد من دين أو شبهه، ما هو منه على وجه الشراء وما هو على وجه الرهينة، والقدر

الذى وقع به البيع أو الرهن، وأسماء الذين باعوه أو رهنوه لهم، وأعلمنا به على التفصيل، وإن أمكنك أن تتلطف في حوز الرسوم منهم وتوجيهها إلينا فذلك المراد والسلام في 19 ربيع النبوى عام 1296 هـ". ونص آخر له بعد الحمدلة والصلاة والطابع: "أذنا بحول الله وفوته للفقيه القاضى السيد عبد الله ابن خضراء، في النظر في الوكلاء والشهود والعرفاء بمراكشة، وتمييز البر منهم فيقر والفاجر فيقصى، كما أذنا له في النظر في أمور الأحباس والمواريث والغياب والكشف عن أولياء الأيتام والمحاجير بما تقتضيه الشريعة المطهرة في كل ما يتعلق بحقوق الجميع، فيسلم ما سلمه الشرع من ذلك، ويرد ما رده، وأن يحاسب أولياء الأيتام والمحاجير على ما دخل بأيديهم من أموالهم. وأما ما دخل بيد ناظر الأحباس الكبرى من مستفادها ونائب المواريث والغياب من أموال المواريث والمنقطعين، فالنظر في محاسبتهم عليه أمر آخر موكل لجانبنا العالى بالله حين نريده والسلام في 5 ربيع النبوى عام 1298 ". ونص آخر بعد الحمدلة والصلاة والطابع: "خديمنا الأرضى القائد محمد بن سعيد السلوى، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد بلغ لعلمنا الشريف ما استفز به اللعين. رعاع المسلمين، واستهواهم بغوايته وضلاله المبين، وارتمى بهم الحال إلى أن صاروا يشربون الخمر جهارا، ويعربدون في الشوارع وهم صرعى أطوارا، من غير مراقبة من حرمها في صدر الإسلام، وأوعد من يقتحم شربها بأليم العقاب، وفوق إليهم السهام.

فعن مولانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مخبرا عن ذى الجلال، من شرب الخمر في الدنيا سقاه الله من طينة الخبال، وهى ما يسيل من جلود أهل النار. فاعتبروا يا أولى الأبصار، على أن المخالفة باقتحام عقبات المحرمات، موجبة لسخط الله ومجلبة للآفات. {. . . إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ. . . (11)} [الرعد: 11] فيما يأتونه أو يذرونه، وقد ذم الله تعالى بنى إسرائيل بما جعله بيانا لما اقترفوه. فقال: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ. . . (79)} [المائدة: 79]. ويكفيك في الإيعاد كونها -أى الخمر- من الخمس عشرة خصلة التي إذا فعلتها هذه الأمة حل بها الخسف أو المسخ أو غيرهما من أنواع البلاء، واستأصلتهم يد الخلاء والجلاء، بنص قوله سبحانه في كتابه المبين: {. . . سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)} [الأعراف: 145]. وعليه فنأمرك تزجر من عثرت عليه من المسلمين معربدا، أو وجدته صريعا واللعين عليه مستحوذا، بأن تجلده ثمانين، وتودعه السجن حتى تتحقق توبته ويخلص من شؤم سمة المجانين، ويتدرع شعار المسلمين: {. . . إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)} [البقرة: 222] كما نأمرك أن تجعل عهدة من أخرج شيئا من الملاح على البوابين. وتتوعدهم عن ذلك إن غضوا الطرف عنه أو قبضوا عليه الرشا من المبتلين، وتزجر من المسلمين من عاد إلى مخالطة أهل الذمة في شئ من ذلك في الحين أو بعد حين، فإن ذلك مثلبة في الدين: والنفس كالطفل إن تهمله شب على ... حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم إلا ما يتعاطاه أهل الذمة فيما بينهم فلا يتعرض لهم، لكونه مستحلهم في دينهم، وأعطوا العهد عليه، نعم يعزرون إن أظهروا السكر في غير محلهم جريا

[صورة] ظهير حسني لعامل سلا في التحذير من الخمر وإقامة الحد على شاربه وسجنه

[صورة] ظهير حسنى إلى القائد حم بن الجيلانى في الإذن للنظار بالزيادة في أكرية الأحباس تبعا لارتفاع السكة والزيادة لأصحاب الوظائف الدينية والعلمية في رواتبهم تبعا لذلك

على مقتضيات الشريعة المطهرة في ذلك، والله ولى التوفيق، والهادى إلى سواء الطريق، والسلام 9 رجب الفرد الحرام عام 1304". ونص آخر بعد الحمدلة والصلاة والطابع الكبير: "وصيفنا الأرضى القائد حم بن الجيلانى، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: فقد بلغ لعلمنا الشريف ما استحال إليه أمر الرباع من الضياع وضعف الخراج، بالاستيلاء عليها بما كانت به من الأكرية قبل ارتفاع السكة وعلو الرواج، حتى أفضى ذلك إلى تعطيل جل الوظائف الدينية، والرواتب العلمية العملية، كالإمامة والأذان، والأحزاب والوعظ والتدريس كما شهد بذلك العيان، وعذر التعطيل مقبول، وليس لرده محصول، لما هو بيّن من أن خراج ذلك الوظيف بحساب ما كان به قديما، وقبضه بما تروج به السكة الآن صار تافها ذميما، لا يسمن ولا يغنى، ولا يقوم بصاحبه الذى نعنى، كما أن الأصول والرباع، تداعى جلها للسقوط وآلت إلى الضياع. ومن المعلوم أنه من مستفاد البعض يتلافى البعض ويتدارك الإصلاح، ويداوى عليها من عاهة الاجتياح، فالزيادة في الأكرية طبق السكة متعين، والمصير إليه من الحق الواضح البين، إذ بذاك تبقى الأحباس محفوظة منتفعا بها على الدوام، وتصير المناصب الدينية مستمرة غير معطل بها القيام، وبه يتوفر ما يقع به الإصلاح في المستقبل كما كان قبل ليصير فيما له وجه من المصالح وقبل. وإبقاء ما كان على ما كان، سبب في تعطيل الوظائف الدينية وخراب الإسكان، وفى محض حق الله تجب المبادرة بقدر الإمكان، وعليه فليرد سائر النظار في أكرية الرباع والعقار بحسب ما يقتضيه الحال من جهة ارتفاع السكة

وحسن الاعتبار، وتمسكا بأسد الأنظار، مما ليس فيه ضرر ولا ضرار، وليعرف الزائد أنه أدى ما عليه من حق الله، واستبرأ لدينه قبل أن يأتى يوم لا مرد له من الله، وليعد ما زاده من قبيل التعاون على الدين، لينتظم في سلك الفائزين المهتدين، وليتخلص العمل بتحسين الطوية، فإنما الأعمال بالنية، وليزد ناظر الأحباس المذكور لأهل الوظائف بقدر ما زيد في أكرية الرباع، لتنضبط الوظائف الدينية ولا يبقى عذر في تعطيلها بمقتضى هذا الاصطناع، وقد أزلنا بذلك من عهدتنا ما استرعانا الله عليه، وجعلناه في ربقة النظار والقضاة ومن الأحباس مسندة إليه، والله رقيب، وعلى كل شئ حسيب، والسلام في. . جمادى الثانية عام 1303" استقل الظهير الشريف. إلى غير ذلك مما يطول ذكره. وإن أى وقفة يقفها القارئ الكريم من هذه الفصول التي كان يصدر الأمر بها لعمال الجهات وقواد المناطق نَأت أو قرُبَت تملى عليه من آيات الاعتناء بكل ما يتعلق بأمر الدين، ومعالم التوحيد، وأركان الإسلام مما لم يكن يغفل أمره أحد من سلفنا الأكرمين، وملوكنا الأماثل مجتهدين، حاثين على التواصى بإقامة الدين، ونشر نفوذه وثقافته المؤثرة بين مختلف الطبقات وتنوع الأوساط. وكيف لا يكون اعتناؤهم بالدين عظيما واهتمامهم بأمره يتجاوز أقصى مجهوداتهم ومتفوق حدود مقدرتهم، وهم يعلمون أن ذلك من أخص واجباتهم، وأول فروضهم المحتّم عليهم قبل غيرهم إنجازها وأداؤها، علاوة على ما في رابطة الدين وثقافته، ومن لم الشعث وضم المتفرق وإحكام الوحدة التي ينتظم بها أمر الملك، ويصلح نظام السلطان. وقلما أمكن صلاح حال أمة أو رعية من الرعايا ما لم تسق بسياسة الدين الكفيلة بصلاح عموم الأحوال، وتحقيق جميع الآمال، ولعل ذلك هو سر اتفاق

كلمة المؤرخين وعموم الباحثين والمحررين على سحب كلمة السلطان ونعت الملك عن كل قائم لا ينهض بأمر الدين، ولا يحفل بتعاليمه وأوضاعه المحببة إلى كل ذى فكر سليم ونفس شريف. فمهما علا قدر الواحد واشتد ساعده يدعونه متغلبا ما لم يكن للدين من نظره نصيب، وللاهتمام به من رعايته قدر وافر، ولنرسل رائد النظر بعيدا منذ الفتح الإسلامى للآن على جميع الأصقاع النائية والدانية من مختلف أقطار المغرب وجهاته، فنرى كيف أن مناحية أو صقع مهما ضؤل شأنه وقل سكانه إلَّا وبه مسجد لإقامة الصلوات ومرجع عبادة وإنابة لأداء الفروض، وطلب غفران الخطايا، وتهذيب النفوس، وإصلاح الضمير. ولم يخل قط عصر أو تاريخ لم تكن فيه كل قبيلة أو بادية تفرط في شأن من أمور دينها وتعليم شرعها، وكان الفضل الأول والأكبر في ذلك واستمراره لهداتها الأمراء الكرام والملوك الأعاظم، ولا سيما ملوك دولتنا الحاضرة الذين نقرأ لهم في هذا الباب صفحات بيضاء يبيض لها وجه التاريخ وتنار بها طلعة وجوهم على ممر الأعصار وتوالى الأيام، وما هذه الفصول المنتشرة بأغلب مراجع هذا التاريخ كله -ومنها ظهيرنا الواقفة هذه اليراعة عنده- إلا غيض من فيض، وقُلّ من كُثْر، من هذه العنايات المختلفة والرعايات المتشتتة بين مختلف دفاتر التاريخ. أما مولانا السلطان الحالى المفتخرة بعصره الدنيا على كل العصور، فلم ينهج إلا نهج أسلافه الأكرمين، وسلفه من عظماء ملوكنا العلويين في الحث على إقامة أمر الدين وتنظيم معالم الإسلام في مناحية وجهة، ففى كل مرجع وموضع من الأنحاء المغربية يعطى لأمر الدين المقام الأول والمكان الممتاز، وإذا كان قد انفرد عصره الزاهى بإقامة شعائر الدين في مواطن جديدة وأماكن لم يكن تأسس بها مسجد من قبل لحدوثها بحدوث عمران إيالته المتسع، وانتشار نفوذ دولته الممتد في

اعتناؤه بنشر العلم وتسهيل سبله

ذلك إلا من حظوظه المؤيدة، وسعوده الطالعة، ومجده المضاعف الناشر فخره على الأيام والليالى: نبنى كما كانت أوائلنا ... تبنى ونفعل مثل ما فعلوا فكم من مسجد وجامع جمعة وخطبة أُنشئ منذ جلوس جلالته على عرش أسلافه الكرام، وآبائه الهداة العظام، وإن أحجمنا عن عدها فلمعرفة الجمهور بها وانتصابها أمام جميع الأنظار، يشاهدها الخاص والعام، وحسبك منها المسجد الجامع المقام بأنحاء زمور الشلح بالمحل المعروف بـ (الخميسات) الذى أصبح عمرانه يتزايد بتزايد الإقبال عليه، ومضاعفة الحركة فيه، وناهيك إنه بمنزلة محطة من أكابر المحطات، وطريق من أوسع الطرق شأنا، وأبعدها مدى، يربط بين أقصى البلاد البربرية وشواهق جبالها الممتدة إلى أقصى حدود الأطلس البعيد، فهلا اعتبرنا ذلك من حسنات عصره الزاهر الذى أمكن أن نشاهد فيه ما لم يكن بالحسبان. اعتناؤه بنشر العلم وتسهيل سبله: وكما اهتم بأمور الدين وإظهار شعائره وإقامة مبانيه، كذلك اعتنى بمسألة العلم والعلماء والطلبة وانتقد أسلوب التدريس الذى كان جاريا على عهده من تطويل ممل، واقتصار مخل، واشتغال بالقشور عن اللباب حسبما ترى في هذا الظهير الشريف الذى أصدره لقاضى مدينة فاس يأمره بجمع المدرسين وتنبيههم على خطأ ما جرت به العادة، وإرشادهم لنظام كفيل بالتحصيل والإفادة، ونصه: "ولد عمنا الأرضى، الفقيه القاضى مولاى عبد الهادى، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد بلغنا توافر طلبة العلم على العادة، وجدهم في الطلب، غير أنه قل التحصيل والإفادة، وذلك لمخالفة الفقهاء في إقرائهم عادة الشيوخ، وإعراضهم عما ينتج التحصيل والرسوخ، فإن الفقيه يبقى في سلكة سيدى خليل نحو العشر

سنين، وفى الألفية العامين والثلاث أكثر ما يجلب من الأقوال الشاذة، والمعانى الغريبة الفاذة، وكثرة التشغيب بالاعتراضات وردها، ومناقشة الألفاظ وعدها، ويخلط على المتعلم حتى لا يدرى الصحيح من السقيم، ولا المنتج من العقيم، وفى ذلك تضييع الأعمار التي هى أنفس المتاجر بلا فائدة، وتعمير الأوقات التي يرتجى نفعها بلا عائدة، فتجد الطالب يرحل في طلب العلم من بلاده، ويتغرب عن أهله وأولاده، ويقيم المدة المتطاولة لا يحصل مع كثرة دءوبه على طائل، ولا يقف على محصول ولا حاصل، فترى الفقهاء يكثرون على المبتدئ من نقول الحواشى والاعتراضات، وينوعون الأقوال والعبارات، حتى لا يدرى ما يمسك، ولا أى سبيل يسلك، ويقوم من مجلس الدرس أجهل مما كان، ولا يجد زيادة مع بلوغه في نفسه الإمكان. وهذا يؤدى إلى ضياع العلم الذى هو ملاك الدين ويحمل على عموم الجهل في العالمين، وما هكذا كان يفعل أهل الإفادة والتحرير، الذين يحرصون على نفع طلبة العلم رغبة فيما عند الله من الأجر الكبير، فقد كانوا يسهلون لهم طرق العلم واستفادته، ويرتكبون ما يقرب تحصيل العلم وزيادته، ويتنزلون لعقول الطلبة على قدر أفهامهم، ويحتالون على حصول الفهم والعلم للمتعلمين بلطيف عبارة كلامهم، حتى يحصل اللبيب على مراده في أقرب أوان، ولا يضيع عمره سبهللا من غير تحصيل ولا عرفان. إذ كان مقصودهم في ذلك الله ونشر العلم للعمل، لا التفصح والتمشدق الذى يحصل معه الخلل والملل، ولا ينجح معه لذى أرب أمل. وهذا من الأمر الذى يجب التنبيه عليه، ويتأكد في جنب أرباب المناصب الجنوح إليه، إذ في الحديث: الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المؤمنين وعامتهم.

فبوصول كتابنا هذا إليك اجمع المدرسين وأرشدهم لما فيه المنفعة العامة، والإفادة التامة، وهو الاقتصار في التقرير على حل كلام المؤلفين وإفهامه للسامعين المتعلمين، مع التنبيه على ما فيه من خطأ وتحريف من غير إكثار هدر، ولا تشغيب بترداد اعتراضات وطرر. إذ المقصود هو حصول الفهم والإفادة، والمناقشة في الألفاظ إنما هى لغو وزيادة، وليست لأهل التحرير بعادة، وما يقدم قراءة النحو والبيان والمعقول، إلا لتحصيل الملكة التي يتوصل بها إلى فهم المنقول، فلا ينبغى في الفقه مناقشة الألفاظ، ولا نقل كل ما سوده الحفاظ، بل ينبغى الاقتصار على بسط المسائل وفصولها، وتقريبها للفهم بتقرير أصولها، فلا يجاوز الفقيه في سلكة خليل، العام، وإن أطال ففى عامين، ولا يجاوز في الألفية الشهر أو الشهرين كما كان يفعل ذلك جهابذة العلم ونقاده، بل كانوا يسردون خليل في أربعين يوما، والألفية في أقل من ذلك، ويحصل الطلبة في ذلك على علوم جمة، ومسائل مهمة، لا يحصلونها في هذا التماطل والتطويل، وعمارة الأوقات بما ليس عليه تعويل. ولينظروا في سيرة من قبلهم في التدريس والإلقاء، ويسلكون ما هو أقرب للتحصيل وأمس بتسهيل الفهم والإقراء، فبهداهم فليقتدوا، وبأنوارهم فليهتدوا، ليستفيدوا ويفيدوا، ويبدئوا في نشر العلم ويعيدوا، ويحصل الطلبة الغرباء في ذلك على مرادهم، ويدركوا ما يسره الله على قدر استعدادهم، والله ولى التوفيق. ومن جملة الأمور الموجبة لقصور فهم المتعلمين وعدم نفعهم، تقصير مجلس الإلقاء وخفته، فلا يجاوز من أطال من الفقهاء الساعة، مع أن من رحل للطلب من بلده ونيته تحصيل العلم يستغرق الأوقات، ويعرض عن الراحة واللذات، ولا يكون له غرض إلا في درس أو نظر، ليحصل مطلوبه على الوطر،

[صورة] ظهير رحمانى لقاضى فاس المولى عبد الهادى في إرشاد المدرسين لسلوك طريق تكون أقرب للتحصيل ونفع الطلبة

[صورة] ظهير رحمانى للقائم بالزاوية الكرزازية في الإنعام عليه بأعشار بنى عباس وزكواتهم

تبرعاته وأوقافه

ففى الحديث: منهومان لا يشبعان، طالب علم وطالب دنيا، فينبغى حمل الطلبة على الأليق بحالهم من الدءوب والإطالة. ومواصلة الطلب وترك البطالة والسلام في 12 محرم الحرام 1261". وقد جاء في كتاب شريف بعثه لولده الخليفة بتاريخ عام 1252 مما يدل على اعتنائه بالعلم وأهله: "وما ذكرت على شأن الطلبة الذين ظهرت نجابتهم، فمن كان مجتهدا في القراءة وظهرت نجابته فرد له ما كان يقبضه قبل من الإعانة، ومن كان مجتهدا في القراءة مثابرا عليها فاجعل له ما ينتعش به ويتقوت، وحين يزيد اجتهاده نزيده إعانة، فإن العلم كاد يندثر وفى مراكش أكثر، وقد كان الملوك ينقلون العلماء من البلدان لبث العلم ونشره كالسهيلى وعياض، والطلبة، وإن كان غالبهم إنما يقرأ العلم لأجل الدنيا، فإن العلم يرده إلى الله ويدعوه لإخلاص العمل له، وقد قال سفيان الثورى رحمه الله: قرأنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله". تبرعاته وأوقافه من ذلك إنعامه على رئيس الزاوية الكزازية بجميع أعشار بنى عباس. ودونك لفظ الظهير الصادر بذلك بعد الحمدلة والصلاة ثم الطابع السلطانى بداخله "عبد الرحمن بن هشام بن محمد وفقه الله" وبعده: "أنعمنا بحول الله وقوته على محبنا المرابط البركة، سيدى محمد بن محمد القائم بأمور الزاوية الكرزازية بجميع أعشار بنى عباس وزكواتهم القاطنين بوادى الساورة وما والاه، ليستعين بذلك على مئونة زاويتهم المباركة، فنأمرهم أن يدفعوا له ذلك، ولا يتراخوا فيه، وفقهم الله والسلام في رابع عشرى 24 محرم الحرام عام 1236".

وقد أصدر ظهيرا آخر بهذا التاريخ لمقدم الزاوية المذكورة بالتوقير والاحترام، نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع: "مقدم الزاوية الكرزازية المباركة المحب محمد بن بوعزة، السلام عليك ورحمة الله. وبعد: فقد ورد على حضرتنا الشريفة المرابط البركة المحب الصالح سيدى محمد بن محمد، وأثنى عليك خيرا، وذكر لنا محبتك في جانبنا العالى بالله تعالى، وسعيك فيما يرضى الله ورسوله ويرضينا، فالله يرشدك، وها نحن وقرناك لانحياشك إليه، واحترمناك وأسدلنا عليك ذيل المبرة وأمّناك فلا يحوم أحد حول حماك، ولا يروم أذاك، والواقف على كتابنا هذا يعمل بذلك، ولا يسلك غيره من المسالك، والسلام في 24 من محرم الحرام عام 1239" هـ من أصلهما المحفوظ بمكتبتنا، وصاحب الزاوية الكرزازية الذى إليه تنسب هو الشيخ عبد الكريم كان من أكابر الأولياء كما في التقاط الدرر للنسابة الضابط المحرر أبى عبد الله محمد بن الطيب القادرى، قال: وممن أخذ عنه من الأكابر سيدى محمد العياشى دفين مصر. هـ. ومن تبرعات صاحب الترجمة إنعامه بعشرة قناطير من معدن الحديد على الزاوية الناصرية، ودونك نص الظهير الصادر في ذلك بعد الحمدلة والصلاة والطابع السلطانى: "يعلم من كتابنا هذا أسماه الله وأعز أمره، وجعل في الصالحات طيه ونشره، أننا جددنا لماسكه المكرم الأجل المرابط البركة السيد أبى بكر بن على حفيد الولى الشهير، والشيخ العارف الكبير صاحب الأسرار والمفاخر سيدى محمد بن ناصر أفاض الله علينا من بركاته، على ما بيده من ظهير جدنا سيدى الكبير قدس الله روحه في النعيم المتضمن إنعامه على الزاوية الناصرية بتمكروت عمرها الله

بدوام ذكره بخمسة قناطير من معدن الحديد من مرسى الصويرة، ومثلها من مرسى آسفى كل عام، إعانة لها، وقد جمعنا العشرة قناطير كلها بثغر الصويرة، فنأمر كل من يتولى بها أمرنا الشريف أن ينفذ للزاوية المذكورة القدر المذكور كل عام والابتداء من شهر تاريخه صدر به أمرنا المعتز بالله في 10 محرم عام 1273" وبعده: استقل. ومن ذلك الساعات التي حبسها على جامع النجارين والجامع الأعظم من مكناس، ونص ما ورد في ذلك حوالة الأحباس الكبرى بمكناس صحيفة 40: "حبس مولانا الإمام، المظفر الهمام، أمير المؤمنين مولانا عبد الرحمن ابن مولانا هشام الشريف العلوى مجانة على منار الجامع الأعظم بمكناسة الزيتون، وحازها الموقت بالمنار السيد محمد الفاسى بحضور ناظر الأحباس السيد الحاج الطيب غريط، وذلك بواسطة خديم سيدنا الطالب السيد محمد الأشخم الزرهونى، تقبل الله من مولانا المذكور وشهد على إشهادهم بذلك عارفين قدره وبأتمه، وعرفهم ثالث المحرم الحرام فاتح أربعة وسبعين بموحدة ومائتين وألف فلان بشكله ودعائه وفلان كذلك". وبالصحيفة نفسها: "بعد تحبيس مولانا أيده الله مجانات خمس على جامعى النجارين، والأعظم بمكناسة الزيتون، وحازها بالأمر المولوى أعزه الله الناظر السيد الحاج الطيب المذكور أعلاه، يليه لجانب الحبسين المذكورين حضر الطالب السيد محمد بن الفقيه السيد عبد القادر الفلوسى الموقت بالجامع الأعظم، والشريف سيدى محمد بن سيدى محمد فتحا المنونى الموقت بالنجارين، وحاز الأولى ثلاث مجانات، وحاز الثانى اثنتين، وعرفوا قدره وبأتمه، وعرفهم ثالث المحرم الحرام فاتح أربعة وسبعين بموحدة ومائتين وألف فلان بشكله ودعائه وفلان كذلك".

ومن ذلك ما سنه للمهاجرين إليه من وطن الجزائر كل سنة خمسمائة مد من القمح بالمد الفاسى لخصوص الأشراف منهم، مع خمسمائة مثقال كذلك، وكان بها خمسمائة ريال أو ما يقرب منها، وذلك زيادة على صلته لهم في الأعياد وكذلك عوامهم من أهل الحرف والزراعة، وقد أصدر أوامره لعماله باحترامهم وتوقيرهم وعدم تكليفهم بأى كلفة من الكلف المخزنية قلّت أو جلّت، وأن لا يسامون بمغرم ولا هدية رعيا لهجرتهم وتغربهم عن أوطانهم. وقد وقفت له على ظهير كتبه لولده الخليفة يأمره بإسكان القاضى الذى كان مع الأمير عبد القادر دارا تناسبه بفاس وإعانته على مئونته ونصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع: "ولدنا الأبر الأرضى سيدى محمد أصلحك الله ورعاك، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فبوصوله إليك مر الطالب علال الشامى يدفع لحامله السيد عبد القادر بن محمد قاضى الحاج عبد القادر بن محيى الدين ثلاثين مدا من القمح إعانة له على مئونته، وينظر له دارا يسكنها مناسبة لحاله، وإن كان أهلا للتدريس يجعل له ما يستحقه من المشاهرة، على أن يقوم على تدريس مختصر خليل، فقد بلغنا أنه يحسنه، وقد كتبنا لولد عمنا مولاى عبد الهادى بذلك بأن يجعل له ما يستحقه، فإن قيمة كل أحد ما يحسنه والسلام في 11 رمضان المعظم عام 1262". ومن ذلك أنه لما انتشر القحط بالمغرب سنة أربعين ومائتين وألف بذل للضعفاء والأرامل والأيتام والمساكين، وأمدّ التجار بالأموال لجلب الأقوات من أوربا وغيرها لإيالته، وحدد للمحتكرين الأرباح شفقة على ضعفاء الرعية، وعنف ولام من خالف ذلك، ويكفيك شاهدا على ذلك ما أصدره لأهل العدوتين سَلاَ

[صورة] ظهير رحمانى لأهل العدوتين ببعث تاجر لأوروبا يمتار الأقوات ويجلبها للناس عند القحط

[صورة] ظهير رحمانى إلى الخليفة سيدى محمد في جواز اكتيال الجزائريين القمح لأنفسهم من المغرب ومنعهم إن أرادوه لغيرهم

والرباط في الموضوع، وإليك نص الظهير الصادر إليهم بعد الحمد لله والصلاة والطابع السلطانى: "خدامنا أهل العدوتين سَلاَ، ورباط الفتح كافة السلام عليكم ورحمة الله تعالى. وبعد: فكيف تجاركم يجلبون الأقوات ويحتكرونها ولا يقنعون بالربح الذى جعلناه لهم، وقدره درهمان للمثقال، والناس في غاية الاحتياج من غير نكير {... أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78)} [هود: 78] قال تعالى {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)} [الماعون: 7] وقال عليه الصلاة والسلام: اتقوا النار ولو بشق تمرة. وعليه فبوصول كتابنا هذا إليكم عينوا رجلين تاجرين ماليين سلاوى ورباطى، كالحاج العربى معنينو، والحاج محمد والزهراء لندفع لهما عشرة آلاف ريال ويتفاوضان فيمن يسافر منهما لبر النصارى يتسوق، ومن يجلس بالبلاد يقبل ما وجهه الآخر، ويباع الزرع بالبلدتين بما يأتى به وزيادة درهم لكل مثقال ربحا، وهذا الربح يستبد به التاجران اللذان تعينونهما، وحظنا من ذلك الدعاء وإغاثة الملهوف، ويباع الزرع للخاص والعام، ولا يحجر على أحد، وإذا تهيأ التاجران للعمل أخبرونا مع رسول، لأوجه للذى يسافر منهما أمرنا لطنجة ليدفع له المال المذكور هناك، ويتخير المسافر المذكور هل نكتب لابن عليل بجبل طارق يعينه أو لمؤدنة بجنوة، والعزم له بركة، وإياكم ثم إياكم والتراخى والسلام في سادس ذى القعدة عام أربعين واثنى عشر مائة" من أصله. ومن ذلك ما كتب به لولده خليفته سيدى محمد في شأن أهل الجزائر الذين يدخلون أرض المغرب لاكتيال القمح من قبائله، يأمره بالبحث في أمرهم، فإن وجدهم يشترون القمح لأنفسهم وإخوانهم تركهم، وإن وجدهم يشترونه لمن احتل بلادهم منع بيعه إليهم. ونص الكتاب من أصله الموجود بمستودع المحفوظات بالقصر السلطانى بالرباط بعد الحمد لله والطابع:

ولدنا البار الأرضى، سيدى محمد أصلحك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد بلغنا أن عرب الصحراء من الواسطة وغيرهم يدخلون أفواجا بعدد كثير لكيل الزرع من قبائل الإيالة كعام أول، وأنهم كانوا في العام الفارط يقيمون على الأندر حتى يأخذوا ما يخرج منها جملة وذلك بقصد التوجه لبيعه للنصارى دمرهم الله، فلا بد ابحث عن ذلك عامل وجدة وغيره حتى تقف على حقيقته، فإن كانوا يتوجهون به للنصارى كما بلغ عنهم فقد أذناك في منع القبائل من بيعه لهم، ومن ظهر عليه ذلك يعاقب ويزجر، وإن كانوا يأخذون ذلك لأنفسهم ويحملونه لإقامة بنيتهم فاترك سبيلهم، فإنهم إخواننا ولا سبيل لمنعهم، وأعلمنا بما ثبت عندك لننظر فيه والسلام وفى 14 جمادى الثانية عام 1263 ". فأين هذا مما تقوله المتقولون عليه من أنه كان يعين النصارى على المسلمين ويمدهم ويساعدهم عليهم. ومن ذلك ما وصل به علماء الأزهر العامر من مصر المحروسة على اختلاف طبقاتهم ومذاهبهم بواسطة شيخ مجلسه الحديثى قاضيه بالعاصمة المكناسية أبى عيسى المهدى بن سودة المرى مار الترجمة، والأمين الحاج محمد الرزينى، والحاج بوجنان البارودى، وذلك في شهر شوال عام أربعة وسبعين لكل واحد من أهل الطبقات الأولى ثمانية وأربعون ريالا (فرنك 240)، ولكل فرد من الثانية خمسة وأربعون ريالا (فرنك 225)، وللثالثة كذلك اثنان وأربعون ريالا (فرنك 21)، وقد قدمنا أسماء أولئك الشيوخ في ترجمة أبى عيسى المذكور. ومن ذلك شراؤه لدار بمكة المشرفة وتحبيسه لها على مؤذنى المسجد الحرام بمكة زادها الله عزا وشرفا، وكان ذلك سنة 1274، ودونك نص عقد الشراء

والوقف وما جرى في ذلك بعد افتتاحه وطابع قاضى مكة المشرفة بداخله السيد أحمد عزت: "الحمد لله عز شأنا، هذه حجة صحيحة شرعية، ووثيقة محررة مرعية، صدرت بمحكمة مكة المكرمة البهية، دامت آمنة محروسة محمية، بين يدى نائب مولانا فخر قضاة الإسلام، كمال ولاة الأنام، قاموس البلاغة ونبراس الأفهام، محرر القضايا والأحكام يومئذ ببلد الله الحرام الراجى لطف ربه الخفى، الحاكم الشرعى الحنفى، الواضع خطه وخاتمه الكريمين أعلاه، دام فضله ومجده وعلاه، مضمونها حضر إلى المجلس الشريف الشرعى، ومحفل الدين المنيف المرعى، المكرم الحاج محمد بن الحاج أحمد الرزينى المغربى في شراء المبيع الآتى ذكره فيه بطريق وكالته عن الجناب الشريف المحترم السيد السلطان الأمجد مولاى الشريف السلطان عبد الرحمن بن المرحوم السلطان هشام سلطان المغرب، الثابتة وكالته عنه في شراء الدار الآتية، وأن يوقفها عنه في الوكالة عنه المفوضة المطلقة وقفا صحيحا شرعيا يصرف ريعه على الآتى ذكرهم أدناه بشروطه الآتية، وذلك بين يدى نائب مولانا الحاكم الشرعى الموما إليه أعلاه ثبوتا شرعيا، بطريقه الشرعى المطابق للوجه الشرعى بشهادة المكرمين الحاج سعيد جسوس بن أحمد المغربى، والحاج على بن حسن المغربى، وحضر لحضوره في البيع المكرم صالح بن الشيخ عبد الغنى بن الشيخ أحمد عبد الغنى غب حضورهما وثبوت الوكالة المذكورة فيما ذكر الثبوت الشرعى". "اشترى المكرم الحاج محمد بن أحمد الرزينى الوكيل المذكور بطريق وكالته المفوضة المذكور عن موكله مولاى الشريف السلطان عبد الرحمن المشار إليه بمال موكله لموكله، دون مال غيره من بائعه الحاضر معه صالح عبد الغنى المزبور، فباعه ما ذكر أنه له وفى ملكه وحوزه، وباق تحت تصرفه إلى حين صدور هذا البيع منه

فيه الآئل إليه بالشراء الشرعى، بموجب حجة شرعية بيده، أعنى ما باعه كامل الدار الكائنة بمكة المشرفة بحارة الشامية المشتملة على مساكن علوية وسفلية، ومرافق ومنافع، وحقوق شرعية، وحوش وذلك بسفح جبل الهندى، ويحد كامل هذه الدار ويحيط بها بجميع ما اشتملت عليه حدود أربعة شرقا السكة النافذة المصعدة إلى علو جبل الهندى، وفيها باب الدار، وغربا جبل الهندى المذكور، وشاما ملك ورثة الشيخ محمد سعيد بن العطار، ويمينا وقف المرحوم الشيخ إبراهيم بن ياسين الجناعى، وتمام الحد السكة المصعدة إلى علو الجبل المذكور، وفيها باب الحوش بما لهذه الدار المبيعة المذكورة من الحق والحقوق والسوح والفسوح والمرافق والمنافع والأرض والبنا ومجارى الماء والطرق والاستطراقات وكل ما يعد، ويحسب من جملتها، وينسب إليها شرعا المعلوم ذلك عند كل من المتبايعين المذكورين العلم الشرعى، النافى للجهالة شرعا، اشتراء صحيحا شرعيا، وبيعا صريحا مرعيا بيعا باتابتلات ... حازما جازما لازما ثابتا لا عدة فيه ولا مثنوية، مستوفيا لجميع شرائطه الشرعية، ومسوغاته المحررة المرعية. لا قول فيه يبطله، ولا شرط ولا خيار يفسده، بل وقع على أتم البيوعات الشرعية وأكملها، صدر بين المتابعين المذكورين بصريحى الإيجاب والقبول الشرعيين، بثمن قدره وجملته من الريالات السنكو ألفان ريالا سنكيا وسبعمائة ريال سنكى. وخمسون ريالا سنكيا، ثمنا حالا مسلما جميعه من يد المشترى المذكور بيد البائع صالح عبد الغنى المزبور، حسب إقراره بقبض ذلك واعترافه الإقرار والاعتراف الشرعيين، وأذن هذا البائع المذكور لهذا المشترى الوكيل المزبور في قبض وتسلم كامل الدار المحدودة المبيعة المذكورة وقبضها وتسليمها منه لموكله مولانا السلطان عبد الرحمن المذكور، وحازها له حوز مثلها خالية عن الموانع المبطلة، والشواغل المفسدة، لصحة هذا البيع، والقبض والتسليم والاستلام

فموجب ذلك صارت الدار المبيعة المحدودة المذكورة ملكا طلقا من أملاك المشترى له مولاى الشريف السلطان عبد الرحمن المذكور، وحقا صرفا من حقوقه يتصرف في ذلك تصرف الملاك في أملاكهم، وذوى الحقوق في حقوقهم من غير معارض له في ذلك ولا منازع، ولا رافع ليده ولا مدافع، وضمان الدرك له على البائع المذكور، حيث يجب له عليه شرعا، وقد صح وثبت جميع ما ذكر لدى نائب مولانا الحاكم الشرعى المومى إليه أعلاه ثبوتا صحيحا شرعيا، وأجاز هذا البيع ونفذه وأمضاه، وأوجب العمل بمقتضاه، والله الهادى". "ثم لما أن تم هذا البيع وانبرم، وصارت الدار المذكورة ملكا من أملاك مولانا السلطان عبد الرحمن المذكور، أقر بالمجلس الشرعى بين يدى نائب مولانا الحاكم الشرعى المومى إليه أعلاه هذا الوكيل عنه الحاج محمد الرزينى المذكور بوكالته المفوضة المذكورة الثابتة شرعا، عن مولانا السلطان عبد الرحمن سلطان المغرب، إقرارا شرعيا وهو وموكله بحال الصحة ووفور العقل طائعين نافذين التصرف، بأنه أوقف عن موكله بحال السلطان المذكور كامل هذه الدار ملكه المحدودة المذكورة أعلاه، وذلك لأنه حيث كانت هذه الدنيا الدنية دار مرور وغرور، لا دار بقاء وسرور، ولأن الآخرة خير وأبقى ولا ينفع ابن آدم من هذه الدنيا إلا ما قدمه لنفسه من التصدقات المرضية، والأعمال الزكية، وقد ورد في الخبر عن سيد البشر سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - في فضل الصدقة أحاديث كثيرة شهيرة أشهر من شمس الظهيرة، منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: يحشر المرء تحت ظل صدقته، ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم -: اتقوا النار ولو بشق تمرة، ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم -: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له. فلهذا رغب السلطان مولاى السلطان عبد الرحمن المذكور في الوقفية لأنها صدقة جارية طامعا في الجزاء والثواب، من الملك الوهاب.

فأوقف هذا الوكيل عنه الحاج محمد الرزينى المذكور بوكالته المفوضة عنه كامل الدار المحدودة المذكورة، وهى في ملك موكله، وحبس وسبل وأبد وأكد، ووطدّ (¬1) وسرمد وخلد، كامل الدار المحدودة المذكورة أعلاه بحقها وحقوقها وسوحها وفسوحها ومرافقها ومنافعها وأرضها وبنائها وطرقها واستطراقاتها وحوشها ومجارى مائها، وكل ما يعد ويحسب من جملتها وينسب إليها شرعا، المعلوم ذلك عند الواقف الوكيل وموكله العلم الشرعى النافى للجهالة شرعا وقفا صحيحا شرعيا، وحبسا صريحا مرعيا، لا يباع ولا يوهب ولا يرهن ولا يملك ولا يتملك، ولا يبدل ولا يستبدل، ولا يناقل به ولا ببعضه، بل لا يزال قائما على أصوله وضوابطه مستمرا على شروطه وروابطه، أبد الآبدين، ودهر الداهرين، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. يصرف ريعه بعد العمارة الضرورية اللازمة على المؤذنين بالمسجد الحرام بمكة المشرفة أهل الوظائف في منابر المسجد الحرام دائما أبدا بالسوية بينهم، وإن تعذر إجراء ريع الوقف على المؤذنين أصحاب الوظائف المذكورين ولم يمكن إجراء ذلك مطلقا بوجه ما، فيصرف ريع الوقف على مطلق الفقراء القاطنين ببلد الله الأمين. وشرط هذا الواقف الوكيل المفوض المذكور عن موكله، أن النظر على هذه الدار الوقف للحاضر معه بالمجلس الشرعى المكرم أحمد أفندى أماصيه لى ابن عمر مؤذن باشى شيخ المؤذنين حالا، فلا يعارضه فيه معارض، ولا ينازعه فيه منازع، ولا يشاركه مشارك، يؤجر ويعمر ويقسم ريع الغلة بالسوية على أصحاب الوظائف المؤذنين جماعته، ثم من بعده يكون النظر لكل شيخ يتولى مشيخة المؤذنين شيخا بعد شيخ دائما أبدًا. وإن آل الوقف لمطلق الفقراء بمكة فالنظر لمولانا الحاكم الشرعى يومئذ، ينظر عليه من أهل الديانة والأمانة من فيه صلاحية لذلك". ¬

_ (¬1) في المطبوع: "وأطد".

"ثم لما أن تم هذا الوقف وانبرم، وعلى هذا المنوال انحسم، وتسلم هذه الدار الوقف المذكورة الناظر عليها أحمد أفندى المذكور، ووضع يد نظارته عليها خالية عن الموانع والشواغل، حضر إلى المجلس الشرعى ثانيا هذا الوكيل الحاج محمد الرزينى المذكور الثابتة وكالته المفوضة عن مولانا السلطان عبد الرحمن المزبور، بين يدى نائب مولانا الحاكم الشرعى المومى إليه أعلاه، وأحضر معه الناظر على الدار الوقف المذكورة أحمد أفندى المذكور شيخ المؤذنين، وادعى عليه بوكالته المذكورة بدعوى صحيحة شرعية مستكملة لشروطها ومسوغاتها الشرعية في هذه الدار الوقف المذكورة، وحددها ورددها بحدودها المذكورة أعلاه، تتضمن دعواه أن موكله عنَّ له الرجوع عن هذه الوقفية ويريد عود الدار المذكورة إلى ملكه ثانيا، زاعمًا عدم صحة الوقفية حيث لم تسجل ولم يحكم بها حاكم شرعى متمسكا بقول الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان رضى الله عنه في ذلك، وطلب رفع يد الناظر عليها المدعى عليه عنها، وعارضه الناظر في ذلك أحمد أفندى المذكور بأن ليس لموكلك الرجوع عن هذه الوقفية، وأنها صحيحة ولو لم تسجل، متمسكا بقول الإمامين الهمامين أبى يوسف ومحمد، وأن العمل على قولهما في الوقفية، فعند ذلك تأمل بينهما نائب مولانا الحاكم الشرعى المومى إليه أعلاه في ذلك، تأملا شافيا كافيا ورأى برأيه السديد، ونظره الرشيد، أن بجانب صحة الوقيفة رجحانا قويا، وطريقا سويا. ثم استخار الله تعالى وحكم بينهما بصحة الوقفية ولزومها، في خصوصها وعمومها، حكما صحيحا شرعيا عالما بالخلاف، الجارى بين الأئمة الأسلاف، ومنع هذا الوكيل المدعى المذكور عن إعادة دعوى الملكية، وامتثل لذلك وبقى الناظر المذكور واضعا يد نظارته على الدار الوقف المذكورة، وصارت وقفا من أوقاف الله تعالى الأكيدة، مدفوعا عنها بحوله وقوته الشديدة.

استعداده البحرى

{فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181)} [البقرة: 181] جرى وحرر 20 ذى الحجة الحرام ختام عام الرابع والسبعين والمائتين والألف من هجرة من له العز والشرف، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، شهود الختم: ترجمانه: محمد أفندى سعيد زاده. كاتبه: دروس أفندى معاص. مسجله: الشيخ أحمد عزوز حباط. كاتبه: محمد بن المرحوم وسى الفغبى غفر لهما" من أصله. استعداده البحرى كان المغرب على عهده لا تزال له مراكب بحرية تجارية وحربية تمخر العباب ويقتنص رؤساؤها مراكب الدول التي ليس لها عقد مهادنة مع المغرب، ولا جوازُ مرورٍ يُبيحُ لها حرية التجول بمياهه وعبور شواطئه، وكان له بتلك المراكب ورؤسائها مزيد اعتناء، وقد اهتم كثيرا بإرجاع القوة البحرية -التي أغفلها بل أهملها عمه أبو الربيع آتى الترجمة- إلى سابق عزها، وردها إلى شبابها. فتطوف على الثغور المغربية أواخر سنة ثلاث وأربعين ومائتين وألف، وأمر بإنشاء الأساطيل وضمها إلى البقية الباقية من آثار جده أبى عبد الله محمد بن عبد الله، وأصدر أوامره لرؤساء البحر من العدوتين سَلا، والرباط، أن يخرجوا القراصين للتطوف بالسواحل المغربية وما جاورها، فخرج الرئيسان عبد الرحمن بركاش وعبد الرحمن بريطل، فصادوا بعض المراكب الأجنبية وليس بيدها ورقة الجواز التي تخولهم التجول بتلك السواحل طبق الاتفاق الواقع بين الدولة الشريفة والدول الأروبية، فغنموا تلك المراكب وأتوا بها إلى مرسى العدوتين والعرائش، وبأثر ذلك وقع الهجوم على مرسى العرائش أخذا بالثأر، ووقع قتال عظيم بين

[صورة] ظهير رحمانى بحيازة (اليطغان) التي كانت عند الرئيس عبد السلام

أهل ذلك الثغر والمهاجم الأجنبى دام طيلة النهار، وانجلى بالظهور على الهاجم، وذلك يوم الأربعاء ثالث ذى القعدة عام خمسة وأربعين ومائتين وألف، وكانت هذه الواقعة وما نشأ عنها من فتح أبواب المشاكل بين الدولة الشريفة والدول الأجنبية من أعظم ما فت في عضد صاحب الترجمة، وأكبر حائل بينه وبين الوصول لبغيته وغايته وضالته المنشودة. وقد عثرت على عدة وثائق في هذا الباب، فمنها ظهير يدل على استعمال تلك المراكب في نقل الأمناء ونصه بعد الحمد لله والصلاة والطابع: "خديمنا الأرضى، الحاج محمد بن التهامى، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فالأمينان الواردان عليك في المركب أنزلهما بمحل حذاء دارك وما معهما من الكمانية واستوص بهما خير إلى أن نقدم، فنحن في إثره فنهوضنا من ثغر الرباط الفتح يوم الاثنين تاسع شهر تاريخه، وإياك والتراخى في ذلك سددك الله، والسلام في 8 شوال الأبرك عام 1239 ". وكان السلطان ينعم على رؤساء المراكب بـ (اليطغان) تشريفا لهم، وهو سيف قصير محلى بالفضة له قبضة من عاج أو كركدان مرصع بالذهب والأحجار الكريمة، وله غمد كله من ذهب، وقد يكتب على نصله اسم صانعه واسم السلطان المنعم به، وكان هذا اليطغان سلاحا ملوكيا ينعم به السلطان على رؤسائه ما داموا أحياء، فإذا مات صاحبه حيز من ورثته ليدفع لمستحقيه، يدل على ذلك هذا الظهير الذى أصدره المترجم ونصه بعد الحمد لله والصلاة والطابع: "نأمر خديمنا الفقيه الحاج عبد الوهاب محبوبة، أن يحوز اليطغان التي كانت عند الرئيس عبد السلام رحمه الله، فإنها من آلة الحرب التي لا تورث،

وإنما ينتفع بها من كانت عنده قيد حياته، وتدفع لمن يستحق الانتفاع بها بعد مماته والسلام وفى 9 من جمادى الأولى عام 1243". وبعده إعمال بعض القضاة له، ونص كتاب من الوزير ابن إدريس في الموضوع: محبنا الأود الأرضى، الحاج أحمد عواد، سلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته عن خير مولانا أيده الله ونصره. وبعد: فإن يطغانا كان عند الرئيس عبد السلام بن الفقيه، ولما توفى حازه منه محبوبة، وعليه فيأمرك مولانا أن تحوزه منه ووجهه إلينا ليصل محله إن شاء الله تعالى والسلام في 17 شعبان الأبرك عام 1256. محمد بن إدريس لطف الله به" وكان السلطان يصدر أوامره للرؤساء بما يكون عليه عملهم، وأين يتوجهون، وعمن يبحثون كما ترى في هذا الظهير الذى أصدره المترجم ونصه بلفظه بعد الحمد لله والصلاة والطابع الكبير بداخله (عبد الرحمن بن هشام غفر الله له) وبدائرته: ومن تكن برسول الله إلخ، وبزواياه: (وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب) (الله، محمد، أبو بكر، عمر، عثمان، علي). "الخديمان الرئيس عبد الرحمن بريطل والرئيس الشريف عبد السلام، أصلحكم الله ووفقكم، وسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فليكن سفركم المبارك السعيد المصحوب بالسلامة والغنيمة إن شاء الله ما مداش واحد تقطعون للبحر الكبير على قان سينط، وتبحثون كل البحث على جنس إبريمل، وجنس لويك وجنس ابروصية وجنس هنبورك، وإذا احتجتم للماء

فادخلوا لجنوة، ولا تقيموا فيها أكثر من ثلاثة أيام ولا تحملون منها إلا الماء، وإياكم والفالطة وعليكم بتقوى الله والصلاة في وقتها وقراءة حزب القرآن وحزب البحر صباحا ومساء، والله خليفتى عليكم، وإذا تم سفركم وكمل بالخير إن شاء الله فادخلوا مرسى العدوتين إن ساعدتكم للدخول إن شاء الله والسلام في 26 من قعدة الحرام عام 1241". وقد اقتنص يوما الرئيس الحاج عبد الرحمن بركاش مركبا غنيمة، فتألفت لجنة لإحصاء ما احتوى عليه من السلع وتقويمها وبعد أن بيع منها ما بيع، ووجه للسلطان بعضها، كتب السلطان إبراء لأمناء العدوتين الذين تألفت تلك اللجنة منهم ومن أمينين تطوانيين وذمى من يهود تطوان وإليك نص ما راج في ذلك بلفظه: "الحمد لله وحده بأمر مولانا الإمام، حامل راية الإسلام، سيدنا أمير المؤمنين، وناصر الملة والدين، المجاهد في سبيل رب العالمين طالع السعد في غرة عدنان، أبى زيد مولانا عبد الرحمن، نصره الله وأيده، وأيد عساكره وجنوده، آمين، أحصى أمناؤه بمرساه من العدوتين حرسهما الله بوجود مولانا أعزه الله وهم خديمه الحاج محمد السويسى والحاج بناصر غنام والحاج عبد الله السدراتى والأمينان الواردان بأمره الشريف أسماه الله من تطوان حرسه الله الحاج عبد الرحمن مدينة والحاج أحمد صالح والذمى شميل قرياط من يهود ملاح تطوان، ما احتوى عليه المركب المغنوم على يد رئيس سيدنا المجاهد "عبد الرحمن بركاش من السلع على اختلاف أنواعها وتعرفوا وزن ما يوزن منها، وعد ما يعد منها حسبما يذكر ذلك مبينا بتقويم الذمى قرياط المذكور بحسب سعر الوقت في أوائل ربيع الثانى عام 1244:

[صورة]

[صورة]

[صورة]

[صورة]

[صورة]

[صورة]

[صورة]

[صورة]

[صورة]

[صورة]

[صورة]

[صورة]

[صورة]

ومن أدلة اعتناء المترجم بالمراكب الحربية ما كان يوفده من البعثاث الفنية لتفقد أحوالها والكشف عنها واختبارها، كما يستفاد من هذا الكتاب الذى وجهه لحضرته بعض ولاته في أواخر عهده، ونصه من أصله المحفوظ بمستودع الأوراق الرسمية بالحضرة الشريفة من رباط الفتح بعد الحمد لله والصلاة: "بعد أداء ما يجب على الخديم، من التبجيل والتعظيم، لمقام مولانا العلى بالله العظيم، أطال الله بقاءه، وأدام في معارج الفخر علاه وارتقاءه، ينهى لشريف علم مولانا المعتصم بالله أنه ورد عن أمر مولانا الشريف لهذا الثغر السعيد بوجود مولانا المعلم الغازى السلوى النجار حرفة (¬1)، والرايس الحاج عبد الرحمن بريطل الرباطى، واليكانجى الحاج أحمد بن سعيد النسب بقصد النظر إلى مراكب مولانا الجهادية واختبار أجفانها، وتوجهوا إليها مع معلم نجار من هذا الثغر السعيد وقائد مرساه ونظروها نظرا عاما، واختبروها اختبارا تاما، فألفوا المركب الذى صنع عن أمر مولانا ثبت الله أجره برباط الفتح راشى متلاشى لا يرجى نفعه لا في الحال ولا في المستقبل، ولا يصلح لصالحة وسلامته من الغرق في البحر محال والمركب الثانى والثالث حسبما أشير إليهما في الرسم الوارد بالعدول للحضرة ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "كان هذا المعلم مكلفا بالخدمة في مرسى العدوتين، وقد جاء في ظهير لخليفة المترجم ولده سيدى محمد أصدره في عدم التعرض لمن يختاره للخدمة معه ما نصه: "يعلم من هذا أننا بحول الله، ثم وجود مولانا أدام الله تأييده ونصره وعلاه، جددنا لماسكه الأشيب المعلم الغازى السلوى النجار حرفة حكم ما تضمنه ظهير سيدنا الذى بيده من جعله في مقابلة الخدمة بمنجرة مرسى العدوتين وتخصيصه بالقيام بالكلف التي بها وعدم تعرض أحد على من يعينه للخدمة معه من النجارين والنشارين والمزبرية الذين بالمرسى المشار إليها فنأمر الواقف عليه من عمال أمرنا وولاته أن يعمل بمقتضاه، ولا يتعداه إلى ما سواه، والسلام في فاتح جمادى الثانية عام 1271" ثم الطابع من أسفله: محمد ابن أمير المؤمنين وفقه الله".

الشريفة، يرجى إصلاحهما، لكن بعد ما تثنى قيمتهما المشتران بها، وهذا ما ذكر من ذكر في الرسم حسبما يطالع عليه مولانا ونظره أوسع، ورأيه الشريف السديد أنفع، وبما يأمرنا مولانا المعتز بالله عليه عملنا والسلام بأتمه معاد على الحضرة الشريفة. وفى ثانى عشر ربيع الأول النبوى الأنور عام 1268 مقبل العتبة الشريفة محمد بن عبد السلام وفقه الله" صح من أصلها المشار له صدره وقوبلت عليه فماثلته حرفا حرفا من غير إصلاح ولا زيادة ولا نقص. ومن ذلك ما أفاده أبو القاسم الزيانى في كتابه المعنون بتاريخ الولاية، المحمودة البدء والنهاية -وهو من نفائس محتويات مكتبتنا- من شرائه مركبين حربيين وتعميرهما بالعساكر والمدافع، واختار لذلك من له رسوخ وثبات في الدين، وصارا يتجولان في البحر إلى أن انقض أحدهما على مركب إنجليزى وجده غير متأبط لورقة الجواز، وسار به إلى مرسى الرباط أسيرا، ثم لما اتصل الخبر بقنصل الإنجليز القاطن بطنجة، طلب من صاحب الترجمة أن يرد عليه مركبهم لأنهم مسالمون للسلطان قبله، واعتذر على عدم حمل المركب لورقة الترخيص في الجواز بأنه خرج من بلد ليس به قنصل يعطيه الورقة، وأن السنجق (العلم) يغنى عنها فلا تسمح القوانين والحالة هذه بأخذ ذلك المركب أسيرا. ثم اجتمع قناصل الدول للنظر في القضية فسلموا عذر القنصل الإنجليزى وعضدوا ما احتج به، فسلمه المترجم لهم، وأسر المركب المغربى الآخر مركبا نامسويا، ولم يكن لهم عقد صلح مع الدولة المغربية، ولما اتصل بهم الخبر أنهضوا سفيرًا لطنجة يطلب رد مركبهم عليهم ويزعم أن باشدورهم متأهب للقدوم على الحضرة السلطانية متأبط لهدية من سلطانهم للمترجم لطلب عقد الصلح، واتخاذ قنصل لهم بطنجة، فأبى المترجم مِنْ رَدّ المركب، واحتج بأنه أخذ في وقت الحرب، فرجع ذلك السفير خائبا.

ولما أخبر بذلك عظيم النامسة اشتد غيظه، ووجه مراكب قرصانية للاحتيال على قنص مركب من المراكب المغربية، فصار ذلك المركب القرصانى يتطوف بنواحى مياه المراسى المغربية، إلى أن رأى مراكب منها بمرسى العرائش فحدثته أطماعه بالقبض عليها، ولما قابلوا المرسى أنزلوا عددا من الجند بالبر وقصدوا المراكب السلطانية، لإخراجها من المرسى، فحال بينهم وبين ذلك أهل البلد والمجاورون لها، وأحاطوا بهم قبل وصولهم للمراكب واستأصلوهم قتلا، وقطعوا رءوسهم ووجهوا بها للحضرة السلطانية بفاس هـ. وقد كان العمل جاريا بحمل المراكب المغربية التجارية للجوازات البحرية المشتملة على اسم الرئيس والمركب وعدد بحريته، وإليك مثالين أصدرهما المترجم لمركبين مغربيين اسم أحدهما أصيلة، والآخر ميمونة. نص الأول بعد الحمد لله والصلاة والطابع الكبير بلفظه: "كتابنا هذا أسماه الله وأعز أمره، وأحلى في الملأ الأعلى ذكره، بيد خديمنا الرئيس عبد السلام بن محمد بن الفقيه الشريف السلوى، يعلم منه بحول الله وقوته، وشامل يمنه ومنته، أننا أذناه بالسفر بقصد التجارة في مركبنا السعيدة البازركان المشتملة على صارى واحد المسماة ازيلة عدد بحريتها عشرة بالرئيس المذكور، ويخض إن شاء الله في البحر الصغير والكبير مشترطا عليه أن يشتغل في جميع أموره كلها بما يعنيه متحريا للأمور المذمومة المخلة بالدين، وأن لا يتعدى القانون المتعارف بيننا وبين أجناس النصارى، وأن لا يحمل في مركبه مثل الخمر والخنزير، فإن حملها (¬1) فقد تعرض لغضب الله ونكالنا بحول الله، وبعد قضاء أربه من المحل الذى حل به يئوب إلى أى مرسى من مراسينا السعيدة بالله تيسرت، كما نؤكد على من يقف عليه من حكام المدن من مدائن النصارى والقراسين ... وخدامينا، ولما نضاطس مراكب الحرب وحراسين المصالحين معنا أن ¬

_ (¬1) عبارة المطبوع هنا مضطربة، والمثبت يستقيم به المعنى وهو المناسب للسياق.

يوقره ويحترمه، وأن لا يحدوا عما أبرمه أمرنا الشريف ولا يتعداه، وعلى الرئيس وبحريته بتقوى الله سرا وعلانية، والصلاة في أوقاتها، وربنا الفتاح، إنه على ما يشاء قدير، والسلام بهذا صدر أمرنا المعتز بالله في 14 ربيع النبوى الأنور عام 1241". ونص الثانى: "كتابنا هذا السامى بفضل الله وقدره، النافذ بإذن الله سبحانه نهيه وأمره، يتعرف منه بحول الله وقوته، وشامل يمنه ومنته، أنا أذنا في سفر المركب البازرقان الذى صورته سكوته في البحر ببنديرتنا السعيدة، وحمل ما يحمل من السلع وأنواع المتاجر البرية والبحرية، واسم المركب ميمونة، ورئيسه الحاج أحمد، وبحريته ستة، فالواقف عليه من رؤساء مراكب الأجناس المصالحين مع جنابنا العالى بالله يعظم قدره، ويرفع جانبه وخطره، ويجرى معه طرقة البحر على القوانين المقررة، والشروط المعروفة المحررة، من غير تعرض له بأذى ولا مكروه، في مذهب من المذاهب ولا وجه من الوجوه، وقوفا عند ما سطرناه، وعملا بما ذكرناه، صدر به أمرنا المعتز بالله في 20 ذى القعدة عام 1262 ". ونص جواز آخر صدر للرئيس الحاج بناصر مرسيل الرباطى بالمرور بجنوة من إيطاليا بعد طابع المترجم الكبير من أعلى: "إلى الولاة الذين في خدمة سردنيا وولاة الدول الأجنبية أن يسرحوا سبيل ماسكه لما بيده عند الحاجة وهو السيد الحاج بناصر مارسيل، الذى مسقط رأسه رباط سلا، الساكن هناك، الذاهب إلى مادرا، المصحوب بـ ... ... هذه المأذونية مطلقة مدة رحلته أعطيت إياه، نيابة عن سيادة جناب المفوض القنصل العام نائب القنصل بجنوة.

عدد 16 أوصاف: عمره 35، القامة متوسط شعره أسود حاجباه أسودان، عيناه أسودان، الجبهة مرتفعة، الأنف متوسط، الفم مستدير، اللحية سوداء، الوجه مستدير، وعلى جبهته جرح برئ وكتب بجنوه في 5 يوليو 1829". وكان المترجم قد أذن لسفراء الدول بطنجة في النيابة عنه في شأن الحجر الصحى على المراكب البحرية الواردة على مراسى المغرب وتسريحها على مقتضى القانون الدولى العام الجارى في ذلك، وقد أقر هذا العمل من بعده حفيده السلطان المولى الحسن ونص ظهير الإقرار: "يعلم من هذا الكتاب الكريم، المقابل أمره السامى بالله بالإجلال والتعظيم، أننا بحول الله وقوته أقررنا جماعة نواب الأجناس المحبة الذين بثغر طنجة المحروس بالله تعالى على ما كان أقرهم عليه سيدنا الجد المقدس بالله من الإذن لهم في التصرف نيابة عن الجناب العالى بالله، في أمور السداد الذى هو التصرف في قبول المراكب التي ترد على المراسى ودفعها وجعلها في الكرنتيلة، وتسريحها على مقتضى قوانينها، وذلك في البحر فقط دون البر، لكونهم أعرف بتلك القوانين، وتكليف أسلافنا الكرام لهم بذلك دليل على محبتهم لجانبنا العالى بالله، وحرصهم على نفع الرعايا وضبط مصالحهم إقرارًا تاما نأمر الواقف عليه من عمالنا وولاة أمرنا أن يعمل بمقتضاه ولا يتعداه، صدر به أمرنا المعتز بالله في 7 ربيع النبوى الأنور عام 1296". وحدثنى من وثقت بخبره أنه لما بويع المولى عبد الرحمن علق بعض الأجناس المجاورين للإيالة المغربية الاعتراف بسلطنته على إبطال القوة البحرية

علائقه السياسية

فامتنع، وبعد مراجعات وقع الاتفاق على بناء الأبراج بثغر الرباط، فأمر ببناء برج السراط، وبرج السقالة، وبرج الدار، وبرج القصبة والسقالة، ثم إن المترجم هو الذى أمر على وجه السر بتغريق الأسطول البحرى المغربى لأمر أوجبه. علائقه السياسية كان للسلطان المولى عبد الرحمن علائق ودية مع ملوك عصره وأمرائه المسلمين وغيرهم من الأوربيين، فقد راسل السلطان عبد المجيد الأول العثمانى، وخاطبه مهنئا ومعزيا، كما هادى عباس باشا الأول صاحب مصر، ولما توفى باى تونس وتولى مكانه المشير محمد باشا، راسل السلطان سنة 1271 معلنا تبوأه عرش الإمارة ومجددا عهد السلف، فأجابه المترجم بكتاب من إنشاء العلامة الأديب اكنسوس. ولما توجه ولديه سليمان والرشيد للحج سنة 1265 ركبا في سفينة إنجليزية ذهابا وإيابا، وأصحبهما هدية سنية إلى عباس باشا أمير مصر، قال صاحب الابتسام: إنها كانت تشتمل على خيل وسرج مذهبة وبغال فارهة، وتحف من طرائف المغرب، فكانا في ضيافته من يوم حلولهما في ثغر الإسكندرية إلى أن رجعا إليه مغربين، وقام بكل ما يحتاجان إليه من زاد ومركوب حتى وصلا لمكة، ومن مكة إلى الإسكندرية، وبعث معهما أبوهما صدقة للحرمين، وكان مدة السفر ذهابا وإيابا خمسة أشهر لخ. وقد وقفت في مستودع الأوراق الرسمية بالدار العلية من رباط الفتح على رسالة كتبت للسلطان المترجم تدل على نوع من العلائق والاتصال مع على باشا والى مصر، جد عباس باشا المذكور، ونصها بلفظها بعد الحمد لله والصلاة: "بعد تقبيل البساط بين يدى أمير المؤمنين نصره الله، ودام لنا وللمسلمين وجوده.

وبعد: يكون في كريم علم مولانا أن الحاج عبد السلام اقلع الذى كنا وجهنا بالغنم للباش محمد على، فقد وصل مصر وتلاقى بالباشه ودفع له الغنم وفرح بها الباشه غاية حتى قبل واحد (كذا) من أولادها، وسأله عن مولانا وعن أمر المغرب، وقال له هل عند مولانا نضام (كذا) قال له نعم قال له المعلمين ... . مسلمون قال للكاتب أعطيه كتوب النضام و ... . فأعطاه كتب 35 ومنهم واحد طيب جيد غاية وهذا الحاج عبد السلام يفهم في أمر النضام، نطلب من مولانا يعرفنا هل نبعث الكتوب أو نبعث معهما الحاج عبد السلام والباشه أعط للحاج عبد السلام سيف جيد وكسوة ملف ومات ريال. وأما أمر الفرنصيص ما تحقق عندنا، لأن فرنصه لا زالت قائما وسلطانهم هرب هو وزوجته، ولم يتحاقق أين هو وزوج من أولاده وصل للنضره، وأولاده إلى كان في الجزاير هرب، ووصل إلى سبنيه ومنها ذهب للنضره ... . وصل للنضره بأولاده وفى فرنصه التفق أن لا يعمل سلطان، وإنما يعمل مثل المركان يحكمون أربعون، وقد نهب دار السلطان والوزير، والله يقوى شرهم ويصل مولانا موسطرت كرية جيده عددها 200 نطلب من مولانا يأخذها منا مثل الذى قبلها سوم 150 للماه وثمانها يقطع مما بدمة شريكنا بهلال في سوير وربنا يدوم لنا وللمسلمين وجود مولانا نصره الله والسلام 10 من ربع الثانى عام 1264 عبد ربه الخديم محمد الرزينى"، صح من أصلها وقوبلت عليه فماثلته حرفا حرفا ولحنًا وتحريفا وركاكة. وقال في الابتسام لما ذكر ورود يوسف المدنى المتقدم الذكر: هو رجل أديب ورد من المشرق على حضرة الأمير سنة سبع وخمسين فأكرمه وبالغ في إكرامه، ولما أراد الرجوع للقسطنطينية رواده السلطان على أن يبلغ كتابا من حضرته إلى

حضرة عبد المجيد خان والكتاب فيه التعزية والتهنئة، لأن ذلك كان عقب موت السلطان محمود خان وولاية ولده عبد المجيد خان، فلما صادف وروده وقوع الأمرين، رأى سلطاننا أبو زيد، أن من المناسب أن يبعث كتابا فيه التعزية والتهنئة رعاية للود، وحفظا لما تقادم من العهد، وكان يوسف قبل ذلك مقيما بدار الخلافة عارفا باصطلاحهم وما يناسب في حقهم ويعرف أعيان دولتهم، ويعرف الباب التي يدخل منها مع ما كان عليه من الأدب والذكاء وحدة الذهن ومعرفة القوانين الجارية عندهم، فيؤدى بسبب ما ذكر أحسن أداء، ويوفى البلاغ بأكمل وفاء، فلما دفع له الكتاب أخذه ومشى مكرما ثم رجع مرة ثانية بجواب الكتاب في سنة ثمان وخمسين فأنزله السلطان على الفقيه ابن إدريس فبالغ الفقيه في إكرامه، وإتحافه وعظم جانبه، وكان يلتمس في كل الأمور خاطره، ويكرم لأجله وارده وصادره، حتى سافر ثم رجع مرة ثانية بعد سنة فكرمه السلطان بمثل إكرامه في المرتين السابقتين هـ. وأما أوروبا فقد كان له مع دولهما علائق ودادية سياسية تجارية ومخاطبات مع ملوكها ورؤسائها، وقد أقر معاهدات أسلافه معها وعدل معها ما عدل وأنشأ ما أنشأ: فالدولة الفرنسية أقر سنة 1239 اتفاق جده سيدى محمد بن عبد الله المعقود معها، وفى نفس السنة أذن بإصدار أربعة آلاف رأس من الثيران وثلاثمائة ألف قنطار من الشعير لتموين الجيش الفرنسى الموجود حينئذ بإسبانيا على سبيل الامتياز، ونص الاتفاق المنعقد في ذلك بين نائبى الطرفين بحضور القائد محمد أميمون الكروانى عامل طنجة: "الحمد لله نسخة من الشروط في شأن وسق الثيران بين سيدنا نصره الله والنصرانى ويقطور وكذلك في شأن الشعير، وهذه هى: الحمد لله، عقدة شروط

انعقدت بحضرة خديم المقام العلى بالله الأمجد الأسعد القائد محمد أميمون بين خديم سيدنا نصره الله، التاجر مير ابن مغنين في أمور التجارة مما هو مذكور في الأوامر الشريفة المقروءة على كافة قنصوات جميع أجناس النصارى حسبما بأيديهم نسخ منها بالعدول، وبين الرومى ويقطور وكيل ونائب العلاف الكبير على العساكر الفراصيصية وجيوشها، الذى هو الآن في بلاد إصبنول تحت سنجق الفرانصيص بواسطة فونصو الفرانصيص وهو الرومى صرد المقيم في الوقت تحت إيالة مولانا المنصور بالله اتفقا عليها على ما سيذكر: الشرط الأول: سرح مير ابن مغنى المذكور بأمر سيدنا نصره الله الذى هو في يده للرومى المذكور أربعة آلاف رأس من الثيران وثلاثمائة ألف قنطار من الشعير بميزان الغرب على شروط المبينة بعد. الشرط الثانى: التزم الرومى المذكور بأن يدفع هو إن كان حاضرًا أو يترك نائبه إن كان غائبا بعد وسق الثيران المذكورين اثنى عشر ريالا صاكة، لكل رأس منها لمن يأذن مولانا نصره الله، وبعد وسق الشعير المذكور نصف ريال لكل قنطار من القناطير المذكورة صاكة لمن يأذن أيضا مولانا نصره الله. الشرط الثالث: إن وسق ما ذكر يكون بالمراسى المبينة بعد وهى مرسى تطوان والعرائش وطنجة على رضا الرومى المذكور أو نوابه. الشرط الرابع: إن الرومى المذكور يدفع في الشهر الذى يقدم فيه أمر سيدنا نصره الله باستحسانه لجميع ما سطر صدره عشرين ألف ريال من حساب وسق الثيران

والشعير، حسبما في الشروط الأول، ويقتطع عند وسق ما ذكر من العدد المذكور قدر ما يلزم في الوسوق قل أو جل، على حسب التوالى حتى يفرغ المال المدفوع. الشرط الخامس: إذا خرجت جيوش الفرنصيص من بلاد الأندلس فقط قبل تمام وسق ما ذكر فالرومى ويقطور المذكور له الخيار بين أن يكمل الوسق المذكور بجميع شروطه المذكورة أو يتركه، وإذا كان قد بقى شئ من العدد المدفوع فإما أن يسبق فيه الثيران والشعير أو يسبق برضا سيدنا نصره الله. الشمع بتسع ريالات للقنطار صاكة أو الجلد بثلاث ريالات صاكة، وإذا لم يرض سيدنا أيده الله بذلك فيأخذ دراهمه الباقية ووسق الثيران والشعير من الباقى المدفوع كما ذكر يكون بالصاكة المذكورة قبل. الشرط السادس: التزم على نفسه خديم مولانا المنصور بالله مير بن مغنين المذكور بأن ييسر لرومى المذكور جميع ما يحتاج إليه من المواجب التي يسبق في سائر المراسى المذكورة، على حسب ما بيده من إذن سيدنا ومولانا نصره الله، ويبذل جهده في ذلك حتى لا يتعسر عليه شئ في الوسق المذكور، ويكون العمل على الشروط المذكورة من غير أن يتعرض له أحد، ويشرع الرومى المذكور في عمل الشروط من يوم تاريخه. الشرط السابع: إن هذه الشروط المذكورة المجعولة مع الرومى المذكور في الوسق المذكور إنما هو للفرانصيص الذين ببلاد إصبانيا لا لغيرها من بلاد الأجناس الآخرين، على هذا انعقدت هذه الشروط المذكورة بين الرومى وبين مير المذكورين، فمن حضر

[صورة] اتفاق مير بين مغنين و (فكتور) ... بواسطة قنصل فرنسا على وسق الثيران والشعير من المغرب

العقد المذكور قيده شاهدا به عليهما في الثانى والعشرين من ربيع النبوى الأنور عام 1239" عبد ربه تعالى أحمد بن محمد الرفاعى لطف الله به آمين، وبعده طابع خديم مقام العالى بالله محمد بن ميمون الله وليه وبعده خطوط اليد النصرانى المذكور وقنصو الفرانصيص وخليفته، وكذلك خط اليد خديم المقام العالى بالله مير بن مغنين المذكور بالكتابة بالرومى" وبعد ذلك ختم باللَّك الأحمر وخط إفرنجى. وقد أرسل إليه الملك لويس سفارة برياسة الكونت (دومرنى) لتجديد روابط الوداد واستتباب الأمن بين الدولتين فوصلت في 15 مارس سنة 1832 م لمكناس، وكان استقبال السلطان للسفير في 22 من الشهر وهو يومئذ بمكناس، وكانت مطالب الملك المذكور محصورة في رسالة منه، وهى التخلى عن تلمسان واسترجاع ابن العامرى والتزام الحياد التام في مسائل داخلية الجزائر وإرجاع الوفد الجزائرى الذى كان إذ ذاك بمكناس، وأداء قيمة السلع التي كانت بسفينة (نيبتون) التي حرثت أمام وادى نول سنة 1820، وحصر واجبات المعشرات بالديوانات ما بين الدولتين، وبقيت المفاوضة جارية بين السفارة والملك بواسطة الوزير المختار الجامعى، والطالب ابن جلول إلى رابع إبريل، وكانت النتيجة عدم اعتراف السلطان بمسئولية ما ضاع في تلك السفينة، حيث كان ذلك في دولة السلطان قبله، كما أنه لم يساعد على الاتفاق الجمركى، وكتب رسالة رسمية إلى لويس فليب التزم فيها استرجاع محمد بن العامرى بعد ما أنكر أعماله السيئة، وأن لا يوجه رسلا إلى الجزائر ما دامت تحت حكم الاحتلال الفرنسى، وأن لا يكلف أوربيا بشئون المغرب في الجزائر وتخلى عن تلمسان، ورد الوفد الجزائرى الذى كان بمكناس بدون نتيجة.

ثم إن الملك لويس المذكور استدعى قنصله بالمغرب وأقام (ميش) قنصلا مكانه وكتب للمترجم بذلك فأجابه بما نصه بعد الحمد لله والحوقلة: "من عبد ربه الراجى عفوه ولطفه ومعونته ورفده، اللاجئ إلى حوله وقدرته في كل الأحيان، المتمسك بحبل قدرته العظيمة الشان، وهو (الطابع الكبير بداخله عبد الرحمن بن هشام الله وليه): أبد الله سعوده، وأصحب النصر والظفر والتأييد أعلامه وبنوده، إلى المحب الذى بان صدق وداده، وتوفرت دواعى مواصلته ومعاونته وإنجاده، عظيم جنس الفرانصيص لوى فيليب. أما بعد: فقد وافانا كتابكم الآخذ من البلاغة أوفر نصيب، وعلى كمال عقلكم شاهد غير مريب، فقد أحيا رسوم الوداد، وأكد جميل الاعتقاد، فاعلم بأن الوداد لا زال بمحله طالبين من تعاطى أسبابه المزيد عليه، وقد وصل القونص الذى وجهتم ميش ليكون مكان القونص قبله فتلقيناه بالقبول، وألبسناه رداء عنايتنا المسدول، وخصصناه بين القونصوات بمزيد الحظوة والشفوف، لثنائكم عليه بما هو به لديكم موصوف، ووجهنا ذى لبرط بيش قونص القديم المكث بإيالتنا مكروم الجثاب لأجلكم، وهذا هو شأن الأحباب، والسلام في 6 ذى القعدة الحرام عام 1248" من أصله المحفوظ بقسم المغرب من وزارة الخارجية الفرنسية. وفى 27 يوليو عام 1836 ورد على المولى عبد الرحمن الكرونيل (دولارو) سفير 2 والسلطان يومئذ بمكناس مذكرا في معاهدة مرنى السالفة ومحذرا ومنذرا في موالاة الأمير عبد القادر، وطالبا كف رعاياه عن الانضمام للمذكور وإلزامهم الحياد، وإلاّ يُعدّ ناقضا للعهد فيؤذن بحرب. وطلب الإمضاء على شروط سبعة، منها: الاعتراف باستيلاء فرنسا على الجزائر، وملازمة الحياد، وأن يمنع الجزائريين من الالتجاء للمغرب، وأن تطلق حالا سراح الأسارى الفرنسيين الذين بالمغرب، وإلا فإن فرنسا تجاهر بعداوته، وتهجم على مراسى إيالته.

[صورة] كتاب رحماني إلى لويس فيليب ملك فرنسا بوصول القنصل (ميش) وقبوله

[صورة] كتاب رحمانى للويس فيليب باعتماد (دينيوق) قنصلا لفرنسا

وكانت مقابلة السلطان لهذا السفير واستلامه منه أوراق مأمورية سفارته في 30 يوليو. وكان جواب السلطان أن له الرغبة في مسألة فرنسا، وعين له محمد الطيب البياز للمفاوضة، وبعد انتهاء المفاوضة وفق ما أمل السفير بارح الحضرة المكناسية موليا وجهه للمحل الذى جاء منه في غشت. ثم استدعى القنصل المذكور وحل محله اسمه (دينيون) وكتب الملك للسلطان باعتماده وكيلا فأجابه بما نصه بعد البسملة والحوقلة: "من عبد الله المتوكل على الله، المعتصم بالله أمير المؤمنين بالمغرب الأقصى الشريف العلوى الحسنى وهو الطابع بداخله (عبد الرحمن بن هشام الله وليه): أيد الله عساكره وجنوده، ونصر أعلامه حيثما توجهت وبنوده، إلى وحيد عصره، وفريد مصره، المتميز بخصوصية نفسه، على أبناء جنسه، المحب الودود، المحافظ على العهود، لويز فيلب عظيم جنس الفرنصيص. أما بعد: فقد وافى حضرتنا العلية بالله كتابك، وعرفنا ما تضمنه خطابك، وعلمنا ما أنتم عليه من رسوخ المودة وجميل الاعتقاد، والجرى على سنن الوفاء في الإصدار والإيراد، فنحن بحول الله وقوته في حسن الوفاء بالعهود والمحافظة على الشروط فوق ما تظنون، وفى الوقوف على الحدود، واتباع السبيل المعهود، أكثر مما تؤملون، إذ نحن أولى برعى الذمام، وأحق بالمحافظة على الألفة والالتئام. وما أنهى إليكم الخديم ميشن من الاعتناء به فكل من ورد لإيالتنا، واستظل بظل رعايتنا، لا يرى إلا ذلك وزيادة عموما، وخصوصا جنسكم فإنه آثر الأجناس لدينا لقديم عهده ووصلته، وتحببه لجانبنا العالى بالله تعالى ومودته، والخديم دينيون الذى وجهتم للخدمة بإيالتنا السعيدة واخترتموه للوساطة بين الدولتين بعد

التجربة والاختبار قد أمرنا بمقابلته بالمعروف، وإجرائه على المنهج المألوف، وهو عندنا في محل الثقة فيما ينهى لحضرتنا الشريفة من أمور دولتكم إن شاء الله تعالى، ونسأل الله أن يكون مثل الذى قبله أو أفضل، ومن عنايتكم بجانبنا واهتمامكم بإيالتنا لا توجهون لخدمتنا من حاشيتكم إلا أهل العقل والرزانة وذوى الجد والحذق، ليسعوا في الألفة بين الإيالتين ويحسنوا الوساطة بين الدولتين، والعاقل لا يوجه إلا عاقلا مثله، ولا يرشح للمهمات إلا شكله، انتهى، وكتب في حمراء مراكشة صانها الله في تاسع عشر ذى القعدة الحرام عام 1255" من أصله المحفوظ بوزارة الخارجية. وبعد وقائع الحدود الجزائرية المعروفة وما تلاها من ضرب الثغور وعظائم الأمور، فوض السلطان عامله أبا سلهام بن على ازطوط العرائشى في عقد المهادنة والرجوع إلى الصلح، وكتب السلطان لباشا مكناس القائد الجيلانى بن بوعزة يقول: وبعد فقد كلفنا خديمنا الطالب بوسلهام بن على بعقد الصلح والمهادنة مع جنس الفرانصيص، لرغبته في ذلك وحرصه عليه، فكتب لنا أنه تم عقد الصلح معه وطلع قونصهم لداره بطنجة، وأطلع سنجق جنسه، ومن جملة ما شرط عليهم الخروج من الجزيرة ورد الأسارى للصويرة، وأعلمناك لتكون على بصيرة والسلام في 28 شعبان الأبرك عام 1260". ونص معاهدة ازطوط المشتملة على فصول ثمانية بلفظها بعد الحمد لله والحوقلة: "هذا تقييد الشروط الذى ينعقد عليها أمر الصلح والمهادنة بين سلطان مراكش وسوس وفاس، وبين سلطان الفرنصيص أن خاطر الجانبين لا يكون في هذه الشروط المذكورة تحت، إلا بانفصال ما وقع بين الدولتين أن يتجدد بينهما

الصلح والمهادنة حسبما هو مقتضى الشروط المنعقدة بين أسلافهم وقطعتهم ساعة الحرب، وسلاطين الجانبين أمروا نيابهم المكلفين بأمورهم: فمن جهة سلطان المغرب وهو الفقيه سيدى أبو سلهامة بن على المفوض إليه من جانب سلطانه الموقع بينهما الفصال: وحق جهة سلطان الفرنصيص هو المسمى انطوان مارى واقيل دورى دنيون اوفسيال نيشان افتخار كابليو من نيشان السبيل من دولة الصبنيول وغيره نائب قونصو خلنار، ونائب سلطانه بإيالة المغرب مع المسمى لويز شاول أى دكاز كونت، وكازد كرنى دكلو كبسرت كباليرنيشان افتخار أمير نيشان دانبرك من سلطان دينمارك ومن نيشان كارلوس الثالث من دولة الاصبنيول وغيره نائب سلطانه بإيالة سلطان مراكش: الشرط الأول: فعساكر سلطان مراكش المجتمعين لغير عادة في الحدود أو قريب منها يأمر عليه بالتفريق في الحين سلطان مراكش، ويأمر الآن أن يقطع اجتماعها في ذلك النواحى ولا يبقى بها أثر من عدد ألفين من الرجال الذى يلزموا في تقدير الصلح وحفظ المحادة، وإذا كان لزم لسلطان مراكش المغرب زيادة عدد من الجيش بذلك النواحى فيعرف به سلطان افرنصة حتى يتفق أمرهم على ذلك ويفعل. الشرط الثانى منها: هو أن يأمر سلطان المغرب بالمعاقبة لقواده الذى حاربونا أو تركوا من يحاربونا في إيالتنا في وقت الصلح، وتعدوا على جيش الفرنصيص، وأن يخبر لفقائهم سلطان مراكش لسلطان الفرنصيص.

الشرط الثالث: هو أن سلطان مراكش يتضمن بأنه لا يأمر بإعانة أحد من رعيتنا الذى يقوم علينا، وكذلك لا يعين أحدًا ممن هو من أعدائنا في بلدنا ولا بموطن، ولا يترك من يعطى من آل رعيته لعدونا سلاحا ولا شيئا من آلات الحرب. الشرط الرابع: فالحاج عبد القادر بن محيى الدين هو خارج عن حكم الشريعة في إيالة المغرب وإيالة الجزائر، فعلى ذلك يضربون عليه في بلادهم، وكذلك إذا هو في إيالة سلطان مراكش، فرعيته يضربون عليه بالبارود حتى يطردونه ويخرجونه من بلادهم، وإذ تقبض به واحد من الجانبين، فإذا كان من تحت يدى الفرنصيص فيتضمن سلطان افرانصة بأنه يتكرم عليه ولا يضره، وإذا كان تحت يدى جيش سلطان المغرب فيأمر بإرساله إلى مدينة من مدائن السواحل من نواحى المغرب حتى يصير بين الدولتين الاتفاق في شأنه، لئلا يتجدد من جهة الحرب مرة أخرى معنا، وكذلك لئلا يقطع الصلح مع المهادنة المقيمين بين الدولتين. الشرط الخامس: أما الحدود التي بين المغرب وإيالة الجزائر فيبقوا ولابد مثلما كانوا معلومين ومعروفين من المغرب في عهد تولية التي لك على أرض الجزائر، وعلى أن يجرى الأمر في هذا الشرط فيسموا أمر الجانبين نوابا، ويأمرونهم بالمسير إلى هذه الحدود ويحصرونهم هناك، ويتفاصلوا بينهم في ذلك، ويجعلوا شرطا مخصوصا على هذه الحدود، ولازم سلطان المغرب أن يرضى في هذا ويخبر لسلطان الفرانصيص بما فعل في هذه النازلة.

الشرط السادس: وفى الحين الذين يصنعون النواب المكلفين بأوامر سلطانهم طوابعهم على هذه القوانين فتقطع العداوة بين الدولتين، ولا يبقى بينهما قتال، وكذلك في الوقت الذى يجرى فيه سلطان مراكش الأمر بالوفاء هذه القوانين ونعاينوا الوفاء ويرضى سلطان الفرنصيص في الحين ذلك يخرجون الفرنصيص من جزيرة الصويرة، وكذلك من وجدة وعزما يردون الأسارى الذين بين الدولتين. الشرط السابع: والمراد هو أن النواب من الدولتين يصير الاتفاق بينهم على عقد شروط جديدة على وجه جميل وفى وقت قريب، وإن تأسس على الشروط السابقة المقررة بينهم وأسباب تجديد عقدة الشروط هو لزيادة التقوية والتكميل، وذلك على مقتضى الخير من الجانبين والنفع في التجارة، ومن الآن إلى أن يتجددوا هذه الشروط فتبقى هذه الشروط المتقدمة موقرة محترمة في كل شئ، وجنس الفرنصيص في كل شئ وفى كل حالة يكون مقبول بالأنعام والمحبة كما هو الجنس العزيز من سائر الأجناس. الشرط الثامن: هو أن سلاطين الجانبين يرضوا ويكون منهم الوفاء في هذه القوانين المذكورين، وفى نسخة منهم بطابع سلطان المغرب يأخذها سلطان الفرنصيص ونسخة أخرى بطابع سلطان أفرانصة يأخذها سلطان المغرب، ولابد ولابد في كون هذه مدة من شهرين أو أقل إذا يمكن، والنواب المذكورين يصنعون من الآن تحتها طوابعهم وأسماءهم وهذا في تاريخ 10 من شهر شتنبروا في سنة المسيح 1842 الموافق في دى 2 من شعبان الأبرك من سنة الهجرة عام 1260" صح من أصله المحتفظ به بالمكتبة الزيدانية على ما به من تحريف وركاكة.

ثم تلا هذه المعاهدة اتفاق آخر بشأن تحديد الحدود حسبما أشير إليه في الشرط الخامس مما تقدم، وقد ناب عن الفريقين في عقده القائد حميدة الشجعى. "الحمد لله وحده ولا يدوم إلا ملكه، هذا تقييد اتفق عليه نائب سلطان مراكش وفاس وسوس الأقصى، ونائب سلطان الفرنصيص وسائر مملكة الجزائر، فمراد السلطانين هو تصحيح عقد المحبة السابقة وثبوتها، ولذلك ترى كل واحد منهما يطلب من الآخر الوفا بالشرط الخامس في مكتوب الصلح المنبرم 10 شتنبر 1844 عام من تاريخ المسيح ومصادقا لتاريخ 25 من شعبان 1260 سنة من الهجرة، وعين كلا السلطانين نائبه على تحديد الحدود بين الإيالتين وتصحيحها نيابة تفويض، فنائب سلطان المغرب هو الفقيه السيد حميدة الشجعى عامل بعض مملكة المغرب، ونائب سلطان الفرانصيص وهو الجينرال اريسطيد يزيدور كنت دلاروا وصاحب نيشان الافتخار دولة الفرانصيص، ودولة صبانية، فبعد الملاقاة بينهما وإتيان كلاهما برسمى التفويض من سلطانه، اتفقا على ما فيه مصلحة الفريقين، وجلب المحبة بين الجانبين وها هو مذكور أسفله: الشرط الأول: اتفق الوكيلان على إبقاء الحدود بين إيالتى المغرب والجزائر كما كانت سابقا بين ملوك الترك وملوك العرب السابقين، بحيث لا يتعدى أحد حدود الآخر، ولا يحدث بنا في الحدود في المستقبل، ولا تمييزا بالحجارة بل تبقى كما كانت قبل استيلا الفرانصيص على مملكة الجزائر. الشرط الثانى: عين الوكيلان الحدود بالأماكن التي في ممر الحدادة وتراضيا عليها، بحيث إنها صارت واضحة معلومة كالخيط، فما كان غربى الخط يعنى الحد فلإيالة مملكة المغرب، وما كان شرقى الحد فلإيالة مملكة المشرق.

الشرط الثالث: ذكر مبدأ الحدود والأماكن التي تمر عليها الحدادة، فمبدؤها ملتقى وادى عجرود مع البحر واصعد مع الوادى إلى أن تبلغ المشرع المسمى كيس، وسر كذلك مع الوادى إلى أن تبلغ رأس العيون الكائنة بحجر الكديات الثلاثة المسماة مناصب كيس، وهذه الكديات الثلاثة داخلة في الحد الشرقى، وسر من رأس العيون من الحمار إلى أن تبلغ دراع الدوم واهبط إلى الوطا المسمى الأعوج، وسر كذلك وحوشى سيدى عياد كالمقابل لك غير أن الحوشى بنفسه يبقى داخل الجهة الشرقية نحو الخمسمائة ذراع، وسر كذلك إلى جوف لبارود الكائن بوادى بونعيم، ومنه إلى كركور سيدى حمزة، ومنه إلى زوج البغال، وسر منه مياسر البلد الطلح إلى سيدى الزهار المعلوم للأعملة الشرقية، ومنه سر مع الطريق الجادة إلى عين تقبالت التي هى بين الواردة والربوجتين المسماتين بالتوميات المعروفتين لإيالة المملكة المغربية، واصعد من عين تقبالت مع واد روبان إلى رأس العصفور، وسر كذلك مع الكاف واترك شرقا قبة سيدى عبد الله بن محمد الحمليلى وغرب مع ثنية المشاميش، وسر كذلك غير مشرق وغير مغرب إلى أن تبلغ قبة سيدى عيسى الكائنة بمنتهى طرفى مسيون والقبة وحرمها داخلان في إيالة المملكة الشرقية، وسر مستقبلا من القبة المذكورة إلى أن تبلغ كدية الدباغ وهى تمام حد التل، ومنها سر مستقبلا إلى أن تبلغ خنيف اللحدا، ومنه إلى ثنية الساسى المعلومة لإيالة المملكتين والحدادة المذكورة من البحر إلى الصحرا من تمامها. ذكر الأرض الملاصقة للحدود شرقا، وذكر القبائل النازلة بها، فأول الأرض والقبائل أرض بنى منقوس التحاته واعطيه الذين هم لإيالة المغرب، ومنزلهم أرض إيالة مملكة المشرق، وسبب نزولهم واقعة وقعت بينهم وبين إخوانهم الغرابة فانهزموا فالتجأوا إلى المنازل التي هى سكناهم الآن، ولا زالوا يتصرفون في المنازل

المذكورة بالْكِرَا، مِنْ من مالك إيالة المملكة الشرقية إلى الآن وحتى الآن، لكن تكرم وتبرع النائب عن سلطان الفرانصيص على نائب سلطان المغرب بالوظيفة التي تؤديا هاتان القبيلتان المذكورتان لسلطان العملة الشرقية، فلا يطالبون بقليل ولا كثير ولا جليل ولا خطير، رغبة في الاستيلاف وإبقاء للمحبة، وجلبا للمودة بين الفريقين مدة الخير والصلح والمهادنة وضيافة من النائب المتبرع المذكور على السيد النائب عن سلطان المغرب المسطور، ثم يجاور تراب الفرقتين المذكورتين تراب مسيردة والأعشاش وأولاد ملوك وبنى بوسعيد وبنى سنوس وأولاد أنهار، فهذه القبائل الستة من جملة عملة الجزائر. وكذلك ذكر الأرض الملاصقة الحدود غربا، وذكر القبائل النازلة فيها، فأول الأرض والقبائل، أرض أولاد منصور، أهل تزيفة، وبنى يزناسن، والمزاوير، وأولاد أحمد بن إبراهيم، وأولاد العباس، وأولاد على بن طالحه، وأولاد عزور وبنى بوحمدون وبنى حمليل وبنى مطهر بوحمدون وبنى حمليل وبنى مطهر أهل رأس العين وهو لا القبائل بمنازلهم لعملة المغرب. الشرط الرابع: أن أهل الصحرا لا حد فيها بين الجانبين لكونها لا تحرث، وإنما هى مرعى فقط لعرب الإيالتين التي تنزل فيها وتنتفع بخصبها وماها، ولكلا السلطانين التصرف في رعيته بما شاء، وكيف شاء، من غير معارض إن امتازت، وإلا فمن أراد إحداث أمر في رعيته حالة اختلاطها برعية غيره فليكف عن غير رعيته ويحدث في رعيته ما يشاء. فالأعراب الغربية هما المهايه وبنى قيل أولاد سيدى الشيخ الغرابة وعمور الصحرا وحميان الجنبة. والأعراب الشرقية هم أولاد سيدى الشيخ الشرافة وكافة حميان من غير حميان الجنبة.

الشرط الخامس: في تعيين قصور إيالة المملكتين في الصحرا فعلى الملكين اتباع الطريق السابقة وتوقير أهل هذه القصور رعيا لجانب المقامين، أما قصور فجج وقصر بيش فلعمالة المغرب، وأما العين الصفرا وسفيسفة وعلة وتيوت وشلالة والأبيض وبوسمغون فللعملة الشرقية. الشرط السادس: أن الأض التي هى قبلة قصور الفريقتين في الصحرا لاما فيها فلا تحتاج للتحديد لكونها أرض فلاة. الشرط السابع: أن جميع من التجأ من رعية الفريقين إلى الآخر فلا يرده من التجأ إليه لموضعه، حيث أراد البقاء بملتجئه، وإلا فمن أراد الرجوع لموضعه فلا يتعرض له عامل ولا غيره، وحيث عزم على البقا فيبقى تحت حكم عامل المكان الملتجأ إليه، ويكون آمنا في نفسه وماله احتراما من السلطانين بعضها بعضا. وهذا الشرط لا تدخل فيه القبائل الذين عملتهم مبينة في الشرط أعلاه، وغير خفى أن الحاج عبد القادر ومن في حزبه غير داخل في هذا الشرط، لأن دخوله فية موجب لبطلان الشرط الرابع في مكتوب الصلح المنبرم 10 شتنبرو سنة 1844، فإن العمل والوفا به من أهم الأمور الموجبة لنفوذ كلمة السلطانين، وتصحيح المحبة، وإبقا المودة بين الدولتين، والألفة بين الجانبين، فبعد المطلوب من السلطانين الرضا بما ذكر أعلاه والوفا به، ولابد من كتب نسختين لتقييد الشروط المذكورة، فتطبع نسخة منهما بطابع سلطان الفرانصيص، ويأخذها سيادة

[صورة] معاهدة الحدود الجزائرية المغربية المنعقدة بين القائد حميدة الشجعى نائب المغرب والكونت دولارو نائب فرنسا

[صورة] كتاب الجنرال دولارو إلى المولى عبد الرحمن

سلطان المغرب، وتطبع نسخة أخرى بطابع سلطان المغرب ويأخذها سيادة سلطان الفرانصيص، وتبديل النسختين إنما يكون في طانجة عن قريب إن شاء الله، بعد أن يضع كل واحد من النائبين المذكورين خط يديه وخاتمه في كل نسخة من النسختين، وذلك بقرب الحدود بتاريخ 4 ربيع الأول سنة 1261 الموافق اليوم الثامن عشر من مرس سنة 1845 من تاريخ المسيح، والله يصلح الحالى والمآلى، وأسفله خط يد النائب الفرنصوى الجلينار كونت دولاروا، وأسفله خط يد النائب المغربى السيد حميدة بن على" صح من أصله الموجود بالمكتبة الزيدانية، وقد ألحقت به خريطة جغرافية لبيان تلك المواقع. وقد عثرت على رسالتين للمندوب الفرنسى المذكور في مسائل من هذا الباب تتعلق بالدولتين، وقد كتب إحداهما للسلطان مباشرة، والثانية لوزيره ابن إدريس ونص الأولى بلفظها العربى: "الحمد لله وحده، ولله ملك السماوات والأرض، إلى سعادة سلطان المغرب الأعظم فخر ملوك الإسلام، مولاى عبد الرحمن بن هشام أيده الله، وبلغه من الخير ما أراد، وأطال عمره آمين. من عبد ربه سبحانه الفارس الكونت دولار وصاحب نيشان الافتخار الدولة الفرنصوية وجنيرال بعض عساكر سعادة سلطان فرانصة نصره الله، ونائبا عن حضرته، أعزه الله على تحديد بلد مملكة الغرب، وبلد مملكة الجزائر، ومفوضا التفويض التام بالحل والربط، وأن يحل ويعقد ويلتزم على كل ما يجب لترسخ المحبة الخالصة بين الدولتين. بعد السلام اللائق بالمقامين، فالمعروض على مسامعكم الشريفة هو أن سعادة سلطاننا لما عيننى مرسولا إلى ناحيتكم لأجل التحديد المذكور أعلاه، ظن أن سعادتكم تسر بذلك لأنكم كنتم تفضلتم عليّ بالقبول والرضا، وشرفت

بمقابلتكم، وإنا نفتخر بذلك الافتخار التام، ونرجو أن تقبلوا كلامى الذى هو كلام سلطاننا المفوض إلى الأمر. فسعادته أول ما وصانى به خصوصا هو أن نمتن ونصحح عقد الصلح الذى تم حديثا بين مالكى المغرب والفرانصيص، ولأجل تسهيل الأمر الذى أرسلت لأجله نستأذن منكم بأن نخلى العوائد المعلومة على جهة، لما كنتم أنعمتم علىّ سابقا حين كنت أرسلت إلى سعادتكم، ونطلب منكم أن تقبلوا كتابى هذا، لأن مقصودى تعجيل الأوبة وإنا نعلمكم بأن قدومى هذا ليس هو مقصورًا على تحديد البلاد فقط، بل لبيان أمر مهم آخر، وهو أن سلطاننا تحقق عنده ما فعلتم قبل من الخير، وأن نيتكم دوامه، كما تحقق عندكم أن نيته ثبات الخير وهو أفضل من كل فائدة، وسبب الفساد الواقع بين الدولتين إنما نشأ عن حلول الحاج عبد القادر بقرب الحدود، ولا يخفاكم أنه أصل كل فساد، وعنه ينشأ، وبفساده تنتقض المحبة المعقودة بين الدولتين، وهو الآن نازل في بلد قلعية وتروهم في ضيافته وإعانته هو وسائر دائرته وما ذلك إلا من كذبه على القبائل بالتمربيط والجهاد يختلهم به بلا طاقة، وفعله هذا كذب محض، يزعم أن ليس غيره آمرا بالدين والجهاد. ونيته بذلك أن يقيم رعية، ويختلس لنفسه القوة، ويضرم نار الفتنة بين الجانبين، لما علمتم أن مقصوده الأهم، إنما هو سعيه في إفساد رعية المغرب وهذا الحال لا يخفى على سعادتكم، وفيه خطر كبير للدولتين، ولأجل مصالح الفريقين، وجب علينا إزالة هذا المرض خوفا من زيادته، لأن الذى يحب حفظ الصحة الواجب عليه اتقاء ما فيه زوالها، فعليكم مسامحتنا، فإنا نذكركم أنى حين جئت عندكم سابقا منذ ثمان سنين، وبذلت جهدى عند سعادتكم وعند وزيركم الطيب البياز، وبينت لكم كل الفساد الذى سيصدر من الحاج عبد القادر، وكنت

حذرتكم من بيع السلاح وآلة الحرب له لما علمت أنه لابد يطرد عن مملكته، لأنه لا يستطيع المقاومة. ومن المعلوم أنه لا يلجأ إلا إليكم، وربما جر لنواحيكم البلاء المحيط به، وكل ذلك وقع بإذن الله، فنرجو من سعادتكم العمل بكلامى، وتبذل مجهودك في إزالة الحاج عبد القادر، لأنك ألزمت نفسك بذلك بواسطة الشرط الرابع من شروط الصلح الذى انعقد، ووافقتم عليه بطابعكم. فالتحريض الذى حرضنى سلطاننا عليه لأجل وفاء بهذا الشرط، وهو يبين لكم أن نيته دوام الخير وأمر محقق ظاهر ما يثبت الخير بوجود الحاج عبد القادر بمجاورة الحدود، واليوم إن حصل لكم مانع سرى لأجل ذلك، فالطريقة الموافقة أكثر من كل شئ، هو أن ترسل أحد عمالكم من خواص حضرتكم وكنز سركم وتكلفوه بكامل أسراركم عند سلطاننا، وهو يتكلم عند سعادته بجميع أموركم، وما يلزم أن نبين لكم أنه يكون مقبول بالفرح والسرور كما هى عادة الملوك، كما فعل جدكم المعظم المبجل المفتخر مولاى إسماعيل حين أرسل إلى جد سلطاننا لويز الرابع عشر، فلا نقدر نحن ولا أنتم ننسوا الخير الذى صدر من هذه المراسلة بين النصارى والمسلمين. فبتجديد هذه المراسلة تحصيل فوائد شتى، من جملتها: تجديد عقد الشروط التي وقعت بين الأسلاف السابقين على التجارة وغير ذلك، وامتثال أمر سلطاننا الذى بفعله نسى جميع ما مضى من الفتنة التي اشتعلت بواسطة الشيطان من غير نية من الجانبين، والحاصل بهذه المراسلة تظهر المحبة على عيون الجنوس كلهم، والآن أنا قادم إلى الحدود لأجل تحديد البلاد مع نائبكم إن شاء الله، وحين نكمل ذلك يأتينى مكتوبكم برضاكم موافقا لحين التمام، أو بإرسال نائب من سعادتكم

وبموجب مرسومكم الشريف متضمنا الانتظار بتلمسان، أو نقدم إلى طنجة ونركب في مركب سلطانى، ونذهبوا سوية لباريز، وتكون له حرمة ورفعة كما يليق بمرسول سعادة الأعظم، سلطان الإسلام الذى صار الآن محبا للدولة الفرانصوية، وفى هذا كفاية والسلام بتاريخ أواسط صفر عام 1261، وبأمر المعظم الجنيرال المذكور الواضع طابعه فيه. وأعلمكم أيضا أن خليفة سلطاننا المعظم الماريشال بيج الضامن العافية في الوطن، قد أخبر السلطان أنه كاتبكم وكاتب ابنكم بما فيه مصلحة الفريقين، وأن سبب الفتنة هو وجود الحاج عبد القادر في الحدود، وأخبره أنه حذركم فلا تظنوا أنه غير عالم بذلك، فقد علم كل الواقع في الوطن، وقد كتبنا لك كتابين أحدهما برا، والآخر بحرا مضمنهما واحد: وقد حط خط يده أسفل" هـ من أصله. ونص الثانية بعد الحمدلة والحوقلة والطابع الإفرنجى والتوقيع بالخط. "من المكتوب عن إذنه الجنيرال الكونت دولارو وكيل سلطان الفرانصيص وواليه في بعض جنوده، إلى الفقيه الرئيس السيد محمد بن إدريس، السلام التام اللائق بالمقامين، فإنه قد وصلنا مكتوبك، وعلمنا ما فيه إجمالا وتفصيلا، أما ما ذكرت أن السلطان قائم على ساق الجد في التضييق عن الحاج عبد القادر وحسم مادته، وأنه كلف بعض عماله بذلك، وأنه ساع في الخير حريص على ثبوته، فكل ذلك علمناه وفرحنا به غاية، وحمدنا الله تعالى الذى أظهر صدقنا في تحذير السلطان سابقا من فساده، وأنه سيلتجئ إليكم فقد وقع كل ذلك. وأما ما ذكرت في شأن الفرنصيصى عمر أنه كاتب الحاج عبد القادر وحذره من الثقة بجانب السلطان، فاعلم أن هذا الرجل اسمه عندنا ليون بن الروش، وهو الآن ترجمان خليفة سلطاننا وكاتبه، وأحد خواصه، وما علمنا عليه إلا خيرًا لا يسعى إلا في مصالح العباد، وأنه لم يكاتب الحاج عبد القادر من تلقاء نفسه، بل

بأمر الخليفة المارشال بيج، وذلك أنه قبل وقعة يسلى بأكثر من نصف سنة كتب الحاج عبد القادر إلى خليفة سلطاننا يلتمس منه الصلح، وهو في إيالتنا، فأمر حينئذ عمر المذكور بإجابته أنه إن التمس الصلح ليعود للملك فذلك لا سبيل إليه، وإن التمس الصلح عن نفسه فقط وبعض دائرته فليقطع الفساد. ورغبة في الانتقال بمن معه لمكة على يد السلطان مولاى عبد الرحمن ومئونة السفر على سلطاننا، كما أنه تحمل له بعطاء جزيل كل سنة إن فعل ما ذكر، ولما لم يمتثل لأمره حتى قدر الله بالفتنة الواقعة بيننا، ودخل لإيالتكم أمر الخليفة المذكور أيضا عمر المسطور بمكاتبته، وحذره من الثقة بجانب سلطانكم ومن غدره بعد وقعة يسلى بيومين، وبعث المكتوب صحبة أحد أصحابه كان قبض عندنا، وأخبره أن الباب الذى فتح له لا زال كذلك، وهذا إنما وقع حالة الفتنة كما ذكرنا. وما ذكرته لنا من أن موجب تعاصيه إنما هو هذا الكلام فهذا غير مناسب، لأنه لا يخفى عليكم لفطانتكم وذكاء فهمكم أن هذا العذر لا ينفعه، ومع ذلك لا يستطيع دفاعا عن نفسه، فهو يتعلل بهذه العلة، وقد كاتبنا السلطان بالملاقاة والموافقة على ما فيه سد الخلة بين الجانبين مع النائب الطالب السيد حميدة ورسول السلطان السيد أحمد بن الخضر، وبينا له كيفية الملاقاة، وقد أتحفناهما بهدية نفيسة تليق بالوفود كما ستعاين جميع ذلك في مكتوب السلطان. وذكرت لنا أن بعث أحد الخواص لحضرة سلطاننا هو ببال من سلطانكم، فالمطلوب منك بذل الجهد في تعيينه ليكون على أهبة واستعداد بطنجة، فإنا قادمون إليها لا محالة لتبديل النسخ، ويذهب معنا وعلينا حفظه ومواصلته بما يليق مكافأة لبر ملككم حال وفودنا عليه مرتين، وفى بعثه وإتمام هذا الخبر والصلح مصلحة الجانبين، وجريا على عادة الملوك، ويحيى هذا الرسول شروط التجارة السابقة بين الأولين، وليراه سائر الأجناس ويحصل لهم اليقين بثبوت الخير.

وكيف بك نحن عظمنا سلطانك بما يليق به، وأنت تقابلنا بخلاف ذلك، مع أن توقير الملوك وتعظيمهم من الأمور المهمة، لا سيما وقد اتفق السيد بوسلهام مع وكيلنا بطنجة على التعظيم، وأنه لابد من ذكر السلطان ولقبه بلفظ التعظيم، ولا يكفى ذكر عظيم الجنس، ووصلت مكاتبه لسلطاننا في البحر بما يناسب قصدنا، ووقعت المخالفة برا، والظن أنه على وجه النسيان منك. ولا يخفاك أن ملكنا مؤسس على العدل منذ 1855، مع أن كل جنس له ملك والملك يختاره الله من خلقه، فإذا كان كذلك فالواجب على المخلوق تعظيمه، وها هى نسخة مكتوب السيدة حميدة تصلك مضمنها ما قاله به عمر المذكور، والسلام بتاريخ يوم الجمعة 12 ربيع الأول عام 1261" صح من أصله المحفوظ بالمكتبة الزيدانية. ثم أصدر السلطان ظهيرا ضمنه كيفية معاملة الفرنسيين توكيدا للعهود السالفة بعد الحمدلة والحوقلة: "كتابنا هذا أسماه الله المتلقى بالإجمال والتعظيم والتبجيل والتكريم، يعلم الواقف عليه من عمالنا وولاة أمرنا بثغورنا علم يقين، ونأمره أمرًا حتما أن يعمل بما فيه ولا يحيد على كريم مذهبه، وذلك أن حاصله القونصوا الفرانصيص خديمنا لورشنيد جعلنا له فيما أنعمنا عليه وعلى جنسه الفرنصيص حسبما تضمنه عقد الصلح الذى بأيديهم، وأن كل ما يوسقونه سفن تجارهم بقصد ما يأكلون بحرية السفينة مدة إقامتهم في المرسى وزاد سفرهم لا يعطون عليه شيئا في الخارج من لوازم المرسى، وكذلك القراصين إذا وسقت ما تحتاج إليه في المأكل والمشرب وما تصلح به مراكبها، لا يلزمهم على ذلك في الخارج شئ. وكل ما يأتي لهم من بلادهم من المأكل والمشرب واللباس لا يلزمهم عليه شئ في الداخل، وإذا اطرد محاربهم سفينة من سفنهم حتى بلغت رماية المدفع

المعدة للدفاع من مراسينا السعيدة، فلحاكم البلد أن يدفع عنها، وإن جاء عدوهم بالأسارى من الفرانصيص المرسى ما دام مقيما بهم على وجه الماء لم ينزل بهم للبر فلا كلام معه، وإن نزل بهم للبر فلولى تلك المرسى انتزاعهم منه وردهم على الفرانصيص. وأذنا لقونصو الفرانصيص وبجمع تجارهم الانسياح في إيالتنا يذهبون حيث شاء، فلا يتعرض لهم عارض، ولا يمنعهم مانع، وكذلك جميع أصحابهم وخدامهم، وهم محررون في الوظائف كلها لا يلزمهم شئ. ولهم أن يعملوا ما شاءوا في دورهم من أمور دينهم مع الفرايلية، ومن أراد ذلك من أجناس النصارى معهم فلا يمنعون من ذلك ولا يحال بينهم وبين دينهم، وإذا صدرت مخاصمة بين مسلم وافرانصيصى فليحكم بينهم والى البلد، أو يرفعهما لعلى مقامنا إذا عجز عن فصالهما. وإذا ساء الفرانصيص الأدب مع المسلم فلا يحكم عليه والى البلد إلا بمحضر القونصو المذكور، وله أن يدفع عنه بما أمكنه من البينات التي تقبل شرعا. وإذا هرب الجانى فلا يؤاخذ به القونصوا، ولا غيره من جنس الفرانصيص، إلا إذا ضمنه، وكذلك إذا هرب الفرانصيص بمال مسلم ترتب عليه من سلف أو معالة، فلا يؤاخذ به القونصوا المذكور إلا إذا أذن للمسلم المذكور وأعطاه خط يده. وإذا هلك أحد من جنس الفرانصيص ومات على دينهم، فله أن يتصرف في ماله القونصوا بما شاء لا يتعرض له عليه، وإذا جاءت سلعة لتاجر من تجارهم وأنزلها بقصد البيع فعشرت ثم إنها لم تبع كلها وإن ردها لبر النصارى فلا يلزمه شئ عليها في الخارج، حيث أدى واجبها في الداخل.

وإذا صدرت مخاصمة بين افرنصيصى فيما بينهم سواء كان تاجرا مع بحرى أو تجار بينهم بما شاء وظهر له، فلا يمنع من ذلك ولا يطاف بدائره بما يكره، وإنما تبقى لمزة عن دور غيره من أهل ملته. وإذا (¬1) انتقض الصلح بينه وبين البعض من غير إيالتنا مثل تونس والجزائر وأطرابلس وطردت سفينتهم سفينة الفرانصيص، حتى أدخلتها مرسى من مراسينا، أو وجد بها أو وجدها الحال كانت بالمرسى قبل، ثم أرادت الخروج من المرسى إلى بلادها فأراد محاربها اللحوق بها بنفس خروجها، فلا سبيل له إلى ذلك إنما يمنعه والى البلد جهدها تبعد عنه، وذلك أن يمكث مدة معلومة بين أهل البحر، ثم إن شاء اللحوق بها إذا بعدت فعل، وكذلك العكس، بهذا صدر الأمر العالى فكتبه في الخامس من المحرم الحرام فاتح عام 1261" من أصله المحفوظ بالمكتبة الزيدانية. ثم إن السلطان بعث عامله على تطوان الحاج عبد القادر أشعاش سفيرًا لفرنسا برهانا على تمام المودة وتسوية الخلاف وإجابة لاقتراح الكونت دولارى المتقدم في كلامه وأصحب السفير كتابا للملك لويس فيلب هذا نصه: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ولا حول ولا قوة إلا بالله من عبد الله المعتصم بالله المتوكل على الله المجاهد في سبيل الله أمير المؤمنين بالمغرب الأقصى الشريف العلوى الحسنى وهو (الطابع بداخله عبد الرحمن ابن هشام الله وليه) أيد الله عساكره وجنوده، ونصر أعلامه حيثما توجهت وبنوده، آمين، إلى المحب الودود، الذى هو في عظماء الملوك معدود، حامل راية الرياسة، والسابق المحلى في مضمار السياسة، الفرد الذى فاق أبناء جنسه، بما حاز من خصائص نفسه، السلطان لويز فلب ملك جنس فرانسه والحاكم على ممالكها الدانية والقاصية وفقه الله وسدده، وإلى سبيل الهدى أرشده. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "وإنما".

