أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك

جمال الدين ابن هشام

المجلد الأول

المجلد الأول مقدمات ... تمهيد: أولا- تعريف موجز بابن هشام الأنصاري: المولد والنشأة: ولد العلامة الشيخ، أبو محمد عبد الله جمال الدين بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري بالقاهرة في ذي القعدة، سنة ثمان وسبعمائة من الهجرة1، الموافق سنة / 1309/ من الميلاد. ومن ثم ترعرع فيها، وشب محبا للعلم والعلماء، فأخذ عن الكثيرين منهم، ولازم بعضا من الأدباء والفضلاء. شيوخه: ذكر صاحب الدرر الكامنة2 أن ابن هشام لزم عددا من فحول عصره، وتلقى العلم على أيدي علماء زمانه، وتتلمذ لهم، ومنهم ابن السراج3، وأبو حيان4، والتاج التبريزي5، والتاج الفاكهاني6، والشهاب بن المرحل7، وابن جماعة8، وغيرهم.

_ 1 بغية الوعاة، للسيوطي. تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم "ط: 2. بيروت: دار الفكر، "1399-1979 م"، 2: 68. 2 الدرر الكامنة، لابن حجر "حيدر آباد، 1348 هـ"، 2: 308-310. 3 ابن السراج: محمد بن أحمد، أبو عبد الله السراج الدمشقي، مقرئ نحوي، ولد سنة 668هـ، ومات سنة 743هـ. بغية الوعاة: 1/ 20. 4 أبو حيان: محمد بن يوسف، أثير الدين الغرناطي، نحوي عصره، ولغويه، ومحدثه، وأديبه، له البحر المحيط في التفسير، والمدبح في التصريف وغيرهما. مات سنة 745هـ. بغية الوعاة: 280-283". 5 التبريزي: علي بن عبد الله الأردبيلي التبريزي، عالم ورع وأحد الأئمة الجامعين لأصناف العلوم. مات سنة 746هـ. المصدر نفسه: 2/ 171. 6 التاج الفاكهاني: عمر بن علي بن سالم بن صدقة اللخمي الإسكندراني، له شرح العمدة، والإشارة في النحو وغيرهما. مات سنة 731هـ. المصدر نفسه 2: 221، والدرر الكامنة: 3/ 178. 7 الشهاب بن المرحل: عبد اللطيف بن عبد العزيز، ولم يذكر له صاحب البغية ترجمة وافية. البغية 2/ 541. 8 ذكر صاحب البغية، في ترجمتة لابن هشام، أنه "حدث عن ابن جماعة بالشاطبية"، والذين سموا بهذا الاسم كُثر، ولعل المقصود بالذكر هنا بدر الدين محمد المتوفى سنة 733هـ، والذي كان يشغل منصب قاضي قضاة دمشق، ثم مصر في أيامه.

تلاميذه: لم تذكر كتب التراجم تلاميذ ابن هشام، ولعل أكثرهم كان من غير المشهورين، واكتفى صاحب البغية بالقول: "وتخرج به جماعة من أهل مصر وغيرهم"1. منزلته العلمية: أتقن ابن هشام العربية، حتى فاق أقرانه وشيوخه ومعاصريه، وكان لكتابيه: "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب"، و"أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك". صدى في النفوس، ونال بهما منزلة لدى العلماء والأدباء "فاشتهر في حياته، وأقبل الناس عليه"3 غير أن شهرته لم تكن محصورة في مصر وحدها، بل تعدتها إلى المشرق والمغرب، حيث ذكر صاحب الدرر الكامنة نقلا عن ابن خلدون قوله: "ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية، يقال له: ابن هشام، أنحى من سيبويه"3. ذكاؤه وفطنته: كان ابن هشام، يتمتع بذكاء خارق، وذاكرة قوية، حيث استطاع أن يجمع عدة علوم، وأن يبرز فيها، وهو "المتفرد بالفوائد الغريبة، والمباحث الدقيقة، والاستدراكات العجيبة، والتحقيق البارع، والاطلاع المفرط، والاقتدار على التصرف في الكلام، والملكة التي كان يتمكن من التعبير بها عن مقصوده بما يريد مسهبا وموجوزا"4، وما يدلنا على مدى فطنته، وقوة حافظته حتى أواخر حياته، أنه حفظ مختصر الخرقي في دون أربعة أشهر قبل موته بخمس سنين"5. تدينه ومذهبه: ابن هشام عالم ورِع، لم يتهم باعتقاده، ولا بتدينه، ولا بسلوكه، وهو شافعي المذهب، وتحنبل في أواخر حياته6، وهذا يدل على أنه كان متعمقا في كلا المذهبين.

_ 1 بغية الوعاة: 2/ 68. 2 المصدر نفسه. 3 المصدر نفسه، ص: 69. والدرر الكامنة: 2/ 308-310. 4 البغية: 2/ 69. 5 المصدر نفسه. 6 المصدر نفسه، ص: 68.

صفته وأخلاقه: كان ابن هشام يمتاز "بالتواضع والبر والشفقة ودماثة الخلق رقة القلب"1 فضلًا عن دينه، وعفته، وحسن سيرته، واستقامته، وكان إلى ذلك صبورا في طلب العلم مداوِما عليه حتى آخر حياته-كما أشرنا- ومن شعره في الصبر: ومن يصطبرْ للعلم يظفرْ بنيلِهِ ... ومن يخطبِ الحسناءَ يصبرْ على البذلِ ومن لا يذل النفس في طلب العُلا ... يسيرًا يَعِشْ دهرًا طويلًا أَخَا ذُل2 آثاره: لابن هشام مصنفات كثيرة، منها: 1- الإعراب عن قواعد الإعراب. 2- الألغاز. 3- أوضح المسالك إلى ألفية بن مالك. 4- التذكرة. 5- التحصيل والتفصيل لكتاب "التذييل والتكميل" 6- الجامع الصغير. 7- الجامع الكبير. 8- رسالة في انتصاب "لُغَةً" وفَضْلًا"، وإعراب "خِلافًا" و"أيضًا" و"هَلُم جرا". 9- رسالة في استعمال المنادى في تسع آيات من القرآن. 10- رفع الخصاصة عن قراء الخلاصة. 11- الروضة الأدبية في شواهد علم العربية. 12- شذور الذهب. 13- شرح البردة. 14- شرح شذور الذهب. 15- شرح الشواهد الصغرى. 16- شرح الشواهد الكبرى. 17- شرح القصيدة اللغوية في المسائل النحوية. 18- شرح قطر الندى وبل الصدى. 19- شرح اللحمة لأبي حيان. 20- عمدة الطالب في تحقيق صرف ابن الحاجب. 21- فوح الشذا في مسألة كذا. 22- قطر الندى وبل الصدى. 23- القواعد الصغرى. 24- القواعد الكبرى. 25- مختصر الانتصاف من الكشاف. 26- المسائل السفرية في النحو. 27- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب. 28- موقد الأذهان وموقظ الوسنان. وفاته: توفي ابن هشام -رحمه الله تعالى- ليلة الجمعة في الخامس من ذي القعدة سنة إحدى وستين وسبعمائة من الهجرة، الموافق سنة 1360 من الميلاد3، ورثاه ابن نباتة بقوله: سقى ابن هشام في الثرى نوء رحمة ... يجر على مثواه ذيل غمام سأروي له من سيرة المدح مسندًا ... فما زِلْتُ أروي سيرة ابن هشام4

_ 1 بغية الوعاة: 2/ 69 2 بغية الوعاة: 2/ 69. 3 المصدر نفسه. 4 المصدر نفسه، ص70.

ثانيا- منهج ابن هشام النحوي: يعد ابن هشام الأنصاري شيخا من شيوخ النحاة المجتهدين، الذين لم يكتفِ بالحفظ والفهم، والتقليد، وإنما فهموا، وقارنوا، واستنبطوا، ووفقوا واصطفوا، ورجحوا، وقبلوا، ورفضوا، وهذا شأن العلماء المجتهدين والمجددين في القديم والحديث. وابن هشام نحوي بارع في عرض مادته، كما هو بارع في تحليله ونقده، فضلًا عن براعته في تصيد أمثلته، والاستدلال بها عما يجول في خلده. وكان ابن هشام حرا في تفكيره، موضوعيا في أخذه ورده؛ فهو لم يتعصبْ لمذهب من المذاهب النحوية، أو لمدرسة بعينها، وإن كان ميالا إلى مدرسة البصرة، مبجلا علماءها وأحيانا كان يقول: "والذي عليه أصحابنا" ويعني بهم البصريين. غير أن هذا الميل لم يكن لهوىً في نفسه؛ وإنما لكونه رجح آراءهم في مواطن كثيرة، ورد عليهم في مواطن أقل، وأخذ بالرأي الأقوى كائنًا من كان صاحبه، والأمثلة على ذلك كثيرة ولا نستطيع الإحاطة بها في هذه العجالة، وإنما سنقتصر على نماذج قليلة من أخذه ورده. أولا: رجح مذهب جمهور البصريين في أن المحذوف في مثل: "تأمروني" نون الرفع، لا نون الوقاية1، كما حذا حذوهم في عد "زيد" في مثل "إن زيد قائم" فاعلا لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده، لا مبتدأ -خلافا للأخفش الأوسط- ولا فاعلا مقدما للفعل، خلافا للكوفيين2. والأمثلة على موافقته لمذهبهم كثيرة لا تحصى. وقد اختار مذهب سيبويه في أن المبتدأ مرفوع بالابتداء وأن الخبر مرفوع

_ 1 انظر مغني اللبيب، لابن هشام الأنصاري: 380. 2 التصريح على التوضيح: 1/ 270-271.

المبتدأ1. وأن المضاف إليه مجرور بالمضاف، لا بالإضافة، ولا باللام المحذوفة. ثانياً: رجح ما ذهب إليه الكوفيون في قولهم: الفعل ماضٍ، ومضارع فقط، وأن الأمر فرع من المضارع المصحوب بلام الطلب، في مثل: "لِتَقُمْ"، فحذفت لام الطلب؛ لِلتخفيف، في مثل: "قمْ واقعُدْ" وتبعها حرف المضارعة3. - ورجح ما ذهب إليه الكوفيون في مسألة جملة "البسملة"، حيث عدها البصريون اسمية، على تقدير "ابتدائي باسم الله"، وعدها الكوفيون. "فعلية"، على تقدير: "أبدأ باسم الله"، فوافق الكوفيين، وقدر: "باسم الله أقرأ". - كما وافق الكوفيين، في نيابة حروف الجر بعضها عن بعض، وفي مجيء الباء" بمعنى: "من"، التي تفيد التبعيض4، مثل: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} 5، وفي مجيء "من" مفيدة ابتداء الغاية الزمانية6، وفي نيابة "أل" عن الضمير7، وفي مجيء "لا" عاطفة8، كما وافقهم في مسائلَ كثيرةٍ، لا داعيَ لذكرها. ثالثاً: ختار كثيرا من آراء البغداديين، واستشهد بها في مواطن كثيرة؛ منها: - جواز نداء ما فيه "أل" في سعة الكلام، لا في ضرورة الشعر فقط9. - جواز إعمال اسم المصدر، إن لم يكن علمًا، ولم يكن ميميا، خلافا للبصريين1.

_ 1 التصريح على التوضيح: 1/ 158. 2 التصريح على التوضيح: 2/ 24. 3 انظر المغني: 250. 4 انظر المغني: 142-143. 5 سورة المائدة، الآية: 6. 6 انظر المغني: 419-420. 7 انظر المغني: 77-78. 8 انظر المغني: 101. 9 أوضح المسالك: 3/ 85-86، وشرح التصريح: 2/ 173. 10 أوضح المسالك: 2/ 242-243، وشذور الذهب: 412.

- جواز مجيء "ليس" حرفا عاطفا، كما في قول الشاعر: إنما يجزي الفتى ليس الجمل1 ووافق ابن جني في أن الجملة قد تبدل من المفرد، كقول الشاعر: إلى الله أشكو بالمدينة حاجةً ... وبالشام أُخرى كيف يلتقيانِ؟ على تقدير: "إلى الله أشكو حاجتين تعذر التقائهما". رابعاً: اختار بعض ما ذهب إليه الأندلسيون، وخاصة ابن مالك وابن عصفور؛ فأما ابن مالك، فقد كان كثير الموافقة له في آرائه، وقلما خالفه فيها، ومعلوم أنه شرح له "الألفية" التي نحن في صدد الحديث عن شرحه لها، كما شرح له "التسهيل"، ومن الأمور التي وافقه فيها على سبيل المثال: أن "إلى"1 قد تأتي بمعنى "في"2، كما في قوله تعالى: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة} 3. وأن "حتى" إذا عطفت على مجرور، أعيد الخافض فرقا بينها وبين "حتى" الجارة، مثل: "مررت بالقوم حتى بزيد"4. وأما موافقته لابن عصفور فيمكن التمثيل عليها، بموافقته له بأن "لن" قد تأتي للدعاء، كما أنت "لا" لذلك، والحجة في قول الأعشى: لن تزالوا كذلكم ثم لا زلـ ... ت لكم خالدًا خلود الجبالِ5 خامساً: وافق الزمخشري، ورد عليه في مواطن كثيرة: فأما موافقته فتتجلى في استحسانه رأيه في أن أما" في مثل: "أما زيد فمنطلق" تفيد التوكيد. قال: "قل ذكره، ولم أر من أحكم شرحه غير الزمخشري، فإنه قال: فائدة "أما" في الكلام: أن تعطيه فضل توكيد، تقول: زيد ذاهب، فإذا قصدت توكيد.

_ 1 أوضح المسالك: 3/ 38. 2 المغني: 104-105. 3 سورة النساء الآية 87. 4 المغني: 172. 5 المغني: 517. ورواية البيت في ديوان الأعشى: "لا زلت لهم".

ذلكن وأنه لا محالة ذاهب، وأنه بصدد الذهاب، وأنه منه عزيمة، قلت: أما زيد فذاهب1. وأما ردوده عليه فكثيرة، ونختار واحدًا منها على سبيل التمثيل، وهو رده عليه في أن "لن" تقتضي تأبيد النفي وتوكيده. فقال رادا: "وكلاهما دعوى بلا دليل، ولو كانت للتأبيد، لم يقيد منفيها باليوم في قوله تعالى: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} 2، ولكان ذكر الأبد في قوله جل ثناؤه: {وَلن تَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا} 3 تكرارا، والأصل: "عدمه"4. سادساً: تعقب ابن هشام ابن الحاجب وكثيرًا ما أثبت عليه السهو، والوهم، والتعسف، ونقض آراءه، ومن أمثلة ذلك ما ذهب إليه ابن الحاجب، في قول ذي الرمة: حراجيج ما تنفك إلا مناخة ... على الخسف أو نرمي بها بلدًا قفرا5. من أن "ما تنفك": ناقصة، وأن الخبر "على الخسف"، وأن "مناخة": حال، وأن "إلا" زائدة، فقال ابن هشام: فاسد لبقاء الإشكال؛ إذ لا يقال: جاء زيد إلا راكبا. سابعاً: ولم يكن ابن هشام في تتبعه لآراء النحاة السابقين جامعا لها، ومستوعبا لها وحسب، وإنما كان يناقشها، ويبين الصحيح منها من الفاسد -كما أسلفنا- وكان يكثر من الاستنباطات، ويعرض إلى جانبها الآراء المبتكرة غير المسبوقة، وهي أكثر من أن تُحصى، ومنها على سبيل المثال ذهابه إلى أن "عشر"

_ 1 المغني: 59. 2 سورة مريم، الآية: 26. 3 سورة البقرة، الآية: 95. 4 المغني: 374. 5 المغني: 102، والحرجوج: الناقة السمينة الطويلة، والخسف: الذل، والمراد بالخسف هنا: مبيتها من غير علف. انظر القاموس المحيط: 1/ 189، 3/ 137"،وانظر الوسيط في تاريخ النحو، د. عبد الكريم محمد الأسعد "ط: 1. الرياض: دار الشواف، 1413هـ-1992م"، ص 213.

في قولنا: "اثني عشر"، حلت محل النون، في "اثنين"، وهي بذلك ليست مضافة إلى ما قبلها، ولا محل لها من الإعراب1. ومما سبق يتأكد لنا أن ابن هشام، كان يوازن بين آراء البصريين، والكوفيين، والبغداديين، وسواهم من النجاة "ويختار لنسفه ما يتمشى مع مقاييسه مظهرا قدرة فائقة في التوجيه والتعليل والتخريج، وكثيرا ما يشتق لنفسه رأيا جديدا، لم يُسبَق إليه، وخاصة في توجيهاته الإعرابية، وهو في أغلب اختياراته، يقف مع البصريين، وكان يجل سيبويه إجلالا بعيدا، كما كان يجل جمهور البصريين، ويدافع عن آرائهم"2. وأما طريقة ابن هشام في عرض موضوعاته، فكان يعرض الفكرة ثم يسوق الأدلة والشواهد من القرآن الكريم، والحديث الشريف، والشعر القديم، وأحيانا من الحكم والأقوال المأثورة، ومن منثور الكلام القديم أحيانا أخرى، وربما ذكر أبياتا لشعراء لا يُحتَج بشعرهم؛ على سبيل التمثيل لا الاستشهاد بها؛ أو ليبين لحن أصحابها. وأما تعاطيه مع الشواهد، فينم عن ثقافة واسعة، وقدرة عجيبة على الاستنباط والتحليل، وكان يقدم الشواهد القرآنية على غيرها؛ لأنها كلام فصل لا مجال للشك فيها، وله ثلاثة اتجاهات في اعتماده الآيات القرآنية في كتبه، هي2: أولاً: آيات استشهد بها على تثبيت قاعدة متفقٍ عليها. ثانياً: آيات اتخذ منها المؤلف أدلة على قاعدة ارتآها وأراد أن يدعمها بدليل قرآني. ثالثاً: آيات أوضح ابن هشام ما دار حولها من نقاش وجدل. وأما بالنسبة إلى القراءات القرآنية، فقد "حاول دائما، إزاء القراءات التي في

_ 1 انظر همع الهوامع: 1/ 14، والوسيط في تاريخ النحو: 214. 2 الوسيط في تاريخ النحو، الدكتور عبد الكريم الأسعد: 211. 3 أثر القرآن والقراءات في النحو العربي، الدكتور محمد سمير نجيب اللبدي: 148.

ظاهرها خروج عن القواعد العربية توجيهها وتخريجها على وجه ترتضيه اللغة، ويقبله النحو، ولا يتجرأ عليها، فيصفها بالشذوذ، كما كان يفعل بعض النحاة"1. وربما "بنى ابن هشام بعض القواعد النحوية مستندا إلى القراءات، وقد صرح بذلك قائلا: إن القراءة سنة متبعة، وليس كل ما تجوزه العربية، تجوز القراءة به"2. وأما بالنسبة إلى الحديث الشريف، فقد استشهد به ابن هشام، واستدل به خلافا للكثيرين من النحاة الذين لا يجيزون الاستدلال بالحديث الشريف3 حيث استشهد في كتابه "المغني" باثنين وستين حديثا سبعا وسبعين مرة، واستشهد في أوضح المسالك بستة وثلاثين حديثا، واستشهد في شرحه لكتاب "اللمحة البدرية في علم اللغة العربية" لأبي حيان، بستة وعشرين حديثا، سبعا وعشرين مرة، واستشهد في كتابه "شرح شذور الذهب" بستة وعشرين حديثا سبعا وعشرين مرة أيضا4. ومن الأحاديث التي استشهد بها على سبيل المثال. "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل".

_ 1 المدرسة النحوية في مصر والشام في القرنين السابع والثامن من الهجرة، الدكتور عبد العال سالم: 419-421". 2 ابن هشام الأنصاري - حياته ومنهجه النحوي، الدكتور عصام نور الدين "ط: 1. بيروت الشركة العالمية للكتاب، 1989"، ص: 67-68. وانظر شذور الذهب: 304. 3 ممن رفضوا الاحتجاج بالحديث الشريف: أبو حيان في شرح التسهيل، ونسب عدم الاحتجاج به إلى أبي عمرو بن العلاء، ويحيى بن عمر، والخليل، وسيبويه من أئمة البصريين، والكسائي والفراء، وعلي بن المبارك الأحمر، وهشام الضرير من أئمة الكوفيين. أما المجوزون فمنهم: ابن مالك، ورضي الدين الأستراباذي، وابن خروف، وابن هشام، والبدر الدماميني، وناظر الجيش محب الدين بن يوسف الحلبي، والخطيب البغدادي. انظر في أصول النحو، سعيد الأفغاني "ط: 3. بيروت: دار الفكر، 1383هـ-1964"، ص: 50 وأصول التفكير النحوي، الدكتور علي أبو المكارم "بيروت دار الثقافة، 1973م"، ص: 661- 662 وابن هشام الأنصاري- حياته ومنهجه النحوي: 71-73. 4 المرجع نفسه: 75.

فقد استشهد بهذا الحديث على أن "نعم، وبئس، وعسى، وليس" أفعال فقال: فأما "نعم وبئس"، فذهب الفراء وجماعة من الكوفيين إلى أنهما اسمان واستدلوا على ذلك، بدخول حرف الجر عليهما، في قول بعضهم وقد بشر ببنت: "والله ما هي بنعم الولد"؛ وأما "ليس" فذهب الفارسي في الحلبيات: "إلى أنها حرف نفي بمنزلة "ما" النافية، وتبعه على ذلك أبو بكر بن شقير، وأما "عسى"، فذهب الكوفيون: إلى أنها حرف تَرَجٍ بمنزلة "لعل" وتبعهم على ذلك ابن السراج. ثم قال: والصحيح: أن الأربعة أفعال، بدليل اتصال تاء التأنيث الساكنة بهن، كقوله -عليه الصلاة والسلام-: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل"، والمعنى: من توضأ يوم الجمعة، فبالرخصة أخذ، ونعمت الرخصة الوضوء"1. وأما الشواهد الشعرية، فقد غصت بها مؤلفات ابن هشام، وقلما نجد مؤلفه فيه من الشواهد ما يدانيه، ففي "شرح قطر الندى وبل الصدى" بلغ مجموع الشواهد الشعرية خمسين شاهدا ومائة شاهد، وفي "شرح اللمحة البدرية" واحدا وتسعين شاهدا ومائة شاهد، وفي "شرح شذور الذهب" تسعة وثلاثين شاهدا ومائتي شاهد، وفي "أوضح المسالك" ثلاثة وثمانية شاهدا وخمسمائة شاهد، وهو في شواهده الشعرية، لا يبني على النادر منها قاعدة؛ لأن النادر عند ابن هشام: أقل من القليل، كما صرح بقوله: "اعلم أنهم يستعملون "غالبا" و"كثيرا" و"نادرا" و"قليلا" و"مطردا"، فالمطرد: لا يتخلف، والغالب: أكثر الأشياء، ولكنه يتخلف، والكثير دونه، والقليل دون الكثير، والنادر أقل من القليل"2. وقد خالف ابنُ هشام الكوفيين في قضية الاستشهاد بما لم يعرف قائله، "لأن الجهل بالناقل، يوجب الجهل بالعدالة"، وقد أورد في شرحه للألفية الشعر الذي استدل به الكوفيون على جواز مد المقصور للضرورة، وهو: قد علمت أخت بني السعلاء ... وعلمت ذاك مع الجزاء

_ 1 شرح قطر الندى وبل الصدى: 35-37، وشرح شذور الذهب: 21-22. 2 المزهر، للسيوطي: 1/ 234، وابن هشام الأنصاري - حياته ومنهجه النحوي، ص81.

أنْ نعم مأكول على الخواء ... يا لك من تمر ومن شيشاء ينشب في المسعل واللهاء ثم قال: "الجواب عندنا أنه لا يعلم قائله، فلا حجة فيه"1. غير أنه لم ينكر الأبيات المجهولة كلها، ولا يمنع من الاستشهاد بها "إذا وفرت فيها صفات حددها لنفسه، وهي: فصاحة القول وصفاؤه، وسلامته من الفساد، فلا يحتج بمن لابس الضعف لغته، وخالطت العجمة كلامه، وتسربت الركاكة إلى لفظه"2. وكذلك خالف ابن هشام البصريين في تأويل الشواهد؛ والتأويل كان الوسيلة التي لجأ إليها النحاة؛ لِلتوفيق بين القواعد وبين النصوص المخالفة لها، المنسوبة -في الوقت نفسه- إلى عصر الاستشهاد. أما ما لا ينتسب إلى عصر الاستشهاد، من هذه النصوص، فقد كان الرفض هو السمة البارزة التي توضح موقف النحاة منه. وكان التعبير عن هذا الموقف-في أكثر الأحيان- يتخذ اصطلاح الشذوذ"3. وأما استشهاده بالنثر، فواضح في كتابه، حيث ساق بعضا من الأمثال والأقوال المشهورة، وإن كانت نسبتها أقل بالقياس مع الشواهد القرآنية، وشواهد الحديث، والشواهد الشعرية، حيث ذكر في "شرح شذور الذهب" ستة أمثال، وفي شرح "اللمحة البدرية"، ذكر ستة عشر قولا ومثلا، وفي أوضح المسالك، ذكر ثمانية وخمسين قولا ومثلا، وذكر في "مغني اللبيب" تسعة وأربعين قولا ومثلا، ومن الأمثلة التي استشهد بها على سبيل المثال: "تسمعَ بالمعيدي خير من أن تراه". وقولهم: "مره يحفرَها"، وقولهم: "خذِ اللص قبل يأخذَك"، فقد حذفت "أن" الناصبة في هذه الشواهد، فنصبوا "تسمع" ويأخذك"، و"يحفرها"، وهو شاذ، يُحفظ ولا يقاس عليه4.

_ 1 المزهر: 1/ 142. 2 علوم الحديث ومصطلحاته- عرض ودراسة- صبحي الصالح، ص 333. 3 أصول التفكير النحوي، الدكتور علي أبو المكارم، ص 261-262. 4 مغني اللبيب لابن هشام، ص839. وانظر ابن هشام الأنصاري- حياته ومنهجه النحوي، ص: 87-88.

وأسلوب ابن هشام واضح، لا تعقيد فيه، وهو يميل إلى البساطة والبعد عن التقعير والتعقيد، همه أن يوصل الفكرة إلى المتعلم من أقصر الطرق؛ ولهذا اتسم أسلوبه بشيء من الركاكة اللغوية، حتى خاله بعضهم يلحن في اللغة، وما ذلك إلا لكونه كان يترخص -أحيانا- في الاستعمالات اللغوية، فيدع الراجح، ويأخذ بالمرجوح، غير أنه كان سهل العبارة، دقيقا في تخير ألفاظه، واضحا في دلالاته. وأما ظاهرة الاستطراد فهي السمة الغالبة في مؤلفاته؛ حيث لم يستطع -على الرغم من منهجيته، وطريقته المبتكرة في ترتيب موضوعاته- من التحرر منها، فتراه وهو يعالج مسألة من المسائل، يستطرد في شرح كلمة عارضة في سياق شاهد من الشواهد، وكأنه يعقد مبحثا جديدا لمناقشتها، ثم يعود إلى موضوعه الأول، ولعل ابن هشام قصد الاستطراد؛ ليوضح أفكاره، ويزيدها جلاء؛ لتكون أرسخ في الأذهان، وربما أراد -من خلالها- إقحام أكبر قدر ممكن من المعلومات في مخيلة قارئي كتبه، فضلا عن المعلومات الرئيسية التي يريد إفهامها. ومهما يكن من أمر، فإن ابن هشام الأنصاري علم من أعلام النحاة المجتهدين والمجددين الذي يعود الفضل إليهم في تهذيب النحو العربي، وإخرجه بشكله المتكامل الواضح بعيدا عن الغموض والتعقيد. وفي الختام، نتضرع إلى الله سبحانه وتعالى أن ينفع بهذا الكتاب كما نفع بأصله، والحمد لله أولا وآخرا.

ثالثاً: عملنا في الكتاب: أ- في المتن: باب معلوما للدارسين والمحققين على السواء أن المحافظة على نص المتن مسألة لا يجوز الحديث فيها، حيث لا يسمح بتغيير حرف واحد في متن الكتاب المحقق، إذا جاءت لغته سليمة، وعباراته صحيحة، وإذا ما اقتضت الضرورة أي تغيير يذكر في الأصل؛ لِأمر ما، فلا بد من الإشارة إلى هذا التغيير في الحاشية؛ وانطلاقا من هذه الحقيقة المسلم بها، وتمشيا مع المنهجية العلمية، فقد حرصنا على متن الكتاب -كما هو- من دون أي زيادة أو نقصان. غير أننا أثبتنا في المتن أمورا، لا تتنافى مع المنهجية العلمية، وأصول قواعد التحقيق، وهي: أولاً: ضبطنا علامات الترقيم، ووضعناها في الأماكن المناسبة بين الكلمات، والجمل، والعبارات المختلفة؛ لأنها تساعد الطالب في قراءة النص قراءة صحيحة، تمكنه من فهم المراد. ثانياً: وضعنا عناوين فرعية لمباحث الكتاب، فضلا عن عناوين الأبواب، والفصول، والمباحث التي جاءت في الأصل؛ لِيتمكن الطالب من العودة إلى المطلوب بيسر وسهولة وقد وضعنا هذه العناوين بين معقوفين. ثالثاً: أثبتنا اسم البحر الشعري -فوق الشاهد، إلى جهة اليسار- بين خطين مائلين، على النحو التالي: " ... وقد تبدل الجملة من المفرد، كقوله: [الطويل] إلى الله أشكو بالمدينة حاجة ... وبالشام أخرى كيف يلتقيان؟

ب- في الحاشية: أولا: الآيات القرآنية: أ- عزونا الآيات القرآنية. ب- بينا أوجه القراءات في الآية الواحدة، إذا كان لها وجهان أو أكثر، ومن ثم ذكرنا توجيه القراءات، على الشكل التالي: "..... يجوز في الاسم الذي يتلو الوصف العامل أن ينصب به، وأن يخفض بإضافته، وقد قرئ: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِه} ، و: {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّه} 2، بالوجهين..... ". 65 سورة الطلاق، الآية: 3. أوجه القراءات: قرأ عاصم وحفص والمفضل وأبان وجبلة وجماعة عن أبي عمرو: "بالغ أمره". برفع بالغ من دون تنوين. وقرأ العامة بتنوين "بالغ"، ونصب "أمره". توجيه القراءات: قراءة عاصم وحفص ومن معهما على إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله "أمره". وأما قراءة العامة، فعلى إعمال اسم الفاعل عمل فعله؛ لأنه بمعنى الاستقبال، فنصب "أمره" ولم يضف إليه. انظر البحر المحيط: "8/ 273، والقرطبي: 18/ 161، ومشكل إعراب القرآن: 2/ 384. ج- بينا موطن الشاهد ووجه الاستشهاد في الآية الكريمة، ومن ثم ذكرنا الحكم كما في تعليقنا على الآية السابقة: {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّه} ، 39 سورة الزمر، الآية: 38.

_ 1 65 سورة الطلاق، الآية: 3. 2 39 سورة الزمر، الآية: 38.

موطن الشاهد: {كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} . وجه الاستشهاد: إضافة اسم الفاعل "كاشفات" إلى ضره". ثانياً: الأحاديث الشريفة: خرجنا الأحاديث الواردة في المتن بعد إتمامها، ومن ثم ذكرنا اختلاف رواياتها وبيَّنَّا موطن الشاهد فيها، ووجه الاستشهاد، إذا لم يبين المؤلف في المتن المراد من الاستشهاد بها. ثالثاً: الشواهد الشعرية: سبقت الإشارة في أثناء حديثنا عن عملنا في المتن، أننا أثبتنا اسم البحر الشعري، للشاهد فوق البيت. وأما في الحاشية، فتجلى عملنا في الآتي: أ- ذكرنا اسم صاحب البيت، إن صحَّت نسبته إلى شاعر بعينه، وتيقنَّا من صحة هذه النسبة. وإذا نسب إلى غير واحد، ذكرنا المنسوب إليهما، أو إليهم ورجحنا نسبته إلى واحد منهم إن توفَّرت القرائن، وإلا اكتفينا بذكر المنسوب إليهم فقط. ب- ترجمنا لصاحب الشاهد ترجمة موجزة. وإن لم نعثر على ترجمة لذلك القائل، اكتفينا بما ذكره أصحاب المتون، وعقبنا بالقول: "لم نعثر له على ترجمة وافية". ج- ذكرنا المصادر والمراجع التي يوجد فيها الشاهد، وركزنا على ذكر كتب النحو المعتمدة. وإذا أتى الشاهد مرقما في مصدر من المصادر، أثبتنا رقمه في ذلك المصدر أولا، ثم ذكرنا الصفحة، وإذا كان المصدر أو المرجع جزأين أو أكثر، ذكرنا رقم الشاهد أولا، ثم رقم الجزء أو المجلد ثانيا، ثم رقم الصفحة ثالثا. وأما إذا ورد غير مرقم، فإننا نثبت اسم الكتاب أولا، ثم الصفحة ثانيا، وإن كان المصدر جزأين أو أكثر نذكر رقم الجزء أو المجلد أولا، ثم الصفحة ثانيا، وهكذا، كما في تخريج الشاهد التالي: سبقوا هويَّ وأعنقوا لهواهم ... فتخرموا ولكل جنب مصرع

تخريج الشاهد: البيت من عينيَّة أبي ذؤيب الهذلي المشهورة، وهو من شواهد: الأشموني "674/ 2/ 331"، والعيني: 3/ 493، والمحتسب: 1/ 76، وأمالي ابن الشجري: 1/ 281" وشرح المفصل: 3/ 33، والمقرب: 46، وهمع الهوامع: 2/ 53، والدرر اللوامع: 2/ 68، والمفضليات: 421، وديوان الهذليين: 1/ 2، والتصريح على التوضيح: 2/ 61. د- شرحنا المفردات الغريبة في الشاهد، والتي يعثر فهمها على الطالب. هـ- شرحنا الشاهد الشعري شرحا موجزا، يفي بالغرض. وأعربنا الشاهد إعرابا مفصلا، وموجزا في الوقت نفسه؛ لأن الدارس في هذا الكتاب، يملك القدرة التي تمكنه من فهم المراد، ولا سيما بعد أن يكون ألَمَّ بمبادئ النحو، وقواعد الإعراب. ز- بيَّنَّا موطن الشاهد في البيت، ومن ثم وجه الاستشهاد، أو وجه الدلالة في البيت أو العلة التي لأجلها ساق المؤلف هذا البيت، على النحو التالي: أودي بني وأعقبوني حسرة ... عند الرقاد وعبرة لا تقلعُ الإعراب: أودي: فعل ماضي مبني على الفتح المقدَّر على الألف. بني: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو المنقلبة ياء، المدغمة في ياء المتكلم، نيابة عن الضمة؛ لأن جمع مذكر سالم، وياء المتكلم: في محل جر بالإضافة. وأعقبوني: الواو عاطفة، أعقبوني: فعل ماضي مبني على الضم؛ لاتصاله بواو الجماعة، والواو: في محل رفع فاعل، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب مفعول به أول. حسرة: مفعول به ثانٍ.

"عند": مضاف إليه مجرور. وعبرة: الواو حرف عطف، عبرة: اسم معطوف على حسرة منصوب مثله. لا تقلع: لا نافية، تقلع: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: ضمير مستتر جوازا، تقديره: هي، يعود إلى عبرة، وجملة "لا تقلع": في محل نصب صفة لـ "عبرة". موطن الشاهد: "بني". وجه الاستشهاد: قلب واو الجمع ياء عند إضافة الاسم إلى ياء المتكلم، وإدغامهما، وحكم هذا الإدغام الجواز. وتجدر الإشارة -هنا- إلى أننا في إعراب المفردات، راعينا مسألة: "الخيارات الإعرابية"، فإذا كان للفظة بحسب موقعها في الجملة وجهان من الإعراب، ذكرنا الوجهين غالبا، وإن كان لأحد الوجهين مرجح، ذكرنا في نهاية الإعراب: "وهو الأرجح"، وإذا لم يكن مرجح لأحدهما، اعتمدنا الإعراب الأيسر، والأسهل، وقلنا في نهاية الإعراب: "وهو الأفضل". وأما بالنسبة إلى شبه الجملة -الظرف والجار والمجرور- فقد أعربناه من دون تفصيل لا فائدة فيه، حيث حصرنا الظرف، والجار والمجرور بين تنصيصين، وذكرنا متعلقه مباشرة، كما في الجملة التالية: يغدو الفلاح النشيط إلى أرضه قبيل طلوع الشمس. فأعربنا شبه الجملة على النحو التالي: "إلى أرضه" متعلق بـ "يغدو"، وأرض: مضاف، والهاء: مضاف إليه. "قبيل": متعلق بـ "يغدو" أيضا، وهو مضاف. طلوع: مضاف إليه مجرور، وهكذا. كما تجدر الإشارة إلى أننا لم نذكر الإعراب المفصل للأفعال المعلومة، والمعروفة لدى المبتدئين، إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك. وفي إعرابنا للحروف، اكتفينا بالقول: "حرف عطف، حرف استئناف، حرف مشبه بالفعل، حرف نداء، حرف استثناء ... إلخ"، ولم نقل: لا محل له من الإعراب؛ لأن الحروف -بشكل

عام- لا محل لها من الإعراب دائما. وبالنسبة إلى: "الفاء والباء"، وهما حرفان يجوز فيهما أن يكون للعطف، أو للاستئناف، في الموطن الواحد، فذكرنا في الإعراب ما رأيناه مناسبا للسياق، ويقتضيه المعنى، وقلنا: ويعربه بعضهم: حرف عطف، أو استئناف -الوجه الآخر- والمراد: في الشاهد نفسه، حتى لا يحار الطالب في أمره. وأما الأحرف المصدرية وما تنسبك معه، فقد حصرنا الحرف المصدري بين تنصيصين، وقلنا: و"أن وما بعدها"، أو والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": في محل كذا، كما في المثال التالي: يذهب الطلاب إلى المدرسة ليتعلموا، حتى يفيدوا وطنهم في المستقبل. فقلنا في الإعراب. والمصدر المؤؤل من "أن المضمرة بعد لام التعليل-وما بعدها": في جر جر باللام، والتقدير: للتعلم، و"للتعلم": متعلق بفعل "يذهب". وفي قولنا: "حتى يفيدوا وطنهم". والمصدر المؤول من "أن المضمرة -بعد حتى- وما بعدها": في محل جر بـ "حتى"، والتقدير: لإفادة وطنهم، و"الجار والمجرور": متعلق بفعل "يذهب" أيضان وهكذا. رابعا: الأمثال والكلمات المشهورة: خرجنا الأمثال والحكم الواردة في المتن، وذكرنا المصادر والمراجع التي اعتمدناها، ومن ثم ذكرنا موطن الشاهد ووجه الاستشهاد بالحكمة أو بالمثل، إن لم يكن المؤلف، قد بين المراد من الاستشهاد بهما، في المتن. خامساً: تراجم الأعلام: زيادة في الفائدة، فقد ترجمنا للنحاة واللغويين والقراء والمفسرين والأدباء، والعلماء الواردة أسماؤهم في المتن، حيث بلغ مجموع من ترجم لهم ما يزيد على

أربعين ترجمة ومائتي ترجمة. وقد أثبتنا المصادر والمراجع المعتمدة بعد كل ترجمة. وأما الأسماء التي لم نستطع الحصول على ترجمة لها، فاكتفينا بالاسم الوارد في المتن، وعقبنا بالقول: "ولم نعثر له على ترجمة وافية". سادساً: تعليقنا على المتن: معلوم أن هذا الكتاب شرح لألفية ابن مالك، وقد أراد المؤلف منه أن يوضح معاني الألفية، وهو لم يؤلفه للمبتدئين، كما فعل في "شرح قطر الندى وبل الصدى". و"شرح شذور الذهب"، وإنما ألفه لمن صار لديهم قدرة على فهم المراد، ويستطيعيون القياس والاستنباط، ولهذا كثرت رموز هذا الكتاب، وغمض الكثير من عباراته مما اضطر الشيخ خالد الأزهري لأن يصنف حاشية عليه، أسماها: "التصريح على التوضيح"، وقد علق الشيخ يس العلمي الحمصي على هذه الحاشية تعليقات مفيدة، طبعت مع الحاشية والشرح. ولما قام المرحوم الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد بتحقيق "أوضح المسالك" وضع له تعليقات على غاية من الأهمية، غير أنه لم ينسب تلك التعليقات إلى أصحابها، وأكثرها نقل حرفيا من الكتب المشهورة كـ "همع الهوامع"، و"حاشية الصبان"، و"المغني" وغيرها......، فضلا عن التصريح، وحاشية الشيخ يس. وكذلك، قام الشيخ محمد عبد العزيز النجار بوضع تعليقات، لا تقل أهمية، من تعليقات المرحوم محمد محيي الدين عبد الحميد، وجعل هذه التعليقات على مستويين، الأول للمبتدئين، والثاني للجامعيين، وطلاب المعاهد العليا، وسماه: "ضياء السالك"، غير أنه -هو الآخر- لم يذكر المصادر والمراجع التي اقتبس منها، هي نفسها التي اعتمدها الشيخ عبد الحميد كما يظهر لمتتبع طرق الكتابين. ولما كان هذا الكتاب مرجعا مهما للأساتذة والباحثين ولا غنىً عنه بحال بالنسبة إلى الطلاب المتخصصين، ووفاءً بالعهد الذي قطعناه على أنفسنا، بإعادة النظر في كتب ابن هشام المحققة، وإخراجها إخراجًا عصريا، وشرحها شرحا واضحا، وفق أصول المنهجية العلمية؛ لِيستفيد منها الكبار والصغار معا، فقد قمنا

بشرح ما غمض من مسائل الكتاب، وأوضحنا ما يعسر فهمه على الطلاب، من العبارات، والألفاظ، والتراكيب، والمصطلحات، والأفكار، واعتمدنا التصريح على التوضيح مرجعا أساسًا في عملنا، ولم نهمل تعليقات الشيخين، محمد محيي الدين عبد الحميد، والشيخ محمد عبد العزيز النجار، وكثيرا ما نقلنا عنهما، ونسبنا القول إليهما، أو إلى المصادر التي استقيا منها، إن كان النقل حرفيا من دون أي إضافة تذكر. وتوخيا للأمانة العلمية، فقد آثرنا ذكر المراجع والمصادر المعتمدة؛ ليطمئن الطالب والباحث إلى صحة ما أتينا به من المعاني والأفكار. ولما كان طلاب الجامعات، وطلاب الدراسات العليا، يجدون صعوبة ومشقة، في العودة إلى المصادر والمراجع النحوية؛ لكثرتها من جهة، ولتعدد طبعاتها من جهة أخرى، فقد أحلنا الباحثين، ومن يودُّون التعمق في البحث والتحليل، إلى المصادر التي تشبع نهمهم، بعد تعليقنا على كل فكرة، أو مبحث بحاجة إلى مزيد الشرح والإيضاح؛ وذلك تمكينا للطالب والباحث من الوصول إلى مبتغاه من دون عناء. التوجيهات والتعقيبات: لما كان هذا الكتاب مختصرا -كما سماه صاحبه- فقد تجاوز كثيرا من الأمور التي ينبغي للطالب أن يطلع عليها، حيث أغفل كثيرا من التعريفات الضرورية في مستهل الفصول والأبواب، فكان يشرع في الحديث عن الأحكام، والشروط من دون تمهيد يذكر، أو تعريف يحدد المراد بالمصطلح النحوي، وأحيانا أخرى كان يتجاوز أمورا ضرورية وجوهرية لا غنى للطالب عنها، وما ذلك -بحسب اعتقاده؛ إلا لكون الدارس أو الطالب الذي يتناول هذا الكتاب، قد ألمَّ بالمبادئ والأوليات في كتبه التي صنفها للمبتدئين، كقطر الندى وبلِّ الصدى، وشذور الذهب وأمثالهما. فإتمامًا للفائدة، ومراعاة لمستوى طلابنا في هذه الأيام، فقد أضفنا كثيرا من الفوائد، والتوجيهات، والتنبيهات، والتعقيبات، فضلا عن التعريفات، كلما وجدنا الضرورة تقتضي ذلك، فرب فائدة تساق في موقعها المناسب، تكون أكثر فائدة من

المبحث بكامله-أحيانا- ورُبَّ توجيه يثير انتباه الطالب، يكون له أثر محمود في تركيز اهتمام الباحث. وأما حرصنا على التعريفات والتعقيبات، فلكى تكون موضوعات الكتاب متكاملة قدر الإمكان. ج- من الناحية الفنية: أ- المصادر والمراجع: آثرنا ذكر المصادر والمراجع لـ "الشروح، والتعليقات، والتخريجات، والترجمات، والفوائد، والتوجيهات، والتعقيبات بعد الانتهاء من ذكرها مباشرة، لكيلا نجعل لها حواشي في أسفل الصفحات؛ لأن عملنا كله، يعد حاشية على الكتاب من جهة، ولكيلا يمل القارئ ويتشتت انتباهه من جهة أخرى. ب- المسارد الفنية: صنعنا للكتاب اثني عشر مسردا فضلا عن مسرد الموضوعات، كل منها مختص بجانب محدد؛ لتمكن الباحث من العودة إلى ما هو بحاجة إليه بسرعة وسهولة، وهذه المسارد هي: أولاً: مسرد الآيات القرآنية. ثانياً: مسرد الأحاديث الشريفة. ثالثاً: مسرد الأمثال والأقوال المشهورة. رابعاً: مسرد الشواهد النثرية. خامساً: مسرد الشواهد الشعرية. سادساً: مسرد الأعلام. سابعاً: مسرد الشعراء. ثامناً: مسرد القبائل والجماعات. تاسعاً: مسرد الأماكن والبلدان. عاشراً: مسرد المصادر والمراجع حادي عشر: مسرد محتويات الكتاب. ثاني عشر: مسرد المسارد. وختامًا، أسأل الله -تبارك وتعالى- أن يفيد بهذا الكتاب، وأن يمنَّ علينا بدوام الصحة والعافية؛ لِنتمكن من إعادة تحقيق مؤلفات ابن هشام كلها، وفق النهج الذي بدأنا والحمد لله أولا وآخرا.

مقدمة أوضح المسالك: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: يعد كتاب "الخلاصة الألفية" في النحو والصرف، لابن مالك الأندلسي1، من أهم المنظومات النحوية واللغوية، لما حظيت به من عناية العلماء والأدباء الذين انْبَرَوْا للتعليق عليها، بالشروح والحواشي. ولعل من أهم هذه الشروح: شرح ابن عقيل2، وشرح ابن هشام الأنصاري، وشرح الأشموني، وسنتحدث بإيجاز عن كل من هذه الشروح الثلاثة. أما الأول: فهو من أهم الشروح على كثرتها؛ لِما فيه من الوضوح والسهولة

_ 1 ابن مالك: هو محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك، جمال الدين، أبو عبد الله الجياني، ولد بجيان سنة 60هـ، وقيل سنة 601هـ، ولما ترعرع تعلم العربية وسمع من الشلوبيين في الأندلس، وأخذ عن ابن الحاجب بمصر سنة 630هـ، ورحل إلى دمشق، وأقام فيها حتى أواخر حياته. من آثاره: الكافية الشافية في ثلاثة آلاف بيت، ومنظومته الألفية -الخلاصة- ملخص عنها. والوافية، وهو شرح للكافية الشافية. والفوائد وغيرها، وقد بلغت مصنفاته الثلاثين، أو أكثر مات سنة 672هـ بدمشق. انظر البغية: 1/ 130، وابن العماد: 5/ 339. 2 ابن عقيل: أبو محمد، بهاء الدين، عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عقيل، ولد بمصر سنة 694هـ، وقيل: 698، وقيل: 700هـ. برع في النحو، حتى عُدَّ نحويَّ الديار المصرية في زمانه. أخذ عن القزويني، ولازم أبا حيان اثنتي عشرة سنة. قال فيه أبو حيان: "ما تحت أديم السماء أنحى من ابن عقيل" مات بالقاهرة سنة 769هـ. انظر الدور الكامنة: 2/ 372، وابن العماد: 6/ 214، والبغية: 2/ 47.

مع شيء من الإيجاز. وقد علق على هذا الشرح حواشٍ عدة، أشهرها: حاشية الجلال السيوطي "911هـ"، وحاشية أحمد السجاعي "1197هـ" وأشهرها وأوسعها: حاشية محمد الخضري الدمياطي "1227هـ". وأما الشرح الثالث: فهو شرح الأشموني1، وهو "يعد أغزر شروح الألفية مادة على كثرة الشروح2، واختلاف مشارب أصحابها، بل ويعد من أكثر كتب النحو جميعا واستيفاء، لمذاهب النحاة، وتعليلاتهم وشواهدهم مع البسط والتفصيل3، على الرغم مما قيل فيه، ووجه إليه من النقد الذي لا يخلو منه كتاب يضاهيه. وقد علق على هذا الشرح حواشٍ كثيرة، أهمها: حاشية الصبان4 "1206هـ". وأما الشرح الثاني: فهو شرح ابن هشام الأنصاري، وهو موضوع بحثنا، وندع الحديث عنه للعلامة خالد الأزهري5، حيث قال في مقدمة حاشيته على التوضيح واصفا هذا الكتاب: " ... وهو في غاية حسن الموقع عند جميع الإخوان

_ 1 أبو الحسن، نور الدين، علي بن محمد بن عيسى بن يوسف المعروف بالأشموني، من أشمون، ولكنه وُلِد بقناطر السباع -وهما بلدان من بلاد مصر- سنة 838هـ، وتوطَّن القاهرة، ونشأ متزهدا متقشفا. قال عنه السخاوي: "راجٍ أمره، ورجح على السيوطي -أي في العلم- مع اشتراكهما في الحمق. غير أن ذلك -أي: السيوطي- أرجح -أي: في الحمق- توفي بالقاهرة سنة 929هـ. انظر الضوء اللامع: 6/ 5، وشذرات الذهب: 8/ 164، والوسيط في تاريخ النحو العربي، ص235. 2 من هذه الشروح: شرح ابن الناظم، وشرح المرادي، وشرح الشاطبي وغيرها. 3 الوسيط في تاريخ النحو العربي: 235-237. 4 وهناك شروح منها: حاشية المدابغي، وحاشية الأساقطي، وحاشية الحنفي وغيرها. 5 الأزهري: زين الدين، خالد بن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن أحمد الجرجي الأزهري، ويعرف بالوقَّاد. ولد بجرجة في صعيد مصر، وتحول إلى القاهرة -وهو طفل- مع أبويه. برع في العربية. من مؤلفاته: التصريح بمضمون التوضيح، والمقدمة الأزهرية في علم العربية، وشرح الأجرومية، وشرح على كتاب "الإعراب عن قواعد الإعراب" لابن هشام. وغيرها، مات قرب القاهرة سنة 905هـ. انظر الوضوء اللامع: 3/ 171، وابن العماد: "8/ 26.

لم يؤتَ بمثاله، ولم يُنسَجْ على منواله، ولم يوضع في ترتيب الأقسام مثله، ولم يبرز للوجود في هذا النحو شكله"1. وأما الغاية التي هدف إليها ابن هشام في شرحه المسمى: "أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك" فقد أوجزها في مقدمة كتابه، ويمكن إيجازها بالآتي: - أن يساعد المتعلمين في فهم كتاب "الخلاصة الألفية". - أن يأتي بمثل ما أتى به ابن مالك في "الخلاصة" ويستدرك ما فاته. - أن يبين ويشرح مفرداته، ويفصل تراكيبه ويوضحها. - أن يرتب المعلومات، وينسقها وفق الطريقة التي أرادها، واتبعها في مؤلفاته الأخرى، في ضم القواعد المتصلة بعضها ببعض، ولو خالف المؤلف في تفصيله وترتيبه. - ألا يترك مسألة فيه من دون أن يأتي لها بشاهد أو بمثال يوضحها. غير أن هذا الإيضاح الذي قصد إليه ابن هشام، يصفه بعد أن تحدث عن "كتاب الخلاصة الألفية" قائلا: "غير أنه -أي: الخلاصة- لإفراد الإيجاز، قد كاد يعد من جملة الألغاز -وأردف واصفا عمله- وقد أسعفت طالبه بمختصر يدانيه"2، ولهذا كانت طريقته شبيهة بطريقة شرح قطر الندى وبلِّ الصدى، وإن كانت عبارته هناك -أي: في شرح قطر الندى- أكثر بسطا منها، في أوضح المسالك؛ لأن الأول صنف للمبتدئين، وأما الثاني فيأتي في الدرجة الرابعة في الترتيب الهرمي بعد "الإعراب عن قواعد الإعراب" و: "شرح قطر الندى وبلِّ الصدى" وشرح شذور الذهب". ولما وجد العلماء صعوبة في عبارة الكتاب، مع إيجاز يكاد يكون رمزا في كثير

_ 1 التصريح على التوضيح، خالد الأزهري "بيروت: دار الفكر، لا. ت" ص: 3. 2 مقدمة الكتاب.

من الأحيان، عمدوا إلى شرحه، والتعليق عليه. ولعل أشهر من حشى عليه، الشيخ خالد الأزهري1، وسمى حاشيته "التصريح بمضمون التوضيح". ويصف الشيخ خالد عمله بعد أن وصف الكتاب بأنه لم يُنسَجْ على منواله: وهو يحتاج إلى شرح يسفر عن وجوه مخدّراته النقاب، ويبرز من خفي مكنوناته ما وراء الحجاب"2. هذا وقد علق على هذه الحاشية الشيخ ياسين العليمي الحمصي3 تعليقات طبعت مع الحاشية والشرح معا. وأما من علقوا على كتاب "أوضح المسالك" فكثر، منهم: العيني المتوفى سنة 819هـ، والإمام السيوطي المتوفى سنة 911هـ، وابن جماعة المتوفى سنة 919هـ. ومهما يكن من أمر، فإن "أوضح المسالك" يعد من أشهر كتب النحو بشكل عام، ومن أشهر كتب ابن هشام بشكل خاص. وقد عكف عليه الدارسون قديما وحديثا؛ لِما فيه من السهولة في العبارة، والترتيب في الأفكار، وإن كان فيه كثير من الاستطراد. وقد عني به المرحوم الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد فحققه، وأخرجه مع تعليقات في غاية الأهمية، وإن كان تعليقاته- هو الآخر، لا تخلو من الاستطراد. ثم شرحه الشيخ محمد عبد العزيز النجار شرحين؛ أحدهما: للمبتدئين. والثاني: لطلاب المعاهد والجامعيين، وسماه: "ضياء السالك إلى أوضح المسالك"، وهو أقل استطرادا في تعليقاته، وأكثر تفصيلا، ووقوفًا على الجزئيات، وأكثر تحليلا للتراكيب والعبارات. وقد استفدنا -في عملنا- من الكتابين. وكثيرا ما عزونا اقتباساتهما وتعليقاتهما إلى أهلها.

_ 1 مرت ترجمته. 2 التصريح بمضمون التوضيح، ص3. 3 هو ياسين بن زين الدين بن أبي بكر بن عليم الحمصي المشهور بالعليمي، شيخ عصره في العربية. ولد بحمص، ورحل مع أبيه إلى مصر ومات فيها سنة 1061هـ، من آثاره: تعليق على حاشية التصريح للشيخ خالد، وحاشية على شرح قطر الندى لابن هشام، وحاشية على شرح الفاكهي على متن القطر وغيرها. انظر خلاصة الأثر 4/ 491، والوسيط في تاريخ النحو: 239.

وأما اعتمادنا الأول -في عملنا- فكان على "شرح التصريح"، وحاشية ياسين الحمصي عليه، وعلى حاشية الصبان، واقتبسنا كثيرا من الفوائد والتوجيهات من شرح الأشموني، وعلى شرح ابن عقيل، وعلى الدرر اللوامع، للشنقيطي، وعلى المغني لابن هشام وعلى كتب أخرى ذكرت في حواشي الكتاب. وقد سِرْنَا -في أثنا عملنا- وفق الخطة التي رسمناها لتحقيق مؤلفات ابن هشام وغيرها، وقد أوضحناها في التمهيد. وقد سمينا عملنا هذا "مصباح السالك إلى أوضح المسالك" متضرعين إلى الله تعالى أن يسلكنا سبيل العلماء العاملين المخلصين. وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يبعد عنا الجهل، والفسوق والعصيان، وأن يجنبنا الهوى، والزيغ، والبهتان. وأن يكرمنا بالتقوى، ويجملنا بالعافية ما أحيانَا. وأن يبارك لنا فيما آتانا. وأن يمدنا بالصبر والثبات؛ لِنتم الطريق الذي بدأنا. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن بهداهم اقتدى، والحمد لله أولا وآخرا. بركات يوسف هبود. بيروت في 22/ صفر/ 1414هـ. الموافق لـ 9/ آب/ 1993م.

مقدمة المؤلف: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين1، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وقائد الغر2 المحجلين3، وعلى آله4 وصحبه أجمعين، صلاة وسلامًا5 دائمين بدوام السموات والأرضين6.

_ 1 الأرجح: أنه اسم جمع، أعرب إعراب الجمع، وليس جمعا لـ "عالم" بفتح اللام، كما قال بعضهم؛ لأنه يستلزم أن يكون المفرد أعم من الجميع؛ لأن العالم: اسم لكل ما سوى الله تعالى، و"العالمين": خاص بالعقلاء. ضياء السالك: "1/ 29. 2 جمع "أغر" من الغرة، وهي بياض في الجبهة، ورجل أغر: شريف كريم الأفعال واضحها. 3 جمع "محجل"، وفي هذا إشارة إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "أمتي الغرُّ المحجَّلون". 4 هو اسم جمع، لا واحد له من لفظه، واختلف في ألفه، أمنقلبة عن هاء أو عن واو؟ فقال سيبويه: إنها منقلبة عن هاء، وأصله عنده: أَهْل. وقال الكسائي: إنها منقلبة عن واو، وأصله عنده أول، من آل إليه في الدين يؤول، ويظهر أثر القولين في التصغير. فمن قال: أصله أهل، قال في تصغيره: أهيل. ومن قال: أصله أول، قال في تصغيره: أويل، وكلاهما مسموع، غير أن الأول أشهر وأكثر، ثم اختلف في معناه، فقال الشافعي رضي الله عنه: أقاربه المؤمنون من بني هاشم والمطلب ابنَيْ عبد مناف؛ لأنهم أهلوه، أو آل أمر دينهم إليه، وقيل غير ذلك. التصريح: 1/ 11-12. 5 صلاةً وسلامًا": اسما مصدر منصوبان على المفعولية المطلقة، يفيدان تقوية عاملهما، وتقدير معناه. 6 بفتح الراء، ولا يجوز تسكينها إلا في الشعر، كقول أحدهم: لقد ضجت الأرضون إذ قام من بني ... هداد خطيب فوق أعواد منبرِ وجمعت "أرض" جمع مذكر سالما شذوذا. التصريح: 1/ 12.

أما1 بعد حمد الله مستحق الحمد وملهمه2، ومنشئ الخلق ومعدمه، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأكرمه، المنعوت بأحسن الخلق3 وأعظمه4، محمد5، نبيه، وخليله وصفيه، وعلى آله وأصحابه، وأحزابه وأحبابه، فإن كتاب الخلاصة الألفية، في علم العربية6، نظم الإمام العلامة جمال الدين أبي عبد الله محمد بن مالك الطائي7، رحمه الله، كتاب صغر

_ 1 "بفتح الهمزة، وتشديد الميم"، قال الدماميني: حرف غير معنى الشرط، صرح به جماعة من النحويين، لا حرف شرط. المصدر نفسه. 2 الإلهام: ما يُلقَى في الروع، بضم الراء، وهو القلب. 3 بضم الخاء مع ضم اللام وتسكينها"، والضم أشهر. والخلق والخلق -بفتح الخاء في الأول وضمها في الثاني- في الأصل واحد كالشرب، والشراب، لكن خص المفتوح بالهيئات، والأشكال، والصور المدركة بالبصر، وخص الثاني، بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة. والمراد هنا السجية والطبيعة. المصدر نفسه: 1/ 13. 4 معطوف على أحسن، وهو مقتبس من قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم} . 5 بدل من "أشرف" ويجوز كونه عطف بيان عليه؛ فإن إضافة اسم التفضيل إلى المعرفة معنوية، لا أنها لفظية. وقد ذهب هذا المذهب -إلى أنها لفظية- أبو البقاء العكبري، ومن قبله ابن السراج والفارسي، والكوفيون، وتبعهم جماعة من المتأخرين. المصدر نفسه. 6 المراد هنا: النحو الصرف؛ لأن علم العربية -كما يقول الزمخشري- يطلق على اثني عشر علما، ويحد على هذا بأنه قواعد تعرف بها أحوال الكلمات، عند الإفراد والتركيب. 7 هو إمام النحاة، محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني -نسبة إلى مولده- الشافعي، ولد سنة 600هـ، عالم بالنحو والقراءات، أخذ عن أَجِلَّة علماء عصره، مثل: ثابت بن حيان، وأبي علي الشلوبين، وابن يعيش الحلبي، له تصانيف كثيرة تقارب الثلاثين، منها: التسهيل، والعمدة، والخلاصة الألفية ... وغيرها. مات سنة 672هـ. البلغة: 229، وبغية الوعاة: 1/ 130، وطبقات القراء: 2/ 180، والوافي بالوفيات: 3/ 359.

حجمًا، وغزر علمًا، غير1 أنه لإفراط الإيجاز2، قد كان يعد من جملة الألغاز. وقد أسعفت3 طالبيه، بمختصر يُدانيه4، وتوضيح يسايره ويباريه5، أحل به ألفاظه وأوضح معانيه، وأحلل به تراكيبه، وأنقح مبانيه6، وأعذب به موارده، وأعقل به شوارده7، ولا أخلي منه مسألة شاهد أو تمثيل، وربما أشير فيه إلى خلاف أو نقد أو تعليل، ولم آل جهدًا8 في توضيحه وتهذيبه، وربما خالفته في تفصيله وترتيبه وسميته: "أوضح المسالك، إلى ألفية ابن مالك". وبالله أعتصم9، وأسأله العصمة مما يصم10، لا رب غيره، وما مأمول إلا خيره، عليه توكلت، وإليه أنيب.

_ 1 بالنصب على الاستثناء المنقطع المخرج عما دخل في حكم دلالة المفهوم، واختلف في نصبها في الاستثناء، فقال ابن عصفور: عن تمام الكلام، وقال الفارسي: على الحالية، وقال ابن الباذش: على التشبيه بظرف المكان، ويجوز أن تكون فتحة غير -هنا- بنائيَّة؛ لأن "غير" إذا أضيفت لمبني، جاز بناؤها على الفتح، كقوله: لم يمنع الشرب فيها غير إن نطقت ... حمامة في غضون ذات أو قال انظر التصريح: 1/ 15، ومغني اللبيب: 211. 2 الإفراط: مجاوزة الحد في الأمر، والإيجاز: الاختصار. 3 ساعدت وعاونت، وأسعفه بحاجة: قضاها له. 4 يقاربه. 5 يسابقه، ويفعل مثل فعله. 6 أهذِّب أصول موضعاته، ومبنى الكتاب: ما تبنى عليه مسائله. 7 أعقِل: أمنع. والشوارد: النوافر، واحدها شاردة أو شارد، والمراد: أجمع مسائله المبعثرة. 8 أدَّخِرْ وسعًا، والألوّ: التقصير. 9 أَمتَنِع. 10 يعيب.

باب شرح الكلام

باب شرح الكلام: هذا باب شرح الكلام، وشرح ما يتألف الكلام منه: [بيان معنى الكلام وأقل ما يتألف منه] . الكلام -في اصطلاح النحويين1- عبارة عمل اجتمع فيه أمران: اللفظ، والإفادة. والمراد باللفظ الصوت المشتمل على بعض الحروف، تحقيقا أو تقديرا2. والمراد بالمفيد: ما دل على معنى يحسن السكوت عليه3. وأقل ما يتألف الكلام من اسمين: كـ "زيد قائم"4 ومن فعل اسم، كـ "قام زيد" ومنه5 "استقم"؛ فإنه من فعل الأمر المنطوق به، ومن ضمير المخاطب المقدَّر

_ 1 أما عند اللغويين، فالقول، ما كان مكتفيًا بنفسه في أداء المقصود منه، كالخط والإشارة والرمز، يقول ابن عقيل: هو في اللغة: اسم لكل ما يُتلفَّظ به، مفيدا كان أو غير مفيد، وعند المتكلمين: هو المعنى القائم بالنفس. ابن عقيل: 1/ 15، والتصريح على التوضيح: 1/ 18 و19. 2 تحقيقًا: كمحمد وعلي، وتقديرا: كالضمائر المستترة، في نحو: اقرأ، تعلم، نشكر؛ فإنها ليست بحروف ولا أصوات، والتعبير عنها بالضمائر المنفصلة تقريبا للفهم. 3 أي من المتكلم بحيث يقنع السامع، ولا ينتظر مزيدا من المخاطب، وهذا يستلزم أن يكون الكلام مركبا مقصودا، وعلى ذلك، فلا حاجة لهذين القيدين، كما قال. التصريح: 1/ 20، 21. 4 هذان اسمان حكما؛ لأن الوصف مع مرفوعه المستتر في حكم الاسم المفرد، ومثال الاسمين حقيقة: الدب حيوان. 5 أي: ومما يتألَّف من فعل واسم، وهو بهذا يشير إلى أنه لا فرق بين أن يكون الجزآن مذكورين، أو أحدهما ولا بين الخبر والإنشاء، هذا ويسمى الكلام جملة.

بأنت6. [معنى الكلام] : والكلم: اسم جنس جمعي، واحده كلمة2، وهي: الاسم، والفعل،

_ 1 وقول النحويين: "أقلّ ما يتألف منه الكلام اسمان، أو فعل واسم" مرادهم أن هاتين الصورتين أقلّ الصور التي يتألف منها الكلام المفيد أجزاء، وليس معناه أن الكلام، لا يتألف إلا من اسمين أو فعل واسم، فقد تتبع النحاة كلام العرب، فوجدوه يرد على ست صور إجمالا -وهي إحدى عشرة صورة تفصيلا؛ وذلك لأنه؛ إما أن يتألف من اسمين، وإما من فعل واسم، وإما من جملتين وإما من فعل واسمين، وإما من فعل وثلاثة أسماء، وإما من فعل وأربعة أسماء، فهذه ست صور على وجه الإجمال. وأما على وجه التفصيل: فالمؤلف من اسمين له أربع صور؛ لأن الاسمين إما مبتدأ وخبر، نحو: "زيد قائم" وإما مبتدأ وفاعل، سدَّ مسدَّ الخبر، نحو: "أقائم الزيدان، وإما مبتدأ ونائب فاعل، سد مسد الخبر، نحو: "أمضروب زيد" وإما اسم فعل وفاعله نحو "هيهات العقيق". والمؤلف من فعل اسم، له صورتان؛ لأنه إما من فعل وفاعل نحو "قام زيد" وإما من فعل ونائب فعل نحو "قطع الغصن". والمؤلف من جملتين، له صورتان؛ لأن الجملتين: إما جملتا القسم وجوابه، نحو: "أقسم بالله لأكرمنك" وإما جملتا الشرط وجوابه نحو" إن تجتهد تنجح". والمؤلف من فعل واسمين، له صورة واحدة، وهي "كان" أو إحدى أخواتها مع اسمها وخبرها، نحو قولك: "كان الجو حارا" و"أصبح الجو باردا". والمؤلف من فعل وثلاثة أسماء، له صورة واحدة أيضا، وهي "ظن" أو إحدى أخواتها مع فاعلها ومفعوليها، نحو "ظننت الوقت متسعا". والمؤلف من فعل وأربعة أسماء، له صورة واحدة أيضا، وهي: "أعلم" أو إحدى أخواتها مع فاعلها ومفعولاتها، نحو "أعلمت زيدا عمرا مخلصا". انظر قطر الندى بتحقيقنا. 2 اختلفوا في لفظ "كلم" فقيل: وهو جمع مفرده كلمة، وقيل: وهو اسم جمع؛ لأنه ليس على زنة من أوزان الجموع المحصورة المشهورة، والصحيح أنه اسم جنس جمعي، واسم الجنس على نوعين: الأول اسم جنس إفرادي، وهو "ما دل على القليل والكثير من جنس واحد بلفظ واحد" وذلك كماء وتراب وزيت وخلٍّ، ومنه المصدر: كضَرْب وشُرْب وقيام وجلوس، والثاني اسم جنس جمعي، وهو: ما يفرق بينه وبين واحده بالتاء غالبا، وذلك بأنه يكون الواحد بالتاء، واللفظ الدال على الجمع بغير تاء، وذلك مثل: كلم وكلمة، وبقر وبقرة، وشجر وشجرة ... ، وقولنا: "غالبا" للإشارة إلى شيئين، أولهما: أنه قد يفرق بين الواحد واللفظ الدال على الجمع بالياء المشددة، نحو: روم ورومي، وزنج وزنجي..... وثانيهما: أنه قد يكون اللفظ الدال على الجمع مقترنا بالتاء، والمفرد خاليا منها، عكس الغالب، نحو: كم، وكمأة، وذلك النوع في العربية قليل جدا. شرح التصريح: 1/ 24، وابن عقيل: 1/ 15.

والحرف1، ومعنى كونه اسم جنس جمعي أنه يدل على جماعة، وإذا زيد على لفظه تاء التأنيث فقيل "كلمة" نقص معناه، وصار دالًّا على الواحد، ونظيره لبن ولبنة، ونبق ونبقة. [النسبة بين الكلم والكلام] : وقد تبين، بما ذكرناه في تفسير الكلام، من أن شرطه الإفادة، وأنه من كلمتين، وبما هو مشهور من أن أقل الجمع ثلاثة، أن بين الكلام والكلم عموما وخصوصا من وجه2، فالكلم أعم من جهة المعنى؛ لانطلاقه على المفيد وغيره3، وأخص من جهة اللفظ؛ لِكونه لا ينطلق على المركب من كلمتين، فنحو:

_ 1 ونقل عن الفراء أن "كلا" ليست واحدا، من هذه الثلاثة، بل هي بين الأسماء والأفعال. وقال الفخر الرازي: لا يصح أن تكون الكلمة جنسا لهذه الأنواع الثلاثة؛ لأنها لو كانت جنسا لها، لكان امتياز كل واحد من هذه الثلاثة، بفصل وجودي مع أن الحرف يمتاز عن الاسم والفعل بقيد عدمي، وهو كون مفهومه غير مستقل بالمفهومية، والاسم -أيضا- يمتاز عن الفعل بقيد عدمي، وهو كونه غير دالٍّ على زمانه المعين. شرح التصريح: 1/ 25. 2 ضابط العموم والخصوص الوجهي: أن يجتمع اللفظان في الصدق على شيء، كاجتماع الكلام والكلم -هنا- في الصدق على "زيد قام أبوه" لأنه مفيد، وقد تركب في أربع كلمات. وينفرد كل منهما بالصدق على شيء، كانفراد الكلام بالصدق على "قام زياد"؛ لأنه مفيد وليس مركبا من ثلاثة ألفاظ، وانفراد "الكلم" بالصدق على "إن قام زيد"؛ لأنه مركب من ثلاثة ألفاظ وليس مفيدا. التصريح: 26-27. 3 المفيد نحو: الله واحد لا شريك له، وغير المفيد نحو: إن يجتهد الطالب.

"زيد قام أبوه" كلام؛ لوجود الفائدة، وكَلِم؛ لوجود الثلاثة بل الأربعة، و"قام زيد" كلام لا كَلِم، وإن قام زيد" بالعكس. [معنى القول] : والقول عبارة عن: اللفظ الدالِّ على معنى1، فهو أعمُّ من الكلام، والكلم، والكلمة، عموما مطلقا2، لا عموما من وجه. وتطلق الكلمة لغة3 ويراد بها الكلام4، نحو: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} 5، وذلك كثير لا قليل.

_ 1 سواء صح السكوت عليه أم لا. 2 ضابط هذه النسبة بين الأشياء، الاجتماع في الصدق على شيء وانفراد الأعم، وهو القول: فهو ينفرد في نحو: ظلمة الليل- غلاف المصحف؛ لأن هذه الأمثلة، ليست كلاما، ولا كَلِمًا، ولا كلمة كما سلف، ولهذا قال الناظم "والقول عم"؛ لأنه ينطبق عليها جميعا. التصريح: 1/ 28. 3 قيد بذلك؛ لأنها في الاصطلاح: هي اللفظة الواحدة التي تتركب من بعض الحروف الهجائية وتدل على معنى مفرد: أي جزئي. 4 أي على سبيل المجاز من باب تسمية الشيء باسم جزئه، وكذلك يطلق القول ويراد به الرأي والاعتقاد، نحو: قال أبو حنيفة كذا- أي رأى واعتقد. التصريح 1/ 28. 5 23 سورة المؤمنون، الآيةان: 99، 100. موطن الشاهد: "كلمة". وجه الاستشهاد: مجيء "كلمة" في الآية الكريمة دالة على معناها اللغوي؛ لأنه أريد بها الكلام الذي قاله القائل: {رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} ، وعندما تطلق "الكلمة لغة ويراد بها الكلام، فذاك مجاز من تسمية الشيء، باسم جزئه. ومثل قولهم: كلمة الشهادة، يريدون: لا إله إله الله محمد رسول الله. ومثل هذا قول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: "أصدق كلمة قالها شاعر، كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... ". وتقول: حفظت كلمة زهير: تريد قصيدة له بطولها انظر التصريح: 1/ 28و 29.

[علامات الاسم] : يتميز الاسم1 عن الفعل والحرف بخمس علامات2: إحداها: الجر، وليس المراد به حرف الجر؛ لأنه قد يدخل في اللفظ3 على ما ليس باسم، نحو: "عجبت من أن قمت"4 بل المراد به الكسرة التي يحدثها عامل الجر، سواء كان العامل حرفا، أم إضافة، أم تبعية5، وقد اجتمعت في البسملة6. الثانية: التنوين، وهو نون ساكنة تلحق الآخر7 لفظا لا خطا لغير توكيد، فخرج بقيد السكون النون في "ضيفن" للطفيلي8، و"رعشن" للمرتعش، وبقيد الآخِرِ النون في "انكسر" و"منكسِر" وبقولي "لفظًا لا خطًّا" النون اللاحقة لآخر.

_ 1 الاسم: كلمة دالة تدل بذاتها -أي: من غير احتياج إلى كلمة أخرى- على شيء ولا تقترن بزمن، وهذا الشيء قد يكون محسوسا: كمحمد، أو يدرك بالعقل مثل: علم، شجاعة. 2 إذا وجدت واحدة منها في الكلمة كانت دليلا على أنها اسم. 3 قيد بذلك؛ لأن ما بعد "من" في المثال اسم بالتأويل، أي من قيامك. 4 ومن ذلك، عند جمهرة النحاة، قول بعضهم-وقد بشر بأنثى: "والله ما هي بنعم الولد"، وقول آخر- وقد سار إلى محبوبته على حمار بطيء: نعم السير على بئس العير. 5 الصحيح أن الجار في الإضافة هو المضاف لا الإضافة، وفي التبعية عامل المتبوع من حرف أو مضاف -في غير البدل- لا التبعية. 6 فـ "اسم" مجرور بالحرف، ولفظ الجلالة مجرور بالإضافة، "الرحمن الرحيم" مجروران بالتبعية للموصوف. 7 المراد بالآخر الذي لحقه التنوين، ما كان آخرا حقيقة، كالدال من "زيد" والراء من "عمرو" أو كان آخرا حكما كالدال من "يد" و"غد" والميم من "دم"، فإن لام هذه الكلمات قد حذفت اعتباطا، أي لغير علة، وبقيت عين هذه الكلمات أواخر لها حكما. التصريح: 1/ 31. 8 هو الذي يجيء مع الضيف في مأدبة أو وليمة متطفلا من غير دعوة.

القوافي1، وستأتي، وبقولي "لغير توكيد" نون نحو {لَنَسْفَعًا} 2 و"لتضربن يا قوم" و"لتضربن يا هند". وأنواع التنوين أربعة: أحدها: تنوين التمكين3، كزيد ورجل، وفائدته الدلالة على خفة الاسم وتمكنه في باب الاسمية؛ لِكونه لم يشبه الحرف فيبنى، ولا الفعل فيُمنَع من الصرف. الثاني: تنوين التنكير، وهو: اللاحق لبعض المبنيات للدلالة على التنكير، تقول: "سيبويه" إذا أدرت شخصا معينا اسمه ذلك، و"إيه" إذا استزدت مخاطبك من حديث معين، فإذا أردت شخصا ما اسمه سيبويه أو استزادة من حديث ما نونتهما4.

_ 1 جمع قافية، وهي آخر كلمة في البيت من الشعر، أو هي الحرف الذي تبنى عليه القصيدة، وقيل: هي من آخر حرف في البيت إلى أول ساكن يليه مع المتحرك الذي قبل الساكن. انظر كتاب: مفتاح العلوم، للسكاكي "ط. المكتبة العلمية الجديدة": 270. 2 96 سورة العلق، الآية: 15. موطن الشاهد: {لَنَسْفَعًا} . وجه الاستشهاد: مجيء التنوين غير مفيد التوكيد؛ ورسمت بالألف لوقوعها بعد فتحة. وجاءت النون مرسومة في الخط ألفا؛ لوقوعها بعد الفتحة، بخلاف الواقعة بعد الضمة والكسرة فإنها تصور نونا. 3 ويسمى أيضا: تنوين الصرف، وتنوين الأمكنية، وهو الذي يلحق أغلب الأسماء المعربة المتصرفة، معرفة كانت أم نكرة، كما مثل المصنف؛ لأن الأصل في الأسماء أن تكون معربة منونة، وهذا النوع أقوى أنواع التنوين في الدلالة على الاسمية، وهو المقصود عند الإطلاق. التصريح: 1/ 32- حاشية الصبان: 1/ 34. 4 ومن المبنيات: ما لا يدخله التنوين كـ "حيث وكم" وهذا التنوين مقيس في الأسماء المبنية المختومة بكلمة "ويه" مثل: خالويه، ونفطويه، ومقصور على السماع في أغلب أسماء الأفعال والأصوات كـ "صه وإيه". و"غاق" لحكاية صوت الغراب، فإن لم تنونها، كانت معرفة ودلت على معنى مخصوص، وإذا نونتها، كانت نكرة مبهمة، ودلت على معنى مبهم. ومثله قوله ذي الزمة: وقفنا فقلنا إيه عن أم سالم ... وما بال تكليم الديار البلاقع

الثالث: تنوين المقابلة، وهو: اللاحق لنحو "مسلمات"1 جعلوه في مقابلة النون في نحو مسلمين2. الرابع: تنوين التعويض3، وهو: اللاحق لنحو غواشٍ4، وجوارٍ عوضا عن الياء، ولإذ في نحو: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُون} 5 عوضا عن الجملة التي تضاف "إذ" إليها6.

_ 1 أي: من جمع المؤنث السالم والملحق به. 2 المقصود: جمع المذكر السالم والملحق به، وإيضاح ذلك -كما يقول النحاة- إن التنوين في المفرد قد اختفى، وحل محله النون في آخر جمع المذكر؛ لِلدلالة على تمام الاسم، ولما كان جمع المؤنث جمع سلامة، كجمع المذكر، جعل التنوين فيه في مقابلة النون في جمع المذكر؛ لأنه أيضا علامة على تمام الاسم. والذي يدل على أنه لتمام الاسم ليس غير، أنه ليس بتمكين. التصريح: 1/ 33. الأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 34-36. 3 ويسمى أيضا تنوين العوض. 4 المراد بنحو "غواشٍ" كل اسم ممنوع من الصرف، وهو معتل الآخر، سواء أكان منعه من الصرف لكونه على صيغة منتهى الجموع، نحو: "غواشٍ، وجوارٍ، ودواع ... " أم كان منعه من الصرف للعلمية، ووزن الفعل، نحو "أعيم، وبعيل". أصلهما: تصغير أعمى ويعلى، ثم سُمي بهما، فصارا علمين موازنين، لنحو: أبيطر ويبيطر: مضارعي بيطر، أي لكونهما على وزن الفعل فضلا عن كونهما للوصف. وتنوين "غواشٍ وجوارٍ ودواعٍ" عوض عن الياء المحذوفة. التصريح، 1/ 34. 5 "30" سورة الروم، الآية: 4. موطن الشاهد: {يَوْمَئِذٍ} . وجه الاستشهاد: مجيء التنوين على "إذ" عوضا عن الجملة المحذوفة التي من حق "إذ" أن تضاف إليها، ولذا سُمي تنوين العوض، والأصل: والله أعلم -ويوم إذ غلبت الروم يفرح المؤمنون، فحذفت الجملة: {غُلِبَتِ الْرُوْمُ} وجيء بالتنوين عوضا عنها إيجازا، أو تحسينا م. ن. 6 أكثر النحاة يذكرون "إذ" لفظا واحدا في هذا الموضع، ويذكرون أن التنوين اللاحق لهذا اللفظ عوض عن الجملة التي من حق "إذ" أن تضاف إليها، والتقدير في الآية الكريمة: ويوم يغلب الرومُ فارسَ يفرح المؤمنون، فحذفت الجملة الأولى؛ وهي "يغلب الروم فارس" وعوض عنها التنوين، وبقيت "إذ" مبنية؛ لِشبهها بالحرف في الوضع على حرفين أو في الافتقار افتقارا متأصلا إلى جملة تضاف إليها. ويذكر بعض النحاة في هذا الموضع "إذا" أيضا فقد تحذف الجملة التي من حقها أن تضاف إليها ويعوَّض عنها التنوين، نحو قوله تعالى: {وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} وقوله جل شأنه: {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاة} وقوله سبحانه: {إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاق} ، ولهذا نظائر كثيرة، وليست هذه إذا الناصبة للمضارع، بل هي الظرفية الشرطية. التصريح: 1/ 34و 35. أوضح المسالك "تحقيق محيي الدين عبد الحميد": 1/ 15، حا: 3.

وهذه الأنواع الأربعة مختصة بالاسم. وزاد جماعة تنوين الترنم، وهو: اللاحق للقوافي المطلقة، أي: التي آخرها حرف مد، كقوله1: [الوافر] 1- أقلِّي اللوم عاذل والعتابن ... وقولي إن أصبت لقد أصابن2

_ 1 هو: جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي، من بني كليب بن يربوع، يكني أبا حزرة، أحد ثلاثة يعدون أشعر شعراء عصرهم مع الفرزدق والأخطل، وهم المقدمون على سواهم، وجرير أكثرهم فنون شعر، وأسهلهم ألفاظا، وأقلّهم تكلفا وأرقّهم نسيبا، وكان دينا عفيفا، وهو أشبه الشعراء بالأعشى، مات باليمامة سنة 111هـ. الشعر والشعراء: 1/ 464-470، وتجريد الأغاني: 3/ 915-929. 2 تخريج الشاهد: الشاهد مطلع قصيدة لجرير في هجاء عبيد بن الحصين "الراعي النميري" لتفضيله الفرزدق عليه، ومنها البيت المشهور: فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا. والبيت من شواهد التصريح: 1/ 36، والأشموني "4/ 1/ 12"، وابن عقيل "1/ 1/ 18" واللمع: 2/ 506، وكتاب سيبويه: 2/ 298، والمقتضب: 1/ 240، وشرح المفصّل لابن يعيش الحلبي: 9/ 29، 33، والخزانة: 1/ 34، ومغني اللبيب "639/ 447"، وشرح شواهد المغني للسيوطي: 258، وحاشية الدمنهوري على متن الكافي: 88، وديوانه: 64. المفردات الغريبة: أقلّي: من الإقلال، والمراد هنا الترك؛ لأن العرب قد تعبر عن العدم بالقلة، فتقول: قلّ أن يفعل فلان ذلك، وتريد أنه لا يفعله أصلا. العذل: اللوم. عاذل: اسم فاعل مؤنث بتاء محذوفة للترخيم، وأصله عاذلة. =

الأصل "العتابا" و"أصابا" فجيء بالتنوين بدلا من الألف، لترك الترنم1.

_ = ويروي بضم التاء في "أصبت" على أنها ضمير المتكلم، ويروى بكسر التاء على أنها ضمير المخاطبة المؤنثة. المعنى: يطلب الشاعر إلى عاذلته أن تقلّل من لومه ومعاتبته، وأن تعترف له بالفضل إذا ما أصاب في القول أو الفعل. الإعراب: أقلّي: فعل أمر مبني على حذف النون، والياء: فاعل. اللوم. مفعول به. عاذل: منادىً بحرف نداء محذوف، مبني على ضم الحرف المحذوف للترخيم، على لغة من ينتظر، أو على الفتح الظاهر على اللام على لغة من لا ينتظر، وعلى كلٍّ فهو في محل نصب على النداء. والعتابن: الواو عاطفة، العتابن: معطوف على اللوم منصوب مثله، والنون: عوض عن ألف الإطلاق. وقولي: الواو عاطفة. قولي: فعل أمر مبني على حذف النون، والياء: فاعل. إن: شرطية جازمة. أصبت: فعل ماضٍ وفاعله في محل جزم فعل الشرط؟ وجواب الشرط محذوف؛ لِدلالة ما قبله عليه. لقد: اللام موطئة للقسم المحذوف، قد حرف تحقيق. أصابن: فعل ماض والفاعل: هو: والنون: للترنم بدل ألف الإطلاق، أو عوض عن ألف الإطلاق، وجملة "أصابن": جواب القسم، لا محل لها، و"جملة القسم وجوابه": في محل نصب مقول القول. موطن الشاهد: "العتابن، أصابن". وجه الاستشهاد: دخول تنوين الترنم على "العتاب" وهو اسم معرف بـ "أل"، وعلى "أصاب" وهو فعل ماضٍ، ودخول هذا التنوين على الاسم والفعل دلالة على أنه غير مختصٍّ بالاسم، وبالتالي، فلا يكون دليلا على اسمية ما يدخل عليه كتنوين التنكير؛ لأن دخوله على الاسم المعرف بـ "أل" لم يؤثر فيه شيئا؛ لأن "أل" عرفت الاسم والتنوين المختص بالاسم ينافي التعريف؛ لأنه يدل على عدم اختصاصه بفرد معين من أفراد جنسه، ولما دخل التنوين على المعرف بـ "أل" تبين أن تنوين الترنم لا يختص بالاسم، ودليل ذلك دخوله على الفعل "أصاب". 1 على ما صرح به سيبويه وغيره من المحققين من أن الترنم -وهو التغني- إنما يحصل بأحرف الإطلاق لقبولها لمد الصوت بها، فإذا أنشدوا، ولم يترنموا، جاءوا بالنون في مكانها في لغة تميم، أكثرهم أو جميعهم، وكثير من قيس، وأما الحجازيون فلا؛ لأنهم يدعون القوافي على حالها في الترنم فعبر أولا بتنوين الترنم موافقة لابن مالك في "شرح العمدة" نظرا إلى توجيه ابن يعيش ومن وافقه. وثانيا بترك الترنم موافقة للتسهيل؛ نظرا إلى ما صرح به سيبويه وأصحابه، وقد يبدل التنوين من حرف الإطلاق في غير القوافي كقراءة بعضهم: "وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرٍ"، بالتنوين. التصريح: 1/ 36 ومعنى اللبيب: 252، 447، والجني الداني: 145، 146.

وزاد بعضهم1 التنوين الغالي، وهو: اللاحق للقوافي المقيدة2 زيادة على الوزن، ومن ثم سمي غاليا3، كقوله4: [الكامل] 2- قالت بنات العم يا سلمى وإنن ... كان فقيرا معدما قالت وإنن5 / الكامل/

_ 1 هم: الأخفش والعروضيون، هذا وزاد بعضهم أنواعا أخرى للتنوين، كتنوين الضرورة، والتنوين الشاذ، وتنوين الحكاية. انظر: مغني اللبيب "ط. دار الفكر": 448، والتصريح: 1/ 37. 2 أي التي يكون حرف رويها ساكنا ليس حرف مد، والأعاريض المصرعة. 3 سَمَّى الأخفش الحركة التي قبل لحاقه غلوا، وزعم ابن الحاجب أنه إنما سمي غاليا؛ لقلته، ونفاه السيرافي والزجاج وزعما أن الشاعر، زاد "أن" في آخر البيت إيذانا بتمامه فضعف صوته بالهمزة، واختاره ابن مالك، وقال ابن يعيش: فائدته الترنم أيضا. التصريح: 1/ 36. الأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 33. 4 القائل: هو رؤبة بن العجاج، أبو الجحاف بن عبد الله بن رؤبة، من تميم، أحد رجاز الإسلام وفصحائهم المقدمين، نزل البصرة، وهو من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، قال عنه يونس النحوي: ما كان معد بن عدنان أفصح منه، أخذ عنه أهل اللغة، وكانوا يقتدون به ويحتجون بشعره، قال الخليل يوم وفاته: "دَفَنَّا الشعر واللغة والفصاحة"، مات في خلافة المنصور سنة: 145هـ. الشعر والشعراء: 2/ 594، وتجريد الأغاني: 5/ 2145، واللآليء: 56، والخزانة: 1/ 38. 5 تخريج الشاهد: ينشد النحاة الشاهد، وينشدون قبله: قالت سليمي ليت لي بعلا يَمُنّ ... بغسل جلدي وينسيني الحزن والبيت الشاهد: استشهد به في التصريح: 1/ 37، الأشموني "8/ 1/ 12" مغني اللبيب، "1109/ 852"ن وشرح شواهد المغني للسيوطي: 316، شرح شواهد الألفية للعيني: 1/ 140، 4/ 336 المقرب لابن عصفور: 60، خزانة الأدب: 3/ 63، همع الهوامع: 2/ 62، الدرر اللوامع للشنقيطي: 2/ 78، وملحقات ديوان رؤبة بن العجاج: 186. المفردات الغريبة: سليمي: تصغير سلمى، وهو اسم امرأة. بعلا: زوجا. معدما: اسم الفاعل من مصدر "أعدم الرجل" إذا كان فقيرا لا مال له. المعني: قالت بنات عم تلك المتمنية: يا سلمى، أترضين بهذا البعل، وإن كان فقيرا معدما؟! قالت: رضيت به وإن كان فقيرا معدما. الإعراب: قالت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث. بنات: فاعل مرفوع. العم: مضاف =

والحق1 أنهما نونان زيدتا في الوقف، كما زيدت نون "ضيفن" في الوصل والوقف، وليسا من أنواع التنوين في شيء؛ لثبوتهما مع "أل"، وفي الفعل، وفي الحرف، وفي الخط والوقف، ولحذفهما في الوصل2، وعلى هذا فلا يردان على من أطلق أن الاسم يعرف بالتنوين، إلا من جهة أن يسميهما تنوينين، أما باعتبار ما في نفس الأمر فلا. الثالثة: النداء، وليس المراد به دخول حرف النداء؛ لأن "يا" تدخل في اللفظ

_ = إليه. وإنن: الواو عاطفة على محذوف. إن: حرف شرط جازم، وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين، والنون الزائدة حرف لا محل له من الإعراب. كان: فعل ماضٍ ناقص في محل جزم فعل الشرط، واسمه ضمير مستتر جوازا، تقديره: هو، يعود إلى البعل. فقيرا: خبر "كان" منصوب. معدما: صفة لـ "فقيرا"، وجواب الشرط محذوف؛ لدلالة سياق الكلام عليه، و"جملة الشرط وجوابه": معطوفة بالواو على محذوف، يدل عليه سياق الكلام كذلك. قالت: فعل ماضٍ، والفاعل: هي، والتاء: للتأنيث. وإنن: الواو عاطفة على محذوف، إن: شرطية جازمة، وفعل الشرط وجوابه محذوفان؛ لِدلالة الكلام السابق عليهما، والتقدير: قالت: إن كان غنيا موسرا أرضى به، وإن كان فقيرا معدما أرضى به. موطن الشاهد: "إنن، إنن". وجه الاستشهاد: لحق التنوين العروض والقافية المقيدة، زيادة على الوزن، ودخل التنوين على "إن" وهي حرف من دون خلاف، ولحوق التنوين بهذا الحرف في العروض والقافية، دليل على أن التنوين الغالي لا يختص بالاسم، ونظير هذا البيت قول رؤبة بن العجاج. وقاتم الأعماق خاوي المخترقن ... مشتبه الأعلام لماع الخفقن. حيث ألحق الشاعر التنوين بالعروض والقافية "المخترق، والخفق"، وكلاهما اسم محلىً بـ "أل"، وفي دخول التنوين الغالي على الاسم المحلى بـ "أل" دليل على أن التنوين الغالي ليس خاصا بالاسم، كما بينا سابقا. 1 كما قاله ابن مالك في التحفة وتبعه ابنه في "نكت الحاجبية". 2 وليس كذلك شيء من أقسام التنوين، وهناك مواضع يحذف فيها التنوين وجوبا، فيها: وجود "أل" في صدر الكلمة المنونة، فتقول في جاء رجل: جاء الرجل بغير تنوين وإضافة الكلمة المنونة، تقول: جاء رجل القوم، والوقف على الكلمة المنونة في حالتي الرفع والجر ... إلخ.

على ما ليس باسم، نحو: {يَا لَيْتَ قَوْمِي} 1 "أَلَا يَا اسْجُدُوا"2 في قراءة الكسائي3، بل المراد كون الكلمة مناداة، نحو: "يا أيها الرجل، ويا فُلُ، ويا مكرمان"4.

_ 1 36 سورة يس، الآية: 26. موطن الشاهد: {يَا لَيْتَ قَوْمِي} . وجه الاستشهاد: دخول "يا" على "ليت" وهي حرف، وليست اسما، وفي هذا دلالة على مباشرة حرف النداء للحرف، حين يحذف المنادى، وقيل: إن "يا" في هذه الحال حرف تنبيه لا حرف نداء. 2 27 سورة النمل، الآية: 25. أوجه القراءات: قرأ الكسائي، وأبو جعفر، ورويس عن يعقوب بتخفيف "ألَا" وقرأ باقي العشرة بتشديدها انظر: النشر: 2/ 323، والتيسير: 167، والإتحاف: 336. توجيه القراء ات: على قراءة الكسائي ومن معه بتخفيف "ألَا" فيكون المعنى: ألا يا هؤلاء اسجدوا، و"ألا" على هذه القراءة للتنبيه، و"يا" للنداء، وحذف المنادى لدلالة حرف النداء عليه، و"اسجدوا" فعل أمر بني على حذف النون، والدليل على صحة هذا التخريج، أن الكسائي كان يقف على "ألا يا" ثم يبتدئ بـ "اسجدوا" إيضاح الوقف والابتداء: 169. وأما على قراءة تشديد اللام في "ألا" فعلى أنهما كلمتان، أن المصدرية، ولا النافية، ويكون بعدها "يسجدوا" فعل مضارع منصوب بـ "أن" المصدرية، والمصدر المنسبك من "أن وما بعدها" في محل نصب بدلا من "أعمالهم" على تقدير "لا" غير زائدة، أو في موضع جر على البدل من "السبل" على تقدير "لا زائدة" وكتابتها في المصحف: {أَلَّا يَسْجُدُوا} تؤيد هذه القراءة. انظر: البيان: 2/ 221، والعكبري: 2/ 93، وتفسير القرطبي: 13/ 185، وزاد المسير: 6/ 166، ومشكل إعراب القرآن: 2/ 147. 3 الكسائي: هو أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله الكسائي، إمام الكوفيين في النحو واللغة، وأحد القراء السبعة المشهورين ولقب بالكسائي؛ لأنه كان يصنعها، وهو كوفي أتى بغداد وأخذ عن القراء، وعن الخليل، له مجالس مع يونس بن حبيب، والفراء، وأبي يوسف، صاحب أبي حنيفة، له مؤلفات كثيرة منها: معاني القرآن، ومختصر في النحو، والقراءات النوادر، والمصادر. مات سنة 198 بالري، ودفنه هارون الرشيد. البلغة: 156، وإنباه الرواة: 2/ 256، وبغية الوعاة: 2/ 162، والأعلام: 5/ 93. 4 خص المؤلف هذه الأسماء بالذكر، مع هذه العلامة؛ لأنها ملازمة للنداء، ومعنى هذا أنها لا تقبل من العلامات التي ذكرها إلا النداء، ومعنى "يا فُلُ" يا رجل أو يا امرأة، ونظيرهن "يا مَلْأَمَان" ويا "خباث" وبابه، وسيأتي في باب النداء. التصريح: 1/ 38.

الرابعة: أل غير الموصولة1، كالفرس والغلام، فأما الموصولة فقد تدخل على المضارع، كقوله2: [البسيط] 3- ما أنت بالحكم التُرْضَى حُكُومتُهُ3.

_ 1 وغير الاستفهامية أيضا، فإنها تدخل على الماضي، نحو: ألفعلت؟ بمعنى هل فعلت؟ 2 القائل هو: الفرزدق، أبو فراس، همام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي، شاعر إسلامي من الطبقة الأولى، ولقب بالفرزدق؛ لِقصره وغلظه، ولشعره عند علماء اللغة منزلة كبيرة، فقالوا: لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث اللغة، والفرزدق أشبه بزهير من شعراء الجاهلية، مات سنة 110هـ، وقد ناهز المائة، له ديوان شعر مطبوع. الشعر والشعراء: 1/ 471، الأغاني: 9/ 324، الوفيات: 6/ 86، الخزانة: 1/ 105، المرزباني: 481. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل وهو في هجاء رجل من بني عذرة، وكان قد دخل على عبد الملك بن مروان يمدحه، وعند عبد الملك جرير والأخطل والفرزدق، وهو لا يعرفهم، فعرف عبد الملك الأعرابي بهم. فقال على الفور: فحيا الإله أبا حزرة ... وأرغم أنفك يا أخطلُ وجد الفرزدق أتعِسْ به ... ودقَّ خياشيمَه الجندلُ فقال له الفرزدق: يا أرغم الله أنفا أنت حامله ... يا ذا الخنى ومقال الزور والخطلِ وبعده البيت المستشهد بصدره. وقد استشهد بالبيت في: التصريح: 1/ 38، وابن عقيل "30/ 1/ 157، والأشموني "97/ 1/ 71" وخزانة الأدب: "1/ 14 عرضًا، والمقرب لابن عصفور: 7، والإنصاف لابن الأنباري: 521 وشرح العيني: 1/ 111، 445، وحاشية يس بن زين الدين العليمي: 2/ 229، وليس في ديوان الفرزدق. المفردات الغريبة: الحكم: الذي يحكمه الخصمان؛ لِيفصل بينهما. الأصيل: الحسيب. الجدل: شدة الخصومة. التُرْضَى: الذي تُرضَى. =

الخامسة: الإسناد إليه1، وهو: أن تنسب إليه ما تحصل به الفائدة؛ وذلك

_ = مفردات الأبيات الأخرى: "أبا حزرة": كنية جرير بن عطية. الجندل: الحجر: يا أرغم الله أنفا". أصل "أرغمه": عفره بالرغام، أي: التراب، وفي ذلك كناية عن الإهانة والإذلال. الخنى: الفحش. الخطل: المنطق الفاسد المضطرب. معنى الشاهد: يستخف الفرزدق بذلك الأعرابي الذي مدح جريرا وفضله عليه قائلا: لست بالرجل الرشيد الذي يُحكَّم في الخصومات، ويرضى بحكمه، أو يُؤبَه لكلامه، أو يعتدُّ به في المجالس، فضلا عن أنك لست شريف النسب، ولا صاحب الرأي النافذ، ولا صاحب المنطق السديد الذي يزين صاحبه، ويؤهله للحكم في معضلات الأمور. موطن الشاهد: "التُّرضَى". وجه الاستشهاد: دخول "أل" الموصولة على الفعل المضارع "تُرضَى"، ودخولها على الفعل في هذا البيت دليل، على أنها ليست علامة على اسمية ما تدخل عليه، فهي تدخل على الأسماء، في نحو: الصائم، والقائم، والمقتول، وتدخل على الأفعال، كما في الشاهد السابق، وكما في قول ذي الخرق الطهوي: يقول الخنى وأبغض العجم ناطقا ... إلى ربنا صوت الحمار اليجدع فالمعني مأخوذ من الآية الكريمة: {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِير} واليجدع، أي: الذي يجدع. والأمثلة على ذلك كثيرة. واختلف النحاة في حكم "أل الموصولة" الداخلة على الفعل المضارع كما يلي: أ- ذهب ابن مالك وجمهور الكوفيين، إلى أنه جائز في الاختيار -على الرغم من قلته- واحتجوا بما ورد من الشواهد عن العرب الذين يُحتَجُّ بشعرهم. ب- وذهب البصريون إلى أن دخول "أل" على الفعل المضارع، لا يجوز إلا في ضرورة الشعر. ج- وذهب الشيخ عبد القاهر الجرجاني إلى أنه من أقبح ضرورات الشعر، يذهب إلى أن دخول "أل" الموصولة على المضارع جائز في السعة، لم يجعلها من علامات الاسم، ومن ذهب إلى أنها لا تدخل على المضارع إلا ضرورة، جعل "أل" بجميع أنواعها من علامات الاسم. انظر شرح الأشموني "تحقيق محيي الدين عبد الحميد": 1/ 169، والتصريح على التوضيح: 1/ 38. 1 أي: الإخبار عنه بشيء، وجعله متحدثا عنه؛ لأنه لا يتحدث إلا عن الاسم. وبهذه العلامة دل على اسمية الضمائر ونحوها.

كما في "قمت" و"أنا"1 في قولك "أنا مؤمن". [علامات الفعل] : ينجلي الفعل بأربع علامات: إحداها: تاء الفاعل2، متكلما كان كـ "قمت" أو مخاطبا نحو "تباركت". الثانية: تاء التأنيث الساكنة3، كـ "قامت، وقعدت"، فأما المتحركة فتختص بالاسم كقائمة4.

_ 1 كرر المثال؛ لِبيان أنه لا فرق بين تأخر المسند إليه وتقدمه، ولا بين أن يكون فعلا أو وصفا، وقد أشار ابن مالك إلى العلامات المتقدمة بقوله: بالجر، والتنوين، والندا، وأل ... ومسند، للاسم تميز حصل أي: حصل للاسم تميز عن الفعل والحرف، وما ذكره المصنف أشهر العلامات. وهناك علامات أخرى للاسم، منها: أن يكون مصغرا؛ لأن التصغير من خواص الأسماء، أو أن يكون لفظه موافقا لوزن اسم آخر، لا خلاف في اسمتيه، كنزال: بمعنى انزل؛ فإنه موافق لوزن "حذام" اسم امرأة. وبهذه العلامة دل على اسمية نزال، أو يكون معناه كذلك مثل: قط، وعوض، فإنهما يدلان على الزمان؛ الأول: الزمان الماضي، والثاني: المستقبل. التصريح: 1/ 39. الأشموني وحاشية الصبان: 1/ 46-47. 2 أي تاء الضمير الذي يقع فاعلا في المعنى للفعل قبله. 3 أي: في الأصل، فلا يضر تحركها لعارض، نحو قوله تعالى: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين} و: {قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيز} . 4 التاء المتحركة؛ إما أن تكون حركتها حركة إعراب كقائمة، وهذه تختص بالاسم كما قال، وإما أن تكون حركتها حركة بناء، وهذه تدخل على الحرف في "لات" و"ربت" و"ثمة" وتكون في الاسم أيضا، نحو: "لا قوة" من شواهد دخول تاء التأنيث على "رب" قوله: ماويَّ يا رُبَّتَمَا غَارَةٍ ... شعواءَ مثل اللَّذعَةِ بالميسمِ وقول الآخر في دخولها على "ثم": ولقد أمر على اللئيم يسبني ... فمضيت ثُمَّتَ قُلت لا يعنيني وأما دخولها على "لا" فأشهر من أن يستدل له، مثال ذلك قوله تعالى: {وَلاتَ حِينَ مَنَاص} ، وقول الشاعر: ندم البغاة ولات ساعة مندم ... والبغي مرتع مبتغيه وخيمُ

وبهاتين العلامتين رد على من زعم حرفية ليس وعسى1، وبالعلامة الثانية على من زعم اسمية نعم وبئس2. الثالثة: ياء المخاطبة: كقومي، وبهذه رُدَّ على من قال إن هات وتعالَ اسما فعلين3.

_ 1 ذهب الفارسي وتبعه أبو بكر بن شقير إلى أن "ليس" حرف؛ لِكونها دالة على النفي مثل "ما" وذهب الكوفيون إلى أن "عسى" حرف؛ لِكونها دالة على النفي مثل "فعل"، والصحيح أنهما فعلان، بدليل قبولهما تاء التأنيث في نحو ليست هند مفلحة، وعست هند أن تزورنا. وتاء الفاعل في نحو: {لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْء} ونحو: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُم} . ومما يدل على فعليتهما أيضا، أنه يجوز في خبر ليس تقديمه على اسمها إجماعا، وعليها على الراجح، و"ما" لا يجوز معها إلا مجيء خبرها متأخرا عنها وعن اسمها التصريح: 1/ 40، 41، ومغني اللبيب: 201، 286، والجنى الداني في حروف المعاني: 46, 493". 2 الزاعم: هو الفراء من الكوفيين، وحجته: دخول حرف الجر عليهما في بعض التراكيب. ومن ذلك قول بعض العرب، وقد بشر بمولود أنثى: "والله ما هي بنعم الولد" وقول الآخر -وقد سار إلى محبوبته على حمار بطيء السير: "نعم السير على بئس العير"؛ هذا وقد تأولهما المانعون على حذف الموصوف وصفته ودخول حرف الجر على معمول الصفة. والأصل: ما هي بولد مقول فيه: نعم الولد"، ونعم السير على عير مقول فيه: بئس العير"، فحرف الجر في الحقيقة إنما دخل على الاسم. وإنما لم يقل وبالعلامتين كالتي قبلها؛ لأن تاء الفاعل لا تدخل على "نعم" و"بئس" بخلاف "ليس" و"عسى" فإنهما يقبلان العلامتين كما مر. التصريح: 1/ 41. 3 القائل هو الزمخشري وحجته استعمالهما بلفظ واحد للمفرد والمثنى والجمع، وإبراز الضمير معهما؛ لِشدة شبههما بالفعل، والصحيح أن "هات" بكسر التاء فعل أمر بمعنى ناول وتعال -بفتح اللام- أمر بمعنى أقبل؛ لِقبولهما ياء المخاطبة، وهما مبنيان على حذف حرف العلة. التصريح: 1/ 41.

الرابعة: نون التوكيد شديدة أو خفيفة: نحو: {لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُونًا} 1، وأما قوله: [مشطور الرجز] . 4- أقائلنَّ أحضروا الشهودا4 فضرورة

_ 1 12 سورة يوسف، الآية: 32. موطن الشاهد: {لَيُسْجَنَنَّ} ، و: {لِيَكُونًا} . وجه الاستشهاد: اقتران فعل "يسجن" بنون التوكيد الثقيلة، واقتران "يكون" بنون التوكيد الخفيفة، وفي اقتران نون التوكيد بهاتين الكلمتين، دليل على فعليتهما؛ لأن من علامات الفعل اقترانه بإحدى نوني التوكيد، الثقيلة أو الخفيفة كما في المتن. 2 القائل هو رؤبة بن العجاج، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: وقبل الشاهد قوله: أريت إن جاءت به أملودا ... مرجلا ويلبس البرودا ولا ترى مالا له معدودا ... أقائلن أحضروا الشهودا وهو من شواهد: التصريح: 1/ 42، والأشموني "13/ 1/ 16"، والمحتسب: "1/ 193" والخصائص لابن جني: 1/ 136، وخزانة الأدب: 4/ 574 عرضا، والعيني: 3/ 648 وحاشية يس: 1/ 42، وشرح السكري: 1/ 651 ونسبه لرجل من الهذليين ومغني اللبيب "633/ 443"، وشرح السيوطي: 257، وملحقات ديوان رؤبة: 173. المفردات الغريبة: أملودا "بضم الهمزة وسكون الميم": هو الغصن الناعم. مرجلا: أصل الكلام، مرجلا شعره، فحذف المضاف -وهو الشعر- وأقام المضاف إليه -وهو الضمير المجرور محلا بالإضافة- مقامه، فارتفع واستتر. البرود: جمع برد -بضم وسكون الراء- وهو ضرب معروف من الثياب. المعنى: أرأيت إن جاءت هذه المرأة بشاب مرجل الشعر، حسن الملمس كأنه الغصن الناعم ليتزوجها أفأنت موافق على ذلك آمر بإحضار الشهود؛ لِيحضروا عقد زواجها؟ والاستفهام -هنا- إنكاري، كما ترى. موطن الشاهد: "أقائلن". وجه الاستشهاد: دخول نون التوكيد على اسم الفاعل ضرورة؛ لأن نون التوكيد لا تدخل إلا على فعل المضارع، وفعل الأمر، وأما سبب دخول نون التوكيد على اسم الفاعل "قائلن" ضرورة؛ لِمشابهة اسم الفاعل المقرون بهمزة الاستفهام للفعل، المضارع. غير أن بعضهم يروي البيت "أقائلون" بالواو والنون، ولا شذوذ ولا ضرورة حينئذ. وفي التصريح تأويلات أخرى يمكن الرجوع إليها. التصريح: 1/ 42.

[علامة الحرف] : ويعرف الحرف1 بأنه: لا يحسن فيه شيء من العلامات، التسع، كـ "هل"، و"في"، و"لم". وقد أشير بهذه المثل إلى أنواع الحروف2، فإن منها ما لا يختصُّ بالأسماء.

_ 1 الحرف: كلمة لا تدل على معنى في نفسها، وتدل على معنى في غيرها إذا ضم إليها، ولا تدل على زمن ما. 2 الأحرف ثلاثة أقسام، منها ما هو مختص بالاسم، ومنها ما هو مختص بالفعل، ومنها ما هو مشترك بينهما. فما اختص بالاسم، فهو يعمل فيه الجر؛ لأن الجر من خصائص الأسماء. وما اختص بالفعل، فهو يعمل فيه الجزم؛ لأن الجزم من خصائص الأفعال. وما كان مشتركا، فلا يعمر شيئا على الأصل. غير أنه جاءت أحرف في العربية مختصة بالاسم وعملت غير الجر، ووردت أحرف مختصة بالفعل، وعملت غير الجزم، ووردت أحرف مشتركة بين الفريقين، وعملت كما نجد أحرفا مختصة بالفعل قد أهملت، وأحرفا مختصة بالاسم وقد أهملت أيضا. وهذه الأنواع الخمسة التي جاءت على خلاف الأصل لا بد لمجيئها من علة، كما يلي: أ- من الحروف المختصة بالاسم، وتعمل غير الجر: "إنَّ" وأخواتها، وعلة عملها النصب والرفع في المبتدأ والخبر؛ لأنها أشبهت الأفعال في اللفظ والمعنى، في اللفظ لمجيئها على ثلاثة أحرف أو أكثر، وفي المعنى؛ لأن كل حرف منها يدل على معنى معين، فـ "إنَّ" تدل على معنى أؤكد، و"كأنَّ" على معنى أشبه و"ليت" على معنى التمني، و"لعل" على معنى الترجي. ب- ومن الحروف المختصة بالفعل، ما عملت النصب، ولم تعمل الجزم، والعلة في ذلك، أن "لن" الناصبة، أشبهت "لا" النافية للجنس في معناها، فعملت عملها فيما اختصت به، وحمل بقية الأحرف الناصبة للفعل المضارع عليها. ج- ومن الأحرف المشتركة "ما"، و"لا" النافيتان الرافعتان للاسم والناصبتان للخبر، والعلة في عملهما ذلك؛ لِمشابهتهما لـ "ليس" من حيث المعنى، فعملها عملها. د- والحروف المختصة بالأفعال وقد أهملت: "قد"، و"السين"، و"سوف" فهي لا تدخل إلا على الأفعال، ومع ذلك، فهي لا تعمل شيئا، وعلة إهمالها، أن كل حرف منها، نزل منزلة الجزء من الفعل، وجزء الشيء، لا يعمل فيه. هـ- ومن الحروف المختصة بالاسم وقد أهملت: حرف التعريف "أل" عند عامة العرب، و"أم" في لغة "حمير"، وعلة إهماله أنه نزل منزلة الجزء من الاسم بدليل أن العامل يتجاوزه. انظر حاشية الشيخ يس على شرح التصريح: 1/ 43-44.

ولا بالأفعال فلا يعمل شيئا كـ "هل"1، تقول: "هل زيد أخوك؟ و"هل يقوم؟ " ومنها ما يختص بالأسماء فيعمل فيها كفى، نحو: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ} 2، {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُم} 3، ومنها ما يختص بالأفعال فيعمل فيها كـ "لم"، نحو: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد} 4. [أنواع الفعل] : والفعل جنس تحته ثلاثة أنواع6:

_ 1 الأصل في "هل" الاختصاص بالفعل؛ لأنها بمعنى "قد" وهذه مختصة بالفعل، فلما جاءت بمعنى الهمزة فقدت الاختصاص، فإذا جاء الفعل في تركيبها، حنت إليه، وجذبته نحوها، واختصت به، ولو تقديرا؛ ولهذا وجب نصب الاسم بعدها في باب الاشتغال. مغني اللبيب: 460-461. 2 51 سورة الذارايات، الآية: 20. موطن الشاهد: {فِي الْأَرْضِ} . وجه الاستشهاد: دخول الحرف "في" وهو مختص بالأسماء على "الأرض" فأعمل فيه الجر على الأصل. 3 51 سورة الذاريات، الآية: 22. موطن الشاهد: {فِي السَّمَاءِ} . وجه الاستشهاد: دخول الحر في "في" على "السماء" فأعمل فيه الجر، كما في الآيات السابقة. 4 112 سورة الصمد، الآية: 3. موطن الشاهد: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} . وجه الاستشهاد: دخول "لم" وهو حرف مختص بالأفعال على الفعلين المضارعين "يلد، يولد" وأعمل فيهما الجزم، على الأصل. 5 الفعل: هو ما يدل على معنى، أي حدث وزمن يقترن به، والمراد بالجنس: معناه اللغوي: الأعم من النوع. 6 عند البصريين، ونوعان عند الكوفيين، والأخفش، بإسقاط الأمر على أن أصله مضارع. التصريح: 1/ 44.

أحدها: المضارع1، وعلامته أن يصلح لأن يلي "لم"2 نحو "لم يقم، ولم يشم"، والأفصح فيه فتح الشين لا ضمها، والأفصح في الماضي شممت، بكسر الميم، لا فتحها، وإنما سمي مضارعا لمشابهته للاسم، ولهذا3 أعرب واستحق التقديم في الذكر على أخويه. ومتى دلت كلمة على معنى المضارع ولم تقبل "لم" فهي اسم4، كأوه وأفّ بمعنى أتوجع وأتضجر. الثاني: الماضي5: ويتميز بقبول تاء الفاعل كتبارك وعسى وليس، أو تاء

_ 1 هو: كلمة تدل على معنى -أي حدث- وزمن يصلح للحال والاستقبال. ويتعين للحال إذا اقترن بكلمة تفيد ذلك، ككلمة: الآن، الساعة. كما يتعين للاستقبال إذا اقترن بالسين، أو سوف -أو بظرف من ظروف المستقبل، مثل: إذا نحو: أزورك إذا تسافر- أو دل على وعد أو وعيد، نحو: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاء} أو اقترن بأداة توكيد، كنون، أو لام القسم، أو أداة رجاء مثل: لعل، أو أداة شرط وجزاء، وقد ينصرف زمنه للماضي إذا سبقته "لم" أو "لما" الجازمتان. 2 اقتصر الناظم على هذه العلامة؛ لأنها أنفع علامات المضارع. 3 لهذا، أي لمضارعته -مشابهته- للاسم، والمراد بالاسم الذي أشبهه المضارع اسم الفاعل، ولمشابهته للاسم اختص بأمرين: الإعراب، والتقدم على الماضي والأمر في الذكر؛ لأن الاسم أسمى الأنواع وأشرفها، ولما أشبه الفعل المضارع، نال منه شرف التقدم، وشبه الفعل المضارع للاسم حاصل في اللفظ والمعنى، فشبهه في اللفظ حيث يجري معه في الحركات والسكنات، وعدد الحروف، وفي تعيين الحروف الأصلية والحروف الزائدة. وشبهه إياه في المعني، فلأن كل واحد منهما صالح للحال، وللاستقبال، والقرينة اللفظية تخصصه بأحدهما، التصريح: 1/ 44. 4 هناك كلمات تدل على معاني الأفعال المضارعة، ولا تقبل "لم" وليست مع ذلك أسماء أفعال، بل هي حروف، نحو: حرف النداء، فإنه يدل على معنى "أدعو"، وحرف الاستثناء، فهو يدل على معنى "أستثني" وسوى ذلك، والسبب في ذلك أن هذه الكلمات دلت بصيغتها لا بهيئتها على معنى المضارع. 5 هو كلمة تدل على معنى -أي حدث- وزمن فات قبل النطق بها، ويتعين معناه للحال إذا قصد به الإنشاء مثل اشتريت وبعت ... إلخ، كما يتعين للاستقبال إذا أفاد طلبا ودعاء مثل: أعانك الله ورفع منزلتك. أو سبق بنفي بـ "لا" أو "إن" المسبوقتين بقسم، نحو: والله لا أكرمت الجبان، لئن ثابرت لتظفرن بما ترجو.

باب المعرب والمبني

باب المعرب والمبني: هذا باب شرح المعرب والمبني: أولا: [المعرب والمبني من الأسماء] : الاسم ضربان: معرب، وهو الأصل، ويسمَّى متمكنا، ومبني، وهو القرع، ويسمَّى غير متمكن1. وإنما يبني الاسم إذا أشبه الحرف2، وأنواع الشبه ثلاثة: أحدها: الشبه الوضعي؛ وضابطه أن يكون الاسم على حرف أو حرفين3، فالأول: كتاء "قمت" فإنها شبيهة بنحو باء الجر ولامه وواو العطف وفائه، والثاني: كـ "نا" من "قمنا فإنها شبيهة بنحو قد وبل.

_ 1 ما قيده المؤلف بعبارته، هو الصحيح الذي عليه جمهرة النحاة من الكوفيين والبصريين وذهب بعض النحاة إلى أن المضاف إلى ياء المتكلم، نحو أبي وأخي وغلامي قسم ثالث لا معرب ولا مبني؛ أما أنه ليس معربا؛ فلأنه ملازم لحركة واحدة، وهي الكسرة؛ وأما أنه ليس مبنيا؛ فلأنه، لم يشبه الحرف، وهذا كلام غير مستقيم، بل هو من نوع المعرب، والحركات مقدرة على ما قبل الياء، مثل تقديرها على آخر الاسم المقصور، وعلى آخر الاسم المنقوص، والمانع من ظهورها وجود الحركة المناسبة لياء المتكلم وهي الكسرة. التصريح: 1/ 47، وابن عقيل: 1/ 28، 29. 2 أي مشابهة قوية لا يعارضها شيء من خصائص الأسماء: كالتثنية والإضافة. ومعلوم أن الحروف كلها مبنية؛ لأن الحرف لا يؤدي معنى بنفسه، فلا ينسب إليه ولا يقع فاعلا ولا مفعولا حتى يحتاج إلى إعراب. 3 سواء أكان ثاني الحرفين حرف لين أم لم يكن على الراجح، فما كان ثانيه حرف لين من الحروف مثل "ما" و"لا" ومن الأسماء المشبهة لها مثل: نا، وما كان ثانيه غير حرف لين من الحروف، مثل: "هل" و"بل" و"قد" ومن الأسماء المشبهة لها: "كم" و"من" وادعى الشاطبي أن أصل وضع الحرف أن يكون على حرف واحد، أو حرفين: ثانيهما حرف لين، وهو خلاف ما يراه المحققون. التصريح: 1/ 47، وابن عقيل: "1/ 31".

وإنما أعرب نحو "أب، وأخ"؛ لضعف الشبه بكونه عارضا، فإنه أصلهما أبَوٌ وأخَوٌ، بدليل أبَوَانِ وأخَوَانِ. والثاني: الشبه المعنوي1: وضابطه أن يتضمن الاسم معنى من معاني الحروف، سواء وضع لذلك المعنى حرف، أم لا. فالأول: كـ "متى"، فإنها تستعمل شرطا، نحو: "متى تقم أقم" وهي حينئذ شبيهة في المعنى بإن الشرطية، وتستعمل أيضا استفهاما نحو: {مَتَى نَصْرُ الْلَّهِ} 2 وهي حينئذ شبيهة في المعنى بهمزة الاستفهام. وإنما أعربت أي الشرطية في نحو: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْت} 3 والاستفهامية في نحو: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ} 4؛ لِضعف الشبه بما عارضه من ملازمتهما للإضافة التي هي من خصائص الأسماء5.

_ 1 أي: أن يتضمن الاسم بعد وضعه في جملةٍ معنىً جزئيًّا زيادة على معناه المستقل الذي يؤديه في حال انفراده، وكان الحرف أولى بتأدية هذا المعنى الجزئي، فيكون الاسم قد خلف الحرف في ذلك. التصريح: 1/ 48. 2 سورة البقرة، الآية: 214. موطن الشاهد: {مَتَى نَصْرُ الْلَّهِ} ؟ وجه الاستشهاد: مجيء "متى" في الآية الكريمة اسم استفهام وهي شبيهة في معناها بهمزة الاستفهام. 3 سورة القصص، الآية: 28. موطن الشاهد: {أَيَّمَا} . وجه الاستشهاد: مجيء "أي" في الآية الكريمة اسم شرط جازم معربا في محل نصب مفعولا به بفعل "قضيت"، وقدمت "أي" لأن لها الصدارة: وما: صلة، والأجلين، مضاف إليهما. وجملة فلا عدوان على ... " جواب أي. 4 سورة الأنعام، الآية: 81. موطن الشاهد: "أي". وجه الاستشهاد: مجيء "أي" اسم استفهام في محل رفع مبتدأ، و"الفريقين". مضاف إليه. وأحق خبر "أي" مرفوع" وأعربت أي الشرطية والاستفهامية؛ لِضعف الشبه فيهما بما عارض من ملازمتهما للإضافة التي هي من خصائص الأسماء. 5 فإن قلت: فلماذا بنيت "لدن" مع أنها ملازمة للإضافة مثل أي؟ فالجواب عن ذلك: أن نذكرك أولا بأن للعرب في "لَدُن" لغتين: إحداهما الإعراب وهي لغة قيس، وعلى هذا يسقط هذا السؤال ويصبح كلام النحاة مستقيما وهو أن الإضافة التي هي من خصائص الأسماء، إذا لازمت كلمة، وكان في هذه الكلمة شبه للحرف عارض لزوم الإضافة شبه الحرف، فبقيت على ما هو الأصل في الاسم، وهو الإعراب. واللغة الثانية في "لَدُن" البناء، وهي لغة عامة العربة، ويعتذر عن هذه اللغة بأن هؤلاء قد وجدوا في "لدن" شبها للحرف من جهة اللفظ؛ لأنهم قد قالوا فيها "لد" على حرفين، كما وجدوا فيها شبها معنويا؛ لأنها موضوعة لمعنى نسبي هو أول الغاية في الزمان أو المكان، ووجدوا فيها شبها استعماليا، وهو لزوم استعمالها في وجه واحد، وامتناع الإخبار بها أو عنها، بخلاف "عند" التي بمعناها؛ فإنها تجيء فضل، وتجيء عمدة، فلما وجدوها قوية الشبه بالحرف من عدة أوجه جنحوا إلى اعتبار هذا الشبه، ولم يبالوا بالإضافة. حاشية يس على التصريح: 1/ 49، ومغني اللبيب: 207، 208.

والثاني نحو: "هنا" فإنها متضمنة لمعنى الإشارة، وهذا المعنى لم تضع العرب1 له حرفا، ولكنه من المعاني التي من حقها أن تؤدى بالحروف؛ لأنه كالخطاب والتنبيه، فهنا مستحقة للبناء؛ لِتضمنها لمعنى الحرف الذي كان يستحق الوضع. وإنما أعرب "هذان، وهاتان"، مع تضمنهما لمعنى الإشارة؛ لِضعف الشبه بما عارضه من مجيئهما على صورة المثنى، والتثنية من خصائص الأسماء2.

_ 1 قيل وضعت له لام العهد؛ لأنها للإشارة إلى معهود بين المتكلم، والمخاطب، وهي حرف غايته أنها للإشارة الذهنية، ولا فرق بينها وبين الخارجية. ابن عقيل: 1/ 32، وحاشية يس على التصريح: 1/ 49. 2 للنحاة في "هذان وهاتان" رفعا، و"هذين وهاتين" نصبا وجرا مذهبان هما: أ- أن هذه الألفاظ مثنيات حقيقة، وأنها معربات بالألف رفعا، وبالياء نصبا وجرا. ب- أن هذه الألفاظ، ليست مثنيات حقيقية، وأنها مبنية، ووجه هذا المذهب، أنها فارقت المثنيات الحقيقية من وجهين. الأول: لو كانت مثنيات حقيقة، لقيل في حالة الرفع هذيان وهاتيان، كما يقال: فتيان، ولقيل في حالتي النصب والجر: هذيين وهاتيين، كما يقال: فتيين. الثاني: من شرط التثنية الحقيقية قبول التنكير؛ لأننا لا نثني زيدًا العلم، حتى نعتقد تنكيره، ثم إذا أردنا تعريفه بعد التثنية، أدخلنا عليه "أل" فنقول: الزيدان والزيدين، ومعلوم أن أسماء الإشارة لا تقبل التنكير بحال. نخلص من هذا إلى أن هذه الألفاظ ليست مثنيات حقيقية -لما ذكر- ولذا، لا يجوز القول: إنه عارض شبه الحرف شيء من خصائص الأسماء، والصحيح: أن العرب، وضعوا للمشار إليه في حالة الرفع -إذا كان مثنى- "هذان" و"هاتان" وفي حالتي الجر والنصب و"هاتين، وهذين"، فهي ألفاظ موضوعة على صورة المثنى في بادئ الأمر، وكلام المؤلف ملفق من المذهبين، فهو يوافق المذهب الأول القائل بإعراب هذه الألفاظ، ثم يوافق المذهب الثاني القائل ببنائها. وانظر التصريح: 1/ 49-50.

الثالث: الشبه الاستعمالي1 وضابطه: أن يلزم الاسم طريقة من طرائق الحروف كأن ينوب عن الفعل2 ولا يدخل عليه عامل فيؤثر فيه، وكأن يفتقر افتقارا متأصلا إلى جملة3. فالأول: كـ "هيهات، وصه، وأوَّه" فإنها نائبة عن "بعد واسكت وأتوجع"، ولا يصح أن يدخل عليها شيء من العوامل فتتأثر به4، فأشبهت "ليت ولعل" مثلا، ألا ترى أنهما نائبان عن "أتمنى وأترجَّى" ولا يدخل عليهما عامل، واحتُرِزَ بانتفاء التأثر من المصدر النائب عن فعله نحو "ضربا" في قولك: "ضربا زيدا" فإنه نائب عن "اضرب" وهو مع هذا معرب؛ وذلك5 لأنه تدخل عليه العوامل، فتؤثر فيه، تقول: "أعجبني ضرب زيد، وكرهت ضرب عمرو، وعجبت من ضربه".

_ 1 هو: أن يكون الاسم عاملا في غيره، ولا يدخل عليه عامل يؤثر فيه، كالحرف. 2 أي: في معناه وفي عمله. 3 ينزل منزلة الجملة شيئان، الأول: الوصف الصريح مع "أل" الموصولة، نحو: "الضارب والمضروب" والثاني: النوين المعوض به عن الجملة في "إذا" -كما رأينا سابقا في قوله تعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُون} ، وفي "إذا" في نحو قوله تعالى: {وَإِذَاً لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} . 4 هذا، بناء على الصحيح من أن أسماء الأفعال، لا محل لها من الإعراب خلافا للمازني ومن تبعه في جعلها مبتدأ أغنى فاعلها عن الخبر، أو مفعولا مطلقا لمحذوف وجوبأ، ضياء المسالك: 1/ 42. 5 إنما تدخل عليه العوامل فتؤثر فيه إذا ناب عن أن المصدرية والفعل، والأمثلة: أعجبني ضرب زيد، وكرهت ضرب عمرو، وعجبت من ضربه، مما ناب فيه المصدر عن أن والفعل، وليس من المصدر الذي ناب عن فعل الأمر. انظر شرح التصريح: 1/ 51.

والثاني1: كـ "إذ" و"إذا" و"حيث" والموصولات2، ألا ترى أنك تقول: "جئتك إذ ... "، فلا يتم معنى "إذ" حتى تقول: "جاء زيد" ونحوه، وكذلك الباقي، واحترز بذكر الأصالة من نحو: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُم} 1، فيوم: مضاف إلى الجملة،

_ 1 الذي يفتقر افتقارا متأصلا إلى جملة أو شبهها. 2 فإنها مفتقرة دائما إلى جملة تكمل معناها، وأما إضافة "حيث" إلى مفرد في قول الفرزدق: ونطعنهم تحت الحبا بعد ضربهم ... ببيض النواصي حيث ليِّ العمائمِ فذلك نادر، ومعلوم أن النادر كالشاذ يُحفَظ ولا يُقاس عليه. وذكر الشيخ يس في حاشيته على شرح التصريح: "فإن قلت: إنَّ إذ وإذا ملازمان للإضافة، وقد علمنا أن الإضافة مما يختصُّ بالأسماء، فلماذا لم يعربا، كما أعربت أيّ الشرطية والاستفهامية لملازمتهما للإضافة؟ فالجواب عن ذلك: "قلت: إضافتهما كلا إضافة؛ لأنهما مضافان إلى الجمل، والإضافة إلى الجمل في تقدير الانفصال، فكأنهما غير مضافين".حاشية يس على شرح التصدير: 1/ 52". 3 5 سورة المائدة: الآية: 119. أوجه القراءات: قرأ الجمهور بالرفع في "يوم" وقرأ نافع وابن محيصن "يَوْمَ" بالنصب، النَّشر: 2/ 247. توجيه القراءات: على قراءة الرفع فـ "يوم" خبر لـ "هذا": إشارة إلى ما تقدم من القصص، وهو قوله: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّه} فأخبر الله عما لم يقع بلفظ الماضي؛ لِصحة كونه وحدوثه. وجاز أن يقع "يوم" خبرا عن "هذا" لأنه إشارة إلى حدث، وظروف الزمان تكون خبرا عن الحدث. ويجوز على قول الكوفيين أن يكون "يوم" مبنيا على الفتح؛ لِإضافته إلى الفعل، فإذا كان كذلك احتمل موضعه النصب والرفع على ما تقدم من التفسير. وإنما يقع البناء في الظرف إذا أضيف إلى الفعل عند البصريين، إذا كان الفعل مبنيا، فأما إذا كان معربا فلا يبنى الظرف إذا أضيف عندهم. معاني القرآن: 1/ 326-327، والبيان 1/ 311، وتفسير القرطبي: 6/ 379، ومشكل إعراب القرآن: 1/ 255. موطن الشاهد: {هَذَا يَوْمُ} . وجه الاستشهاد: مجيء "يوم" مضافا بدليل حذف تنوينه إلى الجملة بعده، وهي: {يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} والمضاف مفتقر إلى ذكر المضاف إليه كما هو معلوم في إفادة معناه، غير أن هذا الافتقار عارض التراكيب في بعض التراكيب، ويزول في بعضها الآخر، في نحو: صمت يوما، إذا أخبرت عن الترك، ولا يحتاج في تمام معنى "يوم" إلى شيء آخر.

والمضاف مفتقر إلى المضاف إليه، ولكن هذا الافتقار عارض في بعض التراكيب، ألا ترى أنك تقول: "صمت يوما، وسرت يوما" فلا يحتاج إلى شيء واحترز بذكر الجملة من نحو: "سبحان"، و"عند" فإنهما مفتقران في الأصالة لكن إلى مفرد، تقول: "سبحان الله"1 و"جلست عند زيد". وإنما أعرب اللذان، واللتان، وأي الموصولة" في نحو: "اضرب أيهم أساء"؛ لِضعف الشبه بما عارضه من المجيء على صورة التثنية، ومن لزوم الإضافة2. وما سلم من مشابهة الحرف فمعرب، وهو نوعان: ما يظهر إعرابه، كأرض، تقول: "هذه أرض، ورأيت أرضا، ومررت بأرض" وما لا يظهر إعرابه كالفتى،

_ 1 ما ذكره المؤلف من أن "سبحان" ملازم للإضافة إلى مفرد: هو المشهور عند أهل اللغة والنحو، وذهب جماعة إلى أن "سبحان" يستعمل غير مضاف، واستشهدوا على استعماله غير مضاف بقول الأعشى: قد قلت لما جاءني فخره ... سبحان مِنْ علقمةَ الفاخرِ وهو شاذ عند الأولين. التصريح: 1/ 52. حاشية الصبان: 1/ 54. 2 كلام المؤلف راجع إلى ما ذكره من إعراب "اللذين" و"اللتين"، وقوله بعده: "من لزوم الإضافة" راجع إلى "أي" وحاصل ذلك، أنه وجد في "أي" الموصولة الشبه الافتقاري؛ لأنها مفتقرة افتقارا متأصلا إلى جملة تكون صلة لها، وهذا الشبه، يقتضي البناء؛ لأنها لما كانت ملازمة للإضافة إلى مفرد، وكانت الإضافة من خصائص الأسماء فقد عارض هذا الشبه ما يقتضي الإعراب، فلذلك أعربت التصريح: 1/ 53. الأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 55.

تقول: "جاء الفتى، ورأيت الفتى، ومررت بالفتى"، ونظير الفتى سما، كهدى، وهي لغة في الاسم، بدليل قول بعضهم: "ما سماك1؟ " حكاه صاحب الإفصاح2، وأما قوله3: [مشطور الرجز] 5- والله أسماك سَمًا مباركا فلا دليل عليه فيه؛ لأنه منصوب منون، فيُحتمل أن الأصل سم، ثم دخل عليه الناصب ففتح كما تقول في يد: "رأيت يدا".

_ 1 أي: ما اسمك؟ ووجه الدلالة: أنه أثبت الألف مع الإضافة، وذلك يدل على أنه مقصور. 2 الإفصاح: شرح لكتاب "الإيضاح" لأبي على الفارسي، وصاحبه هو: محمد بن يحيى المعروف بابن هشام الخضراوي، المتوفى سنة: 646هـ. 3 هو: ابن خالد القناني -يفتح القاف والنون المخففة- نسبة إلى جبل قنان، وهو جبل لبني أسد فيه ماء يسمى العسيلة، ولم أعثر للشاعر على ترجمة وافية. 4 تخريج الشاهد: بعد الشاهد قوله: آثرك الله به إيثاركا. وهو من شواهد: التصريح: 1/ 54، والإنصاف لابن الأنباري: 1/ 15، وشرح العيني: 1/ 45. المفردات الغريبة: أسماك: ألهم آلك أن يسموك. سما: اسما. آثرك: ميزك واختصك. إيثاركا: مصدر آثر. المعنى: ألهم الله تعالى أهلك أن يسموك اسما مباركا ميمونا؛ لأن الله تعالى اختصك بهذا الإسم وميزك به عن الناس، كما تؤثر أنت بخيرك ومعروفك. ولعل المراد: إن الاسم دالٌّ على المسمى. فكان الاسم خيرا طيبا؛ لأن صاحبه متَّصف بالبذل والمعروف والكرم. الإعراب: والله: مبتدأ. أسماك: فعل ماضٍ، والفاعل: هو، والكاف: مفعول به أول والجملة في محل رفع خبر المبتدأ. سما: مفعول ثانٍ لأسماك، منصوب وعلامه نصبه الفتحة الظاهرة. مباركا: صفة: "به": متعلق بـ آثرك". إيثارك: مفعول آثرك، وهو مصدر مضاف إلى مفعوله، أي إيثارك إياه، ويمكن أن يكون مضافا إلى فاعله، والمفعول محذوف، والتقدير: إيثارك الناس بالخير. موطن الشاهد: سما". وجه الاستشهاد: مجيء "سما" على هذا اللفظ، وهو لغة في "الاسم" غير أن مجيئه لا يصلح أن يكون دليلا على أنه مقصور مثل "هدى" وقد أوضح المؤلف ذلك في المتن.

