إبطال الحيل لابن بطة

العكبري، ابن بطة

، حَدَّثَ الشَّرِيفُ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَلَوِيُّ الْحَرَّانِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حِمْدَانَ بْنِ طَهَ الْعُكْبَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: بِتَوْفِيقِ اللَّهِ نَسْتَعِينُ، وَلِعَظَمَتِهِ نَسْتَكِينُ، وَبِمَا وَصَّى بِهِ النَّبِيِّينَ مِنْ شَرِيعَتِهِ نَدِينُ، وَنَسْتَهْدِيهِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَى النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: يَا أَخِي، أَلْهَمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ التَّقْوَى، وَجَنَّبَنَا وَإِيَّاكَ الرَّدَى، وَعَصَمَنَا وَإِيَّاكَ مِنْ سُوءِ الْمَذَاهِبِ وَقَبِيحِ الْآرَاءِ، فَقَدْ فَهِمْتُ مَا سَأَلْتَ عَنْهُ، عَنْ حَالِ رَجُلٍ ذَكَرْتَ أَنَّهُ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ ثَلَاثًا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا مُسْلِمًا بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَجْلِ خُصُومَةٍ جَرَتْ بَيْنَهُمَا: أَنَّهُ اسْتَفْتَى بَعْضَ الْفُقَهَاءِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُطَالِبَ

زَوْجَتَهُ بِأَنْ تَخْتَلِعَ مِنْهُ عَلَى عِوَضٍ تُعْطِيهِ مِنْ مَالِهَا، فَإِذَا قَبِلَ الْفِدْيَةَ خَلَعَهَا بِتَطْلِيقَةٍ لِتُسْقِطَ الْيَمِينَ، ثُمَّ يَعُودُ فِي الْوَقْتِ فَيَخْطُبُهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَيَتَزَوَّجُهَا تَزْوِيجًا جَدِيدًا، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْوَفَاءُ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ. وَسَأَلْتَ عَنْ صِحَّةِ الْفَتْوَى، وَهَلْ لَهَا مَخْرَجٌ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؟ وَأَصْلٌ ثَابِتٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ الرَّبَانِيِّينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟ وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ مَنْ قَدْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْفَتْوَى فِي النَّوَازِلِ يُعَلِّمُ مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ ثَلَاثًا لِيَفْعَلَنَّ شَيْئًا لَا يَحِلُّ لَهُ فِعْلُهُ، أَوْ يَفْعَلُ شَيْئًا لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ يُؤَدِّي إِلَى صَاحِبِهِ مَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ مِنْ حُسْنِ صُحْبَتِهِ وَإِجْمَالِ عِشْرَتِهِ، فَيَدُلُّهُ عَلَى نَحْوِ الْحِيلَةِ الَّتِي ذَكَرْتَهَا فِي السُّؤَالِ. هَذَا وَإِنِّي رَاجِعٌ إِلَيْكَ بِجَوَابِ مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مَشْرُوحًا مَفْهُومًا، وَلِيَكُونَ عَمَلُكَ بِحَسَبِهِ وَحَذْوُكَ عَلَى قَذَذِهِ

غَيْرَ أَنِّي أُقَدِّمُ أَمَامَ الْقَوْلِ، وَأَبْدَأُ قَبْلُ الْجَوَابِ عَنْ مَسْأَلَتِكَ بِذِكْرِ صِفَةِ الْفَقِيهِ الَّذِي يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ وَالْفَزَعُ إِلَيْهِ عِنْدَ الْمُشْكِلَاتِ، وَالِانْقِيَادُ إِلَى طَاَعتَهِ عِنْدَ نُزُولِ الْمُعْضِلَاتِ وَحُلُولِ الشُّبُهَاتِ، ثُمَّ أُتْبِعُ ذَلِكَ بِالْجَوَابِ عَمَّا سَأَلْتَ عَنْهُ، فَإِنِّي رَأَيْتُ هَذَا الِاسْمَ قَدْ كَثُرَ الْمُتَسَمُّونَ بِهِ مِنْ عَامَّةِ النَّاسِ وَكَافَّتِهِمْ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّ الْبَصَائِرَ قَدْ عُشِيَتْ، وَالْأَفْهَامَ قَدْ صَدَأَتْ وَأُبْهِمَتْ عَنْ مَعْنَى الْفِقْهِ مَا هُوَ؟ وَالْفَقِيهُ مَنْ هُوَ؟ فَهُمْ يُعَوِّلُونَ عَلَى الِاسْمِ دُونَ الْمَعْنَى، وَعَلَى الْمَنْظَرِ دُونَ الْجَوْهَرِ. وَلِذَلِكَ قَالَ عُلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ حِينَ وَصَفَ الْمُتَجَاسِرَ عَلَى الْفَتْوَى بِغَيْرِ عِلْمٍ: «سَمَّاهُ النَّاسُ عَالِمًا وَلَمْ يَفْنِ فِي الْعِلْمِ يَوْمًا سَالِمًا»

يوشك أن لا يبقى من الإسلام إلا اسمه , ومن القرآن إلا رسمه , مساجدهم يومئذ عامرة وهي خراب

وَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: §«يُوشِكُ أَنْ لَا يَبْقَى مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا اسْمُهُ , وَمِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا رَسْمُهُ , مَسَاجِدُهُمْ يَوْمَئِذٍ عَامِرَةٌ وَهِيَ خَرَابٌ مِنَ الْهُدَى , عُلَمَاؤُهُمْ شَرُّ مَنْ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ , مِنْ عِنْدِهِمْ تَخْرُجُ الْفِتْنَةُ , وَفِيهِمْ -[6]- تَعُودُ» حَدَّثَنِيهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ الْفَامِيُّ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الدَّقِيقِيُّ , حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ , قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دُكَيْنٍ , حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ , عَنْ أَبِيهِ , عِنْ جَدِّهِ , عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ. وَسَأَنْعَتُ لَكَ مَعْنَى الْفِقْهِ وَالْفَقِيهِ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ وَالشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ نَعْتًا جَامِعًا مِنَ الشَّهَادَةِ الْمُقْنِعَةِ وَالدَّلَالَةِ الشَّافِيَةِ. مُخْتَصِرًا ذَلِكَ وَمُقْتَصِرًا عَلَى بَعْضِ الرِّوَايَةِ دُونَ النِّهَايَةِ وَمُلَخَّصَهُ مِنَ الدِّرَايَةِ , بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ تَلْخِيصًا يَأْتِي عَلَى مَا وَرَاءَهُ وَيُغْنِي عَمَّا سِوَاهُ. فَأَمَّا الْفِقْهُ فِي اللِّسَانِ الْفَصِيحِ , فَمَعْنَاهُ: الْفَهْمُ. تَقُولُ: فُلَانٌ لَا يَفْقَهُ قَوْلِي , أَيْ: لَا يَفْهَمُ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44] أَيْ: لَا تَفْهَمُونَ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة: 122] أَيْ: لِيَتَفَهَّمُوهُ فَيَكُونُوا عُلَمَاءَ بِهِ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: فُلَانٌ لَا يَفْقَهُ وَلَا يَنْقَهُ , مَعْنَاهُ: لَا يَفْهَمُ وَلَا يَعْلَمُ -[7]-. وَنَجِدُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَدَبَنَا إِلَى تَوْحِيدِهِ , وَالْمَعْرِفَةِ بِعَظِيمِ قُدْرَتِهِ , بِمَا دَلَّنَا عَلَيْهِ مِنْ بَدِيعِ صَنْعَتِهِ , وَعَجِيبِ حِكْمَتِهِ , وَمَا أَسْبَغَ عَلَيْنَا مِنْ نِعْمَتِهِ , ثُمَّ أَخْبَرَنَا أَنَّهُ إِنَّمَا أَظْهَرَ هَذِهِ الْمُعْجِزَاتِ , وَفَصَّلَ هَذِهِ الْآيَاتِ , لِلْفُقَهَاءِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ فَهَمُّوا عَنْهُ , وَفَقِهُوا مُرَادَهُ , فَجَازَ أَنْ يَدُلُّوا عَلَيْهِ بِمَا دَلَّهُمْ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ , وَجَازَ أَنْ يَكُونُوا هُمُ النُّصَحَاءَ لِعِبَادِهِ بِمَا نَصَحُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ , فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَصَفَ نَفْسَهُ لِعِبَادِهِ وَعَرَّفَهُمْ رُبُوبِيَّتَهُ , وَدَعَاهُمْ إِلَى تَوْحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ , بِمَا أَشْهَرَ لَهُمْ مِنْ قُدْرَتِهِ , فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} [الأنعام: 95] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [الأنعام: 96] . ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأنعام: 97] . ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} [الأنعام: 98] -[8]-. فَلَمَّا فَقِهُوا عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا عَظَّمَ بِهِ نَفْسَهُ , وَأَخْبَرَ بِهِ مِنْ جَلَالِهِ وَهَيْبَتِهِ , وَنَفاذِ قُدْرَتِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ وَسَطْوَتِهِ , وَمَا وَعَدَ بِهِ مِنْ ثَوَابِهِ , وَتَوَعَّدَ بِهِ مِنْ عِقَابِهِ , وَمُلْكِهِ لِلْأَشْيَاءِ فِي الضُّرِّ وَالنَّفْعِ , وَالْإِعْطَاءِ وَالْمَنْعِ , وَالدَّوَامِ وَالْبَقَاءِ , هَابُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَجَلُّوهُ , وَاسْتَحْيَوُا اللَّهَ وَعَبَدُوهُ , وَخَافُوا اللَّهَ وَرَاقَبُوهُ , وَذَلِكَ لِمَا فَقِهُوا عَنْهُ مِنْ عَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ وَعَظِيمِ رُبُوبِيَّتِهِ , وَلَصِقَ مَا فَقِهُوا عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِقُلُوبِهِمْ فَأَزْعَجَهَا , وَعَنْ جَمِيعِ مَكَارِهِ اللَّهِ بَاعَدَهَا , وَعَلَى مَا يُرْضِيهِ حَرَّكَهَا وَأَذَابَهَا , وَمِنْ مُخَالَفَتِهِ أَوْجَلَهَا وَأَرْهَبَهَا , فَعِنْدَ ذَلِكَ أَضَافَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى نَفْسِهِ فِيمَا شَهِدَ لَهَا بِالْإِلَهِيَّةِ فَقَالَ: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} . ثُمَّ رَفَعَهُمْ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ فَقَالَ: {يَرْفَعُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] . وَقَالَ: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [الأنعام: 83] . قِيلَ: بِالْعِلْمِ -[9]-. فَهُمْ صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ , وَأَهْلُ نُورِهِ فِي بِلَادِهِ , اصْطَفَاهُمُ اللَّهُ لِعِلْمِهِ , وَاخْتَارَهُمْ لِنَفْسِهِ , وَعَرَّفَهُمْ حَقَّهُ , وَدَلَّهُمْ عَلَى نَفْسِهِ , فَأَقَامَ بِهِمْ حُجَّتَهُ , وَجَعَلَهُمْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ , ذُبَّابًا عَنْ حَرَمِهِ , نُصَحَاءَ لَهُ فِي خَلْقِهِ , فَارِّينَ إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ , فَلِذَلِكَ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِمَسْأَلَتِهِمْ , وَالنُّزُولِ عِنْدَ طَاعَتِهِمْ , فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] . ثُمَّ أَلْصَقَ طَاعَتَهُمْ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] , قَالَ الْفُقَهَاءُ: كَذَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ. حَدَّثَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ , حَدَّثَنَا الْحَسَّانِيُّ , حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ , عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ , عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ , بِذَلِكَ -[10]-. فَطَاعَتُهُمْ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ وَاجِبَةٌ , وَمَعْصِيَتُهُمْ مُحَرَّمَةٌ , مَنْ أَطَاعَهُمْ رَشَدَ وَنَجَا , وَمَنْ خَالَفَهُمْ هَلَكَ وَغَوَى , هُمْ سَرْجُ الْعِبَادِ , وَمَنَارُ الْبِلَادِ , وَقَوَامُ الْأُمَمِ , وَيَنَابِيعُ الْحِكَمِ , فِي كُلِّ وَقْتٍ وَزَمَنٍ , وَصَفَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْخَشْيَةِ وَالِاعْتِبَارِ , وَالزُّهْدِ فِي كُلِّ مَا رَغِبَ فِيهِ الْجَهَلَةُ الْأَغْمَارُ , فَقَالَ عَزَّ مَنْ قَائِلٌ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] . وَقَالَ: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43] . وَوَصَفَ قَارُونَ وَخُرُوجَهُ فِي زِينَتِهِ وَمُبَاهَاتَهُ لِأَهْلِ عَصْرِهِ بِمَا أُوتِيَهُ مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا , وَغِبْطَةِ الْجَاهِلِينَ لَهُ الْمُرِيدِينَ مِنْهَا مِثْلَ إِرَادَتِهِ وَتَأَسُّفَهُمْ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ , ثُمَّ دَلَّ عَلَى فَضْلِ الْعُلَمَاءِ وَإِصَابَتِهِمُ الصَّوَابَ بِعُزُوفِ أَنْفُسِهِمْ عَنْ مُلْكِهِ وَزِينَتِهِ وَرِضَاهُمْ بِمَا فَهَمُّوا عَنِ اللَّهِ , وَتَصْدِيقِهِمْ لَهُ فِيمَا وَعَدَ مِنْ جَزِيلِ ثَوَابِهِ وَحُسْنِ مَآبِهِ لِمَنْ آمَنَ بِذَلِكَ وَرَضِيَ بِهِ , فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} [القصص: 76] -[11]-. ثُمَّ قَالَ: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا: يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ: وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [القصص: 80] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ تَخْصِيصًا لِلْعُلَمَاءِ , وَتَفْضِيلًا لِلْفُقَهَاءِ: {وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص: 80] . يَعْنِي: الصَّابِرِينَ عَلَى الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا , رِضَاءً بِاللَّهِ وَبِثَوَابِهِ , وَبِمَا أَعَاضَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ بِهِ وَالْفَهْمِ عَنْهُ , وَبِمَا فَقِهُوا عَنْهُ مَا وَعَدَ بِهِ مَنْ صَبَرَ عَنْهَا , وَلِذَلِكَ يُرْوَى - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - فِي مَعْنَى هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهُّ فِي الدِّينِ»

اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت , من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين سمعت هؤلاء

حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَافْلَانِيُّ , حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مَعْشَرٍ , حَدَّثَنَا وَكِيعٌ , حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ , -[12]- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ , قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ , عَلَى الْمِنْبَرِ: §«اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ , مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» سَمِعْتُ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين

وَحَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَزَّارُ , وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكَشِّيُّ , حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ , حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ , حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»

من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين قال عبيد الله بن محمد شيخنا رضي الله عنه: ولهذا الفقيه

حَدَّثَنَا ابْنُ صَاعِدٍ , حَدَّثَنَا ابْنُ زُنْبُورٍ , حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ , حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ شَيْخُنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَلِهَذَا الْفَقِيهِ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا صِفَاتٌ وَعَلَامَاتٌ وَصَفَهَا الْعُلَمَاءُ , وَأَبَانَتْ عَنْ حَقَائِقِهَا الْعُقَلَاءُ , فَمِنْ صِفَاتِهِ وَعَلَامَاتِهِ:

إنما الفقيه من يخاف الله عز وجل

مَا حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ شُعَيْبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الرَّاجِيَانِ الْكفي , حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ , حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ , حَدَّثَنَا لَيْثٌ , عَنْ مُجَاهِدٍ , قَالَ: §«إِنَّمَا الْفَقِيهُ مَنْ يَخَافُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ»

الفقيه من يخاف الله عز وجل.

وَحَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْكَاذِيُّ , حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي , حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ , عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , قَالَ: §الْفَقِيهُ مَنْ يَخَافُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.

ألا أخبركم بالفقيه , كل الفقيه؟ من لم يقنط الناس من رحمة الله , ولم يؤمنهم من مكر الله ,

حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي سَهْلٍ الْحَرْبِيُّ , حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مَسْرُوقٍ الطُّوسِيُّ , حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ خَاقَانَ النَّحْوِيُّ , ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ الْآدَمَيُّ , حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ , حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ , حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ خُنَيْسٍ , عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ , عَنْ أَبِي هُبَيْرَةَ الْأَنْصَارِيِّ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: §«أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْفَقِيهِ , كُلِّ الْفَقِيهِ؟ مَنْ لَمْ يُقَنِّطِ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ , وَلَمْ يُؤَمِّنْهُمْ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ , وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ فِي مَعَاصِي اللَّهِ , وَلَمْ يَدَعِ الْقُرْآنَ رَغْبَةً عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ»

كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار بالله جهلا

حَدَّثَنَا أَبُو شَيْبَةَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جَعْفَرٍ الْخُوَارِزْمِيُّ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الضَّرِيرُ , حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ , قَالَ: أَنْبَأَنَا الْمَسْعُودِيُّ , عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: §«كَفَى بِخَشْيَةِ اللَّهِ عِلْمًا وَكَفَى بِالِاغْتِرَارِ بِاللَّهِ جَهْلًا»

إن الفقه ليس بكثرة السرد وسعة الهذر وكثرة الرواية , وإنما الفقه خشية الله عز

حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ الْحَرْبِيُّ , حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَسْرُوقٍ , حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حَفْصٍ , حَدَّثَنَا وَكِيعٌ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ , عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ اللَّيْثِيِّ , قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: §«إِنَّ الْفِقْهَ لَيْسَ بِكَثْرَةِ السَّرْدِ وَسَعَةِ الْهَذْرِ وَكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ , وَإِنَّمَا الْفِقْهُ خَشْيَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»

قلت لسعد بن إبراهيم: من أفقه أهل المدينة؟ قال: أتقاهم

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّرِيِّ الْكُوفِيُّ بِالْكُوفَةِ , حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى الدِّهْقَانُ , حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , حَدَّثَنَا ابْنُ مِسْعَرٍ , عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " §قُلْتُ لِسَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: مَنْ أَفْقَهُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؟ قَالَ: «أَتْقَاهُمْ»

إن كمال علم العالم ثلاثة: ترك طلب الدنيا بعلمه , ومحبة الانتفاع لمن يجلس إليه , ورأفته

حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ ثَابِتٍ , حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَرْبِيُّ , حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَسْرُوقٍ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ , حَدَّثَنَا أَبُو بَشِيرٍ , حَدَّثَنِي مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ , قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ الْقُرَشِيِّينَ , قَالَ: " §إِنَّ كَمَالَ عِلْمِ الْعَالِمِ ثَلَاثَةٌ: تَرْكُ طَلَبِ الدُّنْيَا بِعِلْمِهِ , وَمَحَبَّةُ الِانْتِفَاعِ لِمَنْ يَجْلِسُ إِلَيْهِ , وَرَأْفَتُهُ بِالنَّاسِ "

لا يكون العالم عالما حتى تكون فيه ثلاث خصال: لا يحقر من دونه في العلم , ولا يحسد من فوقه

حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ , حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الْعَابِدُ , حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمْرَانِيُّ , قَالَ: قَالَ أَبُو حَازِمٍ: §" لَا يَكُونُ الْعَالِمُ عَالِمًا حَتَّى تَكُونَ فِيهِ ثَلَاثُ خِصَالٍ: لَا يَحْقِرُ مَنْ دُونَهُ فِي الْعِلْمِ , وَلَا يَحْسِدُ مَنْ فَوْقَهُ , وَلَا يَأْخُذُ عَلَى عَمَلِهِ دُنْيَا "

سألت الحسن عن مسألة , فقال فيها , فقلت: يا أبا سعيد , يأبى عليك الفقهاء. فقال الحسن:

حَدَّثَنَا ابْنُ صَاعِدٍ , حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ , حَدَّثَنَا سَيَّارٌ , عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ , حَدَّثَنَا مَطَرٌ الْوَرَّاقُ , قَالَ: §سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنْ مَسْأَلَةٍ , فَقَالَ فِيهَا , فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ , يَأْبَى عَلَيْكَ الْفُقَهَاءُ. فَقَالَ الْحَسَنُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مَطَرُ , وَهَلْ رَأَيْتَ بِعَيْنَيْكَ فَقِيهًا قَطُّ؟ وَقَالَ: أَتَدْرِي مَا الْفَقِيهُ؟ الْفَقِيهُ: الْوَرِعُ , الزَّاهِدُ , الْمُقِيمُ عَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لَا يَسْخَرُ بِمَنْ أَسْفَلَ مِنْهُ , وَلَا يَهْزَأُ بِمَنْ فَوْقَهُ , وَلَا يَأْخُذُ عَلَى عِلْمٍ عَلَّمَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ حُطَامًا "

الفقيه: المجتهد في العبادة , الزاهد في الدنيا , المقيم على سنة رسول الله صلى الله عليه

حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْكَاذِيُّ , حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , حَدَّثَنِي أَبِي , حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ , حَدَّثَنَا أَبُو حَمْزَةَ , عَنِ الْحَسَنِ , قَالَ: " §الْفَقِيهُ: الْمُجْتَهِدُ فِي الْعِبَادَةِ , الزَّاهِدُ فِي الدُّنْيَا , الْمُقِيمُ عَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "

من الفقيه؟ قال: الزاهد في الدنيا , الراغب في الآخرة , البصير في دينه , المجتهد في العبادة

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ , حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ , حَدَّثَنِي أَبِي , حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هِلَالٍ , حَدَّثَنَا هِشَامٌ صَاحِبُ الدَّسْتُوَائِيِّ , عَنْ رَجُلٍ , عَنِ الْحَسَنِ , وَقَدْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ , فَأَفْتَاهُ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ , قَالَ فِيهَا الْفُقَهَاءُ غَيْرَ مَا قُلْتَ , قَالَ: فَغَضِبَ الْحَسَنُ وَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ , وَهَلْ رَأَيْتَ فَقِيهًا قَطُّ؟ قَالَ: فَسَكَتَ الرَّجُلُ. قَالَ: فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ , §مَنِ الْفَقِيهُ؟ قَالَ: «الزَّاهِدُ فِي الدُّنْيَا , الرَّاغِبُ فِي الْآخِرَةِ , الْبَصِيرُ فِي دِينِهِ , الْمُجْتَهِدُ فِي الْعِبَادَةِ , هَذَا الْفَقِيهُ»

ما رأيت فقيها قط يداري ولا يماري , إنما يفشي حكمته , فإن قبلت حمد الله , وإن ردت حمد

حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ حَمْزَةُ بْنُ الْقَاسِمِ خَطِيبُ جَامِعِ الْمَنْصُورِ , حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ , حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ , حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , قَالَ: سَمِعْتُ أَيُّوبَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ , يَقُولُ: §" مَا رَأَيْتُ فَقِيهًا قَطُّ يُدَارِي وَلَا يُمَارِي , إِنَّمَا يُفْشِي حِكْمَتَهُ , فَإِنْ قُبِلَتْ حَمِدَ اللَّهَ , وَإِنْ رُدَّتْ حَمِدَ اللَّهَ. قَالَ: وَسَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ فَقِيهًا قَطُّ. وَإِنَّمَا الْفَقِيهُ الزَّاهِدُ فِي الدُّنْيَا , الرَّاغِبُ فِي الْآخِرَةِ , الدَّائِبُ عَلَى الْعِبَادَةِ , الْمُتَمَسِّكُ بِالسُّنَّةِ "

الفقيه , العفيف , المتمسك بالسنة , أولئك أتباع الأنبياء في كل زمان

حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْعَلَاءِ , حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحَكَمِ الْوَرَّاقُ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ , حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ , عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ مَعْقِلٍ , عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ , قَالَ: §«الْفَقِيهُ , الْعَفِيفُ , الْمُتَمَسِّكُ بِالسُّنَّةِ , أُولَئِكَ أَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ فِي كُلِّ زَمَانٍ»

الفقيه الذي يعد البلاء نعمة , والرخاء مصيبة , وأفقه منه من لم يجترئ على الله عز وجل في

حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الرَّاجِيَانِ , حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ فَتْحُ بْنُ شُخْرُفَ , حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خُبَيْقٍ , عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطٍ , قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: §«الْفَقِيهُ الَّذِي يَعُدُّ الْبَلَاءَ نِعْمَةً , وَالرَّخَاءَ مُصِيبَةً , وَأَفْقَهُ مِنْهُ مَنْ لَمْ يَجْتَرِئْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي شَيْءٍ لِعِلَّةٍ بِهِ»

يقال إن الفقيه كل الفقه من فقه في القرآن وعرف مكيدة الشيطان

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ النَّيْسَابُورِيُّ , حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى , حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ , حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْقَاسِمِ , عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَعْقُوبَ , قَالَ: §«يُقَالُ إِنَّ الْفَقِيهَ كُلَّ الْفِقْهِ مَنْ فَقِهَ فِي الْقُرْآنِ وَعَرَفَ مَكِيدَةَ الشَّيْطَانِ»

لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله , ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد

حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ النُّعْمَانِيُّ الْبَاهِلِيُّ , حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ , حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ , حَدَّثَنَا أَيُّوبُ , عَنْ أَبِي قِلَابَةَ , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ , قَالَ: §«لَا يَفْقَهُ الرَّجُلُ كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى يَمْقُتَ النَّاسَ فِي ذَاتِ اللَّهِ , ثُمَّ يَرْجِعَ إِلَى نَفْسِهِ فَيَكُونَ لَهَا أَشَدَّ مَقْتًا»

إن من فقه المرء ممشاه ومدخله ومجلسه

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودٍ السَّرَّاجُ , حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْعَثِ أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيُّ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ , حَدَّثَنَا أَيُّوبُ , عَنْ أَبِي قِلَابَةَ , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ , قَالَ: §«إِنَّ مِنْ فِقْهِ الْمَرْءِ مَمْشَاهُ وَمُدْخَلَهُ وَمَجْلِسَهُ»

إنك لا تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوها , وإنك لا تفقه كل الفقه حتى تمقت الناس في جنب

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْكَاذِيُّ , حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ , حَدَّثَنِي أَبِي , حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ , حَدَّثَنَا أَيُّوبُ , عَنْ أَبِي قِلَابَةَ , قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: §«إِنَّكَ لَا تَفْقَهُ كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى تَرَى لِلْقُرْآنِ وُجُوهًا , وَإِنَّكَ لَا تَفْقَهُ كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى تَمْقُتَ النَّاسَ فِي جَنْبِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , ثُمَّ تَرْجِعَ إِلَى نَفْسِكَ فَتَكُونَ لَهَا أَشَدَّ مَقْتًا مِنْكَ لِلنَّاسِ»

إنما الفقيه الذي أنطقته الخشية وأسكتته الخشية , إن قال قال بالكتاب والسنة , وإن سكت سكت

حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ , حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَصْرٍ الصَّائِغُ , قَالَ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ , يَقُولُ: §«إِنَّمَا الْفَقِيهُ الَّذِي أَنْطَقَتْهُ الْخَشْيَةُ وَأَسْكَتَتْهُ الْخَشْيَةُ , إِنْ قَالَ قَالَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ , وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ , وَإِنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَفَ عِنْدَهُ وَرَدَّهُ إِلَى عَالِمِهِ» قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: أَنَا أَقُولُ - وَاللَّهُ الْمَحْمُودُ - هَذِهِ صِفَةُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ , فَيَا وَيْحَ مَنْ يَدَّعِي مَذْهَبَهُ , وَيَتَحَلَّى بِالْفَتْوَى عَنْهُ , وَهُوَ سَلَمٌ لِمَنْ حَارَبَهُ , عَوْنٌ لِمَنْ خَالَفَهُ , اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى وَحْشَةِ هَذَا الزَّمَانِ.

إنا لنجالس الرجل فنرى أن به عيا وما به عي , وإنه لفقيه مسلم. قال وكيع: أسكتته

حَدَّثَنَا أَبُو شَيْبَةَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ بَكْرٍ الْخُوَارِزْمِيُّ , حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , حَدَّثَنَا وَكِيعٌ , حَدَّثَنَا سُفْيَانُ , عَنْ يُونُسَ , عَنِ الْحَسَنِ , قَالَ: §" إِنَّا لَنُجَالِسُ الرَّجُلَ فَنَرَى أَنَّ بِهِ عِيًّا وَمَا بِهِ عِيُّ , وَإِنَّهُ لَفَقِيهٌ مُسْلِمٌ. قَالَ وَكِيعٌ: أَسْكَتَتْهُ الْخَشْيَةُ "

كنت أسأل الشعبي فيعرض عني ويجبهني بالمسألة. قال: فقلت: يا معشر العلماء. تزوون عنا

حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْبَزَّارُ , حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ , حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى , حَدَّثَنَا حَكَّامٌ , حَدَّثَنَا عِيسَى أَبُو مُعَاذٍ , عَنْ لَيْثٍ , قَالَ: " §كُنْتُ أَسْأَلُ الشَّعْبِيَّ فَيُعْرِضُ عَنِّي وَيَجْبَهُنِي بِالْمَسْأَلَةِ. قَالَ: فَقُلْتُ: يَا مَعْشَرَ الْعُلَمَاءِ. تَزْوُونَ عَنَّا أَحَادِيثَكُمْ وَتَجْبَهُونَنَا بِالْمَسْأَلَةِ؟ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: يَا مَعْشَرَ الْعُلَمَاءِ , يَا مَعْشَرَ الْفُقَهَاءِ لَسْنَا بِعُلَمَاءَ وَلَا فُقَهَاءَ , وَلَكِنَّنَا قَوْمٌ سَمِعْنَا حَدِيثًا فَنَحْنُ نُحَدِّثُكُمْ بِمَا سَمِعْنَا , إِنَّمَا الْفَقِيهُ مَنْ وَرِعَ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ , وَالْعَالِمُ مَنْ خَافَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ "

استفتى رجل الشعبي فقال: أيها العالم أفتني. فقال: إنما العالم من يخاف

حَدَّثَنَا أَبُو شَيْبَةَ , حَدَّثَنَا الْحَسَّانِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ , عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ , قَالَ: " §اسْتَفْتَى رَجُلٌ الشَّعْبِيَّ فَقَالَ: أَيُّهَا الْعَالِمُ أَفْتِنِي. فَقَالَ: إِنَّمَا الْعَالِمُ مَنْ يَخَافُ اللَّهَ "