[صورة] ظهير رحمانى إلى لويس فيليب ملك فرنسا مع السفير الحاج عبد القادر أشعاش

أما بعده: فإن المراسلة بين الدول، والمواصلة بين الملوك الأول، تفتح للمودة أبوابا، وتيسر للمواصلة أسبابا، وتزيد الود تأكيدا، والعناية تجديدا، وتزرع حب الحب في القلوب، وتقرب البعيد وتيسر المطلوب، ولما رأينا ما برز به القدر من هذا الكدر، الذى لم يكن في ورد عندنا ولا صدر، أردنا الوقوف في ذلك على عين الحقيقة، وسلوك السبيل إلى العلم بسببه والطريقة، طلبا للإنصاف ورغبة في العدل الذى هو أحسن الأوصاف واختبارا للمحبة التي قدم عهدها، وكان على يد الأسلاف عقدها، فاخترنا من بيوتات الخدمة والرياسة سفيرا، ورشحنا لحضرتكم من خاصتنا باشدورا، وهو وإن كان صغير السن فهو كبير الهمة والعقل، وهو الخديم الأنجب، والشاب الأنجد الحاج عبد القادر بن الخديم المرحوم الأرشد القائد محمد أشعاش وأصحبناه هذا الكتاب الشريف، والأمر الرفيع المنيف، ليكون للعهد مجددا، وللصلح المنعقد مؤكدا، وهو النائب عنا في إنهاء مسائل عرضت تكسب الود صفاء، وتزيد العهد ثباتا ووفاء، فتأملوها بعين الإنصاف والعناية، وقابلوها مقابلة من شأنه الملاحظة والرعاية، فإن بصفائها تجرى الأمور على مقتضاها، وبحسم مادتها تبلغ النفوس من هذه المهادنة مناها، والله أسأل أن ييسر أسباب التوفيق، والهداية إلى أحسن روض مرعاها، في سابع عشر شوال الأبرك عام واحد وستين ومائتين وألف" من أصله المحفوظ بوزارة الخارجية الفرنسية. وقد قدمنا الكلام على هذه السفارة في وقائع سنة 1261، كما ذكرنا السفارة التي وردت في السنة بعدها، ونزيد هنا كتابا بعثه السفير الحاج عبد القادر للسلطان يتضمن الإخبار بما لقى من المبرة والإكرام ونصه على بترٍ فيه: "وبعد فمما يجب إنهاؤه لكريم علمكم، أنا دخلنا مدينة باريس يوم الأحد ثامن عشرين من الحجة الحرام، بعد أن مكثنا في الطريق سبعة أيام، من يوم خروجنا من مرسيليه، فأنزلونا منزلا رفيعا، ونظرنا فيها منظرا حسنًا بديعا، وهى

من أعظم مدن الدنيا، وأبهجها، فأول من لقينا الوزير الذى كان بعث لنا صاحبه لمرسيلية، واسمه اليسكيزوا، فرحب بنا وألطف ملاقتنا، وأثنى خيرًا وأبدى سرورا وبشرى، ثم جاءنا قائد المشور من عند السلطان يستدعينا لملاقاته هـ. أرسله بذلك سيده فلقينا يوم الثلاثاء ثالث قدومنا فبالغ في إلطافنا والمبرة بنا، وكان أشار علينا بعض من له خبرة بعوايدهم أن لابد من إنشاء خطبة تتضمن تعظيما لجانب سيدنا ولسلطانهم وجنسهم، وأننا لازلنا على المودة وتأكيد المحبة إلى غير ذلك من الزخاريف، ونسردها بحضرته، ففعلنا ذلك من غير تفريط ... ولا يخل بواحدة من الملتين فلما لقينا ... ما كنا زورناه ثم فسره الترجمان فبعد فراغ ... خطبته من جيبه وسردها بلسانه ثم فسرها الترجمان ... أنه يحمد الله ويشكره على ما حصل من تجديد المحبة ... بينهم وبين سيدنا نصره الله وأنه لا زال على المحبة ... والميثاق، وأن ما حدث من المجاورة بيننا وبينهم يوجب كثير الوداد إلى غير ذلك مما كان جوابا لكلامنا، ثم مكناه من كتاب سيدنا فقبضه بيده، ووضعه على كرس رأسه، ونزل درجة عن كرسيه عند قبضه تعظيما، ثم دفعه لوزيره فرجعنا من عنده، ثم بعث لنا يعرضنا للعشاء معه، فصرنا إليه في وقت العشاء فألفيناه قد أحضر عظماء دولته، وخواص مملكته ونساءه وأولاده وجلس معنا بنفسه، في صالة لا يسع هذا الكتاب وصف ما فيها، فأكلنا ما يباح من الأطعمة، وبعد فراغنا أخذ يتحدث معنا ويباسطنا بطيب الكلام ويتصفح من كان معنا من أصحابنا ويقف مع كل واحد منهم على حدته، ويسأل عنه وعن أحواله، ومن هو، وما يعمل، وكذلك أولاده وأقاربه حتى أعطوا لِكُلِّ واحد حقه من ذلك. ومما تشكر به هو ووزيره وامرأته وخواصه ما فعله المسلمون بناحية الجديدة من إخراجهم ما قدروا على إخراجه من نصاراهم الذين انكسر مركبهم في شهر

ذى الحجة من سنة إحدى وستين هنالك، وطلب منى أن أبلغ سيدنا عنه في ذلك أحسن ثناء، فبقينا معه هنيئة بعد العشاء، وأذن لنا في الذهاب، فرجعنا لمحلنا وذلك كله يوم الثلاثاء المذكور هـ. ثم استدعى القنصل (دينيون) الذى تولى وظيفته سنة 1255 كما تقدم وأقيم مكانه آخر يسمى (دوشاطو) وكتب الملك لويس للسلطان يعلنه بذلك فأجابه بما نصه: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، من عبد الله المتوكل على الله المعتصم بالله المجاهد في سبيل الله وهو أيد الله أوامره، ونصر أعلامه حيثما توجهت وعساكره (الطابع) إلى المحب الودود، المحافظ على العهود، الذى قدمه عقله وجده، وأورثه الرياسة أبوه وجده السلطان لويز فلب سلطان دولة فرانسة والحاكم على ممالكها، أرشدك الله وهداك، وألهمك هداك. أما بعد: فقد وافى حضرتنا العلية بالله كتابكم الأوجز، صحبة الخديم الحازم، ذو شاطوا قونص جنسكم بإيالتنا السعيدة الذى أقمتموه مقام القونص دينيون الذى كان قبله ورشحتموه للنيابة عنكم، والوساطة بيننا وبينكم لما عرفتم من عقله وحسن أدبه لتبقى الأمور جارية بين الدولتين على مقتضاها، ويبلغ كل من الجانبين الخطة التي يرضاها، فقد قبلناه قنصوا جلنارًا، وقابلناه بما يليق بأمثاله إكرامًا ووقارًا، وله لدينا مزيد احتفاء واحتفال، وموالاة عناية واهتبال، من معونته على ما يعرض له من مصالح الدولتين، وتأمين تجار المملكتين، فأما أولى الناس بحفظ الجار ومراعاة النزيل، ومعاملة الخدام النصحاء بالجميل، وعلمنا ما أكدتم به عليه من حفظ أسباب المودة، والسعى فيما يزيدها قوة وشدة، فذلك هو المعهود من وسائط الدول، المقتفين سبيل الخدام الأول، وهذا دليل المحبة التي شرح الخديم المذكور فصولها، ومهد بالنيابة عنكم أصولها، فقد أدى كتابكم، وأنهى

إلينا نصيحتكم وخطابكم، ووثقنا بما أنهى إلينا من صفاء مودتكم، وصدف محبتكم، وجدد ما كان بين السلف من ذلك، وسلك في ذلك كله أوضح المسالك، فقد رجعت المواصلة بين الدولتين لنصابها، واستحكمت المودة بالانتفاع بين المملكتين باتصال أسبابها، وحصل من الصفاء ما اتسعت به الأمور، وانشرحت له الصدور، إن شاء الله تعالى والتمام، وكتب بالحضرة العلية بالله تعالى من حمراء مراكشة صانها الله بمنه وحاطها في 3 المحرم الحرام فاتح عام 1263" من الأصل المحفوظ بوزارة الخارجية الفرنسية. ولما نودى نابليون الثالث سلطانا على فرنسا كتب للمولى عبد الرحمن كتابا يعلمه بتبوئه عرش فرنسا، ويؤكد له استمرار سياسة الوداد بين الدولتين، ويقدم إليه ممثله الجديد في بلاد المغرب (ياجير شميد) ونص ترجمة الكتاب من أصله المحفوظ بوزارة الخارجية الفرنسية: "من نابوليون أمبرطور الفرنسيين بفضل الله وبإرادة الأمة، إلى الأمير الأسمى الأفخم الأعظم مولاى عبد الرحمن أمبرطور المغرب وملك فاس وسوس صديقنا الأعز الأفضل: أيها الإمبرطور الأسمى الأفخم الأعظم: لما ارتقينا عرش الإمبرطورية بفضل الله وبرغبة الفرنسيين أجمعين، بادرنا إلى مخاطبة الأمراء الذين برهنوا لنا على صدق مودتهم، مبلغين إياهم خبر توليتنا، ولأجل ذلك نوجه لكم هذا الكتاب ليعبر لكم عن عواطفنا ويشهد الله الذى يعلم ما انطوت عليه الصدور، أننا لا رغبة لنا إلا في توثيق الروابط الودية التي بين فرنسا وممالككم، وتمتين العلائق التي تدل على ما بيننا من حسن المفاهمة، وأول ما سنوجه إليه اهتمامنا هو المحافظة على تطبيق العهود التي تربط أمبرطوريتنا منذ قرون، ولا شك عندنا أن جلالتكم أيضا ستسهر على تنفيذ جميع

[صورة] ظهير رحمانى للويس فليب باعتماد (دوشاطو) وقبوله قنصلا

[صورة] ظهير المولى عبد الرحمن إلى نابليون الثالث بقبول (دى كاستيليو) قنصلا

الشروط، وأنها ما تفتأ تجود بحمايتها للفرنسيين الذين يجولون بالمغرب، أو يقيمون به، أو يتعاطون فيه التجارة. وبناء على الثقة التي عندنا بجلالتكم في هذا الباب فها نحن نؤكد بأنفسنا لكم ما لنا نَحْوَكُم من عظيم الاعتبار، ومن صادق المحبة، هذا وننتهز هذه الفرصة لنخص لديكم بالوصية خديمنا الأرضى المسيو (ياجر شميد) وقد كلفناه بالقيام بشئون سفارتنا وبالقنصلية العامة بطنجة، ولنا اليقين بأن جلالتكم ستتنزل لمساعدته على القيام بالمهمة التي نيطت به، وذلك بأن تطمئنوا كل الاطمئنان إلى كل ما قد يتشرف بتقديمه لكم باسمنا. وختاما نتضرع إلى المولى أن يحفظكم بعنايته الكريمة أيها الإمبراطور الأسمى الأفخم الأعظم صديقنا الأعز الأفضل، وكتب في قصرنا الملكى المعروف بتويلرى في 14 يناير من سنة الرحمة 1853". وبطرته (من الإمبراطور إلى إمبراطور المغرب 14 يناير 1853). ثم وقع استدعاء ذلك القنصل وأقيم آخر مكانه وكتب نابليون الثالث للسلطان بقبوله نائبا عن دولته فأجابه بما نصه. "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، من عبد الله المتوكل على الله المفوض أمره إلى الله أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين وهو (الطابع بداخله اسم السلطان) أيد الله عساكره وجنوده، ونصر أعلامه وبنوده، إلى المحب الأود صاحب التدبير والسياسة، والتجلى في ميدان الرياسة، عظيم قومه، وزعيم جنسه، من له المحبة التامة في جانبنا العالى بالله السلطان نابليون سلطان الفرانصيص. أما بعد: فقد وصلنا كتابك، وفهمنا خطابك، وعلمنا أن مرادكم أن لا تتوقف أبدا المعاشرة بين الدولة الفرانصيصية والدولة المغربية، فاخترتم لذلك المكرم

دى كاستليون الذى هو أحد أصحاب نيشان الافتخار، ووجهتموه لإيالتنا المحمية بالله متوليا لأموركم، مفوضا في جميعها، قونصوا جنرال في إيالتنا السعيدة، فقد قبلناه وأسدلنا عليه أردية التوقير والاحترام، وأوصينا عليه بالحظوة والمبرة والاهتمام، رعاية لما بيننا وبينكم من المحبة الأكيدة والمودة القديمة، حسبما كان عليه أسلافكم مع أسلافنا رحمهم الله، وخير الخلف، من انتهج نهج السلف. ومن دليل محبتكم واعتنائكم بجانبنا العالى بالله اختياركم هذا الرجل الذى وجهتموه من أعيان قومكم وممن يشار إليه في جنسكم، حتى تبقى المحبة متصلة، والمودة مستمرة، ولا يكون إلا ما يسر الجانبين، إذ لا شك في إثبات المحبة بين بلادنا وبلادكم والختام في 17 محرم الحرام عام 1272" من الأصل المحفوظ بوزارة الخارجية. وأما دولة البرتغال فقد كتب لنائبها العام (جرج كلاص) أول دولته جوابا يعلنه باستمرار السياسة التي كانت جارية بين الدولتين على عهد عمه المولى سليمان، ونص ذلك بعد الحمدلة والحوقلة: "من له بخدمتنا كمال الاعتناء وغاية الوقوف، والخادم الذى تمام عقله ظاهر معروف، وملاك أمره على مرضاتنا مصروف، قونصوا جلنار البرطقيز جرج كلاص. أما بعد: حمدا لله الذى بيده الأمر والإنشاء، ويحكم ما يريد ويفعل ما يشاء، فقد وصلنا كتابكم، وأنهى إلينا خطابكم، وعرفنا ما أنتم عليه من صدق الخدمة، ورعى الحرمة، عملا على شاكلة جنسكم مع أسلافنا قدس الله ثراهم، وطيب أخراهم، وخصوصا أنت بمكانتك من الخدمة لا تجهل، فكن لنا كما كنت مع مولانا العم رحمه الله، وخاطبنا بما يظهر من المصالح ونحن اليوم معكم على ما كنتم عليه قيد حياة عمنا السلطان المرحوم من عهد وهدنة وغير ذلك، ونراعى

لكم أكثر مما كان إن شاء الله، حقق الله أملنا ووفق لما يرضاه أعملنا آمين .... انتهى بتاريخ 17 ربيع الثانى عام 1238". وأما دولة الإنجليز فقد أقر المعاهدة التي عقدها عمه معها بعد أن غير منها الفصل السابع والثامن حسبما ترى في نص الإقرار: "الحمد لله وحده ولا إله إلا الله (ثم الطابع الشريف داخله عبد الرحمن بن هشام غفر الله له) هذا ولما قدم على الحضرة الإمامية، المولوية العلوية الهاشمية حضرة مولانا أمير المؤمنين، وسلطان المسلمين، السلطان الإمام، ابن السلاطين الكرام، مولانا عبد الرحمن بن مولانا هشام بن مولانا محمد بن عبد الله بن مولانا إسماعيل أيد الله من قبل ملك الإنجلزية السلطان جرج الرابع، وهو خديمه الباشدور جيس شولط دكلا القونص الآن بثغر طنجة، في إقرار الصلح الواقع بين هاتين الدولتين سابقا، وإثباته على منهج ما بيده من هذه الشروط المبتدأ أولها في الوجه حوله التي انعقد بها الصلح والمهادنة لهم مع سيدنا المقدس مولانا سليمان رحمه الله، وهى إحدى وأربعين شرطا. أمر مولانا أمير المؤمنين أعزه الله أن تتصفح هذه الشروط المشار إليها وتعرض عليه، فلما تأملها مولانا أيده الله شرطا شرطا وظهر له أن، عقده عمه المرحوم بمنة الله سددا ووفاقا، وفيه مصلحة للرعايا من الجانبين، أمر سدده الله هذه الشروط المذكورة المشار إليها التي أولها: الشرط الأول أن لسلطان الإنجليز أن يجعل قونص واحدًا أو أكثر بمراكشة، وآخرها الشرط الواحد والأربعون هذا العقد الذى انبرم به الصلح بين سلطان مراكش إلخ وأمضاها وأثبت ذلك ما عدا شرطين منها، وهما السابع والثامن بدلا بشرطين آخرين. مضمن أحدهما وهو السابع، أن ما يحدث من الخصومات بين المسلم وبين رعية الإنجليز فإن الفصل بينهما فيما يكون بمحضر عامل البلد وقاضيه وقنصل

الإنجليز، فإن لم يرض أحد الخصمين بحكمهم، فإن قضيتهم ترفع حينئذ إلى السلطان إلخ. الثانى وهو الثامن، إذا وقع نزاع بين أحد من رعية سلطان الإنجليز أو من هو تحت حميته وبين مسلم، وكان ربما ينشأ عن ذلك النزاع مضرة أو مظلمة لأحد منهما، فإن لسلطان مراكشة هو الذى يتولى الفصل فيهما وحده، ولا يعاقب الظالم إن كان من رعية الإنجليز أو حمايته بأكثر مما يعاقب به المسلم إذا ظلم أحدًا من الإنجليز، أو من غيره، فإذا انفلت هذا الظالم وهرب فلا يؤاخذ أحد به من جنسه، فإذا تحقق أن هروبه كان اتفاقيا من غير قصد أو كان لأجل الدفع به عن نفسه فيحكم عليه في ذلك بمثل ما يحكم به على المسلم في مثل تلك القضية. وإذا وقع النزاع بين المسلمين وبين الإنجليز في ناحية من إيالة سلطان الإنجليز وتعين الظلم في ذلك على واحد منهما، فإن الفصل في ذلك بينهما يكون بحكم الشرع وقانون الإنجليز، فإذا لم يرض أحدهما بذلك، فإن قضيتهما ترفع حينئذ إلى السلطان انتهى الشرطان المستثنيان اللذان بدلا بما ذكر لما ظهر له أعزه الله في إقرار هذه الشروط غير المستثنى منها وإثباتها من المصلحة العامة للجانبين في هذه المهادنة والمصالحة، والأخذ بالمعروف للمسلمين والمناصحة، صدر أمره الشريف بهذا وهو أعزه الله على كرسى مملكته المعظم مكانه وفوق سرير سلطنته المؤسسة على سبيل الحق قواعده وأركانه، أبقى الله شموس معدلته لغياهب المعضلات ناسخة ومعاليه في المجادة راسخة ونصره نصرا عزيزا آمين في الثامن عشر من جمادى الأولى عام 1239". وسيأتى نص المعاهدة السليمانية الجرجية في ترجمة صاحبها إن شاء الله وفيها الفصلان المغيران بما ذكر هنا.

ونص كتاب رحمانى للملك جورج الرابع ملك الإنجليز جواب عن كتاب له في بعض الأغراض: "الحمد لله وحده الملك الكبير، العليم الخبير، المنفرد بالملك الحقيقى والتدبير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، من أمير المؤمنين المتوكل على رب العالمين، عبد الرحمن بن أمير المؤمنين هشام بن أمير المؤمنين محمد بن أمير المؤمنين عبد الله بن أمير المؤمنين إسماعيل الشريف الحسنى العلوى أمير المغرب أيد الله أمره، وأطال في عز الخلافة عمره، وأبد نصره، وأسعد زمانه وعصره، لعظيم الروم وزعيم الدولة التي مبرتها شهيرة، وسيرتها في الملة النصرانية أحسن سيرة، ذات الشاه الكبير، والمحل الخطير، الملحوظ من جانب الإسلام، بمزيد الاهتمام، ورعى الذمام، ومنجد ملة النصارى، سياسة واستبصارا، وكبيرهم الذى طلع في أفق التدبير نهارا، وقابل أغراض ملته بالشكر سرا وجهارا، فانشق من روض سياسته أزهارا، والرئيس الذى هو الواسطة في عقد قوم عيسى وعاقلهم أميرًا ورئيسا، الأمير جورج الرابع القائم سلطانا بأمر الملك الحق، وخالق الخلق، على مملكة بريطانيا. أما بعد حمد الله الذى بيده الأمر كله، وليس للوجود إلا فعله، فإنه وصلنا كتابكم، وأنهى لحضرتنا العلية بالله خطابكم، الذى أملى وكتب بديوان مدينة لوندرة بتاريخ 31 من شهر مايو من عام 1827 مسيحية الموافق 5 من ذى القعدة الحرام 1242 من الهجرة النبوية المترجم على يد الوزير كوردتيش فقرأناه، وفهمنا لفظه ومعناه، وعرفنا ما أنتم عليه من كمال العناية بعلى جنابنا، وجميل الرعاية لعزة بابنا، حتى إن إشارتنا لديكم مقبولة، وأغراضنا على كاهل المبرة محمولة، وأسباب رعاية من انضاف إلينا موصولة، كل ذلك طلبا لدوام العشرة والمبرة، وحصول الألفة بين الدولتين والمسرة.

ومن قديم وجنسكم يجل جانب الإسلام على بعد داره، ويبادر في خدمتنا غاية ابتداره، وغاية مقداره، حتى اجتذب القلوب، وأدرك لدينا غاية المطلوب. وحاصل ما أشرتم إليه من قضية الذمى ابن كذا أنه أحد يهود ذمتنا، ومن المتوسلين بخدمتنا، وقد توسل إلينا في قدومه عليكم، وتخلية سبيله ليتوجه إليكم، فأجبناه من حيث إنه تردد لبلادكم غير ما مرة، وحصل لكم به طول الألفة والعشرة وحدث عنكم بنيل كامل المبرة. ولم نتعرض فيما بيده من كتبنا لإبطال حق أو تحقيق باطل، ولا نرضى أن يكون فيما يجب بطريق الحق الملد المماطل، بل هو كغيره، في شأنه كله وأمره يأخذ ما إليه، ويؤدى ما عليه، لأن هذا أمر اجتمعت عليه الملل بأسرها، وعليه مدار كنه أمرها، لا يمترى فيه عاقل، ولا يقبل بخلافه نقل ناقل، والخروج عنه خرق للإجماع، وقيل تمجه الطباع والأسماع. وأما ما استظهر به الذمى المذكور منا، وزعمه من كونه باشدورا أو قنصوا نائبا عنا، فهو إن صح أمر يتوقف على رضاكم، وحكم لا يتم إلا بقضاكم، فكما أنكم لا تستنيبون لدينا، ولا توجهون قنصوا إلينا، إلا من نرضيه وتتوفر فيه شروط للكمال تقتضيه، فكذلك أنتم لا تتم نيابة أحد من قبلنا لديكم إلا بقبول حاله، واستحسان انتحاله، وإلا، فلا. بهذا تحصل الألفة بين القلوب، وتدوم المبرة التي هى ملاك الأمر المطلوب، بين الدولتين إن شاء الله تعالى، انتهى، وبه صدر أمرنا الشريف بالحضرة العلية، مكناسة الزيتون الإسماعيلية بتاريخ 28 من ذى الحجة الحرام متم 1242 من الهجرة النبوية القمرية، الموافق من الشمسية المسيحية 7 يليز سنة 1827".

ونص ما كتب به (درماندهى) نائب إنجلترا للسلطان يخبره بوصول الفرس الذى أنعم به على حاكم جبل طارق على يده بعد الحمدلة والسلام من أصله العربى: "أدام الله العز والتمكين، لسيدنا أمير المؤمنين، وناصر الملة والدين، وبعد تقبيل اليد الشريفة أنهى لكريم علم سيدنا أدام الله نصره، وخلد في الصالحات ملكه، أنه ورد علينا الكتاب الشريف الذى تاريخه في 3 جمادى الثانية سنة تاريخه، وصحبته الفرس، يأمرنى مولانا بتوجهه لحاكم جبل طاريق، وعليه يعلم سيدنا أننا وجهنا الفرس المذكور لصاحبه عن أمر مولانا المنصور بالله هذه مدة من 8 أيام سلفت، وأخبرنا بأن الفرس وصل بخير للحاكم المذكور، كما أمرنا وما نحن إلا على الخدمة الشريفة راجيا دعاء سيدنا الصالح والسلام، وفى 21 رجب الفرد الحرام سنة 1249 عن إذن ادرمندهى قونص خلنار ونائب سلطان الإنجليز بإيالة سيدنا السعيدة". وبعده كتابة إفرنجية ثم طابع ملصق من ورق مطبوع عليه كتابة كذلك. وفى سنة ثلاث وسبعين ومائتين وألف أواخر الدولة الرحمانية عقد السيد محمد الخطيب مع قنصل الإنجليز معاهدة في أمور التجارة نصها: "الحمد لله مضمن الشروط التي تعاقد عليها السيد محمد الخطيب مع قنصوا النجليز في أمر التجارة عام 1273: الشرط الأول: مضمنه أن تكون التجارة جارية متساوية بين الإيالتين ولتجار النجليز الإتيان والسكنى والبيع والشراء في جميع مراسى سيدنا أيده الله دون أمد محدود في كل محل يكون به غيرهم من الأجناس، ولهم الكراء والاجراء وأعمال الديار

[صورة] كتاب (جان درماندهاى) قنصل الإنجليز إلى المولى عبد الرحمن في شأن الجواد المهدى لحاكم جبل طارق

والمخازن، ولهم الأمان في أنفسهم وأمتعتهم، ولهم البيع والشراء مع من شاءوا في أنواع التجارة إلا ما هو مذكور في الشرط الثانى من هذه الشروط، ويتجر في كل ناحية من النواحى من غير تعرض ولا ضرر بكنطردات وشبهها، ودون تخصيص في أنواع المتاجر إلا الأنواع المذكورة في الشرط الثانى، ولهم من المنافع والتخصيص ما يكون لأحد من محبى الأجناس وغيرهم بعد هذا ورعية مولانا أيده الله عندهم كذلك. الشرط الثانى: مضمنه إسقاط الكنطردات والممنوعات في المتاجر إلا طابغة والأفيون والكبريت والبارود وملحته والخفيف وآلة الحرب وسلاح الحرب، وإسقاط الكنطردات فيما يخرج إلا العلق والدباغ وطابغة والذى يشبهها من الربيع الذى يشرب في الدواية (كذا). الشرط الثالث: لا يلزم مسكن ولا غرامة ولا أعشار ولا ما يشبه ذلك لأحد من رعيتهم في شراء أنواع السلع الخارجة بأى وجه باشروا الشراء بأنفسهم أو بواسطة نوابهم إلا الصاكة المبينة في الشرط السابع، وجميع أنواع السلع المشتراة تحمل من كل موضع وتوسق من المراسى دون مكس ولا غيره إلا الصاكة المعلومة، ولا يلزم إذن ولا شبههه لحمل السلع ووسقها، ولا يمنع إلا المسائل التي اقتضى نظر مولانا منعها كما هو مذكور في الشرط الخامس لا يقبض شيئا عليها، وإن فعل أحد من الخدام شيئا يخالف هذا يزجره مولانا أعزه الله إن كان ظالما، ويؤدى ما ناب من الخسارة بعد بيانها.

الشرط الرابع: لرعيتهم الاستشغال بأنفسهم في أمورهم أو تعيين من ينوب عنهم، ولا يلزمهم أداء شئ لأحد لم يعينوه لخدمتهم، نعم من كان من إيالة مولانا أيده الله منهم ... (¬1) سائر رعيته دون تعرض ولا مدخل للولاة في أمور تجارتهم، وإذا تعرض لهم أحد من الولاة في أمر من أمور البيع والشراء ومنعهم من البيع والشراء، فإن مولانا أيده الله يزجره عن فعله. الشرط الخامس: إذا اقتضى نظر مولانا أيده الله منع شئ من الموسوقات قوتا أو سلعا، فإن رعيتهم يحملون ما هو بمخازنهم أو مشترى على أيديهم من ذلك الممنوع قبل ظهور المنع، ويبقون على عملهم في ذلك ستة أشهر بعد ظهور المنع، نعم حين يأتى الأمر الشريف بذلك يجعل للتجار يومين أجلاً لبيان ما عندهم من ذلك النوع بمخازنهم، ويعطون رسوم ما عندهم مشترى بالبادية ولا تمنع رعيتهم من وسق ما هو مسرح لغيرهم من الأجناس. الشرط السادس: جميع أنواع المتاجر التي يرد بها تجار النجليز لا يلزمهم في أعشارها أكثر مما يعطى غيرهم من تجار المسلمين والأجناس غيرهم، ولا يمنعون من وسق سلعة مسرحة لغيرهم، عدا الأنواع المذكورة في الشرط الثانى. الشرط السابع: السلع التي ترد على يد التجار منهم لا يؤدوا عنها أكثر من عشرة في المائة على تقويمها بالمال، ولا يؤخذ عشرها من عينها، كما أن السلع الخارجة من إيالة ¬

_ (¬1) مكان النقط بياض بالأصل.

مولانا أيده الله على يد رعيتهم لا يؤدون في صاكتها أكثر مما هو مسطر في الزمام: القمح ريال واحد للفنيكة، الشعير نصف ريال للفنيكة، التركية والذرة نصف ريال للفنيكة، جميع أنواع القطانى نصف ريال للفنيكة، الدقيق ثلاثون أوقية للقنطار، الأرز ستة عشر أوقية للقنطار، الزوان اثنتا عشرة أوقية للقنطار، التمر أربعون أوقية للقنطار، اللوز خمس وثلاثون أوقية للقنطار، اللتشين اثنتا عشرة أوقية للألف، الزيت خمسون أوقية للقنطار، السعتر مثقال للقنطار، الكرمة عشرون أوقية للقنطار، الحناء خمس عشرة أوقية للقنطار، الشمع اثنا عشر مثقالا للقنطار، الصوف المغسولة ثمانية مثاقيل للقنطار، وغير المغسولة خمس وخمسون أوقية للقنطار، الجلد بأنواعه بصوفه ستة وثلاثون أوقية للقنطار، الجلد الفلالى والزوانى والقشينى عشرة مثاقيل للقنطار، الأنصاب عشرون أوقية لكل ألف، الشحم خمسون أوقية للقنطار، البغال خمسة وعشرون ريال للرأس، الحمير خمسة ريال للرأس، الغنم ريال للرأس، المعز خمسة عشر أوقية للرأس، الدجاج اثنتان وعشرون أوقية للطزينة، البيض واحد وخمسون أوقية للألف، البلغة سبعون أوقية للمائة، شوك الدرب خمس أواقى للألف، الغاسول خمس عشرة أوقية للقنطار، القفاف ثمانية مثاقيل للمائة، الكروية مثقالان للقنطار، مشطة العود خمس أواقى للمائة، الشعر ثلاثون أوقية للقنطار، الزبيب مثقالان للقنطار، الكرازى مثقال للمائة، تكوت مثقالان للقنطار، العنب والكتان أربعون أوقية للقنطار، بطانة الغنم مدبوغة بصوفها ست وثلاثون أوقية للقنطار، العاج ... (1) والنحاس ... (¬1) ريش النعم أسود وأبيض. ولسيدنا أيده الله النظر في منع وسق ما يريد منعه على ما هو في الشرط الخامس، وأما القمح والشعير إن اقتضى نظره منع وسقه وتسريح ما هو لجانب ¬

_ (¬1) مكان النقط بياض بالأصل.

المخزن فقط، فله أن يبيعه بالثمن الذى يريد، وإن أراد أن يزيد أو ينقص فيجعل له أجلا للمشترين قبل كما هو في الشرط الخامس، وإن سرحه للرعية فصاكته ما هو في الزمام فقط، وإن اقتضى نظره التخفيف من هذه الصاكة فيكون لرعيتهم ما يكون لغيرهم من الرفق والتخفيف. الشرط الثامن: إن أراد أحد من تجارهم وسق سلعة من إحدى مراسينا لمرسى آخر من مراسينا، وكان أدى صاكتها وقت دخولها، فلا يلزمه أداء صاكة أخرى، نعم يكون بيده خط الأمناء بأنه أدى صاكتها قبل. الشرط التاسع: جميع أنواع السلع التي أذن في وسقها إذا اشتراها أحد من تجارهم وأرادوا وسقها، فإنه يحملها ولا يؤدى عنها إلا الصاكة المذكورة في الشرط السابع. الشرط العاشر: مضمنه تجديد ما يعطى على المخاطف، وهو أن كل مركب يؤدى في المخاطف ست موزونات عن كل طلنض إلى مايتى طلنض، والمركب الذى فيه أكثر من مايتى طلنض يؤدى موزونتين عن كل طلنض، وإن وقع شك للأمناء في قدر الطلنضات فإن القونص يظهر لهم كواغد المركب الذى فيه عدد الطلنضات، وهذا هو الذى يؤدى في جميع مراسى الإيالة التي تدخل في الأودية، أعنى الرباط والعرايش فإنهم يؤدون للبلوط الذى يدخلهم في الوادى أربع موزونات عن كل طلنض، وكذلك الذى يخرجهم يؤدى له أربع موزونات لكل طلنض، وعن مخاطف المراكب التي تدخل للوادى ثلاث موزونات لكل طلنض، والذى لم يدخل الوادى يؤدى مثل مراسى أخر، ويؤدى للبلوط بالصويرة أربع موزونات لكل طلنض في الدخول فقط، وفى المخاطيف ست موزونات لكل طلنض كما ذكر.

وفى مراسى أخر إذا احتاج رئيس المركب إلى بلوط يؤدى موزونتين عن كل طلنض، وإلا فلا، وأما البابورات الواردة بقصد حمل السلع ووضعها فتؤدى ستة عشر ريالا واجب المخاطف، وإذا دخل لمرسى أخرى من الإيالة المذكورة وحمل منها شيئا أو وضع يؤدى مثل ما أدى في المرسى الأولى، وإذا رجع للمرسى الذى أدى فيها أولا فلا يلزمه أداء شئ ثانيا، نعم إذا تردد في الخدمة بمراسى الإيالة بالحمل والوضع فيؤدى مخطافه، وكذلك إذا سافر لإيالة غير إيالتنا ورجع، فإنه يؤدى إلا البابور الذى يكون من مائة وخمسين طلنض فأقل، فيجرى عمله مركب مركب قلع في واجب المخطاف. وكل مركب يؤدى الزيادة على المخطاف لخدام المرسى على ما يذكر فقط، وكذلك كل مركب من خمسة وعشرين طلنض فأقل يؤدى مثقالين، وكل مركب من خمسة وعشرين إلى خمسين يؤدى أربعين أوقية، ومن خمسين إلى مائة يؤدى ستين أوقية، ومن مائة إلى مائتين يؤدى ثمانين أوقية، ومن مائتين فأكثر يؤدى عشرة مثاقيل. وفى مرسى تطوان يزاد على ما ذكر مثقال واحد لحمل كاغد المركب من مرتيل للمدينة، وللنفار خمس أواقى، وللبراح ثلاثة أواقى، والمركب الذى يدخل بقصد التستر مع مراكب الحواتة لا يؤدون شيئا، ومراكب راعيتنا لا يلزمها أكثر من هذا في مراسى النجليز. الشرط الحادى عشر: إذا أراد تجارهم أن يحملوا سلعة أو ينزلوها، ففلايك المخزن تخدم ذلك، ثم إذا مرت يومان من وصول المركب ولم توجد فلايك المخزن، فتستخدم فلايك الغير، ويعطون للمخزن النصف المعتاد عدا مرسى طنجة وتطوان لقيامها في

مراسيها بفلايك المخزن، ومصروف الفلايك المعتاد في هذا الوقت لا يزاد عليه في المستقبل. الشرط الثانى عشر: إذا فتحت في المستقبل مراسى أخرى مثل مهدية وآكدير وغيرها، فتكون هذه الشروط جارية فيها سواء شروط المتجر والمخاطف وغير ذلك. الشرط الثالث عشر: إذا اطلع على أحد من رعيتهم مشغولا لا بكطربنضو في إيالتنا في نوع من أنواع السلع، فإن تلك السلعة تحاز لبيت المال، ومن ثبت عليه كطربنضن أمام القنص فإنه يعاقب بغرامة لا تزيد على قدر ثلاث مرات من عشرها، وإذا كانت من السلع التي تقبل يؤدى قدر ثمنها ثلاث مرات، وإذا لم يؤد ذلك على الفور فإنه يسجن على يد القونصو في المحل الذى يظهر له، ولا يطول سجنه أكثر من عام. الشرط الرابع عشر: بعد مضى خمس سنين من تاريخ هذه الشروط لكل من الجانبين أن يطلب من الآخر تفقد هذه الشروط ومراجعتها، ربما تكون في مسألة منفعة الجانبين يتفقون عليها بعد، ولا يكون هذا إلا بخاطر الجانبين ورضاهم. الشرط الخامس عشر: هذه الشروط يطبع عليها سلطانا الإيالتين وبعد أربعة أشهر يتمسك كل جانب بنسخة منها، ويكون العمل جاريا عليها، وتنسخ حكم الشروط الأولى القديمة بين الجانبين.

وفى نفس السنة عقد الخطيب معهم معاهدة أخرى تتضمن المهادنة والأمن واحترام الرعية وتنسخ ما تقدمها من الاتفاقات في موضوعها وإليك مضمنها: "الحمد لله مضمن شروط 38 عقدها الخطيب بطنجة عام 1273 مع نائب النجليز زيادة على شروط التجارة المقيدة يمنته: الشرط الأول: مضمنه انعقاد الصلح والمهادنة دايما بين جانب مولانا المنصور بالله وبين رينة النجليز، ولمن يأتى بعدهما في مقام الرتبة وبين إيالتهم ورعيتهم. الشرط الثانى: مضمنه أن رينة النجليز تعين قونصو متحدا ومتعددا بهذه الإيالة المغربية يسكن بمرسى من مراسيها أو مدينة بمدنها بحسب ما يختاره القونصوا أو دولته. الشرط الثالث: مضمنه توقير واحترام نائب رينة النجليز ونوابه لجميع المراسى، ومن توجهه من قبلها لجانب مولانا أيده الله يكونون محفوظين في أهلهم وديارهم لا ينالهم أحد بسوء، ومن عرض لهم بمكروه يؤدب، ويختار النائب المذكور من يترجم عنه ويخدمه من المسلمين أو غيرهم، ونوابه بالمراسى يختارون ترجمانا واحدًا وبوابًا واحدًا ومتعلمين اثنين من المسلمين أو غيرهم للواحد، ولا يكلفون بجزية ولا غرامة، ولا يكون أحد من هذه الإيالة المغربية تحت حمايته إلا عياله فقط، ويؤذن لهم في جعل السنجاق في كل وقت، وفى اتخاذ محل صلاتهم والحوائج التي ترد عليهم لأنفسهم أو لأهل دورهم بهذه الإيالة لا صاكة فيها، وإنما يعطون خطوط أيديهم للأمناء بعدد ما يريدون جوازه، وهذا إنما هو للقونصوات الذين لا

يتجرون، وفيها أرادوا الخروج فلهم ذلك لا يمنعون، ولا يثقف عليهم شئ من حوائجهم، وإن زيد لقنصوات الأجناس شئ من ذلك يزاد لهم. الشرط الرابع: مضمنه أن لرعية النجليز أن يسافروا أو يسكنوا حيث شاءوا من إيالة سيدنا، لكنهم إن سكنوا يتبعون قانون حاكم البلد، ولهم أن يكتروا ويحوزوا (¬1) الديار المخازن، وإن لم يجدوا ذلك وكان في المحل المعلوم لسكناهم محل يصلح لبناء ذلك فيه، فإن المخزن يعينهم عليه ويتكاتب معهم على مصروف رينتهم قدر ما يبقى بأيديهم من السنين، لا يخرجهم أحد منها إلى أن تتم المدة، ولا يلزمون بغرامة ولا بخدمة المخزن في بر أو بحر ولا بإسلاف شئ من مالهم، كرها وديارهم ومخازنهم محترمة ولا تفتيش كرها في ديار رعيتهم وكنانيش تجارهم وكاتبهم إلا بموافقة القونصو أو نوابه، وقد عهد سيدنا أيده الله أن رعية النجليز المستقرين بإيالته السعيدة لهم الأمن والحق في أنفسهم وأمتعتهم مثل ما لرعية سيدنا بإيالة النجليز. الشرط الخامس: مضمنه أن الساكنين بإيالة سيدنا أو التاجرين بها من إيالة النجليز لهم الأمن التام على أنفسهم وأموالهم، ويتدنون بأمر دينهم من غير منع، وتعين لهم مقبرة لدفن موتاهم ويخرجون لدفنها آمنين في ذهابهم وإيابهم، ويوجهون لقضاء أغراضهم برا وبحرا من أرادوا، وإذا كان لتاجر منهم مركب في أحد المراسى أو خارجها فله أن يصعد إليه بنفسه أو بمن يريد من أصحابه من غير أن يعطوا شيئا على ذلك. ¬

_ (¬1) في الأصل: "ولهم أن يكنزوا ويجزوا (كذا) " وحاز الشئ: ضمه وملكه. يقال: حاز المالَ وحاز العقار.

الشرط السادس: مضمنه أن كل من بإيالة سيدنا من النجليز لا يكلف ببيع ولا بشراء إلا برضاه، ولا تسلط لأحد من المسلمين على ما بأيديهم إلا ما يعطونه عن طيب نفس، ومثل هذا يكون لإيالة سيدنا في إيالة النجليز. الشرط السابع: أن من كان من إيالة النجليز لا يلزم بأداء دين ترتب على غيره من أهل جنسه إلا إن كان ضامنا له برسم أن بخط يد، ومثل ذلك الديون التي تكون لبعض إيالة النجليز على بعض إيالة سيدنا. الشرط الثامن: مضمنه أن ما يحدث بين رعية النجليز بإيالة سيدنا من الدعاوى كيفما كانت إنما يحكم فيها القونصوا أو نوابة، ولا يدخل فيها قاض ولا قائد ولا غيرهما. الشرط التاسع: مضمنه أن الدعاوى التي تكون بين رعية سيدنا وبين رعية يفصل فيها، فإن كان المشتكى من رعية النجليز والمشتكى من رعية سيدنا، فالمشتكى النجليزى يرفع شكواه لعامل البلد أو قاضيه بواسطة القونصو أو نوابه، ولهم الحضور في محل الحكم على الدعاوى. وإن كان المشتكى من رعية سيدنا والمشتكى به من رعية النجليز، فيرفع المشتكى شكواه لمحل الحكم والفصال للقونصو أو نوابه بواسطة عامل البلد أو قاضيه، ولهما أو لمن ناب عنهما الحضور وقت فصل الدعوى، وإن لم يرض النجليز بحكم الحاكم أو القاضى أو لم يرض المسلم بحكم القونصو ونوابه فله رفع دعواه لنائب جنسه المفوض من الإيالتين.

الشرط العاشر: مضمنه كيفية النظر في فصل الدعوى وما هو حجة فيها وما لا فيها إذا رضى أحد من رعية النجليز يرفع دعواه لولاة سيدنا على أحد من رعية سيدنا لسبب دين ترتب عليه بإيالة النجليز، مع بيان ما يكون عليه العمل إن فر مدين من المدينين، وهو من إيالة سيدنا لبلد داخل الإيالة وليس بها قونصو للنجليز ولا نائبه. الشرط الحادى عشر: مضمنه إعانة ولاة سيدنا لنواب جنس النجليز بالمخزانية والعسة وغير ذلك إن احتاجوا له وتكون السخرة مثل ما يعطيه رعية سيدنا. الشرط الثانى عشر: مضمنه إذا تبين الزور في شهادة أحد من رعية سيدنا على أحد من رعية النجليز فيزجر، وكذا إن تبين الزور في شهادة أحد من رعية النجليز على أحد من رعية سيدنا فإنه يزجر أيضا. الشرط الثالث عشر: مضمنه استواء كل من هو من رعية النجليز كانوا مسلمين أو يهود أو نصارى في الحقوق والمنافع المتفق عليها في هذه الشروط، وفى اتفاق شروط أمور التجارة والمراكب، وكذا فيما يسلم لجنس من خواص الأجناس فيما يستقبل. الشرط الرابع عشر: مضمنه إذا كانت دعوى كبيرة أو صغيرة بين أحد من رعية النجليز، وبين أحد من رعية جنس من الأجناس غير المسلمين فلا يدخل فيها ولاة سيدنا، والقونصوات هم الذين يتولون فصلها في محل خدمتهم إلا إن ظلم أحد من رعية

سيدنا في تلك الدعوى، فيحضر أحد ولاة المسلمين أو نائبه في فصلها عند القونصوات. الشرط الخامس عشر: مضمنه أنه إذا كان أحد من الرعيتين في خدمة، وفر منها للرعية الأخرى، فإنها لا تستعمله في خدمتها، ولا يستقر بإيالتها، سواء كانت خدمته في البحر والبر، وكذلك إن فر أحد من بحرية المراكب البرزكان من أحد الجانبين للجانب الآخر ووقع عليه الطلب، فإن لم يكن فيه كسب ولا هد من رعية الجانب المطلوب منه، فإن ولاة ذلك المحل يعينون القونصوات أو نوابهم على قبضه ولا يعينون الفار على فراره. الشرط السادس عشر: مضمنه أن جميع رعية النجليز على أى دين كانوا لهم الحق والمنع على مقتضى هذه الشروط، وإن كان أحدهم متدينا بدين الإسلام فلا تنقض له حماية ولا منفعة. الشرط السابع عشر: مضمنه أن كل من كان من رعية النجليز بإيالة سيدنا في وقت الصلح أو في وقت الحرب، فله الحرية الكاملة، وإن نشأ بالمغرب أو بمحل آخر من غير إيالة النجليز فيذهبون حيث شاءوا ويركبون في أى مركب أرادوا، ويحملون معهم عيالهم وخدامهم، ويتصرفون بما شاءوا في سلعهم وأموالهم من غير أن يتعرض لهم بمنع أو تثقيف، ويكون مثل ذلك لرعية سيدنا في إيالة النجليز. الشرط الثامن عشر: مضمنه إذا مات أحد من رعية النجليز أو ممن في حمايته بإيالة سيدنا،

فالنظر في متروكه وجميع متخلفه لوصيه الذى سماه في وصيته كورثته إن كانوا حاضرين، فإن غاب الورثة أو الوصى إن لم يكونوا، فالقونصوا أو نوابه يحوزون ذلك لورثة الميت أو أقاربه، ولا يدخل في ذلك ولاة سيدنا بتثقيف ولا بحث. وإذا ترك الميت المذكور دينا على أناس، فإن عامل البلد يلزمهم أداءه للقونصو، وكذلك إن كان على الميت دين لأحد من رعية سيدنا فإن القونصو يقف له على متاعه حتى يقبضه. الشرط التاسع عشر: مضمنه أن ما انعقد عليه الشروط يعم جميع إيالة النجليز وجميع من سكن في بلد من مملكتها حتى الذين هم بجبل طارق وبالجزر التي تحت حمايتهم، ويعم جميع من يدخل في طاعتها في المستقبل. الشرط الموفى عشرون: مضمنه أن رعية النجليز ومن هو تحت حكمها يكون لهم ما انعقد بهذه الشروط من المنافع ووفور النعم، وجميع ما يسلم لجنس من الأجناس في المستقبل يكون لهم مثله. الشرط الحادى والعشرون: مضمنه إذا غنم النجليز مركبا لجنس معه في الحرب ووجد في المركب أحد من رعية سيدنا، فإنه على حرمته ويخل سبيله ولا يتعرض له ولا لأمتعته المحمولة معه، وكذلك إن غنم قرصان من قراصين سيدنا مركبا لجنس معه في الحرب ووجد فيه أحد من رعية النجليز، فإنه على حريته كذلك يذهب حيث شاء، ولا يتعرض له ولا لأمتعته المحمولة معه.

الشرط الثانى والعشرون: مضمنه إذا كان مركب للنجليز عنده البطنطة وغنم مركبا وأتى به لمرسى من مراسى سيدنا، فلأهل المركب النجليزى أن يبيعوا المركب المغنوم بتلك المرسى، وكذلك السلعة المغنومة من غير منع، ولهم أن يذهبوا بغنيمتهم إلى حيث شاءوا. الشرط الثالث والعشرون: أن مركب النجليز إذا ألجأه مركب لعدوه إلى الدخول تحت رمايته من سواحل سيدنا، فإن له الاحترام ويدافع عنه ولاة سيدنا ما أمكن، ومثل ذلك يكون لمراكب سيدنا في جميع سواحل إيالة النجليز. الشرط الرابع والعشرون: مضمنه إذا كان قرصان من القراصين ليس لسيدنا ولا للنجليز وعنده بطنطة لجنس هو في الحرب مع سيدنا أو مع النجليز، فلا يسامح في الإقامة بمرسى من مراسى الجانبين، ولا يبع بها الغنائم التي غنمها، ولا يبدل بها سلعة أو سقا لغيره، وكذلك لا يسامح أن يعان بشئ من الإقامة لمركب ولا بشئ من المأكولات إلا قدر ما يوصله لأقرب بلدة. الشرط الخامس والعشرون: مضمنه أنه إذا كان بإحدى مراسى سيدنا أو بساحل من سواحله مركب لجنس هو في الحرب مع النجليز، وكان هناك مركب للنجليز، فإنه لا يسامح لمركب عدو النجليز أن يقتحم على مركب النجليز، أو يتعرض له بسوء، كما لا يسامح لمركب ذلك العدو أن يخرج بإثر مركب النجليز، إنما يخرج بعد مضى أربعة وعشرين ساعة من خروجه، إذا كان لأهل المحل قدرة على منعه، وبمثل ذلك تعامل مراكب سيدنا في مراسى النجليز.

الشرط السادس والعشرون: مضمنه أن مراكب تجار النجليز أو قراصينه إذا كانت بإحدى مراسى سيدنا أو بساحل من سواحله واحتاج أهلها للماكولات أو الفريشك، فلهم أن يشتروا ما يحتاجون إليه بسعر الوقت من غير عشر، ولكن إنما يشترون ما يكفيهم مدة إقامتهم بالمرسى، وما يوصلهم للبلد الذى يسافرون إليه. الشرط السابع والعشرون: مضمنه أن المراكب أو الفلايك الصغار التي يكتريها النجليز لحمل المكاتيب، لها الاحترام والخصوصية كما ذلك للمراكب القراصين إذا لم يبع أهلها ولم يشتروا مع أهل بلد بإحدى مراسى سيدنا ولم يحملوا شيئا من السلعة، فإن حملوا سلعة فحكمهم حكم البرزقان. الشرط الثامن والعشرون: مضمنه أن مراكب رعية الجانبين وسكان إيالتنا إذا دخل أحد منهم لساحل من سواحل الجانبين، ولم يرد الدخول للمرسى، أو دخل ولم يرد أن يبين ما عنده ولا أن يبعه، لا يلزم ببيان ولا يبحث أحد فيما عنده، لكن لخدام المرسى الإذن في جعل السلعة بالمركب مدة إرسائه بالمرسى على المخطاف لمنع الكطربنض. الشرط التاسع والعشرون: مضمنه أنه إذا ورد مركب للنجليز على إحدى مراسى سيدنا وكان فيه وسق، فإنما يطالب بصاكة ما أنزل من الوسق، وأما ما لم ينزله فيفعل فيه ما شاء، وله أن يسافر به وزمام وسق المركب يدفع بيد ولاة المرسى حالة الوصول إليها، ولولاة المرسى البحث في المراكب ساعة الوصول وعند السفر، وأن يجعلوا الساعة في المركب على شأن الكربنض، وعلى هذا المنوال يكون العمل في مراسى النجليز

مع مراكب سيدنا، ويلزم رؤساء المراكب أن يصحبوا زماما من قونصهم أو نائبه بما سافروا به من الوسق ويظهروه لأمناء المرسى ليبحثوا عن الكطربنض. الشرط الموفى الثلاثين: مضمنه أنه لا يلزم رؤساء مراكب الجانبين أن يحملوا في مراكبهم سلعة ولا أحدًا إلا برضاهم، ولا يلزمون أن يسافروا لمحل لا يريدونه ولا تثقف مراكبهم بوجه. الشرط الحادى والثلاثون: مضمنه أنه إذا اكترى أحد من رعية سيدنا مركبا للنجليز على أن يحمل فيه سلعة أو أناسا إلى بلد آخر من إيالة سيدنا، فألجأت الريح أو البحر ذلك المركب في حال سفره إلى الدخول لمرسى أخرى، فإن رئيس ذلك المركب لا يلزمه مخطاف ولا صاكة إلا إن أنزل شيئا أو حمل شيئا. الشرط الثانى والثلاثون: مضمنه أن مراكب النجليز إذا حصل لها مضرة في البحر ودخلت لأحد مراسى سيدنا بقصد إصلاح ما فسد، فإنهم يقبلونها ويعينوها بما تتوقف عليه من الإقامة والآلات إن كان ذلك موجودا في المحل، ويشتريه أهل المركب لأنفسهم كما يشتريه غيرهم. الشرط الثالث والثلاثون: مضمنه أن مركبا إذا حرث أو تكسر في نحية من نواحى سيدنا فله الاحترام والإعانة بما يحتاج إليه، والمركب وما فيه والسلعة التي نجت من الغرق، والتى خرجت بعده لا يضيع شئ من جميع ذلك، ويدفع جميعه لأربابه أو للقونصوا ونوابه يدفعونه لأربابه.

وإن كان في المركب الذى حرث سلعة فلأربابها بيعها لإيالة سيدنا أيده الله، ويؤدون الواجب في عشرها ما لم تكن موسوقة من إحدى مراسى سيدنا، فإن الصاكة الأولى حينئذ كافية، ولربها الخيار في البيع والوسق والبحرية مع الرئيس يتوجهون حيث شاءوا، رعية سيدنا مثل ذلك ببلاد النجليز، وإذا حرث مركب للنجليز بوادى نون أو بعض سواحله، فإن سيدنا يستعمل جهده في تحصيل بحريته حتى يركبوا لبلادهم، وحتى القونصوا أو نوابه يؤذن لهم في البحث والوقوف في ذلك ويعينه ولاة سيدنا بما يوافق المحبة. الشرط الرابع والثلاثون: مضمنه اتفاق جانب سيدنا وجانب النجليز على بذل المجهود في قطع الزمنطوط، وأن سيدنا التزم البحث بسواحله عن المشتغلين بذلك، وأن يعين النجليز في ذلك بعقدية من يظهر منهم بإيالته. الشرط الخامس والثلاثون: مضمنه إذا وقع من أحد من رعية الجانبين أو في مركب من مراكبها ما يخالف شرطا من الشروط، فإن الصلح لا ينقض، ويبقى ثابتا راسخا إلى أن يكتب لسلطانه بفعله، فينكر عليه، وإذا رام بعض رعية الجانبين إفساد شرط من هذه الشروط، فإن سلطانه يؤدبه ويعاقبه. الشرط السادس والثلاثون: مضمنه أنه إذا وقع بين الجانبين نقض للصلح، نشأ عنه حرب بجميع من بإيالة سيدنا من رعية النجليز، أو من في حمايتهم على حريتهم يذهبون لأى محل أرادوا، ويركبون في موضع أحبوا من مراكب الأجناس، ولهم حمل أمتعتهم وعيالهم وخدامهم، سواء خلقوا بإيالة النجليز أم لا، ويكون الأجل في ذلك ستة

أشهر لمن طلبه لإصلاح أموره وبيع سلعته، ولا يتعرض لهم أحد بمكروه في خلال المدة في أنفسهم وأموالهم، وللولاة إعانتهم في قبض ديونهم من غير مماطلة، ومثل ذلك يكون لرعية سيدنا في إيالة النجليز. الشرط السابع والثلاثون: مضمنه وجوب شهرة هذه الشروط المنبرمة لرعية الجانبين، فتخرج منها نسخ للقواد والأمناء الواقفين على الداخل والخارج في جميع المراسى ولرؤساء القراصين بحيث لايبقى فيها جهل. الشرط الثامن والثلاثون: مضمنه أن هذه الشروط يطبع عليها سيدنا وسلطانة النجليز، ويتمسك بها كل واحد من الجانبين في مدة أربعة أشهر من تاريخها الذى هو عاشر ربيع الثانى من عام ثلاثة وسبعين ومائتين وألف، وحين يتمسك بها مع شروط التجارة والمراكب التي وقع الفصل عليها في التاريخ المذكور، يصير العمل في المستقبل عليها، وتكون ناسخة للشروط المتقدمة بين الإيالتين بهذا تم فصل النائبين الخطيب وقونصوا النجليز بمحروسة طنجة ووضع كل منهما طابع خاتمه على الشروط المذكورة. وأما إسبانيا فقد أقر معاهدة عمه ألتى عقدها معها وزيره ابن عثمان عام 1213. ونص ما كتبه في ذلك موافقا على إقامة نائب إسبانيا الجديد بعد البسملة والحوقلة والطابع: "أثبتنا بحول الله وقوته، وإفضاله وشامل يمنه ومنته، ما صالح عليه أسلافنا قدس الله ثراهم جنى الإصبنيول من الشروط المقررة المعهودة المتعارفة، التي

[صورة] مطالب سبع طلبتها إسبانيا من المولى عبد الرحمن بواسطة قنصل الإنجليز درمنادى الوارد على حضرة مراكش الحمراء، وبجانبها أجوبة السلطان عليها بواسطة وزيره ابن إدريس المنتدب لذلك

[صورة] إرجاع حدود سبتة لما كانت عليه من قبل وتحديدها بحضور عامل طنجة بوسلهام أزطوط وقنصل الإنجليز درماندهاى، وقنصل إسبانيا أنطونيو برمندى وحاكم سبتة الجنرال أردنيس وشيخ أنجرة شجاع وقائد عسة سبتة أحمد العسرى سنة 1260، ويرى إمضاء القنصلين وختم العامل

[صورة] تسوية المسائل بين إسبانيا والمغرب نهائيا بمدينة العرائش بتاريخ 28 ربيع الثانى عام 1261، 6 ماى 1845 وعليه خط قنصلى إسبانيا وإنجلترا وطابع بوسلهام عامل طنجة، وتحت الوثيقة العربية النص الإسبانى

[صورة] بقية النص الإسبانى، ثم إمضاء ملكة اسبانيا بمدريد عليها في ثانى عشر ماى المذكور

بسببها تتم المهادنة والمساعفة والمساعدة، وتوجب الاعتناء بجانبنا الشريف العالى بالله والمودة، وارتضينا اليصاندرابريارى بدلا من الذى كان قبله، فعلى الواقف عليه من خدامنا وولاة أمرنا العمل بما قدرناه، وأن يقتفى أثر ما سطرناه، صدر بهذا الأمر المعتز بالله في 26 من جمادى الثانية عام 1240. وفى سنة أربعين المذكورة ورد عليه سفير (الصاردو) من قبل ملكهم طالبا عقد صلح ومهادنة ورعاية من الجانبين، فأجابه السلطان لذلك، وكلف الوزير المختار الجامعى بمفاوضته، فعقد معه هذه المعاهدة التي أمضاها السلطان وأوجب العمل بها ونصها بعد الحمدلة والصلاة والطابع الكبير: "لما ورد على حضرتنا العلية بالله سفير جنس صارض (جرونم ارميريوا) قونصو ونائبا عن الباشدور الموجه قبل جنسه لكبره وضعفه عن السفر (كونذى ذيجنس) بكتاب سلطان جنسه المتضمن طلبه من على جانبنا المصالحة والمهادنة والانخراط في سلك من له محبة في جانبنا العالى بالله أجبناه لذلك على نحو ما اشتملت عليه الشروط التي وقع اختياره عليها ومراده العمل بمقتضاها إسعافا لرغبة سلطانه، وإكراما لوفادته، وأوجبنا العمل بمقتضاها مدة كون جنسه محافظا لمقتضيات رضانا، مراعيا لأشراط مودتنا، معتنيا بشأننا ماضيا على نفذ أمرنا هـ. الشرط الأول: أننا آلينا على أنفسنا أن لا نقبل نيابة جنس عن جنس، فإننا أقررنا الصلح والمهادنة على الشروط التي ستذكر مدة كون قونصوا صارض في إيالتنا رافعا لسنجاق جنسه مراعيا لأشراط المودة عاملا لمقتضاها هـ. الشرط الثانى: رعية مولانا أمير المؤمنين لهم التجارة في البر والبحر آمنين، بحيث لا يتعرض لهم بسوء ولا مكروه وكذلك تجار جنس صارض هـ.

الشرط الثالث: جميع تجار صارض وبحريته ورعيته تكون لهم المنافع بهذه الإيالة السعيدة، كما هى لرعية الأجناس المعتبرين الملاحظين عند سلطان مراكش، ويكون لرعية سلطان مراكش في إيالة سلطان صارض مثل ذلك هـ. الشرط الرابع: رعية سلطان صارد لهم الخروج والسفر من إيالة سلطان مراكش كغيرهم من الأجناس النصرانية، من غير إذن ولا مشورة، إلا أذن قونصهم أو نائبه وربما تكون عليهم حقوق لغيرهم لا يلزمونهم ولا قنصهم ولا نائبه بأداء دين ترتب على غيرهم إلا ما كان ضامنا له من ذلك برسم أو بخط يد هـ. الشرط الخامس: لقونصوا صارض ونائبه وأصحابه ما لغيرهم من أصحاب قنصوات الأجناس من الاستظلال بظل عناية سلطان مراكش والتوقير من ولاة أمره الشريف، وكذلك من اتصف بخدمة سلطان مراكش بأرض صارض هـ. الشرط السادس: رعية سلطان صارض لا يجبرون على الإتيان بالمدافع والبارود ولا بشئ من آلة الحرب هـ. الشرط السابع: مراكب سلطان صارض لا يثقفون مجانا بإيالة سلطان مراكش أكثر من المدة التي يريدون المقام بها، ولا يلزمون حمل شئ من مرسة إلى مرسة أخرى إلا برضاهم هـ.

الشرط الثامن: سلطان صارض ألزم نفسه أنه لا يعطى باسبورطه لأحد من مراكب الأجناس إلا لمراكب رعيته، ويكون مطبوعا بطابع رئيس وزرائه وخليفته برا وبحرا، ويكون أيضا مطبوعا بطابع مرانطى المرانطس، ويكون أيضا في بسبورط مراكبه البرزكانية تقطيع كنطر سينية المعروفة بهذا الاسم عند رؤساء مراكب المسلمين وغيرهم، فإذا لقيتهم مراكب سلطان مراكش في البحر ورأوا عندها هذه الكنطر سينية فإن مطالعتها تغنيهم عن البحث في البسبورط، وأما المراكب الصغار للجنبين مثل صيادين الحوت وغيرهم لا يحتاجون ولا يلجئون إلى إحضار هذه الكنطر سينية، ثم إذا ظهر لسلطان صارض تبديل هذه الكنطر سينية إلى حالة غير الحالة التي هى عليها الآن فإنه قبل تبديلها عن حالها يخبر بذلك سلطان مراكش على يد قونصوه هـ. الشرط التاسع: إذا قرصان من قراصين سلطان لقى في البحر المراكب البرزكانية لسلطان صارض وبسنجاقه، فإن قرصان سلطان مراكش لا يثقفهم ولا يعطلهم عن سفرهم ولا يطلع إليهم للبحث في وسقهم، بل يتركهم على حريتهم يتوجهون إلى سبيلهم، ولا يلزمهم بإظهار كاغيط آخر سوى الكونطر سينية، ولا يختلطون معهم بالمباشرة لئلا يلزمهم الكرنطينة في دخولهم للمراسى، فإذا استعار أحدهم الآخر بشئ هو في الحاجة إليه، فلا بأس أن يعين أحدهم الآخر على طريق الصحبة والمهادنة، ومثل ذلك تفعله قراصين سلطان صارض مع مراكب سلطان مراكش وقراصينه، ولا يلزمون مراكيب صارض بإظهار كاغيط سوى ما أخذوه من عند قونصهم الذى هو بالمرسة التي خرجوا منها هـ.

الشرط العاشر: إذا لقى قرصان من قراصين الجانبين مركبا بزرقانا للجانبين، فإن القرصان لا يلزم البزرقان بأن يأتى إليه بفلوكة لمطالعة كواغطه، بل القرصان ينزل فلوكته ويأتى إليه، فإذا وجد عنده ما أوجب له شكا أو ريبة في الكواغط وألجأه ذلك إلى البحث لإزالة الشك والريبة، فإنه لا يطلع إلى المركب، ولا يسامح أن يبحث في كواغطه ولا في وسقه إلا لمن هو أمين، فإذا نشأ عن ذلك ضرر للمركب أو لما فيه فإن من جاء ذلك على يده يؤدب ويصلح ما فسد ويغرم ما ضاع هـ. الشرط الحادى عشر: إذا قرصان لسلطان مراكش غنم مركبا لمن هو في الحرب مع سلطانه، ووجد فيه أحدا من رعية صارض، فإنه لا يتعرض له بمكروه، بل هو وسلعه وأمتعته على سبيل حريته، فإذا دخل به إلى مرسى إيالة سلطانه فإنه يدفع هو وسلعته وأمتعته إلى قنصوه، وكذلك يدفعه لقنصوه إذا دخل به مرسى من مراسى الأجناس الذين هم في المهادنة والصلح مع سلطانه، فإذا دخل مرسى بلد صارض فإنه يدفعه لحاكم ذلك البلد، ومثل ذلك يكون لقراصين سلطان صارض مع رعية سلطان مراكش. الشرط الثانى عشر: إذا مركب لسلطان صارض أقحمته مركب لعدوّه ودخل تحت رماية من سواحل إيالة سلطان مراكش، فإن له الاحترام ويدافع عنه ما أمكن، ثم على الحاكم بذلك الساحل أن يلزم مركب العدو الخروج إلى البحر من حينه، أو يقيم بالمرسى بعد خروج مركب صارض المدة المعلومة لهم في قانون البحر، ومثل ذلك يكون لمراكيب سلطان مراكش التي يقحمها عدوها ويلجئها إلى دخول سواحل إيالة سلطان صارض.

الشرط الثالث عشر: جميع مراكب رعية سلطان مراكش الخارجة من مراسى سواحله إذا دخلت مراسى سواحل إيالة سلطان صارض، فلابد أن يلزموا بأعمال الكرنطينة إن تعين موجبها في المواضع المعلومة لأعمالها لكل من لزمه ذلك، أو في موضع آخر يعين لهم، وبعد الخروج من الكرنطينة فإنه يسوغ لهم الدخول لأى مرسة شاءوا من إيالة سلطان صارض وحتى مراكب سلطان صارض الواردين لمرسى سلطان مراكش يلزمون لأعمال الكرنطينة في الموضع الذى يعين لهم أعمالها فيه على الكيفية التي تكون لغيرهم من الأجناس. الشرط الرابع عشر: جميع مراكب الكرة لسلطان صارض إذا دخلوا مراسى إيالة سلطان مراكش يقابلون بمثل ما يقابل به غيرهم من قراصين الأجناس الذين في المهادنة والصلح معه والعمل فيما يحملونه من العوين وما يصلحون به مركبهم على القانون الجارى المعمول به مع سائر الأجناس. المعتبرين عند سلطان مراكش، ومثل ذلك يكون للقراصين الجهادية التي لسلطان مراكش في مرسى سلطان صارض. الشرط الخامس عشر: إذا دخل قرصان صارض لمرسى من مراسى إيالة سلطان مراكش، فإن القونصوا أو خليفته بذلك المرسى يعلم عامل البلد لئلا يهرب إليه أسير من الأسارى التي تكون عنده، فإذا وقع ونزل وهرب إليه أسير فإنه لا يقدر أحد أن ينزله منه مراعاة لتوقير سنجق صارض، وليس لأحد كلام في ذلك مع قونصوا صارض ولا يلزم بشئ من ذلك، ومثل ذلك يكون لقراصين سلطان مراكش بمرسى إيالة سلطان صارض.

الشرط السادس عشر: حتى قرصان من قراصين الجانبين لا يسامح له في الترصية قريبا من مراسى الجانبين التي يكون داخلا تلك المرسى مركبا لعدوه ليأخذه إذا خرج، ولا يتعرض أحد لمركب عدوه التي تحت رماية مدافع، وكذلك المركب مرصا على قدرها في الموضع الذى لا مدافع فيه كما هى العادة هـ. الشرط السابع عشر: إذا حرث مركب لسلطان صارض بساحل من سواحل إيالة سلطان مراكش بسبب من أسباب فراتين البحر، أو ألجأه إلى ذلك قرصان لعدوه، فإن الواقفين بذلك الساحل وسكانه يعينوهم على إخراج مركبهم إلى البحر، فإذا لم يقدروا على إخراجه يعينوهم على نزول وسقه وجميع ما فيه، وقونصوهم أو خليفته هو الذى له التصرف في ذلك والنصر فيه، ولا يلزمهم في ذلك مصروف إلا ما يلزم في خدمة نزول الوسق منه، وكذلك لا يلزم شئ من العشر في السلعة التي يلزم منه إلا ما بيع منها في الموضع، فيعطى العشر الواجب فيه، وأما ما يحمل من ذلك في مركبه أو في مركب آخر فلا يلزم عليه شئ من الأعشار ولا غيرها هـ. الشرط الثامن عشر: لسلطان صارض أعمال قونصوه وخلائف قونصوه الذين يعينهم هو لذلك ليقفوا بحسب النيابة عنه مع تجاره ورؤساء مراكبه وبحريته، ويفاصلون الدعاوى التي تكون بينهم، ولا مدخل لحاكم البلد في ذلك إلا أن يستعين به القونصوا على من امتنع من أداء ما وجب عليه فليعنه بما يطلبه منه. الشرط التاسع عشر: لقونص سلطان صارض تعليق سنجق جنسه في داره وحتى في القوارب

التي يركب فيها حين يريد الخروج لملاقاة مراكب جنسه، ويكون لداره الوقار والاحترام مثل ما هو لدور غيره من قونصوات الأجناس. الشرط العشرون: لا يمنع قونصوا جلنار سلطان صارض من أعمال كنيسية في داره ليتعبد بها هو وأهل جنسه، وكذلك من أراد الدخول إليها لذلك من جنس آخر فلا يمنع، وكذلك رعية سلطان مراكش لهم إحداث موضع لصلواتهم وعبادتهم في إيالة سلطان صارض. الشرط الحادى والعشرون: إذا مات أحد من رعية سلطان صارض في إيالة سلطان مراكش فإن قونصوهم هو الذى يحوز جميع متروكه، وله التصرف فيه بما يظهر له بيعه أو دفعه لورثة الميت، ولا مدخل في ذلك لشرع البلد ولا لعامله. الشرط الثانى والعشرون: إذا أحد من رعية سلطان صارض رفع يده تعديا على أحد من رعية سلطان مراكش، لا يكون إعمال الشريعة بينهما في ذلك إلا إذا حضر معه قونصوه، فإذا هرب هذا الذى تعدى أو ظلم فإن قونصوه لا يطالب بإحضاره، وكذلك يكون لمن رفع يده تعديا على أحد من رعية صارض، فإنه العقوبة تلزمه على قدر فعله، فإذا هرب أو اخترم فإن العامل لا يطالب به. الشرط الثالث والعشرون: إذا وقع نقص من هذا الصلح والمهادنة التي بين الجانبين، وجاء من ذلك حرب نعوذ بالله منه، فإن لسلاطين الجانبين إعمال الأجل في ذلك لمن طلبه ستة أشهر لأجل أن يخرج من إيالة هذا بل هو من راعية هذا، ولرعية الجانبين في

خلال تلك المدة الحرية الكاملة حتى يبيعون سلعهم أو يحملونها إلى أى موضع شاءوا آمنين لا يتعرض لهم أحد بسوء أو منع بسبب ما ذكر من الحرب ولهم حمل أمتعتهم وعيالهم سواء نشأوا في بر المسلمين أو لا، ثم إذا وقع الحرب بين الجانبين وغنم أحد مركبا لرعية الآخر فإنهم لا يكونون عندهم أسارى، ولا يفعل بهم ما يفعل بالأسارى بل يكونون مثقفين فقط حتى يقع الفداء، وإن لم يمكث أسيرا عند الجانبين أكثر من عام، وإن وجد في المركب المغنوم لأحد من الجانبين نساء صبيان من نحو سنتين إلى اثنتى عشرة سنة وشيوخ مر عليهم أكثر من ستين سنة، فإن هؤلاء من أخذهم في غنيمته فإنه يسرحهم من حينه ويتوجهون حيث شاءوا وعليهم كراء حملهم للموضع الذى قصدوا النزول به. الشرط الرابع والعشرون: حيث إنه (البرنسبلداددمنك) تحت طاعة سلطان صارض، وله فيها جيشه وهى بلاد حرب فجميع سكانها داخلين تحت هذه الشروط لأنهم من جملة رعيته. الشرط الخامس والعشرون: إذا وقع فيما يستقبل نزاع في كلمة من ألفاظ هذه الشروط من حيث إنها تقتضى أمرين ووقع نزاع فيما يتمشى عليه فيهما ويتبع فلا ينقض الصلح بذلك، بل يبقى محفوظا ثابتا مقيما دائما على رسخه وصفوه إلى أن يتبين ذلك ويتحقق معناه، فتتبع الحقيقة والبيان حيث ما كانا، ورعية الجانبين تبقى على حريتها في عملها وتجارتها، ولا يتعرض لهم أحد بسوء لأجل هذا، ولا تكون الكرة ولا الحرب بين الجانبين إلا إذا أحدهما امتنع من اتباع الحق والشريعة.

الشرط السادس والعشرين: إذا أحدث فيما يستقبل وقد أغفل ذكره في هذه الشروط (¬1) فإن الفصل فيه والعمل يكون على ما فيه منفعة لرعية الجانبين. يزاد فصل على الشروط المذكورة: وهو إذا وقع خصام بين المسلمين وبين صارض المفاصلة تكون بينهما على وجه الشريعة والحق، ولا يكون ذلك إلا إذا حضر مع صارض قنصوه أو نائبه أو وكيله هو، حتى يتبين الحق له أو عليه، وعلى كل حال لابد من رجوع مشورة السلطان، وحتى من كان من رعية سلطان مراكش في إيالة سلطان صارض إذا يكون له خصام مع أحد من رعيته، فإن المفاصلة بينهما تكون بمحضر قونصوا المسلمين أو نائبه أو وكيله هو، ثم إذا لم يقبل المسلم ذلك فله الرفع لشرع بلدة أخرى أو سلطان صارض. ثم يزاد أيضا ما أمر مولانا نصره الله بزيادته حين قرئت عليه الشروط المذكورة ويلزم إياله سلطان مراكش إعانة أرباب المراكب التي تكسر أو تحرث من إيالة سلطان صارض وحفظها، وما احتوت عليه إذا وقع بها ذلك حوز ثغوره المحروسة بالله تطوان وطنجة والعرائش وآسفى والسويرة ورباط الفتح والسواحل المعمورة، وأما إن وقع ذلك بالمراكب المذكورة بالسواحل الخالية التي لا يصل إليها إلا الزمنطوط فلا يلزم سلطان مراكش ولا رعيته حفظها وأداء ما نهب منها. تم العقد وكمل، وأوجب مولانا نصره الله بمقتضاه العمل، فمن حضر العقد وإبرامه وناقش تفاصيله وإجماله قيده في 12 ذى القعدة عام 1240 المختار ابن عبد المالك الجامعى خار الله له ولطف به بمنه "انتهت بلفظها وبعدها مقابلتها بالأصل بعدلين وأداء القاضى بعدهما ونصه: ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "كذا وفى نسخة بجعل مما مكان قد".

"قوبلت بأصلها فماثلته حرفا حرفا في سابع صفر الخير عام واحد وأربعين ومائتين وألف عبد ربه أحمد بن سليمان برناط وفقه الله آمين: وبعده بخط من يجب وقته: الحمد لله أديا بمضمنه أصلا وإلحاقا فثبت وأعلم به عبد ربه محمد بن يحيى وفقه الله فكتبه في الخامس من المحرم الحرام فاتح عام 1266". وفى شعبان سنة خمس وأربعين انبرم الصلح بينه وبين دولة النابريال (استرياك) على اثنى عشر شرطا مضمون جميعها تحسين العلائق وترويج البضائع واحترام كل رعية الآخر ونصها باللفظ: "الحمد لله مضمن شروط عقدها من ناب عن سيدنا المقدس بالله مع جنس النابريال في تاريخ 1830: الشرط الأول: أن رعية السلطانين يتعاشرون على وجه المواصلة والموافقة لا يكون بينهم اختلاف في البحر والبر ومن احتاج إلى مواساة صاحبه يواسه مثل الأصحاب. الشرط الثانى: مضمنه إذا تلاقى مركب البرزكان مع القرصان واجب القرصان تفتيش الكاغد من البرزكان لا يرسل إلا اثنين في فلوكة ينظران الباسبرط. الشرط الثالث: مضمنه إذا اجتمع قرصاننا مع برزكان (الانفلادر) يظهر له باسبورط في المركب والناس في الفلوكة ولا يطلع أحد للمركب لئلا تفسد له الكرنطينة. الشرط الرابع: مضمنه أنه لا يفتش باسبرط إلا القرصان حين يتلاقى مع البرزكان ويقابلون القطع على ما هو معلوم.

الشرط الخامس: مضمنه إذا ألقت الريح مركبا لنا إلى مرساهم أو ساحلهم يكون كل ما فيه محفوظا مأمونا ويقف معه أهل ذلك المحل ويعطونه كل ما يحتاج إليه، وإذا سلم الله ذلك المركب واحتاج إلى بعض الحوائج يقضونها له حتى يسافر مأمونا، وكذلك إذا حرث مركبهم بساحلنا وكانت لهم به سلعة لم يرد بيعها في بلدنا وأراد ردها لبلده لا يلزمه شئ من الأعشار. الشرط السادس: مضمنه أن لا يأسر أحد الجانبين من رعية الآخر أحدًا، وإن وجد أسيرا في مركب العدو لا يأخذه هو ولا سلعته بعد ما يثبت أنه من أحد رعية الجانبين، ولا يطالب أحد منهما صاحبه بقليل ولا كثير. الشرط السابع: مضمنه أن تجار (الانبلادر) يدخلون لأى مرسى أرادوا من مراسينا، وتجارنا يدخلون لمراسيهم كذلك، وقائد المرسى يراعى التجار كما يراعى غيرهم، ويبيعون ويشترون ولا يطالبون بزيادة على العادة القمرق. الشرط الثامن: مضمنه أن سلعة النابريال الواردة في مركبهم أو مركب غيرهم لمراسى سيدنا يدفع عليها العشر كاملا مثل ما يدفع أجناس النصرى كلهم (كذا) كيرة مع المسلمين فالنابريال يبقى في الصلح المذكور، وإن كانت لسيدنا كيرة مع جنس آخر وللنابريال كيرة مع جنس آخر فلا يمنع أحد الجانبين الآخر من المسير والتجارة في بلاد عدوه.

الشرط الحادى عشر (¬1): مضمنه إذا انحرف هذا الصلح وكان بيننا وبينه حرب فلا يترامى أحد الجانبين على الآخر إلا بعد ستة أشهر، وإذا كان أحدهم في بلد الآخر يكون مأمونا في نفسه وماله حتى يرجع لبلده بعد ما توفت ستة أشهر، ولا يضيع له شئ من ماله في بلد الآخر بموجب شرعى. الشرط الثانى عشر: مضمنه الصلح الدايم على هذه الشروط يفسده أمر يحدث بعده ولا يقع فيه زيادة ولا نقصان". وقد دام الأمر على ذلك إلى أن حدثت فتنة وورد سفير الإنجليز مع سفير النابربال على السلطان لعاصمة سلفه مكناسة الزيتون في ربيع الأول عام ستة وأربعين للنظر فيها وتعديل مشكلة ما غنمته القراصين المغربية من قراصين جنس النابريال التي كانت تتجول بالمياه بدون تأبط لورقة الجواز، وقد تكفل صاحب الاستقصا بشرح هذه الحادثة فلا داعى لجلبها هنا، وقد كانت من أعظم الأسباب في إهمال المراكب البحرية المغربية والإعراض عن الاعتناء بشأنها. وفى سنة خمسين عقدا معاهدة مع (سيجيليا) المعروفة بالنابلطان مجددة لمعاهدة سلفت معها ومضيفة إليها زوائد ونصها بلفظها بعد الحمدلة والحوقلة والطابع السلطانى: "بسم الله القادر الصلح المتفق عليه في 4 رجب سنة 1196 من الهجرة النبوية في مدينة نابل ما بين مملكة سيلجليتان ومملكة مراكش، وثبت ذلك في كتاب من المعظم أمير المؤمنين سلطان مراكش وسلطان سجيلتان بتاريخ فاتح ذى القعدة سنة 1198 فلما صدر بينهما بعض الاختلاف حتى كادت المحبة أن تتفرق، ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "كذا بالأصل بحذف التاسع والعاشر ولعل الناسخ مزجهما بالثامن على ما فيه".

فبادر لتجديدها سلطان سجيلتان والمعظم أمير المؤمنين سلطان مراكش، وأنبتا شجرة الصدق فيما بينهما وتجديدها بكمالها ولمن يأتى إن شاء الله بعد وارثا لهما إلى الأبد، على شروط الصلح والتجارة المعقودة بالتاريخ المذكور، ويحددون شروطا بعدها تكميلا للمحبة، فلأجل ذلك فوض الجانبان للمفوضين المذكورين بعده فجعل سلطان سيجليتان وفوض له (كمنضاطى جان بطسطسطيط مرشال ويطر) أمير إلى كمنضاطى حاكم جميع مراكب البحر، وجعل أمير المؤمنين سلطان مراكش مفوضه (بشرور دون يوذبن عليل) قونصوا خلينار المفوض له من قبل سلطانهما أن شروط الصلح المتفق عليه سنة 1196 ما بين الدولتين تحفظ وتبقى على كمالها كما كانت إلى الأبد، ويزاد عليها شروط يأتى ذكرها إن شاء الله: الشرط الأول: جميع الإكرام والبرور والإحسان الذى يصدر من قبل أمير المؤمنين سلطان مراكش إلى رعية الأجناس وسائر دولتهم التجارية والبحرية كذلك، يحصل لرعية سلطان سجيليتان ولمراكبه التجارية والبحرية. الشرط الثانى: إذا كان مركب تجاره ببندرة سجيليا وصادف في البحر مركب الحرب ببندرة مراكش وأراد مركب الحرب أن يطلع على قواعد مركب التجارة فليعين رائسه رجلين أن يطلعا الباسبورط الذى عنده، ولا يقرب أحد منهم المركب لأجل الكرنطينة كفى بمراكب الحرب الاطلاع على قواعد مركب التجارة ولا يقربهم، وإذا كان بالمرسى لهم معه وكذلك مراكب الحرب سجيليا يعملون بمراكب رعية تجار مراكش على السواء. الشرط الثالث: إذا كان مركب أحد الجانبين رماه البحر وحرث بمرسى أو بادية أحد الجانبين فيحفظ وسقه وما فيه في موضع آمن حتى يحملها أهلها، وعلى أهل المحل الذى

حرث فيه الإعانة على جميع الوسق وحفظ الرجال والأمتعة وعليه أجرة من استخدموه، ولا يمنعونه ما هو لازم، وإذا خرج المركب مكسر البعض فيه واحتاج إلى الإصلاح أو إقامة فتعطاه بالثمن المعلوم الذى يساوى، وإذا وقع بمركب سجيليا هذا العذر وأراد حمل سلعه إلى محل آخر فلا يعطى في خروجها صاكة ولا في دخولها. الشرط الرابع: سلطان سجيليا يفعل كعادة سلاطين الأجناس وتوفية لكلامه السابق يجعل قونصوه خلينار بأرض سلطان مراكش ويستقر بطنجة، ويجعل نوابه في جميع مراسى مراكش، ويكون محترما ونوابه كقونصوات الأجناس. الشرط الخامس: أن شروط هذا الصلح تكون محفوظة إلى الأبد من الجانبين، وتكون زيادة في الحبة والمودة، وإذا وقع اختلاف بين الجانبين وقد يمحوه الله تعالى فيبذل مجهود الجانبين في الاتفاق على الصلح وإبقائه على حاله من غير كرة بواسطة قونصوا طنجة، أو رجل يعينه سلطان سجيليا لمراكش، وإذا لم يتفقا وأراد كل واحد حرب الآخر فليتوقفا عن الحرب مدة من ستة أشهر من بعد الإعلام لتأتى مراكب التجارة وأهلها آمنين. الشرط السادس: أن هذا الصلح الدائم والمحبة المستقيمة تكون إلى الأبد، وشروط التجارة التي اتفق عليها الجانبان فلا ينسخها بحول الله وقوته أمر من الأمور، ولا يزاد ولا ينقص فيها من الشروط المذكورة.

الشرط السابع: سلطان سجيليتان يثبت محبة في أمير المؤمنين سلطان مراكش ويرغبه في ذلك، ويوجه له في دفعة واحدة مما يكرمه ويتحفه به الذى يرضاه سلطان سجيلتان ويواصل إلى طنجة. الشرط الثامن: المكمل لشروط المهادنة والصلح الدائم المعقود بين الجانبين المفوضين فيحتاج الثبت لكمال الصحة، يكون بطوابع السلطانين المذكورين بعد مدة تاريخه بأربعة أشهر، ثم يعطى لمن يتراضى عليه الجانبان حتى يتوصل كل واحد بطابع الآخر، وبهذا وقع طوابع المفوضين وخطوط أيديهما بجبل طارق بتاريخ 19 صفر سنة 1250 الموافق لعجمى المسيحى 25 لينيه سنة 1834". وإليك ترجمة كتاب بعثة للمترجم فرديناندو الحادى عشر ملك إيطاليا يعلمه بحفلات الأفراح المقامة لزواج بنت عمه بولد ملك فرنسا، وهى تدل على مقامه بين أمراء أوروبا وسمو قدره عند ملوكهم، ونصها من أصلها الإفرنجى المحفوظ بمكتبتنا الزيدانية: "من فردينادو الحادى عشر المالك بحمد الله سيشليا الكبرى والصغرى وبيت المقدس والدوق بارماوبليزانس وكاستورى وغيرها والأمير الأكبر ولى عهد توسكاو إلى صاحب الجلالة الشريفة عظيم المسلمين مولاى عبد الرحمن سلطان المغرب وفاس وسوس، الذى نرجو له دوام العافية وبلوغ المرام. وبعد: فلما كنا نأمل أن رسائلنا هذه ستروق جلالتكم الشريفة، وكنا قد أقمنا في نفس هذا اليوم حفلات زواج بنت عمنا المحبوبة مارى كارولين اكيستا كريمة عمنا المحبوب صاحب الفخامة الملكية أمير سليرق مع صاحب السمو الملكى

[صورة] كتاب فرديناندو الحادي عشر ملك نابولى للمولى عبد الرحمن

الدوق او مال نجل جلالة ملك الفرنسيس، أردنا أن نزف سريعا إلى سدتكم المولوية نبا هذا الزواج لتتمكن جلالتكم من مشاطرة عائلتنا الملوكية في هذه الأفراح التي غمرتها، وبهذه المناسبة نشعر جلالتكم الشريفة أننا لا نبرح داعين الله تعالى أن يحرسكم ويسبغ عليكم أخلاف النعمة والرفاهية (نابلس) 25 نوفمبر 1844 الإمضاء: (فردينادو"). وفى سنة اثنتين وخمسين أمضى معاهدة مع أمريكا وضعت على يد نائبها بطنجة (جميس لا عيب) ونصها بعد البسلمة والطابع السلطانى الكبير: "الحمد لله هذه نسخة شروط الصلح التي جعلناها مع المار كانوس وأثبتناها في هذا الدفتر، ووضعنا عليها طابعنا الشريف لتبقى مستمرة إن شاء الله، وكتبت بحضرة مكناسة الزيتون في ثالث جمادى الأخير عام اثنين وخمسين ومائتين وألف. الشرط الأول: أن هذه الشروط المذكورة في هذا الدفتر وهى خمسة وعشرون شرطا قد قبلت من الجانبين وذلك على يد الواقف على أمورهم وكيلهم وقونصهم جيمس لا عيب المقيم وقته بمحروسة طنجة. الشرط الثانى: أنه مهما كانت الكرة مع أى جنس كان فلا تخرج سفينة من إحدى الجانبين وتعمل سنجق العدو، إما من جهتنا وإما من جهة المار كانوس. الشرط الثالث: أنه متى جعلت الكرة مع أى جنس كان وقبضت سفينة من أهل ذلك الجنس، ووجد مسلما أو نصرانيا ولهم سلعة، فإنهم يسرحون بسلعهم، وحتى إذا

كانوا حاملين سلعة لجنس وبيننا وبينه الكرة فلا تؤخذ من أيديهم، ولا يكلفون بنزولها لما بيننا وبينهم من الصلح. الشرط الرابع: تكون بيننا علامة يعرف بها بعضنا بعضا في البحر، ومهما لقى أحدنا سفينة الكرة لا يبحث عنها، وإنما يكفيه كلام الرائس في بيانها مع سفن أخرى. الشرط الخامس: أنه مهما تلاقت السفن في البحر وكانت الكرة، فإن كل واحد من الجهتين لا يبعث لاختبار السفينة التي أراد اختبارها إلا فلوكة واحدة فيها اثنان أو ثلاثة فقط، ومهما خرجت عمارة وأفسدت شيئا من إحدى الجهتين من غير طريق، فإن صاحب العمارة التي خرجت يصلح للآخر ما أفسدت له. الشرط السادس: أنه مهما قبض المسلمون أهل جنسنا أو سلعتهم وأتوابهم لسيدنا نصره الله، فإنه يسرح، وكذلك إذا قبضوهم مسلمون من غير إيالتنا ودخلوا بهم لإحدى مراسينا، فإنهم يسرحون لأنهم تحت أماننا ومصالحين معنا. الشرط السابع: أنه متى وردت سفينة لإحدى مراسى الجانبين تقبض كمانية أو غيرها، فإنها تقبض ذلك من غير مشقة ولا حرج. الشرط الثامن: أنه متى وقع بإحدى السفن شئ ومالت إلى البر ووضعت وسقها حتى أصلحت ما فسد منها، فإنها مهما أرادت تحمل ذلك الوسق الذى وضعت، فإنها تحمله من غير صاكة ولا غيرها هـ.

الشرط التاسع: أنه متى حرثت سفينة فى ناحية من نواحينا، فإنها تبقى على حالها حتى تنظر ما يصلح بها، إما الخروج من موضع آخر أو نقل السلع أو غير ذلك من الوجوه التي تليق بها، ولا يقربها أحد لأنها في أماننا، وكذلك إذا دخلت سفينة للمرسة أو ألجأها الريح حتى دخلت للمرسة، فلا تكلف بنزول سلعتها بل تبقى على الأمان حتى تخرج برضاها. الشرط العاشر: أنه متى وقع قتال من أحد الجانبين مع بعض أجناس النصارى وكان القتال قريبا من بعض مدن الجانبين، فإننا نعين بعضنا على ذلك الجنس حتى يغلب أو يذهب، أو حرثت سفينة في واد نون أو غيره فإن النصارى الذين بها في الأمان حتى يصلون بلادهم إن شاء الله. الشرط الحادى عشر: أنه متى كانت الكرة بيننا وبين جنس من أجناس النصارى وكنا بالمرسة وأرادت سفينتنا الخروج من المرسة وأرادت سفينة العدو تتبعها فلا تخرج تتبعها حتى تمضى من الزمان أربعة وعشرون ساعة، وكذلك سفن الماركانوس إذا كانت بالمرسة وقت زمان الكرة وأرادت الخروج فلا تتبعها سفينة حتى تمضى أربعة وعشرون ساعة، سواء كانت من سفن المسلمين أو من سفن النصارى. الشرط الثانى عشر: أنه متى وردت سفينة الكرة على إحدى مراسينا فإنها لا تفتش، بل تبقى على حالها، ومهما كان بها أسيرا هاربا، فإنه لا ينزل منه كرها، ولا يطلب عامل تلك البلاد الذى به السفينة من رب السفينة قيمة ذلك الأسير.

الشرط الثالث عشر: أنه متى وردت سفينة الكرة على أى مراسى وردت وأخرجت المدافع، فإنها لا يخرج عليها من تلك المراسى إلا مثل ما أخرجت من غير زيادة ولا نقصان. الشرط الرابع عشر: أن تسبب التجار يكونون على عادة تجار إصبنيول، ويكونون مميزين، ويكونون مثل الجنس العزيز عندنا في الوقت ويذهبون في المدن والمراسى حيث شاءوا فلا يتعرض لهم أحد. الشرط الخامس عشر: أن التجار يكونون مشتغلين بالسباب، وإذا أرادوا يجعلون من يقف معهم أو ترجمان فلا بأس بذلك، ولا يقلب وسق سفينة إلى أخرى ولا تثقف سفينة في المرسة، وإذا أرادوا يجعلون من يعاونهم على أمور الوسق أو غيرها فإنهم ما يعطون سوى القدر الذى يعطون الأجناس من قبلهم هـ. الشرط السادس عشر: أنه متى كانت الكرة من الجانبين، فإن الأسارى يكونون رأسا برأس، فالرايس بالرايس، وسوط رايس بسوط رايس، والبحرى بالبحرى وهكذا، وأن يكمل العدد بيننا فتعطى في كل رأس من الجانبين مائة ريال بشرط أن لا يبقى الأسير من الجانبين أكثر من سنة، وحتى إذا أراد فداءه مركانطى أو تاجر من الجانبين فيفديه بالمائة ريال المذكورة. الشرط السابع عشر: أن التجار لا تكلف عليهم السلع ولا يشترون إلا ما أرادوا عن طيب

أنفسهم، وكذلك البيع إلا إذا كانت هناك مسائل جارية فيها العادة مع من قبلهم من أجناس النصارى يحملونها فلا بأس بذلك. الشرط الثامن عشر: أن السلع التي توسق توزن وتقلب قبل وضعها في السفينة لأجل أن لا تثقف السفينة من أجل إذا تحققوا أن بها كطربنط، وإذا كان كذلك فذاك الذى جعل الكربنط هو الذى يؤاخذ بذلك وحده على العادة الجارية فيمن قبله، وأما السفينة والسلع وما معها فإنها بريئة من ذلك. الشرط التاسع عشر: أنه لا تثقف سفينة في مرسة ولا تحمل شيئا كرها إلا إذا كان عن طيب نفس من رئيسها فإنه يتهاود معه على حمل ما أراد حمله. الشرط العشرون: أنه مهما جنى أحد من أهل جنسنا جناية أو من هو داخل تحت سنجقنا، فإنه يحكم فيه قونصو جنسه، وإذا احتاج القونصو إلى أصحاب باشة البلاد فيعينه. على ذلك. الشرط الحادى والعشرون: أنه إذا قتل منهم نصرانى أو العكس أو جرحه فإنه يحكم عليه بالقانون الشرعى من غير زيادة ولا نقصان، ويكون الحكم بمحضر القونصو، وإذ هرب قبل وقوع الحكم فلا يؤخذ به القونصو ولا بما جنى. الشرط الثانى والعشرون: أنه مهما مات أحد من جنس الماركانوس في بلدنا ولم يوص فإن قونصهم هو الذى يقف على متروكه وسلعته، وإن لم يكن قونصو فتوضع عند أمين حتى

[صورة] ترجمة أصلية لكتاب وزير الدنمرك من عاصمة كوبنهاجن لقنصل دولته بطنجة بإعادة المخابرة مع الوزير ابن إدريس ليسقط السلطان عن دولتهم القدر المطالبة بدفعه للمغرب حسب المعاهدات السابقة

[صورة] ترجمة أصلية لإمضاء كرستيان الثامن ملك الدنمرك بعاصمة كوبنهاجن في 17 ينيه 1845، للاتفاق المنعقد بين قنصله بطنجة والباشا بوسلهام في شأن المال الذى تدفعه الدنمرك للمغرب سنويا والموافقة على إلغائه ابتداء من تاريخ توقيعهما على ذلك في 27 ربيع الأول 1261 موافق 5 أفريل 1845

[صورة] إمضاء اسكار ملك السويد لاتفاق ممثليه مع الباشا بوسلهام على إلغاء القدر الذى تدفعه دولة السويد للمغرب بموجب اتفاق سابق وذلك بالعرائش في 27 ربيع الأول 1261 موافق 5 افريل 1845، وإمضاء الملك بعاصمتهم استكهلم في 13 ينيه 1845، ويرى خط قنصل السويد أورنهوف بالإفرنجية

يظهر من يستحقها، وإذا كان عنده من يرثه فتعطى لورثته من غير تعرض، أو أوصى بخط يده لمن يدفع ماله فالنظر في ذلك لقونصه. الشرط الثالث والعشرين: أن القونصوات يكونون في أى مرسة أرادوا، ويكونون موقرين مثل أجناس من قبلهم من النصارى، وإذا تعامل أحد من جنسهم مع مسلم بمال وأتلفه له فلا يؤاخذ به القونصو ولا يضمنه إلا إذا كان القونصو أعطى بذلك خط يده فيغرمه، وأما إذا لم يعط خط يده فلا كلام معه مثل جميع القونصوات. الشرط الرابع والعشرون: أنه مهما تنازع أحد في شرط من شروط الصلح بأن ادعى أحد مسألة وادعى الآخر مسألة وقال إنها ليست في الشرط، وطال النزاع بينهما، فإن الصلح يبقى على حاله ويبحث كل واحد منهما على ما ينفعه، حتى إذا لم يوافق أحدهم ما في الصلح ومنع منه كل الامتناع، فإن الكرة تعمل حينئذ، وجميع التجار تضرب لهم تسعة أشهر أجلا إلى أن يرفعوا سلعهم، وإذا تفضل سيدنا على جنس من أجناس النصارى فنحن من جملتهم. الشرط الخامس والعشرون: أن هذا الصلح يبقى مستمرا إن شاء الله بحول الله وقوته مدة من خمسين سنة، ويبقى يجرى بين الدولتين على القانون الجارى حتى يخبر أحد الجانبين الآخر في مدة من سنة، بأن مراده قطعه فحينئذ ينقطع بعد تمام تلك السنة" هـ بلفظه. وقد كانت دولة الدنمارك لا تزال تدفع للمغرب في دولة المترجم ما هى مطالبة به حسب الفصل التاسع والعشرين من معاهدة السلطان سيد محمد بن عبد الله والملك كريستيان السابع سنة 1181، كما تدل على ذلك وثائق رسمية كتبها

القائد عبد الخالق أشعاش عامل تطوان للمولى عبد الرحمن نص الأولى بعد الحمدلة والصلاة: "بعد تقبيل حاشية بساط سيدنا أمير المؤمنين، وناصر الملة والدين، الذى ما رئى مثله منذ دهور وأزمان، سيدنا ومولانا عبد الرحمن. وبعد: أنهى لكريم علم سيدنا أنه ورد علينا الأمر الشريف بحوز ما تحت يد القنص ابن عليال مما وجب على جنس دنمرك واجب سنة 47 وواجب سنة 48، وأعلمنا بذلك القونص ابن عليال على نهج ما أمرنا به سيدنا أدام الله نصره وخلد في الصالحات ملكه، ولم يأتنا جواب من عنده حتى أتانى أحد رؤساء المراكب وهو الرومى طلايه، وأخبرنى بأنه أتى باثنى عشر ألف ريال من عند ابن عليال من المال المذكور ليدفعها لخديم سيدنا الأنصح القائد العربى السعيدى، وبهذا وجب الإعلام لسيدنا والسلام وفى 9 ربيع الأول عام 1250 خديم المقام العالى بالله عبد الخالق أشعاش وفقه الله" بلفظه وحروفه. ونص الثانية: "بعد تقبيل حاشية بساط سيدنا أدام الله نصره وخلد في الصالحات ملكه أنه وافانا الكتابان (¬1) الشريفان وفهمنا مضمنهما فأعلم سيدنا أنه بلغنا بقية المال الواجب على جنس دنمرك على يد القونص يودى بن عليال صار جملة ما تحت أيدينا وأدخلناه بيت المال وفره الله خمسين ألف ريال، ثم أنهى لكريم علم سيدنا أن قونص جنس المركان حمل من مرسى سيدنا بعض الهدية المنعم بها سيدنا عليه، وذلك أسد وفرسان، حيث وجدنا بيده الكتاب الشريف يتضمن تسريحها، فوجب ¬

_ (¬1) في المطبوع: وافانا الكتابين (كذا) الشريفين".

خلفاؤه

علينا الإعلام بذلك، والعبد على الخدمة الشريفة والسلام وفى 29 ربيع الأول عام 1250 خديم سيدنا المنصور بالله عبد الخالق أشعاش وفقه الله بمنه آمين" بلفظه. خلفاؤه: منهم صنوه المولى المأمون بن هشام، كان استخلفه بمراكش، ثم نجلاه أبو عبد الله محمد السلطان من بعده على نحو ما أشرنا إليه في ترجمته، وجدنا أبو العباس أحمد الذى كان فر بنفسه للآستانة على عهد صنوه السلطان سيدى محمد المذكور بالرباط رحم الله الجميع وقابله بالعفو والفضل آمين. وزراؤه: من وزراء المولى عبد الرحمن بن هشام، أبو عبد الله محمد بن إدريس العمراوى مار الترجمة، ثم المختار بن عبد المالك الجامعى المتوفى بمراكش فاتح سنة اثنين وخمسين ومائتين وألف، ثم أبو عبد الله محمد بن على الحاجى النكنافى الصويرى دفين القصر المتوفى سنة 1266 ثم أخره ورجع وزيره الأكبر أبا عبد الله محمد بن إدريس المذكور، فلما مات ولى مكانه العربى الجامعى ولد المذكور، وأبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار التطوانى وتوليته الوزارة الكبرى كانت سنة تسع وستين ومائتين وألف، وأبو عبد الله محمد غريط، وجمعهم كانوا من أهل الفقه والأدب والكتابة. كتابه: منهم الأديب الكاتب محمد غريط، ومحمد بن عزوز الجامعى ثم عزل، وأبو عبد الله محمد القويطى، ومنهم أبو الحسن على بن الطيب الأجناوى كاتب الدولتين السليمانية والعبد الرحمانية، ثم ولاه المترجم بعد الكتابة عمالة وجدة وما حولها، ومنهم المعطى الأوراوى، ثم ولى القضاء برودانة، وأبو حامد العربى

قضاته

الجامعى استكتبه بعد وفاة والده، ثم استوزره، والحسين أغناج كان عاملا قبل على قبيلة حاجه ثم عزله وولاه وظيفة الكتابة، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن سليمان كان قبل كاتبا عند القائد محمد بن عبد الصادق بمراكشة ثم عند القائد الطيب الودينى برودانة ثم اصطفاه المترجم للكتابة بحضرته الفاسية، وأبو عبد الله محمد السطى، وأبو عبد الله محمد بن السعيدى وكان أيضا من جملة سراد الحديث الشريف كالبخارى في الأشهر الثلاثة رجب وشعبان ورمضان، وكان قبل الكتابة يتعاطى خطة الشهادة بسماط عدول مكناس، وأبو زيد عبد الرحمن بن محمد الشرفى استكتبه أولا القائد أحمد السرغينى نحو سنتين، ثم انتخب للكتابة بالحضرة الإمامية الهشامية أيام الوزارة الإدريسية، وأبو العلاء إدريس بن محمد بن إدريس انتظم في سلك الكتاب برباط الفتح بعد قفوله من حجته التي حجها مع أخيه العباس، وأبو العلا إدريس مؤلف كتاب الابتسام حسبما قال ذلك عن نفسه. قضاته: منهم بفاس المولى أحمد بن عبد المالك السلجماسى، والمولى عبد الهادى ابن عبد الله العلوى المدغرى بفاس الإدريسية، وكان ينوب عنه بفاس أحمد بن السيد محمد الزعرى المباركى، والعربى الزرهونى، والتسولى، وأبو محمد التهامى الحمادى، والعباس بن كيران، وأبو عيسى المهدى بن الطالب بن سودة، والطيب بسير، الأربعة بمكناس وقد وقفت على رسالة كتبها القاضى الحمادى المذكور لصاحب الترجمة في بعض القضايا ونصها من خطه: "في علم مولانا لازالت أعنة أوامره لكل جموح قائده، ولا انفكت همته العلية بالله على رعاياه زائدة، أن الرجال الثلاثة المدعى عليهم، أما واحد منهم فقد برأه أبو المدعى قائلا إنما هو محبوس في أخيه وها رسم البراءة الآن بيده وأما

قواد مشوره

الآخران فإلى الآن لم تثبت التدعية في حقهما لعدم معرفة شاهديها وقد كلف الشرع أبا المدعى أن يعرف بهما والنظر لسيدى في المبرأ وغيره. هذا وإن المدعى على القائد على ولد مجوط قد ظهر كذبه في دعواه، وتحقق فجوره في شكواه، إذ قد استظهر الطالب باسو برسم مؤرخ بربيع النبوى أن عقد الإجارة إنما كان معه بعشرة وقبضها، فلذلك حبسته لتجاسره على حضرة مولانا هذه مدة، وها هو الآن مريض في السجن جدا يخاف عليه، فنطلب من سيدى أن يكشف لى القناع عن وجه أمره هل يسرح ويذهب لحاله، أو تأخذ منه الدراهم التي أمرنى سيدى بدفعها له معاملة له بنقيض قصده، وعلى الآخذ فلمن أدفعها، هل للقائد على أو السيد المعطى المزطارى، والسلام رقيق نعمكم محمد التهامى بن محمد الحمادى عامله بلطفه وأمده بجلائل الأيادى". وقد وقع السلطان بخطه على ظهر الكتاب بما نصه بعد الحمدلة: "القاضى العلامة الأديب الأريب الفهامة سرح الذى أبرأه ولى الدم واقبض ما قبضه المفترى وسرحه في الحين وتصدق بما تقبضه كما تصدق صاحب الفرق الأنصارى، ولا شك أنك من القضاة الذين يفتقرون إذا زهدوا". ومن قضائه بطنجة أبو عبد الله المجاوى، وأبو عبد الله محمد بن عبد القادر الكردودى، وبمراكش السيد محمد عاشور الرباطى الأندلسى، وبسلا أبو محمد زنيبر، وبالرباط بسير وابن فارس، وصالح الحكمى، والبريبرى الكبير. قواد مشوره: منهم القائد العربى بن العلام، والقائد الجيلالى بن موسى، والقائد الجيلالى ابن حم، والحاج محمد بن الهلالى.

قواد المسخرين

قواد المسخرين: منهم القائد بوسلهام بن السبع، والقائد الجيلالى البزارى، والقائد العناية بن حميدة، والقائد محمد خنيشيش. عماله: منهم القائد حمان الصريدى، والقائد محمد بن الشاهد، والقائد محمد بن العواد الكبير، والقائد الجيلالى بن بوعزة، والقائد الجيلالى بن العواد، والقائد المجذوب بن الغنيمى كلهم كانوا بمكناس، وهؤلاء القواد الستة يلقب جميعهم بالباشا وقفت على كثير من الظهائر السلطانية الرحمانية الصادرة لرابعهم الجيلانى ابن بوعزة. قال في الابتسام: وأكبر عماله رتبة الباشا وهو الذى يكون رئيس الجيش فعنده في مكناسة القائد الجيلانى بن بوعزة، وهو والله أعلم خامس البشوات من يوم تولى الإمارة إلى الآن، وعنده في فاس وصيفه فرجى هو الباشا على الجيش الفاسى، وهو والله أعلم الثانى من يوم ولى إلى الآن، وعنده في مراكشة القائد أحمد أموش هو الباشا على الجيش السوسى ولا أدرى من كان قبله. ومن عماله الحاج أحمد بن محمد بن الهاشمى عواد السلوى على ثغر سلا، والشريف أبو عبد الله محمد بن الطيب بن السلطان سيدى محمد بن عبد الله على فاس، ثم ولاه على قبائل تامسنا ودكالة بأسرها، وأسند إليه النظر في أمرها، ثم ولاه على وجدة وتازا وما حولها وإدريس بن حمان الجرارى على وجدة، وذلك أوائل سنة ثلاث وأربعين ومائتين وألف، والشيخ أبو زيان بن الشاوى الأحلافى على تازا وأعمالها، وكانت ولايته في السنة نفسها، وأبو عيسى المهدى الشرادى مار الذكر، وأبو جمعة بن سالم مملوكه على فاس، والمولى

الشريف المولى مبارك بن على بن محمد بن عبد الله على مراكش، ويشو بن محمد بن يشو المالكى الغرباوى الزيانى على قبيلة زيان، والطيب البياز على فاس، وكذلك عبد السلام السلوى ولاه سنة 1246، وأبو سلهام بن على أزطوط على طنجة والعرائش، والقائد محمد بن عبد الكريم الشرقى المدعو أبا محمد وإبراهيم يسموو اليزدكى بصحراء تافيلالت، والقائد المأمون الزرارى، والحاج محمد أشعاش، وولده الحاج عبد القادر على تطوان، ومحمد بن العامرى على وجدة، وحمان الصريدى على العرائش ونواحيها، ومحمد أميمون الكروانى على طنجة ثم عزله سنة 1243، ومحمد بن عبد الصادق على مراكش، والطيب الودينى على تارودانت، ومحمد بن عزوز بآسفى، والقائد محمد السويس والأمين عبد الطيف فرج على الرباط. قال في الابتسام: وعماله على القبائل أكبرهم القائد محمد بن إبراهيم الدكالى البوعزيزى، مكث في العمالة نحو ثلاث وعشرين سنة، ثم ثار عليه إخوانه فخربوا داره وهتكوا حريمه وبددوا أمواله فعزل عنهم، ثم القائد الصديق العمرانى لازال واليا على إخوانه منذ عشرين سنة، ثم القائد أحمد بن القائد السراغنى لازال واليا على إخوانه منذ اثنتى عشرة سنة، ثم القائد عبد الله المعروفى الشاوى مكث واليا نحو الإحدى عشرة سنة، فقام عليه إخوانه وهجموا عليه، وقاتلهم حتى قتل أخوه وقطعت أنامله في قتالهم، وبددوا أحواله ثم عزل عنهم، ثم القائد عبد السلام بن عبد الكريم السفيانى مكث نحو الإحدى عشرة سنة، فقام عليه إخوانه وهجموا عليه، فلم يقدو على قتالهم، فلجأ بجبل صرصر بأولاده وأمتعته، وترك داره خالية فعزل عنهم. ومن عماله القائد الحسين بن عبد الفاضل الجروانى ولاه على إخوانه وكان له عنده مزيد العناية والرعاية، والقرشى بن موسى، وعلى أحدار، ثم حم،

[صورة] ظهير رحمانى بولاية الحاج أحمد عواد النظر في أوقاف سلا

أمناؤه

والجيلانى، والقائد أحمد الشبلى على بنى مطير والحاج عبد الله وولده بن عيسى على جروان". أمناؤه: منهم أمين الدار العالية الطالب بوعزة الفشار، وأمينا الصائر المدنى الحلو، والحاج عبد الرحمن النسب. محتسبوه: منهم أحمد اللب بمكناس، وسيدى عبد السلام بوعنان بفاس، ومحمد الزكى بالرباط. هـ. نظاره: منهم الأمين أبو العباس أحمد عواد السلوى، وقفت على ظهير توليته النظارة بثغر سلا بلده، وإليك نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع السلطانى: "ولينا بحول الله وقوته، وشامل يمنه ومنته، خديمنا الأمين الأرضى الحاج أحمد عواد النظر في أوقاف سلا، وأسندنا أمرها إليه، وأذنا له في قبض مستفادها وتصييره في مصارفه المعلومة والوقوف على إصلاح الرباع وحيازة ما هو مغصوب منها لمحله، والبحث في ذلك كله، وعليه بتقوى الله وطاعته، والوقوف على ذلك جهد استطاعته، والسلام في 28 شعبان الفرد عام 1252". وإليك نص ظهيرين آخرين فيما يتعلق بمحاسبته وغير ذلك من أمور نظارته. الأول: " خديمنا الناظر الأرضى الحاج أحمد عواد السلوى، أعانك الله والسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.

الثانى

وبعد: فقد وصلنا كتابك وصحبته زمام داخل الحبس، وخارجه، وعلمنا مبلغهما فأما ما ذكرت على شأن أبواب المدينة، فقد جرى العمل بذلك بسلا وغيرها فأبق ما كان على ما كان، وأما الساكنون بأوقاف المسجد وليس لهم عمل فيه فنأمرك أن تقبض منهم الكراء بالمعروف، وقد أذنا لك في جعل محمد الزواوى قابضا، ويقبض مرتبه المعلوم له، وفاس هى أم القرى، وقد جرى العمل فيها بإعطاء البوابين وإصلاح أسوارها من وفر أوقافها، والسلام في ذى القعدة الحرام عام 1252" الثانى: " خديمنا الناظر الأرشد الأرضى الحاج أحمد عواد، وفقك الله والسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: وصلنا كتابك مخبرا بامتثالك لما أمرناك به من إصلاح ماء سلا وأنك ابتدأت بإصلاح مواده في المدينة في فصل الشتاء، وحين أقلعت شرعت في إصلاح عيونه خارج المدينة، وأنك مجتهد في ذلك وطلبت المحاسبة لتتوجه إلى الحج أنت وولدك، فقد أذنا لك في ذلك، فتلك وجهة لا يرد عنها أحد وها نحن كتبنا لخديمنا الأمين الحاج أحمد الحداد بأن يحضر محاسبتك مع القاضى السيد محمد زنيبر، وأذنا له في أعمال الكسور الواقعة في مستفاد الأحباس وأمرناهما أن يعينا من يقوم مقامك والسلام في 21 جمادى الأولى عام 1259". ومن نظاره بالرباط الحاج محمد السويسى ولى سنة 1239، ثم الحاج محمد والزهرا، ومن نظاره أيضا السيد محمد بن الجيلالى الغسال أقامه ناظرا على زاوية الشيخ محمد بن عيسى بثغر طنجة، ونص ظهير ولايته بعد الحمدلة والصلاة والطابع:

[صورة] جواب المولى عبد الرحمن لناظر سلا عن وصول قائمة الداخل والخارج وغير ذلك

[صورة] ظهير رحمانى بالإذن لناظر سلا في الحج بعد تقديم حساباته للقاضى، وغير ذلك

"يعلم من كتابنا هذا أسماه الله وأعز أمره، أننا ولينا النظر للطالب السيد محمد بن الجيلانى الغسال في زاوية سيدى محمد بن عيسى التي بثغر طنجة ليقوم بأمرها ووظائفها من كل ما تحتاجه لثبوت أهليته لذلك، حسبما بموجب البينة التي بيده بأنه أهل لذلك، وأنه قام ببنائها من ماله هو وأخوه، ومن وفق من المسلمين احتسابا وأن أولاد الشيخ المذكور قدموه على أنفسهم لما ظهر لهم من صلاحيته لها وقيامه بها، فلذلك بسطنا له يد التصرف عليها من غير منازع ولا معارض، ونأمر من يقف عليه من ولاة أمرنا أن يعمل بمقتضاه ولا يتعداه، بهذا صدر أمرنا المعتز بالله في 4 ربيع الثانى الأبرك عام 1249 الحق بالطرة هو وأخوه ومن وفق من المسلمين صح به في تاريخه". ولما مات الناظر المذكور انتدب قاضى طنجة ولده للقيام مقامه ونص نقديم القاضى بعد الحمدلة. "لما بيد ماسكه الطالب الأرضى السيد المعطى بن السيد محمد الغسال رحمه الله، من الظهير الشريف المعتز بالله من مولانا المقدس المبسوط أعلاه من الولاية لوالده المذكور على زاوية القطب الواضح مولانا محمد بن عيسى بثغر طنجة، برد الله ضريحه والقيام بأمورها وشئونها اشهد إذ ذاك الفقيه الأجل العالم العلامة الأفضل البركة الأمثل المدرس الأحفل النزيه الأعدل، قاضى ثغر طنجة وعمالتها حينه ووقته وهو أحمد ... أعزه الله وحرسها شهيديه، أنه قدم الطلاب السيد المعطى المذكور على الزاوية المذكورة والقيام بشئونها وأمورها ووظائفها وكل ما تحتاج إليه والحيطة على رباعها، وذلك لموت والده المذكور، وأهليته للتقديم المذكور بشهادة شهيديه تقديما تاما مفوضا مطلقا عاما لم يستثن عليه في حقها فصلا من الفصول، ولا معنى من المعانى، إلا وأسنده إليه وقصر النظر فيه عليه

بناءاته وآثاره

حاشا تفويت أصل أو ما يؤدى إلى تفويته، فإنه لم يجعل له إلى ذلك سبيلا إلا عن موجب شرعى. وعليه في ذلك بتقوى الله العظيم، ومراقبته في السر والعلانية امتثالا للأمر الشريف أعزه الله شهد على إشهاده دامت كرامته بما فيه عنه وهو أعزه الله بحيث يجب له ذلك من حيث ذكر، وعلى المقدم المذكور بقبوله التقديم المذكور والتزامه القيام به جهده وهو بأتمه وعرفه وفى الثالث عشر من شعبان الأبرك عام ستة وتسعين ومائتين وألف عبد ربه على بن الدكالى الحسنى وفقه الله وعبد ربه سبحانه وتعالى محمد الفلوس الحسنى وفقه الله". بناءاته وآثاره: أما ماله بمكناسة الزيتون زيادة على ما أسلفنا ذكره في الطلب الأول من هذا الديوان، فمن ذلك تجديد قبة ضريح الشيخ الكامل أبى عبد الله محمد بن عيسى، وذلك عام ثمانية وأربعين، وكان الذى تولى النظر عليها محتسب مكناسة بادو، والبرج المشرف على المرس المعروف ببرج الماء الذى بابه بأسراق (¬1) وذلك عام خمسة أربعين 1245، وسور قصبة أبى عثمان سعيد المَشَنْزَائى، واصلح الساقية المارة بالمقابر الكبرى جوار تربة أبى محمد بن عبد الله بن حمد المار الترجمة، وكل ذلك في السنة المذكورة، وأصلح سورا كان بين عراصى الأشراف بالقصبة حسبما جاء في كتاب محتسب مكناس للوزير العربى الجامعى ونصه: "الأحب الأرضى الأود الأحظى، الفقيه الأسعد السيد العربى بن المختار سلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته عن خير مولانا أيده الله ونصره وأدام عزه وعلاه آمين. ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "أسراق بفتح الهمز والسين والراء الشبعة بعدها كاف معقودة سمى به المحج الممتد من باب الرئيس الشهير إلى البرج المذكور الواقع به بابا القصرين السلطانيين: المدرسة والمحنشة".

وبعد: فقد وصلنا كتابك على ما سقط بالسور داخل الستينية، وأمرنا مولانا أيده الله بإصلاح ما سقط ويكون مثل ما كان أولا أعلم أخانا قد أصلحنا ما سقط من السور كما أمر مولانا أيده الله، وليس هو من أسوار الستينية، وإنما هو سترة بين أعراصى الشرفاء والمحاج (¬1) الذى هو مرور للمقصورة لا غير وإنما بيناه لك حيث بلغ الخبر أنه سور الستينية، فإقلاب الحقائق يوقع في المشكلات، ويصلك أيها الأخ صحبة هذا كتاب لحضرة مولانا أيده الله وعلى محبتكم وعهدكم والسلام في 15 جمادى الأولى عام 1264. أحمد اللب لطف الله به (¬2) ". قلت: والسور المذكور في هذا المكتوب قد سقط اليوم وانكشفت تلك العريصات وتعذر على أربابها ما كانوا يستفيدون من غللها واستغلال عارضها لعجزهم عن البناء، وامتناع المكلفين من جانب الدولة من إعادة البناء. وزاد في ملاح اليهود محلا لدفن موتاهم عام خمسة وسبعين ومائتين وألف، وسوره لهم بالسور الموالى يمين المار من باب زين العابدين لباب الخميس إجابة لطلبهم ليأمنوا على أنفسهم، وقد وقع ذات يوم أن عصابة لقيت سور حارتهم، وكتب له باشا مكناس يومئذ القائد الجيلانى بن بوعزة بذلك فاستفظعه، وأمر بتتبع أصحابه كما ترى في جوابه للقائد المذكور: ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "كذا". (¬2) في هامش المطبوع: "هذ الرجل كان الأمين الخاص والصدوق المخلص للمترجم ولم ينل أحد في دولته ما ناله من ثقة الأمير به، وكان محتسبا في مكناس فيذكر في ولاة صاحب الترجمة وله ملف خاص في مستودع الأوراق بالقصر السلطانى في الأمور الشخصية المتعلقة بالجلالة وعائلتها وصوائرها الخاصة يتكون منه مجلد ضخم وذلك أكبر دلالة على مكنة الرجل المكينة في الصدق والأمانة وكلها بخطه لم يطلع عليها كاتب وبيتهم في مكناس من أشهر البيوت وأفخرها وأمجدها غير أنه اقشعر وصوح نبته وكل شئ هالك إلا وجهه".