ثانيا: [المبني والمعرَب من الأفعال] : والفعل ضربان: مبني، وهو الأصل1، ومعرب، وهو بخلافه. فالمبني نوعان: أحدهما: الماضي2، وبناؤه على الفتح كضرب، وأما "ضربت" ونحوه، فالسكون عارض أوجبه كراهتهم توالي أربع متحركات فيما هو كالكلمة3 الواحدة وكذلك ضمه "ضربوا" عارضة لمناسبة الواو4. والثاني: الأمر، وبناؤه على ما يجزم به مضارعه5، فنحو: "اضرب" مبني

_ 1 المراد بالأصل هنا؛ الغالب، أو ما ينبغي أن يكون الشيء عليه، وما جاء على ما هو الأصل فيه فإنه لا يُسأل عن علته، ولهذا لا يُسأل عن علة بناء الفعل الماضي، وفعل الأمر، وكل شيء جاء على خلاف ما هو الأصل فيه، لزم أن يسأل عن علة خروجه عن الأصل، ولهذا يسأل عن علة إعراب الفعل المضارع، وهي مشابهته للاسم الذي الأصل فيه الإعراب، وإنما كان الأصل في الفعل البناء؛ لِكونه لا تعرض له معانٍ مختلفة تفتقر في التمييز بينها إلى الإعراب، وإنما كان الأصل في الاسم الإعراب؛ لِكونه يعرض له أن تطرأ عليه معانٍ مختلفة تفتقر إليه كالفاعلية والمفعولية والإضافة. التصريح: 1/ 54. 2 الأصل في المبني أن يكون بناؤه على السكون؛ لخفته، وإنما بني الماضي على حركة لكونه أشبه المضارع المعرب في وقوع كل منهما صفة، وصلة، وحالا، وخبرا، وإنما كان بناؤه على الفتح؛ لِكون الفتح أخف الحركات مع كون الفعل ثقيلا بسبب دلالته على شيئين، هما الحدث والزمان، فلو أنه بني على الضم، لاجتمع فيه ثقيلان، فطلبوا في نطقهم التخفف من أحد الثقيلين، فجاءوا به مفتوحا. التصريح: 1/ 54. ابن عقيل "تحقيق البقاعي" 1/ 38". 3 نزلت تاء الفاعل في الفعل منزلة الجزء؛ لِشدة اتصالها به، فصارت المتحركات أحرف الفعل الثلاثة وتاء الفاعل. التصريح: 1/ 55. 4 أي: لمناسبتها الواو؛ لأنه قوله: "عارضته لمناسبة الواو" من إضافة المصدر إلى مفعوله، وحذف فاعله. التصريح: 1/ 55. 5 هذا مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى أن فعل الأمر معرب مجزوم بلام محذوفة فأصل قم واقعد لتقم ولتقعد، فحذفت لام الأمر، ثم حذف حرف المضارعة. التصريح: 1/ 55، ومغني اللبيب: 300.

على السكون، ونحو "اضربا" مبني على حذف النون، ونحو: "اغْزُ" مبني على حذف آخر الفعل. والمعرب: المضارع نحو: "يقومُ" لكن بشرط سلامته من نون الإناث ونون التوكيد1 المباشرة، فإنه مع نون الإناث مبني على السكون، نحو: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} 2، ومع نون التوكيد المباشرة مبني على الفتح، نحو: {لَيُنْبَذَنَّ} 3 وأما غير المباشرة فإنه معرب معها تقديرا، نحو: {لَتُبْلَوُنَّ} 4، {فَإِمَّا تَرَيِنَّ} ، {وَلَا

_ 1 علة بناء المضارع مع نون النسوة مشابهته للفعل الماضي، فنحو "يرضعن" أشبه "أرضعن" وذهب السهيلي إلى أن المضارع مع نون النسوة معرَب على ما استقر له من الإعراب. وعلة بناء المضارع مع نون التوكيد المباشرة؛ لِتركبه معها كتركب خمسة عشر، وعلة إعرابه مع غير المباشرة أن الفاعل فاصل بين الفعل والنون، وهم لا يركبون ثلاثة أشياء. التصريح: 1/ 56، والأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 60-61. 2 2 سورة البقرة، الآية: 228. موطن الشاهد: {يَتَرَبَّصْنَ} . وجه الاستشهاد: مجيء فعل "يتربص" مبنيا على السكون؛ لِاتصاله بنون الإناث، والنون في محل رفع فاعل. 3 104 سورة الهمزة، الآية: موطن الشاهد: {لَيُنْبَذَنَّ} . وجه الاستشهاد: مجيء فعل "ينبذ" مبنيا على الفتح؛ لِاتصاله بنون التوكيد الثقيلة المباشرة له، ونون التوكيد "الخفيفة والثقيلة" حرف لا محل له من الإعراب. 3 3 سورة آل عمران، الآية: 186. موطن الشاهد: {لَتُبْلَوُنَّ} . وجه الاستشهاد: مجيء نون التوكيد غير مباشرة لفعل "تبلو" فأعرب الفعل معها تقديرا، والفعل هنا مبني للمجهول، وأصله: لتبلوون بواوين، الأولى لام الفعل، والثانية: واو الجماعة، فإما أن تقول: استثقلت الضمة على لام الفعل فحذفت لاستثقالها، أو تحركت وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا وعلى التقديرين التقى ساكنان، فحذف أول الساكنين. 5 "19" سورة مريم، الآية: 26. موطن الشاهد: {إِمَّا تَرَيِنَّ} . وجه الاستشهاد: مجيء فعل "ترى" مجزوما بـ "إن" الشرطية، وهو مؤكَّد بنون التوكيد الثقيلة، وعلامة جزمه حذف النون؛ التي هي علامة الرفع؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والياء: فاعل، وحركت بالكسرة؛ لأن الكسرة تجانسها؛ لِلتخلص من التقاء الساكنين بعد تعذر حذف أحدهما، الياء ونون التوكيد.

تَتَّبِعَانِّ} 1. والحروف كلها مبنية. [أنواع البناء] : وأنواع البناء أربعة: أحدها: السكون، وهو الأصل ويسمَّى أيضا وقفا، ولخفته دخل في الكلم الثلاث، نحو: هل، وقم، وكم. والثاني: الفتح، وهو أقرب الحركات إلى السكون، فلذا دخل أيضا في الكلم الثلاث، نحو: سوف وقام، وأين. والنوعان الآخران هما: الكسر والضم، ولثقلهما وثقل الفعل لم يدخلا فيه، ودخلا في الحرف والاسم، نحو لام الجر و"أمس" ونحو "منذ" في لغة من جرها أو رفع؛ فإن الجارة حرف والرافعة اسم2.

_ 1 "10" يونس، الآية: 89. موطن الشاهد: {لَا تَتَّبِعَانِّ} . وجه الاستشهاد: مجيء "تتبعان" فعلا مضارعا مجزوما بلا الناهية، فحذفت نون الرفع، فصار لا تتبعا، ثم أكد بالثقيلة، فالتقى ساكنان، الأنف ونون التوكيد المدغمة، ولم يجز حذف أحدهما، فحركت النون بالكسر تشبيها بنون التثنية الواقعة بعد الألف. 2 إنما كان الأصل في البناء السكون؛ لِخفته واستصحابا للأصل وهو عدم الحركة. فلا يبنى عليها إلا لسبب كالتقاء الساكنين في نحو "أمس"، وكون الكلمة على حرف واحد كـ "تاء قمت"، وكونها عرضة للابتداء بها كـ "لام" الابتداء، وكونها أصلًا في التمكن كأول، وكشبهها بالمعرب كضرب. التصريح: 1/ 58. الأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 63.

[تعريف الإعراب وأنواعه] : الإعراب1 أثر ظاهر أو مقدَّر يجلبه العامل في آخر الكلمة، وأنواعه أربعة: رفع ونصب في اسم وفعل، نحو: "زيد يقوم، وإن زيدًا لن يقوم" وجر في اسم نحو "لزيدٍ" وجزم في فعل نحو:"لم يقمْ" ولهذه الأنواع الأربعة علامات أصول، وهي: الضمة للرفع، والفتحة للنصب، والكسرة: للجر، وحذف الحركة: للجزم، وعلامات فروعٌ2 عن هذه العلامات، وهي واقعة في سبعة أبواب:

_ 1 الإعراب في اللغة له معانٍ كثيرة، منها: البيان، والإجادة، والحسن، والتغيير، وإزالة الفساد عن الشيء، والتكلم باللغة العربية، واصطلاحا: بناء على القول بأنه معنوي؛ هو تغير أواخر الكلم بسبب اختلاف العوامل الداخلة عليها، وبناء على أنه لفظي ما ذكره المؤلف بقوله: أثر ظاهر أو مقدَّر.... إلخ. التصريح: 1/ 59، 60. 2 عدتها عشر علامات: ينوب في بعضها حركة فرعية عن حركة أصلية، وفي بعضها حرف عن حركة أصلية، وفي ثالث حذف حرف عن سكون. وتنحصر هذه الفروع النائبة فيما يأتي: ينوب عن الضمة ثلاثة: الواو، والألف، والنون. وينوب عن الفتحة أربعة: الكسرة، والألف، والياء، وحذف النون. وعن الكسرة اثنان الفتحة، والياء. وعن السكون واحدة، وهي الحذف، ويشمل حذف حرف العلة في آخر المضارع المعتل، وحذف النون في الأفعال الخمسة المجزومة. التصريح 1/ 16.

الباب الأول الأسماء الستة وشروط إعرابها

[الباب الأول: الأسماء الستة وشروط إعرابها] : الباب الأول: باب الأسماء الستة1: فإنها ترفع بالواو، وتنصب بالألف، وتخفض بالياء، وهي "ذو" بمعنى صاحب، والفم إذا فارقته الميم، والأب، والأخ، والحم، والهن، ويشترط في غير "ذو" أن تكون مضافة لا مفردة، فإن أُفرِدتْ أُعرِبتْ.

_ 1 يسميها بعض النحاة: الأسماء الستة المعتلة الآخر؛ لأن آخرها واو محذوفة تخفيفًا فيما عدا "ذو".

بالحركات، نحو: {وَلَهُ أَخٌ} ، و {إِنَّ لَهُ أَبًا} 2، و {بَنَاتُ الْأَخِ} 3، فأما قوله: [مشطور الرجز] 6- خالط من سلمى خياشيم وفا5

_ 1 "4" سورة النساء، الآية: 12. موطن الشاهد: "أخ". وجه الاستشهاد: مجيء "أخ" مرفوعا وعلامة رفعه الضمة، وهو من الأسماء الستة؛ لأنه جاء مفردا غير مضاف. 2 "12" سورة يوسف، الآية: 87. موطن الشاهد: "أبا". وجه الاستشهاد: مجيء "أبا" منصوبا وعلامة نصبه الفتحة؛ لأنه اسم "إن"، ولم ينصب بالألف -على الرغم من كونه من الأسماء الستة- لأنه أتى مفردا غير مضاف. 3 "4" سورة النساء، الآية: 23. موطن الشاهد: "الأخ". وجه الاستشهاد: مجيء "الأخ"، مجرورا، وعلامة جره الكسرة؛ مع أنه من الأسماء الستة؛ لأنه جاء مفردا غير مضاف. 4 القائل هو العجاج: أبو الشعثاء: عبد الله بن رؤبة من بني مالك بن تميم، شاعر مخضرم، أسلم وحسن إسلامه، لقي أبا هريرة وسمع منه، وهو أحد رجاز العرب المشهورين مع ابنه رؤبة سُمِّيَ بالعجاج لقوله: حتى يعجَّ عندها من عجعجا أدرك عهد الوليد بن عبد الملك ومات سنة 90هـ. الشعر والشعراء: 2/ 591، والجمحي: 2/ 753. 5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت من الرجز، وصدره: حتى تناهى في صهاريج الصفا يذكر بعد البيت الشاهد قوله: صهباء خرطوما عقارا قرقفا وهو من شواهد: التصريح: 1/ 62، وهمع الهوامع: 1/ 40، والدرر اللوامع: 1/ 14، والمقتضب: 1/ 240، والمخصص لابن سيده: 1/ 136، 14/ 96، 15/ 78، وشرح المفصل لابن يعيش: 6/ 89، والخزانة: 2/ 6، والعيني: 1/ 152، وحاشية يس: 1/ 125 وأراجيز البكري: 50، وملحقات ديوان العجاج: 83. المفردات الغريبة: خالط: امتزج. خياشيم: جمع خيشوم، وهو الأنف أو أقصاه. فا: المراد فاها. صهباء: الخمر. خرطوما: هي الخمر أو عصيرها. عقارا: هي الخمر =

فَشَاذٌّ، أو الإضافة مَنْوِيَّة، أي: خياشيمها وفاها، واشترط في الإضافة أن تكون لغير الياء، فإن كان للياء أعربت بالحركات المقدَّرة، نحو: {وَأَخِيْ هَارُونُ} 11، {إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي} 2، و"ذو"3 ملازمة للإضافة لغير الياء4، فلا حاجة إلى اشتراط الإضافة فيها.

_ = أيضا، سميت بذلك؛ لأنها تعقر شاربها. قرقفا: هي الخمر أيضا، وأراد بهذه الألفاظ ما تحمله من الأوصاف، ولم يرد بها مجرد الاسمية. المعنى: يصف تلك الخمرة الموصوفة بتلك الأوصاف كأنَّها امتزجت بريح خياشيم سلمى وريق فمها، حتى وصلت إلى تلك الجودة وعذوبة النكهة. الإعراب: خالط: فعل ماضٍ، والفاعل يعود على الماء الممزوج بالخمر في الأبيات السابقة. خياشيم: مفعول به لـ "خالط". فا: اسم معطوف على خياشيم. موطن الشاهد: "وفا". وجه الاستشهاد: مجيء "فا" معطوفا على خياشيم، وهو منصوب بالألف نيابة عن الفتحة، مع أنه غير مضاف في اللفظ إلى شيء، ومعلوم أن الأسماء الستة لا تُعرب بالحروف إلا إذا أضيفت، وقد بيَّن المؤلف في المتن أن هذا النصب بالألف إما أن يكون شاذا، أو أنه مضاف إلى ضمير محذوف عائد إلى المحبوبة كما بيَّن. 1 "28" سورة القصص، الآية: 34. موطن الشاهد: {أَخِيْ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أخ" اسما مرفوعا وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، وقد أعرب الاسم -هنا- بالحركة المقدَّرة؛ لأنه أضيف إلى ياء المتكلم كما جاء في المتن. 2 "5" سورة المائدة، الآية: 25. موطن الشاهد: {وَأَخِيْ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أخ" معربا بالحركة المقدرة على ما قبل الياء، كما في الآية السابقة؛ لِإضافته إلى ياء المتكلم. 3 قال الدنوشري: وزنها فَعَل بالتحريك عند سيبويه، ولامها ياء، وبالسكون عند الخليل، ولامها واو. حاشية يس على التصريح: 1/ 63. 4 اعلم أولا أنهم أرادوا أن يصِفوا بأسماء الأجناس -أي أرادوا أن يجعلوا أسماء الأجناس صفات- فلم يتيسر لهم ذلك؛ لأن النعت لِا يكون مشتقا أو مُؤَوَّلا بالمشتق، فاتخذوا كلمة "ذو" وصلة وذريعة إلى الوصف باسم الجنس، والتزموا إضافتها إلى اسم جنس غير وصف؛ لأنه لو كان اسم الجنس وصفا لما احتيج في الوصف به إلى وصْلة، ومن هنا تعلم أن "ذو" لا تضاف إلى الأعلام، ولا إلى الضمائر، ولا إلى الصفات، ولا إلى الجمل، وقد وردت إضافتها إلى العلم قليلا في نحو "أنا الله ذو بكة"، أي: "أنا صاحبها، وبكة لغة في مكة"، وورد إضافتها إلى الضمير شذوذا في قول الشاعر: إنما يعرف ذا الفضل من الناس ذووه ووردت إضافتها إلى جملة شذوذا أيضا، في نحو قولهم "اذهب بذي تسلم". شرح التصريح: 1/ 63، ابن عقيل "تحقيق: البقاعي": 1/ 48.

وإذا كانت "ذو" موصولة لزمتها الواو1، وقد تعرب بالحروف2 كقوله3: [الطويل] 7- فحسبي من ذي عندَهم ما كفانيا4

_ 1 أي غالبا في أحوالها المختلفة، وتكون مبنية على السكون في محل رفع أو نصب أو جر. 2 وذلك مثل إعراب "ذي" بمعنى صاحب. 3 هو منظور بن سحيم بن نضلة الأسدي الفقعسي: شاعر جاهلي مقلٌّ، أدرك الإسلام، وكان يسكن بالكوفة، ويعد من شعراء الحماسة. المرزباني: 374-375، والإصابة: 3/ 503. 4 تخريج الشاهد: هذا بيت من كلمة للشاعر منها: ولست بهاجٍ في القرى أهل منزل ... على زادهم أَبكي وأُبكي البواكيا فإما كرام موسرون لقيتهم ... فحسبي من ذي عندَهم ما كفانيا وإما كرام معسرون عذرتهم ... وإما لئام فادخرت حيائيا وعرضي أُبقِي ما ادخرت ذخيرة ... وبطني أطويه كطي ردائيا والبيت الشاهد: من شواهد التصريح: 1/ 63، وابن عقيل "4/ 1/ 45" والأشموني "100/ 1/ 72"، والمغني "758/ 535"، وشرح المفصل: 3/ 138، والمقرب لابن عصفور: 3، وشرح العيني: 1/ 127، 436، وشرح السيوطي: 281، وهمع الهوامع: 1/ 84، والدرر اللوامع: 1/ 59، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: 1158. المفردات الغريبة: كرام: جمع كريم، وأراد به الشريف النسب. موسِرُون: ذوو غنىً وميسرة، ولديهم ما يقدمون للضيوف. معسِرُون: ذَوُو ضيق وعسرة، لا يجدون ما يقدمونه لضيوفهم مع كريم نفوسهم وطيب محتدهم. المعنى: هؤلاء الناس الذين حللت في ديارهم، وأَمِنت بجوارهم، إما أن يكونوا كراما أثرياء، وما يعطوني إياه يكفيني وحسبي ذلك ولا أريد زيادة عليه. =

وإذا لم تفارق الميم الفم أعرب بالحركات1. فصل: والأفصح في الهن النقص، أي: حذف اللام، فيعرب بالحركات2 ومنه الحديث: "من تعزى بعزاء الجاهلية فأعِضُّوه بهن أبيه ولا تكنوا"3 ويجوز

_ = الإعراب: إما: حرف شرط وتفصيل. كرام: إما فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: إما قابلني كرام، ويمكن أن يكون -في هذه الحال- خبرا لمبتدأ محذوف، والتقدير: فالناس إما كرام، دليل ذلك في البيت التالي: وإما لئام، والأول أفضل؛ لأنه جارٍ على القياس. موسرون: صفة لكرام: لقيتهم: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة لا محل لها من الإعراب؛ لأنها مفسرة. فحسبي: الفاء واقعة في جواب الشرط، حسب: اسم بمعنى كافٍ خبر مقدم، والياء: مضاف إليه. من حرف جر. ذي: اسم موصول بمعنى الذي مجرور بمن، والجار والمجرور متعلقان بحسب. "عندهم" متعلق بمحذوف الصلة، وهم: مضاف إليه. ما: اسم موصول بمعنى الذي مبتدأ مرفوع مؤخر. كفانيا: فعل ماضٍ وفاعله هو، والنون للوقاية، والياء: مفعول به، وجملة "كفانيا": لا محل لها؛ لأنها صلة للموصول. موطن الشاهد: "ذي". وجه الاستشهاد: مجيء "ذي" اسما موصولا بمعنى "الذي"، معربا مجرورا بالياء في لغة طيء، مثل "ذي" بمعنى صاحب، وروي البيت على: "من ذو" على أنها مبنية على سكون الواو بمعنى الذي؛ لأنها في محل جر بمن، ومعلوم أن "ذو" الذي بمعنى الذي تكون في الرفع والنصب والجر على لفظ واحد، وكذا بالنسبة إلى المذكر والمؤنث. 1 تستعمل كلمة "فم" بالميم مضافة، نحو قوله صلى الله عليه وسلم: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك"، ونحو قول الراجز: يصبح ظمآن وفي البحر فمه. وتستعمل مقطوعة عن الإضافة كقولهم: "هند أطيب الناس فَمَا" وقد استعمله الشاعر مقصورا مثل الفتى والعصا في قوله: يا حبذا وجه سليمي والفَمَا ... والجيد والنحر وثدي قد نما ووجه الدلالة، أنه لو كان صحيح الآخر، لكان بضم الميم. التصريح: 1/ 64. والأشموني مع حاشية الصبان: "1/ 73". 2 أي الظاهرة على النون، فتقول هذا هنك، ورأيت هنك ونظرت إلى هنك. 3 حديث نبوي شريف أخرجه في مصابيح السنة "1/ 108" عن أبي بن كعب رضي الله عنه بهذا اللفظ في باب الحسان. وأخرجه أحمد "5/ 136" عن أبي بألفاظ مختلفة وهو في شرح التسهيل وتعزي "بوزن تجلي": أي انتسب وانتمى، وهو الذي يقول "يا لفلان" ليخرج الناس "1/ 47" معه إلى القتال في الباطل. أعضوه -بهمزة قطع وكسر العين وتشديد الضاد: أي قولوا له: "اعضض على هنِ أبيك" ومعنى لا تكنوا: قولوه بلفظه الصريح استهزاء به، واحتقارا لما دعاكم إليه. موطن الشاهد: "الهن". وجه الاستشهاد: استعمال "الهن" منقوصا معربا بالحركات الظاهرة، بعد أن حذفت لامه، أي واوه، وهذا الوجه الأفصح لاستعمال هذا الاسم.

النقص في الأب والأخ والحم، ومنه قوله: [الرجز] 8- بأبه اقتدى عدي في الكرم ... ومن يشابه أبه فما ظلم2

_ 1 القائل: هو رؤبة بن العجاج، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: يمدح الشاعر في هذا البيت عدي بن حاتم الطائي، وقبل الشاهد قوله: أنت الحليم والأمير المنتقم ... تصدع بالحق وتنفي من ظلم والشاهد من شواهد: ابن عقيل "5/ 1/ 50" والأشموني "15/ 1/ 29"، والتصريح: 1/ 64، وشرح العيني: 1/ 129، وملحقات ديوان رؤبة: 182، وأمثال الميداني: 2/ 333. المفردات الغريبة: عدي: أراد عدي بن حاتم الطائي المشهور بالكرم والجود. اقتدى: جعله قدوة وأسوة. فما ظلم: أراد ما ظلم أباه ولا أمه، فجاء على مثال أبيه. المعنى: يصف الشاعر عدي بن حاتم، بأنه اقتدى بأبيه، وسلك طريقه في الجود والكرم، فدل بذلك على أنه ابنه حقيقة، ومن شابه أباه في صفاته وأفعاله، لم يظلمه بتضييع صفاته وحقوقه عليه أو يكون المراد: ما ظلم أمه باتهامها فيه؛ لأنه جاء على مثال أبيه. موطن الشاهد: "بأبه". وجه التشبه: استعمال "أب" منقوصا مجرورا، وعلامة جره الكسرة الظاهرة في الأول، ومنصوبا وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في "أبه" الثاني مع أنهما مضافان إلى ضمير الغائب، وهذه اللغة من لغات العرب في الأسماء الستة، يعربونها بالحركات وإن كان مضافة إلى غير ياء المتكلم، وتسمى هذه اللغة لغة النقص، وهي لغة تميم. وأما إعراب تلك الأسماء بالحروف "الواو، الألف، الياء" فعلى لغة الإتمام، وفي هذه الأسماء لغة ثالثة في الشاهد التالي، وتسمى لغة القصر.

وقول بعضهم1 في التثنية: "أبان" و"أخان". وقصرهن أولى من نقصهن كقوله2: [الرجز] 9- إن أباها وأبا أباها3

_ 1 قياسا على لغة النقص، حيث إن "أبان، وأخان" مثنى "أب وأخ" من دون النظر إلى اللام المحذوفة، كما قيل في تثنية: "يد.... ودم": يدان، ودمان. وعلى هذا، فيقال في جمعه جمع المذكر السالم -مع أنه ليس وصفا ولا علما- أبون، وأبين، ومنه قول زياد بن واصل السلمي: فلما تبين أصواتنا ... بكين وفديننا بالأبين وذكر صاحب "التصريح" عن أبي العباس، أحمد بن يحيى ثعلب: "العرب تقول: هذا أبوك، وتقول: هذا أباك، وتقول: هذا أبك، فمن قال: هذا أبك، قال في التثنية: هذان أبان". انظر شرح التصريح: 1/ 65. 2 ينسب هذا الشاهد إلى أبي النجم، الفضل بن قدامة بن عبيد العجلي، أحد بني بكر بن وائل وهو مبرز في الرجز، ومجيد في القصيد، يفضلونه على العجاج في النعت. منزله بسواد الكوفة، وكان له اتصال بهشام بن عبد الملك، وضعه ابن سلام في الطبقة التاسعة في الإسلاميين. الشعر والشعراء: 2/ 603 والجمحي: 149، والمرزباني: 310، والآلي: 327. والأغاني: 9/ 73. 3 تخريج الشاهد: اختلف في نسبة الشاهد، فقد نسبه بعض النحاة إلى رؤبة بن العجاج، وزعم العيني أن أبا زيد رواه بسند عن أبي الغول منسوبا إلى بعض أهل اليمن من غير تعيين، وفي نوادر أبي زيد "ص58" أبيات على قافية هذا الشاهد ترتفع روايته لها إلى أبي الغول الطهوي، ولكن الشاهد ليس منها. ويروي النحاة قبل الشاهد: واهًا لريا ثم واها واها ... هي المنى لو أننا نلناها يا ليت عيناها لنا وفاها ... بثمن نرضي به أباها إن أباها وأبا أباها ... قد بلغ في المجد غايتاها والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 65، وابن عقيل "6/ 1/ 51"، والأشموني "16/ 1/ 29" وهمع الهوامع: "1/ 39، والدرر اللوامع: 1/ 12، والعيني: 1/ 133. 3/ 346، والإنصاف: 1/ 18، ومغني اللبيب: "52/ 58"، "196/ 166"، "395/ 286"، وشرح المفصل: "1/ 51"، 3/ 129"، والمقرب: 81، وخزانة الأدب: 3/ 337، وشرح السيوطي: 199.

وقول بعضهم: "مُكْرَهٌ أخاك لا بطل"1.

_ = المفردات الغريبة: المجد: العز والشرف. وأراد بالغايتين: المبتدأ والمنتهى تغليبا، أو غاية المجد في النسب، وغايته في الحسب. المعنى: يصف الشاعر والد محبوبته وجدَّها، بأنهما بلغا الغاية والمنتهى في الشرف، والمجد والسؤدد. الإعراب: أباها: اسم "إن" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدَّرة على الألف للتعذر، و"أبا" مضاف و"ها" مضاف إليه. وأبا: الواو عاطفة. "أبا": معطوف على "أباها" منصوب كذلك. أباها: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة المقدَّرة على الألف. غايتاها: مفعول به لفعل بلغ منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدَّرة على الألف للتعذر، وهذا على لغة من يلزم المثنى الألف، و"ها": مضاف إليه، وهو ضمير عائد إلى المجد، وأُنِّث باعتبار الصفة أو الرتبة، والمراد بالغايتين: المبدأ والنهاية، أو غاية المجد في النسب، وغايته في الحسب كما أشرنا وقيل: الألف بعد التاء للإشباع لا للتثنية. ضياء السالك: 1/ 55. موطن الشاهد: "أباها". وجه الاستشهاد: مجيء "أباها" على لغة القصر في الأسماء الستة، وهذا ظاهر في "أباها" الثالثة؛ لأنه في موضوع جر بإضافة "أبا" الثانية إليه، وأما "أباها" الأولى والثانية فنستدل على مجيئهما على لغة القصر بالقرينة. ويمكن أن نعدهما على لغة الإتمام؛ لأنهما منصوبان، فيكون نصبهما بالألف، وأما على لغة القصر فعلامة نصبهما الفتحة المقدرة على الألف للتعذر، وإذا عددنا الثالثة مسوقة على لغة القصر، والأولى والثانية مسوقتين على لغة الإتمام، يكون ذلك من باب التلفيق، وهذا لا يكون في اللغات على الأغلب. 1 هذا مثل مشهور من أمثال العرب، ذكره الميداني مرتين، إحداهما في حرف الميم: 2/ 318 برقم "117"، والثانية في حرف الثاء أثناء شرح قولهم في المثل: شكل أرأمها ولدا: 1/ 152 برقم "771". ويضرب للرجل، يحمله غيره على ما ليس من شأنه. وقصة هذا المثل: أن رجلا يدعى أبا حنش، قال له خاله -وقد بلغه أن ناسا من أشجع في غار يشربون وهم قاتلون إخوته: "هل لك في غارٍ فيه ظباء لعلنا نصيب منها؟ وانطلق به حتى أقامه على فم الغار، ثم دفعه في الغار، فقال: ضربا أبا حنش، فقال بعضهم: إن أبا حنش لبطل، فقال أبو حنش: مكرهٌ أخاك لا بطل. وقيل: إن أول من قاله عمرو بن العاص لما عزم عليه معاوية ليخرجن إلى مبارزة علي رضي الله عنهما-فلما التقيا، قال عمرو: مكره أخاك لا بطل، فأعرض علي عنه. موطن الشاهد: أخاك". وجه الاستشهاد: مجيء "أخاك" بالألف، وهو في موضع رفع، فدل ذلك على مجيئه على لغة القصر، حيث يعرب بالحركات المقدرة على الألف.

وقولهم للمرأة "حماة"1.

_ 1 ومن ذلك قول الراجز. إن الحماة أولعت بالكنة ... وأولعت كنتها بالهنه ووجه الاستدلال: أنهم إذا قالوا للأنثى: "حماة" فإنهم يقولون للمذكر حما - بألف مقصورة؛ لأن صيغة المؤنث هي صيغة المذكر، بزيادة تاء التأنيث، فلما اتصلت التاء، نقل الإعراب من الألف إليها وظهر؛ لأنها حرف صحيح، والمذكر على أصله، فيقدر الإعراب فيه، ونظير ذلك فتى وفتاه وحاصل ما ذكره المؤلف من اللغات في الأسماء الستة أن هذه الأسماء على ثلاثة أضرب: ضرب فيه لغة واحدة وهو "ذو بمعنى صاحب، و"الفم" إذا فارقته الميم. وضرب فيه لغتان النقص والإتمام، وهو "الهن". وضرب فيه ثلاث لغات: الإتمام والقصر، والنقص، وهو ثلاثة ألفاظ، الأب. والأخر، والحم. التصريح: 1/ 65، ابن عقيل "تحقيق البقاعي": 1/ 46. الأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 71-72.

الباب الثاني إعراب المثني وما ألحق به

[الباب الثاني: إعراب المثني وما ألحق به] . الباب الثاني: المثنى: وهو: ما وضع لاثنين وأغنى عن المتعاطفين1.

_ 1 يعرفونه بأنه اسم، يدل على اثنين، متفقين في الحركات، والحروف، والمعنى، بسبب زيادة في آخره، تغني عن العاطف والمعطوف، وهذه الزيادة هي: الألف والنون المكسورة رفعا، أو الياء المفتوحة والنون المكسورة نصبا وجرا، ويشترط في كل ما يثنى ثمانية شروط: أحدها: الإفراد، فلا يثنى المثنى، ولا المجموع على حده ولا الجمع الذي لا نظير له في الآحاد. الثاني: الإعراب: فلا يثنى المبني وأما نحو ذان وتان واللذان واللتان، فصيغ موضوعة للمثنى وليست مثناة حقيقة على الأصح، عند جمهور البصريين. الثالث: عدم التركيب، فلا يثنى المركب تركيب إسنادٍ اتفاقا، ولا مزج على الأصح، وأما المركب تركيب إضافة مع الأعلام فيستغنى بتثنية المضاف عن تثنية المضاف إليه. الرابع: التنكير، فلا يثنى العلم باقيا على علميته بل ينكر ثم يثنى. الخامس: اتفاق اللفظ، وأما نحو: الأبوان للأب والأم، فمن باب التغليب. السادس: اتفاق المعنى، لا يُثَنَّى المشترك ولا الحقيقة والمجاز، وأما قولهم: القلم أحد اللسانين فشاذٌّ. السابع: أن لا يستغنى عنه بتثنية غيره. الثامن: أن يكون له ثانٍ في الوجود. التصريح: 1/ 67. حاشية الصبان على شرح الأشموني: 1/ 75-76.

كالزيدان والهندان، فإنه يرفع بالألف، ويجر وينصب بالياء المفتوح ما قبلها المكسور ما بعدها1. وحملوا عليه أربعة ألفاظ: "اثنين" و"اثنتين" مطلقا، و"كلا", "كلتا" مضافين لمضمر، فإن أضيفا إلى ظاهر لزمتهما الألف.

_ 1 هذا الإعراب هو أشهر الأقوال وأقواها ويحسن الاقتصار عليه، ومن العرب من يلزم المثنى وملحقاته الآتية -غير كلا وكلتا- الألف في جميع الأحوال، ويعرب بحركات مقدرة عليها إعراب المقصور، وهذه لغة كنانة وبني الحارث وبنى العنبر وبنى هجيم.... وغيرهم وعليه خرج قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَان} ، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا وتران في ليلة". ومنه قول الشاعر: تزوَّد منَّا بين أذناه طعنة ... دعته إلى هابي التراب عقيم التصريح: 1/ 68. الأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 79.

الباب الثالث إعراب جمع المذكر السالم وما ألحق به

[الباب الثالث: إعراب جمع المذكر السالم وما ألحق به] : الباب الثالث: باب جمع المذكر السالم1، كالزيدون والمسلمون؛ فإنه يرفع بالواو، ويجر وينصب بالياء المكسور ما قبلها المفتوح ما بعدها. ويشترط في كل ما يجمع هذا الجمع ثلاثة شروط2: أحدها: الخلو من تاء التأنيث، فلا يُجمع نحو "طلحة" و"علامة"3. الثاني.

_ 1 هو ما يدل على أكثر من اثنين، بزيادة واو ونون في حالة الرفع، وياء ونون في حالتي النصب والجر، ويشترط فيه ما اشترط في المثنى؛ من الإعراب والإفراد والتنكير ... إلخ. 2 الذي يجمع هذا الجمع نوعان: العلم والصفة، ولذلك مثل بمثالين، ولكلٍّ شروط؛ وهذه الشروط علاوة على الشروط الثمانية السابقة. 3 لئلا يجتمع علامتا "التأنيث والتذكير" والعبرة في التأنيث، ليست بلفظة، ولكن بمعناه، فإذا جاءت كلمة "سعاد" أو "هند" علما مذكرا واشتهر بذلك، فإنها، تجمع جمع مذكر سالما.

أن يكون لذكر، فلا يجمع نحو "زينب" و"حائض". الثالث: أن يكون لعاقل، فلا يجمع نحو "واشق" علما لكلب، و"سابق" صفة لفرس. ثم يشترط أن يكون إما علما1 غير مركب تركيبا إسناديا ولا مزجيا، فلا يجمع نحو "برق نحره" و"معد يكرب" وإما صفة تقبل التاء أو تدل على التفضيل نحو "قائم" و"مذنب" و"أفضل" فلا يجمع نحو "جريح" و"صبور" و"سكران" و"أحمر". [ما ألحق بجمع المذكر السالم] : وحملوا على هذا الجمع أربعة أنواع2: أحدها: أسماء جموع، وهي: أولو، وعالمون، وعشرون، وبابُهُ. والثاني: جموع تكسير، وهي: بنون، وحرون، وأرضون، وسنون، وبابُهُ، فإن هذا الجمع مطَّرد في كل ثلاثي حذفت لامُهُ وعوض عنها هاء التأنيث ولم يكسر، نحو: عِضَة3 وعِضِين، وعِزَة4 وعِزِين، وثُبَة وثُبِين، قال الله تعالى: {كَمْ لَبِثْتُمْ فِي

_ 1 يشترط في العلم خاصة أن يكون غير مركب تركيبا إسناديا "كجاد الحق"، وبرق نحره" لأن المحكي لا يغير، أو مزجيا على الأصح "كبختنصر" تشبيها له بالمحكي، وكذلك يشترط في الصفة خاصة أحد أمرين، قبولها التاء المقصود بها معنى التأنيث، فلا يجمع نحو علامة ونسابة؛ لأن التاء فيهما؛ لِتأكيد المبالغة، لا لقصد معنى التأنيث. التصريح: 1/ 71. 2 هذه الأنواع تعرب بإعراب، وليست جمعا حقيقيا؛ لأنها فقدت بعض شروط الجمع، وأكثرها سماعي لا يُقاس عليه. 3 أصل عضة: عضه بالهاء من العضه وهو الكذب والبهتان، وفي الحديث: "لا يعضَهْ بعضكم بعضا" وقيل أصله: عضو من قولهم عضيته، إذا فرقته، ومنه قول رؤبة: وليس دين الله بالمعضي أي: المفرق، فعلى الأول لامها هاء، ويدل له تصغيرها على عضيهة وعلى الثاني واو ويدل له جمعها على عضوات، فكل من التصغير والجمع يردان الشيء إلى أصله. التصريح: 1/ 73و 74. 4 العزة: بكسر العين وفتح الزاي، أصلها: عَزَيَ، فلامها ياء وهي الفرقة من الناس، والعزين: الفرق المختلفة؛ لأن كل فرقة تعتزي إلى غير من تعتزي إليه الأخرى.

الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِين} 1، {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِين} 2، {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِين} ،3 ولا يجوز ذلك في نحو تمرة لعدم الحذف، ولا في نحو "عدة" و"زنة" لأن المحذوف الفاء، ولا في نحو "يد" و"دم"4، وشذ أبون وأخون، ولا في اسم وأخت وبنت لأن العوض غير التاء، وشذ بنون، ولا في نحو شاة وشفة لأنهما كسِّرا على شياه وشفاه. والثالث: جموع تصحيح لم تستوفِ الشروط: كأهلون ووابلون؛ لأن أهلا ووابلا ليسا علمين ولا صفتين؛ ولأن وابلا لغير عاقل. والرابع: ما سمي به من هذا الجمع وما ألحق به5: كعليون وزيدون مسمى

_ 1 "23" سورة المؤمنون، الآية: 112. موطن الشاهد: {سِنِينَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "سنين" ملحقا بجمع المذكر السالم؛ لأنه من جموع التكسير من الثلاثي المحذوفة لامه والمعوض عنها هاء التأنيث؛ لأن المفرد منه سنة، وأصلها سنو أو سنه أي. لامها واو أو هاء؛ لِقولهم: سنوات وسنهات. 2 "15" سورة الحجر، الآية: 91. موطن الشاهد: {عِضِينَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "عضين" اسما ملحقا بجمع المذكر السالم؛ لأنه من الثلاثي المحذوفة لامه، والمعوض عنها هاء التأنيث، و"عضين" جمع عضة، والتي أصلها: عضه بالهاء، من العضه، وهو الكذب والبهتان. 3 "70" سورة المعارج، الآية: 37. موطن الشاهد: {عِزِينَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "عزين" اسما ملحقا بجمع المذكر السالم؛ لِما ذكر في الآية السابقة، و"عزين" جمع "عِزَة" وأصلها: عَزَيَ فلامها ياء، وهي الفرقة من الناس، والعزين: الفرق المختلفة؛ لأن كل فرقة تعتزي إلى غير من تعتزي إليه الأخرى كما أشرنا. 4 لعدم التعويض، من لامها المحذوفة، وأصلها يدي ودمي. 5 ومثله إذا سمي شخص، أو مكان باسم مشتمل على علامة التثنية، مثل: حسنين وزيدين، فإن هذا الاسم ليس مثنى حقيقة؛ لأن مدلوله فرد واحد، وقد ألحقه العرب بالمثنى، فأعربوه في أشهر لغاتهم كإعراب المثنى: بالألف رفعا، وبالياء نصبا وجرا، ومن العرب من يلزمه الألف في الاحوال كلها، ويعربه بالحركات الظاهرة على النون كإعراب ما لا ينصرف للعلمية وزيادة الألف والنون، وإذا اقترنت به "أل" جروه بالكسرة، كما في قول ابن أحمر: ألا يا ديار الحي بالسَّبُعانِ ... أمل عليها بالبلى المَلَوَانِ والسَّبُعان: اسم موضع، نقل من تثنية سبع. التصريح: 1: 68و 69.

به، ويجوز في هذا النوع أن يجري مجرى "غسلين" في لزوم الياء الإعراب بالحركات على النون منونة1، ودون هذا أن يجري مجري عربون في لزوم الواو والإعراب بالحركات على النون منونة، كقوله2: [الخفيف] 10- واعترتني الهموم بالماطرونِ3

_ 1 هنا: إذا لم يوجد ما يمنع التنوين، ككونه أعجميا، مثل "قنسرين" اسم بلد بالشام، أو وجود "أل" في أوله، أو الإضافة في آخره، وإلا فإنه يعرب على النون من غير التنوين. التصريح: 1/ 75، وضياء السالك: 1/ 64. 2 القائل: هو: أبو دهبل الجمحي، وهب بن زمعة بن أسيد أحد بني جمح، شاعر محسن جميل الخلقة، عفيف النفس، قال شعره في آخر خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومدح معاوية، وكان أكثر شعره في عبد الله بن عبد الرحمن الأزرق والي اليمن. الشعر والشعراء: 2/ 614، والاشتقاق: 81، والمؤتلف: 117، والأغاني: 6/ 149. 3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: طال ليلي وبتُّ كالمجنونِ ونسب الجوهري البيت إلى عبد الرحمن بن حسان، ويظن أن البيت من قصيدة لأبي دهبل، ومنها: طال ليلي وبتُّ كالمحزونِ ... ومللت الثواء في جيرونِ وأطلت المقام بالشام حتى ... ظن أهلي مرجَّمات الظنونِ فبكت خشية التفرق جُملٌ ... كبكاء القرين إثرَ القرينِ والشاهد: من شواهد التصريح: 1/ 76. المفردات الغريبة: اعترتني: غشيتني ونزلت بي. الهموم: الأحزان، الماطرون: وهو في الأصل جمع ماطر على غير قياس، ثم سُمي به موضع بالشام. المعنى: طال ليل الشاعر المهموم؛ لِبعده عن أحبابه، وتذكره لهم في ذلك المكان الذي حلت الأحزان والهموم عليه فيه. الإعراب: طال: فعل ماضٍ، ليلى: فاعل ومضاف إليه، وبت: الواو حرف عطف. بات: فعل ماضٍ تام -وهو الأفضل- وتاء المتكلم فاعله. "كالمجنون": متعلق بمحذوف حالٍ من ياء المتكلم، ويجوز عدُّ "بات" فعلا ناقصا و"الجار والمجرور": متعلقا بخبره المحذوف. واعترتني: الواو حرف عطف، اعترى: فعل ماضٍ، والتاء للتأنيث، والنون للوقاية، وياء المتكلم، مفعول به مبني على السكون في محل نصب مفعول به. الهموم: فاعل مرفوع. "بالماطرون": متعلق بـ "اعترى". موطن الشاهد: "الماطرون". وجه الاستشهاد: مجيء "الماطرون" جمع مذكر سالم مسمى به، فلزمته الواو، غير أنه أعرب بالكسرة الظاهرة على النون كالاسم المفرد، ولم ينون لوجود "أل" فيه، وحكم هذا الجمع كالاسم الذي آخره واو ونون، نحو: زيتون وعربون، فعلامة رفعه الضمة على آخره، وعلامة نصبه الفتحة، وعلامة جره الكسرة.

دون هذه أن تلزمه الواو وفتح النون1،وبعضهم يجري بنين وباب سنين مجري غسلين، قال: [الوافر] 11 وكان لنا أبو حسن عليٌّ ... أبا برٍّ، ونحن له بنينُ3

_ 1 من العرب من يلزم هذا النوع الواو ويلزمه مع ذلك فتح النون في مختلف الأحول، ذكر ذلك السيرافي، وزعم أن ذلك صحيح من كلام العرب، وجعل النحاة هذه اللغة نظير اللغة التي تُلزِم المثنى الألف وكسر النون في الأحوال كلها، وعلى ذلك يكون رفع جمع المذكر السالم ونصبه وجره بضمة أو فتحة أو كسرة مقدرة على الواو، منع من ظهورها الثقل في الرفع والجر، معاملة المنصوب معاملة المرفوع والمجرور في حالة النصب، وقد اعتُرِض على ذلك باعتراضين، أحدهما: أنه يلزم على ذلك تقدير الإعراب في وسط الكلمة، وثانيهما: أن يكون في الأسماء ما آخره واو -قبلها ضمة- تقدر عليها حركات الإعراب، ولا نظير لذلك في العربية. التصريح: 1/ 76، وضياء السالك: 65. 3 القائل هو سعيد بن قيس: أحد بني زيد بن قريب من همدان، فارس من الدهاة الأجواد، ومن سلالة ملوك همدان، كان خاصا بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقاتل معه يوم صفين، وكان إليه أمر همدان بالعراق، وإليه نسبة السعيديين باليمن، مات سنة 50هـ. الأعلام: 3/ 100، الإكليل: 10/ 46-50.

........................................................................

_ = تخريج الشاهد: نسب بعض النحاة البيت إلى أحد أبناء علي بن أبي طالب، ولم يعينوه، والأرجح ما ذكرناه فالشاهد ضمن أبيات، يقولها سعيد لمعاوية بن أبي سفيان، وقبله قوله: ألا أبلغ معاوية بن حرب ... ورجم الغيب يكشفه اليقينُ بأنا لا نزال لكم عدوا ... طوال الدهر ما سمع الحنينُ والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 77، وخزانة الأدب: 3/ 418، وشرح العيني: 1/ 156. المفردات الغريبة: أبو حسن: كنية سيدنا علي، كني بابنه الحسن من السيدة فاطمة بنت الرسول عليه الصلاة والسلام. برا: محسنا عطوفا. المعنى: يبين الشاعر ولاءهم لعلي -كرم الله وجهه- وأنهم ما زالوا على العهد بعد وفاته، ويندد بمعاوية حيث يقول: كان علي -كرم الله وجهه- برا بهم محسنا إليهم، وأنه كان يعاملهم معاملة الآباء الرحماء، فقابلوا ذلك بالطاعة والعرفان؛ لأنهم لا يزالوان على العهد. الإعراب: كان: فعل ماضٍ ناقص. "لنا" متعلق بمحذوف حال من قوله: "أبًا برًا"؛ لأنه متقدم عليه، ويمكن أن يتعلق بـ "كان". أبو: اسم كان مرفوع بالواو؛ لأنه من الأسماء الستة. حسن: مضاف إليه. علي: بدل أو عطف بيان من "أبو حسن". أبًا: خبر كان منصوب. برًا: صفة لقوله: أبًا. ونحن: الواو حالية، نحن: ضمير منفصل مبتدأ. "له" متعلق بمحذوف حال، من قوله: "بنين" الآتي. بنين: خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه -هنا- الضمة الظاهرة، وجملة المبتدأ، والخبر في محل نصب على الحال. موطن الشاهد: "بنين". وجه الاستشهاد: مجيء "بنين" بالياء، على الرغم من كونها في محل رفع؛ لأنها خبر، وجعل علامة الإعراب الضمة الظاهرة على لغة بعض العرب، وإن لم تكن علما، كما يقال في "غسلين"، و"يقطين" ونحوهما من الأسماء المفردة التي آخرها نون قبلها باء. وحكى الفراء هذه اللغة عن بني عامر وبني تميم، إلا أن بني عامر ينونون الحركات الثلاث فيقولون: هؤلاء بنين بررة، وما رأيت بنينا بررة، ولقد أعجبت ببنين بررة، وذكر أن بني تميم، لا ينونون، وذكر في شرح التسهيل: أن الظاهر من كلام ابن مالك، أن بني تميم يجرون هذا النوع بالكسرة الظاهرة من غير تنوين، والذي يفهم من كلام الفراء السابق، أنهم يجرونه بالفتحة نيابة عن الكسرة، ويعاملونه معاملة الإسم الذي لا ينصرف. التصريح: 1/ 77.

وقال1: [الطويل] 12- دعاني من نجد فإن سِنِينَهُ2

_ 1 القائل هو: الصمة بن عبد الله بن الطفيل بن مرة بن هبيرة القشيري، من هوازن، شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية، وجده ابن هبيرة، له صحبة بالنبي صلى الله عليه وسلم - مات الصمة عندما كان مع المسلمين في غزو الديلم بطبرستان. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: لعبن بنا شيبا وشيبنا مردا وهو من كلمة للصمة، وكان قد خطب ابنة عمه، فاشتط عليه عمه في المهر، وبخل عليه أبوه، فخرج مغاضبا لأبيه وعمه، وارتحل إلى طبرستان فأقام بها حياته، فهو تارة يحن إلى نجد؛ لأن بها أحباءه، وتارة يذم نجدا، لما لاقى فيها من عمه وبخل أبيه، وأول هذه القصيدة، قوله: خليلي إن قابلتما الهضب أو بدا ... لكم سند الوركاء أن تبكيا جهدا سلا عبد لَعلَى حيث أوفى عشية ... خُزَازى ومَدَّ الطرف هل أُنسِيَ النجدا فما عن قلىً للنجد أصبحت ههنا ... إلى جبل الأوشال مستخبيا بَردا والبيت الشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 77، وابن عقيل "7/ 1/ 65"، والأشموني "26/ 1/ 37"، وأمالي ابن الشجري: "2/ 53"، وشرح المفصل: "5/ 11"، وشرح العيني: "1/ 169"، واللسان مادة "سنه". المفردات الغريبة: دعاني: أمر للاثنين من ودع يدع ودعا، أي: ترك: سنين: جمع سنة، ولعل المراد بها هنا الجدب وانقطاع المطر: الشيب: جمع أشيب. مردا: جمع أمرد، وهو من لم ينبت الشعر بوجهه. المعنى: يتحدث الشاعر عن أعوام الجدب والقحط التي مرت عليه وعلى قومه في نجد، وما لقوه من الجهد والإرهاق، ويطلب إلى صاحبيه أن يتركا ذكرى نجد، قائلا: دعاني من نجد وذكراها؛ فإن سني القحط فيه قد لعبت بشيبنا، وشيبت شبابنا الذين لم ينبت شعر ذقونهم بعد. الإعراب: دعاني: فعل أمر مبني على حذف النون، والألف فاعل، والنون للوقاية، والياء: معفول به. اسم "إن" منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، والهاء: في محل جر بالإضافة. لعبن: فعل وفاعل، والجملة في محل رفع خبر "إن" شيبا: حال من "نا" في "بنا" مردًا. حال من "نا" في "شيبننا". موطن الشاهد: "سنينه". وجه الاستشهاد: انتصاب "سنينه"؛ لأنه اسم "إن" وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على النون؛ لأن النون عُدت كأنها من أصل الكلمة، نحو: غسلين، ولهذا لم تحذف للإضافة. وجاء في الحديث الشريف: "اللهم اجعلها عليهم سنينًا كسنين يوسف"، في رواية تنوين "سنينا"، ومعلوم أن مجيء النون في "سنين" من غير تنوين لإضافتها إلى الهاء. انظر حاشية الصبان على الأشموني: 1/ 87.

وبعضهم يطرد هذه اللغة في جمع المذكر السالم وكل ما حمل عليه1، ويخرج عليها قوله2: [الخفيف] 13- لا يزالون ضاربين القباب3

_ 1 والصحيح عدم الاطراد، والاقتصار فيه على السماع. 2 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: رب حي عرندس ذي طلالٍ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 77، والأشموني "27/ 1/ 37"، وهمع الهوامع: 1/ 47، والدرر اللوامع: 1/ 20 وشرح العيني: 1/ 176 ومغني اللبيب "1097/ 843". المفردات الغريبة: عرندس: قوي، ذو منعة وعزة، طلال: حسن وجمال هيئة، وهو اسم جنس جمعي لطلالة. القباب: الخيام، جمع قبة، وهي البيت من الأديم، وهذا كناية عن إقامتهم وثباتهم في بلادهم ويروى: لا يزالون ضاربين الرقاب وهو كناية عن الشجاعة. المعنى: إن كثيرا من الأقوياء، والوجهاء ذوي النفوذ والمنعة، لا يزالون مقيمين في مواطنهم الأولى، ويسكنون الخيام التي ألفوها واعتادوا السكنى فيها، ولم تُغْرِهم الحضارة ودعة العيش، أو تدفع بهم إلى ترك مساكنهم الأولى. الإعراب: رُبَّ: حرف جر شبيه بالزائد، حي: اسم مجرور لفظا، مرفوع محلا على أنه مبتدأ مرفوع، أو نقول: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد. عرندس: صفة لـ "حي" مجرور مثله على اللفظ. ذي: صفة ثانية مجرورة بالياء بدل الكسرة؛ لأن "ذي" من الأسماء الستة. طلال: مضاف إليه: لا يزالون: "لا" نافية، يزالون: فعل مضارع =

وقوله1: [الوافر]

_ = ناقص، مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو: في محل رفع اسم "يزال". ضاربين. خبر منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على النون. القباب: مضاف إليه: وجملة: "لا يزالون ضاربين القباب": في محل رفع خبر المبتدأ المجرور لفظا "حي". موطن الشاهد: "ضاربين". وجه الاستشهاد: مجيء "ضاربين" منصوبا؛ لأنه خبر "لا يزالون" وقد أعرب بالحركة، وهي الفتحة الظاهرة على النون، والذي يدل على ذلك، عدم حذف النون للإضافة، أو عدم نصب القباب على أنه مفعول به لـ "ضاربين". وانظر حاشية الصبان: 1/ 78. فائدة: للعرب خمس لغات في جمع المذكر السالم وما لحق به، هي: أ- أن يكون إعرابه بالواو في حالة الرفع، وبالياء المكسور ما قبلها في حالتي النصب والجر، وزيادة نون مفتوحة بعد الواو أو الياء عوضا عن التنوين في الاسم المفرد، وهذه هي اللغة الشائعة على ألسنة العرب، وأقواها. ب- أن يؤتى به بالواو في الأحوال الثلاثة، الرفع والنصب والجر، وإلحاق النون المفتوحة من غير تنوين، ويكون إعرابه بحركات مقدرة على الواو. ج- أن يؤتى به بالواو في الأحوال كلها، ويجعل إعرابه بحركات ظاهرة على النون مع التنوين، فتضم النون في حال الرفع، وتكسر في حال الجر، وتفتح في حال النصب. د أن يؤتى به بالواو في الأحوال جميعها، وبعدها نون غير منونة، فيكون إعرابه بحركات ظاهرة على النون غير المنونة. هـ- أن يؤتى به بالياء في الأحوال كلها، وتحرك النون منونة بحركات الإعراب، وكأنه اسم مفرد مختوم بياء ونون. أوضح المسالك "تحقيق: عبد الحميد": 1/ 60-61. 1 هو: سحيم بن وثيل الرياحي: شاعر مخضرم معروف، عَده الجمحي في الطبقة الثالثة من الإسلاميين، وقال: "هو شاعر خنذيذ، وسحيم شاعر شريف مشهور الذكر في الجاهلية والإسلام جيد الموضع في قوله، عاش في الجاهلية أربعين سنة وفي الإسلام ستين، وهو صاحب البيت المشهور: أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ... متى أضعِ العمامةَ تعرفوني مات سنة 60هـ. الشعر والشعراء: 2/ 643، والاشتقاق: 138، والجمحي: 1/ 129، والإصابة: 1/ 164، والخزانة: 1/ 123.

14- وقد جاوزت حد الأربعينِ1 [حركة نون المثنى وما ألحق به] : نون المثنى وما حمل2 عليه مكسورة، وفتحها بعد الياء لغة، كقوله3: [الطويل] :

_ 1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: وماذا تبتغي الشعراء مني وهو من شواهد التصريح: 1/ 77، 79، وابن عقيل "9/ 1/ 68"، والأشموني "28/ 1/ 38" وهمع الهوامع: 1/ 49، والدرر اللوامع: 1/ 22، والمقتضب: 3/ 332، 4/ 77، وشرح المفصل: 5/ 11، 13، وخزانة الأدب: 3/ 414، وشرح العيني: 1/ 191، والجمحي: 1/ 59، والأصمعيات: 19. المفردات الغريبة: تبتغي الشعراء، ويروى في مكانه "يدَّري الشعراء" بتشديد الدال، وهو مضارع ادَّراه، ومعناه: ختله وخدعه. المعنى: يتسائل الشاعر متعجبا: ما الذي يريده الشعراء مني حال كوني تجاوزت سن الأربعين، فجربت الأمور وخبرت الدهر، فلم أعد أُخدع، ولا يستطيع أحد أن ينال مني؟! الإعراب: ماذا: اسم استفهام في محل نصب مفعول به لـ "تبتغي"، أو ما: اسم استفهام مبتدأ، و"إذا": اسم موصول خبر، وعلى هذا فجملة "تبتغي": صلة للموصول، لا محل لها. الشعراء: فاعل تبتغي. حد: مفعول به. الأربعين: مضاف إليه مجرور وعلامة جره -هنا- الكسرة الظاهرة على النون. موطن الشاهد: "الأربعين". وجه الاستشهاد: مجيء "الأربعين" وهو من ألفاظ العقود معربا مجرورا وعلامة جره الكسرة الظاهرة على النون، مع لزوم الياء فيه، وقيل إنه معرب بالحروف، وهو مجرور بالياء -هنا- نيابة عن الكسرة؛ لأنها ملحق بجمع المذكر السالم -على أصله- وكسر النون فيه لغة. 2 يدخل في ذلك: ما سُمي به، وما ثُنِي على سبيل التغليب، واثنان واثنتان وغيرهما ... إلخ. 3 القائل هو: حميد بن ثور الهلالي، أبو المثنَّى، أحد بني عامر بن صعصعة، شاعر مخضرم مجيد فصيح، قال عنه صاحب الإصابة: "كان أحد الشعراء الفصحاء، وكان كل من هاجاه غلبه، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، ومات في خلافة عثمان رضي الله عنه =

15- على أحوذيين استقلت عشية1

_ الشعر والشعراء: 1/ 390، والاستيعاب: 141، وأسد الغابة: "2/ 53، والإصابة: 2/ 39. تخريج الشاهد: هذا صدر بيت للشاعر يصف فيه القطاة، وعجزه قوله: فما هي إلا لمحة وتغيب. والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 78، وابن عقيل "1/ 1/ 69"، والأشموني: "3/ 1/ 39" وهمع الهوامع: "1/ 49، والدرر اللوامع: 1/ 21، وشرح المفصل: 4/ 131، والمقرب: 159، وشرح العيني: 1/ 177، وديوان حميد بن ثور: 55. المفردات الغريبة: الأحوذيان: مثنى أحوذي، وأصله: الخفيف في المشي، والمراد هنا جناحا القطاة. استقلت: ارتفعت في الجو. عشية: ما بين الزوال إلى الغروب، لمحة: نظرة سريعة. المعنى: يصف الشاعر سرعة القطاة وخفتها، فهي قد ارتفعت في الجو بوساطة جناحين خفيفين سريعين في الحركة وقت العشية، فما يكاد الناظر إليها يشاهدها لحظة، حتى تغيب عنه. الإعراب: "على أحوذيين": متعلق به "استقلت". "عشية": ظرف زمان، متعلق بـ "استقلَّت". فما: الفاء عاطفة. ما: نافية: هي: مبتدأ. إلا: أداة حصر, لمحة: خبر هي" وتغيب: الواو حرف عطف، تغيب: فعل مضارع والفاعل: هي، والجملة من الفعل والفاعل معطوفة على الجملة الاسمية على مذهب من يجوزون عطف الجمل الفعلية على الاسمية. فائدة: للنحاة في عطف الجمل الفعلية على الاسمية ثلاثة آراء: الأول: لا يجوز مطلقا. الثاني: يجوز العطف مطلقا. الثالث: يجوز شرط أن يكون العاطف هو الواو. شرح العيني بذيل حاشية الصبان: 1/ 90. موطن الشاهد: "على أحوذيين". وجه الاستشهاد: مجيء "أحوذيين" على هذه الرواية مفتوح النون، ولا يمكن بحال يجعل إعرابها بحركة ظاهرة على النون؛ لأنها جاءت في محل جر، والنون مفتوحة، كما هو معلوم، ولذا فيتعين إعرابها بالياء نيابة عن الكسرة. أما بالنسبة إلى فتح النون، فبعضهم يرى أنها ضرورة، وهذا بعيد؛ لأنه يجوز أن يكسر النون ولا يختل الوزن أو القافية، وبعضهم يرى أنها لغة من لغات العرب، وقد نقلها الفراء عن بني أسد، وهذا الرأي أولى من الأول، وبه أخذ العيني في شرح للشواهد. شرح الشواهد بذيل حاشية الصبان: 1/ 90.

وقيل: لا يختص بالياء1، كقوله2: [مشطور الرجز] . 16- أعرف منها الجيد والعينانا3

_ 1 بل يكون مع الألف أيضا، وذلك في لغة من يُلزِم المثنى الألف في كل حال. 2 قيل هو رؤبة بن العجاج، وقد مرت ترجمته. 3 تخرجه الشاهد: أنشده أبو زيد في نوادره "من 15" ضمن أبيات. عن المفضَّل الضبي ونسبها إلى رجل من بني ضبة. وقبله: إن لسعدى عندنا ديوانا ... يخزي فلانا وابنه فلانا كانت عجوزا عمرت زمانا ... وهي ترى سيِّئَها إحسانا أعرف منها الأنف والعينانا ... ومنخران أشبها ظبيانا شرح الشاهد: 1/ 90. والشاهد من شواهد: ابن عقيل "11/ 1/ 71"، والتصريح: 1/ 87، والأشموني "31/ 1/ 39"، وهمع الهوامع: 1/ 49، والدرر اللوامع: 1/ 21، وشرح المفصل: 3/ 129/ 4/ 67, 143، والمقرب: 80، والخزانة: 3/ 336، وشرح العيني: 1/ 184، ونوادر أبي زيد الأنصاري: 15 وملحقات ديوان رؤبة: 197. المفردات الغريبة: "أعرف منها الجيد"، ويروى في مكانه: "أعرف منها الأنف"، الجيد: العنق، وجمعه أجياد، ظبيان "بفتح الظاء": اسم رجل. المعنى: يبين الشاعر، أنه يعرف من تلك الفتاة جيدها، وعينيها، ومنخرين لها، يشبهان منخري رجل اسمه ظبيان. الإعراب: أعرف: فعل مضارع،, والفاعل أنا. "منها": متعلق بأعرف. الجيد: مفعول به. والعينانا معطوف على الجيد منصوب مثله، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. ومنخران: معطوف على الجيد، منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر، كما في "العينانا". أشبها: فعل ماضٍ وفاعل. ظبيانا: مفعول به منصوب والألف للإطلاق. موطن الشاهد: "العينانا". وجه الاستشهاد: فتح نون المثنى بعد الألف، كما فتحت بعد الياء، وفي البيت شاهد آخر على مجيء المثنى بالألف في حالة النصب، كما تقدم، وهذه لغة جماعة من العرب، منهم: كنانة وبنو الحارث بن كعب، وبنو العنبر، وبنو الهجيم، وبطون من ربيعة، وورد عليها قول النبي -صلى الله عليه وسلم: "لا وتران في ليلة"، وبهذه اللغة، قرأ نافع، وابن عامر والكوفيون إلا حفصا: "إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ". شرح الشواهد: 1/ 91.

[حركة نون جمع المذكر السالم] : وقيل: البيت مصنوع1، ونون الجمع مفتوحة، وكسرها جائز في الشعر بعد الياء، كقوله2: [الوافر] 17- وأنكرنا زعانف آخرين3

_ 1 أي غير عربي، فلا يصح شاهدًا. 2 القائل: هو جرير بن عطية الخطفي، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: عرفنا جعفرا وبني أبيه وهو أحد أبيات أربعة لجرير، يخاطب بها فضالة العرني، وقبله قوله: عرين من عرينة ليس منا ... برئت إلى عرينة من عرين والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 79، وابن عقيل "8 1/ 67" والأشموني "29/ 1/ 39" وهمع الهوامع: 1/ 49، والدرر اللوامع: 1/ 21، والخزانة: 3/ 290، وشرح العيني: 1/ 177 وابن سلام: 59، وديوان جرير: 577. المفردات الغريبة: جعفر، هو جعفر بن ثعلبة؛ أخو عرين بن ثعلبة بن يربوع، وعرين أحد آباء فضالة. زعائف: جمع زعنفة: وهو طرف الأديم أو هدب الثوب، ويقال للئام الناس وأراذلهم. المعنى: يمدح الشاعر رجلا -اسمه جعفر- وإخوته، فيقول: عرفنا جعفرا وإخوته؛ لأنهم مشهورون بكريم نسبهم ورفعة منزلتهم، على حين أنكرنا غيرهم؛ لِكونهم أدعياء، وليس لهم أصل معروف يفخرون به، ولا مكانة مرموقة في المجتمع الذي يعيشون فيه. الإعراب: عرفنا: فعل ماضٍ وفاعل. جعفرا: مفعول به. وبني: معطوف على جعفر منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. أبيه: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه من الأسماء الستة، والهاء: مضاف إليه. وأنكرنا: الواو عاطفة، أنكرنا: فعل ماضٍ وفاعل. زعانف: مفعول به منصوب. آخرين: صفة لـ "زعانف"، منصوب وعلامة نصبه الياء؛ لأنه جمع مذكر سالم. موطن الشاهد: "آخرين". وجه الاستشهاد: مجيء "آخرين" معربا بالياء إعراب جمع المذكر السالم، غير أنه كسرت نونه -كما هو واضح- وهو مفتوحة في لغة العرب، وابن مالك يرى في كسر نون جمع المذكر السالم، وما يلحق به أنها لغة من لغات العرب، وبعضهم يرى أن كسرها؛ لضرورة الشعر، فهو جائز في الشعر فحسب، غير أن الأول هو الراجح.

وقوله: وقد جاوزتُ حدَّ الأربعين1

_ 1 من تخريج الشاهد والتعليق عليه، وأعيد هنا للاستشهاد على كسر النون في جمع المذكر وما ألحق به للضرورة، أو على لغة كما بينا. موطن الشاهد: "الأربعين". وجه الاستشهاد: مجيء "الأربعين" ملحقا بجمع المذكر السالم، مكسور النون على لغة كما في المثال السابق.

الباب الرابع إعراب الجمع بالألف والتاء الزائدتين

[الباب الرابع: إعراب الجمع بالألف والتاء الزائدتين] : الباب الرابع: الجمع بألف وتاء مزيدتين، كهندات ومسلمات1؛ فإن نصب بالكسرة2 نحو: {خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ} 3، وربما نصب بالفتحة إن كان محذوف

_ 1 يجمع بالألف والتاء المزيدتين ستة أنواع: كل اسم مؤنث بالمعنى فقط، نحو: هند، وكل اسم مؤنث بالتاء دون المعنى، نحو: طلحة، إلا ثلاث كلمات: شفة وأمة وشامة، وكل اسم مؤنث بالتاء والمعنى جميعا، نحو: مسلمة، وكل اسم مؤنث بألف التأنيث المقصورة، نحو حبلى، وكل اسم مؤنث بألف التأنيث الممدودة، نحو: عذراء، وكل اسم لغير عاقل، نحو: إصطبل، ولا يمنع من تسميته سالما تغير بناء مفرده في حال الجمع كسجدات، وزفرات -بفتح ثانيهما- في جمع سجدة وزفرة بسكون ثانيهما، ونحو ظلمات -بضم الثاني في جمع ظلمة بسكون الثاني...... الخ نحو صحراوات، بقلب همزة مفرديهما واوا. التصريح: 1/ 79. حاشية الصبان: 1/ 92. 2 ذهب الأخفش إلى أنه مبني على الكسر في محل نصب، ولا وجه لهذا الكلام 3 "29" سورة العنكبوت، الآية 44. موطن الشاهد: {السَّمَوَات} . وجه الاستشهاد: مجيء "السموات" جمعا مزيدا بالألف والتاء "جمع المؤنث السالم"، وجاء منصوبا؛ لِوقوعه مفعولا به، لـ "خلق" وعلامة نصبه الكسرة بدون الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم، وعلامة نصب جمع المؤنث الكسرة، كما هو معلوم

اللام كسمعت1 لغاتهم؛ فإن كانت التاء أصلية كأبيات وأموات أو الألف أصلية كقضاةٍ وغزاةٍ نصب بالفتحة. [ما حمل على الجمع بالألف والتاء] : وحمل على هذا الجمع شيئان: "أولات"2 نحو: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْل} 3، وما سُمِّي به من ذلك4، نحو: "رأيت عرفات" و"سكنت أذرعات"، وهي قرية بالشام، فبعضهم يعربه على ما كان عليه قبل التسمية5، وبعضهم يترك

_ 1 إذا كان المفرد معتل اللام، فإما أن ترد له هذه اللام في جمعه بالألف والتاء، نحو سنة وسنوات وسنهات، وأخت، وأخوات، وإما ألا تردد، نحو: لغة ولغات وبنت وبنات، فإن كانت اللام المحذوفة من المفرد، قد ردت إليه في الجمع المذكور، أعرب بالكسرة نيابة عن الفتحة في جميع لغات العرب، ولم يختلفِ النحاة في ذلك، وإن كانت اللام المحذوفة من المفرد لم ترد إليه في جمعه، فقد حكى أحمد بن يحيى "ثعلب": أن من العرب من ينصبه بالفتحة الظاهرة، نحو: "سمعت لغاتهم" ونحو: "رأيت بناتك"، ووافقه على ذلك الكسائي وابن سيده، ورووا على هذه اللغة قول أبي ذؤيب الهذلي: فلما جلاها بالأيام تحيزت ... ثُباتًا عليها ذُلها واكتئابها التصريح: 1/ 80، الأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 92-93. 2 هي اسم جمع بمعنى "ذوات" لا واحد لها من لفظها، ومفردها من معناها "ذات" بمعنى صاحبة. 3 "65" سورة الطلاق، الآية: 6. موطن الشاهد: {أُولَاتِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أولات" خبر "كان" منصوبا بالكسرة؛ لأنه اسم جمع بمعنى ذوات لا واحد له من لفظه، وواحده في المعنى ذات، بمعنى صاحبة، وهو محمول على جمع المؤنث، فيعرب إعرابه. 4 أي الثاني مما حمل على هذا الجمع: ما سمي به منه ومما ألحق به، وصار علما لمذكر أو لمؤنث. 5 أي بالضمة رفعا، وبالكسرة نصبا وجرا؛ إعراب جمع المؤنث السالم، ولا يحذف التنوين في الحالات جميعها؛ لأنه تنوين المقابلة؛ لا تنوين الصرف التصريح: 1/ 83.

تنوين ذلك، وبعضهم يعربه إعراب ما لا ينصرف، ورووا بالأوجه الثلاثة قوله1: [الطويل] 18- تنوَّرتها من أذرعات وأهلها ... بيثربَ أدنى دارها نظرٌ عالي6

_ 1 القائل هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، من أهل نجد، من الطبقة الأولى، وأحد أصحاب المعلقات، أشعر الناس وأوصفهم، سبق الشعراء إلى الوصف الكثير، يسمى بالملك الضليل وبذي القروح، غيَّر مقتلُ أبيه حياتَه من المجون واللهو إلى طلب الثأر، فسار في الأرض حتى أتى قيصر طالبا المعونة، فقتله بحُلَّة مسومة، قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "هو قائد الشعراء إلى النار". الشعراء والشعراء: 1/ 105-136. 2 تخريج الشاهد: الشاهد من قصيدة مشهورة، لامرئ القيس ومطلعها قوله: ألا عم صباحا أيها الطَلَل البالِي ... وهل يَعِمَنْ مَن كان في العُصُر الخالِي والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 83، وابن عقيل "12/ 1/ 76"، والأشموني "33/ 1/ 41" وهمع الهوامع: 1/ 22، والدرر: 1/ 5، وكتاب سيبويه: 2/ 18، والمقتضب للمبرد: 3/ 333و 4/ 38 وشرح المفصل: 1/ 47و 9/ 34، وخزانة الأدب: 1/ 26، وشرح العيني: 1/ 196، وديوان الشاعر: 31. المفردات الغريبة: تنوَّرْتها: نظرت إلى نارها بقلبي لشدة تعلقي بها. أذرعات: بلد بالشام. يثرب: اسم المدينة المنورة قبل أن يهاجر إليها النبي صلى الله عليه وسلم. المعنى: نظرت إلى نار المحبوبة التي يشبها أهلها؛ للقِرى، وليهتدي الضيفان بها إليهم، وأنا بأذرعات، وهي بيثرب، مع أن أقرب مكان من دارها، يحتاج الناظر منه -إذا ما أراد رؤية دارها- إلى نظر عالٍ بعيد فكيف وبيننا هذه المسافات البعيدة؟ ومن هنا نرى أن الشاعر لم ير النار حقيقة، وإنما بالغ هذه المبالغة من شدة شوقه وهيامه بمن أحب، والمحب يرى ويحس بوجدانه وخياله أكثر من حواسه. الإعراب: تنوَّرْتها: فعل ماضٍ، وفاعل، ومفعول به، "من أذرعات": متعلق بمحذوف حال من التاء في تنورتها. وأهلها: الواو حالية، أهل: مبتدأ، و"ها" مضاف إليه. "يثرب" متعلق بمحذوف خبر، ويثرب: ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. أدنى: مبتدأ. دارها: مضاف إليه و"ها" مضاف إليه. نظر: خبر مرفوع. عالي: صفة لـ "نظر". موطن الشاهد: "أذرعات". وجه الاستشهاد: مجيء "أذرعات" على ثلاث روايات في البيت: الأولى: "أذرعات" مكسورة النون المنونة، وهذه أرجح الروايات، وعلى هذا الوجه =

.........................................................................

_ = اعتبر الاسم قبل التسمية به، فهو جمع مؤنث سالم، وهو يُجر بالكسرة الظاهرة، ويُنوَّن تنوين المقابلة، لا تنوين التنكير. الثانية: "أذرعات" مكسورة النون من غير تنوين، وهذا على رأي بعض النحاة، وهذا الوجه جوَّزه المبرد والزجاج مراعاة للحالتين الأصلية، وهي كونه جمع مؤنث، والحالية، وهو كونه علما لمؤنث، فأعطوه حكما من أحكام الجمع؟ وهو جره بالكسرة، وحكما من أحكام العلم، فمنعوا تنوينه، كما يمنع تنوين العلم المفرد. الثالثة: "أذرعات" مفتوحة التاء غير منونة، وهذا رأي جوَّزه بعض النحاة، منهم سيبويه وابن جني، مراعاة لحاله الطارئة، حيث إنه علم مؤنث، ومعلوم أن العلم المؤنث يجر بالفتحة ويمتنع تنوينه؛ لأنه ممنوع من الصرف. ابن عقيل "تحقيق البقاعي": 1/ 63، وانظر شرح التصريح: 1/ 82-83، والأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 94.

الباب الخامس إعراب الاسم الذي لا ينصرف

[الباب الخامس: إعراب الاسم الذي لا ينصرف] : الباب الخامس: ما لا ينصرف1، وهو ما فيه علتان2 من تسع3 كأحسن4، أو واحدة منها تقوم مقامهما كمساجد5 وصحراء6، فإن جره بالفتحة نحو:

_ 1 أي: الاسم الذي لا ينوَّن، ولا يجر بالكسرة، وإنما علامة رفعه الضمة. وعلامة جره ونصبه الفتحة، ومن دون تنوين في الحالات الثلاث. 2 في قول النحاة: كل من العلمية والتأنيث -مثلا- "علة" واشتراطهم وجود علتين مبنيّ على التساهل والمجاز؛ لأن كل واحد بين الاثنين الذين يجتمعان في الاسم فيقتضيان منعه من الصرف جزء علة، وليس علة كاملة، وباجتماع الاثنين، يحصل الحكم والدليل على ذلك أن العلمية وحدها لا تقتضي منع الصرف، فمحمد وعلي مصروفان مع أنهما علمان، وزيادة الألف والنون وحدها لا تمنع من الصرف، فصنوان، وقنوان، وسلطان ورمان مصروفة مع زيادة الألف والنون، وبهذا يتقرر أن العلة التامة هي وجود علتين أو وجود واحدة تقوم مقام اثنتين مع ملاحظة شروط كل واحدة منهما. حاشية الشيخ يس على شرح التصريح: 1/ 84. 3 أي: العلل التي تسبب منع اسم من التنوين، وسيأتي الحديث عنها، وقد جمعها ابن النحاس في قوله: اجمع وزن، عادلا، أنِّثْ، بمعرفةٍ ... ركِّب، وزِدْ، عجمةً، فالوصفُ قد كملا 4 العلتان في "أحسن" هما: الصفة ووزن الفعل. 5 العلة في "مساجد" هي: صيغة منتهى الجموع. 6 العلة في "صحراء" هي: ألف التأنيث الساكنة.

{فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} 1، إلا أن أضيف نحو: {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم} 2، أو دخلته "أل" معرِّفة نحو: {فِي الْمَسَاجِدِ} 3، أو موصولة نحو: {كَالْأَعْمَى وَالْأَصَم} 4، أو زائدة كقوله5: [الطويل] 19- رأيت الوليد بن اليزيد مُباركا4

_ 1 "4" سورة النساء، الآية: 86. موطن الشاهد: {بِأَحْسَنَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أحسن" اسما ممنوعا من الصرف؛ لِلوصف، ووزن الفعل، مجرورا وعلامة جره الفتحة بدل الكسرة؛ لِكونه ممنوعا من الصرف. 2 "95" سورة التين، الآية: 4. موطن الشاهد: {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم} . وجه الاستشهاد: مجيء "أحسن" مجرورا بالباء، وعلامة جره الكسرة؛ لأنه أضيف إلى تقويم، ومتى أضيف الممنوع من الصرف صرف. 3 2 سورة البقرة، الآية: 87. موطن الشاهد: {فِي الْمَسَاجِدِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "المساجد" مجرورا بـ "في" وعلامة جره الكسرة؛ لأنه عرف بـ "أل"، ومعلوم أنه متى عرف الممنوع من الصرف، أو أضيف صرف. 4 "11" سورة هود، الآية: 4. موطن الشاهد: {كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ} . وجه الاستشهاد: استشهد بهذه الآية على صرف الممنوع من الصرف، إذا كان صفة مشبهة ودخلته "أل" الموصولة، غير أن ابن هشام في المغني ذكر: أن "أل" الداخلة على الصفة المشبهة، كالأعمى والأصم، واليقظان حرف تعريف لا موصولة، وتابعه صاحب شرح التصريح. انظر شرح التصريح: 1/ 84-85". 5 القائل: هو الرماح بن أبرد بن ثوبان، أحد بني غطفان، يعرف بنسبته إلى أمه ميادة، فيقال: ابن ميادة، وهو شاعر مخضرم عاش في الدولتين الأموية والعباسية، مدح خلفاء بني أمية، وبني العباس، له شعر جيد في الغزل والهجاء، مات في خلافة المنصور، له ديوان شعر مطبوع. تجريد الأغاني: 1/ 256-257. 6 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت للشاعر، وعجزه قوله: شديدا بأعباء الخلافة كاهِلُهْ وهو من قصيدة يمدح فيها أبا العباس الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان، وقبل الشاهد قوله: =

.........................................................................

_ = هممت بقول صادق أن أقولَهُ ... وإني على رغم العداة لقائِلُهْ والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 85، والأشموني "35/ 1/ 42"، والإنصاف لابن الأنباري: 1/ 317، وشرح المفصل: 1/ 44، والخزانة: 1/ 327، 3/ 252، وشرح العيني: 1/ 218، 509، ومغني اللبيب: "73/ 75"، وشرح شواهد المغني للسيوطي: 60، وشرح شواهد الشافية للبغدادي: 12. المفردات الغريبة: أعباء: جمع عبء "بكسر العين المهملة وسكون الباء" وهو ما يثقل حمله، والمراد بأعباء الخلافة: مصاعبها وأمورها الشاقة. كاهله، الكاهل: اسم لما بين الكتفين ويعبر بشدة الكاهل عن القوة. وقد روي: بأحناء الخلافة، وهو جمع حِنْو -بكسر الحاء المهملة وسكون النون- وأحناء الأمور: جوانبها ونواحيها. والأصل فيه "حنو العين" لطرفها. ويقال: أحناء الأمور؛ لما تشابه منها وأشكل المخرج منه. المعنى: يمدح الشاعر الوليد بن يزيد، ويصفه بأنه مبارك ومحظوظ، وهو في الوقت نفسه قوي قادر على تحمل تبعات المسئولية، ويحسن التخلص مما يعرض له من مشاكلها. الإعراب: رأيت: فعل ماضٍ وفاعل. الوليد: مفعول به. ابن: صفة للوليد. اليزيد: مضاف إليه، مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. مباركا: حال من الوليد، على اعتبار "رأيت" بصرية أو مفعولا ثانيا، إذا عددنا "رأيت" علمية قلبية. شديدا: اسم معطوف على "مبارك" بحرف عطف محذوف. "بأعباء: متعلق بـ "شديدا" الخلافة: مضاف إليه. كاهله: فاعل لـ "شديد" مرفوع؛ لأن "شديد" صفة مشبهة تعمل عمل الفعل وكاهل: مضاف، والهاء: مضاف إليه. موطن الشاهد: "اليزيد". وجه الاستشهاد: دخول "أل" على "يزيد" وهو اسم علم على وزن الفعل وقع في محل جر بإضافة "ابن" إليه، غير أن الشاعر جره بالكسرة الظاهرة مع وجود العلتين اللتين تقتضيان منعه من الصرف؛ العلمية ووزن الفعل، وفي هذا دلالة على أن الاسم الممنوع من الصرف، إذا دخلت عليه الألف واللام كان جرُّه بالكسرة الظاهرة، ولا فرق بين أن تكون "أل" معرفة، أو موصولة، أو زائدة؛ لأن "أل" بمختلف أنواعها من خواصِّ الأسماء، وهو إنما منع الصرف؛ لِشبهه بالفعل، فإذا وجد معه ما هو من خصائص الأسماء كـ "أل" أو الإضافة، فقد بعد شبهه بالفعل، الذي اقتضى منع صرفه فعاد اسما خالصا من شائبة الشبه بالفعل، فأخذ حكم الأسماء المتأصلة في الاسمية، هذا وفي شرح قطر الندى تفسير وتأويل آخر في البيت الشاهد يفضل الرجوع إليه. انظر شرح قطر الندى. وشرح التصريح: 1/ 85.

الباب السادس إعراب الأفعال الخمسة

[الباب السادس: إعراب الأفعال الخمسة] : الباب السادس: الأمثلة الخمسة1، وهي: كل فعل مضارع اتصل به ألف اثنين نحو تفعلان ويفعلان، أو واو جمع نحو تفعلون ويفعلون، أو ياء مخاطبة نحو تفعلين، فإن رفعها بثبوت النون، وجزمها ونصبها بحذفها نحو: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} 2، وأما: {إِلَّا أَنْ يَعْفُون} 3، فالواو لام الكلمة4، والنون ضمير النسوة،

_ 1 سميت بذلك؛ لأنها ليست ألفاظ أفعال معلومة، وإنما يكنى بها عن كل فعل مضارع اتصل به ألف الاثنين، أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة، وقالوا: الأسماء الستة؛ لأنها ألفاظ معلومة وهي الأب والأخ ... إلخ، وسميت خمسة على إدراج المخاطبتين تحت المخاطبين فالمضارع المسند إلى ألف الاثنين يتنوع إلى نوعين: الأول أن يكون الاثنان مذكرين نحو: "أنتما تكتبان يا زيدان" ونحو "الزيدان يكتبان"، والثاني، أن يكون الاثنان مؤنثين نحو: "أنتما يا هندان تكتبان" ونحو "الهندان تكتبان"، أو واو جمع بالتاء للمخاطبين، نحو: أنتم تفعلون، وبالياء للغائبين نحو: هم يفعلون، أو ياء مخاطبة، نحو: أنت تفعلين، فالأمثلة ستة على التفصيل، وخمسة على الإجمال؛ لِلذي يجعل الاثنين نوعا واحدا. شرح التصريح: 1/ 85، 86 حاشية الصبان، 1/ 98، ابن عقيل: 1/ 66. 2 "2" سورة البقرة، الآية: 24. موطن الشاهد: {لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} . وجه الاستشهاد: مجيء فعل "تفعلوا" الأول مجزوما بـ "لم" وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، ومجيء فعل "تفعلوا" الثاني منصوبا بـ "لن" وعلامة نصبه حذف النون أيضا. 3 "2" سورة البقرة، الآية: 237. 4 أي لام الفعل؛ لأن أصله: عفا يعفو، فإذا قلنا: النساء يعفون، فـ "يعفون" مضارع مبني على سكون الواو؛ لِاتصاله بنون النسوة، والنون: في محل رفع فاعل: وفي حالتي الجزم والنصب، نقول: النساء لم يعفون، ولن يعفون، ويكون الفعل مبنيا على السكون في محل جزم، أو نصب؛ لِاتصاله بنون النسوة. وأما في قولنا: الرجال يعفون، فالواو ضمير الجمع، وهي الفاعل، أما لام الفعل فمحذوفة، وأصله: يعفوون، فاستثقلت الضمة على الواو الأولى التي هي لام الفعل، فحذفت الضمة، فالتقى ساكنان، فحذفت الأولى منهما؛ لأنها حرف علة، ولم تحذف الثانية؛ لأنها ضمير الفاعل، فصار يعفون على وزن "يفعون" فإذا دخل ناصب أو =

والفعل مبني مثل: {يَتَرَبَّصْنَ} 1، ووزنه يفعلن، بخلاف قولك: "الرجال يعفون"، فالواو ضمير المذكرين، والنون علامة رفع فتحذف نحو: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} 2 ووزنه تفعوا، وأصله تعفووا.

_ = جازم، تحذف النون، فنقول: الرجال لن ولم يعفوا، وخلاصة الفرق بين "النساء يعفون، والرجال يعفون" مع اتحاد الصورة اللفظية ما يلي: 1- لام الفعل غير محذوفة في النساء يعفون، ومحذوفة في الثانية؛ لِعلة تصريفية، وهي التقاء الساكنين. 2- نون جمع الإناث في محل رفع فاعل أو نائب فاعل، وهي لا تحذف لناصب أو جازم، وهي علامة رفع في الثانية؛ ولذا تحذف. 3- الواو جزء من الكلمة، وهي لامها في العبارة الأولى، ووزنه: "يفعلن"، وأما في الثانية، فالواو ضمير جمع الذكور، وليست جزءا من الكلمة، ووزنه "يعفون". انظر شرح التصريح: 1/ 86، وضياء السالك: 1/ 76-77" وحاشية الصبان: 1/ 98-99. 1 "2" سورة البقرة، الآية: 228. موطن الشاهد: {يَتَرَبَّصْنَ} . وجه الاستشهاد: مجيء فعل "يتربص" مبنيا على السكون؛ لِاتصاله بنون النسوة، في محل رفع؛ لِتجرده عن الناصب والجازم، والنون في محل رفع فاعل. 2 "2" سورة البقرة، الآية: 237. موطن الشاهد: {أَنْ تَعْفُوا} . وجه الاستشهاد: مجيء فعل "تعفوا" منصوبا بـ "أن" وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو: فاعل، والألف للتفريق.

الباب السابع إعراب الفعل المضارع المعتل الآخر

[الباب السابع: إعراب الفعل المضارع المعتل الآخر] : الباب السابع: الفعل المضارع المعتل الآخر، وهو: ما آخره ألف كيخشى1، أو ياء كيرمي، أو واو كيدعو، فإن جزمهن بحذف الآخر، فأما قوله2: [الوافر]

_ 1 اعتبار آخره آلفا أو ياء، في النطق أما كتابة الألف ياء في يخشى؛ فلكونها رابعة. 2 القائل: هو قيس بن زهير بن جذيمة العبسي، أبو هند، أمير عبس وداهيتها، كان يلقب بقيس الرأي؛ لِجودة رأيه، ويضرب المثل بدهائه وشجاعته، وله شعر وكلام مأثور. الأعلام: 5/ 6، والخزانة: 3/ 536، وسمط اللآلي: 582، والأغاني: 9/ 198.

20- ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبونُ بني زياد1 فضرورة

_ 1 تخريج الشاهد: البيت أول مقطوعة للشاعر، يقولها في الربيع بن زياد العبسي وذلك أن قيسا كان عنده درع، فساومه فيها الربيعي، ثم اهتبل فرصة، وأخذ الدرع ثم انطلق يعدو به فرسه فتعرض قيس لأم الربيع، وأراد أن يأسرها، ثم عدل عن ذلك، واستاق نَعَم بني زياد، فقدم مكة، فباعها من عبد الله بن جدعان التيمي معاوضة بأدراع وأسياف، وبعد الشاهد قوله: ومحبسها على القرشي تشرى ... بأدراع وأسياف حدادِ كما لاقيت من حمل بن در ... وإخوته على ذات الإصادِ همُ فخروا عليَّ بغير فخر ... وردوا دون غايته جوادي وكنت إذا منيت بخصم سوء ... دلفت له بداهية نآدِ والبيت الشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 87، والأشموني في "43/ 1/ 46"، وهمع الهوامع: 1/ 52، الدرر اللوامع: 1/ 28، وسيبويه: 1/ 215/ 59، ونوادر أبي زيد: 203، وجمل الزجاجي: 373، والخصائص لابن جني: 1/ 333، 337، المحتسب: 1/ 67، 196، 215، والمنصف: 2/ 81، 114 وأمالي ابن الشجري: 1/ 84، 215 والإنصاف: 30 والمقرب: 4، 43، والخزانة: 3/ 534 وشرح المفصل: 8/ 24. 10/ 104، وشرح العيني: 1/ 230، ومغني اللبيب "163/ 146، 715/ 506" وشرح شواهد المغني للسيوطي: "113، 173". المفردات الغريبة: الأنباء: جمع نبأ، وهو الخبر، وقيل: الخبر أعم منه؛ لأن النبأ خاص بما كان ذا شأن من الأخبار. تنمي: تزيد وتكثر. لبون -بفتح اللام، وضم الباء مخففة: وهي الإبل ذات اللبن. بنو زياد: هم: الربيع، وعمارة، وقيس، وأنس، بنو زياد بن سفيان بن عبد الله العبسي، وأمهم فاطمة بنت الخرشب الأنمارية. المعنى: ألم يبلغك -والأخبار سرعان ما تنشر وتشيع بين الناس- ما حدث لنياق بني زياد، حيث أخذتها رغما عنهم، وهم الأبطاء الذين يخافهم الناس ويرهبونهم؟! الإعراب: يأتيك: فعل مضارع مجزوم بـ "لم" وعلامة جزمه حذف الضمة المقدرة -هنا- أو بحذف حرف العلة، والياء المذكورة للإشباع. بما: الباء زائدة، وما اسم موصول في محل رفع فاعل لـ "يأتيك" وجملة "الأنباء تنمي" الاسمية معترضة بين الفعل، وفاعله، لا محل لها. موطن الشاهد: "يأتيك" وجه الاستشهاد: مجيء "يأتي" مجزوما بـ "لم" غير أن ياءه ثبتت، ولم تحذف لدخول الجازم عليه، واكتفى بحذف الحركة المقدرة التي كان عليها الفعل قبل دخول الجازم عليه، واكتفى بحذف الحركة المقدرة التي كان عليها الفعل قبل دخول الجازم، وقيل: إن الياء المذكورة، ليست لام الفعل، التي تحذف للجازم، فتلك حذفت؛ لِدخول الجازم على الفعل، وأما الياء المذكورة، فأتت من إشباع كسرة التاء؛ لِضرورة الشعر، وهذا الوجه هو الصواب.

وأما قوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِي وَيَصْبِر} 1، في قراءة قُنبُل3 فقيل "من" موصولة3 وتسكين "يصبر" إما لتولي حركات الباء والراء والفاء والهمزة، أو على أنه وصل بنية الوقف4، وإما على العطف على المعنى؛ لأن من الموصولة بمعنى.

_ 1 "12" سورة يوسف، الآية: 90. أوجه القراءات: روى قنبل عن ابن كثير، أنه قرأ "يتقي" بياء وقرأ الباقون {يَتَّقِ} من غير ياء. توجيه القراءات: قراءة الجزم واضحة، وأما قراءة قنبل عن ابن كثير، فتوجيهها: أن "من" بمعنى الذي، ورفع يتقي؛ لأنه صلة لـ "من" وعطف "يصبر" على معنى الكلام؛ لأن "من" وإن كانت بمعنى الذي، ففيها معنى الشرط، وقيل غير ذلك. الإتحاف: 267، وتفسير القرطبي: 9/ 256 والمشكل: 1/ 435. موطن الشاهد: "من يتقي". وجه الاستشهاد: مجيء فعل "يتقي" على قراءة قنبل بالياء؛ وذلك لِكون "من" بمعنى الذي ويتقي مرفوع، ويمكن أن تكون "من" للشرط، والضمة المقدرة على الياء في "يتقي" حذفت للجزم، وبقيت الياء، وهذا الوجه ضعيف. انظر البيان: 2/ 45. 2 قنبل: هو أبو عمرو محمد بن عبد الرحمن المخزومي، كان إمامًا في القراءات وضابطا متقنا، انتهت إليه مشيخة الإقراء بالحجاز، ورحل الناس إليه من سائر الأقطار، وهو من أصحاب ابن كثير "القارئ"، وقد أخذ عنه، مات بمكة سنة 291هـ. وَفَيات الأعيان: 3/ 42، وسير أعلام النبلاء: 14/ 84، وطبقات القراء لابن الجزري: 2/ 165. 3 أي: ليست شرطية جازمة، ويتقي مرفوع لا مجزوم. 4 أي أن قنبلا وصل بنية الوقف، كقراءة الحسن البصري: "ولا تمنن تستكثرْ" بتسكين تستكثر مع أنه مرفوع بإجماع السبعة، وكقراءة نافع: "محيايْ ومماتيْ" بسكون ياء محياي وصلا. انظر: مشكل إعراب القرآن: 3/ 434، والتصريح: 1/ 88.

الشرطية لعمومها وإبهامها1. تنبيه: إذا كان حرف العلة بدلا من همزة كيقرأ ويقرئ ويوضؤُ، فإن كان الإبدال بعد دخول الجازم فهو إبدال قياسي2، ويمتنع حينئذ الحذف لاستيفاء الجازم مقتضاه، وإن كان قبله فهو إبدال شاذ3، ويجوز مع الجازم الإثبات والحذف، بناء على الاعتداد بالعارض وعدمه وهو الأكثر. [ما تقدر فيه الحركات من الأسماء والأفعال] : وتقدر الحركات الثلاث في الاسم المعرب الذي آخره ألف لازمة نحو: الفتى والمصطفى، ويسمى معتلا مقصورا. والضمة والكسرة في الاسم المعرب الذي آخره ياء لازمة مكسورة ما قبلها نحو: المرتقى والقاضي، ويسمى منقوصا. وخرج يذكر الاسم نحو: يخشى، ويرمى، وبذكر اللزوم نحو: "رأيت أخاك" و"مررت بأخيك"، وباشتراط، نحو: ظبي وكرسي. وتقدر الضمة والفتحة في الفعل المعتل بالألف نحو: "هو يخشاها" و"لن يخشاها".

_ 1 وأيضا، فمدخولها مستقبل، وتدخل الفاء في خبرها، كما تدخل في جواب الشرطية؛ ولهذا صح العطف بالجزم على الصلة، كما يعطف على الشرط، وقيل: إن "من" شرطية والياء في "يتقي" للإشباع، ولام الفعل، حذفت للجازم، وهنالك لغة تجيز إبقاء حرف العلة في آخر المضارع المجزوم، ويكون الجزم بالسكون المقدر على حرف العلة أصليا في مكانه، لا بدلا من همزة. التصريح: 1/ 88، وضياء السالك: 1/ 78. 2 لأنك حينئذ تقلب الهمزة الساكنة حرف علة من جنس حركة ما قبلها، ونظيره "فأر، ورأل" فإن العرب تسهلهما، فتقول: فار، ورال. 3 لأن الهمزة المتحركة، المتحرك ما قبلها لا تبدل.

والضمة فقط في الفعل المعتل بالواو أو الياء1، نحو: "هو يدعو" و"هو يرمي". وتظهر الفتحة في الواو والياء، نحو: "إن القاضي لن يرمي ولن يغزو"2.

_ 1 قد أظهر بعض الشعراء الضمة على الواو في الفعل المعتل، كما أظهروها عليهما في الاسم. 2 قد ورد في الشعر العربي الذي يحتج به حذف الفتحة من الفعل المعتل بالياء اضطرارا، نحو قول حندج المري: ما أقدر الله أن يدني على شحط ... من داره الحزن ممن داره صوفل وكقول عامر بن الطفيل: فما سودتني عامر عن وراثة ... أبى الله أن أسمو بأم ولا أب ففي البيت الأول، أتى فعل "يدني" منصوبا بـ "أن" غير أن الشاعر سكن الياء، ولم يظهر الفتحة عليها، وفي البيت الثاني: جاء فعل "أسمو" منصوبا بـ "أن"، غير أن الشاعر، لم يظهر الفتحة على الواو. - وكذلك حذفوا فتحة الاسم المعتل بالياء اضطرارا، كقول الشاعر: لا تفسد القوس أعط القوس باريها وكذا في قول الراجز: كأن أيديهن بالقاع القرق ... أيدي جوار يتعاطين الورق ففي: "أعط القوس باريها" جاء "باريها" مفعولا به، ومن حقه أن تظهر الفتحة على يائه غير، أن الشاعر اضطر لإقامة الوزن، فحذف الفتحة. وفي "كأن أيديهن" جاء "أيديهن" اسم "كأن" ومن حقه، أن ينصب، وأن تظهر الفتحة على يائه؛ لِخفتها، لكن الشاعر، لما اضطر لإقامة الوزن، سكن الياء. الأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 100-101.

باب النكرة والمعرفة

[النكرة والمعرفة] : هذا باب النكرة والمعرفة: [نوعا النكرة] : الاسم نكرة، وهي الأصل1، وهي عبارة عن نوعين: أحدهما: ما يقبل "أل" المؤثرة للتعريف2، كرجل، وفرس، ودار، وكتاب. والثاني: ما يقع موقع ما يقبل "أل" المؤثرة للتعريف، نحو: "ذي، ومن، وما". في قولك: "مررت برجل ذي مال، وبمن معجِب لك، وبما معجِب لك" فإنها واقعة موقع "صاحب، وإنسان، وشيء"3 وكذلك نحو: صه، منونا، فإنه واقع موقع قولك: "سكوتا"4.

_ 1 لأنها، لا تحتاج في دلالتها على المعنى الذي وضعت له إلى قرينة، بخلاف المعرفة، وما يحتاج إلى شيء فرع عما لا يحتاج. التصريح: 1/ 91. 2 احترز بذلك من نحو: الحسن والعباس، فإن "أل" لا تؤثِّر فيهما التعريف؛ لأنهما معرفتان بالعلمية قبل دخول "أل". 3 صاحب" راجع لذي، وهو يقبل "أل" المؤثِّرة للتعريف؛ لأنه صار بالاستعمال صفة مشبهة فأشبه الأسماء الجامدة بخلاف "صاحب" اسم فاعل بمعنى مصاحب، فإن "أل" الداخلة عليه موصولة، لا تؤثر فيه تعريفا و"إنسان" راجع إلى "من" النكرة الموصوفة للعاقل، وهو يقبل "أل" فتقول: الإنسان، و"شيء" راجع إلى "ما" التي لغير العاقل، وهو يقبل "أل" تقول: الشيء. ومثلهما "ما" و"من" الموصوفتان الشرطيتان والاستفهاميتان، وكذلك "أين" و"كيف". التصريح: 1/ 92. 4 أي: وسكوتا يقبل "أل" لأنه مصدر، تقول: السكوت، ومذهب الجمهور أن أسماء الأفعال واقعة موقع الأفعال.

[نوعا المعرفة] : ومعرفة، وهي الفرع، وهي عبارة عن نوعين: أحدهما: ما لا يقبل "أل" ألبتة1 ولا يقع موقع ما يقبلها، نحو: زيد، وعمرو ... والثاني: ما يقبل "أل" ولكنها غير مؤثرة للتعريف، نحو: حارث، وعباس، وضحاك" فإن "أل" الداخلة عليها لِلَمْحِ الأصل بها. [أقسام المعرفة] : وأقسام المعارف سبعة: المضمر كأنا وهم، والعلم كزيد وهند، والإشارة كذا وذي، والموصول2 كالذي والتي، وذو الأداة3 كالغلام والمرأة، والمضاف لواحد منها كابني وغلامي، والمنادي نحو: "يا رجل" لمعين. [المضمر والضمير] : فصل في المضمر: المضمر والضمير، اسمان لما وضع لمتكلم كأنا، أو لمخاطب كأنت، أو لغائب كهو، أو لمخاطب تارة ولغائب أخرى، وهو الألف والواو والنون، كقوما وقاما، وقوموا وقاموا، وقمن. [الضمير قسمان: بارز ومستتر] : وينقسم إلى: بارز، وهو ما له صورة في اللفظ كتاء "قمت"، وإلى: مستتر، وهو بخلافه كالمقدر في "قم".

_ 1 أي: قطعا. قال سيبويه: ولا يستعمل "البتة" إلا بالألف واللام، وأجاز الفراء تنكيره، فيقال: لا أفعله البتة وبتة؛ لكل أمر لا رجعة فيه، وهو منصوب على المصدر المؤكد وهمزته للقطع سماعا، والتاء فيه للوحدة. 2 قيل: إن تعريف الموصول بالعهد الذي في الصلة، وقيل بأل، ملفوظة في نحو: الذي والتي، أو غير ملفوظة بل يكون الموصول معنى ما فيه "أل" كـ "من" و"ما". 3 أي: الذي تدخل عليه أداة التعريف، وهي "أل" المعرفة، سواء كان مذكرا أو مؤنثا.

[الضمير البارز قسمان] : وينقسم البارز: إلى متصل وهو: ما لا يفتتح به النطق ولا يقع بعد "إلا" كياء "ابني" وكاف "أكرمك" وهاء "سلنية" ويائه، وأما قوله1: [البسيط] 21- وما علينا إذا ما كنت جارتنا ... أن لا يجاورنا إلاك دَيَّار2 فضرورة.

_ 1 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: البيت لا يعرف له سوابق أو لواحق، ويروى شطره الأول: "وما نبالي إذا ما.....". والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 98، وابن عقيل "14/ 1/ 90"، والأشموني "45/ 1/ 48" وهمع الهوامع: 1/ 57، والدرر اللوامع: 1/ 32، والخصائص: 1/ 307، 2/ 159 وشرح المفصل: 3/ 101، 103، والخزانة. 2/ 405، وشرح العيني: 1/ 253. المفردات الغريبة: وما علينا: يروى مكانه: وما نبالي: المبالاة بمعنى الاكتراث بالأمر، والاهتمام له والعناية به، دَيَّار: معناه أحد، ولا يستعمل إلا في النفي العام، قال تعالى: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} أي: أستأصلهم جميعا. المعنى: يخاطب الشاعر إحدى جاراته قائلا: ما دمت لنا جارة، فلا يهمنا، ولا يعنينا إذا لم يجاورنا أحد غيرك. الإعراب: ما: نافية، لا عمل لها. نبالي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء، والفاعل: نحن. والمفعول محذوف، والتقدير: لا نبالي شيئا، ويمكن أن تكون "ما" اسم استفهام في محل رفع مبتدأ، والجملة بعدها خبر، والتقدير: أي شيء نباليه؟. إذا: ظرفية متضمنة معنى الشرط، وما: زائدة. كنت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء اسمها. جارتنا: خبر كان، ومضاف إليه. ألا: أن مصدرية، و"لا" نافية يجاورنا. مضارع منصوب بـ "أن" و"نا" مفعول به مقدم، إلاك: "إلا" أداة استثناء من "ديار" الواقع فاعلا مؤخرا، والكاف في محل نصب على الاستثناء؛ لِتقدمه على المستثنى منه. موطن الشاهد: "إلاك". وجه الاستشهاد: وقع الضمير المتصل بعد "إلا"؛ لِضرورة الشعر، وهو غير سائغ في الاستعمال؛ لأن القياس، أن يؤتى بعد "إلا" بالضمير المنفصل، وقد كان على الشاعر أن يقول: "ألا يجاورنا إلا إياك ديار". وعلى رواية "سواك"، أو "حاشاك" فلا ضرورة، في البيت الشاهد، على تلك الرواية، لكون الضمير متصلا بعامله المؤثر فيه، حيث إن "سوى"، وحاشا" عاملان، و"إلا" ليست عاملة، وإنما تدل على العاملة أو تقوّي العامل المقدر. انظر شرح التصريح: 1/ 98.

وإلى منفصل، وهو: ما يبتدأ به ويقع بعد "إلا" نحو: "أنا" تقول: "أنا مؤمن" و"ما قام إلا أنا". [أقسام الضمير المتصل بحسب مواقع الإعراب] : وينقسم المتصل، بحسب مواقع الإعراب، إلى ثلاثة أقسام: 1- ما يختص بمحل الرفع، وهو خمسة: التاء كقمت، والألف كقاما، والواو كقامو، والنون كقمن، وياء المخاطبة كقومي. 2- وما هو مشترك بين محل النصب والجر فقط، وهو ثلاثة: ياء المتكلم نحو: {رَبِّيْ أَكْرَمَنِ} 1، وكاف المخاطب نحو: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّك} 2، وهاء الغائب نحو: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُه} 3. 3 وما هو مشترك بين الثلاثة، وهو "نا" خاصة نحو: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا} 4.

_ 1 "89" سورة الفجر، الآية: 15. موطن الشاهد: الشاهد: "ربي أكرمني". وجه الاستشهاد: مجيء ضمير المتكلم "الياء" مع المنادي في محل جر بالإضافة؛ لأنه اتصل بالاسم، وفي "أكرمني" جاء في محل نصب مفعولا به؛ لأنه اتصل بالفعل، ومن هنا ندرك أنه مشترك بين محل النصب والجر. 2 "93" سورة الضحى، الآية: 3. موطن الشاهد: {وَدَّعَكَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "كاف" المخاطب في محل نصب مفعول به؛ لِاتصالها بالفعل، وهي من الضمائر المشتركة. 3 "18" سورة الكهف، الآية: 37. موطن الشاهد: "له، صاحبه، يحاوره". وجه الاستشهاد: مجيء "هاء" الغائب في محل جر بحرف الجر في الأول، وفي محل جر بالإضافة في الثاني، وفي محل نصب مفعول به في فعل "يحاوره". 4 "3" سورة آل عمران، الآية: 193. موطن الشاهد: {رَبَّنَا} ، {إِنَّنَا} ، {سَمِعْنَا} . وجه الاستشهاد: مجيء ضمير "نا" في محل جر بالإضافة مع المنادى؛ لِاتصالها بالاسم، وفي محل نصب اسم "إن" في "إننا"، وفي محل رفع فاعل في "سمعنا"، وهنا لا بد من الانتباه إلى أمر هام، وهو أن "نا" عندما تتصل بالفعل، فإذا بني الفعل معها على السكون، كما في "سمعنا"، وهنا لا بد من الانتباه إلى أمر هام، وهو أن "نا" عندما تتصل بالفعل، فإذا بني الفعل معها على السكون، كما في "سمعنا" تكون "نا" في محل رفع فاعل، وإذا بني الفعل معها على الفتح، كما في "سلبنا، وسرقنا" تكون في محل نصب مفعول به.

وقال بعضهم1: لا يختص ذلك بكلمة "نا" بل الياء، وكلمة "هم" كذلك؛ لأنك تقول: "قومي" و"أكرمني" و"غلامي" و"هم فعلوا" و"إنهم" و"لهم مال" وهذا غير سديد؛ لأن ياء المخاطبة غير ياء المتكلم، والمنفصل غير المتصل. وألفاظ الضمائر كلها مبنية2، ويختص الاستتار بضمير الرفع3.

_ 1 قائل ذلك: أبو حيان؛ وقد نظر إلى الضمير من غير اعتبار لمعناه، ولا لكونه متصلا أو منفصلا ورد المؤلف بأنه لا بد من النظر إلى معنى الضمير وإلى نوعه، فإن اتحد اللفظ والمعنى والنوع، كان ضميرا واحدا، وإن اتحد اللفظ واختلف المعنى كياء المتكلم وياء المخاطبة، أو اتحد اللفظ، واختلف النوع، ككلمة "هم" فإنها، في قولك "لهم" وقولك "إنهم" ضمير متصل، وفي قولك "هم يفعلون" ضمير منفصل. فهما متغايران، بخلاف "نا" فإن لفظها واحد، ومعناها واحد أيضا، ونوعها واحد وهو المتصل، وهي مع هذا من الاتفاق واقعة في مواقع الإعراب الثلاثة الرفع والنصب والجر. التصريح. 1/ 99. 2 اتفق النحاة على أن الضمائر كلها مبنية، واختلف في سبب بنائها، فقيل شبه الحرف في المعنى؛ لأن كل مضمر مضمَّن معنى التكلم أو الخطاب أو الغيبة، وهي من معاني الحروف، وقيل شبه الحرف في الوضع؛ لأن أكثر المضمرت على حرف واحد أو حرفين، وحمل الأقل على الأكثر وقيل شبه الحرف في الافتقار؛ لأن المضمر لا تتم دلالته على مسماه إلا بضميمة مشاهدة أو غيرها، وقيل شبه الحرف في الجمود، وقيل اختلاف صيغه لاختلاف معانيه، وقيل غير ذلك، ولا يختص الإبراز بضمير بعينه، بل يكون في ضمير الرفع والنصب والجر. التصريح 1/ 100، والأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 110. 3 فإن قلت: فإني أجد ضمير النصب مقدرا في نحو: "إني أكرم الذي تكرم" أي الذي تكرمه، وفي ضمير الجر نحو قوله تعالى: {وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُون} أي: منه، فكيف تقولون: إن الاستتار لا يكون إلا لضمير الرفع؟. فالجواب: أن ما ذكرت من باب الحذف، أي أن الضمير كان مذكورا في الكلام، ثم حذف، ولا كذلك المستتر، فقد التبس عليك الحذف بالاستتار. أوضح المسالك "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد": 1/ 87، حا: 2.

[الضمير المستتر قسمان] : وينقسم المستتر إلى مستتر وجوبا، وهو: ما لا يخلفه ظاهر ولا ضمير منفصل، وهو: المرفوع بأمر الواحد، كـ "قم" أو بمضارع مبدوء بتاء خطاب الواحد، كـ "تقوم" أو بمضارع مبدوء بالهمزة، كـ "أقوم" أو بالنون، كـ "نقوم" أو بفعل استثناء، كـ "خلا، وعدا، ولا يكون" في نحو قولك: "قاموا ما خلا زيدا، وما عدا عمرا، ولا يكون زيدا" أو بأفعل في التعجب أو بأفعل التفضيل1، كـ "ما أحسن الزيدين"، و: {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثَاً} 2، أو باسم فعل غير ماضٍ، كـ "أوه، ونزال"3. وإلى مستتر جوازا، وهو: ما يخلفه ذلك، وهو المرفوع بفعل الغائب أو الغائبة، أو الصفات المحضة4، أو اسم الفعل الماضي نحو: "زيد قام، وهند

_ 1 أي في غير مسألة "الكحل" المشهورة، فإنه يرفع فيها الظاهر باطراد، وكذلك يرفع الضمير البارز على لغة، في نحو: مررت برجل أفضل منه أنت، إذا لم يعرب "أنت": مبتدأً. 2 "19" سورة مريم، الآية: 74. موطن الشاهد: {أَحْسَنُ} . وجه الاستشهاد: مجيء: "أحسن" اسم تفضيل، وفيه ضمير مستتر وجوبا مرفوع على الفاعلية، وأثاثا: تمييز منصوب. 3 بقي مما استتر وجوبا؛ الضمير المرفوع بالمصدر النائب عن فعله، نحو قوله تعالى: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} وأيضا الضمير المستتر في "نعم وبئس" المفسر بنكرة نحو: "نعم قوما معشره" وقوله تعالى: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} فقد نصوا على أن هذا الضمير لا يجوز إظهاره. التصريح: 1/ 101، وحاشية الصبان: 1/ 112. 4 أي: الخالصة من شائبة الاسمية، كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة. وقد مثل لذلك المصنف، وبقيت أمثلة المبالغة، نحو: محمد ضراب أو مضراب ... إلخ؛ أما الصفات غير المحضة وهي التي غلبت عليها الاسمية فلا تحتمل ضميرا، مثل: الأبطح، والأجرع، والأبيض، والأرحب.

قامت، وزيد قائم، أو مضروب، أو حسن، وهيهات"، ألا ترى أنه يجوز "زيد قام أبوه" أو "ما قام إلا هو" وكذا الباقي. تنبيه: هذا التقسيم تقسيم ابن مالك1 وابن يعيش2 وغيرهما، وفيه نظر3 إذ الاستتار في نحو: "زيد قام" واجب؛ فإنه لايقال: "قام هو" على الفاعلية، وأما "زيد قام أبوه" أو "ما قام إلا هو" فتركيب آخر، والتحقيق أن يقال: ينقسم العامل إلى ما لا يرفع إلا الضمير المستتر كأقوم، وإلى ما يرفعه وغيره كقام. [انقسام الضمير المنفصل بحسب مواقع الإعراب إلى قسمين] : وينقسم المنفصل، بحسب مواقع الإعراب، إلى قسمين: 1 ما يختص بمحل الرفع، وهو: "أنا، وأنت، وهو" وفروعهن، ففرع أنا نحن1، وفرع أنتَ: أنتِ، وأنتما، وأنتم، وأنت، وفرع هو: هي، وهما، وهم وهن. 2 وما يختص بمحل النصب، وهو: "إيا" مردفا بما يدل على المعنى المراد

_ 1 مرت ترجمته. 2 ابن يعيش: أبو البقاء، يعيش بن علي بن يعيش الحلبي النحوي، ولد بحلب سنة 553 هـ، وأخذ عن علمائها، ورحل إلى بغداد، ودمشق إلى أن صار من كبار أئمة العربية. ولا سيما النحو والصرف، وقد غالب فضلاء حلب وتصدر للإقراء بها زمانا، له كتاب شرح المفصل، وشرح تصريف ابن جني، مات بحلب سنة 643هـ. البلغة: 289، بغية الوعاة: 2/ 351، وفيات الأعيان: 2/ 450، ومعجم المؤلفين: 13/ 256، والأعلام: 9/ 272. 3 ذلك أن المؤلف فهم من قول ابن مالك وابن يعيش في تعريف الضمير المستتر: "المستتر جوازا: هو ما يخلفه الظاهر أو الضمير المنفصل" أن أحدهما يخلفه في تأدية معناه، وليس هذا بمرادهما، بل مرادهما يخلف المستتر جوازا في رفع العامل إياه، وإن لم يكن المعنى واحدا وبهذا، ينحل اعتراضه ويصير موافقا لما ذكر هو أنه التحقيق. التصريح: 1/ 102 الأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 113. 4 إنما كان نحن فرعا لـ "أنا" لأن "أنا" دالٌّ على الواحد المتكلم، و"نحن" دال على المتكلم المتعدد أو المنزل منزلته. ولا شك أن التعدد فرع عن الواحد.

نحو: "إياي" للمتكلم، و"إياك" للمخاطب، و"إياه" للغائب، وفروعها: "إيانا، وإياك، وإياكما، وإياكم، وإياكن، وإياها، وإياهما، وإياهم، وإياهن. تنبيه: المختار أن الضمير نفس "إيَّا" وأن اللواحق لها حروف تكلم، وخطاب، وغيبة2. فصل: القاعدة أنه متى تأتي اتصال الضمير لم يعدل إلى انفصاله2، فنحو: "قمت" و"أكرمتك" لا يقال فيهما: "قام أنا" ولا "أكرمت إياك"، فأما قوله3: [البسيط] 22- إلا يزيدهم حبا إليَّ همُ4

_ 1 ما ذكر مذهب سيبويه، وذهب الخليل إلى أن اللواحق ضمائر، و"إيا" ضمير مضاف إليها، واختار هذا ابن مالك، وهو رأي ضعيف؛ لأنه لم تعهد إضافة الضمائر، وأما قولهم: "إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب" فشاد، وذهب بعض البصريين وجمع من الكوفيين، إلى أن اللواحق، هي الضمائر، وكلمة "إيا" عماد، أي: زيادة تعتمد عليها اللواحق؛ لِيتميز المنفصل من المتصل، ويرى الزجاج أن "إيا" اسم ظاهر مضاف إلى ما بعده، وما بعده، هو الضمير. وأما "أنا وأنت"، وفروعه من ضمائر الرفع، فقيل: إن الضمير، هو الهمزة والنون، أما الألف فزائدة، والتاء حرف خطاب، واللواحق الأخر؛ لِبيان المراد، من إفراد وتثنية وجمع، وقيل -وهو الصواب- إن الضمير مجموع "أنا، وأنت" وكذا في "هو" وفروعه فالمجموع هو الضمير. انظر شرح التصريح: 1/ 103-104. حاشية الصبان: 1/ 115. إنما استعمل العرب الضمائر لقصد الاختصار، والضمير المتصل أشد اختصارا من الضمير المنفصل، وبالتالي كان أبلغ في بلوغ القصد؛ لِهذا لم يعدلوا عن استعمال المتصل إلا عند الضرورة. التصريح: 1/ 104. 3 القائل: هو زياد بن منقذ العدوي التميمي المعروف بالمرار الحنظلي العدوي، أحد شعراء الدولة الأموية، عاصر "جريرا" وهاجاه، فرد عليه جرير. الشعر والشعراء: 2/ 697، واللآلي: 832، والخزانة: 2/ 391، والمؤتلف: 176. 4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: وما أصاحب من قوم فأذكرهم وهو من قصيدة لزياد، يقولها في تذكر أهله والحنين إلى وطنه، وكان قد نزل =

وقوله1: [البسيط] . 23- إياهم الأرض في دهر الدهارير2 فضرورة

_ = بصنعاء، وكانت منازل أهله بنجد، وأول هذه الكلمة، فيما رواه أبو تمام في الحماسة: لا حبذا أنت يا صنعاء من بلدٍ ... ولا شعوب هوى مني ولا نُقُمُ وحبذا حين تمسي الريح باردة ... وادي أُشَيٍّ وفتيان به هُضُمُ والبيت الشاهد، من شواهد: التصريح: 1/ 104، والأشموني "46/ 1/ 51"، والمغني "256/ 195" وشرح شواهد المغني للسيوطي" 147، وشرح المفصل: 7/ 26، والخزانة: 2/ 393،وشرح العيني: 1/ 256، والشعر والشعراء: 2/ 697. المعني: يبين الشاعر أنه ما اتصل بقوم، صحبهم وذكر قومه أمامه أمامهم، إلا زادوه حبا وثقة بقومه لما يسبغونه عليهم من المدح والثناء. الإعراب: ما: نافية، من قوم: من زائدة، قوم، اسم مجرور لفظا، منصوب محلا على أنه مفعول به لـ "أصاحب". فأذكرهم الفاء سببية، أذكر: مضارع منصوب بـ "أن" المضمرة وجوبا بعد فاء السببية الواقعة جوابا للنفي، ويجوز الرفع عطفا على أصاحب، والفاعل: أنا، و"هم" في محصل نصب مفعولا به. إلا أداة استثناء ملغاة، أو أداة حصر. يزيدهم: فعل مضارع مرفوع، و"هم" في محل نصب مفعولا به أول منصوبا. حبا: مفعول به ثانٍ منصوب. "إلى" متعلق بـ "يزيد". "هم" الثانية: في محل رفع فاعل لـ "يزيد". موطن الشاهد: "هم" في آخر البيت. وجه الاستشهاد: مجيء هذا الضمير منفصلا للضرورة، والقياس أن يؤتى به متصلا بالفعل، فالأصل فيه: يزيدونهم. 1 هو الفرزدق، وقد مرت ترجمته. 2 تخرج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت وهو من قصيدة للفرزدق، يمدح فيها يزيد بن عبد الملك بن مروان، وقبله قوله: يا خير حي وَقَتْ نعل له قدما ... وميت بعد رسل الله مقبور وهو من شواهد همع الهوامع: 1/ 62، والدرر اللوامع: 1/ 38، والخصائص: 1/ 307 و2/ 195، وأمالي ابن الشجري: 1/ 40، والإنصاف: 698، والخزانة: 2/ 409، وشرح شواهد الألفية للعيني: 1/ 274، وديوان الفرزدق: 266. المفردات الغريبة: الباعث: الذي يبعث الأموات ويحييهم، الوارث: الذي ترجع إليه =

ومثال1 ما لم يتأتَّ فيه الاتصال أن يتقدم الضمير على عامله، نحو: {إِيَّاكَ

_ = الأملاك بعد الفناء، وهما اسمان لله تعالى: ضمن: اشتملت عليهم. الدهارير: جمع لا واحد له من لفظه، وهو الشدائد. المعنى: يقسم الشاعر بباعث الأموات، ووارثهم بعد موتهم، وقد اشتملت عليهم الأرض، وضمتهم في أزمان الشدائد والمحن؛ والمقسم عليهم في البيت الذي يليه. الإعراب: "بالباعث": متعلق بـ "حلفت" في البيت السابق. الوارث: صفة للباعث، الأموات: مضاف إليه مجرور، أو منصوب على أنه مفعول به، تنازعه الوصفان قبله: "الباعث والوارث"، فأعمل فيه الثاني، ولم يعمل الأول في ضميره، بل حذفه؛ لِكونه فضلة. قد: حرف تحقيق. ضمنت: فعل ماضٍ، والتاء للتأنيث. إياهم: ضمير منفصل في محل نصب مفعول به لـ "ضمن". الأرض: فاعل مرفوع. "في دهر": متعلق بـ "ضمن". الدهارير: مضاف إليه. موطن الشاهد: "ضمنت إياهم". وجه الاستشهاد: مجيء الضمير منفصلا؛ لِاضطرار الشاعر إلى إقامة الوزن، ولم يأتِ به متصلا، على ما يقتضيه القياس؛ إذ لو أتى به متصلا على ما يقتضيه القياس، لقال: "ضمنتهم الأرض"، وحكم هذا الإتيان به منفصلا مع التمكن من الإتيان به منفصلا، لا يجوز إلا في ضرورة الشعر. 1 تتميما للبحث نقول: بقي اثنا عشر موضعا، لا يتأتى فيهما المجيء بالضمير المتصل، ويتعين في كل واحد منهما الإتيان بالضمير منفصلا: الأول: أن يكون الضمير فاعلا لمصدر، أضيف إلى مفعوله، نحو قوال الشاعر: بنصركم نحن كنتم ظافرين، وقد ... أغرى العدى بكمُ استسلامكم فشلا وعلى هذا تقول: عجبت من ضرب زيد أنت، فتكون إضافة ضرب لزيد من إضافة المصدر لمفعوله. الثاني: أن يكون الضمير مفعولا لمصدر أضيف إلى فاعله الظاهر، نحو قولك: عجبت من ضرب زيد إياك، فإن كان فاعل المصدر ضميرا أيضا، كانت من المسألة الأولى، التي يجوز فيه أمران. الثالث: أن يكون الضمير مرفوعا بصفة جارية على غير من هي له، مطلقا عند البصريين، ومع خوف اللبس عند الكوفيين، على ما تعرفه مفصلا في باب المبتدأ والخبر إن شاء الله، نحو زيد وعمر ضاربه هو. الرابع: أن يكون عامل الضمير محذوفا، نحو قول لبيد بين ربيعة العمري: فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب ... لعلك تهديك القرون الأوائل الخامس: أن يكون عامل الضمير حرفا من حروف النفي، نحو قوله تعالى: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِم} وقوله جل جلاله: {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا} . =

نَعْبُدُ} 1، أو يلي "إلا"، نحو: {أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاه} 2، ومنه قوله3: 24-................... وإنما ... يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي4

_ = السادس: أن يقع الضمير بعد واو المعية، نحو قول الشاعر: فآليت لا أنفك أحذو قصيرة ... تكون وإياها بها مثلا بعدي السابع: أن يكون الضمير تابعا لمعمول آخر لعامله، كالضمير المعطوف في قول الله تعالى: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُم} . الثامن: أن يقع الضمير بعد "إما" نحو قولك: "يتولى الأمر إما أنا وإما أنت". التاسع: أن يكون عامل الضمير معنويا، وهو الابتداء أي أن يكون الضمير مبتدأ نحو: "أنا مؤمن". العاشر: أن يقع الضمير بعد اللام الفارقة، الداخلة في خبر إن المخففة، كقول الشاعر: إن وجدت الصديق حقا لإياك ... فمرني فلن أزال مُطيعا. الحادي عشر: أن يكون الضمير منادىً به، نحو: "يا أنت"، ونحو: "يا إياك"، ومنه قول الشاعر: يا أبجر بن أبجر يا أنتا ... أنت الذي طلقت عام جُعْتَا الثاني عشر: أن يكون الضمير ثاني متحدي الرتبة، معمولين لعامل واحد، وليس مرفوعًا، نحو: "ظننتني إياي" و"ظننتك إياك". التصريح: 1/ 105و 106. حاشية الصبان: 1/ 115. 1 "1" سورة الفاتحة: الآية: 4. موطن الشاهد: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} . وجه الاستشهاد: أتى بالضمير منفصلا في الآية الكريمة؛ لِتقدم الضمير على عامله "نعبد" وحكم مجيئه منفصلا في هذه الحالة الوجوب. 2 "12" سورة يوسف، الآية: 40. موطن الشاهد: {تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} . وجه الاستشهاد: مجيء الضمير "إياه" منفصلا، على الرغم من تأخره عن عامله؛ لأنه وَلِيَ "إلا" لفظا"، ومى وَلِيَ الضمير "إلا" لا يتأتى المجيء به متصلا، كما هو معلوم. 3 القائل: هو الفرزدق، وقد مرت ترجمته. 4 تخريج الشاهد: هذه قطعة من بيت وتمامه: أنا الذائد الحامي الذمار، وإنما ... يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي =

لأن المعنى ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا.

_ = وهو من قصيدة للفرزدق، يعارض فيها جريرا، ويفخر عليه، وبعد الشاهد قوله: فمهما أَعِشْ لا يضمنوني ولا أضع ... لهم حسبا ما حركت قدمي نعلي والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 106، والأشموني "48/ 1/ 52" وهمع الهوامع: 1/ 62 والدرر اللوامع: 1/ 39، والمحتسب: 2/ 195، ودلائل الإعجاز للجرجاني: 214، 223، وشرح المفصل: 2/ 95، 8/ 56، والعيني: 1/ 277، ومعاهد التنصيص: 1/ 89، ومغنى اللبيب: "574/ 407"، وشرح شواهد المغني للسيوطي: 245، وديوان الفرزدق: 712. المفردات الغريبة: الذائد: اسم فاعل من ذاد الشيء، يذوده، إذا دفعه، وتقول: فلان يذود عن قومه، إذا كان يدفع عنهم كل ما ينزل بهم. الذمار، كل ما لزم الإنسان أن يحافظ عليه، ويحميه. أحساب: جمع حسب، ما يعد من مفاخر الآباء، وقيل: المال، والأول أفضل وأشهر. لا يضمنوني: لا يرتكب جريمة، ولا يجني جناية تجعل قومه يكلفونه، أو يغرمون عنه. لا أضع: لا أضيع، وهو مجزوم؛ لأنه معطوف على جواب الشرط، وحذفت الياء؛ لِالتقاء الساكنين. "ما حركت قدمي نعلي": "ما" هنا مصدرية ظرفية، والمعنى: مدة تحريك قدمي نعلي، وقصد بذلك، مدة بقائه في الحياة؛ لأنه ما دام حيا، فلا بد أن يحرك قدمه، فتتحرك نعله لحركتها. معنى الشاهد: يفخر الشاعر بأنه هو، المدافع عن قومه، والحامي لكل ما تجب حمايته لهم من مال وأعراض وغيرها، ولا يدافع عن أحسابهم ومفاخرهم إلا هو أو من ماثله في الشجاعة والغيرة وصفات الكمال. الإعراب: أنا: مبتدأ. الذائد: خبر مرفوع. الحامي: صفة للذائد، أو خبر ثانٍ. الذمار: مضاف إليه، أو مفعول به لاسم الفاعل "الحامي". إنما كافة ومكفوفة، تفيد القصر، لا محل لها، يدافع. فعل مضارع مرفوع. "عن أحسابهم": متعلق به "يدافع" و"هم" مضاف إليه. أنا: ضمير منفصل، في محل رفع فاعل يدافع. أو: حرف عطف. مثلي: "مثل" معطوف على الضمير المنفصل، والياء: مضاف إليه. موطن الشاهد: "إنما يدافع عن أحسابهم أنا". وجه الاستشهاد: مجيء "أنا" ضميرا منفصلا بعد "إلا" في المعنى والتأويل؛ لأنه لا يتأتى الضمير المنفصل في هذه الحالة، وكان الضمير هنا واقعا بعد "إلا" في المعنى والتأويل لأن معنى قوله: وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي، هو عينه معنى قوله: لا يدافع عن أحسابهم إلا أنا أو مثلي.

[ما يستثنى من هذا القاعدة] : ويستثنى من هذه القاعدة مسألتان: إحداهما: أن يكون عامل الضمير عاملا في ضمير آخر أعرف منه1 مقدم عليه وليس مرفوعا2، فيجوز حينئذ في الضمير الثاني الوجهان، ثم إن كان العامل فعلا غير ناسخ، فالوصل أرجح كالهاء من "سلنيه" قال الله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} 3، {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} 4، {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا} 5، ومن الفصل: "إن الله ملككم إياهم" 6، وإن كان اسما فالفصل أرجح، نحو: "عجبت من حبي إياه" ومن الوصل

_ 1 تبين لنا فيما مضى، أن ضمير المتكلم أعرف من ضمير المخاطب، وهذا أعرف من ضمير الغيبة. 2 أي ليس الضمير المقدم مرفوعا، وهذا يستلزم أن يكون العامل من الأفعال التي تنصب مفعولين. 3 "2" سورة البقرة، الآية: 137. موطن الشاهد: {فَسَيَكْفِيْكَهُمُ} . وجه الاستشهاد: مجيء فعل "يكفي" غير ناسخ، واتصل به ضميران، الكاف، وهُم، ولما كان الضمير الأول أعرف من الثاني، ومتقدما عليه، أتى بالضمير الثاني موصولا، وحكم هذا الوصل الجواز مع الترجيح. 4 "11" سورة هود، الآية: 28. موطن الشاهد: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} . وجه الاستشهاد: مجيء "ها" الضمير الثاني بعد الكاف، ولذا جاء موصولا؛ لأن عامله عامل في ضمير أعرف منه، وهو الكاف، وحكم هذا الوصل الترجيح، والواو في "أنلزمكموها" للإشباع، لا محل لها. 5 "47" سورة محمد الآية: 37. موطن الشاهد: {يَسْأَلْكُمُوهَا} . وجه الاستشهاد: مجيء ضمير "ها" موصولا، كما في الآية السابقة، وحكم وصله الجواز مع الترجيح. 6 حديث نبوي شريف وتمامه: "ولو شاء الله لملكهم إياكم". والمراد الأرقاء. موطن الشاهد: "ملككم إياهم ". وجه الاستشهاد: مجيء ضمير "إياهم" مفصولا؛ لأنه لو وصل، لقال: ملَّكَكُمُوهُم، ولكنه فر من الثقل الحاصل من اجتماع الواو مع ثلاث ضمات، وحكم هذا الفصل الجواز.

قوله1: [المتقارب] . 25- لقد كان حبِّيك حقا يقينا2.

_ 1 هذا البيت ذكره أبو تمام في ديوان الحماسة من شعر اختاره ولم ينسبه إلى قائل معين. تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: لئن كان حبك لي كاذبا وقيل الشاهد قوله: لئن كنت أوطأتني عشوة ... لقد كنت أصفيتك الود حينا وما كنت إلا كذي نهزة ... تَبَدَّلَ غثًّا وأعطى سمينا. والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 107، والأشموني "49/ 1/ 52"، وشرح العيني: 1/ 283. المعني: يخطاب الشاعر حبيبته قائلا: والله إن كنت كاذبة في حبك لي، فإن محبتي لك صادقة لا شك فيها. الإعراب: لئن: اللام موطئة للقسم، إن: شرطية جازمة. كان: فعل الشرط. حبك: اسم كان وهو مضاف إلى الكاف، من إضافة المصدر إلى فاعله، كاذبا: خبر كان لقد: اللام واقعة في جواب القسم. حبيك: اسم كان مرفوع، وعلامة رفعه الضمة على ما قبل الياء، والياء: مضاف إليه، وهي فاعل المصدر، والكاف: مفعول به للمصدر. حقا: خبر كان. يقينا: صفة، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه. موطن الشاهد: "حبيك". وجه الاستشهاد: مجيء الضمير الثاني "الكاف" متصلا، وذاك شائع مرجوح، ولو أتى به منفصلا، لقال: حبي إياك، وهو الأرجح؛ لأن العامل فيه المصدر وليس الفعل. فائدة: في قول المؤلف: "وإن كان اسما فالفصل أرجح"؛ لأن الاسم إنما يعمل لمشابهته الفعل، فهو أقل اتصالا بالمفعول من الفعل. والمراد بالاسم هنا المصدر كما في الشاهد السابق، واسم الفاعل، كما في قول الشاعر: لا تَرْجُ أو تَخْشَ غير الله إن أذى ... واقيكه الله لا ينفكُّ مأمونا فـ "واقيكه": اسم فاعل وصل الضميرين، الأول منهما كاف الخطاب، والثاني هاء الغائب العائدة إلى أذى. ويشترط أن يكون أول الضميرين مجرورا، كما مثل في الشاهد، سواء كان فاعلا كالمثال المذكور، أو مفعولا، نحو: الدرهم إعطاؤك إياه تفضل عليك. ونظير البيت الشاهد قول قيس بن الملوّح: تضعَّفَني حبِّيكِ حتى كأنني ... من الأهل والمال التلاد خليعُ وانظر شرح التصريح: 1/ 107، وحاشية الصبان: 1/ 117-118.

وإن كان فعلا ناسخا نحو: "خلتنيه"، فالأرجح عند الجمهور الفصل1 كقوله2: [البسيط] 26- أخي حسبتك إياه3

_ 1 لأن الضمير خبر في الأصل، وحق الخبر الانفصال. 2 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 3 تخريج الشاهد: الشاهد بتمامه: أخي حسبتك إياه، وقد ملئت ... أرجاء صدرك بالأضغان والإحنِ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 107، والأشموني "54/ 1/ 53"، وشرح شواهد العيني: 1/ 276. المفردات الغريبة: حسبتك إياه: ظننت أنك أخي. أرجاء: نواحٍ، جمع رجا، كعصا، وهو الناحية. الأضغان: الأحقاد، جمع ضغن، وهو الحقد. الإحن: جمع إحنة، وهي الحقد أيضا. فالعطف للتفسير والترادف. المعنى: يصور الشاعر خيبة أمله بمن اتخذه أخا، وهو يظن بأنه سيشد من أزره، ويدفع عنه عوادي الدهر، ولكنه تكشف عن صدر ملؤه الأحقاد والضغائن عليه. الإعراب: أخي: مبتدأ، ومضاف إليه. حسبتك: فعل مضارع وفاعل مفعول أول. إياه: مفعول ثانٍ، والجملة خبر المبتدأ، ويمكن أن يكون "أخي" منادى بحرف نداء محذوف، أو مفعولا محذوف يفسره المذكور بعده "حسبتك"، ويكون من باب الاشتغال، كما سيأتي. وقد: الواو حالية، قد: حرف تحقيق. ملئت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء: للتأنيث. أرجاء: نائب فاعل مرفوع. صدرك: مضاف إليه، وجملة "ملئت أضغان صدرك" في محل نصب على الحال. موطن الشاهد: "حسبتك إياه". وجه الاستشهاد: مجيء الضمير "إياه" منفصلا، وهو مفعول به ثانٍ لفعل ناسخ، وهو "حسب"، وحكم هذا الفصل الرجحان عند الجمهور، ويجوز الوصل: حسبتكه، غير أنه مرجوح كما بينا سابقا.

وعند الناظم1، والرماني2، وابن الطراوة3 الوصل، كقوله4: 27- بُلِّغْتُ صنع امرئ بر إخالكه5.