وما يعقلها إلا العالمون} [العنكبوت: 43] فقال: العالم الذي عقل عن الله أمره فعمل بطاعة

حَدَّثَنَا أَبُو طَلْحَةَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْفَزَارِيُّ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْأَزْدِيُّ , حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ الْمُحَبَّرِ , حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ , عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاءٍ , وَأَبِي الزُّبَيْرِ , عَنْ جَابِرٍ , أَنَّهُ تَلَا: " {§وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43] فَقَالَ: «الْعَالِمُ الَّذِي عَقَلَ عَنِ اللَّهِ أَمْرَهُ فَعَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَاجْتَنَبَ سَخَطَهُ»

ليس العلم للمرء بكثرة الرواية ولكن العلم الخشية

حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ , مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ , حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ أَبِي الْعَلَاءِ الْكُوفِيُّ , حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ يَزِيدَ الْبَحْرَانِيُّ , حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ , حَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ , عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: §«لَيْسَ الْعِلْمُ لِلْمَرْءِ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ وَلَكِنَّ الْعِلْمَ الْخَشْيَةُ»

خرجنا مع سفيان بن عيينة إلى منى في جماعة فيهم أبو مسلم المستملي , فقال سفيان في بعض ما

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي دَارِمٍ الْكُوفِيُّ , حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَزِيدَ الرَّازِيُّ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الرَّازِيُّ , حَدَّثَنِي مُقَاتِلُ بْنُ مُحَمَّدٍ , قَالَ: §" خَرَجْنَا مَعَ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ إِلَى مِنًى فِي جَمَاعَةٍ فِيهِمْ أَبُو مُسْلِمٍ الْمُسْتَمْلِي , فَقَالَ سُفْيَانُ فِي بَعْضِ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ: الْعَالِمُ بِاللَّهِ الْخَائِفُ مِنَ اللَّهِ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ: فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ , وَمَنْ لَمْ يُحْسِنِ الْعِلْمَ وَالْخَوْفَ مِنَ اللَّهِ فَهُوَ جَاهِلٌ وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ: فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ. الْمُسْلِمُونَ شُهُودُ أَنْفُسِهِمْ عَرَضُوا أَعْمَالَهُمْ عَلَى الْقُرْآنِ فَمَا وَافَقَ الْقُرْآنَ تَمَسَّكُوا بِهِ , وَإِلَّا اسْتَعْتَبُوا مِنْ قَرِيبٍ " قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: مَا أَحْسَنَ هَذَا الْكَلَامَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ. قَالَ: إِنَّهُ وَاللَّهِ أَحْسَنُ مِنَ الدُّرِّ. وَهَلْ الدُّرُّ إِلَّا صَدَقَةٌ

سئل عبد الله بن المبارك: هل للعلماء علامة يعرفون بها؟ قال: علامة العالم من عمل بعلمه ,

حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَخْلَدٍ , حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ , حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى , قَالَ: §سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: هَلْ لِلْعُلَمَاءِ عَلَامَةٌ يُعْرَفُونَ بِهَا؟ قَالَ: عَلَامَةُ الْعَالِمِ مَنْ عَمِلَ بِعِلْمِهِ , وَاسْتَقَلَّ كَثِيرُ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ مِنْ نَفْسِهِ , وَرَغِبَ فِي عِلْمِ غَيْرِهِ , وَقَبِلَ الْحَقَّ مِنْ كُلِّ مَنْ أَتَاهُ بِهِ , وَأَخَذَ الْعِلْمَ حَيْثُ وَجَدَهُ , فَهَذِهِ عَلَامَةُ الْعَالِمِ وَصِفَتُهُ " قَالَ الْمَرُّوذِيُّ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: هَكَذَا هُوَ.

كيف يعرف العالم الصادق؟ فقال: الذي يزهد الدنيا , ويعقل أمر آخرته. فقال: نعم كذا نريد أن

حَدَّثَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ , حَدَّثَنَا الْمَرُّوذِيُّ , قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: قِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ: §كَيْفَ يُعْرَفُ الْعَالِمُ الصَّادِقُ؟ فَقَالَ: " الَّذِي يَزْهَدُ الدُّنْيَا , وَيَعْقِلُ أَمْرَ آخِرَتِهِ. فَقَالَ: نَعَمْ كَذَا نُرِيدُ أَنْ يَكُونَ "

لا نثق للناس بعمل عامل لا يعلم , ولا نرضى لهم بعلم عالم لا يعمل

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودٍ السَّرَّاجُ , حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ زَنْجُوَيْهِ , حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ , قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ , يَقُولُ: §«لَا نَثِقُ لِلنَّاسِ بِعَمَلِ عَامِلٍ لَا يَعْلَمُ , وَلَا نَرْضَى لَهُمْ بِعِلْمِ عَالِمٍ لَا يَعْمَلُ»

من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه وحب الدنيا رأس كل خطيئة وأنا أستغفر الله من اعتذاري

حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي سَهْلٍ الْحَرْبِيُّ , حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَسْرُوقٍ الطُّوسِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْجُنَيْدِ , يَقُولُ: عُوتِبَ بَعْضُ الْعُقَلَاءِ عَلَى تَرْكِهِ الْمَجَالِسَ وَقِيلَ لَهُ: مَا بَالُكَ لَا تَكْتُبُ الْحَدِيثَ؟ فَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُ حَدِيثَيْنِ فَأَنَا مُحَاسِبٌ نَفْسِي بِهِمَا , فَإِذَا أَنَا عَلِمْتُ أَنِّي قَدْ عَمِلْتُ بِهِمَا كَتَبْتُ غَيْرَهُمَا. قِيلَ: وَمَا الْحَدِيثَانِ؟ قَالَ: §«مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» وَ «حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ» وَأَنَا أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنَ اعْتِذَارِي إِلَيْهِ , وَأَشْكُرُهُ عَلَى مَا قَدْ عَرَّفَنِي مِنْ زَلَلِي. فَانْصَرَفُوا وَهُمْ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا رَأَيْنَا أَفْقَهَ مِنْهُ , وَلَا أَشَدَّ مُحَاسَبَةً مِنْهُ لِنَفْسِهِ. قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: أَوْصِنِي. قَالَ: عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ , وَصِدْقِ الْحَدِيثِ , وَتَرْكِ مَا لَا يَعْنِيكَ. ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ

كان الرجل إذا طلب بابا من العلم لم يلبث أن يرى ذلك في تخشعه وبصره ولسانه ويده وزهده

حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْعَلَاءِ , حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ أَبِي السَّفَرِ , حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ , عَنْ زَائِدَةَ , ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ , قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ , حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ , حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ , عَنْ زَائِدَةَ , عَنْ هِشَامٍ , عَنِ الْحَسَنِ , قَالَ: §«كَانَ الرَّجُلُ إِذَا طَلَبَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ يَرَى ذَلِكَ فِي تَخَشُّعِهِ وَبَصَرِهِ وَلِسَانِهِ وَيَدِهِ وَزُهْدِهِ وَصَلَاحِهِ وَبَدَنِهِ , وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَطْلُبُ الْبَابَ مِنَ الْعِلْمِ فَلَهُوَ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»

ينبغي للعالم أن يضع التراب على رأسه تواضعا لله عز وجل

حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْكَاذِيُّ , حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , حَدَّثَنِي أَبِي , ثنا عَفَّانُ , حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ أَيُّوبَ , قَالَ: §«يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يَضَعَ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ تَوَاضُعًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»

العلم إذا لم ينفع ضر

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ النَّحْوِيُّ , حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُبَابِ , حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ الْقَطِيعِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: §«الْعِلْمُ إِذَا لَمْ يَنْفَعْ ضَرَّ»

لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه - يعني للفتوى - حتى يكون فيه خمس خصال: أما أولاها: فأن يكون

حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَجَاءٍ , حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ عِصْمَةُ بْنُ أَبِي عِصْمَةَ , حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَنْطَرِيُّ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ , قَالَ: كَتَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِّي كَلَامًا. قَالَ الْعَبَّاسُ: وَأَمْلَاهُ عَلَيْنَا. قَالَ: §لَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُنَصِّبَ نَفْسَهُ - يَعْنِي لِلْفَتْوَى - حَتَّى يَكُونَ فِيهِ خَمْسُ خِصَالٍ: أَمَّا أُولَاهَا: فَأَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ , فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ نِيَّةٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ نُورٌ وَلَا عَلَى كَلَامِهِ نُورٌ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَيَكُونُ لَهُ خُلُقٌ وَوَقَارٌ وَسَكِينَةٌ. وَأَمَّا الثَّالِثَةُ: فَيَكُونُ قَوِيًّا عَلَى مَا هُوَ فِيهِ وَعَلَى مَعْرِفَتِهِ. وَأَمَّا الرَّابِعَةُ: فَالْكِفَايَةُ , وَإِلَّا مَضَغَهُ النَّاسُ. وَأَمَّا الْخَامِسَةُ: فَمَعْرِفَةُ النَّاسِ " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ: " فَأَقُولُ - وَاللَّهُ الْعَالِمُ -: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَنْعَمَ نَظَرَهُ , وَمَيَّزَ فِكْرَهُ , وَسَمَا بِطَرْفِهِ , وَاسْتَقْصَى بِجَهْدِهِ , طَالِبًا خَصْلَةً وَاحِدَةً فِي أَحَدٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَالْمُتَصَدِّرِينَ لِلْفَتْوَى فِيهَا لَمَا وَجَدَهَا. بَلْ لَوْ أَرَادَ أَضْدَادَهَا وَالْمَكْرُوهَ وَالْمَرْذُولَ مِنْ سَجَايَا دَنَاءَةِ النَّاسِ وَأَفْعَالِهِمْ فِيهِمْ لَوَجَدَ ذَلِكَ مُتَكَاثِفًا مُتَضَاعِفًا. وَاللَّهَ نَسْأَلُ صَفْحًا جَمِيلًا وَعَفْوًا كَثِيرًا.

لا يجوز أن ينصب نفسه للفتوى , ولا يجوز أن يستفتى إلا الموثوق في عفافه وعقله وصلاحه ودينه

حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ , قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ , عَنْ أَخِيهِ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: أَدْرَكْتُ الْفُقَهَاءَ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُونَ: §لَا يَجُوزُ أَنْ يُنَصِّبَ نَفْسَهُ لِلْفَتْوَى , وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَفْتَى إِلَّا الْمَوْثُوقُ فِي عَفَافِهِ وَعَقْلِهِ وَصَلَاحِهِ وَدِينِهِ وَوَرَعِهِ وَفِقْهِهِ وَحِلْمِهِ وَرِفْقِهِ وَعِلْمِهِ بِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَالْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ , عَالِمًا بِالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ , وَبِمَنْ نَقَلَهَا , وَالْمَعْمُولِ بِهِ مِنْهَا وَالْمَتْرُوكِ , عَالِمًا بِوُجُوهِ الْفِقْهِ الَّتِي فِيهَا الْأَحْكَامُ , عَالِمًا بِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ , فَإِنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ رَأْي لَيْسَ لَهُ عِلْمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْأَحَادِيثِ وَالِاخْتِلَافِ. وَلَا صَاحِبُ حَدِيثٍ لَيْسَ لَهُ عِلْمٌ بِالْفِقْهِ وَالِاخْتِلَافِ وَوُجُوهِ الْكَلَامِ فِيهِ , وَلَيْسَ يَسْتَقِيمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلَّا بِصَاحِبِهِ , قَالُوا: وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَالصَّلَاحِ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ إِلَّا أَنَّ طُعْمَتَهُ مِنَ النَّاسِ وَحَاجَاتِهِ مُنَّزَّلَةٌ بِهِمْ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَيْهِمْ , فَلَيْسَ بِمَوْضِعٍ لِلْفَتْوَى , وَلَا مَوْثُوقٍ بِهِ فِي فَتْوَاهُ , وَلَا مَأْمُونٍ عَلَى النَّاسِ فِيمَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ " قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " قَدِ اقْتَصَرْتُ يَا أَخِي - صَانَكَ اللَّهُ - مِنْ صِفَةِ الْفَقِيهِ عَلَى مَا أَوْرَدْتُ , وَكَفَفْتُ عَنْ أَضْعَافِ مَا أَرَدْتُ , فَإِنِّي مَا رَأَيْتُ الْإِطَالَةَ بِالرِّوَايَةِ فِي هَذَا الْبَابِ مُتَجَاوِزَةً مَا قَصَدْنَا مِنْ جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ. نَعَمْ , أَيْضًا وَتَهْجِينٌ لَنَا , وَسُبَّةٌ عَلَيْنَا , وَغَضَاضَةٌ عَلَى الْمَوسُومِينَ بِالْعِلْمِ وَالْمُتَصَدِّرِينَ لِلْفَتْوَى مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا , مَعَ عَدَمِ الْعَالِمِينَ لِذَلِكَ وَالْعَامِلِينَ بِهِ. فَأُسْأَلُ اللَّهَ أَنْ لَا يَمْقُتَنَا فَإِنَّا نَعُدُّ أَنْفُسَنَا مِنَ الْعُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ الْفُهَمَاءِ الْعَارِفِينَ , وَنَحْسَبُ أَنَّا أَئِمَّةٌ مُتَصَدِّرُونَ عِلْمًا وَفُتْيَا , وَقَادَةُ أَهْلِ زَمَانِنَا , وَلَعَلَّنَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْفَاجِرِينَ وَمِنْ شِرَارِ الْفَاسِقِينَ , فَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: " إِنَّا نَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ أَحْسَبُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَسْتَحْسِنُهُ وَلَعَلَّهَا تُعْلِنُ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ أَنَّ قَائِلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. مَنْ شَرُّ النَّاسِ؟ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ غَفْرًا , شَرُّ النَّاسِ الْعُلَمَاءُ إِذَا فَسَدُوا» . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " يُوشِكُ أَنْ لَا يَبْقَى مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا اسْمُهُ , وَمِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا رَسْمُهُ , مَسَاجِدُهُمْ يَوْمَئِذٍ عَامِرَةٌ وَهِيَ خَرِبَةٌ مِنَ الْهُدَى , عُلَمَاؤُهُمْ شَرُّ مَنْ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ , مِنْ عِنْدِهِمْ تَخْرُجُ الْفِتْنَةُ , وَفِيهِمْ تَعُودُ. وَقَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا مَعْشَرَ الْحَوَارِيِّينَ. الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ الدُّنْيَا لَا تَصْلُحُ إِلَّا بِالْمِلْحِ , وَالطَّعَامُ لَا يَطِيبُ إِلَّا بِهِ , فَإِذَا فَسَدَ الْمِلْحُ فَسَدَ الطَّعَامُ وَذَهَبَتِ الْمَنْفَعَةُ بِهِ. وَكَذَلِكَ الْعُلَمَاءُ مِلْحُ الْأَرْضِ، لَا تَسْتَقِيمُ الْأَرْضُ إِلَّا بِهِمْ , وَإِذَا فَسَدَ الْعُلَمَاءُ فَسَدَتِ الْأَرْضُ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: قَدِمَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْكُوفَةَ , فَلَمَّا رَأَى اجْتِمَاعَهُمْ عَلَيْهِ قَالَ: «أَشَنْتُمُ الْعِلْمَ وَأَذْهَبْتُمْ نُورَهُ. لَوْ أَدْرَكَنِي وَإِيَّاكُمْ عُمَرُ لَأَوْجَعَنَا ضَرْبًا» . هَذَا رَحِمَكُمُ اللَّهُ قَوْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِمَنِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ وَهُوَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَابْنُ عُيَيْنَةَ , وَأَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ , وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ , وَنُظَرَاؤُهُمْ. فَمَا ظَنُّكَ بِقَوْلِهِ لَوْ رَأَى أَهْلَ عَصْرِنَا؟ فَنَسْأَلُ اللَّهَ صَفْحًا جَمِيلًا وَعَفْوًا كَبِيرًا. فَيَا طُوبَى لَنَا إِنْ كَانَتْ مُوجِبَاتُ أَفْعَالِنَا أَنْ نُوجَعَ ضَرْبًا فَإِنِّي أَحْسَبُ كَثِيرًا مِمَّنْ يَتَصَدَّرُ لِهَذَا الشَّأْنِ يَرَى نَفْسَهُ فَوْقَ الَّذِي قَدْ مَضَى وَصْفُهُمْ , وَيَرَى أَنَّهُمْ لَوْ أَدْرَكُوهُ لَاحْتَاجُوا إِلَيْهِ وَأَمَّمُوهُ , وَيَرَى أَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ مِنْهُمْ وَالْأَقْوَالَ الْمَأْثُورَةَ عَنْهُمْ كَانَتْ مِنْ عَجْزِهِمِ وَقِلَّةِ عِلْمِهِمْ وَضَعْفِ نَحَائِزِهِمْ. اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ , فَلَقَدْ عِشْنَا لِشَرِّ زَمَانٍ , فَقَدْ:

إذا كنت في زمان يرضى فيه بالقول دون الفعل , والعلم دون العمل , فاعلم بأنك في شر زمان بين

حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ السُّكَّرِيُّ , حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى السَّاجِيُّ , حَدَّثَنَا الْأَصْمَعِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ قَالَ: §«إِذَا كُنْتَ فِي زَمَانٍ يُرْضَى فِيهِ بِالْقَوْلِ دُونَ الْفِعْلِ , وَالْعِلْمِ دُونَ الْعَمَلِ , فَاعْلَمْ بِأَنَّكَ فِي شَرِّ زَمَانٍ بَيْنَ شَرِّ النَّاسِ» وَلَقَدْ رُوِيَ عَنْ حَبْرٍ مِنْ أَحْبَارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ , وَسَيِّدٍ مِنْ سَادَاتِ عُلَمَائِهَا أَنَّهُ قَالَ: مَا أَرَى أَنْ يُعَذِّبَ اللَّهُ هَذَا الْخَلْقَ إِلَّا بِذُنُوبِ الْعُلَمَاءِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: وَمَعْنَى ذَلِكَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْعَالِمَ إِذَا زَلَّ عَنِ الْمَحَجَّةِ وَعَدَلَ عَنِ الْوَاضِحَةِ , وَآثَرَ مَا يَهْوَاهُ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ , وَسَامَحَ نَفْسَهُ فِيمَا تَدْعُوهُ إِلَيْهِ زَلَّ النَّاسُ بِزَلَلِهِ , وَانْهَمَكُوا مُسْرِعَيْنِ فِي أَثَرِهِ , يَقْفُونَ مَسْلَكَهُ وَيَسْلُكُونَ مَحَجَّتَهُ , وَكَانَ مَا يَأْتُونَهُ وَيَرْتَكِبُونَهُ مِنَ الذُّنُوبِ وَحَوبَاتِ الْمَآثِمِ بِحُجَّةٍ , وَعَلَى اتِّبَاعِ قُدْوَةٍ , فَلَا تَجْرِي مَجْرَى الذُّنُوبِ الَّتِي تُمْحَى بِالِاسْتِغْفَارِ , وَمُرْتَكِبُهَا بَيْنَ الْوَجَلِ وَالِانْكِسَارِ , فَالْمُقْتَدُونَ بِهِ فِيهَا كَالسَّفِينَةِ إِذَا غَرِقَتْ غَرِقَ بِغَرَقِهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ وَجَوْهَرٌ خَطِيرٌ , أَضْعَافُ ثَمَنِهَا وَقِيمَتِهَا بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَعُودَ إِلَى جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ وَنَسْتَوْفِقُ اللَّهَ لِصَوَابِ الْقَوْلِ وَصَالِحِ الْأَعْمَالِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَأَمَّا الْحَالِفُ بِالطَّلَاقِ ثَلَاثًا , أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقْتُلَ أَخَاهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحُدَّ لِذَلِكَ حَدًّا , أَوْ يُوَقِّتَ لَهُ وَقْتًا , فَهُوَ غَيْرُ حَانِثٍ , مَا كَانَ مُجْتَهِدًا فِي إِنْفَاذِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ , مَعَ مُوَاظَبَةِ الْأَوْقَاتِ لِمُوَاظَبَةِ عَزْمِهِ , وَتَصْحِيحِ نِيَّتِهِ عَلَى ذَلِكَ. وَفِي إِصْرَارِهِ عَلَى ذَلِكَ وَإِقَامَتِهِ عَلَيْهِ مُبَارَزَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي تَعَدِّي حُدُودِهِ وَمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ وَاسْتِجْلَابِ غَضَبِهِ وَلَعْنَتِهِ , وَالْخُلُودِ فِي أَلِيمِ عَذَابِهِ , فَإِنْ تَلَاوَمَتْ نِيَّتُهُ , أَوْ وَقَفَ عَزْمُهُ , وَحُلَّ عَقْدُ الْإِصْرَارِ مِنْ قَلْبِهِ , عَزَمَ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ أَبَدًا فَسَاعَتُهُ بَانَتِ امْرَأَتُهُ , وَانْقَطَعَتِ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا , وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ , فَلَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. وَفِي تَرَدُّدِهِ فِي يَمِينِهِ وَضَرْبِهِ عَرْضَ الْبِلَادِ وَمُلَاقَاةِ الرِّجَالِ يَلْتَمِسُ الْمَخْرَجَ مِنْ يَمِينِهِ وَالْخَلَاصَ مِنْ حَنَثِهِ مِنْ غَيْرِ الْوَفَاءِ بِيَمِينِهِ مَا دَلَّ عَلَى تَلَاوُمِ نِيَّتِهِ وَوُقُوفِ عَزْمِهِ , وَفُتُورِ قَلْبِهِ عَمَّا كَانَ حَلَفَ عَلَيْهِ , فَصَارَ ذَلِكَ إِلَى صَرِيحِ الْحِنْثِ بِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ الْمُفْتِي: أَنْ تَسْأَلَ امْرَأَتَكَ أَنْ تَفْتَدِيَ مِنْكَ نَفْسَهَا بِشَيْءٍ تُعْطِيكَهُ مِنْ مَالِهَا , فَإِذَا قَبِلَتِ الْفِدْيَةَ طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً , فَانْخَلَعَتْ مِنْكَ وَسَقَطَتْ عَنْكَ الْيَمِينُ الْأُولَى , ثُمَّ اخْطُبْهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَتَزَوَّجْهَا تَزْوِيجًا ثَانِيًا , وَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ مَعَكَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إِنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَا يَجْرِي مَجْرَى الْفَتْوَى , وَلَا يُقَالُ لِقَائِلِهِ مُفْتٍ , وَلَا فَقِيهٌ , لِأَنَّ الْفَتْوَى عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ تَعْلِيمُ الْحَقِّ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ} [النساء: 176] يَقُولُ: يَسْتَعْلِمُونَكَ. قُلِ اللَّهُ يُعَلِّمُكُمُ الْحَقَّ. وَيَدُلُكَ عَلَيْهِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا} [يوسف: 46] . فَالْفَتْوَى هِيَ: تَعْلِيمُ الْحَقِّ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا مَنْ عَلِمَ الْحِيلَةَ وَالْمُمَاكَرَةَ فِي دِينِ اللَّهِ , وَالْخَدِيعَةَ لِمَنْ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ , حَتَّى يُخْرِجَ الْبَاطِلَ فِي صُورَةِ الْحَقِّ , فَلَا يُقَالُ لَهُ مُفْتٍ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ , وَشَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ , فَقَدْ تَيَقَّنَ عِلْمًا , وَعَلِمَ يَقِينًا أَنَّ هَذِهِ حِيلَةٌ لِإِبَاحَةِ مَا حَظَرَهُ اللَّهُ , وَتَوْسِعَةِ مَا ضَيَّقَهُ اللَّهُ , وَتَحْلِيلِ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ , وَلَفْظِ حَقٍّ فِي ظَاهِرِهِ أُرِيدَ بِهِ بَاطِلٌ فِي بَاطِنِهِ. وَقَدْ عَلِمَ الْمُؤْمِنُونِ , وَالْعُلَمَاءُ الرَّبَّانِيُّونَ , وَالْفُقَهَاءُ الدَّيَّانُونَ , أَنَّ الْحِيلَةَ عَلَى اللَّهِ وَفِي دِينِ اللَّهِ لَا تَجُوزُ , وَأَنَّ فَاعِلَهَا مُخَادِعٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ , وَمَا يُخَادِعُ إِلَّا نَفْسَهُ , لَا مَنْ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى , وَيَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ , وَيَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ , وَمَنْ قَالَ: {إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} [آل عمران: 29] . وَمَنْ قَالَ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبَلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] وَمَنْ قَالَ: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمِلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [يونس: 61] قَدْ عَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الْخُلْعَ الَّذِي أَفْتَى بِهِ هَذَا الْمُفْتِي لَيْسَ هُوَ الْخُلْعُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ , وَلَا هُوَ الَّذِي عَلِمَهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ عِبَادِهِ. وَذَلِكَ أَنَّا نَجْدُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَعَلَ الرِّجَالَ قَوَّامِينَ عَلَى النِّسَاءِ , وَجَعَلَ عَقْدَ النِّكَاحِ بِأَيْدِيهِمْ , وَجَعَلَ النِّسَاءَ كَالْعَوَارِي عِنْدَهُمْ. وَلَمَّا جَازَ أَنْ يَقَعَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْقَوْلِ وَالنِّفَارِ وَالْبُغْضِ وَالنَّشَازِ , مَا إِنْ تَعَاشَرَا مَعَهُ خَافَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا الْخُرُوجَ عَنْ أَحْكَامِ الطَّاعَةِ إِلَى شُرُورِ الْمَعْصِيَةِ , وَلَا سَبِيلَ لِلْمَرْأَةِ إِلَى حَلِّ عِصْمَتِهَا بِنَفْسِهَا , وَكَانَ وَجُوبُ الْمَهْرِ عَلَى الزَّوْجِ وَمَا يَخَافُهُ مِنَ الْمُطَالَبَةِ يَمْنَعُهُ مِنْ تَخْلِيَةِ سَبِيلِهَا. جَعَلَ لِذَلِكَ حُكْمًا بَائِنًا مِنَ الْخُلْعِ بِإِعْطَاءِ الْفِدْيَةِ تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ بِهِ نَفْسَهَا , وَيَبْرَأُ الزَّوْجُ بِذَلِكَ مِنْ صَدَاقِهَا. فَأَمَرَ بِالْخُلْعِ وَقَبُولِ الْفِدْيَةِ , وَجَعَلَ ذَلِكَ لِذَلِكَ نَفْسِهِ , وَسَمَّاهُ حَدًّا مِنْ حُدُودِهِ الَّتِي مَنْ تَعَدَّاهَا كَانَ مِنَ الظَّالِمِينَ , فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229] فَجَعَلَ الِاخْتِلَاعَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَثَامًا , وَأَخْذَ الرَّجُلِ مِنْهَا الْفِدْيَةَ حَرَامًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَخَافَتِهِمَا عِصْيَانَ اللَّهِ , وَالْإِقَامَةَ بَيْنَهُمَا عَلَى عِشْرَةٍ فِيهَا تَعَدِّي حُدُودِهِ وَالْمَعْنِي بِالْخُلْعِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ حَالُهَا فِي تِبْيَانِ أَنَّ هَذَا الْحَالِفَ قَدْ وَضَعَ الْخُلْعَ فِي غَيْرِ مَا وَضَعَهُ اللَّهُ وَقَصَدَهُ. {إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 229] : فِيمَا افْتَرَضَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ

لا يحل الخلع إلا أن تقول المرأة لزوجها: إني أكرهك وما أحبك. وقد خشيت أن آثم في جنبك ولا

وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ , حَدَّثَنَا أَبِي , حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ , حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ , عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ , قَالَ: " §لَا يَحِلُّ الْخُلْعُ إِلَّا أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا: إِنِّي أَكْرَهُكَ وَمَا أُحِبُّكَ. وَقَدْ خَشِيتُ أَنْ آثَمَ فِي جَنْبِكَ وَلَا أُؤَدِّيَ حَقَّكَ. وَتَطِيبَ نَفْسًا بِالْخُلْعِ "

لا تحل الفدية ولا يتم الخلع حتى يكون الفساد من قبلها , ولم يكن يقول: لا تحل له حتى تقول:

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ , حَدَّثَنَا أَبِي , حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ , حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ , عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ , عَنْ هِشَامٍ , عَنْ عُرْوَةَ , أَنَّهُ قَالَ: §«لَا تَحِلُّ الْفِدْيَةُ وَلَا يَتِمُّ الْخُلْعُ حَتَّى يَكُونَ الْفَسَادُ مِنْ قِبَلِهَا» , وَلَمْ يَكُنْ يَقُولُ: " لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَقُولَ: لَا أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ , وَلَا أَبَرُّ لَكَ قَسَمًا "

إذا قالت: لا أبر لك قسما , ولا أغتسل لك من جنابة , فحينئذ حل الخلع

حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ , حَدَّثَنَا الْكُدَيْمِيُّ , حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلَابِيُّ , حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي , عَنِ الْحَسَنِ: " §إِذَا قَالَتْ: لَا أَبَرُّ لَكَ قَسَمًا , وَلَا أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ , فَحِينَئِذٍ حَلَّ الْخُلْعُ "

لا يصلح الخلع إلا أن يكون الفساد من قبل المرأة

حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ , حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلَفٍ الضَّبِّيُّ , حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ , حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ , حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: §«لَا يَصْلُحُ الْخُلْعُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْفَسَادُ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ»

لا يصلح الخلع إلا أن يكون الفساد من قبل المرأة

أَخْبَرَنِي أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَجَاءٍ , عَنْ أَبِي عِمْرَانَ مُوسَى بْنِ حَمْدُونَ , حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ , حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ , حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ , عَنْ حَمَّادٍ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ , حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: §«لَا يَصْلُحُ الْخُلْعُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْفَسَادُ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ»

الخلع لا يكون إلا من قبل المرأة لأنها هي المطالبة

قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلٌ , قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: §«الْخُلْعُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُطَالِبَةُ»