"وصيفنا الأرضى القائد الجيلانى بن بوعزة، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وصلنا كتابك وعرفنا ما فيه وعلمنا ما ذكرت من إتيان بعض فسدة البرابر بالفئوس بقصد جعل الأنقاب بسور حارة اليهود الموالى للرياض، وأنهم بعد ما شرعوا في فتح ثلاثة مواضع منه شعر بهم العساسة وتضاربوا معهم بالبارود إلى أن تلاحق بهم من ذكرت من ساكنى بريمة، وممن وجهت لإعانتهم حين بلغك الخبر فهربوا حين رأوا الجد بعد ما قتلوا ذمية وجرحوا ذميين تركوهما مشرفين على الموت، وذكرت أن اليهود اشتكوا بتلاشى السور المذكور، وطلبوا إصلاحه وأنك كلفت القائد الحسين الجروانى بالبحث عمن فعل ذلك، فهذا الواقع شنيع لم نسمع بصدور مثله فلابد ابحث عن أصحاب الفعلة والطالب محمد الشبلى تجد خبرها عنده من غير زيادة ولا نقص، والسلام في 18 ربيع الثانى عام 1269". ونص جواب ثان تعلم منه ما كان من المحافظة على النظام والأمن العام في تلك الأيام ولاسيما أمن أهل الذمة: "وصيفنا الأرضى القائد الجيلانى بن بوعزة، وفقك الله وأعانك وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وصلنا كتابك مخبرا ببحثك عن أصحاب الفعلة بالملاح، وأنك وجدتهم من زمور ومجاط وبعض فساد جران وأنك جاد في الحراسة والعسة ولما بلغك اتفاقهم على العود لنقب سور الملاح في الليلة التي عينوا زدت العساسة في المواضع التي يظن إتيانهم منها فلم يأتوا ولازلت جادا في العسة فذلك الذى ينبغى فلا تقصر، وما ذكرت من تلاشى السور المذكور وعدم نفع الترميم فيه وطلب أهل الذمة لبنائه وتجديده بناء متقنا ووقوف أرباب البصر عليه وتقديرهم ما يصير على

ذلك، حسبما في الرسم الذى وجهت، فها نحن وجهنا من حضرتنا أرباب البصر بنائين ونجارين ينظرون ذلك ويخبرون بما عندهم في ذلك بحضرتنا، حتى كاننا رأينا ذلك بعيننا، فقم بمؤنتهم مدة إقامتهم هناك، وسنأمرك بما يكون عليه العمل في بناء السور إن شاء الله ... واقدال إنما هو معد للخيل فإياك أن تدخل إليه بهيمة بقرة أو شاة أو معزا، وإن دخلت إليه فيتعين عليك اللوم وسراح ما ذكر يقصدون به المسارح خارج المدينة، وإن ظهر منهم عجز استبدلهم بغيرهم وقد كتبنا بهذا للطالب أحمد اللب والسلام في 28 ربيع الثانى عام 1269". وأما ما بناه في غير مكناس فمن ذلك زيادته البلاطات الثلاث في مسجد الضريح الإدريسى من الناحية الشرقية الموالية لقبة الضريح، يدل لذلك ما هو مرسوم بسلطانيه الرخامية ولفظه: انظر بعينك شذور الذهب ... لابن هشام المنتقى المنتخب مؤسس المجد شريف النسب ... مبارك الاسم أغر اللقب من يده زهر المنى يجتنى ... في وجهه بدر الهدى المرتقب ورتب به مدرسا وواعظا وأحزابا، وكان ذلك فاتحة أعماله شكر الله سعيه، وجدد الشباك الذى بمزارة الضريح الإدريسى المذكور، وزاد فيه زيادة واضحة وذلك عام 1240 أربعين ومائتين وألف، وقد أشار لتاريخ ذلك البناء العلامة أبو العباس أحمد بو نافع بقوله: هذا مزار ومقام الاحترام ... قبله بالشفاه وادع للإمام ابن هشام قطب من صلى وصام ... شيد من إحسانه هذا المقام مؤسس البناء طال واستقام ... من زاره نال المنى حاز المرام وقفت في مزاره قصد استلام ... فراقنى البناء في حسن انتظام

صنع كل صانع وشى التمام ... ما كان ذا البناء في مصر وشام ترى سنا للكل في حين ابتسام ... تاريخه (دوام ملك ابن هشام) (1140) فأجازه صاحب الترجمة على هذه القطعة بثلاثين مثقالا ووسق قمحا، وجدد أيضا سقاية السبيل الكائنة تحت الشباك المذكور عام أربعة وأربعين، يدل لذلك ما هو منقوش عليها من إنشاء العلامة ابن قدور الشرقاوى ولفظه: من السعادة لاحت ... على شموس سعود لم لا ونجل هشام ... على يديه صعود أجرى لجينا زلالا ... فلذ منه ورود كسا بهائى جمالا ... وزان وشم خدود كساه ربى سناء ... وعز ظل البنود يا ناظر الحسن منى ... أرخ (بوشى ورود) (1244) ومن ذلك الخصة الرخامية التي بوسط المسجد الإدريسى، ونقل الخصة التي كانت به لجامع الأندلس، والتى كانت به جعلت بمدرسة الشراطين. وبنى البرج الكائن بثغر آسفى المعروف ببرج المستارى، وربما قيل له برج بلاط الواقع بجنوبى القصبة البرتقالية هنالك، وذلك في السنة المذكورة أيضا. ومن بناءاته البرج الكبير بثغر سلا المعروف بالصقالة الجديدة (¬1) وكان ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "وقفت على قائمة طويلة الذيل لطبجية سلا وتقسيمهم على أبراجها ومراتبهم: فالبرج القديم الذى بإزاء الولى الصالح سيدى أحمد بن عاشر المتقدم ترجمته =

الشروع في بنائه زمن انتقاض الصلح مع فرنسا، وتم العمل فيه سنة ثلاث وستين ومائتين وألف 1263 والبستيون (المعقل العظيم) بالثغر الواقع بالشاطئ البحرى منه شمالا، وكان تمام العمل فيه سنة تسع وستين ومائتين وألف 1269، وقد جلب لهذا المعقل سبعة عشر مدفعا ومهراسين عظيمين من المعدن من بلاد الإنجليز على يد أبى محمد عبد الله فنيش السلوى، وكان وصول ذلك لثغر سلا رابع شوال من السنة. وجدد بستان آمنة المرينية بالمدينة البيضاء فاس الحديد، قال أبو عبد الله أكنسوس: وكان -أى البستان- خرابا تألفه الوحوش بعد أن كان في الدولة المرينية على هيئة بهية، فيه ظهرت زينة تلك الدولة وضخامتها، وفيه مقاعدهم ومنازلهم العالية ومجالسهم المشرفة على بساتين المستقى، إلى أن قال وبالجملة فقد كان زينة من زينة الحياة الدنيا، وجنة حائزة من البهجة المرتبة العليا ثم أناخت عليها الأيام بصروفها، ومحت من تلك الرسوم جميع حروفها، فرآها الملوك قبل مولانا المؤيد فلم يرقوا لحالها، ولا أنقذوها من أوحالها، مع أنها في جوارهم، وعقود ديارهم، ¬

_ = في هذا الكتاب وعدد رجاله 92. وسقالة الوسطى ورجالها 93. والبرج الجديد رجاله 93 كذلك. وقد ذكرت في تلك القائمة أسماء أولئك الرجال وأوصافهم من طول وقصر وأشكال اللحى والحواجب والعيون وغير ذلك من الأوصاف المميزة لأصحابها وفيها تسعة أشخاص وصفوا بأنهم صبيان وفيها ألقاب معروفة بسلا لهذا العهد كزنيبر ولعلو واشمعو والمالقى وبوشعرة وفنيش وملاح وغيرهم وذكرهم فيها على هذه الأمثلة: (المعلم الحاج محمد حركات للطول ساقط بعض الأسنان. عبد الحق الصدراتى ربعة متصل اللحية كثيفها شيب. ج محمد لبريبرى أبيض بخده الأيمن زبيبة متصل النبات أسوده. أحمد بن الحاج العربى تازى مراهق بوجهه جدرى أزرق العينين. الطاهر الزواوى أشيب ساقط الثنايا برأسه ارتعاش. الصبى الهاشمى بن محمد الشلح مدور الوجه للحمرة غليظ الأنف. الفقيه سى محمد التيال وجيه متصل النبات واسع العينين".

فعطف الله عليها هذا السلطان المبارك فأعاد بعد الممات محياها، وأبرز من ظلمات العدم جميل محياها. ومن بناءاته البيوت التي كانت معدة لسكنى جيش آل سوس بفاس المرينية على يد باشا المدينة البيضاء القائد فرجى، ومنها إصلاح ما احتيج لإصلاحه من القصور السلطانية عام 1269. وبنى جسر وادى مكس بسفح جبل زرهون، وذلك عام ثلاثة وسبعين 1273، وجدد مسجد أبى إسحاق البلفيقى بمراكش، وجدد بها أيضا مسجد حارة الصورة، ومن ذلك بناء ما تهدم من مرسى طنجة والمبالغة في تحصينها أكثر مما كانت، وأصلح أبراج تطوان لما دخلها عام 1243 كما في تاريخ الولاية للزيانى، وأسس البرجين العظيمين بثغر سلا وأشبار الكبير المقابل للبحر بها، والمارستان الكبير بضريح الشيخ ابن عاشر، والمنار الفاخر بالمسجد الأعظم منها حسبما هو مكتوب على بابه، وخزين البارود بالقلعة، وأشبار الفاخر برباط الفتح، وقصبة الصخيرة الشهيرة، وقصبة أبى زنيقة أيضا، وجدد المتلاشى من أبراج صغر الصويرة، وأجرى لها الماء فأدخله إليها وبنيت له القنوات واستراح الناس من نقله من النهر. ومن بناءاته بتافيلالت قصر تغمرت الذى كان آية في الإبداع، وجاء السيل فصيره في خبر كان، ثم جدده ولده سيدى محمد، ومنها قصر أبّار (¬1) الحفيل المتسع الأكناف يشتمل على دور أنيقة، وكان تأسيسه له أيام سلطنته لأولاده وجعل به مسجدا جامعا تقام فيه الجمعة من يوم أسس إلى أن ثار الفتان بلقاسم الآنكادى السفاك لدماء الأشراف والعلماء، فعطلت فيه الجمعة من يومئذ، ونقل منبره لمسجد الريصانى الذى صارت تقام فيه الجمعة إلى أن احتلته فرنسا، وهو الآن شبه خزين مكتوب بأعلى باب هذا القصر جمل ملحونة لفظها: ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "بفتح الهمزة وتشديد الموحدة تحت مشبعة".

نساؤه الحرائر والشريفات

يا داخل المنزل أبشر هناك ... أبشر بما تريد الله قد أعطاك ومنها قصر سيدى محمد بأولاد عبد الحليم من تافيلالت، وكان انتهاء العمل فيها على يد الفقيه الحاج محمد الزيانى في ربيع الثانى عام 1264 موافق 26 مارس سنة 1848. وغرس أجدال الشهير بمراكش، بعد أن كان الدهر أخنى عليه وصيره حصيدا كأن لم يغن بالأمس، ذلك الجنان الذى لا يوجد له مثيل في الديار المغربية طولا وعرضا، جعل فيه من أنواع الفواكه الصيفية والخريفية والأعناب والكروم وأشجار الزيتون ما لا يكاد يعد كثرة، جلب عددا من تلك الأشجار من الزاوية الشرادية كما تقدم، وجدد جامع المنصور بقصبة المنشية، وجامع الكتبيين من مراكش أيضا، وبنى بها مسجد أبى حسون، وجامع حومة القنارية، وأصلح قبة ضريح الشيخ أبى العباس السبتى برد الله ثراه. وهو أول من أحدث العسكر من العلويين حسبما استفدت ذلك من دفاتر صوائر الحش إذ وجدت في قائمة الخارج مرتب العسكر وذلك عام 1265 وكان الذى أسندت إليه قيادته وتدريبه أبو الحسن على التونسى، ثم بدا له وأبطل عمله واقتصر على مطلق الجند كسلفه. نساؤه الحرائر والشريفات: السيدة علوى بنت البهلول، والسيدة علوى بنت البشير، والسيدة نجمة والسيدة فاطمة الأحلاقية كلهن حرائر، وكن من أزوج عمه المولى سليمان، ولما لقى ربه تزوج بهن المترجم، والسيدة البتول من آل الشيخ على بن إبراهيم. وأزواجه من الشريفات لآل فاطمة، ولآل حليمة، ولآل رقية كلهن بنات عمه المذكور ولم أميز بين المطلقات وبين من مات وهن في عصمته.

ما خلفه من البنين والبنات

ما خلفه من البنين والبنات: السلطان بعده سيدى محمد (¬1) وشقيقته لال (¬2) خديجة وتدعى لال سيدى، أمهما لال حليمة بن عمه المولى سليمان. المولى عبد الملك تأتى ترجمته، والمولى عمر والولى سليمان، ولال مليكة (¬3)، أمهم لال فاطمة بنت مولاى سليمان تدعى لال بنت سيدى، وكلهم سكنوا مكناس، ومولاى سليمان بقصبته من تافلالت المعروفة إلى اليوم بالريصانى. المولى عثمان وشقيقته لال أم الخير أمهما الصافية علجة. المولى الطاهر المتوفى في 26 شعبان عام 1322 دفين ضريح الغزوانى بقرب أخيه مولاى على، والسيدة مريم، والمولى بوعزة دفين مراكش بضريح الجزولى، والسيدة ربيعة أمهم المولاة طويموا. المولى عبد السلام، وشقيقته لال الباتول، أمهما لال رقية بنت مولاى سليمان، سكناه كانت بأبار من تافيلات. المولى العباس (¬4) آتى الترجمة وأشقاؤه المولى بناصر والسيدة (¬5) نفيسة والسيدة (¬6) فخيتة السيدة الطاهرة وهى آخر بنيه وبناته موتا وتوفيت برباط الفتح وكانت من البهاليل صالحة معتقدة أمهم المولاة رحمة وكلهم كانوا بمكناس. ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "خليفته بمراكش". (¬2) في هامش المطبوع: "زوج قاضى فاس مولاى عبد الهادى". (¬3) في هامش المطبوع: "زوج عم والدى مولاى عبد السلام توفيت في عصمته". (¬4) في هامش المطبوع: "كانت له مكتبة حافلة". (¬5) في هامش المطبوع: "زوج مولاى عبد السلام الأمرانى". (¬6) في هامش المطبوع: "زوج والد والدى عبد الرحمن آتى الترجمة توفى وهى في عصمته".

المولى على، وقد كانت له مكتبة قيمة وحيدة في نفاستها وتعدد مجلداتها في شتى الفنون، وكان من أهل العلم، مات في خامس شوال عام 1267، ودفن بضريح الغزوانى، وشقيقتاه السيدة رقية، والسيدة مريم سكناهم بمراكش وبقرب ضريح المولى على هذا دفنت شقيقته السيدة مريم المتوفاة في 17 ربيع الثانى عام 1321. أحمد الخليفة بالرباط والموجه لنواحى وجدة وواقعة تطاوين والمهاجر للآستانة، وهو والد والدتى أمه المولاة الياقوت الصالحة المعتقدة: المولى الطيب سكناه بمكناس، وبها كانت منيته، ودفن بالمباح الغربى من دويرية الضريح الإسماعيلى يسار الداخل إليها. المولى إدريس بمكناس، سكناه ومنيته وقبره داخل قبة الضريح الإسماعيلى بالجهات الغربية. المولى عبد القادر أمه مباركة الشاوية سكناه بفاس: المولى الأمين الخليفة بالدار البيضاء، أمه الغالية شاوية، وهو آخر الإخوة موتا. المولى الحسين كان نقله والده لبلاده تافيلالت، وبنى له قصبة بأبّار بفتح الهمزة وتشديد الموحدة تحت الذى كان أسسه لأولاده. المولى عبد الله سكناه بأبّار أيضا. المولى إسماعيل سكناه بمكناس. المولى أبو بكر والمولى موسى، ولال فاطمة أمهم المولاة معتاها سكناهم بمراكش.

السيدة زينب أمها سليمة علجة. المولى إبراهيم، المولى رشيد الخليفة برباط الفتح هو آخر خليفة بها، مات بمراكش، وداره بالرباط مشهورة قرب جامع القبة وكان من أهل العلم. السيدة عاتكة، السيدة صفية، السيدة آمنة، السيدة زبيدة، السيدة زهور، السيدة ستى أم مولاى على بن الشاد آتى الترجمة، سكناها بتافيلالت وبها توفيت، السيدة لبابة. السيدة هنية والسيدة كنزة أمهما المولاة زهراء البيضاء شاوية من أولاد حريز، والسيدة فضيلة والدتها الحرة السيدة البتول من آل الشيخ على بن إبراهيم. السيدة بانى والسيدة أسماء والسيدة عائشة والسيدة حبيبة كلهن كن بتافيلالت وبها توفين. السيدة أم الغيث، زوجها أبوها بالولى العربى بن الصديق العلوى المتوفى في سنة 1288، وكان فقيها محدثا، وقد زوجه بعدها أختها السيدة صفية المذكورة. قال صاحب الابتسام: وأولاده المرعيون المحفوظون، فأكبرهم الخليفة الأرشد سيدى محمد ولاه الخلافة العامة على جميع إيالته، وأقامه مقامه في الولاية والعزل والعقد والحل تسافر معه الجنود، وتنشر عليه الألوية والبنود، ثم يليه أخوه أبو الربيع مولانا سليمان، ثم يليه أخوه أبو العباس مولانا أحمد ولاه عمالة رباط الفتح سنين ثم عزله، ويليه أبو العلاء مولانا إدريس أسكنه تازا سنين، ثم نقله لمكناسة، ثم يليه أخوه مولانا العباس بعثه للعرائش، فأقام فيها أعواما ثم نقله إلى فاس، ويليه أخوه مولانا عبد الله فهو مع أخيه العباس لا يفارقه، ويليه مولانا الرشيد فهو في مراكشة منذ ولد إلى الآن وما بقى من أولاده غير هؤلاء فهم صغار لم يستعلمهم في شيء الأمر.

وقد كان له رحمه الله اعتناء كبير بتعليمهم وإقرائهم كما جرت بذلك عادة سلفه وخلفه، وكان يجعل لهم معلمين مختصين بهم ويحض على المثابرة والدأب على تفهيمهم وتلقينهم كما ترى في هذا الكتاب الذى بعثه لولده الأكبر الخليفة سيدى محمد ونصه بعد الحمدلة والصلاة والسلام والطابع: "ولدنا الأبر الأسعد سيدى محمد أصلحك الله والسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وصلنا كتابك على شأن ما كتبنا لك به في أمر طلب إخوانك بالدار البيضاء وأخبرت بحزمه وضبطه وأن معه من مقدمات العلم ما ينبغى لمثله وما قدمته لتعليمهم حتى تخيرته واختبرته، ولم تغفل عن تفقدهم غيبة وحضورا ذلك هو الظن بك أصلحك الله ورضى عنك، وما كتبنا لك بما كتبنا إلا عناية بتدريب الأولاد أصلحهم الله وحملهم على الجد في القراءة والاطلاع على أمور الاعتقاد الذى هو أهم ما اعتنى به المكلف عموما وخصوصا الصبيان ليسبق ذلك إلى أذهانهم، ويمتزج مع دمهم ولحمهم، قال في الرسالة: واعلم أن خير القلوب أوعاها للخير، وأرجى القلوب للخير ما لم يسبق الشر إليه، وأولى ما عنى به الناصحون ورغب في أجره الراغبون إيصال الخير إلى قلوب أولاد المؤمنين ليرسخ فيها وتنبيههم على معالم الديانات وحدود الشريعة ليراضوا عليها وقد قال الأول: أتانى هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلبا خاليا فتمكنا فلتؤكد على الطالب المذكور في زيادة الجد والحرم والدأب على التعليم، وتعاهد الأسوار وحضه على تعليمهم الاعتقاد، وأن يقتصر على ما ذكر ابن عاشر في كتاب أم القواعد وما انطوت عليه من العقائد، ويكلفهم بحفظ ذلك الباب وإتقانه وتفهيمهم إياه وتنزيله لعقولهم حتى يدركوا ذلك غاية الإدراك، ويرسخ

[صورة] ظهير المولى عبد الرحمن لولده سيدى محمد في التأكيد على معلم إخوته بالجد في القراءة والتعليم

بالتكرار ويتقنوه حفظا وفهما، ويكون ذلك في هذه الأيام التي توصلنا لمراكشة إن شاء الله، فإن وجدناهم أتقنوه حفظا وفهما وعلما وإدراكا، فإنا ننصف له بحول الله فليجعل ذلك أهم أموره وأولاها بالتقديم والسلام وفى 23 ربيع الأول النبوى الأنور عام 1262"، وصح من أصله الموجود بملف العائلة الملوكية الموجود بمستودع حفظ الوثائق الدولية بشريف الأعتاب من رباط الفتح. ونص آخر كتبه لباشا مكناس: "وصيفنا الأرضى، القائد الجيلالى بن بوعزة، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله: وبعد: فيرد عليك الفقيه السيد محمد الريفى وقد عيناه لقراءة ولدينا مولاى بناصر، ومولاى إسماعيل، يقرئهم القرآن، وابن عاشر بميارة الصغير، والجرومية بالأزهرى، والرسالة، وكلما ختم معهما ختمة يعيد معهما أخرى، والسيد العربى بصرى أرحناه، والطالب الملازم لهما لقراءة القرآن يذهب لحال سبيله، ففى السيد محمد الريفى كفاية، وقد عرفناه لما ذكرنا، ونأمرك أن تعين قائدا من الجيش مُسنًّا ومعه مخزنيان يلازمان باب دار المخزن مهما رأى السيد محمد الريفى من الولدين المذكورين تكاسلا عن القراءة وأراد تهديدهما أو ضربهما يمتثلان أمره، ونأمر خديمنا الطالب اللب أن يرتب للقائد الذكور درهما في اليوم، ولصاحبيه درهما بينهما والسلام في 16 شعبان عام 1268". ونص كتاب بعثه أحد ولاته للوزير ابن إدريس في شأن مؤدب: "حبنا الأرضى، أخانا المرتضى، كاتب الأوامر الشريفة العلامة الأديب الفقيه سيدى محمد بن إدريس، وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، وسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته بوجود مولانا المنصور بالله أدام الله لنا ولكم وجوده.

بعض ما قيل فيه من المديح

أما بعد: أخى، اعلم أنه أتانا الأمر الشريف على توجيه حامله مؤدب أولاد سيدى، وننظر من يستخلفه، فنظرنا فقيها أسأل عنه الحامل، فجلس مع سادتنا الشرفاء أياما وحامله معه وله نصيب من العلم الشريف، وفى غاية ما يكون من الوقوف والحامل قد ظهر لنا أن جلوسه بداره أولى، لأنه قد فتح عينيه ولم تبق عليه حرمة مع سادتنا الشرفاء، وهذا المؤدب الذى عملنا اليوم من عادته العزلة على الناس، وله حظ من العقل والمروءة، ونحن نحب أولاد سيدى يجتمع فيهم ما لم يجتمع في غيرهم من كل شيء شيء، فنطلب الله أن يكمل غرض مولانا في نجله الشريف آمين، وعلى المحبة وخالص المودة، بارك الله لنا فيك وطالب لدعائكم والسلام في 22 جمادى الثانية عام 1254" ثم الختم نقشه: (عبد السلام السلوى لطف الله به). ونص كتاب آخر كتبه السلطان لولده مولاى العباس باتخاذ فقيه بدل المتوفى: "ولدنا الأبر الأرضى، مولاى العباس أصلحك الله ورضى عنك، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد بلغنا أن الفقيه السيد مبارك الفيلالى صار إلى عفو الله، ولقد كان نعم الرجل تغمده الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته، فلابد انظر للشرفاء أصلحهم الله طالبا خيرا يكون على قدمه، ويكون يطلع لقراءتهم ويقبض ما كان يقبضه السيد مبارك والسلام في 4 ربيع الثانى عام 1474". بعض ما قيل فيه من المديح: من ذلك قول الرئيس العلامة الوزير أبى عبد الله محمد بن إدريس الكبير العمراوى:

أهذه الزهر حيتنا أم الزهر ... وذى الدرارى انتظمن لى أم الدرر وهذه نسمات النصر قد نفحت ... أم السعادة حيا نشرها العطر وهذه أوجه التوفيق قد سفرت ... عن حسنها أم تبدى الشمس والقمر أم الخلافة في أعلى منازلها ... حلت فأشرق منها البدو والحضر أحيا (أبو زيد) المولى معالمها ... وزانها من حلاه العقل والخفر فهى العروسة تجلى في منصتها ... وليس يعوزها حلى ولا حور كانت زليخا فأضحى وهو يوسفها ... إذ عادها منه بعد الكبرة الصغر واخضر بعد ذبول أروض بهجتها ... كأنما حلها من يمنه الخضر أحيا لنا عمرًا في العدل أو حسنًا ... في الفضل أو حاتما في البذل إذ غبروا بيت الخلافة (إسماعيل) شيده ... لكن (محمد) نادى الخلق فابتدروا كلاهما (والأب) المحمود سيرته ... (والعم) كل بما قد حاز قد نشروا على همة هذا مع شجاعة ذا ... وجود هذا وعلم ذا كما خبروا هذى المفاخر لا قعبان من لبن ... هذى المئاثر لا كأس ولا وتر كم أظهر الله من عز بدولته ... للدين إذ سامه الباغون وانتذروا فرب مشهد صدق قد شهدت له ... كرائما في الوجود ليس تنحصر ورب يوم أغر قد نصرت به ... منهاج جدك قد شاعت به البشر ويوم عز به الإسلام يفتخر ... لاحت به في جبين دهرنا غرر به تبسم ثغر الملك وابتهجت ... به الخلافة واعتدت بها البشر وفاق حزب التقى حزب الشقا وبه ... قد اغتدت تضرب الأمثال والعبر

بوقعة دوخت غربا بموقعها ... واهتز بالمشرق الأملاك واعتبروا يوم تحزبت الأحزاب واتفقت ... على الفساد وبعد العهد قد غدروا أولاد فرج وعونات وتابعهم ... عليهم ... (الرحمن) ما ذكروا دارت عليهم من الأسواء دائرة ... وحاق مكرهم بهم لأن مكروا فأصبحوا قد أباد الله نعمتهم ... وحل ساحهم الأحداث والغير صرعى على الأرض قد حاق المحاق بهم ... وقد كساهم ثياب الذلة العفر يا ويحهم عمهم خزى بفانية ... وسوف يعروهم من بعدها سقر في مأزق تدهش الألباب وقفته ... به تواقفت الأجناد واصطبروا وضاربوا كل قرن دون مهجته ... فخلفوهم وهم على الثرى جزر قد قام فيه خطيب السيف مفتخرا ... في منبر الراح والهيجاء تستعر روى عن ابن أبى الهيجا وحدثه ... أبو الزناد فصح في الوغى الأثر رأى الجيوش بها الأرماح ظامئة ... فشمروا عن ذيول الحزم واتزروا وعللوا بالدماء كل عالية ... وأورد الخد منها الصارم الذكر فكم رئيس على الخطى هامته ... تبدو وكم بطل في القب قد أسروا ولم يزالوا بهم حتى انثنوا هربا ... كأنهم في سباريت الفلا حمر طارت قلوبهم من بأسهم فرقا ... إذا رأى الألف منهم واحدا نفروا لو كنت شاهد نار الحرب كاشفة ... عن ساقها وجنود الله تنتصر أبصرت بحرًا به الأبطال سابحة ... كالموج في اللج لا تبقى ولا تذر سماؤه النقع والخرصان أنجمها ... والوقد برق ورعد بندق مطر

وسورة الفتح من بعد القتال أتت ... والعاديات ضحى بالنصر تفتخر أبلى به الجيش والأعراب مثلهم ... والبربر النصح في الهيجاء تعتبر ولست أنكر للوصفان وقفتهم ... في حومة الحرب والفرسان تشتجر جند لعمرى أنصار مهاجرة ... لكنهم لصفات اللؤم قد هجروا لا يعرفون سوى الإقدام من خلق ... وليس يعروهم في شدة خور سعادة الملك المنصور قد ظهرت ... به الجيوش على الأعداء قد ظهروا لسيدى (عبد الرحمن) مالكنا ... مناقب في جبين الدهر تستطر ناهيك من ملك كالشمس في فلك ... تزهو بدولته الأقطار والعصر ومن يكن من (هشام) أصل نبعته ... يسمو به الملك والأخطار والقدر ما زال في حضر يسمو على قدر ... للرشد والآن عنه أسفر السفر الواهب الخود والآلاف منبسطا ... والخيل جردا فلا منٌّ ولا كدر في صدره البحر أو في بطن راحته ... كلاهما طاب منه الورد والصدر سر النبوءة يبدو في أسرته ... ونورها منه في الأكوان منتشر إذ دجا الخطب وانسدت مسالكه ... فرأيه في ظلام ليلة قمر مهذب الرأى يستسقى الغمام به ... وتنجلى بسنا آرائه الغير العدل سيرته والنصر شيعته ... والفضل شيمته والحزم والحذر بالحلم ملتحف بالعلم متصف ... بالعجز معترف بالله مقتدر رشيد أمر على الأسرار مؤتمن ... لله منتقم بالله منتصر قد صاحبته مع الأيام أربعة ... الفتح والنصر والتمكين والظفر

وساعدته مع الرحمن أربعة ... السعد واليمن والتوفيق والقدر كم من مشاهد بالتمكين شاهدة ... ومن مواقف منها النصر ينتشر ومن مواقع في الأعداء قد بهرت ... سارت بصورتها الركبان والخبر فسل (غياثة) والأنذال جيرتهم ... وسل (دخيسة) إذ حلت بهم غير وسل (دكالة) إذ كلت عقولهم ... واعتادهم من أكاذيب المنى غدر عموا وصموا فلم تبصر بصيرتهم ... ولم تنبههم الإرشاد والنذر ومن يكن عن سبيل الرشد ذا حيد ... فلا البصيرة تهديه ولا البصر جنوا فأمضى الردى فيهم عزيمته ... حتى رقاهم وكم أبدى الشفا ضرر ثم اغتدوا بعد ما جنوا جنان ندى ... لولا الصوارم لم يقطف لها ثمر وكم يقوم حد السيف من عوج ... ويستضئ به الباغى فيعتبر ولم يزل ملكه يسمو وعزته ... تنمو ودولته تعلو وتنتشر قد أذكرتنا مغازيه التي اشتهرت ... مغازيا قصها الأخبار والسير وغير بدع ظهور السر في عقب ... فرب مكرمة علياء تدخر قد يسر الله ما تبغيه من أمل ... وهيأ الله ما تهوى وتنتظر قاتل بسعدك فالأيام مسعدة ... وأمر بما شئت إن الدهر مؤتمر وانصر بسيفك هذا الدين معتصما ... بالله فهو لأهل الحق ينتصر ومن تكن في سبيل الله نهضته ... يعنو له الصعب أو يسمو به الخطر يا ابن الأكارم من عدنان من نزلت ... في مدحهم محكمات الآى والسور مطهرون نقيات جيوبهم ... تجرى الصلاة عليهم أينما ذكروا

من لم يكن علويا حين تنسبه ... فما له في قديم الدهر مفتخر قوم إذا فخروا بذوا مفاخرهم ... إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر ماذا يقول ذوو الأمداح في نفر ... عن مدحهم تقصر الأشعار والفقر وكيف أدرك كنه القول في ملك ... تكل عن وصفه الألباب والفكر خذها إليك كما شاء الثنا مدحا ... كالدر فصله الياقوت والشذر فريدة جمعت أسنى شمائلكم ... لكنها في بسيط القول تختصر هيفاء في حلل الأمداح رافلة ... فلا قصور يشينها ولا قصر تروى عن العدل ما أملاه ناظمها ... وتنشر الفتح إذ تروى وتعتذر شاد ابن إدريس بالإتقان كعبتها ... فحجها نجباء الوقت واعتمروا قد ارتقت في بنى عمرو مناسها ... فلا الفرزدق يحكيها ولا عمر رضيعة بلغت في سنها مائة ... فاعجب لكبرى حباها وصفه الصغر حوراء عذراء لم تفضض بكارتها ... ولا تملكها أنثى ولا ذكر حارت عقولهم في وصف نسبتها ... للؤلؤ نظمها المنسوق أم زهر إن قلت در فحسن النظم رجحه ... أو قلت زهر فعرف الحمد يعتبر إن خدمناك والآمال ناجحة ... كم من ثواب وعز منك ننتظر وخلف كل فتى منا فراخ قطا ... قد وجهونا إلى علياك وانتظروا فهم بعزك في نعمى وعافية ... ولا يفارقهم ماء ولا شجر رضاك عندى أعلى ما نؤمله ... والنفس كالطفل للألطاف تعتبر هديتى لعلاك الحمد أنشده ... والحمد أفضل ما يروى ويدخر

وليس يمنع عبد من بلوغ منى ... وأبحر الجود من يمناك تنهمر إنى لأفعل (¬1) في وصفى شمائلكم ... ما ليس يفعله كأس ولا وتر ختام مدحكم مسك نطيب به ... ونشره في جميع الكون منتشر لازلتم لنظام الملك واسطة ... وللمكارم عقدا ليس ينتثر بجاه جدكم المختار من شرفت ... به الخلائق واختصت به مضر عليه أزكى صلاة الله ما طلعت ... شمس النهار وما قد شعشع القمر والآل والصحب والأتباع ما ذكرت ... أهذه الزهر حيتنا أم الزهر وقوله: مهور المعالى البيض والأسل السمر ... وأقصى أمانى السيد النهى والأمر وما العز إلا للجهاد وأهله ... إذا زاغ أهل البغى أو نجم الكفر وما المجد إلا همة علوية ... لها رتبة من دونها الأنجم الزهر وفتكة بكر في العدا تلبس الفتى ... ملابس حمد طرزها الحمد والأجر وتكسبه حسن المساعى وأن ترى ... له العزمات البيض والنعم الغر وما العيش إلا أن ترى وسط جحفل ... له كل حين في سبيل الهدى ذكر إذا ما غزا ترتاع من بأسه العدا ... ويهتز من أخباره البر والبحر وإن خفقت في الأفق راية نصره ... سرى من علاه الرعب في الناس والذعر هو البحر والأبطال في الحرب موجه ... هو الليل والفرسان في أفقه زهر يحف بمنصور اللواء مؤيد ... شمائله زهو وأوصافه زهر (¬2) ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "صدق ولا سيما هذه الرائية". (¬2) في هامش المطبوع: "بفتح الزاى".

سرى حزمه في جيشه وثباته ... ففى كل قلب من شجاعته قدر له آية التمكين في الأرض والعلا ... له العز والتأييد والفتح والنصر له من سباع الطير والوحش عسكر ... يؤازره قد قاده الذيب والنسر ويقدمه للحرب كل شمرذل ... حرام عليه في وطيس الوغى الفر وأسد على جرد كأن وجوههم ... -بأفق ظلام النقع- من بشرها فجر تعاطوا على جرد حميا حمية ... فرنحهم حب المنية لا السكر وباعوا نفوسا في الجهاد نفيسة ... من الله سيماها التثبت والنصر وما عمر الإنسان وقت حياته ... ولكنها الذكر الجميل هو العمر وما هذه الأيام إلا صحائف ... لأعمال هذا الخلق في طيها نشر وأفضل أعمال الفتى نصرة الهدى ... وقتل العدا إن الجهاد هو الذخر ولله في هذا الوجود خلاصة ... هداهم (¬1) لهم في كل صالحة ذكر عساكر فتح عود الله رفعها ... إذا قوبلت يسرى لناصبها الكسر نحت أرض زمور فأنحت عليهم ... دواه دواه صبها العسكر المجر أقام بها الجيش اللهام مرابطا ... يباكرهم من خيله الفتكة البكر يساقيهم شهرا كئوس منية ... فكان وباء فيهم ذلك الشهر رماهم به المنصور لما تحزبوا ... ولم ينفع الإنذار فيهم ولا الزجر فأغزاهم جيش الرسائل قبله ... طلائعه التذكير والنهى والأمر فولوا عن الذكرى فرارا كأنهم ... فرا وكان ملء أسماعهم وقر ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "بفتح أوله".

ومن شأنه أن لا يبيح قبيلة ... إذا لم تقدم قبل غزوتها النذر ولا تنفع الذكرى القلوب إذ قست ... وخامرها الإعجاب أو حلها الكبر ولا شئ مثل السيف أنفع للعدا ... إذا لم تفد فيها المواعظ والذكر أحاطت جيوش المسلمين بأرضهم ... وعمهم منها التسلط والقسر تثقب عن غيب الخبايا فتهتدى ... كان قد هداها الكشف أو عندها السر وتسرى سراياها فتغدو وصنعها ... بفرسانها التشريد والفتك والأسر وتختطف الأبطال كل مدجج ... لديهم ولا ينجيه كر ولا فر تخط صفاح البيض فيهم صحائفا ... تفيد الهدى قد أشكلت خطها السمر تعلمت اللام البلاغة فيهم ... فللبيض والمران عند اللقا شعر إذا ما لقوا حادوا عن الحرب وانثنوا ... وأجسامهم نظم وأرؤسهم نثر كان العوالى فوق خطية القنا ... طيور لها أجسام أعدائهم وكر كأن سيوف الهند شهب معدة ... لرجم شياطين الضلالة أن تعروا تعصب هامات العداة وتارة ... طلاهم وطورا فعلها القد والهبر قلتهم بلاد طالما مرحوا بها ... عنادا وأذيال الضلالة قد جروا وما زال داء البغى يصرع أهله ... ويعتادهم من شؤمه الهلك والخسر قد استنسرت فيهم بغاث فأصبحوا ... وقد خانهم منها المناسر والظفر وغرهم الإمهال فازداد بغيهم ... وقادهم الإعجاب للهلك والغدر وقد منعوا ما أوجب الله عندهم ... من الحق واستعصوا جهارا وما بروا وآووا فريق المحدثين وأحدثوا ... بدائع للشرع العزيز بها نكر

فلا أمن فيهم للسبيل وأهله ... ولا عرف إلا وهو عندهم نكر إذا ما دعا داعى الفساد هفوا له ... وإن سمعوا داعى الصلاح دعا فروا عموا عن سبيل الرشد وابتغوا الهوى ... وغرهم الشيطان والنفس فاغتروا وأطغاهم طيب البلاد التي بها ... زكا الكسب والأولاد والغرس والبذر ومن لم يقيد نعمة الله عنده ... بشكر فقد أودى بنعمته النكر ومن عاند المنصور أصبح طعمة ... لأسيافه أو ساقه للردى القبر فكم حاولوا من مكرهم رد بأسه ... فعاد عليهم بالردى ذلك المكر وكم طلبوا نيل التكافؤ في الوغى ... وهل يتساوى الصعو في الفتك والصقر وراموا التدانى في المراتب ضلة ... وهل يتساوى التبر في السوم والصفر غدوا جزرا للمرهفات وطعمة ... تجاذبها وحش المهامه والطير وضاق بهم من شؤمهم واسع الفضا ... وأصبح عرض الأرض وهو لهم شبر وعقبى ذوى البغى العقاب وإنه ... ليزداد عظما كلما عظم الوزر إذا أمة طال الصغار كبارها ... فإن قصاراها التذلل والصغر ويضفو رداء الصون والحفظ بالتقى ... ويكشف بالعصيان عن أهله الستر فقد طاولتهم بالحصار كتائب ... غزاهم بذاك الوعر من أجلها الذغر ووافتهم فيه عساكر نقمة ... من الله والاها التضايق والحصر تألف منها الجوع والضر والظما ... وأهلكهم فيها الترحل والحر وما زالت الركبان تنسف زرعهم ... ويبدو لهم من كل خافية أمر إلى أن غدت صفر إيبابا وأصبحت ... وعامرها من كل ما جمعوا غمر

وعم الردى أموالهم وعيالهم ... وقد كاد يستولى على الجملة الضر وجاوزت الحد العقوبة فيهم ... وعمهم مما عرا الحادث النكر وجاءوا على حال انكسار وذلة ... يقودهم عظم العقوبة والجبر ويقدمهم وصف اعتراف وتوبة ... شفيعهم الصبيان والشيب والخمر (¬1) يضجون بالبقيا عليهم ومالهم ... إذا عوتبوا إلا التنصل والعذر فرق أمير المؤمنين لحالهم ... وعاد بحلم أنه الراحم البر عفا عنهم مولاهم عفو قدرة ... وقابلهم من فضله الصفح والبر وأبقى عليهم رحمة وذخيرة ... لصالحة ترجى ونائلة تعرو وأرغم أنف الكفر إذ في هلاكهم ... لشوكتهم عن أن تنالهم كسر وأيقن أن النصر نعمى هنيئة ... وأن ارتكاب العفو عنهم هو الشكر وراعى لهم فضلا سوابق حرمة ... أحاديثها في كل حين لها نشر وعاد عليهم بالذى هو أهله ... من العفو والتأمين فارتفع العسر وعادوا بأسباب النجاة فأصبحوا ... على نهجها قد صدق الخبر الخبر وما عن رضا منها عصية أسلمت ... ولكنها قد قادها للهدى القهر ولو عوقبوا عدلا على قدر جرمهم ... لأخنى على دهمائهم بالردى الدهر ولكنما المنصور في الحلم آية ... إذا جهل الأقوام أو عظم الوزر توارثه عن كابر بعد كابر ... وزاد فزاد الحمد وارتفع القدر كذا فليس أهل الرياسة ملكهم ... فهذى المعالى المستفيضة والذكر ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "بضم الخاء".

تقدم في تخليد كل فضيلة ... فقل لملوك الأرض هذا هو الفخر فقد نصر الرحمن بالحق عبده ... وحاق بأهل الباطل الشؤم والختر إمام إذا قابلت غرة وجهه ... يقابلك الإقبال واليمن والبشر وإن نلت منه القرب أو فزت بالرضا ... تدانت لك الآمال وانشرح الصدر وإن ذكرت أوصافه بين معشر ... تألق منه النور أو سطع العطر ويحتقر السبع الزواخر جوده ... إذا ذكرت يوما أنامله العشر هو الفرد أشتات المكارم جامع ... فما فاته منها عوان ولا بكر تدرع من صدق التوكل جنة ... تدانت بها الآمال وارتفع القدر وقام بنصر الحق بالحق فاعتلى ... به ركن هذا الدين واعتصم الثغر ولم تلهه عن لذة العلم إمرة ... ولا عن طلاب المجد خود ولا قصر يقاتل عنه سعده زمر العدا ... ويفعل ما لا يفعل البيض والسمر فدولته أمن وأيامه هنا ... وساعاته زهر وأوقاته غر من النفر الغر الجحاجح من لهم ... مراتب عز دونها الشمس والبدر بنى المصطفى أحفاده أهل بيته ... ومن لهم في الفضل والشرف الصدر لآل على في الوجود مآثر ... على صفحات الدهر من آيها سطر هم القوم كل القوم أما جنابهم ... فرحب وأما جارهم فله خطر وهم في اقتناء العلم والحلم قدوة ... إذا خفت الأحلام أو عظم الأمر إذا وعدوا وفوا وإن قدروا عفوا ... وإن سئلوا أعطوا وإن عاهدوا بروا وإن مدحوا أغنوا وإن نوزعوا سطوا ... وإن أنعموا أضفوا وإن عطفوا سروا

إلى ابن هشام انتهى إرث مجدهم ... ومنه سرى في كل مكرمة سر ولا بدع في أن يعلو الفرع أصله ... إذا ما زكت منه المغارس والنجر هنيئا أمير المؤمنين بغزوة ... تضعضع منها الشرك وانجبر الكسر وبشرى بفتح طبق الأرض ذكره ... به اشتد ركن الدين وارتفع الإصر وخذها أمير المؤمنين خريدة ... تروق وما غير القبول لها مهر كساها ثناك الحر حلة سعده ... فأشرق منها الجيد بالحلى والنحر يفوق فريد الدر حسن ثنائها ... وينفح من أنفاسها العنبر الشحر هو الشعر يرتاح الكريم لشدوه ... ويطرب من إنشاده الماجد الحر ويهتز ذو الطبع الشريف لمدحه ... كما اهتز تحت البارح الغصن النضر وما السحر إلا الشعر أحكم نظمه ... وناهيك من سحر به نفث الشعر تتيه نحور الحور زهوا بعقده ... وتستبشر العليا ويبتهج العصر بقيت لهذا الدين تحمى ذماره ... ودام لك التمكين والفتح والنصر بجاه رسول الله جدك من به ... سمت ملة التوحيد واتضع الكفر عليه صلاة الله ثم سلامه ... وآله والأصحاب ما عبق النشر وما قام نادى البشارة منشد: ... مهور المعالى البيض والأسل السمر ونقلت من خط العلامة الأديب، حامل لواء الترسيل والقريض، سيدى الطالب ابن الحاج السلمى المرداسى ما لفظه: لشيخنا العلامة القاضى بحضرة مراكش أبى عبد الله محمد التهامى بن حمادى بن عبد الواحد الحمادى المكناسى:

زفت لربعك والسعود مهورها ... ووفت مقلدة الفتوح نحورها يفتر عارضها عن اليمن الذى ... ظفرت به يمناه حيث ظهورها عذراء تأبى أن ترام فلا الوفا ... يخطو إليها ولا الوداد يزورها ضربت على قنن الهضاب قبابها ... وعلت على شم الجبال قصورها كم غادرت من مغرم بوصالها ... رهن الحمام وما يقاد كسيرها فاغنم مطارحة الخريدة برهة ... فلطالما أغرى الغرام نفورها وارشف لما ماء الملام هنيئة ... يا حسن ما أملى لسمعك زورها اهنأ ببشرى قابلت إقبالها ... فيها لأنفاس النفوس نشورها كان الزمان قبيلها في خجلة ... حتى سرى مسرى النسيم بشيرها أكرم بها عتبى تجافى عندها ... ليل الكآبة واستطال سرورها لو أنها بزغت بطرة دجية ... شابت غدائرها ودام سفورها أهدت لأهل الدين كل مسرة ... وعدا على فئة العداء فجورها قوم قد اعتادوا الشهادة جنة ... ونأت عن الطرق القويمة دورها من آل عطة أسرة ما سامها ... كرم ولا هم في الرجال صدورها الغدر أكبر شيمة فخروا به ... سيان فيه صغيرها وكبيرها بحضيض كل الملئمات ورودها ... وعن المكارم والمعال صدورها إن يسمعوا داعى الفضائل أحجموا ... وإذا دعوا لرذيلة فهصورها اتخذوا المحارم واجبا لو يعرفوا ... ما الواجبات وما تكون أجورها ورثوا المناكر فاجرا عن فاجر ... والعرف لم تعرف حلاه صدورها

خلف قفا خلفا وأنى ترتجى ... لهم النجابة واللعين ظهيرها جعلوا بنى الزهراء سادات الورى ... من هم شموس والكرام بدورها آل الرسول المجتبى وأجل من ... كشفت إليه من السماء ستورها غرضا ولو أن الخوارج أنصفوا ... ما كان إلا على الجباه مسيرها فاعجب لأقمار الهدى منقضة ... وغدا بأقطار البسيط عبورها وعهدتها بمبانى أفلاك العلا ... العز يكلأُ والمجادة سورها ياويح قوم حاربوا من جهلهم ... ربًّا إليه مآلها ومصيرها شنوا على أولى الرسالة غارة ... شعواء عاد على الرعاع ثبورها خالوا حمى ذاك الجناب مضامة ... وتوثقوا أن لا عزيز يجيرها فاستعملوا ما فيه تمحيص لمن ... بوجودهم أمن العباد وخيرها أملى لهم مولى له في خلقه ... أسرار أحكام يشذ خبيرها فرمت سهام الفتك في سرواتها ... حتى تناهى بغيها وشرورها فأتت إليه الصافنات سوابحا ... تختال والفتح المبين سفيرها من فتية قد بيتوا فعل الهدى ... حمدته آصال المسا وبكورها وأثارهم بكفاح أعداء الورى ... رحم النبى وما حواه ضميرها فتزاحفوا لبنى اللقيطة واستووا ... بهم وما نفع اللئام غرورها غص العداة بثائر من عثير ... فسقوا المنية والسيوف تديرها وعزيمة علوية علوية ... هبت عليهم من رباها عبيرها من كل قسور الوغى مستلئم ... قد حنكته من الحروب سعيرها

فتراه يعجم تارة حرف الكلا ... متشابهان ظهورها وبطونها وبمرهف الصمصام أخرى مشكلا ... صفحات ما حبل الوريد سطورها قد غادروا أشلاءها تعلو بها ... عقبان كل ثنية ونسورها لله فتية نصرة لجناب من ... خير البرية والإله نصيرها باعوا النفوس وإن غلت أثمانها ... من ربهم لهم الجنان وحورها ولهم أجل مكانة من مالك ... زان الخلافة واستقام سريرها ملك له السلف الذى طال السما ... وعلا لعزة ... ... ... منيرها فروى المجادة كابرا عن كابر ... سندا صحيحا عاليا مأثورها ملك له في المكرمات رواسخ ... إن هز رضوى في الثرى وثبيرها ملك إذا باع الملوك كريمة ... فهو الحقيق بالابتياع جديرها ملك يود المزن يمناه التي ... جادت سحائبها وفاض بحورها ما إن تحاكيه السحاب وإنما ... تبكى المدامع إذ عراها قصورها هانت عليه محاسن الدنيا فما ... يرضيه منها مديدها وخطيرها لو أن أمواج البحار بكفه ... أمست وهن من العطاء نهورها يهدى لوجه الصبح عند نواله ... ما ليس تمنحه ذكاء ونورها ملك له بعداه كم من سطوة ... صعقت لهيبته الكماة وطورها تخشى وقائعه وهبها كاثرت ... ... اللوى وذرى السحاب جسورها لولا توقع حلمه لتصدعت ... فرقا وصار إلى المشيب صغيرها نام الأنام بظل كهف أمانه ... واعتاد دولته الهنا وحبورها

أيامه أعياد أيام الألى ... ساسوا وإن عدلوا وطال عصورها أحيا معالم للعلوم فأصبحت ... وقد استقل في الوجود سديرها وتولدت عن بذل وبل يمينه ... آداب عز نظيمها ونثيرها إن المفاخر والمحامد والتقى ... وذرى المعالى نديمها وسميرها من مبلغ صدر الخلائف ما انتهى ... لكماله هذا الإمام أخيرها لك يا (أبا زيد) المآثر جل أن ... تحصى وعز في الملوك نظيرها يغتال الباب الرجال سماعها ... ما غالها عند الشراب عصيرها فخرا لدولتك السنية دائما ... إذ أنت يا فرد الملوك أميرها ولها البشارة بالسعادة إذ همى ... أصل الغيوث بها وفاض نميرها وإليك يا فخر الملوك أضفتها ... غيداء من فلك الصدور صدورها قصرت وطال حياؤها إن لم تكن ... بذرى البيان وبان منه ضمورها وأتت بنزر من حلاك ومن لها ... أنى يقاس بالبحار غديرها لكنها تزهو بأكبر نسبة ... لك والقبول لما أتته غفورها دامت تهاديك البحور قوافيا ... تمتار سيبك والأكف تميرها وعلى علا ذك الجناب تحية ... يزرى بأنفاس الرياض عطيرها ما قال منشدها بأكمل مجلس ... زفت لربعك والسعود مهورها قلت: وهذه القصيدة أنشئت بمناسبة انتصار المترجم على الفئة الباغية العطاوبة الشهيرة واجتثات سيوف عدله جراثيم فسادها، وإرضاح صناديدها، للطاعة قهرا، وذلك عام واحد وسبعين بتقديم السين على الموحدة تحت ومائتين وألف.

وقال العلامة الشيخ الطالب بن حمدون الحاج: إليك وإلا لا تزف خريدة ... وفيك وإلا ليس يستعذب الشعر وفضلك لا فضل الثريا على الثرى ... ووجهك لا الشمس المنيرة لا البدر نظمت لآل المجد بعد اندثارها ... وليس لعقد أنت ناظمه نثر وقلدت أهل العلم در نفائس ... بها لم يقلد من مهفهفة نحر وأخلصت في طاعات ربك موقنا ... فطاعك كل الخلق والبر والبحر رقا بك سعد الدين في علا منزل ... مراقى مجد دونها الفلك والزهر فصرت (محصل المقاصد) والعلا ... يهيم بتطريز المديح لك الفكر فما أنت إلا منحة علوية ... بنا خصصت ممن له الخلق والأمر أمين ومأمون رشيد مظفر ... ومعتصم بالله دام لك النصر بمنتخب من آل بيت الرسول لا ... بمنتخب من آل عباس ذا الفخر على أبى الأشراف ينبوع كوثر ... وبيت من العلم الغزير ولا نكر وبيت ولاية من الملك ظاهرا ... ومن كان ذا تقوى يلين له الصخر وبيت ولاية من الملك باطنا ... ولله فيما اختار من خلقه سر سجلماسة طابت وفاحت شذا به ... وأنبت واديها ونم به الزهر ولم تزل الأنوار لائحة بها ... إلى أن قضى والدين أفنانه خضر وخلف أقمار تلوح لأعين ... أمان لأهل الأرض دام لهم فخر صدور أهلة بدور أجلة ... غيوث ليوث لا يفل لهم فخر وما الملك إلا ما حووه ومن له ... كملك (أبى زيد) به اتضح الفجر

مليك حوى كل المفاخر والعلا ... فلم تشتمل شام عليه ولا مصر مليك حباه الله كشف حقائق ... فلم يطلع زيد عليها ولا عمرو مليك على الملك جر ذيوله ... ولكن به الملك استبان له الفخر مليك له رعب يسير بسيره ... مسيرته ريح رخاء أو الشهر ومنه أسود الغاب تنفض هيبة ... كما انتفض العصفور بلله القطر (وآية عطا) لما أطغت وأفسدت ... وجارت على آل الرسول وقد سروا أصيبوا برعب من جلال إمامنا ... فقاتلهم عرب وتجنيسهم سر وقد صب من فوق جيوش عليهم ... ولم ينجهم من بأس وقعته وعر وأظلمت الدنيا عليهم بأسرها ... وفى الليلة الظلماء يفتقد البدر وضاق عليهم غورها ونجودها ... كان جميع الأرض مقدارها شبر فذوقوا العذاب اليوم ياشر بربر ... ففى مثل هذا اليوم لا كر ولا فر ونسوتكم يبكينكم بتحسر ... ولا مثل خنسا قد نعى لها صخر أمولاى إن الله أعطاك حكمة ... فصل له وانحر لشانئك البتر فلا زلت تاج لعصر في مفرق العلا ... وما لحت إلا قيل طال لك العمر في 8 شوال عام 1242" من خطه في كناشته مباشرة. وقال محمد بن محمد بن سيدى عبد الله العلوى الحسنى الشنقيطى لما قدم إلى المغرب يريد الحج يمدح السلطان المترجم:

هل في بكا نازح الأوطان من باس ... أم هل لداء رهين الشوق من آس أم هل معين يعين المستهام على ... ليل كواكبه شدت بأمراس آه لمغترب في الغرب ليس له ... جنس وإن كان محفوظا بأجناس أقول والركب محزون بوحشتنا ... صبرًا فكم وحشة أفضت لإيناس إذا وضعنا بأرض الغرب أرحلنا ... راح الرجاء علينا طارد الياس عمل الإمام بفضل الله يمنحه ... رحمى فيكشف غم الآسف الآس إنى كفيل بنيل السؤل لى ولكم ... إما بمراكش المحروس أو فاس إمامنا في كلا المصرين نورهما ... إمامنا المستماح المطعم الكاسى خليفة المصطفى وهو ابن بضعته ... ثوب من المجد لم يعلق بأدناس فضيلة لبنى مروان ما سلفت ... ولا الخلائف أبناء ابن عباس وسيلة الناس في نيل الوصول لمن ... هو الوسيلة بين الله والناس ضمان غرم عليه أن يروح به ... حلف الثراء من أمسى حلف إفلاس مولاى لا برحت أيام دولتك الـ ... ــــــــــــــغراء أيام أعياد وأعراس الله منك حقوق الناس قلدها ... يقظان لا غافل عنها ولا ناس عمرت عمرت من عهد الشريعة ما ... باض النعام بدور منه أدراس داركتها بعد ما مالت دعائمها ... فاستحكمت واطمأنت فوق آساس وافاك ركب تعاطوا من نعاسهم ... على متون المطايا قهوة الكاس حثوا جلاس المطايا لا يرون على ... منابر الميس عنها غير جلاس طواهم طى ما تطوى وضرسهم ... طول السفار بأنياب وأضراس

دعاهم شوق أرض الهاشمى إلى ... حمل النفوس على الضراء والباس فواسنا بلقا ما اعتيد منك وما ... فضل المقالة إلا قولنا واس وحقق الظن منا أن ستحملنا ... على مجوفة الحيزوم كالراس لها دخان حريق الغاب أزعجه ... مر الجنوب بأنفاس فأنفاس واسمح لنا بدعاء منك صالحه ... بيمنه يسهل المستصعب القاسى لولاك ما طاف من طافوا أو اقتبسوا ... من نور طيبة من فاروا بمقباس هذا ومدحك لا يأتى به قلم ... يلقى مجاجته في بطن قرطاس هل هو إلا ركام المزن أو كحصى ... مركومة من لوى يبرين ميعاس لازلت لا زلت يا ركن العدالة من ... جيش العناية محروسا بحراس ولا عدتك صلاة الله كاملة ... من خص بالفضل من أبناء (إلياس) وله أيضا يمدحه: ألمت بنا أهلا بها أم سالم ... على بابها أم تلك أحلام نائم ألمت بنا وهنا وقد ضرب الدجا ... علينا خباء في متيه المخارم ألمت بشعث في الفلاة توسدوا ... مرافق خوص كالسهام سواهم ألمت وقد مس الوجى دون أرضها ... خفاف خفاف الراقصات الرواسم نضونا على أنضائها من عزيمنا ... صوارم أمضى من شفار الصوارم وجبنا عليها مهما بعد مهمه ... إلى (ابن هشام) كى نزور (ابن هاشم) إلى أن أنخناها لديه ولم نكن ... كمن عاقه عن ذاك ضعف العزائم عهدنا إليه نرتجى أن نرى الذى ... تخلف عنا قارعا سن نادم

خليفة مصباح الهدى وحفيده ... ومحيى عافى ربعه المتقادم غيور على بيضاء سنته التي ... أبيحت لها لولاه كل المحارم حماها حماه الله أن يستبيحها ... من أعدائها دهم الدواهى الدواهم فكم غض عنها طرف من رام طرفها ... بغض وكم قد كف من كف ظالم أنام عيون الناس تحت عدالة ... وقت رجل سارى الليل لدغ الأراقم فأصبح ثغر الأرض سوقا وأصبحت ... مآسدها مرعى المخاض السوائم غدا وافرا عرضا ودينا وماله ... يقسمه العافون قسم الغنائم مليم لإفراط النوال ولم تكن ... كمن عاقه عن ذاك ضعف العزائم أمولاى لازالت مدى الدهر منكم ... حصون المعالى عاليات المعالم ولا برح التقبيل شغل أكفكم ... وأقدامكم تحذى أديم الجماجم تعاظمنا هول الطريق ومنكم ... عظام اللهى تعتاد دفع العظائم وثقنا برى حين أمت ظماؤنا ... موارد طامى بحرك المتلاطم وبشرنا أن سوف تأتى ركابنا ... أبا فاطم إنا أتينا ابن فاطم على جده في كل بد ومختم ... مباد صلاة مالها من مخاتم وله في بعض رجال دولة المترجم وهو ابن أبى ستة، وبعض الناس يقول: إنها في غيره، وهو يريد منه التوسط بينه وبين السلطان مولاى عبد الرحمن بن هشام: أثار من التذكر ما أثارا ... خيال من أميمة حين زارا سرى بعد الهدو فما أعيرت ... قلوب العاشقين كما أعارا

وكم بعث الخيال لذى انتزاح ... نزرعا للأحبة وادكارا ألا زارت أميمة إن في ذا ... لأرباب البصائر لا اعتبارا أتسمح إن تزور بجنح ليل ... وقد حمت المزار ولو نهارا ومن عاداتها لم تخط إلا ... إلى أدنى البيوت خطى قصارا طوت أجواز كل فسيح خرق ... ولا طى المهار ولا المهارى ألا أهلا بها ولو استحالت ... على قرب زيارتها ازورارا لئن أنأى أميمة ما اعتسفنا ... رواحا بالنجائي وابتكارا فقد أدنت مبارات المطايا ... نوافخ في البرا من لا يبارى أزارتنا الفقيه فأنصفتنا ... من أيدى النأى إذ مطل المزارا وغادر طيها نشر الموامى ... إليه طى حاجتنا انتشارا قد أبدى الدهر إذا أهدى إلينا ... لقاه من إساءته اعتذارا إلى مثل ابن أحمد فليسافر ... أخو العزمات أو يدع السفارا همام سل صارمه ليحمى ... من الحق الحقيقة والذمارا أبى نور الهداية من لديه ... لمحيار الضلالة أن يحارا أدار على الشريعة منه حصنا ... حصينا أن تضام وأن تضارا وشيد للحقيقة من زوايا ... تعاط الذكر أرفعها منارا له خلق يدير مدى الليالى ... عليها من معارفه عقارا أشقاء المحبة قد أقاموا ... شعائر دين ربهم شعارا سرى لمحمد في الأرض حمد ... يسير به المسافر حيث سارا

حكمنا فيه بالخبر امتداحا ... إلى أن أصبح الخبر اختبارا فأبصرنا شواهد ما سمعنا ... كمفتوق الصباح إذا استطارا أمتخذ الهدى خذها هديا ... بدت في زى فارهة العزارى تغض الطرف من خجل وتدنى ... عليها من مهابتك الخمارا أسيدنا النبيه ومن تحلى ... بما فضح الجواهر والنضارا نتيجة فكرتى وثمار ذهنى ... نتيجتها أن أجتنى الثمارا قد أكسبها فخارك حين زفت ... إليك على نظائرها فخارا مدحتك أستجير بها ويرجو ... جزيل الخير من مدح الخيارا ودارك بالنجاة ذماء غرقى ... قد اقتحموا بما اقتحموا بحارا أطاعوا أمر غيهم ولجوا ... غرورا في عمايتهم سكارى فإنهم وإن شطت نواهم ... لجارك فارع حق من استجارا رعاك الله من راع نصيح ... رعاية من قد أودع واستعارا وبارك فيك ربك من خديم ... قد أحسن في أوامره ائتمارا وقال أيضا لما وصل مراكش ونزل عند المذكور فلم يبلغ خبره إلى السلطان: هل حامل أسنى السلام كله ... لحامل الملك وعبئى كله ومتولى عقده وحله ... وواضع الأمر على محله من لا يجود زمن بشكله ... ولا يرى عدل عديل عدله من شاء ذكر فضله وعدله ... إلى مضاء نبله ونبله مأوى الغريب ومحط رحله ... وملتقى نزوله ونزله

قضى له الله بجمع شمله ... ووطء من خالفه بنعله ودام خفض العيش تحت ظله ... وعز الإسلام وعز أهله موجبه لا زال فوق سؤله ... ما يرتجى سائله من بذله إنا نرجى من جميل فعله ... ما ترتجى أمثالنا من مثله وقد سعى له بعد ذلك في الحضور بين يدى السلطان، فأنشده قصيدتيه السينية والميمية المتقدمتين، فقال له: هاتان أحسن من المعلقات، وأجازه بجائزة حسنة، وأمر عامل طنجة بتوجيهه ومن معه للحج ففعل، وقد مات بين جدة ومكة بعد حجه، ولما كان في السياق قال معزيا رفاقه: نجب الليالى بالبرية تعنق ... نحو المنون فسابقون ولحق من أخطأته إلى سواه سهامها ... فله تراش سهامها وتفوق وقال الوزير ابن إدريس المتقدم ذكره من مولدية: حيى منازل من أهوى وأحياها ... هفافة كفتيق المسك رياها وجادها الغيث تمريه شمائله ... على العقيق إلى أعلى مصلاها إلى اللوى ثم ذى سلع فكاظمة ... فرامة فالكثيب الفرد سقياها تزجى البروق على ابن ركائبها ... تعم بالرى أدناها وأقصاها والرعد مثل هدير الأرحبى إذا ... أتت أوائلها يستاق أخراها فحل في عقدات الجزع حبوته ... فأفعم الشعب والجزعاء أمواها وفجرت في مذينب مذانبه ... وسال مهزور مذحورا بمجراها حتى تمج نطاق الرى طافحة ... تلك العراص اللواتى حول بطحاها

وتغتدى غب ذاك النوء لابسة ... أفواف زهر يكل الطرف مرآها يا جيرة نزلوا أكناف كاظمة ... تهنيكم الدار دار نعم عقباها دار تبوأها المختار من مضر ... واختار دون جميع الأرض سكناها دعا وبرك فيها ثم حرمها ... وطيبة كان يدعوها وسماها فيها تشعشع نور الحق وانفتحت ... مغالق الرحمة العظمى فنلناها ما أومضت نحوها في الدجن بارقة ... إلا وشب ضرام الشوق ذكراها وراح في قلق قلبى وفى أرق ... طرفى يحاكى نجو ما بات يرعاها شوقا إلى روضة حل النبى بها ... يجنى بها الوافدون العز والجاها حيث الرسالة قد لاحت مطالعها ... حيث النبوءة أعلى الله مبناها حيث الجلالة قد ألقت مراسيها ... حيث السيادة قد راقت سجاياها حيث السعادة قد مدت شوارقها ... على الوجود حيث المجد والاها هنالك الوحى روح القدس بلغه ... لخيرة الرسل أزكاها وأوفاها روح الوجود حياة الكون رحمته ... سر الخليقة أولاها وأخراها ذاك الذى بشرت كتب السماء به ... من قبل مبعثه يا حسن بشراها وألزم الله كل الرسل طاعته ... وعاهدت حين أخذ الإصر مولاها حتى إذا ظهرت للكون غرته ... في ليلة ما عرفنا الله لولاها في ليلة المولد الميمون طالعه ... على البرية أخراها ودنياها فأبصر الناس نورا يستضاء به ... من بعد ما طبق الآفاق ظلماها وأصبح الدين قد قامت دعائمه ... ودعا أعلى مبانى الكفر سفلاها

وخر ما حول بيت الله من صنم ... وضل من أمم الطاغوت مسعاها كذلك الشهب في ميلاده نزلت ... تود أن الثرى قد كان مثواها يا خاتم الأنبياء وهو أولهم ... يا حاشر الأمم الماحى خطاياها يا من له انشق بدر التم معجزة ... وانشق من فارس إيوان كسراها وغاض بحر فغاظ أهله حزنا ... لما بدا نوره والنار أطفاها يا من له ليلة الإسراء مرتبة ... علياء فوق نطاق العرش يرقاها أن يمنع الكفر أهل الكفر من حسد ... شهادة الحق أن يشدوا بمعناها فقد أقرت لك الأحجار مفصحة ... ما احتجن في ذلك الإقرار أفواها يا سيدا ما حكاه في محامده ... مقرب ذو مكانة ولا ضاها أنت الذى خلق الله الوجود له ... من نوره وبك الأملاك قد باهى فمن جمالك جنات النعيم بدا ... ومن جلالك نار الخلد أبداها أنت الذى شرفات العرش قد شرفت ... لما بدا اسمك مكتوبا بأعلاها لك اللواء لواء الحمد ترفعه ... لك الوسيلة تعطاها فترضاها حاشا مزاياك يدرى المادحون لها ... قدرا ويدركها الإحصاء حاشاها مولاى والخير يرجى من معادنه ... وأنت أجدى الورى كفا وأنداها وقد مدحناك والأمداح ذمتنا ... حاشاك يا سيد الأرسال تنساها إنا لنرجوك للدنيا وضرتها ... حاشا يمينك ترجى من ترجاها نشكو إليك باحوال مروعة ... نشكو إليك من الأيام أسواها نشكو إليك جسوما دأبها كسل ... قد غالها العرض الفانى وألهاها

نشكو إليك قلوبا حشوها ظلم ... تحكى من الحجر الصفوان أقساها فامنن علينا بأمن يا ابن آمنة ... من كل نائبة في الدهر نخشاها واعطف على ابنك ظل الله عصمته ... أسمى الملوك (أبى زيد) وأسناها فما له يا عظيم الجود معتمد ... إلا لحضرة عز منك والاها فابعث إليه جنود النصر تصحبه ... حتى يزيل من الأوغاد طغواها واجعل يمينك ذات اليمن صارفة ... عنه الصروف فلا ينفك يكفاها فالدين دينك أضحى في كفالته ... يذود عنه العدا دأبا ويلقاها والناس قد ضربوا للعدل في عطن ... من حسن سيرته المورود سقياها ولم تزل ملة الإسلام في كنف ... عالى الذّرا من علاه فيه منجاها أنامها في مهاد من سياسته ... على أرائك للإحسان تهواها وشردت كل باغ الزيغ صولته ... فأصبحوا للنعام الربد أشباها أولى فللسيف أو للسبى غايتها ... لا أسعد الله قتلاها وأسراها ما زال يركض في آثار أسرته ... يحمى مآثرهم حتى تعداها فما تهيب بحر الهول يركبه ... ولا تجنب نار الحرب يصلاها ولا استراحت وقد نالت له همم ... مداركا كان فوق النجم أدناها يا بن الأُلى زان قطر الغرب دولتهم ... فأصبح الشرق صبا في مزاياها يكفى ملوك الورى فخرًا ومنقبة ... أنا نعدك منها إن عددناها والدر يحسبه العداد من حجر ... هيهات أين ثراها من ثرياها علمت دهرك ما قد حزت من شيم ... فصار من ذلك التعليم تياها

ما أنت يا (بن هشام) غير معجزة ... جل الذى من صفاء النور أنشأها ما أنت إلا جمال الله أظهره ... ونعمة لجميع الناس أهداها تهنيك ذى الليلة الغراء تشهدها ... وغرة منك يهنينا شهدناها وليهنك الموسم الباهى تفيض به ... مواهبًا منك صوب القطر حاكاها لا زلت في دولة للسعد مذعنة ... لها الورى أبدا طوعا وإكراها والنصر والعز والتأييد يكنفها ... تزداد من حسنات الدهر حسناها يا نسمة الروض مخضلا كمائمه ... حى بقاعا رسول الله وافاها ويا سحاب الرضا والجود فانسكبا ... بساحة حل فيها المصطفى طاها وأنت يا سامعا أمداحه طربا ... صل عليه لكيما ترضى الله وعم آلا وأصحابا وتاليهم ... وكل من نال قربا منه أو جاها وله أيضا وسترى من بين أبياتها أنها وجهت لمأوى سيد الكائنات - صلى الله عليه وسلم - على لسان السلطان المترجم، يبث فيها شكواه ويشكو ذنبه وما اجترحه، ويستمد الإعانة على صروف الدهر وحدثانه: أقول لركب شام برقا يمانيا ... ليهنكم إنا بلغنا الأمانيا تائق في ظلمائه فكأنه ... مباسم تحكى في سناها اللئاليا حزرنا به آمالنا فتبسمت ... وضاءت كما أضحى يضئ الدياجيا وروع أحشاء تحن لمعهد ... قضينا به قبل المشيب لياليا ألا حى مغنى للحبيب وإن نأى ... وماذا على صب يحيى المغانيا وما زال هذا البين يوقد لوعة ... أبت في فؤاد الصب إلا تماديا

فؤاد دعاه الحب من بعد كبرة ... فما للهوى بعد المشيب وماليا ولكن أدواء الهوى إن تمكنت ... فلا يجد المضنى لهن المداويا ونحن وقد جف الكتاب معاشر ... رضينا الهوى فليقض ما كان قاضيا رعا الله أهل الحب من كل حادث ... ولا راعهم عذل لمن لاح لاحيا ترد على الأعقاب صوب مدامع ... حذار رقيب ليس يبرح واشيا ولولا عين الكاشحين لخلفت ... مدامع تجريها الغمام الغواديا وهيهات إطفاء الجوى بجوانح ... تذوب إذا ما الركب أصبح غاديا يهب الصبا إن هب من نحو حاجر ... كوامن أشواق تزيل الرواسيا هدير غدير في الهوى لعبت به ... صبابة ذكراه الربوع القواصيا إذا غردت في الأيك وهنا حمامة ... تذكر نجدا والنقا والمطاليا وبيتا عتيقا في أباطح مكة ... رفيعا من الديباج ما زال كاسيا إذا مادنا الركبان منها تجردوا ... وطافوا بها شعثا ظماء بواكيا وأيقن كل أنه ببلوغه ... لذاك الحمى نال المنا والتهانيا وأضحى أمينا من عذاب إلهه ... ومن بعد سخط يستبيح المراضيا هنيئا لقوم ناظرين لحسنها ... عكوفا لديها يحمدون المساعيا قضوا تفثا بعد الإضافة وانتهوا ... لطيبة يزجون القلوص النواجيا وراحوا على إثر الوداع وحصبوا ... على فرح يطوون تلك الفيافيا وما فصلوا حتى تراءت بعيدة ... من الغور أنوار تنير المحانيا وهبت رياح عاطرات بليلة ... كما فاح ورد بالأزاهر حاليا

يحدث عن أين الركاب وهنيت ... ركائبهم كيما تنال التناديا ولما دنا مأوى الحبيب ترجلوا ... وأظهرت الآماق ما كان خافيا وعفر كل في التراب وجوههم ... تراب به خير الورى كان ماشيا وخرت ملوك الأرض فيه جلالة ... لمن بان فيه يسحبون النواصيا ألا يا بقاعا بالبقيع وواديا ... به خيرة الأرسال حميت واديا فوالله لا أنسى زمانا قطعته ... بمغناك حيث السعد كان موافيا ويا وافدا قد أنزلته سعادة ... هناك فأضحى بالكرامة راضيا لك الله ما أهنا وأكرم موطنا ... ثويت به حياك ربى ثاويا فعنى لخير الرسل أدٍّ رسالة ... وإياك تنسى أو ترى متناسيا فقل بعد إهداء السلام تحية ... تعم ضجيعيه الكرام المواليا إليك رسول الله من أرض مغرب ... عن المذنب الجانى أتيتك شاكيا عن (ابن هشام) المقر بذنبه ... وأهوائه يبغى لديك التفاديا عن (ابن هشام) الذى قد تقاعدت ... به عنك أشغال أصارته عانيا عن (ابن هشام) الذى ليس يرتجى ... سواك فحقق فيك ما كان راجيا يحاول إصلاحا لأمتك التي ... رجوناك تكفيها الردى والأعاديا رجونا تكفينا المخاوف كلها ... فما زلت من كل المخاوف كافيا رجونا لديك النصر في كل حالة ... على من غدا بالغى في الناس باغيا رجوناك ترعانا من الفتن التي ... غدا أهلها فيها الأسود الضواريا فليس لهذا السرح غيرك حافظا ... فكن يا رسول الله للسرح راعيا

وليس لنا إلا بأمة أحمد ... دعاك إذا ما الغى قد صار داعيا وحاشاك من ينمى إليك تمله ... وتسلمه إن أصبح الهول داجيا وحاشاك تعيا بالمسئ وإن أتى ... وثوقا بنيل العفو منك، المساويا وحاشا ندى كفيك وهو مفجر ... على سائر الأكوان يترك صاديا ألا يا رسول الله إنى خائف ... وأنت مجير الخائفين الدواهيا ولى رحم موصولة بك أبتغى ... لها صلة تولى لديك التراضيا ومثبك للأرحام يرعى ذمامها ... فلا شك أن ترعى كذاك ذماميا فرحمك للرحم القريب وعطفة ... وأولى بعطف منك من كان دانيا وعونا لنا من صولة الدهر إننا ... بغيرك لا نرجو من الدهر واقيا فقد أحكمت فينا المقادير حكمها ... سياسة أقوام تحاكى الأفاعيا وقد ألزمتنا أن نعاشر معشرا ... يسرون أمرا غير ما كان باديا على قلة الإنصاف والخير فيهم ... وكثرة أقوال تطيل التناجيا سوابق للأطماع ينتهبونها ... كواسل عند الروع تخشى التلاقيا عزائمهم في نيل ملء بطونهم ... فتدعوهم روبى بطانا بواطيا فلا عون إلا من عنايتك التي ... بها نتقى هذى الذئاب العواديا ولا ملجأ إلا إلى عزك الذى ... نلوذ به حصنا من الضيم عاليا بجاهك يا قطب العوالم كلها ... ويا منبع الأمداد نرجو الأمانيا فوجه من النصر الإلهى عاجلا ... لنا مددا ما دام عزك باقيا وصلى عليك الله في كل لمحة ... كل صلاة لا تنال التناهيا

وقال في موضوعها على لسان السلطان كتلك: سلام يفوق الورد في الطيب والزهرا ... ويفضل في إشراقه الأنجم الزهرا سلام يفوق الطيبات ذكاؤه ... ويملأ من أنفاسه البر والبحرا سلام يعم الكون حسنا وبهجة ... ويستوعب الآناء والدين والدهرا سلام يكل الفكر دون انتهائه ... ويستغرق الإحصاء والعد والحصرا سلام كريم وافر متواثر ... به تملأ الغبراء بالطيب والخضرا سلام كأسلاك الجواهر فصلت ... وزانت من المجد المقلد والنحرا سلام امرئ أهدى إلى حضرة الهدى ... تحية مشتاق تهيجه الذكرا من المذنب العاصى المؤمل غطفة ... من المصطفى تمحو الإساءة والوزرا من السائل اللاجى إلى باب فضله ... يؤمل في الدنيا الشفاعة والأخرا من الضارع الجانى الذى حسن ظنه ... دعاه إلى جذواه فاستمطر الخيرا من الخائف الراجى بحسن قبولكم ... أمانا يوليه العناية والبرا من المسرف العافى المؤمل منكم ... عوائد بر تملأ البحر والبرا دعاك ونار الشوق بين ضلوعه ... يروم ولو بالروح زورتك الزهرا دعاك غريب الدار بالغرب عاقه ... عناه عن استجلاء روضتك الغرا دعاك وأحداث الزمان تنوشه ... ولا يرتجى إلا بعزتك النصرا دعاك لما قدها له من ذنوبه ... وأثقل منه حمل أوزاره الظهرا دعاك دعاء المستجير بجاهكم ... وأمل من علياكم الحفظ والسترا ومد يد المسكين يرجو نوالكم ... وحاشا علاكم أن ترد له صفرا

وآمل من جذواك كل كرامة ... تبوئه العليا وتسكنه السرا وحط بباب الفضل منك رحاله ... وناداك مشبوب الجوانح مضطرا ومثلك من واسى وآسى نزيله ... وأمل مذعورا وعامل معترا شكا لك يا خير الوجود جرائما ... توالت فأولته القساوة والنصرا ورانت على القلب القسى فأصبحت ... جوارحه في قيد ظلمته أسرا وأمارة بالسوء تسرع للهوى ... وتثقل عنى إن أردت بها برا وأهل زمان قد غدوا من فسادهم ... سواسية والجهر قد خالف السرا غدا منكرًا معروف سنتك التي ... لديهم وأضحى العرف بينهم نكرا وعادوا ذيابا في ثياب تنسك ... وقد أظهروا الإسلام واستبطنوا الغدرا وإنى قد استرعيت منهم رعية ... وحملت من أعباء أمرهم إصرا أروم لها التوفيق والرشد والهدى ... وأرجو لها الإسعاد والحفظ واليسرا وآمل من جدواك كل عناية ... ونصرا عزيزا يهدم الشرك والكفرا فلى ذمة أرجو الوفاء بعهدها ... ومثلك يا خير الوفا بالوفا أحرا ولى نسبة أدلى بها وقرابة ... وأنت ولى المنتمين إلى الزهرا أعيذك أن يشقى كلانا بجاره ... وأنت ملاذ الكل إن خشو الضرا فكن يا رسول الله غوثا لأمة ... تمت إلى علياك بالنسبة الكبرا فما أنزلوا إلا ببابك رحلهم ... ولا اتخذوا يوما سواك لهم دخرا ولا استنصروا إلا بجاهك في الوَغَى ... ولا قصدوا في الخلق زيدا ولا عمرا ولا قصروا إلا عليك رجاءهم ... وما قصروا لو خالفوا النهى والأمرا

وقد جاروا من عصبة الكفر أمة ... تريد بنصب الماكرين لها الجرا وعندهم جزم برفعك من لجا ... إليك ومن ناواك تكسبه كسرا فقد قصرت علياك دولة قيصر ... وقد كسرت أشياع دير الهودى كسرا أجرنا فنعم الجار أنت لمن لجا ... لبابك واستكفى بهمتك الإصرا وغر يا رسول الله عزما لأمة ... دعوك ولب صوتهم واحبهم جبرا وأظهر لها من عز جاهك نصرة ... ترد على الأعقاب من سامها ذعرا وتخلى ديار المسلمين من العدا ... وتكسبها من بعد نجسهم طهرا وتتركهم صرعى بكل ثنية ... وتملؤها دينا كما ملئت كفرا فلا جاه إلا جاه عزك يرتجى ... ولا نصر إلا من علاك لهم يدرا فأنت الذى لا يلحق الضيم جاره ... ولا يخش من يلمم بساحته ضرا فإن كرام العرب تحمى ذمارها ... وترفع عن جيرانها الضيم والذعرا وأنت كريم العرب وابن كريمها ... ومنك استمد الكل أوصافها الغرا وإنك يا خير الوجود ملاذ من ... هفا ولك الجاه الذى قد سما خطرا ألست الذى قد أرسل الله بالهدى ... فعم الورى بالأمن واليمن والبشرا ألست لهذا الكون فاتح رتقه ... وخاتمه والموله المدد الغمرا ألست الذى أسرى الإله بذاته ... إلى حضرة ما نال عبد لها نشرا وخصصه رب الأنام برؤية ... وقرب وفضل لا يطاق له حصرا وكنت نبيئا قبل خلقة آدم ... ووصلته للعفو إذ خشى الوزرا وجلبت أحلاك الظلام بصارم ... من الحق هام الشرك من عزه الصغرا

وفاته

وفى الحشر أنت المستغاث بجاهه ... إذا اشتد كرب الخلق واستشفعوا طرا تقول إذا عز الشفيع أنا لها ... وتنشر من أعلام عزتك الكبرا وجد بالرضا والعطف والفتح والهدى ... وأول العلا والصون والحفظ والذخرا لعبد إلى الرحمن صح إضافة ... ووال له الحسنى ويسره لليسرى وأصلح به أمر الرعية واكفه ... تغلبهم وارفع له في العلا القدرا وسن له أمنا ويمنا ونعمة ... ويسر له الأسباب واشرح له الصدرا وحط بعلاك سرب أمتك التي ... بجاهك تستكفى وتستدفع الشرا وصن حزبه واحفظ علاه وآله ... وأبق العلا في النسل والمجد والذكرا عليك صلاة الله ثم سلامه ... وآلك والأصحاب والمقتدى طرا ولو تتبعنا ما لهذا الوزير وغيره من الأماديح في جانب المترجم لجاء ذلك في دواوين. وفاته: توفى قدس الله روحه يوم الاثنين تاسع عشرى محرم فاتح عام ستة وسبعين ومائتين وألف، ودفن بعد العشاء من يومه بضريح جده الأكبر أبى النصر إسماعيل، وكان الذى تولى الصلاة عليه قاضى البلد العلامة أبو عيسى المهدى ابن سودة مار الترجمة، رحم الله الجميع بمنه. ومن خطه في كناشته: خرج المولى عبد الرحمن لزمور في رمضان عام 75، ثم رجع شوال عامه، وبه مرض فتوفى وصليت عليه رحمه الله. وقال أيضا: استفتانى المنصور بالله وهو ببلاد أزمور نازل عليهم في 26 رمضان عام 1275 بواسطة وزيره عن أمر صلاتهم العيد هنالك، فأجبته بما حاصله أن الذى لسند واللخمى وعليه ذهب ابن شاس وابن الحاجب والمازرى، وصححه

413 - عبد الرحمن الكاوانى -بفتح الكاف مشبعة ثم واو مشبعة كذلك بعدها نون مكسورة مشبعة أيضا.

في الشامل، واعتمده الأمير، هو أنهم يصلون جماعة. وذهب عياض وابن عرفة متعقبا على من تقدم بأن الأصح صلاتهم إياها أفذاذا، والقولان معا في المدونة، ولا خطبة لها حتى على القول الأول على الأرجح، هذه زبدة ما في الزرقانى ومحشيه والحطاب والأمير هـ من خطه. ومن الغد بويع لنجله خليفته أبى عبد الله سيدى محمد حسبما قرأته بخط المولى العباس نجل المتوفى وصنو المبايع. وقد رثاه غير واحد من أدباء الوقت وعلمائه منهم أبو عبد الله أكنسوس ومطلع مرثيته: هذى الحياة شبيهة الأحلام ... ما الناس إن حققت غير نيام حسب الفتى إن كان يعقل أن يرى ... منه لآدم رؤية استعلام فيرى بداية كل حى تنتهى ... أبدا وإن طال المدى لتمام 413 - عبد الرحمن الكَاوَانى -بفتح الكاف مشبعة ثم واو مشبعة كذلك بعدها نون مكسورة مشبعة أيضا. حاله: إمام في أصول الدين والفقه، فرض حيسوبى، حسن المشاركة، متضلع مطلع، نقاد فهامة، اتخذ مكناسة دار استيطان، وأكب على نشر العلم وبثه في صدور رجالها، درس الرسالة، وفرائض التلقين علما وعملا، والمدونة، وابن الجلاب تدريس تحقيق وإتقان. قال تلميذه ابن غازى: قدم علينا لكناسة فأوطنها، ودرس فيها، وقرأت عليه الرسالة قراءة تحقيق وتدقيق، وقرأت عليه ختمتين في فرائض التلقين تفقها وعملا وبعض الألفية، وسمعت عليه بعض المدونة وبعض تفريع ابن الجلاب، ¬

_ 493 - من مصادر ترجمته: كفاية المحتاج 1/ 198، نيل الابتهاج 1/ 280.

414 - عبد الرحمن بن أحمد بن أبى القاسم القرمونى القيسى.

وكان إماما في أصول الدين، فتح بصائرنا فيها، وفى أصول الفقه قال: وحدثنى عن أبى يعقوب الأغصاوى أحد شيوخه، أنه لازم خزانة سبتة ثمانية أعوام (¬1): مشيخته: أخذ عن السيتانى، والعكرمى، أخذ عنه الأصلين، وأدرك من شيوخ فاس الحاج أبا يعقوب الأغصاوى، وأبا حفص الرجراجى المتوفى سادس قعدة سنة عشر وثمانمائة، وأبا وكيل المتوفى بمجاعة سنة ست عشرة وثمانمائة بفاس، سمع عليه بمدرسة الصهريج من فاس الألفية ينقل عليها كلام المرادى ويباحثه، وأبا زيد المكودى المتوفى في حادى عشر شعبان سنة سبع وثمانمائة، وأبا مهدى عيسى بن علال المصمودى المتوفى سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة، ودفن خارج باب عيسى أحد أبواب عاصمتنا المكناسية، ورمز لوفاته صاحب الإعلام بوفيات الأعلام بلفظ صرخ من قوله: إن أبا زيد الكوانى صرخا ... إذ مات صاح في حدود (صرخا) 414 - عبد الرحمن بن أحمد بن أبى القاسم القَرْمُونى القيسى. حاله: فقيه صالح زاهد عاقل، دين موقت، مقرئ عارف بالقراءات السبع، مدرس نفاع، متواضع كامل فاضل جليل، رئيس خير، من بيت خير وعلم وتصوف. قال تلميذه ابن غازى: جالسته كثيرا واستفدت منه وحضرته في الرسالة. قال: وحدثنى -يعنى شيخه المترجم أنه ارتحل من مدينة فاس إلى مكناسة الزيتون للفقيهين الصالحين أبى محمد عبد الله بن حمد، وأبى عبد الله محمد بن عمر بن الفتوح، وأقام معهما بمكناسة تسعة أعوام يتعبد معهما ومن ثَمّ عرفه والدى رحمه ¬

_ (¬1) نيل الابتهاج 1/ 280. 414 - من مصادر ترجمته: موسوعة أعلام المغرب 2/ 769.

415 - عبد الرحمن بن الشيخ الولى أبى السرور عياد بن يعقوب

الله تعالى، وكانت بينهما صداقة، وكان يكرمنى لأجل ذلك شكرا لله تعالى له، وكان متوليا خطة التوقيت بالمدرسة العنانية من طالعة فاس. مشيخته: أخذ عن أبى حفص الرجراجى، وشيخ الجماعة أبى مهدى عيسى ابن علال، وأبى القاسم التازغدرى، وأبى مهدى عيسى المغراوى، والأستاذ المعمر، وعنه أخذ القراءات السبع، وأبى محمد عبد الله بن حمد وأبى عبد الله ابن محمد بن الفتوح. الآخذون عنه: منهم الإمام ابن غازى وجماعة. ولادته: قال الإمام ابن غازى ولد عام واحد من القرن التاسع فيما ذكر عنه ولده. وفاته: توفى عام أربعة وستين وثمانمائة، وروضته بدرب السلاوى من الحومة المنسوبة للمترجم المعروفة بزقاق القرمونى، وبذا تعلم ما في قول من قال من الأعلام: إن مدفنه بفاس من التسامح، رحم الله الجميع، وفسح له في عدنه. 415 - عبد الرحمن بن الشيخ الولى أبى السرور عياد بن يعقوب. دفين الربوة فوق القنطرة المعروفة بالمهدومة الكائنة بين فاس ومكناسة الزيتون، وهو ابن سلامة بن خشان الصنهاجى ثم الفرجى الدكالى، المعروف بالمجذوب دفين مكناسة. حاله: كان جامعا بين الجذب والسلوك، سمح الأخلاق، كريم الشمائل كثير الإيثار والبذل في حالتى الشدة والرخاء، حتى إنه ربما لقيه المحتاج فلا يجد ما يواسيه به فيقسم كساءه الذى عليه نصفين ويعطيه النصف، وربما تزوج امرأة فقيرة غير مرموقة ولا منظور إليها، لا يحمله على التزوج بها غير كفالتها وضمها إلى عياله لشدة الوقت، فإذا أعقب العسر اليسر طلقها. ¬

_ 415 - من مصادر ترجمته: دوحة الناشر في موسوعة أعلام المغرب 2/ 920.

وبالجملة فهو شيخ إمام، عارف كامل، شأنه القيام على الوظائف الدينية والرسوم الشرعية وتأدية الحقوق وعدم الإخلال بشئ منها، لا في جانب الحق ولا في جانب الحقيقة، وكان له زوجات وأولاد وزاوية يطعم فيها الطعام للواردين عليها من الغرباء وأبناء السبيل وغيرهم، تقام فيها الصلوات الخمس، مواظب عليها وربما باشر الأذان بنفسه إن لم يحضر من يؤذن، وإذا اجتمع أصحابه للذكر على عادة الفقراء ذكروا جلوسا، فإذا انزعج أحدهم وقام أو رقص أسكتهم، وفرق ذلك الجمع. نشأ بتيط ساحل بلدة آزمور، وهى كانت مأوى سلفه، ثم رحل والده إلى نواحى مكناسة الزيتون، ونزل بموضع يقال له إِرُجّان بكسر الهمزة وضم الراء وتشديد القاف المعقودة. مشيخته: أخذ عن شيوخ لا يحصون كثرة، منهم أبو الحسن على الصنهاجى المدعو الدوار المتوفى في ثانى جمادى الثانية سنة سبع بتقديم السين وأربعين وتسعمائة. قال في ابتهاج القلوب: والأقرب الذى يصح أنه توفى في أول سنة إحدى وأربعين أو في تمام السنة التي قلبها، وسيدى عمر الخطاب هو الذى تولى تربيته وترقيته وتدليته في المقامات. الآخذون عنه: منهم أبو المحاسن يوسف الفاسى، والمعمر أبو الحسن على القنطرى الأندلسى القصرى، وأبو زيد عبد الرحمن المدعو رحو الجبلى من شرفاء العلم، وأبو على النيار الأندلسى، وأبو الجمال الطليقي يعرف بصكوك، وأبو سالم النيار، وأبو سرحان المعروف بالدراوى وخلق. ولادته: ولد في رمضان سنة تسع وتسعمائة بتقديم المثناة فيهما بالمحل المعروف الآن بتيط من ساحل بلدة آزمور.

416 - عبد الرحمن بن أحمد الوقاد المكناسى الدار، المعافرى النجار

وفاته: توفى بوطنه مرشاقة من بلاد الهبط ليلة الجمعة، ووافق ليلة عيد الأضحى، وحملت جنازته بإذنه على فرسه الذى كان يركبه، ودفن خارج باب عيسى، وذلك يوم الأحد الثانى عشر من ذى الحجة عام ستة وسبعين وتسعمائة بتقديم السين فيهما، وقد صار ضريحه اليوم داخل حرم المشهد الإسماعيلى كما تقدم، والذى بنى قبته هو وارث سره أبو المحاسن سيدى يوسف الفاسى بعد أن كان لم يحضر موته، وإنما لحق حاملى جنازته أَثناء الطريق، وسار معهم حتى وقف على دفنه بمجله، وشرع في بنائها عليه إثر الفراغ من دفنه ثم في عام خمس وخمسين وألف أضيف لضريحه المسجد الذى كان حذاءه، وهو التربيعة التي صارت مقبرة الكائنة عن يمين الداخل للضريح المذكور، وتوجد صفة أسفل من ضريحه وقبل الوصول إليه يقال: إنها مدفن فرسه الحامل لجنازته كما تقدم ذلك في الكلام على الضريح الإسماعيلى. 416 - عبد الرحمن بن أحمد الوقاد المكناسى الدار، المعافرى النجار. حسبما قال في إمضائه بعض فتاويه. حاله: من صدور أعلام زمانه الممتازين بالتحقيق والإتقان، كان بقيد الحياة سنة أربع وثلاثين وتسعمائة، وهو من جملة الأعلام الذين حوت نصيحة المغترين فتاويهم بجواز استعمار الممنون عليهم بالإسلام من أهل الذمة بقيسرية فاس، والتنديد على المخالف في ذلك، ودحض حجته بالبراهين السمعية والأدلة القطعية، وقول المترجم في إمضائه المعافرى، هو -بفتح الميم وتخفيف العين المهملة وكسر الفاء- نسبة إلى معافر بن يعفور، أى حى باليمن، الإشْبيلى بكسر الهمزة وسكون الشين نسبة إلى إشبيلية المدينة العظيمة الشهيرة بجزيرة الأندلس.

417 - عبد الرحمن بن قاسم بن محمد بن عبد الله آعراب -بهمزة مفتوحة بعدها ألف ساكنة ثم عين مهملة ساكنة فموحدة

417 - عبد الرحمن بن قاسم بن محمد بن عبد الله آعراب -بهمزة مفتوحة بعدها ألف ساكنة ثم عين مهملة ساكنة فموحدة. حاله: ذو سمت حسن، وصلاح وورع، بارع في النحو، مشتهر به أخذه عن مشايخه، أصله من مكناسة الزيتون. مشيخته: أخذ عن شيخ الإقراء والنحو أبى عبد الله محمد بن أحمد بن مجبر المسارى المولود سنة ثمان وتسعين بتقديم المثناة فوق وثمانمائة المتوفى في الحرم سنة خمس وثمانين وتسعمائة، وأبى العباس أحمد المنجور كما بفهرسة أبى زيد عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسى في سنده في النحو وعن غيرهما. الآخذون عنه: منهم أبو الحسن على بن الزبير السجلماسى. ولادته: ولد عام اثنين وستين وتسعمائة. وفاته: توفى سنة ثلاث وألف، ودفن خارج باب عيسى من مكناسة الزيتون، رحمه الله ورضى عنه، ترجمه صاحب المطمح وغيره. 418 - عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن بن عزون -بالنون- المكناسى، أورده صاحب الإعلام. حاله: فقيه علامة مشارك، هين لين، لزم داره آخر عمره على حالة مرضية وكرم نفس ودين قويم ونهج مستقيم إلى أن لبى داعى مولاه. مشيخته: أخذ عن أبى محمد عبد القادر الفاسى، وكان له كأخيه استفاد منه كثيرا. وفاته: توفى يوم الاثنين حادى عشر محرم سنة خمسين وسبعين وألف. ¬

_ 417 - من مصادر ترجمته: نشر المثانى في موسوعة أعلام المغرب 3/ 1075.

419 - عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد الإدريسى المكناسى الحسنى

419 - عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد الإدريسى المكناسى الحسنى. نزيل مكة شهر بالمحجوب. حاله: ولى صالح له الكشف الصريح، شفيق على عباد الله، كان تأتيه أحوال وواردات أذعن له أهل البصائر، وحج سنة ثلاث وأربعين وألف، وجاور بمكة، ثم رحل إلى اليمن، ثم رجع إلى مكة واستوطنها، وصار مرجعا لأهلها، والواردين عليها، وكان في الكرم غاية لا تدرك، وكان يعمل الولائم العظيمة للخاص والعام، وكانت الهدايا تأتيه من المغرب والهند والشام ومصر ويصرفها للفقراء، وكان مقبول الكلمة عند جميع الناس، وكان في ابتداء أمره رحل من المغرب فدخل مصر والشام وبلاد الروم ولقى السلطان مراد، ووقع له كرامات خارقة، ودخل الإسكندرية، ثم ركب البحر، ودخل القسطنطينية، فانتشر له بها صيت، وخضعت له رقاب الأمراء، ثم رجع إلى مكة فاستوطنها عام خمسين وألف، فطار صيته، وأقبل الناس على زيارته، وألحقه الأمراء بالهدايا، وحصلت له بمكة وجاهة عظيمة، ومع ذلك لا يتمسك من الدنيا بشئ، وما اقتنى ملبوسا ولا مر كوبا ولا تزوج ولا تسري، وله خدمة من الرقيق. وكثر الازدحام عليه فصار لا يشهد ولا جمعة، واغتفر ذلك له من له خبرة بطريق القوم، وأقاموا له أعذارًا شرعية. وقد غلبت عليه الشفقة على عباد لله في كثرة شفاعاته المقبولة عند الأمراء، وكان له في كل يوم مصروف نحو مائة قرش في أهل مكة فمنهم ذو الدرهمين إلى العشرة إلى العشرين إلى أكثر، سوى ما يكون للغرباء. ¬

_ 419 - من مصادر ترجمته: خلاصة الأثر 2/ 346.

وصار أكثر المنتسبين بمكة عيالا عليه، وربما يقل ما بيده فيستدين، وربما بلغ الدين الذى عليه إلى خمسين ألفا وإلى مائة ألف، فيؤدى الله ذلك عنه. وأخبر بعض ثقات أصحابه أنه عذله مرة في كثرة ما عليه من الدين، فقال له: إن الله وعدنى أن لا أموت حتى لا يبقى على درهم واحد. ولما علم أبناء الدنيا ذلك من حاله صاروا يبيعون عليه ما يساوى المائة بأضعافها فيربحون عليه وهو لا يبالى، وكان لا يلبس إلا ثوبا واحدا صيفا وشتاء، وقلنسوة على رأسه، ويلبس سراويل، وكان يحث من يجتمع به على ملازمة ما يناسبه من صنوف الخير من تلاوة قرآن وصلاة على النبى - صلى الله عليه وسلم - وكثرة استغفار وأوراد حسان، ويحض من رأى فيه علامة خير على اعتقاد الصوفية المحقين وتصديق كلامهم وعلومهم وأحوالهم. مشيخته: لقى بفاس سيدى يدير، وسيدى موسى دفين حومة جرنيز، وأخذ بالقصر عن سيدى محمد القجيرى، وأخبر أنه أخذ بمكة عن سيدى على الغمارى، عن عبد الرحمن الفيلالى، وعن أبى عبد الله محمد الكومى بالمغرب، وكلاهما عن أبى العباس أحمد الفيلالى، وعن السيد الغازى، وأخذ أيضا عن أبى العباس أفندى باصطنبول، وعن الصفى القشاشى وعن خلق. الآخذون عنه: أخذ عنه أبو سالم العياشى، وترجمه في رحلته، والشيخ الكامل الفاضل مصطفى بن فتح الله، وأبو العباس أحمد النخلى، والشيخ عبد الله البصرى، فمما أخذ عنه الأخِيرَان: دلائل الخيرات، قال الشيخ الكوهن في فهرسته: وهو يرويه عن والده عن جده السيد عبد الرحمن بن أحمد عن مؤلفه وغير هؤلاء. ولادته: قال المحبى في خلاصته: ولد بمكناسة الزيتون من أرض المغرب

420 - عبد الرحمن بن الحسن اليازغى

الأقصى في سنة ثلاث وعشرين وألف. وقال العياشى: نشأ بمكناسة، وأصلهم من تامسنا وطن زناتة، ولذلك كان يعرف كأسلافه بالزناتى. وفاته: توفى يوم الأربعاء سابع عشر ذى القعدة سنة خمس وثمانين وألف، ودفن بزاوية الشيخ سالم شيخان اشتراها من أولاده، وأوصى أن يدفن بها رحمه الله تعالى. ترجمه أبو سالم في رحلته وبالغ في الثناء عليه، والمحبى فى خلاصته. 420 - عبد الرحمن بن الحسن اليازغى. الملقب الشبر، دفين حومة جناح الأمان قرب زواية مولاى التهامى الوزانى من الحضرة المكناسية. حاله: ولى صالح كبير دال على الله، مستغرق في محبة آل بيت رسول الله، بذل نفسه وماله فيما يرضيهم، تقى نقى، من أصحاب سيدى محمد ابن مولانا عبد الله الشريف البركة الشهير، كان في ابتداء أمره كاتب القائد على بن يش الزمورى يشهد عنده على دفع أعشار القبائل بمكناسة بباب هرى سيدنا الجد السلطان الأعظم مولانا إسماعيل، ولم يزل على ذلك إلى أن لقى الشريف أبا عبد الله محمد بن الإمام مولاى عبد الله الشريف دفين وزان في حكاية طويلة شرحها صاحب الأزهار الندية، تركتها اختصارًا، فعند ذلك ترك الخدمة مع القائد المذكور وأقبل على الله واشتغل بما يقربه إليه زلفى. ثم قدمه الشريف أبو عبد الله المذكور على أصحابه بمكناسة الزيتون، فأظهر الله على يده كرامات وخوارق عادات، واشتهر ذكره وعظم صيته، وألقى الله محبته في قلوب خلقه، فصارت تفد إليه الوفود من كل ناحية وصوب وتهاديه الولاة، ثم أنشأ زاوية لاجتماع أصحابه والوافدين عليه على ذكر الله في كل بكرة

وعشى، وصارت زاويته كعبة للوفود ومرتعا للواردين، تفاض عليهم فيها الموائد والفوائد، وكان له اعتناء زائد بالضيف وموالاة الغريب ومواساته وبالأخص آل البيت النبوى الطاهر، حتى وشى به بعض الحسدة الأغمار للسلطان مولانا إسماعيل وأمر بإحضاره لديه فلما مثل بين يديه استفسره عن مراده فقال له: إن مالى ورقبتى لأهل البيت، وإنما يدى في ذلك يد نيابة عنهم ومحبة آل البيت وإكرامهم واجب عليك وعلى، فقال له السلطان: إلى من تنتسب في الطريق؟ فقال: لأهل وزان، فخلى سبيله وأقره على فعله الصالح. ثم إن مولانا عبد الله نجل السلطان أصابه رمد فخافت أمه أن يطول به ذلك، فأرسلت للمترجم طالبة صالح دعائه وابتهاله إلى الله في أن يشافى ولدها المذكور عاجلا، فقال المترجم لأصحابه هذا الرجل شفاه الله، وأنا أدخل قبرى فعوفى المرمود من حينه ومرض المترجم إثر ذلك. ثم قدم مكناسة مولاى الطيب الشريف اليملاحى نزيل وزان وقال لأصحابه جئت لأحضر جنازة هذا الرجل وأمنعكم من دفنه بداخل الزاوية لئلا ينبش قبره بها ويخرج منها، فتوفى المترجم من غده ودفن بدار جوار زاويته، وبنيت عليه روضة. ثم إن مولاى على بن السلطان مولاى إسماعيل لما جلس على منصة الملك أمر بإخراجه من قبره وهو روضته محتجا بأن الدفن بين دور السكنى والبناء على القبور بدعة، ولما أخرج من قبره وجد على الحالة التي دفن عليها، لم يقع به أَدنى تغيير، ثم لما رجع الأمر لمولاى عبد الله أمر برد المترجم لقبره الأول والبناء عليه قائلا: إن عمل الناس شرقا وغربا صار على اتخاذ المقابر بين دور السكنى، والبناء على الصلحاء من أهل الفضل والدين، وسرد لهم قول الحاكم في المستدرك، فحفروا عليه وأخرجوه من ضريحه الثانى، فوجد كيوم مات لم يتسنه، ورد لقبره الأول رحمه الله.

وقد تعرض لذكر المترجم في تحفة الإخوان، ولم يوفه حقه، غاية ما قال: الولى الصالح عريف إخواننا الفقراء وكبيرهم من قبل ساداتنا أهل وزان، وهو سيدى عبد الرحمن بن الحسن هـ. وقال في حقه أبو عبد الله محمد بن الطيب العلمنى في أنيسه المطرب، فيمن لقيه من أدباء المغرب، عند تعرضه لوفاة شيخه أبى عبد الله محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن موسى بن الحسن بن موسى بن إبراهيم بن عمر بن أحمد بن عبد الجبار بن محمد بن يملح بن مشيش بن أبى بكر بن على بن حرمة بن عيسى ابن سلام بن مزوار بن حيدرة بن محمد بن إدريس بن إدريس بن مولانا عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن على وفاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما نص الغرض منه، فاتفق أن لقينى هنالك يعنى في جنازة الشيخ المذكور تلميذه التقى الأشهر، النقى الأطهر، أبو زيد عبد الرحمن بن الحسن اليازغى المعروف بالشبر رعاه الله، فأقسم على أن أُنشده قصيدة على ذلك الضريح، وأملأ الأسماع باللفظ الفصيح، والرثاء الصريح، فلم يسعنى إلا الطاعة، فأنشدت في تلك الساعة: غاب حبى ولاشتياقى ابتداء ... فأنا اليوم ما لحرقى انقضاء ولدمعى على الخدود انهمار ... ولقلبى على الجمار اصطلاء هـ الغرض وعلى خشب دربوز ضريح المترجم مكتوب ما نصه: هذا ضريح رضا جلت مفاخره ... قد عمت الصحب وانهلت ذخائره فاضت رواخر سر الله كامنة ... منه فمن ذا الذى ترى يفاخره أنواره مشرقات من بشاشته ... وكفه الوكف لا غيث يناظره قد نال من آل خير الرسل مرتبة ... علياء ما مشترى فيها يسايره ناده يا عابد الرحمن زائره ... تلقاك عزما بما تهوى بشائره

421 - عبد الرحمن كدران

ابن الرضا الحسن الشبر الذى كومت ... أخلافه وازدهت طيبا عناصره تحية الملك المولى ورحمته ... ما سح غيث وما نارت زواهره مشيخته: منهم أبو عبد الله الشريف الوزانى المشار له، ومولاى الطيب بن محمد الشريف الوزانى وغيرهما. وفاته: توفى عام خمسين ومائة وألف حسبما بالأزهار الندية لأبى عبد الله محمد بن الطيب القادرى. 421 - عبد الرحمن كدران. أحد كتاب دولة سيدى محمد بن عبد الله. ذكره الزيانى في خاتمة البستان من جملة الكتاب أهل الطبقة الرابعة. 422 - عبد الرحمن بن النقيب الأشهر سيدى عبد القادر بن عبد الله الشريف الإدريسي الشَّبِيهِىّ. حاله: فقيه علامة نسابة لسن، رد على صاحب الدر السنى، وصاحب درة التيجان في مسائل وشنع عليهما، وله في ذلك أرجوزة، وقد رد عليه في ذلك الحافظ الدراكة أبو عبد الله محمد بن الطيب القادرى في أرجوزة سماها الصوارم الفتكية مشتفلة على ستمائة بيت وثلاثة وستين بيتا ذكره الشيخ الطالب ابن الحاج في الإشراف وغيره. 423 - عبد الرحمن بن محمد الفاسى لقبا، المكناسى دارًا ومنشأ وقرارًا، الشاوى أصلا المعزاوى. من أولاد عمارة أحد أولاد السيد يش بن حمدون. ¬

_ 422 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 7/ 2388.

حاله: فقيه صالح ناسك، خير دين فاضل، زكى نزيه، أريحى ماجد، له يد طولى في التوقيت والتعديل وما يتبع ذلك، أسندت إليه رياسة التوقيت في العصر الإسماعيلى بالمسجد الأعظم، ورشح لذلك دون غيره حتى صار يدعى مزوار المؤذنين، وقفت على ظهير سيدنا الجد مولانا إسماعيل بترشيحه لما ذكر نصه: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما عن الأمر العلى الإمامى المؤيد المنصور الإسماعيلى أمير المؤمنين المجاهد في سبيل رب العلمين، الشريف الحسنى إسماعيل بن الشريف أيد الله تعالى أمره، وأعز بحوله وطوله نصره؛ وأطلع في سماء المعالى شمسه المنيرة وبدره، آمين. يستقر هذا الظهير الكريم، والخطاب الجسيم، والأمر المحتم الصميم، بيد حامله الرجل الصالح، الناسك المرابط الخير الدين الساعى للناس في المصالح، أبى زيد السيد عبد الرحمن ابن السيد محمد الفاسى لقبا المكناسى دارا ومنشأ وقرارا، الشاوى أصلا المعزاوى من أولاد عمارة أحد أولاد السيد يش بن حمدون، الموقت مزوار المؤذنين بالجامع الأعظم الكبير من حضرتنا العلية بالله مكناسة الزيتون حاطها الله تعالى، وجعلها محفوظة ملحوظة مقصودة، وبعين الله التي لا تنام منظورة مرصودة، آمين؛ يا رب العالمين. يتعرف من يقف عليه أننا جددنا له حكم ما بيده من ظهائرنا الشريفة، الطاهرة المنيفة، وأقررناه على وظيفه الشريف، الغنى بشهرته عن التعريف، وبسطنا يده على أمور وظيفه وتكليفه الدينى على عادة الموقتين والمزاوير قبله، ليجتهد في شئونه غاية الاجتهاد مستغرقا في العبادة والطاعة نهاره وليله، جاريا في ذلك على قانون النقباء والمزاوير السالفين، في رعى الأوقات وإقام عمد الدين ونعهد له

ونطلب أن لا يخلى أوقاته من الدعاء الصالح لنا ولذريتنا بالخير والسداد والتوفيق، والهداية إلى سواء الطريق. وبسبب قيامه بهذا الوظيف الكريم، والمنصب العظيم، وملازمته موضعه المجبل الجسيم، ومنصبه من المسجد العظيم، وما علم من صلاحه ودينه وأمانته وخيره وثقته أسبلنا عليه وعلى أولاده أردية التوقير والاحترام، وحملناه على كاهل المبرة والإكرام، وحاشيناه عما يتطرق للغير من سائر العوام، فلا سبيل لمن يصل جنابه بوظيف، أو مغرم أو تكليف، قوى أو ضعيف، رعيا لوجه الله تعالى الذى ألهمه رشده للقيام بالوظيف المذكور، فهو موقر محترم على مر الليالى والدهور، ومن قرب جانبه بسوء أو مكروه لا يلومن إلا نفسه، ولا يضرن إلا رأسه. ونعهد إلى خدامنا وجميع ولاتنا المتصرفين في هذه الحضرة العلية بالله عن أمرنا، أن يوقروا هذا الرجل المبارك في نفسه وأولاده، بحيث لا يناله ولا يعمه شئ مما عسى أن يعم أو ينال أهل بلاده، وأن يعملوا بمقتضاه، ولا يتعدوا ما أبرمه الأمر الشريف وأمضاه، والسلام في الثالث عشر من ذى الحجة الحرام عام ثلاثة وعشرين ومائة وألف هـ". فالناظر بعين العبرة والادكار، المولع فكره بحل عويصات الأسرار، يلوح له بدلالة ألفاظه العذبة، ومعانيه التي يقال لكل يتيمة منها نخبة، أن لهذا الإمام الهمام، الغاية القصوى في شئون الدين وكمال المراعاة والذمام، وأن بصيرته النافذة النظر، في توجهها لحياطة المبتدأ والخبر، وأن كل من له أدنى انتساب لحرمته، قد أقامه تحت ظله ومنعته، وأنزله من مكانة الأمن والاحترام، بكهف لا يطرق إذ يرام؛ فهكذا هكذا تعرف الهمم والعزائم، والذهن السقيم من فكر اليقين الحازم، لا غرو أن الاهتبال بالمعابد ومن ألزم نفسه احترامها، صيرته العلياء أمامها

424 - عبد الرحمن بن أحمد دادى الزرهونى

وإمامها، فلذلك كانت ألويته للنصر لازمة، ولمعاندها أبدًا عهدة جازمة، إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم. فانظر لتعلية احترام المترجم وخاصته وحواشيه، وملاحظته بمقلة الكرامة مع ذويه، هل كان لغير مثابرته على حفظ وقوت الصلاة، واعتبارها بذا في سره ونجواه، لا رغبة في عمل آخر من المصالح العامة، أو الشئون التي هى في فكر الملك هامة، أدام الله عهد ضريحه منه في اعتزاز، ما تعاقب على الجمل الإطناب والإيجاز. 424 - عبد الرحمن بن أحمد دادى الزرهونى. حاله: شيخ عالم قدوة إمام، كثير الحفظ، متقن متفق نقاد، ذكره في عناية أولى المجد. مشيخته: أخذ عن أبى عبد الله محمد بن عبد السلام الفاسى وغيره من الأعلام. 425 - عبد الرحمن بن محمد فتحا بصرى المكناسى. حاله: فقيه مدرس نزيه، علامة مشارك، ماهر معدل، موقت حيسوبى، نحوى منطقى، بيانى أصولى، إمام في كل فن بحر زخار، لا يجارى ولا يبارى. مشيخته: أخذ عن علماء بلده مكناسة الزيتون، ارتحل لفاس، وأخذ عن مهرة جلة شيوخه كالفقيه ابن عبد الرحمن الحجرتى ومن في طبقته. الآخذون عنه: أخذ عنه السيد فضول بن عزوز، والسيد فضول السوسى، والسيد محمد بن سميه فرموج، والسيد الطاهر الرغاى، والسيد محمد بن يشو، والسيد محمد بن عبو، والسيد الجيلالى الرحالى وغيرهم، وزاد الأربعة الأخيرون عمن قبلهم في الأخذ عنه علمى التوقيت والتعديل.

426 - عبد الرحمن بن على بن محمد بن عبد المالك بن زيدان بن إسماعيل الأكبر

وفاته: توفى أواخر ربيع النبوى عام 1268 ثمانية وستين ومائتين وألف. 426 - عبد الرحمن بن على بن محمد بن عبد المالك بن زيدان بن إسماعيل الأكبر. جد العائلة العلوية المالكة صانها الله. حاله: بقية السلف هديا وصلاحا وسمتا، أبيض مشرب طويل القامة، حسن الخلق والخق والمعاشرة، لا يمد عينيه لزخرف الدنيا وزينتها، راض بالقليل مقبل على شأنه، صلب في دينه، لا تأخذه في الله لومة لائم، ورده تلاوة القرآن والتهجد بالأسحار، فقيه نزيه عدل، مبرز ذو حزم وعزم وجد واجتهاد وهيبة ووقار وتواضع، يباشر قضاء ضرورياته بنفسه، ويسعى في قضاء حوائج الخلق لدى ذوى الجاه والوجاهة، محبوب عند الخاصة والعامة، قضى نفيس أنفاسه في تأديب الصبيان وتعليمهم القرآن العظيم وحسن التلاوة ومبادئ علوم الدين، وتخرج عليه عدد عديد من حملة القرآن ومجوديه من بنى عمه الشرفاء وغيرهم، حتى كان لا يعرف إلا بالفقيه الكبير. صاهره السلطان المولى عبد الرحمن بكريمته المصونة السيدة فخيتة شقيقة المولى العباس بن عبد الرحمن آتى الترجمة، وكان يجله ويبجله، وكان الإمام الراتب بضريح جده المولى إسماعيل، وولاه السلطان سيدى محمد النقابة بعد وفاة صنوه أبى العباس أحمد بن زيدان، فحمدت سيرته فيها. ونص ظهير الولاية بعد الحمدلة، والصلاة والطابع الكبير: "يعلم من كتابنا هذا أسماه الله وأعز أمره، أننا بحول الله وقوته وشامل يمنهِ ومنتهِ، قدمنا ابن عمنا الأرضى مولاى عبد الرحمن بن على بن زيدان على أبناء عمنا الشرفاء العلويين بمكناسة الزيتون، وجعلناه نقيبا عليهم، وأسندنا له النظر في أمرهم، وفوضنا له في تنبيههم وإرشادهم إلى أحسن الأحوال. وكفهم عن قبيح الأفعال. تقديما تاما. وإسنادا عاما.