_ 1 أي: ناظم الألفية: محمد بن مالك، وقد مرت ترجمته. 2 الرماني: هو أبو الحسن علي بن عيسى، ولد سنة 326هـ، أخذ عن ابن السراج والزجاج وابن دريد إلى أن صار إماما في العربية، ولا سيما النحو، حتى قيل: لم يُرَ مثله علما بالنحو، وكان يمزج النحو بالمنطق، حتى قال عنه الفارسيّ: "إن كان النحو ما يقوله الرماني، فليس معنا منه شيء، وإن كان النحو ما نقوله، فليس معه منه شيء"، له كتب قيمة، منها: شرح كتاب سيبويه، وكتاب الحدود، وكتاب معاني الحروف، مات سنة: 384هـ. البلغة: 159، وإنباه الرواة: 2/ 294، وبغية الوعاة: 2/ 170، ووفيات الأعيان: 1/ 331. 3 ابن الطراوة: أبو الحسن، سليمان بن محمد بن عبد الله السبائي النحوي، من أهل مالقة "مدينة بالأندلس" إمام عالم، وأديب ماهر، أخذ عن أبي الحجاج الأعلم كتاب سيبويه، وروى عنه القاضي عياض، له مصنفات قيمة، منها: الإفصاح على الإيضاح، وترشيح المقدمات على كتاب سيبويه، مات بمالقة سنة: 528هـ. البلغة: 91، بغية الوعاة: 1/ 62، معجم المؤلفين: 4/ 274، الأعلام: 3/ 196. 4 لم ينسب إلى قائل معين. 5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: إذ لم تزل لاكتساب الحمد مبتدرا والبيت من شواهد التصريح: 1/ 108، والأشموني "52/ 1/ 53"، وشرح شواهد العيني: 1/ 287. المفردات الغريبة: بر "بفتح الباء، وتشديد الراء": الصادق، وبر فلان في يمينه، إذا صدق. إخالكه: أظنكه. مبتدرا: مسرعا، من ابتداء فلان الأمر: إذا أسرع إليه. المعنى: يخاطب الشاعر أحدهم: بأني لما أعلمت بما صنعه امرؤ محسن صادق، من الكرم والبر، ظننتك إياه، لما أعلمه من أنك السباق المسارع إلى عمل الخير، المبادر لاكتساب الحمد والثناء. الإعراب: بلغت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء: نائب فاعل، وفي الأصل، هو مفعوله الأول. صنع: مفعول به ثانٍ. امرئ: مضاف إليه. بر: صفة لـ "امرئ". إخالكه: فعل مضارع، والفاعل: أنا، والكاف: مفعول به أول، والهاء: مفعول ثانٍ. إذا حرف تعليل، لا محل له من الإعراب، ويمكن أن يكون ظرفا متعلقا، بـ "إخال" الوجه الأول هنا أفضل. لاكتساب: متعلق بقوله: "مبتدرا" الواقع خبرا "نزل". موطن الشاهد: "إخالكه". وجه الاستشهاد: مجيء الضمير الثاني "الهاء" متصلا، وهو مفعول ثانٍ لفعل "إخال" لناسخ، وحكم هذا الوصل الجواز مع الترجيح عند من ذكرهم المؤلف واختاره ابن مالك، ويجوز الفصل، فتقول: إخالك إياه. فائدة: الأصل في الضمير الاتصال، والأصل في الخبر الانفصال، وكل من هذين الأصلين مؤيد بالسماع، فلما دخل الفعل الناسخ "إخال" على المبتدأ والخبر، كان للنحاة مذهبان: منهم من رجح اعتبار الأصل الأول، فقضى أن اتصال الضمير في هذه الحالة أرجح، ومنهم من رجح اعتبار الأصل الثاني، فقضى بأن انفصال الضمير في هذه الحالة أرجح، وكلاهما جائز باتفاق.

الثانية: أن يكون منصوبا بكان أو إحدى أخواتها، نحو: "الصديق كنته" أو "كانه زيد" وفي الأرجح من الوجهين الخلاف المذكور، ومن ورود الوصل الحديث: "إن يكنه فلن تسلط عليه" 1، ومن ورود الفصل قوله2: [الطويل] 28- لئن كان إياه لقد حال بعدنا3.

_ 1 هذه قطعة من حديث شريف وتتمته: "وإلا يكنه فلا خير لك في قتله". الحديث موجَّه إلى عمر بن الخطاب، حين أراد أن يقتل ابن صياد لما ظهر له أن يشبه المسيح الدجال، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد حدث أصحابه عن المسيح الدجال. وقد روى الحديثَ البخاريُّ في باب: كيف يُعرَض الإسلام على الصبي من كتاب الجهاد في صحيحه عن ابن عمر، البخاري 2/ 82، 4/ 56، 8/ 34، 107، لكن روايته في الموضعين الأخيرين مغايرة لما عندنا، ورواه مسلم في باب: ذكر ابن الصياد من كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيحه. مسلم: 4/ 2930، ورواه أحمد بن حنبل في مسنده برقم: 626 بلفظ: "إن يكن هو...." والحديث في شرح التسهيل: 1/ 171. 2 القائل: هو عمر بن أبي ربيعة، أبو الخطاب القرشي المخزومي، شاعر الغزل المشهور. وُلِد ليلة مقتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، كان فاسقا يتعرض للنساء الحواجِّ، فسيره عمر بن عبد العزيز إلى الدهلك، ومات بينما كان في سفينة حرقًا سنة 93 هـ. الشعر والشعراء: 2/ 553، الأغاني: 1/ 28، الخزانة: 1/ 238، ابن خلكان: 1/ 447. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: عن العهد، والإنسان قد يتغير

ولو كان الضمير السابق في المسألة الأولى مرفوعا وجب الوصل، نحو: ضربته" ولو كان غير أعرف وجب الفصل، نحو "أعطاه إياك" أو "إياك" أو "أعطاك إياي"1، ومن وجب الفصل إذا اتحدت الرتبة، نحو: "ملكتني إياي" و"ملكت

_ = وهو من قصيدة لعمر بن أبي ربيعة، وأولها قوله: أمن آل نعم أنت غادٍ فمبكر ... غداة غد أم رائح فمهجر والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 108، والأشموني "53/ 1/ 54"، وشرح المفصل: 3/ 107. والمقرب: 16، والخزانة: 2/ 42، وشرح العيني: 1/ 314، وديوان عمر بن أبي ربيعة: 86. المفردات الغريبة: حال: تغير، وتحولت حالته. عن العهد: عما عهدناه فيه من الشباب والنضرة. المعنى: يتحدث الشاعر بلسان حال حبيبته التي عجبت؛ لِتغير هيئته وحالته، حيث تقول: إن كان حقا الذي نراه عمر، فقد تحولت حاله عما كنا نعهده فيه من القوة والشباب والحسن، ثم يسليها قائلا: غير أن الإنسان يغيره مرور الزمان، وتقلبات الدهر، وتتالي الأيام. الإعراب: لئن: اللام موطئة للقسم، إن شرطية، كان: فعل ماضٍ ناقص، وهو فعل الشرط، واسمه "هو" يعود على عمر المعبر عنه بـ "المغيري" في الأبيات السابقة. إياه: خبر كان لقد: اللام واقعة في جواب القسم، قد: حرف تحقيق. حال: فعل ماضٍ، والفاعل: هو. "بعدنا". متعلق بـ "حال" و"نا"، مضاف إليه. وجملة "حال بعدنا" جواب القسم، لا محل لها، وجملة جواب الشرط محذوفة؛ لِدلالة جواب القسم عليها. "عن العهد": متعلق بـ "حال". والإنسان: الواو حالية، الإنسان: مبتدأ. قد: حرف تقليل. يتغير: فعل مضارع، والفاعل: هو، وجملة "يتغير": في محل رفع خبر المبتدأ، وجملة "الإنسان قد يتغير": في محل نصب على الحال. موطن الشاهد: "كان إياه". وجه الاستشهاد: مجيء الضمير "إياه" خبرا لـ "كان" الناقصة الناسخة للمبتدأ والخبر، وقد أتى به منفصلا، ومجيئه على هذا الوجه جائز باتفاق من غير ضرورة ولا شذوذ، ولو وصل، لقال: "كانه"، وهو وجه جائز باتفاق أيضا، غير أن ابن مالك يختار الاتصال، وغيره يختار الانفصال. 1 نسب إلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه- أنه قال: "أراهمني الباطل شيطانا" بوصل الضميرين، وأولهما ليس أعرف من الثاني؛ لأن الأول ضمير غيبة. والثاني ضمير متكلم، ومعنى العبارة: أن الباطل أراهم إياي شيطانا: أي جعلهم يرونني شيطانا، وحكم هذا الاتصال نادر، والأصل: أراهم الباطل إياي شيطانا، وأجاز المبرد وكثير من القدماء تقدم غير الأخص مع الاتصال، نحو: أعطيتهموك، ولكن الانفصال عندهم راجح. اشطر شرح التصريح: 1/ 108-109.

إياك" و"ملكته إياه"، وقد يباح الوصل إن كان الاتحاد في الغيبة، واختلفت لفظ الضميرين، كقوله1: [الطويل] 29- أنالَهُماهُ قَفْوُ أكرمِ والد2

_ 1 لم ينسب إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: لوجهك في الإحسان بسط وبهجة وهو من شواهد: التصريح: 1/ 109، والأشموني "55/ 1/ 54"، وهمع الهوامع: 1/ 63، والدرر اللوامع: 1/ 41، وشرح شواهد العيني: 1/ 342. المفردات الغريبة: بسط: بشاشة وطلاقة. بهجة: حسن، وسرور. أنالهماه: المراد: عوَّد وجهك البسط والبهجة. قفو: اتباع، أصله كان من مكانه في جهة قفاه، ثم قيل لمن يتبع واحدا ويسير على إثره. المعنى: يمدح الشاعر أحدهم: بأن البشاشة والطلاقة والحسن تملأ وجهه عند الإحسان والعطاء، وليس هذا بغريب؛ لأن هذه الصفات ورثها عن أبيه واكتسبها باقتدائه به؛ إذ هو المعروف بأنه أكرم والد. الإعراب: "لوجهك": متعلق بخبر مقدم. بسط: مبتدأ مؤخر "في الإحسان": متعلق بـ "بسط" وبهجة: الواو عاطفة. بهجة: معطوف على بسط. "أنا لهماه": "أنال" فعل ماضٍ مبني على الفتح، و"هما" في محل نصب مفعول به أول لـ "أنال"، والهاء "الضمير العائد إلى الوجه": في محل نصب مفعولا به ثانيا، ويمكن أن يكون المفعول الأول، وضمير الغائب العائد إلى المثنى المفعول الثاني. قفو: فاعل: "أنال" مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف: أكرم: مضاف إليه، من إضافة المصدر إلى مفعوله، وأكرم: مضاف. والد: مضاف. موطن الشاهد: "أنالهماه". وجه الاستشهاد: مجيء الضمير الثاني "هاء" الغائب المفرد متصلا، غير أن الأكثر في مثل هذه الحال الانفصال "أنا لهما إياه" غير أن الوجهين جائزان باتفاق، وإنما خص جواز الاتصال والانفصال عند اتحاد الرتبة بضميري الغيبة؛ لِصحة اختلاف لفظهما، واختلاف مدلولهما، فنزل ذلك منزلة اختلاف الضميرين.

[لزوم نون الوقاية قبل ياء المتكلم] : مضى أن ياء المتكلم من الضمائر المشتركة بين محلَيْ النصب والخفض. فإن نصبها فعل أو اسم فعل أو "ليت" وجب قبلها نون الوقاية1، فأما الفعل فنحو: "دعاني"2 و"يكرمني" و"أعطني" وتقول: "قام القوم ما خلاني" و"ما عداني" و"حاشاني" إن قدرتهن أفعالا، قال3: [الطويل] 30- تُمَلُّ الندامى ما عداني؛ فإنني4

_ 1 هي نون مكسورة، سميت بذلك؛ لأنها في الغالب تقي الفعل، وتصونه من وجود كسرة في آخره عند إسناده إلى ياء المتكلم، وتمنع اللبس في مثل: أكرمني، في الأمر، فلولاها لالتبست ياء المتكلم بياء المخاطبة، وأمر المذكر، بأمر المؤنثة، كما تقي غير الفعل من تغيير آخر يلحق به، وتسمى كذلك "ياء النفس" وقد تحذف ياء المتكلم وتبقى النون المكسورة للدلالة عليها، نحو قوله تعالى: {أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُون} أي: فبم تبشرونني؟. انظر: الجنى الداني: 150-151، ومغني اللبيب: 450-451، وحاشية يس على التصريح: 1/ 109-110. 2 من ذلك قول الشاعر: دعاني أخي والخيل بيني وبينه ... فلما دعاني لم يجدني بقُعدُدِ الشاهد: دعاني، في المرتين، فإنه فعل ماضٍ عمل في ياء المتكلم، وقد أتى قبل ياء المتكلم بنون الوقاية، وفي قوله: لم يجدني، فإنه فعل مضارع عمل في ياء المتكلم أيضا، وقد أتى بنون الوقاية قبلها ومن: خليلي من عليا هلال بن عامر ... بعفراء عوجا اليوم وانتظرانِ أصله: انتظراني، فحذف الياء اجتزاء بكسرة نون الوقاية دالة عليها. أوضح المسالك: 1/ 106-107. 3 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: بكل الذي يهوى نديمي مولَعُ وهو من شواهد التصريح: 1/ 110، 1/ 364، وشذور الذهب "123/ 342"، وهمع الهوامع: "1/ 332"، والدرر اللوامع: "1/ 197".

وتقول: "ما أفقرني إلى عفو الله"، و"ما أحسنني إنِ اتقيتُ الله"، وقال بعضهم: "عليه رجلا ليسَنِي"1 أي: لِيلزمْ رجلا غيري، وأما تجويز الكوفي "ما أحسنني" فمبني على قوله إن "أحسن" ونحوه اسم، وأما قوله2: [مشطور الرجز] : 31- إذ ذهب القوم الكرام ليسي فضرورة

_ = المفردات الغريبة: تمل: من الملل: وهو السأم. الندامى: جمع ندمان: وهو نديم الرجل في الشرب. مولع "بفتح اللام" بمعنى مغرى، وهو من أفعال ملازمة للبناء للمجهول. المعنى: يتباهى الشاعر بأن الناس يملون نداماهم وسمارهم؛ إلا هو؛ فلا يُمَلُّ ولا يستغنى عنه؛ لأن همه وأدبه أن يقضي كل ما يحبه منه نديمه. الإعراب: تمل: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع. الندامى: نائب فاعل. ما عداني: ما: مصدرية، عدا: فعل ماضٍ، وفاعله مستتر فيه وجوبا، ويعود على البعض المفهوم من الكل السابق، والنون للوقاية، والياء: مفعول به، و"ما" وما دخلت عليه: في تأويل مصدر مجرور بإضافة ظرف مقدر، والتقدير: تمل الندامى وقت مجاوزتهم إياي. فإنني: الفاء تعليلية إن حرف مشبه بالفعل، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب اسم "إن" "بكل" متعلق بقوله: "مولع" الآتي، وكل: مضاف، الذي: مضاف إليه. يهوى: فعل مضارع. نديمي: فاعل ومضاف إليه، والجملة صلة للموصول، لا محل لها، والعائد من جملة الصلة إلى الاسم الموصول ضمير منصوب المحل بفعل "يهواى" محذوف، والتقدير: بكل الذي يهواه نديمي. مولع: خبر "إن" مرفوع. موطن الشاهد: "ما عداني". وجه الاستشهاد: دخول نون الوقاية على "عدا" الماضي، وهو هنا فعل، بدليل تقدم ما المصدرية عليه، ونون الوقاية دخلت لِاتصال الفعل بياء المتكلم. 1 قول حكاه سيبويه، عن بعض العرب، وقد بلغه أن رجلا يهدده. 2 نسب أبن منظور في اللسان هذا البيت إلى رؤية بن العجاج، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: قيل الشاهد قوله: عددت قومي كعديد الطيس ويروى: عهدي بقومي كعديد الطيس. وهو من شواهد: التصريح: 1/ 110، وابن عقيل: "17/ 1/ 109"،والأشموني "57/ 1/ 55، وهمع الهوامع: 1/ 64، والدرر اللوامع: 1/ 41، والجنى الداني: 150، وشرح المفصل: 3/ 108 والخزانة: 2/ 425، 454، 4/ 56، واللسان مادة =

وأما نحو: {تَأْمُرُونِّيْ} فالصحيح أن المحذوف نون الرفع.

_ = "طيس"، ومغني اللبيب "310/ 227" "644/ 450"، وشرح السيوطي: 167، وملحقات ديوان رؤبة: 175. المفردات الغريبة: عديد: عدد، يقال: هم عديد الثرى؛ أي عدد التراب. الطيس: الكثير من الرمل، ونحوه، وقد يسمى طيسلا. ليسى: المراد غيري. المعنى: يتأسف الراجز على حال قومه؛ فعديدهم إذا عدهم وأحصاهم كعدد الرمال والحصى ولكن لا خير فيهم، فقد ذهب القوم الكرام منهم سواه. الإعراب: قومي: مفعول به لـ "عددت" "كعديد": متعلق بمحذوف صفة لموصوف محذوف، أي: عددت قومي عدا كعديد. إذ: ظرفية متعلقة بـ "عددت"، أو حرف دال على المفاجأة. ليسي: فعل ماضٍ ناقص، واسمها: ضمير يعود على البعض المفهوم مما قبله، وياء المتكلم خبره. موطن الشاهد: "ليسي". وجه الاستشهاد: حذف نون الوقاية التي تلحق الفعل عند اتصاله بياء المتكلم، وحكم هذا الحذف أنها شاذٌّ، وسهله كون "ليس" فعلا جامدا غير متصرف، فهو شبيه بالاسم، وفي "ليسي" شذوذ آخر، وهو مجيء خبر "ليس" ضمير متصلا، ومعلوم أن الأصل في الخبر الانفصال، كما علمنا سابقا. 1 "39" سورة الزمر، الآية: 64. موطن الشاهد: {تَأْمُرُونِي} . وجه الاستشهاد: مجيء فعل "تأمروني" محذوف نون الرفع، على ما يرى سيبويه، وابن مالك، ومثلها قوله تعالى: {تُحَاجُّونِّي} قرأ نافع "تأمروني" بالتخفيف، أراد "تأمرونني" فحذف إحدى النونين للتخفيف، وينبغي أن تكون النون الثانية محذوفة؛ لأن التكرير بها وقع، ولا تحذف الأولى التي هي علامة الرفع، وقد حذفوا هذه النون، قال حميد الأرقط: قدني من نصر الخبيبين قدي فحذف وأثبت، وقال قوم: بل حذفوا نون الإعراب كما تحذف الضمة في مثل "يأمركم" وقرأ ابن عامر "تأمرونني" بنونين على الأصل "فلم يُدغِم النونين" وحجته إجماع الجميع على إظهار النون في قوله تعالى: {وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي} فرد ما اختلف فيه إلى ما أجمع عليه، وقرأ الباقون: "تأمروني" بالتشديد، والأصل "تأمرونني" النون الأولى علامة الرفع والثانية مع الياء في موضع النصب، ثم أدغموا الأولى في الثانية. وأما النحاة: فقد اختلفوا في المحذوف من النونين، فرجح المؤلف أن المحذوفة هي نون الرفع وذلك لأمرين، الأول: أن نون الرفع قد عهد حذفها اطرادا في النصب والجزم، ونادرا في غيرهما. الثاني: أن نون الوقاية مأتيٌّ بها لفرض، فلا تحذف وهذا مذهب سيبويه وابن مالك. وذهب الأخفش والمبرد والفارسي وابن جني إلى أن المحذوف نون الوقاية، محتجين بأن التكرار، إنما حصل بنون الوقاية؛ لأن نون الرفع سابقة عليها، والتكرار، هو الذي دعا إلى التخفيف، فكانت نون الوقاية أولى بالحذف عند قصد التخفيف، فضلا عن أن نون الرفع علامة للإعراب، فهي أولى بالمحافظ عليها. انظر: حجة القراءات لأبي زرعة: 624-625، إعراب القرآن، للنحاس: 2/ 228، التصريح: 1/ 111.

وأما اسم الفعل فنحو: "دراكني" و"تراكني" و"عَلَيْكَنِي" بمعنى "أدركني" وبمعنى "اتركني" وبمعنى "الزمني". وأما ليت1 فنحو: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} 2، وأما قوله3: [الوافر] 32- فيا ليتي إذا ما كان ذاكم4

_ 1 إنما وجبت معها النون -على الراجح- لقوة شبهها بالفعل في المعنى والعمل. 2 "89" سورة الفجر الآية: 24. موطن الشاهد: "ليتني". وجه الاستشهاد: مجيء نون الوقاية مع "ليت" المتصلة بياء المتكلم، وحكم اتصال نون الوقاية بـ "ليت" الوجوب؛ لِقوة شبهها بالفعل؛ لِكونها تغير معنى الابتداء ولا تعلق ما بعدها بما قبلها. 3 القائل: هو ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وابن عم خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضي الله عنها، كان أحد المعتزلين عبادة الأوثان في الجاهلية، وكان يقرأ الكتب فتنصر وكتب الكتاب بالعبرانية من الإنجيل، وقصته مشهورة مع النبي صلى الله عليه وسلم عندما أتت به السيدة خديجة إليه، فبشره بالخير، وتمنى لو أنه كان جزعا يوم يخرجه قومه. تجريد الأغاني: 1/ 366-367. 4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: ولجت وكنت أولهم ولوجا. وهو من شواهد: التصريح: 1/ 111،وشرح العيني: 1/ 365، وسيرة ابن هشام: 122. المفردات الغريبة: يا ليتي: أراد يا هؤلاء ليتني، فحذف المنادى. ولجت: يريد بهذا دخوله في الإسلام ونصرة الرسول عليه الصلاة والسلام. المعنى: يتمنى الشاعر، إذا حدث ذلك الأمر، أن يكون حيًّا وقتئذٍ، فيدخل في هذا الدين، ويكون من السابقين في الدخول فيه والمصدقين به. الإعراب: فيا: الفاء عاطفة، يا: حرف نداء، والمنادى محذوف، والتقدير: يا هؤلاء، أو يا قومي، أو حرف يفيد التنبيه. ليت: حرف مشبه بالفعل، والياء: اسمها. إذا: ظرف متضمن معنى الشرط. ما: زائدة. ذا: فاعل كان التامة. "ولحت": خبر ليت، أو جواب الشرط، وجملة الشرط وجوابه في محل رفع خبر "ليت" ولوجا: تمييز منصوب. موطن الشاهد: "ليتي". وجه الاستشهاد: مجيء "ليت" محذوفة منها نون الوقاية عند اتصالها بياء المتكلم، وحكم هذا الحذف شاذ؛ لِضرورة الوزن، والأصل في هذه الحال الاقتران، كما رأينا في المتن.

فضرورة عند سيبويه1، وقال الفراء2: يجوز "ليتني" و"ليتي". وإن نصبها "لعل" فالحذف نحو: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} 3 أكثر من الإثبات4، كقوله5: [الطويل]

_ 1 هو: أبو بشر: عمرو بن عثمان بن قنبر مولى بني الحارث بن كعب وسيبويه أي رائحة التفاح بالفارسية، إمام البصريين، وإمام عصره بالعربية، أخذ النحو عن الخليل بن أحمد، ويونس بن حبيب والأخفش "أبو الخطاب" وعيسى بن عمرو، وأخذ الفقه والحديث على حماد بن سلمة الذي كان السبب في إقباله على النحو، وسيبويه: صاحب الكتاب المشهور الذي يعد مرجع العلماء إلى اليوم. مات سنة 180هـ. البلغة: 173، بغية الوعاة: 2/ 229، إنباه الرواة: 2/ 346، الأعلام: 5/ 252 وغيرها كثير. 2 هو: أبو زكريا، يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي، إمام مشهور، أخذ عن الكسائي، وهو من جلة أصحابه وأبرع الكوفيين، له مصنفات كبيرة ومشهورة في اللغة والنحو، ومعاني القرآن، توفى سنة 207هـ في طريق مكة، وله 67سنة. البلغة: 280، بغية الوعاة 2/ 333، وفيات الأعيان: 2/ 201، أخبار النحويين البصريين: 51. 3 40 سورة غافر، الآية: 36. موطن الشاهد: "لعلي". وجه الاستشهاد: مجيء "لعل" متصلة بياء المتكلم الواقعة اسما لها، في محل نصب، مع حذف نون الوقاية، وحكم هذا الحذف أنه أكثر من الإثبات. 4 وذلك؛ لأن "لعل" شبيهة بالحرف، بل إنها تستعمل أحيانا جارة. 5 هو: حاتم الطائي: أبو عدي بن عبد الله بن سعد بن الحشرج، من طيئ، مضرب المثل في الجود والكرم، وصاحب شعر جيد، كان حيث ما نزل عرف، وكان ظفيرا، إذا قاتل غلب، وإذا غنم أنهب، وإذا سئل وهب، وإذا أسر أطلق.

33- أريني جوادا مات هُزْلًا لعلني1

_ 1 الشعر والشعراء: 1/ 241، الأغاني: 16/ 92، اللآلي: 606، الخزانة: 1/ 491، شعراء الجاهلية: 98. تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: أرى ما ترين أو بخيلا مُخلَّدا وقد نسب هذا البيت أبو تمام في ديوان الحماسة إلى حطائط ابن أخي الأسود بن يعفر النهشلي، ونسبه آخرون إلى حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج الطائي. والبيت من شواهد التصريح: 1/ 111، وشرح المفصل: 8/ 78، وخزانة الأدب: 1/ 195 عرضا، وشرح العيني: 3/ 369، وديوان حاتم الطائي: 109. المفردات الغريبة: جوادا: الرجل الكريم الذي يجود بأمواله. هزلا: "بضم فسكون": هزالا وضعفا. بخيلا: ضنينا بماله لا ينفقه. مخلدا: دائم الحياة باقيا. المعنى: يطلب الشاعر إلى عاذلته أن تريد رجلا كريما مات من الضعف والهزال بسبب ضيق ذات يده من الكرم، أو بخيلا خلَّده ماله الذي يضن به عن الإنفاق، لعله يرى ما تراه من الإمساك والتقتير، وعدم البذل والجود. الإعراب: ذريني: فعل أمر مبني على حذف النون، وياء المخاطبة في محل رفع فاعل، والنون: لِلوقاية، والياء الثانية في محل نصب مفعول به أول. جوادا: مفعول به ثانٍ منصوب. مات: فعل ماضٍ، والفاعل: هو، والجملة في محل نصب صفة لـ "جواد"، وهو الأجود. هزلا: مفعول لأجله. لعلني: حرف مشبه بالفعل، والنون: للوقاية، وياء المتكلم في محل نصب اسم "لعل". أري: فعل مضارع، والفاعل: أنا ما: اسم موصول، في محل نصب مفعولٍ به، والجملة: في محل رفع خبر "لعل". ترين: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والياء: في محل رفع فاعل الجملة، والجملة: صلة الموصول، لا محل لها، والعائد محذوف، والتقدير: ما ترينه. أو: حرف عطف. بخيلا: معطوف على "جوادا". مخلدا صفة لـ "بخيلا". موطن الشاهد: "لعلني". وجه الاستشهاد: مجيء "لعل" متصلة بـ "ياء المتكلم" مع اقترانها بنون الوقاية، وحكم هذا الاقتران القلة؛ لأن الأشهر حذف نون الوقاية مع "لعل"، والقرآن الكريم نطق بالحذف وحده، كما في الآيات التالية: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} ، وقوله تعالى: {لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُون} ، وقوله جل شأنه: {إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَس} . وكذا في الشعر، فالأشهر حذف النون، كقول العباس بن الأحنف: أسرب القطا هل من بعير جناحه ... لعلي إلى من قد هويت أطير وقول الفرزدق: وإنِّي لراجٍ نظرة قِبَل التي ... لعلي وإن شطت نواها أزورها ونخلص من هذا، إلى أن ثبوت نون الوقاية مع "لعل" ليس شذوذا، ولا ضرورة، كما قال ابن الناظم حيث وردت منه جملة صالحة من الشواهد، ومنها: فقلت: أعيراني القدوم لعلني ... أخط بها قبرا لأبيض ماجدِ

وهو أكثر من "ليتي"، وغلط ابن الناظم1 فجعل "ليتي" نادرا، و"لعلني" ضرورة. وإن نصبها بقيةُ أخوات ليت ولعل، وهي: إن، وأن، ولكن، وكأن، فالوجهان كقوله2: [الطويل] 34- وإني على ليلي لزارٍ، وإنني3

_ حاشية الصبان: 1/ 123-124، وشرح التصريح: 1/ 111، وابن عقيل: 1/ 91. 1 أي ابن ناظم الألفية، وهو: الإمام بدر الدين محمد بن محمد بن مالك الطائي الدمشقي، نحوي ابن نحوي وإمام ذكي حاد الخاطر، برع في علوم البلاغة والعروض، له مصنفات كثيرة منها. شرح ألفية والده "كافيته ولاميته"، وشرح التسهيل ولم يتمه، والمصباح في المعاني والبيان، وشرح غريب تصريف ابن الحاجب. تولى منصب أبيه في دمشق بعد وفاته، ومات سنة 686هـ. بغية الوعاة: 1/ 204. 2 القائل هو: قيس بن الملوّح، وقيل: ابن معاذ، أحد بني جعدة "أو بني عقيل" ابن كعب بن ربيعة والملقب بمحنون ليلى، وهذا اللقب؛ لِذهاب عقله بشدة عشقه، أما الأصمعي، فينفي عنه الجنون، ويقول: إنما فيه لوثة: أي ضعف واسترخاء وحمق، وقيل في قيس: أشعر الناس. الشعر والشعراء: 2/ 563، الخزانة: 2/ 169، الأغاني: 1/ 161، المرزباني: 476. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: على ذاك فيما بيننا مستديمها وهو من شواهد التصريح: 1/ 112. المفردات الغريبة: زارٍ: اسم فاعل منقوص، فعله زرِيَ عليه يزري من باب ضرب زريا وزراية، ومعناه: عتب عليه يعتب. مستديمها: مستبق مودتها، طالب دوام حبها. =

وإن خفضها حرف: فإن كان "من" أو "عن" وجبت النون1، إلا في الضرورة كقوله2: [الرمل] 35- أيها السائل عنهم وعَنِي لست من قيسٍ ولا قيسٌ مِنِي3

_ = المعنى: يعتب الشاعر على ليلى؛ لِهجرها وصدودها عنه، وعلى الرغم من ذلك، فهو مستبقٍ مودتها، طالب دوام حبها؛ لأن في ذلك سعادته، فلعها ترضيه وتبادله الحب والمودة. الإعراب إني: حرف مشبه بالفعل، واسمه. "على ليلى": متعلق بـ "زارٍ" الآتي. "لزار": اللام للابتداء. زار: خبر "إن" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، منع من ظهورها الثقل. وإنني: الواو عاطفة. إنني: حرف مشبه، والنون: للوقاية، وياء المتكلم في محل نصب اسمها. "على ذاك": متعلق بـ "مستديم" الآتي، والكاف: للخطاب "فيما" متعلق بـ "مستديمها". "بيننا": متعلق بمحذوف صلة الموصول، و"نا" مضاف إليه. مستديمها: خبر "إن" و"ها" مضاف إليه. موطن الشاهد: "إني، إنني". وجه الاستشهاد: حذف نون الوقاية مع "إن" الأولى عند اتصالها بياء المتكلم، وإثباتها مع "إن" الثانية، وحذفها جائزان باتفاق في سعة الكلام، فلا شذوذ ولا علة في الإثبات أو الحذف، وكذا في "أن" و"لكن" و"كأن"، كما ذكر المؤلف. انظر حاشية الصبان: 1/ 124. 1 قيل: إن سبب ذلك المحافظة على بقاء السكون في الحرف؛ لأنه الأصل في البناء. 2 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 3 تخريج الشاهد: نسب ابن الناظم البيت إلى بعض النحاة، ذهابا منه أنه مصنوع، وقال ابن هشام في شأنه: "وفي النفس من هذا البيت شيء؛ لأنا لا نعرف له قائلا ولا نظيرا". والبيت من شواهد التصريح: 1/ 112، وابن عقيل "20/ 1/ 114"، والأشموني "61/ 1/ 56" وهمع الهوامع: 1/ 64، والدرر اللوامع: 1/ 43، والجنى الداني: 151. المفردات الغريبة: قيس: هو ابن عيلان واسم عيلان: الناس بن مضر بن نزال بن معد، أخو إلياس بن مضر. وقد يراد بقيس القبيلة فيمنع من الصرف للعلمية والتأنيث. المعنى: يتنصل الشاعر من قبيلة قيس، ويخاطب السائل عن هؤلاء القوم، وعنه أن لا صلة تربطه بهم ولا علاقة؛ وذلك لِعدم انسجامه معهم.

وإن كان غيرهما امتنعت، نحو "لي" و"بي" و"في" و"خلاي" و"عداي" و"حاشاي"1 قال2: [الكامل] 36- في فتية جعلوا الصليب إلههم ... حاشاي إني مسلم معذور3

_ = الإعراب: أيها: منادى بحرف نداء محذوف مبني على الضم في محل نصب على النداء، و"ها" للتنبيه. السائل: صفة لـ "أي" باعتبار اللفظ. "عنهم": متعلق بـ "السائل" و"عني": الواو عاطفة، وعني: معطوف على "عنهم" السابق. لست: فعل ماض ناقص واسمه. "من قيس" متعلق بخبر ليس". ولا: الواو عاطفة. لا: زائدة؛ لِتأكيد النفي. قيس: مبتدأ مرفوع. "مني": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وجملة "المبتدأ وخبره" معطوفة على جملة ليس واسمها وخبرها. موطن الشاهد: "عني، مني". وجه الاستشهاد: مجيء "عني ومني" بالتخفيف، حيث حذفت نون الوقاية منهما، عند إضافتهما إلى ياء المتكلم للضرورة النادرة عند سيبويه، والواجب في اختيار الكلام أن يقال: مني، عني بتشديد النون في الحرفين؛ لِتكون نون الوقاية حفظا للسكون فيما يبنونن إلى هذا، أشار ابن مالك بقوله: و"ليتني" فشا، و"ليتي" ندرا ... ومع "لعل اعكس، وكن مخيرا في الباقيات، واضطرارا خففا ... "مني، وعني" بعض من قد سلفا. أي: بعض المتقدمين يحذف "نون الوقاية" من "منى وعني" تخفيفا للضرورة، كما أشرنا. 1 قيل: إن السبب في امتناع النون في "لي" و"بي" أنهما مبنيان على الكسر، وفي "في" سكونها أصلي، ولا يزول عند اتصالها بياء المتكلم، بل تدغم الياءان، وأما "خلا" و"عدا" و"حاشا" فإن الألف، لا تقبل الحركة، وقد سبق أنها إذا قدرت أفعالا لحقتها النون؛ لِيجري الفعل مجرى واحدا. التصريح: 1/ 112. 2 القائل: هو المغيرة بن عبد الله الأسدي، الملقب بالأقيشر؛ لأنه كان أحمر الوجه أقشر يكنى أبا معرض، وُلِد في الجاهلية، ونشأ في أول الإسلام، وكان خليعا ماجنا فاسقا مدمنا على الخمر، قبيح المنظر، مات سنة 80هـ. الشعر والشعراء: 2/ 559، الأغاني: 10/ 80، الخزانة: 2/ 279، الإصابة: 6/ 180. 3 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 112، وهمع الهوامع: 1/ 232، والدرر اللوامع: 1/ 197 وشرح الشواهد العيني: 1/ 377.

وإن خفضها مضاف: فإن كان "لدن" أو "قط" أو "قد" فالغالب الإثبات. ويجوز الحذف فيه قليلا، ولا يختص بالضرورة، خلافا لسيبويه، وغلط ابن الناظم، فجعل الحذف في "قد، وقط" أعرف من الإثبات، ومثالهما: {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} 1، قرئ مشددا ومخففا، وفي حديث النار2: "قَطْنِي قَطْنِي" و "قَطِي

_ = المفردات الغريبة: معذور: مقطوع العذرة -وهي قلفة الذكر يقطعها الخاتن، ويقال له مختون من الختان. المعنى: يتبرأ الشاعر من القوم الذين يعبدون الصلبان، ويتخذونها آلهة لهم، وينزه نفسه عن ذلك، وإنما هو مسلم مختون كالمسلمين؛ ذلك لأن النصارى لا يختنون. الإعراب: "في فتية": متعلق بما قبله. جعلوا: فعل ماضٍ وفاعل. الصليب: مفعول أول و"الجملة" في محل جر صفة لـ "فتية" إلههم: مفعول ثان لـ "جعل"، و"هم" مضاف إليه. حاشاي: حرف استثناء وجر، والياء: في محل جر به. إني: حرف مشبه بالفعل والياء: اسمه "مسلم" خبر "إن" مرفوع: معذور: صفة لـ: صلة لـ "مسلم"، أو خبر ثان لـ "إن". موطن الشاهد: "حاشاي". وجه الاستشهاد: حذف نون الوقاية عند اتصال حاشا بـ "ياء المتكلم" لأن "حاشا" حرف آخره ألف، لا تقبل الحركة، وبالتالي، فلا يخشى كسر آخره؛ لِاتصاله بالياء، ومثل هذا الكلام يجوز في "خلا، وعدا" إذا كان حرفين، وأما إذا كان فعلين، فتقترن بهما نون الوقاية، كما تقترن ببقية الأفعال، حيث لا فرق بين فعل وآخر. 1 "18" سورة الكهف، الآية: 76. أوجه القراءات: قرأ نافع وأبو بكر: "من لدنِي عُذرا" بإشمام الدال، وتخفيف النون، وقرأ الباقون {مِنْ لَدُنِّي} بضم الدال وتشديد النون. توجيه القراءات: الأصل "لدنْ" بإسكان النون، فإذا أضفت إلى نفسك، زدت نونا؛ لِيسلم سكون النون الأولى، فتقول: "لدنْ زيد"، فلما تضيف إلى نفسك تقول: "لدنِّي" فتدغم النون في النون كما تقول في "عني" ومن خفف النون كره اجتماع النونين، فحذف واحدة، وهي الثانية؛ لأنها زائدة، كما حذفت في قوله تعالى: {تَأْمُرُوْنِّيْ} . حجة القراءات 1/ 424-425، وإتحاف فضلاء البشر: 293، والبحر المحيط: 6/ 151، والتيسير، للداني: 145، والحجة: 228، والنشر: 2/ 313. 2 هذه قطعة من حديث شريف، عن أبي هريرة وعن أنس رضي الله عنهما أخرجهما البخاري: 6/ 115 وروايته: "...... يلقى في النار، وتقول: هل من مزيد، حتى يضع قدمه فتقول: قط قط".

قطي" وقال1: [مشطور الرجز] 37- قدني من نصر الخبيبين قدي2.

_ = وأخرج حديث أنس البخاري: 8/ 114، 9/ 94، وأخرج مسلم حديث أبي هريرة: 4/ ح 2846 وحديث أنس: 4/ ح 2848، وبين الألفاظ اختلاف، وهذا لفظ أنس في إحدى رواياته: "ولا تزال جهنم يلقي فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط بعزتك وكرمك". وفي فتح الباري: 8/ 595: "ووقع في بعض النسخ عن أبي ذر. قطي قطي بالإشباع وقطني بزيادة نون مشبعة" والمراد بوضع قدمه فيها: التجلي عليها بقهره وكبريائه. 1 القائل: هو حميد بن مالك بن ربعي، من تميم، وقيل: من ربيعة، سمي بالأرقط لآثار كانت بوجهه "الرقط: النقط السود، والأرقط: النمر" وهو شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية عاصر الحجاج. خزانة الأدب: 5/ 395، وسمط اللآلي: 649، ومعجم الأدباء: 11/ 14. 2 تخريج الشاهد: وبعد الشاهد قوله: ليس الإمام بالشحيح الملحد والبيت من أرجوزة يقولها حميد في شأن عبد الله بن الزبير المتغلب على الدولة المروانية والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 112، وابن عقيل "21/ 1/ 115"، والأشموني "62/ 1/ 57 وهمع الهوامع: 1/ 64، والدر اللوامع: 1/ 42، والكتاب لسيبويه: 1/ 387، وسمط اللآلي: 649، والإنصاف: 1/ 131، واللسان "لحد". المفردات الغريبة: قدني: اسم بمعنى حسبي، أو اسم فعل بمعنى يكفيني الخبيبين: المراد بهما: عبد الله بن الزبير، الذي يكنى أبا خبيب باسم ابنه خبيب، وأخوه مصعب بن الزبير على سبيل التغليب. الشحيح: البخيل. الملحد: الذي يستحل حرمات الله. المعنى: يخاطب الشاعر عبد الملك بن مروان، ويعرض بعبد الله بن الزبير وأخيه مصعب قائلا: دعني من نصر ابن الزبير وأخيه اللذين بلغا من البخل الغاية، فإمامنا عبد الملك كريم معطاء ليس بشحيح ولا ملحد. الإعراب: قدني: "قد" اسم بمعنى "حسب" مبتدأ مبني على السكون، في محل رفع، والنون: للوقاية وقد: مضاف وياء المتكلم: مضاف إليه. "من نصر": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ. الخبيبين: مضاف إليه، من إضافة المصدر إلى مفعوله. قدي: توكيد لـ "قدي" الأول. ليس: فعل ماض ناقص. الإمام: اسم ليس مرفع.

وإن كان غيرهن امتنعت، نحو: "أبى" و"أخي".

_ = "بالشحيح": الباء حرف جر زائد، الشحيح: اسم مجرور لفظا، منصوب محلا، على أنه خبر "ليس". "الملحد": صفة لـ "الشحيح" باعتبار اللفظ. موطن الشاهد: "قدني، قدي". وجه الاستشهاد: إثبات "نون التوكيد" في الأولى، وحذفها في الثانية على قلة، والوجهان جائزان عن ابن مالك قياسا، ويرى سيبويه لزوم النون مع "قد" و"قط"؛ لأنهما اسمان بمعنى "حسب" وسقوطها ضرورة، ويرى الكوفيون: أنهما إذا كانتا بمعنى "حسب" لم تقترن بهما النون، وإن اعتبرنا اسم فعل، وجبت النون، وفي حكم "لدن، وقد، وقط" بالنسبة للاقتران وعدمه، يقول ابن مالك: "وفي "لدُنِّي "قلَّ" وفي ... "قدني وقطني" الحذف أيضا قد يفي" والمعني: قل حذف النون من "لدنِّي"، فيقال: لدني: بالتخفيف، وكذلك يقل الحذف في "قد" و"قط" والكثير إثبات النون، فيقال: قدني، وقطني. راجع التصريح: 1/ 112-113، وابن عقيل: 1/ 94. فائدة: إذا اجتمعت نون الوقاية مع نون الرفع -وذلك في الأفعال الخمسة، نحو: أنتم تعرفونني، أنتما تساعدانني، أنت تشاركينني- جاز بقاء التنوين على حالهما، وجاز إدغامهما، تقول: تعرفني تساعدني، وتحذف واو الجماعة وياء المخاطبة؛ لِالتقاء الساكنين، ويجوز حذف إحدى النونين تخفيفا، تقول: تعرفوني تساعداني تشاركيني والمختار أن المحذوف هو نون الوقاية إذا كان المضارع مرفوعا، فيقال في إعرابه: مرفوع بثبوت النون، ونون الأفعال الخمسة، إذا كان منصوبا أو مجزوما، فيقال في إعرابه: منصوب أو مجزوم، بحذف النون، والنون الموجودة للوقاية. الأشموني: 1/ 57. تنبيه: هذا، ولم يتكلم المصنف ولا الشارح عن الاسم المعرب، إذا أضيف إلى ياء المتكلم. واعلم أن الأصل في الاسم المعرب ألا تتصل به نون الوقاية، نحو ضاربي ومكرمي، وقد ألحقت نون الوقاية باسم الفاعل المضاف إلى ياء المتكلم في قوله صلى الله عليه وسلم: "فهل أنتم صادقوني؟ " وفي قول الشاعر: وليس الموافيني ليرفد خائبا ... فإن له أضعاف ما كان أملا ومنه قول الآخر: ألا فتى من بني ذبيان يحملني ... وليس حاملني إلا ابن حمال كما لحقت أفعل التفضيل في قوله صلى الله عليه وسلم: "غير الدجال أخوفني عليكم" لمشابهة أفعل التفضيل لفعل التعجب. ابن عقيل: 1/ 117، والأشموني: 1/ 57.

باب العلم

[باب العَلَم] : هذا باب العَلَم1: [العَلَم نوعان: جنسي وشخصي] . وهو نوعان: جنسي وسيأتي، وشخصي، وهو: اسم يعين مسماه تعيينا مطلقا2، فخرج بذكر التعيين النكرات3، وبذكر الإطلاق ما عدا العلم من المعارف، تعيينها لمسمياتها تعيين مقيد، ألا ترى أن ذا الألف واللام مثلا إنما تعين مسماه ما دامت فيه" "أل" فإذا فارقته فارقه التعيين، ونحو: "هذا" إنما يعين مسماه ما دام حاضرًا، وكذا الباقي. [اسم العلم ومسماه] : ومسماه نوعان: أولو العلم من المذكرين كجعفر4، والمؤنثات

_ 1 لفظ: "العَلَم" في اللغة مشترك لفظي بين عدة معانٍ، منها الجبل، قال الله تعالى: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلام} أي كالجبال، وقالت الخنساء ترثي أخاها صخرا: وإن صخرا لتأتم الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار ومنها الراية التي تجعل شعارا للدولة والجند، ومنها العلامة، ولعل المعنى الاصطلاحي مأخوذ من الأخير. 2 أي: غير مقيد بقرينة تكلم، أو إشارة حسية أو معنوية، أو زيادة لفظية كالصلة، أو غير ذلك من القرائن التى توضح مدلوله، وتحدد المراد منه، بل بمجرد الوضع والغلبة. 3 لأن النكرات تدل على شيء غير معين. كما أسلفنا في أول مبحث النكرة والمعرفة. فائدة: الموصول يعين مسماه بالصلة، والضمير: يعين مسماه بالتكلم أو الخطاب، أو الغيبة، والمضاف: يعين مسماه بالمضاف إليه. 4 أصل الجعفر: النهر عامة أو الصغير فوق الجدول أو الملآن، ثم سُمِّي به رجل معين.

كخرنِق1، وما يؤلف2: كالقبائل كقَرَن3، والبلاد كعَدَن، والخيل كلاحق4 والإبل كشذقم5، والبقر كعراء6، والغنم كهيلة7، والكلاب نحو واشق. [اسم العلم مرتجل ومنقول] : وينقسم إلى مرتجل8، وهو: ما استعمل من أول الأمر علما، كأدد9 لرجل، وسعاد لامرأة، ومنقول وهو الغالب، وهو: ما استعمل قبل العلمية لغيرها، ونقله إما من اسم إما لحدث كزيد وفضل، أو لعين كأسد وثور، وإما من وصف إما لفاعل كحارث وحسن، أو لمفعول كمنصور ومحمد، وإما من فعل إما ماضٍ كشمر10، أو مضارع كيشكر11، وإما من جملة إما فعلية كشاب قرناها12، أو اسمية كزيد منطلق، وليس بمسموع" ولكنهم قاسوه، وعن سيبويه.

_ 1 ولد الأرنب للذكر والأنثى، أو الفتي من الأرانب، ثم سميت به امرأة شاعرة هي أخت طرفه لأمه. 2 أي النوع الثاني من قسمي العلم: الأشياء الألفية من غير أولى العلم التي يكون للواحد منها علم خاص به. 3 اسم قبيلة من مراد؛ ينسب إليها: أويس القَرَني رضي الله عنه. 4 علم فرس؛ كان لمعاوية بن أبي سفيان. 5 اسم فحل من الإبل؛ كان للنعمان بن المنذر. 6 عرار كقطام؛ اسم بقرة كانت في وسط من بني إسرائيل. 7 علم لعنز؛ كانت لإحدى نساء العرب، ومن هذا النوع كل ما يتصل بحياة الناس وأعمالهم، وله اسم خاص به كأسماء المصانع والطائرات والكتب ... إلخ. 8 من الارتجال: وهو الابتكار والبدء بالشيء من غير سابقة، وهذا التقسيم للعلم من حيث وضعه وأصالته في العملية، أو عدم أصالته. 9 هو أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ بن حمير، أبو قبيلة باليمن. 10 علم لفرس، أو لرجل. 11 وقد يكون العلم منقولا عن فعل الأمر، فقد سمى العرب صحراء معينة "اصمت" وفيها يقول الراعي النميري: أشلى سلوقية باتت وبات لها ... بوحش "اصمِتَ" في أصلابها أوَدُ 12 علم على امرأة، ومثله: "فتح الله" عَلَم على رجل.

"الأعلام كلها منقولة، وعن الزجاج1: "كلها مرتجلة"2. [اسم العلم مفرد ومركب] : وينقسم أيضا إلى مفرد، كزيد وهند، وإلى مركب، وهو ثلاثة أنواع: 1- مركب إسنادي3، كـ "برق نحره" و"شاب قرناها" وهذا حكمه الحكاية، قال4: [مشطور الرجز] 38- نبئت أخوالي بني يزيد5

_ 1 الزجاج: أبو إسحاق، إبراهيم بن السري بن سهل، واشتهر بالزجاج؛ لِعمله في خراطة الزجاج. صاحب علم ودين، لزم المبرد، وأخذ عنه وعن ثعلب، له تصانيف كثيرة منها: مختصر في النحو، وشرح أبيات سيبويه، والنوادر، والاشتقاق، وكتاب ما ينصرف وما لا ينصرف ... وغيرها. مات ببغداد سنة 311هـ، له ثمانون سنة. البلغة: 5، أخبار النحويين البصريين: 108، بغية الوعاة: 1/ 411، معجم المؤلفين: 1/ 33، الأعلام: 1/ 33. 2 لأن المرتجل عنده هو: ما لم يتحقق عند وضعه قصد نقله من معنى سابق، وهذا القصد غير متحقق، وموافقة بعض الأعلام وصفا أو غيره مجرد اتفاق غير مقصود. 3 هو كل تركيب، أسندت وانضمت فيه كلمة إلى أخرى، على وجه يفيد حصول شيء أو عدم حصوله، ولا يكون ذلك إلا بجملة فعلية، أو اسمية. التصريح: 1/ 116. القائل: هو رؤبة بن العجاج وقد مرت ترجمته. 4 تخريج الشاهد: وبعد الشاهد قوله: ظلما علينا لهُمُ فديدُ والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 117، والأشموني "73/ 1/ 60"، ومجالس ثعلب: 212 وشرح المفصل: 1/ 28، والعيني: 1/ 388و 4/ 370، وخزانة الأدب: 1/ 130 واللسان "فدد"، ومغني اللبيب "1061/ 817"، وملحقات ديوان رؤبة. المفردات الغريبة: نبئت: أخبرت وأعلمت. فديد: صياح وجلبة. المعنى: يقول الشاعر: أخبرت أن أخوالي بني يزيد، يرفعون أصواتهم في جلبة وصياح؛ لظلمنا، والنيل منا بغير حق. الإعراب: نبئت فعل ماض مبني للمجهول، ونائب فاعل، والتاء: هي المفعول =

ومركب مزجي، وهو: كل كلمتين نزلت ثانيتهما منزلة تاء التأنيث مما قبلها، فحكم الأول أن يفتح آخره، كـ "بعلبك" و"حضرموت" إلا إن كان ياء فيسكن، كـ "معد يكرب" و"قالي قلا"1 وحكم الثاني أن يعرب بالضمة والفتحة، إلا إن كان كلمة "ويه" فيبنى على الكسر، كـ "سيبويه" و"عمرويه".

_ = الأول أصلا تحولت إلى نائب فاعل لبناء الفعل للمجهول. أخوالي: مفعول ثانٍ منصوب، والياء: مضاف إليه. بني: بدل من أخوالي، أو عطف بيان عليه، يزيد مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة المقدرة على آخره، منع من ظهورها حركة الحكاية. ظلما: مفعول لأجله، والعامل فيه محذوف، والتقدير: "يصيحون لأجل الظلم". "علينا" متعلق بذلك المحذوف. "لهم" متعلق بخبر محذوف مقدم. فديد: مبتدأ مؤخر، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب مفعول به ثالثا. موطن الشاهد: "يزيد". وجه الاستشهاد: مجيء "يزيد" مسمى به، مرفوعا على الحكاية؛ لأن القوافي كلها مرفوعة، وهو منقول من جملة، وفيه ضمير هو الفاعل، وإنما قدر من نقله من الفعل والفاعل، لا من الفعل وحده؛ لأننا لو قدرناه من الفعل وحده، لأعرب إعراب ما لا ينصرف للعلمية، ووزن الفعل، ولجُرَّ بالفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه مضاف إليه، ومن عادة العرب إذا نقلوا من الفعل وفاعله، أن يبقوا الفعل على لفظه الذي كان عليه قبل النقل، فإن كان ماضيا، ظل مبنيا على الفتح، وإن كان مضارعا ظل مرفوعا كما في الشاهد. انظر شرح التصريح: 1/ 117 وما بعدها. فائدة: تسمي العرب الأشخاص بالجمل الفعلية كثيرا، كتسميتهم "تأبط شرا" و"برق نحره" و"شاب قرناها" و"يتلمظان"، و"جد ثدياها"، و"بني يشتهي" وسوى ذلك. قال الشاعر: كذبتم وبيت الله لا تنكحونها ... بني شاب قرناها تصر وتحلب وقال آخر: إذا ما قيل: أي الناس شر؟ ... فشرهم بنو يتلمظانِ ومن ذلك أيضا: أعير بني يَدِبُّ إذا تعشى ... وعير بني يهرُّ على العشاء ولم تسم العرب بالجملة الاسمية، غير أن النحاة قاسوا الاسمية على الفعلية؛ لِاشتراكهما جميعا في الجملة، فأطلقوا القول إطلاقا بأن العلم إذا كان منقولا عن جملة حكى على ما كان قبل النقل. انظر حاشية الصبان: 1/ 131. 1 اسم بلد بالشام.

3- ومركب إضافي1، وهو الغالب، وهو: كل اسمين نزل ثانيهما منزلة التنوين مما قبله، كـ "عبد الله" و"أبي قحافة" وحكمه أن يجري الأول بحسب العوامل الثلاثة رفعا ونصبا وجرا، ويجر الثاني بالإضافة. [انقسام اسم العلم إلى اسم وكنية ولقب] : وينقسم أيضا إلى اسم، وكنية، ولقب2: فالكنية: كل مركب إضافي في صدره أب أو أم، كأبي بكر، وأم كلثوم. واللقب: كل ما أشعر برفعة المسمى أو ضعته، كزين العابدين وأنف الناقة3. والاسم ما عداهما، وهو الغالب، كزيد وعمرو. [تأخر اللقب عن الاسم] : ويؤخر اللقب عن الاسم، كـ "زيد زين العابدين" وربما يقدم كقوله4: [الوافر]

_ 1 سمّي بذلك؛ لأن الأكثر فيه أن يكون بالكنى وهي مضافة. 2 ظاهر كلام المؤلف أن هذه الأقسام، بهذه المعاني التي ذكرها متباينة، والحقيقة غير ذلك؛ فمثلا: محمد ومحمود ومرتضى ... تدل على المدح مع أنها أسماء، وأبو الخير، وأم بركة ... تدل على المدح مع أنها كنى حسب تعريفه، والأحسن من هذا، أن نقول: ما سمَّى الوالدان ولدهما به أول الأمر، فهو اسم، سواء أكان دالا على مدح، أو ذم أو كان مصدرا بأب أو بأم أو لا، فقد يسمِّي الوالدان ولدهما ساعة يولد بأبي اليسر، فهو اسم وإن صدر بأب، ومثله زين العابدين، فهو اسم، وإن أشعر بمدح، ثم ما يطلق بعد ذلك على صاحب الاسم، إن صدر بأب، أو أم، فهو كنية، وإلا فهو لقب، ولا بد في هذه الحال من أن يشعر بمدح أو بذم. أوضح المسالك: 1/ 26، حا: 1. 3 هو لقب جعفر بن قريع: وهو أبو بطن من سعد بن زيد بن مناة. 4 القائل هو: أوس بن الصامت بن قيس بن أصرم، أخو الصحابي الجليل عبادة بن الصامت رضي الله عنهما، شاعر خزرجي أنصاري، له صحبة، شهد بدرا، والمشاهد كلها، وقد كان منه أول ظهار في الإسلام.

39- أنا ابن مُزَيْقِيَا عمرٍو، وجدِّي1 [لا ترتيب بين الكنية وغيرها] : ولا ترتيب بين الكنية وغيرها، قال2: [مشطور الرجز] .

_ 1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: أبوهُ منذرٌ ماءُ السماءِ وهو من شواهد التصريح 1/ 121، والأشموني "66/ 1/ 58"، والعيني: 1/ 391 خزانة الأدب 1/ 229 عرضًا. المفردات الغريبة: مزيقيا: لقب عمرو بن مالك، أحد ملوك اليمن، ومن أجداد أوس، وجد الأنصار قيل لقب بذلك؛ لأنه كان يلبس كل يوم حلتين، فإذا أمسى مزقهما كراهية أن يلبسهما ثانية وأن يلبسهما غيره. منذر ماء السماء: هو منذر بن امرئ القيس بن النعمان مالك الحيرة، أحد أجداد أوس لأمه، ولقب بماء السماء؛ لحسنه، أو هو لقب لأمه فاشتهر به. شرح التصريح: 1/ 121، وحاشية الصبان: 1/ 128. المعنى: يفخر الشاعر بأنه كريم الطرفين، نسيب الجهتين، لأبيه، وأمه. فائدة: ذكر أهل النقل أن أم المنذر، كان يقال لها: ماء السماء؛ لِحسنها، واشتهر المنذر بأمه، فقيل له: المنذر ابن ماء السماء، واسم أمه: مارية بنت عوف بن جشم. شرح العيني بذيل حاشية الصبان: 1/ 128. الإعراب: أنا: مبتدأ. ابن: خبر. مزيقيا: مضاف إليه. عمرو: بدل منه، أو عطف بيان. وجدي: الواو: عاطفة، جدي: مبتدأ أول ومضاف إليه. أبوه: مبتدأ ثان أو مضاف إليه منذر: خبر المبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني والخبر" في محل رفع خبر المبتدأ الأول "جدي" ماء: بدل أو عطف بيان على منذر" السماء: مضاف إليه، ويمكن أن نعرب: "أبوه" بدلا من المبتدأ الذي هو قوله "جدي"، الضمير مضاف إليه، ولا يعود الضمير على الجد وإنما على مزيقيا، وهذا أفضل من الأول، ويكون المعنى: إن أبي، هو عمرو الملقب بمزيقيا، وإن جدي -أبا عمرو هذا- هو عامر بن ماء السماء. موطن الشاهد: "مزيقيا عمرو". وجه الاستشهاد: تقدم اللقب "مزيقيا" على الاسم، وحكم تقدم اللقب" على الاسم جائز، غير أنه خلاف القياس المطرد. 2 هو عبد الله بن كيبسة: نسبة إلى أمه وقيل اسمه عمرو، وهو أحد المخضرمين الذين أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يروه، له قصة مع أبي موسى الأشعري، في فتح تستر. خزانة الأدب: 5/ 156-157.

40- أقسم بالله أبو حفص عمر1 وقال حسان2: [الطويل]

_ 1 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز المشطور وبعده قوله: ما مسها من نقب ولا دبر ... فاغفر له اللهم إن كان فجر وهو لهذا الأعرابي الذي وفد على سيدنا عمر بن الخطاب ومعه ناقة عجفاء دبراء نقباء، وطلب منه أن يحمله على ناقة تبلغه أهله، فرده وقال له: ما أرى بناقتك من نقب ولا دبر. فمضى إلى ناقته، وهو يقول هذه الأبيات، فناداه سيدنا عمر، وأعطاه ما طلب. والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 121، وابن عقيل "292/ 3/ 219"، والأشموني "68/ 1/ 59" وشرح المفصل: 3/ 71، وخزانة الأدب: 2/ 151، 162، 283، وشرح العيني: 1/ 392و 4/ 115 ومعاهد التنصيص: 1/ 94، وشذور الذهب "229/ 564، 435"، والمخصص لابن سيده: 1/ 113. المفردات الغريبة: أبو حفص: كنية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، والحفص: الأسد، وكني بذلك؛ لشجاعته وجرأته، وقيل: بحفصة أم المؤمنين وزوج الرسول صلى الله عليه وسلم. نقب -بفتح النون والقاف: هو رقة أخفاف البعير. دبر -بفتح الدال والباء: هو الجرح الذي يكون في ظهر البعير. المعنى: يبين هذا الأعرابي أن سيدنا عمر، حلف بالله، أن ناقته لم يصبها حقي، ولا حدثت بها قروح في ظهرها، ثم يطلب إلى الله له المغفرة والعفو، إن كان قد حنث في يمينه؛ لأنه على ثقة، من أن ناقته دبراء نقباء. الإعراب: أقسم: فعل ماضٍ. "بالله" متعلق بـ "أقسم". أبو: فاعل أقسم مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه من الأسماء الستة. حفص: مضاف إليه. عمر: بدل، أو عطف بيان من "أبي حفص" مرفوع، وسكن؛ لِضرورة الوقف. موطن الشاهد: "أبو حفص عمر". وجه الاستشهاد: تقدم الكنية "أبو حفص" على "عمر" وحكم تقدم الكنية على الاسم، جائز باتفاق، كما يجوز تقدم الاسم عليها، وتقدم الكنية على اللقب أولى، فتقول: هذا أبو حفص الفاروق، هذا الفاروق أبو حفص باتفاق. 2 هو حسان بن ثابت بن المنذر الأنصاري، أبو الوليد، شاعر فحل جاهلي إسلامي، عاش في الجاهلية 60 عاما وفي الإسلام مثلها، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم وشاعره، سقط شعره في الإسلام بعد أن كان فحلا من فحول الجاهلية؛ وذلك لأن الشعر نكد بابه الشر. مات في خلافة معاوية بعد أن عمى في آخر حياته. وذلك سنة 54هـ. الشعر والشعراء: 1/ 305-308، الخزانة: 1/ 108، الأغاني: 4/ 2، اللآلي: 171، الجمحي: 1/ 52.

41- وما اهتز عرش الله من أجل هالكٍ ... سمعنا به إلا لسعد أبي عمرو1 [تأخر اللقب عن الكنية] : وفي نسخة من الخلاصة2 ما يقتضي أن اللقب يجب تأخيره عن الكنية، كـ "أبى عبد الله أنف الناقة" وليس كذلك.

_ 1 تخريج الشاهد: قال صاحب الاستيعاب؛ أبو عمر يوسف بن عبد البر، في ترجمة الصحابي سعد بن معاذ: هذا بيت لرجل من الأنصار، غير معين "ويظهر لي أن الكلام في نسبة البيت كان: قال الأنصاري، فزاد المتأخرون اسم حسان لاشتهاره بهذه النسبة" أوضح المسالك: 1/ 129. والبيت في رثاء سعد بن معاذ الأنصاري سيد الأوس رضي الله عنه. وهو من شواهد: التصريح: 1/ 121، والأشموني "69/ 1/ 59"، والعيني: 1/ 393 وليس في ديوان حسان بن ثابت الأنصاري. المفردات الغريبة: اهتز: تحرك، عرش الله: هذه الكلمة مأخوذة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اهتز العرش لموت سعد بن معاذ" وهو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس سيد الخزرج، وكان قد أصيب يوم الخندق بسهم في أكحله، فكان سببا في وفاته، رحمه الله. المعنى: لقد بلغ سعد من السمو والدرجة الرفيعة، أن عرش الرحمن اهتز لموته؛ وهذا لم نسمعه لهالكٍ غيره. الإعراب: ما: نافية. اهتز: فعل ماضٍ. عرش: فاعل الله: مضاف إليه. "من أجل": متعلق بـ "اهتز" هالك: مضاف إليه. سمعنا: فعل وفاعل. "به" متعلق بـ "سمع": و"الجملة" في محل جر صفة، لهالك إلا: أداة حصر. "لسعد": متعلق بـ "اهتز" أبي: بدل أو أو عطف بيان لـ "سعد" عمرو: مضاف إليه. موطن الشاهد: "لسعد أبي عمرو". وجه الاستشهاد: تقدم الاسم "سعد" على الكنية "أبي عمرو"، وحكم هذا التقدم جائز باتفاق، كما أسلفنا. 2 فقد روت هذه النسخة بيت ابن مالك، كما قدمناه "وأخِّرَنْ ذا إن سواه صحبا" والمراد بـ "ذا" اللقب، والضمير في سواه، يعود إلى اللقب أيضا، ويراد بما سواه: الاسم والكنية، وهذا ما يعترض عليه المصنف. أما النسخة الأخرى، ففيها "وأخران ذا إن سواها صحبا"، وهذا يتماشى مع رأي المصنف، وهو المشهور الذي عليه الجمهور. التصريح: 1/ 121-122.

ثم إن كان اللقب وما قبله مضافين، كـ "عبد الله زين العابدين" أو كان الأول مفردا والثاني مضافا، كـ "زيد زين العابدين" أو كانا بالعكس، كـ "عبد الله كرز". أتبعت الثاني للأول: إما بَدَلا، أو عطف بيان، أو قطعته عن التبعية: إما برفعه خبرا لمبتدأ محذوف، أو بنصبه مفعولا لفعل محذوف، وإن كانا مفردين، كـ "سعيد كرز" جاز ذلك ووجه آخر، وهو إضافة الأول إلى الثاني1، وجمهور البصريين يوجب هذا الوجه، ويرده النظر، وقولهم: "هذا بَحْيَى عينان"2. [العَلَم الجنسي اسم يعين مسماه بغير قيد] : والعلم الجنسي اسم يعين مسماه بغير قيد تعيين ذي الأداة الجنسية أو الحضورية، تقول: "أسامة أجرأ من ثعالة"، فيكون بمنزلة قولك: "الأسد أجرأ من

_ 1 تجويز الإضافة مع انتفاء المانع، هو قول الكوفيين والزجاج، وهو الصحيح بشرط ألا يوجد ما يمنعها، كأن يكون الاسم مقرونا بأل، نحو: "الحارث قفة" و"الفضل كنزة" أو أن يكون اللقب مقرونا بأل، نحو: "هارون الرشيد" و"محمد الأمين" والثاني: أن الإتْباع أقيس، والإضافة أكثر في الاستعمال. التصريح: 1/ 22-123. 2 قيل: هذا الرجل اسمه يحيى ولقبه عينان؛ لِضخامة عينيه، وعلى هذا، فـ "يحيى": خبر المبتدأ: هذا؟ و"عينان": بدل، ولو أضيف، لقيل: "عينيه"، والبصريون يجيبون عن هذا: بأنه أي عينان على لغة من يُلزمون المثنى الألف. وقد رد المصنف هذا الوجه مع إجازته، وقد اختاره الناظم، حيث قال مبينا الإعراب في المركب الإضافي: وإن يكونا مفردين فأضف ... حتما، وإلا أتبع الذي ردف ومعنى هذا، أن اللقب وما قبله، إذا كانا مفردين، وجب إعرابهما إعراب المتضايفين، فيكون الأول منهما معربا بحسب العوامل، والثاني مضافا إليه، وأما إن كانا غير مفردين، أي: إن جاءا مركبين تركيب إضافة، أو كان الأول مركبا، والثاني مفردا، أو العكس، فيعرب الأول بحسب حاجة العامل، ويعرب الثاني الذي ردفه جاء بعده تابعا له في حركة إعرابه، فيكون بدلا، أو عطف بيان.... كما في المتن. انظر شرح التصريح: 1/ 123، وحاشية الصبان: 1/ 130.

الثعلب" و"أل" في هذين للجنس، وتقول: "هذا أسامة مقبلا"، فيكون بمنزلة قولك: "هذا الأسد مقبلا" و"أل" في هذا لتعريف الحضور، وهذا العلم يشبه علم الشخص من جهة الأحكام اللفظية، فإنه يمتنع من "أل" ومن الإضافة، ومن الصرف إن كان ذا سبب آخر، كالتأنيث في: "أسامة" و"ثعالة"، وكوزن الفعل في: "بنات أوبر" و"ابن آوى" ويبتدأ به، ويأتي الحال منه، كما تقدم في المثالين1، ويشبه النكرة من جهة المعنى؛ لأنه شائع في أمته لا يختص به واحد دون آخر. [مسمى علم الجنس ثلاثة أنواع] : ومسمى علم الجنس ثلاثة أنواع: أحدها: وهو الغالب: أعيان لا تؤلف، كالسباع والحشرات كأسامة، وثعالة، وأبي جعدة للذئب، وأم عريط للعقرب. والثاني: أعيان تؤلف، كهيان بن بيان للمجهول العين والنسب، وأبي المضاء للفرس، وأبي الدغفاء للأحمق. والثالث: أعيان تؤلف، كهيان بن بيان للمجهول العين والنسب، وأبي المضاء للفرس، وأبي الدغفاء للأحمق. والثالث: أمور معنوية، كسبحان للتسبيح، وكيسان للغدر2، ويسار للميسرة3، وفجار للفجرة، وبرة للمبرة4.

_ 1 المثالان المتقدمان، أحدهما: "أسامة أجرأ من ثعالة" وقد وقع فيه علم الجنس مبتدأ والثاني: "هذا أسامة مقبلا" وقد جاء فيه الحال من علم الجنس. 2 ومن ذلك قول ضمرة بن ضمرة: إذا ما دعوا كيسان كانت كهولُهم ... إلى الغدر أسعى من شبابهم المُرْدِ 3 ومن ذلك قول الشاعر: فقلت امكثي حتى يسار لعلنا ... نحج معا، قالت: وعاما وقابله 4 قد ورد برة وفجار معا في قول النابغة الذبياني: إنا اقتسمنا خطتينا بيننا ... فحملت بُرةَ واحتملت فَجَارِ انظر حاشية الصبان: 1/ 137.

باب اسم الإشارة

[باب اسم الإشارة] : هذا باب أسماء الإشارة: [ألفاظ الإشارة] : والمشار إليه إما واحد، أو اثنان، أو جماعة، وكل واحد منها إما مذكر وإما مؤنث، فللمفرد المذكر "ذا"1، وللمفرد المؤنث عشرة، وهي: ذي، وتي، وذه، وته، وذه، وته، وذه، وته وذات، وتا، وللمثنى ذان، وتان رفعا، وذين وتين جرا ونصبا، ونحو: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَان} 2، مؤول3، ولجمعهما: "أولاء" ممدودا

_ 1 ويضاف: إلى "ذا" "ذاء" بهمزة مكسورة بعد الألف "وذانه" بهاء مكسورة بعد الهمزة المكسورة و"ذاؤه" بهاء مضمومة بعد همزة مضمومة، قال الراجز: هذاؤه الدفتر خير دفتر ... في كف قرم ماجد مصور يروي بكسر الهاء وضمها، وفي كتاب أبي الحسن الهيثم، إنما حركت الهاء فيهما للضرورة، والأصل فيهما ذاء وألفه أصلية عند البصريين لا زائدة، خلافا للكوفيين، وهو ثلاثي الأصل، حذفت لامه على الأصح، لا عينه، وعينه مفتوحة لا ساكنة على الأصح، و"آلك" بهمزة ممدودة بعدها لام ثم كاف. شرح التصريح: 1/ 126، وحاشية الصبان: 1/ 138. 2 "20" سورة، طه، الآية: 63. موطن الشاهد: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "هذان" على هيئة الرفع، والظاهر يقتضي أن تكون "هذين" غير أن للنحاة آراء في هذه المسألة، كما أوضحنا في التأويل التالي. 3 وتأويله إما على حذف اسم إن ضمير شأن على حد إن يك زيد مأخوذ واللام داخلة على مبتدأ محذوف، والأصل: إنه هذان لهما ساحران، أو على أن، "إن" بمعنى: نعم، وهي لا تعمل شيئا؛ لأنها حرف تصديق، فلا اسم لها ولا خيرا، أو على أنه جاء على لغة خثعم، فإنهم لا يقلبون ألف المثنى ياء في حالتي النصب والجر وعلى أن الألف الموجودة ألف المفرد، وألف التثنية، حذفت؛ لِاجتماع الألفين، وألف المفرد، لا تقلب ياء، أو على أنه جيء به على أول أحواله، وهو الرفع، كما في "اثنان" قبل التركيب، أو على أن "إن" نافية بمعنى ما واللام بمعنى إلا الإيجابية كما يقول به الكوفيون، أو على أنه مبني؛ لِدلالته على معنى الإشارة، واختاره ابن الحاجب. شرح التصريح: 1/ 127.

عند الحجازيين ومقصورا عند تميم1 ويقل مجيئه لغير العقلاء كقوله: [الكامل] 42- والعيش بعد أولئك الأيام2

_ 1 وقيس، وربيعة، وأسد، ذكر ذلك الفراء في لغات القرآن، ولم يخصه بتميم. 2 القائل هو جرير بن عطية الخطفي، وقد مرت ترجمته. تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: ذم المنازل بعد منزلة اللوى وهو من قصيدة مطلعها: سرت الهموم فبتن غير نيامِ ... وأخو الهموم يروم كل مرامِ والبيت الشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 128، وابن عقيل: "23/ 1/ 132" والأشموني: "77/ 1/ 63"، والمقتضب للمبرد: 1/ 185، وشرح المفصل: 3/ 126، 333، 4/ 36، وخزانة الأدب: 2/ 467، والعيني: 1/ 408، وشرح شواهد الشافية للبغدادي: 167، وديوان جرير برواية الأقوام. المفردات الغريبة: المنازل: جمع منزل أول منزلة وهي مكان النزول. اللوى مكان في بني سليم، كان معدا للحكومة، وكانت فيه موقعة، كان الظفر فيها لبني ثعلبة، على بني يربوع. المعنى: يطلب الشاعر إلى مخاطبه، أن يذم جميع الأماكن بعد مفارقة هذا المكان، وأن يذم كذلك الحياة بعد تلك الأيام الماضية، التي قضاها في ذلك الموضع. الإعراب: ذم: فعل أمر، ويجوز تحريكه بالحركات الثلاث، فإن حُرك بالفتح، فطلبا للتخفيف، وإن حرك بالضم، فلاتِّباع آخره لأوله، وإن حرك بالكسر، فعلى ما هو الأصل في التخلص من التقاء الساكنين. والفاعل: أنت، المنازل: مفعول به. اللوى: مضاف إليه. والعيش: الواو عاطفة. العيش: اسم معطوف على المنازل منصوب مثله. "بعد" متعلق بـ "ذم"، أو بمحذوف حال من "المنازل" أولئك: مضاف إليه، مبني على الكسر، في محل جر؛ لأن اسم إشارة، والكاف للخطاب، الأيام: بدل أو عطف بيان، أو صفة لاسم الإشارة، والمشهور أن الاسم المعرف بعد الإشارة، يعرب بدلا من اسم الإشارة، وهو الأفضل. موطن الشاهد: "أولئك الأيام".

[الإشارة إلى البعيد] : وإذا كان المشار إليه بعيدا لحقته كاف حرفية تتصرف تصرف الكاف الاسمية غالبا، ومن غير الغالب: {ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُم} 1، ولك أن تزيد قبلها لاما2،

_ = وجه الاستشهاد: أشير إلى الأيام بـ "أولئك" على هذه الرواية والأيام: جمع لغير العقلاء، فدل ذلك، على أنه، يجوز الإشارة بـ "أولئك" لغير العقلاء، وحكم ذلك قليل ونادر، غير أنه جاء في التنزيل: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} . وأما بالنسبة إلى الشاهد، ففيه رواية أخرى، ذكرها ابن هشام، وهي: "والعيش بعد أولئك الأقوام" وحينئذ، فلا شاهد في البيت، وزعم ابن عطية أن هذه الرواية هي الصواب، وأن الطبري غلط إذ أنشده الأيام وأن الزجاج اتبعه في هذا الغلط". ورواية "النقائض" لمحمد بن حبيب "الأقوام"، وهذا، ما يؤيد كلام ابن عطية. انظر حاشية الصبان على الأشموني: 1/ 139، وشرح التصريح: 1/ 128. 1 58 سورة المجادلة، الآية: 12. موطن الشاهد: {ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ} . وجه الاستشهاد: التحاق "الكاف" في "ذا" لكون المشار إليه بعيدا؛ لأن أسماء الإشارة، لا تضاف، وهذه الكاف، تتصرف تصرف الكاف الاسمية؛ لِيتبين بها أحوال المخاطب من الإفراد، والتثنية، والجمع، والتذكير، والتأنيث، كما يتبين بها، لو كانت اسما، فتفتح للمخاطب، وتكسر للمخاطبة انظر شرح التصريح: 1/ 128. 2 قالوا في المفرد المذكر: "ذلك" وشاهده، قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيه} وفي المفردة المؤنثة: تلك، وشاهده قوله تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيم} ، وقالوا: "تالك" بزيادة لام وكاف اسم الإشارة الموضوع لكل منهما، وشاهده قول القطامي: تعلم أن بعد الغي رشدا ... وأن لتالك الغمر انقشاعا وأصل لام البعد هذه أن تكون ساكنة، فلما قالوا: "ذلك" التقى ساكنان، الألف اسم الإشارة واللام، فكسروا اللام للتخلص من التقاء الساكنين، وكانت الحركة هي الكسرة؛ لأنها الأصل في التخلص من التقاء الساكنين ولما قالوا "تيلك" اجتمع الساكنان" فحذفوا الياء؛ للتخلص منهما، ولأن الكسرة التي قبلها تدل عليها شرح التصريح: 1/ 128.

إلا في التثنية مطلقا، وفي الجمع في لغة من مده1، وفيما سبقته "ها" وبنو تميم لا يأتون باللام مطلقا2. [الإشارة إلى المكان] : ويشار إلى المكان القريب3 بهنا أو هاهنا، نحو: {إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} 4، وللبعيد بهناك أو ههناك أو هنالك أو هنا أو هنا أو هنت أو ثم، نحو: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِين} 5.

_ 1 وهم الحجازيون، وفي لغة بعض من قصره، وهم التميميّون. 2 لا في مفرد، ولا في مثنى، ولا في جمع، حكاه الفراء عنهم، وتقيد الجمع بلغة من مده احترازا من لغة من يقصره غير التميميين، كقيس وربيعة، وأسعد، وأسد، فإنهم يأتون باللام، قال شاعرهم: أولالك قومي لم يكونوا أُشابة ... وهل يعظ الضليل إلا أولالكا والأشابة بضم الهمزة: الأخلاط من الناس، يريد أن قومه من أب واحد. شرح التصريح: 1/ 129، وانظر حاشية الصبان: 1/ 140-142. 3 هذا يعني أن هذه الألفاظ لا يشار بها إلا إلى المكان، في حين أن الألفاظ السابقة، يشار بها إلى المكان، وإلى غير المكان، تقول: هذا المكان طيب الهواء، وهذه الأمكنة فسيحة الأرجاء. 4 "5" سورة المائدة، الآية: 24. موطن الشاهد: "ههنا". وجه الاستشهاد: مجيء اسم الإشارة "هنا" دالا على المكان القريب، و"الهاء" للتنبيه. 5 "26" سورة الشعراء، الآية: 64. موطن الشاهد: "ثم". وجه الاستشهاد: مجيء "ثم" اسم إشارة دالا على البعيد.

باب الموصول

[باب الموصول] : هذا باب الموصول: الموصول ضربان: وهو ضربان: حرفي، واسمي: فالحرفي: كل حرف أُوِّل مع صلته بمصدر، وهو ستة: أن، وأن، وما، وكي، ولو، والذي1، نحو: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا} 2، {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُم} 3، {بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَاب} 4، {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} 5، {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ

_ 1 هذا رأي، ليونس بن حبيب، كما ذكره الفارسي في الشيرازيات والصحيح: أن "الذي" موصول اسمي؛ لِدخول "أل" عليه. شرح التصريح: 1/ 130. 2 "29" سورة العنكبوت، الآية: 51. موطن الشاهد: {أَنَّا} . وجه الاستشهاد: مجيء "أن" حرفا مصدريا، وهو مشبه بالفعل، و"نا" اسمه، وجملة "أنزلنا" خبره، و"هو وما دخل عليه": مؤول بمصدر في محل رفع فاعل لـ "يكفي"؛ لأن الحرف المصدري يؤول مع صلته بمصدر. 3 "2" سورة البقرة، الآية: 184. موطن الشاهد: {أَنْ تَصُومُوا} . وجه الاستشهاد: مجيء "أن" حرفا مصدريا ناصبا للفعل المضارع، وأن وما دخل عليه، يؤول بمصدر مرفوع، والتقدير: وصيامكم خير لكم. 4 "38" سورة ص، الآية: 26. موطن الشاهد: {بِمَا نَسُوْا} . وجه الاستشهاد: مجيء "ما" حرفا مصدريا، وهو يؤول مع صلته بمصدر مجرور، والتقدير بنسيانكم يوم الحساب. 5 "33" سورة الأحزاب، الآية: 37. موطن الشاهد: {لِكَيْلَا يَكُونَ} .

لَوْ يُعَمَّر} 1، {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} 2. [الموصول الاسمى ضربان] : والاسمى3 ضربان: نص، ومشترك4. فالنص ثمانية: منها للمفرد المذكر "الذي" للعالم وغيره، نحوه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ

_ 1 "2" سورة البقرة، الآية: 96. موطن الشاهد: {كَالَّذِي خَاضُوا} . وجه الاستشهاد: مجيء "الذي" موصولا حرفيا على ما حكاه الفارسي عن يونس بن حبيب، وهو على هذا يؤوَّل مع ما بعده بمصدر مجرور بـ "الكاف، والتقدير: كالخوص، ودليل يونس ومن معه على هذا، هو كون "الذي" مفردا، وما بعده جمعا، فلو كان موصولا اسميا، لقيل، كالذي خاض، أو لقيل: كالذين خاضوا. وأجيب عن ذلك، بأن "الذي" اسم موصول صفة لموصوف محذوف، والتقدير: خضتم خوضا كالخوص الذي خاضوا، وحذف العائد، الضمير المنصوب بـ "خاضوا"؛ لأن التقدير: خاضوه، أو أن "الذي" اسم موصول للجمع، وأصله "الذين" لحذفت النون، كما حذفت في قول الأشهب بن رميلة: وإن الذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد فأراد الذين حانت، فحذف النون. أو أن "الذي" مشترك بين المفرد والجمع على قول الأخفش. انظر شرح التصريح: 1/ 130-131. 3 الموصول الاسمى: هو الاسم المبهم، الذي يحتاج في توضيحه، وتعين المراد منه إلى شيء يتصل به، يسمى الصلة وهي مشتملة على ضمير أو شبهة يربطها به، يسمى العائد 4 النص: هو ما كان نصا في الدلالة على بعض الأنواع، ومقصورا عليها، لا يتعداها. والمشترك: هو الذي، لا يقتصر على بعض الأنواع، بل يصلح لها جميعا.

الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَه} 1، {هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} 2، وللمفرد المؤنث: "التي" للعاقلة وغيرها، نحو: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} 3، {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} 6، ولتثنيتهما: "اللذان" و"اللتان" رفعا، و"اللذين" و"اللتين" جرا ونصبا، وكان القياس في تثنيتهما وتثنية: "ذا" و"تا" أن يقال: اللذيان واللتيان وذيان وتيان، كما يقال القاضيان، بإثبات الياء، وفتيان، بقلب الألف ياء، ولكنهم فرقوا بين تثنية المبني والمعرب، فحذفوا الآخر، كما فرقوا في التصغير، إذ قالوا: اللذيان واللتيا وذيا وتيا، فأبقوا الأول على فتحه، وزادوا ألفا في الآخر عوضا عن ضمة التصغير، وتميم وقيس تشدد النون فيهما تعويضا من المحذوف أو تأكيدا للفرق، ولا يختص ذلك بحالة الرفع خلافا للبصريين؛ لأنه قد قريء في السبع: {رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْن} 5،

_ 1 "39" سورة الزمر، الآية: 74. موطن الشاهد: {الَّذِيْ} . وجه الاستشهاد: مجيء "الذي" اسما موصولا دالا على العاقل. 2 "21" سورة الأنبياء، الآية: 103. موطن الشاهد: {يَوْمُكُمُ الَّذِيْ} . وجه الاستشهاد: مجيء "الذي" اسما موصولا دالا على غير العاقل، وحكم مجيئه دالا على غير العاقل الجواز بكثرة. 3 "58" سورة المجادلة، الآية: 1. موطن الشاهد: {الَّتِي تُجَادِلُكَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "التي" اسما موصولا، دالا على المفرد المؤنث العاقل، وحكم مجيئه دالا على المفرد المؤنث العاقل الجواز بكثرة. 4 "2" سورة البقرة، الآية: 142. موطن الشاهد: {قِبْلَتَهُمُ الَّتِيْ} . وجه الاستشهاد: مجيء "التي" اسما موصولا، دالا على المفرد المؤنث غير العاقل الجواز بكثرة. 5 "41" سورة فصلت، الآية: 29. موطن الشاهد: {أَرِنَا اللَّذَيْنِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "اللذين" مشددة النون -على لغة تميم وقيس- تعويضا من المحذوف عنهما، وهو الياء، في الذي والتي والألف في ذواتا، أو تأكيدا للفرق بين تثنية المبني والمعرب. انظر شرح التصريح: 1/ 132.

"إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِّ"1، بالتشديد، كما قرئ: {وَاللَّذَانِّ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} 2. {فَذَانِّكَ بُرْهَانَانِ} 3، وبلحرث بن كعب وبعض ربيعة يحذفون نون اللذان واللتان، قال4: [الكامل] 43- أبني كليب إن عمي اللذا5

_ 1 "28" سورة القصص، الآية: 27. موطن الشاهد: {ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "هاتين" اسما موصولا على لغة تميم وقيس، كما في الآية السابقة، وفي مجيء التشديد في حالة النصب مع "اللذين وهاتين" دليل على صحة مذهب الكوفيين، الذين جوزوا التشديد، في الحالات كلها، خلافا للبصريين، كما في المتن. 2 "4" سورة النساء، الآية: 16. موطن الشاهد: {وَاللَّذَانِّ} . وجه الاستشهاد: مجيء "اللذان" اسما موصولا مشددا في حالة الرفع، وهذا جائز باتفاق. 3 "28" سورة القصص، الآية: 32. موطن الشاهد: {فَذَانِّكَ بُرْهَانَانِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "ذانك" اسم إشارة مشددا على تلك القراءة يرجع مجيء "اللذان" مشددا؛ لأن تجويز أحدهما، ومنع الآخر تحكم. انظر شرح التصريح: 1/ 132. 4 الأخطل التغلبي: وهو أبو مالك، غياث بن غوث التغلبي، والأخطل لقبه، ويعني السفيه، وهو نصراني، ومن المتقدمين في الشعر مع جرير والفرزدق، وأشبههم بالنابغة، وأنعتهم للحمر والخمر، قدمه الكثير على صاحبيه، وكان بينه وبينهما مفاخرة وهجاء، مات سنة 90هـ. الشعر والشعراء: 1/ 483، وتجريد الأغاني: 3/ 378- 389. 5 تخريج الشاهد: البيت من كلمة للأخطل، يهجو فيها جريرا، وهذا صدر بيت وعجزه قوله: قتلا الملوك وفككا الأغلالا هذا، وقد نسب بعضهم هذا البيت إلى الفرزدق، والصواب ما ذكرنا. والبيت من شواهد التصريح: 1/ 132، وكتاب سيبويه: 1/ 95، والمقتضب: 4/ 146 والمحتسب: 1/ 185، والمصنف لابن جني: 1/ 67، وأمالي ابن الشجري: =

وقال1: [مشطور الرجز] . 44- هما اللتا لو ولدت تميم2

_ = 2/ 306، وشرح المفصل: 3/ 154، 155 والعيني: 1/ 324، والخزانة: 2/ 499، 3/ 473. المفردات الغريبة: بني كليب: يراد بهم قوم جرير، وكليب أبو القبيلة، وهو كليب بن يربوع. عمي: مثنى، والمراد بهما: أبو حنش بن النعمان، قاتل شرحبيل بن الحارث بن عمرو، المعروف بآكل المرار "والمرار" شجر مر إذا أكلته الإبل قلصت عنه مشافرها"، وعمرو بن كلثوم التغلبي، قاتل عمرو بن هند. الأغلال: جمع غل وهو حديدة، تجعل في عنق الأسير. المعنى: يفخر الشاعر على جرير بقومه، ويقول: إن قومه ذوو بأس وشجاعة وإن عميه قتلا ملكين عظيمين، وخلصا الأسرى من أغلالهم. الإعراب: أبني: الهمزة حرف نداء. بني: منادى مضاف منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. كليب: مضاف إليه. إن: حرف مشبه بالفعل. عمي: اسم إن منصوب وعلامة نصبه الياء؛ لأنه مثنى، وياء المتكلم المدغمة فيها، في محل جر بالإضافة. اللذان خبر "إن" مبني على الألف في محل رفع. قتلا: فعل ماضٍٍ، والألف: فاعل. الملوك: مفعول به. وجملة "قتلا الملوك": صلة الموصول، لا محل لها. وفكَّكا. الواو عاطفة. فككا: فعل ماضٍٍ، والألف: في محل رفع فاعل. الأغلالا: مفعول به، والألف: للإطلاق، والجملة معطوفة على جملة؛ لا محل لها. موطن الشاهد: "اللذا". وجه الاستشهاد: حذف نون المثنى المرفوع؛ لأن "اللذا" وقع في محل رفع خبر. وبنو بلحارث بن كعب جميعا، وبعض بني ربيعة، أجازوا حذف نون "اللذان" ونون "اللتان" لأن الموصول، لما طال بالصلة والعائد، أرادوا تقصيره، لكون الصلة والموصول كالشيء الواحد. انظر شرح التصريح: 1/ 132. فائدة: جاء عن بعض العرب حذف نون "اللذين" في لغة من جاء بالياء، كما مر في قول أحدهم: وإن الذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد وفي لغة من جاء به بالواو، كقول أحدهم: نحن الَّذُو بعكاظ طيروا شررا ... من روس قومك ضربا بالمصاقيل وانظر الدرر اللوامع: 1/ 24. 1 القائل: هو الأخطل التغلبي، وقد مرت ترجمته في الشاهد السابق. 2 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز المشطور، وبعده قوله: لقيل فخر لهم صميم =

ولا يجوز ذلك في ذان وتان للإلباس. وتلخص أن في نون الموصول ثلاث لغات1، وفي نون الإشارة لغتان2.

_ = وهو من شواهد: التصريح: 1/ 132، وهمع الهوامع: 1/ 49، والدرر اللوامع 1/ 23، وأمالي ابن الشجري: 2/ 308، وخزانة الأدب: 2/ 503، والعيني 1/ 455، وليس في ديوان الأخطل. المفردات الغريبة: تميم: قبيلة أبوها تميم بن مر. فخر: شرف ومنزلة عظيمة. صميم: خالص لا شائبة فيه. المعنى: يمدح الشاعر امرأتين، بأنه لو ولدتهما تميم، لكان لتميم بهذه الولادة وهذا النسب؛ الفخر الذي لا يشوبه شيء. الإعراب: هما: مبتدأ. اللتا: خبر مبني على الألف. لو: حرف شرط غير جازم، لو: حرف امتناع لامتناع. ولدت: فعل ماضٍٍ، والتاء: للتأنيث. تميم: فاعل مرفوع. لقيل: اللام واقعة في جواب الشرط، قيل: فعل ماضٍ مبني للمجهول. فخر: خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: هذا فخر. "لهم": متعلق بـ "فخر"، أبو بحذوف صفة له. صحيح: صفة لـ "فخر"، ويجوز أن نعرب: "فخر" مبتدأ، "ولهم" متعلق بمحذوف خبر؛ لأن "فخر" وإن كان نكرة، فقد وصف بصحيح، فأفاده الوصف التخصيص، ولكونه أتى في معنى الفعل، نحو: "سلام على آل ياسين"، وعلى كل فالجملة الاسمية، في محل رفع نائب فاعل لـ "قيل" على رأي من يجيزون وقوع الجملة في محل رفع فاعل أو نائب فاعل والأفضل، أن نقدر له مصدرا مشتقا من الفعل، فنقول: لقيل القول، وجملة الشرط وجوابه، صلة للموصول، لا محل لها. موطن الشاهد: "اللتا". وجه الاستشهاد: حذف النون من "اللتان" الواقعة في محل رفع خبر المبتدأ، وحكم هذا الحذف جائز في لغة بلحارث بن كعب جميعا، وبعض بني ربيعة، والمعروف عنهم، أنهم يحذفون "النون" من المثنى المرفوع، ولم يحفظ عنهم حذف النون من المثنى المنصوب والمخفوض، والذي جعلهم يجيزون حذف نون المثنى في الرفع، من دون النصب والجر، هو امتناع التباس المثنى بالمفرد في حالة الرفع، كما في المثال السابق، وأما في حالتي النصب والجر، فيمكن أن يقع الالتباس بين المفرد والمثنى، وإن قال قائل: فالعائد "الضمير الذي يربط الصلة بموصولها"، يجب أن يطابق الموصول في الإفراد والتثنية والجمع، فهذا صحيح، غير أن العائد يكون محذوفا لفظا في كثير من الأحيان، ولهذا، امتنع الحذف في حالتي النصب والجر. 1 الإثبات من دون تشديد وهو الأكثر، وبالتشديد، وهو كثير، وبالحذف وهو لغة لبعض العرب، وهذا خاص بـ "اللذان واللتان". 2 هما الإثبات من دون تشديد وهو الكثير، وبالتشديد على القلة.

ولجمع المذر كثيرا ولغيره قليلا "الألى" مقصوران وقد يمد، و"الذين" بالياء مطلقا، وقد يقال بالواو رفعا، وهو لغة هذيل أو عقيل، قال1: [مشطور الرجز] 45- نحن الَّذُون صبحوا الصباحا

_ 1 اختلف النحاة في نسبة هذا البيت إلى قائله اختلافا كثيرا، فقد نسبه أبو زيد في "نوادره: 47" إلى رجل جاهلي من بني عقيل، سماه أبا حرب الأعلم، ونسبه الصاغاني في "العباب" إلى ليلى الأخيلية، ونسبه جماعة إلى رؤبة بن العجاج، وهو غير موجود في ديوانه. 2 تخريج الشاهد: هذا بيت من مشطور الرجز، وبعده قوله: يوم النخيل غارة ملحاحا وروى أبو زيد بعده: نحن قتلنا الملك الجحجاحا ... ولم ندع لسارح مراحا إلا ديارا أو دما مفاحا ... نحن بنو خويلد صراحا لا كذب اليوم ولا مزاحا والبيت الشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 133، وابن عقيل: "27/ 1/ 144"، والأشموني. "87/ 1/ 68"، ونوادر أبي زيد الأنصاري: 47، والخزانة: 2/ 506 عرضا، والعيني: 1/ 426 وهمع الهوامع: 1/ 61، 1/ 83، والدرر اللوامع: 1/ 36، 1/ 56، ومغني اللبيب: "759/ 535" وشرح السيوطي: 281. المفردات الغريبة: صبحوا الصباحا: باغتوا العدو في الصباح. النخيل: موضع بالشام. غارة: اسم مصدر من أغار على العدو. ملحاحا: شديدة متتابعة من ألح السحاب دام مطره وسحاب ملحاح: دائم. المعنى: يفخر الشاعر بقومه الذين باغتوا أعداءهم، وأغاروا عليهم يوم النخيل، غارات متتابعة. الإعراب: نحن: مبتدأ. الذون: اسم موصول في محل رفع خبر. صبحوا: فعل ماضٍ، وفاعل، و"الجملة": صلة، لا محل لها. "الصباحا" متعلق بـ "صبحوا" "يوم" متعلق بـ "صبحوا" النخيل: مضاف إليه. غارة: مفعول لأجله، أو حال بتأويل المشتق، أي: مغيرين. ملحاحا: صفة لـ "غارة". موطن الشاهد: "الذون". وجه الاستشهاد: مجيء "الذون" بالواو في حالة الرفع، كما لو كان جمع مذكر سالما، وبعض العلماء، قد توهم من مجيء "الذون" في حالة الرفع، و"الذين" في =

ولجميع المؤنث: "اللاتي" و"اللائي"، وقد تحذف ياؤهما، وقد يتقارض1 الألى واللائي، قال2: [الطويل] 46- محا حبها حب الألى كن قبلها3

_ = حالتي النصب، والجر، بأن هذه الكلمة معربة، وأنها جمع مذكر سالم حقيقة، والصواب أنها مبنية، جيء بها على صورة المعرب، فهي مبنية على الواو الياء ومجيء "الذين" على "الذون" لغة هذيل، أو عقيل، وأو للشك. انظر شرح التصريح: 1/ 132- 133. فائدة: عد المؤلف "اللذان، واللذين، واللتان، واللتين، والذين، والذون" مبنيات وكان قرر في باب المعرب والمبني أن "اللذان واللتان" معربان؛ لأن التثنية التي هي من خصائص الأسماء عارضت شبههما بالحرف، والأرجح: أنها مبنيات. الأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 146- 147. 1 أي: يقع كل منهما مكان الآخر، ويستعمل استعماله. 2 القائل: هو قيس بن الملوح العامري، مجنون ليلى، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: وحلت مكانا لم يكن حل من قبل وأورد صاحب تزيين الأسواق: 1/ 65 بيتين قبله، وهما: أظن هواها تاركي بمضلة ... من الأرض لا مال لديَّ ولا أهلُ ولا أحد أفضي إليه وصيَّتي ... ولا صاحب إلا المطية والرحلُ والبيت الشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 133، والأشموني: "86/ 1/ 68"، والعيني: 1/ 430، والأغاني: 1/ 177، وديوان قيس بن الملوح: 216. المفردات الغريبة: محا: أزال. الألى كن قبلها: النساء اللاتي أحبهن قبل ليلى. المعنى: يصف الشاعر حبه لليلى بأنه قد ملك قلبه، وأزال عنه حب كل امرأة قبلها، وحل حبها من القلب مكانا خاليا، لم يحله أحد من قبل. الإعراب: محا: فعل ماضٍ. حبها: فاعل، ومضاف إليه. حب: مفعول به: الألى: مضاف إليه. كنَّ: فعل ماضٍ ناقص، ونون النسوة اسمه. "قبلها" متعلق بمحذوف خبر "كان"، و"ها": مضاف إليه، وجملة "كان واسمها وخبرها": صلة للموصول، لا محل لها. وحلت: الواو عاطفة، حل: فعل ماض، والتاء: علامة التأنيث، والفاعل: هي. مكانا: معفول به لـ "حل". لم: نافية جازمة: يكن: فعل مضارع ناقص، واسمه: هو. حُل: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب فاعله ضمير مستتر.

أي حب اللاتي وقال1: [الوافر] 47- فما آباؤنا بِأَمَنَّ منه ... علينا اللاء قد مهدوا الحجورا2 أي الذين.

_ = جوازا، تقديره: هو، وجملة "الفعل ونائبه": في محل نصب خبر يكن، وجملة "يكن واسمه وخبره": في محل نصب صفة لـ "مكان". من: حرف جر، قبل: ظرف زمان مبني على الضم، في محل جر بـ "من" و"من قبل": متعلق بـ "حل". موطن الشاهد: "الأُلَى كُنَّ قبلها". وجه الاستشهاد: استعمال "الألى" لجماعة الإناث بدلا من "اللاتي"، بدليل عود الضمير من "كن" عليه بصيغة المؤنث، والمعنى أيضا يؤكد ذلك؛ لأنه يريد أن حب هذه المرأة، قد أزال حب النساء الألى كن قبلها، ومعلوم أن الأصل في "الألى" أن يستعمل في جمع الذكور، نحو: قول الشاعر: رأيت بني عمي الأُلَى يخذلونني ... على حدثان الدهر إذ يتقلب بقي أن نعلم أن "الألى" اسم جمع لا جمع، فإطلاق الجمع عليه مجاز، وأن "الذين" خاص بالعقلاء، و"الذي" عام في العاقل وغيره، فهما كالعالم والعالمين. انظر حاشية الصبان: 1/ 150. 1 القائل: رجل من بني سليم لم يعينه العلماء. 2 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 133، وابن عقيل: "28/ 1/ 145"، والأشموني: "88/ 1/ 69" وأمالي ابن الشجري: 2/ 308، والعيني: 1/ 429، وهمع الهوامع: 1/ 83، والدرر اللوامع: 1/ 57. المفردات الغريبة: أََمَنَّ: أفعل تفضيل أي أكثر منه وإنعاما. مهدوا: بسطوا وهيؤوا ومنه المهد وهو الفراش المهيأ للصبي وتمهيد الأمور: تسويتها الحجور: جمع حجر، وهو ما بين يدي المرء من ثوبه وحضنه. المعنى: يقول الشاعر: ليس آباؤنا الذين قاموا بتربيتنا ورعايتنا وإصلاح أمرنا، وبسطو حجورهم فراشا لنا كالمهد، بأكثر إنعاما وتفضلا علينا من هذا الممدوح. الإعراب: ما: نافية بمعنى "ليس". آباؤنا: اسم "ما" ومضاف إليه. "بأمن": الباء زائدة، أمنَّ: خبر "ما". "منه" و"علينا": متعلقان بـ "أمن". اللاء: اسم موصول، صفة لـ "آباء". قد: حرف تحقيق: مهدوا: فعل ماضٍ، وفاعل، والجملة: صلة الموصول، لا محل لها الحجورا: مفعول به لـ "مهدوا"، والألف: للإطلاق. موطن الشاهد: "اللاء". وجه الاستشهاد: إطلاق "اللاء" على جماعة الذكور موضع الذين، والأكثر كونها لجماعة الإناث، نحو قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْن} ، وكذا فيها شاهد على حذف الياء أيضا؛ لأن الأصل "اللائي"، وقد قرئ بهما جميعا. انظر حاشية الصبان: 1/ 15.

[الموصول المشترك] : والمشترك ستة: مَن، وما، وأي، وأل، وذو، وذا. فأما "مَن" فإنها تكون للعالم، نحو: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَاب} 1. [من لغير العاقل] ولغيره في ثلاث مسائل: إحداها: أن ينزل منزلته2 نحو: {مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَه} 3 وقوله:4: [الطويل] 48- أسرب القطا هل من يعير جناحه5

_ 1 "3" سورة الرعد، الآية: 43. موطن الشاهد: {مَنْ عِنْدَهُ} . وجه الاستشهاد: مجيء "مَن" اسما موصولا دالا على العالم العاقل، واستعمالها بهذا المعنى كثير شائع، وهو جائز باتفاق. 2 أي أن ينسب إلى المسمى شيء من شأنه ألا يكون إلا من العقلاء، فيشبه بهم، وينزل منزلتهم في استعمال "من" سواء كان هذا التنزيل من المتكلم أو من غيره. 3 "46" سورة الأحقاف، الآية: 5. موطن الشاهد: {مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ} . وجه الاستشهاد: مجيء "من" لغير العاقل، على سبيل التطفّل؛ وذلك لأنه أنزل ما وقعت عليه منزلة العاقل؛ لأن الذي يدعونه من دون الله، لا يعقل شيئا، ولكن لما اتخذه المشتركون إلها لهم، فقد أنزل منزلة العاقل. 4 القائل: هو العباس بن الأحنف، أبو الفضل بن الأسود الحنفي، شاعر غزل، لم يخرج إلى غيره من أغراض الشعر، وكان يشبه عمر بن أبي ربيعة، أصله من اليمامة، ونشأ ببغداد ومات بالبصرة، والعباس شاعر مولد، لا يحتج بشعره، وإنما أتى بهما للتمثيل. الشعر والشعراء: 2/ 827، الأغاني: 8/ 14، اللآلي: 313، ابن خلكان: 1/ 307. 5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه مع بيت سابق عليه هكذا: بكيت على سرب القطا إذ مررن بي ... فقلت ومثلي بالبكاء جديرُ أسرب القطا هل من يعير جناحه ... لعلي إلى من قد هويت أطيرُ وينسب البيت الشاهد إلى المجنون، وهو في ديوانه وديوان العباس أيضا وذلك من خلط الرواة وقد استشهد به في: التصريح: 1/ 133، 1/ 134، وابن عقيل =

وقوله1: [الطويل] 49- ألا عم صباحا أيها الطلل البالي ... وهل يعمن من كان في العصر الخالي2

_ = "29/ 1/ 148"، والأشموني: "89/ 1/ 69" والعيني: 1/ 431، وهمع الهوامع: 1/ 91 والدرر اللوامع: 1/ 69، وديوان العباس. 143. المفردات الغريبة: سرب: هو القطيع من الظباء والقطا ونحوهما. القطا: جمع قطاة، وهي طائر معروف. هويت أحببت. المعنى: ينادي الشاعر جماعة القطا، ويقول: هل من يعيرني جناحه، لعلي أطير إلى من هويت وأحببت؟ الإعراب: أَسِرْبَ: الهمزة حرف نداء، سرب: منادى مضاف منصوب. القطا: مضاف إليه، هل: حرف استفهام، من: مبتدأ يعير: فعل مضارع، والفاعل: هو، والجملة صلة للموصول، لا محل لها، والخبر محذوف، والتقدير: هل من يعير جناحه موجود؟ جناحه: مفعول به، ومضاف إليه. لعلي: حرف مشبه بالفعل، والياء: اسمها "إلى من" متعلق بـ "أطير" الآتي قد: حرف تحقيق. هويت: فعل ماضٍ، وفاعل. والجملة لا محل لها؛ لأنها صلة الموصول، والعائد إلى الاسم الموصول محذوف، والتقدير: هويته. أطير: فعل مضارع، وفاعله مستتر وجوبا، تقديره: أنا، والجملة في محل رفع خبر "لعل". موطن الشاهد: "من يعير". وجه الاستشهاد: استعمال "من" في غير العاقل، وهو "القطا" وإنما جاز ذلك؛ لأنه نزل القطا منزلة العاقل، فناداها، وطلب منها الجناح، ومعلوم أنه لا يتصور النداء والإقبال، إلا من العاقل الذي يفهم الطلب. 1 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا الشاهد هو مطلع قصيدة طويلة للشاعر. وهو من شواهد: التصريح: 1/ 133، والأشموني: "90/ 1/ 69"، وسيبويه: 2/ 227 وأمالي ابن الشجري: 1/ 274، وشرح المفصل: 7/ 153، والعيني: 1/ 433، وهمع الهوامع: 2/ 83، والدرر اللوامع: 2/ 17، ومغني اللبيب "306/ 225" وشرح السيوطي: 166. المفردات الغريبة: عم صباحا: إحدى تحيات العرب الجاهليين في الصباح، وفي المساء: عم مساء، وعم ظلاما. وعم: فعل أمر أصله أنعم، حذفت الهمزة والنون تخفيفا. الطلل: كل ما بقي شاخصا من آثار الديار. الخالي: السالف. المعنى يحيى الشاعر أطلالا فيقول: أنعم الله صباحك أيها الأثر الذي أشرف على =

فدعاء الأصنام ونداء القطا والطلل سوَّغ ذلك. الثانية: أن يجتمع مع العاقل فيما وقعت عليه "من"1 نحو: {كَمَنْ لا يَخْلُقُ} 2 لشموله الآدميين والملائكة والأصنام، ونحو: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} 3، ونحو: {مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْن} ، فإنه

_ = الزوال والفناء، وبقي من آثار الأحبة، ثم ثاب إلى رشده، وأنكر أن يجيبه أحد؛ لهلاك من كان بهذه الديار، فقال: وهل ينعمن بشيء من هلك في الزمان الماضي؟! الإعراب: ألا: أداة استفتاح وتنبيه. عم: فعل أمر، والفاعل: أنت: "صباحا": متعلق بـ "عم" أيها: منادى بحرف نداء محذوف، مبني على الضم، في محل نصب، و"ها" حرف تنبيه، لا محل له. الطلل: صفة لـ "أي" على اعتبار اللفظ. وهل: هل حرف استفهام. يعمن: فعل مضارع مبني على السكون؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة. من: اسم موصول، فاعل لـ "يعم". كان: فعل ماضٍ ناقص، واسمه: هو "في العصر": متعلق بـ "خبر كان المحذوف". الخالي: صفة لـ "العصر"، وجملة "كان في العصر الخالي": صلة للموصول، لا محل لها. موطن الشاهد: "يعمن من". وجه الاستشهاد: استعمال "من" الموصولة للمفرد غير العاقل، وهو الطلل البالي، والذي جوز ذلك الاستعمال مناداة الطلل، وتنزيله منزلة من يجيب الداعي؛ لأنه لا ينادى إلا العاقل، كما هو معلوم. 1 أي: أن يكون مضمون الكلام، متجها إلى شيء يشمل العاقل، وغيره، ولكنك تراعي العاقل فتغلبه على غيره. 2 "16" سورة النحل، الآية: 17. موطن الشاهد: {كَمَنْ لَا يَخْلُقُ} . وجه الاستشهاد: وقوع "من" على من لا يعقل، والذي سوَّغ ذلك اجتماع العاقل مع غير العاقل فيما دخلت عليه "من" الموصولة؛ لأن من لا يعقل عامٌّ يشمل الآدميين والملائكة والأصنام، فالجميع لا يخلقون شيئا. 3 "22" سورة الحج، الآية: 18. موطن الشاهد: {مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنِ فِي الْأَرْضِ} . وجه الاستشهاد: وقوع "من" على من لا يعقل، والذي سوغ ذلك اجتماع العاقل مع غير العاقل فيما دخلت عليه من؛ لأن من في السموات يشمل الملائكة والشمس والقمر والنجوم وغيرها، ومن في الأرض يشمل الآدميين، والجبال والشجر وسوى ذلك.

يشمل الآدمي والطائر. الثالثة: أن يقترن به في عموم فصل بمن، نحو: {مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِه} 1 و: {مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَع} 1 لاقترانهما بالعاقل في عموم {كُلِّ دَابَّة} 1 [ما لما لا يعقل] : وأما "ما" فإنها لما لا يعقل وحده، نحو: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَد} 2، وله مع العاقل، نحو: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} 3، ولأنواع من يقعل، نحو: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُم} 4، وللمبهم5 أمره كقولك؛ وقد رأيت شبحا: "انظر إلى ما ظهر"

_ 1 "24" سورة النور، الآية: 45. موطن الشاهد: {مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} ، {مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} وجه الاستشهاد: وقوع من على غير العاقل، والذي جوز ذلك اقتران غير العاقل به أي بالعاقل، في عموم فصل بـ "من" الموصولة؛ لاقترانهما بالعاقل في عموم "كل دابة" التي تشمل العاقل وغيره. وانظر شرح التصريح: 1/ 134. 2 "16" سورة النحل، الآية: 96. موطن الشاهد: {مَا عِنْدَكُمْ} . وجه الاستشهاد: وقوع "ما" اسما موصولا دالا على ما لا يعقل، وهو الأصل في استعماله. 3 "59" سورة الحشر، الآية: 1. موطن الشاهد: {مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} . وجه الاستشهاد: استعمال "ما" في العاقل، وجواز استعمال "ما" في العاقل عن طريق الاستعارة، أو المجاز المرسل، وإلى الثاني أشار المؤلف بقوله: "إذا اختلط به". أي: بأن غلب غير العاقل على العاقل. 4 "4" سورة النساء، الآية: 3. موطن الشاهد: {مَا طَابَ} . وجه الاستشهاد: استعمال "ما" اسما موصولا في أفراد العاقل وصفاته؛ لأن المراد ما طاب لكم من النساء، الصفات غير المفهومة من الصلة كالبكارة والثيوبة وسوى ذلك، وفي هذه المسألة نظر، ويجب العودة إلى شرح التصريح: 1/ 134-135، وحاشية الصبان: 1/ 153-154. 5 أي: الذي لا يدرى أهو إنسان أم غير إنسان، وكذلك، إذا علمت إنسانيته، ولكنك لا تدري أمؤنث هو أم مذكر؟ نحو قوله تعالى على لسان امرأة عمران: {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} .

والأربعة الباقية للعاقل وغيره، فأما "أي" فخالف في موصوليتها ثعلب1. ويرده قوله2: [المتقارب] 50- فسلِّمْ عَلَى أيُّهُمْ أفضلُ3

_ 1 هو أبو العباس: أحمد بن يحيى الشيباني، إمام الكوفيين، والبصريين، في النحو والفقه في زمانه، وعالم بالقرآن والقراءات، ولد سنة 200هـ، ولازم ابن الأعرابي وحفظ على الفراء والكسائي، وأخذ عنه الأخفش الأصغر، ونفطويه، وابن الأنباري: له مصنفات قيمة منها: المصون في النحو، اختلاف النحويين، والفصيح، وغريب القرآن..... مات سنة 291هـ ببغداد. البلغة: 34، إنباه الرواة: 1/ 138، بغية الوعاة: 1/ 396، طبقات القراء: 1/ 148، الأعلام: 1/ 252. 2 هو: غسان بن وعلة، أحد الشعراء المخضرمين من بني مرة بن عباد. 3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: إذا ما لقيت بني مالك والشاهد: أنشده أبو عمرو الشيباني في كتاب الحروف وابن الأنباري في الإنصاف: 2/ 715، وقال "حكى أبو عمرو الشيباني عن غسان، وهو أحد من تؤخذ عنهم اللغة من العرب". وأنشد البيت. وهو من شواهد: التصريح: 1/ 135، وابن عقيل: "33/ 1/ 162، والأشموني: "110/ 1/ 77"، وشرح المفصل: 3/ 147، 4 / 12، 7/ 88، والخزانة: 2/ 522. وحاشية يس على التصريح: 1/ 136، ومغني اللبيب: "124/ 108"، "757/ 535 "953/ 717"، وشرح السيوطي: 83/ 281. المعنى واضح، لا لبس فيه ولا غموض. الإعراب: إذا: ظرف تضمن معنى الشرط مبني على السكون، في محل نصب على الظرفية الزمانية. ما: زائدة: لقيت فعل ماضٍ، وفاعل، و"الجملة" في محل جر بالإضافة. بني: مفعول به لفعل "لقي"، وحذفت النون للإضافة. مالك: مضاف إليه فسلم: الفاء رابطة لجواب الشرط. سلم: فعل أمر، والفاعل: أنت. على: حرف جر. أيهم: يروى بضم أي وبجره؛ فعلى رواية الضم، فهو مبني، وعلى الجر، فهو معرب مجرور بالكسرة الظاهرة، و"هم"، مضاف إليه. أفضل: خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: سلم على الذي هو أفضل، والجملة الاسمية: صلة للموصولة لا محل لها. موطن الشاهد: "أيهم أفضل". وجه الاستشهاد: مجيء "أي" مبنية على الضم في الرواية المشهورة؛ لأنها مضافة، حذف صدر صلتها، وفي هذا دلالة على أنها موصولة؛ لأن غير الموصولة، لا تبنى ولا تصلح هنا والمحذوف هو المبتدأ المقدر، وهذا مذهب سيبويه وجماعة من البصريين في هذه الكلمة؛ أنها تأتي موصولة، وتكون مبنية باجتماع أمرين؛ أحدهما: أن تكون مضافة لفظا، والثاني: أن يكون صدر صلتها محذوفا، وذهب الخليل بن أحمد، ويونس بن حبيب -وهما شيخان من شيوخ سيبويه- إلى أن "أي" لا تأتي موصولة، وإنما هي شرطية أو استفهامية، وذهب بعض الكوفيين إلى أنها تأتي موصولة على قلة؛ غير أنها معربة في مختلف الأحوال، أضيفت أو لم تضف، وسواء أحذف صدرها أم ذكر. وانظر: شرح التصريح: 1/ 135-136، وحاشية الصبان: 1/ 166-167.

ولا تضاف لنكرة خلافا لابن عصفور1، ولا يعمل فيها إلا مستقبل متقدم2 نحو: {لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ} 3، خلافا للبصريين، وسئل الكسائي4: لم

_ 1 ابن عصفور: أبو الحسن عليُّ بن مؤمن بن عصفور، النحوي الحضرمي الإشبيلي، حامل لواء العربية في زمانه بالأندلس، أخذ عن الدباح وعن الشلوبين، أعد نفسه للنحو، ولم ينبغْ في غيره وكان أصبر الناس على المطالعة، له مصنفات قيمة، منها: الممتع في التصريف، وكان أبو حيان لا يفارقه، وله شروح على الجمل، والمقرب، وشرح الجزولية، مات سنة 669هـ. البلغة: 169، بغية الوعاة: 2/ 210، شذرات الذهب: 5/ 330، فوات الوَفَيات: 2/ 93، الأعلام: 5/ 179. وأما السبب في أنها لا تضاف إلى نكرة؛ لأن الموصول مراد تعيينه، وإضافته إلى النكرة تقتضي إبهامه، وفي ذلك تدافع ظاهر، غير أن بعضهم -سوى ابن عصفور- يرى جواز إضافتها للنكرة غير أن إضافتها للمعرفة أقوى. انظر حاشية الصبان: 1/ 167، وشرح التصريح: 1/ 135. 2 وشرط الاستقبال؛ لأن "أي" موضوعة للدلالة على الإبهام، وذلك يناسبه المضارع المستقبل الزمان، الذي لا يدرى ما فيه. وأما الماضي والحال فمعلومان؛ وأما شرط تقديم العامل؛ فللفرق بينها وبين "أي" الشرطية، والاستفهامية؛ لأنه لا يعمل فيهما إلا متأخر لصدارتهما. انظر شرح التصريح: 1/ 135- 136. 3 "19" سورة مريم، الآية: 69. موطن الشاهد: {أَيُّهُمْ أَشَدّ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أي" موصولة مبنية، وتقدم عليها عامل مستقبل "لننزعن"، وحكم تقدم العامل المستقبل شرط عند الكوفيين، خلافا للبصريين، انظر شرح التصريح: 1/ 135. 4 مرت ترجمته.

لا يجوز: "أعجبني أيهم قام"؟ فقال: أي كذا خُلقَت1، وقد تؤنث وتثنى وتجمع، وهي معربة، فقيل مطلقا، وقال سيبويه: تبنى على الضم إذا أضيفت لفظا وكان صدر صلتها ضميرا محذوفا، نحو: {أَيُّهُمْ أَشَدّ} 2 وقوله: على أيِّهمْ أفضلُ1 وقد تعرب حينئذ كما رويت الآية بالنصب والبيت بالجر. [أل] : وأما "أل"2، فنحو: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ} 4، ونحو: {وَالسَّقْفِ

_ 1 معلوم أن الكسائي كوفي، والكوفيون، يقولون بلزوم استقبال عامل "أي"، فلما سئل في حلقة يونس بن حبيب عن السبب في عدم جواز: "أعجبني أيهم قام"، لم يجد وجهًا للمنع. فقال: "أي كذا خلقت"، أي: هكذا وضعت قال ابن السراج موجها قول الكسائي بالمنع ما معناه: إن أيا وضعت على العموم والإبهام، فإذا قلت: يعجبني أيهم يقوم، قلت: يعجبني الشخص الذي يقع منه القيام كائنا من كان، ولو قلت: أعجبني أيهم قام، لم يقع إلا على الشخص الَّذي قام فأخرجهما ذلك عما وضعت له من العموم: انظر شرح التصريح: 1/ 136. 2 مر تخريج البيت والتعليق عليه. 3 وتكون للعاقل، وغيره، مفردا وغير مفرد، ويراعى في الضمير العائد إليها المعنى فقط، خوفا من اللبس، وهي لا تكون موصولة إلا إذا دخلت على اسم الفاعل واسم المفعول "أي الصفة الصريحة"، وإعرابها يظهر على الصفة الصريحة المتصلة بها، وأما الداخلة على الصفة المشبهة ففيها خلاف، والأغلب: أنها حرف تعريف. حاشية الصبان: 1/ 164. 4 "57" سورة الحديد، الآية: 18. موطن الشاهد: {الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أل" موصولا اسميا، لدخولها على اسم الفاعل، وهو صفة صريحة، كما بينا.

الْمَرْفُوعِ، وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} 1، وليست موصولا حرفيا خلافا للمازني2 ومن وافقه، ولا حرف تعريف خلافا لأبي الحسن3. [ذو الطائية] : وأما "ذو" فخاصة بطيئ، والمشهور بناؤها، وقد تعرب، كقوله: فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا4

_ 1 52 سورة الطور، الآية: 5. موطن الشاهد: {الْمَسْجُورْ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أل" موصولا اسميا؛ لدخولها على اسم المفعول، وهو صفة صريحة. 2 هو: أبو عثمان، بكر بن محمد بن بقية المازني، من بني مازن بن شيبان، كان إماما في العربية ثقة واسع الرواية، لا يناظره أحد إلا قطعه؛ لقدرته على الكلام، وهو بصري أخذ عن أبي عبيدة والأصمعي، وأبي زيد، وروى عن المبرد، قيل فيه: لم يكن بعد سيبويه أعلم بالنحو من أبي عثمان، له تفسير كتاب سيبويه، وعلل النحو، والتصريف. مات سنة 249هـ بالبصرة. البلغة: 41، بغية الوعاة: 1/ 463، إنباه الرواة: 1/ 246، الأعلام: 2/ 44، معجم المؤلفين: 3/ 71. 3 حجة أبي الحسن أن العامل يتخطَّاها، نحو: جاء الكتاب، كما يتخطاها مع الجامد، نحو: جاء الرجل، وهي مع الجامد معرفة اتفاقا، فتكون كذلك مع المشتق، ورُدَّ بأن سبب ذلك أنها على صورة الحرف. التصريح: 1/ 137. وأبو الحسن: هو سعيد بن مسعدة المعروف بالأخفش البصري، وهو الأخفش الأوسط، أحد أئمة النحاة البصريين، قرأ النحو على سيبويه، وكان أكبر منه، وصحب الخليل، ولم يأخذ منه، وقرأ كتابه سيبويه على الكسائي، وكان أعلم الناس بالكلام، وأحذقهم بالجدل، له مصنفات عديدة، منها: المقاييس في النحو، والأوسط، والاشتقاق. مات سنة: 215هـ. البلغة: 86، إنباه الرواة: 2/ 36، بغية الوعاة: 1/ 59، مراتب النحويين: 109، الأعلام: 3/ 154. 4 مر هذا الشاهد والتعليق عليه. موطن الشاهد: "من ذي". وجه الاستشهاد: مجيء "ذي" -على هذه الرواية- يدل على أن "ذو" الموصولة، قد تكون معرفة إعراب "ذي"، التي بمعنى "صاحب"، أي: التي من الأسماء الستة، والذي رواه "بالياء" أبو الفتح بن جني، في كتابه "المحتسب"، وهو مشكل؛ لأن سبب البناء قائم، ولم يعارضه معارض مما يختص بالاسم، حتى يراعي المعارض فتعرب. انظر شرح التصريح: 1/ 137.

فيمن رواه بالياء، والمشهور أيضا إفرادها وتذكيرها، كقوله1: [الوافر] 51- وبئري ذو حفرت وذو طويت2

_ 1 القائل هو: سنان بن الفحل الطائي: شاعر إسلامي من شعراء الدولة المروانية. خزان الأدب: 6/ 40. 2 تخريج الشاهد: هذا بيت من كلمة أوردها أبو تمام: حبيب بن أوس الطائي في حماسته. "وكان بنو جرم من طيئ، وبنو هرم بن العشراء من فزارة قد لَجَّ بهم الخصام في شأن ماء من مياههم، فترافعوا إلى عبد الرحمن بن الضحاك والي المدينة، وكان صهرا للفزاريين، فخشي الطائيون أن يميل في حكومته إلى أصهاره، فبرك سنان بن الفحل أمامه وأنشد بين يديه الكلمة التي منها الشاهد المذكور. انظر: شرح الحماسة للمرزوقي: 590. وهو من شواهد: التصريح: 1/ 137، والأشموني: "101/ 1/ 72"، وهمع الهوامع: 1/ 84 والدرر اللوامع: 1/ 95، وأمالي ابن الشجري: 2/ 306، والإنصاف: 1/ 384، وشرح المفصل: 3/ 147، 8/ 45، والخزانة: 2/ 511، واللسان "ذا"، وقطر الندى: "31/ 102. المفردات الغريبة: ذو حفرت: يريد التي حفرتها، ذو طويت، أي التي طويتها، وطي البئر: بناؤها بالحجارة. المعنى: يقول الشاعر: إن هذا الماء من عهد أبي وجدي، وأنا الذي حرفت هذه البئر وبنيتها بالحجارة. الإعراب: الفاء: للتعليل. إن حرف مشبه بالفعل. الماء: اسمه. ماء: خبر. أبي: مضاف إليه، والياء: مضاف إليه. وجدي: الواو عاطفة، جدي: معطوف على أبي، والياء: مضاف إليه. وبئري: الواو استئنافية، بئري: مبتدأ، ومضاف إليه. ذو: خبر المبتدأ. حفرت: فعل ماضٍ وفاعل، والجملة صلة للموصول، لا محل لها. وذو: الواو عاطفة، ذو: معطوف على "ذو" السابقة" طويت فعل وفاعل، والجملة: صلة للموصول، لا محل لها، وحذف العائد على الموصولين، من جملتي الصلة، والأصل: وبئري ذو حفرتها وذو طويتها، ويجوز إعراب الواو في "وبئري" عاطفة =

وقد تؤنث وتثنى وتجمع1، حكاه ابن السراج، ونازع في ثبوت ذلك ابن مالك، وكلهم حكى "ذات" للمفردة، و"ذوات" لجمعها، مضمومتين، كقوله:

_ = جملة، على جملة، أو عاطفة "بئري" على اسم "إن" و"ذو حفرت" على خبر إن، فيكون من باب العطف على معمولي عامل واحد، وهو مما لا خلاف فيه. موطن الشاهد: "ذو حفرت وذو طويت". وجه الاستشهاد: استعمال "ذو" في الجملتين اسما موصولا لمؤنث، بمعنى "التي"؛ لأنها واقعة على البئر، وهي مؤنثة، على الرغم من أن لفظها مفرد مذكر، ومعلوم أن البئر غير عاقلة، فيكون استعمل "ذو" للدلالة على المفرد المؤنث غير العاقل. ومن استعمال "ذو" في المفرد المذكر العاقل، قول الطائي: فقولا لهذا المرء ذو جاء ساعيا ... هلمَّ فإن المشرفيَّ الفرائض أي: قولا لهذا المرء الذي جاء ساعيا. ومن استعمال "ذو" في المفرد المذكر غير العاقل، قوله أيضا: أظنك دون المال ذو جئت طالبا ... ستلقاك بيض للنفوس قوابض والمراد: دون المال الذي جئت. أوضح المسالك "تحقيق عبد الحميد": 1/ 154، حا: 1. 1 عند بعض بني طيئ، فتقول في المذكر: "ذو قام"، وفي المؤنث "ذات قامت"، وفي مثنى المذكر "ذوا قاما" وفي مثنى المؤنث "ذواتا قامتا"، وفي جمع المذكر "ذو قاموا" وفي جمع المؤنث "ذوات قمن"، وفي الأصول، لابن السراج، أن ذلك عن جميع طيئ، وتبعه ابن عصفور في المقرب. التصريح: 1/ 137، 138، وابن عقيل "تحقيق البقاعي": 1/ 122. 2 ابن السراج: هو أبو بكر محمد بن السري البغدادي النحوي، صاحب الكتب الممتعة في النحو، كان أحدث أصحاب المبرد سنا مع ذكاء وفطنة، قرأ كتاب سيبويه على المبرد، وقيل: ما زال النحو مجنونا، حتى عقله ابن السراج بأصوله، أخذ عنه أبو القاسم الزجاجي، والسيرافي، والفارسي، والرماني، له مصنفات هامة، فيها: شرح كتاب سيبويه، ومختصر في النحو، واحتجاج القراءة، والجمل وغيرها، مات شابا سنة 316 هـ. البلغة: 222، إنباه الرواة: 3/ 145، وبغية الوعاة: 1/ 109، ومعجم المؤلفين: 10/ 19، والأعلام: 7/ 6.

"بالفضل ذو فضلكم الله بِهْ، والكرامة ذات أكرمكم الله بَهْ"1، وقوله2: [مشطور الرجز] 52- ذواتُ ينهضن بغير سائق3

_ 1 قائل هذه العبارة، رجل من طيئ، كما قال الفراء في لغات القرآن: "سمعنا أعرابيا من طيئ يسأل ويقول: بالفضل ذو فضلكم الله به، والكرامة ذات أكرمكم الله بَهْ" فبنى ذات على الضم، ونقل حركة الهاء الأخيرة إلى ما قبلها، وحذف الألف، فسكنت الهاء، وبالفضل متعلق بمحذوف، أي أسألكم بالفضل، أو نحوه، والكرامة بالخفض معطوفة على الفضل، وكأنه يشير إلى قوله تعالى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْق} . التصريح: 1/ 138، والكواكب الدرية: 1/ 137. 2 هو رؤبة بن العجاج، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: أنشد الفراء هذا البيت، ولم ينسبه إلى قائل معين، وحكاه في اللسان غير منسوب، وقبل الشاهد قوله: جمعتها من أنيق موارق وهو من شواهد: التصريح: 1/ 156، والأشموني: "102/ 1/ 73"، والمقرب: 6، وملحقات ديوان رؤبة: 180. المفردات الغريبة: جمعتها: الضمير للنوق المختارة في الأبيات قبله. أينق: جمع ناقة وأصله أنؤق، قدمت الواو على النون؛ لتسلم من الضمة، ثم قلبت ياء للتخفيف، فوزنه "أعفل". موارق: سريعات في السير، جمع مارقة، من مرق السهم من الرمية، إذا نفذ سريعا. المعنى: يقصد الراجز: أنه اختار هذه النوق، وجمعها من نياق سريعة. ينهضن ويسرعن في السير بغير سائق، ينبهها، ويستحثها على السير، كالسهام التي تمرق من الرمايا. الإعراب: جمعتها: فعل وفاعل ومفعول به. "من أينق" متعلق بـ "جَمَع"، موارق: صفة لـ "أنيق" ذوات: صفة ثانية لـ "أينق" وهذا على مذهب الكوفيين، الذين يجوزون تخالف النعت والمنعوت في التعريف والتنكير إذا كانت الصفة للمدح أو الذم، وعلى مذهب البصريين، الذين لا يجوزون اختلاف الصفة والموصوف فيهما، فإما أن يكون "ذوات" بدلا من أينق"، أو خبرا مبتدأ محذوف. ينهضن: فعل مضارع مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة، والنون: فاعل، و"الجملة": صلة للموصول، لا محل لها. "بغير" متعلق بـ "ينهض". سائق: مضاف إليه.

وحكى إعرابهما إعراب ذات وذوات بمعنى صاحبة وصاحبات1. [ذا وشرط موصوليتها] : وأما "ذا" فشرط موصولياتها ثلاثة أمور: أحدها: أن لا تكون للإشارة، نحو: "من ذا الذاهب"؟ و"ماذا التَّواني"؟ 2. والثاني: ألا تكون ملغاة، وذلك بتقديرها مركبة مع "ما" في نحو: "ماذا صنعت"3، كما قدرها كذلك من "قال عمَّاذا تسأل" فأثبت الألف.

_ موطن الشاهد: "ذواتُ". وجه الاستشهاد: مجيء "ذوات" اسما موصولا بمعنى اللواتي، مبنية على الضم، وصلته جملة "ينهض بغير سائق"، وأنكر بعض النحاة أن تكون "ذوات" بمعنى "اللواتي"، وعدوها بمعنى "صاحبات" وأضيفت إلى الفعل، بتأويله بالمصدر، وكأنه قال: ذوات نهوض بغير سائق، كما قالوا: "اذهب بذي تسلم" وهم يريدون: اذهب بذي سلامة، وعلى هذا، فـ "ذوات" على رواية الرفع خبر لمبتدأ محذوف، أي: هن ذوات نهوض، أي: صاحبات سبق. وانظر حاشية الصبان: 1/ 158- 159، وشرح التصريح: 1/ 138. 1 حكى أبو حيان في الارتشاف إعراب "ذات" بالضمة، في حالة الرفع وبالفتحة في حالة النصب، والكسرة في الجر، مع التنوين في الأحوال الثلاثة: إذ لا إضافة، وأما "ذوات" فحكى إعرابها بالحركات أبو جعفر النحاسي الحلبي، وعليه ترفع بالضمة وتجر بالكسرة وتنصب بالكسرة نيابة عن الفتحة كجمع المؤنث، وتنون في الأحوال الثلاثة أيضا. التصريح: 1/ 138. 2 إنما كانت "ذا" في هذين المثالين موصولة؛ لأن ما بعدها، فيهما اسم مفرد، والاسم المفرد لا يصلح أن يكون صلة لغير "أل" ومتى لم تصلح؛ لأن تكون موصولة، كانت اسم إشارة إذا هي لا تكون إلا على أحد هذين الوجهين، فإذا انتفى أحدهما، ثبت الآخر. التصريح: 1/ 138. 3 حيث جعلت "ماذا" كلمة واحدة، وأعربت اسم استفهام، في محل نصب مفعول مقدم لفعل صنعت- أي: أيّ شيء صنعت؟ وحينئذ يجوز تقدم العامل عليها، ولا تلزم الصدارة، فقد ورد أن عمرو بن العاص قال للنبي صلى الله عليه وسلم عند إسلامه: أريد أن أشترط. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تشترط ماذا؟ ". ومثل المصنف بـ "ما" وترك التمثيل بـ "من"؛ لأن بعض النحويين كـ "ثعلب" يمنع أن تكون "من" و"ذا" مركبتين، والصحيح الجواز، كما يشير الناظم. انظر شرح التصريح: 1/ 139 والأشموني مع الصبان: 1/ 159.

لتوسطها1، ويجوز الإلغاء عند الكوفيين وابن مالك على وجه آخر، وهو تقديرها زائدة2. والثالث: أن يتقدمها استفهام بما باتفاق، أو بمن على الأصح، كقول لبيد3: [الطويل]

_ 1 أي: لأنها بعد التركيب مع "ذا" أصبحت متوسطة في اسم الاستفهام، ولو جعلها اسمين، لحذفت الألف من "ما"؛ لتطرفها، على قاعدة "ما" الاستفهامية، إذا دخل عليها حرف الجر، كما يقول ابن مالك في موضعه: و"ما" في الاستفهام إن جرت حذفْ ... ألفُها، وأَوْلِهَا "الها" إن تقفْ انظر ضياء السالك: 1/ 150. 2 أي: بين "ما" ومدخولها، ففي قولك: ماذا صنعت؟، كأنك قلت: ما صنعت؟، والبصريون يمنعون ذلك، والكوفيون يجيزونه. ولم يذكر المؤلف تركب "ذا" مع "من" ولم يصرح بأن "ذا" تزاد مع "من" والذي وجدناه أن أبا البقاء، وأحمد بن يحيى ثعلب"، لا يجيزان تركب "ذا"مع "من"، ونقل عنهما، أن التركيب خاص بـ "ذا" مع "ما" وعللا ذلك بأن "ما" أكثر إبهاما من "من"، ولذا فيحسن بها أن تجعل مع غيرها كالاسم الواحد؛ ليكون ذلك أظهر لمعناها، وانظر تفصيل ذلك في شرح التصريح: 1/ 139، والأشموني مع الصبان: 1/ 160. 3 لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب العامري، أبو عقيل، أحد شعراء الجاهلية وفرسانهم، أمره الحارث الغساني على مئة فارس، جاءوا المنذر بن ماء السماء، فقتلوه، ولم ينجُ منهم إلا هو، أدرك الإسلام وأسلم، ولم يقل شعرا أبدا بعد إسلامه إلا بيتا واحدا، وهو: الحمد لله إذ لم يأتني أجلي ... حتى كساني من الإسلام سربالا عاش طويلا ومات في خلافة معاوية وذلك عن عُمْرٍ بلغ 157 سنة كما قيل. الشعر والشعراء: 1/ 274، طبقات ابن سعد: 6/ 20، أسد الغابة: 4/ 260، الإصابة 6/ 4.

ألا تسألان المرء ماذا يحاول1

_ 1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: أنحب فيقضى أم ضلال وباطل؟ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 139، والأشموني: "103/ 1/ 73"، وكتاب سيبويه: 1/ 405 ومعاني الفراء: 1/ 139، والجمل للزجاجي: 331، وأمالي ابن الشجري: 2/ 171، 305 وشرح المفصل: 3/ 149، 4/ 23، والعيني: 1/ 7، 440، والمخصص لابن سيده: 4/ 103 وخزانة الأدب: 1/ 339، 2/ 556، واللسان "ذو، ذوات، حول"، ومغني اللبيب: "557/ 395" وشرح السيوطي لأبيات المغني: 55. المفردات الغريبة: يحاول: تعنى -هنا- يريد ويطلب من المحاولة، وهي استعمال الحيلة والحذق، وإعمال الفكر للوصول إلى المقصود. نحب: يطلق النحب على المدة والوقت، والنذر، والأقرب: أن المراد هنا هو النذر. المعنى: على عادة القدماء، يطلب الشاعر من صاحبيه أن يسألا هذا الحريص على الدنيا: والذي يبغيه من تهالكه عليها، ومحاولته الوصول إلى أقصى غاياته بشتى الوسائل؟ أهو نذر قطعه على نفسه، فهو يدأب لإنفاذه، ويسعى جهده لقضائه؟ أم هو ضلال وباطل من أمره؟. الأعراب: ألا: للتنبيه. ما: اسم استفهام، مبتدأ. ذا: اسم موصول، خبر، وجملة "يحاول": صلة، والعائد إلى الاسم الموصول محذوف، والتقدير: ما الذي يحاوله وجملة "المبتدأ والخبر": في محل نصب مفعول ثانيا لـ "تسألان"، و"المرء": المفعول الأول. أنحب: الهمزة حرف استفهام. نحب: خبر لمبتدأ محذوف، أو بدل من "ما" الواقعة مبتدأ. أم: حرف عطف، ضلال: معطوف على نحب، وباطل: معطوف على ضلال. موطن الشاهد: "ماذا". وجه الاستشهاد: استعمال: "ذا" موصولا بمعنى الذي، ودليل ذلك إتيانه بعده بجملة الصلة، وتقدمه "ما" الاستفهامية، ولا يجوز جعل "ذا" ملغاة مركبة مع "ما" مفعولا مقدما لـ "يحاول"؛ لأنه جاء بالبدل مرفوعا، فدل ذلك، على أن المبدل منه كذلك. ويضعف جعل "ماذا" مبتدأ، وجملة يحاول خبرا لعدم وجود رابط بين جملة الخبر والمبتدأ، وحذف الرابط في مثل هذا قليل، ومنعه سيبويه، وجوز الدماميني ذلك؛ لجواز مثل هذا في الشعر، أو "ماذا" مفعول لـ "يحاول" و"نحب" خبر مبتدأ محذوف. انظر في هذه المسألة، حاشية الصبان: 1/ 159-160.