متى يجوز الخلع بين الرجل والمرأة ومتى يطيب له أخذ الفدية منها؟ قال: إذا كرهته وعصت الله

حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ , حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَمْرٍو النُّزُلِيُّ , حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّامٍ الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ , حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ , عَنْ صَالِحِ بْنِ صَالِحٍ , قَالَ: قُلْتُ لِعَامِرٍ يَعْنِي الشَّعْبِيَّ: §" مَتَى يَجُوزُ الْخُلْعُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَمَتَى يَطِيبُ لَهُ أَخْذُ الْفِدْيَةِ مِنْهَا؟ قَالَ: «إِذَا كَرِهَتْهُ وَعَصَتِ اللَّهَ فِيهِ»

ما أقام الزوجان على إقامة حدود الله بينهما فالخلع غير جائز , والفدية لا

حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ , حَدَّثَنِي أَبُو الْأَحْوَصِ , حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَرِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ , عَنِ الْحَكَمِ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى , قَالَ: §«مَا أَقَامَ الزَّوْجَانِ عَلَى إِقَامَةِ حُدُودِ اللَّهِ بَيْنَهُمَا فَالْخُلْعُ غَيْرُ جَائِزٍ , -[37]- وَالْفِدْيَةُ لَا تَحِلُّ»

لا يجوز الخلع إلا من الناشز

حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ الْخَصِيبُ , حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِصَامِ بْنِ الْحَكَمِ , حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ أَحْمَدُ بْنُ الْفُرَاتِ الْأَصْبَهَانِيُّ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ , حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ , عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ , وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ , قَالُوا: §«لَا يَجُوزُ الْخُلْعُ إِلَّا مِنَ النَّاشِزِ»

إذا كان من قبلها فلا بأس , وإذا كان من قبله فلا، ولا نعمى عين

حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى , حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ , حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى , حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: §«إِذَا كَانَ مِنْ قِبَلِهَا فَلَا بَأْسَ , وَإِذَا كَانَ مِنْ قِبَلِهِ فَلَا، وَلَا نُعْمَى عَيْنٍ»

إذا كان من قبلها فلا بأس , وإذا كان من قبله فلا

حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى , حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ , حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ , حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى , حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ , عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , قَالَ: §«إِذَا كَانَ مِنْ قِبَلِهَا فَلَا بَأْسَ , وَإِذَا كَانَ مِنْ قِبَلِهِ فَلَا»

لا يجوز الخلع حتى يكون من قبل المرأة , وإذا كان من قبل الرجل لم يتم

حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى , حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ , حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ , حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ , قَالَ: §«لَا يَجُوزُ الْخُلْعُ حَتَّى يَكُونَ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ , وَإِذْا كَانَ مِنْ قِبَلِ الرَّجُلِ لَمْ يَتِمَّ»

فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 229] قال: ذلك في

حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ , حَدَّثَنَا الْكُدَيْمِيُّ , حَدَّثَنَا بَكَّارٌ اللَّيْثِيُّ , حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , عَنِ الْحَسَنِ , فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {§فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] قَالَ: " ذَلِكَ فِي الْخُلْعِ إِذَا قَالَتْ: وَاللَّهِ لَا أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: " فَهَذِهِ أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَفُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ مُوَافَقَةٌ كُلُّهَا لِمَا أُنْزِلَ بِهِ الْقُرْآنُ , مُخَالِفَةٌ لِمَا أَفْتَى بِهِ الْمُفْتِي , مُنَافِيَةٌ لَهُ. وَأَوْضَحَ ذَلِكَ وَصَحَّحَتْهُ السُّنَّةُ الَّتِي فَسَّرَتِ الْكِتَابَ , وَالْخُلْعَ الَّذِي أَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

تردين إليه حديقته؟ قالت: نعم. فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ ما ساق ولا

مِنْ ذَلِكَ: مَا حَدَّثَنِي بِهِ أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ يُوسُفَ الطَّبَّاعُ , حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ , حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ , حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى , عَنْ سَعِيدٍ , عَنْ قَتَادَةَ , عَنْ عِكْرِمَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , أَنَّ جَمِيلَةَ بِنْتَ سَلُولٍ , أَتَتِ -[39]- النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَعْتِبُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلَا خُلُقٍ , وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ لَا أُطِيقُهُ بُغْضًا. فَقَالَ لَهَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§تَرُدِّينَ إِلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟» قَالَتْ: نَعَمْ. فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذَ مَا سَاقَ وَلَا يَزْدَادَ ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: " فَهَذَا الْخُلْعُ الَّذِي نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ وَجَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَذَهَبَ إِلَيْهِ فُقَهَاءُ الْأُمَّةِ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَجْهًا غَيْرَ هَذَا , وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ وَلَا يُسْتَعْمَلَ إِلَّا عِنْدَ الْأَسْبَابِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ , وَهِيَ وَقُوعُ النِّفَارِ وَالْبُغْضِ وَالشِّقَاقِ وَمَعْصِيَةِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. لَا لِلْحِيلَةِ وَالْمُخَالَفَةِ وَالْخَدِيعَةِ وَالْمُمَاكَرَةِ , وَالْعُدُولِ بِهِ إِلَى غَيْرِ جِهَتِهِ , وَوَضْعِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ لَهُ , -[40]- وَفَسَحَ بِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ. وَمَا ظَنُّكَ بِهِ إِذَا كَانَ بَدْءُ الْمَسْأَلَةِ مِنَ الرَّجُلِ لِزَوْجَتِهِ أَنْ تَنْخَلِعَ مِنْهُ وَأَنْ تَفْتَدِيَ مِنْهُ نَفْسَهَا عَلَى شَرِيطَةِ عَقْدِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا بِعَقْدٍ. فَإِنَّ هَذَا مِمَّا لَا خَفَاءَ عَلَى أَهْلِ الْعَقْلِ فِي قُبْحِهِ وَفَسَادِهِ. فَإِنَّهُ وَضَعَ الْخُلْعَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ , وَاسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ. وَشُرِطَ أَيْضًا عَقْدُ النِّكَاحِ بِوُقُوعِهِ , فَصَارَ مَا فَعَلَهُ فِي الْقُرْبِ مِنْ مَقْصِدِهِ , وَالظَّفَرِ بِمَطْلَبِهِ , كَالَّذِي أَرَادَ مَشْرِقًا فَذَهَبَ مَغْرِبًا , فَكُلَّمَا ازْدَادَ فِي سَعْيِهِ جَهْدًا ازْدَادَ مِنْ ظَنِّهِ بُعْدًا , وَهُوَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمُتَلَاعِبِينَ بِحُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَالْمُسْتَهِينِينَ بِآيَاتِهِ.

ما بال أقوام يلعبون بحدود الله ويستهزئون بآياته، خلعتك، راجعتك، طلقتك،

فَقَدْ: حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ , حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ , حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ , ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ , حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ حَمْدَانَ الْبَجَلِيُّ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ طَرْخَانَ , حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ , حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنْ أَبِي بُرْدَةَ , عَنْ أَبِيهِ أَبِي مُوسَى , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَلْعَبُونَ بِحُدُودِ اللَّهِ وَيَسْتَهْزئُونَ بِآيَاتِهِ، خَلَعْتُكِ، رَاجَعْتُكِ، طَلَّقْتُكِ، رَاجَعْتُكِ»

ما بال أقوام يلعبون بحدود الله. طلقتك , راجعتك , طلقتك , راجعتك قال أبو عبد الله رحمه

حَدَّثَنَا الْقَاضِي الْمَحَامِلِيُّ , حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ , حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ , قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنْ أَبِي بُرْدَةَ , عَنْ أَبِي مُوسَى , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَلْعَبُونَ بِحُدُودِ اللَّهِ. طَلَّقْتُكِ , رَاجَعْتُكِ , طَلَّقْتُكِ , رَاجَعْتُكِ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْخُلْعِ وَالنِّكَاحِ الْوَاقِعِ بِعَقْدِ شَرِيطَتِهِ , وَبَيْنَ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى شَرِيطَةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا فَتَعُودَ إِلَى زَوْجٍ كَانَ لَهَا؟ وَهَذَا الْمُحَلِّلُ وَالْمُحَلَّلُ لَهُ اللَّذَانِ لَعَنَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْخُلْعِ وَبَيْنَ مَنْ بَاعَ دَرَاهِمَهُ الْمُكَسَّرَةَ مِنْ صَيْرَفِيٍّ بِدِينَارٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ بِذَلِكَ الدِّينَارِ صِحَاحًا عَلَى صَرْفٍ مَقْطُوعٍ , وَكُلُّ ذَلِكَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ؟ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْخُلْعِ وَبَيْنَ مَنِ اسْتَلَفَ مِنْ رَجُلٍ فِي سِلْعَةٍ إِلَى أَجْلٍ عَلَى أَنَّهُ إِذَا جَاءَهُ أَجَلُهَا عَادَ الْبَائِعُ لَهَا فَاشْتَرَاهَا مِنَ الْمُسْلِمِ فِيهَا عَلَى سِعْرٍ مَقْطُوعٍ؟ -[42]- وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْخُلْعِ وَبَيْنَ مَنِ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً نَسِيئَةً عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ بِالنَّقْدِ؟ . . . مَعَ نَظَائِرَ كَثِيرَةٍ لِهَذِهِ شَاكَلَ بَعْضُهَا بَعْضًا , وَكُلُّهَا عِنْدَ مَنْ كَانَ عَلَى شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ , وَشُرُوطِ أَحْكَامِهِ فَاسِدَةٌ مَرْدُودَةٌ , وَرُبَّمَا وَضَعَهَا أَهْلُهَا مَوْضِعَ الْحِيلَةِ عَلَى نَحْوٍ مِنَ الْحُكْمِ فِي ظَاهِرِهِ مَعَ فَسَادِ بَاطِنِهِ , وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْخَدِيعَةِ وَالْمُوَارَبَةِ وَالْمُمَاكَرَةِ لِلَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي مُعَامَلَتِهِ وَعِبَادَتِهِ. وَأَصْلُ الْحِيلَةِ فِي شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ خَدِيعَةٌ , وَالْخَدِيعَةُ نِفَاقٌ , وَالنِّفَاقُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَعْظَمُ مِنْ صُرَاحِ الْكُفْرِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ , يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: 9] , وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء: 142] أَفَلَا تَرَى أَنَّ الْمُنَافِقِينَ أَظْهَرُوا قَبُولَ الْأَحْكَامِ الْإِسْلَامِيَّةِ , وَأَلْزَمُوا أَنْفُسَهُمُ التَّدَيُّنَ بِهَا , حِيلَةً بِذَلِكَ -[43]- وَخَدِيعَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ , لِيَحْقِنُوا بِذَلِكَ دِمَاءَهُمْ , وَيَحْفَظُوا أَمْوَالَهُمْ , فَأَعْطَاهُمْ مَا أَرَادُوا بِمَا أَظْهَرُوا , وَأَكْذَبَهُمْ فِيمَا ادَّعُوا بِمَا أَسَرُّوا وَأَبْطَنُوا , وَرَدَّ عَلَيْهِمْ كَيْدَهُمْ وَخَدِيعَتَهُمْ بِسُوءِ اعْتِقَادِهِمْ , وَإِرَادَتِهِمْ غَيْرَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ خَالِصِ التَّصْدِيقِ وَصَافِي التَّوْحِيدِ , وَاسْتِعْمَالِهِمْ آلَاتِ الْإِيمَانِ لِغَيْرِ مَا أَرَادَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَهَذَا بَابٌ مِنَ الْحِيلَةِ , وَهُوَ أَفْحَشُهَا وَأَقْبَحُهَا , وَكُلُّ مَا كَانَ مِنَ الْحِيلَةِ فَمُشَبَّهٌ بِهَا وَمَنْسُوبٌ إِلَيْهَا وَمُتَشَعِّبٌ عَنْهَا. أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَرَعَ - بِرًّا بِكَافَّةِ خَلْقِهِ وَإِرْفَاقًا بِهِمْ - رُخَصًا وَصَفَهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا , وَشِدَّةِ الضَّرُورَةِ عِنْدَ نُزُولِهَا , فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ حِينَ فَرَغَ مِنْ فَرْضِ الصِّيَامِ: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] وَقَالَ: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101] -[44]- فَأَبَاحَ الْفِطْرَ فِي السَّفَرِ وَقَصَرَ الصَّلَاةَ , وَفَرَضَ الْحَجَّ بِوُجُودِ الِاسْتِطَاعَةِ , فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا سَافَرَ لَا يُرِيدُ بِسَفَرِهِ إِلَّا الْأَكْلَ وَالْجِمَاعَ نَهَارًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى يَقْضِيَ ذَلِكَ عَلَى مَهْلٍ مُتَقَطِّعًا فِي قَصِيرِ الْأَيَّامِ عَلَى مَرِّ الْأَوْقَاتِ , وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا سَافَرَ لَا يُرِيدُ مِنْ سَفَرِهِ إِلَّا أَنْ يَضَعَ عَنْ نَفْسِهِ بَعْضَ صَلَاتِهِ , وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِوُجُودِ الِاسْتِطَاعَةِ , فَوَهَبَ مَالَهُ لِبَعْضِ وَلَدِهِ عِنْدَ أَوْقَاتِ الْحَجِّ , ثُمَّ اسْتَرْجَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ , وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَاشِيَةِ مَالٌ كَثِيرٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ الْكَثِيرَةُ , فَبَاعَهَا عِنْدَ رَأْسِ الْحَوْلِ وَجَرَى ثَمَنُهَا مَجْرَى الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ , أَوْ مَالٍ صَامِتٍ فَعِنْدَ رَأْسِ الْحَوْلِ ابْتَاعَ بِهِ عَقَارًا حَتَّى إِذَا جَاوَزَ الْحَوْلَ بَاعَهُ. لَكَانَ هَذَا كُلُّهُ فِي ظَاهِرِهِ جَائِزًا فِي شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ , مَاضِيًا عَلَى أَحْكَامِهَا. وَلَوِ اسْتَفْتَى فَاعِلُهُ جَمِيعَ فُقَهَاءِ -[45]- الْمُسْلِمِينَ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ فِيمَا فَعَلَ غَيْرَ مُخْبِرٍ لَهُمْ بِنِيَّتِهِ وَلَا مَا قَصْدُهُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ , لَمَا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ اثْنَانِ فِي جَوَازِهِ وَصِحَّتِهِ , وَلَا رَأَوْهُ حَرِجًا فِي فِعْلِهِ , وَلَا آثِمًا فِي مُرْتَكَبِهِ. وَمَا ظَنُّكَ الْآنَ إِذَا كَانَ الْمُفْتِي هُوَ الْآمِرُ بِهَذَا , وَالدَّالُّ عَلَيْهِ , وَالْمُفْتِي بِهِ؟ وَلَا فَرَّقَ بَيْنَ الْفَتْوَى بِالْخُلْعِ عَلَى الْحَالِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ , وَبَيْنَ الْفَتْوَى فِي هَذِهِ الْأَسْبَابِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا كُلَّهَا , فَإِنَّهَا كُلَّهَا تَرْجِعُ إِلَى الْحِيلَةِ. وَتَجِدُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ الْحِيلَةَ وَالْخَدِيعَةَ وَحَرَّمَهَا رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبْطَلَهَا , وَإِنْ أَعْطَاهَا صِحَّةَ الْحُكْمِ فِي ظَاهِرِهَا. أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ بِمَا ظَهَرَ , وَأَبْطَلَ ذَلِكَ بِمَا اسْتَتَرَ , وَهُوَ أَعْدَلُ الْخَلْقِ فِي حُكُومَتِهِ , وَأَعْلَمُهُمْ بِقَضِيَّتِهِ , وَلَمَّا عَلِمَ أَنَّ فِيَ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ أَلْطَفَ حِيلَةً فِي خُصُومَتِهِ , وَأَلْحَنَ مِنْ خَصْمِهِ بِحُجَّتِهِ , وَأَنَّ الْحُكْمَ بِمَا ظَهَرَ لَا بِمَا اسْتَتَرَ , قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ , وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ صَاحِبِهِ , فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ -[46]- شَيْئًا مِنْ مَالِ أَخِيهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا يَأْخُذْهُ , فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ» . أَفَلَا تَرَى أَنَّ ظَاهِرَ الْقَضِيَّةِ حَقٌّ بِمَا ظَهَرَ مِنْ حِيلَةِ صَاحِبِهَا وَمَكْرِهِ , ثُمَّ جَعَلَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ , وَأَوْجَبَ لِصَاحِبِهَا النَّارَ بِمَا أَبْطَنَ مِنْ سِرِّهِ وَعَزْمِهِ؟ فَلَوْ كَانَ ظَاهِرُ الْحُكْمِ الْإِسْلَامِيِّ يَدْرَأُ عَنْ صَاحِبِهِ فَسَادَ مَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ حِيلَتِهِ وَمُخَادَعَتِهِ , لَمَا أَوْجَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّارَ. وَهَكَذَا صَاحِبُ هَذَا الْخُلْعِ وَضَعَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ. فَظَاهِرُهُ صَحِيحٌ , وَمَعْنَاهُ مَرْدُودٌ قَبِيحٌ. وَمِنْ أَوْضَحِ الْأَدِلَّةِ عَلَى بُطْلَانِ الْحِيلَةِ فِي الْأَحْكَامِ , نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا , وَلَعْنَتُهُ فَاعِلَهَا

لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود , فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل

مِنْ ذَلِكَ: مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُسْلِمٍ , حَدَّثَنَا الْحَسَنُ -[47]- بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ , حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو , عَنْ أَبِي سَلَمَةَ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«لَا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَتِ الْيَهُودُ , فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللَّهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ»

لعن الله اليهود , يحرمون شحم الغنم ويأكلون أثمانها قال أبو عبد الله: فرسول الله صلى الله

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيُّ , حَدَّثَنَا الدُّورِيُّ , ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ , حَدَّثَنَا ابْنُ زَنْجُوَيْهِ , قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى , حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ , يُحَرِّمُونَ شَحْمَ الْغَنَمِ وَيَأْكُلُونَ أَثْمَانَهَا» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: " فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا لَعَنَ الْيَهُودَ بِاسْتِعْمَالِهِمُ الْحِيلَةَ بِأَكْلِهِمُ الشُّحُومَ , لِأَنَّ أَكْلَهَا حَلَالٌ , وَالْحِيلَةُ حَرَامٌ وَالْمُسْتَعْمِلُ لَهَا فِي دِينِهِ إِنَّمَا يُخَادِعُ رَبَّهُ

إن عمك عصى الله فأندمه , وأطاع الشيطان , فلم يجعل الله له مخرجا. قال: فإني أتزوجها بغير

حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَزَّارُ , حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى , حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ , حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ , قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ , قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ الْحَارِثِ السُّلَمِيُّ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ عَمَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَنَدِمَ. فَقَالَ: §" إِنَّ عَمَّكَ عَصَى اللَّهَ فَأَنْدَمَهُ , وَأَطَاعَ الشَّيْطَانَ , فَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ مَخْرَجًا. قَالَ: فَإِنِّي أَتَزَوَّجُهَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَتَرْجِعُ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ يُخَادِعِ اللَّهَ يَخْدَعْهُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ: " أَوَ لَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الْخِيَارَ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا , ثُمَّ نَهَاهُمَا أَنْ يُفَارِقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ , فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ لِيُبْطِلَ عَلَيْهِ الْخِيَارَ الَّذِي جَعَلَهُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ قَدْ أَدْخَلَ فِي الْبَيْعِ ضَرْبًا مِنَ الْحِيلَةِ , وَخَدِيعَةً لِصَاحِبِهِ. اسْتَعْمَلَ فِيهَا ظَاهَرَ الْعِلْمِ , فَجَعَلَ السُّنَّةَ وَالْعِلْمَ ذَرِيعَةَ حِيلَتِهِ , وَأَدَاةً لِخَدِيعَتِهِ , وَرَكِبَ مَطِيَّةَ الْحَقِّ فِي عُرَاةِ الْبَاطِلِ , فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِمَا -[49]- ظَهَرَ مِنْ فِعْلِهِ يَخْصِمُهُ , وَبِمَا أَبْطَنَ مِنْ مُرَادِهِ مَخْصُومٌ

أيما رجل ابتاع من رجل بيعا , فإن كل واحد منهما بالخيار حتى يتفرقا من مكانهما , ولا يحل

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيُّ , حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ , حَدَّثَنَا عَمِّي , حَدَّثَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ , يَقُولُ: سَمِعْتُ شُعَيْبًا , يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو , يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §«أَيُّمَا رَجُلٍ ابْتَاعَ مِنْ رَجُلٍ بَيْعًا , فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا مِنْ مَكَانِهِمَا , وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: " فَانْظُرْ يَا أَخِي إِلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ بِتَمَامِ الْبَيْعِ إِذَا تَفَرَّقَا عَلَى السَّلَامَةِ وَجَارِي الْعَادَةَ , وَتَحْرِيمِهِ التَّفْرِيقَ عَلَى مَنْ أَرَادَ الْحِيلَةَ وَالْخَدِيعَةَ , فَصَارَ يَسْتَعْمِلُ السُّنَّةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعَهَا , فَصَارَ الْمُبَاحُ عَلَيْهِ مَحْظُورًا , وَالْحَلَالُ مُحَرَّمًا.

لا يحل لواحد منهما أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله. يرويه ابن عجلان؟ قال أبو عبد الله: وفي

حَدَّثَنِي أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ , قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي , حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ , قَالَ: وَقِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: §«لَا يَحِلُّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ» . يَرْوِيهُ ابْنُ عَجْلَانَ؟ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو إِبْطَالُ الْحِيَلِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: " أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَسَخَ قَوْمًا قِرَدَةً بِاسْتِعْمَالِهِمُ الْحِيلَةَ فِي دِينِهِمْ , وَالْمُوَارَبَةِ فِي دِينِهِمْ , وَمُخَادَعَتِهِمْ لِرَبِّهِمْ , مَعَ أَنَّهُمْ أَظْهَرُوا التَّمَسُّكَ وَتَحْرِيمَ مَا حَرَّمَهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ , مَعَ فَسَادِ بَاطِنِهِمْ , وَقَبِيحِ مُرَادِهِمْ , فَقَالَ: عَزَّ وَجَلَّ: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ} [الأعراف: 163] ذَكَرَ لَنَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْحِيتَانَ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ يَوْمَ السَّبْتِ كَالْمَخَاضِ آمِنَةً , فَلَا يُعْرِضُونَ لَهَا , ثُمَّ لَا يَرَوْنَهَا إِلَى يَوْمِ

السَّبْتِ الْآخَرِ , فَلَمَّا طَالَ نَظَرُهُمْ إِلَيْهَا , وَتَأَسُّفُهُمْ عَلَيْهَا تَشَاوَرُوا فِيهَا , فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا حَرَّمَهَا يَوْمَ السَّبْتِ , فَاصْنَعُوا لَهَا الْمَصَائِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ , فَإِذَا جَاءَ يَوْمُ السَّبْتِ فَدَخَلَتْ فِيهَا فَخُذُوهَا يَوْمَ الْأَحَدِ , فَفَعَلُوا ذَلِكَ , وَكَانَ مَا قَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمْ.

كانت بنو إسرائيل تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم , فلما رأت ذلك

حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الصَّوَّافُ , حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى , حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ , حَدَّثَنَا الْعَوْفِيُّ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ - وَهُوَ جَدُّهُ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: §كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَأْتِيَهُمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ , فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ حَظَرُوا لِذَلِكَ حَظَائِرًا , وَجَعَلُوا لَهَا أَبْوَابًا , وَكَانَ يَدْخُلُهَا السَّمَكُ يَوْمَ السَّبْتِ وَيَخْرُجُ , فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ كَانَ الرَّجُلُ يُسَبِّحُ يَوْمَ السَّبْتِ فَيَدْنُو مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ ثُمَّ يَضْرِبُ بِيَدِهِ وَرِجْلِهِ كَأَنَّهُ يُسَبِّحُ , فَيَضْرِبُ الْبَابَ بِيَدِهِ أَوْ بِرِجْلِهِ فَيُغْلِقَهُ فَلَا يَسْتَطِيعُ السَّمَكُ أَنْ يَخْرُجَ , فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ -[52]- أَخَذُوهُ , فَمَكَثُوا كَذَلِكَ زَمَانًا فَمُسِخُوا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مُسِخَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ. فَمُسِخَ الشُّيُوخُ خَنَازِيرَ , وَالشَّبَابُ قِرَدَةً. فَالْحِيلَةُ فِي الدِّينِ مُحَرَّمَةٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ , فَكُلُّ حُكْمٍ عُمِلَ بِالْحِيلَةِ فِي طَلَاقٍ , أَوْ خُلْعٍ , أَوْ بَيْعٍ , أَوْ شِرَاءٍ , فَهُوَ مَرْدُودٌ مَذْمُومٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ الدَّيَّانِينَ.

هذه الحيل التي وضعها هؤلاء - أبو حنيفة وأصحابه - عمدوا إلى السنن فاحتالوا في نقضها , أتوا

حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ , حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ , حَدَّثَنَا أَبُو الْحَارِثِ الصَّائِغُ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ: §«هَذِهِ الْحِيَلُ الَّتِي وَضَعَهَا هَؤُلَاءِ - أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ - عَمَدُوا إِلَى السُّنَنِ فَاحْتَالُوا فِي نَقْضِهَا , أَتَوْا إِلَى الَّذِي قِيلَ لَهُمْ إِنَّهُ حَرَامٌ وَاحْتَالُوا فِيهِ حَتَّى أَحَلُّوهُ»

من حلف على يمين ثم احتال لإبطالها , هل تجوز تلك الحيلة؟ قال: لا. نحن لا نرى

وَقَالَ الْمَيْمُونِيُّ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: §" مَنْ حَلَفَ عَلَى -[53]- يَمِينٍ ثُمَّ احْتَالَ لِإِبْطَالِهَا , هَلْ تَجُوزُ تِلْكَ الْحِيلَةُ؟ قَالَ: لَا. نَحْنُ لَا نَرَى الْحِيلَةَ ".

إذا حلف على شيء ثم احتال بحيلة فصار إليها , فقد صار إلى ذلك الذي حلف عليه بعينه قال أبو

حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جَعْفَرٍ , قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ ح , حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ , حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ , قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: §«إِذَا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ احْتَالَ بِحِيلَةٍ فَصَارَ إِلَيْهَا , فَقَدْ صَارَ إِلَى ذَلِكَ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: مَا أَخْبَثَهُمْ - يَعْنِي أَصْحَابَ الْحِيَلِ - وَقَالَ أَبُو عَبْدُ اللَّهِ: «مَنِ احْتَالَ بِحِيلَةٍ فَهُوَ حَانِثٍ»

ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} [النحل: 91] قال: قال صالح: قال أبي: والحيل لا

حَدَّثَنِي أَبُو عِيسَى يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ , حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْفَامِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ , قَالَ: قَالَ أَبِيٍ - وَذَكَرَ أَصْحَابَ أَبِي حَنِيفَةَ: وَتَعَجَّبَ مِمَّا يَقُولُونَ فِي الْحِيَلِ فِي الْأَيْمَانِ يُبْطِلُونَ الْأَيْمَانَ بِالْحِيَلِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {§وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91] قَالَ: قَالَ صَالِحٌ: قَالَ أَبِي: «وَالْحِيَلُ لَا نُرَاهَا»

يحتالون لنقض سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم

حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبٍ الْعَطَّارُ , حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ - وَذَكَرَ الْحِيَلَ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ , فَقَالَ: §«يَحْتَالُونَ لِنَقْضِ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»

لا يجوز شيء من الحيل

وَحَدَّثَ مُوسَى بْنُ سَعِيدٍ الدَّنْدَانِيُّ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: §«لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنَ الْحِيَلِ»

وأنا أحتال لك حتى تفعل ولا تحنث. فقال له الفضيل: تعرف الرجل؟ قال: نعم. قال: ارجع واستثبته

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ , حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى , قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ شَمَّاسٍ السَّمَرْقَنْدِيَّ يَقُولُ: " قَالَ رَجُلٌ لِلْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَا أَبَا عَلِيٍّ إِنِّي اسْتَفْتَيْتُ رَجُلًا فِي يَمِينٍ بُلِيتُ بِهَا فَقَالَ لِي: إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ حَنَثْتَ , §وَأَنَا أَحْتَالُ لَكَ حَتَّى تَفْعَلَ وَلَا تَحْنَثَ. فَقَالَ لَهُ الْفُضَيْلُ: تَعْرِفُ الرَّجُلَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «ارْجِعْ وَاسْتَثْبِتْهُ فَإِنِّي أَحْسَبُهُ شَيْطَانًا شُبِّهَ لَكَ فِي صُورَةِ إِنْسَانٍ»

من أفتى الناس بالحيلة فيما لا يجوز , يتأول الرأي والهوى بلا كتاب ولا سنة , فهذا من

حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ الْآدَمَيُّ الْبَصْرِيُّ , حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيَّ , يَقُولُ: §" مَنْ أَفْتَى النَّاسَ بِالْحِيلَةِ فِيمَا لَا يَجُوزُ , يَتَأَوَّلُ الرَّأْيَ وَالْهَوَى بِلَا كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ , فَهَذَا مِنْ عُلَمَاءِ