فعليه بتقوى الله العظيم فيما أُسند إليه، ورعاية ما قدم عليه، وان يجرى أموره معهم على أحسن المسالك وأرضاها ويقوم أحسن قيام بهذا الوظيف، ويعتنى فيه بجانب المشروف والشريف، والقوى والضعيف، فالله يتولى توفيقه وهدايته لما فيه رضاه، والسلام في ثالث ذى القعدة الحرام عام 1288". ولما بلغه ظهير الولاية كتب لحاجب السلطان وهو يومئذ موسى بن أحمد لينوب عنه في إبلاغ السلطان قبوله الخطة وامتنانه من صنيعه ونص الكتاب من خطه بلفظه: "محبنا الفقيه العارف بربه، الناصح الأمين للحضرة العالية به، السيد موسى ابن المرحوم السيد أحمد، زادك الله من الفضل الجزيل وسلام عليك ورحمة الله وبركاته عن خير أساس الشرف الباذخ وينبعه، ومناط الفضل الشامخ ومجمعه، مولانا، ونعمة الله التي أولانا، لا زالت أعلامه منصورة. وأيامه. على الأمن والأمان والعز مقصورة، هذا وقد وافانا ظهير مولانا الشريف، مختوما باسمه العفيف، بالتقديم على أبناء عمه الشرفاء العلويين بمكناسة الزيتون على يد الخديم الأرضى الباشا القائد محمد بن أحمد وفوض لنا مولانا أَعزه الله في تنبيههم وإرشادهم إلى أحسن الأحوال، وكفهم عن قبيح الأفعال، ودعا لنا في ذلك أطال الله بقاءه، بالهداية والتوفيق لما فيه رضاه، فقبلنا وقبلنا، وعلى سواد العين أوضعنا، وتبركنا بارك الله في عمره وقواه، وبلغة من خير الدارين أمنيته ومتعنا بحياته ورضاه؛ آمين وبالفضل منك النيابة بالسمع والطاعة كما يليق بقدر مقامه الشريف جعلنا الله وإياك من المتحابين فيه والمحبوبين لديه بمنه آمين، والسلام في 7 قعدة الحرام عام 1288. عبد الرحمن بن علي بن زيدان لطف الله به".

ولما تولى السلطان المولى الحسن بن محمد أَقره على ولايته بظهير شريف نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع الحسنى الكبير: "جددنا بحول الله وقوته، وشامل يمنه ومنته، لماسكه ابن عمنا الشريف الأجل الأرضى مولاى عبد الرحمن بن على بن زيدان على ما بيده من ظهير مولانا الوالد طيب الله ثراه، وأكرم في الفردوس مستقره ومثواه، بتقديمه نقيبا على أبناء عمنا الشرفاء العلويين بمكناسة الزيتون وفرهم الله وأسندنا له النظر في أمورهم وفوضنا له في تنبيههم وإرشادهم ودلالتهم إلى سواء الطريق، وكفهم عما لا يجمل بنسبتهم الطاهرة مما لا يليق فعليه بتقوى الله العظيم فيما أُسند إليه، ورعاية ما قدم عليه، وأَن يجرى أموره معهم على أحسن المسالك وأرضاها، وأقوم الطرف وأهداها، ويقوم أحسن قيام بهذا الوظيف، ويعتنى فيه بجانب المشروف والشريف، والقوى والضعيف، والله يتولى هداه، ويوفقنا وإياه لما فيه رضاه، والسلام صدر به أمرنا الشريف المعتز بالله في 24 صفر الخير عام 1291". وبنفس التاريخ أصدر له ظهيرا آخر في الاستمرار على ما كان عليه العمل من إسقاط كل من تزوج من الأشراف العلويين بغير بنات عمه العلويات من زمام الأشراف، ونصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع الحسنى الصغير: "ابن عمنا الشريف الأرضى، النقيب مولاى عبد الرحمن بن على بن زيدان، أَعانك الله وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: فما كان كتب به مولانا المقدس بالله لأخيك النقيب مولاى أحمد رحمه الله من أن الشرفاء يتركون بنات عمهم ويتزوجون بالعاميات، وأمره أن كل من تزوج منهم بعامية فليسقطه من زمام الشرفاء، نأمرك أيضا بمثله واقرأ عليهم كتابنا هذا ليكونوا من أمره على بصيرة والسلام في 24 صفر الخير عام 1291" وبعده بخط بعض القضاة: استقل.

وفى هذا الظهير الإشعار بعلة المنع من التزوج بالعاميات، وأنها هى بقاء الشريفات بدون تزوج، وفى ذلك من الضرر ما لا يجهله مميز لرغبة العوام ولو كانوا أكفاء عن التزوج بالشريفات لإملاقهن، أما رغبة الشرفاء في التزوج بغير بنات عمهم فلأجل ثراء العوام غالبا، ولم يتزوج قط شريف بعامية لغير العلة المذكورة، ومما يؤيد العلة المشار لها عدم إقبال العوام على التزوج بالشريفات بعد ما رفع الحجز الذى قرره الظهير، وقد تقدم لنا الكلام في هذا الموضوع والاحتجاج له من كلام الفقهاء في ترجمة السلطان المولى الرشيد. ونص ظهير حسنى آخر للجد المترجم فيما يرجع لأمور النقابة بعد الحمدلة والصلاة والطابع: "ابن عمنا الشريف النقيب مولاى عبد الرحمن بن على بن زيدان وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد ورد على حضرتنا العالية بالله حامله الشريف مولاى الزين بن الصديق العلوى مشتكيا بحسب النيابة عن زوجه لال هنية بنت مولاى لحسن وأيتامها من زوجها قبله، كان مولاى الطاهر بن أحمد ترك دويرة في حمام الجديد فتزوج أخوه مولاى الفاطمى بعده بزوجه المذكورة، وتعدى على الدويرة ففوتها بالبيع لمولاى عب المسجون، وقبض ثمنها ثم طلقها، ولما تزوجت بالشاكى تكلم على الدويرة حتى ردها وسكن بها مع زوجه المذكورة مدة، وصار يراوده المشترى المذكور على قبض ثمنه من البائع لتنحسم مادة النزاع فيها وتخلص للمحاجير وأمهم، فأبى من قبضه فثقفت الدار وأحلته على الشكوى لحضرتنا العالية بالله، فنأمرك أن تصرف النازلة للشرع وما حكم به فيها فنفذه والسلام في 24 شوال عام 1291".

427 - عبد الرحمن بن التهامى بن الفقيه العلامة سيدى يحيى بن عبد الواحد الشريف الحسنى الإدريسى الزرهونى

وفى هذا الظهير أن المسائل الشرعية الواقع فيها النزاع بين الأشراف كانت ترفع للقاضى على يد النقيب، وأن التنفيذ بعد حكم القاضى في النازلة يكون للنقيب، ولا يد للقاضى فيه ولا لغيره. مشيخته: منهم والده العلامة المشارك أبو الحسن على المترجم فيما يأتى، وشيخ جماعة الأساتذة والمقرئين السيد اليزيد آتى الترجمة وغيرهما من جلة العلماء والمقرئين. الآخذون عنه: منهم أولاده البررة عمنا اْبو محمد عبد القادر آتى الترجمة، ووالدنا المقدس أبو عبد الله محمد، وعمنا مولاى الطاهر، وصنوه المولى على، وأبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الطاهر العلوى، والأستاذ المولى الحسن بن الحسن العلوى، وأبو عبد الله محمد بن الطاهر، وأبو محمد عبد القادر بن المأمون، وأبو الحسن العربى بن على بن المتوكل، والشريف المولى سليمان بن العباس وغيرهم ممن لا يعد كثرة، إذ عدد خصوص من تخرج به من الشرفاء العلويين بالخصوص يزيد على المائتين. وفاته: توفى قدس الله روحه في أوائل محرم فاتح عام 1292، ودفن حذاء والده بروضة أبى زيد عبد الرحمن المجذوب، خارج مبنى ضريحه وضريح الشيخ عمران الجناتى مستقبل الترجمة بأصل الجدار الشرقى من الأولى. 427 - عبد الرحمن بن التهامى بن الفقيه العلامة سيدى يحيى بن عبد الواحد الشريف الحسنى الإدريسى الزرهونى. إمام الضريح الإدريسي بزاوية زرهون. حاله: فقيه أستاذ معمر ناسك، بركة فاضل جليل، من أهل الخير والدين

428 - عبد الرحمن القرشى دفين بطحاء خارج باب بريمة، ولم أقف له على ترجمة

وملازمة الضريح الإدريسي والإمامة به على سنن وهدى سلفه الصالح مشتغل بما يعنيه. مشيخته: أخذ علم القراءات بفاس عن مولاى إدريس البكراوى، وصحب الولى الجليل القدر عبد القادر العلمى آتى الترجمة، وإليه ينتسب في طريق القوم. وفاته: توفى ببلده زاوية زرهون عام اثنين وثلاثمائة وألف. 428 - عبد الرحمن القرشى دفين بطحاء خارج باب بريمة، ولم أقف له على ترجمة. 429 - عبد الرحمن التاغى دفين حومة حمام الجديد، ولم أقف له على ترجمة. 430 - عبد الرفيع بن مسعود بن عبود المكناسى الأصل. حاله: فقيه علامة فاضل ماجد نزيه، تولى القضاء بثغر سَلَا حسبما استفيد ذلك من رسم عليه خطابه بتاريخ ثمانين ومائة وألف، وكتب لى في شأنه صديقنا المؤرخ الأديب الواعية الأكتب سيدى محمد بن على الدكالى السلاوى، أن السلطان سيدى محمد بن عبد الله وجهه لمدينة سَلَا بصفته قاضيا نائبا عن السلطان في بيع أملاك بنى فنيش، وذلك عام ألف ومائة وثمانين، واتصل قضاؤه بالعدوتين إلى عام أربعة وثمانين ومائة وألف، وأخبر أنه رأى ببعض رسوم بسلا التعريف بشكله أنه عزل عن القضاء بعد ثمانين ومائة وألف، وعدلا الرسم رباطيان محمد بن أحمد الغربى وعبد الله بن محمد بنانى والقاضى محمد المهدى ابن محمد مرين بتاريخ جمادى الثانية عام أربعة وثمانين ومائة وألف، وأخبر أن بعض الرباطيين هجاه بقصيدة مطلعها:

431 - عبد الكريم بن محمد بن أحمد بن عبد المالك بن محمد بن عبد العزيز بن عبد الواحد أبى الغيث الحسنى العلوى

أَمكناسة الزيتون جرت فراقبى ... إلهًا شديد البطش ليس بغافل رميت رباط الفتح ظلما بأشأم ... عريض القفا ناءٍ عن الرشد جاهل كريه المحيا مائل الشدق أخرق ... عتل بحكم الشرع ليس بعامل مزيح لأهل الفضل والدين والحجا ... مقرب نذل سيئ الأصل سافل ومنها: بلينا بوغد يجمع المال من رشا ... على يد أوباش لئام أراذل أرح ربنا منه الرباط وأهله ... وفرج عليهم عاجلا غير آجل قال وقفت عليها بخط أبى عبد الله الضعيف نسبها لبعض الرباطيين، ورأيت تحليته بالعلم والجلالة في وثائق سلوية، وذكره الزيانى من علماء مجلس السلطان سيدى محمد بن عبد الله في الفهرسة السليمانية رحم الله الجميع. 431 - عبد الكريم بن محمد بن أحمد بن عبد المالك بن محمد بن عبد العزيز بن عبد الواحد أبى الغيث الحسنى العلوى. حاله: شريف أصيل، وجيه نزيه، جليل أثيل، فقيه نبيه، باقعة زمانه وأوحده نبلا وفضلا وسياسة وجودًا وشجاعة وإقداما، استوزره إمام وقته السلطان مولاى عبد الله بن إسماعيل فأحسن السيرة في مأموريته. وفاته: توفى بمكناس الزيتون على ما في الشجرة الزكية في حدود الخمسين زمن الوباء. 432 - عبد الكريم بن الرضى بن محمد بن على بن أحمد اليلمحى الشريف الوزانى. نزيل زاوية جبل زرهون، ودفين مكناس.

حاله: مجذوب سالك، ذو أحوال خارقة، وكرامات باهرة ظاهرة، وسريرة منورة طاهرة، كثير الانتقال، سكن أولا وزان ثم فاس ثم مكناس ثم زرهون، وبه طاب له القرار مدة، ثم انتقل منه آخر عمره إلى مكناس وبه كانت منيته. أخبرنى العلامة الثبت ابن عمنا سيدى محمد بن أحمد، أنه أخبره صهره الشريف الفقيه البركة منور الشيبة والوجه المنعم مولاى الفضيل بن الأمين العلوى المتوفى في عام أربعة وعشرين وثلاثمائة وألف، أن أول قدوم المترجم للزاوية من فاس كان صحبته، وأنه لما قدمها كان استقراره بأحد الأقواس التي كانت قديما بالبيبان المحل المعروف بالزاوية بين الحرم الإدريسى والسوق، وتلك الأقواس هى محل الحوانيت الآن بالمحل المذكور، وأنه ربما كان طبخ ما يأكله هناك، ومما طبخه في بعض الأيام مدة مقامه هناك بصارة الجلبان، وفيها فراخ الحمام، وأنه ذكر له عنه في ذلك قصة مضحكة غابت عنه الآن، وأنه أخبره هو أو غيره أنه بعد ذلك صار ينتقل تدريجا للاستقرار بأماكن الحرم الإدريسى إلى أن صار استقراره منه قرب الخصة الأولى الكائنة أمام المدرسة، وأنه كان ربما خرج بعض طلبة المدرسة في جوف الليل فيجده واضعا رأسه أسفل الخصة وأنبوبها يصب عليه، يستمر على ذلك برهة من الزمن، هذه كانت بداية حاله هناك، ثم بعد ذلك صار له الظهور التام، وكثر غاشيه ومعتقده وزائره، وبنى داره خارج الزاوية أعلى عين وليلى، تشتمل تلك الدار على مسجد وأماكن للأضياف والخدم، زيادة على أماكن سكنى الأهل والعيال، ولا زالت أطلالها شاخصة بالمحل المشار، عششت فيها الأفاعى والحشرات وباضت وفرخت، وكان ينزل منها للزاوية راكبا فرسا مسرجا وحوله وأمامه حشمه من العبيد وغيرهم حاملين للسلاح، ومعهم بعض الكلاب مقلدة الأعناق، هذه كانت صورة موكبه. وكان يكثر من الذبائح على الضريح الإدريسى، وكان يدخل السوق على

هذه الصورة ويقف على الحوانيت فيأخذ من أربابها من قماش ونحوه ما يحتاج إليه إما لنفسه وعياله، وإما لمن استعطاه وتعلق به، ثم تارة يدفع لرب الحانوت في ذلك ما يساوى أضعاف ثمنه، وتارة يعده بالدفع في وقت أخر، ثم قد يحصل ذاك وقد لا يحصل، فلهذا صار كثير من أرباب الدكاكين إذا أحسوا بموكبه أَغلقوها قبل وصوله، فكان إذا وجد الدكاكين مغلقة يقول سيأتى أهل فاس ويعمرونها ودور أهلها، فكان الأمر كما قال وليس الخبر كالعيان. وقد اتفقت مسغبة في وقته، فلما اشتد أمرها بالناس اتفق رأى جماعة عامة الزاوية الزرهونية على جمع هدية وتقديمها للمترجم وطلب الشفاعة منه إلى الله تعالى ففعلوا فبينما هم أثناء الطريق لداره هاذا هو قد نزل إليهم وأمرهم برد الهدية إلى الضريح الإدريسي لينتفع بها ضعاف الأشراف، ثم سار معهم إلى أن حلت محلها ثم التفت إليهم، وقال أين فلان؟ لرجل مجذوب هناك فلم يجده معهم فأمرهم بالإتيان به، فذهب بعضهم وجاء به إليه، فلما قابله المجذوب صار يستغيث منه ويقول له: أنت فضحك الله وأردت فضيحتنا، والمترجم لا يقبل له شكاية، بل أمر الجماعة بالإتيان بقميص ونعل فأتوا بهما فأمرهم بإلباسهما لذلك المجذوب ففعلوا جبرا عليه، وبعد ذلك أمرهم بإطلاقه فذهب ذلك المجذوب من ليلته تلك ميتا. قال مخبرى وبلغنى عن المترجم أنه أتى في بعض الليالى لبعض معتقديه من أهل الزاوية وطرق بابه بعنف، فلما خرج إليه أمره بإخراج أهله فورا، فبمجرد خروجهم لباب الدار سقطت الأماكن التي كانوا بها، قال: ولقد أدركته أنا في صغرى ولا زالت صورته وموكبه بين عينى، إذ غالب مروره كان أمام درب سكناى هـ. وكان زائرو المترجم والمكثرون الترداد عليه لداره يجدون عبيدًا سودًا حمر

433 - عبد المالك بن فخر الملوك أبى النصر إسماعيل

الأعين ذوى هياكل مفزعة بسجونه في سلاسل وأغلال لا يكلمون ولا يكلمون، ولا يعرفون في الخارج، ثم لمادنا أجله انتقل من زرهون إلى مكناسة الزيتون، وفيها أدركته منيته، وبالجملة آثار المترجم وأحواله الخارقة وكراماته الباهرة لا تكاد تنحصر. مشيخته: منهم ابن عمه سيدى الحاج العربى الوزانى المتوفى ليلة الأربعاء أول ليلة من المحرم عام سبعة وستين ومائتين وألف كما في بلوغ القصد والمرام تأليف البركة الصالح سيدى العربى الوزانى التهامى الرباطى. الآخذون عنه: أخذ عنه العلامة المجتهد البركة السيد الحاج أحمد اعبابو، والمجذوب الساقط التكليف السيد محمد المدعو منصور آل السيد سعيد المَشَنْزَائى المتقدم الترجمة في المحمدين وغيرهما. وفاته: توفى بمكناس سنة خمس وتسعين ومائتين وألف، ودفن بزاوية أسلافه من حومة باب البراذعيين قرب جناح الأمان، وضريحه ثَمَّ من أشهر المزارات. 433 - عبد المالك بن فخر الملوك أبى النصر إسماعيل. حاله: إمام عدل، شهم سخى، ذو ثبات وأصالة في الرأى، بهذا وصفه أبو محمد عبد السلام بن الخياط القادرى، ووصفه بعض السفراء الإنجليزيين بما ترجمته: ولهذا الإمام خلق مخالف تماما لخلق مولاى أحمد الذهبى، مقتنعا زاهدا لا يشرب إلا الماء، وكان متدينا شديد التمسك بشريعة محمد -رضي الله عنه-، وكان من أكثر الجنود بسالة وشجاعة، ولكن من شدة تعصبه للدين أنه كان لا يثير معركة في يوم عيد ولو كان في ذلك ما فيه من الأخطار على المملكة كلها، ويقال: إنه تحت ستار الصلاح والتقوى كان جبارا سفاكا للدماء، وكان أشياعه يرون في ذلك تنفيذا للعدل الإلهى وقد استولى على العرش لخروج أخيه عن الجادة المستقيمة وتعاطيه للخمور هـ.

ووصفه الزيانى ومن تبعه بالبخل والشح، والظاهر أن المترجم لم تكن يده مغلولة إلى عنقه ولا مبسوطة كل البسط كأخيه أبى العباس أحمد الذهبى الذى أفضى به جوده إلى حد التبذير المذموم من اتصف به على لسان الشارع، وقد بلغ جيش عبيد البخارى ومن في حكمهم من الشره ما صير الاقتصاد المحمود في نظرهم شحا وبخلا، يدل لذلك ما يتلى عليك مما بذله من العطاء لوفود البيعة وغيرهم. وقد كان عقد له والده قبل على درعة وأعمالها، وأنزله بقصبتها، ورتب معه ألف فارس، وذلك سنة إحدى عشرة ومائة وألف، ولما كانت سنة أربع عشرة حاربه صنوه أبو النصر وشرده من محل مأموريته، ففر لضريح أبى العلاء إدريس الأكبر بزرهون، واستولى أخوه أبو النصر المذكور على درعة، فبعث السلطان والده ولده المولى الشريف إلى درعة واليا عليها، ثم ولى صاحب الترجمة على سوس. قال ابن الخياط ما ملخصه: لما قبض الله والده إليه بايعه أهل مراكش وبلاد السوس، إذ كان عاملا لوالده على تلك البلاد، وكان محل استيطانه بتارودانت، أما عبيد البخارى الذين كانوا بمكناس ومشرع الرملة فبايعوا لصنو المترجم أبا العباس أحمد المعروف بالذهبى خليفة والده المرحوم بتادلا، ثم وقع بين المترجم وصنوه المذكور قتال وحروب انجلت بظفر العبيد وانهزام صاحب الترجمة، فرجع لتارودانت، ثم بعد مدة خلع العبيد أبا العباس المذكور، وبايعوا لصاحب الترجمة ووجهوا له بيعتهم لتارودانت واستقدموه فقدم، ولما حل بمكناسة وفدت عليه وجوه فاس ببيعتهم على منبر جامع القصبة، وكانت البيعة من إنشاء الشيخ أبى مدين الفاسى وقفت عليها بخطه في مسودتها وإليك نصها: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد المصطفى الكريم، وعلى آله وصحبه أولى البر والتعظيم، أفضل الصلاة وأزكى التسليم،

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا، الحمد لله الملك الفتاح، بحده في كل الأمور يحمد الاستفتاح، فتح لنا أبواب السعادة من فضله وارتضى لنا الإسلام دينا قويما، وشرع لنا منه منهاجا واضحا وسبيلا مستقيما، وأسبغ علينا بسابغة كنتم خير أمه أخرجت للناس فضلا عميما، عجزت العقول عن كنه ذاته فضلت في بيداء الأوهام، وحارت الأفكار في باهر صفاته فأصبحت طائشة السهام. وسددت الأفهام الثاقبة إلى محيط علمه فكان القصور قصارى تلك الأفهام، ووقفت توقف الانقطاع عن بلوغ ذلك المرام، لا تستطيع تأخيًرا ولا تقديما، تقدس في ربوبيته عن الشبيه والنظير، والشريك والمعين والظهير والوزير، وتنزه في وحدانيته وكبريائه عن لواحق المحدثات، وأحاط علما بالكائنات، على تباين الأنواع وتنافر الأضداد والمشابهات، لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات والأرض إنه كان عليما حكيما، وتبارك الله الذى خلق الخلق أطوارا، وأودعهم من حكمته لطائف وأسرارا، وأحسن خلقهم تقويما، وأودع قلوبهم من هداية العقل نورا، وألهمهم طريق النظر والاستدلال فعلموا بسواطع البراهين أن لهم صانعا قديرا، يسر لهم المآرب تيسيرا، وتمم لهم المصالح تتميما، وجبلهم على التمدن والائتلاف، ولم يجعل من سجاياهم التنافى والتباعد والاختلاف، وبوأهم من عصمة النفس والمال حرما أمينا، وأهلهم ليسلكوا من رفقه ولطفه سبيلا مبينا، وألزمتهم وظائف التكليف مفروضا ومسنوبا، ومحظورا ومحتوما. والحمد لله الذى لا تحصى ضروب نعمه المترادفة، ولا تنفذ خزائن رحمته مع اتصال سحائبها الواكفة، ويعطى من لجأ إليه وتوكل علية فضلا جسيما، فبأى مواهبه العميمة نغرى لسان التحميد، وفى أى باب من الأبواب آلائه الكريمة تحط

ركاب التمجيد، أبنعمة الخلق، أم بنعمة الرزق؛ لقد بهرت آلاء ذى العرش المجيد، خصوصا وعموما، ومن عنايته جل جلاله بهذا النوع الذى فضله بالعقل على كثير من خلقه، وشرفه لما عرفه طرق القيام بحقه، وجعل له بمقتضى لطفه حدودًا يقتفى آثارها ورسوما، واصطفى منه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وبعث منهم رسلا لبيان تفاصيل الأحكام، وكان فضل الله عليه عظيما، وخصنا سبحانه بهذا النبى الكريم الذي تأخر بالزمان. وتقدم لديه جل وعلا بشرف الحظوة والمكان، تشريفا لنا وتكريما، وأطلع شهب هدايته المنيرة، وأحمد به نار الشرك المستطيرة، فاتسق نظم الدين به خير اتساق، واستقر الحق محوطا بأمره ونهيه من اضطراب وافتراق، حتى تكامل الدين بأقصى كمال، ومد الإسلام على البسيطة أورف ظلال، وأينعت أدواح الرشد بعد أن كانت هشيما. نحمده تعالى حمدا نستوجب به المزيد من نعمائه، ونستجلب جزيل مواهبه وآلائه. ونستنشق من أنفاس عطاياه الجليلة نسيما، ونشكره سبحانه على أن ألهمنا شكره المستدعى المزيد من الإنعام. والمولى من الآلاء أوفى الحظوظ والأقسام. شكرا يكون بتضاعف الجود والكرم زعيما. ونشهد أنه الله الذى لا إله إلا هو وحده لا شريك له شهادة لا يحوم حولها الالتباس، وإنما تتأرج منها رياض الصدق عاطرة الأنفاس، وتطلع وجه التحقيق لأبصار البصائر (¬1). ونشهد أن سيدنا ونبينا ومولانا محمدًا عبده ورسوله النبى العربى القرشى الهاشمى الذى اختاره واصطفاه، ووفاه من حظوظ اختصاصه واعتنائه ما وفاه. وأزاح به عن الوجود علله وشفاه. وأثنى عليه في محكم كتابه الحكيم وكفاه فخرا ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "خرق بالأصل ويناسبه أن يقال وسيما".

عظيما، انتخبه من سلالة إبراهيم وإسماعيل، وأنزل بشارة مبعثه في التوراة والإنجيل، وكرم بولادته الذبيح والخليل، وجعله أزكى الخلائق عنصرا وأطهرهم خيما. النور الذى تضاءلت الأنوار لطلوعه، وتفجرت ينابيع الخيرات والبركات من ينبوعه، واحتفل الشرف الغض بين أصوله الطاهرة وفروعه، حديثا وقديما، ختم الله به النبوة والرسالة، ومحا بنور الحق الذى جاء به ظلم الظلم والضلالة، وأوضح المذاهب عن الله تحليلا وتحريما، فكان مما جاء به - صلى الله عليه وسلم - من دين الله وجوب نصب الإمام، لإقامة الحدود والأحكام، وليحصل الاجتماع والالتئام، على كلمة الحق وشرائع الإسلام فتظافرت الدلائل الشرعية منطوقا ومفهوما، وأشار - صلى الله عليه وسلم - إلى خلافة أفضل هذه الأمة على التحقيق، وأَهله لحمل تلك الأمانة وهو الخليق بها والحقيق، صاحبه وخليفته سيدنا أبى بكر الصديق، فكان على أهل الباطل شديدا وبأهل الحق رحيما. ونصلى ما لاحت الزواهر في أفلاكها، ونظمت الجواهر في أسلاكها، على أشرف الخلق وسيد ملوكها وأملاكها، ونسلم تسليما، ونرضى على آله وصحابته، وأوليائه وأنصاره وعصابته، المستوجبين من الله عز وجل بنصرته وإجابته، مزية قوله تعالى: {... وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31)} [سورة النساء آية 31] مما ركضت جياد الألسن في ميادين ثنائهم، واقتدت الأمة في الأمور الدينية والدنيوية بآثار عليائهم انتفاعا وتعليما. أما بعد: هذه الفاتحة التي فتحت من النجح كل باب، واستمسكت من الله ورسوله بوسائل وأسباب، فإن من المتقرر في القواعد السنية. أن كل ما نتعبد به فمرجعه إلى الدلائل الشرعية، وأَن العقل إذا سدد حكما من الأحكام عند تناوله قبولا وردا فحقه أن يعرض على سلطان الشرع توقيعه، ويلقى في يد ذلك المسيطر

الناقد جميعه، فما كتب بإمضائه أنفذ وأعمل، وما لم يجزه طرح وأهمل، ولا خفاء أن نصب الإمام مما اقتضاه الشرع والعقل، وتعاضد فيه السمع والنقل، إذ به تحفظ رسوم مصالح الدنيا والدين، وتخفض رقاب المعتدين المتعدين، وترفع لهيبته المظالم، وتعلو بكلمته للدين مشاهد ومعالم، وتصان به الحرم والأموال، وتزول الفتن وتدفع الأهوال، وأن طاعته واجبة وجوبا محتما، وجنابه الجليل حقيق أن يكون لدى الخاص والعام محترما معظما، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ... (59)} [سورة النساء آية 59] وقد جاء في الأثر: أنه لا ينبغى لمؤمن أن يبيت ليلة وليس عليه إمام، وقال عليه السلام: من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلته جاهلية، ومن خرج على أُمتى يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى مؤمنها ولا يفى لذى عهدها فليس منى ولست منه. رواه مسلم. وقال عليه السلام: إذا مررت ببلدة ليس فيها سلطان فلا تدخلها إنما السلطان ظل الله ورمحه في الأرض. أخرجه البيهقى. وقال عليه السلام: السلطان ظل الله في الأرض يأوى إليه الضعيف وبه ينتصر المظلوم ومن أكرم سلطان الله في الدنيا أكرمه الله يوم القيامة أخرجه ابن النجار. وقال عليه السلام: السلطان ظل الله في الأرض فمن غشه ضل ومن نصحه اهتدى. أخرجه البيهقى. وقال عليه السلام: السلطان العدل المتواضع ظل الله ورمحه في الأرض يرفع إليه عمل سبعين صديقا. أخرجه أبو الشيخ.

وقال سهل بن عبد الله رضى الله عنه: من أنكر إمامة السلطان فهو زنديق، ومن دعاه السلطان فلم يجب فهو مبتاع، ومن أتاه من غير دعوة فهو جاهل، وقال: إن لله سبحانه في كل يوم نظرتين نظرة إلى سلامة أموال الناس ونظرة إلى سلامة أبكارهم فيطلع في صحيفته فيغفر له ذنوبه. وقال عليه السلام: الولاية في قريش ما أطاعوا واستقاموا. ولا شك ان أهل بيت سيد المرسلين، أعظمهم موقعا في قلوب المؤمنين، وأكرمهم منزلة عند رب العالمين، أنالهم تعالى في خلقه فضلًا كبيرًا، وكان جنابهم الكريم بالتفضيل والإكبار جديرا، ومنحهم إجلالا ورفعة وتكبيرًا، وأولاهم بين الأنام تعظيما وتوقيرا. ونور بهم العالم تنويرا، وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وأمر أن تعتقد حرمة شرفهم النبوى، وأن يقدر قدر منصبهم الشريف المصطفوى، وكفاهم شرفا ومجدا، أن كان أشرف خلق الله لهم جدا. أكرمهم سبحانه في سابق أزله، بأن أهَّلهم للقرب من أكرم رسله فأكرم بذلك الإكرام إكراما وبذلك القرب قربا، وأحبهم تعالى وجعل من حق نبيه أن يحبوا فقال جل ثناؤه: {... قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ...} [سورة الشورى: آية 23] قال ابن عباس لما نزلت هذه الآية قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى، قالوا يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: على وفاطمة وولداهما أخرجه الطبرانى وغيره، ابن حجر باطل موضوع. وقال عليه السلام: أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه وأحبونى لحب الله وأحبوا أهل بيتى لحبى أخرجه الترمذى. وقال عليه السلام: لا يدخل قلب امرئ إيمان حتى يحبكم لله ولقرابتى، أخرجه النسائى. وقال عليه السلام: من أبغضنا أهل البيت فهو منافق أخرجه ابن عدى.

وقال أبو بكر رضى الله عنه: ارقبوا النبى - صلى الله عليه وسلم - في أهل بيته، رواه البخارى. وقال عليه السلام: النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتى أمان لأمتى أخرجهُ الطبرانى. وقال عليه السلام: إنى تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى كتاب الله وعترتى أهل بيتى ولن يفترقا حتى يردا على الحوض. وإن مما امتن الله به علينا من أهل هذا البيت الشريف، الذى أولاه الله أشرف التعظيم وأَعظم التشريف، من قدمه الله تعالى لسلطانه العزيز، ورفعهُ المولى جل وعلا على منصة التبريز، شريف السلاطين وسلطان الشرفاء، ومن بجده عليه السلام له الاتباع والاقتفاء، الإمام الذى ألقت إليه الإمامة زمامها، وقدمتهُ الأفاضل لما اختص به من الفضائل أمامها، فأحيا الله به ما كاد أن يسلب من الأمن الأثر، وأقال به عثرة الدهر بعد ما عثر، وأقام به سوق العدل وأوضح معالمه، وأشاد مفاخر الفضل وأضحك مباسمه، وسعدت بوجوده وجوده الخلافة، واندفع عن الدين به كل آفة، عميد المجد الذى لا يتناهى فخره، ووحيد الحسب الذى تسامى قدره، فرع الدوحة المحمدية التي عم خيرها الإسلام، وغصنها الناعم الذى في روض أمنه أنام الأنام، بضعة الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التحيات وأنمى البركات وأطيب التسليم، إمامنا المنصور بالله المظفر المؤيد المعتمد على الله المستعين بالله الخاضع المتواضع لله المتوكل على الله المفوض أمره إلى الله المحلى بحلية الطاعة والتقوى، المستمسك من سنة جده عليه السلام بالحبل الأقوى السالك من سبل المعالى أسنى المسالك، أمير المؤمنين أبو المفاخر مولانا (عبد المالك)، ابن السلطان الأظهر، الهمام الأطهر، الملك المعظم الأفخم الأشهر، الحائز قصب السبق في ميادين التفضيل، أمير المؤمنين، المجاهد في سبيل رب العالمين، مولانا إسماعيل، ابن سيدنا شمس فلك السعادة، وينبوع الملك المنوط

بمجد الشرف وشرف المجادة، الذى تدرع بدرع التقى والورع، وجمع من محاسن المعالى ما جمع، المستغنى شرفه الصريح عن الإيضاح والتعريف، ذو المواهب اللدنية، والفتوحات الربانية، مولانا الشريف، ابن مولانا على ابن مولانا محمد ابن مولانا على ابن مولانا يوسف ابن سيدنا علم الأعلام، كعبة الزائر وركن الاستلام، باب الفضائل ومفتاحها، ومشكاة البركات ومصباحها، ذى العناية السابقة والأنوار البارقة، من أصبحت تربتهُ مزورة، وكراماتهُ مشهودة ومشهورة، الإمام البركة الولى، مجاب الدعوة مولانا على، ابن مولانا الحسن ابن مولانا محمد ابن مولانا حسن ابن مولانا قاسم ابن مولانا محمد ابن مولانا أبى القاسم ابن مولانا محمد ابن مولانا الحسن ابن مولانا عبد الله ابن مولانا أبى محمد ابن مولانا عرفة ابن مولانا الحسن ابن مولانا أبى بكر ابن مولانا على ابن مولانا حسن ابن مولانا أحمد ابن مولانا إسماعيل ابن مولانا قاسم ابن مولانا محمد ابن مولانا عبد الله ابن مولانا حسن المثنى ابن مولانا الحسن السبط ابن مولانا أمير المؤمنين على بن أبى طالب ومولاتنا فاطمة بنت سيدنا ومولانا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله الأكرمين، وأصحابه الجلة المكرمين، وبجاههم نسأل الله بقاء وجود مولانا نصره الله في العز المكين، وتأييده بكمال التأييد والتمكين، وأن يديم دوام الدهر سعادة أيامه، ويجعل البسيطة في قبضة يده وطوع أحكامه، ولا برحت كواكب سعوده في السعادة زاهرة المطالع، ومواكب جنوده في ميادين الظفر ظاهرة الطلائع، وعدله سائرا في الليالى والأيام، وفضله ناشرا أعلام إحسانه على الخاص والعام. فانعقد الإجماع على أنه خلد الله نصره المتعين لاختصاصه بهذه المزية العظيمة، لما اشتهر من استكماله شروط الإمامة المباركة الجلية الكريمة، ولطالما كانت تستشرف إليه، لتتشرف بقبوله إياها وحلولها لديه، إلى أن حظيت منه بالقبول، وفازت من مجادته ببلوغ الأمول، فلو رام غيره أن يسلك هاتيك

المسالك، لقالت يأبى الله والمسلمون ذلك، ولانعقاد الإجماع على استحقاقه لها، ولكونه أحق بها وأهلها، بايعته بالحضرة الإدريسية حرسها الله بوجوده شرفاؤها وعلماؤها وصدورها وأهل الحل والعقد منها على طاعة الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى ما بويع به الخلفاء الراشدون الهديون رضى الله عنهم، وعلى السمع والطاعة في المنشط والمكره، والعسر واليسر بيعة مباركة صحيحة قرت بها نواظرهم، وشهدت في ذلك على صفاء بواطنهم ظواهرهم، وأعطوا بها مع الإفصاح بالكلام صفقة إيمانهم، وجعلوها أُسا يبنون عليه صالح أعمال أديانهم، وتقلدوا من طاعته طوق الحمامة، معتقدين أن سلامة الأمة إنما هى باتباع هذه الإمامة، وزادوا عندها توثقا وتأكيدا، حين أشهدوا الله به على أنفسهم وكفى بالله شهيدا. وهم في اجتلاب مرضاة الخلافة المباركة ساعون، وفى أعقاب صلواتهم وأوقات خلواتهم لها داعون، اللهم كما أسعدتنا بخلافة وليك الميمونة، واخترته لإقامة شرائع دينك المفروضة والمسنونة، وجعلت طاعته بين أيدينا وبأيماننا نورا، وشرحت لفهم آيات فضله منا صدورا، فانصره اللهم نصرا مؤزرا، واجعل نصيبه من عنايتك جزيلا موفرا، وعرفه في كل مرام فتحا مبينا وظفرا ميسرا، اللهم واصنع له خير ما صنعت، واجمع على طاعته ومحبته القلوب كما جمعت، وارفع ذكره في الأذكار، ودرجته في أئمة العدل الأبرار، فوق ما رفعت. اللهم إنك قلت وقولك الحق هل جزاء الإحسان إلا الإحسان، فجازه عنا بإحسانه، واحرس أمره العلى بأكرم حفظته وأعز أعوانه، واجعله اللهم على رعيته شفيقا، وبجميعهم مدى الدوام رفيقا، وأبقه ملاذا للمؤمنين، وحصنا حصينا لجميع المسلمين، في هناء متصل شامل، وفرح وافر وسرور كامل، إنك يا مولانا على ذلك قدير، وأنت نعم المولى ونعم النصير، وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين، وآله وأصحابه أجمعين وسائر الأنبياء والمرسلين، وآخر دعوانا

أن الحمد لله رب العالمين، وفى ثامن شعبان المبارك عام أربعين ومائة وألف" هـ من خطه. ثم إن المترجم وصل شرفاء الوفد الذى أتى له بالبيعة بألف دينار ذهبا، كما وصل الطلبة والأعيان مثل ذلك، وأعطى الراتب للرماة، فنال كل فرد منهم سبعة مثاقيل ذهبا، ثم أصدر أوامره برد المظالم، وشدد في اجتناب المحرمات، فكبر ذلك على العبيد وأبوا أن يردوا ما اغتصبوه للناس من عقار ومال، ولما رأى المترجم ذلك صرح لهم بأنهم أحرار فليذهبوا حيث شاءوا، وأنه لا حاجة له بخدمتهم، وأعلن النداء في جميع البلاد التي دخلت تحت طاعته بأن من أراد الدخول في الجندية فليأت إليه، فوفد عليه سرعان الناس، ولما تحقق عبيد مشرع الرملة بذلك خافوا سطوته لما يعلمونه من شهامته فأجمعوا أمرهم ونهضوا يطوون المراحل فلم يشعر المترجم حتى دهموه وكانوا سبعين ألف مقاتل، فجمع أتباعه ومن كان داخل ديوان العسكر من الأحرار الوافدين عليه، وخرج لقتالهم بظاهر العاصمة المكناسية وأمر بغلق جميع أبواب المدينة ومع قلة جيشه إذ كان لم يبلغ عشرة آلاف مقاتل، ووفور جيش العبيد فقد قاتلهم قتالا لم يعهد له مثيل بالبلاد المغربية، يقال: إنه مات في هذه الواقعة ما يزيد على ثلاثين ألفا. وكانت النصرة لصاحب الترجمة على العبيد ولكن بكل أسى وأسف أن بعض زوجات والده أمرت بفتح أبواب البلد، فامتثل أمرها، ولما فتحت الأبواب دخل العبيد القصبة المولوية وعمروها ولا علم للمترجم بذلك، ولما اتصل به الخبر فرّ إلى فاس، ولما وصل إليها أغلق الودايا الذين بفاس الجديد أبواب البلد في وجهه. فتوجه لباب الفتوح أحد أبواب فاس الإدريسية، واستدعى أهل فاس فخرجوا إليه، ثم اختلفوا في نصرته، فأجابه قوم وامتنع آخرون، ومع ذلك دخل المدينة ونزل بدار القيطون منها.

أما العبيد فإنهم لما فتحت لهم أبواب العاصمة المكناسية ودخلوها على حين غفلة من صاحب الترجمة عثوا فيها ونهبوها وما حولها، وارتكبوا كل مخجل للمروءة، وأعادوا البيعة لأبى العباس الذهبى، ونهضوا به يقتفون أثر صاحب الترجمة، وانضم إليه كل من كان على شاكلتهم من القبائل، وساروا إلى أن نزلوا على فاس في مائة ألف مقاتل على ما قاله ابن الخياط القادرى، ورموا المدينة بالأنفاض من جميع جهاتها، وجاءوا بالسلاليم للتسور عليها من الأسوار، وشددوا الحصار وكثر القتل والجرح واشتد الحال وغلت الأسعار وعدمت الأقوات والمقومات التي تأتى من خارج البلد كالحطب والفحم، فاضطر الناس للصلح بتسليم صاحب الترجمة لأعدائه الناكثين بيعته المحاربين له. ولما شعر المترجم بذلك استجار بالضريح الإدريسى، فدخل عليه عبد النبى ابن الباشا سعود الحيانى أحد عسكر البخارى وكان باشا على ثمانية عشر ألف فارس، وسالم الدكالى البخارى وكان إلى نظرة اثنان وعشرون ألف فارس وانضم إليهما زعانف الغوغاء ومن لا خلاق لهم وأخرجوه، وذلك زوال يوم الخميس الواحد والعشرين من جمادى الأولى عام واحد وأربعين ومائة وألف، ووجهوه مع الباشا مساهل بن مسرور. ومن الغد نهضت محال العبيد وسارت إلى مكناسة، ولما وصلوا إليها سجنوا بها صاحب الترجمة، ولما كان الغد توفى أبو العباس أحمد الذهبى، ثم أمر العبيد أخاه محمد ولد الطليقية وآخر فدخلا عليه، ومعهما زعانف الخدم والحرس وأمسكوا على جميع أطرافه وحجزه، وجعل أخواه مجدولا في عنقه من حرير وخنقاه وأعضاؤه تضطرب إلى أن مات رحمه الله، وفى غده جهز وصلى عليه عوام الناس وأهل الدين المتين، هذا ملخص ما في مؤلف ابن الخياط القادرى في الإمام محمد النفس الزكية وبنيه.

والذى للزيانى في البستان والروضة والترجمان المعرب: أن أهل فاس لما صالحهم أحمد الذهبى على أن يسلموا له صنوه المترجم وأجابوه لذلك، كتب إليه بالتخيير بين أن يتوجه لسجلماسة وبين أن يبقى بالحرم الإدريسي، فاختار الأخير، ثم إن السلطان أحمد أصدر أوامره لأهل فاس بأن لا يكلم أحد المترجم ولا يجتمع به ولا يبايع ولا يشارى هو ولا أصحابه، ومن خالف الأمر يعاقب، فضاق الفضاء بالمترجم، ووجه ولده للعبيد يطلب منهم أن يؤمنوه، ثم لا خرج مكنوا منه صنوه أبا العباس، ولما مثل بين يديه أمر بتوجيهه لمكناسة ليسجن بها، فسجن بدار الباشا مساهل. ولما أحس السلطان أحمد بالموت أمر بخنق المترجم، فخنق ليلا ليلة الثلاثاء أول يوم من شعبان العام، ومات الذهبى ليلة السبت الرابع من شعبان المذكور. وتبع الزيانى أكنسوس وصاحب الاستقصاء، وزاد الأخير أنه رأى بخط جده للأم الفقيه الأستاذ أبى عبد الله محمد بن قاسم الإدريسى اليحيوى الخيارى عرف بابن زروق، وكان حيا في هذه المدة أن المولى عبد المالك بويع في الآخر من رجب سنة إحدى وأربعين ومائة وألف وهو بالسوس الأقصى بمدينة تارودانت، ثم ورد على دار المملكة بالحضرة المكناسية ليلة السابع والمعشرين من رمضان المعظم من السنة المذكورة، ثم ثار عليه أخوه المولى أحمد المخلوع في عاشر المحرم فاتح سنة اثنتين وأربعين، واقتحم عليه دار الملك من مكناسة عنوة، ووقع فساد كبير بالمدينة المذكورة، وهلك بشر كثير في الحرب، ومنهم من قتل صبرا، وفر المولى عبد الملك ناجيا بنفسه إلى فاس، ثم حاصره بها المولى أحمد نحوًا من أربعة أشهر حتى خرج إليه على الأمان، فأمر بسجنه بمكناسة، ثم قتل المولى عبد الملك صبرا مخنوقا في أواخر رجب المذكور أيضا هـ باختصار يسير. وفى درة السلوك أن المولى عبد الملك المترجم ظل يوم قتله صائما، وأَن

اعتباره لمن يشار له بخير

العبيد لما هجموا عليه ليقتلوه بعد ما أفطر وجدوا المصحف بين يديه، وأنهم بمجرد الفراغ من قتله حملوه ليلا إلى مقبرة الشيخ محمد بن عيسى فدفنوه بها ليلا، وأن خلافته دامت ستة أشهر هـ. وقد وقفت في بعض التقاييد أن المترجم لما خنق غسل بمَيْضَأَة جامع الزيتون بالماء البارد. اعتباره لمن يشار له بخير: وقد عثرت له على ظهير أصدره لسيدى أحمد بن الطاهر الخطاب يتضمن الإنعام عليه بما سيذكر، ونص ذلك من أصله بعد الحمدلة والصلاة والطابع نقش داخله: (عبد الملك بن أمير المؤمنين الله وليهُ ومولاه) وبدائرته: ومن تكن برسول الله البيت: "عن أمر عبد الله المعتصم بالله، المفوض أمره إلى خالقه ومولاه، أمير المؤمنين، وناصر الدين، المجاهد في سبيل رب العالمين، الشريف الحسنى أيده الله بعزيز نصره وأمده بتوفيقه وتسديده وشمر له أسباب الفتح المبين بمنه، يستقر هذا الظهير الكريم، المتلقى بالإجلال والتعظيم، أسماه الله وأعز أمره، وخلد في الصالحات ذكره، وأشرق في سماء المعالى شمسه المنيرة وبدره، آمين بيد حامله المرابط الخير البركة الدين الولى الصالح أبى العباس سيدى أحمد ابن سيدى الطاهر الملقب بالخطاب أحد حفدة الولى الصالح والقطب الواضح سيدى عمر الخطاب، نفعنا الله به وسقانا من بحر مدده، يتعرف من يقف عليه بحول الله وقوته، وشامل يمنه وبركته، أنا أعطيناه ديار أولاد بن لمو كافة وديار أولاد بن قدمير كافة. فأولاد بن لمو المكرم محمد وولد أخيه المكرم إبراهيم اللذان كانا بمدشر بنى مرعاز، وكذا كل من قطن واشتمل عليه مدشر خيبر وما حوله ممن هو محسوب على الولى الصالح ذى السر اللائح، وفوضنا له في هذا التفويض التام، المطلق العام، منه إليهم في زكاتهم وأعشارهم وسائر وظائفهم المخزنية والمغارم السلطانية

من حيث هى سواء قلّت أو جلّت، وقد أَمرناه يولى ممن يظهر له من الفقراء هنالك ليفصل بين الناس في المنزل المذكور وعزل من يرى عزله هنالك. وقد جعلنا مقامهم حرما من دخله كان آمنا وشفاعته عندنا لا ترد، ومكانته لدينا لا تحد، فمن احترم به وَلاَذَ بحرمه سامحناه وعاملناه، ومن لم يعظمه ولا يكون فيه على مذهبنا ويقتفى فيه آثارنا وأخرق عليه عادة، وأحدث له نقص (كذا) وزيادة، ينتقم الله منه أشد الانتقام. والواقف عليه من خدامنا وقوادنا وعمالنا وولاة أمرنا يعمل به ولا يتعداه والسلام، عاشر شوال المبارك عام أربعين ومائة وألف وكذلك ديار أولاد بدوش كافة، وديار أولاد الشوهب كافة، وديار أولاد العربى كافة، وقرناهم له وحررناهم إليه، وزدناهم له يتصرف فيهم كيف شاء بما شاء، ويقبض زكاتهم وأعشارهم وسائر كلفهم قلّت أو جلّت فمن قربهم له أو حام حول حماهم يخاف منا على نفسه والواقف عليه يعمل به والسلام صح بعد تاريخه". كما وقفت على ظهير آخر كتبهُ لأولاد أبى زيد بن القاضى بالتوقير والاحترام نصهُ بعد الحمدلة والصلاة والطابع بداخله: (عبد الملك بن أمير المؤمنين الله وليهُ ومولاه) وبدائرته: ومن تكن برسول الله البيت: "كتابنا هذا أسماه الله تعالى وأعز أمره، وأَطلع في سماء المعالى شمسه المنيرة وبدره، يستقر بيد حملته أحبائنا الآجلة الأخيار أولاد محبنا الفقيه العلامة، الأستاذ الفهامة، المشارك الداركة البركة سيدى عبد الرحمن بن القاضى رحمه الله ونفع به يتعرف منه بحول الله وقوته، وشامل يمنه وبركته أننا جددنا لهم بعون الله تعالى على ما بأيدهم من ظهائر مولانا الوالد قدس الله روحه، وعمنا مولاى الرشيد رحمه الله، ومنْ قبلهما من الملوك المتقدمة المتضمنة توقيرهم واحترامهم، وإجلالهم وإعظامهم، وزدناهم نحن بحمد الله توقيرا واحتراما وإكراما في جميع أحوالهم وجميع من هو منهم أو يحسب عليهم من خدامهم وأصحابهم، وألقينا

علائقه السياسية

دارهم المحفوظة بالله مزارة للصادر والوارد كما كانت وزيادة، ونحن على مذهب السلف في أثرتهما وتعظيمها وإجلال من فيها تبعا لهم ولا خير في الخلف، إن لم يتبع السلف. ونطلب الله تعالى أن يعمرها وأن لا يخلى بركة منها تجديدا تاما مطلقا عاما، ونعهد لمن يقف عليه من الخدم والعمال أن يعرف حق هذه الدار المباركة وأن يقرها على ما أقررناها عليه، ويعرف حق من فيها من أهلها وذويها، ومن قصر في حقها فالله حسيبه وسائله، ومتولى الانتقام منه، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وبعبده كفيل، والسلام وفى أول ذى الحجة الحرام مكمل عام أربعين ومائة وألف". وهذا يدلك على مبلغ اعتباره واحترامه لمن اتسم بدين أو صلاح أو أشير له بخير وفلاح. علائقه السياسية: وقفت له على ظهير بعثه إلى ملك فرنسا لويس الخامس عشر يخبره بأن طائفة من قومه وردوا على أعتاب أخيه المولى أحمد الذهبى، ولما وجدوه قد بويع مكانه التقوا به في مشوره على العادة، ولكنهم كانوا لا يحملون كتابا من ملكهم، وأنه قد ردهم بعد ما أنعم عليهم باثنين من الأسارى الفرنسيين، ونصه من أصله المحفوظ بوزارة خارجية فرنسا: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، عن أمر عبد الله الغالب بالله أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين، المجاهد في سبيل رب العالمين، (ثم الطابع بداخله عبد الملك ابن أمير المؤمنين الله وليه وبدائرته ومن تكن برسول الله البيت) أيده الله ونصره وظفر جنوده المباركة وعساكره، وحفظه وكان له ومعه في جميع الحركات والسكنات، آمين يارب العالمين.

434 - عبد الملك البوعصامى نزيل مكناسة

إلى طاغية الفرنسيس وكبير قومه وأهل جنسه الوس كنز، السلام على من اتبع الهدى. أما بعد: فاعلم أن حملته الفرائلية من جنس الفرنصيص كانوا جاءوا لحضرتنا العلية بالله للملاقاة مع أخينا مولاى أحمد، ووجدوه وقع ما وقع من نصر الله عبده المعترف بإحسانه ونواله الطالب من المولى جل جلاله، أن يعينه على القيام بحق عباده، تلاقوا بنا في مشورنا السعيد فطالبناهم في كتابك الذى كتبته لعلى مقامنا بالله على العادة المعروفة، فلم نجد بأيديهم مكتوبا نتكلم به معهم، فما أمكننا إلا أن أنعمنا عليهم بزوج نصارى من الفرنصيص، حيث وقفوا بأبوابنا العلية بالله، ضيفناهم بهما وإن أرادوا الكلام معنا فليأتوا بكتابك على عادة السلاطين، والسلام على من اتبع الهدى وفى الثامن عشر من شوال عام أربعين ومائة وألف". وفاته: توفى شهيدا يوم الأحد ثامن عشرى رجب عام واحد وأربعين ومائة وألف ودفن بضريح الشيخ محمد بن عيسى على الأصح وقيل بضريح أبى عثمان سعيد المشنزائى. 434 - عبد الملك البوعصامى نزيل مكناسة. حاله: كان قاطنا بمكناسة الزيتون، وكان شيخا مربيا ذاكرا قانتا متقشفا خاملا خاشعا خاضعا، ذا همة عالية، وتؤدة وجد هيبة وسكينة ووقار، عارفا بالله، محبا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ذا أخلاق كريمة، وأحوال ربانية تجده فيها كالأسد. مشيخته: أخذ عن الشيخ أحمد السوسى بواسطة ولده سيدى أحمد العباس. ¬

_ 434 - من مصادر ترجمته: موسوعة أعلام المغرب 7/ 2411.

435 - عبد الملك بن محمد الحسنى

الآخذون عنه: أخذ عنه كثير من الناس ونفع الله به أقواما. وفاته: توفى سنة إحدى وتسعين ومائة وألف. 435 - عبد الملك بن محمد الحسنى قاضيها، وقفت على رسم بخطابه مثبت بالجزء الأول من حوالة الأحباس الكبرى بمكناسة صحيفة 195 ورسم 120 بتاريخ 24 محرم عام 1214 م، ولم أقف على شئ من أطوار حياته زائد على ما ذكر. 436 - عبد المالك بن عبد السلام بن السلطان محمد بن السلطان مولاى عبد الله بن السلطان الأعظم مولانا إسماعيل. حاله: عاقل سياسى، ماهر فاضل، نبيل شجاع، ذو جاه ووجاهة، وتدبير مصيب، كان يندبه عمه السلطان مولانا سليمان لكل مهم، ويعقد له على الجيوش، ويسند إليه رياستها، وكان ولاه عمالة مرسى أكادير فأحسن السيرة، ثم سعى بالوشاية وإفساد ذات البين بينه وبين عمه السلطان المذكور بعض الحسدة من أهل الأغراض، حتى أوغر عليه صدر عمه، فهم السلطان بتوجيهه للصحراء فكلمه في شأنه والده المولى عبد السلام أخو السلطان المولى سليمان، فأخر توجيهه، ثم شمر الواشى عن ساق في إيغار صدر السلطان، ولم يأل جهدا حتى وجه أخاه المولى عبد السلام لمراكش، وأمر بترحيل عياله للصحراء، وبعد مراجعة طويلة خير المولى عبد السلام أخاه المولى سليمان بين توجيه ولده المترجم للصحراء وإبقائه بفاس، فاختار السلطان توجيهه، فوجهه بعياله وانمحى بسبب ذلك ما كان بصدره على أخيه والد المترجم، فاصطفاه وقربه إليه وجعله محل سره يستشيره في المهمات ولا يبرم أمرا إلا بعد المفاوضة معه، وخابت مساعى الواشى ورد الله كيده في نحره. ¬

_ 436 - من مصادر ترجمته: موسوعة أعلام المغرب 7/ 2567.

وكان خروج المترجم من فاس للصحراء بعياله وعيال أبيه يوم الأحد سادس عشرى قعدة عام خمسة عشر ومائتين وألف، وبعد خروجه من فاس أقام بدار الدبيبغ ثلاثة أيام ينظم فيها أمور سفره، ولم يمكث بالصحراء غير أيام قلائل، حتى رجع في مأموريته، ثم عاد إليها ثانيا، ثم رجع منها مؤمنا طاغية آيت عطا، وكان السلطان قد هم بقتلهم جزاء لهم على سوء فعلهم، فحماهم بشفاعته إذ شفعه السلطان فيهم وعفا عنهم ثم آب للصحراء. ثم لما تفاحش عيث بنى مطير، وكانوا أكثر القبائل البربرية مالا وماشية وخيلا وقوة وعدة وعددا، وهمّ السلطان بتأديبهم، أصدر الأمر للمترجم بالقدوم من الصحراء لما يعلم من شهامته ومعرفته بالحروب وإبلائه فيها البلاء الحسن بسيفه ورأيه، فورد عليه في تاسع عشرى حجة عام ستة وعشرين ومائتين وألف، عقد له الرياسة على الجيوش المراكشية والشاوية وعبدة ودكالة وسوس كما بتاريخ الضعيف، وقد زاده السلطان المولى عبد الرحمن حظوة على حظوته فكان يعقد له على الجيوش ويصدره للمهمات إلى أن استشهد رحمه الله. وفاته: توفى قتيلا منتصف تسع وخمسين ومائتين وألف، قتله أخواله زمور الشلح غدرا عندما غزاهم السلطان المولى عبد الرحمن في السنة المذكورة، وأوقع بهم شر وقعة على ما أخبرنى به حفيده، أى المترجم الشريف النبيه مولاى الحسن ابن العربى بن الصديق بن عبد المالك المذكور، ودفن بضريح الولى الشهير أبى عثمان سعيد المَشَنْزَائى دفين خارج بأبى الخميس، ووجه العروس من الحضرة المكناسية وقبره ثَمّ ترياق مجرب للداء الذى يصيب الأطفال المعروف بالعواية (¬1) يطرحون المصاب عليه ويمرون مفتاح عود على عنقه فلا يقوم في الغالب إلا كمن نشط من عقال. ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "الفواق وهو تصاعد الريح من الجوف حتى يكاد يذهب بالنفس".

[صورة] مولاى عبد المالك بن عبد الرحمن

437 - عبد المالك أبو المفاخر بن السلطان عبد الرحمن بن هشام

437 - عبد المالك أبو المفاخر بن السلطان عبد الرحمن بن هشام. حاله: فقيه نبيه، مهذب نزيه، أحد أعيان أفراد البيت الملوكى فضلا وجودا وشمما ومروءة ومتانة دين وجاها ووجاهة، كثير الرماد، رفيع العماد، محب في الصالحين وأهل الفضل والأشراف، مواس للضعفاء والأرامل والأيتام، لا تخلو مجالسه من العلماء ظعنا وإقامة، غدوا ورواحا. كم عقد له ابن أخيه السلطان المقدس مولاى الحسن وولده السلطان مولاى عبد العزيز على الجيوش لقضاء المهمات في السهل والجبل، فحمد عقباه بما رزقه من السياسة ولين العريكة والبشاشة وإطعام الطعام، ما هزم له لواء قط، ولا جرح عاطفة أحد، ولا كشر في وجهه، وقفت له على بعض الظهائر السلطانية التي كانت توجه إليه في مهماته الرسمية نص أحدها بعد الحمدلة والصلاة والطابع بداخله (عبد العزيز بن الحسن الله وليه ومولاه): "عمنا الأرضى، مولاى عبد المالك وفقك الله سلام عليك ورحمة الله وبركاته. وبعد: فبوصوله إليك نأمرك أن تنهض بحركة الصحراء التي معك ولا تبيت بالمحل الذى أنت فيه، وتتمادى على جد السير ليلا ونهارا حتى تلحق بركابنا الشريف، وها نحن وجهنا حاملهُ قائد الرحى لاستنهاضكم حين وصوله إليكم والإتيان صحبتكم بجد المسير والعزم، والسلام في 2 جمادى الأولى عام 1321". ونص آخر في موضوع سابقه وبتاريخه للاستعجال: "عمنا الأرضى، مولاى عبد المالك سددك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد قدمنا لك أمرنا الشريف بالتعجيل بالقدوم لحضرتنا الشريفة

بحركة الصحراء التي معكم، وزدناك هذا تأكيدا لتجد السير وتعجل بالقدوم لمصاحبة ركابنا الشريف دون مهلة، والسلام وفى ثانى جمادى الأولى عام 1321". ونص ثالث: "عمنا الأرضى، مولاى عبد المالك وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: فقد أمرنا الأغا الحسين البوعمرانى بالركوب بحرا من مرسى الدار البيضاء بجميع من معه من عسكر طابوره خيلا ورماة واصلا لطنجة حاطها الله من غير تأخير، وأمرنا أمناء المرسى المذكورة بإركابه، وأعلمناك لتكون على بال، وتزعجه لذلك الغرض مهم اقتضاه، والسلام في 24 ربيع النبوى عام 1322". ونص رابع وفيه قبول إشارته والعمل بها: "عمنا الأرضى، مولاى عبد المالك سددك الله، وسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وبعد: وصل كتابك بأن أولاد حريز يرومون نقض الصلح الواقع بينهم وبين قبيلة مزاب والأعشاش بتعرضهم لهم بطريق الدار البيضاء وقبضهم الخفارات منهم ونهبهم بعض أمتعتهم، وعاملهم غاض الطرف عنهم في ذلك، وقد أكثر مزاب والأعشاش من التشكى بالضرر الحاصل لهم، ولم يصدهم عن مقابلة المذكورين بمثل فعلهم إلا ما يرقبونه من عقوبة جنابنا الشريف، مشيرا بالتعجيل بصدور أمرنا الشريف لعامل أولاد حريز بالمتعين قبل تحديد الفتنة بين الفريقين إلخ وصار بالبال، فقد أصدرنا له أمرنا السامى بالله بتدارك ذلك والوقوف فيه والسلام في 7 ربيع 2 عام 1322".

ونص خامس وفيه إشارة لقيام الولى عبد الحفيظ بمراكش ومبايعته وكان ذلك سادس رجب المؤرخ به الظهير: "عمنا الأرضى، مولاى عبد المالك سددك الله وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: وصل كتابك معلما بوصولك للرباط وسماعك به يوم الوصول ما ذكرته عن مراكش، وعرفنا ما أشرت به من الكتابة للخديم ابن العروسى بالكون على بال من بنى حسن، لما رأيته من أحوالهم التي لم تعجب، وصار بالبال، فقد كتبنا له بذلك، وقد زرنا يوم تاريخه أولياء فاس زيارة السفر على العادة، ونحن ناهضون للرباط في فاتح شعبان المقبل بحول الله لتكون على بال من ذلك، والسلام في 25 رجب عام 1325". ونص سادس في الاحتياطات المتخذة لمواجهة الحالة الجديدة في معنى ما قبله: "عمنا الأرضى، مولاى عبد المالك سددك الله وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: فقد بلغ لشريف علمنا أن ولد عمنا مولاى الرشيد بصدد الخروج من مراكشة للشاوية، ويتوجه منها لثغر الرباط فأصدرنا أمرنا الشريف لعامل هذا الثغر وأهله بأن يكونوا على بال منه إذا ورد، وأن لا يقبلوا منه كلاما، وأن يمنعوه من الدخول للمدينة منعا كليا بكل ما أمكن لهم. وأصدرنا أمرنا الشريف للعلاف الطالب محمد الجباس بان يقدم من طنجة للرباط بحرا، ويصحب معه مددا من العسكر ويقيم بالبلد حتى يحل ركابنا الشريف بها أو يقدمه قبل وروده من طنجة بقصد شد عضد أهل المدينة. كما أصدرنا أمرنا الشريف للخديم القائد قاسم الأودى وقبيلته بشد عضد أهل المدينة على منع المذكور من الدخول لها وطرده، فكن على بال، وشد

438 - عبد النبي الشاوى.

عضدهم على ذلك بكل ما أمكنك سددك الله، ونحن على نية النهوض يوم الخميس الآتى الذى هو الثالث من شهر شعبان القابل كما قدمنا لك الإعلام به، والسلام في 29 من رجب عام 1325". مشيخته: أخذ عن أبى العباس ابن سودة، والمفضلين ابن عزوز والسوسى وغيرهم. وفاته: توفى بعد زوال يوم الأحد ثانى قعدة الحرام عام خمسة وعشرين وثلاثمائة وألف بالمحل المعروف بيط من بلاد بنى حسن، وحمل لمكناس بلده، ودفنِ به بقبة ضريح أبى حفص عمر الحصينى يسار الداخل إليها عشية يوم الاثنين ثانى يوم وفاته رحمه الله، وكان الذى تولى الصلاة عليه شيخنا أبا عبد الله محمد ابن عبد السلام الطاهرى مار الترجمة. 438 - عبد النبي الشاوى. وقفت عليه في زمام العلماء الذين يقبضون المرتب العلمى بمكناس بتاريخ أوائل جمادى الأولى عام خمسين ومائة وألف، ولم أقف له على ترجمة. 439 - عبد العزيز أبو فارس. شاعر الدولة المرينية، الملزوزى الأصل، المكناسى الدار، المعروف بعزوز. حاله: أديب شاعر مجيد، نابغة زمانه، وباقعة أهل عصره وأوانه، كان حامل لواء الأدب في دولة السلطان يعقوب بن عبد الحق المرينى، وفى مقدمة شعرائه. مؤلفاته: من ذلك قصيدته البائية الوافرية التي ذكر فيها سيرة السلطان يعقوب المذكور وغزواته وغزوات بنيه وحفدته، وامتدح قبائل مرين ورتبهم على منازلهم وذكر فضلهم وقيامهم بالجهاد، وذكر قبائل العرب على اختلافها، وقد

440 - عبد العزيز بن محمد اليفرنى.

أنشدت هذه القصيدة بين يدى الممدوح بها في حاشيته فأمر لمنشئها بألف دينار وخلعة، ولمنشدها بمائتى دينار، وأورده في الاستقصاء تحت ترجمة وفادة طاغية الإصبان بأحواز الجزيرة وعقد الصلح بينهما. 440 - عبد العزيز بن محمد اليفرنى. المكناسى الأصل، الفاسى النشأة والدار والوفاة. حاله: فقيه علامة له مهارة كاملة في الفرائض والحساب. وفاته: توفى بفاس سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة. 441 - عبد العزيز بن محمد بن محمد بن قاسم بن على بن عبد الرحمن ابن أبى العافية الشهير بابن القاضى الزناتى المكناسى. حاله: كان عارفا بفرعى ابن الحاجب علامة متقنا فاضلا نبيلا. مشيخته: أخذ عن الشيخ أبى المحاسن الفاسى وغيره. ولادته: ولد بعد خمسين وتسعمائة. وفاته: توفى مطعونا سنة ست وألف. قال في المطمح: كان الطاعون العظيم في هذه السنة بلغ الموت فيه كل يوم من الألفين إلى الخمسمائة بفاس، مات فيه من الشرفاء والفقهاء وأعيان فاس ما يزيد على الستة آلاف. 442 - عبد العزيز المكناسى المدنى. حاله: علامة أديب: ماهر كبير، ذكره الكاتب البحاث جرجى زيدان في تاريخ آداب اللغة العربية في الجزء الثالث منه صحيفة ثلاثين وثلاثمائة. كما ذكره غيره. ¬

_ 440 - من مصادر ترجمته: وفيات الونشريسى في موسوعة أعلام المغرب 2/ 758. 441 - من مصادر ترجمته: نشر الثانى في موسوعة أعلام المغرب 3/ 1096.

443 - عبد القادر بن عبد الله بن محمد بن عبد القادر بن عبد الواحد بن أحمد الشبيه الجوطى الحسنى

مؤلفاته: منها أرجوزة في العلوم الإسلامية توجد منها نسخة بالمتحف البريطانى كما بالتاريخ المذكور. 443 - عبد القادر بن عبد الله بن محمد بن عبد القادر بن عبد الواحد بن أحمد الشبيه الجوطى الحسنى. نقيب أشراف المغرب في عصره، ورفع نسبه إلى الجناب المصطفى، تقدم. حاله: صدر أوحد، ركن معتمد، فريد عصره ونعته، فقيه فاضل، نبيل كريم، وجيه نزيه، بركة شهير، جليل مبجل، منظور إليه بعين الإكبار والإجلال، بهى السمت، وقور صموت حسن السيرة، طاهر السريرة، ممن يشار إليه، ويعتمد في مهمات الأمور عليه، مقتصد في ملبسه ومركبه له الحظوة التامة والمكانة الشماء لدى الملوك فمن دونهم. ولاه خطة النقابة السلطان المولى الرشيد الحسنى العلوى سنة ثمانين وألف، ولم يزل قائما بما رشح إليه من هذه الخطة الشريفة أتم قيام إلى أن لبى داعى مولاه. قال في السر الظاهر إنه أحكم نظام النقابة وأجرى على مقتضى الشريعة أحكامها؛ وخطاباته فيما وقع بيده من الرسوم، تؤذن بعراقته فيما يتعلق بها من العلوم؛ هـ وهو أول من ولى النقابة من هذا الفرع الشبيهى الشريف، ولا زالت النقابة في بيته إلى الحين الحالى. وهو الذى بنى أولا قبة جده فاتح المغرب مولانا إدريس عام سبعين وألف، إذ كان قبره الشريف قبل ذلك عاريا بلا بناء غير أنه يدور عليه حائط، ولعله من بناء السلطان أبى سعيد الرينى بن يعقوب المرينى كما في الأزهار العاطرة الأنفاس، قال: وهو اْول بناء وقع عليه ونبتت شجرة عظيمة من التين في أصله أى جوفه ¬

_ 443 - من مصادر ترجمته: نشر المثانى في موسوعة أعلام المغرب 4/ 1697.

444 - عبد القادر بن العربى المنبهى المدغرى المعروف بابن شقرون المكناسى.

وكانت متدلية عليه ومظللة له كالقبة مدة طويلة، ثم إنه قطعها شخص لأجل أن يبنى مكانها فلم يتم له ذلك. وفاته: توفى ربيع الأول سنة تسع وتسعين وألف. 444 - عبد القادر بن العربى المنبهى المدغرى المعروف بابن شقرون المكناسى. كذا وجد بطرة بخط العلامة المحقق السيد محمد بن جلون صاحب حواشى المكودى. حاله: فقيه نحوى، أديب أريب لغوى، حكيم طبيب، ماهر خير، فاضل علامة مشارك كامل، مدرس نفاع، رحل إلى الحج وزيارة خير رسول، ودخل الإسكندرية ومصر وغيرهما من البلاد، وأفاد واستفاد. قال في حقه أبو عبد الله محمد بن الطيب الشريف العلمى في أنيسه المطرب ما نصه: شاعر مصيب، رتع من البلاغة بمرعى خصي؛ وأحرز من الدراية أوفر نصيب، ودخل بيوت العربية من أوضح المسالك؛ وطرز في حديث السنن نحو ابن مالك، بفقه مالك، واختار الوحدة؛ وانفرد بالخمول وحده؛ ورغب عن الولدان، واعتزل الإخوان والأخدان، وضم إلى علم الأديان؛ علم الأبدان؛ فركب الأدوية؛ وانتشرت له بين الحكماء أى ألوية، وعرف الأمراض، وأرسل سهام الرقى فأصابت الأغراض. رحل إلى المشرق فأدى فرضه؛ ثم رجع قاصد أرضه، فناهيك من علم اجتلب، ومن در نظم ودر احتلب؛ قال: ولقيته بمسجده من مكناسة الزيتون عند ضريح ولى الله تعالى أبى العباس أحمد بن خضراء رضى الله عنه فتلقانى بوجه وسيم؛ ومر لى معه حديث أروى من التسنيم، واستنشدنى فأنشدته للمحلى: ولما أن خلا المغنى وبتنا ... جميعا بالعفاف مؤزرين قضينا الحج ضما والتماسا ... ولم نشعر بما في المشعرين

إلى غير هذا من رقيق الأشعار، قال: وحضرت يوما مجلس إقرائه؛ لأخبر كنه ذكائه ودهائه، فوجدته يتكلم في التيمم ويقول: اعلم أن من تيمم للفرض لم يجز له أن يصلى بتيممه سوى ذلك الفرض المتيمم له ما لم يكن جنازة غير متعينة أو سنة، فالإباحة بعد الفرض، وكما تصلى السنة فما دونها بعد الفرض فكذلك بعد النفل، وفى النوادر عن ابن القاسم: لا بأس أن يوتر متيمم النفل، والمراد بالنفل ما يقابل الفرض أعم من أن يكون سنة أو غيرها، وفى سماع أبى زيد: ويشترط في الجميع الاتصال. الحطاب وانظر هل مراده اتصال الفريضة بالنافلة أو اتصال النوافل في أنفسها الظاهر الأول، وكلاهما منصوص عليه، وفى سماع موسى الفصل اليسير لا يضر. وفى السماع أرأيت لو تيمم للنافلة وصلى ثم لم يزل في المسجد في حديث ثم أراد أن يقوم ليتنفل بذلك التيمم، قال: إن تطاول ذلك فليبتدئ تيممه وإلا فأرجو أن يجزئه، وصرح باشتراط الاتصال صاحب الطراز والمنتقى والتوضيح وابن عرفة وغيرهم. ابن رشد: الأصل أن لا يصلى صلاتين بتيمم وانجد فريضة ولا نافلة. انظر بقيته، وفى التوضيح: وشرط ابن رشد أن تكون النافلة منوية عند تيمم الفريضة، وإن لم ينوها لم يصلها، ونحوه للشامل وابن فرحون وبهرام. ابن عبد السلام: إذا قصد الفرض جاز له ما شاء من النفل وهو تابع في ذلك لابن الحاجب، الأجهورى: ظاهر المدونة أنه يفعل النفل بتيمم الفرائض وإن كثر، وقيده التونسى بأن لا يكثر ونقله في النوادر عن مالك رحمه الله. وللشافعية أن يفعله إلى أن تدخل الفريضة الثانية واستظهره في التوضيح تبعا لابن عبد السلام، قال: لأن ما يفعله من النوافل إنما هو بالتبع للفريضة ولا معنى للتابع عند فقد المتبوع، قيل: وهو موافق لكلام التونسى، إذ يمكن حمله عليه. إذا علمت هذا فاعلم أنه يصح إيقاع السنة بتيمم النافلة كما مر، وعليه ابن

القاسم في المجموعة، سند: وإذا قلنا بمنع الجمع بين فرضين، فهل يجمع بين فرض وسنة أو فرض عين وفرض كفاية؛ المذهب أنهُ يجمع إذا قدم المكتوبة. وفى الواضحة: من تيمم للعتمة له أن يوتر بتيممها ويصلى من التنفل ما شاء ومثله لابن الحاجب والتوضيح، ثم إذا جاز إيقاع السنة بتيمم النافلة فلأن تجوز السنة بتيمم السنة أولى وأحرى. الحطاب: ووقع في التوضيح ما يوهم خلاف ذلك، فإنه قال لما تكلم على مسألة من صلى بتيمم واحد ما نصه: فرع قال ابن سحنون: وسبيل السنن في التيمم سبيل الفرائض الوتر، وركعتا الفجر والعيدان والاستسقاء والخسوف يتيمم لكل سنة كما في الفرائض نقله اللخمى. قال: وسألته -يعنى صاحب الترجمة- عن أشياء من الأطعمة والأشربة وأى شئ أنفع للإنسان أن يأكله أو يشربه؟ فأدلى بأشياء نافعة، رافعة للأمراض دافعة، قال لى رعاه الله: دماغ الجمل: من شرب منه مثقالا بخلٍّ وعسل نفعه لغشاوة البصر. ألبان الإبل: تدفع وجع الأسنان. دم الثور: إذا قطر على الجراحات التي يسيل منها الدم حبسه وإذا قطرت مرارته في الأذن مر الطنين. شعر العنز: إذا بخر به البيت طرد الهوام. ورق الزيتون الأخضر: إذا طبخ بالماء ورش به البيت هرب منه الذباب. ورق الأترج: من جففه وسحقه وعجنه بدهن زيت ولوز وأطعمه من شاء أحبه حبا شديدا وكذلك:

ورق التفاح: إذا سحق مع السكر الأبيض واللوز وأطعمه من شاء ملك قلبه. عظم الكبش: إذا حرق وسحق وعجن بلبن النساء وجعل في قطنة ووضع على نهش الهوام وعلى القروح الردية الخبيثة أبرأها وألحمها من غير ألم. البابونج: يبرئ من وجع الكبد. الحلبة: إذا طبخت بالعسل وشربت أخرجت ما في الأمعاء من الأخلاط الردية. دهن اللوز الحلو: ينفع للحصى ويسهل خروجها. الحبة السوداء: إذا شربت بماء وعسل فتتت الحصاة. أغصان الفجل: بلا ورق إذا شرب من عصيرها أوقية فتتت الحصاة كبيرها وصغيرها هـ الغرض من أنيسه بخ. مشيخته: أخذ بفاس عن جماعة من الشيوخ، منهم: أبو العباس أحمد بن الحاج، أخذ عنه الربع من مختصر الشيخ خليل، وأبو عبد الله محمد القسمطينى أخذ عنه المقدمات الكبرى للشيخ السنوسى، وأبو عبد الله محمد بن المسناوى أخذ عنه الألفية من أولها إلى آخرها، وأبو زيد عبد الرحمن بن عمران أخذ عنه الألفية واللامية لابن مالك من أولهما إلى آخرهما، والشريف أبو محمد عبد السلام بن الطيب القادرى أخذ عنه نصف الألفية، والشريف القاضى سيدى عبد الواحد أبو عنان أخذ عنه بعض مقامات الحريرى، والطيب أبو العباس أحمد بن الطيب أبى عبد الله محمد أدراق، أخذ عنه مسائل كثيرة من الطب. وأخذ ببلدة مكناسة الزيتون عن جماعة من الشيوخ، منهم: القاضى أبو مدين السوسى أخذ عنه رسالة ابن أبى زيد ومختصر السنوسى، والقاضى سعيد

العميرى التادلى أخذ عنه البخارى حضر مجلسه في إقرائه من أوله إلى آخره مرارا وكذا الألفية، وأبو العباس أحمد بن يعقوب الولالى أخذ عنه التسهيل من أوله إلى آخره، وأبو محمد عبد السلام البيجرى أخذ عنه الألفية ومختصر السعد ومختصر السنوسى والخزرجية، والطبيب الماهر أبو إسحاق إبراهيم بن القائد على الطبيب الأندلسى المراكشى ثم المكناسى، وهو من أطباء الجد الأكبر السلطان مولانا إسماعيل أخذ عنه مسائل كثيرة من الطب، وأخذ بمصر عن الشيخ أحمد الزيدانى مسائل كثيرة من كتاب ابن النفيس الذى اختصر فيه القانون لابن سينا ومسائل كثيرة من كتاب الإرشاد لابن جميع. الآخذون عنه: منهم أبو القاسم العميرى ترجمه في فهرسته وصرح فيها بأخذه عنه، وحلاه بالفقيه النحوى الأديب، اللغوى البليغ الأريب، قال: قرأت عليه الفقيه ابن مالك والآجرومية، وعليه كانت بداية قراءتى هـ. ومنهم الشيخ صالح بن المعطى الشرقى حسبما صرح ذلك نفسه في قوله مخاطبا للمترجم: أشيخنا النحرير حلو المنطق ... المتزيى بمزايا المشرق يا من علا الأتراب والأقرانا ... كما سما الدهر به وزانا يا نجل شقرون الجليل القدر ... ومن غدا بحسنه كالبدر قيد لنا في الطب ما للأغذية ... أرجوزة مفيدة سنية من نظمك العذب البليغ الأشهى ... فهو من العقد النضيد أبهى في غير هذا. والعلامة السيد محمد الخياط بن إبراهيم المشنزائى -بنون فزاى- أخذ عنه أرجوزته في الطب، وذاكره في مسائل منها، واستفاد منه كثيرا حسبما وقفت على

تصريحه بذلك بخط يده، ومؤلف منحة الجبار حسبما صرح بذلك عن نفسه في منحته، قائلًا: وهو الآن بقيد الحياة سمعت عليه نظم لامية الأفعال وأماكن من الألفية والتوضيح هـ. شعره: من ذلك قوله من قصيدة مدح بها سيد الوجود، مولانا محمدًا الحامد المحمود: أسقيانى كئوس بنت الدوالى ... إن عرانى السقام فهى الدوالى بنت كرم ربت عناقيدها السود ... بمهد الغصون تحت الظلال رنحت مهدها الرياح وناغتـ ... ـها البلابل من غصون عوالى رضعت من لبان سلسل نهر ... وسقاها الجلا سلاف الزلال ربها المزن فوق عرش عريش ... فتكلل عرشها باللآلى حجب الفرس بكرها في دنان ... ضمخوها بعنبر وغوالى مزجت برضاب ظبى لماه ... خندريس ختامها مسك غالى بين ورد وياسمين وآس ... قد تمايل قده في اعتدال في رياض زهت بثوب نضار ... من أصيل مرونق بالجمال هزت النفحات فيها غصونا ... شربت من شمول ريح الشمال غرد العندليب فيها خطيبا ... في منابر قضب سرو طوال كم ليال قطعتها فى نعيم ... حفظ الله عهد تلك الليالى بت متبعا بها سنة الوصـ ... ــــل وبات الرقيب حلف اعتزال بين راح وشمعة ومغن ... وظباء قنصتها باحتيال

إذ نصبت لها حبائل حفت ... بزخارف من غرور المحال أذعنت للشراك بعد نفار ... واستكانت لسحر كيد حبالى كل ظبى يفوق بدر تمام ... غير أن جبينه كالهلال ماس منعطفا وسل من اللحـ ... ـظ صوارم أُرهفت للقتال جمع الغى والهدى وصفه من ... صبح غرته وليل الدلال فرقصت مسرحا طرف طرفى ... بين جيد المها ولحظ الغزال واغتنمت الوصال منتهز الفر ... صة والليل سجفه في انسدال إلى أن قال: ليت شعرى فهل يعود زمان ... قد مضى مسرعًا كطيف الخيال صرت من بعد أنسه ذا سقام ... أشتكى هم عيلة وعيال ولبست سرابيل الضر حتى ... سامنى كل مفلس من هزالى كل يوم يجدد الكرب ثوبا ... كم جديد لبسته فوق بال إلى أن قال: وتنازع عامل السهر الجفو ... ن وعامل دمعه المتوالى واشتغلت بمضمر الكرب حتى ... ذبت بين تنازع واشتغال إلى أن قال: لى من الطب في الورى بعد صيت ... وأنا أشتكى بفرط اعتلال إلى أن قال: إنما اشتكى لمن يكشف الضـ ... ـــــر ويسدى المنى بغير سؤال

ضقت ذرعا وما رجوت سوى ر ... ب الورى المتكبر المتعال غافر الذنب قابل التوب ذى الطو ... ل شديد القوى مفيض النوال إلى أن قال: رب يسر لعبدك الفتح واشرح ... صدر من صدره من العلم خال عاقه الكسل المطاع فأمسى ... للبطالة وهو طوع الفعال وأعن عبدك الفقير وأذهب ... ضر جسم قوامه في انحلال إلى أن قال: فإليك وسيلتى صفوة الخلـ ... ــق سراج الهدى وشمس العالى هو أفضل شافع هو أوفى ... مستغاث به لدفع الوبال رحمة عمت الوجود وغاضت ... من لدن منعم شديد المحال نسخ الغى عامل الرشد إذ جا ... ء فلاح الرشاد بعد الضلال خير من وطئ التراب وأزكى ... من مشى من ذوى حفى وانتعال خير من جاءه الأمين بآى ... أعجزت كل صائل بالمقال إلى أن قال: يا رسول الله إنى ضعيف ... فاكفنى شر كل باغ وقال يا رسول الله ضاق خناقى ... فتدارك بحل عقد اعتقال يا رسول الله كن لى جارا ... إن أنيخت مطيتى لارتحال الغياث الغياث يا خير من أمـ ... ـــدحه بتأملى وارتجال أنت مدخرى وما لابن شقرو ... ن سواك لهول يوم المآل

الصلاة عليك ما ناحت الور ... ق صباحا وما تلا الذكر تالى والرضا عن شوامخ المجد دأبا ... آلك الأكرمين أشرف آل وعلى الصحب كلهم غرر المجـ ... ــد نجوم الهدى بدور الكمال وقوله: دعنى وشوقى للإسكندرية هل ... أبصرت مثل رشا في ثغره الزاهى إن كنت ملتمسا طيب المعاش فلا ... تسكن سواها ففيها نعمة الله وقوله متغزلا: سلا لبى بأرض سلا حميم ... فشربى مذ شغفت به حميم وقوله معميا في التمر المجهول: ما أحمر اللون حلو الطعم معسول ... يعزى لذات عقاص زانها طول قد شاع معروفها بين الورى كرما ... فاعجب لمعروف أم وهو مجهول وقوله معميا في اللفت: ما أبيض في خده حمرة ... يرفل في ثوب من السندس قد بيع في السوق على حسنه ... مظلمة بالثمن الأبخس (ألفت) في أوصافه جملا ... معجبة للحاذق الأكيس وقوله مخاطبا لابن الطيب المنقول من أنيسه: حياك رب العرش يا ابن الطيب ... وسقاك منهمر الغمام الصيب يامن نفائس شعره بل سحره ... نسخت نفائس كل قول مطرب شمس لمطلعها بفاس آية ... فاعجب لمطلع مشرق في مغرب

وقوله وذلك عام أربعة ومائة وألف أو فيما يقرب منه كما أخبر بذلك عن نفسه. أسر الفؤاد فبات في أغلاله ... قمر تشعشع في سماء جماله سلب الكرى عن ناظرى لما درى ... أنى أعلله بطيف خياله قد حام قلبى حول بانة قده ... فرماه من لحظاته بنباله فغرقت من بحر الهوى في لجة ... وصبرت محتسبا على أهواله وقطعت ليل صدوده حتى بدا ... صبح الوصال ولاح في أذياله فجنيت زهر جماله متمتعا ... بعقيق مبسمه وعذب زلاله ورشفت من در الثنايا سلسلا ... كالراح مختوما بعنبر خاله أرخى على خديه فرعا فاحما ... فقطفت غض الورد تحت ظلاله يا حسنها من ليلة في جنحها ... ظفر الفؤاد بمنتهى آماله غفل الوشاة فنلت ما أملته ... من وصله والسعد في إقباله وشكوت ما قد فات من زمن الجفا ... وأريته صبرى على أفعاله وسقيته خمرا حكت شمس الضحى ... تسلى فؤاد المستهام الواله يا قلب دونك فانتهز فرص الرضا ... من قبل أن يصغى إلى عذاله فعليه منى ألف ألف تحية ... ما لاح في أفق ضياء هلاله وتسربل الروض الهتون بسندس ... فبدت عقود الطل في سرباله وقوله: يا طالب الطب لدى عصبة ... تطلب مجانا سماع المجون

لست طبيبا ماهرا عندهم ... إن لم تقل للشئ كن فيكون وقوله: كلمات حق نقشها حسن ... في فضة تسبى نهى الخلق تقضى حوائج كل ذى أمل ... الله حق ناصر الحق وقوله: وذى سمن على خديه ورد ... وحول الخد منه ياسمين وهبت له على خطر فؤادى ... وقلت ارفق برقك ياسمين وقوله: وشى روض البنفسج ثوب روض ... به النمام دب على الحواشى فلمت طيوره لما أثارت ... خصاما قبل وقت الفجر فاش فقالت كيف أسلو عن خصام ... وإنى بين نمام وواش وقوله في فتى منزله بمكناسة بحومة قاع وردة: أهدى إلى وردة ... ظبى ثوى بقاعها كناسه مكناسة ... يسرح في بقاعها فائدة: وهذا النوع يسميه النحاة المعمى، والفقهاء الألغاز، وأهل الفرائض المعاياة، واللغويون الأحاجى. والأصل فيه حديث البخارى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن من الشجر شجرة لخ قاله ابن فرحون في كتابه درة الغواص في محاضرة الخواص. مؤلفاته: منها شرحه على البسط والتعريف للشيخ المكودى، والأرجوزة في

445 - عبد القادر المدعو الجيلانى السحاقى.

علم الطب المعروفة بالشقرونية نظمها بإشارة من الرجل الصالح، المنور الفالح، أبى المعالى الصالح بن المعطى الشرقاوى العمرى لما قدم على مكناسة الزيتون عام ثلاثة عشر ومائة وألف، فطلب من المترجم في أبيات رجزية أن يقيد له في الطب أرجوزة تتضمن مسائل مخصوصة منه، عينها الشيخ المذكور في أبياته المذكورة، فلم يجد بدا من موافقته ومساعدته على ما طلب، كذا أخبر المترجم عن نفسه، ولم أقف على تاريخ وفاته غير أنه كان حيا يرزق سنة أربعين ومائة وألف. 445 - عبد القادر المدعو الجيلانى (¬1) السحاقى. من آيت إسحاق، إحدى قبائل آيت أو مالوا النازلين ببلاد ملوية. حاله: قال في حقه أبو عبد الله محمد بن الطيب بن عبد السلام القادرى في الأزهار النادية ما لفظه: الكاتب الأرفع، والبدر الأسطع، الأديب اللبيب اللغوى النسابة المؤرخ، كان يحسن الترسيل والإنشاء، ناظما ناثرا مطلعا، ألف رحلة وصف فيها رحلة السيدة الجليلة خناثة بنت الشيخ الجليل الوجيه سيد قومه بكار المغفرى أم أمير المؤمنين مولانا عبد الله بن مولانا إسماعيل الحسنى لما سارت إلى المشرق بقصد الحج، فحجت ورجعت إلى المغرب، وكان من جملة من سافر في رفقتها. مؤلفاته: منها رحلته المشار لها. وفاته: توفى بعد أوبته من أداء فريضة الحج بعد الخمسين ومائة وألف رحمه الله. ¬

_ 445 - من مصادر ترجمته: موسوعة أعلام المغرب 6/ 2558. (¬1) في الموسوعة: "الجيلالى".

446 - عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد الملقب الفاسى.

446 - عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد الملقب الفاسى. الشاوى أصلا، المعزاوى نسبا، من أولاد عمارة أحد أولاد السيد يش بن حمدون. حاله: فاضل جليل القدر صالح فالح ذو كرامات واضحة، وأسرار لائحة، مما تواتر عنه من ذلك عند من أدركته من الشيوخ المسنين الذين ترضى أمانتهم، أنه أدركه وقت الفجر في يوم من الأيام وهو على غير وضوء للصلاة، وخاف فوات الفجر إذا نزل للوضوء، فمد يده من سرجم المستودع إلى صحن المسجد، وأخذ الماء وتوضأ والحال أن بين محل الماء والمحل الذى مد يده منه ما يزيد على ثلاثين مترًا. ومنها أن بعض أصحابه من مؤذنى المسجد الأعظم مرض مدة وصادف مرضه زمن الخريف، فلم من الله عليه بالشفاء جاء إلى المترجم بالمستودع المحل المعد للموقت فهناه بالشفاء وسأله عن حاله، فقال المؤذن للمترجم: ما أسفت على شئ فاتنى في مرضى أسفى على عدم أكل التين الرطب، فأجابه بقوله: قم لداخل المستودع وكل ما قدرت عليه من التين واترك الباقى، والحال أن الإبان يستحيل وجود التين الرطب فيه لفوات إبانه بكثير، فدخل للمحل الذى عين له فوجد آنية مملوءة تينا رطبا من أحسن وأعلى ما يكون، فأكل حتى شبع، وأخذ شيئا أخفاه قاصدا إخراجه معه فلم يهتد للباب، فنادى المترجم فقال له: رد ما أخذت ينفتح لك الباب، فرد ما أخذ فانفتح له الباب، إلى غير هذا مما يطول جلبه، وهو غير مستغرب في جانب كرامات الأولياء الثابتة كتابا وسنة وإجماعا ممن يعتد بإجماعه. مشيخته: أخذ عن والده محمد المترجم في المحمدين، وسيدى العربى بن عبد السلام الفاسى بن العربى بن أبى المحاسن يوسف الفاسى أخذ عنه بغية الطلاب للحباك، وكتب ابن البنا، وعدة أبواب من الزيج الموافق، وأخرى من

447 - عبد القادر أبو محمد القاضى الأعدل بن محمد بن عبد المالك بن العربى بن على بن مولانا محمد بن مولانا على الشريف الحسنى السجلماسى

الزيج القديم، ومن اصطلاحات ابن جندور، ومقالات ابن عزوز، ورسالتى الربع المجيب والكامل إلى غير ذلك، وأجازه عامة حسبما وقفت على ذلك في تقرير إجازة للمترجم مكتوبة في رق غزال عدد فيها ما أخذه عن شيخه المذكور من المؤلفات العديدة في هذا الفن العالى الشأن، تفنن في أفانين الإنشاء فيها ما شاء، بتاريخ أوائل ذى القعدة الحرام عام أربعة وثلاثين ومائة وألف عقبها بخط الشيخ المجيز ما لفظه: الحمد لله ما قاله السيد الأرضى، الفقيه النحرير الأحظى، الفاهم اللبيب المرتضى، سيدى عبد القادر بن الفقيه النحرير العدل المرتضى الحيسوبى الميقاتى، سيدى محمد بن الفقيه البركة الموقت الراصد، سيدى عبد الرحمن الفاسى رئيس الموقتين ومحقق الراصدين بالحضرة المولوية الهاشمية محروسة مكناسة صحيح، وقد أجزته في ذلك وفى غيره من المؤلفات التوقيتية والآلات الفلكية والأزياج التعديلية وغير ذلك، والله يوفقنا وإياه لما يحبه ويرضاه بمنه وكرمه، وأسأل من المجاز المذكور أن لا ينسانى من صالح دعائه، وفى التاريخ أعلاه كتب عبيد ربه وخادم أوليائه، العبد الفقير إلى رحمة مولاه، الغنى به عمن سواه، العربى بن عبد السلام الفاسى، وأصل هذه الإجازة من محتويات المكتبة الزيدانية. الآخذون عنه: أخذ عنه ولده سعيد آتى الترجمة وغيره. وفاته: توفى شهيدا تحت الردم بالزلزلة في صفر سنة تسع وستين ومائة وألف مع والده السابق الترجمة في المحمدين. 447 - عبد القادر أبو محمد القاضى الأعدل بن محمد بن عبد المالك بن العربى بن على بن مولانا محمد بن مولانا على الشريف الحسنى السجلماسى. ¬

_ 447 - من مصادر ترجمته: موسوعة أعلام المغرب 7/ 2400.

حاله: حافظ ضابط، فقيه علامة، دراكة فهامة، مشارك نحرير، نقاد متقن، فاضل ماجد جليل، متضلع نبيل، مدرس نفاع، صلب في أحكامه، لا تأخذه في الله لومة لائم، كان السلطان العادل فخر دولتنا العلوية سيدى محمد بن عبد الله يعظمه ويجله ويقدره قدره ويفاخر به، وعلى عهده تولى القضاء والإفتاء بالحضرة المكناسية الهاشمية المولوية، وإمامة جامعها الأعظم، وكان لا يسميه إلا بقاضى القضاة. ولم يزل المترجم على العدل في أحكامه والوقوف مع الحق إلى أن نقله الله إليه، وقفت على عدة رسوم مسجلة عليه منها رسم بتاريخ سابع عشرى جمادى الأولى عام اثنين وثمانين ومائة وألف، وآخر بتاريخ ستة وثمانين، ترجمه غير واحد وأثنى عليه، منهم: القاضى العدل السيد الطالب ابن الحاج المرداسى المتوفى سنة ثلاث وسبعين ومائتين وألف في كتابه الأشراف ووصفه فيه بأوصاف عالية كغيره من المحققين الأثبات. الآخذون عنه: منهم ابن أخيه القاضى الشريف المولى أحمد بن عبد الملك المترجم فيما مر، وناهيك به. مؤلفاته: منها شرح على همزية البوصيرى في أربع مجلدات أبدًا فيه وأعاد، وأبدى ماله من الباع المديد في المعقول والمنقول، وشرح على تحفة الحكام القاضى ابن عاصم. وفاته: توفى على القضاء بمكناس أوائل جمادى الأولى عام سبعة وثمانين ومائة وألف، ودفن بروضة أبى على لحسن بن مبارك الشهيرة، وقد رمز لتاريخ وفاته تاج الأدباء أبو الربيع سليمان الحوات بقوله: قاضى القضاة السجلماسى حيث مضى ... مضمخا بعبير العفو تضميخا استخرجت فكرتى في الحال أن له ... الآن غاب هلال العدل تاريخا

448 - عبد القادر بن الحران الحسنى الإسماعيلى.

448 - عبد القادر بن الحران الحسنى الإسماعيلى. حاله: فقيه أستاذ نبيل، عدل رضى مبرز من صدور الأشراف وأعيانهم الجلة، ذو مروءة ومتانة دين، كان يتعاطى خطة الإشهاد بسماط عدول العاصمة المكناسية، ولم يزل على ذلك إلى أن لبى الداعى، وانتقل لوطن الرحمة محمود المساعى. وفاته: توفى بعد الخمسين ومائتين وألف. 449 - عبد القادر بن عبد الرحمن بن سعيد. الفاسى لقبا المكناسى نشأة ودارًا، الشاوى المعزاوى أصلا. حاله: فقيه ميقاتى مقتدر، ماهر متقن، عارف بفن التوقيت، محقق لأصوله وفصوله، تولى رياسته بالمسجد الأعظم بمكناسة بعد وفاة جده، وقفت على ظهرين سلطانيين متضمنين إسناد الخطة المذكورة بالمسجد المذكور إليه؛ وقصرها عليه؛ أولهما للسلطان الأعدل مولانا سليمان، وثانيهما لسيدنا الجد السلطان عبد الرحمن بن هشام. نص الأول: "الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم (سليمان بن محمد بن عبد الله غفر الله له وتولاه) كتابنا هذا أسماه الله وأعلى أمره يستقر بيد حامليه الطالب الموقت السيد عبد القادر بن عبد الرحمن بن البركة المرحوم السيد سعيد الفاسى وأخيه، ويعلم منه أننا بحول الله وقوته أبقيناهما على ما كان عليه أسلافهما مع أسلافنا الكرام؛ من التوقير والاحترام، والرعى المستدام؛ وأفردناهما بالتوقيت في المسجد الأعظم من محروسة مكناسة لمعرفة عبد القادر المذكور بقوانينه وقدرته على القيام بهذا الوظيف، وما شاركناه مع الغير حين مات جده إلا لأجل صغره، أما الآن فيذهب من كان يشاركه إلى حال سبيله ويختص ¬

_ 449 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 7/ 2562.

به وحده، ويقبض التسعين أوقية المعدة لذلك كاملة، فنأمر ناظر الأحباس أن يدفعها له عند استهلال كل شهر يستعين بها على هذا المقصد الأحمد، وعليه بالمحافظة والاحتياط والتحرى، فإن هذا المقام الذى أقمناه فيه هو عمود الدين، وعليه مداره بحيث لا يقبل عذر من فرط فيه، والله يتولى رشده وينفعنا بأجرهما آمين، والسلام في ثامن شوال عام خمسة وعشرين ومائتين وألف". ونص الثانى بعد الحمدلة والصلاة على رسول الله: (عبد الرحمن بن هشام نصره الله) يستقر هذا الظهير الكريم؛ والأمر المحتم الصميم؛ بيد ماسكيه الطالب الأرضى الميقاتى، السيد عبد القادر بن عبد الرحمن بن السعيد سعيد وأخيه الفاسى لقبا المكناسى قرارا الشاوى نجارا، من أولاد سيدى يش بن حمدون المدعو أبو معزة يتعرف منه بحول الله وقوته، وشامل يمنه ومنته، أننا جددنا لهما حكم ما بيدهما من ظهائر أسلافنا قدس الله أرواحهم، من اختصاص الأول بالانفراد بالتوقيت بمنار المسجد الأعظم من محروسة مكناسة الزيتون لمعرفته بقوانينه وأصوله، وإتقانه لفروعه وفصوله، وأقررناه على قبض التسعين أوقية المرتبة له من الأوقاف على ذلك في كل شهر، وعليه بتقوى الله وطاعته، والقيام بذلك جهد استطاعته، والمحافظة والتحرى في ذلك، والله يوفقه لأفضل المسالك، والواقف عليه من ولاة أمرنا يعمل بمقتضاه ولا يتعداه، والله يوفقنا لما يحبه ويرضاه؛ صدر به أمرنا المعتز بالله في ثامن شعبان المبارك عام واحد وأربعين ومائتين وألف". قلت: وقد كان المرتب المذكور إذ ذاك له بال وشأن فيه ما يكفى لسائر الضروريات اللازمة مع ترفه (¬1). مشيخته: أخذ عن والده وجده وغيرهما من محققى أعلام وقته. وفاته: توفى عام ثمانية أو أواخر سبعة وخمسين ومائتين وألف. ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "كان إذ ذاك قيمة شاة لا تتجاوز فرنكا وعلى هذه النسبة فقس".

450 - عبد القادر بن محمد بن أحمد بن بلقاسم الإدريسى العلمى الحمدانى.

450 - عبد القادر بن محمد بن أحمد بن بلقاسم الإدريسى العلمى الحمدانى. كذا وقع هذا النسب في رسم كتب قيد حياته مؤرخ بثامن عشرى جمادى الثانية عام واحد وستين ومائتين وألف. الولى المشهور المعروف بسيدى قدور العلمى نسبه لجبل العلم (¬1) الطالبى العبد السلامى نسبه لجده الأعلى مولانا عبد السلام بن مشيش، دفين جبل العلم الشهير مقر سلفه -أى المترجم- وهو من أولاد حمدون، وعليه فقول الرسم الحمدانى غير سديد وصوابه الحمدونى. حاله: نشأ في صيانة وعفاف بمكناسة الزيتون في حجر والده بالدار التي اتخذها زاوية بعد وفاة والده، وبها أُقبر كما يأتي، وكان رحمه الله من أهل المقامات العالية والأحوال السنية السنية، لا يعرف لعبا ولا لهوا ولا ما يرجع لزخرف الدنيا وزينتها، كثير التطوف على أضرحة الصالحين وزيارة الأحياء منهم والأموات. قال أبو عبد الله محمد الأمين الصحراوى المراكشى في مقدمة الارتجال في مشاهد ومشاهير سبعة رجال: قال لى الولى سيدى عبد القادر العلمى: إنه مكث بضعا وعشرين سنة وكان بمراكش، وكل يوم يزور سبعة رجال، أو يزور الأربعة المتقاربة: سيدى أبى العباس السبتى، وسيدى محمد بن سليمان الجزولى، وتلميذه سيدى عبد العزيز التباع، وتلميذه مولانا عبد الله الغزوانى، أو يقتصر على زيارة أبى العباس السبتى هـ وقد لازم دهرا طويلا زيارة ضريح الإمام إدريس الأكبر، وبالأخص يوم الجمعة لم يتخلف عن صلاتها بمسجده في صيف ولا شتاء مدة من ثلاثين سنة، ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "بفتح العين واللام" حيث مدفن المولى عبد السلام بن مشيش".

وكان ذهابه لزرهون كل جمعة على أتان له، وكان يتطارح على شريف تلك الأعتاب ويتضرع إلى مولاه في تنوير سريرته وصفاء باطنه وتطهيره من الرعونات النفسانية، ثم بعد مدة لازم داره، وصار لا يخرج منها إلا يوم الجمعة. وفى آخر عمره لما كبر سنه ووهن عظمه واعتراه ما اعتراه من الجذب وذلك قبل انتقاله لدار النعيم بنحو أربعة أعوام كما صرح بذلك تلميذه الملازم له العلامة السيد محمد فتحا غريط الطبيب الشهير في رجزه الموسوم برياض أنس الفكر والقلب حيث قال: والجنب معه نحو أربع سنين ... وبعضنا به من المستيقنين ومع ذا بسائر الأذكار ... يصدع بالليل وبالنهار حتى قضى بقرب فجر الاثنين ... ليلة يوم ساس وعشرين ترك في الجمعة، وكان يتحرى صلاتها بجامع الزيتونة أحد المساجد الشهيرة بمكناس المؤسسة على عهد سيدنا الجد الأعظم السلطان مولانا إسماعيل. ومن عادته شراء الخبز والتمر وتفريقه على الصبيان كل يوم جمعة، وربما ندب لذلك بعض الخاصة من معتقديه، حتى رتب سيدنا الجد السلطان المولى عبد الرحمن بن هشام على شراء قدر من ذلك كل جمعة جراية، فصار يشترى ويفرق، واستمر الأمر على ذلك بعد وفاة المترجم في دولة السلطان المذكور وبعدها إلى آخر الدولة الحسنية أو أول العزيزية. وكان السلطان المولى عبد الرحمن من خاصة محبى المترجم ومعتقديه، يذهب لزيارته كلما حل بالحضرة المكناسية، ويستشيره في كل مهم عنّ له، ويقف عند حد إشارته، وقد شاهد له كرامات وخوارق عادات، ولما قبضه الله تعالى

وبلغ خبر نعيه إليه، كتب على الفور لعامله على مكناس القائد الجيلانى بن بوعزة بما نصه بعد الحمدلة والصلاة: "وصيفنا الأرضى القائد الجيلانى بن بوعزة وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فغير خاف عنك ما كان بيننا وبين الولى البركة، مولاى عبد القادر العلمى، نفعنا الله ببركاته، من صفاء المحبة، وخلوص المودة، في ذات لله ولأجله، وقد بلغتنا وفاته رحمه الله ورضى عنه، وانتقاله لدار الكرامة والسعادة، فبوصول كتابنا هذا إليك توجه لتعزيه أقاربه وحشمه بنفسك نيابة عنا، وقل لهم: نحن وإياهم في مصيبته سواء، آجرنا الله فيها، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولله ما أخذ وله ما أعطى، وكلٌّ بأجل مسمى، فليس إلا الصبر والاحتساب والرضا، والتسليم لما جرى به القضا. وإياك ثم إياك أن يمد أحد يدا في متروكه من أقاربه أولاد مولاى عبد السلام أو غيرهم أو يخرج الأمر بعده عمن قدمه قبل وكان يتصرف حال حياته، فالناظر الذى كان متوليا أمر زاويته يبقى على حاله فيها من غير منازع ولا معارض، فهو الذى يخوض في متروكه ويختص بالتصرف فيه خاصة، وقد عضدناه وشددنا أزره بخديمنا الأرضى الناظر الطالب الطاهر بن عثمان ليعينه في ذلك، وظهير صدور أمرنا به يصلك في إثره، فأطلع على هذا خديمنا الأرضى الطالب أحمد اللب، وجميع خدامنا كالأمناء والمحتسب ليعملوا بمقتضاه، وأولاد مولاى عبد السلام تعرف حالهم فمن تقرب إليه منهم ورام الخوض في أمر الزاوية ومتاعها، كفه عن ذلك بالزجر البليغ، حتى لا يتطاول أحد إلى ذلك، فإن أبناء الزمان لا يردهم إلا الجد، والسلام في سادس عشرى رمضان المعظم عام ستة وستين ومائتين وألف هـ".

والمتروك المشار إليه في هذا الظهير الشريف اشتمل من النقد الناض على اثنى عشر ألف مثقال وزيادة، وقد أنكر ذلك بعض الناس لما سمعه قائلًا: كيف يكون من يترك مثل هذا القدر وليا؟ فرأى في نومه كأن قائلا يقول: لو لم يأذن المترجم للشمس أن تطلع ما طلعت أو كلامًا نحو هذا، فلما أفاق استغفر وتاب. وقد قدمنا في الكلام على المساجد ظهيرين آخرين للسلطان المذكور، في أولهما التصريح بأن المترجم إنما خلف ذلك لأسرار كما قدمنا هناك، وأن من ذلك المال أتم بناء مسجد زاوية المترجم، ومنه اشتريت الأصول المحبسة على مصالح ذلك، ولا زالت قائمة إلى الآن، ولو لم يكن من أسرار ذلك إلا هذا القدر لكفى. وقد كان المترجم سيدا حصورًا، لم يحتلم قط، ولا عرف معنى الالتذاذ كما أخبر هو بذلك عن نفسه لا في صغره ولا في كبره، ولا يأكل دسما، جُل قوته الخبز والزيتون، وقد كان لا يمكن أحدا من تقبيل يده حتى قدم إلى مكناسة الشريف سيدى المختار البقالى وأذن له في إطلاقها للتقبييل ففعل إذ ذاك، وصار لا يمنع من تقبيلها أحدًا، كما أخبر بذلك بعض الخاصة من أصحابه. وقد ظهرت له رضى الله عنه كرامات وأسرار، وقصده وفود الزوار من سائر الأقطار، ومن ذلك أن بعض الناس حضر بين يديه فذكر المترجم أمراً وقع في نفس الحاضر المذكور تكذيبه فيه، فاطلع المترجم من طريق كشفه على ما حدث الحاضر المذكور به نفسه، وقال: والحاضر المذكور يسمع من كذبنا يعمى هـ فعلم الحاضر المذكور أنه هو المقصود بذلك وانصرف، فبعد مدة عمى واستمر كذلك إلى أن توفى أعمى، نسأل الله العافية وهذه القصة ثابتة أرويها مفصلة بسند صحيح. ومن ذلك ما حدثنى به شيخنا العرائشى أنه حدثه شيخه السيد فضول بن عزوز أنه كان يزور المترجم ويلازمه كثيرا ويصلى معه صلاة الجمعة بجامع

الزيتونة، ويراقب أحواله، ففى بعض الأيام قال في نفسه: إن هدا السيد الجليل العظيم القدر منذ رأيته وصحبته ما رأيت منه أمرًا يخالف الشريعة، غير أنه يرفع رأسه من السجود قبل الإمام، قال: وكان في قلبى من ذلك حزازة ثم ساقتنى المقادير إلى مطالعة كتاب الشعرانى الميزان الكبرى فوجدته ذكر فيه أن العارفين تتجلى لهم عظمة الله تعالى في السجود، فخفف عنهم ورخص لهم في الرفع لئلا تتفطر قلوبهم في ذلك التجلى، قال: فلما وقفت على ذلك حصل لى فرح وسرور حتى صرت أضرب على صدرى، وأقول: يا فرحى وياسعدى، ثم قمت في الحين وذهبت إليه، فلما جلست بين يديه قبض على أذنى وقال لى قبل أن أكلمه: ما رأيته صحيح، ولعله كرر هذه المقابلة مرتين هـ. ثم راجعت الكتاب المذكور في المسألة فوجدت ذلك صحيحا ودونك نصه: وربما استحضر الساجد عظمة الله تعالى فانهدت أركانه، فلم يستطع كمال الرفع، وربما استحضر بعض الأصاغر عظمة الله تعالى في الركوع أو السجود فكادت روحه تزهق منه، فبادر إلى الرفع من الركوع أو السجود بسرعة من غير بطء، فمثل هذا ربما يعذر في عدم إتمامه الطمأنينة وهو في السجود أكثر عذرا كما جرب هـ. قلت: ولا محذور في ذلك شرعا فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، وقد أباح سبحانه لمن عجز عن القيام في الصلاة الجلوس، ولمن عجز عن الصلاة جالسا الصلاة مضطجعا، ولمن عجز عن أدائها مضطجعا أن يصليها إيماء، وللضرورة أحكام. وأخبرنى أيضا محدثى الشيخ المذكور عن شيخه المذكور أنه كان في ابتداء طلبه يقرأ يوما مصنف الألفية في لوح، فصعب عليه حفظه فرمى به مع حائط، وقام من حينه وذهب إلى المترجم، فلما جلس بين يديه قال له: لا تعجل ها

أزجاله

مجلسك بين يدى انظر إليه، فكان كما قال رضى الله عنه، قال مخبرى: فإنى قرأت عليه يعنى شيخه المذكور في زاوية هذا السيد الجليل المرشد المعين بين العشائين من أوله إلى آخره ثم الشمائل النبوية كذلك، ثم طرفا وافرًا من صحيح الإمام البخارى هـ. وما ينسب للمترجم من الأزجال هو له حقيقة وقد كان له رواة يتلقونه منه ويكتبونه عنه، منهم: العلامة السيد محمد غريط، والسيد الحاج قاسم بن المير، والسيد الحاج أحمد الدقيوق وغيرهم، حيث إن المترجم كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، ومع ذلك قد ضمن تلك الأزجال من أنواع فنون البلاغة ودقائق المعانى ما أخرس الفصحاء وأخجل البلغاء وأودعها من الحكم والمواعظ والأمثال ما حير أولى الألباب، وألزم المعاند الحجة. أما تغزلاته فقد أزرت بنسيم الصبا ووسيم الصباح، وكلها إما في الحضرة العلية أو النسمة النبوية، أو الأكابر من الأولياء والصالحين شنشنة فطاحل العرب والصحابة والتابعين وسلف الأمة وخلفها المتقين في تغزلاتهم في أشعارهم الفائقة الرائقة، لا فيما يفهمه بعض الأوغاد من أنه في معين لا يحل، حاشا أهل الفضل والدين من ارتكاب ذلك. والحوم حول ولوج وخيم تلك المسالك. ولو دُوِّن جميع ما قال من الأزجال لجاء في عدة أسفار، ولكنه منه ما لعبت به أيدى الإتلاف، ومنه ما مات بموت حفاظه، ومنه ما حرق على عهد المترجم بإذن منه، وما بقى إنما هو قُلٌّ من كُثْر. مشيخته: أخذ عن الولى الصالح، العارف الفالح، السيد الحاج المختار البقالى المتوفى سابع أو ثامن عشرى صفر عام خمسة وخمسين ومائتين وألف،

وسيدى على بن عبد الرحمن المعروف بالجمل دفين فاس المتوفى عام أربعة وتسعين ومائة وألف لازمه وانتفع بصحبته، وكذا عن شيخ أفاقى اسمه بدر الدين، ومولاى الطيب الوزانى، وسيدى محمد بن أحمد الصقلى المتوفى عام اثنين وثلاثين ومائتين وألف وغيرهم، وكان كثير الزيارة لأبى الأسرار حمادى الحمادى المكناسى المترجم فيما مر. الآخذون عنه منهم: السيد فضول بن عزوز، والسيد فضول السوسى، والسلطان مولاى عبد الرحمن بن هشام، والسيد محمد غريط، والعارف الكبير أبو عبد الله محمد بن عبد الحفيظ الدباغ، والإمام أبو عبد الله محمد صالح الرضوى الذى صح عنه أنه قال: قد كان على سفر ثمانية أعوام بملاقاة رجلين بالمغرب سيدى قدور (بالكاف المعقودة) العلمى، وسيدى عمر بن المكى الشرقى، والبركة الصالح أبو زيد عبد الرحمن بن التهامى الإدريسى الزرهونى، وأبو حامد العربي بن السائح الشرقى دفين الرباط لازمه سنين وانتفع به، حدثنى من وثقت بخبره من الأعلام أنه حدثه بقية السلف في الخلف أبو المواهب عبد الكبير بن محمد الكتانى، أنه حدثه سيدى العربي المذكور برباط الفتح عام سبعة وثلاثمائة وألف، وقد جرى ذكر حديث: إن لله عبادًا من نظر إليهم سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا: أنا سمعته من مولاى عبد القادر بمكناس بلفظ إن لله عبادًا من نظروا إليه نظرة سعد سعاد سعادة لا يشقى بعدها أبدا هـ. قلت: وليس مراده ورود هذا اللفظ عن الرسول، وإنما مراده التعريف بسعة فضل الله واعتنائه بخاصة عباده المتقين، وأنه يؤتى فضله من يشاء، وفى الصحيح إن لله عبادًا لو أقسموا على الله لأبرهم. ومن الآخذين عنه أيضا: الشريف العلامة سيدى محمد بن هاشم العلوى الحرونى وخلق كثيرون.