وقوله1: [المتقارب] 54- فمن ذا يعزي الحزينا2 والكوفي لا يشترط ما ولا من، واحتج بقوله3: [الطويل]

_ 1 هو أمية بن أبي عائذ الهذلي، أحد بني عمرو بن الحارث من هذيل، شاعر أدرك الجاهلية وعاش في الإسلام، كان من مُدَّاح بن أمية، وله قصائد في عبد الملك بن مروان، ثم رحل إلى مصر، فأكرمه عبد العزيز بن مروان. الشعر والشعراء: 2/ 267، الخزانة: 1/ 417، الأغاني: 20/ 115. 2 تخريج البيت: تمام البيت: إلا إن قلبي لدى الطاعنين ... حزين فمن ذا يعزي الحزينا؟ وهو مطلع قصيدة عدتها 51 بيتا، في مدح عبد العزيز بن مروان، وهي موجودة في شرح أشعار الهذليين، صنعة أبي سعيد السكري. وهو من شواهد: التصريح: 1/ 139، وشرح ديوان الهذليين للسكري: 515، وديوان أمية بن أبي عائذ: 63. المفردات الغريبة: الظاعنين: جمع ظاعن، وهو اسم فاعل من ظعن، أي سار، ضد أقام وقصد أحبابه الذين فارقوه. حزين: وصف من الحزن، وهو انقباض النفس وانصرافها عما يسر. يعزي: يسلي ويبعث الصبر إلى نفسه. المعنى: يصف الشاعر نفسه، وما فعل به فراق الأحبة، حين غادروه، كئيبا متألما بلا قلب، ثم يسأل عمن يعزيه ويسري عنه، ويبعث الصبر إلى نفسه، علها تخف آلامه وتذهب أحزانه. الإعراب: ألا: أداة استفتاح وتنبيه. حزين: خبر "إن" فمن: من اسم استفهام مبتدأ. ذا: اسم موصول بمعنى الذي، خبر المبتدأ. يعزي: فعل مضارع، والفاعل هو. الحزينا: مفعول به، والألف للإطلاق، و"الجملة": صلة للموصول، لا محل لها. موطن الشاهد: "من ذا". وجه الاستشهاد: مجيء "ذا" اسما موصولا، مع تقدم "من" الاستفهامية، ورأي مذاهب النحويين في ذلك، والدلالة على موصوليتها، مجيئه بجملة الصلة بعدها وهي قوله: "يعزي الحزين". 3 هو: يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري، حليف لقريش، وكان عبدا للضحاك بن عبد عوف الهلالي، وهو شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية توفي سنة 69هـ. الشعر والشعراء: 1/ 360،والجمحي: 1/ 143، والأغاني: 17/ 51، والخزانة: 2/ 210.

55- أمنت وهذا تحملين طليق1

_ 1 تخريج الشاهد: البيت من قصيدة ليزيد، قالها بعدما أطلقه معاوية بن أبي سفيان من سجن واليه على سجستان وتمام الشاهد مع بيتين بعده هكذا: عَدَسْ؛ ما لعباد عليك إمارة ... أمنت وهذا تحملين طليقُ طليق الذي نجَّى من الحبس بعدما ... تلاحم في درب عليك مضيقُ ذَرِي أو تناسَيْ ما لقيت؛ فإنه ... لكل أناس خبطةٌ وخريقُ والشاهد من شواهد التصريح: 1/ 139، وهمع الهوامع: 1/ 84، والدرر اللوامع: 1/ 59 والشعر والشعراء: 2/ 717، وشرح المفصل، 2/ 16، 4/ 23، 79، والخزانة: 2/ 514، 3/ 89 والعيني: 1/ 442، 3/ 316، 4/ 314 واللسان "عدس" ومغني اللبيب: "834/ 602" وشرح السيوطي: 291، والأغاني: 18/ 296، وقطر الندى: "33/ 143" وشذور الذهب "69/ 198" والأشموني: "104/ 1/ 74". المفردات الغريبة: عَدَسْ: اسم صوت لزجر البغل، واسم للبغل أيضا. عباد: هو ابن زياد بن أبي سفيان والي سجستان. إمارة: حكم وتسلط. طليق: اسم مفعول ومعناه: السراح من السجن، لا سلطان لأحد عليه. المعنى: يخاطب الشاعر بغلته أن تقف، ولا تخاف؛ فهي الآن في آمان، وليس لعباد عليها من سلطان ولا حكم، والذي تحملينه قد خرج من سجنه؛ فهو حر طليق. الإعراب: عدس: اسم صوت مبني على السكون، لا محل له. ما: نافية مهملة. لعباد: متعلق بمحذوف خبر مقدم. إمارة: مبتدأ مؤخر. وهذا: الواو حالية، و"ها": حرف للتنبيه، وذا: اسم موصول، مبتدأ. تحملين: فعل وفاعل، و"الجملة": صلة للموصول، لا محل لها، والعائد محذوف، والتقدير: تحملينه. طليق: خبر لمبتدأ مرفوع. موطن الشاهد: "ذا" وجه الاستشهاد: استعمال "ذا" اسما موصولا، من دون أن يتقدم عليه استفهام بـ "ما" أو "من" على رأي الكوفيين، ولم يمنعهم اتصال حرف التنبيه به من موصوليته؛ لأنهم يرون أن جميع ما يكون اسم إشارة، قد يكون اسم موصول، وهم في قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُم} ؛ يقدِّرون: ثم أنتم الذين تقتلون أنفسكم، وفي قوله تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} يقدرون: ها أنتم الذين جادلتم عنهم، والبصريون، يردون ذلك، ويقولون: إن "هؤلاء" منادى بحذف حرف النداء. وانظر شرح التصريح: 1/ 139-140.

أي: والذي تحملينه طليق، وعندنا أن "هذا طليق" جملة اسمية1 و"تحملين" حال، أي: وهذا طليق محمولا. [افتقار الموصولات إلى صلة] : وتفتقر كل الموصولات إلى صلة2 متأخرة عنها3 مشتملة على ضمير مطابق لها4 يسمى العائد5. [شروط الصلة] : والصلة: إما جملة، وشرطها: أن تكون خبرية، معهودة، إلا في مقام التهويل والتفخيم، فيحسن إبهامها، فالمعهودة كـ "جاء الذي قام أبوه"، والمبهمة نحو: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} 6، ولا يجوز أن تكون إنشائية كـ "بعتكه" ولا طلبية

_ 1 أي: هذا اسم إشارة على أصله، وليس اسما موصولا؛ لأن "ها" للتنبيه، ولا تدخل على الموصولات. 2 تفتقر إلى صلة؛ لأنها مبهمة المعنى، غامضة المدلول، لا تدل على شيء معين، فلا بد لها من شيء يعرفها، ويزيل إبهامها وغموضها. شرح التصريح: 1/ 140. 2 متأخرة عنها؛ لأنها مكملة للموصول، فهي منه بمثابة جزئه المتأخر؛ ولهذا لا يجوز تقديمها، ولا تقديم شيء منها عليه. المصدر نفسه. 4 مطابق لها؛ ليربطها بالموصول، وهذا المطابقة تكون في اللفظ والمعنى إذا كان الموصول مختصا؛ حيث يطابق في الإفراد والتأنيث وفروعهما، فإذا كان الموصول عاما؛ أي مشتركا نحو: "من" و"ما" وأخواتهما، فيجوز مراعاة اللفظ، وهو الأكثر؛ إذ أمن اللبس، وفي غير "أل" وإلا وجب مراعاة المعنى، وهذا في الموصولات الإسمية؛ أما الموصولات الحرفية فصلتها لا تحتاج إلى رابط كما تبين لنا. "المصدر نفسه". 5 سمي العائد بذلك؛ لعوده على الموصول، وقد يغني عن الضمير في الربط -لسبب بلاغي، أو نحوه- اسم ظاهر بمعنى الموصول، كما في قولهم في خطاب الله تعالى: "أنت الذي في رحمة الله أطمع"، أي: في رحمته. وقد تستغني جملة الصلة عن الرابط إذا عطفت عليها جملة مشتملة عليه شرط أن يكون العطف بالفاء أو الواو، ثم. "المصدر نفسه". 6 "20" سورة طه، الآية: 78. موطن الشاهد: {مَا غَشِيَهُمْ} . وجه الاستشهاد: مجيء "ما" اسما موصولا، وجملة "غشيهم"، صلة للموصول، وهي مبهمة، وليست معهودة، وجاءت مبهمة؛ لأنها في مقام التهويل؛ لأن المقصود: الذي غشيهم أمر عظيم، والمرجع في معرفة ذلك الاسم الموصول، فإن أريد به معهود فصِلَتُه معهودة، نحو: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} ، وإن أريد به الجنس فصلته كذلك، نحو: {كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ} ، وإن أريد به التعظيم، أبهمت صلته، نحو: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} . انظر شرح التصريح: 1/ 141.

كـ "اضربه" و"لا تضربه"1، وإما شبهها، وهي ثلاثة: الظرف المكاني، والجار والمجرور، التامان، نحو: الذي عندك" و"الذي في الدار" وتعلقهما باستقر محذوفا، والصفة الصريحة، أي الخالصة للوصفية، وتختص بالألف واللام، كـ "ضارب" و"مضروب" و"حسن" بخلاف ما غلبت عليها الاسمية، كأبطح وأجرع وصاحب وراكب2، وقد توصل بمضارع، كقوله:

_ 1 فلا تقل: جاء الذي أضربه، أو لا تضربه؛ لأن كلا من الإنشاء والطلب، لا خارجي له؛ فضلا عن أن يكون معهودا، فلا يصلح لبيان الموصول، ومن ثم امتنع الوصل بالتعجبية. وإن كانت خبرية، فلا يقال: جاء الذي ما أحسنه!، لما في التعجب من الإبهام المنافي للبيان فتكون مستثناة من الخبرية كما أن جملة القسم مستثناة من الإنشائية فيجوز الوصل بها نحو: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَن} وقيل: لا استثناء فيهما، أما التعجبية، فلأنها إنشائية؛ نظرا إلى حالة الاستعمال، وأما القسمية؛ فلأن الوصل إنما هو بجملة الجواب، وهو خبري، وجملة القسم إنما جيء بها؛ لمجرد التأكيد، ولا يجوز الوصل بجملة مستدعية كلاما قبلها، فلا يقال: جاء الذي لكنه قائم أو حتى أبوه قائم؛ لأن فيه استعمال لكن من غير تقدم مستدرك، واستعمال حتى من غير تقدم مغيًّا، وأجاز الكسائي الوصل بالأمر، والنهي، والمازني بالدعاء بما لفظه الخبر، نحو: جاء الذي يغفر الله له، وصاحب الإفصاح "بنعم وبئس"، وهشام "بليت ولعل وعسى" هذا حكم الجملة، وصفوة القول: امتنع وقوع الإنشائية والطلبية صلة؛ لأن مضمونهما لا يعلم إلا بعد ذكرهما، فلا تكونان معهودتين للمخاطب. الأشموني: 1/ 163- 164، التصريح: 1/ 141، ابن عقيل تحقيق البقاعي": 1/ 125. 2 أما "أبطح": فهو مذكر بطحاء، وهو في الأصل: وصف لكل مكان مستوٍ، ثم غلب عليه الاسمية، فصار مختصا بالأرض المستوية ذات الرمل، التي لا تنبت شيئا، وأما "صاحب" فإنه في الأصل: وصف للفاعل، ثم غلب على صاحب الملك، وأما "راكب" فإنه في الأصل: وصف للفاعل، ثم غلب على صاحب الملك، وأما "راكب" فإنه في الأصل وصف لفاعل، ثم غلب على صاحب الملك، وأما "راكب" فإنه في الأصل: وصف للفاعل، ثم غلب على راكب الإبل، دون غيره، وعلى رأس الجبل، قال الشاطبي، والدليل، على أن هذه الأسماء، انسلخ منها معنى الوصفية، أنها لا تجري صفات على موصوف، ولا تعمل على الصفات، ولا تتحمل ضميرا، فلا توصل بها "أل"؛ لعدم شبهها بالفعل. التصريح: 1/ 142.

ما أنت بالحكم الترضى حكومته1 ولا يختص ذلك عند ابن مالك بالضرورة.

_ 1 تقدم تخريج وشرح هذا البيت والتعليق عليه. موطن الشاهد: "الترضى". وجه الاستشهاد: دخول "أل" الموصولة على الفعل المضارع، ودخولها على المضارع، قليل؛ لأن صلة "أل" لا تكون إلا صفة صريحة، أي: اسم فاعل، أو اسم مفعول، أو صيغة مبالغة. فوائد: - ينبغي أن تقع الصلة بعد الموصول مباشرة، وألا يفصل بينهما أجنبي ليس من جملة الصلة نفسها، ويجوز الفصل بالنداء، إذا تقدم ضمير المخاطب، نحو: أنت الذي -يا أحمد- تستحق المكافأة، ويجوز الفصل بالقسم، نحو: ظفر الذي -والله- يتقي مولاه. - ويجوز الفصل بالجملة المعترضة، نحو: والدي الذي -حفظه الله- يرعى شؤوني. حاشية الصبان: 1/ 160. ضياء السالك: 1/ 155. - يجوز حذف الصلة إن دلت عليها قرينة لفظية، كأن تقول: من رأيته في الحديقة؟ فتجيب: محمد؛ أو قرينة معنوية، يدل عليها المقام كالفخر والتهويل والتعظيم، نحو: نحن الألى؛ فاجمع جمو ... عك ثم وجِّهْهُمْ إِلينا أي: نحن الأُلى عرفوا بالشجاعة، كما يُفهم مما بعده. - لا يجوز حذف الموصول الحرفي؛ لضعف الحرف عن أن يؤثر، وهو محذوف، وأما الموصول الاسمي، فإن الكوفيين، ومعهم الأخفش، يجيزون حذفه مطلقا، ومن العلماء من يجيز حذفه بشرط أن يكون معطوفا على موصول آخر، نحو قوله تعالى: {آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُم} أي بالذي أنزل إلينا والذي أنزل إليكم؛ لأن المنزل إلى الفريقين، ليس واحدا، ومن ذلك قول حسان بن ثابت: أمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء؟ أفمن يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يمدحه وينصره سواء؟ لأن الذي يهجوه وينصره ليس واحدا. انظر همع الهوامع: 1/ 89، وحاشية الصبان: 1/ 161-162.

[حذف العائد من الصلة وأحواله] : ويجوز حذف العائد المرفوع إذا كان مبتدأ مخبرا عنه بمفرد، فلا يحذف في نحو: "جاء اللذان قاما" أو "ضربا"؛ لأنه غير مبتدأ، ولا في نحو: "جاء الذي هو يقوم" أو "هو في الدار" لأن الخبر غير مفرد، فإذا حذف الضمير لم يدل دليل على حذفه؛ إذ الباقي بعد الحذف صالح لأن يكون صلة كاملة، بخلاف الخبر المفرد، نحو: {أَيُّهُمْ أَشَدّ} 1 ونحو: {وَهُوَ الَّذَِّي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ} 2، أي: هو إله في السماء، أي: معبود فيها، ولا يكثر الحذف في صلة غير "أي" إلا إن طالت"3 الصلة، وشذَّت قراءة بعضهم4: "تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ"5،

_ 1 "19" سورة مريم، الآية: 69. موطن الشاهد: {أَيَّهُمْ أَشَدّ} . وجه الإستشهاد: مجيء "أشد" خبرا مفردا محذوف، تقديره: هو؛ لأن تقدير الكلام: أيهم هو أشد، وذلك المبتدأ المحذوف هو العائد. 2 "43" سورة الزخرف، الآية: 84. موطن الشاهد: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ} . وجه الاستشهاد: مجيء "إله" خبرا لـ "مبتدأ" محذوف، تقديره: هو إله، وذلك المبتدأ هو العائد، وأتى خبره مفردا، كما ذكرنا. 3 معلوم أن "أي الموصولة ملازمة للإضافة، إما لفظا، نحو "أيهم أشد"، وإما تقديرا، نحو: "أي أشد، ولما كان "لا بد لها من المضاف إليه في اللفظ أو التقدير، جعلوا ذلك بمنزلة طول الصلة، فلم يشترطوا شيئا في جواز حذف العائد المرفوع من صلتها، واشترطوا ذلك في صلة غير "أي"؛ لأن غيرها من الموصولات لا يلزم الإضافة، بل يقبلها. ويستثنى من اشتراط طول الصلة صلة "ما" في قولهم: "لا سيما زيد" إذا رفعت زيدًا، فإن رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، وجملة المبتدأ والخبر، لا محل لها من الإعراب؛ لأنها صلة "ما"، والتقدير: "ولا سي الذي هو زيد، فحذف المبتدأ، وهو العائد، وليست الصلة طويلة، والحذف في هذا الموضع مقيس، وليس شاذًّا. شرح التصريح: 1/ 143-144، وابن عقيل "تحقيق البقاعي": 1/ 129، والأشموني مع الصبان: 1/ 166. 4 هو يحيى بن يعمر بن أبي إسحاق. 5 "6" سورة الأنعام، الآية: 154.

وقوله1: 56- من يُعنَ بالحمد لم ينطق بما سَفَهٌ2

_ أوجه القراءات: قرأ برفع "أحسن" يحيى بن يعمر وابن أبي إسحق، وهي قراءة محكية عن الحسن والأعمش انظر تفسير القرطبي: 7/ 137، والبحر المحيط: 4/ 255، والإتحاف: 220. موطن الشاهد: "أحسن". وجه الاستشهاد: مجيء "أحسن" على هذه القراءة خبرًا لمبتدأ محذوف، وهذا المبتدأ المحذوف، هو العائد إلى "الذي" و"الجملة": صلة للاسم الموصول. وأما من فتح "أحسن" على اعتبار كونه فعلا ماضيا، صلة لـ "الذي"، وفيه ضمير يعود على الذي. انظر مشكلة إعراب القرآن: 1/ 299. 1 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: ولا يحد عن سبيل المجد والكرم وهو من شواهد التصريح: 1/ 144، والأشموني: "113/ 1/ 78"، والعيني: 1/ 446، وهمع الهوامع: 1/ 90، والدرر اللوامع: 1/ 69 وفيه برواية: "الحلم" بدل "المجد". المفردات الغريبة: يعن -بالبناء للمجهول؛ لزوما على المشهور: يعتني ويهتم. الحمد: الثناء. سَفَهٌ: السفة رقة العقل وضعفه، والمراد: لازمه وهو قول السوء والفحش. لا يحد: لا يمل ولا ينحرف. المعنى: يبين الشاعر: أن من همه أن يكون محمود السيرة يحمده الناس ويثنون عليه لا ينطق بالسوء من القول، ولا ينحرف عن الطريق؛ طريق الحلم والكرم وفضائل الأخلاق ومكارمها. الإعراب: من" اسم شرط، مبتدأ. يعن: مضارع مبني للمجهول، وهو فعل الشرط، وعلامة جزمه حذف الألف، ونائب الفعل: هو "بالحمد" متعلق بـ "يعن". لم: حرف جازم. ينطق: مضارع مجزوم والفاعل: هو، و"الجملة" في محل جزم جواب الشرط. بما": متعلق بـ "ينطق". سفه "بالرفع": خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: هو سفه، و"الجملة": صلة، لا محل لها. ولا: الواو عاطفة لا: حرف زائد لتأكيد النفي. يحد: مضارع معطوف على "ينطق". "عن سبيل": متعلق بـ "يحد". المجد: مضاف إليه. والكرم: الواو عاطفة، الكرم: اسم معطوف على المجد. موطن الشاهد: "بما سفه". وجه الاستشهاد: حذف العائد إلى الاسم الموصول من جملة الصلة، وهو مرفوع، ولم تطل الصلة، وحكم حذف العائد في هذه الحال الشذوذ عند البصريين، والجواز من دون شذوذ عند الكوفيين.

والكوفيون يقيسون على ذلك1. ويجوز حذف المنصوب إن كان متصلا، وناصبه فعل أو وصف غير صلة الألف واللام2، ونحو: {وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُون} 3، وقوله4: [البسيط] 57- ما الله موليك فضلٌ فاحمدنه به5.

_ 1 خلاصة ما تقدم: أن الكوفيين، يجيزون حذف العائد المرفوع بالابتداء مطلقا، طالت الصلة أم قصرت، سواء كان الموصول "أيا" أم غيرها ويوافقهم البصريون في "أي" أما غيرها فيشترطون طول الصلة، فالخلاف بينهما فيما إذا لم تطل الصلة، وكان الموصول غير "أي" وحجة الكوفيين السماع، وعند البصريين شاذ شرح التصريح: 144. 2 لا يجوز حذف منصوب صلة الألف واللام، إذا عاد إليها؛ لأنه دليل على اسميتها الخفية، فلو حذف ضاع هذا الفرض، أما إذا عاد على غيرها فيجوز حذفه، نحو: جاء الذي أنا المكرم. 3 "64" سورة التغابن، الآية: 4. موطن الشاهد: {مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} . وجه الاستشهاد: حذف العائد المنصوب المتصل؛ لأن الأصل: يعلم ما يسرونه وما يعلنونه، وحكم حذف العائد في هذه الحال الجواز؛ لأن ناصبه فعل. 4 لم ينسب إلى قائل معين. 5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: فما لدي غيره نفع ولا ضرر. وهو من شواهد: التصريح: 1/ 145، وابن عقيل "34/ 1/ 169"، وهمع الهوامع: 1/ 89. المفردات الغريبة: موليك: مانحك ومعطيك، وهو اسم فاعل من أولى يولى أي أعطى. فضل: منة وعطاء تفضلا منه. المعنى: يخاطب الشاعر الإنسان العاقل، بأن ما وهبه الله لك من النعم هو تفضل منه وإحسان، وليس جزاءًا لعمل عملته، أو حقا لك عليه سبحانه، فاحمد الله واشكره على ذلك، فهو وحده النافع الضار، ومن بيده مقاليد الأمور، ولا يملك غيره من الأمر شيئا. =

بخلاف "جاء الذي إياه أكرمت" و"جاء الذي إنه فاضل" أو "كأنه أسد" أو "أنا الضاربة"1، وشذ قوله2: [البسيط] 58- ما المستفِزُّ الهوى محمودُ عاقِبَةٍ3

_ = الإعراب: ما: اسم موصول، مبتدأ. الله: "لفظ الجلالة" مبتدأ ثانٍ. موليك: خبر المبتدأ الثاني، مضاف إلى "الكاف" من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله الأول، وجملة: "الله موليك": صلة للموصول، لا محل لها، والعائد إلى "ما" محذوف، التقدير: ما الله موليكه"، وهذا المحذوف، هو المفعول الثاني لاسم الفاعل "موليك" فضل: خبر "ما" فاحمدنه: الفاء واقعة في جواب شرط مقدر أي: إذا كان كذلك فاحمدنه، احمدنه: فعل أمر مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، والهاء: مفعول به. فما: الفاء تعليلية. ما نافية مهملة. لدى: متعلق بخبر مقدم. غيره: مضاف إليه، والهاء: مضاف إليه ثانٍ. نفع: مبتدأ مؤخر، ويجوز أن تكون "ما" عاملة عمل "ليس" و"لدى" خبرها مقدم، و"نفع" اسمها مؤخر. موطن الشاهد: "ما الله موليك". وجه الاستشهاد: حذف الضمير العائد إلى الاسم الموصول، من جملة الصلة؛ لأن التقدير "موليكه" وهذا العائد منصوب بوصف، وهو مولٍ، ويمكن هنا أن يكون التقدير موليك إياه، وهذا التقدير أرجح؛ لأن الانفصال في ثاني الضميرين المعمولين "اسم" أرجح من الاتصال، كما مر سابقا، ولكن قدر متصلا تمشيا مع قول المصنف، وتقييد المصنف بالمتصل، احترازا من المنفصل، يقصد به الحصر ليس غير. 1 في المثال الأول: لم يجز حذف العائد فيه؛ لأن هذا العائد ضمير منفصل لغرض الحصر، ففات فيه شرط اتصال الضمير، أما المثال الثاني: فلم يجز حذف العائد؛ لأن العامل في العائد هو "إن" ففات فيه شرط كون العامل فيه فعلا، أو وصفا، وأما المثل الثالث: فلم يجز حذف العائد فيه المثال السبب في المثال الثاني، وإنما جاء بمثالين للعائد المعمول لحرف؛ لأن الحرف العامل، إما أن يغير معنى الجملة مثل كأن، وإما ألا يغيرها مثل إن، وأما المثال الرابع: فلم يجز حذف العائد فيه؛ لكون العامل فيه وصفا واقعا صلة "أل". التصريح: 1/ 146. 2 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: ولو أتيح له صفو بلا كدر. وهو من شواهد التصريح: "1/ 146، 2/ 267، والأشموني: "115/ 1/ 79"، والعيني: =

وحذف منصوب الفعل كثير، ومنصوب الوصف قليل1

_ = 1/ 447، 4/ 479، وهمع الهوامع: 1، 89، والدرر اللوامع: 1/ 68. المفردات الغريبة: المستفزّ: اسم فاعل من استفزه: أزعجه واستخفه. الهوى: ميل النفس إلى ما تشتهي. أتيح: هيئ وقدر. المعنى: يرى الشاعر أن الإنسان الذي يستخفه الهوى وتزعجه صبوة النفس ويتبع شهوات نفسه، وينقاد لها، ليس محمود العواقب. الإعراب: "ما" نافية مهملة. "المستفز: مبتدأ. الهوى: فاعل المستفز، ومفعوله محذوف عائد إلى "أل" أي: المستفزه. محمود: خبر المبتدأ، ويمكن أن تكون "ما" عاملة عمل "ليس" والمستفز: اسمها، ومحمود: خبرها. ولا: الواو عاطفة على محذوف. لو شرط غير جازم أتيح: فعل ماضٍ مبني للمجهول، "له: "متعلق بـ "أتيح". صفو: نائب فاعل. بلا: الباء حرف جر. لا: اسم بمعنى "غير" ظهر إعرابه على ما بعده بطريق العارية، وهو مضاف، كدر مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة العارية و"بلا كدر": متعلق بمحذوف صفة لـ "صفو". موطن الشاهد: "ما المستفز". وجه الاستشهاد: حذف العائد من صلة "أل"، وهو منصوب بالوصف "المستفز"، وحكم هذا الحذف أنه شاذّ، ويرى بعضهم أنه قليل، وليس شاذا، والأصل في العبارة: ما المستفزه الهوى محمود العاقبة. 1 كان حذف منصوب الفعل كثيرا؛ لأن الأصل في العمل للفعل، فكثر تصرفهم في معموله بالحذف تارة، وبالتقديم تارة وبالفصل بين الفعل ومعموله تارة أخرى وكان حذف منصوب الوصف قليلا جدا، بل قال الفارسي: لا يكاد يسمع من العرب، وقال ابن السراج أجازوه على قبح، وقال المبرد: رديء جدا؛ لأن الوصف فرع في العمل ومن شأن الفرع أن يكون ضعيفا، فلا يتصرف في معموله، ومن التصرف في المعمول الحذف، غير أن ابن مالك في نظمه، يقول: والحذف عندهم كثير منجلي ... في عائد متصل إن انتصب بفعل او وصف...... فسوَّى بين منصوب الفعل والوصف في كثرة الحذف، والأفضل ما ذهب إليه المتقدمون.

ويجوز حذف المجرور بالإضافة إن كان المضاف وصفا غير ماضٍ1، نحو: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} 2، بخلاف: "جاء الذي قام أبوه" و"أنا أمس ضاربه"3. والمجرور بالحرف4 إن كان الموصول أو الموصوف بالموصول مجرورا بمثل ذلك الحرف معنى ومتعلقا، نحو: {وَيَشْرَبُ مِمَّاْ تَشْرَبُوْنَ} 5، أي: منه،

_ وانظر شرح التصريح: 1/ 146، وحاشية الصبان: 1/ 170-171 1 بأن يكون اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال، أو اسم مفعول كذلك، بشرط أن يكون فعله متعديا لاثنين؛ ليكون أحدهما: نائب فاعل، والثاني: هو المضاف إليه لفظه. شرح التصريح: 1/ 147. 2 "20" سورة طه، الآية: 72. موطن الشاهد: {مَا أَنْتَ قَاضٍ} . وجه الاستشهاد: حذف العائد إلى "ما" الموصول الاسمى؛ لأن الأصل: فاقض الذي أنت قاضيه، والعامل في العائد اسم فاعل بمعنى الحال، أو الاستقبال هنا، ومعلوم أن اسم الفاعل المضاف إلى العائد ناصب له تقديرا. ويجوز أن تكون "ما" موصولا حرفيا، يسبك بما بعده بمصدر، التقدير: فاقض قضاءك. 3 لأن المضاف في الأول، ليس بوصف، وفي الثاني وصف ماضٍ، وهو لا يعمل. 4 إن كان العائد مجرورا بحرف فلا يحذف؛ إلا إن دخل على الموصول حرف مثله، لفظا ومعنى، واتَّفق العامل فيهما مادة، نحو: مررت بالذي مررت به، أو أنت مار به، فيجوز حذف الهاء، فتقول: "مررت بالذي مررت"، نحو قوله تعالى: {وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُون} أي: منه، وتقول: مررت بالذي أنت مارٌّ، أي: به. فإن اختلف الحرفان، لم يجز الحذف، نحو: مررت بالذي غضبت عليه، فلا يجوز حذف "عليه" وكذلك، مررت بالذي مررت به على زيد، فلا يجوز حذف "به" منه؛ لاختلاف معنى الحرفين؛ لأن الباء الداخلة على الموصول للإلصاق، والداخلة على الضمير للسببية، وكذا إن اختلف العاملان، لم يجز الحذف أيضا، نحو: "مررت بالذي فرحت به" فلا يجوز حذف "به". انظر شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك: 1/ 139-140. 5 "23" سورة المؤمنون، الآية: 33. موطن الشاهد: {مِمَّا تَشْرَبُونَ} . وجه الاستشهاد: حذف الهاء من "تشربون" لأن الأصل: تشربون منه، والذي جوز حذف العائد هنا دخول الجار نفسه على "ما" الموصولة، مع اتحاد العامل مادة، وهو: "تشرب".

قوله1: [البسيط] 59- لا تركنن إلى الأمر الذي ركنت ... أبناء يعصر حين اضطرها القدر2 وشذ قوله3: [الوافر]

_ 1 هو: كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني، شاعر فحل مجيد، أسلم، بعد أخيه بجير، وكان قد نهى أخاه عن الإسلام، وهجا المسلمين، فتوعده الرسول صلى الله عليه وسلم ثم جاءه مسلما وأنشده قصيدته المشهورة، التي مطلعها: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول فعفا عنه، وكساه بردته، فسميت هذه القصيدة بالبردة. الشعر والشعراء: 1/ 154، الأغاني: 15/ 142، الإصابة: 1/ 143، أسد الغابة: 1/ 164. 2 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 147، والأشموني: "119/ 1/ 81" والعيني: 1/ 1449. المفردات الغريبة: لا تركنن: لا تميلن، من ركن إليه: مال وسكن. الأمر: المراد به هنا: الفرار من القتال. يعصر: أبو قبيلة من باهلة. المعنى: يحرض الشاعر على الثبات في القتال قائلا: لا تجنح إلى الهزيمة، والفرار من القتال، وعدم الصمود أمام الأعداء، كما فعلت أبناء يعصر حين اضطرت إلى ذلك. الإعراب: لا: ناهية. تركنن: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، في محل جزم بـ "لا" والفاعل: أنت. "إلى الأمر": متعلقان بـ "ترك". الذي: صفة لـ "الأمر" ركنت: فعل ماضٍ والتاء: للتأنيث. أبناء: فاعل مرفوع. يعصر: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف؛ للعلمية ووزن الفعل، و"الجملة": صلة للموصول، لا محل لها. "حين": متعلق بـ ... ركنت" اضطرها: فعل ماضٍ، و"ها" مفعول به. القدر: فاعل، و"الجملة" في محل جر بالإضافة. موطن الشاهد: "تركنن إلى الأمر الذي ركنت أبناء يعصر". وجه الاستشهاد: حذف العائد من جملة الصلة إلى الموصول، والسبب الذي جوز حذفه، مجيء ذلك العائد مجرورا بحرف جر مماثل للحرف الذي جر الموصوف بالموصول في اللفظ، والمعنى، ومجيء، متعلق الحرفين متحدا في اللفظ، والمعنى أيضا؛ لأن المادة واحدة، وإن اختلفت الصيغتان. 3 هو حاتم الطائي، وقد مرت ترجمته.

60- وأي الدهر ذو لم يحسدوني1 أي: فيه، وقوله2: [الطويل]

_ 1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: ومن حسد يجور علي قومي وهو من شواهد: التصريح: 1/ 147، والأشموني: "121/ 1/ 81"، والعيني: 1/ 451 وليس في ديوان حاتم الطائي. المفردات الغريبة: من حسد: من: للتعليل، والحسد: تمني زوال نعمة الغير. يجور علي قومي: يظلمونني. المعنى: يقول الشاعر: أن قومي يظلمونني، ويجاوزون حد الاعتدال معي، حسدا منهم علي وبغضا. وحسدهم هذا دائم متواصل، فأي وقت من الأوقات لم يحسدوني فيه؟! الإعراب: "مِن حسد: متعلق بـ "يجور". يجور: فعل مضارع مرفوع. "علي: متعلق بـ "يجوز". قومي: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، والياء: مضاف إليه وأي: الواو استئنافية، أي: اسم استفهام، مبتدأ، وهو مضاف. الدهر: مضاف إليه. ذو: اسم موصول بمعنى الذي في محل رفع خبر المبتدأ "أي". لم حرف نفي وجزم وقلب. يحسدوني: فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف النون، والواو: فاعل، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به، و"الجملة": صلة للموصول، لا محل لها، والعائد إلى الموصول، من هذه الجملة محذوف، كما سنرى. موطن الشاهد: "ذو لم يحسدوني". وجه الاستشهاد: حذف العائد إلى الموصول من جملة الصلة، فجملة الصلة: "لم يحسدوني" والاسم الموصول: "ذو" الذي بمعنى "الذي"، والعائد المحذوف: ضمير مجرور بحرف جر محذوف، وتقدير الكلام: لم يحسدوني فيه. وأما حكم هذا الحذف، فشاذ عند جمهور العلماء، والذي سهل الحذف، كون الموصوف بالموصول اسما مرادا به زمان، والضمير العائد إليه مجرورا بـ "في" التي بها ينصرف الذهن إلى المحذوف، ولذا قال بعضهم: إن الحذف في مثل هذا قياسي. انظر شرح التصريح: 1/ 147. 2 ينسب هذا الشاهد إلى رجل من همدان، ولم يعين اسمه أحد من النحاة.

61- وهوَّ على من صبه الله علقم1 أي: عليه، فحذف العائد المجرور مع انتفاء خفض الموصول في الأول، ومع اختلاف المتعلق في الثاني وهما: "صب" و"علقم"2.

_ 1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: وإن لساني شهدة يُشتفَى بها وهو من شواهد: التصريح: 1/ 148، والأشموني: "122/ 1/ 81، والعيني: 1/ 451 وشرح المفصل: 3/ 96، وخزانة الأدب: 2/ 400،ومغني اللبيب: "797/ 567" وشرح السيوطي: 285. المفردات الغريبة: شهدة "بضم الشين وسكون الهاء" أصله العسل، ما دام في شمعه. علقم: هو الحنظل، وهو شجر له ثمر مر كريه الطعم. المعنى: يدَّعي الشاعر أن لسانه مثل الشهد والعسل، فيه شفاء للناس الذين أحبهم وأثنى عليهم، وهو مثل الحنظل في المرارة، على من سلطه الله عليه. الإعراب: هو: "بالتشديد على لغة همدان" مبتدأ. علقم: خبر "على من": متعلق بـ "علقم"؛ لأنه بمعنى. مر"، وجملة "صبه الله". صلة للموصول؛ لأن "من" اسم موصول بمعنى الذي، والعائد إلى الاسم الموصول محذوف مجرور بـ "على" و"الجار والمجرور": متعلق بـ "صب". موطن الشاهد: "على من صبه الله". وجه الاستشهاد: حذف العائد إلى "من" وهو مجرور، بحرف جر محذوف، مع اختلاف المتعلقين، "صب" و"علقم"، وحكم هذا الحذف شاذ، وتقدير الكلام: "وهو علقم على من صبه الله عليه". 2 ويمتنع حذف العائد المجرور في مواضع أخرى منها: 1- إذاكان العائد المجرور محصورا، نحو مررت بالذي ما مررت إلا به، أو إنما مررت به. 2- إذا كان نائبا عن الفاعل، نحو: مررت بالذي مُرَّ به. 3- إذا كان لا يتعين للربط نحو: مررت بالذي مررت به في داره. 4- إذا كان حذفه ملبسا نحو: رغبت فيما رغبت فيه؛ لأنه لا يعلم أن الأصل فيه أو عنه، وقيل يجوز؛ لأن الحذف يدل على اتفاق الحرفين، ولو كانا متباينين لم يجز الحذف؛ لأنه مشروط فيه اتفاق الحرفين وهذا أوفق. التصريح: 1/ 148.

باب المعرفة بالأداة

[باب المعرفة بالأداة] : [أداة التعريف وبيان أنواعها] : وهي: "أل" لا اللام وحدها، وِفاقا للخليل1 وسيبويه، وليست الهمزة زائدة، خلافا لسيبويه2. وهي: إما جنسية3، فإن لم تخلفها "كل" فهي لبيان الحقيقة4، نحو:

_ 1 الخليل: هو أبو عبد الرحمن، الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم البصري الفراهيدي الأزدي النحوي اللغوي الزاهد، صاحب علم العروض وضبط اللغة، لم يكن بعد الصحابة أذكى ولا أجمع لعلم العربية منه، كان يحج عاما ويغزو عاما، عفيف النفس لا يقبل عطايا الملوك، ولا يحب مصاحبتهم، له مؤلفات كثيرة منها: كتاب العين في اللغة، وكتاب الجمل، والشواهد والعروض، مات سنة 175هـ. وقد نيف على السبعين. البلغة: 79، إنباه الرواة: 1/ 341، بغية الوعاة: 1/ 557، طبقات القراء: 1/ 275، والأعلام 1/ 363. 2 للعلماء في تعيين المعرف أربعة مذاهب، الأول: أن المعرف هو "أل" برمتها، والألف أصلية، لا زائدة، والثاني: أن المعرف هو "أل" برمتها، والألف زائدة، والثالث: أن المعرف هو اللام وحدها، الرابع: أن المعرف، هو الألف وحدها واللام زائدة فرقا بين همزة الاستفهام والهمزة المعرفة، والأول هو مذهب الخليل بن أحمد، والثاني: هو مذهب سيبويه، والثالث: هو مذهب كثير من النحاة، والرابع: هو مذهب المبرد ولكل واحد من هذه الأقوال حجته. انظر التصريح: 1/ 148-149، وتعليق الفرائد على تسهيل الفوائد: 2/ 351-355. 3 هي الداخلة على نكرة، تفيد معنى الجنس المحض. 4 أي الحقيقة الذهنية التي تتكون في العقل -من غير نظر إلى ما تنطبق عليه من أفراد، والفرق بين المعرف بأل هذه، وبين النكرة أن هذا المعرف يدل على الحقيقة بقيد حضورها في الذهن، أما النكرة فتدل عليها بدون قيد" شرح التصريح: 1/ 149.

{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَي} 1، وإن خلفتها "كل" فهي لشمول أفراد الجنس، نحو: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} 2، وإن خلفتها مجازا فلشمول خصائص الجنس مبالغة، نحو: "أنت الرجل علما". وإما عهدية3، والعهد إما ذكرى نحو: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} 4، أو علمى نحو: {بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ} 5. {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} 6، أو حضوري نحو: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} 7

_ 1 "21" سورة الأنبياء، الآية: 30. موطن الشاهد: {مِنَ الْمَاءِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أل" مفيدة لبيان الحقيقة والماهية من حيث هي، والتقدير: جعلنا من حقيقة الماء المعروف وقيل "المنى" التصريح: 1/ 149. 2 "4" سورة النساء، الآية: 28. موطن الشاهد: {الْإِنْسَانُ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أل" مفيدة لشمول أفراد الجنس؛ لأننا نستطيع أن نقول: خُلِق كل إنسان ضعيفا. 3 أي: للعهد، وهي التي تدخل على النكرة، فتفيدها نوعا من التعريف، يجعل مدلولها معينا بعد أن كان مبهما؛ لما يأتي من أسباب. 4 "73" سورة المزمل، الآية: 16. موطن الشاهد: {الرَّسُوْلَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أل" مفيدة العهد الذكرى؛ لأن الرسول الثاني، هو الرسول الأول المذكور سابقا. 5 "20" سورة طه، الآية: 12. موطن الشاهد: {الْوَادِي الْمُقَدَّسِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أل" مفيدة العهد العلمي؛ لأن المعلوم لدينا أن الوادي المقصود، هو الكائن تحت الشجرة. 6 "9" سورة التوبة، الآية: 40. موطن الشاهد: {الْغَّارِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أل" مفيدة العهد العلمي؛ لأن الغار المقصود معروف لدينا. 7 "5" سورة المائدة، الآية: 3. موطن الشاهد: {الْيَوْمَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أل" مفيدة العهد الحضوري؛ لأن مصحوبها حاضر، أي اليوم الحاضر، وهو يوم عرفة.

[مجيء "أل" زائدة] : وقد ترد "أل" زائدة، أي غيرمعرفة، وهي إما لازمة كالتي في علم قارنت وضعه كالسموأل واليسع واللات والعزى، أو في إشارة وهو "الآن" وفاقا للزجاج والناظم، أو في موصول وهو "الذي" و"التي" وفروعهما؛ لأنه لا يجتمع تعريفان، وهذه معارف بالعلمية والإشارة، والصلة، وإما عارضة: إما خاصة بالضرورة، كقوله1: [الكامل] 62- ولقد نهيتك عن بنات الأوبر2.

_ 1 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: ولقد جنيتك أكمؤًا وعساقلا وهو من شواهد: التصريح: 1/ 151، وابن عقيل: "36/ 1/ 181"، والأشموني: "127/ 1/ 85" ومجالس ثعلب: 624، والمقتضب: 4م 48، والخصائص: 3/ 58، والمنصف: 3/ 134 والمحتسب: 2/ 224، والإنصاف: 1/ 319، 2/ 726، وشرح المفصل: 5/ 271، والعيني: 498 ومغني اللبيب: "75/ 75"، "204/ 291"، وشرح السيوطي: 61. المفردات الغريبة: جنيتك: جنيت لك، حذف الجار توسعا، فاتصل الضمير. أكمؤا: جمع "كمء" ويجمع على كمأة، وهو نبات في البادية معروف، له ثمر كالقلقاس، يقال له: شحم الأرض. عساقلا. جمع عسقول، وهو الكبير الأبيض من الكمأة: صغير رديء الطعم، له زغب، لونه كالتراب. المعنى: يقول الشاعر: لقد جنيت لك النوع الجيد من الكمأة، ونهيتك عن جني الرديء الخبيث منه. الإعراب: ولقد: الواو للقسم، واللام: للتأكيد، واقعة في جواب القسم، قد: حرف تحقيق. نهيتك: فعل وفاعل ومفعول به. "عن بنات الأوبر" متعلق بـ "نهيتك". الأوبر: مضاف إليه. موطن الشاهد: "بنات الأوبر". وجه الاستشهاد: زيادة "أل" في العلم اضطرارا؛ لأن بنات أوبر علم على نوع من الكمأة رديء، ومعلوم أن العلم لا تدخله "أل"؛ لأنه لا تجتمع معرفتان، العَلَمية و"أل"، ومثل هذا قول الشاعر: يا ليت أم العمرو كانت صاحبي ... مكان من أشتى على الركائب.

وقوله1: [الطويل] . 63- صددت وطبت النفس يا قيسُ عن عمرو2

_ 1 هو رشيد بن شهاب اليشكري، يخاطب قيس بن مسعود اليشكري، ولم أعثر له على ترجمة وافية 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: رأيتك لما أن عرفت وجوهنا وهو من شواهد: التصريح: 1/ 151، 1/ 394، وابن عقيل: "37/ 1/ 182"، والأشموني: "128/ 1/ 85" والعيني: 1/ 502، 3/ 225"، وهمع الهوامع: 1/ 80، 1/ 252، والدرر اللوامع: 1/ 53، 1/ 209، والمفضليات، للمفضل الضبي: 310. المفردات الغريبة: وجوهنا: ذواتنا، أو عظمائنا وزعمائنا. صددت: أعرضت وابتعدت. طبت النفس: طابت نفسك ورضيت. المعنى: يخاطب الشاعر قيسا ويندد به، فيقول: لما رأيتنا ورأيت أكابرنا وعظماءنا، رضيت نفسك، وامتنعت عن الأخذ بثأر صديقك عمرو الذي قتلناه. وكان قوم الشاعر قد قتلوا عمرا؛ وهو صديق لقيس. الإعراب: رأيتك: فعل وفاعل ومفعول به. لما: ظرفية حينية متعلقة بـ "رأى" أن زائدة. عرفت: فعل وفاعل، وجوهنا: مفعول به، ومضاف إليه. صددت: فعل وفاعل، وهو جواب "لما" وطبت: فعل وفاعل، و"الجملة" معطوفة على جملة "صددت"، النفس: تمييز منصوب، ويمكن أن تكون مفعولا به لـ "صددت" والتمييز محذوف، والتقدير: صددت النفس وطبت نفسا. يا قيس: حرف نداء، ومنادى مبني على الضم في محل نصب، و"جملة النداء": اعتراضية، لا محل لها. "عن عمرو": متعلق بـ "صددت"؟ أو متعلق بـ "طبت" على أنه مضمن معنى تسليت. موطن الشاهد: "طبت النفس". وجه الاستشهاد: دخول "أل" على التمييز الذي يجب تنكيره، وحكم دخول "أل" على التمييز أنه ضرورة عند جمهور البصريين؛ وأما الكوفيون، فإنهم لا يوجبون تنكير التمييز، بل يجوز أن يكون معرفة، وعلى مذهبهم فـ "أل" معرفة، وليست زائدة. وبعض النحويين أعرب النفس مفعولا به. ولا شاهد حينئذ في البيت ... فائدة: تزاد "أن" بعد لما إذا أعقبت بفعل ماضٍ كما في قول الشاعر: "رأيتك لما أن عرفت وجوهنا".

لأن "بنات أوبر" علم، و"النفس" تمييز، فلا يقبلان التعريف، ويلتحق بذلك ما زيد شذوذا نحو: ادخلوا الأول فالأول"1. وإما مجوَّزة لِلمْح الأصل2، وذلك أن العلم المنقول مما يقبل "أل" قد يلمح أصله فتدخل عليه أل، وأكثر وقوع ذلك في المنقول عن صفة كحارث وقاسم وحسن وحسين وعباس وضحاك، وقد يقع في3 المنقول عن مصدر كفضل، أو اسم عين كنعمان4، فإن في الأصل اسم للدم، والباب كله

_ 1 السابق منهما حال، واللاحق معطوف، و"أل" زائدة؛ لأن الحال واجبة التنكير، والأصل: ادخلوا أول فأول، وفائدة العطف بالفاء الدلالة على الترتيب التعقيبي، والمعنى: دخلوا مترتبين الأسبق فالأسبق، وأصل أول على الأصح: أو أل على وزن: "أفعل" قلبت الهمزة الثانية واوا، ثم أدغمت الواو في الواو؛ لاجتماع المثلين، وله استعمالان، أحدهما: أن يكون اسما بمعنى قبل، فحينئذ يكون منصرفا منونا، ومنه قولهم: أولا وآخرا، والثاني: أن يكون صفة، فيكون أفعل تفضيل ومعناه: الأسبق، فيكون غير منصرف، لوزن الفعل والوصف. شرح التصريح: 1/ 152. 2 لمح الأصل: أن ينظر ويلمح أصله المنقول عنه، قبل أن يكون علما، لتكون هنالك صلة معنوية بين المعنى القديم والجديد، فإن كان يقبل "أل" بأن لم يكن فعلا- دخلت "أل" عليه. 2 صرح ابن مالك أن المنقول عن اسم "عين" في درجة متأخرة عن المنقول عن "المصدر" وهما جميعا يقعان مرتبين، بعد درجة المنقول عن الصفة، قال في شرح التسهيل: "وأكثر وقوعها على منقول من صفة، ويليه دخولها على منقول من مصدر، ويليه دخولها على منقول من اسم "عين"، ولكن المؤلف جمع بين المنقول عن مصدر والمنقول عن اسم عين، وجعلهما في درجة واحدة. شرح التصريح: 1/ 152. 4 يمثل العلماء تارة بالنعمان، للعلم الذي قارنت "أل" وضعه، فتكون لازمة، وتارة يمثلون به للعلم الذي زيدت فيه "أل" للمح الأصل، فتكون غير لازمة؛ وذلك لأن العرب سموا "النعمان" مصاحبا "لأل"، وسموا "نعمان" غير مقترن بأل، فتمثيل كل جماعة باعتبار، ومن تسميتهم بالمجرد قوله: أيا جبلي نعمان بالله خليا ... نسيم الصبا يخلص إليَّ هبوبها وقول الآخر: زيادتنا نعمان لا تحسبنها ... تق الله فينا والكتاب الذي تتلو شرح التصريح: 1/ 152، وابن عقيل "تحقيق البقاعي": 1/ 147- 148، وحاشية الصبان: 1/ 183.

سماعي1، فلا يجوز في نحو محمد وصالح ومعروف، ولم تقع في نحو: "يزيد" و"يشكر"؛ لأن أصله الفعل وهو لا يقبل أل، وأما قوله: رأيت الوليد بن اليزيد مباركا2. ... فضرورة سهَّلها تقدم ذكر الوليد. فصل: من المعروف بالإضافة أو الأداة ما غلب على بعض من يستحقه حتى التحق بالأعلام، فالأول كابن عباس، وابن عمر بن الخطاب، وابن عمرو بن العاص، وابن مسعود، غلبت على العبادلة3 دون من عداهم من إخوتهم، والثاني كالنجم للثريا، والعقبة والبيت والمدينة والأعشى، و"أل" هذه زائدة لازمة، إلا في نداء أو إضافة فيجب حذفها، نحو: "يا أعشى باهلة"، و"أعشى تغلب"، وقد يحذف في غير ذلك، سمع: هذا عَيُّوق طالعا، و"هذا يوم اثنين مباركا فيه"4.

_ 1 يرى بعض المحدثين أن من الخير أن يقاس على ذلك؛ لأن الغرض الذي من أجله زيدت اللام مستجد في كل العصور، فلا يصح قصره على ما سمع قديما. 2 تقدم تخريج الشاهد والتعليق عليه. 3 قيل: الصواب ذكر ابن الزبير، مكان ابن مسعود؛ لأن ابن مسعود، مات قبل إطلاق اسم العبادلة، وهذه الكلمة منحوتة من "عبد الله" مثل بسملة، وحمدلة......... إلخ. وقصد المؤلف: أن لفظ "ابن عمر" غلب على عبد الله بن عمر من دون إخوته، وابن مسعود غلب على عبد الله بن مسعود، من بين إخواته، وآية ذلك: أن كلامه في المعرف بالإضافة، فأما لفظ العبادلة، فقد جمع به "عبد الله" بطريق النحت. 4 حكاه سيبويه، ومجيء الحال منه في الفصيح، يوضح فساد قول المبرد في جعله "أل" في الاثنين وسائر الأيام للتعريف، فإذا زالت، صارت نكرات، والصحيح عند الجمهور: أن أسماء الأيام أعلام توهمت فيها الصفة، فدخلت عليها "أل" كالحارث، ثم غلبت، فصارت كالدبران. شرح التصريح: 1/ 154.

باب المبتدأ والخبر

[باب المبتدأ والخبر] : هذا باب المبتدأ والخبر: [تعريف المبتدأ وهو نوعان] : المبتدأ: اسم أو بمنزلته، مجرد عن العوامل اللفظية أو بمنزلته، مخبر عنه، أو وصف رافع لمكتفىً به. فالاسم، نحو: "الله ربنا" و"محمد نبينا" والذي بمنزلته، نحو: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُم} ، و: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُم} 2، و"تسمع بالمعيديِّ خير من أن تراه3.

_ 1 "2" سورة البقرة، الآية: 184. موطن الشاهد: {أَنْ تَصُومُوا} . وجه الاستشهاد: مجيء المبتدأ مصدرا مؤولا من "أن وما دخلت عليه" والتقدير: وصومكم خير لكم، وهذا جائز باتفاق؛ لأنه بمنزلة الاسم الصريح. 2 "2" سورة البقرة، الآية: 6. موطن الشاهد: {أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} . وجه الاستشهاد: مجيء المبتدأ مصدرا متصدرا من الفعل، والتقدير: إنذارك وعدمه سواء عليهم، "وسواء": خبر مقدم، وإنذارك: مبتدأ مؤخرا، وعدمه: معطوف عليه. 3 هذا مثل قاله العرب: يضرب لمن يكون خبره والحديث عنه أفضل من مرآه ومنظره، وأول من قاله، هو: المنذر بن ماء السماء، وانظر قصته في مجمع الأمثال للميداني: 1/ 129 برقم: 655. وقد أورد الجاحظ في البيان والتبيين: 1/ 177، 237، والخزانة: 1/ 151، 2/ 442، 3/ 614، 4/ 408، 499، وأورده ابن برهان في باب "إن". ولهذا المثل ثلاث روايات، هي: أ- "لأن تسمع بالمعيديّ خير......" فاللام للابتداء، وأن المصدرية، ولا إشكال في هذه الرواية: لأن المصدر المنسبك من "أن وما بعدها" في تأويل المبتدأ، والحرف موجود في الكلام.

والمجرد كما مثلنا، والذي بمنزلة المجرد، نحو: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّه} 1، و"بحسبك درهم" لأن وجود الزائد كلا وجود، ومنه عند سيبويه: {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} 2، وعند بعضهم: "ومن لم يستطع فعليه بالصوم" 3.

_ ب- "تسمعَ بالمعيديّ خير..........." بنصب المضارع بـ "أن" محذوفة، وفي هذه الرواية شذوذ؛ لأن الحرف المصدري ضعيف؛ ومع هذا فقد بقي عمله بعد حذفه. جـ- "تسمعُ بالمعيدي خير من أن تراه" برفع المضارع "تسمع" بعد حذف "أن"، وهذه الرواية جاءت على الأصل، حيث حذف الحرف الناصب، وزال عمله، وهنا اختلف العلماء في توجيه هذه الرواية، فذهب بعضهم إلى أن الحرف المصدري مقدَّر؛ ليسبك بالفعل، ويؤول بمصدر يقع مبتدأ؛ لأن المبتدأ لا يكون إلا اسما، وذهب آخرون إلى أن الفعل، إذا أريد به مجرد الحدث صح أن يسند إليه، ويضاف إليه، ولا حاجة عند هؤلاء إلى تقدير الحرف المصدري، ويكون من باب استعمال اللفظ في جزء معناه؛ لأن الفعل يدل على الحدث الذي هو مدلول المصدر وعلى الزمان، وقد جرد هنا من الدلالة على الزمان، واقتصر فيه على الجزء الأول الذي هو الحدث. 1 "35" سورة فاطر، الآية: 3. موطن الشاهد: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ} . وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" حرف جر زائد، أي: اسم استفهام مبتدأ، و"كم" مضاف إليه. المفتون: خبر، وهذا -على رأي سيبويه وأما الأخفش، فيرى أن: "بأيكم": خبر مقدم، والباء بمعنى "في" وليست زائدة، والمفتون: "بمعنى الفتنة" مبتدأ مؤخر، وهو مصدر جاء على وزن اسم المفعول، ومنع ذلك سيبويه؛ لأن صيغة "مفعول" لم تثبت عنده بمعنى المصدر، ولأن سياق الآية يقتضي أن الاستفهام عن تعيين الشخص الذي وقعت عليه الفتنة من المخاطبين؛ لا عن مكان المفتون. انظر شرح التصريح: 1/ 156. 3 هذه قطعة من حديث نبوي روي في صحيح مسلم، من حديث ابن مسعود، وهو =

والوصف نحو: "أقائم هذان"، وخرج نحو: "نزال"، فإنه لا مخبر عنه ولا وصف، ونحو: "أقائم أبواه زيد"، فإن المرفوع بالوصف غير مكتفىً به، فزيد: مبتدأ، والوصف خبر. [يشترط في المبتدأ الوصف تقدم نفي أو استفهام] : ولا بد لوصف المذكور من تقدم نفي أو استفهام1، نحو2: [الطويل]

_ = بتمامه: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أحصن للفرج، وأغض للبصر، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فأنه له وجاء"، البخاري: 4/ 119، 9/ 112، ومسلم: 2/ 1018-1019. لغة الحديث: الباءة: النكاح، وقيل القدرة على تبعات الزواج. وجاء: مصدر وجأ يجأ، والوجاء: رض عروق البيضتين، حتى تنفضخ، أي: تنفتح وتنعصر، من غير إنزال، فيكون شبيها بالخصاء؛ لكونه يكسر الشهوة. الإعراب: فعليه: الفاء واقعة في جواب الشرط. "عليه" خبر مقدم. بالصوم: الباء زائدة، الصوم: مبتدأ مؤخر، والتقدير: الصوم واجب عليه، وهذا قول ابن عصفور، وقيل: "عليه": اسم فعل أمر بمعنى "ليلزم" وفاعله مستتر فيه وجوبا. بالصوم: الباء زائدة، الصوم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه مفعول اسم الفعل، غير أن هذا الوجه ضعيف لأمرين، الأول: من جهة الصناعة؛ لأن فعل الأمر، يكون عادة للمخاطب، لا للغائب. الثاني: لأن زيادة الباء مع المفعول غير ثابتة، في غير هذا الموضع، حتى يحمل عليها. وانظر شرح التصريح: 1/ 156. 1 مذهب البصريين إلا الأخفش أن الوصف، لا يكون مبتدأ إلا إذا اعتمد على نفي أو استفهام، كما في المبتدأ، وذهب الأخفش والكوفيون إلى عدم اشتراط ذلك فأجازوا: "قائم" الزيدان، فقائم: مبتدأ، والزيدان: فاعل سد مسد الخبر، والشرط المذكور لاكتفاء الوصف بالفاعل عن الخبر على الأرجح، لا شرط العمل، ومعلوم أن النفي يشمل النفي بالحرف، أو بالاسم، أو بالفعل. وكذا الاستفهام، يشمل الاستفهام بالحرف، أو بالاسم. انظر شرح التصريح: 1/ 157، وابن عقيل: 1/ 192، وابن عقيل "ط. دار الفكر": 1/ 154، ومغني اللبيب "ط. دار الفكر" 723. 2 لم ينسب هذا البيت إلى قائل معين.

64- خليليَّ ما وافٍ بعهدِّيَ أنتما1

_ 1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: إذا لم تكونا لي على من أقاطعُ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 157، والأشموني: "136/ 1/ 189"، ومغني اللبيب "958/ 723" وشذور الذهب "84/ 237"، وقطر الندى "38/ 159"، وشرح شواهد المغني: 303 والعيني: 1/ 516، وهمع الهوامع: 1/ 94، والدرر اللوامع: 1/ 71". المفردات الغريبة: واف: اسم فاعل، من وفى بالعهد، أنجزه ولم يخلفه. عهدي. هو ما بين الرَّجُلَيْن من صداقة وأخوة. أقاطع: أخاصم وأهجر. المعنى: يخاطب الشاعر صديقيه: إنكما إذا لم تكونا لي على من أعاديه، وإذا لم تقاطعا من أقاطع من الناس؛ من أجلي؛ فإنكما لم تفيا بما بيننا من عهد الصداقة والوداد. الإعراب: خليلي: منادى مضاف بحرف نداء محذوف، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه مثنى، والياء الثانية: مضاف إليه. ما: نافية. واف: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء المحذوفة؛ للتخلص من التقاء الساكنين. "بعهدي": متعلق بـ "واف" ومضاف إليه. أنتما: فاعل "واف" سد مسد الخبر: إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان. لم: جازمة نافية. تكونا: فعل مضارع ناقص مجزوم بـ "لم" والألف: اسمه. "لي": متعلق بـ "تكونا". "على من": متعلق بمحذوف خبر "تكونا" الناقص. أقاطع: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا، و"الجملة": صلة الموصول "من" لا محل لها، والعائد إلى الاسم الموصول ضمير نصب محذوف، والتقدير على من أقاطعه، وجملة: "لم تكونا لي على من أقاطع": في محل جر بالإضافة بعد إذا، وجواب إذا محذوف، لدلالة الكلام السابق عليه، وتقدير الكلام، إذا لم تكونا لي على من أقاطع فما واف بعهدي أنتما. موطن الشاهد: "ما واف..... أنتما". وجه الاستشهاد: مجيء "أنتما" فاعلا سادا مسد الخبر بعد المبتدأ الوصف "واف" المسبوق بالنفي، فهو اسم فاعل من فعل "وفى". وفي البيت شاهد آخر على أن الضمير البارز الواقع فاعلا بعد الوصف، يسد مسد الخبر كالاسم الصريح تماما، خلافا لبعض النحويين الذين لا يجوزون وقوع الضمير سادا مسدا الخبر، ومن هؤلاء الزمخشري، وابن الحاجب، حيث شرط أن يكون المرفوع اسما ظاهرا. انظر شرح التصريح: 1/ 157.

ونحو1: [البسيط] 65- أقاطنٌ قوم سلمى أم نَوَوْا ظَعَنَا2

_ 1 لم ينسب إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: إن يظعنوا فعجيب عيش من قطنا وهو من شواهد: التصريح: 1/ 157، والأشموني: "134/ 1/ 89" والعيني: 1/ 512، وشذور الذهب: "85/ 238"، وقطر الندى: "39/ 160". المفردات الغريبة: قاطن: "اسم فاعل من قطن بالمكان" إذا أقام فيه، ظعنا "بفتح العين": الاسم من ظعن، ومعناه: ارتحل، والظعن "بسكون العين": هو مصدر الفعل، ويقال: الساكن والمتحرك كلاهما مصدر، ويجوز أن يكون أصله السكون، وفتحت العين؛ لأنها حرف حلق، كما في البحر والشعر. المعنى: يتساءل الشاعر: أمقيم وباقٍ قوم سلمى في مكانهم الذي أعهده؟ أم عزموا السفر والرحيل؟ ثم قال: إن يسافروا ويتركوا ديارهم ومنازلهم، فستكون حياة من يبقى ويتخلف عنهم عجيبة غريبة. الإعراب: أقاطن: الهمزة حرف استفهام، قاطن: مبتدأ مرفوع. قوم: فاعل سد مسد الخبر. سلمى: مضاف إليه. أم: حرف عطف. نووا: فعل ماضٍ وفاعل. ظعنا: مفعول به لـ "نوى" إن: حرف شرط جازم. يظعنوا: فعل مضارع مجزوم، وهو فعل الشرط، والواو: فاعل: فعجيب: الفاء رابطة لجواب الشرط. عجيب: خبر مقدم. عيش: مبتدأ مؤخر. من: اسم موصول، مضاف إليه. قطنا: فعل ماضٍ، والألف: للإطلاق، والفاعل هو. و"الجملة": صلة للموصول، لا محل لها، وجملة "المبتدأ والخبر" في محل جزم جواب الشرط. موطن الشاهد: "أقاطن قوم". وجه الاستشهاد: مجيء اسم الفاعل "قاطن" مبتدأ؛ لاعتماده على الاستفهام بالهمزة، فاستغنى بمرفوعه "قوم" عن الخبر، وهذا جائز بالإجماع. فائدة: لا يجوز إعراب "قاطن" خبرا مقدما، و"قوم" مبتدأ مؤخرا؛ لأن لفظة "قوم" تدل على معنى الجمع، بسبب كونه اسم جمع، و"قاطن"، مفرد، ولا يجوز أن يأتي المفرد خبرا عن الجمع، ولا عما يدل عليه.

خلافا للأخفش والكوفيين1، ولا حجة لهم في نحو:1 [الطويل] 66- خبيرٌ بنو لهب فلا تك ملغيا3

_ 1 ذهب الكوفيون، والأخفش، وابن مالك في الألفية إلى أنه يجوز أن يرفع الوصف فاعلا أو نائب فاعل مكتفىً به، وإن لم يعتمد هذا الوصف على نفي أو استفهام، وعبارة الناظم: ..................... وقدْ ... يجوز نحو: فائز أولو الرَّشَدْ لكن المؤلف، لم يشر إلى ذلك، وقد أشرنا إلى هذا سابقا. التصريح: 1/ 157. 2 ينسب هذا البيت إلى رجل من طيئ، ولم يعينه أحد من النحاة. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: مقالة لِهبيٍّ إذا الطير مرَّتِ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 157، وابن عقيل: "41/ 1/ 195"، والأشموني: "139/ 1/ 90. المفردات الغريبة: خبير: من الخبرة. وهي العلم بالشيء. بنو لهب: جماعة من بني نصر من الأزد، يقال: إنهم أزجر قوم، وأعيفهم وأعرفهم، بما تدور عليه حركات الطير. ملغيا: من الإلغاء، يقال: ألغيت كلامه إذا عددته ساقطا. المعنى: إن بني لهب يعلمون زجر الطير، ويعرفون مهابطه، وما تدل عليه أصواته وحركاته حين يمر، فإذا أخبرك لهبي بشيء من ذلك فصدقه، ولا تلغِ قوله. الإعراب: خبير: مبتدأ، وقد سوغ الابتداء به، وهو نكرة، أنه عامل فيما بعده. بنو: فاعل "خبير" سد مسد الخبر، وبنو ملحق بجمع المذكر السالم. لهب: مضاف إليه. فلا: الفاء عاطفة، لا: ناهية. تكُ: مضارع ناقص مجزوم بـ "لا" وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة تخفيفا، واسمه: أنت. ملغيا: خبر "تك" منصوب، وفيه فاعل مستتر فيه؛ لأنه اسم فاعل. مقالة: مفعول به لـ "ملغيا" لهبي: مضاف إليه. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان متضمن معنى الشرط. الطير: فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده. والجملة من "الفعل المحذوف والفاعل": في محل جر بالإضافة، وهي جملة الشرط، وجواب الشرط محذوف؛ لدلالة السياق عليه، والتقدير، إذا مرَّتِ الطير فلا تك ملغيا. مرت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث، والفاعل: هي، والجملة مفسرة، لا محل لها. موطن الشاهد: "خبير بنو لهب". وجه الاستشهاد: استدل الكوفيون والأخفش بهذا الشاهد على مجيء "خبير" مبتدأ، لكونه وصفا عاملا فيما بعده، من دون أن يعتمد على نفي أو استفهام؛ لأنهم لا يشترطون ذلك، وعليه فـ "بنو" فاعل سدَّ مسدَّ الخبر، غير أن البصريين عدا =

خلافا للناظم وابنه، لجواز كون الوصف خبرا مقدما، وإنما صح الإخبار به عن الجمع لأنه على فعيل، فهو على حد: {وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} 1. وإذا لم يطابق الوصف ما بعده تعيَّنت ابتدائيته، نحو: "أقائم أخواك"، وإن طابقه في غير الإفراد تعينت خبريته، نحو: "أقائمان أخواك"، و"أقائمون إخوتك"، وأن طابقه في الإفراد احتملهما، نحو: "أقائم أخوك"2.

_ = الأخفش يرون أن "خبير": خبر مقدم، و"بنو": مبتدأ مؤخر، وهذا الراجح لدى جمهور العلماء، ورد البصريون على من قال: إنه يشترط أن يتطابق المبتدأ والخبر في الإفراد والتثنية والجمع، وهنا لا تطابق بين "خبير" و"بنو" فالجواب: أن "خبير" جاءت على زنة المصدر، والمصدر: يخبر به عن الواحد، والمثنى، والجمع بلفظ واحد، وقد وردت صيغة "فعيل" مخبرا بها عن الجماعة، كما في قوله تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} وقول الشاعر: هن صديق للذي لم يشب وفي هذا، إبطال لحجة الكوفيين والأخفش، انظر تفصيل هذه المسألة في شرح التصريح: 1/ 158، وحاشية الصبان: 1/ 192. 1 "66" سورة التحريم، الآية: 4. موطن الشاهدَّ: {وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} . وجه الاستشهاد: مجيء "ظهير" خبرا لـ "الملائكة" وجاز الإخبار بـ "ظهير" لأنه على وزن فعيل" الذي على زنة المصدر، وكما يجوز الإخبار بالمصدر، يجوز الإخبار بما يوازنه. 2 يتضح مما سبق أن للوصف مع مرفوعه ثلاثة أحوال هي: أ- أن يتعين كون الوصف خبرا مقدما والمرفوع بعده مبتدأ مؤخرا؛ وذلك إذا كان الوصف والمرفوع، إما مثنيين، نحو: "أقائمان أخواك"؟، وإما مجموعين، نحو: "أقائمون إخوانك"، والسبب في عدم مجيء الوصف مبتدأ في هذه الحال، والمرفوع فاعلا له أغنى عن الخبر؛ لأن العامل في الفاعل لا تتصل به علامة تثنية ولا جمع على الفصيح من لغات العرب. ب- أن يتعين كون الوصف مبتدأ، والمرفوع فاعلا، وذلك إذا كان الوصف مفردا، والمرفوع مثنى، أو جمعا، نحو: أقادم صديقاك؟ و: أذاهب أعمامك؟ والسبب في عدم جعل الوصف خبرا في هذه الحال، أنه لا يجوز الإخبار بالمفرد عن المثني والجمع. ج- جواز الأمرين، وذلك إذا كان الوصف مفردا، والمرفوع مفردا أيضا، فيجوز اعتبار الوصف مبتدأ، ومرفوعه سد مسد الخبر، أو يكون خبرا مقدما، والمرفوع مبتدأ مؤخرا. راجع التصريح. 1/ 158، وابن عقيل: 1/ 157- 158.

وارتفاع المبتدأ بالابتداء، وهو التجرد للإسناد، وارتفاع الخبر بالمبتدأ، لا بالابتداء، ولا بهما، وعن الكوفيين أنهما ترافعا1. [تعريف الخبر وأنواعه] : والخبر الجزء الذي حصلت به الفائدة مع مبتدأ غير الوصف المذكور، فخرج فاعل الفعل، فإنه ليس مع المبتدأ، وفاعل الوصف2. وهو: إما مفرد3، وإما جملة. والمفرد: إما جامد4 فلا يتحمل ضمير

_ 1 مذهب سيبويه، وجمهور البصريين أن المبتدأ مرفوع بالابتداء، وأن الخبر مرفوع بالابتداء، فالعامل في المبتدأ معنوي وهو كون الاسم مجردا عن العوامل اللفظية غير الزائدة، وما أشبهها واحترز بغير الزائدة، من مثل: "بحسبك درهم" فـ "حسبك": مبتدأ، وهو مجرد عن العوامل اللفظية غير الزائدة، ولم يتجرد عن الزائدة؛ لأن "الباء" الداخلة عليه زائدة، واحترز "بشبهها" من مثل: "رب رجل قائم"، لأن رب حرف جر شبيه بالزائد، فـ "رجل: مبتدأ"، وقائم: خبره"، ويدل على ذلك رفع المعطوف عليه، نحو: "رب رجل قائم وامرأة". - والعامل في الخبر لفظي، وهو المبتدأ. وهذا مذهب سيبويه رحمه الله. - وذهب قوم إلى أن العامل في المبتدأ والخبر الابتداء، فالعامل فيهما معنوي. - وقيل: المبتدأ مرفوع بالابتداء، والخبر مرفوع بالابتداء والمبتدأ. - وقيل: ترافعا، ومعناه أن الخبر رفع المبتدأ، وأن المبتدأ رفع الخبر. وأعدل هذه المذاهب مذهب سيبويه، وهو الأول، وهذا الخلاف مما لا طائل فيه. انظر ابن عقيل: 1/ 159. وشرح التصريح: 1/ 158- 159. 2 أي: فلا يسمى خبرا وإن حصلت به فائدة مع المبتدأ؛ لأن هذا المبتدأ هو الوصف المذكور، وإنما يسمى فاعلا سد مسد الخبر. 3 المراد بالمفرد: ما ليس جملة ولا شبه جملة، فيشمل المثنى والجمع، والمركب بأنواعه المعروفة. 4 أي: غير مشتق، وهو ما لم يُصَغْ من مصدر للدلالة على متصف به، ولا يشعر بمعنى الفعل الموافق له في مادته، فيشمل أسماء الزمان، والمكان، والآلة.

المبتدأ، نحو: "هذا زيد"، إلا إن أُوِّل بالمشتق، نحو: "زيد أسد"، إذا أريد به شجاع2، وإما مشتق فيتحمل ضميره، نحو: "زيد قائم"، إلا أن رفع الظاهر، نحو: "زيد قائم أبواه"3، ويبرز الضمير المتحمل إذا جرى الوصف على غير من هو له، سواء ألبس، نحو: غلام زيد ضاربه هو"4 إذا كانت الهاء للغلام5، أم لم يلبس، نحو: "غلام هند ضاربته هي"6، والكوفي إنما يلتزم الإبراز عند الإلباس، تمسكا بنحو قوله7: [البسيط]

_ 1 ولا يرفع كذلك ضميرا بارزا، ولا اسما ظاهرا بعده. 2 أو: قَلْب السفَّاح حَجَر، أي: قاسٍ، لا رحمة فيه، وهكذا. 3 أو رفع كذلك ضميرا بارزا، نحو: الخير أنت مقدم عليه. وفي الخبر المفرد، يقول ابن مالك: والمفرد الجامد فارغ، وإن ... يشتق فهو ذو ضمير مستكن أي: الخبر المفرد نوعان، جامد ومشتق، فالجامد: فارغ من الضمير، ومشتق: فيه ضمير مستكن، أي: مستتر. 4 أي: إذا كان الوصف الواقع خبرا صفة لغير مبتدئه. 5 ضاربه: وصف في المعنى لـ "زيد"؛ لأنه هو الضارب للغلام، وقد جرى على الغلام؛ لأنه خبر عنه، فلو لم يبرز الضمير المستتر في "ضاربه" لتوهم أن الغلام، هو الضارب لـ "زيد"، فينقلب المعنى، وفي هذه الحالة، يتعين أن يكون الضمير البارز فاعلا أو نائب فاعل بحسب نوع الوصف؛ لأن جريانه على غير صاحبه، يمنع استتاره، فترجع إليه حالته الأولى، ولا يعرب توكيدا للضمير المستتر. شرح التصريح: 1/ 161- 162. 6 جرى الوصف "ضاربته" على غير ما هو له، وهو الغلام، ولكن تاء التأنيث، تدل على أن الوصف في المعنى لـ "هند" وفي هذا، يقول الناظم: وأبرِزَنْه مطلقا حيث تلا ... ما ليس معناه له محصلا أي: أبرز الضمير الرابط مطلقا سواء أمن اللبس أم لم يؤمن إذا وقع الخبر بعد مبتدأ، لا يكون معنى هذا الخبر محصلا أي حاويا لمعناه، وذلك إذا كان الخبر جاريا على غير ما هو له، ويستوي في توقع الإلباس عند عدم القرينة: الوصف والفعل ماضيا أو مضارعا، نحو: محمد علي أكرمه، أو يكرمه، ففي كل من الفعلين ضمير مستتر، وآخر بارز، يصح عودهما إلى الاسمين، ومن القرائن هنا حروف المضارعة، وضمائر الرفع البارزة راجع شرح التصريح: 1/ 162، وابن عقيل، 1/ 164. 77 لم يعرف قائله.

67- قومي ذرا المجد بانوها.......... 1 والجملة إما نفس المبتدأ في المعنى، فلا تحتاج إلى رابط، نحو: {هُوَ اللَّهُ أَحَد} 2 إذا قُدِّر "هو" ضمير شأن، ونحو: {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ

_ 1 تخريج الشاهد: تمام البيت هو: قومي ذرا المجد بانوها، وقد علمت ... بكنه ذلك عدنان وقحطان وهو من شواهد: التصريح: 1/ 162، وابن عقيل: "42/ 1/ 208" والأشموني: "143/ 1/ 93"، والعيني: 1/ 157. المفردات الغريبة: ذرا: جمع ذروة، وذروة الشيء: أعلاه. المجد: الكرم. بانوها: اسم فاعل من البناء، وبانون أصله بانيون أعلَّ إعلال قاضيون. كنه: حقيقة ونهاية الشيء، عدنان: أبو معد. قحطان: أبو اليمن. المعنى: يفخر الشاعر بأن قومه هم الذين أسسوا أعالى المجد والشرف، وقد علمت بحقيقة ذلك قبيلتا عدنان وقحطان، ويريد العرب جميعا. الإعراب: قومي: مبتدأ أول، ومضاف إليه. ذرا: مبتدأ ثانٍ، وهو مضاف. المجد: مضاف إليه بانوها: خبر المبتدأ الثاني، و"ها" مضاف إليه، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول. قد: حرف تحقيق. علمت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث "بكنه": متعلق بـ "علمت"، وكنه مضاف. ذلك: مضاف إليه واللام للبعد، والكاف للخطاب. عدنان: فاعل علمت. وقحطان: معطوف عليه مرفوع مثله. موطن الشاهد: "قومي ذرا المجد بانوها". وجه الاستشهاد: وقوع "بانوها" خبرا لـ "ذرا"، وهو في المعنى عائد إلى "قومي"؛ لأنهم هم البانون، ولم يبرز الضمير؛ لأمن اللبس؛ لأن "الذرا" مبنية لا بانية، ولو أبرزه، لقال: بانيها هم، حيث إن الوصف كالفعل يفرد إذا أسند إلى المثنى والجمع، ويجوز على غير الفصحى: بانوها هم، والكوفيون يجيزون عدم إبراز الضمير عند أمن اللبس فقط، كما في هذا المثال، وأما البصريون، فيوجبون إبراز الضمير في كل حال، ويعدون هذا الشاهد غير موافق لقياس، فهو شاذٌّ، ومعلوم أن الشاذَّ، يحفظ، ولا يقاس عليه، وقد أعرب بعضهم "ذرا المجد" منصوبا بوصف محذوف، يفسره الوصف المذكور، والتقدير: بانوا ذرا المجد بانوها. انظر شرح التصريح: 1/ 162. 2 "112" سورة الإخلاص، الآية: 1. موطن الشاهد: "هو الله أحد". وجه الاستشهاد: مجيء "الله أحد" خبرا لـ "هو" وهي عينه في المعنى؛ لأنها مفسرة له، والمفسر عن المفسر، أي الشأن الله أحد، ولما كانت الجملة نفس المبتدأ في المعنى، فلا تحتاج إلى رابط، وهذا، على اعتبار "هو" ضمير الشأن، وأما إذا قدر ضمير المسؤول عنه، فخبره مفرد وهو "الله" وأحد خبر ثان، أو بدل.

كَفَرُوا} 1، ومنه "نطقي: الله حسبي" لأن المراد بالنطق المنطوق به. وإما غيره فلا بد من احتوائها على معنى المبتدأ الذي هي مسوقة له2، وذلك بأن تشمل على اسم بمعناه، وهو إما ضميره مذكورا نحو: "زيد قائم أبوه"، أو مقدرا نحو: "السمن منوان بدرهم"، أي: منه، وقراءة ابن عامر3: "وَكُلٌّ وَعَدَ اللَّهُ

_ 1 "21" سورة الأنبياء، الآية: 97. موطن الشاهد: {هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} . وجه الاستشهاد: "هي" ضمير قصة "الشَّأْن" مبتدأ. وشاخصة: خبر مقدم، وأبصار الذين كفروا: مبتدأ مؤخر، وجملة "أبصار الذين كفروا شاخصة" في محل رفع خبر "هي" ومعلوم أنها عين "هي" في المعنى، والتقدير: فإذا القصة أبصار الذين كفروا شاخصة، ولذا فهي لا تحتاج إلى رابط. 2 يشترط في الجملة الواقعة خبرا ثلاثة شروط: الأول: أن تكون مشتملة على رابط، يربطها بالمبتدأ، وقد فصل المؤلف الكلام فيه. الثاني: ألا تكون الجملة ندائية، فلا يجوز أن تقول: محمد يا أعدلَ الناس، على أن تكون جملة "يا أعدل الناس": خبرا عن محمد. الثالث: ألا تكون مصدَّرة بأحد الحروف: "لكن، وبل، وحتى". وقد أجمع النحاة على ضرورة استكمال جملة الخبر لهذه الشروط الثلاثة، وزاد ثعلب شرطا رابعا، وهو ألا تكون جملة الخبر قسمية، وزاد ابن الأنباري، ألا تكون إنشائية، والصحيح عند الجمهور صحة وقوع القسمية خبرا عن المبتدأ، كأن تقول: زيد والله إن قصدته ليعطينك، كما أن الصحيح عند الجمهور جواز وقع الإنشائية خبرا للمبتدأ كأن تقول: زيد اضربه. وذهب ابن السراج إلى أنه إن وقع خبر المبتدأ جملة طلبية، فهو على تقدير "قول" فالتقدير عنده في المثال الذي ذكرناه: زيد مقول فيه: اضربه، تشبيها للخبر، بالنعت، وهو غير لازم عند الجمهور في الخبر، وإن لزم في النعت، وفرقوا بين الخبر والنعت بأن النعت يقصد منه التمييز، فيجب أن يكون معلوما قبل الكلام، والخبر يقصد منه الحكم، فلا يلزم أن يكون معلوما قبل الكلام. أوضح المسالك: 1/ 197 حا: 3. 3 ابن عامر: هو أبو عمران، عبد الله بن عامر الدمشقي، أمام أهل الشام في القراءة، وأسن القراء السبعة، قرأ على جماعة من الصحابة، وقيل: إنه قرأ على عثمان بن عفان رضي الله عنه، ولد سنة 21هـ، وتوفى بدمشق سنة 118هـ. طبقات القراء لابن الجوزي: 1/ 423، والعبر: 1/ 149.

الْحُسْنَى"1، أي: وعده، أو إشارة إليه نحو: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْر} 2، إذا قدر "ذلك" مبتدأ ثانيا، لا تابعا للِبَاس. قال الأخفش: أو غيرهما3، نحو: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِين} 4، أو على اسم بلفظه ومعناه، نحو: {الْحَاقَّةُ،

_ 1 "57" سورة الحديد، الآية: 10. قرأ ابن عمر "كل" بالرفع، وقرأ الباقون "كلا" بالنصب. تفسير القرطبي: 17/ 241، والبحر المحيط: 8/ 219. موطن الشاهد: "وكُلٌ وَعَد اللهُ الحُسنَى". وجه الاستشهاد: مجيء "كل" مبتدأ على قراءة ابن عامر وجملة "وعد الله الحسنى": في محل رفع الخبر، والرابط بينهما الضمير المقدر المنصوب بـ "وعد" على أنه مفعول الأول، أي: وعده الله، وأما على قراءة النصب فلا شاهد فيها. 2 "7" سورة الأعراف، الآية: 26. قرأ نافع وأبو جعفر وابن عامر والكسائي "ولباس" بالنصب عطفا على "لباس" المنصوب بـ "أنزلنا" وقرأ الباقون "ولباس" بالرفع على الابتداء والقطع مما قبله، وذلك: صفة أو بدل منه، أو عطف بيان عليه، و"خبره" خبره، النشر: 259، والاتحاف: 223، والمشكل: 1/ 309-310. موطن الشاهد: {لِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} . وجه الاستشهاد: مجيء "ذلك" مبتدأ ثانيا، و"خير" خبره، والجملة خبر المبتدأ "لباس" الرابط بينهما الإشارة إلى المبتدأ بـ "ذلك". 3 أي: غير الضمير والإشارة، كإعادة المبتدأ بمعناه، كما في الآية التالية. 4 "7" سورة الأعراف، الآية: 170. موطن الشاهد: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِين} . وجه الاستشهاد: مجيء "الذين" مبتدأ، وجملة "يمسكون بالكتاب": صلة، وأقاموا الصلاة، معطوفة على الصلة، والخبر: جملة "إنا لا نضيع أجر المصلحين"، ومعلوم أن "المصلحين" في المعنى، هم الذين يمسكون بالكتاب، ويقيمون الصلاة فأعاد المبتدأ بمعناه، وهذا هو الرابط المشار إليه، وقيل: إن الرابط محذوف، والتقدير: إنا لا نضيع أجر المصلحين منهم، وحذف الرابط المجرور جائز باتفاق، أو الرابط العموم؛ لأن المصلحين أعم من الذين يمسكون بالكتاب، وقيل: إن الذين يمسكون في موضع جر بالعطف على "للذين يتقون". انظر شرح التصريح: 1/ 165.

مَا الْحَاقَّةُ} 1، أو على اسم أعم منه، نحو: "زيد نعم الرجل"2 وقوله3: [الطويل] 68- فأما الصبر عنها فلا صبرا4.

_ 1 "69" سورة الحاقة، الآية: 1-2. موطن الشاهد: {الْحَاقَّةُ، مَا الْحَاقَّةُ} . وجه الاستشهاد: مجيء "الحاقة" مبتدأ، و"ما" مبتدأ ثانيا، والحاقة "الثانية" خبرا لـ "ما"، الجملة" في محل رفع خبر "الحاقة" الأولى، والرابط بينهما إعادة المبتدأ بلفظه ومعناه. 2 ففي الرجل عموم يشمل زيدا وغيره. 3 القائل هو: ابن ميادة، واسمه الرماح بن أبرد، وقد مرت ترجمته. 4 تخريج الشاهد: هذه قطعة من بيت، وهو بكماله: ألا ليت شعري هل إلى أم جحدر ... سبيل؟ فأما الصبر عنها فلا صبرا وهو من شواهد، التصريح: 1/ 165، وهمع الهوامع: 1/ 98، والدرر اللوامع: 1/ 74 والكتاب لسيبويه: 1/ 193، وأمالي ابن الشجري: 1/ 186، 2/ 349، والعيني: 1/ 523 ومغني اللبيب "884/ 650" وشرح شواهد المغني: 296، والأغاني: 2/ 89، وزهر الآداب: 717. المفردات الغريبة: ليت شعري: الشعر مصدر شعر بمعنى علم وفطن، والشعر: العلم، والمعنى، ليتني أشعر، أي: أعلم أم جحدر: كنية محبوبته. المعنى: يتمنى الشاعر أن يجد جوابا لسؤاله، أهناك سبيل لوصول إلى أم جحدر ولقائها؟؛ لأن شوقه إليها شديد، ولا يستطيع الصبر على فراقها، والبعد عنها. الإعراب: شعري: اسم "ليت" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل الياء، وهو مضاف، وياء المتكلم مضاف إليه، وخبر ليت محذوف، والتقدير: ليت شعري حاصل. "إلى أم": متعلق بمحذوف خبر مقدم. سبيل: مبتدأ مؤخر. فأما: حرف شرط وتفصيل. الصبر: مبتدأ. "عنها" متعلق بـ "الصبر". فلا الفاء واقعة في جواب "أما"، لا "نافية للجنس. صبرا: اسم "لا" مبني على الفتح في محل نصب، وخبر "لا" محذوف، والتقدير: لا صبر لي. وجملة "لا صبر لي": في محل رفع خبر المبتدأ "الصبر". موطن الشاهد: "أما الصبر فلا صبر". وجه الاستشهاد: مجيء "لا صبرا" خبرا لـ "الصبر" الواقع بعد "أما"، والرابط بينهما العموم؛ لأن النكرة الواقعة بعد النفي، تفيد العموم، فبقوله: "لا صبرا" نفي الصبر بمختلف أنواعه، ومنه الصبر" الواقع مبتدأ. وفي البيت شاهد آخر على مجيء الفاء الزائدة في خبر المبتدأ الواقع بعد "أما"، وحكم اقتران الفاء بالخبر في هذه الحالة الوجوب.

[وقوع الخبر شبه جملة] : ويقع الخبر ظرفا1، نحو: {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُم} 2، ومجرورا نحو: {الْحَمْدُ لِلَّه} 3، والصحيح أن الخبر في الحقيقة متعلقهما المحذوف4، وأن

_ 1 معلوم أن الظرف والجار والمجرور لا بد لهما من متعلق، وهذا المتعلق؛ إما أن يكون عاما، وإما أن يكون خاصا. فإذا كان المتعلق خاصا، فإما أن تدل عليه قرينة، وأما لا، فإن دلت عليه قرينة، نحو: متى يسافر أخوك؟ فتقول: محمد غدا، وأحمد بعد غد، فسامع الكلام، يفهم أن المراد: محمد مسافر غدا، وأحمد مسافر بعد غد، وفي هذه الحال، يجوز حذف المتعلق، وأما إن لم تدل عليه قرينة، لم يجز حذفه، نحو: خالد مسافر اليوم. وأما إن كان المتعلق عاما، سمِّي الظرف مستقرا، ووجب حذف هذا المتعلق، وسمِّي كل من الظرف، والجار والمجرور خبرا؟ ومن هذا ندرك أن "الظرف" و"الجار والمجرور". لا يقال: إنهما خبر، إلا أن يكون متعلقهما عاما، وأن هذا المتعلق العام واجب الحذف. 2 "8" سورة الأنفال، الآية: 42. موطن الشاهد: {الرَّكْبُ أَسْفَلَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "الركب" مبتدأ، و"أسفل" واقعا موقع الخبر؛ لأنه متعلق بالخبر المحذوف، والتقدير: والركب كائن أسفل، أو مستقر أسفل منكم. 3 سورة الفاتحة، الآية: 1. موطن الشاهد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "الجار والمجرور" متعلقا بالخبر المحذوف، والتقدير: الحمد كائن لله. فائدة: يشترط في الظرف والجار والمجرور أن يكونا تَامَّيْن، يحصل بالإخبار بهما فائدة بمجرد ذكرهما، فلا يصح: العلم مكانا، ومحمد بك، لعدم الفائدة. 4 قيل في هذه المسألة: إن الخبر هو نفس الظرف والجار والمجرور وحدهما؛ لأنهما يتضمنان معنى صادقا على المبتدأ وقيل: إن الخبر، هو مجموع الظرف أو الجار والمجرور مع متعلقهما والمتعلق جزء من الخبر، واختار هذا الرأي المحقق الرضي، وقيل: إن الخبر هو المتعلق المحذوف، وهو ما ارتضاه المؤلف هنا، وذكر أنه صحيح. التصريح: 1/ 166.

تقديره كائن أو مستقر، لا كان أو استقرَّ، وأن الضمير الذي كان فيه انتقل إلى الظرف والمجرور كقوله1: 69- فإن فؤادي عندك الدهرَ أجمعُ2

_ 1 القائل هو: جميل بن عبد الله بن معمر العذري: المعروف بجميل بثينة، يكنى أبا عمرو، أحد عشاق العرب المشهورين، وأكثر أشعاره في بثينة والغزل، وله شعر في الهجاء مع ابن قطبة ابن عم بثينة، مات سنة 108هـ. تجريد الأغاني: 3/ 930، المؤتلف: 72، الشعر والشعراء: 1/ 434 ابن خلكان: 1/ 143. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: فإن يك جثماني بأرض سواكم والبيت من قصيدة لجميل، مطلعها: أهاجك أمْ لا بالمداخل مربع ... ودار بأجراع الغديرين بلقع والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 166، والأشموني: "144/ 1/ 93، وهمع الهوامع: 1/ 99، والدرر اللوامع: 1/ 75، وأمالي ابن الشجري: 1/ 5، 330، وأمالي القالي: 1/ 217، وسمط اللآلي: 505، والعيني: 1/ 525، وخزانة الأدب: 1/ 190 ومغني اللبيب: "812/ 579"، وشواهد السيوطي: 286، وديوان جميل: 118، وديوان كثير: 1/ 33. المفردات الغريبة: جثماني: قال ابن منظور: "الجثمان بمنزلة "الجسمان" جامع لكل شيء، يريد به جسمه وألواحه، ويقال: ما أحسن جثمان الرجل وجسمانه، تريد ما أحسن جسده، بأرض سواكم: "يروى بالإضافة، وبتنوين أرض، في بعض الروايات": بأرض بعيدة. المعنى: يقول الشاعر لمحبوبته: إن كانت أجسامنا متباعدة وكنت مقيما في أرض غير أرضكم، فإن قلبي مقيم عندك لا يفارق أرضك ما بقي الدهر، ولا يغادرك، يعني أنه مقيم على حبها، ولا ينصرف عنها إذا ما ابتعد عنها. الإعراب: فإن: الفاء عاطفة. إن: شرطية جازمة. يك: فعل مضارع ناقص مجزوم؛ لأنه فعل الشرط، وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة. جثماني: اسم "يك" ومضاف إليه. "بأرض": متعلق بالخبر المحذوف، والتقدير: فإن يك جثماني كائنا بأرض

ويخبر بالزمان عن أسماء المعاني1، نحو: "الصوم اليوم"، و"السفر غدا" لا عن أسماء الذوات، نحو: "زيد اليوم"، فإن حصلت فائدة جاز: كأن يكون المبتدأ عاما والزمان خاصا2، نحو: "نحن في شهر كذا"، وأما نحو: "الورد في أيار"3، و"اليوم خمر" و"الليلة الهلال"، فالأصل: خروج الورد، وشرب خمر، ورؤية الهلال.

_ = سواكم: مضاف إليه؛ لأن "أرض" غير منونة، وأما إذا نونت فـ "سواكم" صفة. فإن: حرف مشبه بالفعل. فؤادي: اسم "إن" ومضاف إليه "عند": متعلق بمحذوف الخبر، والكاف: مضاف إليه: الدهر: متعلق بالخبر المحذوف. أجمع: توكيد للضمير المستكن في الظرف. موطن الشاهد: "أجمع". وجه الاستشهاد: مجيء "أجمع" توكيدا مرفوعا للضمير المنتقل إلى الظرف، وهو "عندك"؛ لأنه، لا يصح أن يكون توكيدا لـ "فؤادي" ولا لـ "عند" ولا "للدهر"؛ لأن هذه الألفاظ منصوبة، و"أجمع" مرفوعة، والمرفوع، لا يكون توكيدا للمنصوب، وفي الوقت نفسه، فلا يجوز أن يكون توكيدا لمحذوف؛ لأن التوكيد، ينافي الحذف، فلم يبق إلا أن يكون توكيدا للضمير المستكن في الظرف الواقع متعلقه خبرا؛ لأن هذا الضمير مرفوع على الفاعلية. وانظر تفصيل هذه المسألة في شرح التصريح: 1/ 166. 1 يخبر بالزمان عن أسماء المعاني؛ لأن اسم المعنى عبارة عن حركات وأفعال، وهي غير مستمرة الوجود، بل قد تحدث، وقد لا تحدث، وهي تحدث في زمان دون زمان؛ ومن أجل هذا كان الإخبار عن وجودها في زمان ما مفيدا، كقولنا: السفر غدا، ولهذا أجازوا الإخبار بالزمان عن اسم المعنى، من غير قيد؛ لأن الفائدة حاصلة دائما، وأما الإخبار بالزمان عن الذات، فاشترطوا فيه حصول الفائدة؛ وذلك لأنه لا فائدة في الإخبار بالزمان عن أسماء الذوات غالبا؛ لأن نسبتها إلى الأزمان كلها واحدة، بخلاف الأحداث التي لا بد لها من زمن. وأما المكان، فيخبر به مطلقا عن أسماء الذوات والمعاني متى حصلت الفائدة. 2 يكون التخصص بصفة، كقولنا: نحن في يوم حار، أو بإضافة، نحو: نحن في شهر الصوم، أو بعلمية، نحو: نحن في رمضان. وتحصيل الفائدة: إذا كان المبتدأ "الذات" صالحا، لتقدير مضاف، هو اسم معنى، نحو قول امرئ القيس: اليوم خمر، أي: شرب خمر. 3 اسم شهر رومي، من أشهر فصل الربيع، وهو ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة.

[لا يبدأ بالنكرة إلا إذا أفادت] : ولا يبتدأ بنكرة1، إلا إن حصلت فائدة؛ كأن يخبر عنها بمختصٍّ مقدم ظرف أو مجرور نحو: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} 2، و {عَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} 3 ولا يجوز "رجل في الدار" ولا "عند رجل مال" أو تتلو نفيا، نحو: "ما رجل قائم" أو استفهاما نحو: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} 4، أو تكون موصوفة سواء ذكرا نحو: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ} 5، أو حذف الصفة، نحو: "السمن منوان بدرهم"، ونحو: {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ

_ 1 لأن المبتدأ محكوم عليه، والمحكوم عليه لا بد أن يكون معلوما، ولو إلى حد ما، وإلا كان الحكم عليه لغوًا، لا فائدة فيه، وإنما يكون، إذا كان للمبتدأ خبر، فإن كان وصفا له فاعل، أو نائب فاعل، يغني عن الخبر، كان نكرة، ولا يحتاج إلى مسوغ؛ لأن المبتدأ في هذه الحالة، يكون محكوما به، بمنزلة الفعل والفعل في مرتبة التنكير كما يقال. التصريح: 1/ 168. 2 "50" سورة ق، الآية: 35. موطن الشاهد: {لَدَيْنَا مَزِيدٌ} . وجه الاستشهاد: مجيء "مزيد" مبتدأ وهو نكرة والذي جوز مجيئه مبتدأ الإخبار عنه بالظرف "لدينا" المتقدم عليه. 3 "2" سورة البقرة، الآية: 7. موطن الشاهد: {عَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} . وجه الاستشهاد: مجيء "غشاوة" مبتدأ مؤخرا، وهو نكرة، والذي جوز الابتداء بالنكرة الإخبار عنها بالجار والمجرور والمتقدم عليها. 4 "27" سورة النمل: الآية: 60-64. موطن الشاهد: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "إله" مبتدأ، وهو نكرة، والذي جوز وقوع النكرة مبتدأ سبقها بهمزة الاستفهام. 5 "2" سورة البقرة، الآية: 221. موطن الشاهد: {لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ} . وجه الاستشهاد: مجيء "عبد" مبتدأ، وهو نكرة: والذي جوز وقوع النكرة مبتدأ وصفها بوصف مخصص، وهو "مؤمن"؛ لأن "مؤمن": صفة لـ "عبد" مرفوعة مثله.

أَنْفُسُهُم} ، أي منوان منه، وطائفة من غيركم، أو الموصوف2، كالحديث: "سوداء ولود خير من حسناء عقيم"3، أي: امرأة سوداء، أو عاملة عمل الفعل، كالحديث: "أمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة" 4 ومن العاملة المضافة كالحديث: "خمس صلوات كتبهن الله" 5.

_ 1 "3" سورة آل عمران، الآية: 154. موطن الشاهد: {طَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} . وجه الاستشهاد: مجيء "طائفة" مبتدأ، وهي نكرة، والذي سوَّغ الابتداء بها، كونها موصوفة بصفة محذوفة؛ لأن التقدير، وطائفة من غيركم، كما في المتن. 2 أي: أو حذف الموصوف وحده، وبقيت الصفة، فهذا عطف على قوله السابق: "سواء ذكرا"، أي: الموصوف والصفة معا، وقوله: "أو حذفت الصفة"، فالأقسام ثلاثة: ذكرهما معا، وحذف الموصوف وحده، وحذف الصفة وحدها. 3 الحديث: صيغة الحديث في المصادر التي رجعنا إليها: "سوداء ولود خير من حسناء لا تلد". اتحاف السادة المتقين للزبيدي: 5/ 297-598، وكنز العمال: 7/ 4442، والأسرار المرفوعة للقاري: 218. موطن الشاهد: "سوداء.....". وجه الاستشهاد: مجيء "سوداء" مبتدأ، وهى نكرة، والذي سوَّغ الابتداء بها كونها صفة لموصوف محذوف. 4 الحديث رواه مسلم. ونصه: "يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة؛ فكل تسبيحية صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، ويجزي عن ذلك كله ركعتان يركعهما في الضحى". صحيح مسلم: 1/ 499. موطن الشاهد: "أمر بمعروف، ... نهي عن منكر". وجه الاستشهاد: مجيء كل من "أمر" و"نهى" مبتدأ، وهو نكرة، والذي سوغ الابتداء بهما كونهما عاملين في محل المجرور بعدهما؛ لأنهما مصدران، والمصدر يعمل عمل فعله. 5 الحديث: للحديث روايات متعددة، ومعناها واحد. صحيح البخاري: 1/ 106، وصحيح مسلم: 1/ 41، وسنن أبي داود: 2/ 130، وسنن النسائي: 1/ 230، وسنن ابن ماجة: 1/ 448. موطن الشاهد: "خمس صلوت". وجه الاستشهاد: مجيء "خمس" مبتدأ، وهو نكرة، والذي سوغ الابتداء بالنكرة كونها عاملة في المضاف إليه.

ويقاس على هذه المواضع ما أشبهها نحو: "قصَدَك غلامُه رجلٌ" و"كم رجلا في الدار"، وقوله1: [البسيط] 70- لولا اصطبار لأودَى كلُّ ذي مِقَةٍ2 وقولك: "رجيل في الدار" لشبه3 الجملة بالظرف والمجرور، واسم الاستفهام بالاسم المقرون بحرفه، وتالي "لولا" بتالي النفي، والمصغر بالموصوف4.

_ 1 لم ينسب إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: كما استقلت مطاياهن للظعَنِ وهو من شواهد التصريح: 1/ 170، وابن عقيل: "47/ 1/ 224"، والأشموني: "50/ 1/ 98"، والعيني: 1/ 352. المفردات الغريبة: أودى: ماضٍ لازم بمعنى هلك. مقة: محبة، وفعله: ومق يمق بالكسر فيهما، والياء فيه عوض عن فاء الكلمة، وهي الواو. استقلت: نهضت وهمت للسفر. مطاياهن: جمع مطية، والمراد بها هنا الإبل، وسميت بذلك؛ لأنه يركب مطاها أي ظهرها. الظعن: الارتحال. المعنى: يقول الشاعر: لولا التجلد والصبر، وحمل النفس على عدم الجزع لهلك كل محب عند تهيؤ أحبابه للسفر والرحيل، ومفارقتهم له. الإعراب: لولا: حرف امتناع لوجود، أو حرف شرط غير جازم. اصطبار: مبتدأ مرفوع، وخبره محذوف وجوبا، والتقدير: لولا اصطبار موجود لأودى: اللام واقعة في جواب "لولا" أودى: فعل ماضٍ. كل: فاعل "أودى". ذي: مضاف إليه. مقة. مضاف إليه. "كما": متعلق بـ "أودى". استقلت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث. مطاياهن: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف، و"هن" في محل جر بالإضافة. "للظعن": متعلق بـ "استقلت". موطن الشاهد: "اصطبار". وجه الاستشهاد: وقوع "اصطبار" مبتدأ، وهو نكرة، والذي سوغ وقوعه مبتدأ، وقوعه بعد "لولا" وهي تشبه "ما" النافية في الجملة؛ لأنها تقتضي انتفاء جوابها لانتفاء شرطها. 3 مواضع النكرة المفيدة كثيرة جدا. وقد أوصلها بعض النحاة إلى أربعين موضعا، والأصل الذي تقوم عليه الإفادة، وهذا الأصل هو المرجع الوحيد في صحة الابتداء بالنكرة. 4 أي: ألحق المصغر بالمصوف في الحكم، وجواز الابتداء به إذا كان نكرة، ووجه الشبه هو اشتراكهما في المعنى؛ لأن التصغير وصف في المعنى، ومن قال: "رجيل عندنا" كأنه قال: رجل صغير عندنا، ولما جاز الابتداء بالنكرة الموصوفة، جاز قياسا عليها الابتداء بالاسم المصغر النكرة. وانظر بقية شروط الابتداء بالنكرة في شرح ابن عقيل: 1/ 170- 178. والأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 204 وما بعدها.

[حالات الخبر] : وللخبر ثلاث حالات: [يجب تأخر الخبر في أربع مسائل] : إحداها: التأخر، وهو الأصل كـ "زيد قائم" ويجب في أربع مسائل1: إحداها: أن يخاف التباسه بالمبتدأ، وذلك إذا كانا معرفتين، أو متساويين ولا قرينة، نحو: "زيد أخوك" و"أفضل منك أفضل مني" بخلاف "رجل صالح حاضر". و"أبو يوسف أبو حنيفة"، وقوله: [الطويل] 71- بنونا بنو أبنائنا..........3

_ 1 ومن المسائل الأخرى التي يجب فيها تأخير الخبر: 1- أن يكون المبتدأ هو "مذ" أو "منذ"، نحو: ما رأيته "مذ يومان" إذا جعلت "مذ" اسما مبتدأ، وإعراب مذ خبرا مقدما -كما ذهب إليه الزجاج- غير مستقيم. 2- أن يكون المبتدأ ضمير متكلم، أو مخاطب، مخبرا عنه بالذي وفروعه، نحو: أنا الذي عرفوني، ونحو: أنت الذي تدعى ما لا تحسنه، خلافا للكسائي، في هذه المسألة. 3- أن يكون الخبر طلبا، نحو: زيد اضربه، وزيد لا تهنه. 4- أن يكون المبتدأ دعاء، نحو قولك: سلام عليكم وويل لكم. 5- أن يكون الخبر متعددا، وهو في قوة الخبر الواحد، نحو: الرمان حلو حامض. 6- أن يقع بين المبتدأ والخبر ضمير الفصل، نحو: زيد هو المنطلق. 7- أن يكون الخبر مقترنا بالباء الزائدة، نحو قولك: ما زيد بقائم. - حاشية يس على التصريح: 1/ 171، والنحو الوافي 1/ 492-500، والأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 211-212. 2 هو الفرزدق، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: البيت بتمامه: بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأباعد =

أي: بنو أبنائنا مثل بنينا. الثانية: أن يخاف التباس المبتدأ بالفاعل1، نحو: "زيد قام" بخلاف "زيد قائم" أو "قام أبوه" و"أخواك قاما"2.

_ = وهو: من شواهد التصريح: 1/ 173، وابن عقيل "51/ 1/ 233"، والأشموني: "153/ 1/ 99"، ومغني اللبيب: "818/ 589"، وهمع الهوامع: "1/ 102" والدر اللوامع: "1/ 76"، ودلائل الإعجاز للجرجاني: 240، والإنصاف: 1/ 66، وشرح المفصل: 1/ 99، 9/ 132، وخزانة الأدب: 1/ 213، وديوان الفرزدق: 217. المعنى: إن أولاد أبنائنا، ينتسبون إلينا؛ لأنهم كأولادنا، أما أولاد بناتنا، فينتسبوا إلى آبائهم الأجانب عنا. الإعراب: بنونا: خبر مقدم، ومضاف إليه. بنو: مبتدأ مؤخر، وهو مضاف. أبنائنا: مضاف إليه، و"نا": مضاف إليه ثانٍ. وبناتنا: مبتدأ أول، مضاف إليه. بنوهن مبتدأ ثانٍ، ومضاف إليه. أبناء: خبر للمبتدأ الثاني، الرجال: مضاف إليه. الأباعد صفة لـ "الرجال"، وجملة "بنوهن أبناء الرجال": خبر للمبتدأ الأول "بناتنا". موطن الشاهد: بنونا بنو أبنائنا. وجه الاستشهاد: تقديم الخبر "بنونا" على المبتدأ، وهو "بنو أبنائنا" مع تساويهما فـ التعريف؛ لأن كلا منهما مضاف إلى ياء المتكلم، وسوغ ذلك القرينة المعنوية التي تعين المبتدأ، وهي التشبيه الذي يقضي بأن بني الأبناء مشبهون بالأبناء، وقيل: هل من التشبيه المقلوب للمبالغة، ولا شاهد فيه، وإلى هذا، أشار الناظم: "فامنعه حين يستوي الجزآن ... عرفا ونكرا عادمي بيان أي: امنع التقديم، إذا استوى المبتدأ والخبر في التعريف والتنكير، وعُدِما القرينة والبيان الذي يوضح المبتدأ منهما من الخبر. انظر شرح التصريح: 1/ 172، وابن عقيل: 1/ 182-183. 1 وذلك إذا كان الخبر جملة "فعلية"، فاعلها ضمير مستتر، يعود على المبتدأ، نحو: زيد يقوم؛ ففي "يقوم" ضمير مستتر جوازا تقديره: هو؛ يعود على زيد؛ ولهذا يجب تقديم المبتدأ في هذه الحال، ولأننا لو قدمنا الفعل؛ لانقلبت الجملة من اسمية إلى فعلية، كما هو معلوم، والفرق واضح بين الجملتين، فالجملة الاسمية، تدل على ثبوت المسند إلى المسند إليه، ودوامه، والجملة الفعلية، تدل على تجدده، وحدوثه. 2 فالخبر في المثال الأول وصف، والفعل في المثال الثاني، رفع اسما ظاهرا، وفي المثال الثالث رفع ضميرا؛ فلهذا أمن اللبس، ولهذا فلا يجب تأخير الخبر فيهما.

الثالثة: أن يقترن بإلا معنى، نحو: {إِنَّمَا أَنْتَ نَذِير} 1، أو لطفا نحو: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} 2، فأما قوله3: [الطويل] 72-...........وهل إلَّا عليك المعوَّلُ4 فضرورة.

_ 1 "11" سورة هود، الآية: 12. موطن الشاهد: {إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ} . وجه الاستشهاد: وجوب تقديم المبتدأ، وتأخير الخبر؛ لأن الخبر محصور بـ "إلا" معنى، والتقدير: ما أنت إلا نذير. 2 "3" سورة آل عمران، الآية: 144. موطن الشاهد: {مَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} . وجه الاستشهاد: مجيء الخبر "رسول" مؤخرا عن المبتدأ، وحكم هذا التأخير الوجوب؛ لأن الخبر، اقترن بـ "إلا" لفظا. 3 القائل: هو الكميت بن زيد الأسدي، أبو المستهل، شاعر متقدم، من شعراء بني أمية، عالم بلغات العرب وأخبارها، متعصب لمصر، ومعروف بالتشيع، يتكلف في شعره، ويسرق من غيره، عرف بقصائده الهاشميات، لقي الفرزدق، وعرض عليه شعره. ولد سنة 60 هـ مات سنة 126هـ. تجريد الأغاني: 4/ 1793، والشعر والشعراء: 2/ 581، والجمحي: 1/ 45، والأغاني: 15/ 108. 4 تخريج الشاهد: البيت بتمامه: فيا رب، هل إلا بك النصر يرتجى ... عليهم؟ وهل إلا عليك المعول؟ والبيت من قصيدة من "هاشمياته"، يمدح فيها بني هاشم، وأولها قوله: ألا هل عمٍ في رأيه متأمِّلُ؟ ... وهل مدبرٌ بعد الإساءة مقبِلُ؟ والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 173، وابن عقيل: "52/ 1/ 235"، والأشموني: "154/ 1/ 99"، وهمع الهوامع: 1/ 102، والدرر اللوامع: 1/ 76، والعيني: 1/ 354" وليس في ديوان الكميت. المفردات الغريبة: يرتجى: يؤمَّل، ويطلب. المعول: مصدر بمعنى التعويل والالتجاء. المعنى: هل يطلب النصر على الأعداء، ويرتجي إلا منك وبعونك؟ وهل هنالك من سند يلجأ إليه الإنسان، ويعول عليه إلا أنت؟ والاستفهام إنكاري. الإعراب: هل: حرف استفهام، يفيد الإنكار، في هذا الشاهد. إلا أداة حصر. =

الرابعة: أن يكون المبتدأ مستحقا للتصدير، إما بنفسه1، نحو: "ما أحسن زيدا" و"من في الدار" و"من يقم أقم معه" و"كم عبيد لزيد" أو بغيره، أما متقدما عليه، نحو: "لزيد قائم"، وأما قوله: [مشطور الرجز] 73- أم الحليس لعجوز شهربة3

_ = بك: متعلق بـ "يرتجى". النصر: مبتدأ. يرتجى: مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل. "هو" يعود على النصر، وجملة "يرتجى": في محل رفع خبر. وهل: حرف استفهام، يفيد معنى النفي. إلا: أداة حصر، لا محل لها. "عليك": متعلق بمحذوف خبر مقدم. المعول: مبتدأ مؤخر. موطن الشاهد: "بك النصر، عليك المعوَّل". وجه الاستشهاد: تقديم الخبر المحصور بـ "إلا" في الموضع الثاني: "عليك المعول" شذوذا، وكذا في الموضع الأول: "بك النصر" إذا أعربنا "بك" خبرا مقدما، والنصر: مبتدأ مؤخرا، وأما على ما أعربناه، فلا شاهد فيه، وكان الأفصح أن يقول: "وهل النصر يرتجى إلا بك، وهل المعول إلا عليك. فائدة: أسقط المؤلف صدر البيت: "فيا رب هل إلا بك النصر يرتجى"، لاحتمال إعراب "النصر" مبتدأ، وخبره: جملة "يرتجى" كما أعربنا، على هذا، فلا شاهد فيه، ولم يذكره المؤلف. فائدة: بعض البلاغيين، يرون أنه إذا كانت أداة الحصر "إنما" لم يصح تقديم الخبر إذا كان مقصورا عليه. وأما إن كانت أداة القصر "إلا" وقدم الخبر، وقدمت معه "إلا" كما في الشاهد، صح هذا التقديم؛ لكون المعنى المقصود لا يضيع؛ لأن تقدم "إلا" يبين المراد. 1 الأسماء المستحقة للتصدير بنفسها أربعة، كما ذكر المؤلف ومثل لها. ما التعجبية، وقد مثل لها المؤلف بالمثال الأول، وأسماء الاستفهام وقد مثل لها بالمثال الثاني، وأسماء الشرط، وقد مثل لها بالمثال الثالث، وكم الخبرية، وقد مثل لها بالمثال الرابع. والأسماء المستحقة للتصدير بغيرها أربعة أيضا، وهي: كل اسم أضيف إلى اسم استفهام، أو اسم شرط، أو أضيف إلى كم الخبرية، وكل اسم اقترن بلام الابتداء، وقد مثل المؤلف لذلك كله. 2 هو رؤبة بن العجاج، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: بعد الشاهد قوله: ترضى من اللحم بعظم الرقبة وقد اختلف في نسبة هذا الشاهد، فقد نسبه الصاغاني إلى عنترة بن عروس، أحد =

فالتقدير: لهي عجوز، أو اللام زائدة لا لام الابتداء، أو متأخرا عنه نحو: غلام مَنْ في الدار" و"غلام مَنْ يقم أقم معه" و"مالُ كَمْ رجل عندك" أو مشبها به، نحو: "الذي يأتيني فله درهم"، فإن المبتدأ هنا مشبه باسم الشرط، لعمومه، واستقبال الفعل الذي بعده، وكونه سببا، ولهذا دخلت الفاء في الخبر كما تدخل في الجواب. [وجوب تقدم الخبر في أربع مسائل] : الحالة الثانية: التقدم، ويجب في أربع1 مسائل:

_ = موالي بني ثقيف، ورواه الجوهري في الصحاح، وابن منظور في اللسان، ولم ينسباه. وهو من شواهد التصريح: 1/ 174، وابن عقيل: "101/ 1/ 366"، والأشموني: "266/ 1/ 141" وهمع الهوامع: 1/ 140، والدرر اللوامع: 1/ 117، واللسان "شهرب"، والمغني: "413/ 304"، "419/ 307" ملحقات ديوان رؤبة. المفردات الغريبة: أم الحليس: كنية الأتان، وهي أنثى الحمار. والحليس: تصغير حلس، وهو كساء رقيق يكون تحت البرذعة، وكنيت به هذه المرأة تشبيها لها بالأتان. شهربه: كبيرة طاعنة في السن. من اللحم: بدل اللحم، فـ "من" بمعنى البدل. المعنى: يصف الراجز هذه المرأة بأنها عجوز كبيرة، لا تستطيع أكل اللحم وهضمه، فترضى بدله بلحم الرقبة، لسهولة مضغه، فالمضاف هنا محذوف. الإعراب: أُمّ: مبتدأ. الحليس: مضاف إليه، لَعجوز: اللام للابتداء، تفيد التوكيد، عجوز: خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: لهي عجوز: والجملة الاسمية من "المبتدأ المحذوف وخبره": في محل رفع خبر المبتدأ "أم الحليس". شهربه: صفة لـ "عجوز". وجملة "ترضى": في محل رفع صفة ثانية، وبعضهم يعرب "لعجوز": خبر المبتدأ، وفي هذه الحالة، ذهب النحاة إلى أن "اللام" المقترنة بـ "لعجوز" ليست لام الابتداء، ولكنها "زائدة" في خبر المبتدأ"، والأرجح ما ذهبنا إليه في الوجه الأول. موطن الشاهد: "لعجوز". وجه الاستشهاد: استشهد المؤلف بهذا البيت، لدلالة ظاهره على تأخير الخبر المقترن بـ "لام الابتداء" غير أن ما ذهبنا إليه في الإعراب، من اعتبار "عجوز" خبرا لمبتدأ محذوف، تقديره لهي عجوز، وانتقلت اللام إلى الخبر، بعد حذف المبتدأ، يجعل البيت يخلو من الشاهد. 1 هناك مسائل أخرى، يجب تقديم الخبر على المبتدأ فيها، وهي: =

إحداها: أن يوقع تأخيره في لبس ظاهر: نحو "في الدار رجل" و"عندك مال" و"قصدك غلامه رجل" و"عندي أنك فاضل"، فإن تأخير الخبر في هذا المثال يوقع في إلباس "أن" المفتوحة بالمكسورة، و"أن" المؤكدة بالتي بمعنى لعل، ولهذا يجوز تأخيره بعد "أما"، كقوله1: [البسيط] 74-....... وأمَّا أنني جزع ... يوم النوى؛ فلوجدٍ كاد يبريني2

_ = أ- أن يقترن المبتدأ بفاء الجزاء، بعد "أما"، نحو: أما في الصف فخالد، وأما في المسجد فسعيد. ب- أن يقع الخبر اسم إشارة إلى المكان، نحو: هنا زاهر، وهناك محمد، وثمة خليل. ج- في نحو قولهم: "في كل وادٍ أثر من ثعلبة"؛ وذلك لأن الأمثال لا تغير. د- أن تقترن بالخبر لام الابتداء خلاف الأصل فيها؛ لأن الأصل فيها اتصالها بالمبتدأ، نحو: "لقائم زيدا"، ففي هذه الحالة، لا يجوز تأخير الخبر المقترن بها، ولهذا عددنا اللام الداخلة على الخبر في قول الشعر: "أمّ الحليس لعجوز" زائدة، وأنها ليست لام الابتداء، وإن عددنها "لام الابتداء"، كما ذهبنا إليه في الإعراب، فإن "عجوز" ليست خبر "أم الحليس" بل خبر مبتدأ محذوف، والتقدير، لهي أم الحليس، وقلنا: إنْ عددنا "عجوز" خبرا عما قبلها، واعتبرنا "اللام" للابتداء، فذاك شاذٌّ، والشاذُّ يُحفظ، ولا يقاس عليه. هـ- أن يكون الخبر "مذ، أو منذ" في نحو قولك: ما لقيته "مذ يومان أو منذ يومان" وذلك على وفق ما ذهب إليه الزجاج من أنهما خبران مقدمان وجوبا، والجمهور اعتبروا أن "مذ ومند" مبتدأين واجبي التقديم. وكثيرا من العلماء، يرون أن مذ ومنذ" حرفان بمعنى "من" ولكنهما يجران الأزمنة، ويكونان اسمين، إذا ارتفع ما بعدهما، وهنا الخلاف، فذهب الجمهور إلى أنهما مبتدآن واجبا التقديم ورأى الزجاج أنهما خبران وما بعدهما مبتدآن واجبا التأخير، والصواب: ما ذهب إليه الجمهور، ويستحسن العودة إلى كتاب النحو الوافي، ففيه المزيد من المسائل والإيضاحات. النحو الوافي، عباس حسن: 1/ 105- 506. 1 لم ينسب إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: البيت بتمامه هكذا: عندي اصطبار، وأما أنني جزع ... يوم النوى فلوجدٍ كاد يبريني. وهو من شواهد التصريح: 1/ 175، والأشموني: "157/ 1/ 101"، وهمع الهوامع: =

لأن "إن المسكورة و"أن" التي بمعنى لعل لا يدخلان هنا، وتأخيره في الأمثلة الأُوَل يوقع في إلباس الخبر بالصفة، وإنما لم يجب تقديم الخبر في نحو: {وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ} 1؛ لأن النكرة قد وصفت بمسمى، فكان الظاهر في الظرف أنه خبر لا صفة.

_ = 1/ 103 والدرر اللوامع: 1/ 77، والعيني: 1/ 536، وحاشية يس على التصريح: 2/ 259. المفردات الغريبة: اصطبار: تصبُّر وتجلُّد. جزِع: شديد الخوف فاقد الصبر، وهو صفة مشبهة من جزع يجزع من باب علم. النوى: البعد والفرق. الوجد: شدة الحب. يبريني: ينحلني، من بَرَيت القلم إذا نحته. المعنى: يقول الشاعر: إن في طبعي التجلد والتحمل لكل ما ينزل بي من مكروه، وأما جزعي يوم فراق الأحباب، فلشدة شوق كاد ينحلني ويقضي علي. الإعراب: "عندي": متعلق بخبر مقدم محذوف، ومضاف إليه. اصطبار: مبتدأ مؤخرا. وأما: حرف شرط وتفصيل. أنني: حرف مشبه بالفعل، والنون للوقاية، والياء: اسمه، جزع: خبر "أن" والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": في محل رفع مبتدأ. "يوم": متعلق بـ "جزع". النوى: مضاف إليه. فلوجد: الفاء واقعة في جواب "أما" "لوجد": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، المؤول من "أن وما دخلت عليه" كاد: فعل ماضٍ، من أفعال المقاربة، يعمل عمل "كان" الناقصة، واسمه: هو: يعود على "وجد"، يبريني: فعل مضارع، والفاعل: هو، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به، وجملة "يبريني" في محل نصب خبر "كاد"، وجملة "كاد واسمها وخبرها": في محل جر صفة لـ "وجْد". موطن الشاهد: "أما أنني جزع؛ فلوجد". وجه الاستشهاد: وقوع المصدر المؤول من "أن وما بعدها" مبتدأ متقدما على خبره الواقع جار ومجرورا "لوجد"، والذي جوز تقدم المبتدأ، وهو مصدر مؤول، أمن اللبس بين "أن المفتوحة الهمزة، وإن المكسورة الهمزة لفظا، ولأمن اللبس بين "أن المفتوحة" الهمزة المؤكدة والتي بمعنى "لعل" معنى. فائدة: لا يقع بعد "أما" التي للشرط والتفصيل "إن" المكسورة، ولا "أن" المفتوحة، التي بمعنى "لعل"، وإنما يقع بعدها "أن" المؤكدة المفتوحة الهمزة وحسب؛ لأنها تؤول مع ما تدخل عليها بمفرد، ولا يفصل بين "أما" وبين الفاء الواقعة في جوابها إلا بمفرد. وانظر في هذه المسألة: شرح التصريح: 1/ 174-175. 1 "6" سورة الأنعام، الآية: 1. موطن الشاهد: {أَجَلٌ مُسَمَّىً عِنْدَهُ} . وجه الاستشهاد: وقوع المبتدأ متقدما، وهو نكرة؛ لأنه وصف "مسمى" فضعف طلب النكرة للظرف، وكان الظاهر في "عنده" أنه خبر لـ "أجل" لا صفة ثانية.

الثانية: أن يقترن المبتدأ بإلا لفظا، نحو: ما لنا إلا اتباع أحمدا1 أو معنى، نحو: "إنما عندك زيد". الثالثة: أن يكون لازم الصدرية، نحو: "أين زيد"؟ أو مضافا إلى ملازمها، نحو: "صبيحة أي يوم سفرك". الرابعة: أن يعود ضمير متصل بالمبتدأ على بعض الخبر، كقوله تعالى: {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} 2، وقول الشاعر3: [الطويل] 75-....... ولكِنْ مِلءُ عينٍ حبيبُها5

_ 1 هذا مثال من ألفية ابن مالك وتمامه: وخبر المحصور قدم أبدا ... كما لنا إلا اتباع أحمدا 2 "47" سورة محمد، الآية: 24. موطن الشاهد: {عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} . وجه الاستشهاد: مجيء الخبر "على قلوب" متقدما على المبتدأ "أقفال" المتأخر، وحكم تقدم الخبر هنا الوجوب، لئلا يعود الضمير "ها" المتصل بالمبتدأ على "على قلوب" المتأخرة في الرتبة؛ لأنها بعض متعلق الخبر؛ لأن الخبر المتقدم هو الاستقرار، والجار والمجرور متعلق به، ومتعلق الخبر، رتبته التأخير، فيعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة. 3 هو نصيب بن رباح الأكبر، أبو محجن، قيل هو من قضاعة، وكان مولى لعبد العزيز بن مروان، وهو شاعر فحل، فصيح، مقدم في النسيب، والمديح، ولم يكن له حظ في الهجاء، وكان عفيفا، لم يشبب، أو ينسب بامرأة قط إلا امرأته. تجريد الأغاني: 1/ 108، الشعر والشعراء: 1/ 410، الجمحي: 1/ 125. 4 تخريج الشاهد: والبيت بتمامه: أهابك إجلالا، وما بك قدرة ... عليَّ، ولكن ملء عين حبيبها وقد نسبه ابن نباتة المصري في كتابه "سرح العيون" إلى مجنون ليلى في أبيات، أولها قوله: دعا المحرمون الله يستغفرونه ... بمكة يوما أن تُمَحَّى ذنوبُهَا وهو من شواهد: التصريح: 1/ 176، وابن عقيل: "54/ 1/ 241"، والأشموني =

[الحالة الثالثة: جواز التقديم والتأخير] : الحالة الثالثة: جواز التقديم والتأخير، وذلك فيما فقد فيه موجبهما، كقولك: "زيد قائم" فيترجح تأخيره على الأصل، ويجوز تقديمه لعدم المانع. [حالات حذف المبتدأ والخبر] : وما علم من مبتدأ أو خبر جاز حذفه، وقد يجب1.

_ = "156/ 1/ 101" والعيني: 1/ 537، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: 1363، وديوان نصيب: 68. المفردات الغريبة: أهابك: من الهيبة، وهي المخافة، إجلالا: إعظاما لقدرك. المعنى: إني لأهابك وأخافك، إعظاما لقدرك، لا خوفا من بطشك، فليس لك سلطان عليَّ، ولكن العين تمتلئ بمن تحبه، فتحصل المهابة والخوف في قلب صاحبها من ذلك المرئي. الإعراب: أهابك: فعل مضارع، وفاعل، ومفعول به. إجلالا: مفعول لأجله، وما: الواو حالية، ما: نافية. "بك" خبر مقدم. قدرة: مبتدأ مؤخر. ولكن: حرف استدراك. ملء: خبر مقدم: عين مضاف إليه. حبيبها: مبتدأ مؤخر، و"ها" مضاف إليه. موطن الشاهد: "ملء عين حبيبها". وجه الاستشهاد: تقدم الخبر "ملء عين" على المبتدأ، وهو "حبيبها"، لاتصال المبتدأ بضمير يعود على ملابس الخبر، وهو المضاف إليه، فلو قدم المبتدأ، لزم عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة؛ لأن رتبة الخبر التأخير، وذلك غير جائز. وإلى هذا، أشار الناظم بقوله: كذا إذا عاد عليه مضمرُ ... مما به عنه مبينا يخبرُ أي: كذلك يجب تقديم الخبر، إذا عاد عليه ضمير من المبتدأ الذي يخبر عنه بخبر يبين ويفسر الضمير العائد إليه، وفي عبارة الناظم مضاف محذوف، أي: عاد على ملابسه. ويرى ابن جني في المثال السابق رأيا لا غبار عليه، وهو أن "ملء عين": مبتدأ و"حبيبها": خبره، وليس في البيت تقديم ولا تأخير؛ لأن كلا منهما صالح للابتداء به، والأصل: عدم التقديم والتأخير، فيجعل أولهما مبتدأ، والثاني خبرا. 1 وقد يمتنع حذف المبتدأ أو الخبر، وذلك فيما إذا وقعت الجملة خبرا عن ضمير لشأن، فإنه يجب ذكر الجزأين. وكثر حذف المبتدأ في ثلاثة مواضع: الأول: في جواب الاستفهام، نحو قوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ، نَارٌ حَامِيَةٌ} وقوله جلت عظمته: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِك} ، أي هي النار: نار حامية، وهي النار. الثاني: بعد فاء الجواب، نحو قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} أي: فعمله لنفسه، وإساءته عليها. الثالث: بعد القول، نحو قوله تعالى: {قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِين} . حاشية يس على التصريح: 1/ 176.

[حذف المبتدأ جوازا] : فأما حذف المبتدأ جوازا فنحو: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} 1، ويقال: كيف زيد؟ فتقول: دنف، التقدير: فعمله لنفسه، وإساءته عليه، وهو دنف. [حذف المبتدأ وجوبا] : وأما حذفه وجوبا فإذا أخبر عنه بنعت مقطوع لمجرد مدح، نحو: "الحمد لله الحميد" أو ذم نحو: "أعوذ بالله من إبليس عدو المؤمنين" أو ترحم نحو: "مررت بعبدك المسكين" أو بمصدر جيء به بدلا من اللفظ بفعله، نحو: "سمع وطاعة" وقوله2: [الطويل] 76- فقالت: حنان، ما أتى بك ههنا؟ 3

_ 1 "41" سورة فصلت، الآية: 46، 45 سورة الجاثية، الآية: 15. موطن الشاهد: {فَلِنَفْسِهِ} ، {فَعَلَيْهَا} . وجه الاستشهاد: حذف المبتدأ جوازا في الموضعين؛ لأن التقدير: فعمله لنفسه، وإساءته عليها، وحكم حذف المبتدأ في هذه الحالة الجواز للعلم به، وطريقة العلم به أن "عمله وإساءته" مصدران مأخوذان من فعلهما السابق، ودخول الفاء على ما لا يصلح أن يكون مبتدأ قرينة دالة على حذفه. شرح التصريح: 1/ 176. 2 هو منذر بن درهم الكلبي، ولم أعثر له على ترجمة وافية. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: أذو نسب أم أنت بالحي عارف؟ =

التقدير: أمري حنان وأمري سمع وطاعة.

_ = لم ينسب النحاة هذا الشاهد إلى أحد، وفي مادة "روضة المثري" من كتاب معجم البلدان، لياقوت قطعة نسبها إلى منذر بن درهم الكلبي، وأسند روايتها إلى أبي الندي، وفيها هذا البيت، وقبله قوله: وأحدث عهدي من أميمة نظرة ... على جانب العلياء إذ أنا واقف تقول: حنان، ما أتى بك ههنا ... أذو نسب أم أنت بالحي عارف فقلت: أنا ذو حاجة ومسلم ... فضم علينا المأزق المتضايف والبيت الشاهد، من شواهد: التصريح: 1/ 177، والأشموني: "162/ 1/ 106، والكتاب لسيبويه: 1/ 161، 175، والمقتضب: 3/ 225، وخزانة الأدب: 1/ 77، والعيني: 1/ 359، وهمع الهوامع: 1/ 189، والدرر اللوامع: 1/ 163. وأمالي الزجاجي 131، وفيه برواية: "أذو زوجة أم ... ". المفردات الغريبة: حنان: عطف ورحمة وشفقة. نسب: قرابة. المعنى: أي شيء حملك هذه المشاق، وأتى بك إلى هنا؟ فإني أشفق عليك، وأخاف أن يراك قومي فيؤذوك. ثم أوحت إليه بحجة يحتج بها إذا رآه أحد، فقالت: ألك قرابة هنا؟ أم بينك وبين أحد في الحي معرفة وصحبة؟ الإعراب: فقالت: الفاء عاطفة، قالت: فعل ماضٍ، والفاعل: هي، والتاء: للتأنيث. حنان: خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: أمري حنان. ما: اسم استفهام، مبتدأ. أتى: فعل ماضٍ، والفاعل: هو. "بك" متعلق بـ "أتى". ههنا: "ها": للتنبيه، "هنا": ظرف مكان متعلق بـ "أتى" وجملة "أتى وفاعله": في محل رفع خبر "ما" أذو: الهمزة حرف استفهام، ذو: خبر مبتدأ محذوف، يدل عليه السياق، والتقدير: أأنت ذو نسب؛ نسب: مضاف إليه أم: عاطفة أنت: مبتدأ. "بالحي" متعلق بـ "عارف" الآتي. عارف: خبر "أنت" مرفوع، والجملة الاسمية "أنت عارف": معطوفة على الجملة الاسمية السابقة. موطن الشاهد: حنان". وجه الاستشهاد: مجيء "حنان" خبرا لمبتدأ محذوف، وحكم حذف المبتدأ هنا الوجوب، وأصل المصدر "حنان" أن يقع منصوبا بفعل محذوف وجوبا؛ لكونه من المصادر التي جيء بها بدلا من اللفظ بأفعالها، ولكنهم ربما قصدوا للدلالة على الثبوت والدوام، فرفعوا هذه المصادر أحيانا، وجعلوها أخبارا عن مبتدآت محذوفة وجوبا، وإنما جعلوا المبتدآت محذوفة وجوبا؛ حملا لحالة الرفع على حالة النصب أي: كما أنها في حالة النصب منصوبة بعامل محذوف وجوبا، كذلك تكون في حالة الرفع مرفوعة بعامل محذوف وجوبا. انظر شرح التصريح: 1/ 177. فائدة: وجوب حذف المبتدأ في المثال السابق مشروط بقصد قيام المصدر مقام فعله، بقصد الدلالة على الثبوت والدوام، وإن لم يقصد ذلك، نحو: صبر جميل، وعيد سعيد، ونحوهما، جاز أن يكون المحذوف هو المبتدأ، أي: صبري صبر جميل، أو الخبر، أي: صبر جميل خير من غيره. انظر ضياء السالك: 1/ 199.

أو بمخصوص بمعنى نعم أو بئس مؤخر عنها، نحو: "نعم الرجل زيد" و"بئس الرجل عمرو" إذا قدِّرا خبرين، فإن كان مقدما نحو: "زيد نعم الرجل" فمبتدأ لا غير، ومن ذلك قولهم1 "من أنت زيد؟ " أي: مذكورك زيد، وهذا أولى من تقدير سيبويه: كلامك زيد. وقولهم: "في ذمتي لأفعلن" أي: في ذمتي ميثاق أو عهد2.

_ 1 هذا أسلوب مسموع عن العرب، يقال، حين يتحدث شخص حقير بالسوء عن شخص عظيم، وقد ورد بغير مبتدأ، فوجب أن يحافظ عليه كما هو بغير زيادة؛ لأنه بمنزلة المثل، ويقدر له مبتدأ مناسب، نحو: مذمومك، أو مذكورك زيد، والأوَّل أفضل. 2 هناك مواطن أخرى يحذف فيها المبتدأ وجوبا، منها: أ- بعد "لا سيما" إذا رفع الاسم الواقع بعده، نحو: "لا سيما زيد"، فالتقدير: لا سي الذي هو زيد، ففيه حذف المبتدأ وجوبا؛ لأنه لم يجر الاستعمال بذكره، وفيه حذف صدر صلة الموصول التي لم تطل مع كون الموصول غير "أي". انظر شرح التصريح: 1/ 177. فائدة: الاسم الواقع بعد "لا سيما" إما أن يكون معرفة، وإما أن يكون نكرة. فإن كان الاسم بعدها نكرة، جاز فيه ثلاثة أوجه، الجر، والرفع، والنصب. فالجر يأتي على أحد وجهين، أولهما: أن "لا" نافية للجنس، و"سي" اسمها منصوب و"ما" زائدة، ويوم: مضاف إليه، وخبر "لا" محذوف، والتقدير: ولا مثل يوم بدارة جلجل موجود. ثانيها: أن تكون "سي" مضافا، و"ما" نكرة غيرة موصوفة مضاف إليه، مبني على السكون في محل جر بالإضافة، ويوم: بدل من "ما". والرفع: على أحد وجهين، أحدهما: أن تكون "لا" نافية للجنس، و"سي": اسمها، و"ما" نكرة موصوفة، في محل جر بإضافة "سي" إليها، ويوم: خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: هو يوم، والجملة من "المبتدأ والخبر": لا محل لها؛ لأنها صلة الموصول، وخبر "لا" محذوف، وهذا الوجه، هو المراد بالتمثيل على حذف المبتدأ بعد "لا سيما".