السُّوءِ. وَبِمِثْلِ هَذَا هَلَكَ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ , وَلِهَذَا ثَلَاثُ عُقُوبَاتٍ يُعَاقَبُ بِهَا فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا: يُبْعَدُ عِلْمُ الْوَرَعِ مِنْ قَلْبِهِ وَيَضِيعُ مِنْهُ , وَتُزَيَّنُ لَهُ الدُّنْيَا وَيَرْغَبُ فِيهَا وَيُفْتَنُ بِهَا , وَيَطْلُبُ الدُّنْيَا تَضَيُّعًا فَلَوْ أُعْطِيَ جَمِيعَ الدُّنْيَا فِي هَلَاكِ دِينِهِ لَأَخَذَهُ وَلَا يُبَالِي. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: " فَهَذِهِ الْحِيلَةُ الْمَذْكُورَةُ الْمَخْلُوعُ عَلَيْهَا اسْمُ الْخُلْعِ , لَا يُعْرَفُ لَهَا مَخْرَجٌ وَلَا تَأْوِيلٌ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ , وَلَا أَفْتَى بِهَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ , لِأَنَّ الْخُلْعَ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ , قَائِمٌ بِذَاتِهِ , غَيْرُ مَحْمُولٍ عَلَى تَأْوِيلٍ , وَلَا مُسْتَنِدٍ لِغَيْرِ مَا نَزَّلَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ بِلَفْظٍ مَفْهُومٍ , وَمَعْنًى مَعْلُومٍ , فَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي ذَلِكَ: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 229] . ثُمَّ عَطَفَ بِالتَّأْكِيدِ فَقَالَ: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة

: 229] . فَلَمْ يَجْعَلْ لِلْمَرْأَةِ سَبِيلًا إِلَى اخْتِلَاعِهَا , وَلَا لِلزَّوْجِ فُسْحَةً فِي أَخْذِ الْفِدْيَةِ مِنْهَا إِلَّا بِالْعِلَّةِ الَّتِي وَصَفَهَا. فَإِنْ أَفْتَى مُفْتٍ , أَوِ احْتَالَ ذُو رَأْيٍ بِحِيلَةٍ , شَبَّهَهَا بِهَذَا الْخُلْعِ , فَقَدْ جَعَلَ مَعَ الْخُلْعِ الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خُلْعًا ثَانِيًا , وَحَكَمَ حُكْمًا آخَرَ , وَلَيْسَ يَخْلُو صَاحِبُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَرَادَ , فَقَدْ جَعَلَ لِنَفْسِهِ حُكْمًا , وَشَرَعَ شَرِيعَةً أَضَافَهَا إِلَى حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَشَرِيعَتِهِ , وَقَدْ أَحْدَثَ فِي دِينِ اللَّهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَدْخَلَ فِي دِينِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» . وَيَزْعُمُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْخُلْعُ الَّذِي عَنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَرَادَهُ. وَلِمِثْلِ هَذِهِ الْبَلْوَى أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ , فَقَدِ ادَّعَى عَلَى اللَّهِ مَا لَمْ يَقُلْهُ , وَبَهَتَ الْقُرْآنَ , وَخَالَفَ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَالْجَمَاعَةُ , وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ. فَقَدْ ذَكَرْنَا كَيْفَ خَالَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ جَمِيلَةَ بِنْتِ سَلُولٍ , وَثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ , وَمَا ذَكَرَهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ مِنَ الْخُلْعِ , وَمَتَى يَجُوزُ وَقُوعُهُ , وَالْعِلَّةُ الَّتِي جَازَ لِلْمَرْأَةِ الِانْخِلَاعُ لِأَجْلِهَا , وَحَلَّ لِلزَّوْجِ الْفِدْيَةُ مِنْهَا

فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْخُلْعَ , وَأَخْذَ الْفِدْيَةِ , أُنْزِلَ مِنَ السَّمَاءِ لِغَيْرِ ذَلِكَ , فَقَدْ رَدَّ عَلَى اللَّهِ حُكْمَهُ , وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّتَهُ , وَعَلَى أَصْحَابِهِ وَالسَّلَفِ الصَّالِحِ إِجْمَاعَهُمْ. وَاللَّهُ حَسِيبُهُ وَحَجِيجُهُ. وَلَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ لِمَنِ انْخَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا لِغَيْرِ السَّبَبِ الَّذِي وَصَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا يَطُولُ الْكِتَابُ بِرِوَايَتِهِ. وَلَكِنَّا نَخْتَصِرُ مِنْهُ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

أيما امرأة سألت زوجها طلاقها من غير ما بأس , فحرام عليها رائحة الجنة. حدثنا القاضي

حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ , حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيُّ , حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ أَيُّوبَ , عَنْ أَبِي قِلَابَةَ , عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ , عَنْ ثَوْبَانَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقَهَا مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ , فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ» . حَدَّثَنَا الْقَاضِي الْمَحَامِلِيُّ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُخَرِّمِيُّ , -[58]- ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ , حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ أَيُّوبَ , فَذَكَرَ مِثْلَهُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: " فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَوَاعَدَ الْمُخْتَلِعَةَ مِنْ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ بِهَذَا الْوَعِيدِ , وَجَعَلَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ عَلَيْهَا حَرَامًا , فَكَيْفَ يَتَّسِعُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُفْتِيَ أَخَاهُ بِأَنْ يَأْمُرَ زَوْجَتَهُ أَنْ تَخْتَلِعَ مِنْهُ , إِلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَبَاحَ اللَّهُ ذَلِكَ لَهَا فِيهِ؟ . وَمَا ظَنُّكَ الْآنَ إِنْ شَرَطَ لَهَا عَلَى نَفْسِهَا أَنَّهَا إِذَا اخْتَلَعَتْ , عَادَ فَتَزَوَّجَهَا فَأَنْعَمَتْ بِاخْتِلَاعِهَا عَلَى شَرْطِ عَقْدِ نِكَاحِهَا , فَوَقَعَ الْخُلْعُ بِشَرْطِ النِّكَاحِ , وَالنِّكَاحُ بِشَرْطِ الْخُلْعِ , فَبَطَلَا جَمِيعًا. نَعَمْ وَإِنْ حَنِثَ فِي يَمِينٍ قَدْ كَانَ حَلَفَ عَلَيْهَا بِعَقِبِ الْخُلْعِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ , صَارَ إِلَى عَيْنِ الشُّبْهَةِ , وَجُمْهُورِ الرِّيبَةِ , وَحَصَلَ فِي حَبَائِلِ الِاخْتِلَافِ. فَإِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْفُقَهَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ يَقُولُونَ: الْمُخْتَلِعَةُ يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ فِي عِدَّتِهَا. وَلَقَدْ رُوِيَ نَحْوَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ -[59]- الْحَدِيثُ مُتَّصِلًا. فَسَبِيلُ الِاحْتِيَاطِ أَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا بِهِ خَوْفَ مُخَالَفَتِهِ.

للمختلعة طلاق ما كانت في العدة. قال بذلك عبد الله بن مسعود , وسعيد بن المسيب , وشريح ,

حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَجَاءٍ , حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ أَبِي عِصْمَةَ , حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ , عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عُتْبَةَ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ , رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«لِلْمُخْتَلِعَةِ طَلَاقٌ مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ» . قَالَ بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ , وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ , وَشُرَيْحٌ , وَالشَّعْبِيُّ , وَمُغِيرَةُ الضَّبِّيُّ , وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ , وَحَمَّادٌ , وَمُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ , وَطَاوُسٌ , وَالْحَكَمُ , وَدَاوُدُ. وَهُوَ مَذْهَبُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ مِنَ الْكُوفِيِّينَ. وَفِيهَا قَوْلٌ ثَانٍ وَهُوَ: أَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ إِنْ أُتْبِعَ الْخُلْعَ الطَّلَاقُ فِي وَقْتِهِ طُلِّقَتْ , وَإِنْ تَأَخَّرَ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ بِهَا طَلَاقٌ. قَالَ بِذَلِكَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , وَغَيْرُهُ. وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا , وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ فِي بَلَدِنَا فِي الْمُفْتَدِيَةِ: أَنَّهُ إِذَا طَلَّقَهَا بِعَقِبِ

خُلْعِهَا طَلَاقًا نَسَقًا مُتَتَابِعًا بَانَتْ مِنْهُ , وَإِنْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ صُمَاتٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَفِيهَا قَوْلٌ ثَالِثٌ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ , وَابْنُ الزُّبَيْرِ , وَعِكْرِمَةُ , وَالْحَسَنُ , وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ , لَا يَقَعُ بِالْمُعْتُدَّةِ مِنَ الْخُلْعِ طَلَاقٌ. وَبِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ , وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وَأَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ , وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ , وَأَبُو ثَوْرٍ , وَجَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ , قَالُوا: طَلَاقُهُ لَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ بَاطِلٌ. وَهَذَا الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ , وَالْمَعْمُولُ بِهِ. وَبِهِ نَقُولُ. وَفِيهَا قَوْلٌ رَابِعٌ وَإِلَيْهِ يَذْهَبُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ , وَعَلَيْهِ أَكْثَرُهُمْ: وَهُوَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا حَلَفَ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ ثَلَاثًا , أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا , أَوْ لَيَفْعَلَنَّ شَيْئًا , فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ زَوْجَتُهُ , أَوْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا قَبْلَ أَنْ يَحْنَثَ , ثُمَّ ارْتَجَعَ , أَنَّ الْيَمِينَ رَاجِعَةٌ عَلَيْهِ بِرَجْعَتِهَا , لِأَنَّ الْيَمِينَ قَائِمَةٌ , وَالزَّوْجَةُ هِيَ بِعَيْنِهَا. وَبِهَذَا نَقُولُ. وَالْعِلْمُ قَدْ أَحَاطَ بِأَنَّ صَاحِبَ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ إِذَا رَاجَعَ زَوْجَتَهُ بَعْدَ خُلْعِهَا وَلَمْ يَفْعَلْ مَا كَانَ حَلَفَ أَنْ يَفْعَلَهُ , أَنَّ الزَّوْجَةَ هِيَ تِلْكَ بِعَيْنِهَا , وَالْيَمِينُ قَائِمَةٌ مُبْقَاةٌ.

في الرجل يقول لامرأته: إن دخلت دار فلان فأنت طالق , فطلقها قبل أن تدخل فبانت , ثم خطبها

أَخْبَرَنِي أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَجَاءٍ , عَنْ أَبِي عِمْرَانَ مُوسَى بْنِ حَمْدُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ , عَنْ هِشَامٍ , عَنْ حَمَّادٍ , §فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: إِنْ دَخَلْتِ دَارَ فُلَانٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ , فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ فَبَانَتْ , ثُمَّ خَطَبَهَا وَتَزَوَّجَهَا قَالَ: إِنْ دَخَلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ الْأَوَّلُ. بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ قَالَ لِغُلَامِهِ: إِنْ ضَرَبْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ. فَبَاعَهُ. ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدُ فَضَرَبَهُ , فَهُوَ حُرٌّ. قَالَ حَنْبَلٌ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: هَكَذَا نَقُولُ. وَقَالَ حَرْبُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْكَرْمَانِيُّ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِنْ دَخَلْتِ هَذِهِ الدَّارَ. فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَبَانَتْ مِنْهُ , ثُمَّ دَخَلَتِ الدَّارَ؟ . قَالَ: لَا يَقَعُ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ طَلَاقٌ؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ وَلَيْسَتِ امْرَأَتَهُ , وَلَكِنْ إِذَا رَجَعَتْ إِلَيْهِ رَجَعَتْ وَهُوَ عَلَى يَمِينِهِ

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: حَسْبُكَ يَا أَخِي رَحِمَكَ اللَّهُ بِمَا قَدْ شَرَحْتُهُ مِنْ جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كِفَايَةً وَنِهَايَةً , لَكَ فِيهَا بَلَاغٌ إِنْ كَانَ لِمَولَاكَ الْكَرِيمِ بِكَ عِنَايَةٌ , فَأَعَاذَكَ مِنَ الْكِبْرِ وَالْكَيْدِ , وَخَلَّصَكَ مِنْ حِقْدِ أَهْلِ الْعُجْبِ وَالْحَسَدِ. فَلْيَتَّقِ اللَّهَ عَبْدٌ فِي نَفْسِهِ وَفِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ إِخْوَانِهِ , وَلَا يُخَاطِرُ بِهَا وَبِهِمْ , فَقَالَ بِعِلْمٍ فَغَنِمَ أَوْ سَكَتَ فَسَلِمَ. فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " أَجْرَؤُكُمْ عَلَى الْفُتْيَا أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ مَنْ يُفْتِي النَّاسَ فِي كُلِّ مَا يَسْتَفْتُونَهُ لَمَجْنُونٌ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ أَنَّهُ قَالَ: " مِنَ الْمَسَائِلِ مَا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهَا. وَمِنْهَا مَا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُجِيبَ عَنْهَا.

إن أحدهم ليفتي في المسألة لو وردت على عمر لجمع لها أهل بدر

حَدَّثَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ , حَدَّثَنَا عَبَّاسُ الدُّورِيُّ , حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ , حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ , عَنِ ابْنِ حُصَيْنٍ , قَالَ: §«إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيُفْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ لَوْ وَرَدَتْ عَلَى عُمَرَ لَجَمَعَ لَهَا أَهْلَ بَدْرٍ»

رأيت أعلم الناس بالقضاء والفتوى أشدهم منه فرارا وأشدهم منه فرقا , وأعماهم عنه أشدهم

حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ , حَدَّثَنَا حَنْبَلٌ , حَدَّثَنَا عَفَّانُ , حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , قَالَ: سَمِعْتُ أَيُّوبَ , قَالَ: §«رَأَيْتُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالْقَضَاءِ وَالْفَتْوَى أَشَدَّهُمْ مِنْهُ فِرَارًا وَأَشَدَّهُمْ مِنْهُ فَرَقًا , وَأَعْمَاهُمْ عَنْهُ أَشَدَّهُمْ مُسَارَعَةً إِلَيْهِ»

يا ربيعة إني أرى الناس قد أحاطوا بك , فإذا سألك الرجل عن مسألة فلا تكن همتك أن تخلصه ,

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بِمَكَّةَ , حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ , حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ , حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ , حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ , عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ , قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ خَلْدَةَ: §«يَا رَبِيعَةُ إِنِّي أَرَى النَّاسَ قَدْ أَحَاطُوا بِكَ , فَإِذَا سَأَلَكَ الرَّجُلُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَلَا تَكُنْ هِمَّتُكَ أَنْ تُخَلِّصَهُ , وَلَكِنْ لِتَكُنْ هِمَّتُكَ أَنْ تُخَلِّصَ نَفْسَكَ»

سألت إبراهيم عن مسألة , فقال: ما وجدت من بلدك من تسأله غيري

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْكَاذِيُّ , حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ , حَدَّثَنِي أَبِي , حَدَّثَنَا وَكِيعٌ , حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ , عَنْ زُبَيْدٍ , قَالَ: " §سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْأَلَةٍ , فَقَالَ: مَا وَجَدْتَ مِنْ بَلَدِكَ مَنْ تَسْأَلُهُ غَيْرِي "

ما سألت إبراهيم عن شيء , قط إلا عرفت الكراهية في وجهه

حَدَّثَنَا الْكَاذِيُّ , حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ , حَدَّثَنَا أَبِي , حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , حَدَّثَنَا سُفْيَانُ , عَنِ ابْنِ أَبْجَرَ , عَنْ زُبَيْدٍ , قَالَ -[64]-: §«مَا سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ شَيْءٍ , قَطُّ إِلَّا عَرَفْتُ الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِهِ»

لأن يعيش الرجل جاهلا خير له من أن يقول على الله ما لا يعلم. فقال مالك: هذا كلام شديد. ثم