أزجاله من ذلك قوله متغزلا: قسم الخال غلام عساس فروض منعما ... فيمين حربة إلى أوما كينوا درغام ... من حاده يترك رميم صنع العلام نقط في روض منعما ... حكمت ربى رافع السما ما نزلت بقلام ... كون الله الدايم القديم وجعاب أروم وكوابس للطعن رايما ... فمكاتب كفار ظالم ما تقبل تدمام ... مولوع بالقتل والهجيم والجيد رام ... قدام جليب وهايما ... على العف والطيب قادم شرادت لوهام ... ما نقر الأمان ما تقيم زين المعجم ... العين الشهلا النيما ... وحروف الزين المسقما والبياض تمام ... وصف الزين فصنعت حكيم قامت لعلام ... جبين وغر مبسم ... وخدود كورد ناسما حسن بغير وشام ... صنع الله المالك العظيم لخ وقوله: راح الوقت ولا بقا ... إلا وقت المعانقة ... كب وراورخى وراق والأشجار الباسقة ... والأطيار الناطقة ... عمرت بلغاها أسواق كب الصهبا الخارقا ... في كيسان بنادقا ... من زاج بلاد العراق تظهر خمر بارقة ... فالأوانى شارقة ... كلون سحيق الرهاق لخ

وقوله من إدريسية طويلة: بوجودك يا سراج محفل هل اليقين أسعد الغرب بعد كان فبرج نحيس ... انتصرت ملى النبى وتشهر الدين ... والحق سقام منهج بعد التنكيس وقطع سيف الهدى أرقاب المرتدين بالقهر ولا بقى رهيب ولا قسيس ... نبنات مساجد العباد للمبين ... وفنون العلم بالتلاو والتدريس بوجودك يا لغوث أمولاى إدريس لخ. وقوله في المديح النبوى: ببر كتابك نجا الله من فيضه نوح ... ورد عن يعقوب النبى ضيا الماح وبل أيوب تعافا من أسقام القروح ... وبك عز الله صالح واتشهر صلاح وبك ارتقا ادريس مكان صدق موضوح ... ربك موسى غلب أحبار اليهود دجاح وبلك سليمان تولى الملك مشهور ... وفات لقمان وقيصر وملوك كسرا على الجن والإنس وساير الوحوش منصور ... وكل من درجت به الروح فوق الترا الصلاة والسلام على النبى المبرور ... عدد ما خلق الله ميات ألف مرة بك استجاب الإله لدعوة المسيح وبك عزم ربنا ليوسف بسراح

وبك تفدا النبى إسماعيل الذبيح وبحقك قال هودعز ونجاح ... وبك قال حكمت داوود الفصيح ... وسخر بك صنع زرد وسلاح وطفا الجمر اللهيب بعد كان وقيح عن إبراهيم حق وبرد تلحاح حجب جبريل من لظاها بجناح قسم أنت سبب وجود الارسال يالمرسول ... من على شانك دركت الأنبيا المعالى أنت المامن وأنت مفتاح باب القبول ... وأنت الطود المانع وأنت البحر المالى أنت المؤيد بالحسن الزهى المكمول ... وأنت السراج الناير فبصاير الموالى لبسك ربى حلة من محاسن النور ... فايق الشمس بهاك وزين من القمر والأدرار والنجوم الشارقة والبدور ... والهلال بحسن كمال فليلة عشر الصلاة والسلام على النبى المبرور ... عدد ما خلق الله ميات ألف مرة خلق آدم فيك ولسان إسماعيل وبها يوسف عطاك ومحبة دنيال ... وزهد عيسى الصابر وخلة الخليل ... وشجاعة نوح هابها لك ذو الجلال وشدة موسى الكليم ورضى إسرافيل

وفصاحة لوط وصوت داوود فالتمثال ... وطاعة يونس وعصمة أيوب الفضيل وعلم شيت وزهد يوشع على الكمال وعلوم السابقين والآتى ما زال قسم عرفت وتحققت ويقنت بالمحبوب ... بين أنت كنز الأسرار والمواهب من عظم شأنك نزل في مقام مهيوب ... ومن فضلك جاهك نلت القصد والمراغب الخير فيك وفامتك يا طبيب القلوب ... حديث هذا ظاهر يدريه كل راقب لك شهدت الوحوش الهايمة والطيور ... كيف نطقت بك البكم فكل قفرا وعليك صلات فغمق الماء دواب البحور ... وكلما فالأرضين تلوها وصحرا الصلاة والسلام على النبى المبرور ... عدد ما خلق الله ميات ألف مر من كثر معزتك على الحق المجيب شرف بوجودك أمتك عاتق لرقاب ... ورفع المسخ ونبطل سحر الترهيب ... وصنام الجاحدين خرت على لجناب وخرب سيف الإيمان ملك أهل التكذيب بوجودك يا همام المعجم والعرب ... سعدت مكة وصلحت مدينة يثرب ... والديلم والسودان وساير لنساب

وأصبح دين الإسلام متايد غلاب لخ وقال: هكذا سعفت بصبرى سرور لأيام ... قل دى وقواصمتى وصنت فمى ما قدرت على الصلح ولا نجمت لخصام ... وشغلت مع الدنيا الفانيا فهمى من لغانى يحسبنى من جملة الكرام ... ومن بغضنى ما يعرف غيردى شتمى اخترت قصيد مرسوخ فرق قرطاس ... مديح عجمى ما يدرى فاللغا نغيم كغزالة حضرية من بنات أهل فاس ... معنقة شى عبد من ضنايت الصماصم (آش ما عار عليكم أرجال مكناس ... مشات دارى فحماكم يا أهل الكرايم) يا سر فالناس من بيع لى في الجليا وفرح قلب على محانى وكدارى ... وياسر فالناس من عطف قلب ليا ... واشفق من حالتى وبكاه أغيارى وياسر فالناس من ضحك وظنز فيا يوم فراقى مع أحبابى ووكارى ... وياسر فالناس من فتا الرى عليا ... وزين لى فالخروج من عتبة دارى وامشيت فليلتى من الساعة كارى (قسم) من كثرنى يحبانى إلى نكون في الخير ... يضل وكرى ويبات بجمعهم عامر

شحال من صاحب نوجد وكمن عشير براطل الدار حدير غير تنقت لطير هكذاك أصحابى دار جميع فالكاس من لقانى من عشرانى يهز لى الراس (آش ما عار عليكم أرجال مكناس ... إلى يكون طعامى فكل وقت حاضر ... كيف حوت المشرع يجرى على السنانر ... يوم أصبحت لا مال لا مراسم ... تقول عمرهم ما كناونى بئاسم ... مشات دارى فحماكم يا أهل الكرايم) لحباب إلى كنت نعتادهم يحشم ولى ننحاز لهم يرفد عارى ... أعتاد يخيطو مراى ويشتم ... بكلام أفصح من مزارق ليبارى ونحس بديهم فيا ونكتم ونزين بشرتى ونضحك وندارى ... وطويت القلب الحزين على هم ... وصبرت لما قضى وقدر ليا البارى حد حومة وحد عز في دارى

(قسم) الله يرحم لأشياخ الفايزين لحبار ما أحلى الضيق إلى يوريك طبع لعشار النكد يتفاج ويفوت جمع لغيار يستهل من يبنى سور بغير تلساس ويستهل من يدخل للبحور دون رياس (آش ما عمار عليكم أرجال مكناس ... كل شى خلاوه للحادثين مجهور ... تعود بحبيبك ولى هو عدوك مخبور ... ولا يفاد تغنم بها سنين وشهور ... ويستهل من ينزل للبحور دون صارم ... ويستهل من يسمك لطواد بالسلاقم ... مشات دارى فحماكم يا أهل الكرام) أواه أواه خاب لى الظن فالأصحاب إلى بهم كنت نفخر ونفايش ... فيا خلاو سم لظفار ولنياب بعد نيح وهرنو مثل الهوارش بقلوب أقصح من الحديد ووجوه صلاب أقفال الهند ما تنطرش بمطارش

لسون تقول مرحبا بمجى لا حباب وقلوب مكسر ما تحمل غاوش والله مابقات حرم لدراوش (قسم) لسونهم يجرح وعيونهم يكويو ... وصاعهم يشير للخصم والدعاوى يقيل ويبات مثل الذباب يعويو ... ملوكهم يطلع دغيا بغير جاوى من تدوق عنهم يبداو فيه يدويو ... ويقطع لحم فالساعة بلا جناوى عرفتنى هذا الحز بسيرت الناس ... ويح من لا عتد فمخازن دراهم صحبت فلس زلاغى من قوارط نحاس ... خير من صبحت شر الخلق من بنادم (آش ما عمار عليكم أرجال مكناس ... مشات دار فحماكم أهل الكرايم) أواه أواه وين لولاف العشران وين أصحابى وبن هما صدقانى ... لا وحد منهم يوم الحز بان ... غير تدرق على بلعانى ما عرفونى ما تفكرونى بحسان كينى جيت للمدينة يرانى ... شى منهم ماتلا يلاغنى بلسان ... وشى منهم كل ساعة يلقانى ويفاقدنى الخسيس عنوة فمكانى

(قسم) كيف ننسا تلطامى في دروب مكناس ... وغربتى ومباتى فدكاكن المدارس أعياو بيا الحوانت في سواق لبخاس ... والفنادق وبيوت وساير المجالس عدت فالليل نبات على الحبال عساس ... وفالنهار نظل بباب الدراز جالس امنين حس بياتم اصطبت لجلاس ... رادف عنى بالقهرات والنقايم المبات بالجوع ولا طعام لكناس ... الفقر والغربة ولا صحبة شاتم (آش ما عمار عليكم أرجال مكناس ... مشات دار فحماكم يا أهل الكرايم) فإن أعداى وقصدهم خلاص رشيت ... فسوق أهل الله بعت بنظامى واشتريت ما عرف بين صرخة الله معايا وبر بعد السقام ضرى وتعافيت ... وابلغ قصدى مع ضراغم الولايا وقنعت من الزمان بالقسمة وارضيت ... وكملت مراغبى وقصدى ومنايا ... وفرح قلبى بما أعطانى مولاى وهنيت ولا بقات غمرة فحشايا (قسم) من وقف للمسعى يسعى الديور الكبار ... الكريم يضايف من لابغاه البخيل الحلاوة بالمنة كتدير المرار ... يالطامع فمودة من ارباو فالويل

المغطس فالعر ما يزول العار ... والموتى بالعلة ما يطب العليل فلافسى دهقانى رباوئى الكياس ... مقر مختبر شيخ حكيم ناجم القضى صرفت أحكام وصرت لاباس ... أحمدت بى وشكرت سابغ النعايم (آش ما عمار عليكم أرجال مكناس ... مشات دار فحماكم يا أهل الكرايم) والله ما ضرنى ولا عذب قلبى غير اشفايت الحباب إلى ظنيت أصحاب ... أما أنا فإن مشيت لى ربى ... في كل مكان صرخت لى تصاب بدل رب الكريم بالراح تعبى من دار تكل فالله عمر ما يخاف ... ماحد الحاسدين تتمنا كربى ... والله يزيدنى الأجر والثواب ويكثر عن عداى الحساب والعقاب (قسم) هكذا الدنيا الحارة كتدير للقوم ... وهكذا الدهر مشتت جمع كل لامة يوم شلوق ويوم حلو ويوم زقوم ... ويوم مستعدل بين الطيب والزهامة يبات شمل المرو فحفظ الكريم ملموم ... ويصبح الدهر مشتت الطالب السلامة من مدعلى راس أعداه لا تقول فياس ... يضرب ضربة وبالأخرى يعود عادم يلتقى المرو نشاشبها من كباد القواس ... ولا يلتقى دعوت مظلوم من الظالم

(آش ما علر عليكم أرجال مكناس ... مشات دار فحماكم يا أهل الكرايم) الخير إلى يكون فتباع الجميل فالجوف مدت تورث العلايل ... أصل البخل كثير وأصل الجود قليل ... واحد فميات ألف توجد فاضل كمن عز تبان لك في وجه جميل وعلى راس الشان المشرقى شامل ... قومان تدرك بثياب التفضيل ... وضحات الناس عندهم قاع حتايل ما لازمنى بقربهم نبقى نازل (قسم) كيف يتهدا من يرجاه سيف عزريل ... وضيق القبر وملكين يوم لسئال وكيف تعلى يامن ما زال ترجع ذليل ... يالى قالتل نفس أنت المفضال آش ما قاسك يابنادم ترجع عطيل ... شوف تمغاطك فوق النعش يلذومال بدوك الأول نطفة من ما هطيل نسناس ... واخرك للتربة والدود يالظالم شوف ما تحت لباسك يا كير لدناس ... من العجب لولا الثوب مستر الحشايم (آش ما عمار عليكم أرجال مكناس ... امشات دارى فحماكم يا أهل الكرايم) إلى غير هذا من الأزجال المشتملة على لطائف التسل والحكم ومديح الأولياء والعارفين الأصفياء.

ولادته: ولد بمكناسة الزيتون سنة أربع وخمسين ومائة وألف. وفاته: توفى عن مائة واثنى عشر سنة بداره الكائنة بقعر درب ابن العواد من مكناس، في البيت يمين الداخل قرب فجر يوم الاثنين ليلة سادس عشرى رمضان المعظم عام ستة وستين ومائتين وألف، كما صرح بذلك تلميذه غريط المذكور في رجزه بقوله: حتى قضى بقرب فجر الاثنين ... ليل يوم سادس وعشرين من رمضان ستة وستين ... وألف إثر مائتين ثنتين وصلى عليه بجامع الزيتونة ودفن بدار والده التي صيرها زاوية قيد حياته بحومة أبى الطيب. وهذه الدار هى التي يحكى أن الشيخ كان وكل بعض اللائذين به المظهرين له صدق الولاء من مسلمة بنى إسرائيل، فعمد هذا الوكيل المذكور إلى الدار المذكورة وباعها بغير إذن من المترجم، فلما شعر بذلك أقلقه وأنشأ قصيدته المذكورة ثَمَّ التي يقول فيها: امشات دارى فحماكم يا رجال مكناس لخ ثم ردها الله عليه بعد ذلك، فصيرها زاوية يجتمع فيها مع أصحابه للذكر والعبادة، وكان يلقنهم في أول الأمر قراءة دلائل الخيرات، ثم صار الورد الذى يلقنه هو سورة يس، والصلاة المشيشية صباحا ومساء، وعلى ذلك استمر عملهم، وللمترجم بهذه الزاوية ضريح جليل له بهاء ومهابة، ومعه فيه ضريح أخته السيدة خديجة كانت توفيت قيد حياته فدفنها ثمة. أما دار سكناه التي قدمنا موته بها فلا زال فراشه بها قائما إلى الآن وهو لبدتان كبيرتان من صوف تحتهما حصير والكل فوق طبلة من خشب تعلو من

451 - عبد القادر زين العابدين.

الأرض بنحو شبر وكذا فراش أخته المذكورة لا زال قائما بمحل سكناها منها وهو على نحو الصفة المذكورة. 451 - عبد القادر زين العابدين. عرف بنعبد الله اسما مركبا، وهو اسمه الحقيقي على قاعدة أهل معسكر والحشم، وعرف بسقط لضرب سبع له وهو راكب على فرس، فسقط مجروحا فعرف بسقط من يومئذ. حاله: علامة مسند راوية، قال في فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات في حق المترجم ما لفظه: هذا الرجل هو مسند المغرب الأوسط في وسط القرن المنصرم، له عدة إجازات من المشارقة والمغاربة، لو جمعت لخرجت في مجلد، ومع ذلك ضيعه الناس، ولا يحفظ أهل الغرب الأوسط من شيوخه إلا الشيخ أبا راس المعسكرى. قال عنه الحاج العربي بن عبد القادر المشرفى في ياقوتة النسب الوهاجة: كان حافظا حجة في السيرة النبوية، لا يفوته فيها سؤال وإن أعضل، يحفظ البخارى متنا وسندا، وكذا صحيح مسلم، أعرف أهل زمانه بالتاريخ وأنساب العرب وشيوخ المذهب، طأطأت له العلماء الرءوس ولقى أشياخًا أخذوا عنه وأخذ عنهم وفهرسته تشهد له بذلك هـ. ورد أخيراً على سلطان المغرب سيدنا الجد من قبل الأم المولى عبد الرحمن ابن هشام، وكان يحضر معه مجلس الصحيح، حدثنى بذلك من كان يحضر معهم إذ ذاك وهو العالم المعمر أبو العلاء المولى إدريس بن عبد الهادى العلوى دفين طيبة الطيبة المتوفى عام تسعة وعشرين وثلاثمائة وألف. مشيخته: أخذ عن الشيخ محمد بن محمد بن عرب البنانى المكى المالكى، وعلى بن محمد الميلى، ومحمد بن محمد صالح الشعاب الأنصاري المدنى،

452 - عبد القادر شقيق والدنا ابن عبد الرحمن بن على بن محمد بن عبد المالك بن زيدان بن فخر الملوك إسماعيل

والهادى بن محمد الحسنى ومحمد حسن الميقاتى الإسكندرى، ومحمد سعيد الملقب بدرويش القادرى، وعمر بن عبد الرسول العطار المكى، والشيخ الشنوانى، ومحمد صالح رئيس الزمزمى المكى والقويسنى، وأحمد الدواخلى. قال الشيخ عبد الحى المذكور: وعندى إجازات مشايخه هؤلاء. الآخذون عنه: أخذ عنه إجازة بفاس أبو العباس أحمد بن الطاهر الأزدى المراكشى، وأبو زيد عبد الرحمن بن أحمد الشدادى الفاسى عامة ما له مطلقا بتاريخ سبع وأربعين ومائتين وألف، أخبرنى الشيخ عبد الحى أنه وقف عليها بخطه في كناشة الأول بالمدينة المنورة قال فيها إجازة عامة تتناول من وجد منهما من الأولاد ومن سيوجد منهم من الأحفاد وكل من استجازهما. شعره: من ذلك قوله في مطلع قصيدة مدح بها السلطان المولى عبد الرحمن المذكور: إن المليحة فاس لا يقاس بها ... إيوان كسرى ولا صرح لذى شرج كلها رقائق وحكم وأمثال سر بها الممدوح وأجزل جائزته عليها. وفاته: توفى بمكناسة الزيتون بعد السبعين ومائتين وألف، ودفن بروضة الشيخ أبى عبد الله محمد فتحا ابن عيسى الفهدى المختارى خارج باب السيبة أحد أبواب مكناس. 452 - عبد القادر شقيق والدنا ابن عبد الرحمن بن على بن محمد بن عبد المالك بن زيدان بن فخر الملوك إسماعيل. حاله: فقيه عدل رضى، أستاذ مجود نحوى، لبيب نبيل فاضل، وجيه محاضر، لطيف طريف، لسن كاتب، له خط بارع نسخ عدة كتب فقهية وحديثية ¬

_ 452 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2833.

453 - عبد القادر بن على الحسنى العلوى.

وتاريخية، وكان الإمام بالضريح الإسماعيليّ، ثم أسند إليه السلطان العظيم الشان المولى الحسن التقديم عليه، وقد رشحه قبل ذلك لقضاء مأمورية سلطانية بالقطر السوسى فقضاها وفق ما منه يرام، ثم انتقاه لنسخ بعض المهم من الكتب لجنابه الشريف، وأجرى عليه لذلك جراية ضافية، وكان يؤدب الصبيان في أولية أمره، فتخرج على يديه عدد وافر من حملة القرآن، وكان يتعاطى خطبة الشهادة بسماط العدول، ثم رغب عن الجلوس في السماط والتعاطى إلا في النادر، وعلى ذلك دام إلى أن لبى الداعى؛ وانتقل لوطن الرحمة محمود المساعى. مشيخته: أخذ عن والده، وعن السيد فضول السوسى، والسيد محمد بن عزوز المدعو الهويج، والسيد الطاهر بوحدو، والسيد أحمد بن سودة، وأجاز له والسيد الحاج المختار بن عبد الله، والسيد فضول بن عزوز وغيرهم. الآخذون عنه: منهم شقيقه والدنا رحمه الله، والعدل الشريف مولاى إبراهيم بن عبد الله وجماعة من حملة القرآن، وختصت عليه سلكا من القرآن، وقرأت عليه أوائل الآجرومية وبعض المصنفات العلمية. وفاته: توفى أواخر جمادى الثانية عام واحد وعشرين وثلاثمائة وألف، ودفن حذو أخيه والدى يسار الداخل لضريح أبى زيد المجذوب برد الله ضريح الجميع بمنه. 453 - عبد القادر بن على الحسنى العلوى. نزيل زاوية زرهون. حاله: فقيه مدرس، عدل رضى، كان أحد صدور عدول بلده المبرزين وأحد المنتخبين لقراءة الشفا بالضريح الإدريسى الأنور، عن الأمر السلطانى العزيزى. ¬

_ 453 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2848.

454 - عبد القادر بن المعطى بن العناية

مشيخته: أخذ عن أبى عبد الله بن التهامى الوزانى، وشيخنا ابن الخياط، وشيخنا أبى عبد الله القادرى، وشيخنا أبى العباس أحمد بن الجيلالى وغيرهم. وفاته: توفى عشية الاثنين ثانى جمادى الأولى عام خمسة وعشرين وثلاثمائة وألف، ودفن ضحوة غده بالظهير (¬1) خارج الإدريسية بلده. 454 - عبد القادر بن المعطى بن العناية الغرباوى أصلاً السفيانى المعتكى من أولاد علال المكناسى النشأة والدار والإقبار. حاله: فقيه معدل موقت حيسوبى، له المهارة الكاملة واليد الطولى في ذلك، أستاذ مجود يتقن القراءات السبع، وكان يتعاطى خطبة الإشهاد بفاس الجديد مدة، ثم استخدم ميقاتيا في خلافة السلطان المنعم مولانا يوسف على المحلة التي عينت للنزول على قبيلة الشراردة في دولة السلطان السابق مولانا عبد الحفيظ عام ثمانية وعشرين وثلاثمائة وألف، ثم بعد ذلك رجع لبلده مكناس، وتصدر لتعاطى الشهادة إلى أن أخر عنها في نيف وثلاثين وثلاثمائة وألف، فأقبل على التدريس وتعليم الصبيان. وكان في أول أمره جنديا في العساكر المغربية، وبقى في جملة من بقى من الحرس العسكرى بآية باعمران إحدى القبائل السوسية الشهيرة، ثم تفلت ناجيا بنفسه لبلده مكناس، وانحاش إلى الباشا القائد العربي بن حم، فأجلّه واحترمه، ثم بعد ذلك أقبل على التعلم والأخذ عن الشيوخ بجد واجتهاد، ثم لما عين السلطان مولانا الحسن من نجباء طلحة جيوشه المولوية من يقرأ التوقيت وتوابعه، ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "بالتصغير المقبرة الشهيرة بزرهون". 454 - من مصادر ترجمته: موسوعة أعلام المغرب 8/ 2937.

455 - عبد السلام ابن العلامة الشاذلى بن محمد بن أبى بكر الدلائى.

كان المترجم من جملة من انتخب، فلازم بعزم وحزم، وقريحة وقادة، حتى نبغ وبرع. مشيخته: أخذ عن أبى العباس أحمد العرايشى روضة الأزهار وغيرها مما له تعلق بعلمى التوقيت والتعديل كما أخذ عنه النحو والفقه، وعن سليمان الرغاى المقنع والربع المجيب، وعن محمد شاطر روضة الأزهار، وعن الأستاذ علال بن صالح القراءات السبع، وعن الشيخ الطاهر بوحدو، والشيخ محمد بن حلام، والشيخ الغالى السنتيسى العربية. وفاته: توفى ليلة الجمعة منتصف حجة عام اثنين وأربعين وثلاثمائة وألف، ودفن صبيحته قبل الخطبة. 455 - عبد السلام ابن العلامة الشاذلى بن محمد بن أبى بكر الدلائى. حاله: فقيه علامة، مفتى حافظ حجة، مدرس نفاع، صدر نحرير، حبر نقاد فاضل، ماجد أديب أريب، ناظم ناثر، ولد بزاويتهم بالدلاء وبها نشأ وقرأ وأقرأ، ثم خرج مع والده واستقر بفاس، ثم رحل لمكناس وأقام به مدة وتولى الإمامة والخطبة بجامعها الأعظم، وانتصب للتدريس والإفتاء وتخرج به جماعة. ترجمه في البدور الضاوية بما لفظه: هو الفقيه الجليل، العلامة النبيل. المساجد الأصيل، أبو محمد سيدى عبد السلام بن الشيخ الإمام العلامة سيدى الشاذلى بن الولى الكبير، العارف الشهير، شيخ الإسلام أبى عبد الله سيدى محمد بن سيدنا الشيخ الشهير، القطب الكبير، العلم الراسخ، شيخ المشايخ، سيدى أبى بكر الدلائى أبقى الله بركتهم، وجعل التوفيق يلازم سكونهم وحركتهم، ولد رضى الله عنه ببلادهم بالدلاء وبها نشأ، وأخذ العلم عن والده ¬

_ 455 - من مصادر ترجمته: نشر المثانى في موسوعة أعلام المغرب 4/ 1630.

456 - عبد السلام أبو محمد قاضيها ابن محمد الدلائى البكرى المسناوى.

وجماعة من أقاربه، ودس هناك ونفع وانتفع، ثم خرج مع والده واستقر بفاس، ثم ذهب لمكناسة الزيتون، فأقام بها مدة مديدة. وسنين عديدة. وتولى الإمامة والخطابة بجامعها الأعظم، وانتصب للتدريس والفتيا وتخرج به جماعة، وله رحمه الله أنظام كثيرة؛ وأنثار أدبية أثيرة هـ. وأشار إليه صاحب حدائق الأزهار الندية عند تعرضه لأولاد الشاذلى فقال: ومنهم عبد السلام الصدر ... العالم الأعلى الهمام الحبر الحافظ البحر الفقيه الحجة ... الطاهر الكين في المحجة قد صار مستورا بثوب اللطف ... في عام تسعين بعد الألف ولم يخلف من وليد يذكر ... وللمهيمن البقا مقرر مشيخته: أخذ عن والده، وجماعة من أقاربه، وعنه جماعة ببلده وفاس ومكناس. وفاته: توفى مطعونا ثالث محرم الحرام من عام تسعين وألف بمكناسة الزيتون، قال في البدور الضاوية: وحمل لفاس ودفن بها مع أهليهم بروضتهم المذكورة، يعنى المحل المعروف بالكغادين، قال: وكان والده حيا حين وفاته. 456 - عبد السلام أبو محمد قاضيها ابن محمد الدلائى البكرى المسناوى. حاله: فقيه عالم علامة، محقق دراكة فهامة، خطيب مصقع بليغ نابغة عصره، ويتيمة مصره، تولى خطبة القضاء بالحضرة الهاشمية العلوية المولوية المكناسية ودرس بها وأفاد، ونفع الله به كثيرا من العباد، وقفت على رسم مسجل عليه بتاريخ ثلاثة وعشرين ومائة وألف، ولم أقف على تاريخ وفاته، وغالب ظنى أنه هو الذى قال فيه صاحب حدائق الأزهار الندية ما لفظه:

457 - عبد السلام البيجرى المكناسى.

عبد السلام الطيب الأخلاق ... كالزهر عند فجأة الإشراق وهو فقيه في المراقى سام ... لخطة الأحكام ذو إحكام قام بخطة القضاء فحمد ... كل طريق صنعه وما جحد وهو شهير في الحياة يذكر ... ونجله الطيب بدر أنور 457 - عبد السلام البيجرى المكناسى. حاله: فقيه علامة، بكر زخار، ناقد فاضل مهذب متقن متضلع، قال في حقه صاحب منحة الجبار ما نصه: شيخنا وبلدينا الإمام، الطود الهمام أبو محمد البيجرى سيدى عبد السلام، شيخ حسن التقرير، جيد التعبير، يلحق المبتدى بالمنتهى في الزمان القصير، والأمد اليسير، لازمته نحو الست سنين أخذت عنه فيها المسلم والمختصر المنطقيين، وكان يسرد شرح الشيخ السنوسى على المختصر في ختمتين، أخذتهما عنه ويوشح ذلك بحاشية شيخ الجماعة سيدى أبى على اليوسى، وفوائد أخر من كتب غريبة، ومسائل بخطوط بعض الأئمة المعتبرين عجيبة، وأخذت عنه شرح العلامة المحلى لأصول التاج السبكى أخذاً عجيبًا، وكان يحضر جميع الحواشى وينقل المسائل الغريبة من شروح ابن الحاجب والمنهاج، وأخذت عنه مختصر السعد أخذاً حسنًا، وأخذت عنه كبرى الشيخ السنوسى، وتوفى وقد بقى من الشرح ورقات، وأخذت عنه نظم الخزرجى في العروض، وسمعت عليه أماكن من الألفية لابن مالك منه مباشرة. الآخذون عنه: منهم أبو حامد العربي بن محمد البصرى صاحب المنحة المنقول منها. وفاته: توفى بمكناس آخر صفر عام اثنين وثلاثين ومائة وألف. .

458 - عبد السلام بن أبى يعزى حركات السلاوى.

458 - عبد السلام بن أبى يعزى حركات السَّلاوى. حاله: آية محكمة في التحصيل والإدراك وجودة التعبير، واسع العارضة، فقيه نوازلى، مفت مرجوع له، علامة جليل، مشارك فاضل، محقق لبيب ألمعى، مهذب أريب، ورع خاشع مثيل، تصدر للإفتاء بالعدوتين بلده سلا والرباط، فأحيا بهما ما اندرس، وحل منهما محل السواد من العيون، وأخصبت به البلاد بعد المحول، وولى قضاء مكناسة الزيتون وثغر الصويرة ودرس فيهما وفى غيرهما من البلاد، ونال مكانة شماء لدى الخواص والعوام. ولا سلف لى في كون المترجم ولى قضاء مكناس غير ما جزم به بلديه العلامة المؤرخ الثبت صديقنا أبو عبد الله بن محمد بن على السلاوى الدكالى الأصل في نظمه الآتى، ولم أر ذلك لغيره، ولا وقع لى عثور على خبر ولا أثر ببلدنا بعد البحث الشديد مع قرب زمن المترجم، وحفظ من ولى تلك الخطة القعساء بعاصمتنا المكناسية منذ أعصر خلت قبل زمن المترجم وبعده، وتواتر خطاباتهم والتسجيل عليهم بين طبقات أهل البلد عدول وغيرهم. وقد كان المترجم من جلة الأعلام الذين كانوا بدولة فخر الدولة العلوية بعد جده الإمام الأعظم السلطان سيدى محمد بن عبد الله المنتخبين لحضور مجالسه العلمية، وعرض مؤلفاته العزيزة المنال عليهم، حسبما أومأ إلى ذلك أبو القاسم الزيانى في خاتمة البستان الظريف، وقال في حق بلديه صاحب إتحاف أشراف الملا ما لفظه: ومنهم العلامة المفسر ... عبد السلام حركات الأشهر ابن أبى يعزى النزيه الأورع ... الفاضل المشارك المتبع قاضى مكناس ومفتى العدوتين ... وواحد القطر اعتبارا دون مين

مجالس السلطان في أقرانه ... ذوى المعارف من أهل شانه ومعمل الأفكار فيما ألفا ... برسمه في كل وضع عرفا كان جليل القدر عالى المنزلة ... رقيق قلب خاشعا ما أفضله صحب شيخ وقته الصقلى ... مولانا أحمد الشهير الفضل وظهرت عليه من أنواره ... ما طبق الآفاق من أخباره ونشر الأوراد عنه بسلا ... وبضريح للشريشى نزلا وبهرت أحواله عرفانا ... وجل علمه فعز شانا كان مدرسا فصيحا لسنا ... وأتقن التفسير درسا حسنا لقيه الشيخ أبو إسحاق ... عالم تونس سنا الرفاق وحضر الدرس له بفاس ... فأورد الإشكال في ائتناس عن آية هل نسخت أو محكمة ... أجابه فورا بما قد أفهمه فيما لكل أمة شرعا يخص ... بأنها محكمة حجة نص قضى بصدر ثالث المئينا ... بعيد ألف بسلا دفيتا وولى القضاء في مكناس ... وبالصويرة بلا تناس قلت: الشيخ أبو إسحاق المذكور في النظم، هو الشيخ القدوة الحجة المحقق إبراهيم بن عبد القادر بْنِ إبراهيم الرياحى الطرابلسى شيخ الجماع بتونس المولود -عام ثمانين ومائة وألف المتوفى في سابع عشرى رمضان عام ستة وستين ومائتين وألف، كان هذا الشيخ ورد سفيرًا لسلطان المغرب عام ثمانية عشر ومائتين وألف للامتياز، والسلطان إذ ذاك بحاضرة فاس وحظى لديه بما هو أهل له من التكريم

والإعظام والإجلال والإكبار، ووجهه لزيارة كلية القرويين والاجتماع والتعرف بقادتها المهتدين، فوجد الشيخ المترجم في درسه يُقْرئ التفسير. قال سيدى إبراهيم المذكور: وهو -أى صاحب الترجمة- بكر زاخر ويقول: ألم يتقدم لنا كذا ألم أقل لكم كذا ألم تسمعوا منى كذا من سورة البقرة إلى أن وصل إلى قوله تعالى: {... لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُم شِرعَةً وَمِنْهاجًا ... (48)} [سورة المائدة: آية 48] قال: فتقدمت إليه وقلت له: يا سيدى هذه الآية محكمة أو منسوخة فقال لى: محكمة، فقلت له: ربما تكون دليلا لأهل الكتاب في عدم عموم بعثة النبى - صلى الله عليه وسلم -، فأجابنى بجواب غير مقنع فسكت لأنه رجل مهيب هـ بنقل حفيده صديقنا أبى حفص عمر الرياحى في كتابه تعطير النواحى، والى هذه القضية أشار صاحب إتحاف الملا بقوله: وحضر الدرس الأبيات الثلاثة. وأقول تتميمًا للفائدة: الخطاب في الآية يحتمل أن يكون للأنبياء المشار إليهم في الآية قبل، والمعنى عليه جعلنا لمنبى شريعة ومنهاجا لا يتعداها لغيرها، وهذا الاحتمال لابن عطية واستبعده الشهاب الألوسى، وعليه لا إشكال في الآية بحال، ويحتمل أن الخطاب للأمم الموجودين حال النزول، وهم أهل الكتاب المعاصرون له - صلى الله عليه وسلم -، وفيه احتمالان: أحدهما لكل أى جميعكم جعلنا شرعة واحدة، وهى ما تضمن القرآن تشريعه لهذه الأمة، وكذلك غير القرآن مما جاء به نبيها - صلى الله عليه وسلم - فالجميع مخاطب باتباعه، ولا إشكال أيضا على هذا الاحتمال، وبه فسر مجاهد، الثانى لكل أمة على الأمم الموجودين بانفرادها جعلنا شرعة أى شريعة ومنهاجا، وبهذا فسر الجمهور، واستظهره الشهاب الألوسى، لكن يرد عليه أن ظاهر هذه الآية يقتضى أن كل أمة كلفت بشريعتها فلا تتعداها إلى غيرها، وهذا غير صحيح، إذ جميع الأمم الموجودين حال الخطاب مكلفون باتباع شريعة واحدة، وهى شريعة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وعلى هذا الإشكال دندن الشيخ أبو إسحاق

في سؤاله للمترجم عن الآية، هل هى محكمة أو منسوخة؟ وإن كان في سؤاله قلق لأن الآية سيقت مساق الإخبار الدال عليه لفظ جعل لا الإنشاء. ومن المقرر المعلوم أن الأخبار لا يطرقها النسخ، وإذا كان كذلك فكيف يتوهم نسخها: اللهم إلا أن يقال إن ذلك بالنظر إلى جزء الجملة، أعنى شرعة، لا بالنظر إلى كلها. ويجاب عما في هذا الاحتمال من الإشكال بأن الآية وإن كان ظاهرها ذلك فغيرها يدل على بيان المراد كقوله تعالى: {... لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)} سورة الفرقان: آية 1] وبأن الآية سيقت للإخبار بما مضى كما أشرنا إليه آنفا، أما الآن فلا شريعة إلا الإسلام ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، ولا يدفع كون السياق لما مضى لفظ منكم، لأن الخطاب به للناس، وهو جنس، فالجنس هو المخاطب والله أعلم. ويحتمل أن الخطاب لغير الموجودين كالموجودين، وفيه تغليب المخاطب على غيره، والمعنى عليه لكل من الأمم الماضين والموجودين شرعة، لكن باعتبار الماضى الشرائع المأمور باتباعها مؤقتة، وباعتبار الوجود مؤبدة. مثلا شريعة سيدنا موسى التي هى ما تضمنه التوراة منتهية بشريعة سيدنا عيسى، وشريعة سيدنا عيسى التي هى في الإنجيل منتهية بشريعة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - التي هى القرآن، وكل ما جاء به عليه الصلاة والسلام. مؤلفاته: منها تقييد في مسألة جلسة الحوانيت عنونه بمذاكرة الفضلاء المشاهير في ذكر وجوب تغيير المناكر، في خمس وخمسين صحيفة، وهو موجود بمكتبتنا. وأخبرنى قاضى مكناسة سابقا السيد أحمد بن أبى بكر عواد السلوى أن له حاشية على الزقاقية. وفاته: توفى ببلده سَلاَ، بعد السنة الثامنة عشرة بعد المائتين وألف.

459 - عبد السلام الرامى الزرهونى أصلا الفاسى النشأة والدار.

459 - عبد السلام الرامى الزرهونى أصلا الفاسى النشأة والدار. حاله: فقيه علامة مجود، تعرض لذكره صاحب جمهرة التيجان في عداد تلامذة السلطان مولانا سليمان. مشيخته: أخذ عن السلطان مولانا سليمان وغيره من الأعلام. 460 - عبد السلام بن الحاج محمد بن عمرو. الصنهاجى الأصل، المكناسى النشأة والدار والإقبار. حاله: فقيه علامة، محصل مدرس نفاع، جليل فصيح، حلو العبارة، بين العريكة، له اليد الطولى في النحو، حسن الإلقاء، بحاث نقاد، متضلع في العربية مع مشاركة ما في غيرها من الفنون، رحل لطلب العلم بالحضرة الفاسية وأقام بها مدة حتى حصل على معلومات وافرة، وملكة كاملة، ثم آب لبلده وأكب على التدريس، ثم تولى النيابة في نظارة أحباس الكبرى عن والده. مشيخته: أخذ عن الشيخ الحاج محمد جنون مختصر حاشية الرهونى وغيره ممن هو في طبقته. الآخذون عنه: منهم: أبو المحاسن العربي بن عبد السلام بادو، وأبو زيد عبد الرحمن حميش، وأبو العلاء أحمد بن المهدى الأجراوى، وأبو محمد عبد القادر بن أحمد العرايشى، وأبو عبد الله محمد بن إدريس الشبيهى، وأبو محمد عبد القادر بن المكى الشريف الأمرانى في آخرين. وفاته: توفى ببلده مكناسة الزيتون قيد حياة والده المذكور، وذلك في ثامن حجة الحرام عام عشرين وثلاثمائة وألف. ¬

_ 460 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2830.

461 - عبد السلام بن محمد التازى الرباطى.

461 - عبد السلام بن محمد التازى الرباطى. أمين الأمناء، ورد أبوه من فاس للرباط وبها ولد المترجم. حاله: نشأ بالرباط، وكان في أول أمره ممن يتعاطى التجارة بأروبا، ثم ببلده بعد ذلك، ولما مات أخوه الأكبر السيد محمد التازى سنة 1307 - وكان من المحظوظين عند السلطان المولى الحسن لسابق معرفة بينهما إذ كان أمينا بالصويرة والسلطان لا زال مستخلفا من أبيه على بعض الجيوش بسوس- أسند له المولى الحسن خطته التي هى أمانة الأمناء، ووظيفتها الإشراف على أمناء الثغور والأملاك المخزنية، والمستفاد كما أومأنا لذلك في الترجمة الحسنية فسار فيها سيرة حسنة، وحمد عمله فيها، وكان يرافق السلطان كسائر كبار رجال الدولة في تنقلاته يقيم لإقامة ركابه ويظعن بظعنه بين عواصمه الكبرى مراكش وفاس ومكناس، وكان إذا حل مكناسة سكن بروض العلامة مولاى العباس بن السلطان المولى عبد الرحمن ابن هشام آتى الترجمة الواقع بدرب حمام السلطان إسماعيل جوار الدار التي كانت بها سكنى والدى هنالك، وصار بعد مكتبا لقبض الموظف البلدى على الملاك والزراع والمحترفين من الأهالى والأجانب وغير ذلك، وقد كان بين المترجم ووالدى صفاء حب رحم الله الجميع. ولما توفى السلطان وبويع للمولى عبد العزيز وانقلبت الأحوال بالوزير الجامعى وأخيه، وتولى الوزارة أحمد بن موسى، بقى على وظيفه غير منازع فيه ولا مدافع، واستمر التعاون بينهما على تسيير شئون الدولة، ذاك في صدارته وداخليته، وهذا في مراسيه وماليته، والمسفيوى على عدليته وشكايته، إلى أن توفى الوزير المذكور بمراكش والمترجم مريض بها، فلما أبل من سقمه ورأى أمارات الاختلال وسوء الأحوال؛ وتصدر الإعجاز؛ والتباس الحقيقة بالمجاز؛ فضل ¬

_ 461 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2848.

الانسحاب معتذرا بالعجز والضعف وكبر السن، وقصد الحج الواجب فقبل السلطان عذره وأعفاه مع الإكرام والاحترام واعتباره كأنه لا زال قائما بوظيفه راعيا لسالف خدمته. ونص ظهير الإعفاء بعد الحمدلة والصلاة والطابع السلطانى الكبير بداخله (عبد العزيز بن الحسن بن محمد): "يعلم من كتابنا هذا أسمى الله قدره، وأعز أمره، أننا بحول الله وقوته، وجزيل منته، أعفينا ماسكه خديمنا الأرضى الأمين الطالب عبد السلام التازى من الخدمة بأعتابنا الشريفة وأرحناه منها لما اعتذر به من العجز والضعف وكبر السن، وقبلنا عذره، وأبقيناه مسربلا بسربال التوقير والتعظيم والإجلال والتكريم، وأقررناه على ما عهد له حالة تلبسه بالخدمة من المراعاة والاعتبار؛ والملاحظة بعين الاحترام والوقار؛ كأنه لا زال قائما فيها وملتبسا بها أو أكثر، رعيا لسالف خدمته، وصدقه ونصيحته؛ وألحقنا به في ذلك كله قرابته وأصهاره وأصحابه فلا سبيل لمن يريد التوصل إليهم بمكروه، أو يمد لهم يد الترامى والتعدى في وجه من الوجوه، ونأمر الواقف عليه من عمالنا وولاة أمرنا بأعمال عوامله وإجرائه على مقتضاها وعدم مجاوزة أحكامه إلى ما سواها، والسلام صدر به أمرنا المعتز بالله في 20 ربيع النبوى عام 1318". وقد جاء هذا الظهير بما اشتمل عليه من الرعاية بعين الاعتبار مجددا ومؤكدا لظهير شريف عزيزى منيف تقدمه، نصه: "يعلم من هذا المسطور الكريم، المقابل أمره بالإجلال والتعظيم، أبقاه الله في إكليل المعالى درة، وفى جبين الدهر غرة؛ أننا بحول من لم يزل مسدلا جلباب الامتنان والإفضال، مسبغا أياديه على التوال، أسدلنا على ماسكه خديمنا وخديم سيدنا قدسه الله الأمين الأرضى الأنصح الأفلح الأنجح، الطالب عبد السلام بن

الحاج محمد التازى الرباطى أردية التوقير الضافية؛ وأوردناه من معين التعظيم والاحترام المناهل الصافية، ولاحظناه بعين الاعتبار، وأرتعناه في رياض الاصطفا والتقريب في سائر الأطوار، وأجرينا أولاده أصلحهم الله وأخويه الحاج محمد والحاج محمد وابن أخيه الحاج محمد بن أحمد وأصهاره مجراه في جميع ذلك، وسلكنا بجمعهم تلك المسالك؛ فلا يطالبون بجليل ولا حقير، ولا نقير ولا قطمير. وزدناهم من التخصيص والتقريب ما يدل على علو مكانتهم، وسمو منزلتهم، ومنحنا بناءهم الوثيق بمحبة جانبنا العلى بالله، وانقطاعهم لخدمتنا الشريفة تأسيسا، ووهبناهم من مزيد الحظوة ما تكون لهم به آية على ممر الدهور تنويعا وتجنيسا، فلا يروع لهم سرب، ولا يكدر لهم شرب، ومن حام حماهم بما ينقص، قال منا بحول الله ما ينغص، رعيا لخدمتهم، وصدقهم في أمانتهم، وانقطاعهم إلى على جنابنا بكليتهم، فنأمر الواقف عليه من سائر عمالنا؛ وولاة أمرنا، أن يعلم ذلك ويجريهم على مقتضاه، ويقف عند حده ومنتهاه، صدر به أمرنا المعتز بالله تعالى في 4 ربيع النبوى عام 1312". وفى نفس السنة توجه لأداء فريضة الحج وسنة الزيارة ولما رجع لمستقره عاد قال تجارته مستقرا في بلدته، إلى أن دعاه السلطان لفاس في جمادى الأولى سنة 1322، وقلده النيابة عن جنابه الشريف بثغر طنجة مقر السفراء الأجانب بدلا من الطريس الذى كتب له ظهير الإعفاء لحالته الصحية، ولفظه كما بكناش بمكتبتنا الزيدانية: "خديمنا الأرضى الحاج محمد الطريس، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله.

وبعد: فإننا على يقين من إنفاقك نفائس عمرك في صدق خدمة جنابنا الشريف منذ سنين، وتمسكك فيها بحبل متانة الدين، واستفراغك طاقة وسعك بجد وصفاء طوية وحسن يقين، كما أننا على بال من تشوفاتك السابقة غير ما مرة بالرغبة في إراحتك من مشقة التكليف برياسة دار نيابتنا السعيدة بطنجة، حرسها الله معتذرا بكبر السن ووهن العظم وضعف القوى عن تحمل أعباء ذلك المنصب الأهم، وكان يصدر لك الجواب بما يسليك عن مكابدة تلك المشاق، ويحملك على الصبر ولزوم القيام بذلك الواجب، الذى هو أهم ما تطوق به الأعناق، والوعد بمساعدتك في الإبان الذى يقتضيه الحال، ويترجح فيه من يكون بدلا عنك في رياسة تلك الأشغال. وقد اقتضى نظرنا الشريف الآن إجابة طلبتك، وإسعاف رغبتك، وفاء بوعدنا السابق، وشفقة عليك من تحمل ما لا يطيقه تزايد الضعف اللاحق، ومجازاة لك باغتنامك جمع شملك في بلدك، وتفرغك للزيادة فيما يرضى الله ورسوله بقية عمرك، فأرحناك من ذلك التكليف، عن رضى من خاطر جنابنا الشريف، وعينا الخديم الأرضى الحاج عبد السلام التازى الرباطى بدلا عنك في القيام بذلك الوظيف، فنأمرك أن تمكنه من جميع ما على يدك من الشروط والأوفاق والضوابط والمكاتب والكنانيش والتقاييد وجميع ما راج على يدك في مدة تكليفك من أشغال دار نيابتنا السعيدة ومتعلقاتها، وأن تبصره كل ما يقتضى الحال اطلاعه عليه، وأن تبين له القضايا التي لا زال الكلام يروج فيها، وما آلت إليه المباشرة في كل واحدة منها، وما يتعلق بها ليكون على بصيرة في إتمام مباشرتها على الوجه المتعين فيها، وأذنا لك بعد ذلك في التوجه لبلدك مثابا مأجورا متفيئا في ظلال رضا الله ورسوله ورضانا ملحوظا مسرورا، والسلام لخ". وعاد المترجم للرباط للنظر في أموره الشخصية والاستعداد للتوجه لمقر

مأموريته الرسمية، فدخله في موكب رسمى حيته فيه مدافع العدوتين، مملوء العيبة بالظهائر السلطانية المخاطب بها أمناء المراسى والعمال والقواد والقضاة وغيرهم من الولاة، إعلاما لهم بنيابته ليسيروا معه سيرتهم مع سلفه، ثم تطورت الأحوال وتتابعت الحوادث والمؤامرات بعضها خارجى أجنبى وبعضها داخلى مغربى مما قدمنا بعضه في ترجمة الوزير أحمد بن موسى، كل ذلك والمترجم مقيم ببلده إلى أن اخترمته المنية، وإليك أمثلة من الظهائر المتعلقة بنيابته ما خوطب به الطريس: "خديمنا الأرضى الحاج محمد الطريس، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: فنأمرك أن تدفع لخديمنا الأرضى النائب الحاج عبد السلام التازى سائر أملاك المخزن بطنجة المحروسة التي من شأنها أن تكون على يد المكلف بوظيف النيابى حتى يتمكن من جميعها ويتبصر فيها على القاعدة في ذلك، أعانك الله وأنابك والسلام في 3 رجب عام 1322". ونص آخر: "خديمنا الأرضى الأنصح الحاج محمد بن العربي الطريس، وفقك الله، سلام عليك ورحمة الله وبركاته. وبعد: فنأمرك أن تمكن الخديم النائب الحاج عبد السلام التازى المعين مكانك من التصرف فيما كنت قائما به من التكليف بشؤون النيابة السعيدة، وتسلم إليه جميع ما تحت يدلّ من المكاتب الشريفة، وشروط الأجناس والكنطردات والكنانيش وخطوط اليد، وعقد الطرفاية، ومنار اشغار، ومحل عسة البابورات، والمراكب وما راج في قضية جزيرة جبل المعدنوس وغير ذلك مما تصرفت فيه مدة خدمتك، وكذا مما حزته من النائب قبلك الخديم الطالب محمد بركاش رحمه الله، كما نأمرك أن تدفع للنائب المعين المذكور تقييدًا ببيان الدعاوى التي لا زلت

تباشر أمرها، وما راج في كل منها، ليبنى عمله فيما كلف على يقين، وينتهج في ذلك مناهج الاقتداء بسيرتك المحمودة ونصحك المبين، والسلام في 5 رجب الفرد الحرام عام 1322". وهناك ظهائر شريفة أخرى مما خوطب به قاضى تطوان السيد محمد أفيلال، وقاضى طنجة السيد محمد بن عبد القادر بن سودة، وقاضى العرائش السيد إبراهيم الصقلى، وقاضى الرباط السيد أحمد بنانى، وقاضى الدار البيضاء السيد محمد بنانى، وقاضى أزمور السيد إدريس بن بوعبيد، وقاضى الجديدة السيد محمد الدويرى، وقاضى آسفى السيد محمد بن سليمان، وقاضى الصويرة السيد محمد بن الطالب الفاسى، وكذلك ما خوطب به أمناء مراسيها وعمالها كالسيد عبد الله بن سعيد، والسيد أحمد السويسى، والحاج محمد بن يحيى الجديدى، والقائد حمزة بن هيمة، والحاج الوعدودى الأزمورى وخليفة عياد القايد المنبهى بالصويرة، وعيسى بن عمر العبدى، وقدور بن الغازى، ومحمد بن قاسم المختارى، وأحمد بن العربي المديونى. وقد كان المترجم له من أمثل أهل عصره وأنقاهم سيرة، وأنصحهم وأكثرهم اهتماما بمصالح المسلمين عموما وخصوصا، مع التفانى في الإحسان والبذل للمحتاجين والضعفاء، والتغالى في حب آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، وتعظيم العلماء، ومراعاة ذوى البيوت، والسعى في نفعهم بقدر الإمكان. ويكتفى هنا بشهادة العلماء والأعلام من جنوب المغرب وشماله ووسطه بل وبعض الأجانب من الفرنجة له بحسن السيرة والصدق والإخلاص، فمن الأول شيخ الجماعة العلامة السيد محمد بن إبراهيم السباعى مفتى مراكش المتوفى سادس رجب عام 1332 فإنه قال في كتابه: البستان الجامع لكل نوع حسن الذى ألفه بأمر من السلطان المولى الحسن لما ذكر أخبار سنة 1307 وإقامة السلطان بفاس:

"وفى مدة هذه الإقامة وأثنائها توفى أمين الأمناء ورئيسهم القاعدة العظمى الذى عليه المدار في معظم الأمور، وإليه مرجع مهمات تدبير خراج الملك، وعن أمره في جميعها الإيراد والصدور، الأمين السيد محمد التازى المُوخَى، يُعرَف. توفى في غرة رمضان من تلك السنة وكان لتشييعه ورمسه ودفنه مشهد عظيم، وجمع حفيل جسيم؛ ودفن بالزاوية الصقلية من فاس. وفى يوم دفنه دخل لحضرة فاس أخوه الأمين الأنصح، الكيس الأفلح، ذو التدبير الحسن والرأى الأنجح؛ والخلق الأفسح؛ السيد عبد السلام التازى فأقيم مقامه؛ ورفع السلطان مقامه، لما علم من خلوص تلك الشنشنة الأخزمية، وخالص صفاء تلك السريرة، وكونهما فرسى رهان في حسن السيرة، فكل منهما في جانب ما أسند إليه وغيره من مهمات أمور الملك على غاية ما ينبغى من النصيحة، من حسن التدبير وصالح السياسة والآراء الصحيحة، على ما بلغنا من طريق التواتر مع متانة الدين، وصلاح القصد والاقتصاد المتين، إلا أن الذى بلغنا أن الأمين السيد عبد السلام أوسع صدرًا أو أكثر صبرًا، من أخيه وفاقه في سعة الخلق وحسن الخليقة، وأكثر منه تحملا وألين طبيعة وعريكة، هذا على ما نقل إلينا بالتواتر الذى هو أعلى مراتب الشهادة، وإلا فالعبيد صاحب هذا التقييد ما رآهما قط ولا رأياه، ولا عرفهما ولا عرفاه؛ إلا بالسماع نعم: فالناس أكيس من أن يحمدوا رجلا ... من غير أن يجد آثار إحسان". هـ بلفظه مع ما عرف غنه من المعارضة وعدم المبالاة بالولاة وذوى النفوذ بل وذمه لوزراء عصره غير المسفيوى وموسى. ومن الثانى المشرفى في الحلل البهية، فإنه قال لما ذكر وفاة الوزير أحمد بن موسى والانقلاب الحادث بعدها: إن وزير المالية الحاج عبد السلام موخى التازى الرباطى لما رأى ما صار إليه الأمر بعد موت الوزير من ارتكاب المجون والموافق

عليها ناصح ملحوظ، والناكر غاش في زوايا الإهمال مسجون، طلب من السلطان الإقالة من توليته معتذرا بذهابه لبيت الله الحرام، فأقاله لذلك السبب الظاهر وذهب بسلام؛ وهو من كمال عقله وديانته، وسديد رأيه ومروءته، ونتيجة صدقه وأمانته هـ منه. ومن الثالث قول الأديب الكبير العلامة أبى العباس أحمد جسوس الرباطى فيه من قصيدة: ذاك العقول إذا كبت آراؤهم ... أضحى العويص برأيه مفتوحا إن عدت الأمثال كان أجلها ... بل نورها وسواه كان الشيحا أس الوقار ومنبع المجد الذى ... تلقى مكان الحمد فيه فسيحا وقال الدكتور (فيسربر) خليفة مدير البنك المخزنى والمراقب المدنى تشريفا من محاضرة ألقاها في نادى دروس الضباط عام 1928 موضوعها (المغرب منذ ثلاثين سنة): "إن أمين الأمناء السعيد عبد السلام التازى جاب كثيرا أقطار أروبا، وكان معجبا بنفسه يلفت الأنظار بهيئته، وله شعر على صدغيه، ويجعل على إحدى عينيه زجاجة (¬1)، فكان بهذه الهيئة يشبه بكيفية عجيبة للمسيو جول فيرى، فهو الذى كنت أخاطبه في أداء راتبى ولم ألق في ذلك أدنى صعوبة منه، بل أرسل إليه التواصيل فيبعث إلى أكياسا فيها ريالات". وفاته: توفى ليلة الخميس 27 صفر عام 1325، ودفن بالزاوية الناصرية من بلده رباط الفتح، وله فيها ذكر جميل وثناء عاطر طيب. ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "بل عليهما معا عند القراءة".

462 - عبد السلام بن محمد فتحا بن عبد الله بن الطاهر الأمرانى.

462 - عبد السلام بن محمد فتحا بن عبد الله بن الطاهر الأمرَانى. وقد تقدم رفع عمود نسبه في ترجمة والده وأخويه في حَرفَي الكاف والميم. حاله: فقيه أديب، دين خير فاضل، وجيه نزيه، صدر رئيس سياسى مذاكر مطلع على أخبار من مضى وسيرهم وأحوالهم، له اعتناء كبير بمطالعة التواريخ والسير وكتب الأدب، لا تجد في كتبه كتابا من الكتب المذكورة الأغانى فما دونه إلا وهو مملوء الهوامش بالتوقيفات والتنبيه على المهمات، كاتب بارع، لطيف الإنشاء، جزل المعانى، جواد كريم مفضال معظم محبوب. صاهره السلطان سيدى محمد بأخته ثم بعد أن لبت داعى مولاها صاهره نجله السلطان المقدس مولانا الحسن بأخته أيضا، وكان يرشحه للمهمات ويعقد له على الجيوش، وقدمه في البعوث وبالأخص للقبائل البربرية لما يعلمه فيه من السياسة وحسن التدبير، والتنازل مع الكبير والصغير، وكان لا يرجع إلا منصور الراية من غير إيقاد نار فتنة ولا إيثار هرج ولا مرج، وكان يرافق ركابه في حركاته وتنقلاته، وقد حضر وفاته بدار ولد زيدوح حسبما وقفت على ذلك في رسالة كتبها لأخيه المولى الكامل سابق الترجمة، يصف فيها مرض السلطان ووفاته، وبيعة المولى عبد العزيز، رأيت إدراجها هنا إذ كان صاحبها شاهد عيان ونصها من خطه: "حفظ الله بمنه أخى مولاى عبد الله الكامل الأمرانى ورعاه، وسلام عليكم وحمة الله وبركاته. وبعد: عظم الله أجرنا وأجركم في مولانا أمير المؤمنين مولانا الحسين قدس الله روحه، وأسكنه من الجنان فسيحه، فيا لها من مصيبة ما أعظمها، وبشارة ما ¬

_ 462 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2857.

أمرها، إنا لله وإنا إليه راجعون، توفى قدس الله روحه ليلة الخميس ثالث الحجة بدار ولد زيدوح، وذلك أننا لما خيمنا بها يوم الثلاثاء 23 قعدة كان محسوسا، ثم خرج يوم الأربعاء على المادة ثم أقام الخميس والجمعة لم يخرج، ثم خرج صبيحة السبت بكرة وصبيحة الأحد وصبيحة الاثنين كذلك، وما قطع الخروج بكرة حتى لقى الله، غير أنه يمكث نحو نصف ساعة أو ربع ساعة ويتلاقى بالمكلفين ثم يرجع لمحله إلى يوم الأربعاء ثانى قعدة (كذا بخطه والصواب حجة ليلئتم مع ما قبله) خرج قبل الشروق وجلس بالصوان ربع ساعة واشتد به الحال ودخل، وظل كذلك إلى الحادية عشر من ليلة الخميس قضى عليه، وقدم على ربه أكرم الأكرمين رحمه الله وألحقنا به مسلمين تائبين آمنين. ثم كتم المكلفون موته، ولم يعلم به أحد إلا خاصة الخاصة، واجتمعوا ليلا واتفقوا على الرحيل والنهوض من بلاد بنى موسى والخروج من القطر التادلى، فأدخل رحمه الله المحفة، وأغلقت عليه وحملت على القاعدة المعلومة، وأحدق بها من كان يحاذيها على العادة ورجعنا القهقرى، وعبرنا وادى أم الربيع من مشرع ترماست، وجددنا في السير إلى البروج خيمنا بها عند الزوال، ونصبت الأخبية واستقر القرار بالمحلة ريثما استرحنا واجتمع الناس، فبعث خلفنا وخلف غيرنا من أعيان المحلة شرفاء وفقهاء وكتاب وعمال الجيوش والقبائل والرؤساء واجتمع الكل بالجامع، فتصدى للكلام الفقيه الحاجب السيد أحمد، وقائد المشور القائد إدريس ابن العلام، والوزير الحاج المعطى، والسيد محمد الصغير، والسيد على المسفيوى وغيره، فأعلنوا بموت السلطان رحمه الله، وعزى الناس بعضهم بعضا في مصابهم به، وأعلنوا بنصر نجله الأسعد مولاى عبد العزيز حفظه الله. وأذعن الجميع لبيعته، وضربت الطبول والأبواق والموسيقى، وقام المنادى يبرح في المحلة وغيرها بنصره وتأييده، وأول من بايع إخوانه مولاى الكبير،

ومولاى حفيد، ثم أعمام والده منهم مولاى الأمين، ومولاى عبد القادر، ومولاى عبد المالك ثم أعيان دار مولاى عبد الله، منهم: سيدى الكبير بن خالنا مولاى عبد الرحمن، وأخيه مولاى المصطفى وغيره، ثم العبيد المذنبين، ثم سائر الأعيان والقواد والقبائل أسعد الله به الأمة وشد أزره وأعانه على ما ولاه. وعليه أوصيك بالسمع والطاعة والدخول فيما دخلت فيه جماة المسلمين، والزم قعر بيتك، ولا تخض مع من خاض حتى يجمعنا الله بالسلامة والعافية، ومولانا عبد العزيز من قد علمت، ولنا فيه من الحظ الأوفر ما ليس لغيرنا فالله يسعد المسلمين به ويجمع كلمتهم عليه والسلام". وبظهر الرسالة: ثم اشتغل الناس بتجهيز أمير المؤمنين رحمه الله، وبعد الفراغ يحمل لمراكشة بل لرباط الفتح مع المحلة وبها يدفن تغمده الله بالرحمة والرضا والرضوان، وساعته كان أخونا حفظه الله بباب أفراق، فبعث البطاقة الواصلة إليك طيه، يحضنى على الكتابة إليك بعد المشافهة بضمنه والعاقل لا يعقل، والنبيه لا ينبه، وأما العزائب التي بسائس فلا تترك فيها ما يخشى عليه من ذوات الأربع والماشية وغير ذلك، ومن بها من الإماء كجوهرة وغيرها ابعثهم لمكناس، أو عندك بفاس، واترك بالدار من يدخل ويخرج ويجدد المزراك مع البرابر والجيران من الأعراب، وما في الرزق يصل وما ضاع خلفه على الله والأمر لله، وأرح نفسك من التدبير واطلب من الله السلامة والعافية، واحمد الله عليها، نطلب الله أن يجمع الشمل بكم في قريب جمع سلامة وعافية، إنه سميع مجيب، وأسلم على سيدتنا الشريفة الجليلة وأعزيها في مولانا أمير المؤمنين والسلام عشية الخميس ثالث قعدة (¬1) متم 1311 عبد السلام لطف الله به". ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "كذا وتقدم صوابه".

وكان المولى عبد العزيز يقدمه على الجيوش ويبعثه للقبائل كما كان والده يرشحه لمثل ذلك، ومن الوثائق الدالة على ذلك ظهير شريف كتبه المولى عبد العزيز إليه بإمضاء أمانه لبنى مستارة بعد الإيقاع بهم، ونصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع الصغير بداخله (عبد العزيز بن الحسن الله وليه ومولاه): "ابن عمنا الأرضى مولاى عبد السلام الأمرانى، سددك الله وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: وصل كتابك بما فتح الله به من الظفر بفساد جبالة بنى مستارة وهم بنو يمل وبنو قيس، وقضاء الغرض فيهم واستئصالهم وتخريب حصونهم وتفريقهم في الأوعار مذمومين، وعلمنا ما عزمت عليه من الأخذ في استئصال الباقين لما بينته، وما أخبرك به كبير الزاوية عندهم السيد محمد بن الطاهر من بلوغ العقوبة فيهم حدها، وتشوف باقيهم للفرار من البلاد لما خامرهم من الرعب وما أجبته به من الأمان عليهم، ورفعك العسكر عنهم ليعمروا بلادهم كما بكتابه الذى وجهت وصار بالبال، أصلحك الله وأعانك، وما حل بهم كله بسبب ما اقترفوه، إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وقد صادف البلاء فيهم محله، وقد أمضينا تأمينك عليهم لأجل تعمير بلادهم، ونأمرك أن تجد في مطالبتهم وغيرهم من القبائل بأداء الموظف عليهم وإزعاجهم لذلك، ثم ما اقتضته المصلحة بعد تنصيص الموظف يكون الإقدام عليه إذ التربية والزجر لذوى الجرائم مطلوب والسلام في 22 محرم الحرام عام 1320". ونص آخر في الربط على الأخماس: "ابن عمنا الأرضى مولانا عبد السلام الأمرانى وفقك الله، سلام عليك ورحمة الله.

وبعد: وصل كتابك بأنك بصدد الربط على فساد الأخماس والتضييق بهم واخترت المرور على طريق بنى زروال لسهولتها وقربها، والتخييم عليهم ببنى قاسم من بنى زروال، على أن لا تكلفهم بشئ ليكونوا لكم إعانة عليهم، وطلبت تأخير عاملهم الحسن بن الطاهر لما شرحته من حاله وتولية الحسن الأكتامى، لما وصفته به من النجدة وصار بالبال، فحيث ترجح عندك المرور على طريق بنى زروال، فلا تعدل عن الراجح إلى المرجوح، والأكتامى قد وليناه على إخوانه وهو على سفر، والسلام في 15 جمادى الأولى عام 1320". ونص ثالث في قضية محمى: "ابن عمنا الأرضى مولاى عبد السلام الأمرانى، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: فقد رفع لأعتابنا الشريفة التهامى السلوى أصلا القصرى دارا محمى المركان شكايته بهجوم المذكورين طرته على صاحبه المخالط محمد بن بوسلهام، ولد الرحلة ونهبهم له ثمانية وعشرين رأسا من البقر، وعليه فنأمرك أن تعمل البحث عن الواقع بمحل النهب، وإن صح الهجوم فحقق بيان المنهوب عددا ونوعا والفعال لذلك، وبيان ما هو للشاكى من ذلك، وما هو لمحمد بن بوسلهام، والزم كل واحد من العمال استخراج ما ناب إخوانه ودفع ذلك لأربابه وإيقاع الإبراء بالعدول، وقد أصدرنا أوامرنا الشريفة للعمال المذكورين بالتنفيذ، وها هى تصلك طيه والسلام في 23 جمادى الأولى عام 1320" صح من أصله كسابقيه. والأشخاص المشار إليهم بالطرة هم: سلام الكبوس القيطونى، والقريش الزواكى، وولد الغياثى المستارى، وأحمد اليملى، وبوشتى المعضاضى.

ونص رابع في قضية أبى حمارة: "ابن عمنا الأرضى، مولاى عبد السلام الأمرانى، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وبعد: فقد أخبر أخونا مولاى الكبير بأن الفاسد الفتان قد عاد للدخول إلى تازا، وتحقق لنا أن ذلك إنما هو من التراخى الواقع منه ومنك، لكون المحلتين اللتين معكما موفورتين وفيهما أزيد من الخمسة آلاف من العسكر، فكيف يتصور معهما إقدامه على تازا وجرأته عليها مع كونكم بمرأى منه ومسمع، فلو لم يظهر للفساد الذين معه التراخى لما تجرءوا على ذلك، وعليه فنأمرك أن تقوم على ساق الجد في محاصرة الفاسد المذكور، وانتهاز فرصة الظفر به، والتشمير عن ساعد التيقظ والحزم في أمره حتى يقضى الغرض فيه، ويقع الظفر به بنفسه، فلا يقبل منك بعد هذا تعلل بشئ في تحصيله، لأن العدد معكم مقوم موفور. وقد أصدرنا أمرنا الشريف لأخينا مولاى الكبير، بأن يكون عند إشارتك في كل ما تشير عليه به، ووجهنا لك خديمنا الأنجد القائد عباس بن المعروفى مع خمسمائة من الخيل صحبته، ردءا لكم وتعضيدا، وأمرناه بالكون عند إشارتك أيضا بحيث لا يبقى عذر لمعتذر، فلتأخذ بالحزم، وشمر عن ساعد العزم أعانكم الله وقضى الغرض بكم، وها نحن في انتظار ما يبلغنا عنكم والسلام في 18 شعبان 1320" صح من أصله. وكان أول أمره يتعاطى بالعدالة بالعاصمة المكناسية والخطبة بجامعها العتيق مدة، ثم تخلى عن ذلك كله، ثم لما خلع أهل فاس ربقة طاعة السلطان مولاى عبد العزيز من أعناقهم وكثر الهرج والمرج، وكان المولى عبد الحفيظ قد دعا لنفسه وبايعته القبائل الحوزية، واشتدت عصبيته، ومالت قلوب الناس إليه، قام المترجم في ذلك على ساق، حتى قلد بيعته الأعناق، بعد أن خلع المولى عبد العزيز،

وكتب بذلك لعامل عاصمتنا المكناسية وسائر القبائل البربرية وندبهم لمبايعة المولى عبد الحفيظ والدخول فيما دخل فيه أهل فاس وغيرهم من القبائل الحوزية، وأبدى ما استوجب به المولى عبد العزيز خلع بيعته من الأعناق، وأن الأولى بالقيام بالأمر من بعده هو المولى عبد الحفيظ لجمعه لشروط الإمامة ولمبايعة أهل الحوز له، ولاشتداد عصبيته، ولما في المسارعة لذلك من حقن الدماء، وإخماد نيران الفتن المضرمة تحت التقاعس عن ذلك لتحفز الغير للوثوب فلم يسع أهل مكناس إلا المسارعة للدخول فيما دخل فيها الناس. ثم لما تم الأمر على ما سنورده في محله بعد بحول الله، اجتمعت كلمة أهل فاس على إزالة الشريف البركة مولاى على بن السلطان سيدى محمد عن منصب الخلافة عن السلطان، حيث كان الولى عبد العزيز رشحه لذلك عند نهوضه من فاس، قاصدا رباط الفتح، عندما تحقق لديه قيام أخيه المولى عبد الحفيظ ونهوضه عن عاصمة الجنوب مع زعمائها من القواد والرؤساء والأعيان، ووجهتهم عاصمتا فاس ومكناس. وبعد نزع المولى على عن منصبه تولاه المترجم، وهو الذى كان يسوس الأمور ويدبرها مع الحواضر والبوادى من بربر وعرب، وكان للكل به الثقة الكاملة لما علموه من صدقه وأمانته ومحبته الخير للقوى والضعيف والمشروف، ولما يعلمون من صدق ولاء البربر له، وأنهم لا يتعدون إشارته، ولم يزل قائما ومدافعا ومسكنا للروعات إلى أن وصل المولى عبد الحفيظ مؤيدا منصوراً فأبقاه ظاهرا على حاله يتربص به الدوائر، وصاهر أنجاله الثلاثة أبا العلاء إدريس، وأبا عثمان سعيد، والمولى بناصر بأخواف، والمترجم مع ذلك كله لم يغتر، بل يتيقن أن السم في ذلك العسل إذ قديما حنكته التجارب وحنكها.

مشيخته: أخذ عن مختصر الرهونى، ومولاى محمد القاضى، والمولى عبد المالك الضرير، والسيد أحمد بنانى كلا وغيرهم من محققى الأعلام. نثره: من ذلك ما وقفت عليه بخطه ومنه نقلت وإليك لفظه: إلى خديم حاجته، وأسير شهوته، من ليس له في البسيطة ود من قاص ودانى، محمد بن حم الزيانى، سلام تتوالى نفحاته؛ ورحمة الله وبركاته على من بالعهود وفى، وسلك في سره وجهره سيرة الحنفا، وبعد فقد ملأ الأذهان، بعد ما طرق الآذان، أنك عزمت على شق العصا، فويلك ثم يا ويل من حواليك إن بلغ ما ثقل عنك هنالك، أما علمت أن هفوة العامة كغصة الطعام، وهفوة الخاصة كغصة الماء، لا دواء لها، ولعمرى لقد تصديت لمقتك، وسعيت بظلفك لحتفك، وأيم الله لقد زلت أقدامك، وطاشت سهامك، شعر: وقل للذى سامى الملوك تعاندا ... فهل تعبر اللجات ويحك بالسبح وعما قريب يتلى عليك وعلى رهطك قوله سبحانه (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة) الآية ولنا موقف بين يدى الله مع من قرأها إن لم يقرأها عليه قراءة إفهام، لعله يتذكر أو يخشى والسلام" هـ. ولادته: ولد بفاس سنة خمسين ومائتين وألف. وفاته: توفى بفاس عام سبعة وعشرين وثلاثمائة وألف، ودفن بروضتهم الشهيرة ثمة. ومما يتعلق بترجمته ما كتب له به أبو إسحاق إبراهيم السوسى يعزيه بموت والده سابق الترجمة ولفظه: لكاتبه إبراهيم بن إدريس السنوسى الحسنى، أحسن الله عاقبتهما بمنه، معزيا الشريف الفقيه مولاى عبد السلام بموت والده العلامة الصالح مولاى محمد الأمرانى، رحمه الله وأعاد علينا من بركاته آمين.

463 - عبد السلام بن محمد بن عبد السلام بن عبد الله

استعن بالصبر يا خل الوفا ... وتمسك به واقرأ ما نزل ما عسى يغنى التشكى والأسى ... أيردان قضاء حيث حل إن أذكى الناس من يرضى بما ... قدر الرحمن قدما في الأزل وتجمل إن عرى خطب ولا ... تشكون حالك للخلق تجل واحتسب أجر أبي صار إلى ... جنة الفردوس يزهو ذا جذل بجوار المصطفى خير الورى ... جده الهادى إلى خير الملل فلقد كان ورب العرش ما ... له في المجد وفى الفخر مثل عالما حبرا تقيا عاملا ... فاضلا مقتفيا نهج الأول فاز من خلف نجلا مثلكم ... تابعا سيرته ثم ارتحل فاتق الله وكن خير امرئ ... لأياد الله بالشكر عقل لم يسد من ساد إلا بالتقى ... وحياء وبعلم وعمل ولقد ذكرتكم ممتثلا ... أمر رب منعم عز وجل 463 - عبد السلام بن محمد بن عبد السلام بن عبد الله. يدعى سيدى عب طلاق النساء لكثرة تطليقه -إذ تزوج بمائتين اثنتين وسبعين بتقديم السين على المثناة امرأة- بن محمد الحبيب المعروف بسيدى حبيبى ابن محمد فتحا بن زين العابدين بن فخر الملوك مولانا إسماعيل الحسنى. حاله: شاب نجيب، حامل لواء الأدب في زمانه، رقيق الطبع، حلو الشمائل، لطيف المعاشرة، ممتع المجالسة، شريف النفس، فقيه نبيل، لوذعى نبيه،

عالى الهمة، له اليد الطولى، والعارضة العريضة، والاقتدار الكامل في النظم والنثر، ذهب في شعره مذهب القاضى الفاضل، وابن نباتة وغيرهما من أكابر الأدباء، استكتب في الدولتين العزيزية والحفيظية، فكان أكتب أهل طبقته وأبرع جلهم خطا، وكان يقيد بإقامة الحضرة السلطانية، ويظعن بظعنها، ولما ظعن المولى عبد الحفيظ من فاس إلى الرباط كان من جملة من تخلف عن الظعن معه، ثم لحق به وأعيد قال خدمته، ولم يزل مقرا عليها إلى أن اخترمته المنية. شعره: من ذلك قوله: أشجى فؤادك بارق الأنواء ... أم ذكر رامة أم نسيم قباء أم ذكر وجرة أم جآدد جاسم ... والمنحنى أم ساكن البطحاء سقيا لهم معاهدا وملاعبا ... لمهى محجبة وعين ظباء لله أيام لنا سلفت بها ... جاد الزمان بشربها بصفاء جاريت فيها إلى الصبابة والصبا ... رخو الأعبة أصهب الصهباء سكران سكر مدامة وصبابة ... خلع العذار أجر فضل رداء قضيتها أحلام صب موله ... قد أيقظته إشارة الرقباء يا عاذلى لو كنت تدرى ما الهوى ... أبدلت لامك عاذلى بالراء دع عنك تحذير (المحب) فإنما ... يزداد بالتحذير في الإغراء أأروم إخفاء المحبة والهوى ... والدمع سال ولات حين خفاء كم ذا التعلل بالإشارة والكنى ... مترددا كتردد الفافاء ما العشق من خلقى ولا فعلى بأفـ ... ـــــــــعال المغازل ليلى أو أسماء بل طيبة الغرا مناى ومقصدى ... عين الوجود وسيد الشفعاء

ختم النبوة صفوة النور التي ... قد أودع الأجداد للآباء والنخبة العظمى التي قد بشرت ... بمصون سرها سائر البشراء لله ليلة كان ساطع نورها ... بتوارد الأنباء والأضواء يا زاجر الوجناء يقصد طيبة ... رفقا بقلبى زاجر الوجناء بالله إن عرجت نحو مقامه ... وحللت بالأكناف والأرجاء عفر خدودك عن عبيد مسرف ... ولتسع بين مخافة ورجاء يا خير من وطئ الثرى ماذا عسى ... يجدى لديك تمدحى وثنائى هل بعد مدحك في المثان يروم مد ... حك معشر الخطباء والشعراء يا متعب الأقلام بالتعداد ما ... لخصائص المختار من إحصاء صلى عليه الله أزكى صلاته ... والآل والأتباع والصحباء وقوله وأجاد: لمع البرق فأورى كمدى ... شمته ليلا كسيف مغمد مومضا من رامة أو أضم ... باسما عن حبب أو برد وأرانى من سناه ابرا ... ترفأ السحب بخيط أسود خفق الجنح ولولا برد ما ... كان من ريح لحاكى كبدى أيها البرق الذى أجبابنا ... لم يزالوا مثله في الموعد هل لأيام مضت من عودة ... على أن ما مضى لم يعد سمحوا بالوصل حتى لم نكن ... نتقى في قربهم من مبعد (¬1) ¬

_ (¬1) الوزن مضطرب في الأصل، والمثبت رواية المؤلف.

ثم شحوا وافترقنا بددا ... هل ترى من جامع للبدد هل ترى أحظى بوصل أهيف ... ساكنا قلبى بعيش أرغد رشأ يرنو بعينين فكم ... قتلت أجفانه من أسد قلت قلبى ماله من مخلص ... غير مدح المصطفى محمد ودوائى وشفائى ذكره ... ليس لى في غيره في من مقصد خير مبعوث لخير أمة ... النبى العربى السيد شهد الظبى مع الضب له ... ولمن من قبله لم يشهد والحصى قد سبحت في كفه ... وبكى الجذع له بالمسجد ورجوع الشمس لما أن دعا ... واضطراب قد بدا من أحد (¬1) وانشقاق البدر منه آية ... نورها ذو بصر لم يجحد معجزات كالنجوم ما لها ... في سماء فضله من عدد حبذا ليلة فيها وضعه ... مثله في مثلها لم يولد خرت الأصنام فيها وبدا ... لجميع الخلق ما لم يعهد وقوله يرثى والده الولى الصالح أبا عبد الله محمد المحب المتوفى ليلة الأحد سابع عشرى محرم الحرام عام واحد وعشرين وثلاثمائة وألف: سل الدار عن سكانها أين يمموا ... وأين ثووا بعد الرحيل وخيموا إذا وردت ماء النعيم مطيهم ... فقد لفحت قلبى الكثيب جهنم فعذرى في جف المدامع واضح ... وأين يسيل الماء والنار تضرم ¬

_ (¬1) الوزن مضطرب في الأصل، والمثبت رواية المؤلف.

أتانى كتاب ناعيا بفراقهم ... فعاد نهارى داجيا فهو مظلم أجيل به طرفى فتزاد لوعتى ... كما ازداد سما من به عض أرقم وقد كان قلبى بالرزية مخبرى ... فصار بيانا ما له أتوهم هو الموت مر في المذاق وشربه ... على كل حال واجب متحتم أرى الدنيا بحرا زاخرا وهو ساحل ... وبعض الورى غرقاه والبعض عوم وما هذه الأعمار إلا سفائن ... مجاذفها الأيام تمضى وتصرم أباد الردى آباءنا وجدودنا ... وكل تساوى آخر ومقدم عجبت لمن يبنى القصور جهالة ... وقبره ما تحت الثرى متهدم أغرك من دنياك حسن ابتسامها ... حذار حذار عطرها فهو منشم أتلهو ضلالا في أمان وهذه ... طيور المنايا فوق رأسك حوم تروح وتغدو لا لديك تفكر ... ولا عبرة كأنما لست تعلم وما فات في الدنيا كمثل محمد ... وقد صار للدار التي هى أدوم لقد عاش لا شئ يخاف عقابه ... ومات ولا شئ له يتندم مضى غير صاح من هواه وسكره ... ألا إنه هو (المحب) المتيم ومذ جذبت أيدى الحبيب بضبعه ... غدا بلسان الحال عنه يترجم ولو كان كل ميت كمحمد ... لهان على الناس الذى هو أعظم فيا ليتنى لو كنت عند احتضاره ... أقبل ذاك الكف منه وألثم ويا ليتنى لو كنت عند محمد ... إذا ما هم صلوا عليه وسلموا

وقوله مقرظا تأليف العلامة الجليل صاحب التآليف العديدة، والمقيدات المفيدة، حامل لواء الإفتاء والمرجوع إليه في النوازل بالديار الفاسية، مفيدنا ومخلص ودنا أبى عيسى المهدى الوزانى، في الرد على ابن المهنا القسمطينى: سلا هل على ضوء النهار دليل ... وهل لابن مهنا في الضلال مثيل وهل مثله من أنكر الشمس من عمى ... وقد كر منها بكرة وأصيل ولا عجب أن ينكر الشم ضلة ... ويرتد منه الطرف وهو كليل فلن ينظرن شمس الظهيرة أرمد ... ولن يقذف الماء الزلال عليل يجادلنا في الطاهرين ومن زكت ... فروع علاء منهم وأصول وقد جادل الجهال في الله قبله ... وكذب في الدعوى إليه رسول يجادلنا في الطاهرين ومن لهم ... بكل قتام غرة وحجول ومن جاهدوا في الله حق جهاده ... وقاموا بعبء الدين وهو ثقيل أتنقم من (إدريس) أن كان طالبا ... حقوقا بهم الشهم (الحسين) قتيل وقد كان في قتل (الحسين) وأهله ... لظلم وعن نهج الهدى لنكول وللأرض منه والسماء لعبرة ... وللخلق فيه رنة وعويل فإن له والله فيه لأسوة ... ومنحى لعمرى واضح وسبيل فكيف ترى في الأرض [إدريس] باغيا ... وقد بايعته عامر وسلول وكيف نرى (إدريس) للحق نابذا ... وقد بان عنه إذخر وجليل ولن يرتضى العباس لو كان باقيا ... فعال بنيه فيهم و (عقيل) فمذ قتلوا إدريس قلت عروشهم ... وصار وذاك الرعى وهو وبيل وعاد على ابن خالد شؤم قومه ... وأمسى عزيز القوم وهو ذليل

أعد نظرا فيما احتججت فإننا ... عليك به حقا عليك نصول كحاطب ليل ليس يدرى بما أتى ... وحاطبة عشواء وهى حمول وباحثة بالظلف عن حتف نفسها ... فخرت وشيكا والنجيع يسيل أتنسب (إدريسا) إلى غير عيصه ... وتحسب أن الشبل ويك دخيل ومن قال إن الشمس مطلعها الدجى ... تكذبه أبصارنا وعقول ولم يتخذ إدريس عند مسيره ... سوى (راشد) مولاه فهو خليل وإن خليقا باسمه وصفاته ... وعن عهدهم والله ليس يحول وهل تصحب الآساد غير شبيهها ... وهل يصطفى غير الفحول فحول لك الويل ثم الويل منها مقالة ... بنفسك منها للبلاء حلول فنشهد أن الله لا رب غيره ... وأن ابن إدريس لطه سليل ونشهد أن الممترين جميعهم ... يميل مع الجهال حيث نميل دعا المغرب الأقصى بدعوة صادق ... فلبى دعاه وعره وسهول وأمسى به الإسلام يعلو مناره ... وأصبح والإيمان فيه يجول فطابت به منه البقاع وجددت ... رسوم عفت من أهله وطلول كفى المغرب الأقصى بذلك مفخرا ... وفرع بنى الزهراء فيه أثيل كثيرون في أنحائه وشعوبه ... وهم في سواه نادرون قليل فلم يخل من أسمائهم عود منبر ... ولم تخل منهم عصبة وقبيل ولم يحتكم في نفسنا غير أمرهم ... فكل سميع أمرهم وفعول فجورهم والله عدل ورحمة ... وصرصرهم عند الهبوب قبول

أتنكر فضل المغرب الأقصى جاحدا ... بزوغ نجوم ما لهن أفول تواترت الأخبار طرا بفضله ... وما كان في نقل الثقات فضول ومنهم سيوف نحو نحرك شرع ... مواض قواض ما لهن فلول ومنها بحور قد تفجر بعضها ... فأرداك منها وافر وطويل وهل نحن إلا الصخر توهى بنطحه ... قرون وعول إن أتته وعول ومن تاه في البيداء من غير مرشد ... فليس له غير الضلال قفول ألم يكفك التاريخ بالحق شاهدا ... وعدلا رضيا ليس عنه عدول لقد مر قرنا بعد قرن وفضلنا ... يزيد وجيل قد تقضى فجيل أما سلفت فينا ملوك خضارم ... لفيلقها فوق السماك مقيل تسير بهم للمكرمات سوابق ... فيخلف من بعد الرعيل رعيل يخوضون في نيل العلا كل غمرة ... فلا يعتريهم في العظيم ذهول ويقتحمون الموت والموت أحمر ... وللبيض والسمر العوالى صليل لهم كل يوم للوغى ورجالها ... نزال وللضيف الملم نزول رعى الشادن السرحان من حسن عدلهم ... وعاد يسوق الكركدن لفيل عطاؤهم قصد وعقلهم هدى ... وأخلاقهم مثل الزمان فصول ذكاؤهم بالمبهمات موكل ... وحدسهم للمعضلات كفيل أما سلفت فينا ربوع أواهل ... من العلم أعناب بها ونخيل ثمار جناها دانيات قطوفها ... وظلهم للرائدين ظليل صحائفهم للشاردات حبائل ... وأقلامهم عند الهياج نصول

أنافوا على الشعرى العبور نباهة ... فصار لها بين النجوم خمول فلو فاض في بحر المحيط مدادهم ... لما شربا بعد الفرات ونيل بهم ملة الإسلام ألقت ثقالها ... فما ناء منهم بازل وفصيل وما غرهم بالله والدين زخرف ... ولا فتنتهم قينة وشمول ولا نبذوا عهد الرسول وراءهم ... ولا جرفتهم عن حماه سيول وفى الملة السمحاء لم يتلونوا ... كما تفعل الحرباء فيه وغول وفينا لعمر الله منهم بقية ... بها طرف أعيان الفخار كحيل بزاة لهم في العلم كل طريدة ... لتهوى ولو أن الجناح بليل شمائلهم لم يبد فيها تصنع ... وأوراقهم لم يعتورها ذبول وقد تخلف الأزهار بعد ذهابها ... لطيبا وبعد النخل ينحو فتيل ولا عيب فيهم غير أن جسومهم ... بها من هموم المشكلات نحول وأنطقهم في فاحش القول ألكن ... وأفطنهم في المحدثات غفول ضوالعهم يوم الرهان سوابق ... وأطفالهم عند اللقاء كهول أصاغرهم عند المقال أكابر ... ونزرهم عند النوال جزيل وقد كان في الإعراض عنك لغنية ... فإن به وجه السكوت جميل إلى أن قال: فدونكها كالشهد أما حجاجها ... فرجم وأما نظمها فحفيل قواف لها يغدو الحطيئة صاغرا ... ويمسى جرير وهو منها ضئيل تسير مسير الشمس في كل بلدة ... فتخضر آكام بها وحقول

لها في جدال الخصم من كل مصنف ... لقاض ومن أهل النهى لوكيل وناتجها مثل الدلاص مسرد ... وبرهانها مثل الحسام صقيل بغايتها تجرى الفحول جيادها ... وتضحى لأقداح السباق تجيل ينم بها نشر الحجا عند نشرها ... فيمسى عليها الناشقين يحيل وما روضة غناء باكرها الحيا ... وغنى على الأغصان منها هذيل وراح لها قيل الربيع بجيشه ... فاضحى لديه للنسيم مثول ومات بها الجعل الغبى لحينه ... فلم يك فيه من شذاها حصول بأطيب منها نظرة ونضارة ... إذا ما تنيط زهرها وتنيل يطيب سليم الشم من شم طيبها ... وليس لمزكوم إليه وصول يؤرخ مسكا فاح عند ختامها ... لسان مجيب سرمدا وسئول . . . . . . . . . . . . . 381 55 545 343 . . . . . . . . . . . . . ج: .... 1324 وقوله راثيا شيخنا الفقيه العلامة الحافظ أبا عبد الله محمد بن عبد السلام كنون رحمه الله تعالى: الكون أصبح ظاهر الأوصاب ... والدهر جرعنا كئوس الصاب بأشد رزء في الزمان وحادث ... وأجل خطب في الورى ومصاب فبكل قلب حسرة وتأسف ... وبكل عين عبرة كعباب هل هو إلا الموت قصاب الورى ... ما حيلة الأغنام في القصاب

أبدا يفجعنا بأفضلنا فكم ... أخد الرءوس وشال بالأذناب لابد في الدنيا وإن طال المدى ... من فرقة الإخوان والأصحاب كل الحياة بها كلمعة بارق ... والعمر أجمعه كفئ سحاب وإذا نظرت إلى الوجود بأسره ... لم تلفه إلا شراب سراب ذهب الإمام محمد لسبيله ... واحسرتاى ولات حين إياب علامة العلماء حافظ عصره ... من كان في التدريس ليث الغاب ذهب الذى في العلم يفتح دائما ... للجاهلين مغالق الأبواب ذهب الذى قد كان في أوج الهدى ... نجم اهتداء لنا وخير شهاب ذهب الذى قد كان في ليل الخطا ... إن جن بالأفهام بدر صواب أسفى على شمس المعارف كورت ... والفضل والإرشاد والآداب أسفى على روض المعارف قد ذوى ... وغدت مقاصره طلول خراب ما كنت أحسب قبل رفع سريره ... أن البحور تسير في الأخشاب من للمجالس والمنابر بعده ... من للدروس ووجهة المحراب من للعلوم إذا تحجب وجهها ... فيميط عنه لنا لكل حجاب من للعباد إذا أصابهم الظما ... لمعين ورد عنده وشراب لو قبله تفدى الكرام من الردى ... لفداه أولو شيبة وشباب ما كان إلا التبر عاد لأصله ... وغدا بمعدن جندل وتراب عز العزاء به وقد عظم الأسى ... فعرى اللسان تحير الألباب فلقد تنكس رأس كل يراعة ... ولقد تشتت شمل كل كتاب

سيان إيجازى بذكر ثنائه ... ورثائه من بعد أو إطنابى لو كان يمكننى عتاب للردى ... عاتبته فيه أشد عتاب لكنها أيدى المنية طالما ... نبذت لقشر وانتقت للباب إنى ليحزننى به ويسرنى ... أن حل بالفردوس خير جناب في مقعد صدق ينعم دائما ... بجميل أعمال وحسن ثواب لولا الحياة لكنت تسمع حورها ... نادته بالتأهيل والترحاب وتقول أرخ عند أفيا جنة ... لمحمد زلفى وحسن مآب . . . . . . . . . . . . . 1326 نثره: منه مقامة نصها: حكى الضحاك بن بشير قال: ضمتنى يد الرفقة والعشرة، مع أصحاب بفاس كالنجوم عشرة، بلوت شجرهم مرا وحلوا، وخطبت صحبتهم فوجدتها من الموانع خلوا، رضعوا من الأدب الأخلاف والأفواق، وفطموا عن ضرعها الخلاف بالوفاق، طالما حنكتهم التجارب رغبة ورهبة، وسامتهم الأيام فرقة وغربة، حتى ألفتهم الأسنمة والغوارب، واختصصت فيهم المشارق والمغارب، وصارت جميع البلاد لهم أوطانا، والمنازل كلها أعطانا، وكان لى فيهم صاحب هو واسطة عقودهم، وحبة عنقودهم. امتزجت روحى بروحه امتزاجا، واعتدل طبعى بطبعه مزاجا، أخلص كلانا لصاحبه جهره وسره، ووثقنا بخير مودتنا فلم يتق شرى ولم أتق شره، وحينما ألقينا عصا الترحال بفاس، وتخلصت الرحال بوضع ثقلها من معزة النفاس، أصبحت الطرق بالقطاع شاغرة، وعوادى الفساد لأفواه الفتن فاغرة، وأمست السهول وهى وعرة، وأعثرت الخيول بعرة، واستنسرت بغاث الطير، وانتشرت بغاة الضير، وذلك بشغب شيطان يزعم أنه من الملائكة، وأشداقه لحنظل الباطل لائكة، فأعوزتنا السيوف ففزعنا للأقلام،

وأرهفنا بصحائف الكلام صفائح الكلام، فإذا نحن جعنا، لأقراص الأوراق رجعنا، وإذا نظما، نظمنا نظما، وترانا نثرى، إذا نثرنا نثرا، فنظم ذلك الصاحب قصيدة ميلادية انتقل فيها من المديح النبوى، إلى المدح السلطانى المولوى وأشار فيها لذلك الفتان الخارجى الذى شاب الموارد لما شب نار شبيب، وعقد للفتنة في الدين والدنيا كل سبيب، الخارج من الهدى بالضلال، والشبيه في أخلاقه الشيطانية بالضلال، الدعى الشاق للعصا، الداعى الشقى بما لم يطع الله به بل عصا، واستشارنى فيها، هل يثبتها أو ينفيها، فأمرته أن يقصد بقصيدته تلك دار الخلافة وليأت من الباب، من له من الرياسة والسياسة اللباب، دستورها المبجل المعظم، وعقد وزارتها الأمثل المنظم من إذا وعد فالسوأل، وإذا أعطى فحاتم إذا يسأل، أكرم من تكرم في عصره وتفضل، ووزير الوزراء سيدى محمد المفضل، قال غريط قلت غريط، والتقريظ للمعالى والتقريط: وزير يود السيف والسهم عزمه ... ورأيه في إمضائه وسداده وصوب الندى كقطرة من نواله ... على صبه أو نقطة من مداده فأرصد ليلة الاحتفال، فلك عند ملكها أيمن قال، حيث الألسن بأسرار المديح بائحة، والمباخر بالند فائحة، والإنشاد يرجع ويردد، والعهود القديمة تذكر وتجدد، وكواكب الشموع والمشاغل تزهر، والجفان والأجفان هذى تكسر وهذى تسهر، والموائد تنصب وترفع، والعوائد الكريمة صلتها للموصول تدفع، قال الراوى فكتب القصيدة بما خشلب خط ياقوت المستعصى، وكان عنه ابن مقلة عمى، وانتظر ليلة المولد، وورود صافى ذلك المورد، وربيع أمامه وصفر وراءه، وكرم المصدر الوزير حفظه الله يضمن عند صدوره ووروده وراءه هـ. مشيخته: أخذ القرآن العظيم عن الأستاذ البركة أبى عبد الله محمد الغمارى بفاس، وعن الأستاذ الفقيه أبى عبد الله محمد البوعمرانى بمراكش.

وأخذ النحو والفقه عن الفقيه العالم أبى العز رحال الزمرانى، وعن الشريف الفقيه الأخير أبى على الحسن السرغينى، وعن العلامة الأديب أبى الفضل عباس التازى، والعلامة الشريف البركة سيدى محمد بن جعفر الكتانى، والعلامة رئيس المجلس العلمى سيدى أحمد بن الجيلانى. وأخذ الطريقة التجانية عن العلامة أبى عبد الله محمد فتحا بن عبد السلام جنون المتوفى عشية الجمعة ثامن عشرى شعبان عام ستة وعشرين وثلاثمائة وألف، وأخذ عن شيخنا أبى عيسى المهدى بن محمد الوزانى المتوفى يوم الثلاثاء متم صفر عام اثنين وأربعين وثلاثمائة وألف، وشيخنا أبى عبد الله محمد فتحا بن قاسم القادرى، وعن عمه الشريف الأخير الفقيه مولاى العربى المحب. ولادته: ولد بالدار العالية بمكناس في عام اثنين وثلاثمائة وألف. وفاته: توفى في أوائل شوال عام واحد وثلاثين وثلاثمائة وألف برباط الفتح، ودفن بالعلو، وقد رثاه صديقنا الكاتب الأديب الأبرع أبو عبد الله محمد بن محمد المفضل غريط بقوله: نغالط بالآمال والحكم واجب ... ونستوهب الإمهال والعمر ذاهب ولولا أمانينا وحجب نفوسنا ... عن الغيب ما لذت لدينا مشارب حيارى فلا ندرى بيوم انتقالنا ... كما ضل بين النجح واليأس هائب وما الحى إلاطعمة لمنية ... براثنها لم ينج منهن هارب فبينا تراه أيدا متماسكا ... إذا به منحل العزيمة شاجب وأى محب لم تنله كريهة ... وأى زمان ليس فيه مصائب كأن بنى الإنسان بل كل محدث ... على لجة الأيام طاف وراسب

هو الموت جل الله قاهر خلقه ... يروع من ذكراه ضار وضارب فأين الملوك الصيد أين عديدهم ... وأين القصور الشم أين المواكب وأين أباة الضيم أين اقتدارهم ... وأين بناة المجد أين المناصب وأين بنو الآداب أين سراتهم ... وأين رجال الشعر أين الحبائب وأين ذوو الأقلام أين خيارهم ... وأين ذوو الأحلام أين العصائب محاهم من سفر الوجود معيدهم ... لأصل الثرى والفرع للأصل آيب وأعظم رزء تشتكى النفس حره ... نوى من إليه تدنى وتناسب خليلى أما الصبر عنك فخائن ... وأما فؤادى فهو بالوجد ذائب وكانت ظنونى أن يتاح اجتماعنا ... فلم تجدنى تلك الظنون الكواذب فآه ليوم ثم آه لليلة ... كساها إهاب الحزن ناع وناعب وأضحت لها الأقلام تخدش طرسها ... وتذرى الدموع السود وهى نوادب وكنت لها نعم الموفى حقوقها ... إذا كل فكر أو توقف كاتب وكنت بروض العلم أنضر زهرة ... فذبلها ريح من الحين عاصب وكنت أديب العصر والجوهر الذى ... تنافس فيه مشرق ومغارب وكنت بتقوى الله أشرف آخذ ... وأول ساع حيث ترضى المناقب نشأت على هدى وجد وعفة ... نقى الحلى لم تستملك الملاعب عكفت على الإصلاح طوعا ولم تقل ... (وللهو منى والخلاعة جانب) ومالك في غير المعارف رغبة ... ومالك غير الذكر والفكر صاحب ومت وعند الله أعظم نعمة ... لمن هو في رضوان ربه راغب

464 - عبد الهادى بن عبد المالك بن أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن حفيد بن على بن محمد بن عبد الواحد أبى الغيث الشريف العلوى البلغيثى.

فما للقوافى بعد فقدك محكم ... وما للمعانى بعد رزئك جالب معان إذا ما الناظمون تكلفوا ... فهن بأكناف الجمال كواعب كواعب تهتز النفوس لظرفها ... كأن وسمت بالسحر منها الترائب ترائب فيها للنواظر جنة ... وفيها لأوصال القلوب جواذب بدائعها مشهورة وحديثها ... يصححه عن شاهد الحسن غائب وما لعلوم العصر مثلك عاشق ... وما لنتاج العقل مثلك طالب وما لأخى ود وعهد وصحبة ... سواك أنيس أو رفيق مواظب قضى معك دهرا لم يمل وإنما ... قضاء موجد الأرواح لا شك غالب لئن سترتك عن جفونى تربة ... فلم يحجبنك عن ضميرى حاجب يصور فيه الوهم منك خلائقا ... مهذبة هى الكبا والكواكب لتبك عليك كل عين ملية ... بحبك حتى تضمحل السواكب عليك من الرحمن أوسع رحمة ... تؤم حماك الرحب منها سحائب وما لى وللشعر القوى انتقاده ... بضعف القوى والرزء للرشد سالب وإنى على ما بى هتفت مؤرخا ... بقد نال أعلى الخلد زاك مراقب . . . . . . . . . . . . . 104 81 111 664 28 343 عام 1331 464 - عبد الهادى بن عبد المالك بن أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن حفيد بن على بن محمد بن عبد الواحد أبى الغيث الشريف العلوى البلغيثى.

465 - عبد الهادى الفيلالى نزيل مكناس ودفينها.

حاله: فقيه أستاذ نبيل، وجيه مفضال، استوطن مكناسة الزيتون كما في الشجرة الزكية، وصاهره إمام وقته أبو الربيع سليمان بابنته المصونة الجليلة السيدة حفصة. 465 - عبد الهادى الفيلالى نزيل مكناس ودفينها. حاله: عالم فاضل زكى، أستاذ مقرئ مجود، له معرفة شافية بعلم القراءات وإتقانها وتوجيهها، انتهت إليه رياسة ذلك الفن في عصره، نشأ بالصحراء بلاده، حكى عنه أنه سئل عن الإشمام والروم، فأجاب سائله عن ذلك بالأبيات الآتية، ولما تمم الأبيات ذهب للحجام وأمره بقلع ثنيته ليتمكن من النطق بالإشمام على حقيقته، وقد كان مدررا يعلم الصبيان ويرشد الشيوخ الأساتيذ، ويبث العلوم في صدور الرجال ونفع الله به خلقا. الآخذون عنه: منهم العدل البركة سيدى محمد بن الرضا الطاهرى، أخبرنى بالأخذ عنه ومنه استفدت بعض ترجمته. شعره: سألتنى نظما على الإشمام ... والروم فاستمع أخى كلامى الرفع فيه الروم والإشمام ... والخفض بالروم فقط يرام النصب لا روم ولا إشماما ... في مذهب القراء خذ أحكاما وفى عريض شكل قل بالمنع ... وهاء تأنيث وميم الجمع 466 - عبد الواحد بن على بن محمد فتحا بن على الكتانى. نزيل مكناس. حاله: كان من أهل الولاية الظاهرة، والكرامات الباهرة، معروفا بالصلاح، مشارا إليه بالمعرفة والفلاح.

467 - عبد الواحد بن الأستاذ أبى الحسن على بن محمد بن على المدعو منون.

وفاته: توفى بحضرتنا المكناسية أواسط القرن التاسع على ما استظهره شيخنا ابن جعفر الكتانى. 467 - عبد الواحد بن الأستاذ أبى الحسن على بن محمد بن على المدعو منون. حاله: فقيه جليل، علامة كامل فاضل مثيل، مدرس نفاع حفيل، صدر من صدور مكناس، وحامل لواء التحقيق بين علمائها الأكياس. مشيخته: أخذ عن والده وغيره. وفاته: توفى بمكناسة الزيتون عام ثمانية وستين وثمانمائة، وقفت على زمام تركته بتاريخ أواخر شوال من العام المذكور. 468 - عبد الواحد بن عبد الرحمن الشبيهى الجوطى. حاله: فقيه علامة مشارك، خطيب مصقع، فصيح بليغ، صالح فالح، خير دين ثقة ناسك متعفف، هين لين، زكى ذكى، فاضل صوام قوام، صادق الأقوال والأفعال، ذو مائدة مبسوطة، جامع لكل وصف حسن، جار على سنن سلفه الصالح، ولى الخطبة والإمامة بمسجد ضريح جده مولانا إدريس دفين زاوية جبل زرهون، رحل إلى الحج ومكث سنة بمكة والمدينة، ودخل مصر وذلك عام ثمانين ومائة وألف، ثم رجع إلى المغرب، ولما ظهر البربر على جبال زرهون رحل منه إلى سكنى فاس وتركه، وبلدة مدينة مكناس لعيث العبيد بمكناس كالبربر بزرهون أو أشد، ومكث ما شاء الله بفاس، ولما ولى أمر زرهون السلطان سيدى محمد بن عبد الله من قبل والده السلطان المولى عبد الله بن السلطان مولانا إسماعيل رجع المترجم لداره بزاوية زرهون ولم يزل مستوطنا بها. مشيخته: أخذ عن الشريف النزيه مولاى الطيب بن محمد دفين وزان

469 - عبد الواحد المدعو الدربالى.

وغيره، تعرض لذكره صاحب الأزهار النادية في ترجمة والده المولى عبد الرحمن قائد زرهون المترجم آنفا، وذكره الزبادى في سلوك الطريق الوارية. وفاته: توفى بزرهون سنة أربع وتسعين ومائة وألف. 469 - عبد الواحد المدعو الدربالى. أحد حفدة الشيخ أبى عثمان سعيد المَشَنْزَائى، دفين خارج باب وجه عروس، أحد أبواب مكناس اليوم. 470 - عبد الواحد بن حمادى بن عبد الواحد بن محرز بن الشريف بن على. حاله: علامة مشارك، فقيه جليل، فاضل نزيه، مفت ماجد، انتهت إليه رياسة الفتوى في زمانه، استوزره سلطان وقته سيدى محمد بن عبد الله وصحبه السلطان مولانا سليمان، وتوفى بمكناسة الزيتون كما في الشجرة الزكية في العصر السليمانى ودفن بضريح بعض الصالحين بها، وله عقب باخنوس وفاس البالى. 471 - عبد الواحد بن محمد ابن فقيرة. المكناسى النشأة والدار والإقبار. حاله: خاد الذكاء سريع الإدراك، جيد الإصابة، فصيح اللسان، ثبت الجنان، غزير الاطلاع، فقيه نبيه، عدل رضى، موثق ماهر، ناظم ناثر، صاحب نوادر عجيبة، وأفعال غريبة، مستحضر لتراجم المتأخرين والوقائع التاريخية والنوادر السياسية والحكم والنكت الأدبية والمجون الهزلية، له من ذلك ما لو جمع لملأ الدفاتر. استكتبه السلطان مولانا الحسن لبراعة خطه وشدة حذقه ونبله، ثم انتخب ¬

_ 471 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام الغرب 8/ 2819.

وأدرج في سلك الطلبة الذين ينسخون الكتب، وكانت العادة أنهم يدفعون كل يوم جمعة ما نسخوه في الجمعة التي قبلها، ثم إنه ألقى السكر في أدوات النساخ جميعا ولم يشعر به أحد، فلما كان يوم الجمعة ودفعوا ما تم نسخه وفق المقرر وجد الجميع ملصقا بعضه على بعض، فأعمل البحث في السبب حتى اعترف أنه الفاعل، وأن الحامل له على ذلك هو ما رأى من عدم اعتناء النساخ بالأشغال المولوية، وعدم اهتمامهم بالشئون المنوطة بهم، وعدم تحفظهم ومبالاتهم. وكانت هذه القضية قاضية على استخدامه بالوظائف المخزنية، كما أنه كان منتظما في سلك كتاب الحضرة المولوية بالصدارة، وكانت العادة جارية كل سنة بتوزيع المكاتيب على الجيوش للعمال في الشئون المخزنية، والقصد جلب النفع بها للمستخدمين بالمقبوض من العمال، وكان ما يقبض على تلك المكاتيب من القواد لا يتجاوز مائة مثقال، أعنى خمسة وثلاثين فرنكا وثلاثة أرباع الفرنك تقريبا، فكتب في بعض المكاتيب بعد الافتتاح. وبعد: فيأمرك مولانا أن تحسن لحامله بما يرفأ به حاله فأدخل الكتاب للحضرة السلطانية وسلم وطبع، وخرج ليختم ويدفع لصاحبه أصلح الجملة المذكورة التي هى يرفا حاله بمائة ريال حالة، وختم الكتاب ودفع لصاحبه بعد أن قبض منه ما تجاعل معه عليه لذلك، وقد كان العامل المكتوب إليه من الحذق والنباهة بمكان، فامتثل ودفع ما عين في الكتاب السلطانى، ثم بعد مدة ورد على الحضرة المولوية ومعه الكتاب فاطلع عليه الوزير إذ ذاك وبعد البحث اعترف المترجم بأنه الفاعل وبين الكيفية، فكانت سبب تأخيره عن الخدمة المخزنية بالكلية، وذلك بعد أن كان سقط من على دار كان يسكنها بمراكش إلى أسفلها، ووقع في حفرة بالوادى المضاف وبقى بوسطها، وقد انكسر ظهره بسبب سقوطه وبقى على

تلك الحال ثلاثة أيام، وذلك أنه كان يسكن الدار وحده، ولما دخلها أغلق الباب عليه، وقد كانت الأيام أيام مطر ولما فتحت عليه الدار ووجد على تلك الحال، بحث عن السبب فأجاب بأنه هجا صلحاء مراكش فجوزى بذلك، ومع الأسف فقد ضاعت مقيداته وفوائده العلمية والأدبية التي لو جمعت لجاءت في مجلدات. شعره: من ذلك قوله لما سقط من سطح دار سكناه بمراكش ووقع به من الألم والكسر ما وقع، وأتى برجل فوال يكويه وكان هذا الفوال (أى بائع الفول) قوى الجسم كامل الصحة فكواه حسبما أنشد ذلك لنفسه شيخنا أبى عبد الله الطاهرى ومن خطه نقلت: جزى الله شرا من كوانى جاهلا ... جزاء سنمار وما كنت ذا ذنب ولكنما الفوال من جهله عتا ... على بنار صيرتنى في كرب وأصبعى في أستى أبرد حرها ... فضاعف لى هما وصعبا على صعب أعاد عليه الله من شر فعله ... كذاك بنوه ما بقيت على جنب أقاسى هموم القاسى ساعة كيه ... لمقعدتى حتى كأنى في حرب وكدت أفارق الدنيا بيد أنه ... شديد عنيد ما رأيت بذا الغرب مماثله ومن يماثل مثله ... كأنه قد أنشى من أقبح ما كلب فلا صورة ترضى ولا فعلة تضى ... خسيس حقير ليس في العجم والعرب ومن أشأم الأيام فوالهم كوى ... وفى جسمى الحساس تار وفى جنبى ومقعدتى من شدة الكى تشتهى ... ولوج يد الفوال والحس ما دأبى فيا رب شتت شمله عاجلا يرى ... رهين سلاسيل إلى الرمس والترب وفى حيص أو بيص وفتنة منكر ... نكير ولا ينجو ببعد ولا قرب

472 - عبد الوهاب بن محمد بن الشيخ المكناسى الأصل والنشأة والدار.

وأوصى جميع العالمين بخزيه ... وبالبعد منه واتقاء ذوى ثلب فلا خير منه يرتجى طول عمره ... لزيد ولا عمرو وشبه بلاريب وقوله مادحا قاضى الحضرة المكناسية أبا العباس ابن سودة: طالع السعد في سماء المعالى ... قد أضاء به دياجى الليالى بشرتنا بشائر البشر منه ... ببلوغ المنى ونيل النوال وغدت مسند الأحاديث تروى ... عن علاه مصححا ذا اتصال صح فيه غرام صب عليل ... لم يكن من هواه يوما بخال لم أمل للتصابى لولا بدور ... في خدور تحجبت بجمال أو أفه بالقريض لولا إمام ... علقت بمديحه آمالى كعبة الأمن والهدى ملجأ القـ ... ـصاد غيث الندى وليث النزال بحر علم وطود حلم وتقوى ... للإله بخشية وابتهال وهى أطول من هذا. وفاته: توفى في ثانى ربيع الأول سنة عشرة وثلاثمائة وألف، ودفن بروضة الشيخ محمد بن عيسى رحمه الله وفسح له في عدنه. 472 - عبد الوهاب بن محمد بن الشيخ المكناسى الأصل والنشأة والدار. حاله: علامة مكناسة الزيتون وقاضيها الأرشد الأمجد، صدر نحرير، خطيب بليغ، مدرس مدقق محقق، مفت فاضل نبيل، كان متوليا خطة قضاء الجماعة بمكناسة الزيتون، وخطبة جامع قصبتها الهاشمية الإمامية، وإمامة محراب جامعها الأعظم، وإليه صار مرجع الأنام في الإفتاء، وقفت على رسم مسجل عليه بتاريخ ثانى عشرى شوال عام تسعة وأربعين ومائة وألف، والذى ولاه خطة

473 - عبد الوهاب أبو نصر وأبو اليمن وأبو البركات قاضيها ابن السيد الحاج محمد المدعو حم العرايشى المكناسى الدار والإقبار.

القضاء في التاريخ المذكور وهو سيدى محمد ولد عريبة نجل السلطان سيدنا الجد مولانا إسماعيل، بعد أن عزل قاضيها السيد الطالب بوعنان المترجم فيما سلف، ولى مكانه أبا القاسم العميرى، ثم عزله وولى مكانه سيدى محمد البيجرى، ثم عزله وولى مكانه المترجم، كذا في الدار المنتحب. وقد ذكر المترجم أيضا صاحب مقصد الأسما، فيما يتمسك به المقيم والمسافر من الأسما، تأليف بعض تلاميذ ولده الإمام المنور أبى عبد الله محمد ولم أقف على تاريخ وفاته، ولا اسم المؤلف للكتاب المشار له. وقد كان أصيب في عقله رحمه الله ورده الله عليه بهدايته للذهاب للعارف الكامل الشريف سيدى عبد السلام البقالى، ولما ذهب إليه اشترط عليه أن يقرئه تلخيص المفتاح إذا هو برئ وشفاه الله، فالتزم ذلك، ولما من الله عليه برد عقله، وفى البقالى بشرطه وصار لا يفارقه في الغالب، حتى نقل الله البقالى إليه سنة نيف وخمسين ومائة وألف. مشيخته: أخذ عن أبى على اليوسى، وأبى على بن رحال المعدانى، ومحمد ابن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الواحد بصرى وغيرهم من الأعلام. الآخذون عنه: منهم الولى الصالح أبو محمد عبد السلام البقالى، والسيد المجذوب بن عزوز المكناسى، وأبو حامد العربى بصرى صاحب منحة الجبار وغيرهم. 473 - عبد الوهاب أبو نصر وأبو اليمن وأبو البركات قاضيها ابن السيد الحاج محمد المدعو حم العرايشى المكناسى الدار والإقبار. حاله: علامة أصيل، متقن محصل جليل، فقيه متفنن مشارك نحوى، ماهر خطيب بليغ مصقع، فاضل جليل مطلع، تولى خطة القضاء بالعاصمة الهاشمية

474 - عبد الوهاب الشيخ أبو محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن ابن عبد الله بن عمر بن عبد الرحمن بن عمران.

المولوية السلطانية المكناسية على عهد السلطان الأعظم سيدنا الجد الأكبر مولانا إسماعيل، وقفت على كثير من خطاباته والتسجيل عليه، من ذلك عقد بتاريخ ألف ومائة وعشرين وبتاريخ ثلاث وعشرين على فيها بما لفظه: قاضى الجماعة بالحضرة المولوية وأوصاف عالية دالة على شفوف مكانته ومقدرته وسعة معلوماته، وقد كان أبوه متوليا خطة النظارة على أوقاف المساكين، وكان هو متصدرا للتدريس بجامع النجارين، واعتنى بتدوين ما يرجع لمأموريته وجمع المقاصد التي وقت بالغاية التي لا تستطاع فيما دونه، عاملا على ما يقربه عند الله من مرضاته، ويظفره بجزيل مثوباته، وكان متحليا بالسكينة، حالا من النزاهة بالمكانة المكينة، خطبته الخطط العلمية، واغتبطت به الجادة الأولية، واستعملته الدولة المنيفة التي ترتاد أهل الفضائل للرتب، وتستظهر أهل المناصب بأبناء التقى والحسب، فصار معدودا من أعيان خطبائها، وصدور نبهائها، رحمه الله. مشيخته؛ منهم أبو مدين السوسى. وفاته: توفى كما هو منقوش عند رأس ضريحه في زليج في عاشر جمادى الثانى عام سبعة وعشرين ومائة وألف، ودفن بضريح الولى الأشهر المولى عبد الله ابن حمد دفين خارج باب البرادعيين. 474 - عبد الوهاب الشيخ أبو محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن ابن عبد الله بن عمر بن عبد الرحمن بن عمران. أمه فاطمة بنت عبد الرحمن بن عزون، ذكره في منحة الجبار. حاله: كان أحد الأفذاذ المشار إليهم في وقته علما وعملا، كثير التلاوة والأذكار، تصدر للتدريس والإفادة مدة، ثم انقطع لعبادة ربه. مشيخته: منهم أبو عبد الله محمد بن حسين الشهير بأبى مدين قاضى

475 - عبد الوهاب بن أحمد أدراق.

العاصمة المكناسية، وأبو العباس أحمد بن يعقوب الولالى، وقد كان بقيد الحياة عام ثلاثة وأربعين ومائة وألف. 475 - عبد الوهاب بن أحمد أدَرّاق. حاله: خاتمة الحكماء جليل القدر، رفيع الذكر، محبوب العام والخاص جهينة الزمان، ويتيمة الأوان، فقيه عالم طبيب ماهر، أديب ناظم ناثر، له معرفة بالنحو واللغة والشعر، وانتهت إليه في زمانه الرياسة في فن الطب فكان لا يجارى فيه ولا يبارى، مع لطف وجاه ووجاهة، تقف الوزراء فمن دونهم ببابه وقوف المماليك بأبواب الملوك. وكا الطبيب الخاص لدى الجلالة الإسماعيلية، لا يفارق السلطان، وكذلك لدى ولده أبى محمد عبد الله، وكانت له مكانة عظيمة لديها، لم يلحقها غيره بحيث لا ترد شفاعته، ولا تهمل إشارته، وكان مضربه ومنزله في الأسفار أعظم من مضرب أكبر العمال. له الاستنباط في الطب الذى يحق أن يخضع له به بقراط فمن دونه، وكذلك ابن سينا مع همة ووقار، وسمت وعلو مقدار، وكانت تحبه الملوك وتجله وتقدر قدره، وأجازوا له الجوائز ذات البال، ومارس علاجهم، وتردد إليهم فأدنوه، وأحلوه منهم محل التكرمة والإجلال، وله أنظام في الطب في أنواع العشب والفواكه وخواصها ومنافعها، لو جمع ذلك لكان ديوانا حافلا، وسيمر بك نزر من ذلك. ومما يبرهن على مهارته في الطب وكامل معرفته أن شخصين أرادا أن يختبراه في الطب، وكان كل من عنده مريض يأتيه عند الصباح بزجاجة فيها بوله يقال لها الهراقة، فعمد أحد الشخصين إلى بول كبش سمين وجعله في زجاجة، ¬

_ 475 - من مصادر ترجمته: نشر المثانى في موسوعة أعلام المغرب 6/ 2142.