[حذف الخبر جوازا] : وأما حذف الخبر جوازًا فنحو: "خرجت؛ فإذا الأسد" أي: حاضر، ونحو: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} 1، أي: كذلك، ويقال: من عندك؟ فتقول: زيد، أي: عندي. [حذف الخبر وجوبا في مسائل أربع] : وأما حذفه وجوبا ففي مسائل: إحداها: أن يكون كونا مطلقا2 والمبتدأ بعد لولا"3، نحو: "لولا زيد لأكرمتك" أي: لولا زيد موجود، فلو كان كونا مقيدا، وجب ذكره إن فقد دليله، كقولك "لولا زيد سالَمَنَا ما سلِمَ" وفي الحديث: "لولا قومك حديثو عهد بكفر لبنيت الكعبة على قواعد إبراهيم" 4، وجاز الوجهان إن وجد الدليل، نحو: "لولا أنصار

_ = وأما النصب، فعلى أحد وجهين، أحدهما: أن "ما" نكرة غير موصوفة، في محل جر بإضافة "سي" إليها، و"يوما": مفعول به لفعل محذوف، التقدير: ولا مثل لشيء أعني يوما بدارة جلجل. وثانيهما: أن تكون ما نكرة غير موصوفة أيضا، في محل جر بالإضافة. و"يوما" تمييز منصوب. وأما إذا كان الاسم الواقع بعد لا سيما معرفة، فيجوز فيه الجر والرفع بإجماع، واختلفوا في جواز النصب، فمن عده بإضمار فعل، أجازه، كما أجازه في النكرة، ومن جعل النصب على التمييز، قال: إن التمييز لا يكون إلا نكرة منع النصب في المعرفة، ومن جوز أن يكون التمييز معرفة -على مذهب جماعة من الكوفيين- جوز نصب المعرفة بعد "لا سيما". راجع النحو الوافي: 1/ 513-518. 1 "13" سورة الرعد، الآية: 35. موطن الشاهد: {وَظِلُّهُا} . وجه الاستشهاد: مجيء "ظلها" مبتدأ محذوف الخبر، والتقدير: أكلها دائم: وظلها كذلك؛ أي دائم، وحكم حذف الخبر في هذه الحالة الجواز، لدلالة ما قبله عليه. 1 أي: عاما يدل على مجرد الوجود، من غير زيادة ما. 2 المقصود بـ "لولا" الامتناعية، التي هي حرف امتناع لوجود، ومثلها: "لوما" التي تفيد الامتناع أيضا، وأما "لولا" التخضيضية، فلا يليها المبتدأ. 3 هذا حديث شريف يخاطب به النبي -صلى الله عليه وسلم- السيدة عائشة- رضي الله عنها- والحديث، رواه البخاري في كتاب العلم: "لولا قومك حديث عهدهم بكفر لنقضت الكعبة"، وله في كتاب الحج، وكتاب التمنى روايات أخرى. البخاري: 6/ 407، و8/ 170، ومسلم: 2/ 269، والترمذي: 3/ 614،والنسائي: 5/ 214. موطن الشاهد: "قومك حديثو". وجه الاستشهاد: مجيء: "قومك" مبتدأ بعد "لولا" ومجيء الخبر..... كونا مقيدا بالحداثة، وحكم ذكر الخبر في هذه الحالة الوجوب.

زيدة حموه ما سلم"، ومنه قول أبي العلاء المعري1: [الوافر] 77- فلولا الغمد يمسكه لسالا2

_ 1 هو أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي، ولد سنة 363هـ، نادرة الزمان، وأوحد الدهر حفظا وذكاء وصفاء نفس، وهو شاعر من شعراء العصر الثاني، من عصور الدولة العباسية، ولغوي، له تصانيف منها: رسالة الملائكة، ورسالة الغفران، وسقط الزند، ولزوم ما لا يلزم، وغيرها مات وله 86 سنة، وذلك سنة 449هـ. سير أعلام النبلاء: 8/ 23، إنباه الرواة: 1/ 46، الوافي بالوفيات: 7/ 49، البداية والنهاية: 12/ 72. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: يذيب الرعب منه كل عضب وهو من شواهد التصريح: 1/ 179، والمقرب لابن عصفور: 13، وشروح سقط الزند: 104 ومغني اللبيب "493/ 360"، "942/ 702"، والأشموني: "158/ 1/ 102" وابن عقيل: "57/ 1/ 251" وشذور الذهب: "12/ 59". المفردات الغريبة: يذيب: من الإذابة، وهي إسالة الحديد، ونحوه من الجامدات. الرعب: الفزع والخوف، عضب: هو السيف القاطع. الغمد: قراب السيف وجفنه. المعنى: يقول المعري: إن كل سيف قاطع يذوب في غمده فزعا وخوفا من هذا السيف، ولولا أن الغمد يمسكه ويمنعه من السيلان، لسال وجرى على الأرض من شدة الخوف. الإعراب: يذيب: فعل مضارع. الرعب: فاعل مرفوع. كل: معفول به. عضب: مضاف إليه. لولا: حرف امتناع لوجود. الغمد: مبتدأ مرفوع. يمسكه "فعل مضارع، والفعل: هو، والهاء: مفعول به و"الجملة": في محل رفع خبر المبتدأ لسالا: اللام واقعة في جواب "لولا". سال: فعل ماضٍ، والألف: للإطلاق، والفاعل: هو: موطن التمثيل: "لولا الغمد يمسكه" وجه التمثيل: ذكر الخبر "يمسكه" بعد "لولا" لأنه كون خاص مقيد بالإمساك، وقد دل عليه دليل؛ لأن من شأن غمد السيف إمساكه، والمؤلف يرى: أن خبر المبتدأ =

وقال الجمهور: لا يذكر الخبر بعد "لولا"، وأوجبوا جعل الكون الخاص مبتدأ، فيقال: لولا مسالمة زيد إيانا، أي: موجودة، ولحنوا المعري، وقالوا: الحديث مروي بالمعنى1. الثانية: أن يكون المبتدأ صريحا في القسم2، نحو: "لعمرك لأفعلن" و"ايمن

_ = الواقع بعد "لولا" يجوز ذكره، كما يجوز حذفه، إذا كان كونا خاصا، وقد دل عليه دليل. ويرى الجمهور: أن الحذف واجب، وأن خبر المبتدأ الواقع بعد "لولا" لا يكون إلا كونا عاما، وحينئذ، لا يقال: إما أن يدل عليه دليل أو لا، وهم يعدون بيت المعري لحنا، لذكره الخبر بعد لولا فيه. وخلاصة القول: يذهب الجمهور إلى أن الخبر بعد لولا لا يكون كونا خاصا، بل يجب كونه كونا عاما، ويجب مع ذلك حذفه، فإن جاء الخبر كونا خاصا في كلام ما؛ فهو لحن أو مؤول. ويرى غيرهم: يجوز أن يكون الخبر بعد لولا كونا خاصا، ولكن الأكثر أن يكون كونا عاما، فإن كان عاما وجب حذفه، كما يقول الجمهور، وإن كان كونا خاصا، فإن لم يدل عليه دليل، وجب ذكره، وإن دل عليه دليل، جاز ذكره وحذفه. ومن أمثلة مجيء الخبر كونا خاصا مذكورا بعد "لولا" قول الشاعر: لولا زهير جفاني كنت منتصرا ... ولم أكن جانحا للسلم إن جنحوا وقول الآخر: لولا ابن أوس نأى ما ضِيم صاحبه ... يوما، ولا نابه وهنٌ ولا حَذَرُ وانظر شرح التصريح: 1/ 179. 1 ذكر ابن أبي الربيع في رواية الحديث على الوجه الذي يذكره النحاة في هذه المسألة: "لم أر هذه الرواية بهذا اللفظ من طريق صحيح، والروايات المشهورة في ذلك: "لولا حدثان قومك"، و: "لولا حداثة قومك"، "لولا أن قومك حديثة عهد بجاهلية". ا. هـ. وكل هذه الروايات يجري على مذهب الجمهور، فقد جعل الكون الخاص مبتدأ وحذف خبره، وهو كون عام، أي لولا حدثان بكفر موجود. التصريح: 1/ 179. 2 بمعنى أنه لا يستعمل إلا في القسم ويفهم منه القسم قبل ذكر المقسم عليه، وبالمقابل ما يكثر استعماله في غير القسم حتى لا يفهم منه القسم إلا بعد ذكر المقسم عليه، نحو: "عهد الله" قد كثر استعماله في غير القسم كقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُم} ثم إنه يفهم منه القسم إذا قلت: "وعهد الله لأفعلن كذا"؛ لأنك في هذا المثال قد ذكرت المقسم عليه. التصريح: 1/ 179، 180.

الله لأفعلن" أي: لعمرك قسمي، وايمن الله يميني، فإن قلت: "عهد الله لأفعلن" جاز إثبات الخبر؛ لعدم الصراحة في القسم، وزعم ابن عصفور أنه يجوز في نحو: "لعمرك لأفعلن" أن يقدر لقسمي عمرك، فيكون من حذف المبتدأ1. الثالثة: أن يكون المبتدأ معطوفا عليه اسم بواو هي نص في المعية، نحو: "كل رجل وضيعته" و"كل صانع وما صنع" ولو قلت: "زيد وعمرو" وأردت الإخبار باقترانهما جاز حذفه وذكره، قال2: [الطويل] 78- وكل امرئ والموت يلتقيانِ3

_ 1 قول ابن عصفور ضعيف؛ لأن صراحة القسم تحتم أن يكون المحذوف الخبر، وهو "قسمي" ويرجح ذلك، وجود لام الابتداء في أول الاسم، فوجودها يدل على أن مدخولها هو المبتدأ لا الخبر. انظر شرح التصريح: 1/ 180، وابن عقيل: 1/ 198. 2 القائل هو: الفرزدق، همام بن غالب وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: تمنوا لي الموت الذي يشعب الفتى ويروى قبله: لشتان ما أنوى وينوي بنو أبي ... جميعا، فما هذان مستويانِ والشاهد من شواهد التصريح: 1/ 180، والأشموني: "59/ 1/ 103"، والعيني: 1/ 543، وليس في ديوان الفرزدق. المفردات الغريبة: يشعب: يفرق، ويسمى الموت: شعوب؛ لأنه يفرق بين الناس. المعنى: تمنى خصومي لي الموت الذي يفرق بين المرء وإخوانه، وما دروا أن هذا أمرا لا مفر منه، وأن كل إنسان مصيره إلى الموت. الإعراب: تمنوا: فعل ماضٍ، والواو: فاعل. "لي": "تمنوا". الموت: مفعول به. الذي: اسم موصول له في محل نصب صفة لـ "الموت". يشعب: فعل مضارع، والفاعل: هو. الفتى: مفعول به و"الجملة": صلة للموصول، لا محل لها. وكل: الواو استئنافية. كل: مبتدأ. امرئ: مضاف إليه. والموت: الواو عاطفة، الموت: اسم معطوف على المبتدأ. يلتقيان: فعل مضارع، والألف: فاعل، و"الجملة: في محل رفع خبر المبتدأ وما عطف عليه.

وزعم الكوفيون والأخفش1 أن نحو: "كل رجل وضيعته"2 مستغنٍ عن تقدير الخبر؛ لأن معناه مع ضيعته. الرابعة: أن يكون المبتدأ إمَّا مصدرا عاملا في اسم مفسر لضمير ذي حال لا يصح كونها خبرًا عن المبتدأ المذكور، نحو: "ضربي زيدًا قائمًا"3 أو مضافا.

_ موطن الشاهد: "كل امرئ والموت يلتقيان". وجه الاستشهاد: ذكر الخبر "يلتقيان" بعد الواو؛ لكونها للعطف، وليست نصا في المصاحبة والمعية؛ لأننا لو قلنا: كل امرئ مع الموت، لكان كلامنا غير صحيح، ولو كانت الواو نصا في معنى المصاحبة والاقتران، لكان حذف الخبر واجبا، كما في قولنا: كل ثوب وقيمته، وكل امرئ ونيته. وانظر شرح التصريح: 1/ 180، وابن عقيل: 1/ 198. فائدة: الواو التي هي نص في معنى المصاحبة والاقتران، يكون ما بعدها مما لا يفارق ما قبلها، ففي قولك: كل امرئ ونيته،، فالنية لا تفارق صاحبها، فهي ملازمة له. وهذا بخلاف قولك: "كل امرئ والموت يلتقيان"؛ لأن الموت ليس ملازما للمرء، وإنما يلقاه مرة واحدة، والواو التي هي نص في معنى المصاحبة والاقتران، هي التي متى ذكرت فهم المخاطب معنى الاقتران من غير حاجة إلى النص على الاقتران، وذلك يكون ما قبل الواو وما بعدها لا ينفك أحدهما في الوجود عن صاحبه. 1 مرت ترجمته. 2 المراد بالمعية هنا مشاركة ما بعد الواو لما قبلها، بحيث يجتمعان فيه، ولا يفترقان وعلامة الواو التي تفيد الأمرين معا: العطف والمعية، وتكون نصا في المعية، إن صح حذفها، ووضعت كلمة "مع" مكانها، ولا يتغير المعنى، بل يتضح، وهي غير التي ينصب بعدها الاسم على أنه مفعول معه. الأشموني مع الصبان: 1/ 217. 3 فـ "ضربي": مبتدأ أو مضاف إليه، من إضافة المصدر إلى فاعله، زيدا: مفعول به للمصدر. قائما: حال من ضمير محذوف، يفسره زيد، والخبر: محذوف وجوبا، ولا يصح أن تكون الحال المذكورة خبرا عن "ضربي" لأن الخبر وصف للمبتدأ في المعنى، والضرب لا يوصف بالقيام. ويرى سيبويه وجمهور البصريين، وابن مالك، وابن هشام، أن الخبر محذوف، وأن الحال سدت مسد الخبر وأغنت عنه، وذهب قوم إلى أن الحال، هي الخبر نفسه، فأعطوا الحال حكم الظرف كاملا لما رأوا من أوجه الشبه بينهما، وفاتهم أن من شرط المسألة ألا يكون الحال صالحا؛ لأن يقع خبرا عن المبتدأ، وذهب آخرون إلى أن هذا الحال، أغنت عن الخبر، فلا تقدير، كما يغني الفاعل، أو نائب الفاعل عن خبر المبتدأ، إذا كان وصفا، وهذا وما قبله مذهبان ضعيفان، والصواب ما ذهب إليه سيبويه والجمهور. انظر شرح التصريح: 180-181، والأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 217- وابن عقيل "تحقيق البقاعي": 1/ 198.

للمصدر المذكور، نحو: "أكثر شربي السويق ملتويا" أو إلى مؤول بالمصدر المذكور، نحو "أخطب ما يكون الأمير قائما". وخبر ذلك مقدر بإذ كان، أو إذا كان، عند البصريين، وبمصدر مضاف إلى صاحب الحال عند الأخفش، واختاره الناظم، فيقدر في "ضربي زيدا قائما" ضربه قائما، ولا يجوز ضربي زيدا شديدا؛ لصلاحية الحال للخبرية، فالرفع واجب، وشذ قولهم: "حكمك مسمطا"1، أي: حكمك لك مثبتا"2.

_ 1 هذا مثل من أمثال العرب، قيل لرجل حكموه عليهم، وأجازوا حكمه. وهو من أمثال الميداني "ط. الخيرية": 1/ 143، و"تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد: 1/ 212، وفي رواية الميداني: حكمك مسمط "بالرفع"، وهذه الرواية لا شذوذ فيها؛ لأنها جارية على القياس. ورواه أبو هلال العسكري في جمهرة الأمثال "1/ 251" بهامش مجتمع الأمثال للميداني. وفي هذه الرواية: جاء "حكمك" بالنصب بفعل محذوف، ونصب "مسمطا" على الحال، ولا شاهد فيها. موطن الشاهد: "حكمك مسمطا". وجه الاستشهاد: مجيء "حكمك" مبتدأ ومضافا إليه، والخبر محذوفا وجوبا، أي: لك مسمطا، أي نافذا، لا يرد، وكان القياس رفعه لصلاحيته للخبرية، ولكن نصب على الحالية والخبر محذوف كما أسلفنا وحكم نصبه على الحال الشذوذ. فائدة: لعل رواية المثل برفع "حكمك ونصب مسمطا"، وهي الرواية الثالثة للمثل، وهي من تركيب النحاة. 2 أي: نافذا، وشذوذه من وجهين: أحدهما: النصب مع صلاحية الحال للخبرية، والثاني: أن الحال ليست من ضمير المصدر، وإنما صاحب الحال ضمير المصدر المستتر في الخبر، ولا يصح أن يكون الحال من الكاف المضاف إليها في حكمك؛ لأن الذوات لا توصف بالنفوذ، وأشذ منه قراءة عليّ كرم الله وجهه: "ونَحْنُ عُصْبَةً" بالنصب مع انتفاء المصدرية بالكلية، فعصبة: حال من ضمير الخبر، والتقدير: ونحن نجتمع عصبة.

[تعدد الخبر للمبتدأ الواحد] : والأصح1 جواز تعدد الخبر، نحو: "زيد شاعر كاتب، والمانع يدَّعي تقدير "هو" للثني، أو أنه جامع للصفتين، لا الإخبار بكل منهما. وليس من تعدد الخبر ما ذكره ابن الناظم من قوله2: [المتقارب]

_ التصريح: 1/ 181- 182. وحاشية الصبان: 1/ 220. 1 وذلك؛ لأن الخبر حكم على المبتدأ، وقد يحكم على الشيء الواحد بأكثر من حكم، وأما حكم التعدد، فهو: أ- إذا كان المبتدأ واحدا، وتعدد الخبر لفظا ومعنى، بأن كان كل واحد مخالفا للآخر، في لفظه ومعناه، ويصح الاقتصار، عليه في الخبرية، جاز عطف الثاني، وما بعده على الأول بواو العطف أو بغيرها، نحو: المعري شاعر وحكيم ولغوي، ويسمى كل واحد معطوفا، وإن كان خبرا في المعنى، كما يجوز حذف الواو، ويسمى كل واحد خبرا. ب- إذا تعدد الخبر في اللفظ فقط، بأن كانت الألفاظ المتعددة مشتركة في تأدية المعنى الواحد المقصود والمراد، ولا يصح الإخبار بالبعض عن المبتدأ، نحو: هذا الرجل طويل قصير، تريد أنه متوسط، فلا يجوز العطف في هذه الحالة؛ لأن الخبرين في معنى خبر واحد من جهة المعنى، والعطف يقتضي المغايرة في الغالب؛ لأن المعطوف غير المعطوف عليه، ويعرب كل منهما خبرا، ولا يصح أن يفصل بينهما بأجنبي، ولا أن يتأخر المبتدأ، أو يتوسط. وإذا كان المبتدأ متعددا حقيقة، بأنه كان مثنى أو مجموعا، وتعدد الخبر لفظا ومعنى، نحو: المحمدان: مهندس وطبيب، وجب عطف الخبر الثاني، وما بعده على الأول بوساطة حرف العطف، ويسمى كل واحد معطوفا، وإن كان خبرا في المعنى، وكما يكون التعدد في الخبر المفرد، يكون في الجملة، وزعم بعض النحويين أن الخبر لا يتعدد إلا إذا كان من جنس واحد، إفرادا، أو جملة. انظر شرح التصريح: 1/ 182-183 والأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 221-222. 2 وهو طرفة بن العبد بن سفيان بن ضبيعة بن ثعلبة، ويقال: إن اسمه عمرو وسمِّي طرفة ببيت قاله، وهو أحدث الشعراء سنا، وأقلهم عمرا، وأجودهم طويلة؛ كان في حسبٍ من قومه، جريئا على هجائهم وهجاء غيرهم، وكان ينادم عمرو بن هند، فقال فيه شعرا وتغزل بأخته، فبعث معه كتابا إلى عامله في البحرين، فقتله، وهو ابن عشرين عاما، وهو صاحب معلقة مشهورة.

79- يداك يد خيرها يرتجى ... وأخرى لأعدائها غائظة1

_ الشعر والشعراء: 1/ 185، والخزانة: 1/ 412، ومعاهد التنصيص: 164. 1 تخريج الشاهد: الشاهد كما ذكر العيني في شرح الشواهد "أنشده الخليل..... وما قيل: إنه لطرفة لم يثبت" وهو من شواهد: التصريح: 1/ 182، والأشموني: "166/ 1/ 106"، والعيني: 1/ 572، وليس في ديوان طرفة. المفردات الغريبة: يداك: مثنى يد. المعنى: يمدح الشاعر رجلا بالكرم والجود، ذاكرا أن إحدى يديه يرتجى منها الخير والبر، ويصفه بالشجاعة، فيذكر أن يده الأخرى غيظ للأعداء؛ لأنها قوية عليهم. الإعراب: يداك: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الألف؛ لأنه مثنى، والكاف: مضاف إليه. يد: خبر المبتدأ مرفوع. خيرها "خير" مبتدأ، وهو مضاف، و"ها": مضاف إليه. يُرتجى: فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل هو، و"الجملة": في محل رفع خبر المبتدأ "خيرها"، و"الجملة الاسمية": "خيرها يرتجى" في محل رفع صفة لـ "يد". وأخرى: الواو عاطفة، أخرى: معطوف على "يد" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة. "لأعدائها" متعلق بـ "غائظة" الآتي، و"ها": مضاف إليه. غائظة: صفة لـ "أخرى". موطن الشاهد: "يداك يد خيرها يُرتجى". وجه الاستشهاد: أنشد ابن الناظم البيت للدلالة على تعدد الخبر لمبتدأ واحد؛ لأنه يعتقد أن "يداك" الواقع مبتدأ، هو واحد في اللفظ، وإن كان في المعنى متعددا، وعلى أن المعطوف والمعطوف عليه اثنان وأراد المؤلف أن يبين خطأه في ذلك، ووجه تخطئته: أن اختلاف العلماء في جواز تعدد الخبر إنما وقع فيما كان المبتدأ فيه واحدا في اللفظ والمعنى معا، وكان الخبر متعددا في اللفظ والمعنى أيضا، بحيث يصلح كل واحد من الخبرين؛ لأن يكون خبرا عن ذلك المبتدأ، ويصح حمله وحده عليه، ويفيد معه فائدة يحسن السكوت عليها، فأما إذا كان الخبر متعددا في اللفظ فقط، كما في قولهم: "الرمان حلو حامض"، أو عطف ثانيهما على أولهما، نحو: "إبراهيم كاتب وشاعر" فإنه لا يكون من موضع الخلاف بين العلماء، وأخيرا: بقي أن نعلم أن التعدد في الشاهد، من باب التعدد المطلق. ومثل هذا الشاهد: قول الأحوص: ثنتان لا أصبو لوصلهما ... عرس الخليل وجارة الجنب وقول الآخر: كفاك كف ما تليق درهما ... جودا، وأخرى تعطِ بالسيف الدما انظر شرح التصريح: 1/ 182- 183، وأوضح المسالك "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد": 1/ 229-230.

لأن "يداك" في قوة مبتدأين لكل منهما خبر، ومن نحو قولهم: "الرمان حلو حامض"؛ لأنهما بمعنى خبر واحد، أي: مُزٌّ، ولهذا يمتنع العطف على الأصح، وأن يتوسط المبتدأ بينهما1، ومن نحو: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ} 2؛ لأن الثاني تابع له3.

_ 1 وأن يتقدما على المبتدأ على الأصح فيهما عند الأكثرين فلا يقال: حلو الرمان حامض ولا حلو حامض الرمان، وليس الثاني بدلا؛ لأنه ليس المراد أحدهما، بل كلاهما، ولا صفة؛ لامتناع وصف الشيء بمناقضه، ونقل عن الأخفش جواز كونه وصفا للأول، على معنى حلو فيه حموضة، والصفة توصف إذا نزلت منزلة الجامد، نحو: مررت بالضارب العاقل، ورد بأن الصفة كالفعل، وهو لا يوصف، ولو صح هذا أي الرد لم يصح التصغير، وهو جائز بلا خلاف، ولا خبر مبتدأ محذوف؛ لأن المراد أنه جمع الطعمين، وهل في كل منهما ضمير، أو لا ضمير فيهما، أو في الثاني فقط أقوال: اختار أبو حيان أولها، وصاحب البديع ثانيها، والفارسي ثالثها، وتظهر ثمرة الخلاف في تحملهما، أو تحمل أحدهما، في نحو: هذا البستان حلو حامض رمانه، فإن قلنا لا يتحمل الأول ضمير تعين رفع رمانه بالثاني، وإن قلنا إنه يتحمل، فيجوز أن يكون من باب التنازع في السَّبَبِيّ المرفوع على القول به. التصريح: 1/ 183. 2 "6" سورة الأنعام، الآية: 39. موطن الشاهد: {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ} . وجه الاستشهاد: توهم ابن الناظم في الآية دليلا على تعدد الخبر "لأن الثاني تابع بالعطف بالواو على ما قبله، والأصل: والذين كذبوا بآياتنا بعضهم صم، وبعضهم بكم، فحذف المبتدآن وبقي خبراهما، فعطف أحدهما على الآخر. 3 بينا أن كونه تابعا، لا ينافي أنه خبر في المعنى؛ لأن المعطوف على الخبر خبر. هذا؛ وقد أجاز بعض النحاة تعدد المبتدأ قياسا على تعدد الخبر، فيقال: محمد، عليّ، زينب غاضبة عليه بسببه "بتعدد المبتدآت بدون ضمائر، وجعل الروابط بعد خبر الأول"، فترتب الضمائر ترتيبا عكسيا، ويكون الضمير في "عليه" راجع إلى الثاني، وهو "على"، وفي "بسببه" راجع إلى الأول، وهو "محمد". ويقال: محمد عمه خاله خادمه مسافر "بتعدد المبتدآت وخلو الأول من الضمير وإضافة ما بعده، كلٌّ إلى ضمير ما قبله،، والمعنى: خادم خال عم محمد مسافر وفي هذا تعسف واضح. ومن الخير والصواب عدم استعمال مثل هذه التراكيب. حاشية الصبان على شرح الأشموني: 1/ 223-224.

باب نواسخ الابتداء كان وأخواتها

باب نواسخ الابتداء: كان وأخواتها: هذا باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر1: فترفع المبتدأ تشبيها بالفاعل، ويسمى اسْمَها، وتنصب خبره تشبيها بالمفعول، ويسمى خبرها2، وهي ثلاثة أقسام:

_ 1 يشترط في الاسم الذي يراد إدخال "كان" عليه خمسة شروط، وهي: الأول: ألا يكون مما يلزم الصدارة، كأسماء الشرط، وأسماء الاستفهام، وكم الخبرية، والمبتدأ المقرون بلام الابتداء، ما عدا ضمير الشأن، فيجوز دخولها عليها، وإن كان مما يلزم الصدارة، كقول الشاعر: إذا مت كان الناس صنفان: شامت ... وآخر مثنٍ بالذي كنت أصنع فذهب بعضهم إلى أن اسم كان ضمير شأن محذوف، والناس: مبتدأ، وصنفان: خبر المبتدأ، والجملة من "المبتدأ وخبره": في محل نصب خبر كان، وذهب الكسائي في هذا البيت، إلى أن "كان" ملغاة لا عمل لها وتبعه على هذا التخريج ابن الطراوة. الثاني: ألا يكون ذلك الاسم في حال ابتدائيته واجب الحذف، كالضمير المخبر عنه بنعت مقطوع عن منعوته لمجرد المدح. الثالث: ألا يكون ملازما لعدم التصرف، أي أن يكون ملازما للوقوع في موقع واحد من مواقع الإعراب، نحو: "طوبى"، فهذا ملازم لأن يقع مبتدأ، في نحو: "طوبى للمؤمنين" ونحو: "سبحان الله" فهذا ملازم للوقوع مصدرا. الرابع: ألا يكون مما يلزم الابتداء بنفسه. في الأساليب التي التزمت صفة واحدة، لا يجوز تغييرها، حتى صارت كالأمثال، نحو: أقل رجل يفعل ذلك إلا زيدا، وهذا الشرط مكمل لما قبله، وإن ذكره العلماء مستقلا. الخامس: ألا يكون مما يلزم الابتداء بوساطة، وذلك، كالاسم الواقع بعد لولا، وإذا الفجائية، فهما لا يدخلان إلا على المبتدأ كما هو معلوم. انظر شرح التصريح: 1/ 183- 184. 2 يشترط في خبرها أن يكون متأخرا عنها، وألا يقع طلبا، ولا إنشاء، حتى عند الذين يجوزون وقوع الجملة الطلبية خبر عن المبتدأ، من غير تقدير، فلا يصحُّ: كان الفقير عاونه، ولا: كان خالد يحفظه الله، ولا جملة ماضية، ما عدا "كان"، فهي تمتاز عن أخواتها، بجوز صحة الإخبار عنها بالجملة الماضوية. فائدة: ما ذكره المؤلف، من أن هذه الأفعال الناقصة، ترفع وتنصب، هو مذهب جمهور البصريين، وأما الكوفيون، فذهبوا إلى أنها، لم تعمل في الاسم، وإنما هو مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخولها عليه، واتفق الجميع على كونها ناصبة للخبر، لا أنهم اختلفوا في نصبه، فقال الكوفيون: نصبته على الحال؛ تشبيهًا بالفعل القاصر، نحو: "ذهب زيد مسرعا"، وقال الفرَّاء: نصبته على أنه شبيه بالحال، وقال البصريون: إنا رأينا هذا الخبر يجيء ضميرا، ويجيء معرفة، ويجيء جامدا، ورأيناه لا يُستغنى عنه، فلا يمكن أن يعد حالا، ولا مشبها بالحال؛ لأن الأصل في الحال أن يكون نكرة، وأن يكون مستغنى عنه، والصواب ما ذهب إليه البصريون. انظر شرح التصريح: 1/ 184، وحاشية الصبان: 1/ 226.

[أقسام كان وأخواتها من حيث العمل] : أحدها: ما يعمل هذا العمل مطلقا، وهو ثمانية: كان، وهي أم الباب، أمسى، وأصبح، وأضحى، وظل، وبات، وصار، وليس1، نحو: {وَكَانَ رَبُّكَ

_ 1 ذهب الجمهور إلى أن "ليس" فعل، وذهب بعض النحاة إلى أنها حرف، وأول من ذهب إلى أن "ليس" حرف، هو ابن السراج وتابعه على ذلك أبو علي الفارسي -في أحد قوليه- في الحلبيات، وأبو بكر بن شقير -في أحد قوليه- وجماعة، واستدلوا على ذلك بدليلين: الدليل الأول: أنَّ "ليس" أشبه الحرف من وجهين: الوجه الأول: أنه يدل على معنى يدل عليه الحرف؛ وذلك لأنه يدل على النفي الذي تدل عليه "ما" وغيرها من حروف النفي. الوجه الثاني: أنه جامد لا يتصرف، كما أن الحرف جامد لا يتصرف. الدليل الثاني: أنه خالف سنن الأفعال العامة، وبيان ذلك أن الأفعال بوجه عام مشتقة من المصدر؛ للدلالة على الحدث دائما والزمان بحسب الصيغ المختلفة، وهذه الكلمة لا تدل على الحدث أصلا، وما فيها من الدلالة على الزمان مخالف لما في عامة الأفعال؛ فإن عامة الأفعال الماضية، تدل على الزمان الذي انقضى، وهذه الكلمة تدل على نفي الحدث الذي دل عليه خبرها في الزمان الحاضر إلى أن تقوم قرينة تصرفه إلى الماضي، أو المستقبل، فإذا قلت: "ليس الله مثله" فليس أداة نفي، واسمها ضمير شأن محذوف، وجملة "الفعل الماضي وفاعله" في محل نصب خبرها. =

قَدِيرًا} 1. الثاني: ما يعمله بشرط أن يتقدمه نفي أو نهي أو دعاء، وهو أربعة2: زال ماضي يزال، وبرح، وفتئ، وانفكَّ، مثالها بعد النفي: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} 3، {لَنْ

_ = وفي هذا المثال قرينة وهي كون الخبر ماضيا على أن المراد نفي الخلق في الماضي، وقوله تعالى: {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُم} ، يشتمل على قرينة تدل على أن المراد نفي صرفه عنهم فيما يستقبل من الزمان، ومن أجل ذلك كله، قالوا: هي حرف. ويرد ذلك عليهم قبولُها علامات الفعل، ألا ترى أن تاء التأنيث الساكنة تدخل عليها، فتقول: ليست هذه مفلحة، وأن تاء الفاعل تدخل عليها، فتقول: لستُ، ولستَ ولستما، ولستم ولستنَّ. وأما عدم دلالتها على الحدث، كسائر الأفعال، فإنه منازع فيه؛ لأن المحقق الرضي ذهب إلى أن "ليس" دالة على حدث وهو الانتفاء، ولئن سلمنا أنها لا تدل على حدث كما هو الراجح بل الصحيح عند الجمهور، فإنا نقول: إن عدم دلالتها على حدث، ليس هو بأصل الوضع، ولكنه طارئ عليها، وعارض لها بسبب دلالتها على النفي، والمعتبر إنما هو الدلالة بحسب الوضع، وأصل اللغة، وهي من هذه الجهة دالة عليه فلا يضرها أن يطرأ عليها ذلك الطارئ فيمنعها. المغنى: 387، وابن عقيل: 1/ 262، وابن عقيل "ط. دار الفكر": 1/ 205. 1 "25" سورة الفرقان، الآية: 54. موطن الشاهد: {كَانَ} . وجه الاستشهاد: دخول "كان" على الجملة الاسمية، ورفعها الاسم، ونصبها للخبر، من دون أي شرط يذكر، ومعلوم أن "كان" أم الباب. 2 إنما اشترط في هذه الأربعة ذلك؛ لأن معناها النفي واستمرار ملازمة الخبر للمخبر عنه على حسب ما يقتضيه المقام، فإذا دخل عليها النفي، انتقلبت إثباتا. والنهي والدعاء يتضمنان في المعنى نفيا. ويشترط ألا يكون خبرها جملة فعلية ماضوية، فلا يقال: ما زال المسافر غاب. الخ وألا يقع بعد إلا، فلا يصح: ما فتئ السائح إلا بعيدا. التصريح: 1/ 184. 3 "11" سورة هود، الآية: 118. موطن الشاهد: {لَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "يزال" فعلا مضارعا ناقصا، والواو: في محل رافع اسمه، و"مختلفين": خبره منصوب، وعلامة نصبه الياء، وقد أعمل "يزال"؛ لتقدم النفي بـ "لا" عليه.

نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِين} 1 ومنه: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ} 2 وقوله: [الطويل] 3 80- فقلت يمين الله أبرح قاعدا4

_ 1 "20" سورة طه، الآية: 91. موطن الشاهد: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "نبرح" فعلا مضارعا ناقصا، واسمه "نحن" و"عاكفين": خبره، وإنما أعمل عمل كان؛ لتقدم النفي بـ "لن" عليه. 2 "12" سورة يوسف، الآية: 85. موطن الشاهد: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ} . وجه الاستشهاد: مجيء "تفتأ" مضارعا ناقصا، لتقدم النفي المصدر عليه؛ لأن تقدير الكلام: تالله لا تفتأ تذكر يوسف، واسم تفتأ "أنت"، وجملة "تذكر": في محل نصب خبر "تفتأ" والتقدير: ذاكرا. 3 هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته. 4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي وهو من شواهد: التصريح: 1/ 185، والأشموني: "170/ 1/ 110"، وكتاب سيبويه: 2/ 147 والمقتضب: 2/ 326، والجمل للزجاجي: 85، والخصائص: 2/ 284، والعيني: 2/ 13، وأمالي ابن الشجري: 1/ 369، وشرح المفصل: 7/ 110، وشرح السيوطي: 118 وديوان امرئ القيس: 32. المفردات الغريبة: الأوصال: المفاصل جمع وصل، وهو العضو يفصل من الآخر. المعنى: أقسم بالله لأبقين معك هنا، ولا أفارق رحابك خوفا من أحد، ولو قطعوا رأسي ومزقوني إربا إربا. الإعراب: قلت: فعل ماضٍ وفاعل. يمين: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف وخبره محذوف، والتقدير: يمين الله قسمي. الله: "لفظ الجلالة": مضاف إليه. أبرح: فعل مضارع ناقص، واسمه: أنا. قاعدا: خبره منصوب. لو شرطية غير جازمة. قطعوا: فعل ماضٍ وفاعل، وهو فعل الشرط غير الجازم، وجواب "لولا" محذوف؛ لدلالة ما قبله عليه. موطن الشاهد: "أبرح قاعدا". وجه الاستشهاد: إعمال "أبرح" عمل كان؛ لأنه تقدم عليه النفي تقديرا، وإن لم يظهر لفظا؛ لأن المعنى: لا أبرح قاعدا.

إذ الأصل لا تفتأ ولا أبرح، ومثالها بعد النهي، قوله1: [الخفيف] 81- صاح شمر ولا نزل ذاكر الموت2.

_ = ونظير البيت الشاهد، قول النابغة: فقالت: يمين الله أفعل إنني ... رأيتك مسحورا يمينك فاجره والمراد: يمين الله قسمي لا أفعل.... فائدة أولى: يكثر حذف "لا" النافية من دون أخواتها، بعد القسم، إن كان الفعل المنفي مضارعا، كما في قوله تعالى: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُف} ، وكما في بيت امرئ القيس السابق. وإن لم يتقدم القسم، كان الحذف شاذا، وذلك في نحو قول خداش بن زهير: وأبرح ما أدام الله قومي ... بحمد الله منتطقا مجيدا. فالمراد: "لا أبرح ما أدام الله قومي"، فحذف "النفي" من دون أن يتقدم عليه القسم. فائدة ثانية: قد يقع النفي قبل الأفعال المذكورة بغير "لا" كأن يكون اسما دالا على النفي، نحو قول الشاعر: غير منفكٍّ أسير هوى ... كل وَانٍ ليس يعتبر أو يكون بالفعل الدال على النفي، نحو قول الآخر: ليس ينفك ذا غنى واعتزاز ... كل ذي عفَّةٍ مقلٌّ قنوعُ أو يكون بالفعل المستعمل في النفي، وإن لم يكن موضوعا له، كما في قول الشاعر: قلما يبرح اللبيب إلى ما ... يورث الحمد داعيا أو مجيبا. فإن "قلما" في هذا الموضع وشبهه دالة على النفي؛ لا التقليل. وانظر شرح التصريح: 1/ 185، وابن عقيل "دار الفكر": 1/ 205. وحاشية الصبان: 1/ 227-228. 1 لم ينسب هذا البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: البيت بتمامه: صاح شَمِّرْ، ولا تزال ذاكر المو ... ت؛ فنسيانه ضلال مبين وهو من شواهد: التصريح: 1/ 185، وابن عقيل: "61/ 1/ 265"، والأشموني: "172/ 1/ 110" والعيني: 2/ 14، وهمع: 1/ 110، والدرر اللوامع: 1/ 81، وقطر الندى: "40/ 168". المعنى: اجتهدْ يا صاحبي، واعمل بكل ما أوتيت من قوة، وتذكر أن الموت لا بد منه، فاستعد لما بعده، وكن دائم التذكر له؛ فإن نسيانه يوقعك في الإثم والضلال. الإعراب: صاح: منادى بحرف نداء محذوف، مرخم ترخيما غير قياسي، من "صاحب" شمر: فعل أمر، وفاعله مستتر وجوبا "أنت". لا: ناهية. تزل: فعل مضارع ناقص، مجزوم بـ "لا" واسمه ضمير مستتر وجوبا "أنت". ذاكر: خبر "تزل" منصوب، وهو مضاف. الموت: مضاف إليه فنسيانه: الفاء: تعليلية، نسيان: مبتدأ مرفوع، و"الهاء" مضاف إليه. ضلال: خبر المبتدأ مرفوع. مبين: صفة لـ "ضلال". موطن الشاهد: "لا تزل ذاكرَ". وجه الاستشهاد: إعمال "تزل" عمل "كان"؛ لأنها سبقت بحرف النهي "لا" وهو شبيه بالنفي، فالناهي عن فعل شيء من الأشياء، إنما يقصد عدم حصول الفعل، ومعلوم أن عدم حصوله، هو معنى النفي.

ومثالها بعد الدعاء، قوله1: [الطويل] 82- ولا زال منهلا بجرعائك القطر2

_ 1 هو ذو الرمة: غيلان بن عقبة بن بهيش، من بني صعب، يكنى أبا الحارث، ويعرف بذي الرمة، لقوله: أشعث باقٍ رُمَّة التقليدِ وهو أحد شعراء الطبقة الثانية، قال عنه ابن سلام: "أحسن أهل الجاهلية تشبيها امرؤ القيس، وأحسن أهل الإسلام ذو الرمة". مات سنة 117هـ. الشعر والشعراء: 1/ 542، الجمحي: 2/ 549، الخزانة: 1/ 50، الأغاني: 16/ 106. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، يقوله في صاحبته مية، وصدره قوله: ألا يا اسلمى يا دار ميّ على البلى وهو من شواهد: التصريح: 1/ 185، وابن عقيل: "62/ 1/ 266"، والأشموني: "11/ 1/ 14" وأمالي ابن الشجري: 2/ 151، والعيني: 2/ 6، وهمع الهوامع: 1/ 111، 2/ 4، 2/ 70، والدرر اللوامع: 1/ 81، 2/ 23، 2/ 86، ومغني اللبيب: "440/ 320"، وشرح السيوطي: 210 وقطر الندى: "41/ 169". المفردات الغريبة: اسلمى: دعاء بالسلامة من الآفات والعيوب. البلى، من بلي الثوب يبلى، أي: خلق ورَثَّ. منهلًّا: منسكبا منصبًّا. جرعائك: الجرعاء: رملة مستوية، لا تنبت شيئا. القطر: المطر. المعنى: يدعو الشاعر لدار حبيبته، فيقول: حفظك الله وسلمك يا دار ميّ على ما فيك من قدم من الفناء والزوال، ولا زال المطر ينزل بساحتك، حتى يبقى رحابك عامرا، يذكرنا بالأحبة الذين سكنوك. الإعراب: ألا: أداة استفتاح وتنبيه. يا: حرف نداء، والمنادى محذوف، والتقدير: يا دار مية، أو حرف تنبيه مؤكد لـ "ألا" والأول أرجح، اسلمى: فعل أمر مبني على حذف النون، والياء، فاعل. يا: حرف نداء. دار: منادى مضاف منصوب. مي: =

وقيدت زال بماضي يزال احترازا من زال ماضي يزيل، فإنه فعل تام متعدٍّ إلى مفعول، ومعناه مَازَ1، تقول: "زِلْ ضأنك عن معزك" ومصدره الزيل، ومن ماضي يزول؛ فإنه فعل تام قاصر، ومعناه الانتقال، ومنه: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا} 2، ومصدره الزوال. الثالث: ما يعمل بشرط تقدم "ما" المصدرية الظرفية، وهو دام3، نحو: {مَا

_ = مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة بدل الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. ولا: الواو عاطفة، لا: حرف دعاء لا محل له من الإعراب، زال: فعل ماضٍ ناقص. منهلا: خبر "زال" مقدم منصوب. "بجرعائك": متعلق بـ "منهلا" والكاف: مضاف إليه. القطر: اسم "زال" مؤخر مرفوع. موطن الشاهد: "لا زال". وجه الاستشهاد: مجيء "زال" ناقصة عاملة عمل "كان" في رفع الاسم، ونصب الخبر؛ لتقدم "لا" الدعائية عليها، وسبق لنا أن علمنا أن الدعاء شبيه بالنفي؛ لأن دعاءك بحصول الشيء دليل على كونه غير حاصل في وقت الدعاء. وفي البيت شاهد آخر على اتصال النداء بالفعل المضارع لفظا، وللنحاة في هذا مذهبان: الأول أن "يا" حرف نداء، والمنادى محذوف قيل فعل الأمر، والتقدير: يا هذه، أو يا دار مية..... الثاني: أن "يا" حرف تنبيه، وليست حرف نداء. والأرجح في هذه الحال الأول؛ لأن "يا" سبقت بـ "ألا" التي تفيد الاستفتاح والتنبيه، ومن القواعد المقررة، أن لا يتوالى حرفان بمعنى واحد، لغير توكيد، فعلى الرأي الثاني، تكون "يا" حرف تنبيه يفيد التوكيد؛ ليجري الإعراب وفق القواعد المقررة. 1 أي: ميز وفصل. 2 "35" سورة فاطر، الآية: 41. موطن الشاهد: {تَزُولََا} ، {زَالَتَا} . وجه الاستشهاد: مجيء كل من "تزولا" و"زالتا" فعلا تاما غير ناقص؛ لأنه بمعنى الانتقال، فـ "أن تزولا": أن تنقلا، و"زلتا": انتقلنا، والمصدر فيهما: الزوال. 3 قد وردت "دام" غير مسبوقة بما وبعدها اسمان أولهما مرفوع وثانيهما منصوب، في قول الشاعر: دمت الحميد، فما تنفك منتصرا ... على العدى في سبيل المجد والكرم وهذا البيت مشكل؛ لأنك، لو قدرت "دام" تامة غير محتاجة إلى تقدم "ما" عليها، =

دُمْتُ حَيًّا} ، أي: مدة دوامي حيا، وسميت "ما" هذه مصدرية لأنها تقدر بالمصدر، وهو الدوام؛ وسميت ظرفية لنيابتها عن الظرف، وهو المدة. [كان وأخواتها ثلاثة أقسام بالنسبة إلى التصرف] : وهذه الأفعال في التصرف ثلاثة أقسام: 1- ما لا يتصرف بحال، وهو ليس باتفاق، ودام عند الفراء وكثير من المتأخرين.

_ = وجعلت ضمير المخاطب فاعلا و"الحميد" حالا ورد عليك بأن "الحميد" معرفة بالألف واللام، والحال: لا يكون إلا نكرة في المذهب البصري المنصور، وإن جعلت "دام" ناقصة ورد عليك بأنها "الحميد" معرفة بالألف واللام، والحال: لا يكون إلا نكرة في المذهب البصري المنصور، وإن جعلت "دام" ناقصة ورد عليك بأنه لم تتقدمها "ما" وهو شرط في عملها في الاسم والخبر، وإذا كان لا مناص من ارتكاب أحد الأمرين، فإننا نختار أن تكون "دام" في هذا البيت تامة، وندعي أن "أل في قوله "الحميد" ليست معرفة وإنما هي زائدة. حاشية يس على التصريح: 1/ 186، وحاشية الصبان: 1/ 228-229. 1 "9" سورة مريم، الآية: 31. موطن الشاهد: {مَا دُمْتُ حَيًّا} . وجه الاستشهاد: مجيء "دمت" فعلا ناقصا يعمل عمل "كان" لتقدم "ما" المصدرية الظرفية عليه، فالتقدير: مدة دوامي حيا، كما في المتن، وفي الإعراب، نقول: "ما" مصدرية ظرفية. دمت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: اسمه. حيا: خبره منصوب. فائدة: إذا سبقت: "دام" بـ "ما" مصدرية غير ظرفية، لم تعمل "دام" بعدها عمل "كان" وإن ولي مرفوعها منصوب، فهو منصوب على الحال، نحو: يعجبني ما دمت صحيحا، فـ "دام" فعل تام"، والتقدير: يعجبني دوامك صحيحا، و"صحيحا" منصوب على الحال، وكذلك إذا لم تذكر "ما" أصلا، فأحرى بـ "دام" ألا تعمل، كما في: دام زيد صحيحا، فـ "دام" فعل ماضٍ تام بمعنى "بقي"، وزيد فاعله، وصحيحا حال منصوب من زيد، ولا يلزم من وجود ما المصدرية الظرفية العمل المذكور، إذ لا يلزم من وجود الشرط المشروط، ولا توجد الظرفية من دون المصدرية. انظر صرح التصريح: 1/ 186.

2- وما يتصرف تصرفا ناقصا، وهو "زال" وأخواتها، فإنها لا يستعمل منها أمر ولا مصدر، و"دام" عند الأقدمين، فإنهم أثبتوا لها مضارعا1. 3- وما يتصرف تصرفا تاما، وهو الباقي. وللتصاريف في هذين القسمين ما للماضي من العلم، فالمضارع نحو: {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} 2، والأمر نحو: {كُونُوا حِجَارَة} 3، والمصدر، كقوله4: [الطويل] 83- وكونك إياه عليك يسير5

_ 1 رجح العلامة الصبان في حاشيته على شرح الأشموني، أن دام الناقصة لها مصدر، ودليله أنها تستعمل البتة لما المصدرية الظرفية، وأن العلماء جروا على تقدير ما دام في نحو قوله تعالى: {مَا دُمْتُ حَيًّا} بقوله: مدة دوامي حيا، ولو أننا التزمنا أن هذا مصدر لدام التامة أو أن العلماء اخترعوا في هذا التقرير مصدرا، لم يرد عن العرب، لكُنَّا بذلك جائرين، مسيئين الظنَّ بمن قام على العربية وحفظها غاية الإساءة، فلزم أن يكون هذا المصدر مصدر الناقصة فتتم الدعوى. حاشية الصبان على الأشموني: 1/ 228-229. 2 "19" سورة مريم، الآية: 20. موطن الشاهد: {لَمْ أَكُ بَغِيًّا} . وجه الاستشهاد: إعمال "أك" المضارع عمل "كان" الناقصة، وهو مجزوم بـ "لم" وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة تخفيفًا، واسمه "أنا"، و"بغيا" خبر منصوب. 3 "17" سورة الإسراء، الآية: 50. موطن الشاهد: {كُونُوا حِجَارَةً} . وجه الاستشهاد: إعمال "كونوا" فعل الأمر عمل "كان" الناقصة، وإعرابه: كونوا: فعل أمر ناقص مبني على حذف النون؛ لاتصاله بواو الجماعة، والواو: اسمه، و"حجارة": خبره منصوب. 4 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: ببذل وحلم ساد في قومه الفتى وهو من شواهد التصريح: 1/ 187، وابن عقيل: "64/ 1/ 270، والأشموني =

واسم الفاعل، كقوله1: [الطويل] 84- وما كل من يبدي البشاشة كائنا ... أخاك.......................2

_ = "181/ 1/ 112" وهمع الهوامع: 1/ 114، والدرر اللوامع: 1/ 83، والعيني: 2/ 15. المفردات الغريبة: بذل: عطاء. ساد: من السيادة، وهي الرفعة وعظم الشأن. المعنى: إن الإنسان يسود في قومه ويرتفع ذكره بينهم بالجود وبالمال، والحلم في الخلق، وسعيك في الاتصاف بهاتين الخلتين، أمر هين عليك، إذا أردت أن يتكون مثل هذا الإنسان في المنزلة وعلو الشأن. الإعراب: وكونك: الواو عاطفة. كونك: مبتدأ، وهو مصدر "كان" الناقصة، وهو مضاف إليه اسمه. "الكاف" مبني في محل جر بالإضافة، وفي محل رفع اسم "كان"، فلها محلان من الإعراب. إياه: خبر "كونك" في محل نصب من جهة النقصان. "عليك": متعلق بـ "يسير". يسير: خبر "كونك" الواقع مبتدأ، من حيث ابتدائيته. موطن الشاهد: "كونك إياه". وجه الاستشهاد: إجراء مصدر "كان" الناقصة مجراها في رفع الاسم، ونصب الخبر، وقد بينا في الإعراب كيفية إعرابه مع خبره من جهة نقصانه، ومع خبره من جهة ابتدائيته. 1 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: البيت بتمامه هو: وما كل من يبدي البشاشة كائنا ... أخاك، إذا لم تلفه لك منجدا وهو من شواهد: التصريح: 1/ 187، وابن عقيل "63/ 1/ 269، والأشموني: "182/ 1/ 112" وهمع الهوامع: 1/ 114، والدرر اللوامع: 1/ 84، والعيني: 2/ 17. المفردات الغريبة: يبدي: يظهر. البشاشة: طلاقة الوجه. تلفه: تجده. منجدا: مساعدا. المعنى: ليس كل من يظهر لك البشر وطلاقة الوجه، أخا مخلصا لك، ما لم تجده معينا في الشدائد، مساعدا في الملمات. الإعراب: ما: نافية حجازية، تعمل عمل ليس. كل: اسم "ما" مرفوع. من: اسم موصول في محل جر بالإضافة. يبدي فعل مضارع، والفاعل: هو. البشاشة: مفعول به، وجملة "يبدي البشاشة" صلة للموصول، لا محل لها. "كائنا": خبر "ما" منصوب، و"كائنا" اسم فاعل من كان الناقصة، واسمه: ضمير مستتر جوازا، تقديره: هو، يعود إلى "من". أخاك: خبر "كائنا" منصوب، وعلامة نصبه الألف؛ لأنه من الأسماء الستة، والكاف في محل جر بالإضافة. إذا: ظرف متضمن معنى الشرط. تلفه: فعل مضارع مجزوم بـ "لم" وعلامة جزمه حذف حرف العلة، و"الهاء" مفعول أول. منجدا: مفعول ثانٍ منصوب، ويرى العيني: أن "منجدا" حال؛ لأن ظن وأخواتها على زعمه تنصب مفعولا واحدا، هذا مذهب ضعيف. موطن الشاهد: "كائنا أخاك". وجه الاستشهاد: إعمال اسم الفعل "كائنا" عمل كان الناقصة، فرفع اسما، ونصب خبرا، كما بينا في الإعراب.

وقوله1: [الطويل] 85- قضى الله يا أسماء أن لست زائلا ... أحبك............2

_ 1 هو: الحسين بن مطير بن مكمل، مولى بني أسد بن خزيمة، وأحد مخضرمي الدولتين، مدح بني أمية وبني العباس، وكان شاعرا راجزا، مقدما في الشعر والرجز، وكان كلامه يشبه كلام أهل البادية. خزانة الأدب للبغدادي: 5/ 475-482. 2 تخريج الشاهد: البيت بتمامه هو: قضى الله يا أسماء أن لست زائلا ... أحبك حتى يُغمضَ الجفنَ مغمِضُ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 187، والأشموني: "183/ 1/ 112"، وهمع الهوامع: 1/ 114، والدرر اللوامع: 1/ 84، ومجالس ثعلب: 265، وزهر الآدب للحصري: 98، والعيني: 2/ 18. المفردات الغريبة: قضى الله: حكم وقدر. أسماء: اسم محبوبته. يغمض العين: يطبق جفونها، وهو كناية عن الموت. المعنى: قدر الله يا أسماء أن أتعلق بك، وأحبك -على الرغم من حدودك وهجرك لي- حتى أفارق هذه الحياة. الإعراب: قضى الله: فعل وفاعل. يا أسماء: حرف نداء، ومنادى مفرد علم مبني على الضم في محل نصب. أن: مخففة من الثقيلة، واسمها: ضمير الشأن المحذوف. لست: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: اسمه. زائلا: خبره منصوب، و"زائلا": اسم فاعل من "زال" الناقصة، واسمه: ضمير مستتر فيه وجوب. أحبك: فعل مضارع، والفاعل: أنا، و"الكاف": مفعول به. وجملة "أحبك": في محل نصب خبر "زائلا"، وجملة ليس واسمها وخبرها": في محل رفع خبر "أن" المخففة من الثقيلة. حتى: حرف غاية وجر. يغمض: فعل مضارع منصوب بـ "أن" المضمرة بعد حتى. الجفن: مفعول به منصوب مقدم على الفاعل. مغمض: فاعل مرفوع مؤخر، والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": في محل جر بـ "حتى"، والجار والمجرور متعلق بـ "أحبك".

[توسط أخبار كان وأخواتها] : وتوسط أخبارهن جائز1، خلافا لابن درستويه2 في ليس، ولابن

_ 1 لخبر كان وأخواتها ستة أحوال. الأول: وجوب التأخير، وذلك في مسألتين؛ إحداهما: أن يكون إعراب الاسم والخبر جميعا غير ظاهر، نحو: كان صديقي عدوي، وثانيهما: أن يكون الخبر محصورا، نحو قوله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَة} ، والمكاء: التصفير، التصدية: التصفيق. الثاني: وجوب التوسط بين العامل واسمه، وذلك في نحو قولك: يعجبني أن يكون في الدار صاحبها، فلا يجوز في هذا المثال تأخير الخبر عن الاسم؛ لئلا يلزم منه عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة، كما لا يجوز أن يتقدم الخبر على أن المصدرية؛ لئلا يلزم تقديم معمول الصلة على الموصول، فلم يبقَ إلا توسط هذا الخبر على ما ذكرنا. الثالث: وجوب التقدم على الفعل، واسمه جميعا، وذلك فيما إذا كان الخبر مما له الصدارة كاسم الاستفهام، نحو: "أين كان زيد"؟ الرابع: امتناع التأخر عن الاسم، مع جواز التوسط بين الفعل واسمه، أو التقدم عليهما، وذلك فيما إذا كان الاسم متصلا بضمير يعود على بعض الخبر، ولم يكن ثمة مانع من التقدم على الفعل نحو: "كان في الدار صاحبها، وكان غلام هند بعلها". يجوز أن تقول ذلك، ويجوز أن تقول: "في الدار كان صاحبها، وغلام هند كان بعلها بنصب غلام ولا يجوز في المثالين التأخير عن الاسم. الخامس: امتناع التقدم على الفعل واسمه جميعا، مع جواز توسطه بينهما، أو تأخره عنهما جميعا، نحو: "هل كان زيد صديقك"؟ ففي هذا المثال، يجوز هذا، ويجوز "هل كان صديقك زيد" ولا يجوز تقديم الخبر على هل؛ لأن "هل" لها صدر الكلام، ولا توسيطه بين هل والفعل؛ لأن الفصل بينهما غير جائز. السادس: جواز الأمور الثلاثة: نحو "كان محمد صديقك" ويجوز فيه ذلك، كما يجوز أن تقول: صديقك كان محمد، وأن تقول: كان صديقك محمد، بنصب الصديق. ابن عقيل "دار الفكر": 1/ 221- 213، وحاشية الصبان على الأشموني: 1/ 232، وابن عقيل "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد": 1/ 272. 2 ابن درستويه: هو أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي المشهور بعلمه وتصانيفه، ولد بفارس سنة 258هـ، وصحب المبرد، وقرأ عليه "الكتاب" وبرع فيه. لقي ابن قتيبة، وأخذ عن الدارقطني، وغيره، له تصانيف قيمة، منها: شرح الفصيح، والإرشاد في النحو، والمقصور والممدود، وأخبار النحاة، توفي سنة: 347هـ. البلغة: 107، إنباه الرواة: 2/ 113، بغية الوعاة: 2/ 36، الفهرست: 63، الإعلام: 4/ 204 وغيرها.

معط1 في دام، قال الله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِين} 2، وقرأ حمزة3 حفص4: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُم} 5 بنصب البر

_ 1 ابن معط: أبو الحسن، زين الدين يحيى بن معط المغربي الحنفي، إمام مبرز في العربية، وشاعر محسن، قرأ على الجزولي، وأخذ عنه الكثير، وكان مدرسا في دمشق ومصر، وكان يحفظ الكثير المفيد، له تصانيف كثيرة، منها: الألفية في النحو، وشرح الجمل في النحو، وشرح أبيات سيبويه "نظم"، كما نظم كتاب الجمهرة، لابن دريد في اللغة، ونظم كتاب الصحاح للجوهري، ونظم كتابا في العروض، وقصيدة في القراءات..... توفي سنة 628هـ. سير أعلام النبلاء: 22/ 324، وفيات الأعيان: 6/ 197، البداية والنهاية: 13/ 129 بغية الوعاة: 2/ 344. 2 "30" سورة الروم، الأية: 47. موطن الشاهد: {كَانَ حَقًّا عَلَينَا نَصْرُ} . وجه الاستشهاد: تقدم خبر كان على اسمها، وحكم هذا التقدم الجواز؟ والإعراب واضح. 3 حمزة: هو أبو عمارة، حمزة بن حبيب الكوفي الزيات، أحد أصحاب القراءات السبع، وإمام القراء بالكوفة بعد عاصم، كان ثقة عارفا بالعربية، حافظا للحديث، ورعا زاهدا، وكان يعمل بالتجارة وخاصة تجارة الزيت حتى لُقِّبَ بها، ولد سنة 80هـ. وتوفي سنة 156هـ. طبقات القراء للذهبي: 1/ 261، ابن خلكان: 2/ 216 4 حفص: هو أبو عمرو، حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي الكوفي، من أصحاب عاصم، معروفا بضبط الحروف، وقد أقرأ الناس مدة طويلة، ولد سنة 90هـ، ومات سنة 180هـ. معرفة القراء الكبار للذهبي: 1/ 140، والجرح والتعديل: 3/ 173، وشذرات الذهب: 1/ 293. 5 "2" سورة البقرة، الآية: 177. أوجه القراءات: قرأ حمزة وحفص {الْبِرَّ} بالنصب، وقرأها الباقون بالرفع. توجيه القراءات: على قراءة النصب، يكون "البر" يكون "البر" خبر ليس، ويكون المصدر المؤول من "أن وما بعدها": اسم "ليس"، والتقدير: ليس توليتكم وجوهكم قِبَل المشرق والمغرب البر كله، ومن رفع "البر" فعلى اعتبارها "اسما" لـ "ليس"، والمصدر المؤول في محل نصب الخبر، والتقدير: ليس البر توليتكم وجوهكم؟ وحجة قراءة الرفع، قراءة أبي بأن تولوا، فأدخل الباء على الخبر، ومعلوم أن الباء، لا تدخل في اسم "ليس" وإنما تدخل في خبرها. انظر: حجة القراءات: 123، والإتحاف: 153، وإعراب القرآن للنحاس: 1/ 230، والبحر المحيط: 2/ 2، والكشف للقيسي، 1/ 256، ومجمع البيان: 1/ 109.

وقال الشاعر1: [البسيط] 86- لا طيب للعيش ما دامت منغصة ... لذاته......................2

_ 1 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: البيت بتمامه: لا طيب للعيش ما دامت منغصة ... لذاته بادِّكَار الموت والهرم وهو من شواهد: التصريح: 1/ 187، وهمع الهوامع: 1/ 117، والدرر اللوامع: 1/ 87، والعيني: 2/ 20، وقطر الندى: "43/ 172". المفردات الغريبة: منغصة: اسم مفعول من التنغيص"، وهو التكدير. بادِّكار: بتذكر، وأصله: اذتكار، قلبت تاء الافتعال دالا، ثم قلبت الذال دالا، وأدغمتا. الهرم: الكبر والضعف. المعنى: لا لذة ولا راحة في هذه الحياة ما دامت لذاتها ونعيمها ومسراتها- تتكدر بتذكر الإنسان للموت، وبالضعف بالكبر، فكلما كبر الإنسان ازداد ضعفه، وقلَّ طموحه. الإعراب: لا: نافية للجنس. طيب: اسم "لا". "للعيش": متعلق بمحذوف خبر "لا"، ويجوز أن يكون متعلقا بـ "طيب" وخبر "لا" محذوف. ما: مصدرية ظرفية، دامت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: للتأنيث. منغصة: خبر "دامت" مقدم على الاسم. لذاته: اسم "دام" مؤخر، وهو مضاف، و"الهاء" في محل جر بالإضافة. "بادِّكار": متعلق بـ "منغصة". الموت: مضاف إليه. والهرم: الواو عاطفة، الهرم: اسم معطوف على الموت. موطن الشاهد: "ما دامت منغصة لذاته". وجه الاستشهاد: تقدم خبر "دام" على اسمها، وعلى هذا الوجه الذي أراده المؤلف وقع الفصل بين العامل وهو "منغصة" ومتعلقه "بادكار" بأجنبي عنهما، وهو لذاته ولذا، فقد أعرب بعضهم البيت كالآتي: لذاته: نائب فاعل لـ منغصة" لأن اسم مفعول، واسم "دام" مستتر فيها، ومنغصة خبرها، وعلى هذا الوجه يخلو البيت من الشاهد، وبالتالي، فليس فيه رد على ابن معط ومن يرى رأيه. وأولى من الشاهد المذكور، للرد على ابن معط قول الشاعر: ما دام حافظ سري من وثقت به ... فهو الذي لست عنه راغبا أبدا فقدم الخبر "حافظ سري" على اسم "ما دام"، وهو قوله: "من وثقت به". التصريح: 1/ 188.

إلا أن يمنع مانع، نحو: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً} 1. [تقدير أخبار كان وأخواتها] : وتقديم أخبارهن جائز، بدليل: {أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُون} 2، {وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُون} 3، إلا خبر دام اتفاقا4، وليس عند جمهور

_ 1 "8" سورة الأنفال، الآية: 35. موطن الشاهد: {مَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً} . وجه الاستشهاد: امتناع تقدم الخبر "مكاء" على الاسم "صلاتهم"؛ لانحصار الخبر بـ "إلا" وحكم تأخر الخبر عن الاسم في هذه الحالة الوجوب لوجود المانع. 2 "34" سورة سبأ، الآية: 40. موطن الشاهد: {أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "هؤلاء" و"إياكم" معمولين لخبر "كان" وقد تقدما عليها، وتقديم المعمول يؤذن بجواز تقديم العامل عند كثير من النحاة، كابن مالك، وسبقه ابن جني، والفارسي وغيرهما من البصريين. انظر شرح التصريح: 1/ 188. 3 "7" سورة الأعراف، الآية: 177. موطن الشاهد: {أَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ} . وجه الاستشهاد: تقدم "أنفسهم" وهو معمول "يظلمون"، وفي هذا دليل على تقدم معمول الخبر على كان وأخواتها، ومتى تقدم معمول الخبر، جاز تقدم الخبر، كما بيَّنَّا في الآية السابقة. 4 فلا يجوز تقديمه عليها، وعلى "ما" لأن معمول الصلة الحرف المصدري، لا يتقدم عليه، ويجوز أن يتقدم الخبر على "دام" وحدها، فيتوسط بينها وبين "ما"، تقول: "سأبقى في البيت ما مستمرة دامت الغارة"، والأرجح عدم توسطه. انظر شرح التصريح: 1/ 188.

البصريين1، قاسوها على عسى2، واحتج المجيز3 بنحو قوله تعالى: {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُم} 4، وأجيب بأن المعمول ظرف فيتسع فيه، وإذا نفي الفعل بما جاز توسط الخبر بين النافي والمنفيّ5 مطلقا، نحو: "ما قائما كان زيد" ويمتنع التقديم على "ما" عند البصريين والفراء، وأجازه بقية الكوفيين، وخص ابن كيسان6

_ 1 وحجتهم: عدم الورود عن العرب، أو ضعفها بعدم التصرف، وقد اختار هذا ابن مالك. 2 فإن خبرها لا يتقدم عليها اتفاقا، وهي مثلها في الجمود. 3 من قدماء البصريين، والفراء، وابن برهان، والزمخشري، والشلوبين، وابن عصفور من المتأخرين. 4 "11" سورة هود، الآية: 8. موطن الشاهد: {يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} . وجه الاستشهاد: مجيء "يوم يأتيهم" معمولا لـ "مصروفا" وقد تقدم على "ليس" واسم "ليس": ضمير مستتر فيها، يعود على العذاب، ومصروفا: خبر "ليس"، وتقديم المعمول، لا يصح إلا حيث يصح تقديم عامله، فلولا أن الخبر "مصروفا" يجوز تقديمه على "ليس" لما جاز تقديم معموله عليها، وأجيب عن هذا بالمنع، كما أسلفنا، وأما على تقدير تسليمه بالتقدم في هذه الآية، فيجاب: بأن المعمول ظرف، فيتسع فيه ما لا يتسع في غيره، أو بأن "يوم" معمول لمحذوف، تقديره: "يعرفون يوم يأتيهم" و"ليس مصروفا": جملة حالية مؤكدة، أو مستأنفة، أو بأن "يوم" في محل رفع الابتداء، وبني على الفتح لإضافته إلى جملة "يأتيهم"، وليس مصروفا: خبره، والأفضل ما ذهب إليه المؤلف. شرح التصريح: 1/ 188- 189 وشرح الأشموني مع الصبان: 1/ 234. 5 ويشمل: ما يكون النفي شرطا لعمله كـ "زال"، وما لا يكون النفي شرطا لعمله مثل "كان". 6 ويتبع ابن كيسان في في رأيه النحاس. وابن كيسان: هو أبو الحسن، محمد بن أحمد بن إبراهيم بن كيسان النحوي، جامع المذهبين، البصري والكوفي في النحو؛ لأنه أخذ عن المبرد، وثعلب، ولكنه كان إلى المذهب البصري أميل، ولم يكن مجلس أكثر فائدة، وأجمع لأصناف العلوم والتحف من مجلسه، كما قال أبو حيان التوحيدي، له تصانيف هامة، منها: المهذب في النحو، وعلل النحو -ما اختلف فيه البصريون الكوفيون، غلط أدب الكاتب...... إلخ. توفي سنة 320هـ. بغية الوعاة: 1/ 18، طبقات النحويين البصريين، 170، الأعلام: 5/ 308.

المنع بغير زال وأخواتها؛ لأن نفيها إيجاب، وعمم الفراء المنع1 في حروف النفي2، ويرده قوله: [الطويل] 87- على السن خيرا لا يزال يزيد4

_ 1 أصل هذا الخلاف مبني على خلاف آخر، وهو هل تستوجب "ما" أن تكون في صدر الكلام؟، ذهب جمهور البصريين إلى أنها لا تستوجب التصدير، وعلى هذا أجازوا أن يتقدم خبر الناسخ المنفي بها عليها مطلقا، ووافقهم ابن كيسان والنحاس على جواز تقديم خبر الناسخ عليها، إذا كان من النواسخ التي يشترط فيها النفي؛ لأن نفيها حينئذ إيجاب، فكأنه لم يكن، بخلاف النوع الثاني. حاشية يس على التصريح: 1/ 189، وابن عقيل "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد": 1/ 276. 2 ذهب الفراء إلى أن "ما" و"لا" و"إن" و"لن" النافيات، لها حكم واحد، وهو أنه لا يجوز أن يتقدم الخبر ولا معموله على حرف النفي، وخص المحققون هذا الحكم بحرف واحد من حروف النفي وهو "ما"، وذهب المحقق الرضي إلى أن "إن" النافية لها حكم "ما". شرح التصريح: 1/ 189. 3 القائل: هو المعلوط القريعي ابن بدل "أو بذل" والقريعي نسبة إلى قريع بن عوف بن كعب أحد تميم، والمعلوط شاعر إسلامي. سمط اللآلي: 1/ 434. 4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره، قوله: ورجِّ الفتى للخير ما إن رأيته وهو من شواهد: التصريح: 1/ 189، والأشموني: "186/ 1/ 114"، والكتاب لسيبويه: 2/ 306 والخصائص: 1/ 110، وسمط اللآلي: 434، وشرح المفصل: 8/ 130، والمقرب لابن عصفور: 17، ومغني اللبيب: ذكره عدة مرات منها: "26/ 38" "51/ 57"، وشرح السيوطي: 32، 244. المفردات الغريبة: رجِّ: أمر من الترجية بمعنى الرجاء، وهو الأمل وتوقع الخير. الفتى: الشاب. على السن: أي على زيادة العمر. المعنى: انتظر الخير والنبل، وتوقعه من الشاب، إذا رأيته كلما زادت سنه وتقدم في العمر، يزداد خيرا، ويتلمس المزيد من الخلال الحميدة. الإعراب: رجِّ: فعل أمر مبني على حذف الياء، والكسرة قبلها دليل عليها، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا، تقديره أنت. الفتى: مفعول به لـ "رجّ". "للخير": متعلق =

إيلاء هذه الأفعال معمول خبرها: ويجوز باتفاق أن يلي هذه الأفعال معمول خبرها إن كان ظرفا أو مجرورا، نحو: "كان عندك، أو في المسجد، زيد معتكفا"1، فإن لم يكن أحدهما جمهور البصريين يمنعون مطلقا، والكوفيون يجيزون مطلقا2، وفصل ابن السراج

_ = بـ "رجِّ" ما: مصدرية ظرفية "إن" حرف زائد بعد ما الظرفية المصدرية، لشبهها لفظا بـ "ما" النافية. رأيته: فعل ماضٍ، والتاء: فاعله، والهاء: مفعول به. "على السن": متعلق بـ "يزيد" الآتي. خيرا: مفعول به مقدم لـ "يزيد" الآتي. لا: حرف نفي. يزال: فعل مضارع ناقص مرفوع، واسمه: هو. يزيد: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هو، والجملة في محل نصب خبر يزال. موطن الشاهد: "خيرا لا يزال يزيد". وجه الاستشهاد: تقدم معمول خبر "لا يزال" خيرا على "لا يزال" نفسها، وتقدم المعمول، يتبعه تقدم العامل؛ لأن الأصل في المعمول أن يقع بعد عامله، وفي هذا البيت رد على الفراء، ومن ذهب مذهبه، ممن يرون أن خبر الناسخ المنفي بحرف، من حروف النفي، لا يجوز أن يتقدم على ذلك الفعل. انظر شرح التصريح: 1/ 189. ومن أمثلة تقدم خبر الناسخ عليه، إن سبق بحرف نفي، قول الشاعر: مه عاذلي فهائما لن أبرحا ... بمثل أو أحسن من شمس الضحى نرى بأن الشاعر في هذا البيت، قدم خبر الفعل الناسخ المنفي بـ "لن" على الفعل، حيث قدم "هائما" الخبر على العامل "لن أبرح". 1 من ذلك قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد} ، فإن "له" جار ومجرور متعلق بقوله: {كُفُوًا} إذ معناه: مكافئ، وقد ولي "يكن"، وهذا النص يرد على جمهور البصريين الذي يمنعون مطلقا، ويؤيد ابن السراج، والفارسي، وابن عصفور، الذين يجيزون إذا تقدم الخبر مع المعمول فولي "كان"، وكما ترى أن {كُفُوًا} الذي هو خبر يكن قد تقدم على الاسم الذي هو أحد مع أن "له" الذي هو معمول الخبر قد ولي يكن. التصريح: 1/ 189-190. شرح الأشموني مع الصبان: 1/ 237. 2 يمنع البصريون مطلقا؛ لما في ذلك من الفصل بينها وبين اسمها بـ "أجنبي" منها، وأما الكوفيون، فيجيزون مطلقا؛ لأن معمول معمولها في معنى معمولها.

والفارسي1 وابن عصفور2 فأجازوه إن تقدم الخبر معه3، نحو: كان طعامك آكلا زيد" ومنعوه إن تقدم وحده، نحو: "كان طعامك زيد آكلا"، واحتج الكوفيون بنحو قوله4: [الطويل] 88- بما كان إياهم عطية عودا5

_ 1 الفارسي: هو أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار، إمام النحو المشهور، وأحد علماء العربية، أخذ عن الزجاج وابن السراج، وأخذ عنه ابن جني وغيره، قيل: إنه كان أعلم من المبرد، له مصنفات كثيرة منها: الإيضاح في النحو، والتكملة في التصريف، وكتاب الحجة في التعليل لقراءات القرآن، وتعليقان على كتاب سيبويه، والمسائل، "الحلبية، البغدادية، البصرية، الشيرازية........." وكتاب الأغفال........ إلخ توفي ببغداد، سنة 377هـ. البلغة: 53ن إنباه الرواة: 1/ 273، بغية الوعاة: 1/ 496، طبقات القراء: 1/ 206. 2 تقدمت ترجمته وترجمة ابن السراج. 3 لأن المعمول مكمل للخبر، فهو كالجزء منه. 4 هو الفرزدق همام بن غالب، وقد مرت ترجمته. 5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: قنافذ هدَّاجون حول بيوتهم وهو من كلمة للفرزدق يهجو فيها جريرا وعبد القيس، وهي من النقائض بينهما وأولها قوله: رأى عبد قيس خفقة شوَّرت بها ... يدا قابس ألوى بها ثم أخمدا والشاهد: من شواهد: التصريح: 1/ 190، وابن عقيل "67/ 1/ 281" والأشموني: "190/ 1/ 116"، وهمع الهوامع: 1/ 118، والدرر اللوامع: 1/ 87، والمقتضب: 4/ 101، وخزانة الأدب: 4/ 57، والعيني: 2/ 34 ومغني اللبيب: "1030/ 795"، وديوان الفرزدق: 214. المفردات الغريبة: قنافذ: جمع قنفذ، وهو حيوان شائك معروف، يضرب به المثل في السري، فيقال: هو أسرى من قنفذ، ذلك؛ لأنه ينام نهارا، ويصحو ليلا، ليبحث عما يقتات به، وهو بالذال والدال. هداجون: جمع هداج، وهو صيغة مبالغة من الهدج أو الهدجان، وهو مشية الشيخ الضعيف، أو مشية فيها ارتعاش. عطية: أبو جرير. المعنى: هؤلاء الناس أي رهط جرير في الخسة والفجور كالقنافذ، يمشون ليلا حول البيوت؛ للدعارة والسرقة، مشية الشيخ الهرم؛ لئلا يشعر بهم أحد. وقد ورثوا هذه الصفة الذميمة عن عطية أبي جريرة، الذي عودهم ذلك. =

.........................................................................

_ = الإعراب: قنافذ: خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: هم قنافذ: هداجون: صفة لـ "قنافذ" "حول": متعلق بـ "هداجون". بيوت: مضاف إليه، و"هم" مضاف إليه ثانٍ. "بما" الباء حرف جر، و"ما" اسم موصول في محل جر بحرف الجر، أو "ما" موصول حرفي. كان: فعل ماضٍ ناقص. إياهم: مفعول أول لـ "عودا" تقدم على الفعل "عود"، والمفعول الثاني محذوف، وهو عائد الصلة. عطية. اسم "كان" مرفوع. عودا: فعل ماضٍ مبني على الفتح لا محل له، والألف: للإطلاق، والفاعل هو، والجملة من الفعل والفاعل، في محل نصب خبر "كان". موطن الشاهد: "بما كان إياهم عطية عودا". وجه الاستشهاد: تقديم معمول خبر "كان" وهو "إياهم" على اسمها، وهو "عطية" علما أنه ليس بظرف أو جار ومجرور، وتقدمه هذا على رأي الكوفيين، وأما البصريون الذين لا يجيزون ذلك فأولوا البيت عدة تأويلات: أحدها: أن اسم كان ضمير الشأن، وعطية: مبتدأ وجملة "عودا": خبره، وجملة "عطية عودا" في محل نصب خبر كان، فلم يتقدم في هذه الحال معمول الخبر على اسم كان. الثاني: أن "ما" اسم موصول مجرور محلًا بـ "ما". و"كان" زائدة، وجملة "المبتدأ والخبر": صلة للموصول، لا محل لها. الثالث: أن اسم "كان" ضمير مستتر يعود على "ما" الموصولة، وجملة "المبتدأ والخبر" في محل نصب خبر "كان"، وجملة "كان وما دخلت عليه": صلة للموصول، لا محل لها، والعائد على هذا التوجيه، والذي قبله محذوف، والتقدير: بما كان عطية عوَّدَهُمُوه. ورأى بعضهم أن هذا البيت من الضرورات التي تباح للشاعر، ولا يجوز لأحد من المتكلمين أن يقيس عليها، ومثل هذه الضرورة متعينة في قول الشاعر: باتت فؤادي ذات الخال سالبة ... فالعيش إن حُمَّ لي عيش من العجب فـ "ذات الخال" اسم "بات"، سالبة. خبره، وفيه ضمير مستتر، هو فاعله، يعود على ذات الخال، وفؤادي: مفعول به مقدم على عامله، وهو قوله: سالبة، وهنا لا يجوز دعوى زيادة "بات" ولا إضمار اسمها مرادا به الشأن؛ لظهور نصب الخبر "سالبة"؛ لأن ضمير الشأن لا يخبر عنه بمفرد. ولا يتعين دعوى الضرورة، لجواز أن يكون فؤادي منادى، سقط منه حرف النداء، ومعمول الخبر محذوف، أي: سالبة ذلك. وانظر في تفصيل هذه المسألة: شرح التصريح: 1/ 190-191. والأشموني مع شرح الصبان: 1/ 237-238.

وخرج على زيادة كان أو إضمار الاسم: مرادا به الشأن، أو راجعا إلى ما وعليه؛ فعطية مبتدأ، وقيل: ضرورة، وهذا متعين في قوله1: [البسيط] 89- باتت فؤادي ذات الخال سالبة2 لظهور نصب الخبر.

_ 1 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: فالعيش إن حم لي عيش من العجب وهو من شواهد: التصريح: 1/ 19، والأشموني: "191/ 1/ 116"، والعيني: 2/ 28. المفردات الغريبة: الخال: شامة سوداء في الجسم تكون غالبا في الخد، والجمع خيلان، سالبة: اسم فاعل من سلب الشيء: أخذه خلسة. حم: قدر. المعنى: يقول الشاعر: إن صاحبة الخال باتت طول الليل مستولية على قلبي وحواسي، بجمالها وحسنها، فعيشي إن قدر لي أن أعيش بعد ذلك عجيب غريب. الإعراب: باتت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء للتأنيث. فؤادي: مفعول به لـ "سالبة" الآتي، ومضاف إليه. ذات: اسم "بات" مرفوع، وهو مضاف، الخال: مضاف إليه. سالبة: خبر بات. منصوب. فالعيش: الفاء تفريعية، العيش: مبتدأ مرفوع. إن: شرطية جازمة. حم: فعل ماضٍ مبني للمجهول، وهو فعل الشرط. "لي": متعلق بـ "حم". عيش: نائب فاعل "حم" "من العجب": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، ويجوز أن يكون نائب فاعل "حم" ضميرا مستترا فيه جوازا، تقديره: هو، يعود إلى العيش، ويكون قوله "عيش" خبرًا للمبتدأ. "من العجب": متعلق بمحذوف صفة لـ "العيش"، وجملة جواب الشرط محذوفة، يدل عليها سياق الكلام، وجملة الشرط وجوابه، لا محل لها من الإعراب؛ لكونها معترضة بين المبتدأ والخبر. موطن الشاهد: "باتت فؤادي ذات الخال سالبة". وجه الاستشهاد: تقدم معمول خبر "بات" فؤادي على الخبر "سالبة" بعد الفعل الناسخ "بات" لأن "فؤادي" مفعول به لـ "سالبة" كما بينا في الإعراب، وبهذا البيت ونحوه، استدل الكوفيون، على جواز وقوع معمول خبر الفعل الناسخ بعده -أي: بعد الفعل الناسخ، وقبل الخبر- وقد خرجه المؤلف على أنه ضرورة. ومعلوم أنه لا يجوز زيادة "بات" في البيت، ولا جعل اسمها ضمير الشأن؛ لأنه لا يخبر عنه بمفرد، وهناك تخريج آخر يفسد استدلال الكوفيين، وهو اعتبار "فؤادي" منادى بحرف نداء محذوف، لا مفعول لـ "سالبة"، واعتبار مفعول الخبر "سالبة" محذوفا أيضا، أي: سالبة إياك، وفي هذا التخريج تكلف ظاهر، والصواب ما ذهبنا إليه في الإعراب الأول.

[استعمال كان وأخواتها تامة] : قد تستعمل هذه الأفعال تامة1، أي مستغنية بمرفوعها2، نحو: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَة} 3، أي: وإن حصل ذو عسرة، {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُون} 4، أي: حين تدخلون في المساء وحين تدخلون في الصباح، {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} 5، أي: ما بقيت،.......

_ 1 فائدة: اختلف في كان وكائنا في: "لأضربنه كائنا ما كان" فقال الفارسي: هما تامان في الموضعين و"ما" مصدرية، وهما وما بعدهما: فاعل كائنا أي كونه، وقيل: هما ناقصان في الموضعين، وفي "كائنا" ضمير هو اسمه وخبره "ما" وهي موصولة، وصلتها: "كان واسمها وخبرها ضمير مستتر فيها"، وخبرها محذوف تقديره "إياه" واسم كائن المستتر فيه وخبر كان عائدان على الشخص المضروب، وتقدير الكلام حينئذ لأضربنه كائنا الذي كان إياه، وكائنا: حال من مفعول لأضربنه، وينظر معنى الكلام حينئذ وفيه إطلاق "ما" على العاقل، وهو جائز وجوز بعضهم أن تكون "ما" نكرة موصوفة. انظر حاشية يس على التصريح: 1/ 190. 2 هذا ما ارتضاه ابن مالك مخالفا بذلك سيبويه وجمهور النحاة، حيث عد التام من الأفعال ما اكتفى بمرفوعه، في إتمام المعنى الأساسي للجملة، بينما يرى سيبويه وكثير من البصريين: أن معنى كونها تامة: دلالتها على الحدث المقيد والزمان معا. 3 "2" سورة البقرة، الآية: 280. موطن الشاهد: {كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} . وجه الاستشهاد: مجيء "كان" تامة؛ لأنها بمعنى "حصل"، والتقدير: وإن حصل ذو عسرة، فـ "كان": فعل ماضٍ تام، وذو: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو، وعسرة: مضاف إليه. 4 "30" سورة الروم، الآية: 17. موطن الشاهد: {حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} . وجه الاستشهاد: مجيء كل من "تمسون، تصبحون فعلا تاما؛ لأن المقصود: حين تدخلون في المساء، وحين تدخلون في الصباح. 5 "11" سورة هود، الآية: 107. موطن الشاهد: {مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ} وجه الاستشهاد: مجيء "دام" فعلا تاما؛ لأنه بمعنى بقي، والتقدير: خالدين فيها ما بقيت السموات والأرض.

.......... وقوله1: [المتقارب] 90- وباب وباتت له ليلة2 وقالوا: "بات بالقوم"، أي: نزل بهم، و"ظل اليوم"، أي: دام ظله، و"أضحينا"، أي: دخلنا في الضحى. إلا ثلاثة أفعال فإنها ألزمت النقص، وهي: فتئ، وزال، وليس. [اختصاص كان بجواز زيادتها بشرطين] : تختص "كان" بأمور، منها: جواز زيادتها3 بشرطين:

_ وجه الاستشهاد: مجيء "دام" فعلا تاما؛ لأنه بمعنى بقي، والتقدير: خالدين فيها ما بقيت السموات والأرض. 1 القائل هو: امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته، وقيل: هو امرؤ القيس بن عانس. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر ثاني بيتين من كلمة لامرئ القيس، وهو بكامله مع المطلع: تطاول ليلك بالإثمدِ ... وبات الخلي ولم ترقدِ وبات وباتت له ليلة ... كليلة ذي العائر الأرقدِ والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 191، والأشموني: "188/ 1/ 115"، والعيني 2/ 20 وقطر الندى: "46/ 180". المفردات الغريبة: العائر: القذى في العين أو بئر في الجفن الأسفل تدمع له العين. الأرمد: المصاب بالرمد. المعنى: يصف الشاعر هذا الشخص الذي قضى ليلة سيئة طويلة، كَلَيْلَة المريض بعينه، المصاب بالرمد، لا يذوق النوم إلا غرارا، بسبب ما يعتريه من الألم. الإعراب: بات: فعل ماضٍ تام، والفاعل: هو، وأراد نفسه. باتت: فعل ماضٍ تام، والتاء: للتأنيث. "له" متعلق بـ "بات". ليلة: فاعل "باتت". "كليلة": متعلق بمحذوف صفة لـ "ليلة". ذي: مضاف إليه، وهو مضاف. العائر: مضاف إليه. الأرمد: صفة لـ "ذي العائر". موطن الشاهد: "بات، باتت". وجه الاستشهاد: استعمال فعل "بات" في الموضعين تاما؛ لأنه بمعنى الدخول في المبيت، وحكم مجيء فعل "بات" تاما جائز باتفاق. 3 معنى زيادتها: أنها لا تعمل شيئا، فلا تحتاج إلى فاعل أو مفعول، أو اسخ وخبر، ونحوهما، ولا تقع معمولة لغيرهما، وقيل: معناه استغناء الكلام عنها، فلا ينقص معناه بحذفها، وتكون لمجرد التقوية والتوكيد، مع دلالتها على الزمان الماضي على الراجح، ولا سيما إذا توسطت بين "ما" التعجبية وفعل التعجب؛ لأن فعل التعجب، لا يكون إلا بصيغة الماضي، وإن كان لا أثر للزمن فيه؛ لأنه لمجرد الإنشاء، الأشموني وحاشية الصبان: 1/ 239.

أحدهما: كونها بلفظ الماضي1، وشذ قول أم عقيل2: [مشطور الرجز] 91- أنت تكون ماجد نبيل3

_ 1 وذلك، لخفته، ولتعين الزمان فيه، وقد أشبه الحروف الزائدة ببنائه. 2 أم عقيل: هي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية، أم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وإخوته، أسلمت بعد وفاة زوجها أبي طالب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يزورها، ويقيل في بيتها، هاجرت إلى المدينة وماتت هناك، وكفنها النبي صلى الله عليه عليه وسلم بقميصه واضطجع في قبرها، وقال: لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرَّ بي منها، وذلك سنة 5هـ. الأعلام 5/ 130، الاستيعاب بهامش الإصابة: 4/ 381، الإصابة رقم: 831 قسم النساء. 3 تخريج الشاهد: تقول أم عقيل هذا الرجز، وهي ترقص ابنها عقيلا، ومع الشاهد، قولها: إن عقيلا كاسْمِهِ عقيلُ ... وبِيَبِي الملفف اِلمحمولُ أنت تكون السيد النبيلُ ... إذا تهب شمأل بَلِيلُ يعطي رجال الحي أو ينيلُ والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 191، وابن عقيل "71/ 1/ 292"، والأشموني: "200/ 1/ 118"، وهمع الهوامع: 1/ 120، والدرر اللوامع: 1/ 189، والعيني: 2/ 39. المفردات الغريبة: ماجد: كريم، نبيل: فاضل شريف. تهب: مضارع هبت الريح هبوبا وهبيبا، إذا هاجت شمأل: هي الريح، تهب من ناحية القطب، بليل: رطبة ندية. المعنى: أنت يا عقيل كريم جواد، ذكي الفؤاد، إذا هبت ريح الشمال وكثر الضيفان، والتقييد بذلك على عادة العرب، وإلا فهي ترديد أنه موصوف بذلك دائما. الإعراب أنت: مبتدأ. تكون: زائدة. ماجد: خبر المبتدأ. نبيل: صفة لـ "ماجد". إذا. ظرف لما يستقبل من الزمان. تهب: فعل مضارع مرفوع. شمأل: فاعل مرفوع بليل: صفة لـ "شمأل"، وجملة "تهب شمأل بليل": في محل جر بالإضافة بعد إذا =

والثاني: كونها بين شيئين متلازمين ليسا جارا ومجرورا، نحو1: "ما كان أحسن زيدا"، وقول بعضهم: "لم يوجد كان مثلهم" وشذَّ قوله2: [الوافر] .

_ = وجملة جواب الشرط محذوفة؛ لدلالة الكلام عليها، والتقدير: إذا تهب شمأل بليل فأنت ماجد نبيل. موطن الشاهد: "أنت تكون ماجد". وجه الاستشهاد: زيادة "تكون" بين المبتدأ والخبر، وهي بلفظ المضارع، وزيادتها في هذه الحالة قليلة؛ لأن الثابت زيادتها وهي بلفظ الماضي، واعتبار زيادتها هنا شاذة قول ابن الناظم، وتبعه ابن هشام، ومن جاء بعدهما من شراح الألفية، وهما تابعان في ذلك لابن السيد، وأبي البقاء، وقال بعضهم: إن "تكون" عاملة، واسمها ضمير مستتر وجوبا، تقديره: أنت، وخبرها محذوف، والجملة معترضة بين المبتدأ والخبر. ومما جاء بزيادة "تكون" بلفظ المضارع، قول حسان بن ثابت: كأنْهُ سبيئةٌ من بيت رأس ... يكون مزاجها عسل وماءُ فعلى رواية رفع "مزاجها عسل وماء" على أنها جملة من مبتدأ وخبر في محل رفع صفة لـ "سبيئة" فذهب بعضهم إلى زيادة "يكون" على هذه الرواية، وذهب بعضهم إلى أن يكون" عاملة، واسمها ضمير شأن محذوف، ومزاجها عسل وماء، من المبتدأ والخبر، في محل نصب خبرها. 1 ليس المراد بزيادتها أنها لا تدل على معنى البتة، بل إنها لم يؤتَ بها للإسناد، وإلا فهي دالة على المضي، ولذلك كثرت زيادتها بين ما التعجبية، وفعل التعجب، لكونه سلب الدلالة على المضي، قال الدنوشري: قال بعضهم: زيدت "كان" قبل فعل التعجب، لتدل على أن المعنى المتعجب منه، كان فيما مضى، وهو عوض عما منع منه فعل التعجب من التصرف، وإنما اختصت كان بهذا دون سائر الأفعال الماضية؛ لأنها أم الأفعال، فلا تنفكّ عن معناها غالبا. ومن أمثلة زيادة "كان" بين ما التعجبية، وفعل التعجب، قول الشاعر: لله در أنوشروان من رجل ... ما كان أعرفه بالدون والسفل ونحو قول شاعر الحماسة: أبا خالد ما كان أدهى مصيبة ... أصابت معدا يوم أصبحت ثاويا ونحو قول عروة بن أبي أذينة: ما كان أحسن فيك العيش مؤتنفا ... غضا، وأطيب في آصالك الأصلا انظر شرح التصري؛ 1/ 191-192. والأشموني مع الصبان: 239-241، وابن عقيل "دار الفكر": 1/ 223-226. 2 لم ينسب إلى قائل معين.

92- على كان المسومة العراب1 وليس من زيادتها قوله2: [الوافر] 93- وجيرانٍ لنا كانوا كرامِ3 لرفعها الضمير، خلافا لسيبويه

_ 1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: سراة بني أبي بكر تسامى ويروى: جياد بني أبي بكر تسامى وهو من شواهد: التصريح: 1/ 192، وابن عقيل: "70/ 1/ 291"، والأشموني: "199/ 1/ 118" وهمع الهوامع: 1/ 120، والدرر اللوامع: 1/ 89، وشرح المفصل: 7/ 98، 100، والخزانة:4/ 33 والعيني: 2/ 41، وحاشية يس على التصريح: 1/ 191. المفردات الغريبة: سراة جمع سري، وهو السيد الشريف. تسامى: من السمو وهو العلو والرفعة، وأصله تتسامى. المسومة: الخيل التي جعلت لها سومة، أي علامة، لتعرف حين تترك في المرعى، فيعرفها أصحابها. العراب: العربية، وهي خلاف البراذين والبخاتي. المعنى: سادات قبيلة بني بكر، وعظماؤها، تتسابق وتختال على تلك الخيول العربية، التي جعلت لها علامة تميزها عن غيرها من الخيول. الإعراب: سراة: مبتدأ. بنى: مضاف إليه، وهو مضاف. أبي: مضاف إليه، وهو مضاف. بكر: مضاف إليه. تسامى: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هي، وجملة "تتسامى": في محل رفع خبر المبتدأ. على حرف جر. كان: زائدة. المسومة: اسم مجرور بـ "على". العراب: صفة لـ "المسومة". موطن الشاهد: "على كان المسومة". وجه الاستشهاد: زيادة "كان" بين الجار والمجرور، وحكم زيادتها بينها شاذ؛ لأن الجار والمجرور كالشيء الواحد. 2 القائل هو الفرزدق، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: فكيف إذا مررت بدار قوم؟ وهو من قصيدة، يمدح فيها الشاعر هشام بن عبد الملك، وقيل سليمان بن =

.........................................................................

_ = عبد الملك، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 192، وابن عقيل "69/ 1/ 89"، والأشموني: "196/ 1/ 117" والكتاب لسيبويه: 1/ 192، والجمل للزجاجي: 62، والخزانة: 4/ 37، والعيني: 2/ 4 ومغني اللبيب "526/ 377" وشرح شواهد المغني للسيوطي: 236، وديوان الفرزدق: 835. المعنى: كيف يكون حالك وشعورك، إذا مررت بديار قومنا وجيراننا المعروفين بالجود والكرم والسخاء؟ الإعراب: كيف: اسم استفهام، أشرب معنى التعجب، في محل نصب على الحال من فاعل فعل محذوف، والتقدير: كيف أكون، أو نحو ذلك، أو "كيف" اسم استفهام أشرب معنى التعجب في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: كيف حالتك، وهذا الوجه أفضل من الأول. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان. متضمن معنى الشرط، في محل نصب على الظرفية الزمانية. مررت: فعل ماضٍ وفاعل و"الجملة": في محر جر بالإضافة. "بدار": متعلق بـ "مررت". قوم: مضاف إليه. وجيران: الواو عاطفة، جيران: اسم معطوف على "دار". لنا": متعلق بمحذوف خبر "كان" المتقدم عليها. كانوا: فعل ماضٍ ناقص، والواو: اسمها- على رأي المؤلف والجملة: صفة لـ "جيران". وكرام: صفة ثانية. موطن الشاهد: "وجيران لنا كانوا كرام". وجه الاستشهاد: استشهد بعضهم بهذا البيت على زيادة "كان" بين الصفة والموصوف، أي: بين "كرام" و"جيران"، وممن ذهب هذا المذهب سيبويه، ورد المؤلف عليه أن من شرط زيادة "كان" أن تزاد وحدها وليس مع اسمها، وأنكر زيادتها في هذا البيت، وسبق المؤلف إلى إنكار زيادتها في هذا البيت المبرد، وكثير من النحويين، حيث اعتبر المبرد أن "كان" الزائدة، تكون مجردة، لا اسم ولا خبر، وخرج هذا البيت على أن قوله: "لنا" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر "كان" المتقدم عليها، كما بينا في الإعراب، وأن "الواو" المتصلة بها اسمها، وعلى هذا يكون الشاعر فصل بين الصفة والموصوف بجملة كاملة "كان واسمها وخبرها"، وعلى هذا تكون هذه الجملة في محل جر صفة أولى لـ "جيران" وتكون "كرام" صفة ثانية، والوصف بالمفرد بعد الوصف بالجملة، لا ضعف فيه؛ لأنه جاء في التنزيل: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَك} . وأما توجيه مذهب سيبويه: فإن اتصالها باسمها، لا يمنع زيادتها؛ لأنهم يلغون "ظننت" الناسخة متأخرة ومتوسطة في نحو: "زيد قائم ظننت"، و"زيد ظننت قائم" ولم يمنع إسنادها إلى اسمها من إلغائها، وهو يرى: أن اللجوء إلى تقديم خبر "كان" عليها عدول عما هو الأصل إلى شيء غيره. انظر شرح التصريح: 1/ 192. وحاشية الصبان: 1/ 240.

[اختصاص كان بجواز حذفها على أربعة أضرب] : ومنها: أنها تحذف، ويقع ذلك على أربعة أوجه: أحدها، وهو الأكثر: أن تحذف مع اسمها ويبقى الخبر، وكثر ذلك بعد "إن" و"لو" الشرطيتين"1. مثال "إن" قولك: "سر مسرعا إن راكبا وإن ماشيا، وقوله2: [الكامل] 94- إن ظالما أبدا وإن مظلوما3

_ 1 علة الكثرة بعد "إن" و"لو" أنهما من الأدوات التي تطلب فعلين، فبالحذف يخف طول الكلام، وخصتا بذلك من بين أدوات الشرط؛ لأن "إن" أُمُّ أدوات الشرط الجازمة، و"لو" أُمُّ الأدوات غير الجازمة، والنحاة يتوسعون في الأمهات. التصريح: 1/ 193، وحاشية الصبان: 1/ 242. 2 القائل هو: النابغة الذبياني، أبو أمامة أو ثمامة، زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني، شاعر جاهلي، من الطبقة الأولى من أهل الحجاز، والحكم على الشعراء في سوق عكاظ، وهو أشعر شعراء عصره؛ لحسن ديباجته، ورونق كلامه، وقلة سقطه وحشوه. الشعر والشعراء: 1/ 157، والأغاني: 11/ 3. 3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت للنابغة الذبياني، وصدره قوله: حدبت عليَّ بطون ضبة كلها ورواية العجز الصحيحة لبيت النابغة هي: إن ظالما فيهم وإن مظلوما والبيت: رابع خمسة أبيات للنابغة الذبياني، يرد فيها على يزيد بن أبي حارثة بن سنان، وكان يزيد يعير النابغة. وهو من شواهد: سيبويه: 1/ 262، والأشموني: "204/ 1/ 119"، وديوان النابغة: 70. ومثل الشاهد، قول ليلى الأخيلية: لا تقربن الدهر آل مطرف ... إن ظالما أبدا وإن مظلوما وبهذه الرواية، جاء الاستشهاد في أغلب كتب النحو، وهو من شواهد: ابن عقيل: "70/ 1/ 294" وهمع الهوامع: 1/ 121، والدرر اللوامع 1/ 90، وقطر الندى: "48/ 186" والتصريح على التوضيح: 1/ 193. المفردات الغريبة: حدبت: من حدب عليه بكسر الدال، إذا عطف ورق. ضبة: بفتح الضاد وتشديد الباء هو ضبة بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار، ويروى "ضنة" بكسر الضاد وتشديد النون، وهو ضنة بن عبد بن كثير بن عذرة.

وقولهم: "الناس مجزيون بأعمالهم إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر"1، أي: إن كان عملهم خيرا فجزاؤهم خير، ويجوز "إن خيرا فخيرا" بتقدير: إن كان في عملهم خير فيجزون خيرا، ويجوز نصبهما2 ورفعهما3، والأول أرجحها، والثاني أضعفها، والأخيران متوسطان.

_ = المعنى: يقول النابغة، أن بطون بني ضبة كلها يعطفون عليَّ، وينصرونني على من أعاديه، ويأخذون بيدي، ويعينونني ظالما كنت أو مظلوما، وهو يريد القول: لا تطمع في النيل مني؛ لأن قومي لا يسلمونني. الإعراب: حديث: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث. بطون: فاعل مرفوع. ضبة: مضاف إليه ممنوع من الصرف. كلها: توكيد لـ "بطون"، و"ها" مضاف إليه. إن: شرطية جازمة. ظالما: خبر لـ "كان" المحذوفة فعل الشرط. وإن: "الواو عاطفة"، إن: شرطية جازمة. مظلوما: خبر لـ "كان" المحذوفة مع اسمها أيضا، وجواب الشرط في الموضعين محذوف؛ لدلالة سيق الكلام عليه، والتقدير: إن كنت ظالما فقد حدبوا علي، وإن كنت مظلوما فقد حدبوا علي، أو نحو ذلك. موطن الشاهد: "إن ظالما، إن مظلوما". وجه الاستشهاد: حذف "كان" مع اسمها في الموضعين مع بقاء خبرها، وحكم حذفها مع اسمها، مع بقاء خبرها جائز باتفاق، وبكثرة بعد "إن" و"لو" الشرطيتين، كما أوضح المؤلف في المتن. ومثل هذا الشاهد، قول ليلى الأخيلية: لا تقربن الدهر آل مطرف ... إن ظالما أبدا وإن مظلوما. والتقدير: لا تقربن هؤلاء القوم إن كنت ظالما وإن كنت مظلوما؛ لأنك إن كنت ظالما، فلن تستطيع النيل منهم، وإن كنت مظلوما، فلن تقوى على الانتصاف منهم. 1 ومثل هذا حديث صحيح رواه البخاري في كتاب التمني، باب ما يكره من التمني قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنى أحدكم الموت؛ إما محسنا فلعله يزداد، وإما مسيئا فلعله يستعتب" قال ابن مالك في تخريجه: "أصله إما يكون محسنا، وإما يكون مسيئا فحذف يكون مع اسمها مرتين وأبقى الخبر، وأما المذكور في المتن فالأغلب أنه ليس حديثا وإن صح معناه. 2 ويكون التقدير: إن كان عملهم خيرا فيجزون خيرا. انظر حاشية الصبان: 1/ 242، والأسرار المرفوعة: 368. 3 والتقدير: إن كان في عملهم خير فجزاؤهم خير.

ومثال لو، [الحديث] : "التمس ولو خاتما من حديد" 1، وقوله2: [البسيط] 95- لا يأمن الدهرَ ذو بغي ولو مَلَكَا3

_ 1 هذه قطعة من حديث نبوي، رواه البخاري في صحيحه في كتاب النكاح، من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، وقصته أن امرأة عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له رجل: يا رسول الله، زوجنيها، فقال: "ما عندك؟ " فقال: ما عندي شيء، قال: "اذهب فالتمس ولو خاتما من حديد"، فقال: ولكن هذا إزاري، ولها نصفه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وما تصنع بإزارك؟ إن لبسته لم يكن عليها شيء منه، وإن لبسته لم يكن عليك شيء منه"، فجلس الرجل حتى إذا أتم مجلسه، قام فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه، فقال له: "ماذا معك من القرآن"؟، فقال معى سورة كذا وسورة كذا...... فقال صلى الله عليه وسلم: "ملكتكها بما معك من القرآن". البخاري: 9/ 78، 131، 175، 198، وصحيح مسلم: 2/ 1041. 2 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: جنوده ضاق عنها السهل والجبل وهو من شواهد: التصريح: 1/ 193، والأشموني: "205/ 1/ 119" وهمع الهوامع: 1/ 121، والدرر اللوامع: 1/ 91، الخزانة: 1/ 124 عرضا، والعيني: 2/ 150، ومغني اللبيب: "474/ 354" شرح شواهد المغني: 225، وقطر الندى "49/ 187". المفردات الغريبة: بغي: ظلم ومجاوزة للحد، "والبغي على ضربين، أحدهما محمود، وهو تجاوز العدل إلى الإحسان، والثاني: مذموم، وهو تجاوز الحق إلى الباطل"، والمقصود هنا المعنى الأول. المعنى: لا يأمن صروف الدهر وتقلباته صاحب ظلم، ولو كان ملكا جنوده كثيرون، وأعوانه فوق الحصر والعد، فكل باغ مصروع، والظلم مرتعه وخيم. الإعراب: لا: ناهية جازمة. يأمن: فعل مضارع مجزوم، وحرك بالكسر؛ لالتقاء الساكنين. الدهر: مفعول به. ذو: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو؛ لأنه من الأسماء الستة. بغي: مضاف إليه. ولو: الواو عاطفة على محذوف. لو: حرف شرط غير جازم. ملكا: خبر لـ "كان" المحذوفة مع اسمها، والتقدير: ولو كان الباغي ملكا. جنوده: مبتدأ، ومضاف إليه. ضاق: فعل ماضٍ. "عنها": متعلق بـ "ضاق". السهل: فاعل مرفوع. والجبل: الواو عاطفة، الجبل: اسم معطوف على السهل، وجملة "ضاق عنها السهل والجبل": في محل رفع خبر المبتدأ "جنوده" وجملة "جنوده ضاق.......": في محل نصب صفة لـ "ملكا". موطن الشاهد: "ولو ملكا". وجه الاستشهاد: حذف كان مع اسمها مع بقاء خبرها بعد "لو" الشرطية، وحكم هذا الحذف الجواز باتفاق.

وتقول: "ألا طعام ولو تمرا"، وجوَّز سيبويه الرفع بتقدير: ولو يكون عندنا تمر1، وقل الحذف المذكور بدون إن ولو، كقوله2: [مشطور الرجز] 96- من لَدُ شولا فإلى إتلائِها3

_ 1 فيكون قد حذف "يكون" وخبرها وأبقى اسمها. 2 لم ينسب إلى قائل معين. 3 تخريج الشاهد: هذا الكلام يجري بين العرب مجرى المثل، وهو من شواهد سيبويه الخمسين التي لا يعرف لها قائل، سيبويه: 1/ 134، والتصريح: 1/ 194، وهمع الهوامع: 1/ 122، والدرر اللوامع: 1/ 91، وأمالي ابن الشجري: 1/ 222، وشرح المفصل: 4/ 101، 8/ 35، وخزانة الأدب: 2/ 48، والعيني: 2/ 51، ومغني اللبيب "781/ 551"، وشرح السيوطي: 283. المفردات الغريبة: لد: لغة في "لدن" بمعنى "عند". شولا" قيل هو مصدر بمعنى اسم الفاعل، من شالت الناقة بذنبها رفعته عند اللقاح، وقيل: هو اسم جمع لشائلة على غير قياس. والشائلة: الناقة التي خف لبنها وارتفع ضرعها، ومضى عليها من ولادتها سبعة أشهر أو ثمانية. إتلائها: مصدر أتلت الناقة إذا تلاها ولدها أي تبعها. المعنى: علمت كذا وكذا من وقت أن كانت النياق شوائل إلى أن تبعها أولادها. الإعراب: من: حرف جر. "لد": ظرف زمان مبني على الضم في محل جر. و"من لد": متعلق بمحذوف، والتقدير: "ربيتها من لد"، أو "علمت من لد" أو نحو ذلك. شولا: خبر لـ "كان المحذوفة" مع اسمها. فإلى: الفاء عاطفة. "إلى اتلائها": متعلق بما تعلق به "من لد"، و"ها" مضاف إليه. موطن الشاهد: "من لد شولا". وجه الاستشهاد: حذف "كان" واسمها، مع بقاء خبرها، وهو "شولا" بعد "لد"، وحكم هذا الحذف القلة، وعده ابن عقيل شاذا، وذهب بعضهم إلى أن "شولا" مفعول مطلق لفعل محذوف، وليس خبرا لـ "كان"، والتقدير: من لد شالت الناقة شولا، ولا شاهد في البيت على هذا التخريج، وزعم بعضهم أن "شولا" منصوب على التمييز، أو التشبيه بالمفعول به، كما ينصب لفظ "غدوة" بعد "لدن" ولكن خص بعضهم هذا الحكم بغدوة، ولا شاهد فيه حينئذ، والصواب: ما ذهب إليه سيبويه ومن وافقه من تقدير: "من لد أن كانت شولا". انظر شرح التصريح: 1/ 194. وشرح الأشموني "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد": "206/ 1/ 386".

قدره سيبويه: من لد أن كانت شولا1. الثاني: أن تحذف مع خبرها ويبقى الاسم، وهو ضعيف، ولهذا ضعف "ولو تمر، وإن خير" في الوجهين. الثالث: أن تحذف وحدها، وكثر ذلك بعد "أن" المصدرية في مثل: "أما أنت منطلقا انطلقت"، أصله: انطلقت لأن كنت منطلقا، ثم قدمت اللام وما بعدها على انطلقت للاختصاص، ثم حذفت اللام للاختصار، ثم حذفت "كان" لذلك فانفصل الضمير، ثم زيدت "ما" للتعويض ثم أدغمت النوت في الميم للتقارب، وعليه قوله2: [البسيط] 97- أبا خراشة أما أنت ذا نفر3 أي: لأن كنت ذا نفر فَخَرْتَ، ثم حذف متعلق الجار.

_ 1 قدر سيبويه "أن" بعد "لد"؛ لأنه لا يرى إضافتها إلى الجمل. 2 هو العباس بن مرداس، فارس مشهور من فرسان الجاهلية، كانت له أيام مع خفاف بن ندبة السلمى، أسلم قبل فتح مكة، وحضر مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح مع قومه بني سليم، وهو أحد المؤلفة قلوبهم، وله ولد يسمى جاهمة، من رواة الحديث. الشعر والشعراء: 1/ 300، والأغاني: 13/ 62، والخزانة: 1/ 17، اللآلي: 32. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: فإن قومي لم تأكلهم الضُبُعُ والشاعر يخاطب خفاف بن ندبة، أبا خراشة، وخفاف هذا شاعر مشهور، وفارس من فرسان قيس، وهو ابن عم صخر ومعاوية، وأختهما الخنساء الشاعرة المشهورة. وهو من شواهد: التصريح 1/ 195، والأشموني: "207/ 1/ 1191"، وابن عقيل: "74/ 1/ 297" وشذور الذهب: "86/ 247" وقطر الندى: "47/ 185": وحاشية يس على التصريح: 1/ 194، والكتاب لسيبويه: 1/ 148، والخصائص: 2/ 381 والمنصف: 3/ 116، وأمالي ابن الشجري: 1/ 34، 353، 2/ 350، والإنصاف: 71 وشرح المفصل: 2/ 99، 8/ 132، والمقرب: 56، والعيني: 2/ 55، وهمع الهوامع: 1م 123، والدرر اللوامع: 1/ 92 ومغني اللبيب، ذكره عدة مرات منها: "44/ 54" "86/ 84"، السيوطي: 43، 65. =

وقلَّ بدونها، كقوله1: [الكامل] 98- أزمان قومي والجماعة كالذي2

_ = المفردات الغريبة: أبو خراشة: كنية شاعر صحابي، اسمه: خفاف بن ندبة، أحد فرسان قيس، وندبة: اسم أمه. نفر: أي جماعة يعتز بهم، والنفر: الرجال من ثلاثة إلى تسعة. الضبع: أصله الحيوان المعروف، والمراد هنا: السنوات المجدبة. المعنى: لا تفخر علي أبا خراشة بكثرة قومك الذين تعتز بهم وبشجاعتهم؛ لأنني أفاخر بقومي أصحاب القوة والمنعة، الذين لم تأكلهم السنوات المجدبة، ولم تؤثر فيهم الأرزاء والأزمات. الإعراب: أبا: منادى مضاف بحرف نداء محذوف، منصوب وعلامة نصبه الألف؛ لأنه من الأسماء الستة. خراشة: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف. أما: مركبة من "أن المصدرية" المدغمة في "ما" الزائدة النائبة عن "كان" المحذوفة: أنت: اسم كان المحذوفة. ذا نفر: خبر "كان" المحذوفة، ومضاف إليه، والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": في محل جر بلام تعليل محذوفة، والتقدير: لكونك ذا نفر. فإن: الفاء تعليلية، أو زائدة. إن: حرف مشبه بالفعل. قومي: اسمه، ومضاف إليه. لم: نافية جازمة. تأكلهم: فعل مضارع مجزوم، و"هم" مفعول به، الضبع: فاعل وجملة "لم تأكلهم الضبع": في محل رفع خبر "إن". موطن الشاهد: "أما أنت ذا نفر". وجه الاستشهاد: حذف "كان" الناقصة وحدها، والتعويض عنها بـ "ما" الزائدة، المدغمة في نون "أن" المصدرية، وبقاء اسمها، وهو الضمير المنفصل "أنت"، وكذا خبرها: "ذا نفر"، والبصريون يقدرون: "فخرت علي لأن كنت ذا نفر"، فحذفت لام التعليل ومتعلقها، فصار الكلام: أن كنت ذا نفر، ثم حذفت "كان" لكثرة الاستعمال ابتغاء التخفيف، فانفصل الضمير، الذي كان متصلا بها؛ لأنه لم يبين في الكلام عامل يتصل به، ثم عوض عن "كان" بـ "ما" الزائدة، فالتقى حرفان متقاربان، نون "أن" المصدرية، وميم "ما" الزائدة، فأدغما فصار الكلام: أما أنت ذا نفر. شرح التصريح: 1/ 195. 1 القائل: هو عبيد بن حصين الراعي، المعروف براعي الإبل، أبو جندل من بني نمير، وكان يقال لأبيه في الجاهلية معاوية الرئيس، وكان سيدا، وإنما قيل له الراعي؛ لأنه كان يكثر من وصف راعي الإبل في شعره، وقد عاصر الشاعر جريرا والفرزدق، وكان أميل إلى الفرزدق فهجاه جرير، مات سنة: 90هـ. الشعر والشعراء: 1/ 415، الأغاني: 20/ 168، المؤتلف: 122، الخزانة: 1/ 502. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: لَزِمَ الرحالة أن تميلَ ممِيلا

قال سيبويه: أراد أزمان كان قومي.

_ = وهو من قصيدة طويلة، يخاطب فيها الشاعر الخليفة عبد الملك بن مروان الأموي، ويذكر فيها التزام قومه الطاعة، وعدم اشتراكهم في مقتل عثمان، ولا فيما تلاه من الفتن، ويخص خروج عبد الله بن الزبير على بني أمية، وقبل الشاهد قوله: إني حلفت على يمين برة ... لا أكذب اليوم الخليفة قيلا ما زرت آل أبي خبيب وافدا ... يوما أريد لبيعتي تبديلا من نعمة الرحمن، لا من حيلتي ... إني أعد له على فضولا وقد ذكر صاحب جمهرة أشعار العرب كامل القصيدة. جمهرة أشعار العرب "ط. بولاق": 172. والبيت الشاهد، من شواهد: التصريح: 1/ 195، وهمع الهوامع: 1/ 122 والدرر اللوامع: 1/ 92 وسيبويه: 1/ 54، والمقرب: 64، والعيني: 2/ 95، 3/ 99، والخزانة: 1/ 502، وجمهرة القرشي: 172، وديوانه: 146. المفردات الغريبة: أزمان: جمع زمن وزمان، وما اسمان لقليل الوقت وكثيره. الرحالة: سرج من جلد ليس فيه خشب يتخذ للركض الشديد، والجمع: رحائل. مميلا: مصدر ميمي -بمعنى الميلان- أي الانحراف. المعنى: يصف الشاعر ما كان من استقامة الأحوال، واجتماع الكلمة، قبل عثمان رضي الله عنه وبعده، فشبه حال قومه في تماسكهم وارتباطهم بالجماعة، وعدم تنافرهم، والتزامهم الطاعة بحالة راكب لزم الرحل، خوفا من أن يميل ميلا، أي ينحرف انحرافا. الإعراب: أزمان: مفعول فيه لفعل سابق. قومي: فاعل، أو اسم لـ "المحذوفة"، و"الياء": في محل جر بالإضافة. والجماعة: الواو واو المعية، الجماعة: مفعول معه منصوب، وعامله "كان" "كالذي": متعلق بخبر "كان" إن عدت ناقصة، وبمحذوف حال، إن عدت تامة. لزم: فعل ماضٍ، والفاعل: هو. الرحالة: مفعول به لـ "لزم". أن: حرف مصدري ونصب. تميل: فعل مضارع منصوب بـ "أن" والفاعل: هو. مميلا: مفعول مطلق، والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": مجرور بـ "لام" تعليل محذوفة، والجار والمجرور متعلقان بـ "لزم"، أو أن المصدر المؤول منصوب على أنه مفعول لأجله. موطن الشاهد: "أزمان قومي". وجه الاستشهاد: حذف "كان" وحدها من دون أن يتقدم عليها "أن" المصدرية، ولم يعوض عنها بـ "ما"، وفيه شاهد آخر، وهو: نصب الاسم الواقع بعد واو المعية، من =

الرابع: أن تحذف مع معموليها، وذلك بعد "إن" في قولهم: "افعل هذا إما لا"، أي: إن كنت لا تفعل غيره، فما عوض، ولا النافية للخبر. [اختصاص كان بجواز حذف نون مضارعها] : ومنها: أن لام مضارعها يجوز حذفها، وذلك بشرط كونه مجزوما بالسكون، غير متصل بضمير نصب، ولا بساكن، نحو: {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} 1،

_ = غير أن يتقدم عليه لفظا فعل يعمل فيه، ولهذا قدر سيبويه "كان"؛ لأنها تقع في مثل ذلك الموضع كثيرا، وقدر سيبويه البيت كالتالي: "أزمان كان قومي والجماعة". انظر شرح التصريح: 1/ 195. فائدة: لم يجعل النحاة "قومي" مبتدأ؛ لأنه يبقى المفعول معه منصوبا بلا عامل من فعل أو شبهة، لا لفظا ولا تقديرا، وهذا غير جائز عندهم، ولأنه يلزم إضافة ظرف الزمان إلى الجملة الاسمية، وهو لا يذاف إلا إلى الجملة الفعلية، أو إلى مصدر يقوم مقامها، نحو: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُم} ، ونحو: "هذا يوم ظهور النوايا"، وإذا وقع الكلام ظاهره إضافة اسم الزمان إلى غير الجملة الفعلية، أو المصدر، وجب تأويله، نحو: "يوم بدر"، فهو يؤول بمصدر، يضاف اسم الزمان إليه، فالتقدير: يوم حرب بدر. انظر أوضح المسالك "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد": 1/ 267-268. 1 "19" سورة مريم، الآية: 20. موطن الشاهد: {لَمْ أَكُ بَغِيَّا} . وجه الاستشهاد: حذف نون "أك"؛ لأن الفعل أتى بصيغة المضارع، وهو مجزوم بـ "لم" وغير متصل بضمير نصب، ولا بساكن، وحكم حذف النون في هذه الحال جائز باتفاق. ومثل الآية الكريمة في حذف النون من المضارع المستوفي للشروط، ما أنشده الأصمعي: فإن يك هذا عهد ريا وأهلها ... فهذا الذي كنا ظننا وظنَّتِ وقول ضابئ بن الحارث البرجمي: فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإني وقيار بها لغريب وقول الشنفرى وفيه ثلاثة شواهد: فلم يك إلا نبأة ثم هومت ... فقلنا: قطاة ريع أم ريع أجدل فإن يك من جن لأبرح طارقا ... وإن يك إنسا ما كها الإنس يفعل أي: ما يفعل الإنس مثلها.

بخلاف: {مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ} 1، {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ} 2؛ لأنتفاء الجزم، {وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} 3؛ لأن جزمه بحذف النون، ونحو: "إن يكنه فلن تسلط عليه" 4؛ لاتصاله بالضمير، ونحو: {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُم} 5؛ لاتصاله بالساكن، وخالف في هذا يونس6، فأجاز الحذف، تمسكا بنحو قوله7: [الطويل] 99- فإن لم تك المرأة أبدت وسامة8

_ 1 "6" سورة الأنعام، الآية: 135. موطن الشاهد: {مَنْ تَكُونُ} . وجه الاستشهاد: عدم جواز حذف نون "تكون"؛ لأنه لم يتقدم عليه الجازم. 2 "10" سورة يونس، الآية: 78. موطن الشاهد: {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ} . وجه الاستشهاد: عدم جواز حذف نون "تكون"؛ لأنه لم يتقدم عليه الجازم. 3 "12" سورة يوسف، الآية: 9. موطن الشاهد: {وَتَكُونُوا} . وجه الاستشهاد: عدم جواز حذف نون "تكون"؛ لأن جزمه هنا بحذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة. 4 هذا جزء من حديث نبوي شريف، مر تخريجه وشرح والتعليق عليه. 5 "4" سورة النساء، الآية: 137. موطن الشاهد: {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ} . وجه الاستشهاد: عدم جواز حذف نون "يكن"؛ لاتصال الفعل بالساكن بعده، وهو لام التعريف، فالنون مكسورة؛ لأجله، وهي متعاصية عن الحذف لقوتها بالحركة خلافا لـ "يونس بن حبيب". 6 يونس بن حبيب: أبو عبد الرحمن الضبي المصري، أخذ عن أبي العلاء، وحماد بن سلمة، إمام في النحو واللغة، وله فيه قياس ومذاهب تروى عنه، أخذ عنه الكسائي والفراء، وروى عنه سيبويه كثيرا، كانت له حلقة بالبصرة يؤمها أهل العلم وطلاب العربية، له من التصانيف: معاني القرآن، واللغات، والنوادر، والأمثال. مات في خلافة هارون الرشيد سنة 182هـ. وقد قارب التسعين. ولم يتزوج. البلغة: 295، بغية الوعاة: 2/ 365، وفيات الأعيان: 2/ 551، طبقات القراء: 2/ 247. 7 القائل: هو الخنجر بن صخر الأسدي، ولم أعثر له على ترجمة وافية. 8 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم

وحمله الجماعة على الضرورة كقوله1: [الطويل]

_ = وهو من شواهد: التصريح: 1/ 196، والأشموني: "209/ 1/ 120"، وهمع الهوامع: "1/ 122" والدرر اللوامع: "1/ 93"، والمقتضب: 3/ 167، والإنصاف: 1/ 422، والعيني: 2/ 63. المفردات الغريبة: المرآة: معروفة، وسميت بذلك؛ لأنها آلة الرؤية. أبدت: أظهرت. وسامة: حسنا وجمالا وبهاء منظر. ضيغم: أسد. المعنى: نظر الشاعر في المرآة، فلم يرقه منظره، فقال مسلياً نفسه: إن لم تظهر المرآة جمالا وحسن منظر فقد أظهرت وجه أسد في الإقدام والشجاعة. الإعراب: إن: شرطية جازمة. لم: نافية جازمة. تك: فعل مضارع ناقص، مجزوم بـ "لم" وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة تخفيفا. المرآة: اسم "تكن". أبدت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث، والفاعل: هي، وجملة "أبدت": في محل نصب خبر "تك"، وجملة "تكن واسمها وخبرها": في محل جزم فعل الشرط. فقد: الفاء رابطة لجواب الشرط. قد: حرف تحقيق. أبدت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث. المرآة: فاعل مرفوع. جبهة: مفعول به. ضيغم: مضاف إليه. وجملة "أبدت المرآة جبهة....": في محل جزم جواب الشرط. موطن الشاهد: "لم تك المرآة". وجه الاستشهاد: حذف نون "تكن" المجزوم بسكون النون، على الرغم من أنه وليها ساكن، وحذف "النون" في هذه الحالة ضرورة عند الجمهور جائزة عند يونس بن حبيب شيخ سيبويه، حيث يعد الحذف في هذا الموضع جائزا في سعة الكلام، وأنه غير مختص بضرورة الشعر، واستشهد بالآية الكريمة: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب} على قراءة "لم يك" بحذف النون، واستشهد بقول الشاعر: لم يك الحق سوى أن هاجه ... رسم دار قد تعفى بالسرر قول الآخر: إذا لم تك الحاجات من همة الفتى ... فليس بمغنٍ عنك عقد الرتائم فائدة: إذا استوفى الحذف شروطه كلها، فهو جائز باتفاق، كما أسلفنا، ومثاله قول مضرس بن ربعي، أو محمد بن عبد الله الأزدي، أو غيرهما: فإن تك تعفو يعف عنك، وإن تكن ... تقارع بالأخرى تصبك القوارع فحذف نون الأولى، وأثبت نون الثانية. 1 القائل هو: النجاشي الحارثي، واسمه: قيس بن عمرو بن مالك من بني الحارث بن كعب، كان فاسقا رقيق الإسلام شاربا للخمر هجاء، أصاب بلسانه كثيرا من الناس، فشكوه إلى أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب، وإلى على بن أبي طالب، رضي الله عنهما، فسجنه. الشعر والشعراء: 1/ 329، الإصابة: 6/ 263، الخزانة: 4/ 368، اللآلي: 890.

100- ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل1

_ 1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: فلست بآتيه ولا أستطيعه وهو من شواهد: التصريح: 1/ 196، والأشموني: "257/ 1/ 136"، والكتاب لسيبويه: 1/ 9 والخصائص: 1/ 31، والمنصف: 2/ 229، وأمالي ابن الشجري: 1/ 315، والإنصاف: 2/ 684 وشرح المفصل: 9/ 142، والخزانة: 4/ 367، والمغني: "539/ 384"، والسيوطي: 239. والبيت من عدة أبيات في وصف "ذئب" رواها ابن الشجري في حماسته، والأبيات هي: وماء كلون الغسل قد عاد آجنا ... قليل به الأصوات في بلد محل وجدت عليه الذئب بعوي كأنه ... خليع خلا من كل ماء ومن أهل فقلت له: يا ذئب، هل لك في فتى ... يواسي بلا منٍّ عليك ولا بخل؟ فقال: هداك الله للرشد! إنما ... دعوت لما لم يأته سبُعٌ مثلي فلست بآتيه ولا أستطيعه ... ولاكِ اسقني إن كان ماؤك ذا فضلِ فقلت: عليك الحوض، إني تركته ... وفي صفوه فضل القلوص من السجل المعنى: يقال: إنه عرض للشاعر ذئب في سفره، فدعاه إلى طعامه ومؤاخاته، غير ممتنٍّ عليه بذلك، فقال له الذئب: لقد دعوتني إلى شيء لم تفعله السباع قبلي، ولست بآتٍ طعامك، ولا أستطيع إتيانه، ولكن إن كان فيما معك من الماء زيادة فاسقني منه. الإعراب: لست: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: اسمه. "بآتيه" الباء حرف جر زائد. آتي: خبر ليس، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه، من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله. ولا: الواو عاطفة، لا: زائدة، لتأكيد النفي. أستطيعه: فعل مضارع مرفوع والفاعل: أنا، و"الهاء": مفعول به. ولاك: الواو استئنافية. لاك: حرف استدارك. اسقني: فعل أمر مبني على حذف الياء، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به، إن: شرطية جازمة. كان: فعل ماضٍ ناقص، ماؤك: اسم "كان" والكاف: مضاف إليه. ذا: خبر "كان" منصوب بالألف نيابة عن الفتحة؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف. فضل: مضاف إليه، وجملة "كان ماؤك ذا فضل": في محل جزم فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف، لدلالة السياق عليه. موطن الشاهد: "ولاك اسقني".

[الحروف المشبهة بـ "ليس"] : في ما ولا ولات وإن المعملات عمل ليس تشبيها بها1.

_ وجه الاستشهاد: حذف نون "لكن" التي لو ذكرت، لكانت متحركة بالكسر؛ لالتقاء الساكنين: سكون نونها، وسكون السين في "اسقني"، وحذفها هنا نظير حذف النون من "يكن" إذا وليها ساكن، ورأينا أن الجمهور يعدون حذفها ضرورة؛ لأنها متحصنة بحركة الكسر العارضة عن الحذف، ولأن "النون" حذفت وهي ساكنة؛ لضعف الحرف الساكن، مع ضعفها نفسها وشبهها بأحرف اللين التي تحذف في الجزم، وأما يونس فلم يعتدَّ بهذا التحرك العارض؛ بسبب التقاء الساكنين، ويزعم بأن الحركة التي يقوى بها الحرف، ويتحصن بها من الحذف الحركة الأصلية. فائدتان: "أ": إذا دخلت أداة النفي على فعل من النواسخ المتقدمة غير زال وأخواتها فالمنفي هو الخبر، فإذا قلت: ما كان العدو خائفا وقع النفي على الخوف، فإذا أريد نفي الاسم، وإيجاب الخبر لغرض بلاغي، كالحصر مثلا، أتى بكلمة "إلا" فتقول: ما كان العدو إلا خائفا. ب: إذا كان خبر الناسخ منفيا، جاز دخول حرف الجر الزائد عليه، تقول: ما كان محمد بِمُتَّهم، فمُتَّهم خبر كان مجرور لفظا بالباء الزائدة، وفي محل نصب؛ لأنه خبر، وهذا عام في جميع أخبار النواسخ المنفية. إلا زال وأخواتها؛ لأن أخبارها موجبة. ضياء السالك: 1/ 235. 1 من حق الحرف المشترك بين الأسماء والأفعال أن يكون مهملا، كما بينا سابقا، ولكن شبهة هذين الحرفين بـ "ليس" جعل العرب يعملونهما عمل "ليس" التي ترفع الاسم وتنصب الخبر. "وما" أشبهت ليس في ثلاثة أمور: أحدها: أنها تدل على النفي، كما أن ليس تدل على النفي، وليس الأمر قاصرا على هذه الدلالة، بل هو أقوى من مجرد الدلالة على النفي، فإن "ما" تدل على النفي في الحال كما أن "ليس" تدل على النفي في الحال. الثاني: أنَّا وجدنا "ما" تدخل على المبتدأ والخبر كما أن ليس تدخل عليهما. الثالث: أنَّا وجدنا الخبر الواقع بعد "ما" يقترن به الباء الزائدة، كما في قوله تعالى: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُون} ، وكما قال الشاعر: لعمرك ما معنٌ بتاركِ حقِّهِ كما أن خبر المبتدأ الواقع بعد ليس، يقترن بهذه الباء كما في قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَه} ، فلما أشبهت "ما" ليس هذه الشبه القوي، عملت عملها، فرفعت الاسم ونصب الخبر، وإعمال "ما" عمل "ليس" ليس قياسا، وإنما هو استقراء لكلام العرب، وذلك أن القياس في اللغة يمتنع في مدلولات الألفاظ ومعانيها، ومعنى هذا أن نجدهم سموا شيئا ما باسم "ما" لعلة تقتضي هذه التسمية، فنجد هذه العلة موجودة في شيء آخر، فنسميه بهذا الاسم، فأما في الأحكام الإعرابية فلا. الأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 247.

[ما الحجازية وشروط إعمالها] : أما "ما"، فأعملها الحجازيون، وبلغتهم جاء التنزيل، قال الله تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا} 1، {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِم} 2، ولإعمالهم إياها أربعة3 شروط4:

_ 1 "12" سورة يوسف، الآية: 31. موطن الشاهد: {مَا هَذَا بَشَرًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "ما" عاملة عمل "ليس" فرفعت الإسم ونصبت الخبر، وإعمال "ما" على لغة أهل الحجاز، وأما "ما" على لغة تميم، فهي نافية غير عاملة، يليها المبتدأ والخبر. 2 "58" سورة المجادلة، الآية: 2. موطن الاستشهاد: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} . وجه الاستشهاد: مجيء "ما" حجازية عاملة عمل ليس، وهن: اسم "ما" مبني على الفتح في محل رفع اسم "ما" أمهاتهم: خبر "ما" منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم. و"هم" مضاف إليه. 3 زاد ابن عقيل شرطين، فجعلها ستة شروط، فقال: الخامس: ألا تتكرر "ما" فإن تكررت، بطل عملها، نحو: "ما ما زيد قائم" فالأولى: نافية، والثانية نفت النفي، فبقي إثباتا، فلا يجوز نصب "قائم" وأجازه بعضهم. السادس: ألا يبدل من خبرها موجب، فإن أبدل بطل عملها، نحو: "ما زيد بشيء إلا شيء لا يعبأ به" فـ "بشيء" في موضع رفع خبر عن المبتدأ الذي هو "زيد" ولا يجوز أن يكون في موضع نصب خبرا عن "ما" وأجازه قوم، وكلام سيبويه في هذه المسألة محتمل للقولين المذكورين أعني القول باشتراط أن يبدل من خبرها موجب، والقول بعدم اشتراط ذلك. انظر ابن عقيل "ط. دار الفكر": 1/ 237، 238 وحاشية الصبان: 1/ 247. 4 اختلف النحاة في هذا الموضوع، فقال البصريون: عملت في الاسم الرفع، وعملت في الخبر النصب، وقال الكوفيون: عملت في الاسم الرفع؛ فأما الخبر فهو منصوب على نزع حرف الجر، والصحيح ما ذهب إليه البصريون. التصريح 1/ 196.

أحدها: أن لا يقترن اسمها بإن الزائدة1، كقوله2: [البسيط] 101- بني غدانة ما إن أنتم ذهب3

_ 1 فإن اقترن الاسم بها بطل عملها؛ لأنها عملت بالحمل على ليس، و"ليس" لا يقترن اسمها بإن، وقيد بالزائدة؛ لأنها إذا جاءت نافية لتأكيد النفي لم يبطل علمها، بشرط أن يكون في الكلام ما يدل على ذلك. التصريح: 1/ 196. 2 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: ولا صريف، ولكن أنتم الخَزَفُ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 197، والأشموني: "211/ 1/ 121"، وهمع الهوامع: 1/ 123 والدرر اللوامع: 1/ 94، وخزانة الأدب: 2/ 124، والعيني: 2/ 91 برواية "خزف" قطر الندى: "50/ 189" ومغني اللبيب: "24/ 38، وشذور الذهب: "90/ 194". المفردات الغريبة: غدانة "بضم الغين وفتح الدال مخففة": حي من يربوع. صريف: الفضة. الخزف: ما عمل من الطين وشوى بالنار، فصار فخارا. المعنى: يهجو بني غدانة، ويقول: لستم يا بني غدانة من كرام الناس، ولا من أوساطهم، ولكنكم من الطبقة الدنيا، ومن الأسقاط، فلم هذا التفاخر والتعاظم؟، وجعل الذهب مثلا للأشراف، والفضة مثلا لمن دونهم، وأراد بالخزف حثالة الناس. الإعراب: بني: منادى مضاف منصوب، بحرف نداء محذوف. غدانة: مضاف إليه ممنوع من الصرف. ما: نافية مهملة. إن: زائدة: أنتم: مبتدأ. ذهب: خبر. ولا: الواو عاطفة، لا: زائدة لتأكيد النفي، صريف: معطوف على "ذهب". ولكن: الواو عاطفة، لكن: حرف استدراك: أنتم: مبتدأ. الخزف: خبر المبتدأ. موطن الشاهد: "ما إن أنتم ذهب". وجه الاستشهاد: إهمال "ما" لوقوع "إن" الزائدة بعدها على رواية الرفع في "ذهب"؟ وروي البيت بنصب "ذهبا"؟ وهي رواية يعقوب بن السكيت، حيث خرجها على أن "إن" الواقعة بعد "ما" زائدة، كما قال الجمهور، واستدل بهذه الرواية على أنه لا يبطل عمل "ما" بزيادة "إن" بعدها، غير أن الجمهور لم يسلموا بما ذهب إليه يعقوب، وقالوا: إن سلمنا برواية النصب، فلا تكون "إن" الواقعة بعدها زائدة، ولكنها نافية مؤكدة لنفي "ما" فالنفي الذي عملت "ما" لدلالتها عليه باق، وهذا بخلاف ما لو جعلت "إن" نافية لنفي "ما" لأن الكلام، يكون عندئذ مثبتا موجبا؛ لأن =

وأما رواية يعقوب1 "ذهبا" بالنصب فتخرج على أن إن نافية مؤكدة لـ "ما"، لا زائدة. الثاني: أن لا ينتقض نفي خبرها بإلا2، فلذلك وجب الرفع في: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ} 3 و: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} 4،.........