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ , حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ , حَدَّثَنِي أَبُو ثَابِتٍ , حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ , قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: قَالَ الْقَسَّامُ بْنُ مُحَمَّدٍ: §" لَأَنْ يَعِيشَ الرَّجُلُ جَاهِلًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَقُولَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا يَعْلَمُ. فَقَالَ مَالِكٌ: هَذَا كَلَامٌ شَدِيدٌ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي ذَلِكَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَا خَصَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مِنَ الْفَضْلِ وَمَا آتَاهُ مِنَ الْعِلْمِ , فَقَالَ: يَقُولُ أَبُو بَكْرٍ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ: لَا أَدْرِي

زباء ذات وبر , لا تنقاد ولا تنساق , لو سئل عنها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم

حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ الْخُطَبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْكُدَيْمِيُّ , حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , قَالَ: كَانَ الشَّعْبِيُّ إِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ الْمُلْتَبِسُ مِنَ الْمَسَائِلِ بِالصِّعَابِ قَالَ: §«زَبَّاءُ ذَاتُ وَبَرٍ , لَا تَنْقَادُ وَلَا تَنْسَاقُ , لَوْ سُئِلَ عَنْهَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِمْ لَأَعْضَلَتْ بِهِمْ» . قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْكُدَيْمِيُّ: أَنْبَأَنِيهُ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ -[65]-: حَدَّثَنِيهِ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ , عَنِ الشَّعْبِيِّ

زباء ذات وبر , أعيت السائق والقائد. لو ألقيت على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

وَحَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ , حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ , حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ , عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ , قَالَ: كَانَ الشَّعْبِيُّ إِذَا سُئِلَ عَنْ مُعْضِلَةٍ قَالَ: §«زَبَّاءُ ذَاتُ وَبَرٍ , أَعْيَتِ السَّائِقَ وَالْقَائِدَ. لَوْ أُلْقِيَتْ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَعْضَلَتْ بِهِمْ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: " هَذَا رَحِمَكَ اللَّهُ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ - وَهُوَ أَحَدُ عُلَمَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الطَّبَقَةِ الْعَلْيَاءِ مِنْ تَابِعِي الصَّحَابَةِ - يُشَبِّهُ صِعَابَ الْمَسَائِلِ بِفَصِيلِ النَّاقَةِ الَّذِي لَمْ يُرَضْ وَلَمْ يُرْكَبْ. فَهُوَ بِوَبَرِهِ وَزَغَبِهِ لَا يَتْبَعُ قَائِدَهُ. وَيَحْرِنُ عَلَى سَائِقَهِ. وَقَوْلُهُ: لَأَعْضَلَتْ بِهِمْ. شَبَّهَهَا بِالدَّاءِ الْعُضَالِ الَّذِي لَا يُوجَدُ لَهُ دَوَاءٌ وَلَا يُرْجَى مِنْهُ شِفَاءٌ

من أفتى الناس في كل ما يستفتونه فهو مجنون

حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَزَّارُ , حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ , عَنْ سُفْيَانَ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ أَبِي وَائِلٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ: §«مَنْ أَفْتَى النَّاسَ فِي كُلِّ مَا يَسْتَفْتُونَهُ فَهُوَ مَجْنُونٌ»

والله إن الذي يفتي للناس في كل ما يسألونه لمجنون. قال الأعمش: قال لي الحكم: لو سمعت هذا

حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ , حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرِ , حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ , عَنْ شَقِيقٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودِ , قَالَ: §«وَاللَّهِ إِنَّ الَّذِي يُفْتِي لِلنَّاسِ فِي كُلِّ مَا يَسْأَلُونَهُ لَمَجْنُونٌ» . قَالَ الْأَعْمَشُ: قَالَ لِي الْحَكَمُ: لَوْ سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْكَ قَبْلَ الْيَوْمِ مَا كُنْتُ أُفْتِي فِي كَثِيرٍ مِمَّا كُنْتُ أُفْتِي

من أفتى فتوى يعمي فيها فإثمها عليه. قال أبو عبد الله: فهذا عبد الله بن مسعود يحلف بالله:

حَدَّثَنَا أَبُو شَيْبَةَ , حَدَّثَنَا الْحَسَّانِيُّ , حَدَّثَنَا وَكِيعٌ , قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ , عَنْ ضِرَارِ بْنِ مُرَّةَ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: §«مَنْ أَفْتَى فَتْوَى يُعْمِي فِيهَا فَإِثْمُهَا عَلَيْهِ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: " فَهَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَحْلِفُ بِاللَّهِ: أَنَّ الَّذِيَ يُفْتِي النَّاسَ فِي كُلِّ مَا يَسْأَلُونَهُ مَجْنُونٌ. وَلَوْ حَلَفَ حَالِفٌ لَبَرَّ أَوْ قَالَ لَصَدَقَ: إِنَّ أَكْثَرَ الْمُفْتِينَ فِي زَمَانِنَا هَذَا مَجَانِينُ , لَأَنَّكَ لَا تَكَادُ تَلْقَى مَسْئُولًا عَنْ مَسْأَلَةٍ مُتَلَعْثِمًا فِي جَوَابِهَا , وَلَا مُتَوَقِّفًا عَنْهَا , وَلَا خَائِفًا لِلَّهِ وَلَا مُرَاقِبًا لَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ قُلْتَ؟ بَلْ يَخَافُ وَيَجْزَعُ أَنْ يُقَالَ: سُئِلَ فُلَانٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ -[67]- فِيهَا جَوَابٌ. يُرِيدُ أَنْ يُوصَفَ بِأَنَّ عِنْدَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا , وَفِي كُلِّ مُتَعَلَّقٍ مُتَهَجَّرًا , يُفْتِي فِيمَا عَيِيَ عَنْهُ أَهْلُ الْفَتْوَى , وَيُعَالِجُ مَا عَجَزَ عَنْ عِلَاجِهِ الْأَطِبَّاءُ , يَخْبِطُ الْعَشْوَةَ , وَيَرْكَبُ السَّهْوَةَ , لَا يُفَكِّرُ فِي عَاقِبَةٍ , وَلَا يَعْرِفُ الْعَافِيَةَ , إِذَا أَكْثَرَ عَلَيْهِ السَّائِلُونَ وَحَاقَتْ بِهِ الْغَاشِيَةُ. وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ حَالَفٍ مَخْرَجًا عَنْ يَمِينِهِ , وَلِكُلِّ عَلِيلٍ دَوَاءٌ مِنْ سَقَمِهِ , لَمَا حَنِثَ الْحَالِفُ , وَلَا وَجَبَتْ عَلَى أَحَدٍ كَفَّارَةٌ , وَلَا طُلِّقَتِ امْرَأَةٌ مِنْ زَوْجِهَا , وَلَا مَاتَ عَلِيلٌ إِذَا هُوَ يُعَالَجُ , وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ كَذَلِكَ؟ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: «الْحَلِفُ حِنْثٌ أَوْ مَنْدَمَةٌ كُلُّ حَالِفٍ حَانِثٌ أَوْ نَادِمٌ» . لَوْ عَاشَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى يُعَايِنُ الْمُفْتِينَ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَرَأَى الْأَمْرَ عِنْدَهُمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَلَمَا رَأَى مَعَهُمْ حَانِثًا وَلَا نَادِمًا.

اليمين حنث أو مندمة. ولقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم. مما يدل على صحة توحيد من آمن

حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ السُّكَّرِيُّ , حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى السَّاجِيُّ , حَدَّثَنَا الْأَصْمَعِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنَا الْعُمَرِيُّ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: قَالَ -[68]- عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: §" الْيَمِينُ حِنْثٌ أَوْ مَنْدَمَةٌ. وَلَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ تَوْحِيدِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَ , وَتَكْذِيبِ مَنْ حَاوَلَ أَنْ يَحْتَالَ لِسُقُوطِ الْحِنْثِ وَالْمَخْرَجِ مِنْ ضِيقِ الْأَيْمَانِ وَحَرَجِهَا.

إن البلاء موكل بالقول , ما قال عبد قط لشيء: والله لا أفعله , إلا ترك الشيطان كل شيء من

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ الْمَعْرُوفُ بِالرُّومِيِّ بِالْبَصْرَةِ , حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سُفْيَانَ الرَّقِّيِّ بِالرَّقَّةِ , حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو سُلَيْمَانَ الْوَزَّانُ , أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ , أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " لَا أَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَزْنِي وَلَا أَشْرَبُ الْخَمْرَ وَلَا أَسْرِقُ أَبَدًا. قِيلَ: وَلِمَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §" إِنَّ الْبَلَاءَ مُوَكَّلٌ بِالْقَوْلِ , مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ لِشَيْءٍ: وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُهُ , إِلَّا تَرَكَ الشَّيْطَانُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ وَوَلِعَ بِذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى يُؤْثِمَهُ ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: " وَرُبَّمَا أَفْتَى أَحَدُهُمْ بِالْفَتْوَى مَا سَبَقَهُ إِلَيْهَا أَحَدٌ , لَمْ تُوجَدْ فِي كِتَابٍ مَسْطُورٍ وَلَا عَنْ إِمَامٍ مَذْكُورٍ , وَلَا يَحْتَشِمُ أَنْ يَقُولَ: هَذَا قَوْلُ فُلَانٍ , وَمَذْهَبُ فُلَانٍ , تَخَرُّصًا وَتَأَثُّمًا. وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ مَنْ يُقْدِمُ عَلَى هَذِهِ الْفَتْوَى يُؤْثِرُهَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَمَا -[69]- لِمَنْ حَكَى هَذَا عَنْ أَحْمَدَ جَوَابٌ غَيْرُ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ , فَقَدْ ذَكَرْنَا مَذْهَبَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فِي الْحِيَلِ , وَمَذْهَبَهُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا , فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً , وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا , وَبَانَتْ مِنْهُ , فَفَعَلَ ذَلِكَ الشَّيْءَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ , لِأَنَّهُ لَا زَوْجَةَ لَهُ - ثُمَّ رَاجَعَهَا - أَنَّ الْيَمِينَ تَرْجِعُ عَلَيْهِ , وَنَذْكُرُ فَتْوَاهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُصَرَّحًا:

عن رجل حلف بالطلاق أنه لا بد أن يطأ امرأته الليلة , فوجدها حائضا؟ فقال: تطلق منه امرأته

حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيَّ , يَقُولُ: سُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: §عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ اللَّيْلَةَ , فَوَجَدَهَا حَائِضًا؟ فَقَالَ: تُطَلَّقُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ وَلَا يَطَؤُهَا. اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَبَاحَ الطَّلَاقَ وَحَرَّمَ وَطْءَ الْحَائِضِ. وَإِنَّمَا حَكَاهُ آخَرُونَ عَنِ الشَّافِعِيِّ. وَلَقَدْ سَأَلْتُ أَبَا بَكْرٍ الْآجُرِيَّ وَأَنَا فِي مَنْزِلِهِ بِمَكَّةَ عَنْ هَذَا الْخُلْعِ الَّذِي

يُفْتِي بِهِ بَعْضُ النَّاسِ وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ رَجُلٌ أَنْ أَلَا يَفْعَلَ شَيْئًا لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ , فَيُقَالُ لَهُ: اخْلَعْ زَوْجَتَكَ وَافْعَلْ مَا حَلَفْتَ عَلَيْهِ , ثُمَّ رَاجِعْهَا , وَالْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ ثَلَاثًا. وَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمًا يُفْتُونَ الرَّجُلَ الَّذِي يَحْلِفُ بِأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ وَيَحْنَثُ , أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ , وَيَذْكُرُونَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَرَ عَلَى مَنْ حَلَفَ بِيَمِينِ الْبَيْعَةِ شَيْئًا. فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يَعْجَبُ مِنْ سُؤَالِي لَهُ عَنْ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ , ثُمَّ قَالَ لِي: اعْلَمْ أَنِّي مُذْ كَتَبْتُ الْعِلْمَ , وَجَلَسْتُ لِلْكَلَامِ وَالْفَتْوَى , مَا أَفْتَيتُ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِحَرْفٍ , وَلَقَدْ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيَّ الضَّرِيرَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا سَأَلْتَنِي عَلَى التَّعَجُّبِ مِمَّنْ يُقْدِمُ عَلَى الْفَتْوَى فِيهِمَا , فَأَجَابَنِي فِيهِمَا بِجَوَابٍ قَدْ كَتَبْتُهُ عَنْهُ , ثُمَّ قَامَ فَأَخْرَجَ إِلَيَّ كِتَابَ أَحْكَامِ الرَّجْعَةِ وَالنُّشُوزِ مِنْ كِتَابِ الشَّافِعِيِّ , وَإِذَا مَكْتُوبٌ عَلَى ظَهْرِهِ بِخَطِّ أَبِي بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: " سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيَّ فَقُلْتُ لَهُ: الرَّجُلُ يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ ثَلَاثًا أَنْ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَهُ وَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ أَصْحَابَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُفْتُونَ فِيهَا بِالْخُلْعِ ثُمَّ يَفْعَلُ. فَقَالَ الزُّبَيْرِيُّ: مَا أَعْرِفُ هَذَا مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ , وَلَا بَلَغَنِي لَهُ فِي هَذَا قَوْلٌ مَعْرُوفٌ , وَلَا أَرَى مَنْ يَذْكُرُهَا عَنْهُ صَادِقًا. وَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ الرَّجُلَ يَحْلِفُ بِأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ فَيَحْنَثُ. وَبَلَغَنِي أَنَّ قَوْمًا مَا يُفْتُونَهُ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ , أَوْ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. فَجَعَلَ الزُّبَيْرِيُّ يَعْجَبُ مِنْ هَذَا

وَقَالَ: أَمَّا هَذَا فَمَا بَلَغَنِي عَنْ عَالِمٍ , وَلَا بَلَغَنِي فِيهِ قَوْلٌ وَلَا فَتْوَى , وَلَا سَمِعْتُ أَنَّ أَحَدًا أَفْتَى فِي الْمَسْأَلَةِ بِشَيْءٍ قَطُّ. وَقُلْتُ لِلزُّبَيْرِيِّ: وَلَا عِنْدَكَ فِيهَا جَوَابٌ؟ فَقَالَ: إِنْ أَلْزَمَ الْحَالِفُ نَفْسَهُ جَمِيعَ مَا فِي أَيْمَانِ الْبَيْعَةِ , وَإِلَّا فَلَا أَقُولُ غَيْرَ هَذَا. فَكَتَبَ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ ظَهْرِ كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ وَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ , ثُمَّ قُلْتُ: إِيشْ تَقُولُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ: هَكَذَا أَقُولُ. وَإِلَّا فَالسُّكُوتُ عَنِ الْجَوَابِ أَسْلَمُ لِمَنْ يُحِبُّ السَّلَامَةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. تَمَّ كِتَابُ: الرَّدُّ عَلَى مَنْ أَفْتَى بِالْخُلْعِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَصِفَةُ الَّذِي تَحِلُّ لَهُ الْفَتْوَى , وَيَجُوزُ لِلنَّاسِ أَنْ يَسْتَفْتُوهُ وَيُقَلِّدُوهُ.

§1/1