وعمد الآخر إلى سقف قديم تنزل منه القطرة وجعل ماء القطرة في الزجاجة كأنه بول، واختلطا في الناس فجعل الطبيب ينظر في كل هراقة ويصف للمريض الدواء حتى وصل لصاحب الكبش فجعله في ناحية، ثم وصل لصاحب السقف فجعله في ناحية حتى فرغ من أمور الناس، فقال لصاحب الكبش: هذا غلبت عليه الشحم إن لم تذبحه عن قرب مات، وقال لصاحب السقف: اجعل لهذا حريرة وإلا سقط ثم قبضهما، وأراد أن يذهب بهما إلى الحاكم ثم عفا عنهما: ومن ذلك أنه كان يمر على رأس الشراطين فيجد إنسانا في طراز يقول الأبيات بصوت حسن، فكان يقف لاستماع صوته، فمر يوما فسمع صوته وهو متغير، فصعد إلى الطراز وسأل عن الآنية التي يشرب منها فوجدها برادة، فكسرها فوجد داخلها وزغة، فقال هذه التي غيرت صوته. ومن ذلك أنه كان مارا بالرصيف ومعه عبده، وإذا بوإذا بإنسان فإحدى يديه لبن وفى الأخرى حوت، فقال لعبده اتبع هذا وقيد الدار التي يدخل لها فتبعه، ولما كان من الغد أمره أن يذهب إلى تلك الدار وينظر، هل بها جنازة؟ فذهب عبده وأخبره أن بها جنازة، فذهب المترجم ودخل على الميت وفصده في محل، وقال لأهله: أخروه حتى تنظروا في أمره، ثم بعد هنيئة زال ما بالميت وعاش بعد، إلى غير هذا مما يقضى منه العجب ويشهد للعرب بالتفوق الذى لا مطمع لغيرهم في الوصول إليه، وإنما أوقعنا في الحضيض الأسفل الكسل، وإهمال اتباع سلفنا الصالح رضوان الله عنهم. وقفت على ظهير سلطانى أصدره سيدنا الجد الأكبر أبو النصر إسماعيل، يتضمن الإنعام على صاحب الترجمة بعمالة الجزية الواجبة على أهل الذمة القاطنين بعاصمته المكناسية، وإليك لفظه بعد الحمدلة والصلاة والطابع الإمامى:

"كتابنا هذا أسماه الله وأعز أمره بيد خديمنا الفقيه الأجل، الحكيم الأنبل، السيد عبد الوهاب ابن الفقيه النزيه، الحكيم الوجيه، السيد أحمد أدراق، يتعرف منه بحول الله وقوته أننا أنعمنا عليه بعمالة الجزية الواجبة على أهل الذمة القاطنين بملاح مكناسة حرسها الله وزدنا له في. . . . بها إعانة له على ما هو بصدده من ملازمتنا، وخدمة جنابنا العالى بالله على مقتضى حكمته، وشريف صنعته، إنعاما تاما والواقف عليه يعمل به والسلام وفى الرابع من صفر الخير عام سبعة وثلاثين ومائة وألف". ووقفت على ظهير أصدره نجل أبى النصر المذكور المولى على زمن إمرته بالإنعام على المترجم على وجه الإقطاع والتمليك بدار القرفطى المجاورة لروضة السيدة عائشة العدوية من العاصمة المكناسية، وبسط له يد الحوز فيها على الوجه المذكور، نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع بداخله (أمير المؤمنين أبو الحسن على ابن أمير المؤمنين إسماعيل الشريف الله وليه) وبدائرته من أعلى (لا إله إلا الله وحده صدق الله وعده ونصر عبده لا إله إلا الله الأمر كله لله): "كتابنا هذا أسماه الله وأعز أمره، وأحاط بحوله وطوله. . . . آمين بيد حامله محبنا الفقيه العلامة. القدوة الدراكة الفهامة. الحكيم الأجل السيد عبد الوهاب بن أحمد أدراق، يتعرف منه بحول الله وفضله، وجميل مواهبه وعدله، أننا أنعمنا عليه بدار القرفطى المجاورة للسيدة الجليلة عائشة العدوية نفع الله بها وجدنا عليه بملكيتها والتصرف فيها بالبيع والسكنى وغير ذلك تصرف المالك في ملكه بمقتضى. . . أن من نازعه فيها. . . بساحتها أو حام حول حماها لا يلمن إلا نفسه. ولا يتخيلن إلا رمسه. هبة كلية. ومنحة سرمدية. على الأبد إن شاء الله، وحسب الواقف عليه العمل به. والاقتفاء بكريم مذهبه. والسلام وفى منتصف جمادى الآخرة عام سبعة وأربعين ومائة وألف".

كما وقفت له على ظهير آخر أصدره بالإنعام على المترجم بمستفاد ميزان قاعة العطارين من فاس، وما يضاف لذلك داخل المدينة وخارجها، إعانة له على ما هو بصدده من القيام بالوظائف السلطانية، وملازمته للدار العالية، نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع المتقدم ما بداخله: "كتابنا هذا أسماه الله تعالى وأعز أمره، وخلد في دفاتر اليمن والإقبال ذكره، بمنه آمين بيد ماسكه الفقيه الأجل، العالم الأكل، الحكيم الأنبل، محبنا وأعز الناس لدينا، وأحبهم علينا، السيد عبد الوهاب بن أحمد أدراق يتعرف منه بحول الله وقوته، وشامل يمنه العميم ونصرته، أننا أنعمنا عليه بمستفاد ميزان قاعة العطارين من فاس حاطها الله وما هو مضاف إليه، وجارى حكمه عليه، داخلا وخارجا فقد أجرينا عليه ذلك وأسندنا أمره إليه، وأقصرنا نظره وخراجه عليه، ليستعين بذلك على ما هو بصدده من القيام بوظائفنا، والوقوف في مآربنا والملازمة للعلية بالله تعالى أعتابنا، أداء لبعض واجبه علينا، وقليل ذلك في حقه عندنا ومكانته لدينا، إنعاما تاما، مطلقا عاما، دون منازع له ولا معارض، ولا مزاحم ولا مناقض، ومن نازعه فيها أو طاف بساحتها نحفر جدره، ونمح أثره، والواقف عليه يعمل بمقتضاه، ولا يخالف ما أبرمه وأمضاه والسلام وفى الخامس والعشرين من ذى القعدة الحرام عام. . . . سبعة ومائة وألف". مشيخته: أخذ عن الشيخ اليوسى، وسيدى عبد السلام القادرى، ولقى العارف بالله سيدى أحمد بن عبد الله، وكان يذكر حكايات في تفريح مضايق عرضت في علاج أولاد السلطان وأضرابهم. مؤلفاته: منها تعليق على النزهة للشيخ داود، وأرجوزة ذيل بها أرجوزة ابن سينا في الطب، وأرجوزة في حب الإفرنج المعروف لدى العامة بالنوار، وهو

السمهرى، فيمن نفى عيب الجدرى، رد به على من يقول إنه ليس من عيوب الرقيق، ومنظومة في مدح صالحى مكناسة الزيتون، وغير ذلك. شعره: من ذلك قوله: رمت انتساب سلالة الشيخ الذى ... شرفت بنسبته بنو جيلانى فصددت عنه والذى قد صدنى ... علو رفعة شأنه عن شانى إذ ما استطعت سوى العكوف ببابه ... متضرعا عل الندى يغشانى قد ألف النجل الإمام المرتضى ... عبد السلام أزاهر البستان في النسبة العليا وذكر مناقب ... بروية في غاية الإتقان وتلاه في الوصف الجميل محمد ... المسناوى العالم الربانى وتلاهم الجم الغفير من الألى ... جلت مآثرهم من الأعيان ما كان صنعهم لصحة نسبة ... بل للتبرك وارتجاء تدانى فلصحة النسب الشريف دلائل ... من قبلهم بسواطع البرهان فطمحت بالالحاق لو سمحوا به ... لأنال ما نالوه من عرفان إذ من أتى بابا ولازم سدة ... دخل المكان على هدى وأمان وعلى النبى وآله وصحابه ... أزكى الصلاة ورحمة الرحمن ما غردت قمرية باللحن في ... روض المنى ورنت على الأغصان وقوله: سر كما تحمل في كف القدر ... لا كما تختار إن كنت أثرْ ما لعبد من مراد أن يرد ... كل شئ بقضاء وقدرْ

فإذا ما قلت إنى قادر ... فادن كى تفعل شيئا أو تذرْ سلم الأمر لمولاك ولا ... تتعب العقل بورد أو صدرْ واطرحن عنك قضايا ما لها ... أثر واشدد على ما في الأثرْ وإذا ما اشتد أزم فله ... فرج أقرب من لمح البصر فابتهل لله واسأله إذا ... جن ليل سيما عند السحر بخضوع وخشوع تعط ما ... فوق ما تأمل من رب القدر وختام المسك إكثارك من ... صل يا رب على خير البشر وعلى الآل وصحب كلما ... طلعت شمس وما لاح قمر (¬1) وقوله في منافع النعناع: ألا هل من الأعشاب نبت يوافق ... موافقة النعناع بل ويطابق فكم من خصال حازها وفوائدا ... وكم من مزايا لا يفى بها ناطق يسارع بالتسليم عرفا على الذى ... يمر به في روضه ويسابق فما العنبر الشحرى ما المسك ما الشذا ... إذا فهن طيبا كلها منه سارق إذا عبق النعناع فاغن به ولا ... تعرج على روض خلا منه عالق ففى طبعه حر بآخر أول ... ويبس عليه المعتنون توافقوا ولكن به لبن من الماء عارض ... تزيد به أسراره والدقائق يؤنس بالتفريج نفسا مشوقة ... ويذكى حجا من للمعارف عاشق ويرسل مقوال الفتى بمقوله ... ويفتح أبوابا عليها مغالق ¬

_ (¬1) الأبيات في نشر المثانى في الموسوعة 6/ 2143.

فخذ منه قبل الأكل نزرا وبعده ... ترى عجبا نعم العشير الموافق يصون غذاء المرء من كل آفة ... تخاف ولم يطرقه بالسوء طارق إذا الشهوتان احتاجت لموافق ... فليس كما النعناع خدن موافق ففى هضمه إن عز هضم لناقص ... وفى التخمة الشنعاء خيره دافق وقاطره في الكل مثل طبيخه ... بسكر نبت فهو راق ورائق وللماء إصلاح بتضميده علا ... وشائعه أن غيرته ريانق له في علاج الصدر سهم مفوق ... وفى خفقان القلب سهمه بارق وفى المعد اللاتى تفاقم ضعفها ... له الرتبة العظمى على الغير فائق وفى الغشيان الصعب قد شاع نفعه ... وللقئ والإسهال بالفور عائق وللدوخة الضراء بالرأس نافع ... كذاك الصداع لا تراه يفارق وهل لدماغ قد وهى مثله وهل ... عيون وهت عما سواه روامق وينفع ألبانا من العقد عندما ... تكون حوتها للغذاء مسارق ويخرج ديدان البطون بأسرها ... وللسم دفاع وللبرء سائق مدر لبول للحصاة مفتت ... منق لأنواع البلاغم فارق وفيه لطرد الريح بالحر غاية ... كذا لفواق جربته الحواذق وفيه لدفع الريح نفع مقرر ... إذا بفضا الأحشاء برقه خافق وفى ألم القلب الضعيف بدت لنا ... منافعه الجلا فسوقه نافق فمضغه يشفى السن من وجع ومن ... بتور بلثات لدى الفتق رائق يحمر لون المرء حتى كأنه ... إذا رئى قال المبصرون شقائق

وقد جريته للبواسر أسرة ... وأرواحها فانزاح عنها التضايق وللنكهة التطبيب عند امتضاغه ... وناهيك منه ما حوته الحدائق فما لى لا أثنى عليه وأعتنى ... بنظم لآليه وفضله سابق وقوله: أفضل شئ للتداوى يوكل ... الكبر المملح المخلل فطبعه الحر وقيل البرد ... والحر أشهر على ما يبدو وقيل بل بحسب الأقاليم ... حرا وبراد عن ذوى التعاليم مسخن للمعد المبروده ... مفتح للكبد المسدوده يفتت الحصا وللبول يدر ... وفى الطحال سره أمر شهر منبه لشهوة الغذاء ... بعد سقوطها بلا امتراء ويخرج الحام من المفاصل ... إن حلها من خارج أو داخل ويطرد الرياح والسموما ... يبرئها والبهق المذموما والريق والسعال للمبرود ... والخل في المحرور من مفيد ويبرئ القروح والأسنانا ... يعيدها قوتها استنانا ويجبر الكسر وما ضهاه ... من هتك أو وهن حواه كذا يحل كل صلب من ورم ... وشبهه وفى الخنازير أتم ويخرج الديدان عن قريب ... ولو من الأذن على تجريب وهذه الخصائص المذكوره ... لقشر أصله ترى مسطوره وقد ينوب اللب عن أصله في ... خصاله وبالمزيد قد يفى والكبر الحائز كل فخر ... ما كان منه نابت في الصخر

476 - عبد الوهاب أجانا.

وفاته: توفى عن سن عالية ليلة صبيحة الاثنين الثامن والعشرين من صفر الخير عام تسعة وخمسين ومائة وألف، ودفن ظهر اليوم المذكور بروضة سيدى محمد الطالب، قرب سيدى أبى غالب على ما في المورد الهنى، والذى في النشر أنه توفى أواخر صفر عام الترجمة يريد العام المذكور. 476 - عبد الوهاب أجانا. المكناسى أصلا المراكشى دارا أو قرارًا. حاله فقيه أستاذ مقرئ مجود بركة فاضل، وجيه نزيه، صالح فالح معتقد كانت له جلالة ومكانة لدى السلطان العادل مولانا سليمان ومحبة زائدة وكان يؤدب أولاد الملوك بالدار السلطانية من الحضرة المراكشية بعد أن رجع من سجلماسة بعد أن حفظ عليه القرآن السلطان العادل مولانا سليمان وأخذ عليه علوم القراءات من تجويد وغيره، ولذلك لم يزل مراعيا فيه حق الشيخوخة معتنيا بأولاده بعد وفاته، محسنا إليهم، أقطعهم بعد موته دارًا وجنة بمراكش، كانت بيد والدهم بظهير دونك لفظه: الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله، ثم الطابع داخله (سليمان بن محمد بن عبد الله) ودائرته فيها محمد، أبو بكر، عمر، عثمان، على: "أنعمنا بحول الله التام، وشامل يمنه العام، على أولاد شيخنا البركة الفقيه الأجل السيد عبد الوهاب أجانا رحمه الله، وهم الفقيه السيد المفضل، وأخوه الفقيه السيد أحمد، وإخوانهم بالدار التي بها سكناهم مع والدهم رحمة الله عليه الكائنة بدرب الحمام من المواسين من حضرة مراكش أمنها الله، وكذا أنعمنا عليهم ¬

_ 476 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 7/ 2456.

477 - العباس بن محمد بن كيران الفاسى الأصل المكناسى الوفاة.

بالعَرْصَة (¬1) التي كانت في يد والدهم وتصرفه الكائنة بدرب سنان من الحومة المذكورة يتصرفون فيها بأنواع التصرفات كلها من غير منازع ولا معارض، ولا مدافع ولا مداحض، إنعاما سائغا لا يتعقب، وإقطاعا إماميا لا نسخ بحول الله يترقب، والوقف عليه من القضاة والحكام، وحملة السيف والأقلام، يعمل به، ولا يحيد عن كريم مذهبه، والسلام وكتب في سادس شعبان المبارك أحد شهور عام اثنى عشر ومائتين وألف، ذكره صاحب الإعلام، بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام، وقال إنه وقف عليه. وقد كان ولاه على قبائل تامسنا لما ولاه الله أمر المسلمين، فأقام واليا بها مدة أعوام إلى أن كبر سنه وعجز، فأخره إذ ذاك عن الولاية وأنزله بمكناسة كذا في جمهرة التيجان لدى تعرضه لذكر الآخذين عن السلطان المذكور. مشيخته: منهم السلطان العادل المولى سليمان، فإنه لما ولاه الله أمر المسلمين صار المترجم يأخذ عنه العلم في جملة من أخذ عنه من الأعلام. الآخذون عنه: أخذ عنه السلطان العادل المولى سليمان، وهو مؤدبه في صغوه إلى أن حفظ القرآن، والأمهات الصغار، وكان يظعن بظعنه ويقيم بإقامته وناهيك به، ذكره الزيانى وتلميذه ابن رحمون في عداد مشيخة السلطان المذكور. وفاته: توفى أوائل القرن الثالث عشر بمراكش. 477 - العباس بن محمد بن كيران الفاسى الأصل المكناسى الوفاة. حاله: عالم زمانه، وفريد عصره وأوانه، حامل لواء التحقيق، المشار له في الإتقان والتدقيق، مشارك نفاع، غزير المعارف كثير الاطلاع، له اليد الطولى في سائر العلوم، والاقتدار الكامل على الحوض في منطوقها والمفهوم، اثتقاه سيدنا ¬

_ (¬1) في المطبوع: "العرسة، وأمامها كلمة (كذا) والعرصة: ساحة الدار، والبقعة الواسعة بين الدور لا بناء فيها.

الجد المولى عبد الرحمن بن هشام لقضاء عاصمته المكناسية، واتخذه شيخ مجالسه الحديثية ينوه بقدره، ويستمع لنهيه وأمره، وتولى خطبة جامع القصبة السلطانية، وأقبل على التدريس، فانتفع به جم غفير من أهل النقد والتحرير، ولم يزل محمود السيرة على تلك الحال، إلى أن لقى الكبير المتعال. مشيخته: أخذ عن العلامة السيد عبد القادر بن شقرون الفاسى، وتلميذه الشيخ الطيب ابن كيران وخصوصا الحديث، وعن الشيخ محمد صالح بن أبى محمد خير الله الشريف الحسنى نسبا البخارى السمرقندى أصلا ومنشأ الرضوى نسبة إلى على الرضا البخارى المولود عام واحد ومائتين وألف المتوفى بالمدينة المنورة عام ثلاثة وستين ومائتين وألف، وأجازه إجازة عامة عام ستين ومائتين وألف عند مقدمه للديار المغربية، إجازة عمم فيها وخصص، ودونك صورتها بعد البسملة والصلاة: أحمده إذ الحمد لذاته، له بذاته، وأصلى وأسلم على سيدنا محمد قطب دائرة الوجود وصفاته، وعلى آله وأصحابه نجوم الاقتداء وهداته وحماته. أما بعد: لما كان عادة أهل الحديث، في القديم والحديث، الاستكثار من الاستجازة ولو من الدون، لصالح أغراض لا يعقلها إلا العالمون، طلب منى العلامة الأشهر، والبدر المنير الأزهر، الشيخ البركة، الحميد السكون والحركة، قاضى مكناسة الزيتون، المزرية علما بالروض الهتون، أبو عبد الله محمد العباس ابن كيران، تولانى الله وإياه وجميع المسلمين بالقبول والغفران، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير، أن أوصل له سند الفاتحة وأصافحه وأشابكه بالمصافحة والمشابكة، المعروفة المتداولة بين المحدثين فصافحته وشابكته، وهأنا أوصل له سند الفاتحة فأقول وأنا الفقير البارى، محمد صالح الرضوى النجارى، أدركنى الله وأسلافى وأخلافى والمسلمين بلطفه العميم السارى؛ وخيره الكثير الجارى، حدثنا

السيد الجليل، العالم النبيل، جمال الليل صالح عن السيد عبد المحسن بن العلوى المقيبل قدس سره عن السيد إبراهيم اصعد مفتى المدينة المنورة قدس سره، عن الشيخ محمد بن الطيب المغربى المدرس بالمسجد الشريف النبوى رحمه الله، عن الشيخ أحمد بناصر قدس سره، وكان مشهورًا بإقرائه للجن عن عبد المؤمن ساكن بدر الجنى صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين إلى آخر السورة باتصال ميم البسملة بلام الحمد على القراءة الورشية، وهذا أعلى سند لنا في الفاتحة فالحمد لله على ذلك. وأما المصافحة فبحمد الله تعالى لى أسانيد ستة من طريق سيدى القاضى أبى محمد الشمهروش رضى الله عنه، وأبى سعيد الحبشى رضى الله عنه، وسيدى أبي العباس الخضر على نبينا وعليه الصلاة والسلام بسندين، وسيدى أنس ابن مالك رضى الله عنه بسندين، فصارت الجملة ستة أسانيد، فمنها ما أرويه عن السيد الجليل عبد الوهاب الموصلى، عن الشيخ إسماعيل، عن الشيخ أحمد المنينى، عن الشيخ عبد الغنى المقدسى، عن القاضى أبى محمد الشمهروش رضى الله عنه أنه اجتمع برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جبل أحد فقال له: يا شمهروش صافحنى وأنه من صافحنى أو صافح من صافحنى إلى سبع مرات دخل الجنة من غير سابقة العذاب، فهذا والحمد لله أعلى سند في المصافحة من حيث إنه وقع بينى وبينه - صلى الله عليه وسلم - خمس وسائط فأنا السادس فالذى صافحته أنا هو السابع، فله أن يصافح فقط دون من يصافحه. وأما سند المشابكة فأرويه عن سيدى ومولاى رفيع الدين قدس الله سره العزيز، عن مولاى الشريف مولاى محمد بن عبد الله المغربى نزيل المدينة المنورة شرفها الله، عن مسند الحجاز الشيخ عبد الله بن سالم البصرى، عن شيخه محمد ابن سليمان البابلى كما شابكه شيخه الجزائرى وقالي لى: شابكنى، من شابكنى

دخل الجنة، إذ بذلك شابكنى شيخنا أبو عثمان المغربى وبذلك شابكه سيدى أحمد خجى، وبذلك شابكه أبو سالم التازى، عن سيدى صالح الزواوى، عن عز الدين ابن جماعة، عن الشيخ محمد بن سيرين، عن الشيخ سعيد الدين الزعفرانى، عن والده محمود الزعفرانى، عن أبى بكر السيواسى، وناصر الدين على بن أبى بكر ابن ذى النور الملطحى، وهما عن محمد بن إسحاق القونوى، عن الشيخ الأكبر محيى الدين بن عربى، عن الشيخ أحمد بن مسعود بن شداد المغربى الموصلى، عن الشيخ على بن محمد الحالى الباهرى، عن الشيخ أبى الحسن الباغوزادى، قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام فشد أصابعه بأصابعى، وقال: يا على شابكنى، فمن شابكنى دخل الجنة، وما زال يعد حتى وصل إلى سبعة، ثم استيقظت وأصابعى في أصابع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال الشيخ التازى: كذا ينبغى لمن شابك أحدا أن يقول شابكنى فمن شابكنى دخل الجنة، رزقنا الله وإياه التقوى منه في السر والعلن فإنه مجمع الخيرات، ومنبع السعادات، ورفع الهمة كن أجدر رجل في الدنيا، وهامة همته في الثريا فإن الله يحب رفع الهمة ويثبتنا وإياه بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفى الآخرة ويرزقنا الورع والقناعة والزهد والصبر والشكر والتوكل والرضا والتسليم، ويجنبنا عما ينافيها ويحمينا في ظل حمايته وحفظه وحرزه وأمانه ويمن عنايته، وحسن رعايته، وظل رأفته ورحمته ولطفه وجوده وإحسانه، ويجعلنا من محبيه صلى الله عليه وسلم بدءا وعودا، ويعاملنا معاملته بهم حياة وموتا ونشورا. وأجزت له أن يصافح ويشابك كما صافحته وشابكته، ويجيز برواية الفاتحة، كما رويت له، وبالجملة أجزته أن يروى عنى الكتب المتداولة المعروفة الحديثية والتفسيرية وغيرها من العلوم العقلية والنقلية، وأرجو الله عز وجل أن ينفع به عباده من حيث إنه ينشر العلم النافع ابتغاء مرضاته، وكان ذلك في ثانى جمادى

478 - العباس بن أمير المؤمنين مولاى عبد الرحمن بن أمير المؤمنين مولاى هشام بن أمير المؤمنين سيدى محمد بن أمير المؤمنين مولاى عبد الله بن أمير المؤمنين السلطان الأعظم مولاى إسماعيل بن الشريف الحسنى

الثانية سنة ستين ومائتين وألف من هجرة من له المجد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله أولا وآخرا، وباطنا وظاهرًا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه صلاة زاهرة وسلاما فاخرا، هـ لفظه. الآخذون عنه: منهم أبو عبد الله محمد بن المدنى جنون صاحب اختصار الرهونى، والقاضى الحاج المهدى ابن سودة، وأخوه الحاج عمر، والقاضى حميد مصغرا -بنانى، والحاج صالح التادلى، وشيخنا أبو العباس أحمد بن الخياط سمع عليه مجلسا واحدا في الشفاء، والسيد فضول السوسى، والسيد فضول بن عزوز، والسيد الظاهر بوحدو، وأبو عبد الله محمد بن الجيلانى السقاط، والسيد المختار الأجراوى، والسيد الهادى فرموج، وغيرهم من نقاد فحول الأعلام. مؤلفاته: منها حاشية على خطبة الشيخ ميارة الصغير شرح المرشد المعين. وفاته: توفى بمكناسة الزيتون في ثانى قعدة الحرام عام واحد وسبعين ومائتين وألف أغفله صاحب السلوة فلم يتعرض لترجمته، وترجمه الحاج المختار التاسفينى في ذيله على تاريخ ابن عيشون والقاضى حميد في فهرسته. 478 - العباس بن أمير المؤمنين مولاى عبد الرحمن بن أمير المؤمنين مولاى هشام بن أمير المؤمنين سيدى محمد بن أمير المؤمنين مولاى عبد الله بن أمير المؤمنين السلطان الأعظم مولاى إسماعيل بن الشريف الحسنى. حاله: فقيه علامة، مشارك متفق، مدرس مقيد ممتن، كثير المطالعة، جماع للكتب، عمت كتبه بعد موته المشرق والمغرب، لا تكاد تجد خزانة من الخزائن ذات البال خالية من كتبه، ولا تكاد تجد كتابا من كتبه إلا وعليه توقيفاته من أوله إلى ¬

_ 478 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 7/ 2663.

[صورة] مولاى العباس بن السلطان عبد الرحمن

أخره ولو تعددت أجزاؤه، وربما قيد ساعة ابتدائه للكتاب بالمطالعة وساعة ختمه، وقفت على كثير من ذلك بالخزائن الإسلامية والأوربية، وكان ذا همة عالية، ونفس آبية، وتؤدة ووقار وأبهة، مع بشاشة ولين جانب وتواضع وخفض جناح وحنان وشفقة وحلم، جوادا كريما وجيها. قال في حقه صاحب الدرر البهية! فكان رحمه الله في العلوم آية، ومن أهل الإتقان والدراية، مشاركا حافظا جاهدا مجاهدا ذا إقدام ولسان، مع كرم وإحسان، رأيته يوما في بعض المحافل وقد أملى من الأحاديث النبوية، مع ما طابقها من الآيات القرآنية، ما بهر عقول الحاضرين، وقطع ألسن المناظرين، كما أنى رأيته وقد حضر بيعة أمير المؤمنين مولانا الحسن رحمه الله، وقد تكلم بكلام يحرك الجماد، ويصدع القلوب والأكباد، مفصحا في الخطاب والجواب، حتى رد الناس إلى الصواب. وقد كانت له مكانة لدى والده وعناية كاملة بشأنه حتى إنه كان يتتبع أطوار أحواله، ويرشده لما فيه تحسين مآله، يرشدك لذلك المكاتيب الإرشادية التي كان يوجهها له منها كتاب يخاطبه فيه بلسان وزيره الشهير السيد العربى بن المختار الجامعى ونصه. "الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم. سيدنا الأجل الأرضى الفقيه العلامة الأحظى الأمجد الأنجد الأفضل، مولاى العباس بن مولانا أمير المؤمنين حفظك الله ورعاك، وأخصب بمنه روض مرعاك، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته عن خير مولانا نصره الله. وبعد: فقد أمر سيدنا أعزه الله أن يكون السيد محمد الريفى يطالع معك الأنصبة التي تقرأ على السيد العباس بن كيران، فإنه طالب عارف غير مزوق،

وإنما يبلغ المقصود وعلى محبة سيدى والسلام في 2 محرم عام 1268 العربى بن المختار خار الله له". ولم يزل قائما على أخذ العلوم عن نقادها بجد واجتهاد، حتى فتحت له النجابة بابها وبرع ومهر، فكان يدرس العلوم العقلية والنقلية بجامع القصبة السلطانية المعد لصلاة السلطان الجمع عند حلوله بالحضرة المكناسية، وكان يحضر درسه قاضى الحضرة فمن دونه من الأعلام والعدول، ودرس بجامع المنصور من الحضرة المراكشية، أصدر والده الأمر لطلبة العلم بالحضور عنده. وكان كثير الانحياش لجانب الله محبا للصالحين مواسيا للضعفاء والأرامل وبالأخص الأشراف ساعيا في خيرهم، ومستعملا نفوذه في الإنعام عليهم. ينبئك عن ذلك ما أجابه به الوزير أبو عبد الله الصفار عن كتاب بعثه إليه في الموضوع ونصه بعد الحمدلة والصلاة. "سيدنا الفقيه النبيه، السرى النزيه، النحرير الأجل؛ اللوذعى الأفضل مولاى العباس نجل مولانا أمير المؤمنين حفظك الله ورعاك، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته، عن خير مولانا نصره الله. وبعد: فقد وصلنى كتاب سيدى وعرفت مضمنه وشاورت سيدنا أعزه الله على ما طلب سيدى للأساتيذ، فأنعم عليهم بما من عادته أن يصلهم به كما شاورناه على الشريف مولاى عبد المالك ولد مولاى أحمد القاضى، وعلى الشريفة لال صفية، فأنعم على الأول بكسوة بيضاء وكساء وسلهام وعشرة مثاقيل، وللثانية أربعة مناصير وعشرة مثاقيل، الكل على يد السيد أحمد اللب، وقد توجه له الأمر الشريف بذلك كما شاورناه أعزه الله على أمر نقص حزابة لأل عودة لم ييسر الله لهم في شئ، وقال أعزه الله إن فتح لهؤلاء باب الزيادة طمع فيها غيرهم، وما علينا إلا البلاغ المبين، وأمر الفقيه السيد العربى بصرى منا على بال،

نطلب الله أن ييسر في الوفاء بوعده وعلى محبة سيدى، والسلام في 6 حجة عام 1270. محمد الصفار وفقه الله. ثم بعد يسر الله في تسراد السيد العربى مكرما مجبور الخاطر فالحمد لله على الوفاء بالوعد". قال في الدرر البهية: حدثنى من لا أتهم، أن والده أمير المؤمنين مولاى عبد الرحمن، لما دنت وفاته أدناه منه وأشهد من حضره من أهله أنه راض عن أولاده عموما، وعن صاحب الترجمة خصوصا، وأوصى الخليفة من بعده سيدى محمد بواسطة الحاضرين بالإحسان إلى صاحب الترجمة، فنفذ رحمه الله وصية أبيه فيه ولذلك كان له معه مزيد إخاء وارتباط يقدمه للمهمات، ويستشيره في المدلهمات، لا يفارقه ظعنا ولا إقامة إلا إذا عقد له على جيش لقضاء مهم. وقد كان رحمه الله هو المتولى رياسة وقعة تطوان الواقعة مع الإصبان سنة 1276 معززا بصنوه جدنا من قبل الأم أبى العباس مولانا أحمد الذى كان نجا بنفسه بعد الواقعة للديار المشرقية، وصاهر أحد ملوك بنى عثمان، ولم يزل بتلك الديار إلى أن ختمت أنفاسه بدمشق الشام من الأرض المقدسة، وقد أسلفنا مضمن تلك القضية، التي هى على عزة الإسلام قاضية، في ترجمة أخيه السلطان سيدى محمد بن عبد الرحمن، وذكرنا ما أظهره المسلمون من القوة والبأس أولا، وأن المعارك لم تزل متوالية وجيوش الإصبان في انكسار إلى أن كان ما قدر الله وقوعه مما لا داعى إلى التطويل به. وإنما أومأنا لذكر القضية لدلالتها على نبل المترجم ومهارته في علم السياسة والحرب، وزيادة على ما أوتيه من واسع الاطلاع، مع قلة من كان معه، وشدة

جيوش خصومه ولذلك لما وقعت المخابرة في عقد الصلح بين السلطان المقدس سيدى محمد وبين دولة إصبانيا فوض للمترجم في عقد الصلح مع تلك الدولة كل التفويض حسبما تنبئ عن ذلك ظهائر السلطان المذكور والمتقدم ذكر نصوص بعضها، ولم يخب ظن السلطان سيدى محمد فيما أمله في أخيه مولاى العباس، والمطلع على ما كان يروج بين السلطان وأخيه المذكورين من المكاتيب في قضية الحرب التطوانية يعلم أن ذلك التفويض في محله. وعلى يد مولاى العباس المذكور انعقدت عدة معاهدات كالهدنة والصلح بين المغرب وإصبانيا إثر تلك الحرب المشئومة، وتلا ذلك عقد معاهدة تجارية بين الدولتين على يد مولاى العباس المترجم وكان سفير إسبانيا قد كتب إليه في شأن المفاوضة فيها بما معربه: "سفارة الجلالة المسيحية. في المغرب. إلى الكريم الأمير مولاى العباس، خليفة سلطان المغرب وممالك إفريقيا الجنوبية. نسأل أولا عن صحتكم التي نرجو أن تكون تامة، ثم أفيدكم بأنه وفاقا لما أوضحته لكم في مذكرتنا الأخيرة، تلقيت من جلالة مولاتى الملكة، تعليمات قاطعة فيما يخص السعى لديكم، لتعيين مفوض من قبل جلالة سلطان المغرب، يعهد إليه بمفاوضتى في إبرام اتفاقية تجارية تنفيذا لما ورد في الفصل الثالث عشر من معاهدة الصلح المنعقدة في تطوان بتاريخ 26 يبراير من هذه السنة. وقد علمتم أن جلالة ملكة إسبانيا أصدرت أمرها بتعيين مندوبها المفوض للغاية المبينة.

وفى أملى أنكم تتخذون كافة الاحتياطات اللازمة للوصول إلى غرضنا من غير توان، وليس بخاف أن المادة الرابعة عشرة في معاهدة تطوان تنص على وجوب اجتماع المفوضين بعد انقضاء شهر على توقيع المعاهدة المشار إليها، وها قد انقضت خمسة أشهر كاملة ونجن لم نجتمع والسلام. كتب بطنجة بخامس نوفمبر 1860 مندوب جلالة ملكة أسبانيا: فرانسيسكو ميرى اكلون". صح مباشرة من أصلها الإصبانى المحتفظ به بالمكتبة الزيدانية. وقد توجه مولاى العباس لمدريد فعقد مع حكومتها المعاهدة التجارية المشار إليها المؤرخة بخامس عشرى ربيع الثانى عام 1278، وقابل ملكة الإسبان فلقى منها ومن رجال دولتها من الإجلال والإعظام ما يليق بجنابه السامى، وكتب للسلطان أخيه يخبره بذلك، فأجابه بما نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع الصغير: "أخانا الأعز الأرضى، مولاى العباس حفظك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد وصلنا كتابك، وعرفنا ما تضمنه خطابك، واستفدنا منه وصولك لمدريد، وأنك تلاقيت مع رينة دولة الصبنيول في الساعة الثالثة من اليوم الذى أرخت، على الكيفية التي شرحت ووصفت، وأنها أظهرت لكم من أنواع الفرح والسرور والترحيب، والمباششة والاعتناء والتقريب، ما أبهت أرباب دولتها حيث لم يكن عندهم معتادا وأعلمتكم بما هى عليه من المحبة في جانبنا العالى بالله ووعدتكم بالخير وكمال الغرض إن شاء الله ثم وجهت لكم الوزراء والأعيان والكبراء مسلمين عليكم ومهنئين ومظهرين ما يدل على كمال النجح وقضاء المراد

بحول الله، فنسأل الله العظيم، رب العرش الكريم، بجاه رسوله صلى الله عليه وسلم أن ييسر لكم جميع الأمور، ويصحبكم السلامة والعافية في الورود والصدور، وأن يجعل الفتح أمامكم حيثما توجهتم والسلام 12 ربيع الثانى عام 1278". وقد قدمنا نصوص تلك المعاهدات في الترجمة المحمدية فلتراجع هناك، ولعل من لا خبرة له يفوق سهام اللوم للرجل المقدام صنو جلالة السلطان مولاى العباس، الذى فوض له في عقدها، ومن علم الحالة التي كان عليها المغرب وقتئذ وأحاط علما بتلك الظروف الحرجة التي منها احتلال العدو لثغر من أرفع ثغور البلاد يقرب من النقطة المحتل لها، ومنها جنوح الرعية وتحفزها للثورة اغتناما لفرصة اشتغال المخزن بتلك الحادثة المؤلمة، ومنها إظهار بعض القبائل الجبلية الميل للعدو والتفاخر بحسن معاملته، كما يرشد لذلك ما تقدم في الترجمة المحمدية، علم أن هذه أمور كلها موجبة لحسم مادة الحرب التي لا يوافق على خوض معامعها إذ ذاك عاقل، ولولا حسن سياسة النائب المفوض مولاى العباس لعظم الأمر واستفحل الداء، ولله في خلقه شئون. وكان السلطان أخوه يكلفه بمراجعة السفراء ومباحثتهم في غير ما تقدم من لاشئون، وهم يكاتبونه في ذلك، من ذلك ظهير شريف كتب له ليجيب به سفير فرنسا فيما طلبه من إباحة إصدار الصوف لفرنسا، ونصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع الكبير بداخله (محمد بن عبد الرحمن غفر الله له): "أخانا الأرضى مولاى العباس حفظك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فقد كتب لجانبنا العالى بالله نائب الدولة الفرانصوية في شأن الصوفة بأن في دوام وسقها منفعة لتجارنا وتجار جنسهم، وأن في قطعه تكديرا لهم، وأن

ما كان يذكر من أن وسقها يحدث منه الضرر بسبب أمر الحمايات قد ارتفع قبل هذا بزمان، وأنهم بريئون من التعدى في أمر الحمايات بكل وجه ممن هو تحت نظرهم. فأخبره بأن كتابه وصل لجانبا العالى بالله، وبأنا نعرف ما فيها من النفع لبيت المال، لكن أمرنا بتثقيفها حين يكمل الأجل الذى حددنا لها، لننظر عند ذلك في أمر الضعفاء والمساكين الذين يحتاجون إليها، ويصعب عليهم التوصل لها، وفى أمر نفع بيت المال، وننظر فيما تحصل من النفع في مدة تسريحها، وما اقتضته المصلحة نرتكبه إن شاء الله، وما كان سيدنا رحمه الله قطع وسقها إلا رعيا للضعفاء حيث بلغ سيادته أنهم لا يجدون ما يتسترون به إلا الجراتيل، وأنهم يلقطون صوفة موتى المواشى من المزابيل، فوسع عليهم بقطع وسقها لترخص ويتوصلوا منه لما يجعلون على ظهورهم، وما قيل من أن الرعية لم يحصل لها ضرر في وسقها فهو صحيح بالنسبة لمن يبيعها فقط، وأما من لا يبيعها وهم الأكثر بكثير فليس كذلك، ونحن إن شاء الله ننظر فيما فيه نفع بيت المال والرفق بالضعفاء إن شاء الله، والله الموفق بمنه والسلام في متم صفر عام 1277". وكتب له الوزير الطيب بن اليمانى بوعشرين في شأن سفير الإنجليز الراجع لطنجة بعد قدومه على الحضرة السلطانية بعد الحمدلة والصلاة: "سيدنا الشريف الأجل، الفقيه العلامة النبيه المبجل، سيدى مولاى العباس حفظك الله وسلام على سيادتك ورحمة الله، عن خير مولانا نصره الله. وصلنا الأعز كتابك، وعرفنا ما تضمنه الشريف خطابك، واستفدنا منه وصول باشدور دولة الإنجليز لطنجة مثنيا على ما لقيه من الجانب العالى بالله، ووصلت الكزيطة التي وجهت وطالعنا، وصار بالبال ما اشتملت عليه من الأخبار، كما وصلت

البهائم 20 التي حمل عليها الباشدور المذكور ورددتها ونحن على محبة سيدنا وعهده والسلام في 19 من صفر الخير عام 1278. الطيب بن اليمانى أمنه الله". وقد زاد الوزير المذكور بخطه أسفل الكتاب: "وقد سررنا غاية بما ذكره سيدنا عن الباشدور، لأنا لا نحب إلا أن تكون أمور سيدنا نصره الله على ما تحبه سيادتك، لأنك تحب له الخير أكثر من كل أحد كيف وأنت أخوه وعضده وساعده أبقاكما الله آمين للمسلمين". هـ. وكتب له السلطان في شأن ما طمح إليه الإسبان من بناء على شاطئى تكنة بقصد التجارة ظاهرًا بعد الحمدلة والصلاة والطابع الصغير بداخله (محمد بن عبد الرحمن الله وليه): "أخانا الأعز الأرضى، مولاى العباس حفظك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد: فإن بيرك التكنى كان على عهد سيدنا ومولانا قدسه الله تواطأ مع بعض النصارى على البناء بشاطئى أرضهم، فبلغ خبره لمولانا فوجه له نور الله ضريحه من ذكره وخلفه في المصحف الكريم على أن لا يعود لذلك، ولا يسلك مع الكفار تلك المسالك، وظهر منه من التوبة ما أوجب اعتباره ومراعاته عند سيدنا، ونفذ له دارًا بالصويرة، وكان محررًا من الإعطاء على سلعه التي ترد على الثغر الصويرى تأليفا له، وبقى على ذلك إلى أن لقى الله تعالى. ثم خلفه من أولاده خلف أضاعوا تلك الوصايا، وأرادوا أن يعرضوا بلاد المسلمين للرزايا، ويبيعوا دينهم بدنياهم، فتواطئوا مع نصارى جنس الصبنيول على البناء هنالك، فسمعت تلك القبائل المجاورة لهم بذلك، واتفقت على قتالهم إن لم يرجعوا عن غيهم، ويقلعوا عن بغيهم.

ولا يخفى ما يترتب على ذلك من الفتن والأهوال، واتساع دائرة القتال، وعليه فيتعين الكلام مع الصبنيول في هذا الأمر الذى يجر إلى ما لا يليق ليرجعوا عنه إن بدءوك بالكلام فيه وإلا فلا، ومن المعلوم أن أهل تلك البلاد من جملة رعيتنا وإيالتنا، فليس لأحد منهم أن يفعل في شبر منها ما شاء ولا تسلمها تلك القبائل ولو أفناهم القتال عن آخرهم. ومرادنا أن تبقى هذا المر مكتوما حتى يبدأك به الصبنيول، فإن بدءوك به فتجد عندك ما تقول لهم وما تردهم به. وها كتاب المرابط السيد الحسين الأليغى يصلك فطالعه لتعلل ما ذكر فيه، وإن ذكروا لك أن أهل تلك الجهة هم الطالبون لذلك والراغبون فيه، فأجبهم بأن الأمر بخلاف ذلك، وبأن قبائل تلك النواحى رمت ولد بيروك عن قوس واحدة، وليس معه أحد فيما أراد فعله، واذكر لهم في ذلك ما يليق أن يذكر، وإن لم يذكروا لك شيئا فلا تذكر لهم شيئا، ونسأل الله أن يرد كيده في نحوه، وقد أخبر خديمنا الطالب عبد الله أبهى بمثل ما أخبر به المرابط المذكور ونسأل الله أن يعجل بهلاكه آمين والسلام في 11 من ربيع الأول عام 1278". مشيخته: أخذ عن العلامة أبى العباس أحمد المرنيسى، وسيدى إدريس السنوسى، وسيدى عبد السلام بن على بن ريسون، والسيد العباس بن كيران، والسيد المهدى ابن سودة، وسيدى محمد بن محمد بن على الترغى، والسيد ابن داود بن العربى الشرقى، وسيدى محمد غيلان، والسيد عبد السلام المصورى، والسيد محمد بن اد الشنجيطى، والشيخ محمد صالح الرضوى، والسيد على المسفيوى، وأبى الحسن على بن محمد الهوارى، وأبى عبد الله محمد بن عزوز، ومولاى أحمد بوغربال، والشيخ الطالب بن الحاج السلمى، وعن الحاج أحمد الصفار جميع أوراد الشاذلى وغيرها من الأذكار والأسرار، وأخذ دلائل الخيرات

عن والده السلطان مولاى عبد الرحمن، عن البركة السيد الحاج التغمرتى، عن الشريف مولاى الطائع بن محمد بن هاشم، عن شيخه الشريف مولاى الفضيل ابن على، عن شيخه العلامة الهمام خلاصة الذهب الإبريز ومن له في تحقيق العلم والإفادة التبريز، أبى العباس سيدى أحمد بن عبد العزيز الهلالى، عن شيخه مولاى المصطفى البكرى، وخليفته بمصر الشيخ محمد الحفناوى، عن شيخه البديرى، عن شيخه محمد بن أحمد المكناسى المسطارى، عن شيخه أبى القاسم السفيانى، عن شيخه سيدى محمد الشرقى، عن شيخه سيدى عبد الله بن ساسى، عن شيخه العارف بالله سيدى عبد الله الغزوانى، عن شيخه سيدى عبد العزيز التباع، عن شيخه مولاى محمد بن سليمان الجزولى رضى الله عنه. وأخذ التغمرتى المذكور عن سيدى العربى بن المعطى الشرقى التادلى، عن سيدى محمد بن أبى القاسم العيساوى الشهير بالرباطى صاحب نظم العمل المطلق، عن شيخه سيدى أحمد بن عبد العزيز الهلالى، ويروى الجواهر الخمس عن الشيخ محمد صالح البخارى الحسنى الرضوى، عن مولاى رفيع الدين القادرى، ويروى عنه، أيضا الدور الأعلى حسبما ذلك بخط يد المترجم في كناشة له ومنها نقلت. الآخذون عنه: منهم عمنا أبو محمد عبد القادر بن زيدان، وشيخنا أبو عبد الله محمد بن عبد السلام الطاهرى وجماعة من الأعلام. مؤلفاته: وقفت له على ختم حافل على صحيح البخارى بخط يده. شعره: من ذلك قوله: يا ذا المكارم والعلا ... يا ذا الجلال الأوحد إن العصاة تجمعوا ... وأتوا لبابك سيدى

479 - العباس بن الهادى فرموج المكناسى

قصدتك كل قبيلة ... ممن يروح ويغتدى بسطوا إليك أكفهم ... والرامقات مع اليد حطوا لديك رحالهم ... وتوسلوا بمحمد وفاته: توفى خارج مراكش يوم الثلاثاء ثامن شعبان عام ستة وتسعين ومائتين وألف، ودفن من غده بضريح سيدى يوسف بن على صاحب الغار، وقد رثاه رئيس حملة الأقلام بالحضرة السلطانية العلامة السيد عبد الواحد بن المواز وورخ وفاته بما نصه ومن خطه نقلت: دعا الحمام وداع الموت عباسا ... فاشتد خطب جليل أصمت الناسا دعا حليما عظيما ذاحظ وأبهة ... من بيت مملكة ركنا لمكناسا بل آية الله كان في مذاكرة ... فحده جامع ومنعه قاسا قياس من لم يكن لشبهه شبه ... غريب موت شهيد يقرئى الناسا أرسل عقيقا من الأجفان مرحمة ... لتربة حلها بحر ولا باسا قضى (برشم نجا) أرخ بحمرته ... وأد حق كريم غصنه ماسا أشار لتاريخ وفاته بحساب أبجد بحروف برشم نجا. 479 - العباس بن الهادى فرموج المكناسى. حاله: فقيه أديب، مهذب فاضل، صالح دين، نبيل حى أريحى، ناظم ناثر، موثق عدل رضى، مبرز موثوق بدينه وأمانته، له خط بارع وإشراف على فنون، ولوع بنسخ الكتب، لا تكاد تجده إلا كاتبا مع إتقان وتحرى، وكان مدررا يعلم الصبيان وله معرفة بالطب. مشيخته: أخذ عن المفضلين السوسى، وابن عزوز، والسيد المختار ¬

_ 479 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2783.

الأجراوى، وعن السيد أحمد بصرى صاحب الخط الرائق الفائق المترجم فيما مر أصول الخط وباقى الفنون العلمية وعليه حفظ القرآن. الآخذون عنه: منهم الفقيه الكاتب السيد محمد بن العربى غريط، والسيد عبد الله حجاج. شعره: من ذلك قوله من قصيدة في مدح السلطان الأفخم مولانا الحسن: يا آملا بحر الكرام لتقر عن ... عج بالإمام وهنه بوصاله يا عاشقا ذاك الحمى متولها ... اخلع عذراك في سناء هلاله واطرب وغن بالهوى به صرحن ... واسق السلاف بخانه وخلاله هذا وإن السعد لاحت شمسه ... عم الفضاء بنوره وكماله طلع المظفر ذو المفاخر والسنا ... حسن الملوك وسعدها من قاله هذا الذى حاز المفاخر والعلا ... هذا الهمام فاخضعن لجماله هذا المؤيد من سلالة هاشم ... يسمو سموا لائقا بجلاله هذا الخليفة والهنا متواتر ... والدين في أبراج سعد نواله نجل الملوك وطودهم وإمامهم ... والليث يشبه دائما لشباله خدم الإله فأصبحت روح الورى ... خدما له تصغى لحلو مقاله الله عظمه وشيد ذكره ... فضلا وأعطاه سناء مناله يا عاذلى لا تكثرن مقالة ... ودع الغرام لعاشق وجماله لو كنت تعلم من أنا به مغرم ... قبلت بالأشواق ترب نعاله أو لو رأيته في الحروب مشمرا ... والأسد تحت جناحه ونصاله لشهدت نصر الله فيه مكملا ... نصرا عزيزا باهرا بنباله

إلى أن قال: أبقاك ربى في القلوب معظما ... وموقرا تسعى لنفع عياله بالعرش والكرسى وما حوت السما ... والمصطفى وصحابه وبآله صلى الإله عليهم ما حن صـ ... ـب للحبيب وقربه ووصاله وقوله يرثى شيخه الحاج المهدى ابن سودة قاضى مكناسة: إذا جرت مدلهمات بأضرار ... فليس للمرء دون الله من جار وإن فقدت حبيبا جل مقدرة ... فالله سبحانه أجل مقدار إذا قضى الله أمرا لا مرد له ... فالحزم للصبر للجارى من البارى إلى أن قال: السيد المنتقى المهدى في سمة ... واسم أريد به ابن سودة الدار دار تفجر فيها العلم سائغه ... بكل وقت ينابيعا بأنهار من كل بحر طما بلؤلؤ الفهم لا ... بلؤلؤ الحجر المختار زخار لم يمض منهم سميدع بسودده ... إلا ويأتى سميدع بآثار من للمسائل يمليها ويملاها ... صدر المسائل في ورد وإصدار ومن سواه لتحقيق المعارف بل ... تدقيقها ولتنميق لأسرار مؤيدات بأنقال محررة ... ليلا وفى الصبح يحمد السرى السارى إن يقر فنا تخله في تفننه ... كأنه ليس ما خلاه بالقارئ إلى أن قال: قد بر إذ فنيت في العلم مهجته ... لأنها بقيت في عد الأبرار

480 - عثمان أبو سعيد بن عبد الواحد بن عبد العزيز اللمطى المكناسى الميمون

وطالما أتقن التدريس مطلعا ... إذ ما سواه بتهويس له حار ما أخجل الحاضرين في تعلمهم ... ولا تعرض بالتعريض للقارى إلى مكارم أخلاق مهذبة ... أزرت بهب نسيم عند أسحار وشيم ليس يحصيها سوى رجل ... يريد إحصاء أشجار وأحجار فلا رعى الله من نعاه جد به ... وجد عليه عدمته من أخبار قد راع قلبى إذ وعته أذنى وقد ... عرى بصب لدمع العين مدرار إلى أن قال: صبت شآبيب رحمة ومغفرة ... على شريح حواه صب أمطار ومن مخوف أجاره وأمنه ... جار إلى جاره أكرم إذا الجار - صلى عليه ... . آله وعلى ... صحابه حال إقبال وإدبار وفاته: توفي ببلده مكناس في ثانى عشرى حجة الحرام عام سبعة وثلاثمائة وألف. 480 - عثمان أبو سعيد بن عبد الواحد بن عبد العزيز اللمطى المكناسى الميمون. ذكره ابن القاضى وقال: هو والد شيخنا أبي العباس أحمد. مشيخته: منهم الإِمام ابن غازى، ومن في طبقته. ولادته: ولد سنة ثمان وثمانين وثمانمائة. وفاته: توفي سنة أربع وخمسين وتسعمائة. ¬

_ 480 - من مصادر ترجمته: درة الحجال 3/ 211.

481 - العربي بن محمد فتحا بصرى المكناسى

481 - العربي بن محمَّد فتحا بصرى المكناسى. حاله شيخ الشيوخ، ومعدن التحرير والإتقان والرسوخ، علامة مشارك نحريرة نقاد بصير خبير، متصدر في عصره للتدريس والإفادة، مشار إليه بين معاصريه بالإصابة في الإدراك والإجادة. مشيخته: أخذ عن أبي عبد الله محمَّد بن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الواحد بن محمَّد بن أحمد بن عبد الرحمن بن ولى الله أبي موسى عمران بصرى، وأبى عثمان سعيد العميرى، وأبى على اليوسى، وأبى العباس بن يعقوب الولالى، وأبى عبد الله محمَّد بن عبد الرحمن البهلول البوعصامى، وأبى محمَّد عبد السلام البيجرى، وأبى العباس أحمد بن ناجى السجلماسى قاضى مكناس مار الترجمة وغيرهم ممن يطول ذكره، وقد ذكر مَا أخذه عن كل من المؤلفات والفنون في مؤلفه منحة الجبار. الآخذون عنه: منهم أبو الحسن على بن عبد الرحمن بن عبود، وأبو القاسم العميرى، ومن في طبقتهم من الأعلام. مؤلفاته: منها: منحة الجبار، ونزهة الأبرار، وبهجة الأسرار، والكواكب الدرية، في مدح النبيّ وآله وصحبه وسائر الأمة المحمدية، رتب الأول على خمسة أبواب وخاتمة: الأول في أدلة وجود الأولياء وأسمائهم المصطلح عليها لدى رجال التصوف، الثاني في بيان حقيقة التصوف والصوفى وإثبات الكرامات، الثالث في الشرفاء الأربعة الأقطاب، الرابع في التعريف بالشيخ أبي عبد الله البصري جده، الخامس في ذكر من اتصف بخير من بنيه وأقاربه، الخاتمة في بيان من اشتهر بمكناسة من الأشراف وحشاه فوائد مهمة، وتراجم جمة. ورتب الثاني على أبواب خمسة وخاتمة أيضًا، الأول في بعض مزايا سيد الأنبياء والمرسلين، والثانى في ذكر السادات الأصحاب، والثالث فيما خص الله

482 - العربي بن مسعود أبو سرحان بن عبد الله بصرى

تعالى به من انتسب لهذا النبي الكريم، والرابع في حسم مادة الجهل بإثبات الشرف من قبل الأمهات والجدات، والخامس فيما يجب لأهل البيت من التعظيم والإجلال، والخاتمة في فضل الأمة المحمدية. فرغ من تأليفه ضحى يوم الجمعة متم عشرين من جمادى الأولى عام ثلاثين ومائة وألف. وكلاهما من محتويات مكتبتنا، وقد نقل عنهما تلميذ تلامذته السيد محمَّد فتحا بن محمَّد بصرى المترجم فى المحمدين صاحب المثبت المسمى بإتحاف أهل الهداية والتوفيق والسداد. وفاته: توفي في جمادى الثانية عام ثمانية وأربعين ومائة وألف، ودفن بضريح سيدي بصرى الشهير بمكناسة الزيتون، كما بتاريخ الضعيف وغيره. 482 - العربي بن مسعود أبو سرحان بن عبد الله بصرى. حاله: قال في المنحة: كان فقيها نزيها؛ ربانيا نبيها، روى أنه كان يقرأ العلم بفاس، وانتقضت فاس وهو بها على أمير المؤمنين إسماعيل بن الشريف نصره الله تعالى ووفقه، كلمه ابن خالته مولاى أحمد الطاهرى الشريف في أن يكفيه أمر قوته مدة الحصار فامتنع، ففرغ ما كان بيده أو أشرف على الفراغ، فدخل جامع القرويين وجلس مع سارية من سوارى المسجد أظنه منكسا رأسه، فسمع طنين الدراهم في حجره ففتش فوجد مقدار ما قام به مدة إقامته هنالك إلى أن دخل إليه بعض إخوته فأخرجه. هـ. 483 - العربي بن على القسمطينى (¬1). حاله: علامة محصل دراكة نبيل، مجرح معدل، ماهر مشارك، انقادت له ¬

_ 483 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 7/ 2451. (¬1) في إتحالف المطالع: "القسنطينى".

العلوم، وتوقفت عليه الآراء والفهوم، كان سيد علماء زمانه، وصدر أهل وقته وأوانه، جمع بين جلالة العلم والدين، وأجازه أكابر العلماء المهتدين، وتخرج به غير واحد من أكابر الأعلام، ودان بذكره وحبه البادى والحاضر، وإلى التمسك به والتعلق بأذياله يبادر. تولى خطبة القضاء في كثير من حواضر المغرب فاس ومكناس وما دونها، كما تولى القضاء برباط الفتح أول القرن الثالث عشر. قال في تعطير البساط: وقفت على ذلك ببعض الرسوم بتاريخ أواسط ذى القعدة عام ثمانية ومائتين وألف هـ. كما أنى وقفت على عدة خطاباته والتسجيل عليه بالحضرة المكناسية، من ذلك رسم مسجل عليه بتاريخ ثانى عشرى قعدة سنة خمس وثمانين ومائة وألف، وآخر بفاتح اثنين وتسعين ومائة وألف على فيه بالعلامة الأفضل، البركة الأمثل، الحافظ الحجة المبجل الشريف المنيف الأكمل، قاضى الجماعة بالحضرة الهاشمية المولوية الإمامية السلطانية مكناسة الزيتون وإمام جامعها الأعظم ومفتى الأنام بها في حينه ... إلخ. أصيب في آخر عمره وهو بمكناس بفالج كان لا يستطيع معه حركة أعضائه في تناول جميع أسبابه فصبر، ومحمد ذلك من جملة النعم وشكر، واستمر على ذلك إلى أن توفي رحمه الله، ذكره في الشرب المحتضر. وفاته: توفي في جمادى الأولى عام ثمانية ومائتين وألف رحمه الله وبل بمنه ثراه.

484 - العربي بن أبي فارس بن محمد المدعو ولد عريبة ابن السلطان الأعظم سيدنا الجد الأكبر مولانا إسماعيل.

484 - العربي بن أبي فارس بن محمَّد المدعو ولد عريبة ابن السلطان الأعظم سيدنا الجد الأكبر مولانا إسماعيل. حاله: شريف جليل المقدار، علامة متبحر وبالأخص في الفروع، كذا وصفه بعض تلاميذه ومن خطه نقلت. وفاته: توفي بمكناسة الزيتون ظهر يوم الاثنين الرابع عشر من ربيع الثاني عام أربعين ومائتين وألف، ودفن بروضة أبي محمَّد عبد الله بن أحمد، خارج باب البرادعيين. 485 - العربي بن عامر المكناسى. حاله: قال في حقه العلامة الميقاتى المقيد المعتنى أبو العباس أحمد الأغزاوى المعروف بالجبلى، مار الترجمة في الأحمدين ما لفظه: الشاب الأديب الفقيه الأريب، سيدي أبو عبد الله محمَّد العربي بن عامر المكناسى أصلًا ومنشأ ودارا، وقد كان من المعاصرين له. 486 - العربي بن الطاهر بن المهدي بصرى المدعو قطيطة المكناسى النشأة والدار والإقبار. حاله: فقيه علامة، مدرس متقن، محرر دراكة، حَيِىِّ فاضل زكى، متقشف، كان صدرا في وقته، متصدرًا لبث العلم ونشره بالمسجد الأعظم من الحضرة المكناسية، انتفع به غير واحد من أعيان علمائها. مشيخته: أخذ عن الفقيه ابن عبد الرحمن الحجرتى وغيره ممن هو في طبقته. الآخذون عنه: أخذ عنه مولانا العباس بن عبد الرحمن بن هشام المترجم آنفًا، والسيد فضول بن عزوز، والسيد الطاهر بن محمَّد فتح ابن عبد الرحمن بصرى وغيرهم من محققى الإعلام.

487 - العربي: بن محمد بن محمد السائح بن العربي بن فاضل بن محمد ابن بوعزة الصالح بن رشيد بن عبد القادر بن الشيخ أبي عبيد سيدي محمد الشرقى العمرى.

وفاته: توفي بعد التسعين ومائتين وألف. 487 - العربي: بن محمَّد بن محمَّد السائح بن العربي بن فاضل بن محمَّد ابن بوعزة الصالح بن رشيد بن عبد القادر بن الشيخ أبي عبيد سيدي محمَّد الشرقى العمرى. دفين جعيدان رحمه الله ورضى عنه وعن كرام سلفه. حاله: فقيه عدل رضا نزيه، علامة مشارك نبيه، مدرس نفاع، ناظم ناثر، بارع فاضل مساجد، هين لين مهاب صالح، مرشد ناصح، له إشراف على التاريخ مستحضر لتراجم المتأخرين، معتن بقراءة صحيح البخاري، إذا تكلم في حديث أتى بما يبهر العقول، مما لا يظفر به ديوان منقول، من أهل الرسوخ في السنة والتمكين، عارف بربه قال عليه، مرشد إليه، قدوة، ذو أدب غض ولطف وبشاشة وحسن استقبال للزائرين، مع بسط المائدة لكل صادر ووارد. نشأ بمكناسة الزيتون وانتقل لفاس، وأخذ عن جماعة من أعيان نقاد جهابذتها الأكياس، حتى فتح له التحرير بابه، وأدخله التحصيل حجابه، ثم رجع لمسقط رأسه مكناس وأقبل على التدريس والإفادة، وتعاطى خطبة الإشهاد مدة، ثم بدا له الانتقال لرباط الفتح فانتقل وجعله محل استيطان، وحصل له به مزيد ظهور واشتهار وإقبال، تفد الناس لزيارته والتبرك به واستجلاب صالح دعواته، فيبلغون بفضل مولاهم، غاية مناهم، وظهرت له مكاشفات، وخوارق عادات، حدثني غير واحد ممن وثقت بخبره بما وقع له معه من ذلك مما هو كشمس الظهيرة أو أظهر. مشيخته: أخذ عن العلامة السيد عبد القادر الكوهن دفين المدينة، وعن الفقيه أكنسوس، وعن سيدي عبد القادر العلمى المترجم قبل، جَالَسَه سنين ونال

منه وسمع منه الكثير، حدثني الأخ المسند مولاى عبد الحس الكتانى، عن والده الإِمام مولاى عبد الكبير، أن المترجم حدثه عام سبعة وثلاثمائة وألف، وقد جرى ذكر حديث: إن لله عبادا من نظر إليهم سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدًا، قائلًا، أنا سمعته من مولاى عبد القادر العلمى بمكناس بلفظ إن لله عبادا من نظروا إليه نظرة سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدًا هـ. وعن أبي عبد الله محمَّد الهاشمى بن محمَّد السرغينى دفين عين ماضى أخذ عنه عام ستة وخمسين ومائة وألف الطريقة الأحمدية التيجانية التي كان المترجم من كبار رجالها, ولقى المترجم الشيخ عبد الرحمن النابلسي وأجازه عامة وعن غير هؤلاء من فحول الأعلام. الآخذون عنه: منهم العلامة الطاهر بوحدو، المترجم فيما سلف، والعلامة المشارك حامل لواء الأدب في وقته برباط الفتح الحاج أحمد جسوس المتوفى عام واحد وثلاثين وثلاثمائة وألف، والفقيه أبو عبد الله بن يحيى بلامينو الرباطى المتوفى سنة ثلاث وثلاثمائة وألف، والفقيه أبو محمَّد عبد الله بن محمَّد فتحا التادلى الرباطى، والفقيه العلامة الناسك المتبرك به قاضى الرباط أبو العباس أحمد بنانى المتوفى عام أربعين وثلاثمائة وألف حسبما أفادنى ذلك مؤرخ الرباط صاحبنا أبو عبد الله بوجندار وغيره، ومنهم الفقيه أبو عبد الله محمَّد بن الحسنى الرباطى المتوفى ليلة الأربعاء ثامن عشر رجب سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة وألف، والفقيه أبو العباس أحمد بن موسى السلاوى المتوفى ليلة الاثنين حادى عشر رمضان سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وألف، وأديب سَلاَ الفقيه الحاج الطيب عواد المتوفى ضحى يوم السبت تاسع عشرى رجب عام ستة وثلاثين وثلاثمائة وألف، وشاعر الرباط الفقيه العدل أبو الحسن على بن عبد الله المتوفى عام اثنين وأربعين وثلاثمائة وألف، والعلامة مولانا الكامل الأمرانى، وأبو عبد الله محمَّد فتح ابن عبد السلام جنون، وأبو عبد الله محمَّد الصنهاجي المدعومانى، والعالم الصالح

أبو المحاسن العربي بن عبد السلام المحب العلوى الإسماعيليّ المولود عام ستة وسبعين ومائتين وألف وغيرهم من الأعلام. مؤلفاته: منها بغية المستفيد في شرح منية المزيد، وشرح على لامية الإِمام البوصيرى في المديح. شعره: من ذلك قوله متغزلًا: وشادن أبلج المحيا ... تغار من حسنه الدرارى يقدمه إن مشى سناه ... كأنه صيغ من نضار إن رام في مشيه انطلاقا ... لج به السكر في العثار لاموه في الكاس إذ تردى ... وهو من الزهور في الخمار وأكثروا عذله وراحوا ... عن جانب العدل في ازورار بكى للدغ الملام حتى ... بكى لما نابه القمارى نأى فعاد النهار ليلا ... وعز متفقده اصطبارى فقلت والقلب في اضطراب ... عليه والدمع في انهمار ونار وجدى به تلظى ... وكبدى منه في انفطار مهلا فعذر المليح باد ... مالت به نشوة العقار فظن كأس المدام قلبا ... من حبه ظل في انفطار وهو بكسر القلوب مغرى ... فكلها منه في انكسار فكسر الكاس وانثنى من ... دلاله ساحب الإزار وهل على الظبى من ملام ... إذ مال للتيه والنفار أبقاه ربى فريد حسن ... يعنو به جؤذر القفار

وقوله: واصل شراب حليفة الأمجاد ... واترك مقال أخي هوى وعناد صفراء تسطع في الكئوس كأنها ... شمس تبدت في ذرى الأطواد وكأنها من حسنها وصفائها ... من عسجد عصرت بأعصر عاد ما إن بدت في موضع إلا بدا ... فيه السرور يناط بالإسعاد لا يعترى ندماءها ندم ولا ... يشكون من ملل بطولى تمادى فكأنها أم بهم قد أنجبت ... لكريم فحل في نقى مهاد فغذتهم ذر الصفا وسقتهم ... منها لبان محبة ووداد فتناسقت أخلاقهم وتوافقت ... آراؤهم في عفة ورشاد تدعى الأتاى وذاك رمز ظاهر ... يدريه من يدرى من الأمجاد إيقاظ فكر ثم تهذيب الحجا ... مع يسر إنفاق بدون نفاد فادأب عليها ما حييت فإنها ... تجلو متى جلبت صدا الأنكاد واترك رواية معضل في شأنها ... وارو المسلسل موصل الإرشاد وقوله في الإِمام المولى عبد الكبير الكتاني قدس سره: لكل امرئ في مقتضى اسمه نسبة ... إلى قدره في العالمين تشير لذاك علا عبد الكبير كما ترى ... سماء علاه شامخ ومنير وقوله يرثى شيخه العلامة الورع أبا الفتوح الهادي بادو المكناسي المترجم فيما يأتي من خط من نقلها من خط المترجم: ما بال نفسك عز اليوم راقيها ... كأنما الروح منك في تراقيها

وما لعينك لا ترقى مدامعها ... كأنما اليم يجرى من مآقيها تذرى على الخد منثور مدامعها ... تناسقت قبل أسلاكا لآليها وما لحالك من وجد ومن أسف ... كحال من رزئ الدنيا بما فيها أو حال آنسة عذرا محجبة ... نأى بها منزل قد كان يأويها فبينما هي تطوى البيد ظاعنة ... إذ غيل في شاسع البيداء هاديها فأصبحت مثل مطفل بوحدة قد ... أضلت الخشف يوما في حوافيها أو حال ذات وحيد أثكلته فما ... أرض على سعة الأنجاد تأويها تبيت تذكى بروق الجو زفرتها ... وتمتلى من نواحها نواحيها أطلت ويحك تسآلى كأنك لا ... تدرى الحوادث إذ تعدو عواديها ولا عرفت الليالى في تقلبها ... وكيف يعتاض عاليها بسافيها ولا المنية إذ ترمى النفوس فما ... تخطى إذا ما رمت سهام راميها مثل الصياريف في تنقاد جيدها ... فما على غيره ينقض بازيها ألم ترعك من الدنيا فجائعها ... أما دهتك من البلوى دواهيها أما عراك من الخطوب فادحها ... أما دجى لك منها اليوم داجيها ألم يفاجئك ماسك المسامع من ... كل البرية قاصيها ودانيها مصاب من فجع الإِسلام فيه ومن ... قد ضعضعت منه للتقوى مبانيها وخر منه لأفق المجد نيره ... وقد خبت منه للعلا دراريها ومادت الأرض إذ مالت جوانبها ... لفقده وتزلزلت رواسها محمد الهادي الذي جليت ... لنا الهدى منه في أبهى مجاليها

شيخ الوقار الذي ما حل حبوته ... كى يسعف النفس يوما في تصافيها فما استرق نهاه ذكر غانية ... ولا حنين شج إلى مغانيها ولا استزلته أهواء بلذتها ... وكم لبيب تردى في مهاويها ولا زهت نفسه لنيل أمنية ... وكم حليم زهت به أمانيها ولا استفزته من دنياه زهرتها ... ولا لهته عن العليا ملاهيها ولا ثنته المثانى نحو رنتها ... ولا لحوق مهاة في أغانيها إن المكارم أبكار زففن له ... من حضرة الوهب والإفضال واليها وهي كما قيل أخلاق نعددها ... فالعقل أولها والدين ثانيها والعلم ثالثها والحلم رابعها ... والجود خامسها والبر ساديها والصدق سابعها والصبر ثامنها ... والشكر تاسعها واللين عاشيها سعى لها غير واه لا ولا وكل ... لم يسعد النفس مطر في توانيها وقد تسامت به إلى العلا همم ... تقاصر النجم عنها في تساميها مستعجبا عزمات منه أصغرها ... يستنزل الأبيات من صياصيها فعاش في تقوى يواصلها ... مواليا كل حين من يواليها ملازمًا طاعة الرحمن مجتهدا ... مسارعا كما دعاه داعيها حتى انثنى طاهر الأثواب طيبها ... زاكي الخلال حميدها وساميها لم تبق من تربة غداة مدفنه ... إلا تمنت لو أنه ثوى فيها أبكيه للعلم والدين المتين معا ... إذا بكت رتب العليا بواكيها من للفنون جميعًا يحققها ... من للأحاديث يرويها ويمليها

من للعويصات إن عنت يوضحها ... والمشكلات إذا دجت يحليها من للدفاتر يطويها وينشرها ... ومن يبيت سميرها يناجيها من للفرائد دائما يؤلفها ... وللفوائد همه تلافيها من للشوارد إن ندت يقيدها ... ويبذل الروح في تقريب ناديها من للمنابر يرقاها لتذكرة ... يجلو بها كل بكر من معانيها من للمساجد غيرها يجاورها ... وللمواقيت دائما يراعيها من للمناجاة بالأسحار يرصدها ... وللمحاريب في الدجى يوافيها أما وحق مآثر نشرن له ... بين الخلائق حاضر وباديها وما له من مفاخر بقين له ... كآى صخرا جاد الوحي واحيها لو كان يشفى بكاء العين من كمد ... أو كان يجدى من أدمعى تواليها لأسبلت مقلتى على الدوام دما ... يذيبه من حشاشتى تلظيها ولا أسلت على خدى سوى كبدى ... أما الدموع فشئ لا يواليها لا تنكروا فرط تفجاعى عليه فما ... يدرى الشدائد إلا من يقاسيها (لا يعرف الشوق إلا من يكابده ... ولا الصبابة إلا من يعانيها) سقى الإله ثراه صوب مرحمة ... يبقى مدا الدهر دائما يغاديها ما خيم المجد في ضلال روضته ... وعرس الفخر والسنا بواديها واخضل بالحمد من أدواحها غصن ... وألبست حلل الثنا روابيها وقفا عليها سلام الله يصحبه ... منه الرضا وكرامات توازيها ما حق مغترب شط المزار به ... إلى معاهد أنسه ومن فيها هـ.

وقوله متوجًا بحروف عمران ابن حصين: عودتنى منك إحسانا وثقت به ... وحاش فضلك أن أراه منوعا ما زلت تولى العطا لمن عصاك ولم ... يكن عطاك لأجل الذنب مقطوعا رب البرية يا من لم يزل أبدًا ... دعاء كل امرئ دعاه مسموعا إنى دعوتك مضطرا أخا كمد ... ركن اصطبارى أضحى منه مصدوعا نفسه عني يا مولاى عن عجل ... حتى أرى غيمه في العين مقلوعا إنى سألتك بالمختار أفضل من ... به كفيت الورى أذى وترويعا بحر المكارم تاج الرسل خاتمهم ... من لم يزل ذكره لديك مرفوعًا نور الهدى من بدا في أصل فطرته ... على التقى والحيا والزهد مطبوعا حماه أوسع بي إن أزمة دهمت ... وظل من أجلها ذو الحلم مصروعا صلى عليه إلهى كل آونة ... ما دام للجود والإحسان ينبوعا يا رب وارض عن الصحاب أفضل من ... بذكرهم ظل باب الفتح مقروعا ناهيك من سادة حازوا الكمال بمن ... ساد الخلائق تابعا ومتبوعا وقوله: بابى من زار فى الـ ... ـغيب يبغى شهودنا لو علمنا مجيئه ... لبسطنا خدودنا قال تلميذه آخر قضاة العدل أبو العباس أحمد بنانى الرباطى ومن خطه نقلت: وسبب نظمه لهما أنه رضي الله عنه كلفنى بأمر فيسره الله وذهبت إليه لأخبره، فوجدته نائما فلما استيقظ واعلم بذلك كتب البيتين ووجههما إليّ

فحصل لي من السرور ما لا يعلمه إلا الله حتى إنه من فرط ما سرنى أبكانى والله على ما نقول وكيل. انتهى كاتبه أحمد بنانى سامحه الله. انتهى لفظه من خطه. ولادته: ولد بمكناسة الزيتون ليلة عيد الأضحى عام تسعة وعشرين ومائتين وألف حسبما أخبر بذلك عن نفسه، ونقله عنه تلميذه أبو العباس بنانى، وإلى ذلك رمز الفقيه الأديب السيد محمَّد بن أحمد التريكى الآسفى بقوله: إن قيل ما عام مولد ابن سائحنا ... ففه بقولك مكناس به ابتهجت وفاته: توفي برباط الفتح في الساعة الحادية عشرة من ليلة الأحد التاسع والعشرين من رجب، عام تسعة وثلاثمائة وألف، وكان الذي تولى غسله الفقيه ابن الغازى الكبير، والحاج العربي افقير، وصلى عليه تلميذه العلامة السيد أحمد ابن محمَّد بنانى المذكور آنفا، وحشره الشريف سيدي محمَّد الودغيرى في جماعة من أفاضل الأعيان، ودفن بداره وضريحه مزارة مشهورة مقصودة بالثغر الرباطى، وقد رثاه الأديب الشهير السيد الحاج الطيب عواد السلاوى بقوله: سكب الدمع على الأرجاء أضناكا ... أم حر نار الأسى والبين أفناكا أم أنت صب موله فلست ترى ... صبرا على من بنور العطف حلاكا ومن دعاك بسعد الدين مذ زمن ... وتارة بأمين الدين سماكا وقال من أول الرعيل أنت فمل ... لله ميلا فإن الله أعطاكا أم قد فقدت بروح القدس سارية ... كانت تهب سحيرة بمغناكا أم قد فقدت من الأنوار بارقة ... سارت بحسك للحمى ومعناكا أم قد فقدت سراج القلب من سطعت ... أنوار أسراره على محياكا أم قد فقدت ضياء الدين فانكسفت ... شمس المعارف في آفاق مسراكا

ذاك الإِمام الذي حاز الكمال ومن ... قرت به في جمال الإنس عيناكا روح الوجود وسره وطلعته ... وقطبه خير من تهوى ويهواكا حصن الحنيفية السمحاء صارمها ... غيث الندى من ببشر الوجه يلقاكا بحر المعارف والعلم الذي بهرت ... أنواره فاقتبس منها لمسعاكا ما جئت زائره في كشف نازلة ... من قبل تسآله إلا وأفتاكا ما جئت تشكو له نزول نائبة ... إلا وأذهب ما تشكو وسلاكا فاشهد معاهده تنل معارفه ... إن لم يكن ذنب نار الشك أقصاكا واعرف مفاخره تنل مناقبه ... إن لم يكن ران شرك الحب أوداكا بالله ربك يا سعد الوجود أفق ... من سكرة الوجدان الصحو ينهاكا بكاك قطع أكباد الورى آسفا ... والأرض قد أظلمت من فقد مولاكا ومن يلمك على طول البكاء فلم ... يشهد بسرك من تبكى ونجواكا فاسكب دموعك من دم الفؤاد على ... فقد الهمام ولو عدت محياكا محمَّد العربي بن السائح العمرى ... خليفة الغوث من بالورد أحياكا إلى أن قال: يا رب بالذات بالاسم الكريم ومن ... ناديت في المستوى عبدي فلباكا محمَّد خير من أدنيته شرفا ... لقاب قوسين محبوبا فحياكا فصل رب وسلم دائما أبدًا ... عليه ما حسن ذو وجد للقياكا وآله الغر ما ازدهى الوجود بهم ... وفاز عبد أحبهم بمرضاكا واجعل شفاعته تعم مجلسنا ... ومن غدا في بني الزهراء يرعاكا

488 - العربي بادو ابن الأمين المحتسب الحاج الطاهر.

وحط بجاهه ديننا فجاهه في ... كل العوالم معقل لنعماكا وارض عن الختم للأسرار أجمعها ... كذا خليفته السامى لمرآكا وعم مثواهما نورًا ومرحمة ... تنهل من مزنها أرياح رحماكا ما أنشد العبد مبتولا لسيده ... مذ غاب منظره شوقا لرؤياكا إن سرت للمنزل الأسنى وكنت به ... ففي سويداء نور القلب مثواكا 488 - العربي بادو ابن الأمين المحتسب الحاج الطاهر. حاله: فقيه علامة جليل، مشارك دراكة نبيل، لم أقف على تاريخ وفاته ولا على شيء زائد على ما قيدته في ترجمته، وضريحه بسيدى الدغوغى من جامع الزرقاء، يسار الداخل عليه دربوز خشب. 489 - العربي بن على بن فارس الحسنى العلوى. حاله: نابغة أقرانه وأنجبهم وأذكاهم وأزكارهم وأشجعهم، كان فارسا كرارًا، بطلاً مقداما شعلة ذكاء، ذا ذهن وقال، وملكة كاملة كل صعب له بها انقاد، درس بالمسجد الأعظم بالحضرة المكناسية فأجاد وأفاد، ثم بارح الديار المكناسية مسقط رأسه بدرعة وذاك آخر العهد به. مشيخته: أخذ عن مشائخ مكناس السيد فضول بن عزوز، والسيد فضول السوسى، والسيد عبد السلام بن عمرو الصنهاجى، وأبى عبد الله محمَّد بن الجيلانى السقاط وهو عمدته وعن غيرهم. 490 - العربي بن إدريس الشريف العلمى اللحيانى المعروف بالموساوى. دفين مدشر موساوة، أحد مداشر جبل زرهون. حاله: أستاذ مقرئ مجود، علامة فاضل، له مشاركة في فنون شتى، فقيه ¬

_ 490 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 8/ 2830.

محدث، مفسر أصولى، بيانى منطقى، نحوى، خير دين عابد متبتل ناسك، عارف بربه، قال عليه مرشد إليه، ورع متقشف، معتقد صالح فالح مكاشف، شوهدت منه مكاشفة عجيبة أخبر بها بعض أصدقائه وقد طلب منه بيان حقيقتها على طريق الكشف فأخبره كتابة بخط يده فاطلعت على جوابه وكان في نفسى شيء منه، ثم كان الأمر وفق ما أخبر، وذلك بعد موت المسئول والسائل، وقد كان السيد العربي بن السائح المترجم آنفًا ينوه بقدره ويثنى عليه ويحض الناس على زيارته والتبرك به، وقد لقيته بداره بمدشر موساوة وزرته والتمست بركته، ودعالي بخير، ولقننى الورد التيجانى وسائر أذكار الطريق وأسرارها، وأجازنى عامة في ذلك برد الله ثراه. مشيخته: أخذ عن الشيخ بدر الدين الحمومى المتوفى ثامن محرم الحرام عام ستة وستين ومائتين وألف، وعلى التسولى المتوفى خامس عشر شوال عام ثمانية وخمسين ومائتين وألف، وعلى المرينى المتوفى في سابع رجب الفرد عام خمسة وتسعين ومائتين وألف، ومحمد بن عبد الرحمن الحجرتى الفيلالى، والشيخ الطالب بن حمدون بن الحاج، وأبى بكر بن الطيب بن كيران المتوفى رأبع عشر جمادى الثانية عام سبعة وستين ومائتين وألف، والشيخ الطالب بن عبد الرحمن والشيخ أحمد بن أحمد بنانى المتوفى يوم الجمعة ثامن جمادى الأولى عام ستة وثلاثمائة وألف، والشريف أبي العلاء إدريس الودغيرى الملقب بالبكرواى المتوفى سادس عشر محرم سنة سبع أو ثمان وخمسين ومائتين وألف، والشيخ محمَّد بن عبد السلام الشفشاونى العلمى المتوفى سنة إحدى وتسعين بتقديم المثناة فوق على السين ومائتين وألف، وغير هؤلاء ممن يطول بنا تعداده. الآخذون عنه: أخذ عنه أبو محمَّد الكامل الأمرانى، ومحمد بن الطاهر الفاسى في جماعة من الأعلام.

491 - العربي بن الأستاذ فضول ابن شمسى.

مؤلفاته: منها القول النافع والجواب القامع، في بيان مخرج الضاد المعجمة والتاء الفوقية المثناة في نحو كراسة، وقفت على مبيضته بخط يده، ومنحة الإخوان في نحو ألف بيت، ضمنها بعض ما يتعلق بالطريق التيجانية، ورسالة الترغيب والترهيب في الطريق والتصوف وآداب المزيد، ونصائح سنية سنية نافعة وغير ذلك. وفاته: توفي عن من عالية ليلة السبت سادس عشر جمادى الثانية عام عشرين وثلاثمائة وألف، ودفن بمدشر موساوة أحد مداشر جبل زرهون وقبره مزارة شهيرة رحمه الله. 491 - العربي بن الأستاذ فضول ابن شَمْسِى. المكناسى الأصل، والنشأة والدار والإقبار. حاله: كان شيخ جماعة القراء الأساتذة ببلده مكناسة الزيتون، فقيها أستاذا، مقرئًا متقنا، مجودا فاضلا زكيا، تقيا نقيا، بشوشا هينا لينا، حسن الخط والتلاوة، ذا نوادر ومستظرف أخبار، من أهل الخير والفضل والدين المتين، والمروءة الكاملة، تصدر للتعليم وإقراء القراءات السبع بإتقان وتحرير، وواظب على ذلك بجد واجتهاد مدة تزيد على الخمسين سنة، فنفع الله به، وتخرج على يديه من حملة القرآن وحفاظ السبع المئون، حتى كاد أن لا يوجد في زمنه بمكناس من القراء إلا من أخذ عنه أو عن تلاميذه أو تلاميذهم، حسبما جاء في شهادة شرعية شهدها جماعة الأساتذة إنما أول هذه المائة، وثبتت لدى قاضيها أبي العباس ابن سودة ونصها بعد الحمدلة: "شهوده المجموعة (¬1) إثر تاريخه يعرفون الأجل الأرضى، المؤدب الأحظى ¬

_ 491 - من مصادر ترجمته، إتحاف المطالع وموسوعة أعلام المغرب 8/ 2836. (¬1) في المطبوع: شهود الموضوعة (كذا) ".

الأستاذ المرتضى، السيد العربي بن المنعم الأستاذ البركة السيد الحاج المفضل ابن شمسى معرفة كافية، شرعًا عينا واسما ونسبا بها ومعها، يشهدون أنه من أهل الفضل والمروءة والخير والديانة، وأنه شيخ جماعة الأساتيذ وقتئذ بهذه الحضرة المكناسية صانها الله، وأنه المتصدر للتعليم وإقراء القراءات السبع وتحريرها بها، بهذه الحالة عرفوه، وعليها خبروه واختبروه، ولا زال على الحالة المذكورة إلى الآن كل ذلك في علمهم مستندين على المخالطة والأخذ عنه وبمضمنه قيدت شهادتهم مسئولة منهم لسائلها عن إذن من يجب سدده الله وأرشده بواسطة عونه الحسن، وفي ثانى عشرى ربيع النبوى الأنور عام خمسة وثلاثمائة وألف: الشريف بن عبد القادر بن مولاى هاشم العلوى الأستاذ، مولاى مشيش ابن مولاى الطاهر الإدريسى الومغارى الأستاذ، الفقيه الأرضى المدرس الأحظى السيد التهامى بن الطالب، الطالب السيد أحمد بن الطيب الفلالى الأستاذ، الطالب الأستاذ العباس بن الطالب سي ج العيسوى السقاط، الأستاذ الناسك الأجل سيدي محمَّد بن السيد العياشى القبرى، الطالب الأستاذ السيد محمَّد بن المدني الأجراوى، الأستاذ الحيى السيد إدريس بن بوعز البخاري، الطالب الأستاذ سي علال بن الطالب السيد أحمد العزوزى، الطالب المؤدب الناسك سي فضول مسامح، أخوه الفقيه الأرضى الأستاذ الأحظى السيد إدريس، الأستاذ ال أبو السيد إدريس بن المرحوم بكرم الله السيدج محمَّد المزورى". وبعده بخط القاضى: "شهدوا لدى من قدم لذلك فثبت" وبعده: "الحمد لله وحده أشهد الفقيه الأجل، العالم العلامة الأمثل، الدراكة الفهامة الأكمل، قاضى مكناسة ونواحيها وهو (أحمد ابن سودة المرى الله

وليّه ومولاه) أعزه الله وحرسها بثبوت ما سطر أعلاه الثبوت التام لصحته عنده بواجبه، وهو أكرمه الله وأرشده بحيث يجب له ذلك من حيث ذكر، وفي التاريخ أعلاه عبيد ربه سبحانه محمَّد بن عبد السلام الطاهرى الحسنى لطف الله به وعبد ربه فلان. الحمد لله بمثل ما شهد به الشهود أعلاه يشهد عبد ربه تعالى، فلان، وعبد ربه سبحانه جل وعلا فلان بشكلهما ودعائهما". وكان أحب شيء إليه الخلوة والعزلة عن الناس، يظل يومه في مكتب تعليمه مرتبا أوقات يومه ومقسما لها على إفادة المستفيدين على اختلاف طبقاتهم، يشتغل من الشروق إلى الزوال بتعليم صغار الصبيان، وبعد أداء فريضة الظهر يفد إليه قراء السبع فيشتغل معهم إلى العصر، ثم يقبل على التلاوة مع المتعلمين على اختلاف طبقاتهم إلى الغروب لا شغل له غير ما ذكر، ولا يروق ويحلو له سواه، حتى إنه بقى عازبا مدة تزيد على أربعين سنة بعد أن كان متزوجا وولد له. مشيخته: أخذ عن والده الحاج فضول، وجده من قبل أمه الأستاذ الحاج محمَّد السقاط، والأستاذ سيدي اليزيد وهو عمدته وبه كان يلهج، وهو عن سيدي الحاج المختار البقالى. الآخذون عنه: منهم الأستاذ السيد محمَّد بن العياشى القبرى، والأستاذ العباس السقاط، والأستاذ العلامة التهامى بن عبد القادر دعى الحداد مار الترجمة، والأستاذ أحمد بن الطيب الفيلالى، والأستاذ محمَّد بن المدني الأجراوى، والأستاذ إدريس بن بوعز البخاري، والأستاذ عبد القادر بن المعطى البخاري دعى الصبيع مصغرا، والأستاذ المولى محمَّد العلوى الإسماعيليّ دعى الخبيزى مصغرًا، والأستاذ إدريس الأجراوى دعى بابا، والأستاذ قاسم البرنوسى، والأستاذ محمَّد

492 - على أبو الحسن عرف بالأعرج.

ابن البشير الساورى، والوافى بن هاشم العلوى، ومحمد بن أحمد الحميدى حامل راية القراء والموجود من المتقنين في عصره في مئين. وفاته: توفي في ثانى عشر قعدة الحرام عام اثنين وعشرين وثلاثمائة وألف، ودفن بضريح ولى الله تعالى أبي الطيب من الحومة المعروفة بحومة سيدي قدور العلمى. 492 - على أبو الحسن عرف بالأعرج. نجل فخر الملوك وجد سلاطين المغرب أبي النصر إسماعيل قدس سره. حاله: كان حليما عفوا، بويع له يوم الأحد ثامن وعشرى ربيع الثاني عام سبعة وأربعين ومائة وألف، باتفاق رؤساء عبيد البخاري وأهل فاس الجديد، بعد خلع صنوه الأمير أبي محمَّد عبد الله، وكان المترجم يومئذ بمحل استقراره سجلماسة، فوجه العبيد إليه، كتيبة من الخيل لإعلامه بما ذكر والإتيان به، ولما اتصل به الخبر خرج مسرعا وصار يطوى المراحل إلى أن بلغ صفرو فاستقبله هنالك أهل فاس علماء وأشراف وأعيان، وقدموا له بيعتهم فسر وقابلهم قبولا حسنًا، ثم نهض ووجهته فاس والوفد في معيته، وسار إلى أن حل العاصمة الفاسية، ثم ولى عمالتها مسعودا الروسى، وأمره أن لا يقبض زائدا على الهدية والزكوات والأعشار، ثم نهض إلى مكناس، ولما حل بها بايعه العبيد والأعيان البيعة، ووفدت عليه الوفود بالبيعات والهدايا ووصل الجيوش بأموال. ولما نفذ ما بيده ألقى القبض على الحرة المصونة ربة الدار السيدة خناثة بنت بكار أم صنوه السلطان عبد الله، وكذا على حفيدها أبي عبد الله محمَّد واستصفى أموالها، وبالغ في التضييق بها, لإخراج ما زعم أنها أخفته من المال، وشدد الوطأة على أهل مكناس، وفوض الأمر فيهم للباشا مساهل والقائد العياشى

وأضرابهما من حملة راية الاستبداد والقساوة، وقد كان زمام السلطة بيد سالم الدكالي. قال أبو عبد الله الضعيف: ولما ضيق المترجم على ربة الدار خناثة بنت بكار، بعثت للعلماء تطلب منهم الوساطة بينها وبين صاحب الترجمة في تسريح حفيدها الأمير أبي عبد الله محمَّد بن عبد الله من السجن؛ لأنه صبيّ لم يقترف ذنبا، وإعمال الشرع المطهر معها, لأنها امرأة أبيه، وَهَنَ العظم منها واشتعل الرأس شيبا، فإن أبي فسيحكم الله بينها وبينه، ولما كلم العلماء المترجم سرح حفيدها المذكور ونهض من مكناسة لفاس الجديد، ولما وقد عليه خرج لاستقباله أهل البلدين القديم والجديد، وقدموا إليه الهدايا وذلك عام سبعة وأربعين ومائة وألف. وفي السنة نفسها ثار بأقصى سوس أبو محمَّد عبد الله بن محمَّد الكرسيفى ودخل آكدير بالسيف عنوة وأوقع بأهلها وقعة هائلة، نزل على معاطنهم في (يونت) تحت سيدي بوقناديل حتى مات الجل منهم عطشا، وكانوا يدفنون النساء والصبيان الذين هلكوا بالعطش بالمساجد والدور، وأمر الثائر بإعلان النداء في الجبال السوية وقبائلها بالحث على جهاد أهل آكدير ويقول: إن ثلثهم نصارى، وثلثهم عصاة حطب جهنم. ثم إن أهل سوس الذين وفدوا معه أنصارًا لم يكن أحد منهم رأى البحر قبل، فأخذوا يشربون منه ويلتون السويق بمائه، فمات منهم بسبب ذلك خلق كثير، ثم نهض الثائر المذكور وسار إلى تارودانت، وصمم على الإيقاع بهوارة، فتفطنوا لذلك وأجمعوا أمرهم على الغدر به فشعر بذلك وفر منهم مظهرا أنه يريد زيارة الشيخ عمرو وهارون برأس الوادى، فاقتفت أثره هوارة إلى أن لحقوا به

بزاوية السيد عياد، فلحقوا به وضربوه بالرصاص فأصابته رصاصة من يد ابن همان الهوارى كان فيها حتفه. واستمرت دولة المترجم على هذا الحال، وكانت أيامه منعمة والأمطار كثيرة، وفي أول دولته وصل وسق القمح إلى ثلاثة وثلاثين مثقالًا، وفي عام ثمانية وأربعين وهو العام الثاني من ولايته رجع الزرع إلى عشرة مثاقيل للوسق هـ ملخصًا مع تقديم وتأخير. وفي البستان الظريف أن مسعودا الروسى وإلى فاس قتل الحاج أحمد بودا ريس اللمطيين، وأمر بجر جثته لباب الفتوح لسعيه من قبل في قتل أخيه أبي على الروسى، فاجتمع أهل فاس وحملوا السلاح وتوجهوا لقتل مسعود العامل المذكور، فنج بنفسه، فكسروا السجون وأطلقوا سراح من بها، وقتلوا الحرس، ولما اتصل الخبر بالمترجم أعرض عنهم ووجه لهم القائد غانم الحاجى مع أخيه المهتدى، وقال لهم فيما كتب لهم به: إنى عزلت عنكم مسعود الروسى، ووليت غانما الحاجى فلم يقبلوه. ومن الغد رجع من حيث أتى، ووجهوا مع المهتدى جماعة من العلماء والأشراف والأعيان بهدية ذات بال، ولما مثلوا بين يديه عدد عليهم ما ارتكبوه من قبيح الأفعال، وأوقع القبض عليهم وأودعهم السجن، ولما بلغ ذلك النبأ لفاس أغلقوا الأبواب وأعلنوا بالخلاف، وحكموا السيف في كل من له علاقة واتصال بالروسى المذكور، ووقع قتال مع الودايا. وفي رمضان العام قدم القائد عبد الله الحمرى أحد قواد العبيد، واجتمع بأهل فاس واعتذر لهم عما صدر من المترجم، وأمرهم بتوجيه هدية له مع وفد منتظم من العلماء والأشراف، فقبلوا ما أبداه من الأعذار وامتثلوا أمره فيما أشار به، وعينوا الوفد وجمعوا الهدية، فكتب الحمرى المذكور للسلطان معتذرا عن أهل

فاس، ولما مثلوا بين يديه أغلظ عليهم في القول، ثم عفا وصفح وسرح مساجينهم، وولى عليهم عبد الله المذكور. وفي العام نفسه ولى على أهل فاس عبد الله بن الأشقر، واشتغل بتجهيز العساكر لآيت ومالوا، لأخذ ثأر العبيد منهم، وخرج إليهم في محرم عام تسعة وأربعين، فلما أحسوا بمقدمه عليهم أظهر الفرار أمامه، فصار يتتبع آثارهم ويحل منازلهم إلى أن قطعوا وادى أم الربيع وتوغلوا في الجبال، فعند ذلك انقضوا على الجيوش السلطانية من الثنايا والشعاب وأحاطوا بها من مناحية، فولت تلك الجيوش الأدبار منهزمة، وتركوا الخيول والأثقال ولم يتعرضوا للمترجم في موكبه وخاصته إلى أن قطع وادى أم الربيع ورجعوا عنه، وسار إلى أن دخل مكناسة فطالبه العبيد بالكسوة والسلاح والمرتب ولم يكن لديه ما يعطيهم هـ. قال الضعيف: وفي عشرى ذى الحجة الحرام منصرم العام خلع العبيد صاحب الترجمة، وتبعهم على ذلك أهل مكناسة وغيرهم، وبايعوا لصنوه أبي محمَّد عبد الله. وفي البستان أن المترجم لما سمع بذلك هرب لفاس، وأراد الدخول لفاس الجديد، فمنعه الودايا فنزل بقنطرة سبو، ومن الغد توجه لتازا، ومنها للأحلاف فأكرموه وصاهروه وأقام عندهم بوطنهم عدة أعوام معرضا عن الولاية وأسبابها إلى أن رجع لمكناسة بأمر أخيه السلطان عبد الله فأعطاه مالًا ووجهه لمكناسة الزيتون، وأعطاه المكس وأجنة المخزن وأرضه، ثم إن العبيد قبضوا عليه ووجهوه لصنوه السلطان المذكور وقالوا: هذا أفسد علينا بلادنا فسرحه ووجهه لسجلماسة، ولم يزل بها إلى أن لقى ربه.

علائقه السياسية: وقفت له على كتاب بالمكتبة الوطنية بباريس كان بعثه لسفير فرنسا، هذا نصه بعد البسملة والحوقلة بالله العلى العظيم، ثم الطابع كالبيضة بداخله (أمير المؤمنين أبو الحسن على الشريف ابن أمير المؤمنين إسماعيل الشريف الله وليّه ومولاه) وبدائرته إلا إله إلا الله وحده، صدق الله وعده، ونصر عبده، لا إله إلا الله الأمر كله لله): "إلى الباشدور الفرنسيس، سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله واهتدى. أما بعد: فاعلم أن خبرك وصل لمقامنا العالى بالله، وأنك أردت أن تقدم إلى أبوابنا العلية، وتوقفت على إذننا، فمرحبا بك، وأقدم في الأمان على سبيل الفور، وما نعمل لك إلا ما يسرك ويرضيك، وما ترجع إلا على خاطرك وكما تحب وترضى، وكل ما جئت عليه نقضيه لك إن شاء الله تعالى، والسلام على من اتبع الهدى، وكتب في الخامس عشر من جمادى الأولى عام ثمانية وأربعين ومائة وألف" صح من أصله مباشرة ولم يسم فيه المكتوب له. ومن ذلك ما كتب به للملك لويس الرابع عشر ولفظه بعد الحمدلة والحوقلة والطابع كما تقدم: "إلى الرواى الويس الفرانسيسى. أما بعد: فاعلم أنا لما جلسنا على سرير ملكنا واستولى سلطاننا وأمرنا على إيالتنا السعيدة الدانية والبعيدة، وأمدنا الله تعالى بالمدد، والعدد والعدد، وجمع المولى سبحانه كلمة جيوش الإِسلام، وسائر أقطارنا الخاص منها والعام، وانعقد بذلك الإبرام، ذلك بتقدير العزيز العلام، وردت علينا الوفود، أهل الحواضر والباد على الرسم المألوف المعهود، المؤدى إلى صلاح البلاد والعباد، أقررنا كل حد على

ما أقره عليه والدنا وأخونا أحمد قدس الله أرواحهم، وأبد في الفردوس نفوسهم الكريمة وأرواحهم، وأجرينا كلا ما كان عليه. ولما مثل بين أيدينا المباركة النصرانى طوماس وتصفحنا كتاب أخينا المذكور، الذي بيده البخاري على مقتضى شرعنا الكريم المطاع أعزه الله من أن الهدنة والسلم والفداء المأمور بهم معكم، وجهنا لكم مسطورنا هذا المبارك الأسمى، واقتفينا في ذلك بكتاب أخينا الأعز الأحمى، فوجه لنا باشدورك وكل ما في خاطرك وأردته لدينا، نقضوه لك بحول الله وقوته، وحتى هؤلاء النصارى الذين هنا بمقامنا العالى بالله أسارى إن أردت فديتهم والكلام معنا في شأنهم فأبعث باشادورك عليهم نبعثهم لك، والسلام على من اتبع الهدى كتب في رابع شوال" تحبيساته: من ذلك ما حبسه على قراء الحزب بالرحبة المرتفعة من باب السادات أحد أبواب المسجد الأعظم بالعاصمة، وذلك جميع الحانوتين المستندتين على فندق الرتيمى، وجميع الكوشة بجناح الأمان، وجميع حانوت ... . . وحانوتين بالصف المقابل المستندتين على الحمام فوق بابا الفرنان، وجميع الأرحى الفوقية تحت حوش العين الزرقاء المحدثة البناء على أرض الجزاء على صلوقية المضاف الهابط من وجه العروس قبالة سيدي على منصور، على أن يقتطع الناظر ربع الكراء للإصلاح، والثلاثة الأرباع منه لهم ووجه الناظر أبا القاسم المسطاسى لحيازة ما ذكر لمن ذكر على الوجه المذكور في أوائل قعدة الحرام عام 1147 حسبما بصحيفة 136 من الجزء الثاني من الحوالة الحبسية. ومن ذلك تحبيسه لغابة الزيتون المعروفة إلى اليوم بمولاى على لشراء الحصر للمسجد الأعظم، وما أضيف إليه، وقد أخبرنى من وثقت بخبره من النظار، أن

[صورة] ظهير السلطان المولى علي بن إسماعيل للويس الرابع عشر ملك فرنسا

493 - على بن حمود

ثمن غلة ذلك الزيتون لا تتجاوز ثمن ما يحتاج إليه المسجد من الحصر ولا ينقص، وأن ذلك تتبع بالاستقراء عدة أعوام فلم يتخلف. ووقفت على نصف مصحف كريم من سورة الكهف إلى من الجنة والناس، بخط رائق فائق، على أول ورقة منه تحبيس صاحب الترجمة له على أمه المصونة السيدة عائشة المتوفاة في سادس جمادى الأولى عام سبعة وعشرين ومائة وألف، حسبما هو منقوش في رخامة ضريحها الواقع خلف الجدار الشرقى من قبة شريح أبي زيد عبد الرحمن المجذوب، وتاريخ التحبيس أواسط رمضان العام رحم الله الجميع آمين، وقد تقدم قريبًا ذكر ما أنعم به على طبيبه عبد الوهاب أدرّاق في ترجمته. 493 - على بن حمود. المكناسى الأصل الفاسى الولادة والدار المكي الوفاة. حاله: عالم زاهد، ورع محسن إلى الغرباء، كثير الخشوع، مشمع الصدر معرض عن الدنيا، مقبل على الطاعة متواضع، سريع الدمعة، مشفق على عباد الله، رحل إلى الحج عام اثنى عشر وخمسمائة، ولقى جلة الأعلام، ورجع بعد قضاء حجة سنة ثمن عشرة وخمسمائة، فأقام بمدينة فاس مدة، ثم دخل الأندلس بنية الغزو والرباط، وصحب بها جلة علمائها، ثم رجع إلى فاس وبقى بها إلى سنة ستة وعشرين، ثم رحل كرة ثانية ودخل الْمَرِيَّة، ورحل منها إلى الإسكندرية، ثم أعاد الرحلة إلى الحج وجاور بمكة، وأمّ بالحرم المكي شرفه الله. ذكره ابن الأبار في تكميل الصلة، وابن فرتون في الذيل، وابن الزبير، وصاحب الجذوة، وصاحب صلة الصلة، قالوا: أصله من مكناسة الزيتون. مشيخته: روى عن أبي بكر الطرطوشى سنن أبي داود، وصحيح مسلم عن ¬

_ 493 - من مصادر ترجمته: التكملة لابن الأبار 3/ 244، جذوة الاقتباس - ص 467, صلة الصلة 4/ 157.

494 - على بن عيسى بن عمران بن دافال المكناسى

طرخان، وجامع الترمذي عن ابن المبارك، وعن أبي الحسن سعد الخير الأندلسيّ جميع صحيح البخاري عن ابن مكتوم، وموطأ القعنبيّ عن أحمد بن عبد الله وعن غير هؤلاء. ولادته: ولد بفاس عام ستة وسبعين وأربعمائة. وفاته: توفي بمكة المشرفة ودفن بالصفا سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة. 494 - على بن عيسى بن عمران بن دافال المكناسى. حاله: فقيه علامة، مشارك نحرير، فاضل زكى ألمعى، مهذب، ولى قضاء مدينة فاس. مشيخته: أخذ عن والده وغيره من محققى الأعلام. الآخذون عنه: أخذ عنه أبو الربيع بن سالم وغيره. وفاته: توفي سنة أربع وتسعين وخمسمائة. 495 - على بن أبي بكر بن سبع بن مزاحم المكناسى. حاله: أستاذ مقرئ راوية، رحالة محدث ناقد، مطلع خبير، مدرس نفاع، قال المقرى في النفح: ورد علينا من المشرق فأقام معنا أعوامًا، ثم رحل إلى فاس فتوفى فيها بالوباء العام. مشيخته: أخذ عن أحمد بن الشحنة الحجاز البخاري، وذلك سنة ثلاثين وسبعمائة، وكان الحجاز قد سمعه على ابن الزبيدى سنة ثلاثين وستمائة. قال المقرى: وهذا ما لا يعرف له نظير في الإِسلام، وقد قال عبد الغنى الحافظ: لا نعرف في الإِسلام من وازاه إلا عبد الله بن محمَّد البغوي في قدم السماع، فإنه توفي سنة سبع عشرة وثلاثمائة، قال ابن خلاد: سمعناه يقول: أخبرنا إسحاق بن ¬

_ 495 - من مصادر ترجمته: نفح الطيب 5/ 238.

496 - على بن عبد الرحمن بن تميم اليفرنى، شهر بالطنجي والمكناسى

إسماعيل الطالقانى سنة خمس وعشرين ومائتين، وسمعه ابن الزبيدى، عن أبي الوقت بسنده قال لي ابن مزاحم: هذا طريق كله سماع، وأخذ أيضًا عن بدر الدين ابن جماعة الشاطبيتين قراءة عليه لجميعهما عن أبي الفضل هبة الله بن الأزرق بقراءتهما عليه عن المؤلف كذلك وأخذ عنه تسهيل الفوائد عن مؤلفه ابن مالك وغير ذلك. الآخذون عنه: أخذ عنه جد أبي العباس المقرى وهو قاضى القضاة بفاس أبو محمَّد بن محمَّد بن أحمد القرشيّ كما قال ذلك هو على نفسه وتبعه حفيده في النفح، وأخذ عنه غيره، ولم أحفظ وفاته غير أنها كانت بفاس. 496 - على بن عبد الرحمن بن تميم اليفرنى، شهر بالطنجي والمكناسى. حاله: فقيه حافظ، فرضى حيسوبى، فاضل زكى نبيل، وجيه كامل ألمعى، انتهت إليه رياسة الفرائض في عصره. مشيخته: أخذ عن أبي الحسن الزرويلى. الآخذون عنه: أخذ عنه الحافظ أبو عبد الله محمَّد بن سليمان السطى وناهيك به، وأبو يعقوب البادسى المغراوى. مؤلفاته: منها تقييد على المدونة. وفاته: توفي سنة أربع وثلاثين وسبعمائة. 497 - على بن موسى بن أبي بكر بن محمَّد فتح ابن عبد الله الكتانى. حاله: قال في النبذة اليسيرة النافعة: كان رحمه الله من أهل الفقه والنباهة، والظهور والوجاهة، علامة باهرًا، مشاركًا ماهرًا، وهو الذي رفع عمود نسبه صاحب عقود اللآلئ المستضيئة. ¬

_ 496 - من مصادر ترجمته: وفيات الونشريسى في موسوعة أعلام المغرب 2/ 620.

498 - على أبو الحسن بن الفقيه الأستاذ المدرس محمد بن على، دعى منون الحسنى المكناسى النشأة والدار والإقبار.

وفاته: قال في النبذة أيضًا: غالب الظن أن وفاته كانت أوائل القرن الثامن بمكناسة. 498 - على أبو الحسن بن الفقيه الأستاذ المدرس محمَّد بن على، دعى منون الحسنى المكناسى النشأة والدار والإقبار. حاله: محدث مفسر، فقيه علامة، أستاذ نبيل فاضل ماجد، ذكى زكى، فرضى موثق مقرئ مجود، ذو فكاهة ودعابة ولطف، كان ببلده مكناسة صدرا متصدرا للإقراء والتدريس، وبث العلوم على اختلاف فنونها في صدور الرجال، وكانت سكناه بحومة القورجة كما بزمام تركته، وقد تنوسى إطلاق هذا الاسم على هذه الحومة الآن. مشيخته: أدرك أبا الحسن على بن عمر، وأبا حفص الرجراجى، وأبا مهدى ابن علال، وأبا يعقوب يوسف بن منحوت، وأبا زيد الجادرى، وأبا وكيل ميمون، وأبا عبد الله الفخار السماتى. الآخذون عنه: أخذ عنه إمام مكناسة أبو عبد الله بن غازى العثمانى، وجماعة، قال تلميذه ابن غازى في فهرسته وغيرها: استفدت منه كثيرا وكانت فيه دعابة، أنشدنى لبعضهم: يا معشر الإخوان أوصيكم ... وصية الوالد والوالده لا تعملوا الإقدام إلا لمن ... كانت لكم في وصله فائده إما لعلم تستفيدونه ... أو لكريم عنده مائده ولادته: ولد سنة تسعين -بتقديم المثناة فوق- وسبعمائة. وفاته: توفي بمكناسة الزيتون في قعدة الحرام عام أربعة وخمسين وثمانمائة وضريحه مزارة شهيرة.

499 - على بن هارون الشريف الحسنى المكناسى.

499 - على بن هارون الشريف الحسنى المكناسى. حاله: ذو جلالة في سائر الفنون وإجلال لدى الخواص والعموم مشارك نقاد، محرر محبر ذو ذهن وقال. مشيخته: أخذ عن أبي حفص: عمر الرجراجى، وأبى مهدى: موسى بن علال المصمودى، وأبى يعقوب الأغصاوى، وأبى زيد عبد الرحمن (¬1) الجاديرى، وأبى وكيل: ميمون مولى ابن الفخار وغيرهم. وفاته: توفي بمكناسة الزيتون بعد السبعين وثمانمائة. 500 - على بن محمَّد بن عبد الرحمن المعروف بالمراكشى. الأقاوى الأصل من بني صالح بالسوس الأقصى، وسقط من قلم صاحب الدرر المرصعة اسم المترجم على، فسماه محمَّد بن عبد الرحمن، والصواب على ابن محمَّد بن عبد الرحمن. حاله: فقيه بركة جليل، فرضى نحوى ميقاتى، قال في حقه تلميذه أبو العباس أحزاى -بألف مفتوحة فحاء مضمومة فزاى مفتوحة مشبعة فياء ساكنة- في قرى العجلان، على إجازة الأحبَّة والإخوان، ما نصه: آية في الحفظ، وفهم الفقه واستحضاره، ومشاركة في غيره من الفنون، وقد تصدر للتدريس والإفتاء بالزاوية البكرية بالجامع الكبير فقها وعربية وحسابا وفرائض وتوقيتا. وقال في حقه صاحب الصفوة: الشيخ الفقيه المحصل، كان صلبا في الحق لا تأخذه في الله لومة لائم، وقع له مع خليفة السلطان بتادلا وهو أحمد المعروف بالعبد بالبربرية وكان من أعظم الوزراء ووجوه الدولة ما هو -ويعنى بالسلطان ¬

_ 499 - من مصادر ترجمته: درة الحجال 3/ 25. (¬1) في المطبوع: "وأبى عبد الرحمن" والمثبت من درة الحجال.

المولى الرشيد العلوى- مبسوط وكانت له فصاحة في التقرير، ولى القضاء بالقصر مدة، وولاه السلطان مولاى الرشيد قضاء تادلا، فقام به أحسن قيام وحمدت سيرته، انظر الصفوة. وفي السؤال التاسع من الأسئلة التي سأل عنها أبو العباس أحمد بن عبد القادر التستاوتى علماء وقته ما نصه: الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمَّد وآله، سُئِلَ كاتبه عن شخص حبس شيئًا على أن يصرف في سبيل الله وفي أنواع الخير كرفد المحتاج واستضافة غريب، وذى نسبة إلهية، على أن النظر له فيه وعلى يده يكون صرفه في الوجوه المقصودة به، وبعد موته يستمر على الحالة المقصودة من غير تغيير، ويليه من يخلف مقامه، ويتمم بذلك الأمر اهتمامه. هل الحبس نافذ وماض أو هو لصفة الضد حائز؟ فقلت مجيبًا ومن الله أستمد المعونة، وعليه أعتمد في كفاية المئونة، إن الحبس ليس بجائز ولا نافذ لما اعتراه من الشرط المذكور الذي هو تصرفه وإجالة نظره: قال ابن شاس في المختصر الكبير: لا يجوز للرجل أن يحبس ويكون هو ولى ذلك. وقال ابن المواز: لو شرط في حبسه أنه يلي ذلك لم يجزه له ابن القاسم وأشهب، وقد اعتمد ذلك صاحب المختصر مشهرًا له قائلًا: وعلى أن النظر له مما يبطل به الحبس، وأيضًا فقد قال ابن القاسم وأشهب: إذا شرط المحبس أن يأخذ من الناظر على حبسه مستفاد ويصرفه في مصارفه بعدم الجواز والبطلان فمن باب أولى وأحرى نازلتنا لانتفاء الناظر فيه وتخريج قول فيها من قول مالك بالجواز في غاية البعد والله أعلم، وكتب على بن محمَّد المراكشى لطف الله به. مشيخته: أخذ عن القاضى أبي العباس: أحمد بن سعيد المجيلدى المعقول،

501 - على بن محمد بن أبي الفضل بن أحمد بن العافية.

وحضر مجالس أبي محمَّد: عبد القادر الفاسى في التفسير والحديث وغير ذلك، وعن أبي العباس: أحمد العرفاوى القراءات كما أخذ عن أئمة زاوية الدلاء. الآخذون عنه: أخذ عنه أبو العباس أحزاى المذكور، قال عن نفسه في قرى العجلان: أخذت عنه العربية والفقه والفرائض والحساب، وخليلا غير ما مرة، والرسالة غير ما مرة، والألفية غير ما مرة، وخدمته بنية صالحة خالصة مدة تزيد على عشر سنين بالزاوية البكرية. مؤلفاته: له أجوبة حسان في الفقه، وشرح على منظومة وجيزة للقاضى أبي العباس المجيلدى في التوقيت، أجاد فيه ما شاء. وفاته: قال في النشر: توفي فجأة سقط إثر صلاة الظهر بباب المسجد الأعظم من الحضرة المكناسية عام عشرة وتسعمائة بتقديم الفوقية. 501 - على بن محمَّد بن أبي الفضل بن أحمد بن العافية. حاله: فقيه علامة نحرير، تولى قضاء مكناسة الزيتون في دولة يعقوب بن عبد الحق المرينى. قال في درة الحجال: كان حيا سنة أربع وثمانين وستمائة. قلت: وقد وقفت على رسم مسجل عليه بتاريخ سادس عشر صفر عام أربعة عشر وسبعمائة على فيه بما لفظه: الفقيه الأجل، قاضى مكناسة، يتضمن ذلك الرسم الشهادة بصحة نسبة الشرفاء الأطهار، الحيلة الأخيار، الحسينيين الأبرار، الكانونيين الأخيار، وعليه عدة خطابات من جملتها خطاب المترجم. 502 - على بن سعيد بن محمَّد الصنهاجي المكناسى. وقفت على الجزء الأول من شرح ابن جابر الغسانى على التلمسانية بخطه، وذكر عن نفسه أنه كتبه وهو بسجن مكناس سنة سبع وعشرين وتسعمائة، نقلا عن

503 - على بن يوسف.

خط المؤلف، ولم أقف على من أجرى له ذكرًا, ولا على ولادة، ولا وفاة إلى الآن ولله في خلقه شئون. 503 - على بن يوسف. يدعى ابن يشو، التلاجدوتى، نسبة لقرية من قرى مكناسة الزيتون. حاله: أحد قادات مكناسة المقتدى بهم، علامة مشارك، نقاد خبير محنك، مطلع متفنن من فحول عصره المشار لهم بالبنان، المرجوع إليهم في تحرير العلوم العقلية والنقلية وبالأخص علوم العربية والفرائض والحساب والعروض، وأظنه هو المعروف اليوم بسيدى على والحاج خارج مكناس؛ لأن محل مدفنه يعرف بتلاجدوت والله أعلم. الآخذون عنه: أخذ عنه أبو عبد الله القورى، وأبو العباس الحباك، وأبو عبد الله بن جابر الغسانى كما صرح به في شرحه على التلمسانية، وناهيك بهم علما وجلالة، وقد غاب عني تاريخ وفاته. 504 - على بن محمَّد الزرهونى المعروف بالدشيش بصيغة التصغير. حاله: صالح زاهد، ورع تقى نقى فاضل، وصفه سميه العلامة البطوئى بالتصوف والزهد. مشيخته: أخذ عن سيدي رضوان الجنوى وانتفع به، كما أخذ عن غيره. الآخذون عنه: أخذ عنه سيدي أحمد بن على بن يوسف الفاسى وغيره، وتوفى بفاس وضريحه بزقاق الرمان شهير، ولم أقف على تاريخ وفاته. 505 - على بن حبق (¬1) المكناسى. ¬

_ 505 - من مصادر ترجمته: الروض الهتون - ص 111. (¬1) في المطبوع: "حبى" والمثبت من الروض الذي ينقل عنه المصنف.

506 - على بن عمر.