_ 1 يعقوب: هو أبو يوسف، يعقوب بن إسحاق المعروف بابن السكيت النحوي "السكيت لقب أبيه" أخذ النحو عن البصريين، والكوفيين، كالفراء، وأبي عمرو الشيباني، وابن الأعرابي، وروى عن الأصمعى، وأبي عبيدة، كان من أعلم الناس بالقرآن واللغة والشعر، ثقة عالما بالنحو. قيل: لم يأت بعده مثله، له تصانيف كثيرة في النحو، ومعاني القرآن وتفسير دواوين العرب، وهو صاحب كتاب: إصلاح المنطق، مات سنة 243هـ. البلغة: 288، بغية الوعاة: 2/ 349، الفهرست: 72، معجم الأدباء: 20/ 5، الأعلام: 9/ 255. 2 فإذا انتقض خبر "ما" بإلا وجب رفع الخبر مطلقا عند جمهور البصريين، ويجوز نصب الخبر حينئذ مطلقا عند يونس بن حبيب، وذهب الفراء إلى أنه يجوز نصب الخبر حينئذ بشرط كون الخبر وصفا، نحو "ما زيد إلا قائما"، وذهب جمهور الكوفيين إلى أنه يجوز نصب الخبر حينئذ لكن بشرط أن يكون مشبها به، نحو: "ما زيد إلا أسدا" وكلام المؤلف صريح، في أنه لو كان انتقاض ففي الخبر بغير إلا، لم يبطل عمل "ما" فلو قلت: "ما زيد غير شجاع" أو قلت: "ما زيد سوى بطل"، بقي العمل، فنصبت "غير" في المثال الأول لفظا، ونصبت "سوى" في المثال الثاني تقديرا. شرح التصريح: 1/ 197. 3 "54" سورة القمر، الآية: 50. موطن الشاهد: {مَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ} . وجه الاستشهاد: مجيء "ما" مهملة؛ لانتقاض خبرها بـ "إلا"، فـ "أمرنا": مبتدأ مضاف إليه، إلا: أداة حصر، واحدة: خبر مرفوع، وحكم الإهمال في هذه الحالة الوجوب. 4"3" سورة آل عمران، الآية: 144. موطن الشاهد: {مَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} . وجه الاستشهاد: مجيء "ما" مهملة، كما في الآية السابقة؛ لانتقاض خبرها بـ "إلا"، فـ "محمد": مبتدأ. إلا: أداة حصر. رسول: خبر مرفوع؟ وحكم الإهمال الوجوب.

فأما قوله1: [الطويل] 102- وما الدهر إلا مَنْجَنونا بأهله ... وما صاحب الحاجات إلا معذبا2

_ 1 لم ينسب إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 197، والأشموني: "212/ 1/ 121"، وهمع الهوامع: 1/ 123 والدرر اللوامع: 1/ 94، والمقرب: 18، ومغني اللبيب: "116/ 102" وشرح السيوطي: 79. المفردات الغريبة: الدهر: الزمان والأبد، والمراد هنا الفلك الدائر. منجنونا: هي الدولاب التي يستقى عليها والأكثر فيها التأنيث. المعنى: إن الزمان ليس له صاحب، ولا يدوم على حالة واحدة، فهو يخفض اليوم من رفعه بالأمس، كالدولاب يرتفع وينخفض، وصاحب الحاجات يعاني في قضائها العذاب، ويتحمل المشاق والمصاعب. الإعراب: ما: نافية مهملة. الدهر: مبتدأ مرفوع. إلا أداة حصر. منجنونا: مفعول مطلق لفعل محذوف، أو مفعول به لفعل محذوف، أي: يشبه منجنونا، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، وهذا الوجه الذي أراده المؤلف. وما: الواو عاطفة. ما: نافية مهملة. صاحب: مبتدأ. الحاجات: مضاف إليه. إلا: أداة حصر. معذبا: مفعول مطلق لفعل محذوف، أو مفعول به لفعل محذوف، والجملة من "الفعل المحذوف وما بعده": في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية "ما صاحب الحاجات ... ". معطوفة على الجملة الأولى. موطن الشاهد: "ما الدهر إلا منجنونا، ما صاحب الحاجات إلا معذبا". وجه الاستشهاد: استشهد بظاهر البيت يونس بن حبيب، والشلوبين وغيرهما، فجعلوا "ما" في الموضعين عاملة عمل "ليس" على الرغم من انتقاض خبرها بـ "إلا"؛ لأنهم يزعمون أن انتقاض نفي الخبر بـ "إلا" لا يمنع إعمال "ما". ورأينا في الإعراب ما ذهب إليه الجمهور من عد "منجنونا" و"معذبا" إما مفعولا مطلقا، لفعل محذوف، أو مفعولا به، لفعل محذوف، والتقدير: وما الدهر إلا يدور دوران منجنون، وما صاحب الحاجات إلا يعذب معذبا، و"معذب" على هذا مصدر ميمي بمعنى التعذيب، والتقدير الثاني: وما الدهر إلا يشبه منجنونا، وما صاحب الحاجات إلا يشبه معذبا وذهب بعض النحاة إلى أن هذا البيت شاذ، والشاذ، يحفظ، ولا يقاس عليه، والصواب: ما ذهب إليه الجمهور، وتابعهم عليه المؤلف، كما هو واضح. الدرر اللوامع: 1/ 94 وشرح التصريح: 1/ 197.

فمن باب "ما زيد إلا سيرا"1، أي: إلا يسير سيرا، والتقدير: إلا يدور دوران منجنون، وإلا يعذب معذبا، أي: تعذيبا2. ولأجل هذا الشرط أيضا وجب الرفع بعد "بل" و"لكن" في نحو: "ما زيد قائما بل قاعد" أو "لكن قاعد" على أنه خبر لمبتدأ محذوف، ولم يجز نصبه بالعطف لأنه موجب3. الثالث: أن لا يتقدم الخبر4، كقولهم: "ما مسيء من أعتب"، وقوله5: [الطويل]

_ 1 أي: إن كلا من "منجنونا" و"معذبا" مفعول مطلق عامله محذوف، وعامله واقع خبرا عن اسم ذات مبتدأ، كما أشرنا في أحد وجهي الإعراب. 2 قدر لفظ "دوران" قبل منجنون؛ لأن الذي ينصب على أنه مفعول مطلق، يجب أن يكون مصدرا، أو اسم مصدر، أو آلة للفعل، أو عددا كما سنرى في حينه و"منجنونا" ليس واحدا منها؛ لأنه اسم ذات للدولاب، وقدر "معذبا": تعذيبا؛ لأن "معذبا": اسم مفعول، وهو لا يقع مفعولا. انظر شرح التصريح: 1/ 197. 3 أي: مثبت، وقد ذكرنا من قبل، أن بعضهم ألحق "بل" و"لكن" بـ "إلا" كقول الناظم. "ورفع معطوف بـ "لكن" أو بـ "بل" من بعد منصوب بما الزم حيث حل أي: إذا وقع بعد خبر "ما" عاطف، فلا يخلو: إما أن يكون مقتضيا للإيجاب، أو لا. فإن كان مقتضيا للإيجاب تعين رفع الاسم الواقع بعده، نحو: بل ولكن، كما في المتن، ووجب الرفع في هذه الحالة؛ لأن "ما" لا تعمل في الموجب. وإن كان الحرف العاطف غير مقتض للإيجاب، كالواو ونحوها، جاز النصب والرفع، والمختار النصب، نحو: ما زيد قائما ولا قاعدا، ويجوز الرفع، فنقول: ولا قاعد، ويكون خبرا لمبتدأ محذوف، والتقدير: ولا هو قاعد. ويفهم من تخصيص المؤلف وجوب الرفع بما إذا وقع الاسم بعد "بل ولكن" أنه لا يجب الرفع بعد غيرهما. انظر ابن عقيل "ط دار الفكر": 1/ 238- 239. 4 على الاسم، خلافا للفراء، وإن كان ظرفا أو جارا ومجرورا، على الأصح؛ خلافا لابن عصفور، فإن تقدم بطل العمل، وقد حكى الجرمي "ما مسيئا من أعتب"، على الإعمال، وقال: إنه لغة لقوم من العرب. التصريح: 1/ 198. 5 لم ينسب إلى قائل معين.

103- وما خُذُلٌ قومي فأخضع للعدى1 فأما قوله2: [البسيط] 104- إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر3

_ 1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: ولكن إذا أدعوهم فهُمُ هُمُ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 198، والأشموني: "213/ 1/ 122". المفردات الغريبة: خذل: جمع خاذل، اسم فاعل من خذلك، إذا ترك نصرتك ومعونتك. أخضع: أذل وأستكين. فهم هم: أي أنهم هم المعروفون بالشهامة والشجاعة. المعنى: ما عودني قومي أن يخذلوني، ويقعدوا عن نصرتي ومعاونتي: والوقوف بجانبي، حتى أخضع وأستكين للأعداء، ولكن إذا دعوتهم هبوا لنصري، ووجدت منهم ما أعرفه فيهم، من كمال الرجولة والمعاونة الصادقة. الإعراب: ما: نافية مهملة. خذل: خبر مقدم مرفوع. قومي: مبتدأ مؤخر، وهو مضاف. والياء: مضاف إليه. فأخضع: الفاء فاء السببية، أخضع: فعل مضارع منصوب بـ "أن" المضمرة بعد الفاء، وفاعله: أنا. "للعدى": متعلق بـ "أخضع". ولكن: الواو عاطفة، لكن حرف استدراك. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان. أدعوهم: فعل مضارع، والفاعل: أنا، و"هم": في محل نصب مفعول، وجملة "أدعوهم": في محل جر بالإضافة. فهم: الفاء واقعة في جواب الشرط. هم: مبتدأ. هم: الثانية: خبر، وجملة "هم هم": جواب شرط غير جازم، لا محل لها. موطن الشاهد: "ما خذل قومي". وجه الاستشهاد: إبطال عمل "ما" لتقدم الخبر على المبتدأ، وفي هذا دليل على أن من شرط إعمال "ما" ليس أن يتقدم اسمها على خبرها، وفي هذا خلاف، بين جمهور النحاة وغيرهم، وإبطال عملها، لتقدم الخبر على المبتدأ رأي الجمهور. 2 القائل هو: الفرزدق، همام بن غالب، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم وهو من كلام الشاعر، في مدح أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، خامس الخلفاء الراشدين، وأعدل بني أمية. وهو من شواهد: التصريح: 1/ 198، والأشموني: "179/ 1/ 111"، وهمع الهوامع: 1/ 219، 1/ 122، 1/ 249، والدرر اللوامع:

.........................................................................

_ 1/ 95، 1/ 188، 1/ 208، وكتاب سيبويه: 1/ 29 والمقتضب: 1/ 191، ومجالس ثعلب: 113، والمقرب: 18، والخزانة: 2/ 130، ومغني اللبيب عدة مرات منها: "127/ 114"، والسيوطي: 84، 265، وديوان الفرزدق: 223. المفردات الغريبة: أصبحوا: معناها هنا صاروا. أعاد: رد نعمتهم: المراد البسط في السلطان. قريش: قبيلة، منها الرسول صلى الله عليه وسلم وبنو أمية، قوم عمر بن عبد العزيز. المعنى: أصبحت بنو أمية -وهم من قريش- وقد رد الله عليهم نعمة الخلافة وبسطة الملك وعزه؛ بتولي عمر بن عبد العزيز زمام الأمور، فهم قريش المقدمون على سائر قبائل العرب، والذين لا يماثلهم أحد من البشر؛ لأن منهم خير الخلق. الإعراب: أصبحوا: فعل ماضٍ ناقص، والواو: اسمه: حرف تحقيق أعاد: فعل ماضٍ، الله "لفظ الجلالة": فاعل مرفوع. نعمتهم: مفعول به لـ "أعاد"، وهو مضاف. و"هم" مضاف إليه إذ: تعليلية، وفيها إعرابان: إما حرف مبني على السكون، لا محل له من الإعراب، وإما: ظرف مبني على السكون في محل نصب، والأول أفضل في هذا الشاهد. هم: مبتدأ. قريش: خبر. وإذا: الواو عاطفة، إذ: تعليلية، كالأولى. ما: نافية عاملة عمل ليس. مثلهم: خبر "ما" تقدم على اسمها، وهو مضاف، و"هم" مضاف إليه. بشر: اسم "ما" تأخر عن الخبر. موطن الشاهد: "ما مثلهم بشر". وجه الاستشهاد: إعمال "ما" عمل "ليس" مع تقدم خبرها على اسمها، وحكم هذا الإعمال الشذوذ عند سيبويه، وقال في بيت الفرزدق: لا يكاد يعرف، وقيل في تخريج هذا البيت: أراد الفرزدق وهو تميمي أن يتكلم بـ "ما" على لغة الحجازيين، لكنه لم يعرف شرطها عندهم فغلط، وفي هذا الكلام نظر؛ لأن العربي لا يطاوعه لسانه أن ينطق بغير لغته، كما قال سيبويه. وقيل في تخريجه أيضا: بشر: خبر، ومثلهم: مبتدأ، ولكنه بني على الفتح؛ لإبهامه مع إضافته للمبني، وهو الضمير، والمبهم المضاف إلى مبني، ويجوز بناؤه وإعرابه، وقيل: "مثلهم" حال؛ لأن إضافة "مثل" لا تفيد التعريف، وهو في الأصل صفة لـ "بشر"، وصفة النكرة إذا تقدمت عليها، انتصبت على الحال. وبشر: مبتدأ، والخبر: محذوف مقدم على المبتدأ لئلا يلزم تقديم الحال على عاملها الظرف، وهو ممتنع أو نادر، أي: "ما في الوجود بشر مثلهم" أي: مماثلا لهم، قاله المبرد. ورد بأن حذف عامل الحال، إذا كان معنويا ممتنع. وقيل: "مثلهم" ظرف زمان، تقديره: وإذ هم في زمان ما في مثل حالهم بشر. وقيل: ظرف مكان، والتقدير: وإذ ما مكانهم بشر، أي: في مثل حالهم. شرح التصريح: 1/ 198.

فقال سيبويه: شاذ، وقيل: غلط وإن الفرزدق لم يعرف شرطها عند الحجازيين1، وقيل: "مثلهم" مبتدأ؛ ولكنه بني لإبهامه مع إضافته للمبني، ونظيره: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُون} 2، {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُم} 3، فيمن فتحهما، وقيل: "مثلهم" حال، والخبر محذوف، أي: ما في الوجود بشر مثلهم. الرابع: أن لا يتقدم معمول خبرها على اسمها، كقوله4: [الطويل] 105- وما كل من وافى منىً أنا عارف5

_ 1 في هذا الكلام نظر؛ لأن العربي لا يطاوعه لسانه على النطق بغير لغته، كما أوضحنا في وجه الاستشهاد. 2 "51" سورة الذاريات، الآية: 23. موطن الاستشهاد: {إِنَّهُ لَحَقٌ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ} . وجه الاستشهاد: مجيء "مثل" مبنية على الفتح؛ لأنها مبهمة، ومضافة إلى مبني بعدها هو "ما" علمًا أنها تستحق الرفع على التبعية لـ "حق"، وحكم بناء "مثل" في هذه الحال الجواز. 3 "6" سورة الأنعام: 94. موطن الشاهد: {تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} . وجه الاستشهاد: مجيء "بَيْنَ" مبنيا على الفتح؛ لإضافته إلى "مبني"، هو "كم"، و"بين": مبهم، فيجوز في هذه الحال بناؤه وإعرابه، وهو فاعل تقطع، فإما أن نقول: "بين" فاعل مبني على الفتح في محل رفع، أو نقول: "بينكم" فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة و"كم": مضاف إليه. 4 القائل: هو مزاحم بن الحارث العقيلي، وقيل مزاحم بن عمرو بن مرة بن الحارث، شاعر إسلامي، من بني عقيل بن ربيعة، وبدوي فصيح، كان في زمن جرير والفرزدق، روي أن الفرزدق دخل على عبد الملك بن مروان، أو أحد بنيه، فسأله: أتعرف أحدا أشعر منك؟ فقال: لا، إلا غلاما من بني عقيل؛ فإنه ينعت الفلوات، فيجيد، ثم دخل جرير فسأله، فأجابه كذلك، ثم دخل ذو الرمة، فأجاب مثلها. الأغاني: 19/ 27، 34. 5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: وقالوا: تعرَّفْها المنازلَ من مِنىً وهو من شواهد: الأشموني: "215/ 1/ 122"، والتصريح: 1/ 198، والكتاب لسيبويه: 1/ 36، 37 والخصائص: 2/ 453، 476، والعيني: 2/ 98، ومغني اللبيب: "1180/ 910" والسيوطي: 328 وشذور الذهب: "91/ 258".

إلا إن كان المعمول ظرفا أو مجرورا فيجوز، كقوله1: [الطويل] 106- فما كل حين من توالي مواليا2.

_ المفردات الغريبة: تعرفها: تطلَّبْ معرفتها واسأل الناس عنها. المنازل: جمع منزل، وهو المكان الذي ينزل فيه الناس عن رواحلهم؛ ليستريحوا من عناء السفر. منى: مكان قريب من مكة، فيه منسك من مناسك الحج. وفيه تنحر الهدايا. المعنى: افتقد مزاحم محبوبتة في الحج، فسأل عنها، فقالوا له: سل عنها في منزال الحج من منى، فقال: ذلك غير مجدٍ؛ لأني لا أعرف جمع من وفد إلى منى حتى أسأله عنها. الإعراب: قالوا: فعل ماضٍ، وفاعل: نعرفها: فعل أمر، والفاعل: أنت، و"ها": مفعول به. المنازل: منصوب على نزع الخافض، وأعربه بعضهم مفعولا فيه، والأول أفضل. و"من منى" متعلق بمحذوف حال من "المنازل" "ما" نافية، كل "على رواية النصب" مفعول به لـ "عارف" الآتي، وهو مضاف. من: اسم موصول، مضاف إليه. وافى: فعل ماضٍ، والفاعل: هو. منى: مفعول به لـ "وافى"، وجملة "وافى منى": صلة للموصول، لا محل لها. أنا: مبتدأ. عارف: خبر المبتدأ، وعلى رواية "كل" بالرفع، فتكون "ما" عاملة عمل ليس، و"كل": اسمها، وجملة "أنا عارف": في محل نصب خبر "ما"، ويجوز أن تكون كل: مبتدأ وجملة "أنا عارف": خبرا، وعلى رواية الرفع "لا بد من تقدير رابط أو عائد بين المبتدأ، أو اسم "ما" وبين الخبر، وهذا العائد محذوف، والتقدير: ما كل من وافى منى أنا عارفه. موطن الشاهد: "ما كل من وافى منى أنا عارف". وجه الاستشهاد: إهمال "ما"، لتقدم معمول الخبر، وهو "كل" على المبتدأ، وهذا المعمول، ليس ظرفا ولا جارا ومجرورا، وأما على رواية الرفع في "كل" فتكون "ما" مهملة أيضا، أو عاملة كما بينا في الإعراب والعائد محذوف، والتقدير: أنا عارفه. 1 لم ينسب إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: بأهبة حزم لُذْ، وإن كنت آمنا وهو من شواهد: التصريح: 1/ 199، والأشموني: "214/ 1/ 122" والعيني: 2/ 101. المفردات الغريبة: أهبة: هي التهيؤ للشيء، والاستعداد له. حزم: هو التدبر والفحص عن الأمور. لذ: التجئ. توالي: تصافي وتعاون. المعنى: عليك بالحزم وتمسك به دائما، وإن كنت واثقا من نفسك وممن تواليهم، آمنا كيد غيرك، فليس كل من تواليه مأمون الجانب في كل وقت.

[إعمال لا عمل ليس وشروطه] : وأما "لا" فإعمالها عمل ليس قليل1، ويشترط له الشروط السابقة، ما عدا الشرط الأول2، وأن يكون المعمولان نكرتين3، والغالب أن يكون خبرها محذوفا، حتى قيل بلزوم ذلك، كقوله4: [مجزوء الكامل] 107- فأنا ابن قيس لا براح5

_ الإعراب: "بأهبة": متعلق بـ "لذ" حزم مضاف إليه. لذ: فعل أمر، والفاعل: أنت. وإن: الواو: عاطفة على محذوف، إن: شرطية جازمة. كنت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: اسمه آمنا: خبر "كنت" منصوب، وجملة "كنت وخبرها": فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف؛ لدلالة ما قبله عليه. فما: الفاء تعليلية، ما: نافية عاملة عمل ليس. كل: مفعول فيه منصوب على الظرفية الزمانية متعلق بـ "موالٍ" الآتي، وهو مضاف. حين: مضاف إليه. من: اسم موصول، في محل رفع اسم "ما". توالي: فعل مضارع، والفاعل، أنت، و"الجملة" صلة الموصول، والعائد محذوف، والتقدير: فما كل حين من تواليه. مواليا: خبر "ما" النافية العاملة منصوب. موطن الشاهد: "ما كل حين من توالي مواليا". وجه الاستشهاد: إعمال "ما" مع تقدم معمول الخبر، وهو "كل حين"، والذي سوغ ذلك كون المعمول ظرفا، ومعلوم أن الظروف، والجار والمجرور يتسع فيها. بقي من شروط عمل "ما" ألا تتكرر، لا بقصد تأكيد النفي، بل لنفي ما قبلها، نحو: ما ما العربي مقيم على الضيم؛ لأن نفي النفي إثبات، فتصبح "ما" بعيدة عن النفي، فإن قصد بالتكرار تأكيد النفي في الأولى لا إزالته صح الإعمال، وقد أشرنا إلى ذلك سابقا. 1 إعمال "لا" عمل ليس قليل جدا عند الحجازيين، وإليه ذهب سيبويه، وطائفة من البصريين. 2 المقصود بالشرط الأول: ألا يقترن الاسم بـ "إن" الزائدة لأنها لا تقع بعد "لا". 3 فإن كان أحدهما معرفة أو كلاهما، فلا تعمل إلا نادرا، ويجوز أن يكون خبرها جملة فعلية، أو شبه جملة؛ لأنهما في حكم النكرة. 4 هو سعد بن مالك جد طرفة بن العبد، وهو أحد بني بكر بن وائل، وأحد سادات بكر وفرسانها في الجاهلية، كان شاعرا مجيدا. خزانة الأدب: 1/ 474. 5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: من صد عن نيرانها

والصحيح جواز ذكره، كقوله1: [الطويل] 108 تعزَّ فلا شيء على الأرض باقيا ... ولا وَزَرٌ مما قضى الله واقِيَا2 وإنما لم يشترط الشرط الأول لأن "إن" لا تزاد بعد "لا" أصلا.

_ = والبيت من كلمة لسعد بن مالك، يعرض فيها بالحارث بن عباد، فارس النعامة حين اعتزل الحرب التي نشبت بين بكر وتغلب ابني وائل، وهي الحرب المشهورة بحرب البسوس، وقبل البيت قوله: يا بؤس للحرب التي ... وضعت أراهط فاستراحوا والبيت الشاهد، من شواهد: التصريح: 1/ 199، والأشموني: "225/ 1/ 125"، وهمع الهوامع: 1/ 125 والدرر اللوامع: 1/ 97، وسيبويه: 1/ 28، 354، 357، والمقتضب: 4/ 360، والإنصاف: 367 وشرح المفصل: 1/ 108، وجمل الزجاجي: 242، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: 506، ومغني اللبيب: "433/ 315" "1067/ 825"، وشرح السيوطي: 208. المفردات الغريبة: صد: أعرض. نيرانها: الضمير يعود على الحرب، وأراد من نكل عنها ولم يقتحم لظاها. ابن قيس نسب نفسه إلى جده الأعلى. لا براح: لا زوال ولا فرار. المعنى: من امتنع عن اقتحام الحرب وتحمل ويلاتها، فأنا لا أمتنع؛ لأني ابن قيس المعروف بالشجاعة والنجدة والإقدام. لا براح لي، ولا نكوص عن خوضها. الإعراب من: اسم شرط جازم، في محل رفع مبتدأ. صد: فعل ماضٍ في محل جزم فعل الشرط. "عن نيرانها": متعلق بـ "صد"، و"ها": مضاف إليه. فأنا: الفاء رابطة لجواب الشرط، أنا: مبتدأ، ابن: خبر، وهو مضاف. قيس: مضاف إليه. لا: نافية تعمل عمل ليس. براح: اسم "لا" مرفوع، والخبر محذوف، والتقدير: لا براح لي. موطن الشاهد: "لا براح". وجه الاستشهاد: إعمال "لا" عمل "ليس" فرفع بها الاسم "براح"، وحذف خبرها، وأما حكم حذف خبرها، فجائز باتفاق على الأغلب، كما في المتن. 1 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 199، وهمع الهوامع: 1/ 125، والدرر اللوامع: 1/ 97، وابن عقيل "78/ 313"، والأشموني: "223/ 1/ 124"، وخزانة الأدب: 1/ 530 عرضا، والعيني: 2/ 102 ومغني اللبيب: "434/ 315" "438/ 516"، وقطر الندى: "51/ 190"، والشذور: "92/ 260، 262". المفردات الغريبة: تعز: من العزاء، وهو التصبّر والتسلي على المصائب. وزر: ملجأ. واقيا: اسم فاعل من الوقاية، وهي الرعاية والحفظ.

[إعمال لات عمل ليس وشروطه] : وأما "لات" فإن أصلها "لا" ثم زيدت التاء1، وعملها واجب، وله شرطان2: كون معموليها اسمي زمان، وحذف أحدهما، والغالب كونه المرفوع، نحو: {وَلاتَ حِينَ مَنَاص} 3، أي: ليس الحين حين فرار، ومن القليل قراءة بعضهم

_ المعنى: تسلَّ وتصبَّرْ على ما يصيبك من الكوارث والمصائب، فكل شيء إلى زوال. ولا يبقى على وجه الأرض شيء، وليس هنالك ملجأ يقي الإنسان، ويحفظه مما قضاه الله وقدره. الإعراب: تعزَّ: فعل أمر، مبني على حذف حرف العلة، والفاعل أنت. فلا: الفاء تعليلية، لا: نافية، تعمل عمل "ليس" شيء: اسمها مرفوع. "على الأرض". متعلق بـ "باقيا" الآتي، أو بمحذوف صفة لـ "شيء" باقيا: خبر "لا" منصوب. ولا: الواو عاطفة، لا: نافية عاملة عمل ليس. وزر: اسم "لا" مرفوع. "مما": متعلق بـ "واقيا" الآتي. قضى الله: فعل ماضٍ، وفاعل، و"الجملة": صلة للموصول، لا محل لها. واقيا: خبر "لا" منصوب. موطن الشاهد: "لا شيء..... باقيا، لا وزر......... واقيا". وجه الاستشهاد: إعمال "لا" في الموضعين عمل "ليس" ومجيء اسمها وخبرها نكرتين، ومجيئهما مذكورين معا، وفي ذلك دلالة على جواز ذكر خبر "لا" العاملة عمل ليس خلافا للزجاج الذي يرى أن خبر "لا" لا يكون مذكورا أبدا. فائدة: ذهب الأخفش إلى أن "لا" ليس لها عمل أصلا، لا في الاسم، ولا في الخبر، وأن ما بعدها "مبتدأ وخبر" والبيت الشاهد يبطل ما ذهب إليه. 1 زيادة التاء في "لات" أحسن منها في "ثمت" وفي "ربت"؛ لأن "لا" بمعنى "ليس" ومحمولة عليها، وليس تلحقها تاء التأنيث، فتقول: ليست هند مفلحة، ومما يؤيد هذا أن تاء التأنيث تلحق "لا" التي تعمل عمل "ليس" ولا تلحق "لا" التي تعمل عمل "إن"، ويقال: زيدت التاء للمبالغة. التصريح: 1/ 200. 2 أي: مع الشروط الخاصة بعمل "ما" ما عدا وقوع "إن" الزائدة؛ لأنها لا تقع بعد "لات". 3 "38" سورة ص، الآية: 3. أوجه القراءات: قرأ عيسى بن عمر "حين" بالرفع، وقرأ "ولاتِ" بكسر التاء، وقرأ برفع "ولاتُ" و"حينُ" أبو السمال، وقرأ عيسى وأبو السمال: "ولا تحينُ مناص". وقرأ الجمهور {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} مختصر في شواذ القرآن، لابن خالويه: 129. والبحر المحيط: 7/ 384، والمشكل: 2/ 247. موطن الشاهد: {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} . وجه الاستشهاد: مجيء "لات" عاملة عمل "ليس" مع حذف اسمها، والتقدير: ولات الحين حين مناص، وحكم حذف أحد معموليها واجب، والمعنى: وليس الوقت وقت مهرب.

برفع الحين، وأما قوله1: [الكامل] 109- يبغي جوارك حين لات مجير2

_ 1 هو: عبد الله بن أيوب التميمي، يكني أبا محمد، مولى بني تميم، ثم مولى بنى سليم، أحد شعراء الدولة العباسية، وكان أحد الشعراء المجُاَّن، الوصافين للخمر، مدح خلفاء بني العباس ومنهم المأمون والأمين وله معهم قصص ومواقف. الأغاني: 22/ 7677، تجريد الأغاني: 8/ 206، تاريخ بغداد: 9/ 411. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: لهفي عليك للهفة من خائف وهو من كلمة، اختارها أبو تمام في ديوان الحماسة، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 200، ونسبه صاحب التصريح إلى شمردل الليثي، والأشموني: "230/ 1/ 126"، وخزانة الأدب: 2/ 146 عرضا والعيني: 2/ 103، 178 عرضا: ونسبة إلى شمردل الليثي في رثاء منصور بن زياد. وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: 950، ومغني اللبيب "1065/ 825"، وشرح السيوطي: 313. المفردات الغريبة: لهفي: أسفي؛ من اللهف، وهو الحزن والأسى على فائت. للهفة. أي لأجل لهفة أي استغاثة مجير: ناصر يمنع الأذى ويدفعه المعنى: لي عليك حسرة شديدة وحزن عميق، من أجل رجل نابه ريب الزمان، وعضه الدهر، وطلب الغوث، فلم يجدك، وقد كنت نصيرا لمن لا ملجأ له ولا نصير. الإعراب: لهفي: مبتدأ أو مضاف إليه. "عليك": متعلق بـ "لهفي". "للهفة": متعلق بخبر محذوف. "من خائف" متعلق بـ "لهفة"، أو بمحذوف صفة لـ "لهفة"، يبغي: فعل مضارع، والفاعل: هو. جوارك: مفعول به، ومضاف إليه، وجملة "يبغي جوارك": في محل جر صفة لـ "خائف". "حين" متعلق بـ "يبغي". لات: حرف نفي، مهمل، لا محل له من الإعراب. مجير: فاعل لفعل محذوف، والتقدير: ولات =

فارتفاع "مجير" على الابتداء، أو على الفاعلية، والتقدير: حين لات له مجير، أو يحصل له مجير، و"لات" مهملة، لعدم دخولها على الزمان، ومثله قوله1: [الخفيف] 110- لات هَنَّا ذكرى جُبَيرةَ2 إذ المبتدأ "ذكرى" وليس بزمان.

_ = حين لا يحصل مجير، أو: مجير: مبتدأ مرفوع، وخبره محذوف، والتقدير: حين لات مجير له. موطن الشاهد: "لات مجير". وجه الاستشهاد: إهمال "لات"؛ لعدم دخولها على الزمان؛ لأن "لات" لا تعمل في غير الحين، أي: الزمن: ولا بد من حذف أحد معموليها، والغالب حذف اسمها، وحذف خبرها وبقاء اسمها قليل، وإلى هذا أشار الناظم. "وما لـ "لات" في سوى حين عمل وحذف ذي الرفع فشا والعكس قل". فائدة: عمل "لات" عمل "ليس" بالشروط المذكورة، هو ما ذهب إليه سيبويه والجمهور، ونقل منع عمل "لات" عن الأخفش، وعليه: فالمرفوع الذي يليها. مبتدأ حذف خبره، والمنصوب الذي يليها مفعول بفعل محذوف، والصحيح ما ذهب إليه سيبويه والجمهور. انظر حاشية الصبان: 1/ 255. وابن عقيل "ط. دار الفكر": 1/ 250. 1 القائل هو: الأعشى الأكبر، أبو بصير، ميمون بن قيس بن جندل من سعد بن ضبيعة بن قيس، شاعر جاهلي فحل، ومن الطبقة الأولى، ويعرف بصناجة العرب، قيل: وفد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ليسلم، فصده أبو سفيان، وأعطاه عطاء عظيما، وفي طريقه من مكة، سقط عن ظهر راحلته ومات، وذلك سنة 7هـ. الشعر والشعراء: 1/ 257، الأغاني: 8/ 74، المرزباني: 104، الخزانة: 1/ 83، شعراء الجاهلية: 357. 2 تخريج الشاهد: تمام الشاهد: لات هَنَّا ذكرى جبيرة أم من ... جاء منها بطائف الأهوالِ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 200، وهمع الهوامع: 1/ 126، والدرر اللوامع: 1/ 99، والمقرب: 19. والعيني: 2/ 106، والمحتسب: 2/ 39، والخصائص: 2/ 274، وديوان الأعشى: 13. المفردات الغريبة: هنا: اسم إشارة للمكان، واستعير هنا للزمان ذكرى: تذكر. جبيرة: اسم امرأة، وهي بنت عمرو بن حزم، وقيل: هي امرأة الأعشى. بطائف،

[إعمال إن عمل ليس على النادر] : وأما "إن" فإعمالها نادر1، وهو لغة أهل العالية2، كقول بعضهم: "إن أحدٌ

_ = الطائف: الذي يطرق ليلا، وأراد هنا خيالها الذي يطرقه عند النوم. الأهوال: جمع هول، وهو الخوف. المعنى: ليس هذا الوقت وقت تذكر جبيرة، أو تذكر ذلك الطائف الذي أزعجك، لما رأيته من عضبها. الإعراب: لات: حرف نفي مهمل، لا عمل له، لعدم دخوله على زمان. هنا: "ظرف مكان" متعلق بمحذوف خبر مقدم. ذكرى: مبتدأ مؤخر. جبيرة. مضاف إليه، من إضافة المصدر إلى مفعوله، ويجوز أن نعلق "هنا" بذكرى، ويكون الخبر محذوفا، والتقدير: ليت ذكرى جبيرة مقبولة، والأول أفضل. أو: حرف عطف. من: اسم موصول معطوف على جبيرة. جاء: فعل ماضٍ، والفاعل: هو. "منها": متعلق بـ "جاء". "بطائف": متعلق بـ "جاء". الأهوال: مضاف إليه. موطن الشاهد: "لات هنا ذكرى جبيرة". وجه الاستشهاد: إهمال "لات" لأنها دخلت على غير زمان، كما أشار المصنف؛ لأن "هنا" إسم إشارة إلى المكان البعيد، ومعلوم أن "لات" النافية العاملة عمل "ليس" لا تعمل إلا في أسماء الزمان، ولهذا، فإن محاولة إعمالها في "هنا" وهي على أصلها غير جائزة لأنها لا تعمل في المصدر أو اسم المكان، ولهذا أهملت سواء أتعلقت "هنا" بـ "ذكرى" أو بمحذوف الخبر المقدم؛ لأن "ذكرى" على الوجهين مبتدأ مرفوع كما أعربنا. - غير أن سيبويه والرضي وغيرهما من النحاة، ذهبوا إلى أن "هنا" التي تقع بعد "لات" في مثل هذا البيت ظرف زمان متعلق بخبرها المحذوف، وقد أضيف إلى ذكرى جبيرة، واسم "لات" محذوف، والتقدير: ليس الوقت وقت ذكرة جبيرة. 1 ذهب الكسائي، وأكثر الكوفيين، وأبو على الفارسي، وأبو الفتح بن جني، إلى جواز إعمال "إن" عمل ليس. وذهب الفراء، وأكثر أهل البصرة، إلى عدم جواز إعمالها، واختلف نقل العلماء عن سيبويه والمبرد، فنقل السهيلي الجواز عن سيبويه والمنع عن المبرد، ونقل النحاس العكس، فنسب الجواز إلى المبرد والمنع إلى سيبويه، ونقل ابن مالك الجواز عنهما، ثم قال ابن مالك: إن إعمال "إن" النافية عمل ليس مع جوازه نادر، وتبعه على هذا ابن هشام، وقال غير ابن مالك: إن عمل "إن" النافية عمل ليس أكثر من عمل لا. التصريح: 1/ 201، وانظر حاشية الصبان: 1/ 255. 2 تطلق على ما فوق أرض نجد إلى تهامة وإلى ما وراء مكة وما والاها.

خيرا من أحد إلا بالعافية" وكقراءة سعيد1: "إِنِ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادًا أَمْثَالُكُمْ"2، وقول الشاعر3: [المنسرح] 111- إن هو مستوليًا على أحد4

_ 1 هو سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الولاء، الكوفي، يكنى أبا عبد الله، ولد سنة 45هـ. وهو تابعي جليل، قرأ على عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وقرأ عليه أبو عمرو بن العلاء، خرج على بني أمية مع عبد الرحمن بن محمد الأشعث، فقتله الحجاج سنة 95هـ. سير أعلام النبلاء: 4/ 321، طبقات ابن سعد: 6/ 256، وفيات الأعيان: 2/ 371. 2 "7" سورة الأعراف، الآية: 194. أوجه القراءات: قرأ سعيد بن جبير بتخفيف "إن" ونصب "عبادا" و"أمثالكم". وقرأ الجمهور بتشديد "إن" ورفع "عباد" و"أمثالكم". توجه القراءات: قراءة الجمهور واضحة، وأما قراءة سعيد بن جبير، فإن "إن" عاملة عمل "ليس" على لغة أهل العالية والذين: اسمها، وعبادا: خبرها. انظر: المحتسب: 1/ 270، والبحر المحيط: 4/ 444. موطن الشاهد: "إن الذين..... عبادا أمثالكم". وجه الاستشهاد: إعمال "إن" عمل "ليس"، وحكم إعمالها جائز عند الكوفيين -ما عدا الفراء- وأجازه المبرد وابن السراج والفارسي من البصريين، وتبعهم ابن مالك في ألفيته. وانظر في إعراب الآية: البيان: 1/ 381، والعكبري: 1/ 167. 3 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه يروى على صور مختلفة، إحداها: إلا على أضعف المجانين الثانية: إلى على حزبه الملاعين الثالثة: إلا على حزبه المناحيس وهو من شواهد: التصريح: 1/ 201، والأشموني: "226/ 1/ 126"، وابن عقيل: "81/ 1/ 317" والمقرب: 19، والعيني: 2/ 113، وخزانة الأدب: 2/ 143، وهمع الهوامع: 1/ 125، والدرر اللوامع: 1/ 96، وشذور الذهب: "136/ 363". المفردات الغريبة: مستوليا: اسم فاعل من استولى على الشيء: أي تولاه وملك زمام التصرف فيه. المجانين: جمع مجنون، وهو الذي ذهب عقله.

[زيادة الباء في أخبار الحروف العاملة عمل ليس] : وتزاد الباء بكثرة في خبر ليس"1/ "وما"2، نحو: {أَلَيْسَ الْلهُ بِكَاْفً عَبْدَهُ} 3، ...

_ المعنى: ليس لهذا الرجل سلطان وولاية على أحد من الناس، إلا على أشد المجانين ضعفا. الإعراب: إن: نافية عاملة عمل "ليس". هو: اسمها مبني على الفتح في محل رفع. مستوليا: خبر منصوب، "على أحد": متعلق بـ "مستوليا". إلا أداة حصر، أو أداة استثناء مرفوع. "على أضعف": جار ومجرور بدل بعض من كل من "على أحد"، أو نقول: "جار ومجرور" واقع موقع المستثنى من الجار والمجرور السابق. المجانين: مضاف إليه. موطن الشاهد: "إن هو مستوليا". وجه الاستشهاد: إعمال "إن" عمل "ليس" على مذهب الكوفيين، ومن وافقهم من البصريين، وفي البيت شاهد آخر على أن "إن" النافية" مثل "ما" في كونها، لا تختص بالنكرات، كما تختص بها "لا" حيث جاء اسم "إن ضميرا بارزا، كما هو واضح، كما يستفاد من الشاهد أن انتقاض النفي بـ "إلا" بعد الخبر، لا يقدح في العمل، ولا يبطله. 1 بشرط ألا تكون أداة استثناء، وألا ينتقض النفي بإلا، ويكون الخبر مجرورا لفظا، منصوبا تقديرا، وقد تزاد الباء في الاسم، إذا تأخر إلى موضع الخبر، كقراءة بعضهم: "لَيْسَ الْبِرََّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُم" بنصب "البر"، وقول الشاعر: أليس عجيبا بأن الفتى ... يصاب ببعض الذي في يديه وهذا من الغريب، كما قال في المغني، ونظير ذلك، زيادتها في خبر المبتدأ المنفي بما، ولو كان قد تقدم على المبتدأ، ومنه قول الشاعر: لَوَ انَّك يا حسين خلقت حرا ... وما بالحر أنت ولا العتيقِ التصريح: 1/ 201، ومغني اللبيب: 149. 2 تزاد الباء في خبر "ليس" و"ما" عند البصريين؛ لرفع توهم الإثبات، فإن السامع قد لا يسمع أول الكلام، وعند الكوفيين؛ لتأكيد النفي، وهذا يكون خطابا لمن ينكر عدم قيام زيد، فيقول: إن زيدا لقائم، مثلا، فهذا يجاب بليس زيد بقائم. التصريح: 1/ 201. 3 "39" سورة الزمر، الآية: 36. موطن الشاهد: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ} . وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" زائدة في خبر "ليس"، وحكم مجيء هذه "الباء" جائز =

{وَمَا اللَّهُ بِغَافِل} 1، وبقلة في خبر "لا"2 وكل ناسخ منفي، كقوله3: [الطويل] 112- وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة ... بمغنٍ فتيلا عن سواد بن قاربِ4

_ = باتفاق وبكثرة، فهي تفيد تأكيد النفي، ومثل هذه الآية قوله تعالى: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} 88 سورة الغاشية، الآية: 32 وقوله جلت قدرته: {وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيد} 3 سورة آل عمران، الآية: 182. وقوله سبحانه: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِين} 6 سورة الأنعام، الآية: 53. وقد ورد مثل ذلك في الشعر العربي، فمنه قول عمرو بن قميئة: رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى ... فما بال من يرمَى وليس برامِ وقول الفرزدق: وليس كليبي إذا جن ليله ... إذا لم يجد ريح الأتان بنائم 1 "2" سورة البقرة، الآية: 74. موطن الشاهد: {مَا اللَّهُ بِغَافِلٍ} . وجه الاستشهاد: مجيء "ما" عاملة عمل ليس، ودخول "الباء" الزائدة على خبرها، كما في الآية السابقة، ونقول في الإعراب: الباء حرف جر زائد، و"غافل": اسم مجرور لفظا منصوب محلا، على أنه خبر "ما"، وأمثلة إعمال "ما" عمل ليس مع دخول الباء الزائدة على خبرها كثيرة، فمن الشعر العربي المحتج به قول الفرزدق: ما أنت بالحكم الترضى حكومته ... ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدلِ وقول عبيد بن الأبرص: ما الطرف مني إلى ما لست أملكه ... مما بدا لي بباغي اللحظ طماح وقول المتنبي: وما أنا بالباغي على الحب رشوة ... ضعيفٌ هوىً يبغي عليه ثواب انظر أوضح المسالك "تحقيق عبد الحميد": 1/ 293. 2 سواء كانت عاملة عمل "ليس" أو عمل "إن". 3 القائل: هو سواد بن قارب الأزدي، وقيل: الأسدي الدوسي، أو السدوسي: صحابي وفد على الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان كاهنا في الجاهلية، وقصة إسلامه أوردها البخاري في تاريخه، وله أخبار أخرى مع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه. الإصابة: 2/ 95. 4 تخريج الشاهد: هذا البيت من كلمة يخاطب بها الشاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبله، قوله: =

وقوله1: [الطويل]

_ = فأشهد أن الله لا شيء غيره ... وأنك مأمون على كل غائبِ وأنك أدنى المرسلين وسيلة ... إلى الله يابن الأكرمين الأطايبِ فمرنا بما يأتيك يا خير مرسَل ... وإن كان فيما جئت شيب الذوائبِ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 201، والأشموني: "216/ 1/ 23"، وابن عقيل "76/ 1/ 310" وهمع الهوامع: 1/ 127، 1/ 218 والدرر اللوامع: 1/ 101، 1/ 188، والعيني: 2/ 44، 3/ 417 ومغني اللبيب: "772" 548" "988/ 759". والسيوطي: 282. المفردات الغريبة: لا ذو شفاعة: لا صاحب شفاعة. قتيلا: هو الخيط الدقيق الذي يكون في شق النواة. المعنى: كن شفيعي -يا رسول الله- في اليوم الذي لا ينفعني فيه صاحب شفاعة نفعا ما، وذلك يوم القيامة. الإعراب: كن: فعل أمر ناقص، خرج إلى معنى التوسل، والاستعطاف، واسمه: ضمير مستتر وجوبا، تقديره: أنت. "لي": متعلق بقوله: "شفيعا" الآتي: شفيعا: خبر "كن" يوم متعلق بـ "شفيعا". لا: نافية تعمل عمل "ليس" ذو اسمها مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه من الأسماء الستة. شفاعة: مضاف إليه. بمغنٍ: الباء حرف جر زائد، مغن: خبر "لا" منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الياء المحذوفة؛ لالتقاء الساكنين، منع منها حركة حرف الجر الزائد. وفاعل "معين" ضمير مستتر يعود على "ذو" لأن "مغنٍ" اسم فاعل يأخذ فاعلا وينصب مفعولا. فتيلا مفعول به، أو نائب مفعول مطلق. "عن سواد" متعلق بـ "مغن". ابن: صفة لـ "سواد". قارب مضاف إليه. موطن الشاهد: "بمغن". وجه الاستشهاد: دخول الباء الزائدة على خبر "لا" النافية العاملة عمل "ليس"، وحكم دخولها على خبر "لا": الجواز مع القلة. فائدة: ذهب بعضهم إلى أن الباء الزائدة، كما تدخل في خبر "لا" العاملة عمل "ليس" فهي تدخل شذوذا في خبر "لا" العاملة عمل "إن" كما في قولهم: "لا خير بخير بعده النار"، وهذا شرط أن لا تجعل الباء بمعنى "في" وإلا؛ أي: إذا جعلت بمعنى "في" كانت أصلية وشبه الجملة متعلق بالخبر المحذوف، ولا زيادة ولا شذوذ. 1 القائل: هو الشنفرى الأزي: وأكثر الرواة على أن اسمه هو لقبه، وقيل اسمه: عمرو بن مالك الأزدي من قحطان، شاعر جاهلي، يماني، من فحول الطبقة الثانية، والشنفرى أحد فتاك العرب وعدائيهم ولصوصهم، وأحد الخلعاء الذين تبرأت منهم عشائرهم، وهو صاحب اللامية المشهورة. وقد قتله بنو سلامان. خزانة الأدب: 3/ 343، الأعلام: 5/ 85، الأغاني: 21/ 134، سمط اللآلي: 2413.

113- وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ... بأعجلهم........................1

_ 1 تخريج الشاهد: البيت بتمامه هو: وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ... بأعجلهم، إذ أجشع القوم أعجلُ والبيت من لاميته المشهورة، والتي مطلعها: أقيموا بني أمي صدور مطيكم ... فإني إلى قوم سواكم لأمْيَلُ والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 202، وابن عقيل "77/ 1/ 310"، والأشموني: "217/ 1/ 123" وهمع الهوامع: 1/ 127، والدرر اللوامع: 1/ 101، والعيني: 2/ 117، 4/ 51، ولامية العرب، ومغني اللبيب: "961/ 728"، وشرح السيوطي: 303، وقطر الندى: "76/ 253". المفردات الغريبة: بأعجلهم: أي: يعجلهم، فهو صفة مشبهة لا أفعل تفضيل. أجشع، الجشع، شدة الحرص على الطعام. المعنى: إذا تقدم القوم للطعام أو لاقتسام الغنائم، لم أتعجل ذلك، ولا أسبق غيري؛ لأن المتعجل شديد الحرص على ما يقدم عليه، ولست بحريص على السبق في هذا الميدان. الإعراب: إن شرطية جازمة. مدت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، وهو فعل الشرط، مبني على الفتح، في محل جزم، والتاء: للتأنيث، وحركت لالتقاء الساكنين، الأيدي: نائب فاعل. إلى الزاد" متعلق بـ "مدت" السابق. لم أكن: حرف جزم. أكن: فعل مضارع ناقص مجزوم، واسمه: أنا. بأعجلهم: الباء زائدة، أعجلهم: خبر "أكن" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وهو مضاف. و"هم" مضاف إليه. وجملة "لم أكن......." في محل جزم جواب الشرط. إذ: تعليلية، وهي: إما أنها حرف، لا محل لها، وإما أنها ظرف، فهي متعلقة بقوله: "أعجل" أجشع: مبتدأ، وهو مضاف، القوم: مضاف إليه. أعجل: خبر المبتدأ. موطن الشاهد: "بأعجلهم". وجه الاستشهاد: إدخال الباء الزائدة في خبر مضارع "كان" المنفي بـ "لم" وحكم إدخال الباء في الخبر هنا جائز مع القلة. وفي البيت دليل آخر على أن "أعجلهم" وإن كانت على صيغة أفعل التفعيل، لكن المراد منها معنى الصفة الخالية من التفضيل، وسيأتي الكلام مفصلا عليها في حينه. فائدة: لا تزاد الباء في خبر "لا تكون" الاستثنائية.

وقوله1: [الطويل] 114- فلما دعاني لم يجدني بقعدَدِ2

_ 1 القائل هو: دريد بن الصمة القشيري، "الصمة": هو معاوية الأصغر، من غزية بن جشم بن هوازن. ودريد، شاعر وفارس شجاع، وصاحب رأي في الجاهلية، ذكر أنه غزا مائة غزاة ما أخفق في واحدة منها، أدرك الإسلام، ولم يسلم، وخرج معه قومه مظاهرا المشركين في يوم حنين، فقتل، وهو يومئذ شيخ فان، بلغ من العمر عتيا. الشعر والشعراء: 2/ 749، تجريد الأغاني: 3/ 112، المعمرين: 21، الخزانة: 4/ 442، الأغاني: 9/ 2. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: دعاني أخي والخيل بيني وبينه وهو من كلمة جيدة، يرثي أخاه أبا فرعان، عبد الله بن الصمة. وهو من شواهد: التصريح: 1/ 202، والأشموني: "218/ 1/ 123"، وهمع الهوامع: 1/ 127، والدرر اللوامع: 1/ 101، والعيني: 2/ 121، وليس في الأصمعيات ولا في الحماسة. المفردات الغريبة: دعاني: أراد استصرَخَنِي، وطلب أن أغيثه. "والخيل بيني وبينه": أي حالت الموقعة واصطفاف الفرسان بيننا. القعدد: الرجل الجبان اللئيم الدنيء القاعد عن الحرب والمكارم. المعنى: استصرخني أخي، وطلب معونتي في الحرب، وقد حالت خيل الأعداء بفرسانها بيننا، فأجبته، ولم أجبن، ولم أتوانَ. الإعراب: دعاني: فعل ماضٍ، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به. أخي: فاعل، ومضاف إليه. والخيل: الواو حالية، الخيل: مبتدأ. "بيني" متعلق بمحذوف خبر، والياء: مضاف إليه. وبينه: الواو عاطفة. "بين" معطوف على "بين" الأولى، وجملة "الخيل بيني وبينه": في محل نصب على الحال. "لما" بمعنى "حين" في محل نصب بـ "يجدني" الآتي. دعاني: فعل ماضٍ، والفاعل: هو، يعود على أخي، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به، و"الجملة": في محل جر بالإضافة، بعد "لما". لم: جازمة نافية، يجدني: فعل مضارع مجزوم بـ "لم" والفاعل: هو: يعود إلى "أخى"، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به أول. بقعدد: الباء زائدة، قعدد: مفعول به ثان لـ "يجد" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل، بحركة حرف الجر الزائد. موطن الشاهد: "بقعدد".

وينذر في غير ذلك كخبر "إن" و"لكن" و"ليت" في قوله1: [الطويل] 115- فإنك مما أحدثَتْ بالمجرَِّب

_ وجه الاستشهاد: زيادة "الباء" في المفعول الثاني لـ "يجد" المنفي بـ "لم"، ومعلوم أن "يجد" من أخوات "يظن"، التي ماضيها "ظن"، أي: هو من النواسخ، والنواسخ تدخل على المبتدأ أو الخبر، كما هو معلوم، فـ "قعدد" أصلها: خبر، فالزيادة داخلة على ما أصله خبر في الشاهد. 1 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: فإن تنأ عنها حقبة لا تلاقها وهو من قصيدة طويلة للشاعر، مطلعها قوله: خليلي مرا بي على أم جندب ... لنقضي حاجات الفؤاد المعذب والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 202، والأشموني: "220/ 1/ 123" والعيني: 2/ 126، وهمع الهوامع: 1/ 127، والدرر اللوامع: 1/ 101، وديوان امرئ القيس: 42. المفردات الغريبة: تنأ: تبعد. عنها: أي أم جندب، التي ذكرها في مستهل القصيدة المجرب: اسم فاعل من التجربة، وهي الاختبار، والابتلاء بوساطة التكرر، ورواية فتح الراء المشددة على أنه مصدر ميمي أو اسم مكان. حقبة: مدة. والجمع: حقب والحقب: السنون. المعنى: إذا ابتعدت مدة عن أم جندب لا تراها فيها وغابت هي عنك، فلا تظن ذلك منها هجرا، أو قطعية، وإنما هي تريد أن تعرف مبلغ حبك لها وصدقك معها، وتلك عادتها، وقد جربت ذلك من قبل. الإعراب: إن شرطية جازمة. تنأ: فعل الشرط مجزوم، والفاعل: أنت. "عنها": متعلق بـ "تنأ". "حقبة": متعلق بـ "تنأ". لا: نافية. تلاقها: فعل مضارع مجزوم؛ لأنه بدل من "تنأ"، والفاعل: أنت، و"ها" مفعول به. فإنك: الفاء رابطة لجواب الشرط. إن: حرف مشبه بالفعل، والكاف: اسمها. "مما" حرف جر، و"ما" مصدرية، أو اسم موصول بمعنى الذي، وعليه فـ "مما": جار ومجرور، و"الجملة" بعده: لا محل لها، وعلى الأول: فـ "ما وما دخلت عليه": في تأويل مصدر، مجرور بـ "من"، و"الجار والمجرور": متعلق بـ "مجرب" الآتي، وعلى كلا التأويلين: فـ "من" بمعنى التعليل. بالمجرب: الباء حرف جر زائد، والمجرب: خبر "إن" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وجملة "إنك مما أحدثت بالمجرب": في محل جزم جواب الشرط.

وقوله1: [الطويل] 116- ولكنَّ أجرًا لو فعلتِ بهيِّنِ2

_ موطن الشاهد: "بالمجرب". وجه الاستشهاد: زيادة "الباء" في خبر "إن" وهو المجرب، وهذا نادر في اللغة، وزيادة "الباء" على جعل المجرب اسم فاعل، والمعنى كما أسلفنا فإنك الذي جرب ما أحدثته أم جندب. هذا؛ وذهب بعض العلماء إلى جعل "المجرب" بفتح الراء المشددة اسم مكان من التجربة، وعلى هذا التخريج، تكون "الباء" حرف جر أصلي، ويكون الجار والمجرور: متعلقا بالخبر المحذوف، والتقدير: فإنك كائن بمكان التجربة. وذهب آخرون: إلى أن "المجرب" اسم فاعل كما هي غير أن "الباء" حرف جر أصلي، وليست زائدة؛ لأنها تفيد هنا التشبيه، و"الجار المجرور": متعلق بالخبر المحذوف، كما في التخريج السابق، والتقدير: فإنك كائن مثل الشخص المجرب لها ولأفعالها. 1 لم ينسب إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: وهل يُنكَر المعروفُ في الناس والأجرُ؟ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 202، وهمع الهوامع: 1/ 127، والدرر اللوامع: 1/ 101، وشرح المفصل: 8/ 139، والخزانة: 4/ 160، والعيني: 2/ 134، واللسان "كفى". المفردات الغريبة: هين "بفتح الهاء وتشديد الياء" سهل خفيف، وأصله "هيون" مثل: سيد وميت: المعروف: الخير والعمل الطيب. المعنى: إن عمل المعروف والجزاء عليه هين وسهل لمن أراده، والناس لا ينكرون على صانع المعروف عمله والجزاء عليه، ولن يضيع أجره عند الله. الإعراب: لكن: حرف استدراك ونصب، أو حرف مشبه بالفعل أجرا: اسمه. لو: حرف شرط غير جازم. فعلت: فعل ماضٍ، والتاء: فاعله، وجملة "فعلت" شرط "لو" وجوابها محذوف، والتقدير: لو فعلت لنلت جزاء فعلك. بهين: الباء زائدة. هين: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا، على أنه خبر "لكن" هل: حرف استفهام. ينكر: فعل مضارع مبني للمجهول. المعروف: نائب فاعل "في الناس": معلق بـ "ينكر". والأجر: الواو عاطفة، والأجر: اسم معطوف على المعروف. موطن الشاهد: "لكن أجرا ... بهين". وجه الاستشهاد: زيادة "الباء" في خبر "لكن" المشددة النون، وحكم زيادة "الباء" في هذا الموضع أنه نادر.

وقوله1: [الطويل] 117- ألا ليت ذا العيش اللذيذ بدائم2

_ 1 القائل: هو الفرزدق: وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: يقول إذا اقلولى عليها وأقردتْ البيت من كلمة للفرزدق، يهجو فيها جرير بن عطية، وقومه بني كليب، ويعيرهم بأنهم يأتون الأتن، وقبل الشاهد، قوله: وليس كليبي إذا جن ليله ... إذ لم يجد ريح الأتان بنائمِ والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 202، والأشموني: "219/ 1/ 123"، وهمع الهوامع: 1/ 127، والدرر اللوامع: 1/ 101، والمنصف: 3/ 37، وأمالي ابن الشجري: 1/ 267، والعيني: 2/ 135، 149 واللسان "قرد، قلا"، والمغني "652/ 459" وفيه برواية: ألا أهل أخو عيش لذيد بدائم. وشرح السيوطي: 262، وديوان الفرزدق: 863. المفردات الغريبة: جن ليله: ستره وأظلم عليه. الأتان: أنثى الحمار، وجمعها أتن، مثل سحاب وسحب. اقلولى: فسره العيني: ارتفع، صاحب اللسان: انكمش. أقردت: ذلت وخضعت. المعنى: يقول الكلبي: إذا قضى مأربه من الأتان، وسكنت له: أتمنى دوام هذا العيش اللذيذ. الإعراب: يقول: فعل مضارع، والفاعل: هو، يعود إلى "كليبي" في البيت السابق عليه. إذا ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه، في محل نصب على الظرفية الزمانية. اقلولي: فعل ماضٍ، والفاعل هو. "عليها": متعلق بـ "اقلولى" و"ها" ضمير عائد إلى "الأتان" في محل جر بالإضافة وجملة "اقلولى عليها": في محل جر بالإضافة بعد "إذا" وأقردت" الواو عاطفة، أقردت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث، والفاعل: هي، يعود إلى الأتان، وجملة "أقردت": في محل جر؛ لأنها معطوفة على جملة في محل جر بالإضافة. ألا: حرف استفتاح وتنبيه. ليت حرف مشبه بالفعل. ذا: اسم إشارة، اسم "ليت". العيش: بدل من اسم الإشارة. اللذيذ: صفة لـ "العيش". بدائم: الباء حرف جر زائد، دائم: خبر "ليت" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وجملة "ليت وما دخلت عليه": في محل نصب مقول القول. موطن الشاهد: "ليت ذا العيش بدائم". وجه الاستشهاد: زيادة "الباء" في خبر "ليت"، وحكم زيادتها هنا أنها نادرة، ولا يكاد ينسج على منوالها.

وإنما دخلت في خبر "أن" في: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ} 1، لما كان: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ} في معنى "أو ليس الله".

_ 1 "46" سورة الأحقاف، الآية: 33. موطن الشاهد: {أَنَّ اللَّهَ....... بِقَادِرٍ} . وجه الاستشهاد: زيادة الباء في خبر "أنَّ" في الآية الكريمة ليس على الندرة؛ لأن القرآن الكريم منزه عن وقوع الندرة فيه، وإنما زيدت لأن المعنى: "أو ليس الله الذي خلق السموات" ومعلوم أن زيادة الباء في خبر "ليس" كثيرة. فائدتان: "أ": قد يجر المعطوف على الخبر الصالح للباء مع سقوطها. تقول: ليس المجاهد بمتأخر، وقاعد عن الفتك بالأعداء، ويسمى هذا عند النحويين بالعطف على التوهم، أي أن المتكلم توهم وجود الباء الزائدة، فعطف بالجر. ويندر هذا في غير خبر "ليس" و"ما"، وينبغي أن يقتصر ذلك على السماع. ويجوز كذلك النصب عطفا على محل المعطوف عليه. "ب": خير ما قيل في إعراب "حنت نوار ولات هنَّا حنت": أن "لات" حرف نفي مهمل، و"هنا" اسم إشارة للمكان منصوب على الظرفية خبر مقدم "حنت" فعل ماضٍ والتاء للتأنيث، والفاعل: هي، وقبلها "أن" مقدرة، والمصدر المؤول من أن المقدرة والجملة: في محل رفع مبتدأ مؤخر. حاشية الصبان. 1/ 256، 257، وانظر ضياء السالك: 1/ 251.

باب أفعال المقاربة

[باب أفعال المقاربة] : هذا باب أفعال المقاربة: [أفعال هذا الباب ثلاثة أنواع] : وهذا من باب تسمية الكل باسم الجزء1، كتسميتهم الكلام كلمة. وحقيقة الأمر أن أفعال الباب ثلاثة أنواع: ما وضع للدلالة على قرب الخبر، وهو ثلاثة: كاد، وأوشك، وكرب، وما وضع للدلالة على رجائه، وهو ثلاثة: عسى2، واخلولق، وحرى، وما وضع للدلالة على الشروع فيه، وهو كثير، ومنه: أنشأ، وطفق، وجعل، وعلق، وأخذ.

_ 1 الأولى أن يقول: من باب التغليب؛ لأن تسمية الكل باسم الجزء إنما تكون بإطلاق اسم الجزء على ما تركب منه، ومن غيره، كتسمية المركب كلمة، أما تسمية الأشياء المجتمعة من غير تركيب باسم بعض فيسمى تغليبا كما هنا. حاشية يس على التصريح: 1/ 203. 2 في "عسى" ثلاثة أقوال للنحاة. الأول: أنها فعل في كل حال، سواء اتصل بها ضمير الرفع أم ضمير النصب أم لم يتصل بها واحد منهما، وهو قول نحاة البصرة، ورجحه المتأخرون. الثاني: أنها حرف في جميع الأحوال، سواء اتصل بها ضمير الرفع أم لم يتصل بها، وهو قول جمهرة الكوفيين، وثعلب، وابن السراج. والثالث: أنها حرف إذا اتصل بها ضمير نصب، كما في قول صخر بن العود الحضرمي. ومنه قول الراجز: تقول بنتي: قد أنى أناكا ... يا أبتا علك أو عساكا ومنه قول عمران بن حطان الخارجي: ولي نفس تنازعني إذا ما ... أقول بها: لعلي أو عساني فهي في مثل هذه الشواهد حرف، وفعل فيما عدا ذلك، وهو قوله سيبويه شيخ النحاة. مغني اللبيب: 201.

[شرط عمل هذه الأفعال] : ويعملْنَ عمل "كان"، إلا أن خبرهن يجب كونه جملة1، وشذ مجيئه مفردا بعد "كاد" وعسى، كقوله2: [الطويل] 118- فأُبْتُ إلى فهم وما كدت آئبا3

_ 1 إنما وجب ذلك؛ لأن الحكم يتوجه إلى مضمون الجملة. 2 القائل: هو تأبط شرا، واسمه: ثابت بن جابر بن سفيان، وقيل ثابت بن عمسل، كان شاعرا بئيسا، يغزو على رجليه وحده. الشعر والشعراء: 1/ 312، الأغاني: 18/ 209، الخزانة: 1/ 66، الاشتقاق: 162. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: وكم مثلها فارقتها وهي تصفر والبيت من كلمة، اختارها أبو تمام في حماسته، وأولها قوله: إذا المرء لم يحتَلْ وقد جدَّ جدُّه ... أضاع وقاسى أمره وهو مدبر والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 203، وابن عقيل "58/ 1/ 325"، والأشموني: "231/ 1/ 128" وهمع الهوامع: 1/ 130، والدرر اللوامع: 1/ 107، والإنصاف: 544، وشرح المفصل: 7/ 13، 119 والعيني: 2/ 165، والخزانة: 3/ 54، 4/ 90، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: 83. المفردات الغريبة: أبت: رجعت. فهم: اسم قبيلته، وأبوها فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان، تصفر، تخلو، والمراد هنا تتأسف وتتحزن على إفلاتي منها بعد أن ظنوا أنهم قد قدروا عليَّ، وكان ذلك بعد أن أفلت من بني لحيان، وقد أحكموا خطة؛ ليوقعوا به عندما كان يشتار عسلا من فوق جبل. المعنى: رجعت إلى قبيلتي "فهم" وما كدت أعود إليها بعد مفارقتي لها، وكثير من القبائل مثلها تركتها وهي تتحسر وتتأسف على تركي لها. الإعراب: فأبت: الفاء عاطفة، أبت: فعل وفاعل. "إلى فهم": متعلق بـ "أبت". وما: الواو حالية "ما" نافية. كدت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: اسمه آئبا: خبر كاد، و"الجملة" في محل نصب على الحال وكم: خبرية، تفيد التكثير، في محل رفع مبتدأ. مثلها: مضاف إليه وهو تمييز كم" و"ها": مضاف إليه ثانٍ. فارقتها: فعل وفاعل ومفعول به، و"الجملة": في محل رفع خبر "كم". وهي: الواو حالية، والضمير بعدها مبتدأ تصفر: فعل مضارع، والفاعل: هي و"الجملة" في محل رفع خبر المبتدأ، وجملة "المبتدأ وخبره"، في محل نصب على الحال. موطن الشاهد: "وما كان آئبا". وجه الاستشهاد: عمل "كاد" عمل "كان" ومجيء خبرها اسما مفردا، وحكم مجيء خبر كاد اسما مفردا شاذ، لا يقاس عليه؛ لأن الأصل في خبرها أن يكون جملة فعلية، فعلها مضارع، وبعض النحاة أنكروا رواية البيت على الوجه السابق، وزعموا أن الرواية الصحيحة "وما كنت آئبا".

وقولهم: "عسى الغوير أبؤسا"1. وأما: {فَطَفِقَ مَسْحًا} 2، فالخبر محذوف، أي: يمسح مسحا.

_ 1 هذا مثل قالته العرب، وذكره الميداني في مجمع الأمثال: "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد": 2/ 17. وأصله: أن قوما كانوا في غار، فانهار عليهم، فماتوا جميعا، ثم تمثلت به الزباء ملكة الجزيرة، حين رجع إليها قصير ومعه الرجال والغوير: تصغير الغار، وهو اسم ماء لبني كليب. الأبؤس: جمع بؤس أو بأس، ومعناه: العذاب والشدة. والمعنى: لعل الشر يأتيكم من قبل الغوير، فصار مثلا يضرب للرجل يتوقع الشر من جهة بعينها. شرح التصريح: 1/ 204. موطن الشاهد: "عسى الغوير أبؤسا". وجه الاستشهاد: مجيء خبر "عسى" مفردا، وحكم هذا أنه شاذ، ولا يقاس عليه، كما في الشاهد السابق، وهذا تخريج سيبويه وأبي علي الفارسي، وذهب ابن الأعرابي، إلى أن "أبؤسا" منصوب بفعل محذوف، والتقدير: عسى الغوير يصير أبؤسا، وقدره الكوفيون: عسى الغوير أن يكون أبؤسا، وذهب آخرون إلى أن "أبؤسا": مفعول به لفعل محذوف، والتقدير: يأتي بأبؤس، وكان الصواب أن يقدر على هذا الوجه يأتي أبؤسا؛ لأن "أتى" يتعدى بنفسه؛ وأما ابن هشام فيرى أنه مفعول مطلق لعامله المحذوف، والتقدير: عسى الغوير يبأس أبؤسا. انظر شرح التصريح: 1/ 203-204. 2 "38" سورة ص، الآية: 33. موطن الشاهد: {طَفِقَ مَسْحًا} . وجه الاستشهاد: حذف عامل المفعول المطلق، وهو "يمسح" الواقع خبر لـ "طفق"، والذي جوز حذف العامل دلالة المصدر عليه، فأقيم مقامه، واسم "طفق" يعود إلى سليمان عليه السلام، وفي هذه الآية رد على ابن مالك، حيث قال: "وحذف عامل المؤكد امتنع". شرح التصريح: 1/ 204.

وشرط الجملة: أن تكون فعلية، وشذ مجيء بعد "جعل" في قوله1: [الوافر] 119- وقد جعلت قلوص بني سهيل ... من الأكوار مرتعها قريب2

_ 1 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 204، والأشموني: "233/ 1/ 128"، وهمع الهوامع: 1/ 130، والدرر اللوامع: 1/ 108، والخزانة: 4/ 92، والعيني: 2/ 170، والمغني: "423/ 310" والسيوطي: 206. المفردات الغريبة: قلوص: بفتح القاف: الشابة من النوق. بني سهيل: ويروى مكانه ابني سهيل، الأكوار: جمع كور وهو الرحل بأدواته، وقد يكون "الكور" بفتح الكاف: الجماعة من الإبل: مرتعها: المكان الذي ترعى فيه. المعنى: أخذت هذه النوق الفتية ترعى بالقرب من رحالها أو من جماعة الإبل التي تجاورها، وذلك لما بها من الإعياء والتعب، فلم تستطع البعد عن الرحال. الإعراب: جعلت: فعل ماضٍٍ من أفعال الشروع، يعمل عمل "كان"، والتاء: للتأنيث. قلوص: اسم جعل مرفوع. بني: مضاف إليه. سهيل: مضاف إليه ثانٍ. "من الأكوار": متعلق بـ "قريب" مرتعها: مبتدأ، و"ها": مضاف إليه. قريب: خبر مرفوع، وجملة "مرتعها قريب": في محل نصب على الحال. وذهب آخرون إلى أن "جعل" بمعنى "صار"، وليست من أفعال الشروع، وعليه، فـ "قلوص": اسم جعل، وجملة مرتعها قريب: خبر، ولا شاهد في البيت على هذين التخريجين. وانظر شرح التصريح: 1/ 204، وحاشية الصبان: 1/ 259-260.

وشرط الفعل ثلاثة أمور: أحدها: أن يكون رافعا لضمير الاسم1، فأما قوله2: [البسيط] 120- وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني ... ثوبي........................ 3

_ 1 أي: الاسم الذي لهذه الأفعال نحو: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} ، وذلك؛ لأن أفعال هذا الباب إنما جاءت؛ لتدل على أن مرفوعها هو الذي قد تلبس بالفعل، أو شرع فيه لا غيره، فلا بد في الفعل من ضمير يعود على المرفوع؛ ليتحقق ذلك. التصريح: 1/ 204. 2 القائل هو: عمرو بن أحمر الباهلي، شارع مجيد من مخضرمي الجاهلية والإسلام، يُعرَف بكثرة غريبه في الشعر، وبصحة كلامه؛ وذلك لأنه كان في أفصح بقعة من الأرض أهلا، وهذا الموضع هو "يذبل" جبل مشهور لباهلة، وكان عمرو أعور العين؛ وذلك لسهم أصابه في عينه، عمَّر تسعين سنة وسقي بطنه فمات. الشعر والشعراء: 1/ 356، والجمحي: 2/ 580، المؤتلف: 37، الخزانة: 3/ 38، اللآلي: 307. 3 تخريج الشاهد: البيت بتمامه هو: وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني ... ثوبي، فأنهض نهض الشارب السكر وهو من شواهد: التصريح: 1/ 204 برواية "الثمل"، والأشموني: "245/ 1/ 130" وهمع الهوامع: 1/ 128، 1/ 131، والدرر اللوامع: 1/ 102، 1/ 109، والخزانة: 4/ 93، "الثمل" والمقرب: 18، والعيني: 2/ 173، والمغني: "984/ 754" برواية "ثمل" والسيوطي: 308 وشذور الذهب: "87/ 252، 359". وقد ذكر الرواة بيتا مثله من كلام أبي حية النميري، وهو: وقد جعلت إذا ما قمت يوقعني ... ظهري، فقمت قيام الشارب السكر ويروى أيضا: وقد جعلت إذا ما نمت أوجعني ... ظهري وقمت قيام الشارف الظهر حاشية الصبان: 1/ 263. المفردات الغريبة: يثقلني: يجهدني ويتعبني، أنهض: أقوم، ومصدره النهض. السكر: صفة مشبهة بمعنى الثمل وهو الذي أخذ منه الشراب، وأضعف قواه. المعنى: جعلت إذا قمت يجهدني ويتعبني ثوبي الذي ألبسه؛ لِما بي من ضعف، فأقوم بمشقة، كما يقوم السكران الذي أخذ منه من الشراب وأضعف قواه. الإعراب: جعلت: فعل ماضٍٍ من أفعال الشروع، يعمل عمل "كان" والتاء: اسمه. إذا: ظرفية متضمنة معنى الشرط. ما زائدة. قمت: فعل ماضٍٍ وفاعل: يثقلني: فعل مضارع، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به. ثوبي: فاعل يثقل، وهو مضاف، =

وقوله1: [الطويل] 121- وأسقيه حتى كاد مما أبثّه ... تكلمني أحجاره وملاعبُهْ2

_ = والياء: مضاف إليه، وهذا الإعراب على الوجه الذي استشهد المؤلف بالبيت لإبرازه. فأنهض: الفاء عاطفة، أنهض: فعل مضارع، وفاعله مستتر وجوبا، تقديره: أنا: نهض: مفعول مطلق مبين لـ "النوع". ونهض: مضاف، والشارب: مضاف إليه. السكر: صفة لـ "الشارب" مجرورة. موطن الشاهد: "جعلت يثقلني ثوبي". وجه الاستشهاد: وقوع خبر "جعل" فعل مضارعا "يثقلني" وقد رفع اسما ظاهرا، هو "ثوبي" مضاف إلى ضمير عائد إلى اسم جعل كما يدل ظاهر البيت وذلك غير جائز عند النحويين؛ لأنهم يشترطون في أفعال الشروع أن تكون أخبارهم مضارعة رافعة لضمير مستتر يعود إلى الاسم، فكان عليه أن يقول: "جعلت أثقل". وذهب العلامة العيني إلى أن "جعلت" فعل واسمه، و"يثقلني": خبره وقوله: "ثوبي" بدل من اسم جعلت، بدل اشتمال، وليس فاعل يثقلني. انظر شرح الشواهد للعيني بذيل حاشية الصبان: 1/ 263-264. 1 القائل هو: ذو الرمة، غيلان بن عقبة، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا بيت من قصيدة طويلة للشاعر، مطلعها: وقفت على ربع لمية ناقتي ... فما زلت أبكي عنده وأخاطبه. وهو من شواهد: التصريح: 1/ 204، والأشموني: "244/ 1/ 130"، وهمع الهوامع: 1/ 131، والدرر اللوامع: 1/ 108، وكتاب سيبويه: 2/ 235، وشرح شواهد الشافية للبغدادي: 41، والعيني: 2/ 176، وديوان ذي الرمة: 38. المفردات الغريبة: أبثه: أظهر له بثي، والبث: شدة الحزن. ملاعبه: جمع ملعب، وهو مكان اللعب، والضمير عائد على ربع مية. المعنى: وقفت أسقي ربع مية بدموعي؛ أو أدعو له بالسقيا وأظهر ما عندي من أسى وألم وحزن، حتى كادت أحجاره وأماكن اللعب فيه تجيبني إشفاقا علي ورحمة بي. الإعراب: أسقيه: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا، و"الهاء" مفعول به. حتى: حرف غاية وجر. كاد: فعل ناقص، واسمه يعود إلى الأحجار والملاعب. "مما": متعلق بـ "تكلمني:" أبثه: فعل مضارع، والفاعل: أنا و"الهاء": مفعول به، وجملة "أبثه": صلة للموصول "ما" لا محل لها. تكلمني: فعل مضارع مرفوع، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به، والفاعل: هو، يعود إلى "أحجاره" الواقع بدلا من الضمير المستتر في "كاد" العائد إلى الربع؟ والأصل: كاد هو أحجاره وملاعبه تكلمني. موطن الشاهد: "كاد تكلمني أحجاره". وجه الاستشهاد: وقوع خبر كاد فعلا مضارعا رافعا الاسم الظاهر المضاف إلى ضمير الاسم، وهو كالشاهد السابق، ولذا أعربناه الإعراب الذي يتفق والقاعدة.

فثوبي وأحجاره بدلان من اسمي جعل وكاد، ويجوز في "عسى" خاصة أن ترفع السببيَّ1، كقوله2: [الطويل] 122- وماذا عسى الحجاج يبلغُ جُهْدَُهُ3

_ 1 المراد بالسببي: الاسم الظاهر المضاف إلى ضمير يعود على الاسم المرفوع بعسى، وانظر إلى قوله "جهده" في رواية الرفع، تجده اسما مرفوعا بعسى ظاهرا مضافا إلى ضمير يعود إلى الحجاج، وهو المرفوع بعسى. 2 القائل هو البرج التميمي. ولم أعثر له على ترجمة وافية. 3 تخريج الشاهد: البيت كما نسبه ياقوت للبرج التميمي، وكان الحجاج بن يوسف الثقفي قد ألزمه البعث إلى المهلب بن أبي صفرة لقتال الأزارقة، فهرب منه إلى الشام. وقد نسبه العيني، والشيخ خالد الأزهري إلى الفرزدق. انظر شرح العيني بذيل حاشية الصبان: 1/ 264 وشرح التصريح: 1/ 205، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 205، والأشموني: "246/ 130"، وهمع الهوامع: 1/ 131 والدرر اللوامع: 1/ 108، والعيني: 2/ 180، وليس في ديوان الفرزدق، والشاهد صدر البيت، وعجزه: إذا نحن جاوزنا حفير زياد المفردات الغريبة: جهده، الجهد: الطاقة والوسع. حفير زياد: هو موضع على خمس ليالٍ من البصرة. وزياد هو ابن أبي سفيان أخو معاوية، وكان واليا على العراق. المعنى: ما الذي يرجو الحجاج أن يناله منا إذا نحن جاوزنا هذا الموضع، وأصبحنا في أمن من اللحاق بنا؟ والاستفهام إنكاري أي: إنه لا يرجى له شيء مما يريد. الإعراب: ماذا: اسم استفهام في محل رفع مبتدأ، أو ما: في محل رفع مبتدأ، و"ذا" اسم موصول: خبر، وعلى هذا، فجملة "عسى": صلة للموصول، لا محل لها؛ لأن المعنى: ما الذي يقال فيه عسى؟، ومعلوم أن الإنشاء لا يقع صلة. عسى: فعل ماضٍ ناقص. الحجاج: اسمه. يبلغ فعل مضارع وفاعل. جهده: مفعول به، والهاء: مضاف إليه على رواية النصب. أما على رواية الرفع فجهده فاعل يبلغ مرفوع بالضمة الظاهرة، والهاء: مضاف إليهظ وجملة "يبلغ جهده": في محل نصب خبر "عسى". موطن الشاهد: "عسى الحجاج يبلغ جهده". وجه الاستشهاد: رفع المضارع الواقع خبرا لـ عسى وهو "يبلغ" اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير عائد إلى اسم عسى، وهو "جهده"، وهذا سائغ في "عسى" من دون أخواتها على رأي الجمهور، وبعضهم يرى أن "جهده" بالنصب مفعول "يبلغ" والفاعل يعود إلى الحجاج، فلا شاهد إذًا، على رواية النصب. وفي البيت شاهد آخر على مجيء خبر ليس فعلا مضارعا غير مقترن بـ "أن" المصدرية.

يروى بنصب "جهده" ورفعه. الثاني: أن يكون مضارعا1، وشذ في "جعل" قول ابن عباس2 رضي الله عنهما: "فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا"3. الثالث: أن يكون مقرونا بأن إن كان الفعل حرى أو اخلولق، نحو: "حرى زيد أن يأتي" و"اخلولقت السماء أن تمطر"4، وأن يكون مجردا منها إن كان الفعل دالا

_ 1 أي: في اللفظ والإعراب، ولكن معناه ماضٍٍ قريب من الحال في الزمن، مثل "كا" وأخواتها. 2 ابن عباس: هو أبو العباس، عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي، حبر الأمة وترجمان القرآن، وفقيه عصره، ولد سنة 3 ق. هـ، لازم النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه الأحاديث، شهد مع علي بن أبي طالب "الجمل" "وصفين"، وله في الصحيحين 1660 حديثا، ينسب إليه كتاب في تفسير القرآن، جمعه بعض أهل العلم، مات سنة 68هـ. سير أعلام النبلاء: 3/ 331، وفيات الأعيان: 3/ 62، البداية والنهاية: 8/ 295، الإصابة: 2/ 330. 3 قال ابن عباس ذلك مبنيا حال الناس عندما أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعوة. وأما الإعراب، فـ "جعل": فعل ناقص. الرجل: اسمه. إذا: ظرفية زمانية. لم: جازمة. نافية. يستطع: مضارع مجزوم، والفاعل هو، أن: حرف مصدري ونصب، يخرج: فعل مضارع منصوب، والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": في محل نصب مفعول به، والتقدير: لم يستطع الخروج. أرسل: فعل ماضٍٍ، والفاعل: هو رسولا: مفعول به، وجملة "أرسل رسولا": في محل نصب خبر "جعل". موطن الشاهد: "جعل الرجل........... أرسل رسولا". وجه الاستشهاد: مجيء خبر "جعل" فعلية، فعلها ماضٍ، وحكم مجيئه ماضيا شاذ ولا يقاس عليه. 4 المقصود بـ "أن" المقترن بها -هنا- أن المصدرية الناصبة وجوبا، وذلك للإشعار بأن الفعل السابق عليها، يفيد الرجاء في المستقبل، وأما خبر الفعل الناسخ السابق لها، فيكون مصدرا منسبكا من "أن وما دخلت عليه"، وفي هذه الحال، يحصل إشكال، وهو الإخبار بالمعنى عن الجثة، وهذا غير جائز، وللتخلص من هذا الإشكال؛ فإما أن يظل الأمر على ظاهره، ويقصد به المبالغة، وإما أن يقدر مضاف قبل أو بعد الناسخ، ففي نحو: عسى زيد أن يذهب، يكون التقدير: عسى زيد صاحب قيام، وهذا أفضل، وقيل: يغتفر في هذا الباب الإخبار بالمعنى عن الجثة. وانظر شرح التصريح: 1/ 206.

على الشروع1، نحو: {وَطَفِقَا يَخْصِفَان} 2، والغالب في خبر "عسى" و"أوشك" الاقتران بها، نحو: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} 3، وقوله:4 [الطويل] 123- ولو سُئِل الناسُ الترابَ لأوشكوا ... إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا5

_ 1 لأن الشروع في الفعل والأخذ فيه ينافيان الاستقبال الذي تفيده "أن". 2 "7" سورة الأعراف، الآية: 22، و"20" سورة طه، الآية: 121. موطن الشاهد: {طَفِقَا يَخْصِفَانِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "طفق" دالا على الشروع، ومجيء خبره "يخصفان" جملة فعلية، فعلها مضارع مجرد من "أن"، وحكم تجرُّد الخبر من "أن" مع أفعال الشروعِ الوجوبُ، ومعنى "يخصفان" في الآية الكريمة: يلصقان. 3 "17" سورة الإسراء، الآية: 8. موطن الشاهد: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} . وجه الاستشهاد: مجيء خبر عسى جملة فعلية، فعلها مضارع مقترن بـ "أن"، وحكم اقتران "أن" بالفعل المضارع الواقع جوابا لـ "عسى" الجواز مع التغليب. 4 لم ينسب إلى قائل معين. 5 تخريج الشاهد: يروى قبل البيت الشاهد قوله: أبا مالك، لا تسأل الناس والتمس ... بكفيك فضل الله، والله واسعُ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 206، والأشموني: "238/ 1/ 129" وابن عقيل: "89/ 1/ 332"، وهمع الهوامع: 1/ 130، والدرر اللوامع: 1/ 105، ومجالس ثعلب: 433، وأمالي الزجاجي: 197 والعيني: 2/ 182، واللسان: "وشك" وشذور الذهب: "127/ 353". المفردات الغريبة: لأوشكوا: لَقَربوا. يملوا: يسأموا ويضجروا. المعنى: لو سئل الناس إعطاء التراب وهو شيء تافهٌ لا قيمة له لكرهوا الطلب، وكادوا يمنعونه، إذا قيل لهم: هاتوا؛ وذلك لما طبعوا عليه من الحرص، أو لكراهة الطلب. الإعراب: لو: شرطية غير جازمة. سئل: فعل ماضٍٍ مبني للمجهول. الناس: نائب فاعل. التراب: مفعول به ثانٍ منصوب، والمفعول الأول انقلب نائب فاعل؛ لِبناء =

والتجرد قليل، كقوله1: [الوافر] 124- عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرجٌ قريبُ2

_ = الفعل للمجهول. لأوشكوا: اللام واقعة في جواب "لو"، أوشكوا: فعل ماضٍ ناقص، والواو: اسمه. إذا: ظرف متضمن معنى الشرط قيل: فعل ماضٍ مبني للمجهول، وهو فعل الشرط لـ "إذا"، ونائب الفاعل محذوف، والتقدير: قيل لهم، أو قيل القول. هاتوا: فعل أمر، والواو: فاعل، وجملة "هاتوا": مقول القول في محل نصب. أن: حرف مصدري ونصب. يملوا: فعل مضارع منصوب، وعلامة نصبه حذف النون، والواو: فاعل، و"المصدر المؤول": في محل نصب خبر "أوشك". ويمنعوا: معطوف على "يملوا". موطن الشاهد: "أوشكوا..... أن يملوا". وجه الاستشهاد: مجيء خبر "أوشك" فعلا مضارعا مقترنا بـ "أن" وحكم اقتران جواب "أوشك" بـ "أن" الجواز مع التغليب. وفي البيت شاهد آخر، على مجيء "أوشك" بصيغة الماضي، وفي هذا رد على من لا يجوز وقوعها إلا بصيغة المضارع. 1 القائل هو: هدبة بن خشرم العذري، شاعر إسلامي من أهل بادية الحجاز، توفي سنة 50هـ. الشعر والشعراء: 2/ 691، الاشتقاق: 320، الأغاني: 21/ 169، الخزانة: 4/ 81. 2 تخريج الشاهد: هذا بيت من قصيدة، قالها وهو في الحبس، وقد روى أكثر هذه القصيدة أبو علي القالي في أماليه، وروى أبو السعادات بن الشجري في حماسته أكثر مما رواه القالي، وأول هذه القصيدة: طربت وأنت أحيانا طروبُ ... وكيف وقد تعلَّاك المشيبُ؟ يجدَّ النأي ذكرك في فؤادي ... إذا ذهلت على النأي القلوبُ والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 206، وابن عقيل: "86/ 1/ 327"، والأشموني: "234/ 1/ 129" وهمع الهوامع: 1/ 130، والدرر اللوامع: 1/ 106، والكتاب لسيبويه: 1/ 478، والمقتضب: 3/ 70 والجمل للزجاجي: 209، والمرزباني: 483، وشرح المفصل: 7/ 117، 121، والمقرب: 17 والخزانة: 4/ 81، والعيني: 2/ 184، والمغني: "270/ 203" "983/ 754" وشرح السيوطي لأبيات المغني: 152. المفردات الغريبة: الكرب: الهمّ والغمّ. أمسيت: يروى بفتح التاء وضمّها، والمراد صرت. فرج: أي كشف للكرب والغم. المعنى: عسى هذا الخطب الذي ألم بي أن يكشفه الله تعالى عن قريب. الإعراب: عسى: فعل ماضٍٍ ناقص. الكرب: اسم عسى. الذي: صفة لـ "الكرب". أمسيت: فعل ماضٍٍ ناقص، والتاء: اسمه. "فيه" متعلق بالخبر المحذوف، =

وقوله1: [المنسرح] 125- يوشك من فر من منيته ... في بعض غراته يوافقها2

_ = وجملة "أمسيت فيه": صلة للموصول، لا محل لها. يكون: فعل مضارع ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه يعود إلى الكرب. "وراءه" متعلق بخبر مقدم محذوف، وهو مضاف، و"الهاء": مضاف إليه. فرج: مبتدأ مؤخر مرفوع. قريب: صفة لـ "فرج"، وجملة "وراءه فرج": في محل نصب خبر "يكون"، وجملة "يكون وراءه فرج قريب": في محل نصب خبر "عسى". موطن الشاهد: "يكون وراءه......". وجه الاستشهاد: مجيء خبر "عسى" جملة فعلية، فعلها مضارع مجرَّد من "أن"، وحكم مجيئه مجردا منها الجواز مع القلة. فائدة: في الشاهد السابق، لا يجوز أن نعرب "فرج" "يكون" و"وراءه" متعلق بخبر محذوف تقدم عليه؛ لأن ذلك، يقتضي أن يرفع المضارع الواقع خبرا لـ عسى" اسما ظاهرا، وهو ممتنع بالإجماع. انظر شرح التصريح: 1/ 206. 1 القائل هو: أمية بن أبي الصلت، واسم أبيه عبد الله بن أبي ربيعة الثقفي رغب في جاهليته عن عبادة الأوثان، ولم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث بعث، كان شعره بأحاديث أهل الكتاب، قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم حين أنشد شعره: "آمن لسانه وكفر قلبه" مات سنة: 5هـ. الشعر والشعراء: 1/ 459، الأغاني: 3/ 179، الخزانة: 1/ 118، شعراء الجاهلية: 219-237. 2 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 207، وابن عقيل: "90/ 1/ 333"، والأشموني: "239/ 1/ 129" وهمع الهوامع: 1/ 129، 1/ 130، والدرر اللوامع: 1/ 103، 1/ 106، والكتاب لسيبويه: 1/ 479 والكامل للمبرد: 43، وشرح المفصل: 7/ 126، والمقرب: 17، والعيني: 2/ 187 وحاشية الدمنهوري: 87، 91، 96، وشذور الذهب: "129/ 355"، وديوان أمية: 42. المفردات الغريبة: منيته، المنية: الموت. غراته، جمع غرة، بكسر الغين: وهي الغفلة. يوافقها: يصيبها، ويقع عليها. المعنى: إن من فر وهرب من الموت جبنا وخوفا في حرب أو نحوها يقرب أن يدركه الموت، وينزل به في بعض غفلاته. الإعراب: يوشك: فعل مضارع ناقص. مَن: اسم موصول، في محل رفع اسم "يوشك". فر: فعل ماضٍ، والفاعل: هو. وجملة "فر": صلة للموصول، لا محل لها. "من منيته": متعلق بـ "فر"، والهاء: مضاف إليه "في بعض": متعلق بـ "يوافقها". غراته: مضاف إليه، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه. يوافقها: فعل مضارع، والفاعل: هو، و"ها" مفعول به، وجملة "يوافقها": في محل نصب خبر "يوشك". موطن الشاهد: "يوشك من....... يوافقها". وجه الاستشهاد: مجيء خبر "يوشك" جملة فعلية، فعلها مضارع مجرد من "أن"، وحكم تجرده منها الجواز مع القلة.

وكاد وكرب بالعكس1، فمن الغالب قوله تعالى: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُون} 2، وقول الشاعر3: [الخفيف] 126- كرب القلب من جواه يذوب4

_ 1 أي: يغلب في خبرهما التجرد من "أن"؛ وذلك لأنهما يدلان على شدة مقاربة الفعل، فأشبها أفعال الشروع واقترانهما بأن في النادر بالنظر لأصلهما. التصريح: 1/ 207. 2 "2" سورة البقرة، الآية: 71. موطن الشاهد: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} . وجه الاستشهاد: مجيء خبر "كاد" جملة فعلية، فعلها مضارع مجرد من "أن" وحكم مجيئه مجردا منها الجواز مع التغليب. 3 الشاعر: هو الكلحبة اليربوعي، ويقال له: العريني، واسمه هبيرة بن عبد مناف بن عرين من بني تميم وساداتها، ويعرف بفارس العرادة. الخزانة. 1/ 392، الاشتقاق: 226. 4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: حين قال الوشاة: هند غضوب. ينسب البيت أيضا إلى رجل من طيء، وهو من شواهد، التصريح: 1/ 207، وابن عقيل: "91/ 1/ 335"، والأشموني: "242/ 1/ 130"، وهمع الهوامع: 1/ 130، والدرر اللوامع: 1/ 105، والعيني: 2/ 189، وشذور الذهب: "130/ 356". المفردات الغريبة: جواه: الجوى، شدة الوجد. الوشاة، جمع واشع، من وشى به إذا نم عليه. ويروى: حين قال العذول: وهو اللائم في المحبة. غضوب: فعول بمعنى فاعل، وهي صفة من الغضب. المعنى: قرب قلبي من شدة وجده وحزنه وحرقته يسيل، حين قال الساعون المفسدون بين الأحبة. هند غاضبة عليك. الإعراب: كرب: فعل ماضٍ ناقص. القلب: اسمه. "من جواره" متعلق بـ "يذوب" الآتي، أو بقوله "كرب" والهاء: مضاف إليه. يذوب فعل مضارع، والفاعل: هو، وجملة "يذوب": في محل نصب خبر كرب. "حين": متعلق بـ "يذوب". قال: فعل =

ومن القليل، قوله1: [الخفيف] 127- كادت النفس أن تفيض عليه2

_ = ماضٍٍ. الوشاة: فاعل. هند: مبتدأ. غضوب: خبره، وجملة "هند غضوب": في محل نصب مقول القول، وجملة "الفعل وفاعله ومفعوله" في محل جر بالإضافة. موطن الشاهد: "كرب القلب...... يذوب". وجه الاستشهاد: مجيء خبر "كرب" جملة فعلية، فعلها مضارع مجرد من "أن"، وحكم مجيئه مجردا منها الجواز مع التغليب. 1 القائل: هو محمد بن مناذر، أبو ذريح، وقيل أبو جعفر، أحد شعراء البصرة، كان مولى لنبي يربوع، أدرك المهدي العباسي ومدحه، وكان كثير المعرفة يجالس سفيان بن عيينة أحد الفقهاء المشهورين فيسأله سفيان عن غريب الحديث ومعانيه. مات في أيام المأمون. الشعر والشعراء: 2/ 869-871، الأغاني: 17/ 9-30، معجم الأدباء: 19/ 55. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: إذ غدا حشو ريطةٍ وبرودِ البيت من قصيدة لابن مناذر، يرثي فيها رجلا اسمه عبد المجيد بن عبد الوهاب الثقفي، وكان ابن مناذر يحبه، ويشغف به، وكان الآخر يحب ابن مناذر، ويعينه على دنياه. وأول هذه القصيدة قوله: ما لحي مؤمل من خلودِ ... كل حي لاقى الحمام فَمُودِ وقبل الشاهد قوله: إن عبد المجيد يوم توفي ... هَدَّ رُكنًا ما كان بالمهدودِ ليت شعري وهل درى حاملوه ... ما على النعش من عفاف وجودِ والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 207، وابن عقيل: "88/ 1/ 330"، والأشموني: "235/ 1/ 129"، والشذور: "131/ 357"، والمغني: "1123/ 868"، وشرح السيوطي: 321. المفردات الغريبة: تفيض: من فاضت نفس فلان، وهي لغة تميم، ويروى مكانه "تفيظ" على لغة قيس وكل الرواة يجيزون أن تقول: فاظت نفسه، إلا الأصمعي، فأبى أن تقول إلا: فاظ فلان، أو تقول: فاضت نفس فلان، ريطة "بفتح الراء": الملاءة إذا كانت قطعة واحدة، وأراد بها الأكفان التي يلف بها الميت. المعنى: قاربت النفس أن تخرج من جسدها، حزنا على هذا الميت، حين صار مدرجا في أكفانه.

وقوله1: [الطويل] 128- وقد كربت أعناقها أن تقطعا2 ولم يذكر سيبويه في خبر كرب إلا التجرد من أن.

_ الإعراب: كادت النفس: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: للتأنيث. النفس: اسم "كاد" مرفوع. أن: حرف مصدري ونصب. تفيض: فعل مضارع منصوب لـ "أن" والفاعل: هي، وجملة "تفيض": صلة للموصول الحرفي، لا محل لها، والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": في محل نصب نصب خبر "كاد". "عليه" متعلق بـ "تفيض". إذ: ظرف للزمان الماضي، متعلق بـ "تفيض". غدا: فعل ماضٍٍ بمعنى صار، واسمه، ضمير مستتر جوازا، تقديره: هو، يعود إلى المرثي. حشو: خبر "غدا" منصوب، وهو مضاف. ريطة: مضاف إليه. وبرود: معطوف على ريطة مجرور مثله. موطن الشاهد: "أن تفيض". وجه الاستشهاد: اقتران خبر "كاد" بـ "أن" وحكم اقتران خبرها بها الجواز مع القلة كما في المتن. 1 القائل: هو أبو هشام بن زيد الأسلمي. ولم أعثر له على ترجمة وافية. 2 هذا عجز بيت، وصدره قوله: سقاها ذوو الأحلام سجلا على الظما وهو من كلمة للشاعر يهجو فيها إبراهيم بن اسماعيل بن المغيرة والي المدينة من قبل هشام بن عبد الملك بن مروان، وكان قد مدحه من قبل، فلم ترقه مدحته فلم يعطه، وأمر به فضرب بالسياط، وأول هذه الكلمة: مدحت عروقا للندى مصت الثرى ... حديثا، فلم تهمم بأن تترعرعا نقائذ بؤس ذاقت الفقر والغنى ... وحلَّبت الأيامَ والدهر أضرُعا والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 207، وابن عقيل: "92/ 1/ 335"، والأشموني: "241/ 1/ 130"، وهمع الهوامع: 1/ 30، والدرر اللوامع: 1/ 105، والمقرب: 17 وشذور الذهب: "132/ 358". المفردات الغريبة: الأحلام: العقول، جمع حلم. سجلا: دلوا عظيمة. الظمأ: العطش. الأعناق: جمع عنق وهو الرقبة. المعنى: إن هذه العروق التي مدحتها فردتني، إنما هي عروق ظلت في الضر والبؤس، حتى أنقذها ذوو أرحامها بعد أن أوشكت أن تموت؟ ويقصد بذوي الأرحام بني مروان ويريد الشاعر أن يقول: إن الذين مدحتهم حديثو عهد بالنعمة واليسار، ومثل هؤلاء لا يرتجى خيرهم.

[أفعال المقاربة ملازمة لصيغة الماضي إلا أربعة] : وهذه الأفعال ملازمة لصيغة الماضي، إلا أربعة استعمل لها مضارع، وهي "كاد" نحو: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} 1، وأوشك، كقوله: يوشك من فر من منيته2 وهو أكثر استعمالا من ماضيها، و"طفق"، حكى الأخفش: طفق يطفق كضرب يضرب، وطفق يطفق كعلم يعلم، و"جعل"، حكى الكسائي: "إن البعير ليهرم حتى يجعل إذا شرب الماء مجه". [استعمال اسم فاعل ثلاثة منها] : واستعمل اسم فاعل لثلاثة، وهي: "كاد" قاله الناظم، وأنشد عليه3: [الطويل]

_ = الإعراب: سقاها: فعل ماضٍ، ومفعول به أول. ذوو: فاعل مرفوع. الأحلام: مضاف إليه. سجلا: مفعول به ثانٍ منصوب. "على الظما": متعلق بـ "سقاها". وقد: الواو حالية. قد: حرف تحقيق. كربت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: للتأنيث. أعناقها: اسم كَرُبَ، و"ها" مضاف إليه. أن: حرف مصدري ونصب. تقطعا: فعل مضارع، حذفت إحدى تاءيه تخفيفا، منصوب وعلامة نصبه حذف النون، والألف للإطلاق، والفاعل: ني، والمصدر المؤول في محل نصب خبر "كرب"، الجملة من "كرب واسمها وخبرها": في محل نصب على الحال. موطن الشاهد: "أن تقطعا". وجه الاستشهاد: مجيء خبر "كرب" مضارعا مقترنا بـ "أن" وحكم هذا الاقتران جائز مع القلة، وفي الشاهد رد على سيبويه الذي لم يحك فيه غير التجرد، فالبيت حجة عليه، ومثل هذا الشاهد، قول العجاج: لقد برئت أو كربت أن تبورا ... لما رأيت بيهسا مثبورا فاقترن جواب كرب بـ "أن" وهو قليل نادر، كما أسلفنا. 1 "24" سورة النور، الآية: 35. موطن الشاهد: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} . وجه الاستشهاد: استعمال مضارع "كاد" الناقصة، واستعمال مضارعها جائز شائع في لغة العرب، وزيت: اسمها، وجملة "يضيء": في محل نصب خبرها. 2 مر تخريج هذا الشاهد، والتعليق عليه. 3 هذا البيت لكثير بن عبد الرحمن المعروف بكثير عِزَّة، يكنى أبا صخر، ويعرف بابن أبي جمعة، وهو جده لأمه، وكثير شاعر فحل من شعراء الطبقة الأولى، وأحد شعراء الغزل في عصره، عرف بحبه لعزة وتغزله بها، على الرغم من قبحها، وكان أحمق، غاليا في التشيع، ورافضيا، اتصل بعبد الملك بن مروان، فأكرمه. مات سنة 150هـ. الشعر والشعراء: 1/ 503، تجريد الأغاني: 3/ 1008، الجمحي: 1/ 121، الخزانة: 2/ 376. اللآلي: 61.

129-............ وإنني ... يقينا لرهن بالذي أنا كائد1.

_ 1 تخريج الشاهد: البيت من قصيدة طويلة في رثاء عبد العزيز بن مروان أبي أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز الخليفة العادل. وتمام البيت قوله: أموت أسى يوم الرجام، وإنني ... يقينا لرهن بالذي أنا كائد وقبل البيت الشاهد قوله: وكدت وقد سالت من العين عبرة ... سها عاند منها وأسبل عاند قذيت بها والعين سهو دموعها ... وعوارها في باطن الجفن زائد فإن تركت للكحل لم يترك البكى ... وتشري إذا ما حثحثتها المزاود والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 208، وابن عقيل: "94/ 1/ 339"، والأشموني: "249/ 1/ 131، وهمع الهوامع: 1/ 129، والدرر اللوامع: 1/ 104، والعيني: 2/ 98، وديوان كثير: 2/ 114. المفردات الغريبة: الأسى: الحزن وشدة اللوعة. الرجام: اسم موضع حدثت فيه موقعة. اليقين: العلم والجزم. رهن مرهون المعنى: كدت أموت من الحزن واللوعة في هذا اليوم الذي غاب فيه عبد العزيز، وإنني لمرهون ومحبوس، بالذي لا بد عما قريب سيكون، فالموت أمر لا مفر منه. الإعراب: أموت: فعل مضارع وفاعل. أسى مفعول له، ويجوز أن يكون حالا بتقدير: آسيا، أي: حزينا، وبعضهم أعربه: تمييزا، والأول أفضل. "يوم": متعلق بـ "أموت". الرجام: مضاف إليه. وإنني: الواو حالية، إن: حرف مشبه بالفعل، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب اسمها. يقينا: مفعول مطلق لفعل محذوف، لرهن: اللام لام المزحلقة، رهن: خير "إن" مرفوع. "بالذي" متعلق بـ "رهن" أنا مبتدأ. كائد: خبر، وجملة "أنا كائد": صلة للموصول، لا محل لها، واسم كائد: ضمير مستتر وجوبا تقديره: أنا، وخبره محذوف، والتقدير: ألقاه، والهاء المحذوفة في محل نصب مفعول به، وهذه الهاء هي العائد إلى الاسم الموصول. موطن الشاهد: "أنا كائد". وجه الاستشهاد: استعمال "كائد" اسم الفاعل من "كاد" على هذه الرواية غير أن المؤلف صوب رواية "كابد" بالباء، من المكابدة، وعلى تلك الرواية فلا شاهد فيه، وقد اعتمد تلك الرواية ابن السكيت في شرح ديوان كثير عزة. انظر شرح التصريح: 1/ 208.

و"كرب" قال جماعة، وأنشدوا عليه1: [الكامل] 130- أبُنِيَّ إن أباك كارب يومه2

_ 1 هذا البيت لعبد قيس بن خفاف البرجمي، أحد بني عمرو بن حنظلة، شاعر تميمي جاهلي وفحل مجيد، وهو من شعراء المفضليات، والبرجمي، أي: من البراجم، وهو بطون من أولاد حنظلة بن مالك بن تميم. الأعلام: 4/ 49، سمط اللآلي: 937. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: فإذا دعيت إلى المكارم فاعجلِ وبعده قوله: أوصيك إيصاء امرئ لك ناصح ... طبن بريب الدهر غير مغفل والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 208، والأشموني: "250/ 1/ 131"، ونوادر أبي زيد الأنصاري: 114، والعيني: 2/ 202، والمفضليات، للمفضل الضبي: 384، والأصمعيات: 229. المفردات الغريبة: كارب يومه: قريب يوم وفاته. المكارم: جمع مكرمة، وهي الخصلة من خصال البر. المعنى: يوصي الشاعر ابنه، فيقول: اعلم يا بني أن أباك قريب يوم وفاته وانتهاء حياة الدنيا، فإذا دعيت إلى فعل المكرمات وعمل البر فأسرع إلى ذلك، ولا تتأخر. الإعراب: أبني: "الهمزة" حرف نداء، بني: منادى مضاف منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة للياء، والياء: مضاف إليه. إن: حرف مشبه بالفعل. أباك: اسم إن منصوب، وعلامة نصبه الألف؛ لأنه من الأسماء الستة، والكاف: مضاف إليه. كارب: خبر "إن" مرفوع. يومه: مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل إلى ظرفه، واسم "كارب": ضمير مستتر، تقديره: هو. والخبر محذوف، والتقدير: كارب هو في يومه يموت. موطن الشاهد: "كارب يومه". وجه الاستشهاد: استعمال اسم فاعل "كرب" الناقصة على زعم جماعة من النحاة. كما أعربنا الشاهد، والتقدير: كارب هو في يومه يموت، فالخبر محذوف، غير أن الجوهري وبعض النحاة وتبعهم المؤلف، يذهبون إلى أن "كارب" في البيت اسم =

و "أوشك"، كقوله1: [الوافر] 131- فإنك موشكٌ أن لا تراها2

_ = فاعل لـ "كرب" التامة، لا الناقصة، وهو لا يحتاج إلى اسم وخبر، وإنما هو محتاج إلى فاعل وحسب، وعلى هذا فهو مضاف إلى فاعله، في قوله: "كارب يومه". وانظر شرح التصريح: 1/ 208. فائدة: بني: تصغير "ابن" مضاف إلى ياء المتكلم، وقد دخلت عليه همزة النداء، وأصله قبل الإضافة "بنيو" فاجتمع الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فانقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، ثم أضيفت إلى المتكلم، فاجتمع ثلاث ياءات، فحذفت الثانية منهن، التي هي لام الكلمة، ولم تحذف الأولى؛ لأنها ياء التصغير، وقد أتى بها لغرض خاص، ولم تحذف الثالثة، التي هي ياء المتكلم؛ لأنها كلمة برأسها. انظر أوضح المسالك "تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد": 1/ 320. 1 القائل: هو كثير بن عبد الرحمن، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه، قوله: وتعدو دون غاضرةَ العوادي وهو من قصيدة لكثير، يشبب فيها بغاضرة، جارية أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان أخت عمر بن عبد العزيز. وهو من شواهد: التصريح: 1/ 208، والأشموني: "248/ 1/ 131"، وهمع الهوامع: 1/ 129، والدرر اللوامع: 1/ 104، والعيني: 2/ 205، وليس في ديوان كثير. المفردات الغريبة: العوادي: عوائق الدهر وغوائله التي تعدو على الإنسان، واحدها: عادية. المعنى: إن القريب إلى الفعل والغالب أنك لا ترى غاضرة، وأن تحول دون رؤيتها موانع وعوائق، لا تستطيع التغلب عليها. الإعراب: إنك: حرف مشبه، واسمه. موشك: خبر: "إن" مرفوع، وهو اسم فاعل من أوشك، واسمه: أنت. ألا: أن مصدري ونصب، ولا: نافية. تراها: فعل مضارع منصوب بـ "أن" والفاعل: أنت، و"ها" مفعول به، وجملة "تراها": صلة للموصول الحرفي، والمصدر المؤول، في محل نصب خبر "موشك" على الوجه المراد من الاستشهاد بالبيت، تعدو: فعل مضارع مرفوع "دون": متعلق بـ "تعدو". غاضرة مضاف إليه. العوادي: فاعل مرفوع. موطن الشاهد: "موشك". وجه الاستشهاد: استعمال اسم الفاعل "موشك" من أوشك الناقصة، وإعماله عمل فعله، فرفع الاسم، وهو الضمير المستتر فيه، ونصب الخبر، وهو المصدر المؤول من "أن وما بعدها" وما يدل على عمله عمل فعله اقتران خبره بـ "أن" المصدرية كذلك.

والصواب أن الذي في البيت الأول كابد، بالباء الموحدة، من المكابدة والعمل، وهو اسم غير1 جارٍ على الفعل، وبهذا جزم يعقوب2 في شرح ديوان كثير. وأن كاربا في البيت الثاني اسم فاعل كرب التامة3 في نحو قولهم: "كرب الشتاء" إذا قرب، وبهذا جزم الجوهري4. [استعمال مصدر طفق وكاد] : واستعمل مصدر لاثنين، وهما: "طفق، وكاد" حكى الأخفش: طفوقا عمن قال: طفق بالفتح، وطفقا عمن قال: طفق بالكسر، وقالوا: كاد كودا ومكادا ومكادة. [اختصاص عسى واخلولق وأوشك باستغنائها عن الخبر] : وتختص "عسى" و"اخلولق" و"أوشك" بجواز إسنادهن إلى "أن يفعل"

_ 1 فعل المكابدة هو "كابد" مثل: قاتل وشارك، واسم فاعل هذا الفعل هو "مكابد" هل: مقاتل؛ لِهذا كان "كابد" غير جار على قياس الفعل المستعمل. 2 هو أبو يوسف، يعقوب بن السكيت، وقد مرت ترجمته، وقد ورد في بعض النسخ "ابن يعقوب" وليس بشيء. 3 وعليه، فلا يحتاج إلى اسم وخبر، وإنما يحتاج إلى فاعل، وحسب. 4 الجوهري: هو الإمام اللغوي، أبو نصر الفارابي: إسماعيل بن حماد الجوهري، صاحب كتاب الصحاح في اللغة، كان من أعاجيب الزمان ذكاءً وفطنةً وعلمًا، طاف البلاد، ودخل العراق، وقرأ على أبي علي الفارسي والسيرافي، له فضلا عن الصحاح المشهور كتاب في العروض، ومقدمة في النحو: مات سنة 393هـ. البلغة: 36، بغية الوعاة، 1/ 446ن إنباه الرواة: 1/ 491، معجم المؤلفين: 2/ 267.

مستغنى به عن الخبر1، نحو: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا} 2، وينبني على هذا فرعان. أحدهما: أنه إذا تقدم على إحداهن اسم هو المسند إليه في المعنى وتأخر عنها "أن" والفعل نحو: "زيد عسى أن يقوم"، جاز تقديرها خالية من ضمير ذلك الاسم، فتكون مسندة إلى "أن" والفعل مستغنى بهما عن الخبر، وجاز تقديرها مسندة إلى الضمير، وتكون "أن" والفعل في موضع نصب على الخبر. ويظهر أثر التقديرين في التأنيث والتثنية والجمع، فتقول على تقدير الإضمار "هند عست أن تفلح" و"الزيدان عسيا أن يقوما" و"الزيدون عسوا أن يقوموا" و"الهندات عسين أن يقمن"، وتقول على تقدير الخلو من الضمير "عسى" في الجميع، وهو الأفصح، قال الله تعالى: {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُن} 3. الثاني: أنه إذا ولي إحداهن "أن" والفعل وتأخر عنهما اسم هو المسند إليه في المعنى، نحو: "عسى أن يقوم زيد"، جاز في ذلك الفعل أن يقدر خاليا من الضمير، فيكون مسندا إلى ذلك الاسم، وعسى مسندة إلى أن والفعل مستغنىً بهما عن الخبر،

_ 1 أي: تكون تامة، لا تحتاج إلى خبر، والمصدر المؤول من "أن والفعل" بعدها: فاعل لها، ويشترط في هذه الحال أن يكون مرفوع المضارع ضميرا يعود إلى اسم سابق، ويرى الناظم "ابن مالك" وبعض النحاة: أنها في هذه الحالة ناقصة، والمصدر المؤول من "أن والفعل" سد مسد المعمولين. 2 "2" سورة البقرة، الآية: 216. موطن الشاهد: {عَسَى أَنْ تَكْرَهُوا} . وجه الاستشهاد: مجيء عسى "تامة" والمصدر المؤول من "أن وما بعدها" في محل رفع فاعل لـ "عسى". 3 "49" سورة الحجرات، الآية: 11. موطن الشاهد: {عَسَى أَنْ يَكُونُوا} ، {عَسَى أَنْ يَكُنَّ} . وجه الاستشهاد: مجيء "عسى" تامة، و"أن وما بعدها" في محل رفع فاعل في الموضعين، وهذا الوجه الأفضل.

وأن يقدر1 متحملا لضمير ذلك الاسم، فيكون الاسم مرفوعا بعسى، وتكون "أن" والفعل في موضع نصب على الخبرية، ومنع الشلوبين2 هذا الوجه؛ لضعف هذه الأفعال عن توسُّط الخبر، وأجازه المبرد3 والسيرافي4 والفارسي5. ويظهر أثر الاحتمالين أيضا في التأنيث والتثنية والجمع، فتقول على وجه الإضمار: "عسى أن يقوما أخواك" و"عسى أن يقوموا إخوتك" و"عسى أن يقمن نسوتك" و"عسى أن تطلع الشمس" بالتأنيث لا غير6 وعلى الوجه الآخر توحِّدُ

_ 1 أي الفعل المنصوب بأن المصدرية. 2 الشلوبين: هو أبو علي: عمر بن محمد الأشبيلي الأزدي، المعروف بالشلوبين، أي: الأبيض الأشقر بلغة الأندلس، إمام عصره في العربية، وآخر أئمة هذا النوع بالمشرق والمغرب، أخذ عن ابن ملكون، وغيره، وأقرأ نحو ستين سنة، فاشتهر وعلا صيته، له تعليق على كتاب سيبويه، وكتاب آخر في النحو، سماه التوطئة. توفي سنة: 645هـ. البلغة: 172، إنباه الرواة، 2/ 332، بغية الوعاة: 2/ 224، وفيات الأعيان: 1/ 382، الأعلام: 5/ 224. 3 المبرد: هو أبو العباس، محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدي البصري، إمام العربية ببغداد، أخذ عن المازني والجرمي، وقرأ عليهما كتاب سيبويه، وروى عنه نفطويه، والصولي، وغيرهما، كان فصيحا بليغا، وصاحب نوادر، سماه المازني بالمبرد: أي المثبت للحق، له مؤلفات كثيرة، منها: الكامل في الأدب، والمقتضب في النحو، وشرح شواهد الكتاب وغيره. مات بالكوفة سنة 286هـ. البلغة: 250، إنباه الرواة: 3/ 241، بغية الوعاة: 1/ 269، الفهرست: 95، الأعلام: 8/ 15. 4 السيرافي: أبو سعيد: الحسن بن عبد الله بن المرزبان القاضي: وكان اسم أبيه: بهزاد، فسماه ابنه عبد الله، والسيرافي نسبة إلى سيراف، "مدينة بفارس" وهو إمام في النحو والفقه واللغة والشعر، وكثير من العلوم، أخذ عن ابن السراج، وعن أبي بكر بن مجاهد، وابن دريد. له: شرح كتاب سيبويه، وهو شرح حسده عليه أبو علي الفارسي، وله كتب أخرى، مات سنة 368هـ. البلغة: 61، إنباه الرواة: 1/ 313، بغية الوعاة: 1/ 507، طبقات ابن قاضي شهبة: 256، الأعلام: 2/ 210. 5 هو أبو علي الفارسي، وقد مرت ترجمته. 6 لأن: "تطلع" حينئذ مسند إلى ضمير مستتر يعود إلى الشمس، والشمس مجازي التأنيث؛ وكل فعل أسند إلى ضمير عائد إلى اسم مجازي التأنيث، وجب تأنيثه.

"يقوم" وتؤنث "تطلع" أو تذكره1 [جواز كسر سين عسى] : يجوز كسر سين "عسى" خلافا لأبي عبيدة2، وليس ذلك مطلقا خلافا للفارسي، بل يتقيد بأن تسند إلى التاء أو النون أو نا، نحو: {هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِب} 3، {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُم} 4، قرأهما....................................

_ 1 إنما وجب أن توحّد "يقوم" لأنه أسند إلى الاسم الظاهر التالي له، وكل فعل أسند إلى اسم ظاهر، وجب في اللغة الفصحى ألا تلحقه علامة تثنية، ولا علامة جمع، وإنما جاز في "تطلع" التذكير والتأنيث؛ لأنه حينئذ مسند إلى اسم ظاهر مجازي التأنيث، وكل فعل أسند إلى الاسم الظاهر المجازي التأنيث، جاز إلحاق تاء التأنيث به، وعدم إلحاقها. التصريح: 1/ 210. 2 أبو عبيدة: هو معمر بن المثنى، لغوي بصري، ومولى لبني تيم "تيم قريش رهط أبي بكر الصديق" أخذ عن يونس بن حبيب، وأبي عمرو بن العلاء، وأخذ عنه أبو حاتم والمازني، وهو أول من صنف في غريب الحديث، قيل: إنه أعلم من الأصمعي، وأبي زيد بأنساب العرب وأيامهم، له تصانيف تقارب المائتين؛ منها: النقائض بين جرير والفرزدق، وأيام العرب، والمجاز في غريب القرآن، والأمثال في غريب الحديث، وغيرها. توفي سنة 213هـ، وقد قارب المائة. البلغة: 261، إنباه الرواة: 3/ 276، بغية الوعاة: 2/ 294، وفيات الأعيان: 2/ 105. 3 "2" سورة البقرة، الآية: 246. أوجه القراءات: قرأ نافع "عَسِيتم" بكسر السين، وقرأ الباقون بفتحها. توجيه القراءات: عسيت وعسيت: لغتان، وقد منع الكسر أبو عبيدة، والصواب جوازه وإن كان الفتح أشهر؛ لِجريانه على القياس، وانظر في هذه المسألة. حجة القراءات: 140، وإعراب القرآن للنحاس: 1/ 277، والبحر المحيط: 2/ 255، وتفسير القرطبي: 3/ 244، ومجمع البيان للطبرسي: 2/ 249، وتفسير الرازي: 2/ 292، والكشف للقيسي: 1/ 33، وشرح التصريح: 1/ 210. 4 47 سورة محمد "ص"، الآية: 22. أوجه القراءات: قرأ نافع "عَسِيتم" بالكسر، وقرأ الباقون بالفتح. توجه القراءات: جواز فتح وكسر سين "عسى" كما في الآية السابقة؛ لأن الفتح والكسر لغتان فيها، وإن كان الأشهر فيها الفتح، ومعلوم أن القراءة ينبغي أن توافق لغة من لغات العرب، حتى تصح بها القراءة، ولهذا قرأ نافع بكسر السين في عسِيتم؛ لِموافقتها إحدى لغات العرب. انظر مراجعة توجيه قراءات الآية السابقة.

نافع1 بالكسر، وغيره، وهو المختار.

_ 1 نافع: هو أبو الحسن، نافع بن عبد الرحمن المدني، أحد أصحاب القراءات السبع، أصله من أصبهان، كان إمام الناس بالقراءة في المدينة وانتهت إليه رياسة الإقراء بها، قيل: إنه قرأ على سبعين من التابعين، وأجمع عليه الناس بعدهم. مات سنة 169هـ. وفيات الأعيان: 5/ 368، المعارف: 582 غاية النهاية: 2/ 330، طبقات القراء: 2/ 330، الشذرات: 1/ 270. فائدة: "أ": يجوز حذف خبر هذه الأفعال إن علم، وهو كثير في خبر "كاد" قليل في خبر "كان"، نحو: من تأنى أصاب أو كاد، ومن عجل أخطأ أو كاد. "ب": يتعين في مثل: عسى أن يكرم محمد الضيف، أن تكون "عسى" تامة، و"محمد" فاعلا لها، ولا يجوز أن يعرب "محمد" مبتدأ مؤخرا، ولا اسما لعسى على أنها ناقصة، و"أن يكرم" خبرها مقدما؛ لِئلا يلزم الفصل بين أجزاء صلة "أن" بأجنبي؛ وهو "محمد"، ومثل هذا يقال في إعرابه كلمة "ربك" في قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} ، و"مقاما" ظرف. حاشية الصبان: 1/ 266. "ج": اختلف فيما يتصل بعسى من الضمائر: الكاف والهاء والياء، فذهب سيبويه، إلى أنها في محل نصب اسم لعسى، وهي حينئذ حرف ترجٍّ، مثل "لعل"، وما بعدها خبر لها، وفي هذه الحالة لا تقع بعدها "ما" الزائدة. وذهب المبرد والفارسي إلى أن "عسى" على ما هي عليه من رفع الاسم ونصب الخبر، وهذه الضمائر أخبارها مقدمة في محل نصب، وما بعدها الاسم، وقد عكس الإسناد، ويلزم على هذا: جعل خبر "عسى" اسما صريحا. وهذا نادر كما تقدم، وذهب الأخفش إلى أن "عسى" على ما كانت عليه أيضا، وهذه الضمائر أسماؤها، وقد ناب ضمير النصب عن ضمير الرفع ونيابة بعض الضمائر عن بعض جائزة، واختار الناظم قول الأخفش حاشية الصبان: 1/ 267.

باب الأحرف المشبهة بالفعل

[باب الأحرف المشبهة بالفعل] : هذا باب الأحرف الثمانية الداخلة على المبتدأ والخبر1: [عملها وعددها:] فتنصب المبتدأ ويسمى اسمها، وترفع خبره ويسمى خبرها2.

_ 1 عد المؤلف "عسى" إذا جاءت تفيد الرجاء بمعنى "لعل" حرفا مشبها بالفعل، كما سيأتي. فائدة: سميت هذه الأحرف أحرفا مشبهة بالفعل؛ لِكونها تشبه الفعل في اللفظ، والمعنى جميعا ويكن حصر أوجه الشبه في خمسة أمور، هي: أ- أنها كلها على ثلاثة أحرف أو أكثر، فـ "إن وإن وليت" على ثلاثة أحرف، و"لعل، وكأن" على أربعة أحرف، و"لكن" على خمسة أحرف. ب- أنها تختص بالأسماء كما أن الفعل يختص بالأسماء. ج- أنها كلها مبنية على الفتح، كما أن الفعل الماضي مبني على الفتح. د- أنها تلحقها نون الوقاية عند اتصالها بياء المتكلم، كما تلزم هذه النون الفعل عند اتصاله بها. هـ- أنها تدل على معنى الفعل، فـ "إن"، و"أن" تفيدان معنى "أكدت"، و"كأن" تدل على معنى "شبهت"، و"ليت" تدل على معنى "تمنيت"، ولعل" تدل على معنى "رجوت" فلما كانت الأحرف المشبهة تتضمن تلك المعاني، عملت عمل الأفعال، أوضح المسالك: 1/ 125. 2 أي: عملها عكس عمل "كان" وأخواتها، وهذا أحد أوجه الفروق بينهما. وثاني تلك الفروق أن "الأحرف المشبهة" أحرف، وتلك "كان وأخواتها" أفعال وحروف. وثالثها: أن هذه الحروف، يجب أن تكون في صدر الجملة ما عدا "أن" المفتوحة- كما سيأتي، بخلاف كان وأخواتها. ضياء السالك: 1/ 273. فائدة1: ذهب بعضهم إلى أن الأحرف المشبهة بالفعل تنصب المبتدأ والخبر معا، واستدلوا بقول عمر بن أبي ربيعة، وليس في ديوانه:

فالأول والثاني: "إن" و"أن": وهما لتوكيد النسبة، ونفي الشك عنها، والإنكار لها. والثالث: "لكن": وهو للاستدراك1 والتوكيد، فالأول نحو: "زيد شجاع

_ إذا اسود جنح الليل فلتأتِ ولتكنْ ... خطاك خفافا إن حراسنا أسد بنصب "حراسنا وأسد" معا. غير أن الجمهور يمنعون ذلك، ويؤولون هذا الشاهد، وما شابهه بأن الجزء الثاني حال والخبر محذوف، والتقدير: إن حراسنا تلقاهم أسدا، ونحو ذلك. انظر حاشية الصبان: 1/ 269، ومغني اللبيب: 55. فائدة2: لا تدخل الأحرف المشبهة على جملة يجب فيها حذف المبتدأ، ولا تدخل على مبتدأ، لا يخرج عن الابتدائية، نحو "ما" التعجبية، ولا تدخل على مبتدأ يجب له التصدير أي الوقوع في صدر الجملة كاسم الاستفهام، ويستثنى في هذه الحال، ضمير الشأن، فهو مما يجب تصديره وقد دخلت عليه "أن" في قول الأخطل. إن من يدخل الكنيسة يوما ... يلق فيها جآذرا وظباء فـ "إن" حرف مشبه بالفعل، واسمه ضمير الشأن المحذوف. و"من" اسم شرط في محل رفع مبتدأ. وجملة "الشرط والجواب" أو إحداهما: في محل رفع خبر المبتدأ. وجملة "المبتدأ والخبر": في محل رفع خبر "إن"، ومعلوم أنه لا يجوز إعراب "من" في محل نصب اسم "إن" لكون "من" اسم شرط يجب له التصدير. وانظر حاشية الصبان: 1/ 269. فائدة3: لا تدخل هذه الأحرف على جملة يكون الخبر فيها طلبيا أو إنشائيا، وخرجوا قوله تعالى: {إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُون} وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِه} ، وقول الشاعر: إن الذين قتلهم أمس سيدهم ... لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما بأنها على تقدير قول محذوف، يقع خبرا لـ "إن" وتقع هذه الجمل الإنشائية معمولة له، فيكون الكلام من باب حذف العامل وإبقاء المعمول، والتقدير: إن الذين قتلتم سيدهم أمس مقول في شأنهم لا تحسبوا، أو إن الذين قتلتم سيدهم قد استعدوا لكم وأخذوا الأهبة لقتالكم فلا تحسبوا، وهكذا. واستثنى "أن" المفتوحة الهمزة، فيجوز وقوع خبرها جملة إنشائية، كما في قوله تعالى: {وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُم} . وقوله جل شأنه: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} على قراءة تخفيف النون بعدها جملة. وانظر حاشية الصبان: 1/ 269. 1 الاستدراك. هو تعقيب الكلام بنفي يتوهم ثبوته أو إثبات ما يتوهم نفيه، وهذا يستلزم أن يسبقها كلام له صلة بمعموليها، وأن يكون ما بعدها مخالفا لما قبلها في المعنى ومغايرا له، وتقع بعد النفي والإثبات، واستعمال "لكن" في الاستدراك، هو الغالب فيها، وقد تستعمل لتأكيد النسبة وتقويتها في ذهن السامع، إيجابية كانت أو سلبية. التصريح: 1/ 211.

لكنه بخيل" والثاني نحو: "لو جاءني أكرمته؛ لِكنه لم يجيء"1. والرابع: "كأن": وهو للتشبيه المؤكد2؛ لأنه مركب من الكاف وأن. والخامس: "ليت": هو للتمنى، وهو: طلب ما لا طمع فيه أو ما فيه عسر3، نحو: "ليت الشباب عائد"، وقول منقطع الرجاء: "ليت لي مالا فأحج منه". والسادس: "لعل": وهو للتوقع، وعبر عنه قوم بالترجي في المحبوب نحو: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} 4 أو الإشفاق في المكروه نحو: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ

_ 1 ومن ذلك قول الحماسي: فلو طار ذو حافر قبلها ... لطارت، ولكنه لم يَطِرْ 2 ولا تخرج عنه عند البصريين، وزعم الكوفيون أن "كأن" كما تأتي للتشبيه تأتي للتحقيق. وجعلوا منه قول الشاعر: فأصبح بطنُ مكَّةَ مُقْشَعِرًّا ... كأن الأرض ليس بها هشامُ وزعم ابن السيد أنها تأتي للظن، إذا كان خبرها فعلا أو طرفا أو صفة من صفات أسمائها، وزعم أبو الحسين الأنصاري أنها تأتي للتقريب، وزعم أبو علي الفارسي أنها قد تأتي للنفي. التصريح: 1/ 212. ومغني اللبيب: 252. 3 الفرق بينهما: أن ما لا طمع فيه مستحيل، كرجوع الشباب للطاعن في السن، وما فيه عسر يكون ممكنا في مجرى العادة ولكنه نادر الوقوع، ومن ذلك تفهم أن "ليت" لا تدخل على جملة يكون مضمونها واجب الوقوع، فلا تقول: ليت غدا يجيء. شرح التصريح: 1/ 212-213. 4 "65" سورة الطلاق، الآية: 1. موطن الشاهد: {لَعَلَّ} . وجه الاستشهاد: مجيء "لعل" حرفا مشبها بالفعل بمعنى التوقع والترجي، ولفظ الجلالة في محل نصب اسمه، وجملة "يحدث بعد ذلك أمرا": في محل رفع الخبر. وأتت "لعل" معنى الترجي؛ لأن توقع المحبوب يسمى ترجِّيًا.

نَفْسَكَ} 1، قال الأخفش: وللتعليل، نحو: "أفرغ عملك لعلنا نتغدى"، ومنه: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} 2، قال الكوفيون: وللاستفهام، نحو: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} 3، وعقيل تجيز جر اسمها وكسر لامها الأخيرة4. والسابع: "عسى" في لغيَّة: وهي بمعنى لعل5، وشرط اسمه أن يكون ضميرا، كقوله6: [الطويل] 132- فقلت: عَسَاها نار كأس وعلَّها7

_ 1 "18" سورة الكهف، الآية: 6. موطن الشاهد: {لَعَلَّكَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "لعل" بمعنى الإشفاق في الشيء المكروه؛ لأن المعنى: لعلك قاتل نفسك، أي: أشفِقْ على نفسك من أن تقتلها حسرةً على ما فاتك من إسلام قومك. أتت لعل بمعنى الإشفاق؛ لأن توقع المكروه يسمى إشفاقا. شرح التصريح: 1/ 213. 2 "20" سورة طه، الآية: 24. موطن الشاهد: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} . وجه الاستشهاد: مجيء "لعل" مفيدة التعليل -على مذهب الأخفش والكسائي- ومعنى لعله يتذكر، أي: ليتذكرن ومن لم يثبت هذا، حمله على الرجاء، ويصرفه للمخاطبين المغني: 379، وشرح التصريح: 1/ 213. 3 "80" سورة عبس، الآية: 3. موطن الشاهد: {لَعَلَّهُ يَزَّكَى} . وجه الاستشهاد: مجيء "لعل" مفيدة الاستفهام على مذهب الكوفيين. 4 مع حذف لأمها الأولى وإثباتها، وحينئذ، لا تعمل عمل "إن" على الصحيح، بل تنزل منزلة حرف الجر الزائد، في عدم تعلقها بشيء. ومجرورها في موضع رفع بالابتداء، وما بعده خبر، وعليه قول شاعرهم: لعل أبي المغوار منك قريب فأبى المغوار: مبتدأ ومضاف إليه، و"قريب" خبر. شرح التصريح: 1/ 213. 5 في الترجي والإشفاق، فحملت في العمل عليها كما حملت لعل على عسى في إدخال أن في خبرها كما في الحديث "لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض". 6 القائل هو: صخر بن العود الحضرمي، ولم أعثر له على ترجمة وافية. 7 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: تشكي فآتي نحوها فأعودها =

وقوله1: [الوافر]

_ = وهو من شواهد: التصريح: 1/ 213، وهمع الهوامع: 1/ 132 وفيه: لعلها بدل وعليها. والدرر اللوامع: 1/ 110، والعيني: 2/ 227، والمغني: "274/ 204". والسيوطي: 153. المفردات الغريبة: تشكى: أصله تتشكى بتاءين فحذف إحدى التاءين، أي: يصيبها المرض فتشكو الأمة، أعودها: العيادة: زيارة المريص خاصة. "كأس" اسم محبوبته. المعنى: أرجو أن تكون هذه النار التي أبصرها نار محبوبتي "كأس"، كما أتمنى أن تمرض وتشكو آلام المرض، فأذهب لزيارتها ورؤيتها، وهي أمنية سخيفة، تدل على الأنانية. الإعراب: قلت: فعل ماضٍ وفاعل. عساها: "بمعنى لعل" حرف ترجٍّ ونصب، و"ها" في محل نصب اسمه. خبر "عسى" مرفوع. كأس: مضاف إليه. وعليها: الواو حرف عطف، على: حرف مشبه بالفعل، و"ها": اسمه. تشكى: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هي، وجملة تشكى: في محل رفع خبر "لعل". فآتي: الفاء عاطفة، آتي: فعل مضارع، والفاعل: أنا: "نحوها": متعلق بـ "آتي"، و"ها": مضاف إليه. فأعودها: الفاء حرف عطف، أعود: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. و"ها": مفعول به. موطن الشاهد: "عساها نار كأس". وجه الاستشهاد: مجيء "عسى" بمعنى "لعل" واتصل بها ضمير "ها" النائبة، فنصب محلا بها، ورفع ما بعده على الخبرية، وفي هذا دليل على عملها عمل "إن"، وهذا مذهب سيبويه الذي أرى أن "عسى" قد تجيء حرفا دالا على الترجِّي، فتعمل عمل "إن" والشاهد السابق يؤيد ما ذهب إليه. غير أن المبرد والفارسي خالفا سيبويه في هذه المسألة، وزعما أن "عسى" لا تكون إلا فعلا عاملا عمل "كان" وزعما أن الضمير المتصل بـ "عسى" خبر لها، تقدم على اسمه، وأن الاسم المرفوع بعده اسم "عسى" تأخر عن الخبر، وهذا الزعم فاسد؛ لأنه يلزم جعل خبر "عسى" مفردا، وهو نادر، أو ضرورة. انظر شرح التصريح: 1/ 214. 1 القائل: هو عمران بن حطان بن ظبيان السدوسي الوائلي الخارجي، أبو سماك، أحد أصحاب العلم والحديث، أدرك جماعة من الصحابة وروى عنهم، وروى أصحاب الحديث عنه، كان يحرض الناس، فطلبه الحجاج، فهرب إلى عمان، مات سنة 84هـ. خزانة الأدب: 5/ 350، الإصابة: ترجمة 6877، ميزان الاعتدال: 2/ 276، المؤتلف: 91.

133- أقول لها لعلي أو عساني1

_ 1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: ولي نفس تنازعني إذا ما ويروى البيت برواية أخرى هكذا: ولي نفس أقول لها إذا ما ... تنازعني لعلي أو عساني وهذه رواية سيبويه: 1/ 388 ورواية الأعلم. ويُزعَم أن عمران كان سنيا، فتزوج امرأة من الخوارج، فقيل له فيها، فقال: أردها عن مذهبها، فغلبت عليه، وأضلته عن مذهب السنة. والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 213، والمقتضب: 3/ 72، والخصائص: 3/ 25، وشرح المفصل، 3/ 105، 118، 222، 7/ 123، والمقرب: 18، والعيني: 2/ 229، والخزانة: 2/ 435. المفردات الغريبة: تنازعني: تزين لي حب الدنيا والخوف من الموت في القتال. لعلي: أراد لعلى أتورط في الملاذ المردية، أو لعلى أنال الشهادة في الحرب فأكون من الفائزين. المعنى: إن نفسي لا تطاوعني إذا أردت مغاضبة زوجي ومخاصمتها، وأقول لها: لعلي أنال ما أريد وأبغي. الإعراب: "لي": متعلق بمحذوف خبر مقدم. نفس: مبتدأ مؤخر. تنازعني: فعل مضارع، والفاعل: هي، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به. "إذا": متعلق بـ "تنازع" في محل نصب على الظرفية الزمانية. ما: زائدة: أقول: فعل مضارع، والفاعل: أنا "لها": متعلق بـ "أقول" لعلى: حرف مشبه بالفعل، والياء: اسمه، وخبره محذوف، والتقدير: لعلي أنال منها ما أريد، أو نحو ذلك. والجملة في محل نصب مقول القول. أو: حرف عطف. عساني: "عسى حرف مشبه بالفعل بمعنى "لعل"، والنون للوقاية، والياء: اسمه، وخبره محذوف، والتقدير كالأول، غير أنه ينبغي أن يقترن بـ "أن" أي عساني أن أنال منها وجملة "عساني مع الخبر المحذوف": في محل نصب، معطوفة على جملة "لعلي" السابقة. موطن الشاهد: "عساني". وجه الاستشهاد: استعمال "عسى" حرفا بمعنى "لعل" ومجيء اسمه ضميرا، وهو لا يأتي إلا ضميرا عندما يستعمل عسى استعمال "لعل" أي حرفا يفيد الترجي. وفي هذا الشاهد ما يرجح مذهب سيبويه، حيث أتى الشاعر بنون الوقاية قبل ياء المتكلم، كما في إنَّني، وليتني وكأنَّني"، ولو كان هذا الضمير خبرا، كما زعم المبرد والفارسي، وكانت "عسى" فعلا، لكان الشاعر قد اقتصر على الفعل ومنصوبه من دون مرفوعه، وهذا لا نظير له في الاستعمال العربي.