حاله: فقيه صالح علامة أديب فاضل، بركة قدوة، قال ابن غازى: قد حدثني المعمر أبو زيد عبد الرحمن النيار مزوار المؤذنين بجامعها الأعظم، أن ابن حبق هذا رئى في المنام بعد موته فسئل عما لقى من الحق سبحانه فأنشد: حسبوا على وقيدوا ... فعل القبيح مع الحسن ورأيت أمرا هائلا ... حتى لعمرى كدت أن وعفوا وذلك شأنهم ... لله در أبى الحسن شعره: من ذلك قوله يعاتب نفسه: عبد من الحسنات أصبح مفلسا ... وبضدها ثوب الديانة دنسا يمسى ويصبح للخطايا كاسبا ... لم ينهه مر الصباح ولا المسا ولم أقف على تاريخ وفاته ولا على شيء من ترجمته غير ما في الروض الهتون. 506 - على بن عمر. ذكره ابن غازى في الروض، ولم أقف له على ترجمة. 507 - على أبو الحسن قاضيه ابن أحمد بن محمَّد بن حماد زغبوش. ذكره ابن غازى، ولم أقف له على ترجمة. 508 - على أبو الحسن. دفين داره بالمنيا من طالعة فاس، ابن إبراهيم ابن العارف الكبير سيدي عبد الله الخياط الشريف الحسنى، دفين جبل زرهون، المترجم فيما مر. حاله: فقيه سنى ناسك صالح، خاضع متواضع، قال على الله ذو أحوال ومناقب وفضل ودين متين، انتقل من مسقط رأسه زاوية جده الشهيرة بجبل

509 - على بن قاسم الوقاد المعافرى قاضيها أبو الحسن.

زرهون بعد وفاة والده لفاس بقصد الأخذ بها عن جلة أعلامها، ثم إنه غلب عليه الحال، واشتغل بالعبادة وقصد الشيخ أبا الطيب بن يحيى دفين بلاد ميسور بوصية من والده أبي إسحاق إبراهيم له، وذلك أن أبا الطيب المذكور جاء مرة زائرًا لزرهون على العادة، فاجتمع معه سيدي إبراهيم، ونادى ولده المترجم، فلما دخل عليهما قال له: يا ولدى ادن من الشيخ أبي الطيب وسلم عليه: يا ولدى هذا شيخك، فلما كبر المترجم ذهب إلى أبي الطيب ولازمه حتى كان منه ما كان، وكان المترجم هو خليفة جده بزاويته بعد وفاة والده، وكان والده قبله هو الخليفة بها بعد وفاة والده سيدي عبد الله الخياط، ثم لازم المترجم داره بالمنية الفوقية من حومة قنطرة أبي الرءوس وأقبل على عبادة ربه حتى أتاه اليقين. مشيخته: أخذ عن والده بزاوية جده من زرهون، ولازمه إلى أن توفي وذهب لفاس فأخذ عن أبي الطيب ولازمه، وعلى يده فتح له ولم ينتسب إلا إليه، ولم أقف على تاريخ وفاته، بيد أنه من أهل القرن العاشر، إذ شيخه أبو الطيب كانت وفاته في ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وتسعمائة، وقد أشار إلى المترجم الشيخ المدرع في منظومته في صلحاء فاس رضوان الله عنهم بقوله: والسيد الخياط واسمه على ... ذو الجاه والهمة والقدر العلى كذاك سيدي مغيث أحيا ... ذكرهما معا دريب المنيا 509 - على بن قاسم الوقاد المعافرى قاضيها أبو الحسن. حاله: علامة نقاد وقفت على رسم مسجل عليه بتاريخ ثالث عشرى جمادى الأولى عام اثنين وعشرين وألف، يتضمن تزوج الشاب الأمجد أبي العباس أحمد بن عبد الله الجنان الأنصاري بالبكر العذراء المصونة فاطمة بنت المرحوم أبي زيد عبد الرحمن حفيد أبي عبد الله محمَّد بن جابر الغسانى رحم الله الجميع.

510 - على الزرهونى.

510 - على الزرهونى. حاله: محقق خير دين فاضل بركة قدوة، ناقد بصير، مدرس علامة، مشارك نفاع للطلبة، متضلع في النحو والتصريف والعروض مع المشاركة في غيرها من الفنون، دءوب على إقراء الألفية، تخرج به رحمه الله جماعة أعلام. مشيخته: أخذ عن جماعة من أعلام عصره كأبى الحسن على بن الزبير السجلماسى المتوفى سنة خمس وثلاثين وألف وغيره. الآخذون عنه: أخذ عنه الإِمام أبو محمَّد عبد القادر الفاسى شيخ الجماعة بفاس وناهيك به وغيره. وفاته: توفي بشفشاون سنة اثنتين وسبعين وألف، رحمه الله ورضى عنه. 511 - على بن أحمد المكناسى. أورده أبو محمَّد عبد الله الفاسى في كتابه الإعلام. حاله: فقيه علامة له مشاركة في الحديث والفقه والأصول. مشيخته: أخذ عن أبي محمَّد عبد القادر الفاسى، ولازمه في الحديث والأصول والفروع. وفاته: توفي ببلده مكناسة سنة أربع وسبعين وألف. 512 - على بن عمر بن عبد السلام بن أحمد بن محمَّد بن محمَّد ثاني ابن أحمد بن الحافظ بن أبي بكر بن العربي المعافرى. دفين خارج فاس. حاله: ميقاتى متقن قال فيه أبو عبد الله ابن غازى: فاضل دين، لم يل الأذان ببلدتنا مثله هـ. ¬

_ 510 - من مصادر ترجمته: نشر المثانى في موسوعة أعلام المغرب 4/ 1501.

513 - على أبو البركات بن محمد المدعو حمدوش بن عمران الشريف العلمى العروسى.

انتقل من فاس لعاصمتنا المكناسية وأسندت إليه رياسة التوقيت بمنار مسجدها الكبير حسبما الإشارة لذلك في السلوة. 513 - على أبو البركات بن محمَّد المدعو حمدوش بن عمران الشريف العلمى العروسى. كذا وقفت على نسبته هذه في عقد إراثة لوالد المترجم بتاريخ حادى عشر صفر عام تسعة عشر ومائة وألف -الوالى الشهير دفين جبل زرهون (¬1). حاله: كان في ابتداء أمره بفاس يجلس بباب القرويين المقابلة لباب الشماعين، دام على ذلك سنين، ثم انتقل لزرهون حيث زاويته الآن، وكان من أهل الجذب ساقط التكليف، قوى الحال، يحب السماع والأمداح ويرتاح للطرب، ويصبو لسماع آلاته، أظهر الله على يده كرامات، وخوارق عادات، وأورثت عنه أحوال ومقامات، وربما ضرب الناس في بعض الأحيان بكل ما يجد من أوانى وعصى وحجر وغير ذلك، حتى لا يقدر أحد على القرب منه وله معتقدون وأتباع كثيرون في أقطار كثيرة دانية وشاسعة، تشد الرحال للوفود لزاويته بقصد الزيارة كل سنة، وقد وقفت في بعض التقاييد بخط أحد أعلام مكناس أن للمترجم وردا وهو ثمانية عشر ألفا من الهيللة، وأن الشيخ بن قدور الزواق كان يجيز به الناس هـ. أما هؤلاء الذين يزعمون له اليوم الأتباع، ويحسبون أنهم يسيرون سير النتيجة والانتفاع، فيجلبون على رءوسهم بالمعاول والفئوس ويحاربونها بالعصى وزبر الحديد ولا كحرب البسوس، فهم عن عهد الهدى بمعزل، بل إنهم اتخذوا ¬

_ 513 - من مصادر ترجمته: التقاط الدرر - ص 325، نشر المثانى في الموسوعة 5/ 1979. (¬1) في هامش المطبوع: طرق سمعى أن بعض العلماء ألف في مناقبه تأليفا سماه (الذهب المنقوش في مناقب ولى الله تعالى سيدي على بن حمدوش).

من مسالك الضلالة والعمى أردى منزل، ولعمر الله إنهم فيما يفعلون لفى قصوى درجة السفه في الدين، وأقبح ما يأتيه من يغسل منه انسلال الشعرة من الطين، تواطئوا على شدخ الرءوس، والسعى في هلاك النفوس، ويعدون ذلك كرامة حيث لا يقع لهم هلاك بالشدخ وسيل الدماء، بل يعتقدون أن ما يرتكبون من الخرق المصادم للإنسانية بل والدين الإسلامي يقربهم إلى الله زلفى، ويكسبهم رضا متبوعهم المتبرئ من سوء فعلهم في الواقع براءة الذئب من دم يوسف، وربما اعتقد فيهم ذلك أيضًا همج الرعاع وأخلاط الخلق سفهاء الأحلام وما ذاك إلا من عمى الجهل الطام، وكبير الخذلان العام. ولا سلف لهم في ذلك الفعل الشنيع، والعمل البشيع، غير ما يقال من أن بعض أتباعه وهو أحمد الدغوغى أحد اتباع المترجم من العوام الصرف لم يحضر وفاة متبوعه المترجم، فلما آب من سفره وعلم بوفاته صار يضرب رأسه مع الجدارات وبالأحجار أسفا على فقد شيخه، وتحسرًا على عدم حضوره لوفاته، واغتنامه صالح دعواته، فاتخذ الأخلاط من أصحابه ذلك عادة ولم يعلموا أن صاحب ذلك الفعل المحرم إجماعًا ليس محلاً للقدوة، سواء قلنا إنه صدر منه ذلك بحال اعتراه لأن صاحب الحال يسلم له حاله ولا يقتدى بفعله لأنه فاقد التكليف، أو قلنا إنه تعمد ذلك الفعل الجاهلى وألقى بنفسه للتهلكة اتباعا لهواه، ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله، فلا تحل متابعته على هذه السنة السيئة المصادمة لما قضى الله ورسوله، وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم، ومعلوم أن ذلك الفعل ليس من سبيل المؤمنين، ومن يتبع غير سبيل المؤمنين قوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا، نسأل الله تعالى أن يثبتنا على الكتاب والسنة، وأن يميتنا على العمل بهما آمين. أما الشيخ المترجم فالمعتقد أنه لا يصح لمميز الاقتداء به بحال، فقد أطبقت

كلمة من نظمه معه الزمان على أنه كان مجذوبا معلوما بالغيبة والوله، ومن هذا سبيله سقط عنه التكليف، ولا يصح الاقتداء به في حال ولئن فرضنا سلوكه وقيامه على الأمر فهو من الشريعة تحت حكمها؛ ومؤاخذ إن أخل بشيء من نظمها، إذ الشريعة حاكمة على كل واحد وليس لأحد عليها حكم، فالرجوع إليها والوقوف عند حد تعاليمها واجب؛ لأن صاحبها معصوم من الهوى، {... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ... (7)} [الحشر: 7] , {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} [النساء: 65]. وقد أتانا بتحريم الإلقاء بالنفس في التهلكة ونجاسة الدم المسفوح والتلطيخ به، وقضى بالاهتداء بهديه والاقتداء بالخلفاء الراشدين من بعده والعض على سنته بالنواجذ، وهؤلاء نبذوا ذلك وراءهم ظهريا، أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا. فإن قلت: ما يرى عليهم من تعجيل البرء بمجرد انقضاء زمن اجتماعهم فيه أعظم كرامة لهم. قلنا: الأمر الخارق غير محصور في الكرامة، ولا بد من التفصيل فيه، فإما أن يظهر على يد مبتدع أو على يد متبع للقوانين التي أسسها الإِسلام وأوجب الائتمار بأوامرها والانتهاء بنواهيها، فإن ظهرت على يد متبع وكان من دعوى النبوة فمعجزة، وبدونها مع الاستقامة فكرامة، إذ كل ما يقع للنبى معجزة جاز أن يكون للولي كرامة، وإن ظهر على يد مبتدع فلا يشك عاقل أنه مكر من الله واستدراج لمن علم الله شقاوته وضلالته، قال الله تعالى: {... سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182)} [سورة الأعراف آية: 182] ولا يغتر عاقل بذلك ولو رآه يطير في الهواء، ويمشى على الماء. قال أبو يزيد البسطامى: إذا رأيت من يطير في

الهواء فلا يغرنك فعله، حتى تراه واقفا عند الأمر والنهى لأن إبليس لعنه الله يطير في الهواء ويمشى على الماء ويخترق الأرضين إلى الأرض السفلى، وأن السامرى ألقى الحلى في النار فأخرج له عجلا جسدا له خوار، والنمروذ بن كنعان حين ارتفع إلى الهواء في تابوت فكان يرمى بالنشاب إلى السماء ليقتل إله إبراهيم بزعمه، وكانت ترجع إليه السهام مخضوبة بالدم فقال: قتلته، وكل ذلك فتنة واستدراج من الله ليزيد في كفره وطغيانه. فإذا كانت هذه الخوارق العظيمة يظهر مثلها على يد هؤلاء القوم الظالمين، فكيف يغتر عاقل بما يجرى من الأوهام والحيل على يد أهل البدع والضلال؟ كأهل هذه الطوائف الزائغة الضالة التي أصبحت قذى في عين شريعة الإِسلام، ساعية جهدها وطاقتها في إفساد سمعتها عند غير أهله، فكل ما يظهر من هذا على يد غير متبع للقوانين الإِسلامية فهو فتنة وبلية يضل الله بها من خالف أمره وأمر نبيه عليه السلام واتبع هواه، هذا على تسليم اطراد وقوع البرء ناجزًا، على أننا لا نسلمه، إذ قد مات غير واحد على الفور وربما كان البرء صوريا، وقد تمكن الألم باطنا فرمته الأيام بالحدثان فأقبل على الآخرة مدبرًا، وكتاب الله الحكم فقد قال تعالى: {... وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ... (195)} [سورة البقرة آية: 195] فمن لم يَنْقَد لأحكام الكتاب والسنة لَفَظَهُ الإيمان, فأصبح مخلدا في دركات النيران، فقد روينا عن خير من نطق بالضاد: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد، وقد كان إمامنا مالك رضي الله عنه كثيرًا ما ينشد: وخير أمور الدين ما كان سنة ... وشر الأمور المحدثات البدائع فإن قلت: فعلهم هذا هو من الأمور التي مرت عليها الأجيال، وقد ظهر وانتشر واشتهر في كثير من العواصم وارتاح إليه، وعضده الجم الغفير من

الدهماء، ولم نر من تصدى لإنكاره ممن يشأهد ذلك من أهل العلم والدين، ومن مكنهم الله في الأرض وجعل بيدهم الحل والعقد. قلنا: أما ظهور مثل ذلك وانتشاره في الحواضر والبوادى فلا مفر عنه، ولا يزيد أهل الرسوخ في الدين إلا إيمانا وتسليما, لأنه مصداق لما أنبأ به نبينا الصادق المصدوق صلوات الله عليه وسلامه من ظهور البدع وافتراق الأمة فيها على فرف كغيرها من الأمم، وأحاديث ذلك مشهورة في دواوين الشريعة المطهرة، واللازم حينئذ بعد تحقيق كونها بدعا منابذة للدين الإسلامي، التحذير منها وإنكارها بقدر المستطاع. أخرج الإِمام أحمد، وعبد بن حميد، والبزار، والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه وابن مردويه كلهم عن عبد الله ابن مسعود قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا بيده ثم قال: هذا سبيل الله مستقيما، ثم خط خطوطا عن يمين ذلك الخط وعن شماله ثم قال: وهذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ثم قرأ هذه الآية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ... (153)} [سورة الأنعام آية: 153] قال: البدع والشبهات. وقال الجنيد رضي الله عنه: الطرق كلها مسدودة إلا على من اقتفى أثر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقال: علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة، فمن لم يسمع الحديث ويجالس الفقهاء ويأخذ أدبه عن المتأدبين أفسد من يتبعه. وعن عبد الرحمن بن مهدى قد سئل مالك بن أنس عن السنة قال: هي ما لا اسم له غير السنة وتلا هذه الآية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} قال بكر بن العلاء يريد إن شاء الله حديث ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خط له خطًّا وذكر الحديث، قال الشاطبى في الاعتصام إثره: فهذا التفسير يدل على شمول الآية لجميع طرق البدع لا تختص ببدعة دون أخرى هـ.

وأخرج مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في خطبه: أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمَّد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة. وفي رواية للنسائي: وكل محدثة بدعة وكل بدعة في النار. وقال عليه الصلاة والسلام: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدّ. وقد بين العلماء رضي الله عنهم أن المعنى في الحديثين المذكورين راجع لتغيير الحكم باعتقاد ما ليس بقربة قربة لا مطلق الإحداث، إذ تتناوله الشريعة بأصولها فيكون راجعًا إليها أو لفروعها، فيكون مقيسا عليها، قالوا: وبحسب هذا فلا تكون البدعة إلا محرمة لا سيما إن كانت في مقابلة منصوص عن الشارع أو مخالفة لأصل الملة، أو خارجة عن قواعد الأحكام الشرعية. وأما زعم أن ذلك وأمثاله لم ينكره أهل العلم ولا حذروا منه، فكلا ومعاذ الله أن يرضى بذلك ذو علم حقيقى أو عاقل هذبته الإنسانية فضلا عن أن يقر عليه، بل لم يأل العلماء جهدًا في بيان شرح خصال الإِسلام ويبذلون المجهود في ذلك بأساليب تقرب من الإفهام، ويوضحون في كل قول وفعل ما يوافق السنة وما يراغمها من البدعة ويتفننون في ذلك باختلاف الأحوال وما يقتضيه ما أحدث في كل زمان، وإنما الذي كاد أن يعدم إن لم نقل عدم هو الآذان الواعية، والقلوب المهتدية، وإلا فكم قرع المبتدعة أهل الدين ووبخوا وما قصروا؟ وقد نظموا في ذلك ونثروا، كما أن أمراء العدل وإن قلوا لم يزالوا يتعاهدون الضرب على أيدى أمثال هؤلاء وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، ولكن من يضلل الله فما له من هاد. قال الحافظ السخاوى في التبر المسبوك ما نصه: في يوم الاثنين سابع عشر ذى القعدة عام اثنين وخمسين وثمانمائة أمر السلطان راجح بن الرفاعى وجماعته

بعدم فعل ما لا يجوز كالمزمار والتشبيبة والرقص في زواياهم، بمقتضى مرسوم سأل فيه أولاد الشيخ عبد القادر الكيلانى بعد أن حكم عليهم قاضى الحنابلة بذلك، ولله در القائل، من السادة الأوائل. الضرب بالطار والتشبيب بالقصب ... شيئان قد عرفا باللهو والطرب إنى لأعجب من قوم وطيشهم ... وأن أمرهم من أعجب العجب ومطرباتين (¬1) لا تصغى لقولهما ... فالشرع قد حرم الإصغاء للطرب إن نقروا الطار أمسوا يرقصعون له ... شبه القرود ألا سحقا لمرتكب صوفية أحدثوا في ديننا لعبا ... وخالفوا الحق دين المصطفى العربي من اقتدى بهم قد ضل مثلهم ... سحقا لمذهبهم لوكان من ذهب أهل المراقص لا تأخذ بمذهبهم ... فقد تمادوا على التمويه والكذب أنكر عليهم إذا ما كنت مقتدرا ... واضرب ظهورهم بالسوط والخشب (¬2) وهذا السلطان العادل المولى سليمان قام في وجوه تلك الطوائف البدعية وسفه أحلامها وقبح أفعالها، وبين ما كان عليه سلفنا الصالح ودونك نص خطابه في ذلك: "الحمد لله الذي تعبدنا بالسمع والطاعة، وأمرنا بالمحافظة على السنة والجماعة، وحفظ ملة نبيه الكريم، وصفيه الرءوف الرحيم، من الإضاعة، إلى قيام الساعة، وجعل التأسى به أنفع الوسائل النفاعة، أحمده حمدا ينتج اعتماد العبد على ربه وانقطاعه، وأشكره شكرا يقصر عنه لسان اليراعة، وأستمد معونته بلسان المذلة والضراعة، وأصلى على العموم والإشاعة، والرضا عن آله وصحبه الذين اقتدوا بهديه بحسب الاستطاعة". ¬

_ (¬1) تحرف في المطبوع إلى: "ومطربانينا" وصوابه لدى السخاوى. (¬2) التبر المسبوك للسخاوى 2/ 100 - 101.

أما بعد: أيها الناس شرح الله لقبول النصيحة صدوركم، وأصلح بعنايته أموركم، وأعمل فيما يرضيه آمركم ومأموركم، فإن الله قد استرعانا جماعتكم، وأوجب لنا طاعتكم، وحذرنا إضاعتكم، يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم، سيما فيما أمر الله به ورسوله، أو هو محرم بالكتاب والسنة النبوية وإجماع الأمة المحمدية، الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، ولهذا نرثى لغفلتكم وعدم إحساسكم، ونغار من استيلاء الشيطان على أنواعكم وأجناسكم، فالقوا لأمره آذانكم، وأيقظوا من نوم الغفلة أجفانكم، وطهروا من دنس البدع إيمانكم، وأخلصوا لله إسراركم وإعلانكم، واعلموا أن الله بمحض فضله أوضح لكم طرق السنة لتسلوكها، وصرح بذم اللهو والشهوة لتتركوها، وكلفكم لينظر عملكم فاسمعوا في ذلك وأطيعوه، واعرفوا فضله عليكم وعوه، واتركوا عنكم بدع المواسم التي أنتم بها متلبسون، والبدع التي يزينها أهل الأهواء ويلبسون، وافترقوا أوزاعًا، وانتزعوا الأديان والأموال انتزاعا، بما هو حرام كتابا وسنة وإجماعا، وتسموا فقرا، وأحدثوا في دين الله ما استوجبوا به سقرا، قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالًا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. وكل ذلك بدعة شنيعة، وفعلة فظيعة، ووصمة وضيعة، وسنة مخالفة لأحكام الشريعة، وتلبيس وضلال، وتدليس شيطانى وخبال، وزينة الشيطان لأوليائه فوقتوا له أوقاتًا، وأنفقوا في سبيل الطاغوت في ذلك دراهم وأقواتا، وتصدى له أهل البدع من عيساوة وجيلالة، وغيرهم من ذوى البدع والضلالة، والحماقة والجهالة، وصاروا يرتقبون للهوهم الساعات، ويتزاحمون على حبان الشيطان، وعصيهم منهم الجماعات.

وكل ذلك حرام ممنوع، والإنفاق فيه إنفاق غير مشروع، فأنشدكم الله عباد الله هل فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحمزة عمه سيد الشهداء موسما؟ وهل فعل سيد هذه الأمة أبو بكر لسيد الأرسال صلوات الله عليه وعلى جميع الآل والأصحاب موسما؟ وهل فعل عمر لأبي بكر موسما؟ وهل تصدى لذلك أحد من التابعين؟ رضي الله عنهم أجمعين. ثم أنشدكم الله هل زخرفت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المساجد؟ أم زوقت أضرحة الصحابة والتابعين الأماجد. وكأنى بكم تقولون في نحو المواسم وزخرفة أضرحة الصالحين وغير ذلك من أنواع الابتداع، حسبنا الاقتداء والاتباع، إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون، وهذه المقالة قالها الجاحدون هيهات هيهات لما توعدون. وقد رد الله مقالهم، ووبخهم وما أقالهم، فالعاقل من اقتدى بآبائه المهتدين. وأهل الصلاح والدين. خير القرون قرنى الحديث. وبالضرورة أنه لم يأت آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها، فقد قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعقد الدين قد سجل، ووعد الله بإكماله قد عجل، اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإِسلام دينا. قال عمر بن الخطاب: أيها الناس قد سنت لكم السنن, وفرضت لكم الفرائض، وتركتم على العبادة، فلا تميلوا بالناس يمينا وشمالا، فليس في دين الله ولا فيما شرع نبى الله أن يتقرب إلى الله بغناء ولا شطح، والذكر الذي أمر به وحث عليه ومدح الذاكرين به هو على الوجه الذي كان يفعله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن على طريق الجمع ورفع الأصوات على لسان واحد، فهذه سنة السلف، طريقة صالحى الخلف. فمن قال بغير طريقهم فلا يستمع، ومن سلك غير سبيلهم فلا يتبع، ومن

يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين قوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا، قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى وسبحان الله وما أنا من المشركين. فما لكم يا عباد الله ولهذه البدع؟ أأمنا من مكر الله أم تلبيسا على عباد الله أم منابذة لمن النواصى في يده؟ أم غرور بمن الرجوع بعد إليه؟ فتوبوا واعتبروا، وغيروا المناكر واستغفروا، فقد أخذ الله بذنب المترفين من دونهم، وعاقب الجمهور لما أغضوا عن المنكر عيونهم، وساءت بالغفلة عن الله عقبى الجميع، ما بين العاصى والمداهن المطيع، أفيزلكم الشيطان وكتاب الله بأيديكم؟ أم كيف يضلكم وسنة نبيكم تناديكم؟. فتوبوا إلى رب الأرباب. وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب، ومن أراد منكم التقرب بصدقة، أو وفق لمعروف إطعام أو نفقة، فعلى من ذكر الله في كتابه، ووعد فيهم بجزيل ثوابه، كذوى الضرورة الغير الخفية، والمرضى الذين لستم أولى منهم بالعافية، ففي مثل هذا تسد الذرائع، وفيه تمثل أوامر الشرائع، {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)} [التوبة: الآية 60]. ولا يتقرب إلى ملك النواصى، بالبدع والمعاصى، بل بما يتقرب به الأولياء والصالحون والأتقياء المفلحون، أكل الحلال، وقيام الليال، ومجاهدة النفس في حفظ الأحوال، وبالأقوال والأفعال، البطن وما حوى، والرأس وما وعى، وآيات تتلى، وسلوك الطريقة المثلى، وحج وجهاد، ورعاية السنة في المواسم والأعياد، ونصيحة تهدى، وأمانة تؤدى، وخلق على خلق القرآن يحدى، وصلاة وصيام، واجتناب مواقع الآثام، وبيع النفس والمال عن الله، {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)} [التوبة: الآية 111]. {... وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ ... (177)} [البقرة: الآية 177]، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} [الأنعام: الآية 153] صراط مستقيم كتاب الله وسنة رسول الله. وليس الصراط كثرة الرايات، والاجتماع للبيات، وحضور النساء والأحداث، والتصفيق والرقص، وغير ذلك من أوصاف الرذائل والنقص، أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنًا فإن الله يضل من يشاء ويهدى من يشاء. عني المقدام بن معد يكرب سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: يجاء بالرجل يوم القيامة وبيده راية يحملها وأناس يتبعونه فيسأل عنهم ويسألون عنه، إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب. فيجب على من ولاه الله من أمر المسلمين شيئًا من السلطان والخلائف، أن يمنعوا هؤلاء الطوائف, من الحضور في المساجد وغيرها, ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم أو يعينهم على باطلهم، فإياكم ثم إياكم والبدع، فإنها تترك مراسم الدين خاوية، والسكوت عن المناكر يحيل رياض الشرائع ذابلة ذاوية، فمن المتقول عن الملل، والمشهور في الأواخر والأول، أن البدع والمناكر إذا فشت في قوم أحابابهم سوء كسبهم، وأظلم ما بينهم وبين ربهم، وانقطعت عنهم الرحمات، ووقعت فيهم المثلات، وشحت السماء، وسحت النقماء، وغيض الماء واستولت الأعداء، وانتشر الداء وجفت الضروع،

وانقطعت بركة الزروع؛ لأن سوء الأدب مع الله يفتح أبواب الشدائد، ويسد طريق الفوائد، والأدب مع الله ثلاثة: حفظ الحرمة بالاستسلام والاتباع، ورعاية السنة من غير إخلال ولا ابتداع، ومراعاتها في الضيق والاتساع، لا ما يفعله اليوم هؤلاء الفقراء، فكل ذلك كذب على الله وافتراء، قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم. عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع فما تعهد إلينا؟ وقال: أوصنا. قال أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة لمن وليكم وإن كان عبدا حبشيا، فإنه من يعش بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. وها نحن عباد الله أرشدناكم، وحذرناكم وأنذرناكم، فمن ذهب بعد لهذه المواسم أو أحدث بدعة في شريعة نبيه أبي القاسم، فقد سعى في هلاك نفسه، وجر الوبال عليه وعلى أبناء جنسه، وتله الشيطان للجبين، وخسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين، فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم" هـ. قال الزيانى في رحلته بعد نقلها: فتأملوا ما أملاه أمير المؤمنين في هذه الخطبة التي لم يسمع مثلها فيما مضى من العصور، ولا ذكرها ملك ولا عالم مشهور، فهي سادسة خطب الخلفاء الأربعة وعمر بن عبد العزيز فمن تأملها علم علم يقين، أنها برزت من قلب خالص عارف بما أعد الله للمتقين هـ. وقد نص العلماء على أن العاصى أحسن حالًا من المبتدع؛ لأن العاصى

يعلم أنه عاص، ويقول أتوب وأرجع إلى الله، والمبتدع يزعم أنه على الحق حتى يموت على بدعته، ومن مات مبتدعا وجد في قبره حفرة من حفر النار. أخرج الطحاوى أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: ستة ألعنهم لعنهم الله وكل نبى مجاب: الزائد في دين الله، والمكذب بقدر الله، والمتسلط بالجبروت يذل به من أعزه الله ويعز به من أذله الله، والتارك لسنتى، والمستحل لحرم الله، والمستحل من عترتى ما حرم الله. وفى رواية أبى بكر بن ثابت الخطيب: ستة لعنهم الله ولعنتهم، وفيه الراغب عن سنتى إلى بدعة هـ. واللعن الإبعاد من رحمه الله تعالى، أى هلاك أعظم من ذلك عياذا بالله. وقال سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه في بعض خطبه: أيها الناس قد سنت لكم السنن، وفرضت لكم الفرائض، وتركتم على الواضحة ألا لا تضلوا بالناس يمينا وشمالا، وصفق بإحدى يديه على الأخرى، ثم قال: إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم، إن يقل قائل لا نجد حدين في كتاب الله، فقد رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا، الحديث. وعن ابن مسعود رضى الله عنه أنه قال: اتبعوا آثارنا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، وقال ابن الماجشون: سمعت مالكا رضى الله عنه يقول: من أحدث شيئًا لم يكن عليه سلفنا فقد زعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خان في الرسالة، لأن الله تعالى يقول: {... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... (3)} [سورة المائدة آية: 3] وسئل إمامنا مالك رضى الله عنه عن قوم يأكلون كثيرا ويرقصون كثيرا، فقال على وجه الإنكار لهم: أمجنونون هم أم صبيان؟ وقال: هذا لا يفعله أهل العقل والمروءة. وقال الإمام الطرطوشى حين وصف له حالهم: فمذهب هؤلاء جهالة وبطالة، وبدعة وضلالة، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة نبيه عليه السلام.

وخرج ابن وهب عن سفيان أنه كان يقول لا يستقيم قول إلا بعمل، ولا قول وعمل إلا بنية، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا موافقا للسنة، ولما بايع الناس عمر بن عبد العزيز صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنه ليس بعد نبيكم نبى، ولا بعد كتابكم كتاب، ولا بعد سنتكم سنة، ولا بعد أمتكم أمة ألا وإن الحلال ما أحل الله في كتابه على لسان نبيه حلال إلى يوم القيامة، ألا وإن الحرام ما حرم الله في كتابه على لسان نبيه حرام إلى يوم القيامة، ألا وإنى لست بمبتدع، ولكنى متبع، ألا وإنى لست بقاض، ولكنى منفذ، ألا وإنى لست بخازن ولكنى أضع حيث أمرت، ألا وإنى لست بخيركم ولكنى أثقلكم حملا، ألا ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ثم نزل. فإن قيل: هؤلاء يحبون شيخهم ونبيهم ويصلون عليه ويرجون شفاعته، ولهم نية خالصة في عبادتهم وأفعالهم في الله قلنا: كما قال الحسن: لا يغرنك قول من يقول: المرء مع من أحب، فإنك لن تلحق الأبرار إلا بعملهم وسنتهم، فإن اليهود أحبوا موسى وليسوا معه، إذ لم يتبعوه بل كذبوه ولقد أحسن من قال: ومن يدعى حب النبى ولم يكن ... بسنته مستمسكا فهو كاذب علامة صدق المرء في الحب أن يرى ... على منهج كانت عليه الحبائب والنية لا تنفع إلا مع اتباع السنة فقد كان للكفار نية خالصة في أصنامهم ولا ينفعهم ذلك، وما ازداد صاحب بدعة اجتهادا إلا ازداد من الله ابتعادًا. تنبيهان: الأول أسلفنا فيما نقلناه من قضية السلطان رافع التحذير من أفعال من ينتسب إلى الصوفية، وليس القصد الإرسال في ذلك فيجد من في قلبه مرض لإيقاد نار الفتنة السبيل إلى الانتقاد على أماثل أهل الدين، الذين بذلوا أرواحهم في خالص الطاعة كل حين، كالحسن البصرى والشاذلى والجنيد والسرى السقطى وابن أدهم ومن ضاهاهم من سلف الأمة وخلفها المهتدين المتقين، المنوه بهم في

نص الكتاب، فإن الصوفية الحقيقييّن قوم خلص الله بواطنهم وظواهرهم، ونور بمعرفته سرائرهم، وأقامهم على درجة الاختصاص والقرب، فهم القوم لا يشقى جليسهم، ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفى الآخرة. قال ابن عبد السلام: والله لقد قعد الصوفية على قواعد الشرع التي لا تتهدم، ومبغضهم في دركات حرابة الله، ففى الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم -: من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب، فالمعترض لهم بالقول السيئ لا إخاله إلا استبطأ غضب الله ونقمته، ورام أن ينقض من عهد الله حرمته، والله حسيب أقوام نسبوا إليهم ما هم منه أخلياء، ورموا الحط من مقاماتهم وتلطيخهم بما هم منه أبرياء، ولا تزر وازرة وزرة أخرى، وإنما المراد المتصوفة المخلطون المدعون المتهورون. الثانى: قد عمم صاحب القطعة الشعرية في تحريم الشبابة وما شاكلها، وليس ذلك على إطلاقه، ومحمل ذلك على من يمزج الذكر بالشطح والرقص وضرب الصدور ونتف الشعور والتشبه بالحيوانات العادية وأكل الميتة والتلطيخ بالدم المسفوح المحرم بنص الكتاب {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ... (3)} [سورة المائدة: آية: 3] {... إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا ... . (145)} [سورة الأنعام آية: 145] الآيتين، إلى غير هذا من أنواع المجون كالمزمار والطبل والتلحين، إذ ذكر الله ينبغى تعظيمه، وإجلاله وإقبال المتلبس به بسره وعلانيته على الله بخشوع وفراغ القلب من غير المذكور ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون، وتدبر قول الله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ... (35)} [سورة الحج آية: 35] وضرورة أن الوجل مباين لحضور آلة اللهو ويباينها تمام المباينة، ومعلوم أن الموضوع مخصوص فكيف إذا انضم لآلة اللهو ما ذكر والتفصيل في ذلك قد علم في مسائل الفقه، وألم به العلماء في أبواب خصوصا مبحث الولائم فليراجع في

مظانه، فليس المحل لبيانه، وقد بسطنا القول فيه في غير هذا التقييد شرح الله صدورنا لمتابعة الكتاب والسنة في الأقوال والأفعال، وجعلنا بمنه من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه آمين. ولم يقع ولله الحمد في عصرنا اليوسفى إهمال وإغضاء عن تلك البدع، بل النهضة اليوسفية ساهرة على اجتثاثها من أصلها تدريجا، وذلك أوقع في النفوس، فقد دمرت بعض أولئك الطوائف بثغر الدار البيضاء جملة، وأخذ في تطهير فاس ومراكش من دنسها، ونرجو من الله التوفيق والإعانة لمولانا الأمير وأنصاره، وولاة أمره على حسم مادتها تماما، من سائر إيالته الشريفة بيده سبحانه التوفيق والهداية (¬1). مشيخته: أخذ عن السيد محمد المدعو الحفيان، وهو عن والده الشيخ محمد فتحا المدعو أبا عبيد الشرقى، عن والده أبى القاسم الزعرى الجابرى الرتحى، عن التباع، وأخذ أيضا أبو عبيد الشرقى أخذ إرادة وانتساب عن الشيخ عبد الله بن ساسى الغزوانى عن التباع، برد الله ثرى الجميع. الآخذون عنه: أخذ عنه السيد محمد بن يوسف المدعو الحمدوشى نسبة لشيخه المترجم المتوفى بفاس عام أربعة وخمسين ومائة وألف، وأبو عبد الله ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: أما في عصر مولانا الإمام، المعتنى بشريعة جده عليه السلام، سيدى محمد أبد الله ملكه، وأجرى بالتوفيق فلكه، فقد أظهر اهتماما عظيما بمنكرات تلك الطوائف وكف أيديهم كما كانوا يفعلون وأصدر أدام الله حفظه أوامره المطاعة بمنع الذين يدعون الانتساب للشيخ ابن عيسى مما كانوا يفعلونه بمقابر مكناسة حسبما سيأتى الكلام على ذلك عند ذكر عوائد مكناس في المولد النبوى الأنور لا زال مولانا ساهرا على رعاية السنة قامعا للبدعة حتى نرى أوامره الشريفة مطوقة جميع بدع الضلال، وأرباب المنكرات والخبال.

514 - على بن سعيد العميرى.

محمد المدعو الحمدوشى الشريف الكنانى المتوفى عام أربعة عشر ومائتين وألف بمحروسة فاس، وأبو العباس الدغوغى دفين جبل زرهون، وأبو على الحسن بن مبارك دفين حومة بوعوادة من الحضرة المكناسية، والسيد قاسم أوقار ببنى مسارة من الجبل ولا زال أعقابه يفدون لضريح المترجم بقصد الزيارة والتبرك كل عام في جماعة من أهل الخير والصلاح، جلهم مجاذيب أو مشوبون بجذب، وورده الذى كان يلقنه لأتباعه ثمانية عشر ألفا من الهيللة حسبما وقفت على ذلك في بعض تقاييد لأبى العباس الأغزاوى المعروف بالجبلى المترجم فيما سلف. قال: أخبرنى تلميذه -يعنى ابن قدور سابق الترجمة- صاحبنا النجيب الصالح المهدى الورياجلى أن ابن قدور أجازه في ورد ابن حمدوش، وذكر أنه ثمانية عشر ألفا من الهيللة هـ. وفاته: توفى بجبل زرهون حيث مشهده وزاويته الآن سنة خمس وثلاثين ومائة وألف، كذا في نشر المثانى والتقاط الدرر، والذى في سلوك الطريق الوارية أنه توفى سنة إحدى وثلاثين ومائة وألف. 514 - على بن سعيد العميرى. حاله: علامة مشارك، مدرس نفاع، محرر نحرير، متقن، أحد صدور علماء الدولة الإسماعيلية المتصدرين للإرشاد والإفادة، حلاه عصريه العلامة الأقعد أبو الحسن على بن محمد بن على العكارى حسبما وقفت عليه في بعض تقاييده بخطه بما نصه: ذو اللسان الفصيح الفقيه الأديب، الحاذق اللبيب، أبو الحسن السيد على أخو السيد أبى القاسم العميرى، سمعته يقرئ الشفا للقاضى عياض بعد صلاة المغرب وبعد الصبح وهو ذو لسان، وذو عبارة مرونقة بالبيان، مولعا بالأدب والتاريخ والسير، ذو تثبت على ما يطالعه فيذكره كما قاله قائله، ورأيته يأتى بأبحاث في مجلسه بلفظ فإن قلت: كذا، قلنا: الجواب كذا، ومن طبعه كما حدثت عنه إباية المناقشة له في مجلسه، وقد شهدت له ما يدل على ذلك، قال:

515 - على بن عبد الرحمن بن عبود المكناسى النشأة والدار والإقبار.

وهو من جملة من لقيت من أعلام مكناسة الزيتون لما قدمت إليها في أوائل جمادى الثانية عام سبعة وأربعين ومائة وألف. وهو من أعيان الأعلام الذين شهدوا على جلالة سيدنا الجد الأعظم مولانا إسماعيل المذكور وهو على كرسى مملكته بعاصمته المكناسية في عقد المؤاخاة بين نجليه الأجلين مولانا أحمد الذهبى وجدنا مولانا زيدان، حسبما سبقت الإشارة إليه في ترجمة أخى المترجم في الأحمدين. وقد كان متوليا له وزارة الأوقاف الحبسية بسائر الإيالة السلطانية يحاسب النظار ويسجل عليه، وقفت على محاسبتين له أصدرهما مع الناظر الفقيه العلامة السيد أبى القاسم بن الفقيه الحاج عبد الواحد المسطاسى، أولاهما بتاريخ أوائل جمادى الأولى عام خمسين ومائة وألف، وثانيتهما بتاريخ أوائل محرم عام واحد وخمسين، محلى فيهما بالفقيه الأجل، العالم العلامة الأفضل، من له النظر والتصرف التام في سائر أحباس هذه الإيالة الشريفة، وقد كان استوزره المولى المستضئ بن مولانا إسماعيل في دولته فسار سيرة حسنة، حمده عليها الأصدقاء والأعادى حسبما أوما إلى ذلك صاحب الدر المنتخب المستحسن. مشيخته: أخذ عن والده، وأبى على الحسن بن رحال المعدانى وغيرهما. الآخذون عنه: أخذ عنه السيد محمد بن محمد بن عبد الرحمن بصرى، سابق الترجمة وغيره. وفاته: قال ابن عاشر الحافى في كناشتة: توفى صاحبنا الفقيه السيد على ابن سعيد العميرى في تاسع رمضان عام خمسين ومائة وألف. 515 - على بن عبد الرحمن بن عبود المكناسى النشأة والدار والإقبار. حاله: إمام همام، فاضل علامة، نقاد مشارك، مطلع نحرير، متبحر ذو

ذهن وقاد، مدرس نفاع، غزيز الاطلاع، محصل مفصل مديد الباع. قال في حقه أبو الحسن على العكارى ما نصه: الفقيه الأديب، الخاضع المنيب، أبو الحسن السيد الحاج على بن عبود وهو من أهل الخير والدين، ومن السادات المعتبرين، عليه مخايل الكمال، تميز بها عن هؤلاء الرجال، مجتهد في الدروس، مورد في تقريره ما تطيب به النفوس، سمعته يقرئ مختصر خليل بالمسجد الأعظم في وقتين، وأنصت له فرحت قرير العين، ولما عرفنى وقد كنت كتبت له قبل ملاقاته أدخلنى داره، محبة للعلم لا مداره، وأجلسنى على الفراش، وجاء بما تيسر من المعاش، وكان يومئذ صائما، ولم يزل طبق المحبة قائما، التقى بالوالد واستنجده لعهود، أعظمها أنه أن كان في الجنة ينادى أين ابن عبود. ولما صدر منه ما صدر، أخذ عنه الوالد أن يعترف هو أيضا بمثل هذا الخبر، ليصير كلاهما عن الآخر سائلا، فكان كل منهما لذلك قابلا، وحين أراد الانصراف، خاطبنا مخاطبة إسعاف، أنه يأتى لنا كل يوم بما تيسر من الطعام، ليس إلا الحل دون شبهة حرام، من غير مشقة تلزمه في ذلك، فكان يسلك أحسن المسالك. ولم يزل يتردد إلينا مدة الإقامة، ولم يتطرق لنا منه ولا له منا سآمة، إلى أن عزمنا على الرحيل، فتوادعنا معه موادعة الخليل. هـ من خطه. وقد رحل المترجم لأداء فريضة الحج وزيارة النبى المختار، ولقى فحول جلة العلماء الأخيار، وأفاد واستفاد، وازدهت بوجوده البلاد، وكان متصدرا لتحمل الشهادة من أجل عدول مكناسة المبرزين، وأئمتها القادة المعتبرين، دين خير، فاضل زكى، ذكى، نبيل، أريحى لوذعى كامل. مشيخته: أخذ عن أبى عبد الله محمد بن سالم بن أحمد الحفنى سنن أبى داود وجامع الترمذى وسنن ابن ماجه وسنن النسائى الصغرى ومسند الشافعى

516 - على بن صانبة البخارى المكناسى.

والشفا وتفسير البيضاوى وتفسير الجلالين والمحلى ومؤلفات ابن هشام والقاموس، وعن أبى إسحاق إبراهيم بن عبد الله ... النوادر، وهو عن الخرشى، عن الأجهورى، وأخذ عن أبى على الحسن بن رحال المعدانى، وسعيد العميرى، وغير هؤلاء من الأعلام. الآخذون عنه: أخذ عنه العلامة السيد الغازى ابن عبود، والسيد محمد بن سميه بن عبد الرحمن بصرى. وفاته: توفى يوم الثلاثاء الثانى من ربيع الثانى عام أربعة وسبعين ومائة وألف. 516 - على بن صانبة البخارى المكناسى. حاله: علامة أديب، أستاذ محقق، فاضل نبيل، جهبذ، نقاد، ألمعى أريب أصله من عبيد البخارى مماليك سيدنا الأعظم مولانا إسماعيل قدس ثراه، وكان من عدول سماط عاصمتنا المكناسية المبرزين المتصدرين للشهادة، وقفت على عقد بشهادته تاريخه خامس رجب عام عشرين ومائتين وألف. مشيخته: أخذ عن أبى عبد الله محمد بن عبد السلام الفاسى وغيره. الآخذون عنه: أخذ عنه السلطان أبو الربيع سليمان كما قال ذلك هو عن نفسه وحلاه في كتابه عناية أولى المجد: بشيخنا العلامة الأديب الأستاذ المحقق، ولم أقف على تاريخ وفاته. 517 - على جد والدنا دنية ابن محمد بن عبد المالك بن زيدان بن فخر الملوك مولانا إسماعيل. حاله: فقيه علامة جليل، قدوة ماهر، دراكة نبيل، مبجل وقور هيوب ¬

_ 517 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 7/ 2568.

مبرور، ذو جد واجتهاد، وجلالة ومكانة ونزاهة، وجاه ووجاهة، لدى الصغير والكبير في كل ناد، ورد من الصحراء أواخر دولة أمير المؤمنين سيدى محمد بن عبد الله فقوبل من لدنه بكل حفاوة وإكبار، وإعظام واعتبار، وأدناه وأجله، وعلى منصة التكريم والتبجيل أحله، وقلده خطة نقابة الأشراف، لما علمه وتحققه من كمال فضله ومتانة دينه وتحليه بأشرف الأوصاف، وتخليه عن كل ما يشين وتجنبه أهل الاعتساف، فقام بأعبائها أتم قيام، ولم يأل جهدًا في الدفاع عن حمى النسبة لخير الأنام في حل وإبرام، وفوق ما منه يرام، إلى أن لبى داعى مولاه، وانتقل لما اختير له رحمه الله، وولاه السلطان المولى سليمان الإمامة بمسجد القصبة السعيدة المولوية. وقد وقفت على ظهير سليمانى يوجب له إعانة شهرية من الأحباس، نصه بعد الحمدلة والطابع الصغير بداخله (سليمان بن محمد غفر الله له): "نأمر السيد سعيد بن القاضى ناظر أوقاف مكناسة الزيتون، أن يكون يدفع من الأحباس لمولاى على بن زيدان عشرين أوقية في كل شهر إعانة على قراءة العلم الشريف والسلام وفى منتصف رمضان المعظم عام 1226". وبعد بخط بعض القضاة: "رفع على الخاتم الشريف صدر التنفيذ المولوى عدل فقبل". كما عثرت على ظهير رحمانى بمعناه نصه بعد الحمدلة والطابع الصغير بداخله (عبد الرحمن بن هشام الله وليه): "نأمر الفقيه الناظر السيد الطاهر بن عثمان أن يرد على الشريف مولاى على ابن زيدان المثقال الذى أسقط له من الثلاثة مثاقيل المنفذة له من الأحباس، بأن يقبض العدة الموصوفة كاملة عند افتتاح كل شهر، ولا ينقص له منها شئ، فإن مثله يزاد ولا ينقص، والسلام في 28 من شعبان المبارك عام 1249".

ولما مات المترجم أستمر التنفيذ جاريا على أولاده من بعده حسبما يدل على ذلك ظهير محمدى شريف، نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع بداخله (محمد بن أمير المؤمنين وفقه الله): "أقررنا بحول الله وقوته، وشامل يمنه ومنته، أولاد ابن عمنا مولاى على ابن زيدان رحمه الله، على قبض الثلاثين أوقية التي كان نفذ والدنا المقدس بالله لوالدهم المذكور من أوقاف مكناسة الزيتون، إعانة على طلب العلم الشريف، مرتبا في كل شهر، فنأمر الناظر على الأوقاف المذكورة أن يبقى على دفعها لهم في كل شهر، صدر به أمرنا المعتز بالله في تاسع عشرى ربيع الأول عام 1276". ولما تولى السلطان المولى الحسن أقرهم على ذلك بظهير نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع بداخله (الحسن بن محمد الله وليه ومولاه): "يعلم من كتابنا هذا أسماه الله وأعز أمره أننا بعون الله وإفضاله، أقررنا ماسكيه أبناء عمنا مولاى على بن زيدان رحمه الله على الثلاثين أوقية التي أقرهم سيدنا الوالد على قبضها كل شهر من أوقاف لهم على طلب العلم الشريف والسلام في 26 من جمادى الأولى عام 1293". وفاته: توفى في ربيع النبوى الأنور عام ستين ومائتين وألف، ودفن بروضة أبى زيد عبد الرحمن المجذوب عند أصل الجدار الشرقى من قبة ضريحه خارج القبة، رحم الله الجميع بمحض الفضل. ولما مات أنعم السلطان على أولاده بخمسين مثقالا، وقد خلف من الأولاد المولى أحمد، والمولى عبد الرحمن النقيبين من بعده، وتقدمت ترجمة ثانيهما، والمولى عبد السلام صبيا مراهقا، وأربع بنات حسبما بزمام تركته المؤرخ بأواخر ربيع الأول المذكور.

518 - على بن صالح.

518 - على بن (¬1) صالح. حاله: فقيه أستاذ عشرى هين لين، قانت ذاكرا، تال فاضل، كان رحمه الله مقرءا مجودا حسن الصوت حلو التلاوة، بارع الخط، يحفظ السبع والعشرين حفظا (¬2) متقنا، إذا تلا أبكى وود المستمع عدم سكوته، حسن السمت، نادرة زمانه في اللطف والظرف والتؤدة ومكارم الأخلاق، آية في حسن التعليم، يؤدب الصبيان ويقرئ الأساتيذ، نفع الله به أقوامًا من حملة القرآن وقراء السبع بالحضرة المكناسية، وكان لا يخرج من داره إلا لمكتب تعليمه، أو لأداء الخمس جماعة بالأعظم، وكان الإمام الراتب بالأعظم في التراويح التي بعد العشاء، والراتب لأخذ قراء السبع عليه به عين وقتا لإفادتهم يفدون عليه بألواحهم يرمزها ويصحح الرموز منها، ولم يزل دءوبا على ذلك حتى نقله الله إليه، وقد رحل لأداء فريضة الحج وتلاقى بمن أفادهم واستفاد منهم من أهل الحرمين الشريفين وغيرهم. مشيخته: أخذ عن سيدى محمد بن إدريس البوعنانى، والسيد الصديق الأجراوى المترجم فيما مر، والسيد اليزيد العلمى آتى الترجمة، والسيد صالح بن يوسف أخذ عنه العشرين وتقدمت ترجمته. الآخذون عنه: أخذ عنه الأستاذ السيد عبد السلام الفشار، والأستاذ عبد القادر المدعو الصبيع، والشريف الفقيه السيد الحسن بن اليزيد العلوى، والأستاذ أحمد المجذوبى، وأبو عبد الله محمد بن سميه ابن عبود في خلق لا يكاد يعد كثرة من الأساتيذ وحملة القرآن الموجودين. وفاته: توفى في رمضان عام أربعة وتسعين ومائتين وألف، ودفن بمسجد سيدى عمرو بوعوادة عن يسار الداخل له بمرجع دفته. ¬

_ 518 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 7/ 2657. (¬1) في إتحاف المطالع: "على صالح". (¬2) في إتحاف المطالع: "حفظ السبع ودفن ببلده".

519 - على بن محمد المسفيوى.

519 - على بن محمد المسفيوى. حاله: علامة مفت، ثبت محقق مدقق، شعلة ذكاء ونباهة، سريع الإدراك، جيد الفهم، متوقد القريحة، له المشاركة الكاملة في فنون العلوم عقليها ونقليها كالمنطق والبيان والمعانى، مع غزارة المادة في الفروع، والتفوق على معاصريه في علوم العربية والسير والأخبار ونوادر الزمان، لوذعى أريحى، مهذب حسن الأخلاق جميل المعاشرة، ذو مروءة وفضل ونبل وورع، وطهارة ذيل، وكرم نفس، وصدق لهجة، مقبل على شأنه مهتبل بأمور المنحاشين إليه. حدثنى من وثقت بحديثه أن الحاج عبد السلام النساخ حدثه وهو ثقة ثبت أنه حج عام 128 في رفقة جماعة من الأعلام منهم والد المترجم السيد محمد المسفيوى، فكان من قدر الله أن مات الوالد المذكور، ولما حضرته الوفاة أوصى العلامة السيد محمد بن الفضيل المراكشى المتوفى عام 1306 بأن يتولى أمر متروكه حتى يسلمه لأهله، فتولاه وفق ما طلبه منه، فاستسلف من برفقتهم ما خلف من المال، ولما رجعوا لمراكش وسلموا المتخلف لصاحب الترجمة ولد الهالك امتنع من قبض ذلك وسامحهم فيه، معتذرا بأن والده كان متوليا خطة القضاء ببلده مسفيوة، فربما تكون به شبهة، كذا أَخبرنى الفقيه العلامة الثبت الحاج محمد بن كبور قائلا حدثه بذلك الحاج عبد السلام المذكور رفيقا وهو من جملة من استسلف. رحل من بلده مراكش في طلب العلم لفاس عام أربعة وستين ومائتين وألف، ولازم الأخذ عن جهابذة أعلامها بمزيد اعتناء وجد واجتهاد إلى أن برع، ومن قاموس المعارف التيار كرع، ولم يزل في رقى وإجلال، معمرا أوقاته بما يرضى ذا الجلال. ¬

_ 519 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2815.

وانتخبه السلطان المولى عبد الرحمن بن هشام لإقراء أولاده، ثم اصطفاه السلطان سيدى محمد وزيرا لولده المولى الحسن زمن خلافته، ثم بعد مدة طلبه السلطان سيدى محمد للظعن معه، وجعله بمثابة كاتب مع وزيره الصدر الفقيه أبى عبد الله الصفار، وذلك أن بعض الولاة بمراكش كان في قلبه عليه مرض ولم يستطع حيلة للتوصل إليه والسعى في إذايته وتنحيته عن منصبه، حتى ورد السلطان سيدى محمد لمراكش وصار يبحث الولاة وذوى الحيثيات عن سيرة ولده الخليفة عنه ثمة، فأثنوا عليه ثناء عاطرًا ووصفوه بأوصاف عالية في الدهاء والسياسة، والنبل والكياسة، ثم قال شانيه إلا أَن عامة الناس تنسب ذلك لوزيره فإن رأى مولانا أن يعمل له وزيرًا دون هذا في العلم والمعرفة والرياسة لتنسب الأعمال لمولانا الخليفة، ويتضنح الأمر جليا للعامة والخاصة، فاستحسن السلطان منه ذلك واستصوبه، وبلغ صاحب الدسيسة مبتغاه. ثم رشح المترجم لعمالة طنجة أياما، ثم أُعفى، واستكتب بالصدارة، ثم بعد جلوس السلطان مولاى الحسن على أريكة الملك قربه واستوزره، فكان في دولته وزير سماع المظالم وإبلاغها للحضرة الملوكية بعد وفاة الفقيه الصفار الذى كان مكلفا بذلك، فسار في مأموريته وفق ما منه يطلب، استوطن مكناسة مدة، وكان سكناه بها زمان وزارته بمقربة من جامع النجارين بالدرب المعروف اليوم بدرب الدلائيين بياءين. مشيخته: أَخذ عن العلامة سيدى الوليد العراقى، وعن والده سيدى محمد المدعو حم المتوفى عام ثمانين ومائتين وألف، وعن أبى العباس المرنيسى، وأبى عبد الله محمد بن عبد الرحمن الحجرتى الفيلالى وهو عمدته، ولقى الشيخ بدر الدين الحمومى وأجازه عامة كسابقيه وغير هؤلاء ممن هو في طبقتهم. الآخذون عنه: أخذ عنه السلطان مولانا الحسن ولازمه زمن خلافته وقبله

520 - على بن الشاد بن محمد بن العربى بن الطالب الأمرانى.

ظعنا وإقامة، وعمه مولانا العباس بن عبد الرحمن بن هشام المترجم قبل، وإخوانه المولى بوعزة، والمولى الرشيد، والمولى على، والسيد صالح السرغينى، والسيد الحبيب بن كيران، والسيد محمد بن المعطى السرغينى المراكشى المتوفى ثانى عشر محرم الحرام عام ستة وتسعين ومائتين وألف. قال في حديقة الأزهار: سمعت منه ألفية جمال الدين ابن مالك مع توضيح الإمام ابن هشام مع مباحثة في حواشى إرشاد السالك، ومختصر الشيخ خليل إلى البيوع، ولامية الزقاق وبعض تحفة ابن عاصم، وصغرى السنوسى والسلم. وفاته: توفى ليلة الجمعة عاشر رجب عام ستة عشر وثلاثمائة وألف، ودفن بضريح المولى أبى إسحاق الذى جدد بناءه في حياته بمدينة مراكش. 520 - على بن الشاد بن محمد بن العربى بن الطالب الأمرانى. حاله: شاب نشأَ في عبادة الله، فقيه صالح فالح، نزيه عدل، رضى نبيه، خير دين، فاضل نبيل، صوام قوام، قنوع عالى الهمة شريف النفس، محافظ على الصلاة في الجماعة، كثير المطالعة، مشتغل بما يعنيه، تولى خطة العدالة بالحاضرة المكناسية، يحفظ المختصر الخليلى والتحفة وغيرهما من مهمات المتون، نشأ بتافيلالت ثم نقله السلطان المولى الحسن بعد وفاة والده إذ كان ابن عمته، وأنزله مع أصنائه بأعتابه الشريفة، وأُجريت عليه من الجرايات الملوكية ما يجرى لأمثاله، واشتعل بالتعلم مواصلا ليله بنهاره حتى حصل ما قسم له من المعلومات ففاق جل أقرانه. مشيخته: أخذ عن السيد التهامى بن عبد القادر المدعو الحداد سابق الترجمة وهو عمدته، والسيد المفضل السوسى، والسيد محمد حمود يدعى مريود، والسيد محمد القصرى، والسيد محمد السوسى، والسيد الغالى السنتيسى، وقاضى ¬

_ 520 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 8/ 2915.

521 - عمر بن عثمان الونشريسى المكناسى.

مكناسة السيد محمد بن عبد السلام الطاهرى، والحاج المختار بن عبد الله والسيد المعطى بن عبود، وتراجم جل هؤلاء تقدمت. وفاته: توفى ليلة الثامن والعشرين من حجة الحرام عام ثمانية وثلاثين وثلاثمائة وألف، ودفن بصحن الضريح الإسماعيلى برد الله ثراه. 521 - عمر بن عثمان الونشريسى المكناسى. حاله: فقيه مدرس مدرك، أستاذ في العربية، قال ابن الخطيب في نفاضة الجراب: حضرت مذاكراته في مسألة أعوزت عليه وطال سؤاله عنها وهى قول الشاعر: الناس أكيس من أن يمدحوا رجلا ... ما لم يروا عنده آثار (¬1) إحسان وصورة السؤال: كيف يصح وقوع أفعل بين شيئين لا اشتراك بينهما في الوصف، إذ أوقع الشاعر أكيس بين الناس وبين أن يمدحوا وهو مؤول بالمصدر وهو المدح ولا يوصف بذلك هـ بنقل صاحب الروض. قال في نفخ الطيب: عقب نقله لهذا الايراد: قلت الإشكال والجواب عنه بضرب من المجاز ظاهر، وقد أَشار إليه أبو حيان في الارتشاف، وجماعة آخرون في قول بعض المؤلفين كصاحب التلخيص: (أكثر من تحصى) ولولا السآمة لذكرت ما قيل في ذلك، وخلاصة ما قالوه أن في الكلام تقديرًا والله أعلم. وفاته: توفى عام عشرة وثمانمائة، وإلى وفاته رمز صاحب الإعلام بوفيات الأعلام بلفظ قذى من قوله: والونشريسى نجل عثمان عمر ... نحوينا عام (قذى) الدمع انهمر ¬

_ 521 - من مصادر ترجمته: الروض الهتون - ص 104، نفح الطيب 5/ 351، نيل الابتهاج 1/ 339. (¬1) في الروض الهتون: "إيثار" وفى النفح: "آثار" كما هنا.

522 - عمر الحراق أبو حفص، وزير الحضرة الإسماعيلية الشريف الحسنى.

522 - عمر الحراق أبو حفص، وزير الحضرة الإسماعيلية الشريف الحسنى. حاله: عين أعيان الأعلام، وواسطة عقد حملة الأقلام، بذلك الأوان، إذا نظم سحر الألباب، وإذا نثر أَدهش فرسان البلاغة بما أويته من حسن الانسجام، وعجيب الإبداع، نشأَ ببلده شفشاون نشأَة حسنة في العفاف والصيانة، وغذى بألبان المعارف والعلوم والآدب، إلى أَن بلغ الأشد، ونبع وبرع في الفنون على اختلاف أنواعها. قال في حقه معاصره الأديب الماهر المقتدر أبو عبد الله محمد بن الطيب الشريف العلمى في أنيسه ما لفظه: قوى العارضة، لا يطمح الفتح أَن يعارضه، تقلد الوزارة، وشد بها إزاره، فأَلقت إليه الرياسة عصا الطوع، وأمنت بسيوف أقلامه وسهام إصابته من الروع، وجاءها من البيان بكل صنف ومن البديع بكل نوع، من رجل يهاب سطوته الحجاج، ويستفتيه في العربية الزجاج. رحل إلى المشرق فحج واعتمر، وطلع بأدبه على ذلك الأفق طلوع القمر، فاستفاد وأَفاد، وخلد هنالك علما تدخره الأبناء للأحفاد، وله ديوان شعر يشهد له بالدراية، وينشر على رأسه في دولة الإحسان أى راية، ولقد أَثبت له ما تبصره شعرا، وتجده عند الاختبار سحرا، وعند الاستنشاق شحرا، إلى أن قال: لقيته بداره من محروسة مكناسة فأطرفنى بما شاء من الطرف، وأعطانى في أخباره من كل فن طرف، ثم دعا بولد له بعد ست سنين، فلما حضر أَدى حق الآباء على البنين، ثم قال له: قل يا بنى لا فض الله فاك، ولا سلم من جفاك، فأنشد وما وجم، حتى أتى على آخر لامية العجم، من غير أن يحدث في عروضها كسرا، أو يغفل في إعرابها ضما ولا كسرا. ثم أتى من القصائد ما يتخذ ذخرا، وانتقل في المعانى فكان تميميا مرة وقيسيا أُخرى، فما رأيت والله من يفصح مثل لفظه، ولا من ظفر بمثل حفظه، ثم

قال يا بنى أَطرفنا بشئ من الأخبار. مما عقلت من الأحبار. ونبذة من عجائب الأسفار. فحدثنا بقصص رائقة، سلك فيها منهج الإتقان ورائقه. أَخبرنا قال حدث الخالد عن أبى بكر الصنوبرى، قال: كان بالرُّها وراق له سعد، وكان يجلس له أهل الفضل والأدب من أهل عصره وكان حسن الأدب غزير العلم، كثير الفهم، ينظم الأشعار الفائقة الرائقة، وكان جملة من الأدباء لا يفارقون دكانه، منهم أبو بكر المعوج الشامى الشاعر، وأبو بكر الصنوبرى وغيرهم من علماء الشام وديار مصر. وكان لتاجر نصرانى هنالك ولد اسمه عيسى من أحسن الناس وجها وأعلاهم قدرا، وأظرفهم منطقا، وكان يجلس إلينا ويكتب من أشعارنا وجميعنا يحبه ويميل إليه، وهو حينئذ في المكتب، فعشقه سعد الوراق عشقا مبرحا، وكان يعمل فيه الأشعار فمن ذلك قوله فيه وقد جلس عنده يكتب شعرا: اجعل فؤادى دواة والمداد دمى ... وهاك فاجر عظامى موضع القلم يرى المنعم لا يدرى بمن كلفى ... وأنت أشهر في الصبيان من علم ثم شاع بعشق الغلام، فلما كبر وبلغ الاحتلام، أحب الرهبانية وخاطب أباه وأمه في ذلك، وألح عليهما فأجاباه، وخرجا به إلى دير زكرى بنواحى الرقة وهو في نهاية الحسن، فابتاعا له قلابة فأَقاماه فيها، وضاقت الدنيا على سعد الوراق فأَغلق دكانه، وهجر إخوانه، ولزم الدير مع الغلام يعمل فيه الأشعار، ويسير خلفه حيث سار. فأنكرت الرهبان إلمام سعد بعيسى ونهوه عنه وأَنكروا عليه، وأَغلظوا له في القول، وأَزمعوا على إخراجه إن دخل القلابة على عيسى، فلما رأى سعد امتناعه منه شق ذلك عليه وخضع للرهبان، وتملق لهم فلم يجيبوه، وقالوا: هذا عار علينا وفيه إثم فلا تمكن موافقتنا عليه، مع ما نخشى من السلطان.

فكان إذا وافى الدير أَغلقوا الباب في وجهه، ولم يدعو الغلام يكلمه، فاشتد وجعه وزاد عشقه وكلفه، حتى صار إلى الجنون، فخرق ثيابه وأضرم النار في جميعها، ولزم صحراء الدير وهو عريان يهيم، ويعمل الأشعار. قال الصنوبرى: فعبرت يوما أنا والمعوج الشامى من بستان بتنا فيه فرأيناه عريانا جالسا في ظل الدير، وقد طال شعره وتغيرت خلقته، فسلمنا عليه وعذلناه وعنفناه، فقال: دعانى من هذا الوسواس، أتريا ذلك الطير الذى على هيكل الدير؟ قلنا: نعم، قال: إنى والله أُناشده منذ الغداة أَن يسقط فأَحمله رسالة إلى عيسى، ثم التفت إلى وقال: يا صنوبرى أمعك ألواحك؟ قلت: نعم، قال اكتب عنى وأَنشد: بدينك يا حمامة دير زكرى ... وبالإنجيل عندك والصليب قفى وتحملى منى سلاما ... إلى قمر على غصن رطيب حماه جماعة الرهبان عنى ... فقلبى لا يقر من الوجيب وقالوا رابنا إلمام سعد ... ولا والله ما أنا بالمريب وقولى سعدك المسكين يشكو ... لهيب جوى أحر من اللهيب فصله بنظرة لك من بعيد ... إذا ما كنت تمنع من قريب وإن أَنامت فاكتب حول قبرى ... محب مات من هجر الحبيب رقيب واحد تنغيص عيش ... فكيف بمن له مائتا رقيب قال: ثم تركنا وقام إلى باب الدير وهو مغلق دونه، وانصرفنا عنه، وما زال كذلك زمانا حتى وجد في بعض الأيام ميتا إلى جانب الدير فانتهى خبره إلى أمير البلد ابن كيغلغ، فعزم على ضرب رقبة الغلام وإحراقه بالنار، وضرب جميع الرهبان بالسياط حتى افتدوا منه بمائة ألف، وانتقل عيسى إلى دير سمعان مطرودا.

رجع: ثم أَنبأت صاحب الترجمة بعزمى على هذا الكتاب، وطلبت منه أَن يعطينى من ديوانه ما أَثبت له في طبقة الكتاب، فماطلنى في ذلك، وكأنه رأى نفسه ليس أهلا لما هنالك، تواضعا لمولاه، ومن تواضع لله رفعه الله، ثم لما أن عدت في ذلك إليه، وأجلبت بخيلى ورجلى للتأكد عليه، اعتذر بتراكم الأكدار، ووعدنى بوصول القصائد إلى الدار؛ فودعته مصدقا لوعده، فما رأيت شيئا من بعده، سوى فقده، هـ لفظه. شعره: من ذلك قوله يتشوق إلى شفشاون بلده ويحن لها حنين الوالد لولده: شفشاون يا شفاء النفس من نصب ... ومن عنا وشفاء الروح من وصب حياك من لم يزل حيا وأحيا رُبًى ... رُبِّيت فيها رهين اللهو والطراب مسقط رأسى وأنسى مع جهابذة ... أَربوا على كل ذى علم وذى أدب زدت جمالا على حمراء أندلس ... وفقت بيضاء غرب منتهى الأدب أرض تجمع فيها كل مفترق ... في غيرها من أراضى العجم والعرب ماء معين وأشجار منوعة ... تعجز عن وصفها الأقلام في الكتب ما شعب بوان ما مرج دمشق وما ... نيل بمصر وما العاصى لدى حلب في جنب شفشاون الغراء إن فخرت ... بتينها وبزيتون مع العنب إلى أن قال: أنت التي في سواد القلب مسكنها ... يا بلدة قربها يروى بلا قرب تسر من جاءها ظمآن في تعب ... كما تسر عطاش ليلة الغرب قومك قومى ورهطى لست أنكرهم ... وكيف أنكر أمى أو أعق أبى

523 - عمر الوقاش.

ومنها: وقد تبوأَها دارا ومعتصما ... لولا رمته يد الأقدار بالنواب ومنها: فأعجب لقلب غريق في محاسنهم ... وقد جفونى فيا للناس للعجب وقوله مذيلا قول القائل: وجربت الأمور وجربتنى ... كأنى كنت في الأمم الخوالى وذلك باقتراح من مخدومه مولانا الجد الأكبر السلطان مولانا إسماعيل، وكان كثيرا ما يتمثل بالبيت المذكور مذيلا: ومن عجب تروم الروم حربا ... بسهل أو حزون أو جبال وقد شهدوا العرائش يوم جاءت ... بها الأجناد تزحف للقتال (وجربت الأمور وجربتنى ... كأنى كنت في الأمم الخوالى) 523 - عمر الوقاش. به شهر، ويعرف بلوقَش بفتح القاف، وأصله: لوكس، اسم لعائلة أندلسية من بقية ملوك بنى أُمية، سموا باسم حصن من حصونها، كذا في عمدة الرواين لأبى العباس أحمد بن محمد الرهونى التطوانى. حاله: من أهل الرياسة في العلم والأدب، كاتب بارع، متفنن فصيح القلم واللسان، بديع الإنشاء، له القدم الراسخ والمشاركة الزائدة في المعلومات، من أشرف بيوتات تطوان وأهل الوجاهة بها، أصل سلفه من الأندلس، نزلوا تطوان ونواحيها في حدود السبعة عشر بعد الألف أيام خروج المهاجرين منِ الأندلس. والد المترجم أبو محمد عبد السلام، كان ذاجاه ووجاهة، وثروة عظيمة،

استنابه سيدنا الجد الأكبر السلطان مولانا إسماعيل عنه مع الدول الأجنبية، وولاه وظائف أخر، ويقال: إنه هو الذى عرف السلطان المذكور بالباشا على بن عبد الله الريفى الحمامى، كذا في تاريخ تطوان لأبى محمد عبد السلام بن محمد سكيرج. وقد استكتب المترجم سيدنا الجد المذكور في ديوانه الملوكى، ونال لديه حظوة ومكانة عالية، وإذْ ذَاك كان مقامه بعاصمة الملك مكناسة، ثم لما كبر سنه وضعف عن الخدمة السلطانية، ولاه على بلده تطوان وأعمالها، وكانت بينه وبين أبى العباس أحمد بن على الريفى زعيم البلاد الهبطية ووجيهها، منافسة ومشاجرة أحدثها المعاصرة والمجاورة، واستبداد كلمة كل وعصبيته ونفوذ كلمته وعزته في قومه، ولم تزل الضغائن بينهما تزداد كل آونه، والعداوة تشتد إلى أن انتقل مخدومهما السلطان المذكور لسعة رحمة مولاه، وأسند الأمر إلى غير أهله، وعصفت رياح الفتن وضيع الحزم، وانحلت عرى السطوة الملوكية، وانمحت آثار هيبتها من قلوب الرعية، ونامت البزاة وصرخت الدياك، وأهمل أمر الجند. انتهز إذ ذاك الفرصة أبو العباس المذكور، وكان مصمما على أريكة الملك، إذ قد كان أخبره بعض من ينظر في الأجفار بأنه سيدخل مدينة فاس بالطبول ويستولى عليها قهرا، فاغتر بذلك، وأخذ في جمع السلاح والأموال والأبطال وتقوية أصحابه، وبعث للروم على أن يصنعوا له سرير المملكة فصنعوه له ورصعوه وأتقنوا صنعه، وبالغوا في تنميقه وزخرفته، وأنفقوا عليه في ذلك أموالا طائلة، وبعثوا له به وفق طلبه لما كان بينه وبينهم من التوادد. ثم جعل فاتحة أعماله الزحف على تطوان والفتك بأهلها، فزحف إليها في عرمرم جرار، ودخلها على حين غفلة من أهلها، فبرز إليه المترجم في أبطال أهلها، وأوقع به أشنع وقعة ورده على عقبه مكسور الراية، وترك أشلاء قومه طعمة للعقبان والذِيَاب. ولما أتيح للمترجم على عدوه هذا الانتصار الباهر الذى لم يكن له في حسبان، طاش عقله واستفزه الشيطان، فسولت له نفسه الجلوس على أريكة

الملك، وأنه الأحق والأولى بذلك مع كبر سنه ووهن عظمه واشتعال الرأس منه شيبا، وأعلن عن نفسه بما أفسد ديباجة علمه وأدبه ونباهته، وصيره غرضا للسهام، وقد صرح بأنه ثالث العمرين ونظم في ذلك ونثر، ثم بعد ذلك نقل إلى تارودانت واستقضى بها، ولم يزل بها إلى أن نقله الله إليه. شعره: من ذلك قوله ينعى على أهل الريف فعلتهم، وينتقص دولتهم، ويفتخر على أهل فاس فمن دونهم ويخبر عن نفسه بما يئول إليه أمره كما في الاستقصاء وغيره: بلغت من العلياء ما كنت أرتجى ... وأيامنا طابت وغنى بها الطير ونادى البشير مفصحا ومصرحا ... هلم أبا حفص فأنت لها الصدر نهضت مجيبا للندا راقصا به ... وما راعنى إذ ذاك زيد ولا عمرو شرعت بحمد الله للملك طالبا ... وقلت وللمولى المحامد والشكر أنا عمر المعروف إن كنت جاهلى ... فسل تجد التقديم عندى ولا فخر أنا عمر الموصوف بالباس والندى ... أنا عمر المذكور بى ورد الجفر ظهرتُ لأُحْيِى الدين بعد اندراسه ... فطوبى لمن أَمسى يساق له الأمر ولم يبق ملك يستتب بغربنا ... فعندى انتهى العلم المبرح والسر أنا عمر المشهور في كل غارة ... أنا البطل المقدام والعالم الحبر ضبطت بلادى وانتدبت لغيرها ... وعما قليل يعظم الجاه والقدر وجئت بعدل للإمامين تابعا ... أنا الثالث المذكور بعدهما وتر فمن ذا يضاهينى ومالى وافر ... ومن ذا يعانينى ولى الحكم والأمر إلى أن قال:

ففرطوط والرحمون والكوط عصبتى ... وراغون كنزى والصغير به القهر أولئك أنصارى وأرباب دولتى ... وأهلى وأنصارى هم الأنجم الزهر إلى أن قال: هلالى بدا لما هلالى أجابنى ... وغيلان إذ لبى به عظم الوفر ودولة أهل الريف حتما تمزقت ... فلم يبق بالتحقيق عندى لها جبر أذقناهم لما أتوا شر بأسنا ... فآبوا سراعا والصوارم والسمر تطير الأكف والسواعد منهم ... هنيئا فحق للأنام بنا البشر بخفّى حنين آب عنا كبيرهم ... وما فاته منا نكال ولاخسر فماذا يضاهينى ومالى وافر ... وذكرى مغمور به البر والبحر وقد أَجابه على ما فاه به وسولته له نفسه الفقيه أبو عبد الله محمد بن بجة الريفى العرائشى بقصيدة رد عليه فيها أقبح رد وأفظعه، وإن كانت ليست بشئ بالنظر للصناعة الشعرية ودونك بعض ذلك: في صفحة الدهر قد خطت لنا عبر ... منها ادعاء الحمار أنه بشر من مر عنه الصبا وما رأى عجبا ... خبره بعجيب دهره الكبر لا تطمعنك الدجاجيل ببرقشة ... ليس الضلال هدى ولا العمى بصر ولا الثرى كالثريا في ترقرقها ... وإن تكن كاسمها ولا الدُّجَى قمر ولا الذى لم يزل في الغى منهمكا ... وإن دعى عمرا فليس ذا عمر تنضاف للمجد والهزل البشيع به ... عرف قدرك إذ أودى به البطر ما وجه كونك مثل العمرين وقد ... فر الحديث واهل عنك والسور

ليس التشبه بالعمرين قصدك بل ... تبغى النبوءة لولا الصارم الذكر ولو تمامى الورى عنك بأن غفلوا ... لجاءنا بالتنبى في غد خبر وكان أولى بأن يدعى مسيلمة ... أو المسيح الكذوب لو طرا عور هل أنت إلا كصار حوله ذهب ... فقلت عن سفه كلاهما حجر جعلت علمك إذ تهدى به شركا ... كيما يحصل من مرغوبك الوطر وكنت تسعى إلى العليا لتدركها ... ثم انسلخت ككلب حظه القذر أنى لبلعام أن يرضى ببيعته ... وبادر اللوم أن يخلوه الكدر وأى فخر وفضل ثم أى ندى ... لراح عمر ترى تقبيلها الحمر أصبحت مثل الحما المسنون بعد هدى ... من فوق صفوانه أراقها المطر لا غرو أن كنت في تطوان ذا أُفق ... في معشر همج من جلهم بقر أراك مثل دخان الجو يرفعه ... رأى كذوب وفى الأبصار محتقر أنحست قومك إذ طلعت ذا زحل ... فأمرهم مذ بزغت بينهم زبر هلا لهاك عن الغراء أربعة ... حوت وكزبرة والثوم والخضر لكنت نزهت فاسا إن تمضمضها ... بذكرك السوء يا ممقوت يا غدر من أنت حتى يراك الناس مشورة ... هل أنت إلا كقدر حوله زمر أنستشير ونهدى في مسالكنا ... بأحير من كضب رشده خطر تعيب فاسا وما حوته من بطل ... وفضلها في الورى ما ليس ينحصر لم نفتخر أبدا على الورى شمما ... وقد يحق لنا نعلو ونفتخر أقر كل هزبر أننا أسد ... لسنا لغير إله الكون نفتقر

من خاض بحر الوغى منكم وكافحه ... ورد جيشا أتى كالسيل ينهمر ورد عنكم خزايا كنتم غرضا ... لسهمها لم تزل ولو مضى العمر وصد بالبيض والسمر على رغم ... عنا جرادا من الأبطال ينتشر جالدنا عن حضرة حتى غدت حرما ... لكل حر بها ظل ومستتر لسنا بأنفسنا ولا بأسيفنا ... لكننا ننصر الله فننتصر والأولياء الذين حولنا مدد ... كنز لدينا من الرحمن مدخر فإن يمد العدا لنا حبالهم ... لذنا إلى جانب الله فتنبتر وأنتم تبعدون عنهم جنبا ... لدى انكساركم ما ليس ينجبر ما أنصف الناس أهل الريف وابن على ... لما عفوا عنكم حلما وقد قدروا لولا انثنوا عنكم والحام شيمتهم ... لم يبق في الفحص عنكم منهم ضرر فررتم حين تبغون وقد علقت ... بكم براثين أسد في الوغى صبروا فلا يقيكم ذمام المشركين ولا ... بنيان في سبته كلا ولا وزر أخبث بمن يتخذ أهل الصليب له ... دون الهدى أولياء النصر لا انتصروا يا قاصدا نحو تطوان على مهل ... لا بد يرمى بها أقدامك السفر بلغ إلى عمر الوقاش دامغة ... أدهى من السم لا تبقى ولا تذر تلك الصناديد والأفراس داخلها ... لا ما افتريت من البهتان يا غدر عليك منى سلام صائب أبدا ... ما لألأت فيها من إشراقها زهر وهى وإن كانت مملوءة هجوا وشتما وتقريعا، فالبادى أظلم والظالم أحق بالحمل عليه.

524 - عمر الخطاب نزيل جبل زرهون ودفينه.

وفاته: توفى بتارودانت في حدود ستة وخمسين ومائة وألف، ودفن قبالة باب جامعها، ويعرف هنالك بالفقيه الغربى، قاله صاحبنا مؤرخ تطوان العلامة أبو العباس أحمد بن محمد الرهونى وزير العدلية حينه بتطوان في تاريخه عمدة الراوين في تاريخ تطاوين. 524 - عمر الخطاب نزيل جبل زرهون ودفينه. حاله: صدر الشيوخ، وقدوة أهل الرسوخ، ذو الكرامات التي لا تعد، والمفاخر التي لا تحد، قال في الدوحة: كان من الصلحاء الأتقياء، لقى المشايخ وأَخذ عنهم، وتواتر عنه كرامات كثيرة، ونية حسنه، ومعتقد صحيح، له الوجاهة عند الأمراء وغيرهم، وأصحابه يحكون عنه الخوارق، إلا أنه لا بضاعة معه من العلم، والله أعلم بحقيقته، على أن أحوال الديانة هى المعتبرة هـ. وفى ترجمة فلان الفلانى من ممتع الأسماع وكان صاحب الترجمة هو سيدى عبد الله الخياط ابنى خالة، وكانا في صغرهما يقرآن على مؤدب واحد في مكتب واحد، فكان بعض أهل البصائر يأتى المكتب فيقول للمعلم: عندك ها هنا قنديلان يضيئان، فكان لا يعرفهما إلى أن كان من أمرهما ما كان، ولما كبرا وصارا وليين بعث مرة صاحب الترجمة إلى سيدى عبد الله الخياط أن اخطب لى فلانه امرأة في مدشر سيدى عبد الله الخياط، فأرسل إليه أنها ذات زوج قد عقد عليها وهو ينتظر البناء بها، فبعث إليه ثانية وهو يأمره بخطبتها فعجب منه سيدى عبد الله يقول له: إنها ذات زوج ويرسل إليه في خطبتها، فلما كانت ليلة الزفاف والمرأة قد تزينت وتهيأت، ومن عادتهم أن لا يسموا الصداق والشروط إلا ليلة الزفاف، فذهبوا يشترطون فوقع بين الزوج ووالد الزوجة نزاع واختلاف وعدم توافق، فحلف الولى لا زوجها للزوج وحلف الزوج لا تزوجها، فحملها أبوها من ليلته بتلك الزينة إلى صاحب الترجمة وذكر له كرامات.

525 - عمر بن عبد العزيز بن عمر الخطاب الزرهونى.

مشيخته: لقى الشيخ الإمام، علم الأعلام، سيدى محمد بن سليمان الجزولى صاحب كتاب دلائل الخيرات، وأخذ عنه وانتفع به، وأَخذ عن غيره من المشايخ المقتدى بهديهم. وفاته: توفى في العشرة الخامسة من المائة العاشرة على الأصح، ودفن بمدشر القلعة من جبل زرهون، وضريحه هناك مشهور يزار. 525 - عمر بن عبد العزيز بن عمر الخطاب الزرهونى. حاله ك فقيه شهير البركة، يستظهر مختصر خليل، وله مشاركة في النحو، ترجمه في درة الحجال ونشر المثانى. ولادته: ولد سنة اثنتين وسبعين وتسعمائة. وفاته: توفى قتيلا آخر قعدة الحرام عام اثنين وألف. 526 - عمر بن مبارك الحصينى. نسبة لحصين -بالتصغير- فخذ من قبيلة بنى حسن الشهيرة من عرب معقل. حاله: شيخ فقيه زاهد، كثير التنسك والانقطاع إلى الله تعالى، وكان ورده في كل ليلة أن يختم القرآن العظيم ما بين العشاءين في ركعتين، يفتتح القراءة في أول ركعة بعد صلاة المغرب، ويختمها في الثانية، فإذا سلم علم الناس بدخول وقت العشاء الأخيرة فيسمعون أذان المؤذن في الحين، وكذلك في كل ليلة لا يزيد ولا ينقص، مع أن أذان بلدهم في غاية الإتقان من التوقيت وآلاته، وكان فصيح الصوت يرتل القرآن ترتيلا من غير هدرمة ولا عجلة، وتلك خصوصية ربانية بلا ريب، والله على كل شئ قدير، وربك يخلق ما يشاء ويختار، وليس هذا ¬

_ 525 - من مصادر ترجمته: درة الحجال 3/ 206.

527 - عمر الكوش المكناسى.

بمستحيل في جانب كرامات الأولياء الثابتة بنص الكتاب والسنة والإجماع، ولا ينكرها إلا زنديق مبتدع، وقد ألممنا بأدلة ذلك ونصوصه في كتابنا إزالة الوهم والشكوك، فلا حاجة بنا لجلبه هنا، ويحكى أن إنسانا كان يبلغه ذلك عن المترجم فيكذب به فجاءه يوما فسأله عن ذلك فقال له: هات أذنك فقرأ له القرآن كله حرفا حرفا في أذنه في أقرب زمان. وكان رحمه الله ورضى عنه يزور الشيخ أبا يعزى في كل سنة مرة، يمشى إليه حافيا من مكناسة إلى قبره بتاغيا مسيرة يومين للمجد، وكان يقول: من زار هذا الشيخ وسأل الله تعالى عند قبره حاجة واحدة في كل زورة، فإنها تقضى له على القطع، ويحكى أنه أشار على بعض الطلبة الآخذين عنه بقراءة دعاء ناوله إياه لتجرية الدم، وأكد عليه في حفظه فقرأة وحفظه، ثم إن المريد امتحن بالأسر عند النصارى فلم يكن سببا لفكاكه وسراحه من ربقة الأسر غيره، عمله لبنت رئيسهم فعالجوها فأعياهم علاجها، ثم إنهم تنبهوا له فسألوه هل يعرف دواء لدائها فقال لهم: نعم، نداويها، واشترط عليهم شروطا من جملتها تسريحه فداواها بشئ أظهره لهم، وترك الدعاء فبرئت وسرح. مشيخته: أخذ عن الشيخ سيدى محمد بن سليمان الجزولى، وسيدى عبد العزيز التباع، قال في ممتع الأسماع: ولم أدر لمن ينتسب منهما. وفاته: توفى بمكناس عام عشرة وتسعمائة، ودفن بروضة رأس التاج والروضة إليه الآن تنسب، وضريحه من أشهر المزارات المتبرك بها بالعاصمة المكناسية. 527 - عمر الكوش المكناسى. حاله: فقيه علامة جليل.

528 - عمر بن الفقيه المقدس أبى عبد الله محمد بن عوادة العثمانى.

الآخذون عنه: أخذ عنه أبو العباس أحمد بن عبد العزيز الهلالى، وله فيه مرثية ميمية كما وقفت على النص على ذلك بخط بعض الأثبات من الأعلام، ولم أَقف على المرثية ولا على شئ زائد من ترجمة الرجل. 528 - عمر بن الفقيه المقدس أبى عبد الله محمد بن عوادة العثمانى. دفين حومة حمام الحرة من الحضرة المكناسية. حاله: ولى صالح، معتقد فالح، متبرك به. مشيخته: أخذ عن أبى عثمان سعيد بن أبى بكر المَشَنْزَائى، عن أبى عثمان سعيد الداعى، عن الشيخ عبد العزيز التباع، عن السيد محمد بن سليمان الجزولى، عن سيدى محمد الشريف أمغار، عن أبى عثمان الهرتنانى، عن أبى زيد الرجاجى، عن أبى الفتح الهندى، عن عنوس البدوى، عن القرافى، عن أبى عبد الله المغربى، عن أبى الحسن الشاذلى، عن شمس الدين، عن زين العابدين القزوينى، عن أبى إسحاق البصرى، عن أبى القاسم المروانى، عن سعيد، عن سعد، عن فتح السعود، عن سعيد الغزوانى، عن سيدنا جابر، عن سيدنا الحسن بن على، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشرف وكرم وعلى آله وصحبه، مثل ذلك كذا وجدت هذه السلسلة منقوشة في لوح خشب ملصق بالجدار بقبة ضريح المترجم. وفاته: توفى أوائل المائة الحادية عشرة، وقفت على عقد حبس معقب على ضريحه بتاريخ ستة وألف. 529 - عمر بن أمير المؤمنين مولانا الحسن. ابن أمير المؤمنين سيدى محمد بن أمير المؤمنين مولانا عبد الرحمن بن السلطان مولانا هشام بن واسطة عقد الدولة العلوية ومجدد فخرها أمير المؤمنين سيدى محمد بن السلطان عبد الله بن السلطان الأعدل الطائر الصيت في المشارق والمغارب، سيدنا الجد الأكبر الأعظم أمير المؤمنين مولانا إسماعيل بن الشريف. ¬

_ 529 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام الغرب 8/ 2845.

حاله: ولد بالمدرسة المولوية، أحد القصور السلطانية بعاصمة مكناس، ونشأَ في حجر الصيانة، وتغذى بلبان الأدب والعفاف، ثم بعد أن شب وقرأ ما شاء الله من القرآن ومبادئ الفنون، وجهه والده السلطان المظفر لثغر تطوان، ورشح لتعليمه المهرة من الأساتيذ والأعلام، فأكب على التعلم بحزم وعزم، ووالده وراءه أذنا وعينا، إلى أن فتحت له النجابة بابها، وأدخلته العناية حجابها، وحصل على ما قسم له مما منه يراد وبرع في الكتابة والترسيل وصار يتصرف في فنون الإنشاء، وفق ما منه يشاء، وتعاطى قرض الشعر ومالى إلى الأدب ميلة واحدة فحفظ من الأشعار، ما كان غالى الأسعار، ومن الرسائل، ما أصبح معين البلاغة منها سائل، ما أوجب توقد قريحته، وزاد في قوة عارضته وتوسيع حافظته، وكان في التوقع والنقد والذكاء آية، ثم رجع لمسقط رأسه وأقام به برهة من الزمان. ثم عقد له والده على جيش عرمرم، ووجهه خليفة عنه لقضاء مأمورية بوجدة، وذلك في ثانى عشرى قعدة الحرام عام ثمانية وثلاثمائة وألف، فسار فيما رشح له أحسن سيرة، إلى أن تم المراد، على وفق ما كان والده أَراد، وكان وزيره إذ ذاك العلامة السيد العربى المنيعى، ورئيس مشوره وكبير محلته هو الطالب محمد بن سلم السلاوى البخارى، وكان رجوعه من هذه الوجهة ووصوله لحضرة والده بفاس في ثانى عشرى شعبان عام تسعة، ثم رشح للخلافة بفاس في حجة الحرام عام تسعة، وكان وزيره بفاس هو شيخنا العلامة السيد الحاج المختار بن عبد الله، وهذا مثال مما كان يجرى بينه وبين أبيه يومئذ من الرسائل بعد الحمدلة والصلاة والطابع بداخله (الحسن بن محمد الله وليه ومولاه): "ولدنا البار الأرضى، مولاى عمر، أصلحك الله، وسلام عليك ورحمة الله. وبعد: وصل كتابك بأنه ورد على أعتابنا الشريفة الرجل المسمى بسليم بن

عبد الله البغدادى، ذكر أنه كان على دين اليهودية، وأتى راغبا في الدخول في الإسلام ورافضا دين الكفر، فوجهته لنائب القاضى ثمة وعرض عليه أركان الإسلام فقبلها ونطق بالشهادتين كما بالموجب الذى وجهت، وأنك أنزلته عند خليفة الخديم أبا محمد حتى تؤمر بما يكون عليه العمل وصار بالبال، فقد كتبنا في شأنه لوصيفنا الحاج سعيد بن فرجى والسلام في 3 ربيع الأول عام 1311". ولم يزل المترجم في سائر أطواره ملزما من والده بملازمة الدروس العلمية ولكن الصّبَا جُنون، وقديما قيل: إن الشباب والفراغ والجدة ... مفسدة للمرء أى مفسدة كيف وقد انضم لذلك نفوذ الكلمة، ومقابلة الأوامر بالسمع والطاعة، ومجالسة قرناء السوء، وفقد الزاجر والرادع، ثم لما بلغ السلطان المولى الحسن ما هو عليه من الانهماك في التصابى من غير احتشام ولا مبالاة قام وقعد، وأبرق وأرعد، وكتب له مكتوبا مسهبا سب فيه وجدع، ووبخ وهدد وقرع، فاتحته: ولد نفسه عمر، السلام على من اتبع الهدى، وخالف الشيطان والهوى، ومن فصوله: أما مرافقتك مولاى على سروالو فلو كنت ذا عقل وفهم لكفاك اشتقاق لقبه واعظا عز غيره، فلم نسمع عليه ممدوحة منذ شب إلى أن شاب، وأما ولد الساورى فشهرته تغنى عن وصفه، وأما خروجك كل يوم للمشينة ولأبى الجنود، فإن أخاك مولاى بلغيث معنا بالمحلة، لم ير خارج قبته، مع أن المحلة لا سور لها، ولم يحضرنى الآن المهم من فصول ذلك الكتاب المدهش تقريعاته وزواجره. ثم لبى والده السلطان رحمه الله مولاه، واجتمعت كلمة أهل الحل والعقد على بيعة ولى عهده من بعده السلطان السابق مولاى عبد العزيز، ولما بلغ خبر ذلك لفاس، وضربت الطبول على أبواب القصور السلطانية، مزق المترجم طبول الطبالين، وطردهم وهم بالإيقاع بهم فارغا ذلك في قالب الأسف على والده

الفقيد، وفى الحقيقة الداعى له لذلك هو ما لحقه من الغيظ والكمد على عدم جلوسه على أريكة الملك، لأنه كان يرى أنه الأولى بها والأحق. ولما بلغ خبر فعلته الشنيعة لأحمد بن موسى الوزير المترجم سابقا أسرها في نفسه، وكانت النتيجة عزل المترجم عن وظيف الخلافة وترحيله لمكناس مسقط رأسه، مثقفا لا يخرج من المحل المعد لنزوله من القصور السلطانية حتى لصلاة الجمعة مدة حياة الوزير المذكور. ثم لما انتقل لما قدمت يداه وتولى الوزارة بعده ابن عمه شيخنا الحاج المختار الذى كان وزيرا للمترجم مدة خلافته، خففت عنه وطأة الوثاق وسوعد على الخروج للاستحمام فقط، تحت مراقبة عامل البلد، ولم يزل الأمر ينحل شيئا فشيئا إلى أن حل ركاب السلطان بالحضرة الفاسية، ولم يأل المترجم جهدا في اتخاذ الوسائل للتقرب من السلطان والتودد لجنابه، ولو بالوشاية بغيره، وكان يعرف من أين تؤكل الكتف فوجه السلطان عليه لفاس وأنزله بدار من دور أقارب أحمد بن موسى المذكور، ولم يزل يتودد ويتحبب إلى أن وجه لقضاء مأمورية بأحواز مراكش والخليفة إذ ذاك بها هو صنوه السلطان السابق المولى عبد الحفيظ، ثم لما حل بمراكش آواه المذكور وأحسن إليه، والمترجم ينوى له النوايا السيئة ويتمنى كينونته مكانه، فصار يتربص به الدوائر وينصب إليه أشراك الأذى ويبالغ في الوشاية به، والحال أن للخليفة المذكور بالبساط السلطانى عيونا تطير له الإعلام بكل شاذة وفاذة، حتى إنه ربما وجهوا له مكاتيب المترجم بالوشاية به للسلطان، فلما تيقن ذلك قام على ساق في التضييق به وسد دونه سائر الأبواب التي يظن وصول النفع منها إليه، حتى ضاقت عليه الأرض بما رحبت وباع جل أمتعته فيما يقتات به، ورجع لفاس صفر الكفين لا يملك درهما ولا دينارا، ولم يزل من ذلك الوقت في كمد ونكد إلى أن ختمت أنفاسه.

مشيخته: أخذ عن العلامة السيد محمد بن التهامى الوزانى، والفقيه الغمارى، وسيدى جعفر الكتانى، والحاج المختار بن عبد الله والسيد العربى المنيعى، والشريف مولاى أحمد العلمى، والحاج أحمد السلاوى شيخ الجماعة بتطوان، وأبى عبد الله محمد البقالى، وأبى عبد الله محمد النجار، والأستاذ أبى محمد عبد السلام الدهرى وغيرهم. رسائله: من ذلك ما كتب به لابن عمه المولى إدريس بن عبد السلام الأمرانى ونصه بعد الحمدلة والصلاة. "حيا الله بأزكى التحيات وأنماها، وأَتحف بوافر البركات وأسماها، مقام ابن عمنا، وخلاصة ودنا، الشريف المنيف، الطود العفيف، الأديب الألمعى الأريب اللوذعى، الذى أعتقد أنه بعين القلب يرانى، مولاى إدريس بن عبد السلام الأمرانى، وسلام عليك أتم سلام، بوجود سيدنا ومولانا الإمام، أدام الله عزه للأنام. وبعد: وصل كتابك الرائق المعنى، المتناسق اللفظ والمبنى، منبئا عن صدق الوداد، المتجدد على طول البعاد؛ هذا ونحن والحمد لله بخير وعلى خير، في نعم شاملة متوالية وعلى ما تعهد من الود، ومنذ فارقناكم لم نزل سائلين عن أحوالكم، متشوفين لأخباركم، نسأل الله تعالى أن يجمعنا بكم في ساعة حسنة، وأيام مستحسنة، في ظل سعادة مولانا المؤيد، أدام الله سعوده تتجدد. وسلم منا بأتم سلام وأطيبه على عمتنا طالبا لك منها صالح الأدعية، لأنها بظهر الغيب مستجابة مرعية، والله بمنه يبقيكم محفوظين، وبعين العناية ملحوظين، ويسمعنا عنكم ما يسر البال في الحال والمآل.

530 - عمران أبو موسى بصرى الولهاصى الولى الشهير.

والمؤمل من سيادتك أن توجه لنا كتاب التخليص وعلى المحبة والسلام في 17 رجب الفرد الحرام عام 1310. عمر بن أمير المؤمنين وفقه الله". وفاته: توفى بفاس عام أربعة وعشرين وثلاثمائة وألف إثر عملية جراحية باشرها طبيب بريطانى، ولم يتم عمله حتى انفلتت نفسه رحمه الله، ودفن بمقبرة أسلافه بمولاى عبد الله. 530 - عمران أبو موسى بصرى الولهاصى الولى الشهير. حاله: إمام كامل، عارف واصل، متبرك به حيا وميتا، هو قعدد البيت البصرى، وفيه يجتمعون. قال في منحة الجبار: اعلم أنه مما شاع عند هذا الحى من البصريين وذاع، وملأ الأفواه منهم والأسماع، ولهج به منهم الصغير، تابعًا في ذلك أخبار الكبير، أن السيد أبا موسى عمران البصرى كان من كبار الأولياء العظام الشان، موثر للخفاء مكتفيا بعلم الملك الديان، نابذ الشهرة خشية الوقوع في شئ من آفات الزمان، وأنه لما دفن خارج مكناسة برأس التاج بين باب عيسى وباب القورجة خفى قبره، فأخذوا يطلبونه فأخبروا عن الشيخ أن من فحص عن قبره تصيبه عاهة أظنها العمى، ومن المجرب عندهم أن من صعبت عليه حاجة فليأت محل القبر في يوم الاثنين وسأل الله حاجته، فإنها تقضى بإذن الله تعالى، يفعل ذلك ثلاث مرات في كل يوم اثنين مرة انتهى. فائدة: ولهاصة التي ينسب إليها هذا الفريق بطون شتى منهم بنو الزَّجَّالى (¬1) بقرطبة من بلاد الأندلس، قاله ابن حزم في الجمهرة. وذكر فيها أيضا أن بنى الخَليع (¬2) الذين كانوا بتاكُرُنَّا من الأندلس منهم أيضا، وذكر فيها أيضا أن الإمام ¬

_ (¬1) تحرف في المطبوع إلى: "بنو الرجال" وصوابه لدى ابن حزم الذى ينقل عنه المصنف. (¬2) تحرف في المطبوع إلى: "بنى الخيع" وصوابه لدى ابن حزم في الجمهرة - ص 500.

531 - عمران بن موسى الجاناتى المكناسى.

الأعظم، الطود الشامخ الأفخم، محيى الدين القاضى مُنْذر بن سعيد منهم (¬1). فلينظر ذلك فيها. ومن أراد الإطلاع على مناقب هذا القاضى فليطالع ترجمته من المراقبة العليا، فيمن يستحق القضاء والفتيا (¬2). 531 - عمران بن موسى الجاناتى المكناسى. حاله: راوية أبى عمران موسى العبدوسى، كان رحمة الله فقيها حافظا، ضابطا متقنا، علامة مجيدا، مدرسا نافعا، صدرا معتمدا. مشيخته: أخذ عن أبى عمران موسى بن محمد بن معطى العبدوسى وهو عمدته ومعتمده في المدونة. الآخذون عنه: أخذ عنه الإمام القورى ومن في طبقته. مؤلفاته: منها تقييده على المدونة في عشر مجلدات، قال صاحب النيل: وقفت على بعضها. فائدة: الجاناتى ويقال بالشين بدل الجيم، نسبة إلى جانا بن يحيى والد زناتة، وصيغته هذه هى أصل زناتة على ما صححه ابن خلدون، لأنهم إذا أرادوا الجنس في التعميم ألحقوا بالاسم المفرد تاء فقالوا جانات، وإذا أَرادوا التعميم زادوا مع التاء نونا فصار نجانات، قال: ونطقهم بهذا الجيم ليس من مخرج الجيم عند العرب فينطقون بها بين الجيم والشين، وأميل إلى الشين ويقرع السمع منها بعض الصفير، فأبدلوها زايا محضة لاتصال مخرجهما، فصار زاناه لفظا مفردا دالا على ¬

_ (¬1) الجمهرة - ص 500. (¬2) المرقبة العليا - ص 66. 531 - من مصادر ترجمته: جذوة الاقتباس 2/ 498.

532 - عياد السوسى.

الجنس، ثم أَلحقوا به هاء النسب، وحذفوا الألف الأولى التي بعد الزاى تخفيفا لكثرة دورانه، وربما تكلف بعضهم فزاد في النسب ما ليس فيه فقال: زاناجانا، وبعضهم تكلف له غير ذلك مما ليس معروفا للعرب، وقد قدمنا أن الصحيح في نسب زناتة هو ما درج عليه ابن خلدون، من أنهم ولد حام بن نوح، وكل قيل خالف هذا فهو باطل. وفاته: توفى سنة ثلاثين وثمانمائة بمكناسة الزيتون، ودفن خارج باب عيسى إذ ذاك، وهو صاحب الضريح المجاور لضريح أبى زيد عبد الرحمن بن عياد المجذوب من الجهة الشرقية، رحم الله الجميع بمنه آمين، وألحقنا بهم مسلمين. 532 - عياد السوسى. دفين سهب الرمان من الحضرة المكناسية، ابن الولى الصالح سيدى عبد الله، المدعو عبد النور، دفين خارج باب الشريعة بفاس. حاله: ولى صالح، قطب واضح، قدم من تمصت بسوس واشتهرت بركته وأقبلت عليه الوفود حسبما جاء في شهادة شرعية لبعض أحفاده، وقفت عليها بخطاب قاضى المغرب سنة 1212، وفيها رفع نسبه إلى سيدنا عمر بن الخطاب ونسختها بعد الحمدلة والصلاة: "وبعد: فإن شهداء هذا الرسم يعرفون المرابط الخير البركة سيدى أحمد بن يعقوب، وشقيقة المرابط الخير التهامى بن يعقوب، نجلى سيدى عياد السوسى الضعيفى معرفة تامة، كافية شرعا، ويشهدون مع ذلك بأنهم لا زالوا يسمعون سماعا فاشيا مستفيضا من الآباء والأجداد المتواترة على السنة أهل العدل وغيرهم، وأَنهما ابنى سيدى يعقوب بن محمد بن سيدى الحسن بن سيدى على بن سيدى محمد بن سيدى الحسن بن سيدى محمد الملقب بمولاى الأخضر بن الولى الصالح، القطب الواضح، سيدى محمد الصغير المدفون بالحريشة بن سيدى أحمد ابن سيدى يعقوب بن الولى الصالح، القطب الواضح، سيدى عياد السوسى المدفون بمكناسة الزيتون القادم من بلاد تمصت بسوس.

واشتهرت بركته وانتشرت، وأقبلت عليه الوفود مما أَفاض الله عليه، أَعاد الله علينا بركته، وهو ابن الولى الصالح سيدى عبد الله المدعو عبد النور، المدفون خارج باب الشريعة بفاس، وقبره مزارة هناك، ابن سيدى موسى بن سيدى عبد الرحمن بن محمد فتحا بن خوف الله بن عقبة بن وقدان بن زيد بن عفان بن عبد الله بن سهل بن الوليد بن جابر بن عدنان بن عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب رضى الله عنه. زوجه السيدة أم كلثوم بنت مولانا على ومولاتنا فاطمة الزهراء رضوان الله عليهما، وأنهما لا زالا في عين العناية والاحترام، عند الخاص والعام، المعظمين المبجلين ينتسبان لهذا النسب الكريم، ويتسمان بوسمه الصميم، يكتبان ذلك في عقود أنكحتهما وبياعتهما، كما يوجد في ظواهرهم الكائنة بأيديهم للأسلاف الكرام، وفى عقود من قبلهما من أسلافهما رضوان الله على جميعهم من غير منازع لهما فيه ولا مدافع، بل لا زالا على عهد أسلافهما في التعظيم والتوقير والاحترام عند الصادر والوارد أهل قبيلتهم وغيرهم، وأنهما يتصرفان فيما تأتى به الوفود لجدهما سيدى عياد المذكور أدركنا الله رضاه يحقون ذلك ولا يشكون فيه، كل ذلك علموه بالمخالطة والمجاورة وشدة الاطلاع على الأحوال، وبمضمنه قيدت شهادتهم مسئولة منهم في ثالث عشر رجب الفرد عام اثنى عشر ومائتين وألف" بلفظه وعليه إشكال ثلاثة عشر عدلا، وخطاب القاضى الحاج أبو سلهام بن التهامى الزيزونى المالكى بقبيلته من الغرب، والتعرف به بعده مؤدى لدى القاضى سيدى محمد بن أحمد القرشى الحسنى بالغرب. وقد ذكره الوزير ابن ادريس في أرجوزته الآتية أواخر الكتاب بقوله: وسيدى عياد السوسى الرضا ... وأحمد المليانى سيف منتضى وضريحه بسهب الرمان قرب جامع الأزهر المعروف بجامع الأروى، عليه قبة، ولا أعلم له ترجمة سوى ما ذكرناه أخذا مما أوردناه.

533 - عائشة العدوية دفينة مكناسة الزيتون.

533 - عائشة العَدَويَّة دفينة مكناسة الزيتون. حالها: صالحة بهلولة ملاميتية، ذات أحوال ومكاشفات وَوَلَه، وهيمان واستغراق في ذات الله، وانهماك وغيبة في محبة رسول الله، شاعت بذلك أخبارها في الحواضر والبوادى، وأوثرت عنها رضى الله عنها كرامات وخوارق عادت ونفع الله بها أقواما. مشيختها: أَخذت عن أبى العباس أحمد بن خضراء. وفاتها: توفيت ليلة الجمعة تاسع ربيع الثانى على ما في الصفوة، والذى في النشر أنها توفيت في شهر ربيع الأول عام ثمانين وألف، وقبرها من أشهر المزارات المقصودة للتبرك بها بالعاصمة المكناسية. 534 - عيسى بن دافال أبو موسى المكناسى. حاله: راسخ القدم في العلوم، قائم على الأصول والفروع، أديب شاعر، خطيب مفوه، من رجال الكمال، ولى قضاء مراكش فحمد، صحب أبا القاسم ابن ورد، واختص به، وكان يقول: لم يكن بالأندلس مثل أبى القاسم، ولا أخشى من القوم من أحد. مشيخته: أَخذ عن أبى القاسم ابن ورد، ولقى بأغمات سنة ثلاثين وخمسمائة أبا محمد اللخمى، فسمع منه وأخذ عن غيرهما. ولادته: ولد سنة اثنتى عشرة وخمسمائة. وفاته: توفى في شعبان سنة ثمان وتسعين بتقديم المثناة وخمسمائة. ¬

_ 533 - من مصادر ترجمتها: نشر المثانى في موسوعة أعلام المغرب 4/ 1560.

حرف الغين المعجمة

حرف الغين المعجمة * * * 535 - غازى بن الإمام شيخ الجماعة بمكناس وفاس محمد بن أحمد ابن غازى المكناسى الأصل الفاسى الإقبار. حاله: شيخ فقيه، علامة مشارك مشاور، نقاد بارع، نحوى أستاذ ضابط متقن، فاضل دين ماجد، ولى إمامة القرويين أزيد من عشرين سنة ولم يحصل له فيها سهو قط. مشيخته: أخذ عن والده وغيره من شيوخ عصره. الآخذون عنه: منهم أبو عبد الله الدقون. وفاته: توفى سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة. 536 - الغازى بن العربى بن عبود المكناسى النشأَة والدار والإقبار. حاله: علامة نظار، مرجوع إليه في الأصول والفروع، تصدر للتدريس ببلده، ونفع الله به خلقا كثيرا، وله رواية واسعة واضطلاع كبير مشهور بالخير والصلاح، محبوب عند الخاصة والعامة. مشيخته: منهم بلديه أبو الحسن على بن عبد الرحمن بن عبود المتوفى يوم الثلاثاء ثانى ربيع الثانى عام أربعة وسبعين ومائة وألف ببلده مكناسة المتقدم الترجمة، وهو يروى عن أبى عبد الله محمد بن سالم بن أحمد الحفنى، عن الملا إبراهيم. ¬

_ 535 - من مصادر ترجمته: لقط الفرائد في الموسوعة 2/ 863.

537 - الغزوانى بن الشيخ الإمام عبد الله محمد بن أبى بكر الدلائى.

الآخذون عنه: منهم أبو عبد الله محمد فتحا بن محمد بن سميه بن عبد الرحمن بصرى صاحب الثبت الموسوم بإتحاف أهل الهداية والتوفيق، وناهيك به. وفاته: توفى أواخر صفر سنة سبع وثمانين ومائة وألف ببلده مكناس. 537 - الغزوانى بن الشيخ الإمام عبد الله محمد بن أبى بكر الدلائى. حاله: نشأ في حجر والده بالزاوية الدلائية نشأة حسنة، وكان من الأعلام العالمين، المهرة الكاملين، له اليد الطولى في التفسير والحديث، والقدم الراسخ في مقام الإحسان، وليا صالحا، زاهدا ورعا ناصحا، ناسكا فالحا؛ ذا مروءة ودين متين، محبا في الصالحين، مكرما لهم، عاملا بعلمه، ملازما للفقراء والمريدين، قائما بمداولة أورادهم صاحبا ومساء، دءوبا على الوقوف على إطعام الطعام لهم ولغيرهم من الواردين على زاويتهم البكرية، أذنه في القيام على ذلك والده، وبقى ذلك بيده قائما به أحسن قيام بعد أن نقل الله والده إليه لم يتقدم عليه فيه غيره من إخوته، ولما رحل من الزاوية البكرية عند الحادثة العظمى ازداد زهدا في الدنيا الفانية، وفرارا من أهلها، واشتغل بإصلاح نفسه أكثر مما كان، واستقر بمكناسة الزيتون إلى أن توفى مطعونا ونقل لفاس وبها دفن في مقبرة أسلافه بها، وقد أوثرت عنه كرامات وخوارق عادات. مشيخته: أخذ عن والده ولازمه واستفاد منه علوما شتى ترجمه في النشر وفى التقاط الدرر وفى البدور الضاوية، وأشار إليه صاحب حدائق الأزهار الندية عند تعرضه لأولاد سيدى محمد بن أبى بكر الدلائى فقال: والسابع الموفق الربانى ... شيخ الطريق العارف الغزوانى كان إماما عالما وعاملا ... يعد في أهل الطريق كاملا قد وطن النفس على المجاهدة ... فآل حاله إلى المشاهدة ¬

_ 537 - من مصادر ترجمته: التقاط الدرر - ص 220، نشر المثانى في الموسوعة 4/ 1652.

538 - الغالى ابن المكى السنتيسى المكناسى النشأة والدار والإقبار.

وفاته: توفى رحمه الله بمكناس شهيدا بالطاعون يوم الاثنين الحادى عشر من جمادى الآخر عام واحد وتسعين وألف، ونقل إلى فاس، فدفن بها ظهر يوم الثلاثاء بعد يوم موته، وإلى تاريخ وفاته المشار أشار صاحب حدائق الأزهار بقوله: في الألف والواحد والتسعينا ... صار لجنة العلا يقينا 538 - الغالى ابن المكى السنتيسى المكناسى النشأة والدار والإقبار. حاله: فقيه أديب، كاتب شاعر معقولى مدرس، كان أحد أعيان الكتاب الذين يكتبون كما يشاء منهم، استكتبه في أول أمره محتسب مكناسة الحاج محمد أجانا، ثم رشح للكتابة بالدولة الحسنية وأقر عليها في الدولة العزيزية، فكان يظعن بظعن الجلالة السلطانية ويقيم بإقامتها إلى أن رشح للنظارة على الأحباس الصغرى ببلده مكناس في الدولة الحفيظية، فألقى عصاه واستقر به النوى إلى أن لبى داعى مولاه، وكان من العدول المبرزين بسماط مكناس. مشيخته: أخذ عن المفضلين السوسى، وابن عزوز، وأبى العباس ابن سودة، ثم رحل لفاس وأخذ عن نقاد أعلامها كالشيخ السيد الحاج محمد جنون اختصار الرهونى، وابن التهامى الوزانى ونظرائهم. الآخذون عنه: منهم مولاى الطيب بن عبد الله المترجم فيما مر، وابن أخيه النجيب عبد الله بن محمد بن عبد الله، وابن عمه العدل المولى العربى ابن برهيم ابن عبد الله، والفقيه العدل السيد المختار السوسى، والشريف الفقيه العدل مولاى عبد الرحمن بن الفضيل العلوى وغيرهم من نجباء الطلبة. مؤلفاته: منها حاشية على الرسموكى شارح الجمل، وتوليف في إعراب أما ¬

_ 538 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 8/ 2912.

بعد، وهدية المناهج، في شرح قصيدتى الهمزية المعنونة بكفاية المحتاج في مدح صاحب اللواء والتاج، في جزأَين، وشرح على همزية الإمام النبهانى لم يكمل، وديوان شعر في الأمداح النبوية رتبه على الحروف الهجائية، جعل في كل حرف قصيدة تحتوى على عشرين بيتا، ضمنت جله في تأليفى إزالة الوهم والشكوى، وتحفة الأشياخ والأطفال، بما بقصة الزباء من الأمثال، عنَّ لى أن أثبتها هنا تتميما للفائدة ودونك لفظها: حمدا لمن زان بحلية الأدب ... جيد الفنون وبه نيل الأرب ثم الصلاة والسلام أبدا ... على النبى الهاشمى أحمدا وآله وصحبه ومن تلا ... سبيلهم ممن سيأتى وخلا (وبعد) ذى أرجوزة نميتها ... لأدباء عصرنا سميتها بتحفة الأشياخ والأطفال ... من قصة الزباء بالأمثال رسمتها بحمرة مميزه ... بسبب القول لها معززه إن كان في النظم له اتساع ... أولا فان سردها مشاع فقلت والمثل عند النبلا ... تشبيه مضرب بمورد خلا قال قصير لجذيم الخسائر ... (رأيك فاتر وغدر حاضر) قال له (رأيك في الكن) و (لا ... في الضح) سار ذا المقال مثلا وقال (لا يطاع) بعد (لقصير ... أمر) فجد للهلاك في المسير قال جذيمة أشر عليا ... قال (ببقة تركت الرايا) و (القول) يا جذيمة لك (رداف ... والحزم) منه في ثراته (تخاف) وقال يا قصير كيفما ترى ... (خطب يسير في كبير) قل جرى قال قصيرله (فاركب العصا ... غبارها) فـ (لا يشق) من قصا

(حزما) أرى منه (على متن العصا) ... فر قصير راجعا وما عصى (ماذل من جرت به) بعد (العصا) ... إلى غروب الشمس ترمى بالحصا (قد بلغ المدى و) قد (جف الثرى ... وامر غدر) واقع لى قد (أرى) إذ قالت الزباء فحشا (أترى ... داب عروس) في الذى لك جرى قال جذيمة لهم (دعوا دما ... ضيعه) منى (أهله) كما وقال عمرو لقصير عجبا ... (امنع من عقاب جو) هربا قال قصير (خل عنى) واجدعن ... أنفى (خلاك الذم) منى في ظعن (لأمر ما جدع أنفه قصير) ... من مثل العرب أحفظنه يا بصير قالت (عسى الغوير) منى (ابؤسا) ... عسى قصير أن يحز أرؤسا (جئت بما صاى) فقال لقصير ... حين رأَت بالعين شدة الزئير قالت وعمرو واقف بالنفق ... (بيدى لا بيد عمرو) خنق هذا تمام القصة العجيبة ... أمثالها أتت بغير ريبة ثمان عشرة أتت محررة ... بلفظها كتبتها محمرة إلا بتنكير وتعريف فلا ... بأس به عند السراة النبلا خذها عروسا نمقت طررها ... وعنبرت بعنبر غررها ووشيت كنمرق أرساغها ... وثقلت بجوهر أصداغها ولتفها بمهرها حسن القبول ... ونيل وصل منك لارين المقول تغنى عن التخميس والتشطير ... والشرح لا النسخ مع التسطير وعن عيوبها فغض من بصر ... وانظر لحسنها بأحسن نظر قرت بك العيون منا وانجبر ... كل انصداع وانجلى ران الغبر هـ.

شعره: من ذلك قوله مقرظا كتابى تغيير الأسعار على من عاب الأشعار، وملمحا لبعض فصوله: زهر الرياض تناسقت أفنانه ... ولدى العيان تتابعت ألوانه أضحى يصادفه النسيم بكفه ... إذ زانه من عرفه أمزانه يهتز من فرط السرور تواجدا ... يدنو إليه وإن نأت أوطانه يروى بإسناد حديث صبابة ... عن ماء عين قد رقا إنسانه عن صوب أنواء بأكمام لها ... عن ورده القانى سما عقيانه عن آسه الآسى للوعة الجوى ... عن أقحوان قد وفت إيمانه عن نرجس من حسنه قد هذبت ... أهدابه وتزعفرت أجفانه عن ياسمين أبيض أو أصفر ... قد شك في وصف له أخدانه كل على قضب الزبرجد مائل ... كالراح حين أمالها أغصانه ثبت الرواية وهو منها معربد ... لا يرعوى بتناقض سلطانه من خمرة من ريق ظبى أهيف ... عن در ثغر نظمت أسنانه إن اليواقيت النضيدة قسمت ... لنثيرها ولما بدت أوزانه فالنثر يحسن في العيان يفوقه الـ ... منظوم إذ قد كسرت أوثانه فالغزل ليس بساتر ما لم تكن ... بالنسخ تجمعه لنا خلانه أنقاض بيت ما بقت لم تبتنى ... لا بيت أو تبنى لنا أركانه كالبيت من شعر ومن شعر له ... بالنظم فضل يقتنى عرفانه كيف انتقاص الشعر يسمع في الورى ... من عائب قد عابه أقرانه

لله در إمام شعر فائز ... بالرد عن شعر نما إيمانه قد قام عن شعراء إسلام بما ... سماه تغييرا زكت أحيانه فاهنأ أبا زيد ويا عابدا لمن ... ثانى إضافته له رحمانه فالشعر والشعراء تعلن بالثنا ... كالزهر يثنى على الندى إحسانه رتب تآليف الكتاب كروضة ... يحكى الكتاب بحسنه بستانه هذى مقدمة بفصليها وفت ... تبدى عوار مهدم حيطانه في مقتل النضر الرثاء مرفع ... للشعر لا يبدو به عدوانه في سؤل طه عن قريض قاله ... ابن الرواحة زانه إتيانه في كونه متمثلا بالشعر في ... جمع الصحابة ما جرى نسيانه في نقض تحصيل الخلائف هل أتوا ... الشعر كالشمس انجلى برهانه في شعر أتباع وأتباع لهم ... ما طال في شعر حلا أزمانه في نبغ شاعر فرقة تحمى به ... أنسابهم لما صفا ميزانه فيمن غدا بالشعر يرفع قدره ... أو ضده كمنقص آوانه في حكم شعر بالجواز وغيره ... فقها صحيحا فتشت أركانه في حكم عود واستماع غنائه ... قد شنفت برقيقه آذانه لا فض فوك نقيبنا ما رددت ... زهر الرياض تناسقت أفنانه وقوله مادحا جناب خير العالمين صلى الله عليه وسلم وآله: ريح الصبابة بالمتيم عابث ... والصب تبريح الجوى به لابث يا رب وجد قد تمكن وقعه ... فهو الذى في روحى نافث

قد ماج في أوصال صب مولع ... وهو الذى عن كل فن باحث إلى أن قال: آنست من بشرى الحبيب لوائحا ... هذا الحبيب إلى المتيم باهث حب الفؤاد ونوره وسروره ... ختم الرسالة للعريكة دامث فاز الذى بعهود شرعك واثق ... إنى لعهدك باليمين لضابث أَوضحت سبلا للهدى لما بدا ... منك الرشاد وأنت خيرا باثث إلى أن قال: أَغضيت في غى بدا من جلنا ... والبعض منا في الضلالة رافث صدق الحديث يزيد أقواما ومن ... في ضده فهو المخالف ضاغث فامنح رسول الله عبدك بلغة ... أقوى بها إنى لرفد غارث إلى أن قول: صلى عليك الله ما فاح الكبا ... من نحو نجد في العواطن ماكث والآل والأصحاب ما قد أنشدت ... ريح الصبابة بالمتيم عابث وقوله مخاطبا لى ومضمنا أنواعا من البديع: خيلا به رشدى ... وفيه وفى عهدى وأولى الورى عندى ... لأورى به زندى حريص على رفدى ... أمين على وفدى مريد لما يسدى ... صفوح على جندى مشوق على فقدى ... زلال على وقدى

سموح بما يجدى ... معظم ما عندى كئيب على وجدى ... حريص على حمدى أصم عن المبدى ... هجا زيد أو هندى معادى في سبقى ... ملاذى في رفقى وفائى في رزقى ... علائى في حقى ومستعذب نطقى ... محق سنا صدقى وساع إلى وفقى ... وخافض من فوقى أبو زيد المرقى ... جنابى من عرقى فلا وزر يبقى ... ولا من يرى حمقى نقيب له شوقى ... أديب به روقى عهوده في طوقى ... ولطفه في ذوقى رفيع به ذكرى ... كثير به شكرى قليل به نكرى ... حديد به فكرى حلاه على ذكرى ... فليس يرى مكرى وريقته سكرى ... بلا عمرو أو بكر غرامى به أُجرى ... ثناه بلا هجرى عكوفا على حجرى ... من الفجر في فجرى مودته ذخرى ... مناقبه فخرى فواشيه من صخرى ... ينوح على صخر

مصيب له سهمى ... ينابذه وهمى بخيل به فهمى ... فإنى له شهمى مقاتله أَرمى ... إذا ما ترى جرمى وكيف ربى صرمى ... عنائى على قرمى فحلمك من حلمى ... ككلى ومن علمى ضياء فهل كلمى ... سوى أنها ظلمى فدونك ما اسمى ... وحسبك من رسمى مناقبكم في اسمى ... ليشفى به جسمى في 24 رجب عام 1330، ولى معه مراسلات ومساجلات أرق من النسيم، وأعذب من التسنيم، تركتها اختصارا وليلا يقال مادح نفسه يقرئك السلام. نثره: من ذلك قوله في فاتحة كتاب: من خاطبته البلاغة فأجابها، وخطبته فأدخلته حجابها، وملكته البراعة رسنها، وأَولته اليراعة أحسنها، وأودعته السيادة ذخائرها، وأكرمته اللطافة ضمائرها، فكان أحق بالفضائل فرضا، والأخذ بحجزتها طولا وعرضا، من ظللته ظلال الثناء وأرخت عليه ستور الهناء، وخص بأخص التجايا، وامتاز بأشرف المزايا؛ وجبلت القلوب على وداده. واقتبست الآمال من مشكاة إسعاده، وكيف لا وهو لحقائق الإنسانية إنسان عين. ومعين ظرفه لسقى الأرواح أروق عين. ولو حاول المثنى عليه أقصى ما يحاول. فدون محاسنه تكل العبارات والأقوال، فهيهات مسير النملة من الأسد، ونورانية الروح من ترابية الجسد.

وفاته: توفى ليلة سابع عشر شعبان الأبرك عام ثمانية وثلاثين وثلاثمائة وألف، ودفن بالزاوية الكنتية من حومة صدراته من الحضرة المكناسية. وقد رثاه شيخنا العلامة القاضى ابن عبد السلام الطاهرى المترجم له سابقا بقوله: دموع جرت كالسيل من فقد عالم ... عليه أمارات المزايا تلوح من العلم والآداب والفضل والتقى ... له رغبة في الفضل وهو سموح أخو العلم والتحقيق غال بعلمه ... نجوم الهدى تغدو له وتروح ألا فابكه يا عين والقلب آسف ... فأَرجاء مكناس عليه تنوح وعامله ربى بالنعيم وجنة ... وغفران آثام فأنت صفوح * * *

حرف الفاء

حرف الفاء * * * 539 - فتحون البزازية. أوردها صاحب منحة الجبار في ترجمة أبي عبد الله محمَّد بن عبد الرَّحْمَن بصري إمام المسجد الأعظم سابق الترجمة، لدى تعرضه لقول ابن عسكر في حق أبي عبد الله المذكور، غير أنَّه يزعم أنَّه أخذ طريق التصوف عن امرأة هنالك ويدعى لها أسرارًا ومناقب إلخ. قال: وأخبرني بعض الأندلسيين من أهل القورجة أَنها السيدة فتحون البزازية، قال: وللسيدة فتحون روضة برأس التاج مشهورة هـ. قلت: ورأس التاج المشار له لم أقف له على ترجمة بعد البحث والتنقير وآل الشيخ عمران بصري الذين منهم صاحب المنحة المنقول عنها يتوهمون بل يعتقدون أعنى الموجودين اليوم، أنَّه رأى رأس التاج جدهم الأعلى، وذلك لا يصح لتصريح صاحب المنحة وغيره أن الشيخ عمران بصري الولهاصى دفن خارج مكناسة برأس التاج بين بابي عيسى والقورجة، وأن قبره لا يعرف على التعيين، وبتربة رأس التاج مدفن الشيخ عمر الحصينى، وإليه صارت التربة تنسب اليوم وهي من أشهر الروضات وأقدمها بمكناس. 540 - فاطمة بنت الشيخ الصالح أبي عبد الله محمَّد بن عبد الرَّحْمَن بصري مار الترجمة. حالها: قال في منحة الجبار في حقها ما لفظه: كانت من أهل العرفان،

541 - فرج الأندلسي أبو الفضل المكناسى الدار.

وإغاثة اللهفان، روى أنها جاءت يومًا وفي ذراعها جرح بندقة الرصاص، حدثتني أُمى رحمها الله تعالى أَن ابنة لصاحبة الترجمة كشفت عن ذراع أُمها في مجمع من النساء وقالت لهن انظرن ما في ذراع والدتى، فأنكرت عليها والدتها وسبت وجذعت. وقد قدمنا أنَّه قيل: إن تسميتها فاطمة بإشارة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على والدها رضي الله عنه، ولما توفيت دفنت في بيت دارها قبلة المسجد الأعظم، وأَخبرت ابنتها أنها كانت ترى أصنافا من الوحوش والطيور في البيت صح منه بلفظه. قلت: والدار المشار لها التي بها مدفن صاحبة الترجمة، هي التي حذو باب جامع الأموات أحد أبواب الجامع الأعظم بعاصمتنا المكناسية المعروفة اليوم بدار اللب، وقد كانت قبل عام واحد وأربعين وثلاثمائة وألف محكمة شرعية بالكراء من المحبس عليهم، ثم نقلت المحكمة منها وسلمت لملاك منفعتها فسكنوها ولم يزالوا بها إلى اليوم. 541 - فرج الأَنْدلسيّ أبو الفضل المكناسى الدار. حالة: من المشايخ الملامتية، كان معاصرا للشيخ أبي عثمان سعيد بن أبي بكر المَشْنْزَائى، وكان شيخًا كبيرًا ملازما لفراشه كثير المكاشفة، لا يكاد يستر على أحد ما جناه، لسانه تغلب عليه الإمالة شأن كلام الأندلس في ألسنتهم، وتعتريه أحوال في بعض الأحيان، فيقول أطعمونى فيأتونه بكل موجود فيزدرد ذلك من غير مضغ ويبتلعه، وربما يبلغ ما يأكله المئون من النَّاس، ولا يعلم أحد أين صار ذلك، ولا يظهر له أثر في بطنه، وإذا رجع إليه حسه لا يأكل عشر المعشار من ذلك، وكانوا يرون أنَّه يصرف ذلك الطعام لأهل الفاقة في بلد آخر، وكان يخبر أصحابه بالوقائع قبل نزولها، وربما يحضر مع الغزاة في غزواتهم ثم يخبر أصحابه

542 - الفاطمى بن محمد بن سميه بن عبد القادر بن محمد بن عبد القادر النقيب الإدريسى الشبيهى.

بما كان قبل وصول الخبر بأيام، ولما قربت وفاته أَسر لبعض أصحابه أنَّه يموت شهيدا، ثم كشف له عن جسمه فعاين فيه جراحات طرية يهطل دمها أصيب بها في وقعة كانت بين المسلمين والنصارى في بعض الأقطار البعيدة، فقبض منها لحينه وعاين النَّاس كلهم تلك الجراحات. وفاته: تُوفِّي آخر العشرة الرابعة من القرن العاشر، ودفن في موضع سكناه على مقربة من زاوية أبي عثمان المذكور معاصرا له، رحم الله الجميع بمنه. ترجمه في الدوحة. 542 - الفاطمى بن محمَّد بن سميه بن عبد القادر بن محمَّد بن عبد القادر النقيب الإدريسى الشبيهى. حالة: عالم مدرس خطيب، أديب فاضل ناسك، ذو جاء ووجاهة ومكانة قعساء ونباهة، كان متوليا الخطبة والإمامة وخطة القضاء بالزاوية الإدريسية عام خمسة عشر ومائتين وألف، ثم أُعفى من القضاء وأقر على الإمامة والخطابة بالمسجد الأعظم من زاوية جده بزرهون، ولم يزل عليهما إلى أن لبى الداعي، وانتقل لوطن الرحمة محمود المساعى. مشيخته: أخذ عن السيد حمدون بن الحاج السلمي الفاسى ومن في طبقته. مؤلفاته: منها أرجوزة جمع فيها فروع شرفائهم الشبيهيين، ألحق فيها أصاغرهم بكابرهم وأثنى على أحسابهم وأنسابهم. وفاته: تُوفِّي سنة ست وخمسين ومائتين وألف، ودفن مع والده بخزانة الكتب الكائنة يسار المسجد الأعظم بزرهون، ترجمه في الإشراف. ¬

_ 542 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 7/ 2560.

543 - الفضيل بن الفاطمى المترجم قبله يليه بن محمد بن سميه بن عبد القادر بن محمد بن عبد القادر النقيب.

543 - الفضيل بن الفاطمى المترجم قبله يليه بن محمَّد بن سميه بن عبد القادر بن محمَّد بن عبد القادر النقيب. حالة: إمام المعقول والمنقول، وفارس ميدان الفروع والأصول، ثبت نحرير، محرر نقاد، بحاث مطلع، صدر محقق، ماهر دراكة، كامل محدث حافظ لافظ، متقن مفت، نوازلى، ذو ملكة كاملة واتساع عارضة ومهارة زائدة ودين متين، وجاه ووجاهة وشرف نفس، وتؤدة وحسن سمت، وهيبة ووقار، وأبهة وجلال، وفخار ورياسة وكياسة وسياسة، وشيبة منورة، خطيب بليغ مصقع متفق، إمام وخطيب مسجد جده الجامع بالزاوية الإدريسية، كان في لسانه لكنة، وإذا ارتقى منصة الخطابة كان أطلق الخطباء لسانًا، وأفصحهم بيانًا، وذلك ببركة دعاء بعض أهل الخصوصية الكاملة له، وقد شكا إليه المترجم حبس لسانه وتلجلجه في الخطبة وضرر ذلك، فدعا له فزالت لكنته حالا بفضل الله، وكان رحمه الله رقيق القلب سريع الدمعة، مكثرا من التلاوة لا يفتر عنها غالبًا، مع بسط ممزوج بآداب ووقار واحتشام، وكان يسرد الصحيح الجامع في الأشهر الحرم الثلاثة، ويقرر غوامضه، ويوضح مشكلة ويطبق أصوله على الفروع المالكية. مشيخته: أخذ المختصر عن الحاج الداودي التلمسانى وهو عمدته، وعن السيد محمَّد بن عبد الرَّحْمَن الحجرتى، وأبي العباس أَحْمد المرنيسى، وأبي عبد الله محمَّد بن حمدون بن الحاج، والسيد المهدي ابن سودة، وأخيه السيد عمر، وأبي العباس أَحْمد بن سميه بنانى، وجمع الجوامع على سيدي عبد السلام بو غالب، وزبى العباس المرنيسى، وأبي العباس بنانى المدعو كلا، والسيد المهدي ابن سودة، وتلخيص المفتاح على أبي العباس كلا، وكذلك مختصر السنوسى في المنطق والسلم. ¬

_ 543 - من مصاكر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2824.

وأخذ النحو عن أبي العباس المرنيسى، والحاج محمَّد المقري المدعو الزمخشري، وسيدى قاسم القادرى، والشريف المسن مولاى حفيد العلوى المتوفى عام ثلاثة وسبعين ومائتين وألف. وأخذ مقدمة السنوسى في علم الكلام على أبي العباس المرنيسى، والسيد المهدي ابن سودة. والشمائل، والشفا، والبخاري، على بنانى كلا، والمرنيسى، ومحمَّد بن الحاج، وأخيه السيد الطالب. ومسلم على السيد المهدي ابن سودة والتفسير على المرنيسى، وكلا، وأخذ عن بلديه السيد محمَّد بن سميه دعى الخياط. الآخذون عنه: أخذ عنه ابن عمنا العلامة مولاى عبد السلام بن عمر العلوى المدغرى، وأخوه أبو عبد الله المترجم فيما مر، وابن عمنا العلامة الأقعد سيدي محمَّد بن أَحْمد العلوى الإسماعيلي، وولد المترجم العلامة المفتى المترجم بعد سيدي الفاطمى وغيرهم من الأعلام، وأجاز لغير واحد من أعيان الوقت. مؤلفاته: منها تعليقه على الصحيح الجامع، المعنون عنه بالفجر الساطع، في أربع مجلدات ضخام جمع فيه فأوعى وطبق الفروع على الأصول، وأتى فيه بالزبدة والمحصول؛ ونسخ بخطه صحيحى البُخَارِيّ ومسلم نسختين، بذل المجهود في تصحيحهما ومقابلتهما على الأصول المعول عليها بالمغرب، فكانتا عديمتى النظير، ولا سيما نسخة البُخَارِيّ، فإنَّها لا تعزز بثانى، وكذا كتب بخطه ما عدا الترميذى من بقية الكتب الست، وكذا كتب غير ذلك. وفاته: تُوفِّي بزاوية جده مولاى إدريس الأكبر من زرهون، ليله الجمعة عاشر شعبان غام ثمانية عشر وثلاثمائة وألف، ودفن بالظهير خارج الزاوية المذكورة.

544 - الفاطمى بن الفضيل المترجم قبله يليه.

544 - الفاطمى بن الفضيل المترجم قبله يليه. حالة: فقيه علامة، محقق مشارك، مفت نوازلى، مطلع خطيب بليغ مصقع، ذو تؤدة، وزى حسن وسمت مستحسن، رحل في طلب العلم لفاس بعد أن أخذ عن شيوخ بلده، ولما حصل ما قسم له من المعلومات، رجع لمسقط رأسه وتولى بعد وفاة والده إمامة وخطبة شريح جده، وتصدى للإفتاء والإفادة إلى أن ختمت أنفاسه. مشيخته: أخذ عن والده وعن الشريف مولاى الحسن بن الشريف العلوى، وسيدى محمَّد بن عبد الواحد الشبيهى، وأبي عبد الله محمَّد بن التهامى الوزانى، وشيخنا أبي عبد الله محمَّد فتحا الشريف القادرى، وشيخنا المحقق أبي العباس أَحْمد بن محمَّد بن الخياط الزكارى المتوفى فجأة بعد زوال يوم الاثنين ثانى عشر رمضان عام ثلاثة وأربعين وثلاثمائة وألف، وعن غيرهم. مؤلفاته: منها تقييد في أن السفر المسقط لصلاة الجمعة لا يشترط أن يكون سفر قصر. نثره: من ذلك قوله مقرظا تقييدى الموسوم بتغيير الأسعار، على من عاب الأشعار: حمدا لمن طهر قلوب أصفيائه من كدرات الأغيار، وألهمهم المتعلق بأذيال أشرف خلقه سيدنا محمَّد سر الأسرار، ومنبع الأنوار، وأهلهم للانخراط في سلك من اجتباهم لخدمة جنابه الشريف، ونثر درر شمائل منصبه الشامخ المنيف، بنفيس الخرائد وبديع الأشعار، وأرشدهم لإزالة الشك وإيضاح سنن الرشاد، لمن استهوته أوهامه في مهاوى الضلال والعناد، وما خشى تفويق السهام إليه وتوجيه الدرك عليه والعار، وصلاة وسلامًا على سيدنا ومولانا محمَّد قطب دائرة العلوم والفهوم، ومنبع أسرارها، وعلى آله وأصحابه وعلماء أُمته الهادين ¬

_ 544 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2891.

المهتدين المستخرجين لجواهر نفائس الدقائق من قاموس الآثار النبوية وأخبارها، صلاة وسلامًا دائمين ما نبهت ورق الربى بالأسحار، ونقم على عائب الشعر وأُبطلت دعواه وغيرت عليه الأسعار. أما بعد: فقد وقفت على هذا التأليف الفريد، الفائق المحصل المفيد، المسمى تغيير الأسعار، على من عاب الأشعار، وأَجلت فكرى في أسرار لطائفه، وسرحت نظرى في أنوار معارفه، فإذا هو روض هتون، بأرجاء مكناسة الزيتون، قد أشرقت أقماره وشموسه، وأزهرت أغصانه وغروسه، ودارت على أهل الأدب كئوسه، بل سماء علم أضاءت نجومها، وأمطرت بالمعارف والعوارف غيومها، حاز من البلاغة أعلاها، واقتبس من نفائس الدرر أغلاها، وفتح من الفصاحة بابا مقفلا، ومتح من الإحسان الحساني منهلا؛ وسحب على سحبان ذيل البراعة، وحاز قصبات السبق بتلك اليراعة، موفيا بالمراد، مزيلا عن القصد جلباب الاقتصاد، حاسما شبه المعاند، مبرزا الحجج الدامغة له في صورة الشاهد، لم لا ومرصع تراجمه الفائقة، ومكلل فصوله الرائقة ... إلخ. إلى أن قال: نور الله قلب جامعه بأنوار العلوم، وأفاض عليه سجال الإدراكات والفهوم، وجعل سعيه سعيا صالحا، ومتجره رابحا، وأبقاه لركاب العلم الشريف خادما, ولتهذيبه وتحريره ملازما، وزاده سبحانه علوا وارتقاء، واجتباء وتقريبا واصطفاء، وأضاء بأنوار علومه الوجود، وجعله على قدم جده الذي شرف به كل موجود، وأتاح لي وله من مدده فوق ما ناله السائلون، وغاية ما يستمطره السائلون، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العلمين. وفاته: تُوفِّي إثر زوال يوم الأربعاء فاتح قعدة الحرام عام أربعة وثلاثين وثلاثمائة وألف، ودفن بعد عصر يومه بتربة أَبيه بالظهير خارج الزاوية الإدريسية.

حرف القاف

حرف القاف * * * 545 - القاسم بن عبد الله بن محمَّد بن حماد بن محمَّد بن زغبوش. من أهل تاورى إحدى حوائر مكناس، ذكره الإِمام ابن غازى في روضه. حالة: علامة نزيه مشارك، قال في الروض الهتون: ولى القضاء بجهات المغرب وبجهات غرناطة، ثم انقض عن ذلك واقتصر على الفلاحة ببلدة تاورى، انتقل إليها سنة سبع وتسعين وخمسمائة، فخرج للقائه أهل تاورا أوفر ما كانوا عددا وثروة ومعهم السودان المسمون هنالك عبيد الحرمه، ورجال السودان يلعبون الثقاف بالحديد ويرقصون ونساؤهم يضربن آله اللعب ويغنين والمزامر يزمر عليهم بأبي قرون، وكانت هذه المناكر من عوائدهم في أفراحهم بتاورى، حتَّى مات رحمه الله (¬1). هـ من خطه. 546 - قاسم أبو الخير بن محمَّد بن محمَّد بن قاسم بن أبي العافية الشهير بابن القاضي. من بني العافية المكناسيين. حاله: حامل لواء العربية في زمانه، مرجوع إليه فيها، مفاوض في غوامضها، حافظ لأقوال أئمتها, لا يجارى في ذلك ولا يبارى، مع مشاركة في الحساب والفرائض، ومعرفة بعلوم القراءات، وكان له اتصال بمجلس أبي المحاسن الفاسى، وله فيه محبة صادقة، واعتقاد كبير، ظهر عليه أثر ذلك عيانا. ¬

_ 545 - من مصادر ترجمته: الروض الهتون - ص 81. (¬1) الروض الهتون - عن 81 - 82. 546 - من مصادر ترجمته: نشر المثاني في الموسوعة 3/ 1203.

من ذلك أنَّه جاء إلى أبي المحاسن يومًا أسير يستعينه في الفداء، وكان كثيرا ما يفعل ذلك، فأرسل إلى صاحب له ممن كان يلازمه أن يبعث إليه دينارا، فذهب إليه الرسول فكأنه ثقل عليه فلم يعطه شيئا، فمر الرجل في رجوعه للشيخ على المترجم وهو قريب المرسل إليه الممتنع من الإعطاء، فقال للرسول: أين كنت يَا فلان؟ فقص له الأمر، فقال المترجم: أنا أعطى ذلك، فأخرج له دينارا، فذهب الرسول إلى الشيخ وأخبره بما وقع من الرجلين، فقال الشيخ: ونحن نمسك سيدي أَبا القاسم ونترك الآخر، فكان الأمر كذلك، لازمه هذا، وانقطع الآخر عنه، ونفع الله بصحبة الشيخ صاحب الترجمة نفعا بينا، ومن جد وجد، وسر الله في صدق الطلب. وكان للمترجم شهرة في تدريس النحو، وكان الكاتب البارع أبو فارس عبد العزيز الفشتالى تصدر لإقراء مقصورة المكودى بقصد شرحها، فكان إذا أشكل عليه شيء من جهة الإعراب لا يفاوض فيه إلَّا صاحب الترجمة لما تفرد به من مزيد الضبط والتحقيق، ومن فوائده ما ذكره في فهرسته مما سمعه من شيخه يعقوب اليدرى هذا اللغز المنسوب لابن غازى في القلم: وميت قبر طعمه عند رأسه ... إذا ذاق من ذاك الطعام تكلما يقوم فيمشي صامتا متكلما ... ويأوى إلى الرسن الذى منه قوما فلا هو حى يستحق زيارة ... ولا هو ميت فيرجو ترحما قال ومما سمعته من أبي العباس المنجور في بعض رجال الحديث يعظ نفسه: أخذت بأعضادهم إذ نأوا ... وخلفك القوم إذ ودعوا فأصبحت تنهى ولا تنتهى ... وتسمع قولا ولا تسمع أيا حجر الشحذ حتى متى ... تسن الحديد ولا تقطع

قال: وسمعت منه أن سيدنا شعبة بن الحجاج رئى في المنام فأنشأ يقول: حبانى الإله في الجنان بقبة ... لها أَلْف باب من لجين وجوهرا وقال لي الجبار يا شعبة الذى ... تبحر في جمع العلوم وأكثرا تمتع بقربى إننى عنك ذو رضا ... وعن عبدي القوام في الليل مسعرا كفى مسعرا عزا بأن سيزورنى ... وأكشف عن وجهي ليدنو فينظرا وهذى فعالى بالذين تنسكوا ... ولم يألفوا في سالف الدهر منكرًا وقوله في الأبيات الأولى أيا حجر الشحذ، في القاموس: والشحذ بمعجمتين بينهما مهملة من شحذ السكين كمنع أى أحدها، وقوله في الأبيات الآخر جوهرا بالنصب على أنَّه مفعول معه، ومسعر في البيت الثالث بالنصب على أنَّه مفعول بفعل محذوف على المدح، فهو بدل مقطوع ونص ابن هشام في باب العلم في توضيحه على أن البدل يقطع وبقية الأبيات ظاهرة. وقال: وسمعت منه: هل الأفضل الحمد لله؟ وهو قول ميمون الهروي أو الأفضل لا إله إلَّا الله؟ وهو قول ابن رشد فقال ميمون: أعد نظرا فيما كتبت ولا تكن ... بغير سهام للنضال مسارعا وحظك تسليم العلوم لأهلها ... وحسبك منها أن تكون متابعا فأجابه ابن رشد: رويدك ما نبهت مني نائمًا ... فدونك فاسمعها إذا كنت سامعا أخلت ابن رشد كالذين عهدتهم ... ومن دونهم تلقى الهزبر المدافعا ولو كنت سلمت العلوم لأهلها ... لما كنت فيما تدعيه منازعا وإن ضمنا عند التناظر مجلس ... سقيناك فيه السم لا شك ناقعا

وذكر في فهرسته ما سمعه من شيخه يعقوب اليدرى ما خاطب به الجان ابن عبد المنان بطريق مكناسة وهو: أكلتم السابح في لجة ... ولم تفلتوا ذوات الجناح هذا وقد عرضتم للفنا ... فكيف لو خلدتم يا قباح ودخل ابن عبد المنان هذا على أمير وقته فصبح بعد المساء فقال تزدرى بى فأنشأ يقول: صبحته عند المساء فقال لي ... ماذا الكلام وظن ذاك مزاحا فأجبته ضياء وجهك غرنى ... حتَّى توهمت المساء صباحا وأما شعبة المذكور في القضية التي سمعها من شيخه المنجور، فهو شعبة بن الحجاج أبو بسطام العتكي الأَزدِيّ مولاهم الحافظ أحد أئمة الإِسلام الملقب أمير المُؤْمنين في الحديث، ولد بواسط ونشأ بالبصرة وسكنها. ورأى الحسن، وابن سيرين، وروى عن جماعة كثيرة من أكابر التابعين، وروى عنه أَيُّوب السختياني، وسعد بن إبراهيم، وابن إسحاق وهم من شيوخه، وسفيان الثَّوريّ، وجماعة من التابعين أَيضًا. ولم يوجد في زمنه مثله. قال ابن مهدي: سفيان الثَّوريّ يقول شعبة أمير المُؤْمنين في الحديث. وقال الشَّافعيّ: لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق. وقال النضر بن شميل ما رأيت أرحم بمسكين من شعبة، ولما مات شعبة قال سفيان الثَّوريّ مات الحديث. قال يحيى القطَّان: وشعبة أكبر من سفيان بعشر سنين، ومن ابن عيينة بعشرين سنة.

وأول من تكلم في الرجال شعبة، ثم تبعه يحيى القطَّان، ثم تبعه أَحْمد بن حنبل، ويحيى بن معين وقال الحاكم: أبو عبد الله شعبة إمام الأئمة في معرفة الحديث بالبصرة، رأى أنس بن مالك، وعمر بن أبي سلمة، وسمع من أربعمائة من التابعين. وقال أبو زيد الهروي: ولد شعبة سنة اثنين وثمانين من الهجرة. وقال يحيى القطَّان: سمعت شعبة يقول: كل من كتبت منه حديثًا فأنا له عبد، وعنه كان قتادة يسألنى عن الشعر، فأقول: أنشدك بيتًا وتحدثنى حديثًا. وقال الأصمعيّ: لم نر أحدًا قط أعلم بالشعر من شعبة. وقال عبد الرَّحْمَن بن مهدى: سمعت شعبة يقول: إن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة وعن صلة الرحم فهل أنتم منتهون. وقال أبو قطن: سمعت شعبة يقول: ما شيء أخوف عندي أن يدخلني النَّار من الحديث. مات شعبة في أول سنة ستين ومائة هـ مختصرًا من التهذيب للحافظ الذهبى، هذب به تهذيب الكمال للمزى وسماه تذهيب التهذيب والكمال في أسماء الرجال، للحافظ المقدسى، وما ذكر عنه من أنَّه رأى أنسا ظاهر, لأن أنسًا مات عام اثنين أو ثلاث وتسعين من الهجرة، وكانت ولادة شعبة عام اثنين وثمانين، فكان في زمن وفاة أنس يناهز عشر سنين. وأما مسعر المذكور في الشعر المتقدم مع شعبة، فهو مسعر بن كِدَام أبو سلمة الهلالي الكوفى، أحد الأعلام. أخذ عن عطاء، وسعيد بن أبي بردة، وقيس بن مسلم (¬1). ¬

_ (¬1) تحرف في المطبوع إلى: "قيس بن أبي مسلم" وصوابه من التقريب - ص 393، وتهذيب الكمال 27/ 463، والكاشف 3/ 137.

وعنه القطَّان، ويحيى بن آدم. قال القطَّان: ما رأيت مثله. وقال شعبة: كنا نسميه المصحف من إتقانه، وكان من العباد القانتيَن. تُوفِّي عام خمسة ومائة هـ من الكاشف (¬1) للذهبي. وانجر الكلام إلى هذا من فوائد صاحب الترجمة. ولما تخيل صاحب الترجمة من سلطان وقته زيدان بن السلطان أَحْمد النصور الشريف مضرة، وخاف سطوته من خروج إخوته عليه إذ كان بويع بفور وفاة أَبيه، جلس صاحب الترجمة بفاس، ولم يقدم عليه، ومقره حينئذ حضرة مراكش، حتَّى اتفق لزيدان القدوم لفاس فخافه صاحب الترجمة على نفسه من أَجل تأخره عنه، فكان من صنع الله أن لم يلق منه بأسا، فألف صاحب الترجمة فهرسته المذكورة بقصد أن يطلعه عليها كما يفهم من تسميتها، إذ سماها تنوير الزمان، بقدوم مولانا زيدان، ولم يطره بالمدح والثناء كثيرًا سوى ما أنشده من نحو ستة أبيات مفردة من كلام الأقدمين متمثلا بها رحم الله الجميع بمنه. مشيخته: أخذ عن الشيخ أبي المحاسن الفاسى علمى الظاهر والباطن، ولازمه كثيرا، وحضر مجالسه، ودام على التردد إليه إلى أن نقله الله تعالى إليه. وأخذ عن غيره كابن يحيى، والقدومى، وجماعة من جلة صدور أعلام عصره. مؤلفاته: منها فهرسته المذكور اسمها، وتعليق على المرادي، وشرح على الألفية في مجلد، وحاشية على شرح الشريف على الآجرومية، وغير ذلك كما بالصفوة. ¬

_ (¬1) الكاشف 3/ 137.

547 - قاسم بن رحمون الزرهونى الأصل، الفاسى النشأة والوفاة.

ولادته: ولد سنة ستين من العاشرة كما في ابتهاج القلوب. وفاته: تُوفِّي سنة اثنين وعشرين وألف. 547 - قاسم بن رَحْمُون الزرهونى الأصل، الفاسى النشأة والوفاة. حالة: ولى صالح زاهد ورع، عالى الهمة، ذاكر معمور الأوقات فيما يقرب إلى الله زلفى، لا تستفزه الدنيا وزخارفها، حسن الخلق متواضع محب في الأولياء والصالحين، متفان في محبة مولانا إدريس بانى فاس، شديد التعظيم له والإجلال. حكى عنه صاحب تحفة الإخوان أنَّه سمعه يقول: والله ما مررت قط على مزارته إلَّا وأجد الشق الذى يلي قبره كأنه ميت من هيبته وجلاله هـ هكذا هكذا يكون التعظيم لآل بيت نبينا - صلى الله عليه وسلم - وإلا فلا لا، وكان رحمه الله من الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا، مشتغل بما يعنيه، تارك ما لا يعنيه، ينهى عن الفضول وكثرة الكلام فيما لا يليق، شديد التحذير من ذلك، يحكى في التنفير منه حكايات عديدة، يحض على الاتباع، وينهى عن الابتداع. شديد الخشية والمراقبة لله تعالى في سره وجهره، داع إلى الله بحاله ومقاله، لا يفتر لسانه من ذكر الله، كثير التواجد عند الذكر، وإذا تواجد لاح وظهر ما في السرائر على الظواهر، وكان له أتباع يحضهم على امتثال الأوامر وينهاهم عن المخالفة والعصيان، يجتمعون على الاشتغال بلا إله إلَّا الله، ويفترقون عليها في المقيل والمبيت، وقد أظهر الله على يديه كرامات وخوارق عادات وتحدث النَّاس عنه بذلك. وكان في أول أمره طرازا يتعاطى حرفة الحياكة تارة يباشر العمل بفسه وتارة بواسطة صناع، يستخدمهم وهو يدور لهم الجعاب، ولسانه في كلتا الحالتين رطب ¬

_ 547 - من مصادر ترجمته: التقاط الدرر - عن 371، نشر المثاني في موسوعة أعلام المغرب 5/ 2070.

بذكر الله، ولم يزل ذلك دأبه حتَّى اجتباه مولاه وهداه، وأحبه واصطفاه، وبالأسرار والمعارف اللدنية حباه. وكان الذي قدم من زرهون لفاس هو والده، وهم من الرحامنة النازلين بوادى السدر قرب مصمودة من عمالة زاوية وزان. قال في الروضة المقصودة: وهم ينتسبون للشرف الحسينى -بالمثناة التحتية بعد السين على وزن التصغير- من بني الحسين السبط بن مولانا على بن أبي طالب كرم الله وجهه، ويزعمون أن قدومهم على تلك البلاد كان من جزيرة صقلية عند استيلاء الروم عليها أوائل المائة الخامسة هـ. قال شيخنا أبو عبد الله محمَّد بن جعفر الكتانى في السلوة بعد نقله ما ذكر: ورأيت في بعض الرسوم تحليته بالشريف الحسنى بالتكبير ونحوه في النشر على ما في بعض نسخه وزاد بعده ما نصه: من أولاد ابن رحمون النازلين ببعض مداشر جبل زرهون وبواديه، وهم ينتسبون إلى الشرف، ولا أعلم من أى فريق من الحسنيين هم، وليسوا من أولاد ابن رحمون العلميين الذين هم من أولاد الإِمام محمَّد بن إدريس بن إدريس. قال: وصاحب الترجمة يعني سيدي قاسما المذكور لم يستمر له عقب لا من ذكر ولا من أنثى، ولا له قرابة كذلك، وبعضهم ينتسب إلى القرب منه والله أعلم بحقيقة ذلك هـ. ونحو قوله وليسوا من أولاد ابن رحمون العلميين قوله في التقاط الدرر: وليس هو من أولاد ابن رحمون العلميين معترف هو وقرابته بذلك هـ. والمشهور الآن عند كثير من النَّاس أنَّه منهم، ويوافقه ما في سلوك الطريق الوارية من أنَّه علمى حسنى، والله أعلم بما في نفس الأمر من ذلك هـ كلام شيخنا الكتانى. قلت: وحيث صح اعترافه أى المترجم مع قرابته بأنهم ليسوا من العلميين،

فلم يبق وجه للشك في ذلك, لأن رب البيت أدرى بما فيه، والناس مصدقون في أنسابهم، وما نسبه لبعض نسخ النشر فهو في غير النسخة المطبوعة، والذي في النسخة المطبوعة التي بأيدى النَّاس هو ما لفظه: وكان ينتسب للشرف ولا نسبة بينه وبين أولاد ابن رحمون الشرفاء العلميين، وقرابته الموجود دون اليوم معترفون بذلك هـ. مشيخته: أخذ في أول بدايته عن سيدي الحاج الخياط الرقمى دفين الشرشور وصحبه نحوا من ستة عشر عاما، وعن سيدي محمَّد بن مولاى عبد الله الشريف المتوفى بوزان ليلة الخميس ثانى عشرى محرم عام عشرين ومائة وألف، وكان وصول المترجم إليه على يد شيخه في بدايته الرقمى المذكور، ثم أخذ بعد وفاة سيدي محمَّد عن ولده مولاى التهامى المتوفى بوزان كذلك صبيحة يوم الاثنين مهل المحرم الحرام فاتح عام سبعة وعشرين ومائة وألف، ثم عن أخيه مولاى الطب ولزمه إلى أن تُوفِّي في حياته، وكانت وفاة مولاى الطب يوم الأحد ثامن عشر ربيع الثاني سنة إحدى وثمانين ومائة وألف بوزان. وفاته: تُوفِّي يوم الاثنين سابع ذى الحجة متم عام تسعة وأربعين ومائة وألف، كما بمشهده الذي عند رأس ضريحه، وبالنشر وتحفة الإخوان والتقاط الدرر وسلوك الطريق الوارية والروضة المقصودة وغير ذلك، حسبما نبه عليه شيخنا أبو عبد الله الكتانى في السلوة، والذي في فهرسة الشيخ التودى لدى إيراده من لقى من صلحاء المغرب، أنَّه تُوفِّي زمن الوباء سنة خمس وخمسين ومائة وألف، وذلك إما سبق قلم منه رحمه الله أو تحريف من الناسخ بلا ريب، وكان مدفنه من غد يوم وفاته رحمه الله بداره الكائنة بأقصى درب مينة من حومة النجارين وضريحه من أشهر الأضرحة وأفخمها وأضخمها بهجة وزخرفا بالحضرة الفاسية، يتغالى الأغنياء والوجهاء في شراء القبور به، والأعمال بالنيات، ولم يأل أصحابه جهدا في الزيادة في توسعتها والتحبيس عليها لإقامة الأوقات، وقراءة الأحزاب القرآنية، وتدريس العلم بها زمن الشتاء بين العشاءين، والوعظ بها كل بكرة

548 - قاسم البندورى أبو اليسر.

وعشى، وبها كتب محبسة، وإلى الآن يعمرها فقراء أشياخه السادات الأشراف أهل وازان رضي الله عن الجميع. 548 - قاسم البندورى أبو اليسر. صاحب الضريح الشهير بعاصمتنا المكناسية. حاله: عالم كبير، عارف جليل، مشهور البركة، يقصد ضريحة ذوو العاهات والمصابون إلى الحسين الحالي، فينفعهم المولى ويعاملهم بصالح نياتهم، حَدَّثني الأخ المولى عبد الحس الكتانى أنَّه حدثه ابن عمنا المسن البركة مولاى عمر ابن الطاهر بن عمر بن الشريف بن زين العابدين بن فخر الملوك مولاى إسماعيل، عن الشريف مولاى الحسن بن السلطان العادل مولاى سليمان بن محمَّد بن عبد الله بأنه عالم صالح لقى القاضي شمهروس الجنى، وأخذ عنه، وأنه أنشده للمترجم ملحونا لفظه: ركعتين قبل الفجر تغنى؛ كلها للشاب وللى شاب راسوا، كيف يحرث على مد بفرد؛ ورفد أميا فدراسوا. ولم أقف على شيء زائد على هذا في ترجمته ولا على وفاته. 549 - قاسم. دُعِيَ الدامى بن محمَّد فتحا المنصورى أصلا المكناسى نشأة ودارا وإقبارا. أخبرني أحد أولاده الشاب النابغة الفقيه الأديب الأنبه أبو العباس أَحْمد نائب قاضى وادى زم حينه، أنَّه كان يحدثهم بأنهم من أولاد الشيخ محمَّد بن منصور، دفين البسابس من الغزب. حاله: فقيه نبيه، حافظ لكتاب الله مجود له، شجاع مقدام حسن السمت، كثير الصمت. له مهارة تامة في الحساب والتوقيت والتعديل والهندسة والهيئة، ¬

_ 549 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 8/ 2897.

ناهيك أنَّه رفيق السلطان أبي عبد الله محمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن هشام، إمام أئمة هذه الفنون، استخدمه السلطان المذكور في عداد الميقاتيين بشريف حضرته، ثم اصطفاه السلطان أبو عليّ الحسن ووثق بكفاءته ومقدرته وإخلاصه، وكان يحبه ويجله، ويقدمه للمهمات، رأَّسه على محلة وجهت لمأمورية بسوس الأقصى، وأخرى بالريف، وأخرى بزيان بعد التسعين ومائتين وألف، وذلك لما جاء البطل الأشهر محمَّد بن حمو الزيانى يستنجد بالجلالة الحسنية على البغاة المتمردين آيت شخمان، وبنى مجيلد واشقيرن الذين أغراهم على شق عصا الطاعة والتجاهر بالعصيان بو بكر مهاوش وستين الغارات على الزيانى المذكور وقبيله، فأجابوه لذلك لما لهم فيه من الاعتقاد ولما بينهم وبين المذكور من العداوة الموروثة عن آبائهم منذ فعلوا فعلتهم الشنيعة بالسلطان الأعدل أبي الرَّبيع سليمان آتى الترجمة. وكان إذ ذاك حمو والد محمَّد الزيانى المذكور من أنصار السلطان الذين بالغوا في الدفاع عنه حتَّى مات عدد عديد من قبيلة في سبيل نصرة السلطان وتخليصه، فصادف من الجلالة الحسنية قبولا لرغبته، وأعد له جيشًا عظيمًا وعسكرا جرارا، وزوده من الذخائر الحربية ومن العدة والعدد ما فيه مقنع، وإرغام لأنوف أهل الزيغ الذين كانوا يقولون نحن أولو قوة وأولو بأس شديد، فمن أشد منا قوة. وانتدب المترجم رئيسا على تلك الجنود بصفته مهندسا، وإلى نظره سائر أعمال من بها من الطبجية والمدافع والمهاريس التي وجهت مع تلك الحال، فعسكرت المحال بخنيفرة، وكانت قرية صغيرة إذ ذاك بزيان، ففر ملاكها عنها لما رأوا ما لا قبل لهم به من الجنود المجندة، وكان ذلك أول فتح ثم تسعرت نيران الحروب على قنن تلك الجبال، وما زالت القوة السلطانية بتلك القوة البربرية حتَّى أرضختها وللطاعة أدخلتها وعم النفوذ في سهلها وصياصى الجبال.

وقد عثرت على كناشة بها حساب صوائر ذلك الجيش الموجه لزيان وفيها مؤنة كل فرقة من فرق (الجيش) (والعسكر) على حدة، وذلك على اختلاف المراتب والقواد مع تحويل قيمة الدرهم إلى الريال بحسب القيمة ارتفاعا وانحطاطا، وأول حساب بهذه الكناشة التي قد انتزعت منها بعض صفحاتها مؤرخ بحادى عشر ذى القعدة عام 1298، وفيها بيان حساب ما قبضه أغوات العسكر السعيد بزيان بعد التسراد، على يد القائد محمَّد بن حم الزيانى المذكور تاريخه شعبان عام 1302، وفيها بيان القائمة التي وجهت لمولاى عبد الحفيظ في 7 ذى الحجة عام 1325، قد كتبت بقلم الرصاص، وهذا مثال (¬1) من تلك الكناشة يدلك على دقة النظام المالى والعسكرى الذي كان يومئذ: ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: قد ألممنا بأمثلة ذات أهمية كبرى من هذا النوع الحسابى وما ضاهاه في تأليفنا (نظام الدولة العلوية العلية داخل القصر وخارجه) وهو مجلد ضخم سيمثل للطبع قريبا بحول الله. ولو تتبعنا ما احتوت عليه المكتبة الزيذانية من الوثائق والمواد الراجعة لذلك لجاء في مجلدات وإن ساعدت الظروف تتبعت واستقصيت.

[جدول] والريال قد يكون بحسب 80 كما هنا، وقد يكون 90 ومجموع الريال قد ينحط في الشهر كله إلى 1377، وقد يصل إلى 1584، فإذا تمت ستة أشهر جمع ما تحصل فيه على حدة، وقد اجتمع من الريال في الشهور الست التي أولها 11 جمادى الأولى عام 1299، وآخرها 10 ذى القعدة منه 8467، وفي الست التي تليها أولها أولها 11 ذى القعدة وآخرها 10 جمادى الأولى عام 1300: 9508 منه.

هذا وقد كان السلطان المولى حسن آخى بينه وبين محمَّد وحم المذكور، وأخذ عليهما عهودا ومواثيق خصوصًا، وعلى قواد الجيش وأغوات العسكر، وإخوان محمَّد المذكور عمومًا، على أن يكونوا في الرعاية للصالح العام أعوانا، وذلك في وجهته لتافيلالت إذ كان مروره قدس الله روحه على المترجم بزيان أعوامًا نحو الأربعين، ولد فيها الأولاد وشبوا بل شابوا حتَّى صار يعرف هو وأهله هناك بالشناقطة، وولده اليوم يدعى بالزيانى وبه يعرف. مؤلفاته: أخبرني ولده المذكور أنَّه كتب حاشية على حط النقاب على وجوه أعمال الحساب لابن البنا، وشرحا على المقنع، وأنه أقرأه إياه بذلك الشرح، وتوليفا في القوانين المبسوطة، وأبحاثا في إقليدس، وفي الغريثمو، واستخرج حصة لعرض خنيفرة وزيان، وأنه كان محتفظا على مخاطبات ومكاتيب وظهائر سلطانية من حوادث ذلك الجبل البربرى ووقائع زيان وحروبها مع اشقرن وآيت شخمان وغير ذلك، كان يعدها لتحرير تاريخ ولكن لما اشتد الأمر وضاق المتسع باحتلال خنيفرة وذلك سنة اثنين وثلاثين وثلاثمائة وألف 1332 ألقى ذلك في اليم بكل أسى وأسف، ورجع لمسقط رأسه ومعهد أنسه مكناسة الزيتون. مشيخته: أخذ عن القائد الجيلانى بن حم البُخَارِيّ، والأستاذ إدريس بن اليزيد، والمعطى بن العناية السفيانى، والطيب بن اليمنى بو عشرين وغيرهم. كذا أخبرنى ولده المذكور فيما كتب به إلى ذلك أنَّه تلقاه من والده المترجم. ولادته: ولد بمكناسة الزيتون في حدود الخمسين ومائتين وألف 1250. وفاته: تُوفِّي ببلده مكناس في جمادى الثَّانية عام خمسة وثلاثين وثلاثمائة وألف، وأقبر بالروضة المجاورة لضريح الشيخ محمَّد بن عيسى، هذا ما يتعلق بترجمته مما تلقيته عن ولده المذكور وغيره ممن خالطه وعرفه حق المعرفة أو رافقه في الأسفار.

550 - قاسم بن الفقيه الأستاذ عبد القادر الحسنوى.

550 - قاسم بن الفقيه الأستاذ عبد القادر الحسنوى. نسبة إلى قبيلة بني حسن الشهيرة، النشوانى. حاله: فقيه معدل، حيسوبى ميقاتى منجم، خير دين فاضل، زكى ذكى ألمعى مهذب، لا يعرف لهوا ولا لعبا, ولم يحفظ عنه ما يخدش في مروءته من نعومة أظفاره إلى كهولته، أخبرني من وثقت بخبره من أهل العدل من شيوخه الذين لهم به تمام الاتصال ولهم على أحواله تمام الاطلاع، أنَّه عاشره من صباه إلى أن بلغ أشده ولم يرقط منه ما يعاب عليه ولا ما يشان به، شاب نشأ في عبادة الله، وقد كان رحمه الله مدررا يعلم الصبيان، وتخرج على يده عدة من حملة القرآن، وكان ذا سمت حسن وأدب كامل وحياء، مفرد زمانه في العلوم الفلكية وما له بها تعلق، خالعا لباس الدعوى خامل إلى العزلة أميل. مشيخته: أخذ عن والدته وكانت من الصالحات القانتات تحفظ رواية البَصْرِيّ حفظًا متقنًا، وعن سيدي إدريس بن عبد اللهادي وعليه جمع القرآن، وعن السيد الجيلانى الرحالى، والسيد أَحْمد العرايشى المترجمين فيما سبق، وعن صاحبنا العدل الميقاتى السيد العلمى بن أَحْمد بن رحال البُخَارِيّ. الآخذون عنه: منهم ابن عمنا مولاى أَحْمد بن محمَّد بن المأمون المترجم آنفًا. وفاته: تُوفِّي صبيحة يوم السبت سادس عشرى جمادى الثَّانية عام اثنين وأربعين وثلاثمائة وألف بمكناس، وبموته رحمه الله ماتت المهارة والإتقان في العلوم المذكورة بالعاصمة المكناسية. ¬

_ 550 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2937.

551 - أبو القاسم ابن الأبرش.

551 - أبو القاسم ابن الأبرش. ذكره ابن الأبار في التكملة، في ترجمة إبراهيم بن يوسف بن آدهم بن عبد الله بن باديس بن القائد القائدى الوهرانى في صحيفة مائة وست وثمانين، وكان إبراهيم هذا أخذ عن المترجم بمكناسة، وكانت وفاة إبراهيم المذكور في صفر سنة خمس وخمسمائة، ولم أقف على زائد على هذا في ترجمته. 552 - أبو القاسم بن حبيب الحريشى المكناسى. حاله: فقيه علامة، مشارك نفاع، مفت حجة، مرجوع إليه. ذكره ابن غازى في الروض الهتون وقال: أدركته بالسن فقط، وكان عبد الله العبدوسى يثنى عليه في مجلسه، تبعه صاحب تكميل الديباج، وذكر السجلمانى في شرح العمل في الصفقة كلاما نقله عن ابن غازى عن شيخ شيوخه أبي القاسم المترجم، ولم أقف له على وفاة. 553 - أبو القاسم بن درى الشاوى الأصل المكناسى الدار. مولى السلطان أبي الملوك الجد الأعظم مولانا إسماعيل. حاله: آخر القراء والأساتذة المحققين بالعاصمة المكناسية، علامة جليل، أستاذ مقرئ، عارف كبير، نقاد حافقظ لافظ مجيد، له مهارة كاملة، وقدم راسخ، ومعرفة زائدة بعلوم القراءات السبع وغيرها، شهد له بذلك القادة الأعيان من أئمة ذلك الفن المشار إليهم بالعلم والعمل ومتانة الدين. حلاه شيخه البركة المحصل الماهر المتسع المشاركة السيد محمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بصري شيخ الإقراء في زمانه بما لفظه: الطالب النجيب، الحافظ المتقين المجود الأريب، الضارب في فن القراءة بسهم نافذ مصيب. هـ. ¬

_ 552 - من مصادر ترجمته: الروض الهتون - ص 121.

جد في الطلب، واجتهد وهجر البطالة والرقاد، حتَّى صار المشار له في زمانه بالبنان، واتسع في المعلومات مجاله مع ضبط وإتقان، وإخلاص نية في السر والإعلان، لا يعرف لهوا ولا لعبا, ولا يدري للكسل مذاقا، معمور الأوقات بالفحص والتنقير عن غوامض العلوم، حتَّى فتحت له النجابة بابها، وأدخلته العناية الربانية حجابها، وقالت له المعالي هيت لك، وكانت له رحمه الله لدى سيده السلطان المذكور مكنة مكينة، واعتبار ورفعة شأن، شأنه مع أمثاله الأفاضل السراة من أهل العلم والدين، انتصب على عهده رحمه الله للإقراء والإفادة، فكان حامل لواء القراء في زمانه. مشيخته: أخذ عن أبي عبد الله بصري المذكور وختم عليه سبع ختمات من القرآن العظيم، جمع في الأولى بين روايتى نافع وابن كثير، وفي الثَّانية والثالثة رواية أبى عمرو بن العلاء، وجمع في الباقي بين الأئمة السبعة، وقف في الآخرة من الختمات السبع بأوائل الروم، كل ذلك بطريق التيسير للدانى وملخصه (¬1) حرز الأمانى. وأجازه مرتين بما لفظه في الأولى بعد الحمد والصلاة: وبعد: فيقول عبد ربه، وأسير ذنبه، المشفق على نفسه من سوء كسبه، خويدم كتاب الله العظيم، وعبيد آل المصطفى الكريم، محمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد البَصْرِيّ المكناسى، وقاه الله شح نفسه، وجعل خير أيامه يوم حلول رمسه، إن الأستاذ الحافظ، المجيد اللافظ، أبا القاسم بن درا، مولى مولانا الإِمام، ملاذ الأنام وناصر الإِسلام، ذى الحسب المنيف، والنسب الغنى عن التعريف، مولانا إسماعيل بن الشريف، أَدام الله وجوده، وظفر جيوشه وجنوده، قرأ على جميع القرآن، المنزل على المختار من ولد عدنان، سبع ختمات جمع في الأولى بين إمام ¬

_ (¬1) تحرف في المطبوع إلى: "ومخلصه".

المدينة نافع وعبد الله بن كثير، وأَضاف إلى الإمامين في اثنتين بعدها أَبا عمرو بن العلاء، وجمع في الباقي بين الأئمة السبعة المشهورين، غير أن الآخر وقف بأوائل الروم، وكل ذلك بطريق التيسير للدانى، وملخصه حرز الأمانى، ولما طلب مني أن أجيزه وجهته نحو شيخنا شيخ الطريقة، والحائز لها على الحقيقة، فأجازه بما هو مسطر أعلاه، وأمرنى بأن أجيزه بما قرأه على وحلاه، فكتبت هذه الأسطر امتثال أمره، ورجاء مغفرة خالقى وستره، بدخولى في زمرة خدمة كتابه، الساعين رحمته عند فسيح بابه، وصلى الله على سيدنا محمَّد وآله هـ. ولفظ الثَّانية: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان على سيدنا محمَّد خاتم النبيين، وإمام المرسلين، وعلى آله الطيبين وصحابته الأكرمين. وبعد: فيقول عبد ربه، وأسير ذنبه، المشفق على نفسه من سوء كسبه، خويدم كتاب الله العزيز وأهله، المعتمد على كرمه وجوده وفضله، محمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد البَصْرِيّ المكناسى، وقاه الله شح نفسه، وجعل خير أيامه يوم حلوله برمسه، إن الطالب النجيب، الحافظ المتقين المجود الأريب، الضارب في فن القراءة بسهم نافذ مصيب، أَبا القاسم الشاوى شهر بابن درا، رفع الله بالعلم النافع قدره، وأجرى على منهج التوفيق والتسديد أمره، كنت أجزته فيما سلف بنحو الثمان سنين في القراءة السبعة، ولم يكن إذ ذاك منتصبا للإقراء، ولا مكلفا يحمل أعباء القراء، ولم يزل من ذلك الوقت إلى الآن مجدا في الاجتهاد، هاجرا للبطالة والرقاد، حتَّى صار بحمد الله من الفن المذكور مملو الوطاب، وعاد بلح طلبه إلى الإرطاب، واتسع في الأحكام مجاله، وصدق في ذلك فعله ومقاله، وانتصب للتعليم، حسبما به اليوم كفيل زعيم.

والآن طلب مني أن أشهد له بذلك في كتاب، ليرتفع عنه فيما ذكر تخالج الظنون وخطرات الارتياب، وليكون بيده حجة ساطعة إلى يوم الحساب، فأجبته إلى ما سأل، وأسعفته فيما رغب وأمل، وكتبت أحرفى هذه شاهدا له بالضبط والإتقان، والمهارة في الحرز ومورد الظمآن، والمعرفة بالأحكام خصوصًا تخفيف الهمز لحمزة وهشام، وأنه من المنتصبين لتبليغ الرواية, المشتغلين بالحفظ والدراية، البالغين في تحمل هذا العبء أقصى الغاية، وقد انتفع به من أهل السبع جمع كثير، وجم غفير. جعل الله ذلك منا ومنه خالصًا لوجهه الكريم، وسببا للفوز بالنعيم المقيم، إنه ولى كل خير، وهو على كل شيء قدير، وفي سادس جمادى الأولى من التاسعة عشرة للمائة والألف هـ. ومن مشايخ المترجم أَيضا: أبو عبد الله محمَّد الهوارى، وأبو العلاء إدريس المنجرة، وأبو عبد الله محمَّد الخبزى التادلى، والشيخ مبارك الشرادى الزرارى، وأبو عبد الله محمَّد الصواف الفيلالى، والسيد الراضى السوسى، وأبو على الحسن أزكار السوسى، وسيدى سعيد بن ميمون الدغمى، وأبو الحسن على بن مبارك الصباحى العجلي، والحافظ سيدي أَحْمد بن مبارك الفيلالى، وسيدى أَحْمد ابن المنتقي الفيلالى اللمطى، ولقى العارف بالله سيدي أَحْمد الحبيب الفيلالى وعرض عليه مسائل في هذا العلم سؤالا ومذاكرة. مؤلفاته: منها حرز الأمانى شرح الجعبرى شرحا عجيبا متقنًا في مجلدات، بأمر من سيدي أَحْمد بن مبارك لما ورد عليه لمكناس، عام خمسة وثلاثين ومائة وألف، وأقام ضيفا لديه بداره أيامًا، وقفت على الأول والثاني من هذا الشرح بخزانة البحاث الرحالة المولى عبد الحي الكتانى، فإذا هو شرح ممتع جمع فأوعى، وبرهن على اقتدار المؤلف وطول باعه في الفنون، تاريخ انتهاء كتابة الجزء الأول سادس عشر شعبان عام ثمانية وعشرين ومائة وألف؛ ومن تآليفه العديمة المثال في بابها شرح الهمز والكنز والحرز وتقييد على ابن برى وغير ذلك.

شعره: من ذلك ما أَنشده لنفسه أول شرحه المذكور: طلائع نشر الحرز قامت بمغرب ... فصالت وجالت تجمع الحمد للشكر تعامل كل النَّاس بالبذل والعطا ... فلم يبق وقد زارها عرض الفقر فقرت عيون الطالبين لنيلها ... وسرت قلوب الواصلين بلا هجر رموز لها كالورد أصبح راويا ... وأسماؤها فجر أضاء بلا ستر وأنهلها كنز المعاني بوبله ... فأصبحت الوراد تغرف من بحر فلم يبق ظمآن على وجه أرضنا ... ولا فيها محتاج يعاين للغير فرحماك ياربى على علمائنا ... ومن بها فضلا على كل من يقرى نثره: من ذلك قوله في الشرح المذكور عند تعرضه لذكر لقائه سيدي أَحْمد ابن مبارك السجلماسى ولفظه: فعرضت عليه تقييد ابن برى الذي وضعناه، ومثله من شرح الهمز والكنز والحرز على ما وصفناه، وقرأت عليه تقاييد أخر كانت عندنا، ذكرنا فيها من مسائل الفن جهدنا فاستحسن أعزه الله ما سردناه، وأَعجبه أكرمه الله ما كتبناه وقيدناه، فدعا لنا بخير ما أردناه، والحمد لله، ثم أمرنى أيده الله بشرح كنز المعاني وحل كلمة الصعبة المبانى، فاعتذرت له بما أنا أهله من التقصير، وسطوات الجهل والعجز والتحصير، وخاطبه لسان حالى بقول القائل: ما أَنْتَ أول سار غره قمر ... ورائد خدعته خضرة الدمن فرأيت هنالك مهامه تجار فيها القطا، وشوامخ تأكل عند اقتحامها الخطأ، ثم وقفت أتأمل الخوف عند فجئتها, لكن قدمت الرجاء عند رؤيتها، فقال لي اشرع فيه بلا توان، وتوكل على الله المستعان، ثم مسح يده المباركة على صدري، ودعا لي بصلاح أمرى فعند (كذا) ذلك على الاحتفال بمودته، وعلمت أن العلم يزداد

554 - أبو القاسم قاضى الحضرة المكناسية وابن قاضيها سعيد بن أبي القاسم العميرى -بفتح العين نسبة لبنى عمير، فرقة من تادلا الجابرى التادلى.

بنفقته، وأنه بمصافاة الأبرار، تظهر طوالع الأسرار، ثم أفحمنى عن ذلك كثرة العوارض والأهوال، وكثر المماطلة وتبدل الأحوال، ومقاساة الشدائد والفتن، وكثرة الهواجس والمحن، وليس فضل الله بممتنع، وخيره سبحانه ليس بمنقطع هـ. وفاته: تُوفِّي عام خمسين ومائة وألف رحمه الله. 554 - أبو القاسم قاضى الحضرة المكناسية وابن قاضيها سعيد بن أبي القاسم العميرى -بفتح العين نسبة لبنى عمير، فرقة من تادلا الجابرى التادلى. حاله: آخر أدباء وقضاة العدل بمكناس، ذو سمت حسن، وسكينة وتؤدة ووقار، علامة علم الأعلام، حجة الله على الأنام، ركن التحقيق المستلم، الجامع بين اللسان والقلم، صدر صدور المشايخ، ومن له في الفنون العقلية والنقلية القدم الراسخ، الناظم الناثر، واضح المفاخر، كثير المآثر، قاضى قضاة العصر، الطائر الصيت في كل مصر، محبوب الأنام نافذ الأحكام، ذو الفهم الثاقب، والإدراك الصائب، حسن الأخلاق، طيب الأعراق، جامع أشتات الفضائل والفواضل، ونخبة سراة الأعلام الأماثل. ولد بفاس القرويين، ثم انتقل به والده لمكناسة الزيتون، على الطائر الميمون، فنشأ بها كما قال عن نفسه في فهرسته: في عزة أهل ورفاهية احترام، ودعة جلالة وظل إعظام وإكرام، فلم يكن من فضل الله عليه باللاهى، وإن ألهاه من الحداثة ببعض الملاهى، إذ لم يكن له راحة إلَّا في المكتب، وما مسئ من أعتب، وما زالت الأبوة الكريمة تلحظه بعين الاستصلاح، وتقابله برعايتها العميمة رغبة في الإجابة لداعى الفلاح، حتَّى تيسرت له الأسباب، وانفتحت الأبواب في وجهه لطلب العلوم الشرعية بابا بعد باب، ومهر واتسعت في الفنون عارضته، وعلت كعبه وعظمت مكانته، فولاه السلطان المولى عبد الله بن الإِمام الأعظم مولانا إسماعيل خطة القضاء بمكناس.

ثم رحل لأداء فريضة الحج وزيارة خير الأنام عام ثلاثة وأربعين ومائة وألف في رفقة والدة موليه السلطان المذكور السيدة خناتة بنت بكار المعافرية السابقة الترجمة، وحفيدها سيدي محمَّد بن السلطان المولى عبد الله، والعلامة السيد الشرقى الإسحاقى وغيرهم من الأعلام ووجهاء الأعيان، وقد أخذ في هذه الرحلة عن علماء تلك الديار المشرفة، قال الوزير السيد الشرقى المذكور في رحلته المؤلفة في وجهته هاته ما نصه: غريبة، في يومى إقامتنا ببسكرة تحاكم لدى صاحبنا الفقيه القاضي النبيه، الأديب الوجيه، السيد بلقاسم ابن الفقيه العلامة سيدي سعيد بن بلقاسم العميرى، رجلان من أعراب هذه الناحية من أولاد قسوم، في فرس أراد المشترى منهما الرجوع على بائعها بالثمن إذ هلكت بعيب قديم أقدم من أمد التبايع، وأحضر بينة، فأمره الفقيه القاضي المذكور بتزكية بعض شهود البينة، فجاء بهذا الشيخ بو الضياف مزكيًا لبعض شهود البينة، فقال له القاضي أتعرف هذا الرَّجل الشاهد؟ وسماه له فقال: نعم نعرفه رجلًا جيدًا من خيار قومه ما عندنا ما نقول فيه أغار معنا على العرب كم وكم مرة ما رأينا فيه عيبا، فانظر هذه الجهالة زكاه من حيث جرحه، وهكذا حاله هؤلاء الأعراب في العراقة في الجهل هـ. ثم عزل المترجم بعد، ثم ولاه بمكناس أَيضًا المولى على بن السلطان الأعظم مولانا إسماعيل لما خلع العبيد مولاى عبد الله وبايعوه، وكانت توليته إياه يوم الجمعة مهل جمادى الثَّانية عام سبعة -بتقديم السين على الموحدة وأربعين ومائة وألف، بعد عزله للقاضى السيد البوعنانى المترجم فيما مر، بسبب تأخيره ذكر الصَّحَابَة عن ذكر السلطان في خطبته عسى أن ينال بذلك منزلة من السلطان وتقربا، فعامله بنقيض مقصودة، وجعل جائزته الحرمان، وتعجيل العزل له من خطة القضاء. ثم لما خلع مولاى على وأعيدت البيعة لمولاى عبد الله عزل المترجم عن

القضاء، وولى مكانه البوعنانى المذكور، وذلك في صفر عام تسعة وأربعين ومائة وألف، ثم في أواخر جمادى الثَّانية من السنة المذكورة ولاه قضاء مكناسة سيدي محمَّد المدعو ولد عريبة وعزل البوعنانى، ثم عزل المترجم وولى مكانه سيدي محمَّد البيجرى، ثم عزل البيجرى، وولى مكانه السيد عبد الوهَّاب بن الشيخ. قال المترجم في فهرسته: ومن الخطأ الصراح، ما كان باح واستراح، من الأشنوعة التي كان استحدثها أولاد بو عنان، وتهافتوا فيها تهافت الذبان، واستهجنها عليهم الملائكة والإنس والجان، وذلك أنَّه لما عزلت عن خطة القضاء عام تسعة وأربعين بادروا إلى حشر من غلبوا عليه من سقط العدول وحمولهم على وضع إشكالهم على وثيقة سطروها، على قدر شهواتهم وحبهم الرياسة، وتظاهروا على تلك الضلالة، بمن كنت عزلته لكونه ظاهر الجرحة ساقط العدالة: تمنى بأوباش فتوح مدائن ... وذاك لعمرى ضلة وجنون كضلة عمرو إذ تمنى مراده ... بجيش مراد والجنون فنون ثم لم يكتفوا بذلك حتَّى أفتوا بقتلى، وقتل من كان عونًا لي على القيام بأحكام الشريعة من حملة العلم، ولما شاع ذلك الخبر وأجمعوا على رفع ذلك لمن كانت بيده إذ ذاك الأحكام السلطانية، وأخذوا فيه بالجد سرا وعلانية، حضر لدى من حضّنى على أن أعد لهم ما استطعت من قوة، ثم ذكر ما كتبه في بطلان تلك النازلة التي تولى كبرها من ولى الأحكام الشرعية بمكناسة وفاس، وبين حرمة المؤمن وعرضه، وكفر من استحل ما حرم الله بعد علمه بتحريمه، وإلغاء شهادة الشاهد وحكم القاضى على عدوهما، ثم ذكر أن الله كفاه شرهم، ورد في نحورهم كيدهم ومكرهم.

وفي يوم الخميس حادى عشر رجب عام ثلاثة وخمسين ومائة وألف قبض السلطان مولاى عبد الله على المترجم بدعوى أنَّه مع غيره من العلماء كسيدى أَحْمد الشداوى، وأبي العباس أَحْمد بن الحسن بن رحال المعدانى، وأبي العباس أَحْمد بن عبد الله المليتى وفضحهم على رءوس الأشهاد، وقال لهم: كيف تزوجون أخي المستضيء بنسائى وهن لم يخرجن من عصمتى بوجه من الوجوه الشرعية؟ ثم عفا عنهم، وقد كان المترجم احترم بحرم سيدي سعيد المَشَنْزَائى قبل مجيء السلطان، فأخرجه العبيد في الأمان، وتكلفوا له بأنه لا يرى من السلطان إلَّا الإحسان. مشيخته: أخذ عن والده جملة وافرة من التفسير، وصحيح الإِمام البُخَارِيّ، وشفاء عياض، والشمائل، والربع من صحيح مسلم، وجملة من كبرى الشيخ السنوسى، ومن مختصره، ومن شامل بهرام، ومختصر ابن عرفة، ومن مختصر خليل، والألفية لابن مالك، وشرح الكعبية لابن هشام، ومن شرح المقصور والممدود لابن مالك، وجملة من لامية الأفعال، وسلم الأخضرى، ولامية الزقاق، وشرحها لميارة وغير ذلك. وأخذ عن العلامة المحقق النَّحويّ البركة السيد البهلول البوعصامى المتقدم الترجمة في المحمدين قرأ عليه الألفية لابن مالك، وصدرا من شرح المرادي عليها، والسلم المرونق وانتفع به نفعا كبيرًا. والعلامة أبي العباس أَحْمد بن أَحْمد الشدادى قرأ عليه المختصر الخليلى من أوله إلى آخرة وأعاده عليه ثانية إلَّا أنَّه لم يتيسر له ختمه. وأبي العباس الولالى قرأ عليه منظومته في علم الكلام. وعن أبي على بن رحال قرأ عليه المختصر الخليلي وقيد عليه تقاييد جليلة، لا يكاد يعثر عليها إلَّا بمطالعة المطولات الحفيلة. وسيدى محمَّد بن أَحْمد المسناوى، حضر عليه مجلسا واحدًا من صحيح البُخَارِيّ بجامع الشرفاء من فاس.

وأبي الحسن على التدغى صاحب اختصار الحلية قرأ عليه جملة من المسلم. وأبي محمَّد عبد القادر ابن شقرون، قرأ عليه الألفية والآجرومية وعليه كانت بداية قراءته. وأخذ الطريقة الناصرية عن الشيخ سيدي المعطى بن الصالح صاحب الذخيرة، وذلك عام أربعة ومائة وألف، واستجاز آخر أمره العلامة سيدي عبد الكبير السرغينى من فاس فأجازه كتابة بالصحيح والمرشد المعين، وقال له: لا رواية لي بغير ما ذكره. كما استجاز الإِمام المحدث المسند أَبا العباس أَحْمد بن عبد الله الغربى الرباطى فأجازه آخر ستة وستين ومائة وألف في مروياته عامة عن شيوخه بالحجاز ومصر وغيرهم، وقد أورد نصها في فهرسته، وعن غير هؤلاء ممن هو مذكور في فهرسته من أهل المشرق والمغرب. وقد ذكر أنَّه كان أول أمره لا يكثرت بالرواية قال: حتَّى فاتنى كثير من الأشياخ بالمغرب ومن لقيته بالمشرق، فلم يجزنى أحد منهم، ولقد ندمت على ذلك، ومع ذلك فلم أحرم في الجملة من الاتصال هـ. الآخذون عنه: أخذ عنه من لا يعد كثرة من نقاد الأعلام بمكناس وفاس وغيرهما، فمن الآخذين عنه: العلامة السيد الطيب ابن يوسف، والفقيه سيدي على بن ... . وأَجازهما عامة حسبما ذلك بفهرسته، وأجاز بفهرسته المذكورة العلامة أَبا محمَّد المكيّ الناصرى بعد استدعائه الإجازة بها منه وستأتى نصوص إجازته لهما في نثره. مؤلفاته: منها شرحه على نظم العمل الفاسى، وفهرسته في جزء وسط، ومؤلف سماه التنبيه والإعلام، بفضل العلم والأعلام، والورد الندى في ترتيب ما

تضمنه شرح التسميط المحمدى، اختصر فيه مصنف الحافظ محمَّد بن عليّ بن محمَّد بن على المصري بن محمَّد بن شباط التوزرى في السيرة الذى شرح به قصيدة الشيخ البركة عبد الله بن يحيى الشقراطسى التوزرى، قال طالعته: وكنت وقفت عليه حين قفلت من الحجاز، وكان لى على طرابلس الغرب المجاز، ولم أكن رأيته قبل ذلك، ولا طرق سمعي خبره في تلك المسالك، فاغتبطت به وضممته ضم البخيل، وقلت ليت شعرى هل إلى تحصيله من سبيل؟ وإذا هو بيد من لم يسمح ولو بعاريته لاستنساخه بعد الوصول إلى الأوطان، إذ لم يمكنى نسخه على الكمال مدة الإقامة ببلده والاستيطان، وحين أَعْيَا داؤه، ونضب عنى ماؤه، شمرت عن ساعد الجد، لمدى العزم الشباة والحد، وأخذت في اختصار من شرح أبيات القصيدة، وقلت ما فات الرامى شئ إذا رمى فأصاب مصيده، إذ السيرة من جل المقصود، وأجل هاتيك القصود، وجعلت منه مقدمة وخاتمة هما بعون الله لبنة التمام، وواسطة ذلك النظام. أما المقدمة فتعرف بها كمالات سيدنا ومولانا محمَّد - صلى الله عليه وسلم - في كل الفضائل وتقديمه، وأن الله تعالى حين سواه، وأيده بالنور المبين وقواه، خصه بمزايا لم يخص بها سواه. وأما الخاتمة فقد تضمنت أحاديث الشفاعة والحوض، وما خصه الله به - صلى الله عليه وسلم - من ذلك يوم العرض، وقدمه به على أهل السماء والأرض لعل الله تعالى أن يجعلني ممن يحظى بشفاعته يوم القيامة، ولا يذم ببطالته لياليه وأيامه، وأتيت في هذا الموضوع بكلام الأصل على حاله إلَّا ما غيرت فيه من ترتيب المنتشر، ونظم ذلك السلك المنتثر، وسميته بـ (الورد الندى، في ترتيب ما تضمنه شرح التسميط المحمدى). ثم جعلت له تراجم هي لأصنافه عنوان، وعلى تحسين أوصافه أعوان، فقد

كان مؤخرا فيه ما حقه التقديم، مقدمًا ما تأخيره ربما لبس على الناظر الحادث بالقديم, لأنه كان مقيدًا بتتبع أبيات النظم بذلك القصص، مقتطفا من أَجل ذلك ما تأتى له من الحصص، ولست في عهدة من تصحيف فيه، فإنِّي لست بمعطيه حقه من المقابلة ولا موفيه، لضيق نطاق السفر عن مثل هذا، فلا تقل كان ماذا، ولا لماذا، وبما توخيناه من الترتيب ونخلنا من مهيل ذلك الكثيب، تنتظم إن شاء الله فرائد الفوائد، وتتقيد أوابد الشوارد. هـ. ومع اعتذاره بالسفر فقد رتب أبوابه، وفصل فصوله واختصره، فجاء في مجلد ضخم من القالب الكبير، وقد جمع إلى السيرة شرح ألفاظها وضبط غريب اللغة وأسماء الأماكن وتعريفها، وأخبار الفتوحات الإِسلامية، وفتح المغرب والأندلس، وكان فراغه منه أواخر شعبان من عام أربعة وأربعين ومائة وألف، وهو موجود لدينا وله غير ذلك. شعره: من ذلك قوله مخاطبا لوالده عام تسعة وعشرين ومائة وألف وقد مرض مرضا أشفى منه على الموت: حياتك منتهى الآمال عندى ... فليت الموت يقتلنى فداء أَيجمل أن أراك رهين حال ... وآمل لا عدمتكم بقاء ولم أصبر وأنت اليوم حى ... فكيف إذا اتخذت ثوى ثراء صغرت عن التحمل إن مثلى ... وحقك لا يطيق له عناء وكيف ولى أخيات وقلبى ... تقسم فيك بينهم سواء ملأت صدورهم بثا غداة ... فعادت في مآقيهم مساء وكم أرغمت في أنوف قوم ... يروني في عيونهم قذاء

وما قصرت في التأديب حتى ... رفعت لديك للعليا لواء وإنى وإن بكيتك ملء عينى ... فهل كان البكاء لنا غناء ولكن أعين ناحت عليكم ... بدمع أحسن الإغضا قضاء فخفض إن لى ربا رءوفا ... عطوفا سوف يمنحكم شفاء وتفدى بالعدا من كل باس ... يسئ وإن هم قصروا كفاء وقوله وقد أَلم به مرض: أمولاى هذا الداء عز دواؤه ... على وقد أودى بعبدك ماؤه إليك رفعت الأمر فيه براءة ... من الحول لما أن تعدى عداؤه فلا تقطعن عوائدك التي ... تعودت من إحسانها ما أشاؤه بأسمائك الحسنى تشفعت في الذى ... تطاول من داء لديك شفاؤه وإن كنت قد قصرت فيما أمرتنى ... فحاشاك ربي أن يطول رجاؤه فلا تأخذنى بالذى أنا أهله ... وإن ساء منى عمده وخطاؤه وعامل ولكن بالذى أنت أهله ... فعبدك هذا حاله ولجاؤه وأنت الذي يرجو نداك بفاقة ... إليك عسى ينجو بذاك نداؤه وكن لي من بعد الوفاة وقبلها ... فما خاب داع يهتديه دعاؤه وقوله ما دحا للشريف العلامة مولاى محمَّد بن حين المقدسيّ لما قدم من المشرق، على مولانا الجد الأعظم السلطان مولانا إسماعيل يستمطر نداه، وذاك عام ثلاثين ومائة وألف: تاقت لمرآك منذ اليوم أشواق ... يا طلعة ولها بالغرب إشراق

كانت مقاصرا ملاك لها فلكا ... لكنما الأفق أحشاء وآماق حيا محياك عناء آمل ضمنت ... لها النجاح عداك الذم أوراق طيف من الشعر قد زار العلا شغفا ... يقضيك حقًا له وخد وأعناق هي السيادة إلَّا أنها كرمت ... أخلاقها ووسمت من قبل أعراق وهي المجادة إلَّا أنها بلغت ... بالخافقين له بالفضل إخفاق لو نال بدر الدجى ما نال من شرف ... ما أدراك البدر بعد التم إمحاق من حبه في ضمير القلب سكنه ... وقربه لا تزال النفس تشتاق يا ليت شعرى لو يدري مودة من ... أتى به الحب لا عسر وإملاق وهو الوفى إذا جربت خلته ... له على سنة عهد وميثاق وقوله رادا على ابن غرسية الرسالة التي فضل فيها العجم على العرب: أغرتك نفس يَا ابن غرسية الذى ... به النعل زلت في الضلالة والخف تفضل عجما كنت لا كنت منهم ... على العرب السادات ويحك لا تهف تقول بجهل ما تحاول فيهم ... وتنكر نقصا للأنام به عرف رئيسهم الأسقف لا در دره ... مناطقهم لكن قلوبهم غلف نصاراهم لا يعرفون بغيرة ... يهوديهم لا تشتهى صفعه الكف مجوسهم يرضى تزوج بنته ... جهارا وفحل السوء ليس له وقف فهل فوق هذا العار عار لمبتكى ... يكل عن التعبير عن حاله الوصف وكم إمرة كانت عليهم لمرأة ... لها فيهم (كذا) بين المنع والصرف متى رفعت أقدامهم لخطابة ... منابر لا تنفك يصحبها الزحف

متى عرفوا للخيل حال ولادة ... يميز أعوجيها منهم الطرف متى بسطوا فيهم بساط كرامة ... فأصبح يثنى عن مكارمهم ضيف وتلك فعال ليس ينكرها لمن ... زرته ببغى قومك العجم السخف ومالك عن قوم إذا ما ذكرتهم ... ذكرت نعيما ناله ذلك الصنف ترى الفخر في تلك المطارف والعلا ... بتلك الحشا يا زادها زينة سقف وذاك لعمرى في الحقيقة حال من ... يروقك منهن التمايل والردف من العرب الألى عليهم تقصفت ... حروب تحاكيها الزلازل والخسف تشن عليهم غارة بعد غارة ... فنال مناه فيهم الرمح والسيف وقادت سبايا حاسرات تقدمت ... إليهم بخيل في أعنتها الحتف وما برحوا حتى أمالوا عروشها ... ودق بقاياها الهزائم والزحف وصارت ثلاثًا مسلمًا ومجدلا ... قتيلا ومعطى جزية وبه خوف عساكر تحمى جارها ونجارها ... مآثرهم لا تستقل بها المصحف فحْسبك منها في الفخار نبينا ... له نسب فيهم يصوغ له عرف وحسبى من نصرى لهم ما أطيقه ... من القول إن كان ابن غرسية يجف وقوله مجيبًا لواسطة عقد الأئمة الأعلام أبي العباس أَحْمد بن عبد القادر التستاوتى، عن معاتبة له على تأخيره الجواب عن مسائل علمية كان سأله عنها ورام معرفة الحكم الشرعي فيها: هذا وحقك يَا ابن عبد القادر ... لجواب شعرك ما أنا بالقادر في القلب أشياء تحول وربما ... هاجت إذا ناولت ما بالخاطر

إيه لقد حركت مني لوعة ... بنتيفة ما مثلها للحاجر وعتبتنى والعتب يحلو عندما ... يصفو الوداد وودك اليوم غامرى هب أنني قصرت في حق على ... عذر وإن لم يبد فالمجد عاذرى إذ لم أَجد نصا يعين حكمها ... حالا وما أَمهلتنى لدفاترى إنِّي لأرجو أن تكون مسامحى ... لما استوى لك باطن بظواهر وأزل جعلت فداك عتبك إننى ... لرضاك منعطف بوجه سافر إن كان لا يرضيك إلَّا كتبها ... بسواد عينى في طروس محاجرى ولذاك أيسر من عتاب كامن ... بقريضكم بأسنة وبواتر إن لاح منى في هواك توقف ... عطلت من حلى المداد محابرى وثنيت عطفى عن طلاب فضيلة ... تركت لنا من كابر عن كابر وتحيتى تنهى لكم ما خلفت ... تلك المعالي أوائل لأواخر وكتب إليه الفقيه الكاتب السيد عمر الحراق في أمر وذكر في الكتاب الحنظل وكتبه بضاد غير مشالة فكتب إليه: الحنظل النبت شكا معشرا ... في ضبطه ما استندوا لكتاب يقول ما الذنب الذي جئته ... لا يكتفى فيه بدون (الرقاب) احترز بالنبت من الحنضل بمعنى الظل لأنه غير مشال. وقوله متشوقا للأهل والوطن، ومعتذرا عن مفارقة ذلك المسكن وذلك لما خرج لنواحى الريف، وخيم منها بمعقل عاصم وماء بارد وظل وريف، واستقرت به الدار، وبداله في الاعتذار، فرارًا مما تأجج من نيران الفتن واضطراب الأحوال وضاق بسبب ذلك المتسع بعد وفاة مولانا الجد الأعظم السلطان المولى إسماعيل:

دعينى فوصل الغيد ليس من العدل ... ولا تعذلى فالإذن صما عن العذل وكيف بمن ولى عن الوطن الذى ... توالت به الآمال في الزمن المحل وظنى به أنَّه عف خير وإن يكن ... جفاك فإن المرء عنك لفى شغل بمكناسة الزيتون خلف أهله ... وحل بقرب الريف فردا بلا أهل حمى جانبا منها عداه وجانبا ... مخافة قول أن يصير إلى فعل فخليتها كى لا تسام حقادتى ... بسوء وأنف الحُر يأنف من جهل وقلت ولم أملك سوابق رحلتى ... كذا فارقت أوطانها النَّاس من قبل وإن عز بي هجرانها فلربما ... توصل بالهجر إن صب إلى الوصل وتصدية السيف المهند لم تزل ... وحقك ترجو أن تعاهد بالصقل والإفلو خيرت ما اخترت غيرها ... قرارا وقد قرت بها العين للأجل كأنى لم أَرشف لما لها ولم أكن ... جنيت جناها من لدن طلعت نخلى أمكناسة الزيتون يَا خير بلدة ... حدائقها تجلو على الحدق النخيل وما القول فيمن حال حال وصاله ... فلا جعل الله الموانع في حل إذا لاح نحو الغرب برق هوت به ... دواعى الجوى بعد العلو إلى السفل وإن هبت الأرواح رق وراق من ... يسهل من أمريه ما ليس بالسهل وإن غنت الورقاء بالأيك روعت ... فؤادا دعاه الشوق بالجد والهزل هل الحزن إلا يوم فارقت صبية ... فلله ما قد حل بالفرع والأصل ولله أشكو اليوم ما حل بيننا ... ولله أرجو ما تعودت من فضل فيارب فرج كربتى واكفنى أذى ... عبيدك واجمع ما تشتت من شمل

ومن على عبد بعزك إن من ... يعز بغير الله صار إلى الذل وحاشاك ربي أن تخيب راجيًا ... إليك التجا بالجزء منه وبالكل أيا ملجأ المضطر يَا غوث من دعا ... ويا ناصرا من لا له ناصرا مثلى أغثنى أَغثنى يَا مغيث فإننى ... وأهلى وحال الكل يغنى عن السؤل وأنت إلى المستضعفين دريئة ... فأحسن خلاصى بالنبى وبالرسل وقوله من قطعة مجيبًا قاضى غمار، وواحد تلك العمارة. الفقيه الذكى الألمعى النزيه السيد أَحْمد المدعو أبو سلام الحميدى، عن أبيات كان ودعه بها، وكان من أعيان من لقيه بتلك الوجهة: أَبا العباس لو يجدى فؤادى ... حنين طال بعدكم حنين ولو أن الأنين يعيد شيئا ... لما في القلب ما فتر الأنين ولكن للنوى أمر إليه ... تناهى أمره وبه يهون سأرعى ودكم ما دمت حيا ... وحقك لا أخون ولا أمين وعهدكم متى ضاعت عهود ... عليه من الوفاء به أمين تعين على النوائب إن ألمت ... وتحمل كلها أيا تكون وتلقى الضيف بالبشرى وتقرى ... غواشيه وقد لزمت مئون ومهما اعتاص في علم سؤال ... فاحمد بالجواب به فطين نقى عرضه من كل سوء ... يساء به ومن شين يشين وتلك مكارم لاقعب ماء ... ببيت شابه لبن حقين فآمل أن تعود لنا قريبا ... على خير وحاسدكم حزين

وتؤتى خير ما ترجو وتحظى ... بما ترضى وأنت به قمين ودونك من صنيع الفكر نظم ... تقر لحسن موقعع عيون فلما وصلت أبيات الجواب. للحميد المجاب. كتب له قصيدة أخرى يقول فيها: وإن غاب عنا العلم من صدور الد ... فقد حازه من بعده ولد صدر ولا عجب إن قيل أَنْتَ تفوقه ... فإن ضياء الشَّمس يسبقه الفجر تسل عن الهم المبرج بالحشا ... فرب عسير كان في طيه يسر وإن جاء عباس من الخطب هائل ... ففي أثره الضحاك يعقبه بشر وإن لفكم جور من الدهر برهة ... فلا بد بعد السلف أَن يحصل النشر فأجابه أبو القاسم بقصيدة يقول فيها: نزعت إلى حسن بنظم تظاهرا ... به ساحران للنهي الطرس والسطر قواف تجلت للخيل ووزنه ... وحسن من حسانها النظم والنثر وجربها ذيل الكمال جريرها ... فغاظ سجول الموصلى ذلك الجر تباهى زهيرا في مزينة وإليها ... بمصر وليلياته ما بدا فجر فلو نافست باع البديع ولامست ... حرير الحريرى ما جرى لهما ذكر ولو نالها وإلى الكتيبة ما بدا ... بها للوا الإنشاء طى ولا نشر ولو وصلت يومًا لمنطق واصل ... تكلف نطق الراء من فمه الثغر إلى أن قال: وإن قصرت بي عن جوابك همة ... فمنك وقيت الهم يلتمس العذر

فكيف ولى قلب تقسم فانثنى ... لمكناسة شطر وعندكم شطر وقوله متوسلا بأسماء الله الحسنى، ومحصيا لها نظما سنيا أسنى: ورب بأسمائك أدعوك عسى ... أكفى مئونة الصباح والمسا يَا خير من نيط به الرجاء ... وخير من إليه الالتجاء كن لي لا على يَا الله ... بحق لا إله إلَّا الله أعوذ من عداء كل عاد ... بك ومن شماتة الأعادى يَا أول سواك لا يعول ... عليه والأيام فينا دول يَا آخر يَا باطن يَا ظاهر ... تعاظم الأمر ولا مظاهر ويا غنى بك صرت ذا غنى ... فجد بما أَملت فيك من منى يَا صمد يَا قادر يَا وال ... قنى أذى الولاة والموالى يَا مؤمن يَا مالك الخلق الرءوف ... لا تسلمنى ما بقيت لمخوف بك استاجرت يَا معز يَا عزيز ... طوبى لمحتم بجرزك الحريز ظني جميل بعلاك يَا حليم ... ويا عفو يا حفيظ يا عليم من استشاط غضبا بما يخيف ... فالعبد منه في حماك يَا لطيف إن جار أَنْتَ الجار يَا رحمن ... من كل ما كاد به الزمان حاشاك ربي بهضيمة يسام ... من بك عاذ من بنى حام وسام إن قبل إنِّي لغريب ضائع ... بالامتناع قلت ربي المانع فإنَّه العدل الجليل النافع ... القابض الباسط للمنافع يَا حى يَا قيوم عجل بالفرج ... وخلصن عبدك من كل حرج

يَا نور كل شيء يَا صبور ... عظيم يَا خبير يا شكور كن لذنوبى يَا غفور غافرا ... يَا واحد وللعيوب ساترا وكلما ثقلت الأوزار ... يَا مالك أَنْتَ لها غفار ويا على منَّ يَا وهاب ... على بالتوبة يَا تواب يَا بر وارحم صبية صغارا ... سيموا على صغرهم صغارا لك رفعت أمرهم وأمرى ... آذاهم بعض ولاة الأمر أَخرجنى من بينهم لما احتكم ... وأنت فيما بيننا نعم الحكم ويا قوى يَا متين يَا مجيد ... يَا محص أَنْتَ لي وكيل وشهيد أشكو إليك يَا ولى يَا متعال ... أَنْتَ الذي تنصف سافلا من عال عز على يَا مذل من علا ... يبغى مساءة لنا بين الملا يا مغن يا كبير يا مغيث ... يا محيى يا حسيب يا مميت يَا خالق يَا بارئ يَا واجد ... يَا متكبر رحيم ماجد لك العلي يَا خافض يَا رافع ... بفضلك اجمع شملنا يَا جامع رد علينا نعما يَا ذا الجلال ... حقا والإكرام فأنت خير وال يَا مبدئ ويا معيد يَا رقيب ... يَا واسع أنت الودود والمجيب قدرت يَا مقتدر بديع ... قدوس يَا بصير يَا سميع ففك أسرى من يد اغتراب ... وامنن على بنى باقتراب يَا مقسط يَا حق واحكم بينى ... وبين من رماهم ببينى قهرت بالعزة يَا قهار ... ما اعتقباه الليل والنهار

لحكمة فعلك يَا منتقم ... مهيمن مؤخر مقدم أَنْتَ الحميد الضار بل والباعث ... والباقي بعد خلقه والوارث وليس في الإمكان يَا جبار ... يكون إلَّا ماله تختار رزاق يَا فتاح يَا كريم ... رشيد يَا مصور حكيم منك السلامة سألت يَا سلام ... يَا هادى واهدنى إلى دار السلام أَحصيت أسماءك وهي الحسنى ... إحصا تعلق سنى أسنى أَرجو به بلوغ كل أمل ... يَا رب واختم لى بخير عمل ثم الصلاة مسكة الختام ... على النبى لبنة التمام والآل والصحب هداة قادة ... للدين من ألقى لهم مقاده وقوله: تباعدت يا مكناسة فتقربى ... ليهنا عيون فيك لى فتقر بى فترعى بمرعاك الشهى مطيتى ... وتحمد اسآدى بها وتأوبى فقد طال ما بيني وبين أحبتى ... وطال بعادى منهم وتغربى وقوله يرثى أخاه العلامة أَبا الحسن على السالف الترجمة: لا تله غيرك أربع وعقار ... وتمتع بمناكح وعقار فالدهر لا يبقى على حى ولا ... فيما جناه تدرك الأوتار ثارت لفقدك يَا أَبا الحسن الرضا ... زفرات مصدور لها آثار أسفا عليك لما بدا وتلهفا ... لورود أمر ما له إصدار ألقيت نفسك في مها وقد هوت ... بالعلم مذ رخص له أسعار

ضيعت عمرك في الفضول ألم تكن ... تزهو ببهجة علمك الأمصار ما كان خصك حين كنت بمجلس ... ترتاده الأسماع والأبصار وترى محاسنك التي لم تحتمل ... إحصاءها الأفواه والأسطار غرتك بالمألوف بارقة المنى ... حتَّى قضيت وما انقضت أوطار ولطالما قطعتك عنا غيبة ... في غير شيء كانت الأسفار فإذا تراءتك العلوم استرجعت ... وتراجعت من صفوفها الأكدار لله ما حملته في شقة ... شقت لها الأطواق والأزرار راعيت ذمة من خدمت ولم يكن ... يرعى الذي تختار ما يختار نظرت لك الآمال شزرا منهم ... وعداك منها الجهر والإسرار قصرت لديهم عنك كل شفاعة ... وتباعد التقريب والإيثار ولكم شفعت وما انتفعت بشافع ... ما هكذا تتكافأ الأحرار أولى فأولى أن يقال وللعلى ... تتطاول الأشباه والأنظار إن يقتلوك فإن قتلك لم يكن ... عارا عليك ورب قتل عار إن يقتلوك أخي فتلك شهادة ... شهدت بصادق وعدها الآثار هب أنهم عدوا لمثلك زلة ... أفلا يقال لمن يحب عثار ما ضرهم فيما أتوا لو أنهم ... منوا ولو قبلوا بدت أعذار لكن مقالة حاسديه أَوجبت ... ما كان لا البينات والإقرار بشر مباشرة بقول لم يزل ... يسمو بشهرته لذاك منار: (شلت يمينك إن قتلت لمسلما ... حلت عليك) بمن قتلت النار

غابت بواكى ميت في غربة ... وجفاه من يغشاه والزوار وكذلك الدنيا متى ما أقبلت ... ولت لها الإقبال والإدبار لو شاء ربى لم يكن شئ ولا ... شمت العدا لما بدا الإضرار ولرب مسرور بمصرعه الذى ... من قبله حكمت به الأقدار إن يشتفى أنى له بالأمن من ... تلك المصارع أم له أنظار والله يفعل ما يشاء في ملكه ... بالحق وهو الفاعل المختار وهو المؤمل أن يصير أخى إلى ... جنات عدن تحتها الأنهار وهو الذي يرجى لكل عظيمة ... ومن استجار به فنعم الجار وهو الذي رفعت إليه ضراعتى ... في غفر ذنبى إنه غفار وهو الذي عم الورى إحسانه ... ما غاضه الإلحاح والإكثار وهو الذي ما زلت أرجو فضله ... لا نال ما أهوى وما أختار وهو الذي أن جيئته أَلفيته ... ما دون ما أملته أستار وبه ندافع ما نخاف من الأذى ... لا ما تحاوله لنا الْأَنصار وبه العناية في المطالب كلها ... ما صرحت أولا به الأشعار نثره: من ذلك ما كتبه تقريظا لشرح صاحبه أبي مدين الفاسى على مؤلف ابن فارس في السيرة النبوية (¬1) بعد الحمدلة: "طالعت هذا المصنف، المقرط المشنف، واستقريت مسائله إلَّا ما شذ، وسبرت وسائله فإذا هو في فعناه فذ، بيانه سحر، وتبيانه شذور نضار يتلألأ منه ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: مسودته من ذخائر المكتبة الزيدانية، عليها تقاريظ جلة علماء ذلك العصر بخطوطهم.

نحو وسحر، توشح بصحاح الأنقال، وترشح لحمل أعباء تلك الأنقال، فامتازت رموز مشروحه، وتمايزت كنوز صروحه ومزجه به فازدادا طربا، وذلك لا محالة شاهدا باتساع عارضة الواضع، وعائد عليه بحسن الذكرى في معارضة تلك المواضع، وقد بين الصبح لذى عين، ما قرت به العين: ونفرح بالمولود من آل برمك ... ولا سيما كان من ولد الفضل فلا يستغرب أحد استحداثه، في سن الحداثة، ولا ميراثه، في هذه الوراثة، فإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، وعلى حد السواء حال من ركب فيه إليه كحال من مشى، والله يرقيه مراقى سلفه الصالح، ويقيه حسد من يرى المفاسد في المصالح، آمين" هـ صح من خطه مباشرة. ولما تُوفِّي أبوه نشأ بينه وبين أخيه أبي العباس أَحْمد المترجم في الأحمدين شحناء نالت من كل منهما فكتب المترجم إليه: "ألا إن لله تعالى ألطافا موطأة الأكناف، كفيلة بالائتلاف بلا خلاف، تقوض أوتاد الفتن، وتحسم شأفة هاتيك الإحن، وحيتئذ فحظ أخيك، منك حظ من عاوده الشباب، بعد أَن هرم وشاب، فهل لك في الحسنى، والسبق إلى ما هو أسنى، تميل إليك الأهواء، وتغتبط بك الآراء، ولو لم يكن فيه، الأسد فيه، وقد أسمع المكروه غير مرة، وتجرع من سخف القول حلوه ومره. لكان كافيًا أن تطوى عنه تلك الشقة. وأن يغلق إذا لم تكن مما فات كل ما عليه حقه، إلى ما خص به من بني جنسه، مما لو فصل لقيل يقرئك السلام مادح نفسه. على أنى إن صدعت بالحق فلى أسوة حسنة في النبى الصالح يوسف بن يعقوب بن إبراهيم في قوله اجعلني على خزائن الأرض إنِّي حفيظ عليم، وما ظنك بمن تراه أعاديه في نحورها شجى يغص به منهم الظاعن والمقيم، وفى داخل

عيونها قذى معوجا لا يكاد يستقيم، فرأيك في الرجوع إلى التناصف موفق إن شاء الله، ومتعين يصلح به المرء دينه ودنياه، عدولا عن أحدوثة نزع إليها البين وشيعها. والرحم كما علمت تدعو على من قطعها، ثم إنك وإن خاطبتك الخطط الإمامية، واختصت بإيثارك الحظوة الهمامية، لا جرم أن الله أراد دون عمرو خارجة، فغير لائق أن تنافس في داخلة أو خارجة، لكن المباهاة بما يخوله الإنسان بطر. والإعجاب به معرضة لانتباه القضاء والقدر، وإلا فكيف أحسده الاستنان بذلك المضمار، وقد علمت أنَّه معصم لم يكن الله ليدعه بغير سوار. مع أنى عبد الله ضربت لا محالة في ذلك بسهم على أنف من يأباه ورغم، ومن البُخَارِيّ على السنة العامة، وأمثالهم السائرة المطردة العامة، قولهم من أخذ بالإصبع فقد أخذ بكل اليد، وما خالف قط في هذا أحد، هذا ولم يجدنى في رتبة فأقامنى منها, ولا في خطة فعزلنى عنها، ففيم الرجم بالغيب، والغضب من لا شيء غاية العيب بلا ريب. فتلاف قبل التلف أوامرك، ولا تخذل بعد المصيبة بالسلف ناصرك، فأخوك أخوك لا تغرك الأصحاب، وابن أبيك لا تجد سواه لمواطن صعبة المسالك ضيقة الرحاب، فبعد النوم الانتباه، وبعد السكر الصحو الرافع للاشتباه، فشد عليه يد الضنين، واحرص عليه حرص اللثيم على تحصيل العين: بع بين النَّاس فإنى ... خلف ممن تبيع واتخذنى لك درعا ... قلصت عنه الدروع وارم بى كل عدو ... إننى السهم السريع فمثلك من دعى إلى مكرمة فأجاب، وكشف ظلمة هذا الليل المنجاب، وبقاؤك على هذه الحال، القائدة لحوادث شديدة المحال، والاستماع لكثرة القيل والقال، شأن ضعفة العقول من النساء والرجال، مما يفسد السريرة، ويطمس

البصيرة؛ وفيه مع النساء والرجال، مما يفسد السريرة، ويطمس البصيرة، وفيه مع ذلك على كلنا أو جلنا مطعن غير خفي، ومغمز لا يرضاه مؤمن تقى، وبالجملة ما أرى لي ولك مثلا إلَّا قول شاعر بنى زبيد: أُريد حياته ويريد قتلى ... عذيرك من خليلك من مراد وانظر ما أوصى به عبد الملك بنيه، الفائزين بشرف الخلافة دون سائر ذويه: أنفوا الضغائن بينكم وتواصلوا ... عند الأباعد والحضور المشهد فصلاح ذات البين طول بقائكم ... ودماركم بتقاطع وتهدد فلمثل هذا البين أَلْف بينكم ... بتعاطف وتراحم وتود حتَّى تلين جلودكم وقلوبكم ... لمسود منكم وغير مسود إن القداح إذا جمعن فرامها ... بالكسر ذو حنق وبطش أيد عزت فلم تكسر وإن هي بددت ... فالوهن والتكسير للمتبدد ثم كتابي هذا وإن كان جهم المحيا لا يهمك أمره، فقد حسنت طويته وانطلق بعد بشره، وغير جميل أن يرى مضيع الحقوق، مقابلا بره بعقوق، وربنا سبحانه هو المسئول في جبر هذا الصدع، واستصلاح ما في هذه الأرجام من الفرع، بقوته وحوله، ومنته وطوله. والسلام". قال: فاستمر على حاله يتكاشح ويتكاشر، ويعبس في وجه الرَّحم الموصولة ولا يتباشر، فلما زال ما بينهما قال: ثم إن الله تعالى أَلْف بينى وبينه. وأقر بالألفة عينى وعينه، إلى أن صار إلى رحمة الله تعالى والقلوب سليمة من المخائف، وشتان ما بين الآمن من تلك القطيعة والخائف، وكانت وفاته رحمه الله بعد وفاة أخى سيدى على بنحو الشهر.

وفراق الأحباب من أعظم مصائب الدهر، فعظم بفقدهما المصاب، وتجرع سائر ذويهما من ذلك الحادث العلقم والصاب، إلَّا أن المصيبة كانت بسيدى على أشد، فإنَّه رحمه الله بلغ منه الامتحان الأشد، انقطع لبعض الملوك، وانتهج لخدمته سيباق المسلوك، وذلك بعد أن كان يعد في عمار مساجد الله بتدريس العلم، وممن حلاه سبحانه بزينة القبول فيه ورونق الجمع بين بهجة الحفظ وجودة الفهم، ثم جرى عليه قدر أدى إلى قتله، وأفضى إلى حطه عن مراتب مثله، فتنفست الصعداء. وسوت الوحشة منه بين القرباء والبعداء." ثم ذكر مرثيته الرائية السابقة. ومن نثره أيضا قوله في إجازته للسيد الطيب بن يوسف ولفظه: الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمَّد نببيه وعبده، وعلى آله وأصحابه، وأشياعه وأحزابه، حملة الشريعة من بعده، وبعد فإن أبهى ما اتسم به الإنسان، وتحلى بتعاطيه القلم واللسان، هذا العلم الذي رفع الله به من أوتيه درجات، وجعل مدار الحق عليه فصار إكسير النجاة. وإن الفقيه النبيه الألمعى الذكى، السيد الطيب بن يوسف ممن كان توخى المثول بين يدي، وأَخذ لهذا العهد من جملة من أخذ على، ثم تاقت نفسه الأبية. وهمته السنية. لطلب الإجازة، لينخرط بذلك في سلك من استجاز شيخه فأجازه، فأسعفته وأنا معترف بالتقصير، عارف بفضل الطَّويل على القصير، ولم يعذرنى بكونى لست في هذا الأمر من هذا القبيل، ولا ممن يجرى سلوك قارعة هذا السبيل، ولما لم تنظر عين رضاه مني هذا الخلل، قلت مكره أخاك لا بطل. فقد أجزته في جمع مقروآتى ومروياتى ومسموعاتى من الشيوخ، الذين كان لهم تقدم في علوم الشريعة ورسوخ، إجازة تامة، مطلقة عامة، على الشرط المقرر. والقانون المحرر، وقد عاينت منه قابلية حصلت له شروط الطلب وأسبابه وجودة قريحة، ونباهة نبهت على فضله صحيحة صريحة، فسلك سبيل من سعد

بعلمه، وتصدى لإصلاح فاسد ثلمه، وتمسك بشريف تلك الأذيال، وفاز بأزهى وأبهى مما احتوت عليه أيدى الإقبال، وأخذ بأثر صالحى الأمة. وصلة في تبليغ دين الله القويم عن جملة الأئمة. والله سبحانه يلهمنا وإياه لتلك المراشد، ويمدنا جميعًا بالتوفيق الراشد هـ. وقوله في إجازة له أُخرى لفظها: الحمد لله المنفرد بالعظمة والكبرياء والجلالة التي أعشت أشعة صمديتها مرآة بصائر الخواص من الأولياء، والصلاة والسلام على سيدنا محمَّد المقتعد بعزته القعساء حقا ذورة الكمال والعلياء، والمبتعث للفوز إكسيرا وللسعادة كيمياء، وعلى الآل والأصحاب ومن انبسط به بسيط تلك الأفنية والرحاب، خير هذه الأمة، ومصابيح دياجيها المدلهمة، حتَّى لو لم يختم الله على النبوة لكان كثير منهم أنبياء، والرضا عن كل من هو لهم تابع، وعقد على عروة هذا الدين المحمدى الوثقى عقد الأصابع، فلهم المنة العظمى بما تناقلوه من أنواره إلى يوم الختم والانتهاء، وبعد فإن هذا الفقيه الجليل القدر، الحسن الذكر، الأجل الأفخم الأوحد الصدر. سيدي على بن ... (¬1) له ذكاء ثاقب واعتناء أعرب في مباديه عن العواقب، كان ممن توخى قبل هذه الأزمنة المثول بين يدي، وتصدى فيمن في سالفها للقراءة بمجلس الدرس لدى. ولهذا العهد تاقت إلى طلب الإجازة له نفس أَبيه، لم تزل على تحصيل حاصل الأمانى حريصة بهمة سنية، فكنت فيمن ألح عليه فيه، وأشار إليه بكلتا يديه وفيه، واستدعى ذلك بما قدم أعلاه، ورقم من ذلك النسيج المحبر في أولاه، وجنى على غراسة أزاهر حديقته، ونظم من نثر بدائعه جواهر حقيقته، فجر على بني جنسه ذيل الإعجاب، وكشف جلباب الإحسان عن خفي مفاخره فانجاب. وكيف وقد عكف منذ أيام طوال، وواظب على طلب العلم مدا أزمان خوال، حتَّى امتطى للمعارف غاربها وسنانها. وأيقظ لاقتناء الفضائل جفونا كان ¬

_ (¬1) مكان النقط بياض بالأصل.

الكسل عن نيل المرام أنامها، فانثنى وهو حميد الوصف، كريم المساعى بما تصعد إليه على شفا ذلك الجرف. فليكن لى بذمامه عرفان، ولزمام مواخاته ومصافاته طرفان، وبحسب ذلك تعين على من عين التوفية بالجواب، والحر لو دعى إلى طعنة لأجاب، وإلا فما أنا وذاك، وما كان أحقه أن يقال، له في حق نفسي لقد أبعدت مرماك، فقد استسمنت غير سمين، واستمسكت بعرى حبل غير متين، وآويت منه إلى ركن غير حصين. ولما لم يعفنى مما طلب، وكلفنى فوق الطاقة بما غلب. وعاينت حسن ظنه وجميله، وعين الرضا عن كل عيب كليلة، وأنى لي بعبور ذلك المجاز، وأنا لست بأهل لأن أُجاز، على الحقيقة لا المجاز. تمثلت بقول القائل: ولست بأهل أن أُجاز وإنما ... قضى الوقت يرقى الدون مرقى الأكابر وقلت إسعافا لمراده الذي لا يخالف، قد أجزته ولكن على الشرط المألوف المتعارف، إجازة تامة، مطلقة عامة، في كل ما سمعه منى وفى غيره من مسموع ومقروء ومروى مما سمعته وقرأته ورويته عن مشايخى، الذين كان وقف عليهم الاختيار، وقضى بتقدمهم وتقديمهم التمحيص والاختبار، والله يجعلنا وإياه ممن سعد بعلمه، ووسعه من الله سبحانه دائرة حلمه، ويختم على الجميع بالحسنى، ويجعل مآبنا ومثابنا المقر الأسنى. ولادته: كانت ولادته كما قال هو عن نفسه في فهرسته بفاس القرويين في يوم الخميس لخمس بقين من شهر شعبان سنة ثلاث ومائة وألف. وفاته: تُوفى بمكناس يوم الجمعة تاسع عشرى جمادى الثَّانية، عام ثمانية وسبعين ومائة وألف، ودفن بضريح أبي العباس أَحْمد بن خضر، عن خمس وسبعين سنة رحم الله الجميع بمنه.

فهرس مصادر التحقيق

فهرس مصادر التحقيق

- إتحاف المطالع لابن سودة في موسوعة أعلام المغرب، دار الغرب الإِسلامى 1996 م. - الإحاطة في أخبار غرناطة للسان الدين ابن الخَطيب، طبعة الخانجى، القاهرة 2001 م. - الاستبصار في عجائب الأمصار لمؤلف مجهول، بغداد. - الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، دار الكتاب، الدار البيضاء 1997 م. - الإصابة في تمييز الصَّحَابَة لابن حجر، دار نهضة مصر، الفجالة، القاهرة 1970 م. - الإعلام بمن غير لعبد الله الفاسى في موسوعة أعلام المغرب، دار الغرب الإِسلامى 1996 م. - التقاط الدرر للقادرى، دار الآفاق الجديدة، بيروت 1982 م. - بغية الوعاة للسيوطى، طبعة الخانجى، القاهرة 2004 م. - تاريخ الإِسلام ووفيات المشاهير للذهبي، دار الكتاب العربي، بيروت 1987 م. - تاريخ ابن خلدون، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة 2007 م. - التبر المسبوك في ذيل السلوك للسخاوى، مطبعة دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة 2002 م. - تذكرة المحسنين لعبد الكبير الفاسى في موسوعة أعلام المغرب، دار الغرب الإِسلامى 1996 م.

- تقريب التهذيب لابن حجر، مؤسسة الرسالة، بيروت 1996 م. - التكملة لكتاب الصلة لابن الأبار، طبعة دار الفكر، بيروت، 1995 م. - توشيح الديباج وحلية الابتهاج للقرافى، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة 2004 م. - جذوة الاقتباس في ذكر من حل من الأعلام مدينة فاس للمكناسى، الرباط 1973 م. - جمهرة أنساب العرب لابن حزم، دار المعارف بمصر 1971 م. - حسن القِرى في أودية أم القُرى لجار الله ابن قد، طبعة مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة 2001 م. - حسن المحاضرة للسيوطى، الخانجى، القاهرة 2007 م. - حياة الحيوان للدميرى، دار إحياء التراث العربي، بيروت. - خلافة الأثر في أعيان القرن الحادى عشر للمحبى، دار صادر، بيروت. - درة الحجال في أسماء الرجال لابن القاضى المكناسى، طبعة مكتبة دار التراث، القاهرة 1972 م. - دوحة الناشر لمحمد بن عسكر في موسوعة أعلام المغرب، دار الغرب الإِسلامى 1996 م. - الديباج المذهب لابن فرحون، طبعة مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة 2002 م. - الذيل والتكملة لكتابى الموصول والصلة للمراكشى، دار الثقافة، بيروت. - رحلة العبدي، الرباط، 1968 م.

- الروض الهتون في أخبار مكناسة الزيتون لابن غازى، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة 2007 م. - سَلّ النصال لابن سودة في موسوعة أعلام المغرب. - شجرة النور الزكية في طبقات المالكية لمحمد بن مخلوف، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة 2007 م. - شرف الطالب في أسنى المطالب لابن قنفذ في موسوعة أعلام المغرب، دار الغرب الإِسلامى 1996 م. - صبح الأَعمش في صناعة الإنشا للقلقشندى، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب، القاهرة 1963 م. - صلة الصلة لابن الزبير، الرباط 1937 م، ومطبعة وزارة الأوقاف والشئون الإِسلامية بالمغرب 1993 م. - الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوى، نشر مكتبة القدسى 1353 هـ. - طبقات الأمم لصاعد الأَنْدلسى، دار المعارف بمصر. - الطبقات الكبرى للسبكى، القاهرة 1964 م. - عجائب المخلوقات للقزوينى، مكتبة الأسرة، القاهرة 2006 م. - عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية للغبرينى، بيروت 1969 م. - القاموس المحيط للفيروزابادى، الدار العربية للكتاب 1980 م. - الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة للذهبي، دار الكتب الحديثة، القاهرة 1972 م.

- كتاب الطبقات الكبير لابن سعد، طبعة الخانجى، القاهرة 2001 م. - كفاية المحتاج لمعرفة من ليس في الديباج للتنبكتى، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة 2004 م. - لسان الميزان لابن حجر، دار إحياء التراث الإِسلامى، بيروت 2001 م. - لقط الفرائد للمكناسى في موسوعة أعلام المغرب، دار الغرب الإِسلامى 1996 م. - مختصر تاريخ دمشق لابن منظور، دار الفكر بدمشق 1984 م. - المرقبة العليا للنباهى، بيروت. - المسالك والممالك للبكرى، طبعة دار الكتاب العربي 1992 م. - معجم البلدان لياقوت، دار صادر، بيروت 1977 م. - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، القاهرة. - المقتضب من تحفة القادم لابن الأبار، دار الكتاب المصرى، القاهرة 1989 م. - مقدمة ابن خلدون، مكتبة الأسرة، القاهرة 2006 م. - ملء العيبة لابن رشيد، الدار التونسية للنشر 1982 م. - نزهة المشتاق للإدريسى، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة. - نشر المثاني لأهل القرن الحادى والثاني للقادرى في موسوعة أعلام المغرب. - نظم العقيان في أعيان الأعيان للسيوطى، المطبعة السورية الأمريكية بنيويورك 1927 م.

- نفاضة الجراب في علالة الاغتراب للسان الدين بن الخَطيب، دار الكاتب العربي، القاهرة. - نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب للمقرى، بيروت 1968 م. - نيل الابتهاج بتطريز الديباج للتنبكتى، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة 2003 م. - الوافى بالوفيات للصفدى، تصدرها جمعية المستشرقين الألمانية، بيروت 1962 فما بعدها. - وصف إفريقيا لابن الوزان الزياتى، مكتبة الأسرة، القاهرة 2005 م. - وفيات ابن قنفذ، دار الآفاق الجديدة، بيروت 1983 م. - وفيات الونشريسى في موسوعة أعلام المغرب، دار الغرب الإِسلامى 1996 م. * * *

§1/1