وهو حينئذ حرف وفاقا للسيرافي، ونقله عن سيبويه؛ خلافا للجمهور في إطلاق القول بفعليته1، ولابن السراج في إطلاق القول بحرفيته. والثامن: "لا" النافية للجنس: وستأتي. [لا يتقدم خبرها عليها] : ولا يتقدم خبرهن مطلقا2، ولا يتوسط إلا إن كان الحرف غير "عسى" و"لا" والخبر ظرفا أو مجرورا، نحو: {إِنَّ لَدَيْنَا

_ 1 أي: سواء أكان الفعل بمعنى "لعل" أم لا. ويتبين مما تقدم: أن في "عسى" أقوالا ثلاثة: فعلا مطلقا، وحرفا مطلقا، وتفصيله: أنه إن عملت عمل "لعل" كانت حرفا، وإلا فهي فعل. وهذا كله في "عسى" الجامدة، وأما "عسى" المتصرفة ففعل باتفاق، ومعناها اشتد، كقول الشاعر: لولا الحياء وأن رأسي قد عسى ... فيه المشيب لزرت أم القاسم التصريح: 1/ 214. 2 أي: لا يتقدم خبر هذه الأحرف الثمانية عليها مطلقا، ولو كان ظرفا أو جارا ومجرورا؛ وذلك لعدم تصرفها، وهي ملازمة للصدارة، وحملت "أن" المفتوحة على المكسورة. انظر شرح التصريح: 1/ 214. 3 لأن شرط عملها اتصال اسميهما بهما، فلو قدم خبر إحداهما على الاسم؛ لِفصل بينها وبين الاسم، ففات شرط إعمالها. وهذا بخلاف "عسى" العاملة عمل كان التي تقدم ذكرها، فإن هذه يجوز أن يتوسط اسمها بينها وبين خبرها، وبذلك يجوز في الاسم المرفوع بعدها والمسبوق بأن المصدرية والفعل المضارع وجهان فقولك: "عسى أن يلقاك الخير": 1- يكون الاسم المرفوع المتأخر اسم عسى وتكون "أن" المصدرية والمضارع في تأويل مصدر خبر عسى، ويكون فاعل المضارع ضميرا مستترا يعود على الاسم المرفوع المتأخر؛ لأنه متقدم في الرتبة. 2- يكون اسم "عسى" ضميرا مستترا، والاسم المرفوع المتأخر مرفوعا على أنه فاعل الفعل المضارع، ففي الوجه الأول قد توسط خبر "عسى" بينها وبين اسمها. وبخلاف "لا" النافية المهملة، فإنه يجوز بعدها تقدم الخبر على مبتدئه، وفي هذه الحال، يجب تكرار "لا" نحو قوله تعالى: {لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُون} =

أَنْكَالَاً} 1، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً} 2 [يتعين كسر همزة "إن" في عشرة مواضع] : تتعين "إن" المكسورة حيث لا يجوز أن يسد المصدر مسدها ومسد معموليها، و"أن" المفتوحة حيث يجب ذلك3، ويجوزان إن صح الاعتباران4.

_ = ونحو قولك: لا في الدار محمد ولا في السوق، وأما "لا" العاملة عمل ليس، فلا يجوز توسط خبرها مثل "لا" العاملة عمل "إن". شرح التصريح: 1/ 214. فائدة: يجب أن يتوسط خبر "إن" أو إحدى أخواتها، إن كان ظرفا أو جارا ومجرورا في الحالتين التاليتين: أ- أن يقترن الاسم بضمير يعود على بعض الخبر، نحو قولك: "إن في الدار مالكها"؛ لِئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة، وذلك غير جائز. ب- أن يقترن الاسم بلام الابتداء، نحو قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً} وقوله جل شأنه: {وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ} . ويجب تأخر الخبر وإن كان جارا ومجرورا، إذا اقترنت بهذا الخبر لام الابتداء، نحو قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} . انظر شرح التصريح: 1/ 214، وأوضح المسالك "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد: 1/ 333. 1 "73" سورة المزمل، الآية: 12. موطن الشاهد: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا} . وجه الاستشهاد: توسط خبر "إن" بينها وبين اسمها؛ لأن "لدينا" ظرف، ويجوز أن يتوسط بين إن واسمها بالظرف والجار والمجرور توسعا في الكلام، كما علمنا، وحكم التوسط هنا الجواز 2 "79" سورة النازعات، الآية: 26. موطن الشاهد: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً} . وجه الاستشهاد: توسط الجار والمجرور بين "إن" واسمها، وحكم التوسط في الآية الكريمة الوجوبُ؛ لِاقتران الاسم بلام الابتداء. 3 بأن تقع "أن" مع معموليها في جملة تحتاج إلى اسم مرفوع أو منصوب أو مجرور، ولا سبيل إلى ذلك، إلا عن طريق مصدر منسبك من أن مع معموليها، وإلى هذا، يشير الناظم بقوله: وهمز "إن" افتح لسد مصدرِ ... مسدها، وفي سوى ذاك اكسرِ أي: افتح همزة "إن" لسد المصدر مسدها مع معمولها، واكسرها فيما عدا ذلك. شرح التصريح: 1/ 214. 4 معلوم أن "أن" المفتوحة الهمزة، تؤول مع ما بعدها بمصدر، وهذا المصدر اسم مفرد، فهو محتاج إلى ما يتم به كلام مفيد، وأما "إن" المكسورة الهمزة، فهي مع معموليها جملة تؤدي كلاما تاما مفيدا، ولهذا وجب أن يسبق أن المفتوحة ما يطلبها. فائدة: كل موضع يحتاج فيه ما قبل "أن" إلى مفرد، ولا يجوز في صناعة الإعراب أن يكون جملة، فإن همزة "أن" تكون مفتوحة، وكل موضع يحتاج فيه ما قبل "إن" إلى جملة، ولا يجوز في صناعة الإعراب أن يكون مفردا، تكون همزة "إن" مكسورة، وكل موضع يجوز فيه الوجهان، يصح فيه فتح إن وكسرها.

فالأول في عشرة، وهي: 1 أن تقع في الابتداء نحو {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} ، ومنه {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} 3. 2 أو تالية لحيث نحو: "جلست حيث إن زيدا جالس". 3 أو لإذ، كـ "جئتك إذْ إنَّ زيدا أمير"3.

_ 1 "97" سورة القدر، الآية: 1. موطن الشاهد: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} . وجه الاستشهاد: مجيء "إن" مكسورة الهمزة؛ لِوقوعها في أول الكلام حقيقة، وحكم كسر همزتها في هذه الحالة الوجوبُ. 2 "10" سورة يونس، الآية: 62. موطن الشاهد: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ} . وجه الاستشهاد: وقوع "إن" مكسورة الهمزة؛ لأنها وقعت في أول الكلام حكميا؛ لأنها سبقت بحرف "ألا" وهو لا يغير الابتداء؛ لأنه حرف استفتاح، وحكم كسر همزة "إن" في هذه الحال الوجوب؛ لِيكون الكلام مفيدا، إذ لو فتحنا الهمزة هنا لتأولت مع ما بعدها بمفرد يقع مبتدأ، لا خبر له. 3 الابتداء: إما أن يكون حقيقيا، بأن تقع "إن" في أول الكلام لا يسبقها شيء كالآية الأولى. وإما أن يكون حكميا، وذلك إذا وقعت في أول الجملة، وسبقها حرف لا يغير الابتداء مثل "ألا" الاستفتاحية، كالآية الثانية، و"أما"، وبعد "كلا" التي تفيد الاستفتاح -على قول- في نحو: {كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى} ، وبعد "حتى" الابتدائية. حاشية يس على التصريح: 1/ 215. 4 إنما كسرت "إن" بعد "حيث" و"إذ"؛ لأنهما لا يضافان إلا إلى الجمل، وفتح "إن" يؤدي إلى إضافتهما إلى مفرد. والصحيح جواز الفتح عقبهما؛ لأن "حيث" قد تضاف إلى المفرد. وعند إضافتها إلى الجملة يقدر تمامها من خبر أو فعل. وهذا إذا كانت "إن" واقعة عقب "حيث" فإن لم تقع عقبها، نحو: جلست حيث اعتقاد محمد أنه مكان خال- وجب فتحها كما مر. شرح التصريح: 1/ 215، وحاشية الصبان: 1/ 274.

4- أو لموصول1، نحو: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوء} 2، بخلاف الواقعة في حشو الصلة، نحو: "جاء الذي عندي أنه فاضل"3، وقولهم: "لا أفعله ما أن حراء مكانه"4 إذا التقدير ما ثبت ذلك، فليست في التقدير تالية للموصول. 5 أو جوابا لقسم نحو: {حَم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاه} 5.

_ 1 أي: أو تقع تالية لموصول، بأن تكون في بدء جملة الصلة؛ لأن صلة غير "أل" لا تكون إلا جملة. شرح التصريح: 1/ 215، وحاشية الصبان: 1/ 274. 2 "28" سورة القصص، الآية: 76. موطن الشاهد: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ} . وجه الاستشهاد: مجيء "إن" مكسورة الهمزة؛ لأنها تلت "ما" الموصولة، وحكم كسر همزة "إن" في هذه الحالة الوجوب، و"ما": اسم موصول، وجملة: "إن مفاتحه....." صلة، ومعنى "تنوء": تثقل. 3 في هذا المثال ليس "إن" ومعموليها صلة، بل هي مع معموليها مبتدأ مخبر عنه بالظرف المتقدم، وجملة المبتدأ والخبر، هي جملة الصلة، فهذا المثال بالنظر إلى "أن" من المواضع التي تقع فيها "أن" مع معموليها في موضع المبتدأ، والمبتدأ لا يكون إلا مفردا. 4 معنى هذا القول: لا أفعله ما ثبت كون حراء في مكانه، فـ "ما" موصول حرفي "أن": حرف مشبه. حراء: اسمه. مكانه: ظرف في محل رفع خبر "أن"، و"أن وما بعدها": في تأويل مصدر واقع فاعلا بفعل محذوف والجملة الفعلية صلة لـ "ما"، ونظير هذا قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} ، والتقدير: لو ثبت صبرهم، وإنما وجب تقدير الفعل في هذين الموضعين؛ لأن الموصول الحرفي "ما"، لا تكون صلته إلا فعلية، ولأن "لو" الشرطية خاصة بالفعل على الراجح عند النحاة. انظر حاشية الصبان: 1/ 273. 5 "44" سورة الدخان، الآية: 1-3. موطن الشاهد: {حَم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاه} .

6 أو محكية بالقول نحو: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّه} 1. 7 أو حالا2 نحو: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُون} 3. 8 أو صفة نحو: "مررت برجل إنه فاضل". 9 أو بعد عامل علق باللام نحو: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} 5.

_ وجه الاستشهاد: مجيء "إن" مكسورة الهمزة؛ لِوقوعها جوابا للقسم، وحكم كسر همزتها في هذه الحالة الوجوب. 1 "19" سورة مريم، الآية: 30. موطن الشاهد: {قَالَ إِنِّيْ} . وجه الاستشهاد: مجيء "إن" مكسورة الهمزة؛ لِوقوعها محكية بالقول، وحكم مجيئها مكسورة في هذه الحال الوجوب. 2 سواء قرنت بالواو، كما مثل المصنف، أم لم تقترن، نحو قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَام} . ويجب أن تكون في بدء الحال وإلا فتحت، نحو: خطب محمد وعندي أنه أجاد، وقد يتساءل متسائل: لم كسرت همزة "إن" الواقعة موقع الحال، ومعلوم أن الأصل في الحال أن يكون مفردا، وعليه فينبغي أن تكون "إن" مفتوحة؟ فالجواب: أن المصدر المنسبك من "أن ومعموليها" هو مصدر خبرها المشتق مضافا إلى اسمها، وعلى هذا، لا يكون هذا المصدر إلا معرفة بالإضافة إلى المعرفة، ومن المقرر أن الحال لا يكون إلا نكرة، فلهذا، عدل إلى جعل الحال جملة في هذا الموضع، والحال، والحال كما يكون مفردا، يكون جملة. التصريح: 1/ 215- 216 وحاشية الصبان: 1/ 235 وابن عقيل: 1/ 274. 3 "8" سورة الأنفال، الآية: 5 موطن الشاهد: {وَإِنَّ فَرِيقًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "إن" مكسورة الهمزة؛ لأنها وقعت حالا مقرونة بالواو وجملة "إن فريقا..... لكارهون": في محل نصب على الحال، والواو السابقة لها واو الحال كما هو معلوم؟ وحكم كسر الهمزة هنا الوجوب. 4 "63" سورة المنافقون، الآية: 1. موطن الشاهد: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} .

10 أو خبرا عن اسم ذات1 نحو: "زيد إنه فاضل" ومنه: {إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُم} 2. [يتعين فتح همزة "أن" في تسعة مواضع] : والثاني في تسعة، وهي: 1- أن تقع فاعلة، نحو: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا} 3. 2- أو مفعولة غير محكية، نحو: {وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم} 4.

_ وجه الاستشهاد: مجيء "إن" في الموضعين مكسورة الهمزة؛ لأن الفعل القلبي "يعلم" علق عن العمل وكذا يشهد الذي بمعنى "يعلم"، فكلاهما علق عن العمل باللام الابتدائية؛ لأنها لو فتحت سلط العامل عليها، ولام الابتداء لها صدر الكلام، وما له صدر الكلام يمنع ما قبله من أن يعمل فيما بعده، وهذه اللام وإن كانت متأخرة في اللفظ فرتبتها التقديم على "إن"، وإنما تأخرت؛ لِئلا يدخل حرف توكيد على مثله. شرح التصريح: 1/ 216. 1 إنما وجب هنا الكسر مع أن الخبر كما يكون جملة يكون مفردا؛ لأن المصدر، لا يقع خبرا عن اسم الذات إلا بتأويل من أحد ثلاثة تأويلات سبق ذكرها ولما كان ما لا يحوج إلى التأويل أولى، التزموا في هذا الموضع جعل الخبر جملة. 2 "22" سورة الحج، الآية: 27. موطن الشاهد: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ....... إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ} . وجه الاستشهاد: مجيء "إن" الثانية ومعموليها في محل رفع خبر {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} ، وما عطف عليه، وهي أسماء ذوات، ولما جاءت "إن" الثانية ومعمولاها خبرا لاسم الذات، وجب كسر همزتها. 3 "29" سورة العنكبوت، الآية: 51. موطن الشاهد: {يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا} . وجه الاستشهاد: مجيء "أن" مفتوحة الهمزة؛ لأنها تؤول مع ما بعدها بمصدر، يقع في محل رفع فاعل؛ لِفعل "يكف" المجزوم بـ "لم"، والتقدير: أو لم يكفهم إنزالنا؟ وحكم الفتح هنا الوجوب. 4 "6" سورة الأنعام، الآية: 81. موطن الشاهد: {لَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ} . وجه الاستشهاد: وقوع "أن" مفتوحة الهمزة؛ لأنها مؤولة مع معموليها بمصدر، يقع في محل نصب مفعول به غير محكي، وحكم فتح همزتها هنا الوجوب، والتقدير: ألا تخافون إشراككم؟.

3- أو نائبة عن الفاعل، نحو: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ} 1. 4- أو مبتدأ، نحو: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ} 2، {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} 3. 5- أو خبرا عن اسم معنى غير قولٍ ولا صادقٍ عليه خبرها، نحو: "اعتقادي أنه فاضل"، بخلاف: "قولي إنه فاضل"، و"اعتقاد زيد إنه حق". 6- أو مجرورة بالحرف، نحو: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَق} 4.

_ 1 "72" سورة الجن، الآية: 1 موطن الشاهد: {أُوحِيَ إِلَىَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ} . وجه الاستشهاد: وقوع "أن" مفتوحة الهمزة؛ لأنها مؤولة مع ما بعدها بمصدر واقع في محل رفع نائب فاعل؛ لِفعل "أوحي" المبني للمجهول، والتقدير: أوحي إلى استماع نفر.....، وحكم الفتح هنا الوجوب. 2 "41" سورة فصلت، الآية: 39. موطن الشاهد: {مِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى} . وجه الاستشهاد: وقوع "أن" مفتوحة الهمزة، تؤول مع ما بعدها بمصدر في محل رفع مبتدأ، والتقدير: ومن أياته رؤيتك الأرض، على مذهب الخليل، وعند سيبويه: فاعل بالجار والمجرور قبله. شرح التصريح/ 216. 3 "37" سورة الصافات، الآية: 144. موطن الشاهد: {فَلَولَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} . وجه الاستشهاد: وقوع "أن" مفتوحة الهمزة بعد "لولا" لأنها تؤول مع ما دخلت عليه بمصدر، يقع في محل رفع مبتدأ محتاج إلى الخبر المحذوف، والتقدير: "لولا كونه من المسبحين موجودة"، وهذا على رأي سيبويه. 4 "22" سورة الحج، الآية: 62. وقيل: لا يحتاج إلى الخبر؛ لِاشتمال صلتها على المسند والمسند إليه، وذهب المبرد والزجاج الكوفيون إلى أنها فاعل بفعل محذوف. شرح التصريح: 1/ 217. موطن الشاهد: {بِأَنَّ اللَّهَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أن" مفتوحة الهمزة؛ لِكونها مؤولة وما دخلت عليه بمصدر مجرور بحرف الجر، ومعلوم أن المجرور بالحرف، لا يكون إلا مفردا، ولذا، وجب فتحها؛ لِتؤول وما بعدها بالمفرد.

7- أو مجرورة بالإضافة نحو: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} 1, 8- أو معطوفة على شيء من ذلك، نحو: {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُم وَأَنِّي فَضَّلْتُكُم} 2. 9- أو مبدلة من شيء من ذلك، نحو: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُم} 3. [جواز فتح همزة إن وكسرها في تسعة مواضع] : والثالث في تسعة: 1- أحدها: أن تقع بعد فاء الجزاء، نحو: {مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 4 فالكسر على معنى فهو غفور رحيم،

_ 1 "51" سورة الذاريات، الآية: 23. موطن الشاهد: {مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أن" مفتوحة الهمزة؛ لأنها مؤولة وما دخلت عليه بمصدر واقع في محل جر بالإضافة إلى مثل و"ما" صلة، والتقدير: مثل نطقكم؛ لأن المجرور بالمضاف حقه الإفراد، إذا لم يكن المضاف ظرفا يقتضي الجملة، فإن كان كذلك كسرت، كما تقدم في "حيث وإذ". 2 "2" سورة البقرة، الآية: 47. موطن الشاهد: {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ..... وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ} . وجه الاستشهاد: وقوع "أن" مفتوحة الهمزة؛ لأنها مؤولة مع معموليها بمصدر معطوف على "نعمتي" والتقدير: اذكروا نعمتى ... وتفضيلي، وحكم الفتح هنا الوجوب. 3 "8" سورة الأنفال، الآية: 7. موطن الشاهد: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا} . وجه الاستشهاد: وقوع "أن" مفتوحة الهمزة لأنها مؤولة مع معموليها بمصدر واقع بدل اشتمال، من "إحدى" والتقدير: إحدى الطائفتين كونها لكم. 4 "6" سورة الأنعام، الآية: 54. أوجه القراءات: قرأ عاصم وابن عامر "فأنه" بفتح الهمزة، وكذا في "أنه" الأولى {أَنَّهُ =

والفتح على معنى: فالغفران والرحمة: أي حاصلان، أو فالحاصل الغفران والرحمة1. كما قال الله تعالى: {وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ} 2، أي فهو يؤوس. 2- الثاني: أن تقعد بعد "إذا" الفجائية3، كقوله 4: [الطويل]

_ = مَنْ عَمِلَ ... } وقرأ نافع: "أنَّه من عمل" بفتح الهمزة، و"إنه غفور رحيم" بكسر الهمزة في الثانية. وقرأ الباقون: "إنه من عمل.... فإنه...." بكسر الهمزة في الموضعين. توجيه القراءات: من فتح الهمزة في الموضعين، فقد جعل "أن" وما دخلت عليه بدلا من الرحمة، ويمكن أن تكون "أن" الثانية توكيدا للأولى، وقيل غير ذلك، ومن كسر الثانية، جعل "إن" وما دخلت عليه جواب الشرط، وقال الزجاج: من فتح الأولى وكسر الثانية، فالمعنى راجع إلى المصدر، وكأنك لم تذكر "إن" الثانية، وعلى هذا، فالمعنى: كتب ربكم على نفسه الرحمة، أنه غفور رحيم، ومن كسر في الموضعين، فعلى مذهب الحكاية، فكأنه، لما قال: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىْ نَفْسِهِ الْرَحْمِةَ} . قال: إن من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم. انظر حجة القراءات: 252-253، وإتحاف فضلاء البشر: 208، وإعراب القرآن، للنحاس: 1/ 550، والبحر المحيط: 4/ 141، والنشر لابن الجزري: 2/ 258، وتفسير القرطبي: 6/ 436. موطن الشاهد: {.... فإنَّهُ غَفُوْرٌ رَحِيْم} وجه الاستشهاد: قرئت الآية بفتح همزة "أن وكسرها؟ والوجهان جائزان. 1 أي: على اعتبار "إن" مع معموليها جملة مستقلة بعد فاء الجزاء في محل جزم جواب الشرط، وهذا أفضل لعدم احتياجه إلى تقدير شيء. 2 "41" سورة فصلت، الآية: 49. موطن الشاهد: {إِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ} . وجه الاستشهاد: مجيء الجملة الاسمية بعد فاء الجزاء محذوفة المبتدأ؛ لأن التقدير: إن مسه الشر فهو يؤوس، كما في المتن، وحذف المبتدأ في هذه الحال أولى من حذف الخبر شرح التصريح: 1/ 218. 3 أي الدالة على المفاجأة وهي المباغتة؛ لأن ما بعدها يحدث بعد وجود ما قبلها بغتة وفجأة. 4 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

134- إذا أنه عبد القفا واللهازم1

_ 1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره، قوله: وكنت أرى زيدا كما قيل سيدا وهو من شواهد التصريح: 1/ 218، وابن عقيل: "97/ 1/ 356"، والأشموني: "262/ 1/ 138" وهمع الهوامع: 1/ 138، والدرر اللوامع: 1/ 115، وأمالي ابن الشجري: 1/ 164، وشذور الذهب: "98/ 275". المفردات الغريبة: العبد: خلاف الحر، والمراد هنا لازم العبودية من الذل والخسة، القفا: مؤخر العنق، وجمعه على التذكير أقفية، وعلى التأنيث أقفاء، وقد جمع على قفي، اللهازم: جمع لهزمة وهي عظم ناتيء في اللحى تحت الأذن. المعنى: كنت أظن زيدا سيدا محترما كقول الناس فيه، فتبين أنه عبد ذليل حقير، يصفع على قفاه، ويلكز على لهازمه كالبعيد. الإعراب: كنت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: اسمه، أُرَى: "بزنة المبني للمجهول" بمعنى "أظن" فعل مضارع مرفع، والفاعل: أنا. زيدا مفعول به أول. كما الكاف جارة "ما" مصدرية. قيل: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والمصدر المؤول من "ما وما بعدها" في محل جر بالكاف، والتقدير: "كقول الناس، والجار والمجرور": متعلق بمحذوف صفة، لمصدر محذوف واقع مفعولا مطلقا، والتقدير: كنت أظن ظنا موافقا قول الناس. سيدا: مفعول به ثانٍ لـ "أرى" وجملة أرى ومفعوليها": في محل نصب خبر "كان" إذا فجائية أنه: حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمه. عبد: خبره، وهو مضاف القفا: مضاف إليه. واللهازم: معطوف على "القفا" مجرور مثله. موطن الشاهد: "إذا أنه". وجه الاستشهاد: جواز فتح وكسر همزة "إن" بعد إذا الفجائية، فالفتح على تقديرها مع معموليها بالمفرد، والكسر على تقديرها جملة، وهي في ابتدائها. وقيل: إن "إذا" ظرف مكان أو زمان في محل رفع خبر مقدم، و"أن" ومعمولاها في تأويل مصدر واقع في محل رفع مبتدأ مؤخر، والتقدير: ففي الحضرة، أو في الوقت الحاضر عبوديته، وقال الأعلم: "الشاهد فيه أي في البيت السابق جواز فتح "إن" وكسرها، فالكسر على نية وقوع المبتدأ والخبر بعد "إذا"، والتقدير: إذا هو عبد القفا، والفتح على تقدير المصدر مبتدأ والإخبار عنه بـ "إذا"، والتقدير: فإذا العبودية، وإن شئت قدرت الخبر محذوفا، على تقدير: فإذا العبودية شأنه". انظر حاشية الصبان: 1/ 276، وشرح التصريح: 1/ 218".

فالكسر على معنى فإذا هو عبد القفا، والفتح على معنى العبودية، أي: حاصلة، كما تقول: خرجت فإذا العبودية، أي: حاصلة، كما تقول: خرجت فإذا الأسد. الثالث: أن تقع في موضع التعليل، نحو: {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} 1، قرأ نافع والكسائي2 بالفتح على تقدير لام العلة، والباقون بالكسر على أنه تعليل3 مستأنف، ومثله {صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} 4، ومثله: "لبيك، إن الحمد والنعمة لك"5.

_ 1 "52" سورة الطور، الآية: 28. أوجه القراءات: قرأ نافع والكسائي "أنه" بفتح الهمزة، وقرأ الباقون "إنه" بكسر الهمزة. توجيه القراءات: من قرأ بالفتح، فالمعني: ندعوه لأنه هو البر الرحيم، أي لرحمته، يجيب من دعاة، قال أبو عبيدة: "من نصب، أراد: ندعوه بأنه، أو لأنه هو البر"، فيصير المعنى: إنه يدعى من أجل هذا, ومن قرأ بالكسر، فعلى قطع الكلام مما قبله، واختار أبو عبيدة الكسر، وقال: إن ربنا كذلك على كل حال حجة القراءات: 683- 684، والإتحاف: 401 وإعراب القرآن للنحاس: 3/ 254، والبحر المحيط: 8/ 150. 2 مرت ترجمته وترجمة نافع. 3 المراد أنك إذا فتحت همزة أن الواقعة في موقع العلة، كان المصدر المنسبك منها ومن معموليها مجرورا بحرف جر محذوف دال على التعليل، وأنت تعلم أن المجرور بحرف الجر، لا يكون إلا مفردا لكونه برا رحيما، وإذاكسرت الهمزة، كانت جملة جيء بها لتعليل ما قبلها، وأنت تعلم أن التعليل يكون بالمصدر كما في المفعول لأجله، ويكون كذلك بالجمل، فلا عجب أن يجوز الوجهان. التصريح: 1/ 218. وحاشية الصبان: 1/ 277. 4 "9" سورة التوبة، الآية: 103. موطن الشاهد: {صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} . وجه الاستشهاد: مجيء "إن مكسورة الهمزة، على أن الكلام تعليل مستأنف، والتعليل يكون بالمصدر، كما في المفعول لأجله، ويكون بالجمل؛ ولذا جاز الوجهان، كما في الآية السابقة. 5 يروى بكسر "إن" وفتحها، فالفتح على تقدير لام العلة، والكسر على أنه مستأنف، قيل: وهو أرجح؛ لأن الكلام يصير حينئذ جملتين لا جملة واحدة، وتكثير الجمل في مقام التعظيم مطلوب. وقد علل النووي "رض" وكثير من الحنفية كون الكسر أجود، بأن من كسر "إن" قال: الحمد والنعمة لك على كل حال، ومن فتحها، قال لبيك بهذا السبب. التصريح: 1/ 218، 219.

4- الرابع: أن تقع بعد فعل قسم ولا لام بعدها، كقوله: [الرجز] 1 135- أو تحلفي بربك العليِّ ... أنى أبو ذَيَّالِكَ الصَّبِيِّ7

_ 1 القائل: هو رؤبة بن العجاج، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز، وقبله قوله: لتقعدنَّ مقعد القصيِّ ... منِّىَ ذِي القاذورة المقْلِيِّ وهو من شواهد التصريح: 1/ 219، وابن عقيل: "98/ 1/ 358"، والأشموني: "263/ 1/ 138" والعيني: 2/ 232، 4 / 535، وديوان رؤبة: 188. وقال ابن بري في شأنهما: "هما لأعرابي، قدم من سفر فوجد امرأته قد وضعت ولدا فأنكره". المفردات الغريبة: القصي: البعيد النائي. القاذورة: القذر والوسخ، ويطلق على الفاحشة، والمراد بذي القاذورة: الذي لا يصاحب لسوء خلقه. المقلي: المبغض المكروه، من قلاة يقليه أبغضه ذيالك تصغير ذلك على غير قياس؛ لأن المبني لا يصغر. المعنى: يقسم الراجز على زوجه قائلا: والله لتجلسن أيتها المرأة بعيدة مني في المكان الذي يجلس فيه الشخص المطرود المبغض الذي يتحاشاه الناس لقذره ودنيء أخلاقه، إلى أن تحلفي بربك المنزه عن كل نقص أني أبو هذا المولود؛ لأنه شك في أن يكون ابنه. الإعراب: لتقعدن: اللام واقعة في جواب قسم مقدر. تقعدن: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه النون المحذوفة لتوالي الأمثال، وياء المخاطبة المحذوفة لالتقاء الساكنين في محل رفع فاعل، والنون: للتوكيد، وأصله: تقعدينن، فحذفت نون الرفع لاجتماع ثلاث نونات، فالتقى ساكنان، فحذفت ياء المخاطبة للتخلص من التقاء الساكنين، وحكمها كالثابتة؛ لِدلالة الكسرة عليها. مقعد: مفعول مطلق، وأعربه بعضهم مفعولا فيه، والأول أفضل؛ لأنه يفيد التوكيد، وهو مضاف. القصي: مضاف إليه. "مبني" متعلق بـ "تقعدن"، أو بـ "القصي"، أو بمحذوف حال، والأول أفضل. ذي: صفة لـ "القصي" وهو مضاف. القاذورة: مضاف إليه. المقلي: صفة ثانية لـ "القصي". أو حرف عطف. تحلفي: فعل مضارع منصوب بـ "أن" المضمرة بعد "أو" وعلامة نصبه حذف النون، والياء: فاعل. "بربك"، متعلق بـ "تحلفي" والكاف: مضاف إليه. العلي: صفة لـ "رب" أني: حرف مشبه، والياء: اسمه، أبو: خبر =

فالكسر على الجواب، والبصريون يوجبونه، والفتح بتقدير على1، ولو أضمر الفعل أو ذكرت اللام تعين الكسر إجماعا، نحو: "والله إن زيدا قائم" و"حلفت إن زيدا لقائم"2. 5- الخامس: أن تقع خبرا عن قول3 ومخبرا عنها بقول والقائل واحد، نحو: "قولي إني أحمد الله"4، ولو انتفى القول فتحت، نحو: "علمى أنى أحمد الله"،

_ = مرفوع، وهو مضاف. "ذيالك": ذيا مضاف إليه، واللام للبعد، والكاف للخطاب الصبي: بدل من اسم الإشارة مجرور مثله. موطن الشاهد: "أني". وجه الاستشهاد: رويت "أن" بكسر الهمزة وفتحها، والوجهان جائزان، فمن كسرها عد "إن" وما دخلت عليه جملة جواب القسم، لا محل لها من الإعراب، ومن فتح همزتها، جعلها مع معموليها في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف متعلق بـ "تحلفي"، وقد سدت مسد الجواب، والتقدير: أو تحلفي على أبوتي لهذا الصبي، ولا يجوز أن تكون جوابا للقسم؛ لأن جواب القسم، لا يكون إلا جملة. انظر شرح التصريح: 1/ 219. 1 اعلم أن كسر همزة "إن" يكون على اعتبار، والفتح يكون على اعتبار آخر، وليس من الممكن أن يكون الفتح والكسر على اعتبار واحد، وكل موضع، جاز فيه اعتباران، أحدهما يقتضي وقوع المصدر، والآخر يقتضي وقوع الجملة، ففي هذا الموضع، يجوز الفتح والكسر، وكل موضع لا يجوز فيه إلا اعتبار واحد، فإن كان هذا الاعتبار يقتضي وقوع المصدر، لم يجز إلا الفتح، وإن كان هذا الاعتبار يقتضي وقوع الجملة، لم يجز إلا الكسر. 2 أي: فعل القسم، ولم يظهر، سواء ذكرت اللام، نحو: {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} ، أم لم تذكر، نحو: {حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} . وهنا، يتعين كسر همزة "إن" وأما إذا ذكر فعل القسم، ولم تقترن اللام بخبر "إن" كما في بيت الشاهد، فيجوز في هذه الحالة الوجهان، كسر همزة "إن" وفتحها، وأما إن حذف فعل القسم، ولو تقترن اللام بخبر "إن"، نحو: والله إنك عالم، ففي هذه الحالة خلاف، فالكوفيون، يجوزون الوجهين، والبصريون، لا يجوزون الفتح، ويوجبون الكسر، والصواب: ما ذهب إليه البصريون، قال السيوطي: "وما نقل عن الكوفيين من جواز الفتح فيها غلط؛ لأنه لم يسمع". همع الهوامع: 1/ 138. 3 أي ما هو في معنى القول مثل: كلام وحديث ونطق...... إلخ. 4 و"قولي" مساوٍ في مدلوله لخبر أن، وهو "أحمد الله" وخبر إن مساويه كذلك في المدلول، والقائل واحد، وهو المتكلم، فالفتح: على جعل المصدر المؤول من "أن ومعموليها" خبر المبتدأ، أي: قولي حمدا لله، ويكون القول باقيا على مصدريته، والكسر: على جعل "إن ومعموليها" جملة محكية في محل رفع خبر المبتدأ، ويكون القول بمعنى المقول أي مقولي هذا اللفظ، ولا تحتاج إلى رابط؛ لأنها نفس المبتدأ في المعنى: انظر حاشية الصبان: 1/ 277، وابن عقيل: "دار الفكر": 1/ 280.

ولو انتفى القول الثاني أو اختلف القائل كسرت، نحو: "قولي إني مؤمن" و"قولي إن زيدا يحمد الله". 6- السادس: أن تقع بعد واو مسبوقة بمفرد صالح للعطف عليه، نحو: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} 1، قرأ نافع وأبو بكر2 بالكسر: إما على الاستئناف، أو بالعطف على جملة إن الأولى، والباقون بالفتح بالعطف على {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ} . 7- السابع: أن تقع بعد حتى، ويختص الكسر بالابتدائية، نحو: "مرض زيد حتى إنهم لا يرجونه"، والفتح بالجارة والعاطفة، نحو: "عرفت أمورك حتى أنك فاضل". 8- الثامن: أن تقع بعد "أما" نحو: "أما إنك فاضل"، فالكسر على أنها حرف استفتاح بمنزلة ألا، والفتح على أنها بمعنى أحقا.

_ 1 "20" سورة طه، الآيتان: 118-119. أوجه القراءات: قرأ بكسر "وإنك لا تظمأ ... " نافع وأبو بكر بن عاصم، وقرأ الباقون بفتح: {وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ} . توجيه القراءات: قراءة الكسر على الاستئناف، أو بالعطف على جملة "إن" الأولى، وقراءة الفتح بالعطف على "ألا"، والتقدير: إن لك عدم الجوع وعدم العطش. التسيير: 153، والنشر: 2/ 209، والبيان: 2/ 154، والعكبري: 2/ 70، والقرطبي: 11/ 254. 2 أبو بكر: هو شعبة بن عياش بن سالم الأسدي، الكوفي، ولد سنة 95هـ، قرأ على عاصم وعلى ابن السائب، وقرأ عليه الكسائي وغيره، وكان إماما كبيرا من أئمة اللغة، قيل: إنه ختم القرآن ثماني عشرة ألف ختمة. مات سنة 193هـ. في الشهر الذي مات فيه هارون الرشيد. معرفة القراء للذهبي: 1/ 134، طبقات ابن سعد: 6/ 269، غاية النهاية: 1/ 325، طبقات الحفاظ: 113.

9- التاسع: أن تقع بعد "لا جرم" والغالب الفتح، نحو: {لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ} 1، فالفتح عند سيبويه على أن "جرم" فعل ماضٍ، و"أن" وصلتها فاعل: أي: وجب أن الله يعلم، و"لا" صلة، وعند الفراء على أن "لا جرم" بمنزلة لا رجل، ومعناهما لا بد، ومن بعدهما مقدرة، والكسر على ما حكاه الفراء من أن بعضهم ينزلها منزلة اليمين فيقول: "لا جرم لآتينك"2. [دخول لام الابتداء بعد إن المكسورة على أربعة أشياء] : وتدخل لام الابتداء3 بعد "إن" المسكورة على أربعة أشياء: أحدها: الخبر، وذلك بثلاثة شروط4: كونه مؤخرا ومثبتا، وغير ماضٍ،

_ 1 "16" سورة النحل، الآية: 23. موطن الشاهد: {لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أن" بعد "لا جرم" يُجوِّز فيها الوجهين، فالفتح على تقدير "جرم" فعل ماضٍ كما في المتن والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": فاعل، و"لا" صلة زائدة، ورده الفراء، بأن "لا" لا تزاد في أول الكلام، والكسر على ما حكاه الفراء من أن بعضهم ينزلها منزلة اليمين فيقول: لا جرم لقد أحسنت، ولا جرم إنك ذاهب. شرح التصريح: 1/ 221. 2 الدليل على أنها منزلة منزلة اليمين وجود اللام في المثال، ويقال في إعرابها: لا: نافية للجنس. جرم: اسمها ومعناها القسم، وجملة لآتينك: جواب القسم وقد أغنت عن الخبر. 3 سميت كذلك؛ لأنها تدخل على المبتدأ كثيرا، وتدخل على غيره كخبر "إن" المكسورة. وهذه اللام مفتوحة، وفائدتها: توكيد مضمون الجملة المثبتة، وإزالة الشك عن معناها أو إنكارها، وتسمى "اللام المزحلقة" أو "اللام المزحلفة"، فبنو تميم يقولون زحلوقة بالقاف، وأهل العالية، يقولون: زحلوفة بالفاء، ويقول النحاة في سبب تسميتها بذلك: إن مكانها الأصلي للصدارة في الجملة الاسمية، لكن لما كانت للتوكيد و"إن" تفيد التوكيد كرهوا الجمع بين حرفين لمعنى واحد، فقدمت "إن" لأنها عاملة، وزحلقت اللام إلى الخبر. التصريح: 1/ 222- 223، وحاشية الصبان: 1/ 279. 4 يزاد على هذه الشروط: ألا يكون الخبر جملة شرطية، فلا يقال: إن محمدا لئن تكون يجلك؛ لأن هذه اللام، لا تدخل على أداة الشرط، ولا على فعله أو جوابه وما اجتمعت فيه الشروط قد يكون مفردا، أو مضارعا، أو ظرفا، أو جارا ومجرورا، أو جملة اسمية. التصريح: 1/ 223. حاشية الصبان: 1/ 279.

نحو: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء} 1، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَم} 2، {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُق} 3، {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيت} 4، بخلاف، {إِنَّ لَدَيْنَا.......

_ 1 "14" سورة إبراهيم، الآية: 39. موطن الشاهد: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعٌ} . وجه الاستشهاد: دخول اللام المزحلقة على خبر "إن" المكسورة سميع؛ لِتوفر الشروط، وهي: تأخره، وكونه مثبتا، وغير ماضٍ، وحكم دخولها في هذه الحال الجواز. 2 "27" سورة النمل، الآية: 74. موطن الشاهد: {إِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ} . وجه الاستشهاد: دخول اللام المزحلقة على الجملة الواقعة خبرا لـ "إن" المكسورة؛ لِتوفر الشروط، وهي: تأخُّر الخبر، وكونه مثبتا، وغير ماضٍ، وحكم دخولها في هذه الحال الجواز. 3 "68" سورة القلم: الآية: 4. وجه الاستشهاد: دخول "اللام المزحلقة على الجار والمجرور شريطة ألا يقدر متعلقه عند البصريين لأنه إن قدر استقر، لم تدخل عليه اللام؛ لأنها لا تدخل على معمول الفعل الماضي، خلافا للأخفش، وحكم الدخول الجواز، كما في الآيتين السابقتين. 4 "15" سورة الحجر، الآية: 23. موطن الشاهد: {إِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ} . وجه الاستشهاد: دخول "اللام المزحلقة" على الخبر الواقع جملة اسمية؛ لأن "نحن" في الآية الكريمة في محل مبتدأ، وليس ضمير فصل خلافا للجرجاني وحكم دخول "اللام" على الجملة الاسمية الجواز مع العلة. فائدة: تدخل اللام المزحلقة على خمسة أنواع هي: أولا: أن يكون الخبر اسما مفردا مؤخرا، نحو: إن المؤمن لكثير الحياء. ثانيا: أن يكون الخبر جملة فعلية فعلها مضارع، نحو: إن المؤمن ليكثر من الدعاء. ثالثا: أن يكون الخبر جارا ومجرورا، نحو: إن التقي لعلى سواء السبيل. رابعا: أن يكون الخبر ظرفا، نحو: إن الكتاب لفوق الطاولة، ومعلوم أنه في هذه =

أَنْكَالًا} 1، ونحو: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} 2، وشذ قوله3: [الوافر] 136- وأعلَمُ إنَّ تسليما وتركا ... لَلَا مُتَشابهان ولا سواء4

_ = الحالة والتي قبلها، لا يجوز أن نقدر المتعلق "استقر" لأنه فعل ماضٍ، ومعمول الفعل الماضي لا يجوز دخول اللام عليه كما أسلفنا. خامسا: أن يكون الخبر جملة اسمية، نحو: إنا لنحن المسلمينخير أمة، ويجوز في هذه الحالة إدخال اللام على مبتدأ الجملة الاسمية "نحن" أو على الخبر "خير"، فتصبح: إنا نحن المسلمين لخير أمة، وقد أنكر الرضي دخول اللام على الخبر، وأجازه ابن مالك وأما سبب دخول اللام على الخبر المفرد؛ لأنه أشبه المبتدأ، ودخولها على الفعل المضارع؛ لأنه أشبه الاسم، ودخولها على الظرف والجار والمجرور؛ لأنهما في حكم الاسم، ولذا أوجبوا جعلهما الخبر، أو يعلقا باسم، ودخولها على الجملة الاسمية؛ لأنها مبتدأ وخبر. انظر شرح التصريح: 1/ 222. 1 "73" سورة المزمل، الآية: 12. موطن الشاهد: {إِنَّ لَدَينَا أَنْكَالًا} . وجه الاستشهاد: تقدم الخبر على اسم "إن" فامتنع دخول اللام المزحلقة على الخبر. 2 "10" سورة يونس، الآية: 44. موطن الشاهد: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ} . وجه الاستشهاد: مجيء خبر "إن" مضارعا منفيا، ولذا فلا يجوز اقترانه باللام المزحلقة؛ لانتفاء شرط "الإثبات". 3 القائل هو: أبو حزام، غالب بن الحارث العكلي، ولم أعثر له على ترجمة وافية. 4 البيت من شواهد: التصريح: 1/ 222، وابن عقيل: "102/ 1/ 368"، والأشموني: "270/ 1/ 141"، وهمع الهوامع: 1/ 140ن والدرر اللوامع: 1/ 116، وخزانة الأدب: 4/ 331، والعيني: 2/ 244. المفردات الغريبة: تسليما: أي على الناس أو للأمور تركا: كذلك. متشابهان: متقاربان. سواء: متساويان. المعنى: أعلم وأعتقد أن التسليم على الناس وتركه، أو تسليم الأمور لذويها وتركه ليسا متساويين، ولا قريبيين من السواء. وكان ينبغي أن يقول: للا سواء ولا لضرورة الشعر. الإعراب: أعلم: فعل مضارع، والفاعل: أنا. إن: حرف مشبه بالفعل. تسليما: اسمه. وتركا: معطوف على "تسليما". "للا متشابهان": اللام لام المزحلقة، أو زائدة =

وبخلاف، نحو: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى} 1، وأجاز الأخفش والفراء، وتبعهما ابن مالك، "إن زيدا لنعم الرجل"، و"لعسى أن يقوم" لأن الفعل الجامد كالاسم2، وأجاز الجمهور "إن زيدا لقد قام" لشبه الماضي المقرون بقد بالمضارع لقرب زمانه من الحال، وليس جواز ذلك مخصوصا بتقدير اللام للقسم لا للابتداء، خلافا3 لصاحب الترشيح4، وأما نحو: "إن زيدا لقام"، ففي

_ و"لا نافية" متشابهان: خبر "إن" مرفوع. ولا الواو عاطفة، لا: نافية. سواء: معطوف على خبر "إن". موطن الشاهد: "للا متشابهان". وجه الاستشهاد: دخول اللام المزحلقة في خبر "إن" المنفي "لا متشابهان"، وحكم دخول اللام في هذه الحالة شاذ، وذهب ابن عصفور والفراء من قبله إلى أن الهمزة مفتوحة، واللام زائدة، وليست للابتداء. فائدة: إذا عُدَّت "إن" مكسورة الهمزة على رأي ابن هشام وما عليه أكثر النحويين في الشاهد السابق، كان في البيت شذوذ واحد، وهو دخول اللام على خبر "إن" المنفي، وأما على رأي ابن عصفور، فإن عدت اللام مزحلقة، كان في البيت شذوذان: أحدهما: دخول اللام على خبر "أن" المفتوحة، وثانيهما: دخولها على الخبر المنفي، وتخلُّصا من هذا الشذوذ أو ذاك ذهب بعضهم إلى عدِّ اللام في هذا الشاهد زائدة، كما زيدت في مواضع كثيرة. وانظر حاشية الصبان: 1/ 281، وشرح التصريح: 1/ 222. 1 "3" سورة آل عمران، الآية: 33. موطن الشاهد: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى} . وجه الاستشهاد: جاء خبر "إن" فعلا ماضٍيا، فامتنع دخول اللام المزحلقة عليه؛ لأنها لا تقترن بالخبر الدالِّ على الماضي. 2 المراد بـ "نعم"، كل فعل لا دلالة له على حدث، ولا زمان معين تقتضيه الصيغة، والمراد بـ "عسى": كل فعل دل على زمان، ولكنه نقل إلى الإنشاء، وقد وافق الشاطبي على دخول اللام على "نعم" و"بئس"، ولم يوافق على دخولها على عسى. شرح التصريح: 1/ 222، وحاشية الصبان: 1/ 281. 3 حيث ذهب إلى منع دخول لام الابتداء على الماضي المقترن بقد، وإذا ورد دخولها عليه قدرت لام جواب لقسم محذوف، والتقدير في المثال: إن زيدا والله لقد قام. 4 وصاحب الترشيح: هو أبو بكر خطاب بن يوسف الماوردي "المروزي" القرطبي البطليوسي، أحد كبار النحاة ومحققيهم، والمتقدمين في علوم اللسان عامة، تصدر لإقراء العربية طويلا، وصنف فيها، واختصر "الزاهر" لابن الأنباري، بالإضافة لكتابه المشهور: الترشيح، له نظم فيما يذكَّر ويؤنَّث، وينقل عنه أبو حيان، وابن هاشم كثيرا توفي سنة 450هـ. البلغة: 77، بغية الوعاة: 1/ 553، معجم المؤلفين: 4/ 103.

الغرة1 أن البصري والكوفي على منعها إن قدرت للابتداء2، والذي نحفظه أن الأخفش وهشامًا3 أجازاها على إضمار قد. الثاني: معمول الخبر، وذلك بثلاثة شروط أيضا4: تقدمه على الخبر، وكونه غير حال5، وكون الخبر صالحا للام، نحو: "إن زيدا لعمرا ضارب"، بخلاف:

_ 1 الغرة: هو كتاب شرح اللمع لابن جني، ومؤلفه: سعيد بن المبارك، المعروف بابن الدهان، وهو أحد أفاضل النحاة، أخذ عن الرماني، وأخذ عنه التبريزي، وروى عنه السمعاني، له مؤلفات كثيرة منها: شرح الإيضاح، وشرح اللمع، وكتاب الدروس وكتاب الرياضة وغيرها. البلغة: 85، بغية الوعاة: 1/ 587، الأعلام: 3/ 153، وفيات الأعيان: 1/ 209. 2 لأن الفعل ماضٍ غير جامد، وغير مقرون بقد، فيمتنع دخول لام الابتداء عليه، فإن قدرت اللام للقسم جاز، ويكون التقدير: إن زيدا والله لقام. 3 هو أبو عبد الله، هشام بن معاوية الضرير، النحوي الكوفي، أحد أصحاب الكسائي، له مصنفات منها: مختصر النحو، وحدود الحروف، والقياس، والعوامل، والأفعال واختلاف معانيها، مات سنة 209هـ. البلغة: 279، إنباه الرواة: 3/ 364، بغية الوعاة: 2/ 328، ومعجم الأدباء: 19/ 292. 4 يزاد عليها: ألا يكون الخبر مشتملا عليها، فلا يجوز: إن محمدا المذلة ليأبى على الصحيح. 5 أي: وغير تمييز أيضا، فلا يصح أن تقول: إن محمدا لعرقا يتصبب. إذا كان الخبر صالحا لدخول اللام عليه، وله معمول مستوفٍ الشرط، جاز دخول اللام على معمول الخبر، كما مثل المصنف، وجاز دخولها على الخبر، في نحو: {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} ، وقد تدخل عليهما معا، حكى الكسائي والفراء من كلام العرب: "إني لبحمد الله لصالح" وذلك قليل، وأجازه المبرد، ومنعه الزجاج، وهو الصحيح، كما امتنع دخولها على الخبر، إذا دخلت على الاسم المتأخر أو على ضمير الفصل. التصريح: 1/ 223، حاشية الصبان: 1/ 282.

"إن زيدا جالس في الدار" و"إن زيدا راكبا منطلق" و"إن زيدا عمرا ضرب" خلافا للأخفش في هذه. الثالث: الاسم، بشرط واحد، وهو أن يتأخر عن الخبر، نحو: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَة} 1، أو عن معموله: نحو: "أن في الدار لزيدا جالس". الرابع: الفصل2، وذلك بلا شرط، نحو: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَق} 3، إذا لم يعرب "هو مبتدأ". [دخول ما الزائدة على هذه الأحرف] : وتتصل "ما" الزائدة بهذه الأحرف إلا "عسى" و"لا"، فتكفها عن العمل، وتهيئها للدخول على الجمل، نحو: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ

_ 1 "79" النازعات، الآية: 26. موطن الشاهد: "إن في ذلك لعبرة". وجه الاستشهاد: دخول "لام الابتداء" على اسم "إن" لتأخره عن الخبر، وحكم دخول "اللام" في هذه الحالة الجواز؛ لِتوفر الشرط. 2 وهو المسمى عند الكوفيين عمادا؛ لأنه يعتمد عليه في تأدية المعنى، وضمير فصل عند البصريين؛ لأنه يفصل به بين الخبر والنعت، وإنما دخله اللام؛ لأنه مقوٍّ للخبر؛ لرفعه توهم السامع كون الخبر تابعا له، فنزل منزلة الجزء الأول من الخبر، وقال ابن عصفور: لأنه اسم أن في المعنى، وقال ابن عقيل: وشرط ضمير الفصل أن يتوسط بين المبتدأ والخبر أو ما أصله المبتدأ والخبر. شرح التصريح: 1/ 224، وابن عقيل: "دار الفكر": 288. والأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 282-283. 3 "3" سورة آل عمران، الآية: 62. موطن الشاهد: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ} . وجه الاستشهاد: دخول اللام على ضمير الفصل "هو"، شرط ألا يعرب مبتدأ وما بعده خبره، والجملة خبر إن؛ لأنه في تلك الحال، لا يكون ضمير فصل؛ لأن ضمير الفصل لا محل له من الإعراب.

وَاحِدٌ} 1، و {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ} 2، بخلاف قوله3: [الطويل] 137- ولكنما يُقضَى فسوف يكون4

_ 1 "21" سورة الأنبياء، الآية: 108. موطن الشاهد: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا} . وجه الاستشهاد: دخول "ما" الزائدة على "إن" المكسورة الهمزة "الحرف المشبه بالفعل" فكفتها عن العمل وأدخلت على الجملة الفعلية، ودخول "ما" الزائدة على "أنماط المفتوحة الهمزة ومدخولها جملة اسمية، ولكن بطل عملها. 2 "8" سورة الأنفال، الآية: 6. موطن الشاهد: {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ} . وجه الاستشهاد: دخول "ما" الزائدة على "كأن" وكفها عن العمل، ودخولها على الجملة الفعلية، كما في الآية السابقة. 3 القائل: هو الأفوه الأزدي أو الأودي. ولم أعثر له على ترجمة وافية. 4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: فوالله ما فارقتكم قاليا لكم وهذا البيت أنشده أبو علي القالي في أماليه ضمن ثلاثة أبيات رواها عن ابن دريد، عن أبي حاتم، ولم يسمَّ قائلها، أمالي القالي: 1/ 99، وأنشده ياقوت في معجم البلدان: 4/ 77، رابع أربعة أبيات، ونسبها إلى أبي المطواع ابن حمدان، يقولها في دمشق. والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 225، والعيني: 2/ 315، وقطر الندى "54/ 196". المفردات الغريبة: قاليا: اسم فاعل، فعله قلاه ويقلوه قلى، ومعناه: كرهه وأبغضه، وهو حال من التاء في فارقت. المعنى: يقسم الشاعر قائلا: إني ما فارقتكم عن بغض وكراهية لكم، أو ملال لعشرتكم وصحبتكم، ولكنه قدر الله وقضاؤه، وما تجري به المقادير، ولا مفر من وقوعه، ولا يمكن التحرز منه. الإعراب: "والله". متعلق بفعل قسم محذوف. ما: نافية. فارقتكم: فعل ماضٍ وفاعل ومفعول به، و"الجملة": جواب للقسم، لا محل لها. قاليا: حال منصوب. "لكم": متعلق بـ "قاليا". ولكنما: الواو عاطفة، لكن: حرف مشبه بالفعل، و"ما": اسم موصول في محل نصب اسم "لكن" يُقضَى فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل: هو، وجملة "يقضى" صلة للموصول، لا محل لها. فسوف: الفاء زائدة في خبر "لكن" سوف: حرف تنفيس، أو للتسويف، وهو الأفضل. يكون: فعل مضارع تام؛ لأنه بمعنى يوجد، والفاعل: هو. وجملة "يكون": في محل رفع خبر "لكن". موطن الشاهد: "ولكنما". وجه الاستشهاد: إعمال "لكن" مع اتصالها بـ "ما"؛ لأن "ما" هذه موصولة لا زائدة، بدليل عود الضمير في "يقضى" عليها. وفي البيت شاهد آخر في "فسوف يكون"، حيث زيدت الفاء في خبر "لكن" كما بينا في الإعراب وجمهور النحاة يجيزون زيادة الفاء في خبر المبتدأ، وفي خبر "إن" المكسورة، وفي خبر "أن" المفتوحة، وفي خبر "لكن" ويستدلون على الأخير، بهذا البيت، وما شابهه، ومنع الأخفش اقتران خبر "لكن" بالفاء الزائدة، والشاهد السابق حجة عليه.

إلا "ليت" فتبقى على اختصاصها1، ويجوز إعمالها وإهمالها2، وقد رُوي بهما قوله3: [البسيط] 138- قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا4

_ = تام؛ لأنه بمعنى يوجد، والفاعل: هو. وجملة "يكون": في محل رفع خبر "لكن". موطن الشاهد: "ولكنما". وجه الاستشهاد: إعمال "لكن" مع اتصالها بـ "ما"؛ لأن "ما" هذه موصولة لا زائدة، بدليل عود الضمير في "يقضى" عليها. وفي البيت شاهد آخر في "فسوف يكون"، حيث زيدت الفاء في خبر "لكن" كما بينا في الإعراب وجمهور النحاة يجيزون زيادة الفاء في خبر المبتدأ، وفي خبر "إن" المكسورة، وفي خبر "أن" المفتوحة، وفي خبر "لكن" ويستدلون على الأخير، بهذا البيت، وما شابهه، ومنع الأخفش اقتران خبر "لكن" بالفاء الزائدة، والشاهد السابق حجة عليه. 1 خالف في هذا الحكم ابن أبي الربيع وطاهر القزويني، فإنهما أجازا في "ليت" إذا اقترنت بها "ما" أن تدخل على الجملة الفعلية نحو "ليتما قام زيد" التصريح: 1/ 225. 2 ذهب سيبويه إلى أنه لا يجوز في هذه الحالة إلا الإعمال. 3 القائل: هو النابغة الذبياني، وقد مرت ترجمته. 4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: إلى حمامتنا أو نصفه فقد وهو من شواهد: التصريح: 1/ 225، والأشموني: "271/ 1/ 143"، وهمع الهوامع: 1/ 143 الدرر اللوامع: 1/ 121، وكتاب سيبويه: 1/ 272، والخصائص: 2/ 460، وأمالي ابن الشجري: 2/ 142، 241، الإنصاف: 479، شرح المفصل: 8/ 54، 58، والمقرب: 20 الخزانة: 4/ 67، والعيني: 2/ 254، قطر الندى: "56/ 198" الشذور: "138/ 365" المغني: "524/ 376" "573/ 406" "98/ 89"، والسيوطي: 72، 236، ديوانه: 24. المفردات الغريبة: قالت: الضمير عائد إلى زرقاء اليمامة، وهي مضرب المثل بحدة النظر. قد: اسم بمعنى "كاف". المعنى: قالت زرقاء اليمامة وقد مر سرب من الحمام قريبا منها: ليت هذا الحمام مضموما إلى حمامتنا، ونصف هذا العدد السرب فيكمل لنا مائة. ولفظ مقولها: ليت الحمام ليه. إلى حمامتيه. أو نصفه قديه. تم الحمام ميه. قيل: ثم وقع =

وندر الإعمال في إنما، وهل يمتنع قياس ذلك في البواقي مطلقا؟ أو يسوغ مطلقا؟ أو في لعل فقط؟ أو فيها وفي كأن؟ أقوال1.

_ = في شبكة صائد، فعد، فإذا هو "66" فإذا أضيف نصفه إلى حمامتها، كان مائة، كما قالت. الإعراب: قالت: فعل ماضٍ، والفاعل: هي، والتاء للتأنيث. ألا: حرف استفتاح وتنبيه. ليتما: ليت حرف مشبه بالفعل إذا كانت معملة و"ما" زائدة، أو: كافة ومكفوفة، لا عمل لها. هذا: اسم الإشارة إما أن يكون اسم "ليت" على إعمالها وإما أن يكون مبتدأ، إذا كانت "ما" كافة الحمام: بدل من اسم الإشارة، وهو الأفضل، فإذا كانت "ما" كافة واسم الإشارة مبتدأ، كان "الحمام" مرفوعا، وإذا عدت "ما" زائدة" فاسم الإشارة اسم "ليت" ويكون الحمام منصوبا، وكلا الوجهين جائز، "لنا" متعلق بخبر "ليت" المحذوف، أو بخبر المبتدأ، حسب التقدير، "إلى حمامتنا": متعلق بمحذوف حال من اسم "ليت"، و"نا" مضاف إليه. أو: حرف عطف بمعنى الواو، نصفه: معطوف على اسم الإشارة، فيجوز فيه الرفع والنصب؛ لِما أسلفنا، فقد: الفاء فاء الفصيحة، قد: اسم بمعنى "كاف". خبر لمبتدأ محذوف، و"المبتدأ المحذوف وخبره": في محل جزم جواب شرط محذوف، والتقدير: إن يحصل ذلك فهو كاف. موطن الشاهد: "ليتما هذا الحمام لنا". وجه الاستشهاد: روي هذا الشاهد برفع الحمام على إهمال "ليت"، وبنصبه على إعمالها، وفي هذا الشاهد دليل على أن "ما" غير الموصولة، إذا ما اتصلت بـ "ليت" لا يلزم أن تكفها عن العمل، بل يجوز الإعمال والإهمال، وإن كان الإعمال أرجح، حتى أوجبه سيبويه لأنه يرى "ما" المتصلة بـ "ليت" موصولة وليست كافة. 1 يذهب سيبويه والأخفش "إلى أنه، لا يجز الإعمال في أن المفتوحة الهمزة، ولا في كأن ولعل ولكن إذا اتصلت بإحداهن "ما" الكافة، فالإعمال عند سيبويه واجب في ليت، ونادر في "إن" وممتنع في البواقي. وحجته في ذلك كله الوقوف عند ما سمع من العرب، وذهب الزجاج، وابن السراج، والزمخشري، وابن مالك إلى أن الإعمال جائز في كل هذه الأحرف مع اتصالهن بما الكافة، قياسا لما لم يسمع عن العرب على ما سمع، وذهب الفراء إلى أن الإعمال جائز في "لعل" إذا اتصلت بما الكافة؛ لأنها أقرب هذه الأحرف شبهًا بليت، حتى إن بعض النحاة، يزعم أن "لعل"، قد تتضمن معنى "ليت" فتأخذ حكمها، وحمل على هذا الوجه، قوله تعالى: {فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} ، فزعم أن نصب المضارع المقترن بالفاء بسبب تضمن "لعل" معنى ليت؛ لأن قبل ذلك {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ} وذهب ابن أبي الربيع إلى أن الإعمال جائز مع "لعل" و"كأن"؛ لِقرب كل منهما من "ليت" فهذه هي الأقوال التي يشير المؤلف إليها. شرح التصريح: 1/ 225 وابن عقيل: "دار الفكر": 1/ 289، وحاشية الصبان: 1/ 284.

[العطف على أسماء هذه الأحرف بالنصب قبل مجيء الخبر وبعده] : يعطف على أسماء هذه الحروف بالنصب: قبل مجيء الخبر، وبعده، كقوله: [الرجز] 139- إن الربيع الجود والخريفا ... يدا أبي العباس والصُّيُوفا2

_ 1 القائل: هو رؤبة بن العجاج، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز، أو بيتان من مشطوره في مدح أبي العباس السفاح، أول خلفاء بني العباس، وهو من شواهد التصريح: 1/ 226، وهمع الهوامع: 2/ 144، والدرر اللوامع: 2/ 200، والعيني: 2/ 261، والمقتضب: 4/ 111، والكتاب لسيبويه: 1/ 285، وملحقات ديوان رؤبة: 179. المفردات الغريبة: الجود: المطر الغزير. الصيوف: جمع صيف، وهو أحد فصول السنة الأربعة، ويريد بالربيع والخريف والصيوف أمطارها. المعنى: يقصد الراجز: أن مطر الربيع الغزير، وأمطال الخريف والصيف -تشبه يدي أبي العباس في كثرة الخير والنفع للعباد- وحق التشبيه أن يشبه الراجز يدي أبي العباس بالأمطار، في هذه الفصول ولكنه عكس التشبيه للمبالغة. الإعراب: إن: حرف مشبه بالفعل. الربيع: اسم "إن" منصوب. الجود: صفة لـ "الربيع". والخريفا: معطوف بالواو على الربيع. يدا: خبر مرفوع، وعلامة رفعه الألف؛ لأنه مثنى، وهو مضاف. أبي: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف. العباس: مضاف إليه. والصيوفا: معطوف على الربيع، والألف للإطلاق. موطن الشاهد: "والخريفا..... والصيوفا". وجه الاستشهاد: عطف الشاعر "الخريف" على اسم "إن" بالنصب قبل أن يجيء بالخبر الذي هو "يدا" وعطف الصيوف" على اسم "إن" بالنصب بعد أن جاء بخبر "إن"، وفي هذا دلالة على جواز العطف على اسم "إن" قبل المجيء بالخبر وبعده.

[يعطف بالرفع بشرطين] : ويعطف بالرفع بشرطين1: استكمال الخبر2، وكون العامل "أن" أو "إن" أو "لكن"، نحو: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُه} 3، وقوله4: [الطويل] 140- فإنَّ لنا الأمُّ النجيبةُ والأبُ5

_ 1 قال الرضي: والوصف وعطف البيان والتوكيد كالمنسوق "عطف النسق" عند الجرمي والزجاج والفراء في جواز الحمل على المحل، ولم يذكر غيرهم في ذلك منعا ولا إجازة، والأصل: الجواز؛ إذ لا فارق. ولم يذكروا البدل والقياس، كونه كسائر التوابع في جواز الرفع، نحو: إن الزيدين أستحسنهما شمائلهما بالرفع، وقال الرضي عن "التسهيل" لابن مالك: وجه المنع عند الجمهور في النعت أن الغرض منه بيان المنعوت؛ لِيصح الإخبار عنه، فحقه أن يكون قبل الخبر، فإن جاء بعده فعلى نية التقديم والتأخير، والحمل على الموضع، لا يكون إلا بعد تمام الكلام. وخلاصة القول: إن هؤلاء النحاة، قد أجازوا الإتباع على المحل في النعت، وعطف البيان، والتوكيد قياسا على ما سمع من العرب في عطف النسق. انظر حاشية الشيخ يس على شرح التصريح: 1/ 226. 2 لأنه يلزم على العطف قبل الاستكمال، العطف قبل تمام المعطوف عليه، أو تقديم المعطوف، كما سيأتي. 3 "9" سورة التوبة، الآية: 3. موطن الشاهد: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيٌء.... وَرَسُولُهُ} . وجه الاستشهاد: عطف "رسوله" بالرفع على محل اسم الجلالة المنصوب بـ "أن" بعد استكمال الخبر، وهو "بريء" وحكم هذا العطف الجواز. 4 لم ينسب إلى قائل معين. 5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: فمن يك لم ينجب أبوه وأمه وهو من شواهد: التصريح: 1/ 227، والأشموني: "273/ 1/ 143"، وهمع الهوامع: 2/ 44 والدرر اللوامع: 2/ 199، والعيني: 2/ 265. المفردات الغريبة: النجيبة: أراد التي تلد الأولاد النجباء، قال ابن منظور: "أنجبت المرأة فهي منجبة ومنجاب: ولدت النجباء، ونسوة مناجيب، وكذلك الرجل، يقال: أنجب الرجل، ويقال: أنجب الرجل والمرأة، إذا ولدا ولدا نجيبا، أي كريما. المعنى: يقول الشاعر: إن من لم ينجب أبوه وأمه أولادا نجباء فإن لنا أما وأبا قد أنجبا، يريد أنه وإخوته نجباء كرام، أبناء رجل منجب وأم كذلك.

وقوله1: [الطويل] 141- ولكنَّ عمي الطيب الأصل والخال2

_ = الإعراب: من: اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ. يك: فعل مضارع ناقص، مجزوم وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة تخفيفا، واسمه. هو: "يك" فعل الشرط. لم: جازمة نافية. ينجب: فعل مضارع مجزوم. أبوه: فاعل مرفوع، والهاء: مضاف إليه. وجملة "لم ينجب": في محل نصب خبر "يك" فإن: الفاء رابطة لجواب الشرط، إن: حرف مشبه بالفعل. "لنا" متعلق بخبر متقدم محذوف. الأم: اسم "إن" منصوب. النجيبة: صفة لـ "الأم" والأب: الواو حرف عطف، الأب: معطوف على محل اسم "إن" أو على الضمير المستتر في الجار والمجرور الواقع خبر لـ "إن"، أو هو مبتدأ محذوف الخبر، والجملة معطوفة على جملة "إن واسمها وخبرها"، والتقدير على هذا: ولنا الأب النجيب، وجملة "إن واسمها وخبرها" في محل جزم جواب الشرط. موطن الشاهد: "والأب". وجه الاستشهاد: عطف "الأب" بالرفع على محل اسم "إن" بعد إتيانه بالخبر "لنا"، وهذا المراد من الاستشهاد به عند الناظم، والمؤلف على الظاهر من باب عطف المفرد على المفرد، وبيَّنَّا أوجه الإعراب المختلفة؛ لِبيان آراء النحاة في هذه المسألة. 1 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: وما قصرت بي في التسامي خؤولة وأنشدوا قبله: وما زلت سباقا إلى كل غاية ... بها يُبتغى في الناس مجد وإجلال والشاهد من شواهد، التصريح: 1/ 227، والأشموني: "276/ 1/ 144"، والعيني: 2/ 316 وهمع الهوامع: 2/ 144، والدرر اللوامع: 2/ 202. المفردات الغريبة: التسامي: التعاظم والتعالي، وأراد بها العراقة في النسب، ويروى مكانه المعالي. خؤول: إما من المصدر كالعمومة، أو جمع خال كالعمومة جمع عم. المعنى: يفتخر الشاعر بحسبه ونسبه قائلا: لم يقعد بي عن التعاظم والتباهي بالحسب وعراقة النسب أخوالي ولا أعمامي؛ فإن كلا منهما كريم الأصل، عريق النسب، فأنا مع علو همتي كريم العنصر من ناحية الأخوال والأعمام. الإعراب: ما: نافية. قصرت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث. "بي" و"في التسامي": متعلقان بـ "قصر". خؤولة: فاعل مرفوع. لكن" حرف استدراك ونصب "حرف مشبه بالفعل". عمي: اسم "لكن" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل الياء، والياء: مضاف إليه. الطيب: خبر "لكن" مرفوع، وهو مضاف. الأصل: =

والمحققون على أن رفع ذلك ونحوه على أنه مبتدأ حذف خبره، أو بالعطف على ضمير الخبر، وذلك إذا كان بينهما فاصل، لا بالعطف، على محل الاسم مثل: "ما جاءني من رجل ولا امرأة"، بالرفع؛ لأن الرفع في مسألتنا الابتداء وقد زال بدخول الناسخ1. ولم يشترط الكسائي والفراء الشرط الأول2 تمسكا، بنحو: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} 3، وبقراءة بعضهم: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتُهُ يُصَلُّونَ عَلَى

_ = مضاف إليه. والخال: الواو عاطفة. الخال: معطوف على محل اسم "لكن" "عطف مفرد على مفرد"، أو الخال: مبتدأ، وخبره محذوف، والتقدير: والخال الطيب الأصل، والجملة معطوفة على جملة "لكن" عمي الطيب" والأول: هو المراد من الاستشهاد. موطن الشاهد: "والخال". وجه الاستشهاد: عطف "الخال" مرفوعا على محل اسم "لكن" بعد أن جاء بالخبر "الطيب الأصل" وهذا العطف على المحل من باب عطف المفرد على المفرد، وهو ما ذهب إليه ابن مالك، وسار عليه ابن هشام كما أوضحنا في المثال السابق، غير أن الجمهور يرون أن "الخال" مبتدأ محذوف الخبر، والجملة من "المبتدأ والخبر المحذوف": معطوفة على جملة "لكن عمي الطيب الأصل، أو معطوف على اسم مرفوع مثله، وهو الضمير المستكن في الخبر المتقدم، وعليه، يكون العطف من باب عطف المفرد على المفرد. وانظر تفصيل هذه المسألة في شرح التصريح: 1/ 227- 228. 1 ذلك؛ لأن العامل اللفظي، يبطل عمل العامل المعنوي، أما الرافع لمحل "رجل" في المثال، فهو الفعل "جاءني"، ولا يمنعه عن العمل الزائد؛ لأنه كالعدم. انظر شرح التصريح: 1/ 227. 2 أي: وهو استكمال الخبر، فأجازوا الرفع قبل الاستكمال وبعده كما في المغني وغيره. 3 "5" سورة المائدة، الآية: 69. موطن الشاهد: {إِنَّ الَّذِينَ...... وَالصَّائِبُونَ} . وجه الاستشهاد: عطف "الصائبون" على محل اسم إن "الذين" قبل استكمال الخبر، وهو من آمن بالله واليوم الآخر، فحكم هذا العطف الجواز.

النَّبِيِّ"1، وبقوله2: [الطويل] 142- فإني وقيار بها لغريب3

_ 1 "33" سورة الأحزاب، الآية: 56. أوجه القراءات: قرأ ابن عباس وأبو عمرو "وملائكته" بالرفع، وقرأ الباقون بالنصب. توجيه قراءة الرفع: على قراءة الرفع يكون "ملائكته" معطوفا على محل اسم "إن" وهو "لفظ الجلالة" كما في الآية السابقة وانظر البحر المحيط: 7/ 248، وتفسير القرطبي: 14/ 232، والكشاف: 3/ 272. 2 القائل: هو ضابيء بن الحارث البرجمي، أحد بني غالب بن حنظلة، سجنه سيدنا عثمنا بن عفان -رضي الله عنه-؛ لأنه رمى بني جرول بن نهشل، وبقي إلى أن مات في سجنه. الشعر والشعراء: 1/ 350، الإصابة: 3/ 276، والخزانة: 4/ 80، الاشتقاق: 134. 3 تخريج الشااهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: فمن يك أمسك بالمدينة رحله والبيت أول أربعة أبيات قالها الشاعر وهو في سجنه سيدنا عثمان رضي الله عنه، والأبيات رواها أبو العباس المبرد في كامله. والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 228، والأشموني: "274/ 1/ 144"، وسيبويه: 1/ 38، وهمع الهوامع: 2/ 144، والدرر اللوامع: 2/ 200، ومجالس ثعلب: 316، 598، والإنصاف: 1/ 94، وشرح المفصل: 8/ 68، والخزانة: 4/ 323، ومعاهد التنصيص: 1/ 65، ومغني اللبيب "854/ 618" "1051/ 811"، وشرح السيوطي: 293. المفردات الغريبة: رحله، الرحل: المقصود به في البيت: مسكن الرجل وما يستصحبه من الأثاث، وروى مكانه رهطه، ورهط الرجل أهله وقبيلته. قيار: "بفتح القاف وتشديد الياء المثناة" ذكر العيني أنه اسم رجل، وقال أبو زيد في نوادره: إنه اسمه جمله، وقال الخيل: إنه اسم فرس له. المعنى: يتحسر الشاعر في حبسه قائلا: من يك منزله وأثاثه بالمدينة، فليمس بها، أما أنا فلا؛ لأني وجملي أو فرسي غريب بها، فسنرحل عنها. الإعراب: من: اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ. يكُ: فعل مضارع ناقص مجزوم؛ لِكونه فعل الشرط، وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة تخفيفا، واسمه: هو. أمسى: فعل ماضٍ ناقص. "بالمدينة": متعلق بخبر "أمسى" المحذوف، والمتقدم على الاسم. رحله: اسم أمسى "مؤخر مرفوع" والهاء: في محل جر بالإضافة، =

وقوله1: [الوافر] 143- وإلا فاعلموا أنا وأنتم ... بغاة2...................

_ = وجملة "أمسى واسمها وخبرها": في محل نصب خبر "يك". فإني: الفاء رابطة لجواب الشرط. إن: حرف مشبه بالفعل، والياء: اسمه. وقيار: الواو حرف عطف. قيار: اسم معطوف على محل اسم "إن"، أو قيار: مبتدأ محذوف الخبر، والتقدير. وقيار مثلي، كما في الأمثلة السابقة، والوجه الأول أفضل في هذا الشاهد. لغريب: اللام لام المزحلقة. غريب: خبر "إن" مرفوع. موطن الشاهد: "فإني وقيار لغريب". وجه الاستشهاد: عطف "قيار" على محل اسم "إن" قبل استكمال الخبر "غريب"، وهذا على مذهب الكسائي والفراء، اللذين أجازا العطف بالرفع على محل اسم "إن" قبل استكمال الخبر، كما في المتن، وأخذ بهذا الرأي أكثر فيما بعد. غير أن بعض النحويين، يرون أن "قيار" مبتدأ محذوف الخبر؛ لِدلالة خبر "إن" عليه، أو "غريب" خبره، وخبر "إن" محذوف، ويراعى في كل كلام ما يناسبه، وفي مثل هذا الشاهد، فالمذكور خبر "إن"؛ لِاقتران الخبر باللام، وخبر المبتدأ لا يقترن بها إلا شذوذا، والحمل على الشاذ، إذا أمكن غيره، لا يجوز، والذهاب إلى أن اللام زائدة، لا لام الابتداء لا داعي له، وما ذهب إليه ابن مالك، وابن هشام أفضل؛ لأنه يريحنا من التأويلات، والتجوزات التي لا فائدة فيها. 1 القائل هو: بشر بن أبي خازم، ويكنى أبا نوفل، وهو أحد بني أسد بن خزيمة، أحد فحول الشعراء، وشجعان الفرسان، هجا أوس بن حارثة الطائي بخمس قصائد وحدث أن أسره "بنو نبهان"، ففكَّ أوس أسره، وأنعم عليه، فمدحه بخمس قصائد، مات مقتولا في إحدى غزواته، وذلك سنة 92 ق. هـ. له ديوان شعر مطبوع. الشعر والشعراء: 1/ 270، والخزانة: 2/ 261، ومختارات ابن الشجري: 2/ 19 2 تخريج الشاهد: البيت بتمامه: وإلا فاعلموا أنا وأنتم ... بغاة ما بقينا في شقاق وهو من شواهد: التصريح: 1/ 228، والكتاب لسيبويه: 1/ 290، والعيني: 4/ 315 ودلائل الإعجاز للجرجاني: 24، والإنصاف: 190، وشرح المفصل: 7/ 69، والخزانة: 4/ 315 وديوان بشر بن أبي خازم: 165. المفردات الغريبة: بغاة: جمع باغ، وهو اسم الفاعل من البغي، وهو مجاوزة الحد، وتقول: بغى فلان على فلان، إذا ظلمه، واعتدى عليه. شقاق: مصدر شاقه إذا خالفه وعاداه أشد العداوة.

ولكن اشترط الفراء1، إذا لم يتقدم الخبر، خفاء إعراب الاسم2 كما في بعض هذه الأدلة3. وخرجها المانعون على التقديم والتأخير4، أي والصائبون كذلك، أو على الحذف من الأول5 كقوله6: [الطويل]

_ المعنى: يعظ الشاعر قومه قائلا: إن لم يرأب الصدع بيننا، ويحل الوئام محل الخصام فاعلموا أننا شركاء في الظلم، ما دمنا في نزاع، وخصام وعداء. الإعراب: إلا: إن الشرطية الجازمة، ولا: النافية، وفعل الشرط محذوف، والتقدير: إلا تفعلوا، ونحوه. فاعلموا: الفاء رابطة لجواب الشرط. اعلموا: فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، و"الجملة": في محل جزم جواب الشرط. أنا: حرف مشبه بالفعل، و"نا": اسمه. وأنتم: الواو عاطفة، أنتم: ضمير منفصل في محل رفع عطفا على محل اسم "أن"، أو: أنتم: في محل رفع مبتدأ، وخبره محذوف، وأنتم مثلنا، ونحو ذلك. بغاة: خبر "أن". ما: مصدرية ظرفية. بقينا: فعل ماضٍ وفاعل، والمصدر المؤول من "ما وما دخلت عليه": في محل جر بالإضافة، والتقدير: مدة بقائنا "في شقاق": متعلق بمحذوف خبر ثانٍ لـ "أن". موطن الشاهد: "أنا وأنتم بغاة". وجه الاستشهاد: عطف "أنتم" على محل اسم "أن" قبل استكمال الخبر "بغاة" وهذا المراد من الاستشهاد بالبيت، وبينا أن العطف على محل اسم إن وأن وأخواتهما قبل استكمال الخبر جائز على مذهب الكسائي وتلميذه الفراء ومن وافقهما، ويرى الجمهور أن العطف من باب عطف جملة على جملة كما في الأمثلة السابقة. 1 مرت ترجمته. 2 بأن يكون مبنيا، أو مقصورا، أو مضافا إلى ياء، ومثل ذلك، ما إذا كان خفي إعراب المعطوف، دون المعطوف عليه، نحو: إن محمدا وموسى فدائيان، والعلة في ذلك الاحتراز من تنافر اللفظ. 3 أي المتقدمة، وهي: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا.....} إلخ والبيتان. 4 أي: تقديم المعطوف وتأخير الخبر، فيكون "من آمن" خبر "إن" وخبر "الصائبون": محذوف، أي: كذلك، ويقال في الإعراب: "من": اسم شرط مبتدأ "آمن" فعل الشرط، والخبر فلا خوف.... إلخ. و"الجملة": خبر إن. 5 أي حذف الخبر، من الأول؛ لِدلالة الثاني عليه، فيكون "من آمن" خبرا عن "الصابئون" وخبر "إن" محذوف؛ لِدلالة خبر "الصائبون" عليه. 6 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

144-......... فإني وأنتما ... وإن لم تبوحا بالهوى؛ دنفانِ1 ويتعين التوجيه الأول في قوله: فإني وقيار بها لغريب2

_ 1 تخريج الشاهد: البيت بتمامه: خليلي، هل طب؟ فإني وأنتما ... وإن لم تبوحا بالهوى دنفان. وهو من شواهد: التصريح: 1/ 229، والأشموني: "275/ 1/ 144"، والعيني: 2/ 274 ومغني اللبيب: "853/ 617" "1050/ 810"، وشرح السيوطي: 293. المفردات الغريبة: طب: هو علاج الجسم والنفس. تبوحا بالهوى: تعلناه وتظهراه، والهوى: العشق. دنفان: مثنى دنف "بفتح الدال وكسر النون" صفة مشبهة من الدنف "بفتح الدال والنون" وهو المرض الملازم المخامر، وقيل: المرض ما كان. المعنى: يا صاحبي، هل من علاج يرجى للشفاء مما نحن فيه؟ فإني مريض، وأنتما كذلك، وإن لم تظهرا ما هو دفين في جوانحكما من هوى وألم ممضض. الإعراب: خليلي: منادى مضاف. بحرف نداء محذوف، منصوب وعلامة نصبه الياء؛ لأنه مثنى، والياء المدغمة بها في محل جر بالإضافة، هل: حرف استفهام. طب: مبتدأ مرفوع، وخبره محذوف، والتقدير: هل طب موجود، أو لنا، ونحو ذلك. فإني: الفاء تعليلية، إني: حرف مشبه واسمه، والخبر محذوف؛ لِدلالة خبر المبتدأ "أنتما" عليه. وأنتما: مبتدأ. وإن لم تبوحا: شرط وفعله، والجواب محذوف، يدل عليه ما قبله دنفان: خبر أنتما". موطن الشاهد: "فإني وأنتما دنفان". وجه الاستشهاد: تعين كون "أنتما" مبتدأ، و"دنفان" خبره، وخبر "إن" محذوف؛ لِدلالة خبر المبتدأ عليه؛ وذلك لأن "دنفان" مثنى واسم "إن" مفرد، ولا يجوز أن يقع المثنى خبرا عن المفرد، وكذلك لا يجوز أن يكون خبرا عن اسمها وما بعده؛ لأن الجميع جمع، ولا يجوز الإخبار عنه بالمثنى، فلا يبقى إلا الوجه الذي ذهبنا إليه في الإعراب، ويكون من باب عطف الجمل لا المفردات. 2 مر تخريج هذا الشاهد، والتعليق عليه. يريد المؤلف القول: إن "لغريب" يتعين فيها أن تكون خبر "إن"؛ وذلك لِاقتران هذا الخبر باللام المزحلقة "لام الابتداء" كما أسلفنا وهي تدخل على خبر "إن" لا على خبر المبتدأ. وأما "قيار" فمبتدأ محذوف الخبر؛ لِدلالة خبر "إن" عليه، والتقدير: وقيار غريب، وهذا على مذهب الجمهور، وبينا أنه يجوز أن يكون معطوفا على محل اسم "إن"، وهو الأفضل.

ولا يتأتى فيه الثاني لأجل اللام، إلا إن قُدِّرَتْ زائدة مثلها في قوله: أم الحليس لعجوز شهربة1 والثاني في قوله تعالى: "وَمَلائِكَتُهُ"2 ولا يتأتى فيه الأول لأجل الواو في {يُصَلُّونَ} 2 إلا إن قدرت للتعظيم مثلها في: {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} 3. ولم يشترط الفراء الشرط الثاني4 تمسكا بنحو قوله5: [الرجز] 145- يا ليتني وأنت يا لميس ... في بلدة ليس بها أنيس6

_ 1 مر تخريج هذا الشاهد والتعليق عليه، ومراد المؤلف من ذكر البيت؛ لِيدل على اللام الزائدة في قوله: "لعجوز"، حيث خرجت على أنها زائدة، وليست لام الابتداء؛ لأن لام الابتداء لا تدخل على خبر المبتدأ، وإنما تدخل على المبتدأ نفسه، أو على خبر "إن" المتأخر، وهذا ليشير إلى أن اللام في قوله "لغريب" لام الابتداء، وعليه فـ "غريب" خبر "إن" وأما إذا عددنا اللام زائدة، كما في هذا البيت، في "لعجوز"، جاز أن يكون قوله: "لغريب" خبر المبتدأ؛ لكون اللام الزائدة تدخل عليه، وما ذهبنا إليه في حينه أولى. 2 "33" سورة الأحزاب، الآية: 56. موطن الشاهد: "وملائكتُهُ". وجه الاستشهاد: يتعين هنا التوجيه الثاني، وهو الحذف من الأول، ولا يتعين التقديم والتأخير؛ لِأجل الواو في "يصلون" لأنها للجماعة المشتركة، والله واحد لا شريك له، إلا إن قدرت الواو للتعظيم للواحد، فيتأتى الوجه الأول أيضا، ويصير التقدير: إن الله يصلي، وملائكته يصلون. 3 "23" سورة المؤمنون، الآية: 99. موطن الشاهد: {ارْجِعُونِ} . وجه الاستشهاد: وقوع الواو في "ارجعون" للتعظيم؛ لأن المخاطب واحد جل جلاله، ومثلها في ذلك، قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} . 4 وهو كون العامل: إن أول أن أو لكن، يعني أنه لم يجعل جواز العطف بالرفع مخصوصا بالعطف على اسم واحد من هذه الثلاثة، بل أجاز ذلك في أسماء غيرهنَّ كـ "ليت". شرح التصريح: 1/ 230، والأشموني مع الصبان: 1/ 286- 287. 5 القائل: هو رؤبة بن العجاج، وقد مرت ترجمته. 6 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز، أو بيتان من مشطوره، وبعد الشاهد قوله: إلا اليعافير وإلا العيس

وخرج على أن الأصل "وأنت معي" والجملة حالية، والخبر قوله "في بلدة"1.

_ = وهو من شواهد: التصريح: 1/ 230، وهمع الهوامع: 1/ 225، 2/ 114، والدرر اللوامع: 1/ 192، 2/ 202، وكتاب سيبويه: 1/ 133، 365، ومعاني الفراء: 1/ 479، والمقتضب: 2/ 319، 347، 4/ 414، والإنصاف: 271، شرح المفصل: 2/ 80، 117، 7/ 21، 8/ 52. والخزانة: 4/ 197، والعيني: 3/ 107، وديوان رؤبة: 53. وقد وقع في ديوان جران العود "ط. دار الكتب": 52 رجز، صورته هكذا: قد ندع المنزل يا لميس ... يعتسُّ فيه السبع الجروس الذئب أو ذو لبد هموس ... وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس ... وبقر ملمع كنوس كأنما هن الجواري الميس المفردات الغريبة: لميس: اسم امرأة. أنيس: مؤنس، والمراد: أي إنسان. المعنى: أتمنى أن أكون أنا وأنت يا لميس في بلد ليس فيه أحد غيرنا. الإعراب: يا: حرف نداء، والمنادى محذوف. ليتني: حرف مشبه بالفعل، والنون: للوقاية، والياء: اسمه. وأنت: الواو عاطفة. أنت: معطوف على محل اسم "ليت"، أو على الضمير المستتر في الخبر. "في بلدة": متعلق بخبر ليت المحذوف، وجملة "ليس بها أنيس": صفة لـ بلدة. موطن الشاهد: "ليتني وأنت". وجه الاستشهاد: عطف "أنت" وهو ضمير رفع على محل اسم "ليت" قبل استكمال الخبر، في هذا، دلالة على جواز العطف على محل اسم "ليت" كذلك، وبين المؤلف تخريج الجمهور في المتن. 1 صاحب الحال هو الضمير المستكنُّ في الجار والمجرور الذي في قوله: "في بلدة"، والعامل في الحال، هو نفس الجار والمجرور، وهو العامل في صاحب الحال. وهذا التخريج الذي ذكره المؤلف هو تخريج ابن مالك، وهو على ندور أو قلة، فإن أكثر النحويين، على امتناع تقديم الحال المنتصبة بالظرف، وهو ممن نص على ذلك، فقال في باب الحال".... وندر نحو سعيدٌ مستقرًّا في هجر" وشرحه الموضح بقوله: يجوز بقلة توسط الحال بين المخبر عنه والمخبر به، والنادر والقليل، لا يقاس عليهما، وأبعد منه قول بعضهم: إن الأصل أنا وأنت. فأنا مبتدأ، وأنت معطوف عليه، وخبر المبتدأ وما عطف عليه قوله في بلد فحذف أنا. شرح التصريح: 1/ 230.

[تخفيف "إن" المكسورة فيكثر إهمالها] : تخفف "إن" المكسورة لثقلها، فيكثر إهمالها؛ لزوال اختصاصها نحو: {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} 1، ويجوز إعمالها استصحابا للأصل، نحو: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُم} 2، وتلزم لام الابتداء بعد المهملة3 فارقة بين الإثبات والنفي4، وقد تغني عنها قرينة لفظية، نحو: "إن زيد لن يقوم"، أو معنوية، كقوله5: [الطويل]

_ 1 "36" سورة يس، الآية: 32. موطن الشاهد: {إِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "إن" مخففة من الثقيلة مهملة على قراءة تخفيف ميم "لما" فـ "إن" مهملة كل: مبتدأ. لما: اللام لام الابتداء، و"ماء" زائدة. جميع: خبر "لدينا": متعلق بـ "محضرون" الواقع صفة لـ "جميع" على المعنى، وأما قراءة تشديد الميم في "لما" فتكون "إن" نافية و"لما" بمعنى "إلا" ولا شاهد فيها. 2 "11" سورة هود، الآية: 111. موطن الشاهد: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُم} . وجه الاستشهاد: مجيء "إن" مخففة من الثقيلة عاملة على قراءة نافع وابن كثير بتخفيف إن" وكُلًّا: اسمها. ولما: اللام لام الابتداء. "ما" زائدة للفصل بين اللامين، أو موصولة في محل رفع خبر "إن" "ليوفينهم": جواب قسم محذوف، لا محل لها، وجملة القسم المحذوف وجوابه: صلة لـ "ما". وقيل غير ذلك. 3 اختلف النحاة في هذه اللام، فذهب سيبويه، والأخفشان، وأكثر البغداديين إلى أنها لام الابتداء، وذهب أبو علي الفارسي، وابن جني، وابن أبي العافية، وابن أبي الربيع إلى أنها لام أخرى، اجتلبت للفرق بين النفي والإثبات، واستدلوا على ذلك بأنها لو كانت لام الابتداء لبقي لها اختصاصها، فلم تدخل إلا على ما أصله مبتدأ أو خبر، لكنها تدخل على المفعول به. شرح التصريح: 1/ 232، والأشموني مع الصبان: 1/ 288-289، وابن عقيل: "ط. دار الفكر": 1/ 292-293. 4 أي: لتدل على أنها ليست النافية، ولذا تُسمَّى اللام الفارقة؛ لأنها تفرق بين المخففة والنافية، وقد تلحق هذه اللام "إن" العاملة إذا حصل لبس، بأن كان إعراب الاسم خفيفا، نحو: إن هذا أو يحيى لقائم. الأشموني مع الصبان: 1/ 289، وشرح التصريح: 1/ 231. 5 القائل: هو الطرماح، واسمه الحكم بن حكيم بن نفر من طيئ، يكنى: أبا نفر، كان شاعرا مجيدا، ملك عنان الخطابة والرواية والفصاحة والشجاعة والشرف في النسب، وفد جده قيس بن جحدر على النبي صلى الله عليه وسلم مع من وفد من طييء الشعر والشعراء: 2/ 585، الأغاني: 10/ 148، المؤتلف: 148، الاشتقاق: 234.

146- وإنْ مالكٌ كانت كرامَ المعادنِ1 وإن ولي "إن" المكسورة المخففة فعل كثر كونه مضارعا ناسخا2، نحو

_ 1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: أنا ابن أباة الضيم من آل مالك وهو من شواهد: التصريح: 1/ 231، وابن عقيل: "103/ 1/ 379"، والأشموني: "278/ 1/ 145" والعيني: 2/ 276، وقطر الندى "64/ 220"، وديوان الطرماح: 173. المفردات الغريبة: أباة: جمع آبٍ كالقضاة جمع قاضٍ من أبى إذا امتنع. الضيم: الظلم. مالك: اسم أبي القبيلة، ومالك الثاني هو القبيلة، ولهذا قال: كانت كرام المعادن. كرام المعادن: طيبة الأصول. المعنى: يفتخر الشاعر قائلا: أنا ابن الذين يأبون الظلم والمذلة من آل مالك، وقد كانت قبيلتي كريمة الأصول والأنساب، شريفة المحتد والمنبت. الإعراب: أنا مبتدأ. ابن: خبر. أباة: مضاف إليه، الضيم: مضاف إليه ثان. وإن: الواو عاطفة. إن مخففة من الثقيلة مهملة مالك: مبتدأ كانت كرام فعل ماضٍ ناقص، واسمه: هي، وكرام: خبره، وجملة "كانت كرام": خبر المبتدأ، المعادن: مضاف إليه. موطن الشاهد: "إن مالك كانت". وجه الاستشهاد: ترك لام الابتداء التي تجتلب في خبر المبتدأ الواقع بعد "إن" المخففة المهملة؛ لِلتفريق بينها وبين "إن" النافية، واستغني عن اللام في الشاهد؛ لِوجود قرينة معنوية، تدل على أن "إن" غير نافية؛ وذلك لأن المقام للمدح والافتخار، كما يدل عليه صدر البيت، لا للنفي، وإلى هذا أشار ابن مالك بقوله: وخففت "إنَّ" فقَلَّ العملُ ... وتلزم اللام إذا ما تهملُ وربما استغنى عنها إن بدا ... ما ناطق أراده معتمدا وانظر شرح التصريح: 1/ 231. 2 أي: من نواسخ المبتدأ، وهي: كان وكاد وظن وأخواتها، ويشترط في هذا الفعل الناسخ ألا يكون نافيا مثل "ليس" ولا منفيا، مثل: "ما كان" وما زال وأخواتها، وأن يكون غير داخل في صلة مثل: "ما دام"، وتدخل اللام في خبر الناسخ الحالي، أو في خبره بحسب الأصل، وقد مثل لذلك المصنف، فإن كان غير ناسخ وهذا قليل دخلت على معموله، فاعلا كان أو مفعولا، ظاهرا أو ضميرا منفصلا، وقد مثل المصنف للفاعل بقسميه، وللمفعول الظاهر، نحو: إن قتلت لمسلما، وللمفعول المضمر، نحو قولك: وإن أهنت لإياه، فإن اجتمع الفاعل والمفعول دخلت على السابق منهما، بشرط ألا يكون ضميرا متصلا فإن كان ضميرا متصلا، لم تدخل عليه اللام، ودخلت على المتأخر، نحو: إن أكرمت لمصلحا كبيرا، وإن مدحت لإياه. التصريح: 1/ 231، وحاشية الصبان: 1/ 289، وابن عقيل: "ط. دار الفكر": 1/ 294.

{وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ} 1، {وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} 2، وأكثر منه كونه ماضٍيا ناسخا، نحو: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةٌ} 3، {إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} 4، {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} 5، وندر كونه ماضٍيا غير ناسخ،

_ 1 "68" سورة القلم، الآية: 51. موطن الشاهد: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ} . وجه الاستشهاد: وقوع فعل "يكاد" المضارع الناسخ بعد "إن" المخففة المهملة، ودخلت اللام على الجزء الثاني من معمولي "يكاد"، ودخول المضارع الناسخ بعد "إن" المخففة المهملة جائز بكثرة. 2 "26" سورة الشعراء، الآية: 186. موطن الشاهد: {إِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} . وجه الاستشهاد: "وقوع المضارع الناسخ "نظنك" بعد "إن المخففة المهملة، ودخول اللام على خبر الفعل الناسخ "الجار والمجرور". 3 "2" سورة البقرة، الآية: 143. موطن الشاهد: {إِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةٌ} . وجه الاستشهاد: وقوع فعل "كان" وهو ماضٍ ناسخ بعد "إن" المخففة، ودخول اللام على الجزء الثاني من معمولي كان "على خبره"، وحكم دخول الماضي الناسخ بعد إن المخففة المهملة أكثر من دخول المضارع الناسخ، كما في المتن. 4 "37" سورة الصافات، الآية: 56. موطن الشاهد: {إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} . وجه الاستشهاد: وقوع فعل "كاد" الماضي الناسخ بعد "إن" المخففة المهملة، ودخول اللام على خبره، وهو جملة "تردين". 5 "7" سورة الأعراف، الآية: 102. موطن الشاهد: {إِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} . وجه الاستشهاد: وقوع الفعل الناسخ بعد "إن" المخففة المهملة، وهو فعل "وجد" الماضي، ودخول اللام على المفعول الثاني "فاسقين".

كقوله1: [الكامل] 147- شَلَّتْ يمينُك إن قتلتَ لَمُسلِمًا2

_ 1 هي: عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل القرشية العدوية، وهي بنت عم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، شاعرة صحابية من المهاجرات تزوجها الزبير بن العوام. الأعلام: 3/ 242، الخزانة: 10/ 378، الإصابة: ت: 695 قسم النساء. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قولها: حلت عليك عقوبة المتعمد وفيه ترثي الشاعرة زوجها الزبير بن العوام رضي الله عنه، وتدعو على عمرو بن جرموز قاتله قبل يوم الجمل، وكان قد رآه نائما تحت شجرة، قد علق سيفه، فاستله، وقطع رأسه وقيل الشاهد قولها: يا عمرو لو نبهته لوجدته ... لا طائشا رعد الجنان ولا اليدِ وهو من شواهد التصريح: 1/ 231، وابن عقيل: "104/ 1/ 382"، والأشموني: "279/ 1/ 145"، وهمع الهوامع: 1/ 142، والدرر اللوامع: 1/ 119، والمحتسب: 2/ 255، وشرح المفصل: 8/ 71، 72، 76، والمقرب: 20، والإنصاف: 64، والعيني: 2/ 478، وخزانة الأدب: 4/ 348، ومغني اللبيب: "21/ 37" وشرح السيوطي: 26. المفردات الغريبة: شلت: "بفتح الشين" إخبار ومعناه الدعاء، وشلت على ما لم يسم فاعله لغة رديئة. حلت عليك: نزلت بك، ويروي مكانه: وجبت عليك. المعنى: تدعو عاتكة على ابن جرموز لفعلته الشنعاء، فتقول: أشلَّ الله يدك أيها القاتل؛ لأنك قتلت مسلما بغير حق، ووجبت عليك عقوبة القتل المذكورة في قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} . الإعراب: شلت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث. يمينك: فاعل مرفوع، والكاف: مضاف إليه. إن: مخففة من الثقيلة مهملة. فعل ماضٍ "غير ناسخ" والتاء: فاعله. لمسلما: اللام لام الابتداء، ومسلما: مفعول به منصوب. موطن الشاهد: "إن قتلت لمسلما". وجه الاستشهاد: مجيء فعل غير ناسخ بعد "إن" المخففة من الثقيلة المهملة، وحكم مجيء الفعل غير الناسخ بعد المهملة نادر، ولا يقاس عليه، خلافا للأخفش الذي لا يرى بأسا بدخول الفعل غير الناسخ بعدها. انظر شرح التصريح: 1/ 231. فائدة: يعلل النحويون سبب مجيء الفعل الناسخ بعد "إن" المخففة بأن "إن" كانت مختصة بالدخول على المبتدأ والخبر، فلما ضعفت بالتخفيف، وزال اختصاصها؛ عوضوها بفعل ناسخ يختص بالمبتدأ والخبر، ولهذا كثر مجيء الأفعال الناسخة المضارعة والماضية بعدها كما رأينا.

ولا يقاس عليه: "إن قام لأنا، وإن قعد لزيد"، خلافا للأخفش والكوفيين1، وأندر منه كونه لا ماضيا ولا ناسخا كقوله: "إن يزينك لنفسك، وإن يسيئك لهيه"2. [تخفف "أن" المفتوحة ويبقى عملها:] وتخفف "أن"المفتوحة فيبقى العمل، ولكن يجب في اسمها كونه مضمرا محذوفا3،

_ 1 المشهور عن الكوفيين، أنهم لا يجيزون تخفيف "إن" المكسورة، ويؤولون ما ورد منها على أن "إن" نافية بمنزلة "ما" واللام إيجابية بمنزلة "إلا" فمعنى: "إن قام لأنا": ما قام إلا أنا. انظر شرح التصريح: 1/ 232، وحاشية الصبان: 1/ 290، ومغني اللبيب: 305-306. 2 هذا مثال للفاعل بقسميه، فإن "نفس" اسم ظاهر فاعل "يزينك"، و"هيه" ضمير بارز فاعل "يشين" والهاء للسكت، ومعنى المثل: إن نفسك، هي التي تزينك، وهي التي تشينك، ومجيء المضارع غير الناسخ "بعد" المخففة شاذ، ولا يقاس عليه بإجماع النحاة. فائدة: لـ "اللام" بعد إن المخففة ثلاث حالات: الأولى: وجوب ذكرها عند انعدام القرينة، نحو: "إن محمد لمسافر" في حالة الإهمال، وكون اسمها وخبرها مفردين. الثانية: وجوب تركها في حال وجود المانع، نحو: "إن محمد لن يسافر" في حالة الإهمال؛ لِتقدم "لن" على الفعل. الثالثة: جواز الأمرين، عند وجود قرينة، تدل على نوع "إن" أهي مخففة أم نافية، نحو: إن المؤمنين لفائزون، ويجوز: إن المؤمنين فائزون. انظر شرح التصريح: 1/ 232. 3 الذي اشترط في أن المخففة، أن يكون اسمها ضمير شأن محذوفا -من النحاة- وهو ابن الحاجب، فأما الناظم، والجمهور، فلم يشترطوا فيه ذلك؛ لأنهم رأوا أن ضمير الشأن خارج عن القياس، فلا يحمل الكلام عليه، والغالب أن يكون للشأن؛ ومن أجل ذلك قدر سيبويه في قوله تعالى: {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا} أنك يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا. التصريح: 1/ 232، وحاشية الصبان: 1/ 290.

فأما قوله1: 148- بِأَنْكَ ربيع وغيث مريع ... وأَنْكَ هناك تكون الثمالا2 فضرورة.

_ 1 هي جنوب بنت العجلان بن عامر الهذلية، شاعرة جاهلية، وهي أخت عمرو بن العجلان بن عامر بن برد بن منبه، أحد بني كاهل والمسمى ذا الكلب. الخزانة: 1/ 390. 2 تخريج الشاهد: البيت في رثاء أخيها عمرو الملقب "ذا الكلب"، وقد جاءت روايته في شعر الهذليين، هكذا: بأنَّك كنت الربيع المريع ... وكنت لمن يعتفيك الثمالا ويروى قبله قولها: لقد علم الضيف والمرملون ... إذا اغبر أفق وهبت شمالا والبيت الشاهد من شواهد التصريح: 1/ 232، والأشموني: "281/ 1/ 146" وشرح المفصل: 8/ 75، والخزانة: 4/ 352، وحماسة ابن الشجري: 73، والإنصاف: 27 وزهر الآداب، للحصري: 795، ومغني اللبيب "38/ 47"، والسيوطي: 79. وقطر الندى: "58/ 207". المفردات الغريبة: غيث: أصل الغيث المطر، ولكنها أرادت به هنا الكلأ. مريع: "بفتح الميم وكسر الراء" يقال: أرض مريعة، أي: مخصبة كثيرة النبات، الثمال: الذخر والملجأ. المعنى: لقد علم الضيف، وكل من لا زاد معه -إذا أظلم الجو، وهبت ريح الشمال الباردة التي تقضي على الزرع- بأنك كثير النفع، متصل العطاء، وأنك الملجأ والغوث لكل وافد عليك. الإعراب: بأنك: الباء حرف جر، أن: مخففة من الثقيلة، والكاف: اسمها. ربيع: خبرها. وغيث: معطوف على ربيع. مريع: صفة لـ "غيث"، والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": في محل جر بالباء، و"الجار والمجرور": متعلق بفعل "علم" في البيت السابق، والتقدير: علم الضيف بكونك ربيعا. وأنك: الواو عاطفة. أن: حرف مشبه بالفعل، والكاف: اسمه: "هناك" متعلق بـ "تكون"، أو بالثمال الآتي. والكاف: حرف خطاب. تكون: فعل مضارع ناقص، واسمه: أنت. الثمالا: خبر تكون منصوب، والألف: للإطلاق، وجملة "تكون مع اسمها وخبرها": في محل رفع خبر "أن" المخففة. موطن الشاهد: "بأنك ربيع، وأنك تكون". وجه الاستشهاد: مجيء اسم "أن" المؤكدة المخففة من الثقيلة في الموضعين ضمير مخاطب، ومذكور في الكلام، والغالب أن يكون ضمير شأن، وأن يكون محذوفا، والشاهد -عند الجمهور- شاذ أو ضرورة، وعلمنا أن ابن مالك جوز أن يكون اسمها ضمير شأن، أو ضميرا غير ضمير الشأن، لكنه أوجب حذفه بكل حال، وعنده، يكون الشذوذ من وجه واحد، وهو ذكر الاسم، وفي قوله: "بأنك ربيع" يوجد شذوذ آخر عند سيبويه وابن الحاجب، وهو مجيء خبر "أن" المخففة مفردا، ومذهبهما أن يكون جملة. وانظر شرح التصريح: 1/ 232.

ويجب في خبرها أن يكون جملة1، ثم إن كانت اسمية أو فعلية فِعْلُها جامد أو دعاء لم تحتج لفاصل، نحو: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 2، {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} 3، {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} 4، ويجب

_ 1 هذا إذا كان الاسم محذوفا، فإن ذكر كون الخبر جملة، وكونه مفردا، وقد اجتمعا في البيت السابق: بأنك ربيع...... 2 "10" سورة يونس، الآية: 10. موطن الشاهد: {أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . وجه الاستشهاد: مجيء الجملة بعد "أن" المخففة على من غير فاصل وهذا على اعتبار "أن" مخففة لا تفسيرية، واسم "أن" ضمير الشأن المحذوف، والتقدير: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . 3 "53" سورة النجم، الآية: 39. موطن الشاهد: {أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ} . وجه الاستشهاد: مجيء الجملة بعد "أن" المخففة جملة فعلية، فعلها جامد، ولم يفصل بينها وبين "أن" فاصل، واسم "أن" ضمير الشأن المحذوف، والتقدير: أنه ليس للإنسان.... 4 "24" سورة النور، الآية: 9. أوجه القراءات: قرأ حفص: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ} بالنصب على تأويل، وتشهد الخامسة، وقرأ الباقون "والخامسةُ" بالرفع على الابتداء، وقرأ نافع "أن لعنة" بتخفيف نون "أن" ورفع "لعنة" على الابتداء، وقرأ نافع "أن غضب" بتخفيف النون، وكسر الضاد وفتح الباء، والله على هذا فاعل غضب. وقرأ الباقون: أن لعنة الله عليها، وأن غضب الله عليها. توجيه القراءات: على قراءة أن غضب الله عليها بتخفيف النون، قال سيبويه: "ها هنا هاء مضمرة"، وأن "خفيفة من الثقيلة"، والمعنى: لأنه غضب الله عليها. حجة القراءات: 495-496، والبحر المحيط: 6/ 434، والكشاف: 2/ 52.

الفصل في غيرهن1 بقد، نحو: {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} 2، أو تنفيس نحو: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُون} 3، أو نفي بلا، أو لن، أو لم، نحو: {وَحَسِبُوْا أَنْ لَاْ تَكُوْنَ

_ 1 إن الداعي إلى التزام الفصل بين أن المفتوحة المخففة من الثقيلة وبين خبرها إذا لم يكن جملة اسمية، أو فعلية، فعلها جامد أو دعاء، بواحد من الفواصل التي ذكرها أمران: أولهما: أن يكون ذلك الفصل عوضا مما فقدته، وذلك؛ لأنهم خففوها وحذفوا اسمها، وثانيهما: مخافة الالتباس بأن المصدرية، وذلك، كما التزموا اللام مع المكسورة دفعا لـ "الالتباس بأن النافية"، ولما كانت أن المصدرية لا تدخل على الجملة الاسمية، ولا على الفعل الجامد، ولا على فعل الدعاء، لم يجيئوا بفاصل، من هذه الأنواع الثلاثة: لأنهم بمأمن من الالتباس الذي يحذرونه، وكان علم المخاطب بأن هذا المكان، مما لا تأتي فيه أن المصدرية كافيا عندهم، فلم يحتاجوا معه إلى دليل آخر. شرح التصريح، وحاشية يس: 1/ 232-233 حاشية الصبان: 1/ 291- 292، وابن عقيل: "ط. دار الفكر" "1/ 297. 2 "5" سورة المائدة، الآية: 113. موطن الشاهد: {أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} . وجه الاستشهاد: مجيء "أن" مخففة من الثقيلة، واسمها: ضمير الشأن المحذوف، وقد فصل بينها وبين الجملة الواقعة خبرا لها بـ "قد"، وقد فصل بـ "قد" لأنها تقرب الماضي من الحاضر. 3 "73" سورة المزمل، الآية: 20. موطن الشاهد: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أن مخففة من الثقيلة، واسمها: ضمير الشأن المحذوف، وفصل بينها وبين الجملة الواقعة خبرا لها بالسين "حرف التنفيس"، والفصل بـ "السين"؛ لِئلا تلتبس "أن" المخففة بأن المصدرية. وشاهد "سوف" قول الشاعر: واعلم؛ فعلم المرء ينفعه ... أن سوف يأتي كل ما قدرا وقول قيس بن رفاعة: فإن عصيتم مقالي اليوم فاعترفوا ... أن سوف تلقون خزيا ظاهر العار

فِتْنَةً} 1، {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} 2، {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} 3، أو لو، نحو: {أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ} 4، ويندر تركه، كقوله5: [الخفيف] 149- علموا أن يؤملون فجادوا6

_ 1 5 سورة المائدة، الآية: 71. موطن الشاهد: "أن لا تكون". وجه الاستشهاد: مجيء "أن" مخففة من الثقيلة، واسمها: ضمير الشأن المحذوف، وقد فصل بينها وبين خبرها الواقع جملة بـ "لا" النافية، وهذا على قراءة من ضم نون تكون. 2 "90" سورة البلة، الآية: 5. موطن الشاهد: {أَنْ لَنْ يَقْدِرَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أن" مخففة من الثقيلة، واسمها: ضمير الشأن المحذوف، وقد فصل بينها وبين الجملة الواقعة خبرا لها بـ "لن" الناصبة. 3 "90" سورة البلد، الآية: 7. موطن الشاهد: {أَنْ لَمْ يَرَهُ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أن" مخففة من الثقيلة، واسمها: ضمير الشأن المحذوف، وقد فصل بينهما وبين الجملة الواقعة خبرا لها بـ "لم" النافية الجازمة. 4 "7" سورة الأعراف، الآية: 100. موطن الشاهد: {أَنْ لَوْ نَشَاءُ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أن" مخففة من الثقيلة، واسمها: ضمير الشأن المحذوف، وقد فصل بينها وبين الجملة الواقعة خبرا لها بـ "لو". 5 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 6 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: قبل أن يُسْألوا بأعظم سُؤلِ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 233، وابن عقيل: "107/ 1/ 388"، والأشموني: "284/ 1/ 147"، وهمع الهوامع: 1/ 143، والدرر اللوامع: 1/ 120، والعيني: 2/ 294، وقطر الندى: "57/ 206". المفردات الغريبة: يؤملون: يرجون ويسألون. سؤل: مسئول ومطلوب. المعنى: علم هؤلاء الأجواد أن الناس يرجون معروفهم وبرهم، فجاودا من العطاء، قبل أن يحوجوهم إلى السؤال والطلب بأعظم مسئول ومرجوٍّ. الإعراب: علموا: فعل ماضٍ وفاعل. أن: مخففة من الثقيلة، واسمها: ضمير الشأن =

ولم يذكر "لو" في الفوصل إلا قليل من النحويين، وقول ابن الناظم: "إن الفصل بها قليل" وَهْمٌ منه على أبيه1.

_ = المحذوف. يؤملون: فعل مضارع مبني للمجهول، مرفوع، والواو: نائب فاعل، وجملة، "يؤملون": في محل رفع خبر "أن" المخففة. فجادوا: الفاء عاطفة. جادوا: فعل ماضٍ وفاعل. "قبل": متعلق بـ "جاد". أن: حرف مصدري ونصب. يسألوا: فعل مضارع مبني للمجهول، منصوب، وعلامة نصبه حذف النون، والواو: نائب فاعل، والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": في محل جر بالإضافة. "بأعظم": متعلق بـ "جاد". سؤل: مضاف إليه. موطن الشاهد: "أن يؤملون". وجه الاستشهاد: مجيء "أن" المخففة من الثقيلة عاملة، واسمها ضمير الشأن المحذوف، وخبرها: جملة "يؤملون"، ولم يفصل بينها وبين الجملة الفعلية ذات الفعل المتصرف، وغير المفيد الدعاء، بفاصل، وحكم عدم الفصل بينها وبينه بفاصل نادر عند الجمهور. 1 أي: غلط، فإن نص عبارة الناظم: "وأكثر النحويين لم يذكروا الفصل بين "أن" المخففة وبين الفعل "بـ "لو"، وهذا لا ينافي ورودها كثيرا في الفصيح، وإلى هذا يشير الناظم: فالأحسن الفصل بقد، أو نفيٍ اوْ ... تنفيسٍ اوْ لو؛ وقليل ذكر لو ففهم ابنه "وقليل ذكر لو" أن مجيئها في الكلام العربي فاصلا قليل، وهذا الفهم، ليس مستقيما؛ لأنها وردت في القرآن الكريم، كما في الآية المستشهد بها، وكما في قوله تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} ، ولكن القليل هو ذكر النحاة لهذا الحرف في الفواصل، وهذا التعليق للمؤلف على ابن الناظم، غير أن عبارة ابن الناظم، ليس فيها ما ظن ابن هشام، بل هي واضحة الدلالة على ما يقصد والده، فهي "وأكثر النحويين لم يذكروا الفصل بين أن المخففة وبين الفعل بـ "لو" وإلى ذلك أشار بقوله: "وقليل ذكر لو". شرح التصريح: 1/ 234. وخلاصة ما تقدم: أن الفعل غير الجامد، وغير الدعاء بعد "أن" المخففة المفتوحة الهمزة إما مثبت وإما منفي. وهو إما أن يكون ماضيا أو مضارعا، فالماضي المثبت يفصل بـ "قد"، نحو: {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} ، والمضارع المثبت، يفصل بالسين، أو سوف، كما في المتن، والماضي المنفي يفصل بـ "لا" نحو: عملت أن لا حضر زيد ولا اعتذر، والمضارع المنفي، يفصل بـ "لا" أو "لن" أو "لم" كما في المتن، وأما "لو" فتأتي فاصلا مع الماضي والمضارع. انظر شرح التصريح: 1/ 233.

[تخفف "كأن" ويبقى عملها] : وتخفف "كأن" فيبقى أيضا إعمالها، لكن يجوز ثبوت اسمها1 وإفراد خبرها، كقوله2: [مشطور الرجز] 150- كأنْ وريديه رشاءٌ خُلُبْ3 وقوله4: [الطويل] 151- كأنْ ظبية تعطو إلى وارق السَّلَمْ5

_ 1 ويجوز حذفه، والغالب أن يكون ضمير الشأن، وقد يكون لغيره وإذا كان اسمه ضمير الشأن، وجب أن يكون خبرها جملة؛ لأن ضمير الشأن، لا بد له من جملة بعده تفسره. 2 هو رؤبة بن العجاج، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 234، سيبويه: 1/ 480، والمقتضب: 1/ 50، وشرح المفصل: 8/ 72، 83، والمقرب: 20، والخزانة: 4/ 356، والعيني: 2/ 299، واللسان "خلب" وملحقات ديوان رؤبة: 169. المفردات الغريبة: وريديه: عرقان في الرقبة. رشاء: بكسر الراء والمد، وهو مفرد، لا مثنى، وصحح الصاغاني أنه مثنى والرشاء: الحبل. خلب: بضم الخاء: الليف، وقيل: هو البئر العميق القعر. المعنى: كأن عرقي هذا الرجل المعروفين بالوريدين حبل من الليف في الغلظ وخشونة الملمس. الإعراب: كأن: حرف مشبه بالفعل مخفف من "كأن" المثقلة. وريديه: اسم "كأن" منصوب وعلامة نصبه الياء؛ لأنه مثنى، والهاء: مضاف إليه: رشاء: خبر كأن مرفوع. خلب: صفة لـ "رشاء" مرفوعة وعلامة رفعها الضمة المقدرة، منع من ظهورها سكون الوقف. موطن الشاهد: "كأن وريديه رشاء". وجه الاستشهاد: مجيء "كأن" مخففة من الثقيلة، ومجيء اسمها مذكورا، وكذا خبرها الذي جاء مفردا غير جملة، وحكم ظهور اسمها، ومجيء خبرها مفردا الجواز من غير ضرورة ولا شذوذ. 4 القائل هو: علباء بن أرقم اليشكري، أحد بني بكر بن وائل، شاعر جاهلي كان معاصرا للنعمان بن المنذر. الخزانة: 4/ 364، ومعجم الشعراء: 304. 5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: =

يروى بالرفع على حذف الاسم، أي: كأنها، وبالنصب على حذف الخبر، أي: كأن مكانها، وبالجر على أن الأصل كظبية، وزيد "أن" بينهما.

_ = ويوما توافينا بوجه مقسم وفيه يذكر الشاعر امرأته، ويمدحها، وهو من شواهد. التصريح: 1/ 234، والأشموني: "287/ 1/ 147"، وهمع الهوامع: 1/ 143، والدرر اللوامع: 1/ 120، والكتاب لسيبويه: 1/ 281، 481، وبالمنصف: 3/ 128، وأمالي ابن الشجري: 2/ 3، والإنصاف: 1/ 202، وشرح المفصل: 8/ 72، 83 والمقرب: 20/ 116، والخزانة: 4/ 364، 489 واللسان "قسم" وشذور الذهب: "140/ 271"، والمغني: "41/ 51" والسيوطي: 41، وقطر الندى: "59/ 208". وقد نسب السيرافي البيت إلى أرقم بن علباء، كما نسبه النحاس إلى باعث بن صريم اليشكري. المفردات الغريبة: توافينا: تأتينا وتزورنا. وجه مقسم: جميل حسن. تعطو: تتناول أو تمد عنقها وتميله، وارق السلم: أي شجر السلم المورق، من إضافة الصفة إلى الموصوف، والسلم: شجرة العضاه له شوك، ويروي مكانه: ناضر السلم. المعنى: يقول الشاعر: إن هذه المحبوبة تزورنا في بعض الأوقات، بوجه نضر جميل، وكأنها في حسن قوامها، وخفة حركتها ظبية، تتناول الورق من شجر السلم. الإعراب: "يوما" متعلق بـ "توافينا". توافينا: فعل مضارع، والفاعل: هي، والياء، مفعول به "بوجه": متعلق بـ "توافي". مقسم: صفة لـ "وجه" مجرورة. كأن: مخففة من الثقيلة. ظبية: "يروى بالرفع والنصب والجر": فعلى الرفع على أنه خبر "كأن" واسمها محذوف، والتقدير: كأنها ظبية، وعلى رواية النصب، فعلى أن ظبية اسم "كأن" والخبر محذوف، والتقدير: كأن ظبية مكانها، أو نحو ذلك، وعلى رواية الجر، فعلى أن الكاف من "كأن": حرف جر، و"أن": حرف زائد، وظبية مجرور بالكاف، والوجه الأول أفضل. تعطو: فعل مضارع مرفوع، والفاعل هي، و"الجملة" في محل رفع أو نصب أو جر صفة لـ "ظبية". "إلى وارق": متعلق بـ "تعطو". السلم: مضاف إليه. موطن الشاهد: "كأن ظبية". وجه الاستشهاد: حذف اسم "كأن" على رواية رفع ظبية من غير أن يكون ضمير شأن وإفراد خبرها على هذه الرواية، وأما على رواية نصب "ظبية" ففيه دليل على جواز ذكر اسم "كأن" المخففة في الكلام، والوجهان جائزان كما أسلفنا.

وإذا حذف الاسم وكان الخبر جملة اسمية لم يحتج لفاصل، كقوله1: [الهزج] 152- كأن ثدياه حقان2

_ 1 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، ويروى صدره هكذا: ووجه مشرق اللون ويروى أيضا: وصدر مشرق النحر وهو من شواهد: التصريح: 1/ 234، وابن عقيل: "108/ 1/ 391" والأشموني: "286/ 1/ 147" وهمع الهوامع: 1/ 143، والدرر اللوامع: 1/ 120، وكتاب سيبويه: 1/ 281، 283، والمحتسب: 1/ 9، والمنصف: 3/ 128، وأمالي ابن الشجري: 1/ 237، 2/ 3، 243، والإنصاف: 197، وشرح المفصل: 8/ 72، والخزانة: 4/ 358، والعيني: 2/ 305، والشذور: "141/ 372" والقطر: "60/ 209". المفردات الغريبة: مشرق: مضيء. النحر: موضع القلادة من العنق. حقان: تثنية حق، وهو الوعاء المعروف. المعنى: هذه الفتاة لها صدر، أعلاه ناصع البياض كأن الثديين فيه حقان في الاستدارة والصغر. والعرب كثيرا ما تشبه الثدي بحق العاج. الإعراب: وصدر: الواو واو رب المحذوفة. صدر: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ. مشرق: صفة لـ "صدر". النحر: مضاف إليه. كأن: مخففة من الثقيلة، واسمها: ضمير الشأن المحذوف. ثدياه: مبتدأ، والهاء: مضاف إليه. حقان: خبر، وجملة "ثدياه حقان": في محل رفع خبر "كأن" المخففة، وجملة "كأن ثدياه حقان": في محل رفع خبر المبتدأ وعلى رواية كأن ثدييه حقان: فـ "ثدييه": اسم "كأن" منصوب، وحقان: خبر وعلى رواية وصدر، فالواو استئنافية، أو عاطفة، و"صدر" مبتدأ محذوف الخبر، والتقدير: ولها صدر. موطن الشاهد: "كأن ثدياه حقان". وجه الاستشهاد: حذف اسم "كأن" المخففة من الثقيلة، ومجيء خبرها جملة اسمية، ولم يفصل بينها وبين كأن فاصل، وهذا جائز على التغليب؛ لأنها لا تحتاج إلى فاصل، كما أسلفنا.

وإن كانت الجملة فعلية1 فصلت بلم أو قد، نحو: {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} 2، ونحو قوله3: [الخفيف] 153- لا يهولَنَّكَ اصطلاء لظى الحر ... ب فمحذورها كأنْ قد أَلَمَّا4

_ 1 أي: فعلها غير جامد، وغير دعائي؛ قياسا على "أن". 2 "10" سورة يونس، الآية: 34. موطن الشاهد: {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "كأن" مخففة من الثقيلة، ومجيء خبرها جملة فعلية، فعلها مضارع ففصل بينهما بـ "لم". 3 لم ينسب إلى قائل معين. 4 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 235، والأشموني: "288/ 1/ 148" والشذور "142/ 286"، والعيني: 2/ 306. المفردات الغريبة: يهولنك، الهول: الفزع، يقال: هاله الأمر يهوله إذا أفزعه. اصطلاء: من اصطليت بالنار وتصلَّيت بها. لظى الحرب: نارها، وأراد شدائدها ومكروهاتها. محذورها: ما يحذر من أمرها. ألما: من الإلمام، وهو النزول، يقال: ألم به أمر: إذا نزل به. المعنى: لا يزعجنك اقتحام الحروب وويلاتها، فإن الذي تخشاه منها وتحذره وهو الموت لا بد منه، وكأنه نزل بك، فلا فائدة من التحرز عنه. الإعراب: لا يهولنك: لا ناهية، يهولنك: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لِاتصاله بنون التوكيد الثقيلة في محل جزم بـ "لا" الناهية، ونون التوكيد؛ لِا محل لها من الإعراب، والكاف: مفعول به. اصطلاء: فاعل مرفوع. لظى: مضاف إليه. الحرب: مضاف إليه ثانٍ. فمحذورها: الفاء تعليلية، محذور، مبتدأ، و"ها": مضاف إليه. كأن: مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير غيبة -يعود إلى المحذور- محذوف، والتقدير: كأنه قد: حرف تحقيق. ألما: فعل ماضٍ، والفاعل هو، يعود إلى اسم كأن المحذوف، والألف: للإطلاق، وجملة "ألما" في محل رفع خبر "كأن" المخففة، وجملة "كأن وخبرها": في محل رفع خبر المبتدأ "محذور"، وجملة "المبتدأ وخبره": تعليلية، لا محل لها. موطن الشاهد: "كأن قد ألما". وجه الاستشهاد: مجيء "كأن" مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الغيبة المحذوف، ومجيء خبرها جملة فعلية، فعلها ماضٍ، ولذا، فصل بينهما بـ "قد" على القياس.

[تخفف لكن فتهمل وجوبا] : مسألة: وتخفف "لكن" فتهمل وجوبا1، نحو: {وَلَكِنِ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} 2 وعن يونس والأخفش جواز الإعمال3.

_ 1 لزوال اختصاصها بالجملة الاسمية، فتدخل عليها وعلى الفعلية، وعلى المفرد، ومعناها باقٍ، وهو الاستدراك، وأما "لعل" فلا يجوز تخفيف لامها مطلقا. حاشية الصبان: 1/ 294، والتصريح: 1/ 235. 2 "8" سورة الأنفال، الآية: 17. موطن الشاهد: {وَلَكِنِ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} . وجه الاستشهاد: مجيء "لكن" مخففة من الثقيلة مهملة؛ لِزوال اختصاصها بالجملة الاسمية لمباينة لفظها لفظ الفعل "لم تقتلوهم ولكن الله قتلهم، وحكم إلغائها الوجوب عند الجمهور، وجاء عن يونس والأخفش جواز الإعمال قياسا على "أن" المخففة، ولم يسمع عن العرب، والفرق بينها وبين "أن" زوال الاختصاص. شرح التصريح: 1/ 235. 3 أي قياسا على "أن" المخففة العاملة، ومذهبهما في هذه المسألة فاسد لا يؤخذ به لما أوضحناه.

فهرس الكتاب أوضح المسالك الجزء الأول

فهرس الكتاب أوضح المسالك الجزء الأول: الموضوع الصفحة تمهيد................................................................. 3 مقدمة أوضح المسالك........................................... 24 مقدمة المؤلف......................................................29 باب شرح الكلام.................................................. 33 أنواع الفعل......................................................... 51 باب المعرب والمبني............................................ 54 أنواع البناء......................................................... 63 تعريف الإعراب وأنواعه........................................... 64 الباب الأول: الأسماء الستة وشروط إعرابها............... 72 الباب الثالث: إعراب جمع المذكر السالم وما ألحق به.. 73 ما ألحق يجمع المذكر السالم................................ 74 الباب الرابع: إعراب الجمع بالألف والتاء الزائدتين..................................................... 86 الباب الخامس: إعراب الاسم الذي لا ينصرف.............. 89 الباب السادس: إعراب الأفعال الخمسة...................... 92 الباب السابع: إعراب الفعل المضارع المعتل الآخر...........93 باب النكرة والمعرفة................................................. 98 باب العلم.............................................................. 129 باب اسم الإشارة................................................... 139 باب الموصول..........................................................143 باب المعرفة بالأداة.................................................. 180 باب المبتدأ والخبر................................................... 186 باب نواسخ الابتداء: كان وأخواتها............ .................... 226 باب أفعال المقاربة.................................................. 290 باب الأحرف المشبهة بالفعل..................................... 313

المجلد الثاني

المجلد الثاني باب لا العاملة عمل إن ... بسم الله الرحمن الرحيم [باب لا العاملة عمل إن] : هذا باب "لا" العاملة عمل إن1: [شروط إعمالها] : وشرطها: أن تكون نافية، وأن يكون المنفي الجنس، وأن يكون نفيه نصا2، وأن لا يدخل عليها جار، وأن يكون اسمها نكرة3، متصلا بها، وأن يكون خبرها أيضا نكرة، نحو: "لا غلام سفر حاضر".

_ 1 وتسمى: "لا" النافية للجنس؛ أي لكل فرد من أفراد الجنس، وتسمى كذلك "لا" التبرئة؛ لأنها تدل على تبرئة جنس اسمها كله من معنى غيرها. شرح التصريح: 1/ 235. 2 أي: يقصد بها التنصيص على استغراق النفي للجنس كله، لا لنفي الوحدة؛ وإلا أعملت عمل "ليس". حاشية الصبان: 2/ 2. 3 لأنه على تقدير "من" الاستغراقية؛ وهي مختصة بالدخول على النكرات. فائدة: أعملت "لا" النافية للجنس عمل "إن" لأنها تشبهها في أربعة أمور، هي: أ- كلتاهما تختص بالدخول على الجمل الاسمية. ب- كلتاهما تفيد التأكيد؛ فـ "إن" لتأكيد الإثبات، و"لا" لتأكيد النفي. ج- كلتاهما تقع في صدر الكلام، ولا تقع حشوا. د- "لا" نقيضة "إن" والشيء يحمل على نقيضه، كما يحمل على مماثله. شرح التصريح: 1/ 235, فائدة: اسم "لا" يتعين أن يكون مذكورا خلاف اسم "إن"؛ واسم "إن" يكون معرفة ويكون نكرة، واسم "لا" لا يكون إلا نكرة؛ وخبر "لا" لا يجوز أن يتقدم على الاسم بخلاف خبر "إن"؛ واسم "لا" لا ينون بخلاف اسم "إن"؛ و"لا" لا تعمل إلا بشرط، و"إن" تعمل بلا شروط. وانظر شرح التصريح: 1/ 235-236.

فإن كانت غير نافية لم تعمل، وشذ إعمال الزائدة في قوله1: [البسيط] 154- لو لم تكن غَطَفَان لا ذنوب لها ... إذًا للام ذوو أحسابها عُمَرَا2 ولو كانت لنفي الوحدة عملت عمل ليس3، نحو: "لا رجل قائما، بل رجلان" وكذا إن أريد بها نفي الجنس لا على سبيل التنصيص4، وإن دخل عليها

_ 1 القائل: هو الفرزدق: همام بن غالب، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: البيت من قصيدة للفرزدق يهجو فيها عمر بن هبيرة الفزاري. وهو من شواهد: التصريح: 1/ 237، والأشموني: "290/ 1/ 149"، وهمع الهوامع: 1/ 147، والدرر اللوامع: 1/ 127، والخصائص: 2/ 87، وخزانة الأدب: 2/ 78، وديوان الفرزدق: 283. المفردات الغريبة: غطفان. اسم قبيلة. لام "اللوم": العذل والتعنيف. أحسابها: جمع حسب، وهو ما يعده الإنسان من مفاخر أصوله. المعنى: لو لم يكن لغطفان ذنوب وأعمال مخزية؛ للاموا عمر الفزاري على تعرضه لنا، ولكنهم يعلمون أنهم مذنبون، ولذلك امتنع لومهم. الإعراب: لو: حرف شرط غير جازم. لم: نافية جازمة. تكن: فعل الشرط غير الجازم مجزوم بـ "لم". غطفان: اسم "تكن" الناقص. لا: زائدة. ذنوب: اسم "لا. "لها": متعلق بمحذوف خبر "لا". وجملة "لا ذنوب لها": في محل نصب خبر "تكن". إذا: حرف جواب واقع في جواب "لو". للام: اللام واقعة في جواب الشرط غير الجازم، تفيد التوكيد. لام: فعل ماضٍ. ذوو: فاعل لام مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وهو مضاف. أحسابها: مضاف إليه، و"ها": مضاف إليه ثانٍ. عمرا: مفعول به، والألف: للإطلاق. موطن الشاهد: "لا ذنوب لها". وجه الاستشهاد: وقوع "لا" زائدة في البيت، وإعمالها عمل "إن"؛ ومعلوم أن "لا" الزائدة، تأتي في الكلام لمجرد تأكيد نفيه وتقويته؛ فحُكْمُ عملها عمل "إن" في البيت شاذ، ولا يقاس عليه؛ وأما وجوه زيادتها في الشاهد؛ فإن المقصود ثبوت الذنوب لـ "غطفان"؛ وهذا مستفاد من نفي النفي المعلوم من "لو"؛ التي تدل على امتناع شرطها، ومن "لم" التي أعقبتها؛ ونفي النفي إثبات؛ ولهذا فـ "لا" لم تفد شيئا؛ ولذا، حكم بزيادتها. وانظر شرح التصريح: "1/ 237، وحاشية الصبان: 4/ 2. 3 أو أهملت وتكررت؛ واختيار الإهمال أو الإعمال -عمل ليس- خاضع لما يقتضيه المعنى المراد. 4 بل في الظاهر فقط؛ لعموم النكرة في سياق النفي؛ ومثال ذلك، أن "لا" إذا كان اسمها مفردا؛ نحو: لا رجل في الدار؛ فإن أريد نفي الخبر عن فرد واحد، وعن الجنس في الظاهر؛ كانت "لا" عاملة عمل "ليس"؛ ويصح -على هذا- أن يقال بعدها: بل رجلان؛ وإن أريد نفي الجنس حقيقة، وتأكيد النص عليه؛ كانت عاملة عمل "إن" -وعلى هذا- فلا يصح أن يقال بعد شيء؛ وإذا كان الاسم بعدها مثنى أو مجموعا؛ فلا يختلف المراد من النفي؛ فيحتمل نفي الخبر عن المثنى والجمع فقط، أو نفيه عن كل فرد من أفراد الجنس؛ والفرق بينهما يكون على حسب المراد؛ وأما الفرق الصحيح الواضح بين المراد من النفي في قسمي "لا" فيظهر إذا كان الاسم مفردا. شرح التصريح: 1/ 237.

الخافض خفض النكرة1، نحو: "جئت بلا زادٍ"، و: "غضبت من لا شيءٍ" وشذ: "جئت بلا شيءَ"2 بالفتح، وإن كان الاسم معرفة أو منفصلا منها أهملت3، ووجب -عند غير المبرد وابن كيسان- تكرارها4، نحو: "لا زيد في الدار ولا

_ 1 لأن "لا" لا تتوسط بين عامل ومعموله، وتكون حينئذ ملغاة بين الجار والمجرور؛ علما أن حرف الجر يتخطَّاها، ويعمل فيما بعدها؛ مع دلالتها على النفي، ولا تعد زائدة؛ فيفسد المعنى. وذهب بعضهم -في هذه الحال- إلى أن "لا" اسم بمعنى "غير" مجرورة بحرف الجر، وعلامة جرها الكسرة المقدرة على الألف، وما بعدها مجرور بإضافتها إليه. شرح التصريح: 1/ 237. 2 أي: على إعمال "لا" مع التركيب؛ فالباء جارة و"لا شيء": في محل جر بالباء؛ وقد أجريا مجرى الاسم الواحد؛ لأن الجار دخل بعد التركيب، مثل "خمسة عشر" وشيء: اسم لا؛ ولا خبر لها؛ لأنها أصبحت فضلة؛ حكم إعمالها -في هذه الحال- شاذ كما أوضح المؤلف؛ وأما الذي ذهب لإعمالها فهو ابن جني نقلا عن أبي علي الفارسي. شرح التصريح: 1/ 237، وحاشية الصبان: 2/ 4. 3 أي: يجب الترتيب بين معموليها؛ فلا يجوز أن يتقدم خبرها ولا معموله على الاسم؛ ولو كان ظرفا، أو جارا ومجرورا؛ لأن ذلك سيؤدي إلى الفصل بينها وبين اسمها. 4 أي: عند الجمهور، يجب تكرارها في المعرفة جبرا لما فاتها من نفي الجنس؛ وأما في الانفصال فتنبيهًا على كونها لنفي الجنس في النكرات؛ وأجاز المبرد وابن كيسان عدم التكرار في الموضعين. حاشية الصبان: 4/ 2. فائدة: ورد اسم "لا" معرفة، وهي مع ذلك عاملة، ولم تكرر في قولهم: "قضية ولا أبا حسن لها". وفي قول الشاعر: أرى الحاجات عند أبي خبيب ... نكدن ولا أمية في البلاد وللعلماء في تأويل ذلك مذهبان: الأول: تقدير اسم "لا" نكرة لها تتعرف بالإضافة؛ نحو: "مثل" وأن هذه النكرة كانت مضافة إلى العلم، ثم حذفت وأقيم المضاف إليه مقامها؛ والتقدير: ولا مثل أبي الحسن لها؛ ولا مثل أمية في البلاد. الثاني: أن يقدر العلم قائما مقام وصف اشتهر به؛ فيقدر في "لا أبا حسن": لا فيصل لها، وفي "لا أمية" لا كريم في البلاد. انظر حاشية الصبان: 2/ 4-5.

عمرو" ونحو: {لا فِيهَا غَوْلٌ} 1، وإنما لم تكرر في قولهم: "لا نَوْلُكَ أن تفعل"2، وقوله3: [البسيط] 155- أشاء ما شئت، حتى لا أزال لما ... لا أنت شائية من شأننا شاني4

_ 1 "37" سورة الصافات، الآية: 47. موطن الشاهد: {لَا فِيهَا غَوْلٌ} . وجه الاستشهاد: مجيء "لا" مهملة في الآية الكريمة؛ لانفصال اسمها عنها بالجار والمجرور، وتكررت بقوله تعالى: {وَلَاْ هُمْ عَنْهَاْ يَنْزِفُوْنَ} ؛ وحكم إهمالها وتكرارها واجب عند الجمهور؛ ومعنى "الغول": كل ما يغتال العقول ويفسدها. 2 النول: مصدر بمعنى التناول؛ وقد وقع في المثل بمعنى المفعول؛ وفسره العلماء بـ "لا ينبغي لك أن تفعل كذا؛ لأنه إذا لم تتناوله قدرته لم ينبغ له؛ والأفضل في إعراب "لا نولك أن تفعل" لا: نافية مهملة. نولك: مبتدأ ومصاف إليه. والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": في محل رفع خبر المبتدأ؛ وبعضهم يعربه فاعلا لـ "نولك" سد مسد الخبر؛ لأن "نولك" بمعنى اسم المفعول. 3 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 4 تخريج الشاهد: البيت أنشده الفراء وابن كيسان، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 237، والأشموني: "293/ 1/ 149"، وهمع الهوامع: 1/ 148، والدرر اللوامع: 1/ 129. المفردات الغريبة: شاني: اسم فاعل من شنأ الشيء، إذا أبغضه وكرهه، وأصله شانئ بالهمزة، فخفف بقلبها ياء. المعنى: يخاطب محبوبته قائلا: أحب كل ما تحبينه من الأشياء، حتى لا أزال مبغضا لكل شيء لا تحبينه، ولا تريدينه من أمورنا. الإعراب أشاء: فعل مضارع، والفاعل: أنا. ما: اسم موصول، مفعول به. شئت: فعل ماضٍ وفاعل؛ وجملة "شئت": لا محل لها؛ لأنها صلة للموصول؛ والعائد محذوف؛ والتقدير: أشاء الذي شئته. حتى: ابتدائية؛ وهو الأفضل. لا: نافية. أزال: فعل مضارع ناقص، واسمه: أنا؛ وأزال مرفوع؛ لأن حتى ابتدائية. "لما": جار =

للضرورة في هذا، ولتأول: "لا نولك" بلا ينبغي لك1. [إذا جاء اسمها مفردا بني على الفتح أو نائبه] : فصل: وإذا كان اسمها مفردا، أي: غير مضاف، ولا شبيه به، بني على الفتح2 إن كان مفردا أو جمع تكسير، نحو: "لا رجل، ولا رجال" وعليه أو على

_ = ومجرور متعلق بـ "شاني" في آخر البيت. لا: نافية. أنت: مبتدأ. شائية: خبر؛ وجملة "المبتدأ والخبر": صلة لـ "ما" لا محل لها؛ والعائد محذوف والتقدير: للذي أنت شائيته. شاني: خبر "أزال" منصوب، ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة. انظر حاشية الصبان: 2/ 5. موطن الشاهد: "لا أنت شائية". وجه الاستشهاد: دخول "لا" النافية على معرفة "الضمير المنفصل" ولم تكرر مع إهمالها؛ وتمسك المبرد وابن كيسان بهذا الشاهد؛ فلم يوجبا تكرارها إذا اقترنت بالمعرفة؛ أو فصل بينها وبين اسمها -كما أسلفنا- والجمهور يعدون مثل هذا البيت ضرورة من ضرورات الشعر. 1 لأن "لا" دخلت على الفعل تأويلا؛ وهي إذا دخلت على الفعل غير الماضي؛ الذي ليس دعائيا؛ لا يجب تكرارها؛ لأنه في معنى النكرة. شرح التصريح: 1/ 238. 2 ويكون في محل نصب دائما؛ وقيل في سبب بنائه على الفتح تركيبه معها؛ حتى صارا كالكلمة الواحدة؛ فأشبها الأعداد المركبة؛ نحو: خمسة عشر وغيرها؛ هذا وقد وقع اسم "لا" المفرد منصوبا في أسلوب عربي فصيح، وهو قولهم: "لا أبا لك"؛ ومنهم قول زهير بن أبي سلمى في معلقته: سئمت تكاليف الحياة ومن يَعِشْ ... ثمانين حولا -لا أبا لك- يسأم وهو تركيب يراد به المدح أحيانا، والذم أحيانا أخرى، وقد أوله النحاة على وجهين: الأول: أن "أبا" اسم "لا" مبني على فتح مقدر على الألف، على لغة من يلزم الأسماء الستة الألف، و"لك": متعلق بالخبر المحذوف. الثاني: أن "أبا" اسم "لا" منصوب، وعلامة نصبه الألف؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف، والكاف مضاف إليه؛ واللام: زائدة بين المضاف والمضاف إليه. والخبر محذوف؛ والتقدير: لا أباك موجود؛ والإضافة -هنا- غير محضة؛ فلا تفيد تعريفا؛ نحو: "غير، ومثل"؛ والوجه الأول أفضل وأقرب إلى الصواب.

الكسر إن كان جمعا بألف وتاء1، كقوله2: [البسيط] 156- إن الشباب الذي مجد عواقبه ... فيه نلذُّ ولا لذات للشيب3

_ 1 بلا تنوين، نيابة عن الفتحة؛ أو بالتنوين على رأي بعضهم. 2 القائل هو: سلامة بن جندل بن عبد عمرو، من بني كعب بن سعد التميمي، يكنى أبا مالك، شاعر جاهلي من الفرسان، ومن أهل الحجاز، في شعره جودة، يعد من طبقة المتلمس؛ وهو من وُصَّاف الخيل؛ له: ديوان شعر صغير رواه الأصمعي، وأكثر المؤرخين على أنه جاهلي قديم، مع أنهم يذكرونه معاصرا لعمر بن كلثوم، ويقولون: إنه مات سنة 23 ق. هـ. الشعر والشعراء: 1/ 272. الخزانة: 2/ 85، سمط اللآلي: 49 و454، شعراء الجاهلية: 486، الأعلام: 3/ 106. 3 تخريج الشاهد: البيت من كلمة مستجادة؛ أولها قوله: أودى الشباب حميدا ذو التعاجيب ... أودى؛ وذلك شأو غير مطلوب ولى حثيثا، وذاك الشيب يتبعه ... لو كان يدركه ركض اليعاقيب ويروى صدر البيت الشاهد هكذا: أودى الشباب الذي مجد ... والشاهد من شواهد التصريح: 1/ 238، والأشموني: "296/ 1/ 151"، وابن عقيل: "109/ 2/ 9" وهمع الهوامع: 1/ 238، وفيه برواية: أودى الشباب ... ، وكذلك الدرر اللوامع 1/ 126؛ والشذور: "11/ 125" والخزانة: 2/ 85، وشرح شواهد الألفية للعيني: 2/ 326، والمفضليات، للمفضل الضبي: 120. المفردات الغريبة: مجد عواقبه: نهايته شرف وعزه. الشيب: جمع أشيب وهو الذي أبيض شعره. الإعراب: إن: حرف مشبه بالفعل. الشباب اسمه. الذي: صفة لـ "الشباب". مجد: خبر مقدم مرفوع. عواقبه: مبتدأ مؤخر، والهاء: مضاف إليه؛ وهو الأفضل؛ لأنه يجوز الإخبار بالمفرد عن الجميع؛ إذا كان مصدرا؛ لأن المصدر لا يثنى ولا يجمع؛ وجملة "مجد عواقبه": صلة للموصول، لا محل لها. "فيه": متعلق بـ "نلذ" الآتي. نلذ: فعل مضارع، والفاعل: نحن. ولا: نافية للجنس، لذات: اسم لا، مبني على الكسر، أو الفتح في محل نصب. "للشيب": متعلق بمحذوف خبر "لا". موطن الشاهد: "لا لذات". وجه الاستشهاد: مجيء اسم "لا" النافية للجنس، وهو "لذات" جمع مؤنث سالما، وورد البيت ببناء "لذات" على الكسرة نيابة عن الفتحة، كما ينصب بها؛ لو كان معربا. وورد في رواية أخرى ببنائه على الفتح؛ وفي هذا دليل على جواز الوجهين في مثل هذا الشاهد.

روي بهما، وفي الخصائص1 أنه لا يجيز فتحه بصري إلا أبا عثمان2، وعلى الياء إن كان مثنى أو مجموعا على حده3، كقوله4: [الطويل] 157- تَعَزَّ فلا إلفين بالعيش مُتِّعَا5

_ 1 الخصائص: كتاب لأبي الفتح عثمان ابن جني، وهو كتاب مشهور، ومطبوع. 2 هو أبو عثمان المازني، وقد مرت ترجمته. 3 أي: على حد المثنى وطريقته في الإعراب بالحروف؛ وهو جمع المذكر السالم؛ ولم تعارض التثنية والجمع سبب البناء -هنا- لأن هذا السبب وارد على التثنية والجمع وللوارد قوة؛ فهما يبنيان على ما ينصبان به. انظر شرح التصريح: 1/ 239. وحاشية الصبان: 2/ 7. 4 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: ولكن لوُرَّاد المنون تتابُعُ والبيت من شواهد التصريح: 1/ 239، والأشموني: "295/ 1/ 150"، وهمع الهوامع: 1/ 146 والدرر واللوامع: 1/ 126، والعيني: 2/ 333، وشذور الذهب: "28/ 123". المفردات الغريبة: تعز: تصبر وتكلَّف السلوان والتأسي بمن سبقك. إلفين: تثنية إلف؛ وهو الصديق الذي يألفك وتألفه؛ ومثله الأليف. ورَّاد: جمع وارد. المنون: الموت. تتابع: توارد، يرد بعضهم في إثر بعض. المعنى: تسل أيها الإنسان، واعتبر بمن سبقوك، وتأسَّ بمن رحلوا عن هذه الحياة قبلك؛ فليس هناك صديقان تمتعا بدوام العيش وصفائه؛ فالكل سائر إلى الموت، يتبع بعضهم بعضا. الإعراب: تعز: فعل أمر، والفاعل: أنت. فلا: الفاء تعليلية، لا: نافية للجنس. إلفين: اسم "لا" مبني على الياء؛ لأنه مثنى في محل نصب "بالعيش": متعلق بـ "متعا" الواقع خبرا لـ "لا"؛ ومتعا: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والألف نائب فاعل ولكن: الواو عاطفة، لكن: حرف استدراك. "الوراد": متعلق بخبر مقدم محذوف، ووراد: مضاف. المنون: مضاف إليه. تتابع: مبتدأ مؤخر مرفوع. موطن الشاهد: "لا إلفين". وجه الاستشهاد: مجيء اسم "لا" النافية للجنس مثنى؛ فبني على الياء التي ينصب بها حين يكون اسما معربا.

وقوله1: [الخفيف] 158- يحشر الناس لا بنين ولا آ ... باء إلا وقد عنتهم شئون2 [علة بناء اسمها المفرد على الفتح] : قيل: وعلة البناء تضمن3 معنى "من" بدليل ظهورها في قوله4: [الطويل]

_ 1 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 239، والأشموني: "295/ 1/ 150"، وهمع الهوامع: 1/ 146، والدرر اللوامع: 1/ 126، والعيني: 2/ 334، وشذور الذهب: "29/ 124". المفردات الغريبة: عنتهم: أهمتهم، يقال: عناه الأمر يعنيه؛ إذا استحق عنايته واهتمامه. شئون: خطوب وشواغل؛ جمع شأن. المعنى: عندما يحشر الناس يوم القيامة، لا يهتم أحد بأحد من الناس؛ لأن كل واحد منهم منشغل بنفسه لهول الموقف، ومصداق هذا قوله تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} . الإعراب: يحشر: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع. الناس: نائب فاعل مرفوع. لا: نافية للجنس بنين: اسم "لا" على الياء؛ لأنه جمع مذكر سالم. ولا: الواو عاطفة، لا: نافية للجنس. آباء: اسم لا مبني على الفتح في محل نصب؛ وخبر "لا" في الموضعين محذوف؛ والتقدير: لا بنين موجودون. إلا: أداة حصر. وقد: الواو حالية. قد: حرف تحقيق. عنتهم: فعل ماضٍٍ، والتاء: للتأنيث، و"هم" مفعول به. شئون: فاعل مرفوع. وجملة "قد عنتهم شئون": في محل نصب على الحال. موطن الشاهد: "لا بنين". وجه الاستشهاد: مجيء اسم لا النافية للجنس "بنين" جمع مذكر سالما؛ فبني على الياء؛ التي هي علامة نصبه في حال إعرابه. 3 ذكرنا سابقا العلة التي من أجلها بني اسم "لا" ونضيف زيادة في الفائدة؛ أن سيبويه، وجمهور النحاة يرون علة بنائه بتركبه مع لا تركب خمسة عشر -كما أسلفنا- ويؤيد رأيهم هذا زوال بناء هذا الاسم متى فصل بينه وبين "لا" فاصل، ولو كان تقدم الخبر على هذا الاسم، كما في قوله تعالى: {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} ؛ وذهب ابن عصفور إلى أن علة البناء تضمن معنى "من" الاستغراقية، واعترض عليه ابن الضائع بأن الذي تضمن معنى "من" هو "لا" نفسها، لا الاسم بعدها. انظر شرح التصريح: 1/ 240. 4 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

159- وقال: ألا لا من سبيل إلى هند1 وقيل: تركيب الاسم مع الحرف كخمسة عشر2. وأما المضاف وشبهه فمعربان، والمراد بشبهه: ما اتصل به شيء من تمام معناه3. نحو: "لا قبيحا فعله محمود، ولا طالعا جبلا....

_ 1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: فقام يذود الناس عنها بسيفه وهو من شواهد: التصريح: 1/ 239، والأشموني: "289/ 1/ 148"، وهمع الهوامع: 1/ 146 والدرر اللوامع: 1/ 125، والعيني: 2/ 332. المفردات الغريبة: يذود: يمنع ويدفع. سبيل: طريق. هند: اسم محبوبته. المعنى: أخذ يدفع الناس، ويمنعهم عنها بسيفه، ويقول: ألا إنه لا طريق للوصول إلى هند، فإني سأذود عنها وأدافع بحد الحسام. الإعراب: ألا: أداة استفتاح وتنبيه. لا: نافية للجنس. من: زائدة للاستغراق. سبيل: اسم "لا" مبني على فتح مقدر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. "إلى هند": متعلق بالخبر المحذوف. موطن الشاهد: "ألا لا من سبيل". وجه الاستشهاد: ظهور "من" الاستغراقية بعد "لا" النافية للجنس؛ وفي هذا دليل على أنها، إذا لم تذكر مع الاسم؛ فهو متضمن معناها؛ ولهذا اختار ابن عصفور أن سبب بناء اسمها على الفتح كونه متضمنا معنى "من" الاستغراقية؛ وعلل ذلك بأن تركيب الاسم مع الحرف قليل؛ وأما البناء لتضمن معنى الحرف فكثير؛ وأما اعتراض ابن الضائع عليه، بأن المتضمن لمعنى "من" إنما هو "لا" نفسها لا الاسم بعدها؛ رده الدنوشري بقوله: "هذا الاعتراض ساقط؛ لأن الاستغراق الذي هو معنى "من" معناه الشمول، ولا شك في أن ذلك مدلول للنكرة؛ لأنها في سياق النفي للعموم. شرح التصريح: 1/ 239-240. 2 هذا قول سيبويه وجماعة، وحجتهم أنه إذا فصل بين "لا" واسمها أعرب؛ نحو: لا فيها رجل ولا امرأة ... شرح التصريح: 1/ 240. 3 أول أمثلة المؤلف يدل على أن ما اتصل باسم "لا" قد يكون مرفوعا به، والمثال الثاني يدل على أنه قد يكون منصوبا به، والمثال الثالث يدل على أنه قد يكون مجرورا بحرف جر يتعلق به، وقد بقي رابع؛ وهو أن يكون معطوفا عليه نحو: لا ثلاثة وثلاثين. شرح التصريح: 1/ 240.

حاضر1، ولا خيرًا من زيد عندنا". [لك في "لا حول ولا قوة إلا بالله" خمسة أوجه] : فصل: ولك في نحو: "لا حول ولا قوة إلا بالله" خمسة أوجه: أحدها: فتحتهما، وهو الأصل، نحو: "لا بَيْعَ فِيهِ وَلا خُلَّةَ"2 في قراءة ابن كثير3، وأبي عمرو4.

_ 1 جبلا: مفعول طالعا؛ لأنه اسم فاعل، ونصب الشبيه بالمضاف وتنوينه؛ هو مذهب البصريين؛ وأجاز البغداديون؛ لا طالع جبلا بلا تنوين، أجروه في ذلك مجرى المضاف، كما أجري مجراه في الإعراب، وعليه يتخرج الحديث: "لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت". مغني اللبيب: 515. 2 "2" سورة البقرة، الآية: 254. أوجه القراءات: قرأ ابن كثير وأبو عمرو "لا بيعَ فيه ولا خلةَ" بالفتح من دون تنوين؛ وقرأ الباقون بالرفع. توجيه القراءات: في قراءة ابن كثير وأبي عمرو فـ "بيع" ولا "خلة" اسمان لـ "لا" العاملة عمل "إن" مبنيان في محل نصب؛ وأما على قراءة الرفع؛ فإما أن "لا" عاملة عمل ليس، وإما مهملة وهما مرفوعان بالابتداء. موطن الشاهد: "لا بيع فيها ولا خلة". وجه الاستشهاد: مجيء "لا" في الموضعين عاملة عمل "إن" و"بيع" اسم "لا" مبني على الفتح في محل نصب؛ وخلة: اسم "لا" الثانية مبني على الفتح في محل نصب كذلك. ومثل هذه الآية في فتح الاسمين قول الشاعر "وهو الشاهد السابق": يحشر الناس لا بنين ولا آ ... باء إلا وقد عنتهم شئون 3 هو: أبو معبد، عبد الله بن كثير بن عمرو المكي الداري، ولد سنة 45هـ، وهو أحد أصحاب القراءات السبع، كان إمام القراء بمكة غير منازع، وكان عالما بالعربية فصيحا بليغا مفوها؛ لقي من الصحابة عبد الله بن الزبير، وأبا أيوب الأنصاري، وأنس بن مالك -رضي الله عنهم- ولم يزل الإمام المجمع عليه في القراءة بمكة، حتى توفي سنة 120هـ. غاية النهاية في طبقات القراء، لابن الجزري: 1/ 443. وفيات الأعيان: 3/ 41. 4 هو أبو عمرو، زبان بن العلاء بن عمار المازني البصري، أحد أصحاب القراءات السبع، كان أعلم الناس بالقراءة والعربية، مع الصدق والأمانة والدين؛ أخذ عن نافع مولى ابن عمر، وأخذ عنه اليزيدي النحوي وغيره. مات سنة 154؛ وله 86 سنة. بغية الوعاة: 2/ 231، طبقات القراء: 1/ 288، وفيات الأعيان: 1/ 386 الفهرست: 28، الأعلام: 3/ 72.

الثاني: رفعهما، إما بالابتداء، أو على إعمال "لا" عمل ليس1 كالآية في قراءة الباقين، وقوله2: [البسيط] 160- لا ناقةٌ ليَ في هذا ولا جَمَلُ3

_ 1 ويقدر لهما خبر واحد، إن جعلت "لا" الثانية زائدة لتوكيد النفي، وما بعدها معطوف على "لا" الأولى مع اسمها، باعتبار الأصل، على الخلاف في ذلك. وإن أهملت الأولى، وأعملت الثانية أو بالعكس؛ وجب تقدير خبرين لكل خبر؛ أما إذا جعلتا عاملتين عمل ليس؛ فيجوز تقدير خبرين، أو خبر واحد. 2 القائل هو: عبيد بن حصين النميري، المعروف بالراعي، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: وما هجرتك حتى قلت معلنة وهو من شواهد التصريح: 1/ 241 والأشموني: "300/ 152"، والكتاب لسيبويه: 1/ 354، وشرح المفصل: 2/ 111، 113 والعيني: 2/ 336، ومجمع الأمثال للميداني "بولاق": 2/ 144. وعجز البيت: لا ناقة لي في هذا ولا جمل مثل من أمثال العرب يقوله من يتبرأ من الأمر، ويباعد نفسه منه، وأول من قاله الحارث بن عباد فارس النعامة حين قتل جساس بن مرة كليب بن ربيعة، وهاجت الحرب بين بكر وتغلب، وكان الحارث بن عباد قد اعتزلها. وقيل: إن أول من قال ذلك الصدوف بنت حليس العذرية. وانظر أمثال الميداني "تحقيق محيي الدين عبد الحميد": 1/ 220. المفردات الغريبة: وما هجرتك: يروى مكانه وما صرمتك: وهما يدلان على الهجر، وقطع حبال المودة. المعنى: ما تركتك، وقطعت حبال المودة والصلة بيننا؛ حتى تبرأت مني، وقلت صراحة: لا شيء لي في هذا الأمر. الإعراب: ما: نافية. هجرتك: فعل ماضٍ، وفاعل، ومفعول به، حتى: حرف غاية بمعنى "إلى". قلت: فعل وفاعل. معلنة: حال منصوب. لا: نافية مهملة؛ أو عاملة عمل ليس. ناقة: مبتدأ على الوجه الأول، واسم "لا" على الوجه الثاني؛ والأول =

الثالث: فتح الأول ورفع الثاني1، كقوله2: [الكامل] 161- لا أم لي إن كان ذاك ولا أب3

_ = أفضل. "لي في هذا": متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ؛ أو "لا"، وإعراب "ولا جمل" مثله؛ وخبره محذوف؛ أي: ولا جمل لي، ويجوز أن تكون "لا" الثانية زائدة، و"جمل" معطوفة على ناقة. موطن الشاهد: "لا ناقة ... ولا جمل". وجه الاستشهاد: تكرار "لا" وورود الاسمين مرفوعين؛ فارتفاع الأول على أحد وجهين، كما أوضحنا في الإعراب؛ الأول: أن تكون "لا" مهملة والاسم بعدها مبتدأ؛ أو تكون عاملة عمل "ليس" والاسم بعدها اسمها مرفوع. وارتفاع "جمل" على أحد ثلاثة أوجه: أولها: أن تكون "لا" الثانية زائدة، والاسم بعدها معطوف على الاسم الذي بعد "لا" الأولى. ثانيها: أن تكون "لا" الثانية نافية مهملة و"جمل" مبتدأ محذوف الخبر؛ وهذه الجملة من المبتدأ والخبر معطوفة على جملة المبتدأ والخبر الأولى. ثالثها: أن تكون "لا" الثانية نفاية عاملة عمل "ليس" و"جمل" اسمها، وخبرها محذوف؛ والجملة معطوفة على الجملة السابقة. 1 إما بالابتداء، و"لا" ملغاة، أو على أن "لا" عاملة عمل ليس، ويكون في الحالتين من عطف الجمل أو بالعطف على محل اسم "لا" باعتبار الأصل، و"لا" زائدة لتوكيد النفي. 2 ينسب هذا البيت إلى رجل من مذحج ولم يسمه أحد من النحاة. 3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: هذا لعمركم الصغار بعينه وقوله قبل هذا البيت: وإذا تكون كريهة أدعى لها ... وإذا يحاس الحيس يدعى جندب وهذا القول في أهله الذين يفضلون أخاه عليه. وقد نسبه أبو رياش لهمام بن مرة؛ أخي جساس بن مرة، قاتل كليب، وقال ابن الأعرابي: هو لرجل من بني عبد مناة، وقال الحاتمي: هو لابن أحمر، وقال الأصفهاني: هو لضميرة بن ضمرة، وقال بعضهم: إنه من الشعر القديم جدا. وهو من شواهد: التصريح: 1/ 241، وابن عقيل: "111/ 2/ 13"، والأشموني: "298/ 1/ 151" وفيه برواية: هذا وجدكم الصغار ... والكتاب لسيبويه: 1/ 352، =

وقوله1: [الطويل] 162- وأنتم ذنابي لا يدين ولا صدر2

_ = والمقتضب: 4/ 371، والجمل للزجاجي: 343، وشرح المفصل: 2/ 110، وهمع الهوامع: 2/ 144 والدرر اللوامع: 2/ 198، ومغني اللبيب: "1014"/ 773" وشرح السيوطي: 311 وشذور الذهب: "31/ 127". المفردات الغريبة: لعمركم: وحياتكم، والعمر الحياة، وجدكم: الجد الحظ والبخت، وهو أيضا: أبو الأب. الصَّغار: الذال والمهانة. الحيس: تمر يخلط بسمن وأقط. المعنى: أقسم بحياتكم أن إيثار أخي جندب علي في المكارم، ودفعي إلى المكاره؛ هو عين الذل والمهانة؛ فإن كان ذلك هو تقديركم لي؛ فلا أم لي ولا أب؛ يريد أنه وضيع ساقط النسب. الإعراب: هذا: الهاء للتنبيه، وذا: اسم إشارة، مبتدأ. لعمركم: اللام للابتداء، عمر: مبتدأ، و"كم" مضاف إليه؛ والخبر محذوف وجوبا؛ والتقدير: لعمركم قسمي. الصغار: خبر المبتدأ "ذا"؛ وجملة القسم معترضة بين المبتدأ وخبره، لا محل لها. بعينه: الباء زائدة، عينه: مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه توكيد لـ "الصغار"؛ وهو الأفضل. لا: نافية للجنس. أم: اسمها مبني على الفتح في محل نصب. "لي": متعلق بالخبر. إن: شرطية. كان: فعل ماضٍ تام، وهو فعل الشرط؛ وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله. ذاك: فاعل "كان" والكاف: للخطاب؛ وجملة "إن كان ذاك": اعتراضية، لا محل لها. ولا أب: الواو عاطفة، لا زائدة لتأكيد النفي. أب: معطوف على محل لا واسمها؛ فإنها في موضع رفع بالابتداء. موطن الشاهد: "ولا أب". وجه الاستشهاد: تكررت "لا" وعطف بالواو على ما قبلها، وارتفع الاسم بعدها؛ وارتفاعه على واحد من ثلاثة أوجه؛ هي: أ- أن تكون "لا" زائدة لتأكيد النفي -كما أعربنا- وارتفع "أب" بالعطف على محل "لا مع اسمها"؛ على مذهب سيبويه. ب- أن تكون "لا" الثانية عاملة عمل "ليس" و"أب": اسمها؛ وخبرها محذوف. ج- أن تكون "لا" زائدة غير عاملة؛ و"أب": مبتدأ محذوف الخبر. انظر حاشية الصبان: 2/ 10. 1 القائل: هو جرير بن عطية، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: بأي بلاء يا نمير بن عامر =

الرابع: عكس الثالث1، كقوله2: [الوافر] 163- فلا لغو ولا تأثيم فيها3

_ = وهو من قصيدة لجرير يهجو فيها قبيلة من قيس؛ أبوها نمير بن عامر بن صعصعة بن بكر بن هوازن، وهو من شواهد التصريح: 1/ 241. المفردات الغريبة: بلاء: "البلاء": الاختبار والتجربة، والمقصود هنا العمل الذي يكون سببا للفخر. ذنابى "بضم الذال المعجمة": أتباع وذيول. لا يدين ولا صدر: أي لستم قادة ولا رؤساء متبوعين. المعنى: بأي عمل أو فعل بدر منكم تفخرون؟ فأنتم لا تملكون أدنى أثر في المحامد، وأنتم أتباع وذيول لغيركم، ولستم قادة، ولا رؤساء متبوعين. الإعراب: "بأي": متعلق بفعل محذوف؛ والتقدير. بأي بلاء تفخرون؟. بلاء: مضاف إليه. يا نمير: حرف نداء، ومنادى مبني على الضم في محل نصب. ابن: صفة لـ "نمير" وهو مضاف. عامر: مضاف إليه. وأنتم: الواو حالية، أنتم: مبتدأ. ذنابى: خبر. لا: نافية للجنس. يدين: اسم "لا" مبني على الياء؛ لأنه مثنى؛ والخبر محذوف؛ والتقدير: ولا يدين لكم. ولا صدر: "بالرفع" معطوف على الأوجه الثلاثة المذكورة في الشاهد السابق. موطن الشاهد: "لا يدين ولا صدر". وجه الاستشهاد: ورود "لا" مكررة، وورود الاسم بعد الأولى مبنيا على الياء، وبعد لثانية مرفوعا؛ فلا الأولى عملت عمل "إن" كما بينا في الإعراب. وارتفاع الاسم بعد "لا" الثانية؛ على أحد ثلاثة أوجه، هي: أ- أن تكون "لا" الثانية زائدة، و"صدر" معطوف على محل "لا مع اسمها"؛ لأن محلهما الرفع بالابتداء على رأي سيبويه. ب- أن تكون "لا" نافية مهملة، فيكون "صدر": مبتدأ بعدها. 1 وهو رفع الأول وفتح الثاني، أما رفع الأول، فعلى الابتداء، و"لا" ملغاة، أو على إعمال "لا" عمل ليس، وفتح الثاني على إعمال "لا" الثانية عمل "إن" ويقدر لكل خبر. 2 القائل هو: أمية بن أبي الصلت، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت لأمية بن أبي الصلت في وصف الجنة، وأكثر النحاة يروون عجزه: وما فاهوا به أبدا مقيم =

الخامس: فتح الأول ونصب الثاني1، كقوله2: [السريع] 164- لا نسب اليوم ولا خلة3

_ = وفيه تلفيق من بيتين يفصل بينهما خمسة أبيات، وثانيهما يروى قبل أولهما، وهما: ولا لغو ولا تأثيم فيها ... ولا حَيْنٌ ولا فيها مليمُ وفيها لحم ساهرة وبحر ... وما فاهوا به أبدًا مقيمُ ويروى عجز الشاهد: ولا غول ولا فيها مليمُ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 241، وابن عقيل: "112/ 2/ 15"، والأشموني: "301/ 1/ 152" وهمع الهوامع: 2/ 154، والدرر اللوامع: 2/ 199 والخزانة: 2/ 283 عرضا، والعيني: 2/ 346، واللسان: "سهر"، والشذور: "33/ 128"، وديوان أمية بن أبي الصلت: 54. المفردات الغريبة: اللغو: القول الباطل، وما لا يعتد به من الكلام. تأثيم: مصدر أثمته؛ نسبته إلى الإثم، وهو الذنب. فاهوا: تلفظوا وتكلموا. المعنى: ليس في الجنة قول باطل، وكلام لغو لا فائدة منه؛ ولا يفعل أهلها ذنوبا يحاسبون عليها؛ وما تلفظوا به من طلب أي شيء -فهو حاصل ودائم أبدا. الإعراب: لا: مهملة أو عاملة عمل ليس. لغو: مبتدأ؛ أو اسم "لا" على الوجه الثاني؛ وعلى كلا الوجهين فالخبر محذوف؛ لدلالة خبر "لا" الثانية عليه. ولا: الواو عاطفة، لا: نافية للجنس، تعمل عمل "إن". تأثيم: اسم "لا" مبني على الفتح في محل نصب. "فيها": متعلق بخبرها المحذوف. وما: اسم موصول، مبتدأ. فاهوا: فعل ماضٍ، وفاعل؛ وجملة "فاهوا": صلة للموصول، لا محل لها. "أبدا"؛ ظرف زمان. متعلق بـ "مقيم". مقيم: خبر المبتدأ "ما". موطن الشاهد: "لا لغو ولا تأثيم". وجه الاستشهاد: إلغاء "لا" الأولى؛ أو إعمالها عمل "ليس" وارتفاع الاسم بعدها، كما بينا في الإعراب؛ وإعمال "لا" الثانية عمل "إن". 1 فيكون معربا منونا بالعطف على محل اسم "لا" الأولى، وتكون "لا" الثانية زائدة. 2 القائل هو أنس بن العباس بن مرداس. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه كما يرويه بعض النحاة: اتسع الخرق على الرافع والذين يروون عجز البيت على ما ذكرناه، يروون بعده: كالثوب إذ أنهج فيه البلى ... أعيا على ذي الحيلة الصانع =

.........................................................................

_ = وروى أبو علي القالي صدر هذا البيت، مع عجز آخر؛ وهو: اتسع الخرق على الراتِقِ ورَوَى قبله: لا صلح بيني -فاعلموه- ولا ... بينكم، ما حملت عاتقي سيفي، وما كنا بنجد، وما ... قرقر قُمْرُ الواد بالشاهقِ وقد قيل: إن هذا الشاهد هو لأبي عامر جد العباس؛ وقيل إن كل رواية هي لشاعر. وهو من شواهد: التصريح: 1/ 241، وابن عقيل: "110/ 2/ 12"، والأشموني: "299/ 1/ 151" والكتاب لسيبويه: 1/ 349، وشرح المفصل: 2/ 101/ 113، 9/ 138، والعيني: 2/ 351، 4/ 567 وهمع الهوامع: 2/ 144، 211، والدرر اللوامع: 2/ 198، 238، ومغني اللبيب: "411/ 298" "1020/ 783"، والسيوطي: 312، وسمط اللآلي: 3/ 37، واللسان "قمر". المفردات الغريبة: خلة: صداقة. الخرق: الفتق. الراقع والراتق: الذي يصلح موضع الفساد من الثوب. المعنى: لا قرابة، ولا صلة نسب، ولا مودة، ولا صداقة تنفع اليوم؛ فقد بلغ الخلاف مبلغًا لا يرجى معه إصلاح. الإعراب: لا. نافية للجنس. نسب: اسمها مبني على الفتح في محل نصب. "اليوم": متعلق بخبر "لا" المحذوف. ولا: الواو عاطفة، "لا" زائدة لتأكيد النفي. خلة: "بالنصب والتنوين" معطوف على محل اسم "لا" الأولى "عطف مفرد على مفرد" اتسع: فعل ماضٍ. الخرق. فاعل. "على الراقع": متعلق بـ "اتسع". موطن الشاهد: "ولا خلة". وجه الاستشهاد: انتصاب "خلة" على تقدير "لا" زائدة لتأكيد النفي، والواو عاطفة عطفت "خلة" على محل اسم "لا" الأولى "نسب" على رأي الجمهور؛ ويكون العطف على هذا الوجه من باب عطف المفرد على المفرد. وذهب يونس بن حبيب إلى أن "لا" الثانية في البيت عاملة عمل "إن" وأن "خلة": اسمها مبني على الفتح، ونون للضرورة؛ وخبر "لا" الثانية محذوف يفهم من خبر "لا" الأولى؛ والتقدير: "ولا خلة اليوم"؛ وتكون الواو -على رأيه- قد عطفت جملة على جملة؛ والأول أرجح؛ لأنه لا يستتبع الضرورة. وزعم الزمخشري أن "خلة": مفعول به منصوب بفعل محذوف؛ والتقدير: لا نسب اليوم ولا تذكر خلة؛ وفي هذا من التكلف الذي لا يخفى على أحد.

وهو أضعفها1 حتى خصه يونس وجماعة بالضرورة كتنوين المنادى، وهو عند غيرهم على تقدير "لا" زائدة مؤكدة، وأن الاسم منتصب بالعطف. [العطف على اسم لا من غير أن تكرَّر] : فإن عطفت ولم تكرر "لا" وجب فتح الأول، وجاز في الثاني النصب والرفع2، كقوله3: [الطويل] 165- فلا أبَ وابنًا مثل مروان وابنه4

_ 1 لأن نصب الاسم مع وجود "لا" ضعيف، والقياس فتحة بلا تنوين. شرح التصريح: 1/ 242. 1 أي مطلقا، سواء أكان مفردا أم غير مفرد، وكذلك الاسم المعطوف عليه، ويكون النصب بالعطف على محل اسم "لا" الأولى، والرفع على محلها باعتبار أصلها قبل دخول "لا"، وقد علمت أن أصلها مبتدأ مرفوع، أو على "لا" مع اسمها، وهما بمنزلة المبتدأ. 3 القائل: هو رجل من بني عبدة مناة. 4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: إذا هو بالمجد ارتدى وتأزَّرا وفيه يمدح الشاعر مروان بن الحكم وابنه عبد الملك بن مروان. وهو من شواهد: التصريح: 1/ 243، والأشموني: "302/ 1/ 153"، والكتاب لسيبويه: 1/ 349، والمقتضب: 4/ 372، وشرح المفصل: 2/ 101، 110، والخزانة: 2/ 102 والعيني: 2/ 355، وهمع الهوامع: 2/ 143، والدرر اللوامع: 2/ 197، وقطر الندى: "66/ 224". المفردات الغريبة: المجد: العز والشرف. ارتدى: لبس الرداء؛ وهو اسم لما يستر النصف الأعلى من الإنسان. تأزرا: لبس الإزار؛ وهو اسم لما يستر النصف الأسفل منه، وقد كنى بذلك عن ثبوت هذه الصفة "العز والشرف" لهما؛ لأنه جعلهما كاللابسين لها، المرتدين بها، وهو نظير قولهم: المجد بين برديه، والوقار في ثوبه، والحلم تحت عمامته، والكمال في قبة ضربت عليه ... إلخ. المعنى: يمدح الشاعر مروان وابنه عبد الملك. الإعراب: لا: نافية للجنس. أب: اسم "لا" مبني على الفتح في محل نصب. وابنا: الواو عاطفة. ابنا: اسم معطوف على محل اسم "لا". مثل: "بالنصب" صفة لاسم لا =

ويجوز "وابن" بالرفع، وأما حكاية الأخفش "لا رجلَ وامرأةَ" بالفتح، فشاذة1. [وصف اسم لا] : فصل: وإذا وصفت النكرة المبنية بمفرد متصل جاز فتحه2 على أنه ركب معها قبل مجيء "لا" مثل "خمسة عشر"، ونصبه مراعاة لمحل النكرة3، ورفعه مراعاة لمحلها مع لا، نحو: "لا رجل ظريف فيها"4 ومنه: "ألا ماءَ ماءً باردا عندنا"

_ = وما عطف عليه؛ وعلى هذا الوجه، يكون خبر "لا" محذوفا؛ والتقدير: لا أب وابنا مماثلين لمروان موجودان؛ وبـ "الرفع": فهو خبر "لا"؛ أو صفة على محل لا واسمها؛ والأول أفضل. مروان: مضاف إليه. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان متضمن معنى الشرط. هو: فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده؛ والتقدير: إذا ارتدى ... وجملة الفعل المحذوف وفاعله في محل جر بالإضافة. "بالمجد": متعلق بالفعل المحذوف. ارتدى: فعل ماضٍ، والفاعل هو؛ وجملة "ارتدى": تفسيرية، لا محل لها. وتأزرا: الواو عاطفة، تأزرا: فعل ماضٍ، والفاعل: هو: والألف: للإطلاق. وجملة "تأزرا": معطوفة على جملة "ارتدى"، لا محل لها. موطن الشاهد: "لا أب وابنا". وجه الاستشهاد: عطف ابنا على اسم "لا" النافية للجنس، من دون أن يكرر "لا"؛ وجاء بالمعطوف منصوبا؛ وذلك لأنه عطفه على محل اسم "لا" النافية للجنس؛ ويجوز وجه آخر في هذا الشاهد؛ وهو رفع "ابنا" عطفا على محل "لا مع اسمها" على مذهب سيبويه؛ لأن "لا" و"اسمها" معا في محل رفع على الابتداء. 1 لأنه لا يصح البناء بالتركيب؛ لوجود الفصل بحرف العطف. وخرجه بعضهم على أن الأصل: ولا امرأة، فحذفت "لا" وأبقي البناء على نيتها؛ فالشذوذ من هذه الناحية. هذا، وإذا كان المعطوف معرفة، لم يجز فيها إلا الرفع على أنه مبتدأ. شرح التصريح: 1/ 243. 2 أي بناؤه على الفتح، إن كان مفردا، أو على ما ينوب عنها، كالياء في المثنى والمجموع. 3 وقيل إتباعا للحركة البنائية؛ لأنها هنا شبيهة بحركة الإعراب، بل أصلها الإعراب. 4 هذا من أمثلة الخليل، بفتح ظريف، ونصبه منونا، ورفعه. ويقال في المثنى: لا رجلين ظريفين بالبناء والنصب، وظريفان. وفي الجمع: لا رجال ظريفين بالبناء والنصب أيضا، وظريفون.

لأنه يوصف بالاسم إذا وصف، والقول بأنه توكيد خطأ1. فإن فقد الإفراد نحو: "لا رجل قبيحا فعله عندنا" أو "لا غلام سفر ظريفًا عندنا" أو الاتصال نحو: "لا رجل في الدار ظريف" أو "لا ماءَ عندنا ماءً باردًا" امتنع الفتح، وجاز الرفع والنصب، كما في المعطوف بدون تكرار "لا"، وكما في البدل الصالح لعمل "لا" فالعطف نحو: "لا رجل وامرأة فيها"، والبدل نحو: "لا أحد رجل وامرأة فيها"، فإن لم يصلح له فالرفع نحو: "لا أحد زيد وعمر فيها" وكذا في المعطوف الذي لا يصلح لعمل "لا" نحو: "لا امرأة فيها ولا زيد". [دخول همزة الاستفهام على "لا" لا يغير حكمها] : وإذا دخلت همزة الاستفهام على "لا" لم يتغير الحكم. ثم تارة يكون الحرفان باقيين على معنييهما، كقوله2: [البسيط] 166- ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد3

_ 1 لأنه مقيد بالوصف، فليس مرادفا في اللفظ "لما" الأولى المطلقة؛ وأجازه بعضهم على اعتبار أن الوصف طرأ بعد التوكيد. كما جوزوا إعرابه بدلا؛ ومنعه بعضهم؛ لأنه يلزم عليه تقديم البدل على النعت، وهو ممنوع. شرح التصريح: 1/ 243، 244. 2 القائل هو: مجنون بني عامر؛ قيس بن الملوح، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: إذًا ألاقي الذي لاقاه أمثالي ويروى صدر البيت: ألا اصطبار لليلى ... وهو من شواهد: التصريح: 1/ 244، وابن عقيل: "114/ 2/ 22"، والأشموني: "305/ 1/ 153" وهمع الهوامع: 1/ 147"، والدرر اللوامع: 2/ 182، ومغني اللبيب: "9/ 21" "110/ 97"، والسيوطي: 15، 77، وديوان قيس: 228. المفردات الغريبة: اصطبار: تصبر وتجلد واحتمال. جلد: صلابة وثبات. لاقاه أمثالي: كناية عن الموت. المعنى: أيذهب الصبر، وينتقي عن سلمى وتجزع؟ أم تتجلد، وتثبت إذا لاقيت ما لاقاه أمثالي من الموت؟. =

وهو قليل، حتى توهم الشلوبين1 أنه غير واقع. وتارة يراد بهما التوبيخ، كقوله2: [البسيط] 167- ألا ارعواء لمن ولَّت شبيته3 وهو الغالب.

_ = الإعراب: ألا: الهمزة حرف استفهام. لا: نافية للجنس. اصطبار: اسم "لا" مبني على الفتح في محل نصب. "لسلمى": متعلق بمحذوف خبر "لا". أم: حرف عطف. "لها": متعلق بمحذوف خبر مقدم. جلد: مبتدأ مؤخر؛ وجملة "لها جلد": معطوفة على الجملة الأولى، لا محل لها. إذا: ظرفية متضمنة معنى الشرط. ألاقي: فعل مضارع والفاعل: أنا. وجملة "ألاقي": في محل جر بالإضافة. الذي: مفعول به. لاقاه: فعل ماضٍ، والهاء: مفعول به. أمثالي: فاعل مرفوع، والياء: مضاف إليه؛ وجملة "لاقاه": صلة للموصول، لا محل لها. موطن الشاهد: "ألا اصطبار". وجه الاستشهاد: دخول همزة الاستفهام على "لا" النافية للجنس، لم يمنعها من العمل؛ وظل الاستفهام على معناه، و"لا" على معناها؛ والمراد بهما: الاستفهام عن النفي؛ وفي هذا البيت رد على الشلوبين في دعواه أن الاستفهام عن النفي شيء غير واقع. انظر حاشية الصبان: 1/ 15. 1 مرت ترجمته. 2 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: وآذنت بمشيب بعده هرمُ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 245، وابن عقيل: "113/ 2/ 21"، والأشموني: "305/ 1/ 153" والهمع: 1/ 147، والدرر اللوامع: 1/ 128، ومغني اللبيب: "108/ 96"، والسيوطي: 86 وشرح شواهد الألفية للعيني: 2/ 360. المفردات الغريبة: ارعواء: انتهاء وانكفاف عن القبيح. ولت: أدبرت وذهبت. شبيبته: شبابه. آذنت: أعلمت. مشيب: شيخوخة. هرم: كبر وضعف. المعنى: ألا ينزجر وينأى عن الأمور القبيحة من ذهب شبابه، وولى صباه، وأنذره المشيب بالكبر، والضعف، وذهاب القوة؟! الإعراب: ألا: الهمزة حرف استفهام. لا: نافية للجنس؛ ومعنى الحرفين هنا =

وتارة يراد التمني، كقوله1: [الطويل] 168- ألا عُمْرَ ولَّى مستطاعٌ رجوعُهُ2

_ = التوبيخ والإنكار. ارعواء: اسم "لا" مبني على الفتح، في محل نصب. "لمن": متعلق بمحذوف خبر "لا"؛ أولا بـ "ارعواء"، والخبر محذوف. ولت شبيبته: فعل ماضٍ، وفاعل، ومضاف إليه، والتاء: للتأنيث؛ وجملة "ولت شبيته": صلة للموصول "من" لا محل لها. وآذنت: الواو عاطفة وجملة "آذنت": معطوفة على جملة "ولت": لا محل لها؛ وهو الأفضل. "بمشيب": متعلق بـ "آذنت". "بعده": متعلق بمحذوف خبر مقدم ومضاف إليه. هرم: مبتدأ مؤخر؛ والجملة في محل جر صفة لـ "مشيب". موطن الشاهد: "ألا ارعواء". وجه الاستشهاد: دخول همزة الاستفهام على "لا" النافية للجنس مع بقاء عملها، قبل دخول الهمزة عليها، مع أن الشاعر قصد بالحرفين جميعا التوبيخ والإنكار؛ غير أن العلامة الدماميني لم يرتضِ أن يكون الحرفان "الهمزة ولا" دالين معا على الإنكار التوبيخي، وذكر أن المفيد للإنكار التوبيخي هو الهمزة وحدها؛ و"لا" بعد الهمزة دالة على النفي؛ فيكون كل حرف منهما دالا على ما اختص به، أي أن معنى: "ألا ارعواء": التوبيخ على عدم الارعواء والإنكار على من لم يرعوِ وينكف عن الميل إلى دواعي الصبا. وانظر شرح التصريح: 1/ 245. 1 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: فيرأبَ ما أَثْأَتْ يد الغفلات وهو من شواهد: التصريح: 1/ 245، وابن عقيل: "115/ 2/ 23"، والأشموني: "306/ 1/ 153" والعيني: 2/ 316، ومغني اللبيب: "109/ 97" "709/ 499"، والسيوطي: 76/ 280". المفردات الغريبة: ولى: ذهب وأدبر. فيرأب: فيصلح ويجبرز أثأت: أفسدت. المعنى: يتمنى الشاعر أن يعود عمره الذي مضى وذهب؛ ليصلح ما أفسده، وما عمله من سوء في عهد الغفلة والجهل والصبوة. الإعراب: ألا: "مركبة" تفيد التمني. عمر: اسمها مبني على الفتح في محل نصب؛ وهو بمنزلة المفعول، لأن "ألا" بمعنى أتمنى؛ ولا خبر لها؛ وقيل: الهمزة للاستفهام، و"لا" نافية للجنس، وأريد بهما التمني. وجملة "ولى": في محل نصب صفة لـ "عمر". مستطاع: خبر مقدم. رجوعه: مبتدأ مؤخر، ومضاف إليه؛ ويجوز أن =

وهو كثير، وعند سيبويه والخليل أن "ألا" هذه بمنزلة أتمنى فلا خبر لها، وبمزلة: "ليت" فلا يجوز مراعاة محلها مع اسمها، ولا إلغاؤها إذا تكررت، وخالفهما المازني والمبرد1، ولا دليل لهما في البيتن إذ لا يتعين كون: "مستطاع" خبرا، أو صفة، و: "رجوعه" فاعلا، بل يجوز كون "مستطاع" خبرا مقدما، و: "رجوعه" مبتدأ مؤخرا، والجملة صفة ثانية.

_ = نعرب "مستطاع": خبر "ألا" مرفوع. رجوعه: نائب فاعل ومضاف إليه؛ لأن "مستطاع" اسم مفعول؛ وعلى الوجه الأول، فجملة "مستطاع رجوعه": في محل نصب صفة ثانية لـ "عمر". فيرأب: الفاء سببية، يرأب: فعل مضارع منصوب بـ "أن" مضمرة وجوبا بعد فاء السببية، وفاعله: هو، يعود إلى "عمر". ما: اسم موصول، مفعول به لـ "يرأب". أثأت: فعل ماضٍ، والتاء للتأنيث. يد: فاعل مرفوع، وهو مضاف. الغفلات: مضاف إليه؛ وجملة "أثأث يد الغفلات": صلة للموصول، لا محل لها؛ والعائد محذوف؛ والتقدير: أثأته. موطن الشاهد: "ألا عمر". وجه الاستشهاد: مجيء "ألا" مركبة لمجرد التمني؛ والذي يؤكد كونها للتمني، انتصاب الفعل المضارع بـ "أن" مضمرة بعد فاء السببية في جواب التمني، واستعمال: "ألا" بهذا المعنى كثير شائع في لغة العرب. فائدة: استدل المازني والمبرد بهذا البيت على أن "ألا" الدالة على التمني، يجوز ذكر خبرها ويجوز مراعاة محلها مع اسمها؛ فيطعف بالرفع بعدها، كما يصح ذلك مع "لا" التي لم تقترن بها الهمزة الدالة على التمني، وخالفا في ذلك سيبويه والخليل بن أحمد؛ ووجه استدلالهما بهذا البيت، أنهما أجازا إعراب "مستطاع" خبرا: لـ "ألا" كما بينا: أو أن يكون صفة لـ "عمر" باعتبار محله مع لا؛ لأن سيبويه يجعل محل "ألا مع اسمها" مرفوعا بالابتداء؛ فإن جعل "مستطاع" خبرا لـ "ألا" كان ذلك دليلا على جواز ذكر خبر "ألا"؛ وهذا خلاف ما ذهب إليه سيبويه والخليل؛ وإن أعرب "مستطاع" صفة لـ "عمر" كان الشاعر قد راعى محل "ألا مع اسمها" وهذا خلاف مذهب سيبويه في هذا البيت؛ غير أن المذكور، لا يكون ردا على سيبويه إلا إذا لم يكن له وجه آخر من وجوه الإعراب؛ ولكن رأينا له وجها آخر عرضناه في إعراب مفردات البيت، وعليه فلا يصلح البيت شاهدا لما ذهبا إليه، لأن الدليل، متى تطرق إليه الاحتمال لم يصلح للاستدلال. انظر شرح التصريح: 1/ 245. 1 فجعلاهما كالمجردة من همزة الاستفهام، واستدلا بالبيت السابق، فجعلا "مستطاع": إما خبرا للا أو صفة لاسمها، مراعاة لمحلها قبل دخول "لا" والخبر محذوف، أي راجع، و"رجوعه" نائب فاعل مستطاع.

[ترد "ألا" للتنبيه وتدخل على الجملتين] : وترد "ألا" للتنبيه1 فتدخل على الجملتين نحو: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} 2 {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} 3 وعرضية وتحضيضية فتختصان بالفعلية نحو: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} 4 {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُم} 5. [إذا جهل الخبر وجب ذكره] : مسألة: وإذا جهل الخبر وجب ذكره، نحو: "لا أحدَ أغيرُ من الله عز

_ 1 هي "ألا" الاستفتاحية، وهي كلمة واحدة لا عمل لها، وتدل على توجيه الذهن وتنبيهه إلى شيء هام يجيء بعدها، مؤكد الوقوع عند المتكلم، وكثيرا ما تقع بعدها "إن" المكسورة. 2 "10" سورة يونس، الآية: 62. موطن الشاهد: {أَلَا إِنَّ} . وجه الاستشهاد: مجيء "ألا" مفيدة التنبيه، وقد دخلت على الجملة الاسمية، وحكم دخولها على الجملة الاسمية الجواز. 3 "11" سورة هود، الآية: 8. موطن الشاهد: {أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ} . وجه الاستشهاد: مجيء "ألا" مفيدة التنبيه، وقد دخلت على الجملة الفعلية؛ وحكم دخولها عليها الجواز. 4 "24" سورة النور، الآية: 22. موطن الشاهد: {أَلَا تُحِبُّونَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "ألا" مفيدة العرض؛ لأن العرض: طلب الشيء برفق ولين؛ ومدلول الآية يؤكد ذلك. 5 "9" سورة التوبة، الآية: 13. موطن الشاهد: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "ألا" مفيدة التحضيض؛ لأن التحضيض طلب الشيء بشدة وإزعاج؛ ومعنى الآية يوحي بذلك.

وجل" 1 وإذا علم فحذفه كثير، نحو: {فَلا فَوْتَ} 2 {قَالُوا لا ضَيْرَ} 3 ويلتزمه التميميون والطائيون4.

_ 1 هذا جزء من حديث نبوي ونصه: "أنا أغار، والله يغار، ولا أحد أغير من الله، ولذا حرم الفواحش"، والغيرة: الحمية والأنفة وانفعال النفس من فعل القبيح، يقال رجل غيور، وامرأة غيور، وهذا مستحيل على الله، فالمراد لازم الغيرة، وهو البعد عن الموبقات، وزجر مرتكبها. تخريج الحديث: جاء الحديث بلفظ: "لا أحد أغير من الله، فلذلك حرم الفواحش". في مسند الإمام أحمد "المطبعة الميمنية": 1/ 381، والدررالمنثور للسيوطي "ط. دار الفكر": 2/ 248 و381 وفتح الباري لابن حجر "ط. دار الفكر": 8/ 302. وجاء بلفظ: "لا أحد أغير من الله، ولذلك حرم الفواحش" في صحيح البخاري "ط. دار الفكر": 6/ 72، 6/ 74، وصحيح مسلم باب التوبة "مط. عيسى الحلبي" برقم 33، 34 وفتح الباري: 8/ 296. موطن الشاهد: "لا أحد أغير". وجه الاستشهاد: ذكر خبر "لا" النافية؛ أو خبر المبتدأ؛ وهو "أغير" وسبب ذكره جهلنا به؛ وحكم ذكر الخبر في هذه الحال الوجوب. 2 "34" سورة سبأ، الآية: 51. موطن الشاهد: {لَا فَوْتَ} . وجه الاستشهاد: حذف خبر "لا" لمعرفته من السياق؛ لأن التقدير: "لا فوت لهم"؛ وحكم حذفه الجواز عند الحجازيين، والوجوب عند التميميين والطائيين، كما نقل ابن مالك، ونقل ابن خروف عن تميم أنهم لا يظهرون الخبر المرفوع، ويظهرون المجرور والظرف. انظر شرح التصريح: 1/ 246. 3 "26" سورة الشعراء، الآية: 50. موطن الشاهد: {لَا ضَيْرَ} . وجه الاستشهاد: حذف خبر "لا" للعلم به من سياق الآية؛ لأن التقدير: لا ضير علينا؛ وحكمه واضح في الآية السابقة. 4 الضمير في "يلتزمه" يحتمل أن يعود على حذف خبر "لا" سواء علم أو لم يعلم؛ ويحتمل عوده على الخبر بقيد كونه معلوما بقرينة ما؛ ويكون المراد أن الحجازيين يجيزون ذكر الخبر المعلوم وحذفه. أما التميميون والطائيون فلا يجيزون ذكره. ولعل هذا هو الصواب؛ لأن الجميع متفقون على أن الخبر غير المعلوم يجب ذكره. هذا، وقد قال أبو حيان: إن أكثر ما يحذف الحجازيون خبر لا إذا كان مع "إلا" نحو "لا إله إلا الله" اهـ. وقد اختلف النحاة في إعراب هذه الجملة، ونحن نعربها لك =

........................................................................

_ = إعرابا قريبا. فلا: نافية للجنس تعمل عمل إن. إله: اسم "لا" مبني على الفتح في محل نصب، وخبر لا محذوف؛ والتقدير: لا إله لنا، أو لا إله موجود، وإلا: أداة استثناء، ولفظ الجلالة بدل من الضمير المستكن في خبر "لا" وللزمخشري في إعراب هذه الجملة كلام طويل دارت حوله مناقشات كثيرة. شرح التصريح: 1/ 346، والمفصل للزمخشري "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد": 89. وابن عقيل: 2/ 25-26.

باب ظن وأخواتها

[باب ظن وأخواتها] : هذا باب الأفعال الداخلة بعد استيفاء فاعلها على المبتدأ والخير، فتنصبهما مفعولين1: [أفعال القلوب] : أفعال هذا الباب نوعان: أحدهما أفعال القلوب، وإنما قيل لها ذلك لأن معانيها قائمة بالقلب، وليس كل قلبي ينصب المفعولين، بل القلبي ثلاثة أقسام: [الأفعال القلبية ثلاثة أقسام] : ما لا يتعدى بنفسه، نحو فكر وتفكر، وما يتعدى لواحد نحو عرف وفهم، وما يتعدى لاثنين وهو المراد، وينقسم أربعة أقسام:

_ 1 ذهب الجمهور إلى أن أصل مفعولي ظن وأخواتها مبتدأ وخبر، وذهب السهيلي وحده إلى أن المفعولين هما كمفعولي أعطى ليس أصلهما مبتدأ وخبرا، واستدل بظننت زيادا عمرا، وهذا قول لا ينكر. وقولك "زيد عمرو" على أنهما مبتدأ وخبر، لا يصح إلا على معنى التشبيه، وأنت لم ترد ذلك مع ظننت، وأجيب بالمنع، وأن المراد ظننت زيدا عمرا فتبين خلافه. وذهب الفراء إلى أن المنصوب الأول: مفعول، والمنصوب الثاني منصوب على التشبيه بالحال، واستدل لذلك بأن الثاني يجيء جملة، نحو: ظننت زيدا يؤدي واجبه، ويجيء ظرفا؛ نحو: ظننت زيدا عندك، ويجيء جارا ومجرورا، نحو: ظننت زيدا على خلق حسن؛ وقد عهدنا الحال يجيء على هذه الوجوه، والذي يقطع بالرد عليه أن المنصوب الثاني يجيء معرفة نحو: ظننت زيدا أخاك، ويجيء ضميرا: نحو: زيد ظننتكه، ويجيء جامدا؛ نحو: ظننت زيدا أسدا، ولا يقتصر في شيء من ذلك على السماع، ثم هو في جميع أحواله مما لا يستغني الكلام عنه؛ لأنه لا يتم معنى الكلام بدونه، والحال لا يكون كذلك. شرح التصريح: 1/ 246-247.

[ما يتعدى لاثنين أربعة أقسام] : أحدها: ما يفيد في الخبر يقينا، وهو أربعة: وجد، وألفى، وتعلَّمْ، بمعنى اعلَمْ، ودرى، قال الله تعالى: {تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا} 1 {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ} 2، وقال الشاعر3: [الطويل] 169- تعلَّمْ شفاء النفس قهر عدوها4

_ 1 "73" سورة المزمل، الآية: 20. موطن الشاهد: {تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "تجد" فعلا قلبيا ناصبا لمفعولين هما: "الهاء، وخيرا"؛ ويفيد العلم واليقين؛ لأن من وجد الشيء على حقيقته، فقد علمه. 2 "37" سورة الصافات، الآية: 69. موطن الشاهد: {أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ} . وجه الاستشهاد: مجيء فعل "ألفى" قلبيا مفيدا اليقين وناصبا لمفعولين اثنين؛ هما: "آباءهم، وضالين". 3 هو زياد بن سيار بن عمرو بن جابر: 4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: فبالغ بلطف في التحيل والمكر وهو من شواهد: التصريح: 1/ 247، وابن عقيل: "120/ 2/ 32"، والأشموني: "325/ 1/ 158"، وهمع الهوامع: 1/ 149، والدرر اللوامع: 1/ 123، ومغني اللبيب: "1017/ 775"، وشرح السيوطي: 312، وشرح العيني: 2/ 374، وشذور الذهب: "183/ 477". المفردات الغريبة: تعلم: فعل أمر مبني على السكون؛ وهو ملازم لهذه الصيغة؛ ومعناه: اعلمْ وتَيَقَّنْ. شفاء النفس: قضاء مطالبها ومآربها. بلطف: برفق ولين. التحيل: أخذ الأشياء بالحيلة والدهاء. معنى الشاهد: اعلم أن ما يشفي نفوس الرجال قهرهم لأعدائهم، وتغلبهم عليهم؛ فعليك أن تبالغ في الاحتيال، وتحين الفرص؛ لكي تنال من عدوك ما تريد. الإعراب: تعلم: "قلبي بمعنى اعلم" فعل أمر، والفاعل: أنت. شفاء: مفعول به أول، وهو مضاف. النفس: مضاف إليه ثان. فبالغ: الفاء عاطفة. بالغ: فعل أمر، الفاعل: أنت. "بلطف": متعلق بـ "بالغ". "في التحيل": متعلق بـ "لطف". والمكر: معطوف على التحيل مجرور مثله. =

والأكثر وقوع هذا على "أن" وصلتها1، كقوله2: [الطويل] 170- فقلت تعلم أن للصيد غرة3.

_ = موطن الشاهد: "تعلم شفاء النفس قهر عدوها". وجه الاستشهاد: مجيء "تعلم" فعلا قلبيا بمعنى "اعلم" مفيدا اليقين؛ وقد نُصِبَ به مفعولان اثنان؛ أصلهما مبتدأ أو خبر؛ ومثل هذا الشاهد قول الحارث بن ظالم المري: تعلم -أبيت اللعن- أني فاتك ... من اليوم أو من بعده بابن جعفر فقد سدت أن ومعمولاها مسد مفعولي "تعلم"؛ ومعلوم أن هذا الفعل، يندر أن ينصب مفعولين ظاهرين، وإنما تسد "أن" المؤكدة ومعمولاها مسد المفعولين لهذا الفعل، كما في الشاهد التالي. 1 وحينئذ تسد "أن" ومعمولها مسد المفعولين، ومعروف أن الصلة تشتمل على مسند ومسند إليه. 2 هو: زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رباح المزني، شاعر حكريم من أهل نجد وأحد أصحاب المعلقات السبع، والمعروف بحولياته، وهو راوية أوس بن حجر، قيل إنه أشعر الشعراء في الجاهلية لأنه لا يعاظل بين القول ولا يتبع حوشي الكلام، شهد له بذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجرير. ولم يتصل الشعر في ولد أحد من فحول الشعر ما اتصل في ولده، ولم يدرك الإسلام ومات سنة 13 ق. هـ. الشعر والشعراء: 1/ 137، الأغاني: 9/ 139، الاشتقاق: 111، الخزانة: 1/ 375، الجمحي: 1/ 63. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: وإلا تضيعها فإنك قاتله وهو من قصيدة لزهير ومطلعها قوله: صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله ... وعري أفراس الصبا ورواحله وهو من شواهد: التصريح: 1/ 2147، والأشموني: "326/ 1/ 158"، والعيني: 2/ 374 وديوان زهير بن أبي سلمى: 134. المفردات الغريبة: تعلم: اعلم. غرة: غفلة. تضيعها: الضمير عائد على الفرصة التي تتيحها الغفلة. المعنى: اعلم، وتيقن أن للصيد أوقاتا، يهأ فيها ويستريح، وتعتريه غفلة وسكون؛ فإذا انتهزت هذه الفرصة، وصوبت إليه سهامك، فإنك قاتله لا محالة. الإعراب: تعلم: "بمعنى: اعلم" فعل أمر مبني على السكون، والفاعل: أنت: أن: حرف مشبه بالفعل "للصيد"؛ متعلق بخبر مقدم لـ "أن". غرة: اسم "أن" مؤخر منصوب؛ و"أن ومعمولاها": سدت مسدَّ مفعولي "تعلم". إلا: إن شرطية، لا: نافية، تضيعها: فعل الشرط مجزوم، والفاعل: أنت، و"ها" مفعول به. فإنك: الفاء واقعة في جواب الشرط، إنك: حرف مشبه بالفعل، والكاف: اسمه، قاتله: خبر "إن" والهاء: مضاف إليه. موطن الشاهد: "تعلم أن للصيد غرة". وجه الاستشهاد: استعمال "تعلم" بمعنى اعلم، وقد تعدى هذا الفعل إلى مفعوليه بوساطة "أن" المفتوحة المؤكدة وصلتها؛ وهذا الغالب في استعمال هذا الفعل.

وقوله1: [الطويل] 171- دريت الوفي العهد يا عُرْوَ فاغتبط2

_ 1 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: فإن اغتباطا بالوفاء حميد وهو من شواهد: التصريح: 1/ 247، وابن عقيل: "119/ 2/ 31"، والأشموني: "323/ 1/ 157" وهمع الهوامع: 1/ 149، والدرر اللوامع: 1/ 132، وقطر الندى: "68/ 228" والعيني: 2/ 373 وشذور الذهب: "181/ 475". المفردات الغريبة: دريت: ماضٍ مبني للمجهول، من درى بمعنى علم. فاغتبط. أمر من الغبطة، وهي تمني مثل ما للغير، من غير تمني زواله عنه، والمراد: ازدد فيما أنت عليه من الصفات الحميدة ليغبط الناس؛ أو الدعاء له بأن يدوم على ما هو عليه؛ ليغبطه الناس. المعنى: تيقن الناس وعلموا علما لا شك فيه، أنك -يا عروة- تفي بالعهد، ولا تنقضه؛ فلتغتبط على هذه الخصلة الحميدة؛ لأن الاغتباط بها أمر محمود، ومشكور عند الله وعند الناس. الإعراب: دريت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء: نائب فاعل؛ وهي المفعول الأول قبل بناء الفعل للمجهول. الوفي: مفعول به ثان منصوب، والوفي: صفة مشبهة. العهد: فاعل للصفة المشبهة؛ أو مضاف إليه، من إضافة الصفة إلى فاعلها؛ أو منصوب على التشبيه بالمفعول به؛ والوجه الثاني: أفضل. يا عرو: "يا" حرف نداء. عرو: منادى مرخم بحذف التاء، مبني على ضم الحرف المذكور، أو المحذوف؛ على لغة من ينتظر، ومن لا ينتظر. فاغتبط: الفاء واقعة في جواب شرط مقدر، والتقدير: إذا كنت كذلك فاغتبط. فإن الفاء تعليلية، إن: حرف مشبه بالفعل. اغتباطا: اسم "إن" "بالوفاء": متعلق بـ "اغتباطا". حميد: خبر "إن" مرفوع. موطن الشاهد: "دريت الوفي العهد". وجه الاستشهاد: جاء فعل "درى" قلبيا يفيد اليقين، ونصب مفعولين اثنين؛ الأول: التاء المتحولة نائب قاعل؛ لبناء الفعل المجهول، والثاني: الوفي؛ ونصب فعل درى لمفعولين قليل، والأكثر فيه أن يتعدى إلى واحد بالباء، نحو: دريت بكذا.

والأكثر في هذا أن يتعدى بالباء، فإذا دخلت عليه الهمزة تعدى لآخر بنفسه1 نحو: {وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ} 2. والثاني: ما يفيد في الخبر رجحانا3، وهو خمسة: جعل، وحجا، وعدَّ، وهب، وزعم، نحو: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} 4، وقوله5: [البسيط] 172- قد كنت أحجو أبا عمرو أخا ثقة6

_ 1 أي: إن دخلت عليه همزة التعدية؛ تعدى بها إلى واحد، وتعدى إلى الثاني بالباء، كما في الآية الكريمة التالية. 2 "10" سورة يونس، الآية: 16. موطن الشاهد: {وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ} . وجه الاستشهاد: دخول همزة التعدية على فعل "درى" فتعدى بوساطة هذه التعدية إلى المفعول الأول؛ وهو "كم" بنفسه، وإلى المفعول الثاني بحرف الجر، كما أسلفنا. 3 الرجحان: ما ينشأ من تغلب أحد الدليلين المتعارضين في أمر من الأمور على الآخر؛ بحيث يصير أقرب إلى اليقين من الشك. 4 "43" سورة الزخرف، الآية: 19. موط الشاهد: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ.... إِنَاثًا} . وجه الاستشهاد: مجيء فعل "فعل" مفيدا، رجحان الخبر؛ فنصب مفعولين اثنين؛ الأول: الملائكة؛ والثاني: إناثا. 5 القائل: هو تميم بن أبي مقبل، وقيل اسمه تميم بن أُبَي بن مقبل، أحد بني العجلان، شاعر مجيد في الوصف والرثاء، منقح للكلام وصاف للقدح حتى قيل: قدح ابن مقبل، أدرك الإسلام وأسلم، وكان جافيا في الدين، يبكي أهل جاهليته. وبلغ مائة وعشرين سنة. الشعر والشعراء: 1/ 455، الجمحي: 1/ 150، الإصابة: 1/ 195، الأغاني: 3/ 179، اللآلي: 362. 6 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: حتى ألمت بنا يوما ملمات =

.........................................................................

_ = وقد نصب صاحب المحكم البيت إلى أبي شنبل الأعرابي، ونسبه ثعلب في أماليه إلى أعرابي يقال له: القنان، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 248، وابن عقيل: "125/ 2/ 38" والأشموني: "322/ 1/ 157" وهمع الهوامع: 1/ 148، والدرر اللوامع: 1/ 130، والعيني: 2/ 376 وشذور الذهب: "178/ 472" وليس في ديوان تميم بن أبي مقبل. المفردات الغريبة: أحجو: أظن. ألمت: نزلت. ملمات: جمع ملمة وهي النازلة من نوازل الدهر. المعنى: قد كنت أظن وأعتقد أن أبا عمرو أخا مخلصا، يوثق به، ويعتمد عليه في الملمات والشدائد؛ حتى نزلت بنا يوما حوادث مؤملة؛ فتبين لي غير ما كنت أظن فيه. الإعراب: أحجو: فعل مضارع، والفاعل: أنا. أبا: مفعول به أول، وهو مضاف. عمرو: مضاف إليه. أخا: مفعول به ثانٍ، وهو مضاف. ثقة: مضاف إليه؛ ويجوز أن تكون "أخا" بالتنوين مفعولا ثانيا وثقه بالتنوين والنصب صفة لها. حتى: حرف غاية وجر: ألمت: فعل ماضٍ، والتاء، للتأنيث. ملمات: فاعل مرفوع. موط الشاهد: "أحجو أبا عمرو أخا". وجه الاستشهاد: استعمل فعل "أحجو" بمعنى أظن؛ فنصب به مفعولين؛ أحدهما: أبا عمرو، وثانيهما: أخا ثقة؛ وفعل حجا لا يتعدى إلى مفعولين إلا إذا كان قلبيا مفيدا الرجحان والظن. فائدة 1: ذكر العيني أنه لم ينقل أحد من النحاة أن "حجا يحجو" ينصب مفعولين غير ابن مالك رحمه الله تعالى. فائدة 2: يأتي فعل حجا بمعانٍ عدة؛ منها: الغلبة في المحاجاة؛ وذلك إذا ألقيت على مخاطبك كلمة يخالف لفظها معناها، وتسمى هذه الكلمة أحجية؛ ويأتي فعل "حجا" بمعنى "قصد"؛ نحو قول الأخطل: حجونا بني النعمان إذ عصَّ ملكهم ... وقبل بني النعمان حاربنا عمرو فحجونا بمعنى قصدنا. وعص ملكهم: قوي واشتد. ويأتي بمعنى أقام؛ نحو: "حجا محمد بمكة"؛ أي: أقام بها. ويأتي بمعنى "رد" نحو: حجوت السائل؛ أي رددته. ويأتي بمعنى "ساق" نحو: حجوت الإبل، أي سقتها. ويأتي بمعنى "حفظ وكتم" نحو: حجوت الحديث؛ أي حفظته أو كتمته. ويتضح من الأمثلة السابقة أن "حجا" لما يكون بمعنى غلب في المحاجاة، أو قصد، أو رد، أو ساق، أو كتم، أو حفظ؛ تتعدى إلى مفعول واحد. وإذا كان بمعنى أقام في المكان، أو وقف؛ فإنه لا يتعدى بنفسه، وإنما يتعدى بحرف الجر.

وقوله1: [الطويل] 173- فلا تعدد المولى شريكك في الغنى2

_ 1 القائل هو: النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي، أبو عبد الله؛ صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابن صاحبه، وابن أخت عبد الله بن رواحة، ولد سنة اثنتين للهجرة ومسنده: 114 حديثا؛ حدث عنه الزهري والشعبي وغيرهما، ولاه معاوية الكوفة ثم دمشق، ثم حمص وبها قتل. سير أعلام النبلاء: 3/ 411، البداية والنهاية: 8/ 244، الإصابة: 3/ 559، شذرات الذهب: 1/ 72. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: ولكنما المولى شريكك في العدم وهو من شواهد: التصريح: 1/ 248، وابن عقيل: "124/ 2/ 37"، والأشموني: "321/ 1/ 157" وهمع الهوامع: 1/ 148، والدرر اللوامع: 1/ 130، والخزانة: 1/ 461 عرضا، والعيني: 2/ 377. المفردات الغريبة: لا تعدد: لا تظن. المولى: يطلق على معانٍ كثيرة، والمراد هنا الصاحب والناصر. العدم: الفقر. المعنى: لا تظن الصديق المخلص، والصاحب الوفي، هو الذي يقاسمك ويشاطرك المودة والإخاء في حال يسارك وغناك؛ بل هو الذي يرافقك ويصاحبك في حال فقرك، وضيق عيشك، وغدر الزمان بك. الإعراب: لا: ناهية. تعدد: فعل مضارع مجزوم، والفاعل: أنت. المولى: مفعول به أول لفعل "تعدد". شريكك: مفعول به ثان، والكاف: مضاف إليه. "لكنما": كافة ومكفوفة تفيد الاستدراك. المولى: مبتدأ. شريكك: خبر ومضاف إليه. موطن الشاهد: "لا تعدد المولى شريكك". وجه الاستشهاد: استعمل مضارع "عد" "بمعنى ظن" ونصب به مفعولين؛ أحدهما: المولى. والثاني: شريكك، كما بينا في الإعراب؛ ومثل الشاهد السابق بعد قول جارية بن الحجاج: لا أعد الإقتار عُدْمًا ولكنْ ... فَقْدُ من قد فقدته الإعدام فـ "أعد" بمعنى أظن، وقد نصب مفعولين؛ الإقتار وعدما؛ والشواهد على استعمال عد بمعنى ظن كثيرة.

وقوله1: [المتقارب] 174- وإلا فهبني امرأ هالكا2

_ 1 القائل: هو عبد الله بن همام السلولي، أحد بني مرة صعصعة من قيس عيلان، وبنو مرة يعرفون ببني سلول؛ شاعر أموي، جيد الشعر عذبه، حتى سمي بالعطاء لحسن شعره، وهو إلى هذا صاحب جاه عند السلطان؛ لزوم معاوية وابنه يزيد، وكان عندهما حظيا مكينا. الشعر والشعراء: 2/ 651، والجمحي: 2/ 625، واللآلي: 683، والخزانة: 2/ 638. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: فقلت: أجرني أبا مالك وهو من شواهد: التصريح: 1/ 248، وابن عقيل: "126/ 2/ 36"، والأشموني: "324/ 1/ 157"، وهمع الهوامع: 1/ 149، والدرر اللوامع: 1/ 131، والخصائص: 2/ 186، والعيني: 2/ 378 ومغني اللبيب: "1018/ 775"، وشرح السيوطي: 312، وشذور الذهب: "182/ 476". المفردات الغريبة: أجرني: أغثني واحمني، وأصله: اتخذني لك جارا تدفع عنه وتحميه. هبني: احسبني وظنني. المعنى: فقلت: أغثني واحمني ودافع عني يا أبا مالك، وأمني من أعدائي، فإن لم تفعل ذلك، فظن أني هالك لا محالة. الإعراب: أجرني: فعل أمر؛ خرج إلى معنى الاستعطاف، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به. أبا خالد: منادى بحرف نداء محذوف منصوب، وخالد: مضاف إليه. إلا: إن شرطية جازمة، لا: نافية؛ وفعل الشرط محذوف؛ لدلالة ما قبله عليه. فهبني: الفاء رابطة لجواب الشرط، هب: فعل أمر مبني على السكون؛ وهو ملازم لصيغة الأمر، والفاعل: أنت. والنون: للوقاية، والياء: مفعول به أول. أمرأ: مفعول ثانٍ منصوب. هالكا: صفة منصوبة. موطن الشاهد: "هبني امرأ". وجه الاستشهاد: مجيء "هب" بمعنى الظن؛ فنصب مفعولين؛ أحدهما: ياء المتكلم؛ والثاني: امرأ؛ ومعلوم أن "هب: بهذا المعنى فعل جامد، لا يتصرف؛ فلا يأتي منه مضارع ولا ماضٍ؛ بل هو مزم لصيغة الأمر؛ والغالب على هذا الفعل أن يتعدى إلى مفعولين صريحين، كما في الشاهد، وقد يدخل على "أن" المؤكدة ومعموليها خلافا لابن سيده، والجوهري، والجرمي؛ حيث عدوا دخوله عليها لحنا، غير أن العلماء والمحققين أثبتوا أنه ليس لحنا، واستشهدوا بحديث عمر: "هب أن أبانا كان حمارا". غير أن هذا الاستعمال قليل، والأفضل ألا يصار إلى استعماله. فائدة: يجب أن نميز هنا بين "هب" الفعل الجامد الذي تحدثنا عنه، وبين "هب" الأمر من "وهب" يهب المتصرف؛ فذاك يتعدى إلى مفعول واحد بنفسه، كما قال جل جلاله: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق} ، وقوله في آية أخرى: {هَبْ لِي حُكْمًا} ، وقوله تقدست أسماؤه: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا} . ففعل "وهب" في الآيات الكريمة بمعنى الهبة، وهي التفضل بما ينفع الموهوب.

وقوله1: [الخفيف] 175- زعمتني شيخا ولست بشيخ2

_ 1 القائل: هو أبو أمية الحنفي: 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: إنما الشيخ من يدبُّ دبيبا وهو من شواهد: التصريح: 1/ 248، والأشموني: "319/ 1/ 156"، والعيني: 2/ 379 ومغني اللبيب: "1016/ 775" وشذور الذهب: "179/ 473"، وقطر الندى: "70/ 231". المفردات الغريبة: شيخا، الشيخ: هو الذي ظهر عليه الضعف والشيب، ويغلب أن يكون من سن الخمسين ويجمع على أشياخ وشيوخ. يدب دبيبا: يمشي مشيا وئيدا. المعنى: ظنت هذه المرأة حين رأت الشيب برأسي، أني أصبحت شيخا ضعيفا منهوك القوى، وهي في ذلك مخطئة؛ لأن الشيخ من ضعفت قوته، وكَلَّ عزمه، وتقاربت خطاه وأضحى لا يستطيع السير لشدة ضعفه فأخذ يدب على عصاه؛ أما أن فأقوى وأشد مما تظن. الإعراب: زعمتني: فعل ماضٍ، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به أول لـ "زعم". شيخًا: مفعول ثان منصوب، ولست: الواو حالية. لست: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: اسمه. بشيخ: الباء زائدة، شيخ: اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ليس. إنما: كافة ومكفوفة، تفيد الحصر. الشيخ: مبتدأ. من: اسم موصول، خبر. يدب: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هو. دبيبا: مفعول مطلق؛ وجملة "يدب دبيبا": صلة للموصول لا محل لها. موطن الشاهد: "زعمتني شيخا". وجه الاستشهاد: استعمل فعل "زعم" بمعنى ظن، فنصب به مفعولين؛ أحدهما: ياء المتكلم، والثاني: قوله: "شيخا"؛ وهذا مستعمل شائع في لغة العرب؛ وإن كان الأكثر فيه أن يقع على أن المثقلة أو المخففة وصلتهما كما سنرى.

والأكثر في هذا وقوعه على أن وأن وصلتهما، نحو: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} 1، وقال2: [الطويل] 176- وقد زعمت أني تغيرت بعدها3

_ 1 64 سورة التغابن، الآية: 7. موطن الشاهد: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} . وجه الاستشهاد: دخول فعل زعم القلبي على "أن" المخففة وصلتها، فسدَّتْ مع معموليها مسدَّ مفعولي زعم؛ ووقوع "زعم" على "أن" وصلتها كثير شائع في اللغة، كما جاء في المتن. 2 القائل: هو كثير بن عبد الرحمن، المعروف بكثير عزة، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: ومن ذا الذي يا عَزُّ لا يتغير وبعده قوله: تغير جسمي والخليفة كالذي ... عهدت، ولم يُخبَرْ بسرك مُخبَرُ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 248، والأشموني: "32/ 1/ 157"، والعيني: 2/ 380 وشذور الذهب: "180/ 474"، وديوان كثير عزة: 1/ 62. المفردات الغريبة: زعمت: ظنت. تغيرت: تغير جسمي فأصبح هزيلا شاحب اللون. المعنى: ظنت عزة، وهي تتحدث عني؛ لما رأته من تحول في بدني وشحوب في لوني وهزال في جسمي- أنني تغيرت بعد فراقها والبعد عنها؛ ثم استدرك وقال: ومن الذي لا يتغير بعدما عانى من الوجد وألم الشوق والبعد؟ الإعراب: زعمت: فعل ماضٍ من أفعال القلوب؛ والتاء: للتأنيث. أني: حرف مشبه واسمه. تغيرت: فعل ماضٍ وفاعل؛ وجملة "تغيرت بعدها": في محل رفع خبر "أن"؛ وأن وما دخلت عليه سدت مسد مفعولي زعم. "بعدها": متعلق بـ "تغير"، و"ها": مضاف إليه. من ذا: مبتدأ وخبر: الذي: بدل من اسم الإشارة؛ أو عطف بيان عليه. يا: حرف نداء. عز: منادى مفرد علم مرخم؛ وجملة النداء؛ معترضة بين الموصول وصلته، لا محل لها. لا: نافية. يتغير: فعل مضارع والفاعل: هو؛ وجملة "لا يتغير": صلة للموصول لا محل لها. موطن الشاهد: "زعمت أني تغيرت". وجه الاستشهاد: استعمل فعل "زعم" بمعنى ظن، وعداه إلى مفعولين؛ سد مسدهما أن وما دخلت عليه؛ وهذا كثير شائع في استعمال هذا الفعل كما أشرنا من قبل؛ ومن أمثلته قول امرئ القيس: ألا زعمت بسباسة اليوم أنني ... كبرت وألا يحسن اللهو أمثالي وقول جميل بن معمر العذري: وقد زعمت أني سأرضي بها العدى ... سرقت إذن يا بثن زاد رفيقي ومن تعدية هذا الفعل بوساطة "أن" المخففة وما دخلت عليه قوله جل شأنه: {بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا} .

والثالث: ما يَرِدُ بالوجهين1، والغالب كونه لليقين، وهو اثنان: رأى، وعلم، كقوله جل ثناؤه: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا، وَنَرَاهُ قَرِيبًا} 2، وقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} 3، وقوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَات} 4. والرابع: ما يَرِدُ بهما، والغالب كونه للرجحان، وهو ثلاثة: ظن، وحسب، وخال كقوله5: [الطويل] 177- ظننتك إن شبَّتْ لظى الحرب صاليا6

_ 1 أي يكون بمعنى اليقين أحيانا، وبمعنى الرجحان أحيانا أخرى، والقرينة تعين المراد. 2 "70" سورة المعارج، الآية: 6 و7. موطن الشاهد: {يَرَوْنَهُ بَعِيدًا، وَنَرَاهُ قَرِيبًا} . وجه الاستشهاد: مجيء فعل "يرى" في الآية الكريمة دالا على المعنيين، فالأول يدل على الرجحان؛ لأن الضمير عائد إلى الكفار الذين يظنون البعث ممتنعا؛ والثاني: يدل على اليقين؛ لأن المتكلم الله جل جلاله؛ ومعناه: ونعلمه واقعا لا محالة. 3 "47" سورة محمد، الآية: 19. موطن الشاهد: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} . وجه الاستشهاد: مجيء فعل "اعلم" بمعنى تيقن واعتقد؛ وأن وصِلَتُها سدت مسد مفعولي "اعلم". 4 "60" سورة الممتحنة، الآية: 10. موطن الشاهد: {عَلِمْتُمُوهَُّن مُؤْمِنَاتٍ} . وجه الاستشهاد: مجيء فعل "علم" في الآية الكريمة بمعنى "ظن"؛ والضمير "هن"؛ مفعوله الأول، ومؤمنات: مفعوله الثاني. 5 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 6 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: فعردت فيمن كان عنها معردا وهو من شواهد: التصريح: 1/ 248، والأشموني: "317/ 1/ 156" والعيني: 2/ 381. =

وكقوله تعالى: {يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} 1، وكقوله الشاعر2: [الطويل] 178- وكنا حسبنا كل بيضاء شحمةً3

_ = المفردات الغريبة: شبَّت: اشتعلت واتَّقَدت وتأججت. لظى الحرب: نارها وأوارها. صاليا: داخلا فيها، وخائضا غمارها. عردت: أحجمت وفرَّت، والتعريد: الفرار، أو سرعة الذهاب في الهزيمة. المعنى: لقد ترجح أنك -إذا اضطرمت نيران الحرب وحمي وطيسها- تقتحهما وتخوض غمارها غير هياب ولا وجل؛ وإذا بك تفر وتنهزم مع المنهزمين. الإعراب: ظننتك: فعل ماضٍ يفيد الرجحان، والتاء: فاعله، والكاف: مفعوله الأول. إن: شرطية جازمة. شبت: فعل ماضٍ، والتاء للتأنيث. لظى: فاعل مرفوع، الحرب: مضاف إليه؛ وجواب الشرط محذوف؛ لدلالة ما قبله عليه. صاليا: مفعول به ثانٍ؛ لفعل "ظن" فعردت: الفاء عاطفة. عردت: فعل ماضٍ وفاعل. "فيمن": متعلق بـ "عرد". كان فعل ماضٍ ناقص، واسمه: هو. معردا: خبر كان؛ وجملة "كان مع معموليها": صلة "من" لا محل لها. موطن الشاهد: "ظننتك صاليا". وجه الاستشهاد: استعمل فعل "ظن" من الظن بمعنى الرجحان؛ ونصب به مفعولين؛ الأول: "الكاف" ضمير الخطاب، والثاني: صاليا. 1 "2" سورة البقرة، الآية: 46. موطن الشاهد: {يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} . وجه الاستشهاد: مجيء فعل "يظنون" من الظن بمعنى اليقين؛ لأن المؤمنين يتيقنون من ملاقاة ربهم، و"أن" وصلتها سدت مسد مفعولي "يظنون". 2 الشاعر: هو زفر بن الحارث الكلبي: أبو الهذيل، كبير قيس في زمانه، ومن الطبقة الأولى من التابعين من أهل الجزيرة، سمع عائشة ومعاوية رضي الله عنهما، وشهد صفين مع معاوية، وشهد مرج راهط مع الضحاك بن قيس؛ لجأ إلى قرقيسيا -بلد على الفرات- وبقي فيها إلى أن مات في خلافة عبد الملك بن مروان، وله بضع وسبعون سنة. الخزانة: 2/ 372، المؤتلف: 129. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: عشية لاقينا جُذامَ وحميرا وهو من كلمة يقولها في وصف مرج راهط، وهو موضع كانت لهم فيه موقعة، وبعده قوله: =

وقوله1: [الطويل] 179- حسبتُ التقى والجودَ خيرَ تجارةٍ2

_ = فلما لقينا عصبة تغلبية ... يقودون جردا في الأعنة ضمرا سقيناهم كأسا سوقنا بمثلها ... ولكنهم كانوا على الموت أصبرا فلما قرعنا النبع بالنبع بعضه ... ببعض أبت عيدانه أن تكسرا والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 249، ومغني اللبيب: "1078/ 833" والسيوطي: 314، والعيني: 2/ 382، وشرح التبريزي لديوان الحماسة "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد"، 1/ 150. المفردات الغريبة: وكنا حسبنا كل بيضاء شحمة: كنا ظننا شيئا فوجدنا الأمر على خلاف ما كنا نظن، وهذه العبارة مأخوذة من المثل: "ما كل بيضاء شحمة، ولا كل سوداء تمرة". جذام وحمير: قبيلتان من قبائل اليمن. المعنى: كنا ظننا في قومنا -لما نعلمه من شجاعتهم ومقدرتهم الفائقة في الحرب- أنهم سيقهرون أعداءهم بمجرد اللقاء بهم، وأن أولئك الأعداء، سيهزمون حين يرون أنفسهم أمام شجعان لا قبل لهم بمنازلتهم؛ ولكننا وجدنا في الأعداء قدرة وصلابة وصمودا في المواجهة، وصبرا على النزال، لم يكن متوقعا؛ ولعل هذا البيت من خير ما قيل في إنصاف الخصوم. الإعراب: كنا: فعل ماضٍ ناقص، واسمه، حسبنا: فعل ماضٍ يفيد الرجحان، و"نا" فاعل. كل: مفعول به أول لـ "حسب" بيضاء: مضاف إليه. شحمة: مفعول به ثانٍ. لاقينا: فعل ماضٍ، وفاعل. جذام: مفعول به. وحميرا: معطوف على "جذام" وجملة "لاقينا ... " في محل جر بالإضافة. موطن الشاهد: "حسبنا كل بيضاء شحمة". وجه الاستشهاد: مجيء فعل "حسب" القلبي بمعنى الرجحان ونصبه مفعولين اثنين؛ الأول: كل؛ والثاني: شحمة. 1 هو: لبيد بن ربيعة العامري، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: رباحا، إذا ما المرء أصبح ثاقلا وهو من كلمة طويلة للبيد عدتها اثنان وتسعون بيتا، وأولها قوله: كبيشة حلت بعد عهدك عاقلا ... وكانت له خبلا على النأي خابلا =

وكقوله1: [الطويل] 180- إخالك، إن لم تغضض الطرف، ذا هوى2

_ = تربعت الأشراف ثم تصيفت ... حساء البطاح وانتجعن المسايلا والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 249، وابن عقيل: "122/ 2/ 34"، والأشموني: "339/ 1/ 163" وهمع الهوامع: 1/ 149، والدرر اللوامع: 1/ 132، والعيني: 2/ 384، وديوان لبيد: 146. المفردات الغريبة: رباحا: أي ربحا. ثاقلا: أي ميتا؛ لأن الجسم يثقل إذا فارقته الروح. المعنى: لقد علمت وتيقنت أن تقوى الله تعالى، والجود بالمال وبالنفس -إذا اقتضى الأمر- أحسن تجارة، تعود على الإنسان بخير ربح، إذا مات وفارق هذه الدنيا؛ وذلك لأنه سيجد ما أعده الله له خيرا وأعظم أجرا. الإعراب: حسب: فعل ماضٍ بمعنى "علم"، والتاء: فاعل. التقى: مفعول به أول. والجود: معطوف على المفعول الأول. خير: مفعول به ثانٍ. تجارة: مضاف إليه. رباحا: تمييز منصوب. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان متعلق بجوابه. ما: زائدة. المرء: فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده؛ وهذا الفعل المحذوف ناقص محذوف الخبر؛ لأن مفسره "أصبح" فعل ناقص والجملة من "أصبح مع معموليها": في محل جر بالإضافة. أصبح: فعل ماضٍ ناقص، واسمه: هو. ثاقلا: خبر أصبح منصوب؛ وجملة "أصبح ثاقلا": مفسرة لا محل لها. موطن الشاهد: "حسبت التقى ... خير". وجه الاستشهاد: استعمال فعل "حسب" بمعنى علم القلبي، ونصبه مفعولين اثنين؛ الأول: التقى. والثاني: خير؛ واستعمال "حسب" بهذا المعنى كثير شائع. 1 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: يسومك ما لا يستطاع من الوجد وهو من شواهد: التصريح: 1/ 249، والأشموني: "313/ 1/ 155" وهمع الهوامع: 1/ 150 والدرر اللوامع: 1/ 133، والعيني: 2/ 385. المفردات الغريبة: إخالك: أظنك، وهو بكسر الهمزة، مع أن القياس في همزة المضارعة فتحها، ولكن جمهور العرب كسروها في هذا الفعل ما عدا بني أسد فإنهم يفتحونها على القياس. تغضض الطرف: تصرف العين وتغمضها. ذا هوى: صاحب عشق. يسومك: يكلفك ويجشمك. الوجد: الهيام والحزن. =

وقوله2: [المنسرح] 181- ما خلتني زلت بعدكم ضَمِنًا2

_ = المعنى: إني لأظنك -إن لم تصرف النظر عن الحسان ومفاتنهن- صاحب عشق وهيام؛ وعشقك وهيامك يجشمانك المصاعب، ويقودانك إلى ما لا تستطيع تحمله من تباريح الشوق والهوى. الإعراب: إخالك: فعل مضارع "يفيد الرجحان"، والفاعل: أنا، والكاف: مفعوله الأول. إن: شرطية جازمة: لم: جازمة نافية، تغضض: فعل مضارع مجزوم؛ وهو فعل الشرط، والفاعل: أنت. الطرق: مفعول به. ذا: "بمعنى صاحب": مفعول به ثانٍ لـ "إخالك" وعلامة نصبه الألف؛ لأنه من الأسماء الستة؛ وجملةُ جوابِ الشرط محذوفةٌ؛ لدلالة ما قبل الشرط عليها. هوى: مضاف إليه. يسومك: فعل مضارع، والفاعل: هو، يعود على هوى؛ والكاف: مفعول به أول. لـ "يسوم". ما: اسم موصول، مفعول به ثانٍ لـ "يسوم" لا: نافية. يستطاع: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، ونائب الفاعل: هو، يعود إلى "ما"؛ وجملة "لا يستطاع من الوجد": صلة لـ "ما" لا محل لها، وجملة "يسومك ما لا يستطاع من الوجد": في محل جر صفة لـ "هوى". "من الوجد": متعلق بمحذوف حال من "ما"؛ وهو الأفضل. موطن الشاهد: "إخالك ذا هوى". وجه الاستشهاد: استعمال مضارع "خال" وهو فعل قلبي يفيد الرجحان، وقد نصب بهذا الفعل مفعولان اثنان؛ وهما: كاف الخطاب، وذا. واستعمال إخالك بهذا المعنى كثير شائع. فائدة: القياس في همزة "إخالك" أن تكون مفتوحة في المضارع، نحو: خاف أخاف، ولكن العرب كسروا همزة المضارعة في هذا الفعل وحده باستثناء بني أسد؛ فهم يفتحونها على ما يقتضيه القياس فيقولون: أخالك، والوجهان جائزان باتفاق. 1 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت -أنشده الجوهري عن خلف الأحمر- وعجزه قوله: أشكو إليكم حموة الألم وهو من شواهد: التصريح: 1/ 249، والعيني: 2/ 386، واللسان "ضمن". المفردات الغريبة: ضَمِنًا: زَمِنًا مُبتَلَىً. حموة الألم: شدته وسورته. المعنى: يخاطب من فارقهم من الأحبة قائلا: ما ظننت أنني سأبقى بعد فراقكم وبعدكم عني مريضا أشكو مرارة الفراق ولوعة الأسى شوقا إليكم. الإعراب: ما: نافية. خلتني: فعل ماضٍ، والتاء: فاعل، والنون: للوقاية، والباء: مفعول به أول. زلت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: اسمه. "بعدكم": متعلق بـ "ضمنا" المفعول الثاني لـ "خال". أشكو: فعل مضارع، والفاعل: أنا، وجملة "أشكو": في محل نصب خبر "زال". حموة: مفعول به لـ "أشكوا". الألم: مضاف إليه؛ ويجوز أن يكون "ضمنا" خبر "زال"، وجملة "أشكو": المفعول الثاني لـ "خال". موطن الشاهد: "خلتني ضمنا". وجه الاستشهاد: استعمال "خال" القلبي بمعنى الرجحان، وقد نصب هذا الفعل مفعولين اثنين؛ ياء المتكلم، وضمنا؛ كما أوضحنا في الإعراب؛ واستعمال خال بهذا المعنى كثير شائع كما أسلفنا.

تنبيهان: الأول: ترد علم بمعنى عرف، وظن بمعنى اتهم، ورأى بمعنى الرأي، أي: المذهب، وحجا بمعنى قصد، فيتعدين إلى واحد نحو: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} 1 {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضنِينٍ} 2 وتقول: "رأى أبو حنيفة حِلَّ كذا، ورأى الشافعي حرمته" و: "حجوت بيت الله"3. وترد وجد بمعنى حزن أو حقد فلا يتعديان. وتأتي هذه الأفعال وبقية أفعال الباب لمعانٍ أُخَر غير قلبية فلا تتعدى لمفعولين، وإنما لم يحترز عنها لأنها لم يشملها قولنا: "أفعال القلوب".

_ = مفعول به أول. زلت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: اسمه. "بعدكم": متعلق بـ "ضمنا" المفعول الثاني لـ "خال". أشكو: فعل مضارع، والفاعل: أنا، وجملة "أشكو": في محل نصب خبر "زال". حموة: مفعول به لـ "أشكوا". الألم: مضاف إليه؛ ويجوز أن يكون "ضمنا" خبر "زال"، وجملة "أشكو": المفعول الثاني لـ "خال". موطن الشاهد: "خلتني ضمنا". وجه الاستشهاد: استعمال "خال" القلبي بمعنى الرجحان، وقد نصب هذا الفعل مفعولين اثنين؛ ياء المتكلم، وضمنا؛ كما أوضحنا في الإعراب؛ واستعمال خال بهذا المعنى كثير شائع كما أسلفنا. 1 "16" سورة النحل، الآية: 78. موطن الشاهد: {لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} . وجه الاستشهاد: مجيء فعل "تعلمون" بمعنى تعرفون؛ أي ليس قلبيا؛ ولذا نصب مفعولا واحدا، واكتفى به؛ ومفعوله "شيئا" كما هو واضح. 2 "81" سورة التكوير، الآية: 24. موطن الشاهد: "بِظَنِيْن". وجه الاستشهاد: مجيء "ظنين" في الآية الكريمة -على قراءة الظاء- بمعنى متهم؛ والمعنى: وما هو على ما يأتيه من أخبار الغيب بمتهم، كما زعم المشركون. 3 قال الرضي: إن "رأى" التي من الرأي بمعنى الاعتقاد تتعدى أحيانا لاثنين، مثل: رأى أبو حنيفة كذا حلالا، ورأى الشافعي كذا حراما. وتارة تتعدى إلى واحد هو مصدر ثاني هذين الفعلين مضافا إلى أولهما، كما ذكر المصنف. وقال الصبان: "وهذا صريح في جواز استعمال أفعال هذا الباب متعدية إلى واحد هو مصدر ثاني الجزأين مضافا إلى أولهما، من غير تقدير مفعول ثانٍ؛ لأن هذا المصدر هو المفعول به في الحقيقة؛ نحو: رأى أبو حنيفة حل كذا. شرح التصريح: 1/ 250، حاشية الصبان: 2/ 20.

الثاني: ألحقوا رأى الحلُمية1 برأي العلمية في التعدي لاثنين، كقوله2: [الوافر] 182- أراهم رفقتي حتى إذا ما3

_ 1 أي الدالة على الرؤيا المنامية. 2 القائل هو: عمرو بن أحمر الباهلي، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: تجافى الليل وانخزل انخزالا وبعد قوله: إذا أنا كالذي يجري لوردٍ ... إلى آل فلم يدرك بلالا وهذان البيتان من قصيدة للشاعر يندب فيها رفاقه الذين فارقوه إلى الشام فصار يراهم في منامه وأولها: أبت عيناك إلا أن تلحا ... وتحتالا بما بهما احتيالا كأنهما سُعَينَا مستغيث ... يرجَّى طالعا بهما ثقالا والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 250، وهمع الهوامع: 1/ 150، والدرر اللوامع: 1/ 134 وابن عقيل: "131/ 2/ 53" والأشموني: "339/ 1/ 163". المفردات الغريبة: رفقتي، الرفقة: الجماعة ينزلون جملة ويرتحلون جملة. تجافى الليل: زال، ذهب. انخزل: انطوى وانقطع. لورد، الورد: المنهل العذب الذي يشرب منه. آل: الآل: السراب وهو ما تراه وسط النهار، كأنه ماء، وليس بماء. بلالا: ما يبل به الحلق، والمراد هنا الماء. المعنى: إن هؤلاء الأصحاب "أبو حنش وطلق وعمار وأثال" أراهم مجتمعين معي مناما؛ فإذا ما انطوى الليل، واستيقظت من نومي، لا أرى أحدا منهم؛ فأنا كالظمآن الذي يرى السراب، فيظنه ماء؛ حتى إذا جاءه، لم يجد شيئا، فيظل عطشا، ولم ينل مطلبا. الإعراب: أراهم: فعل مضارع، والفاعل: أنا، و"هم": مفعول به أول. رفقتي: مفعول به ثان، والياء: مضاف إليه. حتى: ابتدائية. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان، متضمن معنى الشرط. ما: زائدة. تجافى: فعل ماضٍ. الليل: فاعل مرفوع؛ وجملة "تجافى الليل": "فعل الشرط غير الجازم" في محل جر بالإضافة؛ وجواب إذا في أول البيت التالي: "إذا أنا كالذي ... ". موطن الشاهد: "أراهم رفقتي". وجه الاستشهاد: إعمال "أرى" مضارع "رأى" الحلمية؛ أي رأى في المنام عمل رأى؛ التي بمعنى "علم"؛ لما بينهما من تشابه؛ لأن الرؤيا إدراك بالحسن الباطن، كالعلم؛ ولهذا، نصب بالفعل مفعولين اثنين، كما بينا في الإعراب.

ومصدرها الرؤيا، نحو: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ} 1، ولا تختص الرؤيا بمصدر الحلمية، بل تقع مصدرا للبصرية، خلافا للحريري2 وابن مالك، بدليل: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} 3، قال ابن عباس: هي رؤيا عين. النوع الثاني: أفعال التصيير، كجعل، ورد، وترك، واتخذ، وتخذ، وصير، ووهب، قال الله تعالى: {فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} 4 {لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ

_ رأى؛ التي بمعنى "علم"؛ لما بينهما من تشابه؛ لأن الرؤيا إدراك بالحسن الباطن، كالعلم؛ ولهذا، نصب بالفعل مفعولين اثنين، كما بينا في الإعراب. 1 "12" سورة يوسف، الآية: 100. موطن الشاهد: {رُؤْيَايَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "رؤيا" مصدرا لـ "رأى" الحلمية. 2 الحريري: هو أبو محمد: القاسم بن علي بن محمد الحريري، صاحب المقامات المشهورة، كان غاية في الذكاء والفطنة والبلاغة، وأحد أئمة عصره في اللغة، وذلك واضح من خلال مقاماته التي بزَّ بها الأوائل وأعجز الأواخر، له مصنفات أخرى مثل: درة الغواص في أوهام الخواص، وملحة الإعراب وشرحها في النحو، وله ديوان شعر، كان الحريري دميم الخلقة مبتلى بنتف لحيته، ولد سنة 446 ومات بالبصرة وله سبعون سنة وذلك سنة 516هـ. سير أعلام النبلاء: 19/ 460، معجم الأدباء: 16/ 261، بغية الوعاة: 2/ 257، خزانة الأدب: 6/ 462. 3 "17" سورة الإسراء، الآية: 60. موطن الشاهد: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا} . وجه الاستشهاد: مجيء "الرؤيا" مصدرا لـ "رأى" البصرية؛ لأن الرؤيا هنا رؤيا عين، كما فسرها ابن عباس؛ غير أن المشهور استعمالها في الحلمية. انظر شرح التصريح: 1/ 251. ومن استعمالهم للرؤيا بمعنى رؤية قول الراعي النميري، يصف صيادا: وكبر للرؤيا وهش فؤاده ... وبَشَّرَ نفسا كان قبلُ يلومُها 4 "25" سورة الفرقان، الآية: 23. موطن الشاهد: {جَعَلْنَاهُ هَبَاءً} . وجه الاستشهاد: مجيء فعل "جعل" دالا على التحويل والانتقال من حالة إلى أخرى، فنصب مفعولين؛ الأول هاء الضمير العائد إلى عمل الكفار، والثاني: هباء؛ وهو ذرات التراب الصغيرة التي ترى في شعاع الشمس. ومنثورا: مبعثرا.

كُفَّارًا} 1 {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} 2 {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} 3، وقال الشاعر4: [الوافر] 183- تخذت غراز إثرهم دليلا5.

_ 1 "2" سورة البقرة، الآية: 109. موطن الشاهد: {يَرَدُّونَكُمْ ... كُفَّارًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "يردونكم" مضارع رد الدال على التحويل والتصيير ناصبا لمفعولين؛ هما: الضمير المتصل "كم" و"كفارا"؛ والمعنى: ود الذين كفروا لو يصيرونكم كفارا. 2 "18" سورة الكهف، الآية: 99. موطن الشاهد: {تَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَمُوجُ} . وجه الاستشهاد: مجيء فعل "ترك" دالا على التصيير، فنصب مفعولين؛ الأول: بعضهم، والثاني: جملة "يموج"؛ ومن العلماء من ينصب بـ "ترك" مفعولا واحدا، وينصب الثاني على الحال. 3 "4" سورة النساء، الآية: 125. موطن الشاهد: {اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} . وجه الاستشهاد: مجيء فعل "اتخذ" ناصبا لمفعولين؛ أصلهما مبتدأ وخبر، كما في الآيات السابقة؛ فـ "إبراهيم" المفعول الأول، و"خليلا": المفعول الثاني. 4 الشاعر: هو: أبو جندب بن مرة الهذلي؛ أخو أبي خراش الهذلي. 5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: وفرُّوا في الحجاز ليعجزوني وهو ثالث ثلاثة أبيات يقولها في بني لحيان: لقد أمسى بنو لحيان مني ... بحمد الله في خزي مبين جزيتهم بما أخذوا تلادي ... بني لحيان كُلًّا فاخِرُوني والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 252، والأشموني: "329/ 1/ 158" والعيني: 2/ 400 وديوان الهذليين: 3/ 90. المفردات الغربية: غراز: اسم واد، وقيل اسم جبل. إثرهم: عقب رحيلهم. ليعجزوني: ليغلبوني، وذلك بأن يفلتوا مني فلا أدركهم. المعنى: يذم الشاعر بني لحيان -وكانت بينه وبينهم خصومة- فيقول: تتبعت أثرهم بعد رحليهم؛ ولكنهم فروا إلى الحجاز؛ ليعجزوني؛ فلا أدركهم. الإعراب: تخذت: فعل ماضٍ وفاعل "وفعل تخذت دال على التصيير وهو بمعنى =

وقال1: [مشطور الرجز] 184- فصيروا مثل كعصف مأكولْ2

_ = جعل في هذا البيت. غراز: مفعول به أول؛ وهو ممنوع من الصرف على إرادة البقعة؛ وهي مؤنثة. إثرهم: ظرف متعلق بـ "تخذت" ومضاف إليه. دليلا: مفعول به ثانٍ لـ "تخذت". في الحجاز": متعلق بـ "فروا"؛ وفي هنا بمعنى "إلى". ليعجزوني: اللام للتعليل، يعجزوني: فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد لام كي، وعلامة نصبه حذف النون، والواو: فاعل، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به؛ والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": في محل جر بلام التعليل؛ و"الجار والمجرور": متعلق بـ "فر"؛ وتقدير الكلام: وفروا إلى الحجاز لإعجازهم إياي من اللحاق بهم. موطن الشاهد: "تخذت غراز دليلا". وجه الاستشهاد: مجيء "تخذ" فعلا دالا على التصيير، ونصبه مفعولين اثنين؛ الأول؛ غراز، والثاني: دليلا، كما أوضحنا في الإعراب. 1 القائل: هو رؤبة بن العجاج، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت من السريع الموقوف بسكون لام مأكول، أو من مشطور الرجز. وصدره قوله: ولعبت طير بهم أبابيلْ وقبل الشاهد قوله: ومسهم ما مس أصحاب الفيلْ ... ترميهمُ حجارة من سِجِّيلْ وهما في ذكر أصحاب الفيل وما حل بهم من الهلاك، وينسبهما بعض النحاة إلى حميد الأرقط. والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 252، 2/ 172، والأشموني: "328/ 1/ 158"، وهمع الهوامع: 1/ 150 والدرر اللوامع: 1/ 132، ومغني اللبيب: "324/ 238"، والسيوطي: 171 والكتاب لسيبويه: 1/ 203، والمقتضب: 4/ 141، 350، وخزانة الأدب: 4/ 270 والعيني: 2/ 402، وسيرة ابن هشام "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد": 1/ 56، وملحقات ديوان رؤبة: 181. المفردات الغريبة: أبابيل: جماعات وفرق، واحدة إبول؛ أو أبيل، وقيل: لا واحد له. كعصب، العصب: الزرع الذي أكل حبه، وبقي تبنه وورقه، وقيل: التبن. المعنى: يصف الشاعر قوما أبيدوا واستؤصلوا، فلم يبق لهم أثر يذكر؛ ولعله يشير إلى قصة أصحاب الفيل؛ فشبههم بالزرع الذي عبثت به جماعات الطيور؛ فأكلت حبه؛ ولم تترك منه غير ورقه الجاف. =

وقالوا: "وَهَبَنِي الله فداك"1 وهذا ملازم للمضي. [أحكام ظن وأخواتها من حيث الإعمال والإلغاء والتعليق] : فصل: لهذه الأفعال ثلاثة أحكام: أحدها: الإعمال، وهو الأصل، وهو واقع في الجميع2. الثاني: الإلغاء، وهو: إبطال العمل لفظا ومحلا، لضعف العامل بتوسطه أو تأخره، كـ: "زيد ظننت قائم" و: "زيد قائم ظننت"3 قال4: [البسيط]

_ = الإعراب: صيروا: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والواو: نائب فاعل؛ وهي المفعول الأول. مثل: مفعول به ثانٍ لـ "صيروا". كعصف: الكاف اسم بمعنى مثل، توكيد لـ "مثل" المذكورة؛ وعصف: مضاف إليه؛ أو الكاف زائدة، وعصف: مضاف إلى مثل؛ وقد فصل بين المتضايفين بالكاف؛ وهذا جائز. موطن الشاهد: "صيروا مثل". وجه الاستشهاد: مجيء فعل "صير" بمعنى التحويل من حالة إلى حالة، فنصب مفعولين؛ "واو الجماعة" الذي ناب عن الفاعل بعد بناء الفعل للمجهول، و"مثل"، كما بينا في الإعراب. 1 قول لبعض العرب، حكاه ابن الأعرابي، ومعنى وهبني: صيرني. 2 أي في أفعال القلوب، وفي أفعال التصيير؛ سواء منها المتصرف والجامد على النحو الذي ذكر، وقد مر أن الأفعال القلبية متصرفة إلا فعلين هما: "تعلم" بمعنى اعلم، و"هب" بمعنى ظن، والذي يعمل من المتصرف هو الماضي وحده في الغالب، أما أفعال التصيير فالجامد منها هو "وهب". ويلزمه المضي كما سبق. شرح التصريح: 1/ 253. 3 المثال الأول، يدل على توسط العامل الملغى بين المبتدأ والخبر؛ وهما مفعولاه قبل أن يلغى والمثال الثاني؛ يدل على تأخر العامل الملغى عنهما؛ والإلغاء في هاتين الحالتين جائز، وليس واجبا، كما سيتضح لنا لاحقا. 4 القائل هو: منازل بن ربيعة المنقري، وقيل ابن زمعة؛ والمعروف باللعين المنقري؛ وذلك لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمعه ينشد شعرا والناس يصلون، فقال: من هذا اللعين؟ فعلقت عليه، وكنية اللعين هذا، أبو أكيدر، وهو شاعر إسلامي هجاء، مبغض للضيوف، وذلك ظاهر في شعره. الشعر والشعراء: 1/ 499، والاشتقاق: 153، والخزانة: 1/ 530.

185- وفي الأراجيز -خِلُت- اللؤمُ والخورُ1 وقال2: [الطويل] 186- هُمَا سَيِّدَانا يزعمان؛ وإنما3

_ 1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: أبالأراجيز يا ابن اللوم توعدني؟ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 253، وهمع الهوامع: 1/ 153 وفيه: وفي الأراجيز خلت اللؤم والفشل والدرر اللوامع: 1/ 135، والكتاب لسيبويه: 1/ 61، وشرح المفصل: 7/ 84، 7/ 85 وقطر الندى: "71/ 232"، والخزانة: 1/ 125 عرضا، وذكر أن الصواب: " ... والفشل". المفردات الغريبة: الأراجيز: جمع أرجوزة، وهي ما كان من الشعر من بحر الرجز، وقد كان من الشعراء من لا يقول غير الرجز، كالعجاج، وابنه رؤبة، ومنهم من يقول الشعر لا غير. وآخرون يقولون النوعين. توعدني: تتهددني. اللؤم: دناءة الأصل وشحُّ النفس. الخور: الضعف. المعنى: أتتهددني بالأراجيز، يا دنيء الأصل، ويا وضيع النسب؟ وفي هذه الأراجيز الدناءة والضعف. "ربما لأن الرجز لا ينزل منزلة الشعر في نظره"؛ وجعله ابنا للوم مبالغة في هجائه. الإعراب: أبالأراجيز: الهمزة للاستفهام. "بالأراجيز": متعلق بـ "توعدني". يابن اللؤم: حرف نداء، ومنادى مضاف منصوب، ومضاف إليه، وجملة النداء معترضة بين الجار والمجرور ومتعلقه. توعدني: فعل مضارع، والنون للوقاية، والياء: مفعول به، والفاعل: أنت. وفي الأراجيز: الواو حالية. "في الأراجيز": متعلق بمحذوف خبر مقدم. خلت: فعل ماضٍ وفاعل؛ وجملة "خلت": اعتراضية، لا محل لها؛ لأنها اعترضت بين المبتدأ والخبر. اللؤم: مبتدأ مؤخر. والخور: معطوف على اللؤم مرفوع مثله؛ وجملة "في الأراجيز اللؤم والخور": في محل نصب على الحال. موطن الشاهد: "في الأراجيز خلت اللؤم". وجه الاستشهاد: توسط فعل "خال" بين المبتدأ "اللؤم" والخبر "الأراجيز"؛ ولما توسط الفعل بينهما، ألغي عمله فيهما؛ إذ لولا توسطه؛ لنصبهما؛ والتقدير: وخلت اللؤم والخور في الأراجيز؛ فاللؤم: مفعول أول، ومحل الجار المفعول الثاني. 2 القائل هو: أبو أسيدة الدبيري؛ ولم أعثر له على ترجمة وافية. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: يسوداننا إن أيسرت غنماهما =

وإلغاء المتأخر أقوى من إعماله1، والمتوسط بالعكس2، وقيل: هما في المتوسط بين المفعولين سواء. الثالث: التعليق، وهو إبطال العمل لفظا لا محلا3؛ لمجيء ما له صدر

_ = ويُروى قبله: وإن لنا شيخين لا ينفعاننا ... غنيين لا يجدي علينا غناهما والبيت رواه ابن السكيت في كتاب الألفاظ ثاني أربعة أبيات: 135، والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 254، وهمع الهوامع: 1/ 153، والدرر اللوامع: 1/ 135 والعيني: 2/ 403، واللسان "يسر". المفردات الغريبة: يزعمان: يظنان، أيسرت غنماهما: كثرت ألبانها ونسلها. المعنى: لنا في قومنا شيخنا غنيان، قد طعنا في السن، لا يعود علينا من غناهما شيء، مع ذلك، فهما يظنان أنهما سيدانا وصاحبا الأمر والنهي فينا. الإعراب: هما: مبتدأ. سيدانا: خبر ومضاف إليه. يزعمان: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، لأنه من الأفعال الخمسة، والألف في محل رفع فاعل. وإنما: أداة حصر. يسوداننا: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو: فاعل: و"نا" مفعول به. إن: شرطية جازمة. أيسرت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث. وأيسرت: في محل جزم فعل الشرط. غنماهما: فاعل "أيسر" مرفوع، وعلامة رفعه الألف، و"هما": مضاف إليه؛ وجواب الشرط محذوف لدلالة سياق الكلام عليه. موطن الشاهد: "هما سيدانا يزعمان". وجه الاستشهاد: إلغاء عمل فعل "يزعم" القلبي؛ لتأخره عن مفعوليه؛ فارتفعا على أصلهما؛ وأصلهما -كما هو معلوم- المبتدأ والخبر؛ وإلغاء عمل الفعل في حالة تأخره عن عامليه أكثر من أعماله، كما هو واضح في المتن. 1 وذلك لضعفه بالتأخر، ويشترط لجواز الأمرين: عدم انتفاء العامل، وإلا وجب الإعمال نحو: محمدًا مسافرا لم أدر، وكون العامل غير مصدر نحو: علي مجد ظني، وألا تدخل على الاسم لام الابتداء نحو: لرأيك ناضج خلت، وإلا وجب الإلغاء في الموضعين. ويرى بعضهم أن الثاني من باب التعليق؛ وتأخير الفعل مع وجود المعلق، لا يمنع التعليق. 2 أي أن الإعمال أقوى من الإهمال، ومحل هذا إذا لم تتقدم على الاسم لام الابتداء، وإلا وجب الإلغاء. وإذا كان الفعل منفيا تعين الإعمال كما سبق. 3 أي أن العامل يمنع من العمل الظاهر -وهو النصب في لفظ المفعولين أو أحدهما- ولكنه في التقدير عامل؛ وذلك بسبب مانع يحول بينه وبين العامل الظاهر. وسمي هذا النوع من العمل تعليقا؛ لأن العامل متعلق بالمحل ومقدر عمله فيه، وإن بطل عمله في اللفظ بسبب هذا المانع كما سترى. واعلم أن الجملة في حال التعليق لفظها مرفوع ولكنها في محل نصب، فإذا عطفت عليها: جاز مراعاة لفظها برفع المعطوف، وجاز نصبه مراعاة لمحلها. أما في حالة الإلغاء فالجملة، لا محل لها من الإعراب، ولا يعطف عليها إلا بالرفع تبعا للفظها. شرح التصريح: 1/ 254.

الكلام بعده، وهو: لام الابتداء، نحو: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} 1، ولام القسم، كقوله2: [الكامل] 187- ولقد علمت لتأتين منيتي3

_ 1 "2" سورة البقرة، الآية: 102. موطن الشاهد: {عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ} . وجه الاستشهاد: وقوع فعل "علم" القلبي معلقا عن العمل لدخول لام الابتداء على المبتدأ والخبر؛ ولام الابتداء، لا يعمل ما قبلها فيما بعدها وإلا فقدت صدارتها؛ فاللام: حرف ابتداء. من: اسم موصول، مبتدأ أول. وجملة "اشتراه": صلة، لا محل لها. وما: نافية. "له": متعلق بخبر مقدم محذوف. من: زائدة. خلاف: مبتدأ ثانٍ مؤخر؛ وجملة "ما له من خلاق": في محل رفع خبر المبتدأ الأول؛ وجملة المبتدأ الأول وخبره، سدت مسد مفعولي "علم" المعلق عن العمل في اللفظ فقط، بسبب لام الابتداء التي لا يتخطاها العامل كما أسلفنا. وانظر شرح التصريح: 1/ 254. 2 القائل هو: لبيد بن ربيعة العامري، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: إن المنايا لا تطيش سهامها وهو من معلقة لبيد، والتي مطلعها قوله: عفت الديار محلها فمقامها ... بمنى تأبد غولها فرجامها وهو من شواهد: التصريح: 1/ 254، 255، 259، والأشموني: "336/ 1/ 161"، وهمع الهوامع: 1/ 154، والدرر اللوامع: 1/ 137، والكتاب لسيبويه: 1/ 456، وخزانة الأدب: 4/ 13، 332، ومغني اللبيب: "747/ 524" "754/ 532" والعيني: 2/ 405 وشذور الذهب: "185/ 481"، وقطر الندى: "73/ 235". المفردات الغريبة: منيتي، المنية: الموت. لا تطيش: لا تخيب ولا تخطئ، يقال: طاش السهم، إذا لم يصب الهدف. سهامها: جمع سهم. =

وما النافية نحو: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ} 1. ولا وإن النافيتان في جواب قسم ملفوظ به أو مقدر2، نحو: "علمت والله لا زيد في الدار ولا عمرو" و: "علمت إن زيد قائم".

_ = المعنى: لقد أيقنت أن منيتي ستأتيني وسألاقي الموت حتما، لأن الموت نازل لا محالة بكل إنسان، لا يفلت منه أحد، ولا تطيش سهامه. الإعراب: ولقد: الواو حرف قسم وجر، والمقسم به محذوف؛ والتقدير والله لقد علمت. لقد: اللام واقعة في جواب القسم، قد: حرف تحقيق. علمت: فعل ماضٍ وفاعل؛ وجملة "علمت": جواب القسم، لا محل لها. لتأتين: اللام واقعة في جواب قسم مقدر آخر، تأتين: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة. منيتي: فاعل مرفوع، والياء مضاف إليه؛ وجملة "تأتين منيتي": سدت مسد مفعولي "علم" المعلق عن العمل بسبب لام القسم؛ هذا؛ ويجوز أن تكون اللام المقترنة بـ "قد" الموطئة للقسم تفيد التوكيد، واللام في لتأتين: واقعة في جواب القسم؛ وجملة "لتأتين"؛ جواب القسم، لا محل لها. أن: حرف مشبه بالفعل. المنايا: اسمه. لا: نافية. تطيش: فعل مضارع. سهامها: فاعل ومضاف إليه؟ وجملة "لا تطيش سهامها": في محل رفع خبر "إن". موطن الشاهد: "علمت لتأتين منيتي". وجه الاستشهاد: مجيء فعل "علم" القلبي معلقا عن العمل؛ لوقوعه قبل لام جواب القسم؛ ولذا علق عن العمل في لفظ الجملة فقط؛ ولولا وجود لام القسم لنصب المفعولين؛ والتقدير: ولقد علمت منيتي آتية؛ بنصب "منيته" نصبا تقديريا، على أنه المفعول الأول، ونصب آتية نصبا ظاهرا على أنه المفعول الثاني؛ وقد ذكر صاحب شرح التصريح تعليقا حول جملة جواب القسم، وهل لها محل أو لا في مثل هذا الشاهد يفضل العودة إليه؛ وإلى حاشية الصبان معا لمعرفة مراده. شرح التصريح: 1/ 255، وحاشية الصبان: 2/ 30. 1 "21" سورة الأنبياء، الآية: 65. موطن الشاهد: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ} . وجه الاستشهاد: علق فعل "علم" عن العمل في الجملة بعده لفظا، لأنه وقع قبل "ما" النافية؛ فـ "ما" نافية. هؤلاء: مبتدأ. جملة "ينطقون": خبر؛ والجملة من "المبتدأ والخبر": في محل نصب، سدت مسد مفعولي "علم". 2 لأن لهما الصدارة حينئذ، ويرى البعض عدم اشتراط القسم قبل كل أداة من الثلاثة؛ لعدم وروده في الأساليب الفصيحة، ولا فرق في الأحرف الثلاثة بين العاملة منها؛ والمهملة؛ فكلها مع الأهمال أو الإعمال صالحة؛ لأن تكون أداة تعليق.

والاستفهام، وله صورتان: إحداهما: أن يعترض حرف الاستفهام بين العامل والجملة، نحو: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُون} 1. والثانية: أن يكون في الجملة اسم استفهام: عمدة كان، نحو: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى} 2، أو فضلة، نحو: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} 3.

_ 1 "21" الأنبياء، الآية: 109. موطن الشاهد: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُون} . وجه الاستشهاد: اعترضت همزة الاستفهام بين الفعل القلبي "أدري" وبين معموليه؛ فعلقت عن العمل لفظا لا معنى؛ فـ قريب: مبتدأ، بعيد: معطوف عليه: ما: خبر المبتدأ والجملة من "المبتدأ والخبر": في موضع نصب، سدت مسد مفعولي "أدري" المعلق. 2 "18" سورة الكهف، الآية: 12. موطن الشاهد: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى} . وجه الاستشهاد: علق فعل "نعلم" عن العمل لفظا؛ لوقوعه قبل اسم الاستفهام العمدة؛ فأي: مبتدأ، وأحصى: خبر "إن كانت اسم تفضيل" وفي محل رفع خبر إن كانت فعلا ماضيا؛ وجملة: "أيُّ الحزبين أحصى" في موضع نصب سدت مسد مفعولي "نعلم" المعلق. 3 "26" سورة الشعراء، الآية: 227. موطن الشاهد: {سَيَعْلَمُ ... أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} . وجه الاستشهاد: علق فعل "يعلم" عن العمل لفظا؛ لأنه تلي بـ "أي" اسم الاستفهام، وهو لا يعمل فيه ما قبله؛ فـ "أي" مفعول مطلق مقدم من تأخير، والعامل فيه "ينقلبون"؛ والأصل؛ ينقلبون أي منقلب؛ وليست "أي" مفعولا به لـ "يعلم" كما يتوهم المبتدئون -لما ذكرنا- وجملة ينقلبون معلق عنها العامل؛ فهي في محل نصب سدت مسد مفعولي "يعلم".

لا يدخل الإلغاء والتعليق في أفعال التصيير] : ولا يدخل الإلغاء ولا التعليق في شيء من أفعال التصيير1، ولا في قلبي جامد2، وهو اثنان: هب، وتعلم3، فإنهما يلزمان الأمر، وما عداهما من أفعال الباب متصرف إلا وهب، كما مر. ولتصاريفهن ما لهن، تقول في الإعمال: "أظن زيدا قائما" و: "أنا ظانٌّ زيدا قائما"، وفي الإلغاء4: "زيد أظن قائم، وزيد قائم أظن، وزيد أنا ظانٌّ قائم، وزيد قائم أنا ظانٌّ" وفي التعليق: "أظن ما زيد قائم، وأنا ظانٌّ ما زيد قائم". [الفرق بين الإلغاء والتعليق] : [وقد تبين مما قدمناه أن الفرق بين الإلغاء والتعليق من وجهين] : أحدهما: أن العامل الملغى لا عمل له البتة، والعامل المعلق له عمل في المحل، فيجوز: "علمت لزيد قائم وغير ذلك من أموره" بالنصب عطفا على المحل5.

_ 1 لقوتها، لأن متناولها الذوات لا الأحداث، وأثرها ظاهر في الغالب؛ فهي قوية في العمل. 2 لضعفه بعدم التصرف، فلا يضم إلى ذلك ضعف آخر بإلغائه أو تعليقه. 3 ذهب الكثيرون من النحاة: إلى أن "تعلم" تتصرف وهو الراجح؛ فقد حكى ابن السكيت؛ تعلمت أن فلانا خارج، وعلى ذلك يدخلها الإلغاء والتعليق. 4 المراد بالتصاريف: المضارع، والأمر، واسم الفاعل، واسم المفعول، والمصدر؛ ويلاحظ أن المصدر يجب فيه الإلغاء إذا تقدم عليه معمولاه، أو أحدهما؛ بأن تأخر أو توسط؛ لأنه يعمل فيما قبله، كما تقدم في موضعه. 5 للعلماء خلاف في الجملة المعلق عنها بأحد المعلقات التي ذكرها المؤلف -إلا الاستفهام- ولهم في ذلك ثلاثة مذاهب: أولها: أن لهذه الجملة محلا من الإعراب؛ وأن هذا المحل، هو النصب، وهذا مذهب سيبويه وسائر البصريين وابن كيسان، وهو الذي يجري عليه كلام المؤلف ههنا، والثاني: أنه لا محل لها من الإعراب، وأنها جواب قسم مقدر بينها وبين الفعل المعلق، فإذا قلت "علمت لزيد قائم" فتقدير الكلام: علمت والله لزيد قائم، وهذا مذهب الكوفيين. الثالث: أن الجملة المعلق عنها، لا محل لها من الإعراب، بسبب كونها جواب =

قال3: [الطويل] 188- وما كانت أدري قبل عزة ما البكى ... ولا موجعات القلب حتى تولت1

_ = قسم، لكن هذا القسم مدلول عليه بنفس الفعل المعلق، وليس مدلولا عليه بشيء محذوف، كما زعم الكوفيون، وهذا مذهب المغاربة من النحويين، وممن ذهب إليه ابن عصفور. واعلم أنه إنما يعطف على محل الجملة المعلق عنها جملة أو مفردا في معنى الجملة. شرح التصريح: 1/ 257. فائدة: لا فرق في الاستفهام العمدة -من حيث التعليق- بين المبتدأ، أو الخبر، كما في قولك: علمت متى السفر؟، أو المضاف إليه المبتدأ، نحو: علمت أبو من زيد، أو خبرا كذلك؛ نحو: علمت صبيحة أي يوم سفرك. انظر شرح التصريح: 1/ 256. 1 القائل هو كثير بن عبد الرحمن، المعروف بكثير عزة. وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 257، والأشموني: "338/ 1/ 162" وقطر الندى: "74/ 237" وشذور الذهب: "187/ 486" ومغني اللبيب: "771/ 546"، وديوان كثير: 1/ 27. المفردات الغريبة: أدري: أعلم. عزة: اسم محبوبة الشاعر: موجعات: جمع موجعة: أي مؤلمة. المعنى: ما كنت أعلم قبل أن أعرف عزة وأهواها، أي شيء وهو البكى؛ لأنني كنت خالي القلب، وما كانت أعلم الأمور المؤلمة؛ لكوني مرتاح الخاطر، حتى ذهبت وفارقتني. الإعراب: ما: نافية. كنت: فعل ماضٍ ناقص، واسمه. أدري: فعل مضارع، "والفاعل" أنا؛ وجملة "أدري": في محل نصب خبر "كان". "قبل": متعلق بـ "أدري". عزة: مضاف إليه؛ مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف. ما: اسم استفهام، مبتدأ. البكي: خبر. ولا موجعات: الواو عاطفة، لا: زائدة لتأكيد النفي. موجعات: اسم معطوف على محل "ما البكى" منصوب، وعلامة نصبه الكسرة؛ لأنه جمع مؤنث سالم. حتى: حرف غاية وجر. تولت: فعل ماضٍ، والفاعل: هي، والتاء: للتأنيث؛ والمصدر المؤول من "أن المقدرة قبل تولت مع ما بعدها": في محل جر بـ "حتى"؛ و"الجار والمجرور": متعلق بالنفي الذي دل عليه "ما" في قوله "ما كنت أدري". موطن الشاهد: "أدري ما البكى ولا موجعات". وجه الاستشهاد: علق الفعل القلبي "أدري" عن العمل؛ لأن المبتدأ بعده اسم استفهام؛ ومعلوم أن اسم الاستفهام لا يعمل ما قبله فيه؛ لأن رتبته التصدير؛ غير أن الفعل عمل النصب في محل الجملة؛ ودليل ذلك، عطف "موجعات" المنصوب على محلها. وأعرب بعضهم: "ولا موجعات" كالآتي: الواو حالية. لا: نافية للجنس. موجعات: اسمها والخبر محذوف. وأعرب بعضهم "ما البكى" كالتالي: ما: زائدة. البكى: مفعول به؛ والأصل: لا أدري البكى، ولا أدري موجعات القلب؛ فيكون من باب عطف الجمل ولا شاهد فيه على الوجهين؛ والأرجح ما ذهبنا إليه في إعراب البيت. وانظر شرح التصريح: 1/ 257.

والثاني: أن سبب التعليق موجب، فلا يجوز: "ظننت ما زيدا قائما" وسبب الإلغاء مجوِّز1، فيجوز: "زيدًا ظننتُ قائما" و"زيدا قائما ظننت". ولا يجوز إلغاء العامل المتقدم2، خلافا للكوفيين والأخفش، واستدلوا بقوله3: [البسيط] 189- أني رأيت ملاك الشيمة الأدب4

_ 1 هناك بعض الحالات التي يجب فيها الإعمال؛ منها: إذا كان الناسخ منفيا، سواء كان متأخرا عن المفعولين، أم متوسطا بينهما، نحو: "شتاء باردا لم أظن"، "شتاء لم أظن باردا"، ويجب الإهمال إذا كان العامل مصدرا متأخرا نحو: المطر قليل- ظني غالب؛ لأن المصدر المتأخر لا يعمل في شيء متقدم عليه؛ وكذلك إذا كان في المفعول المتقدم لام ابتداء أو غيرها من ألفاظ التعليق، نحو: لمحمد مكافح ظننت. أو إذا وقع الناسخ بين اسم إن وخبرها، نحو: إن التردد حسبت مضيعة. 2 هذا مذهب البصريين. وعليه جرى ابن مالك. ومن الفروق بين الإلغاء والتعليق: أن الإلغاء يؤثر في المفعولين معا. أما التعليق فقد يكون أثره على المفعولين أو على أحدهما. والإلغاء لا يجوز في توابعه إلا مراعاة الناحية الظاهرة. أما التعليق فيجوز في توابعه مراعاة الناحية اللفظية، والناحية المحلية كما سبق. 3 القائل: رجل من بني فزارة. 4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: كذاك أدبت حتى صار من خلقي وقبله قوله: أكنيه حين أناديه لأكرمه ... ولا ألقبه والسوأة اللقب وهو من شواهد: التصريح: 1/ 258، وابن عقيل: "130/ 2/ 49"، والأشموني: "335/ 1/ 160" وهمع الهوامع: 1/ 153، والدرر اللوامع: 1/ 135، والمقرب: 22، والخزانة: 4/ 5 والعيني: 2/ 411، وشرح التبريز على الحماسة "تحقيق: =

........................................................................

_ = محمد محيي الدين عبد الحميد": 3/ 147، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: 1146. وهي برواية "الأدبا". المفردات الغريبة: كذاك: اسم الإشارة، يراد به مصدر الفعل المذكور بعده أي تأديبا مثل ذلك التأديب المعبر عنه في قوله: "أكنيه حين ... ". ملاك الشيء: قوامه الذي يملك به. الشيمة. الخلق، والجمع: الشيم. المعنى: أدبت أدبا مثل ذلك الأدب العظيم؛ حتى من شيمتي وطبعي الإيمان بأن رأس الأخلاق، وملاك الفضائل الإنسانية هو الأدب. الإعراب: كذاك: "الكاف" اسم بمعنى مثل، صفة لمحذوف واقع مفعولا مطلقا من "أدبت" الذي بعده، واسم الإشارة: مضاف إليه؛ أو الكاف: حرف جر، واسم الإشارة: اسم مجرور؛ و"الجار والمجرور": متعلق بمحذوف صفة لمصدر محذوف واقع مفعولا مطلقا لـ "أدبت"؛ والتقدير: أدبت تأديبا مثل هذا التأديب. أدبت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء: نائب فاعل. حتى: ابتدائية. صار: فعل ماضٍ ناقص. "من خلقي": متعلق بمحذوف خبر "صار" المقدم، والياء: مضاف إليه، أني: حرف مشبه واسمه وجدت: فعل ماضٍ وفاعل؛ وجملة "وجدت" في محل رفع خبر "أن"؛ والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": في محل رفع اسم "صار". ملاك: مبتدأ. الشيمة: مضاف إليه. الأدب: خبر مرفوع؛ وجملة "ملاك الشيمة الأدب": في محل نصب، سدت مسد مفعولي "وجد" على تقدير لام ابتداء، علقت هذا الفعل عن العمل في لفظ جزأي الجملة؛ والأصل: وجدت لملاك الشيمة الأدب؛ أو الجملة في محل نصب مفعولا ثانيا لفعل "وجد"؛ ومفعوله الأول: ضمير الشأن المحذوف؛ والتقدير: وجدته -أي الحال والشأن- ملاك الشيمة الأدب. مواطن الشاهد: "وجدت ملاك الشيمة الأدب". وجه الاستشهاد: إلغاء الفعل "وجد" مع تقدمه على معموليه؛ إذ لو أعمله؛ لنصب به "ملاك" و"الأدب" على أنهما مفعولان؛ ولكن رواية البيت برفعهما؛ وفي هذا الشاهد خلاف بين النحويين؛ فمذهب الكوفيون إلى أن ما جاء في هذا الشاهد وأمثاله من باب الإلغاء؛ لأن الإلغاء -عندهم- جائز مع تقدم العامل، كجوازه في التوسط والتأخر؛ والعلة في ذلك، أن أفعال القلوب ضعيفة عن بقية الأفعال المتعدية، وهذا الإلغاء أثر من آثار ضعفها. وأما البصريون فخرجوا هذا الشاهد وأمثاله على ثلاثة احتمالات، ذكرها المؤلف في المتن بعد ذكر الشاهد التالي؛ ورأي الكوفيون أسلم من رأي البصريين في هذه المسألة؛ لأن الأصل؛ وإلا تصبح دلالة الشواهد غير موثوق بها ولا مطمأن إليها؛ لأن التأويل في كل كلام ممكن. وانظر تفصيل هذه المسألة في شرح التصريح: 1/ 258، وشرح ابن عقيل: "ط. دار الفكر": 1/ 342-344.

وقوله1: [البسيط] 190- وما إخال لدينا منك تنويل2

_ 1 القائل: هو كعب بن زهير بن أبي سلمة، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: أرجو وآمل أن تدنو مودتها والبيت من القصيدة المشهورة في مدح سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- والتي مطلعها قوله: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيم إثرها لم يفد مكبول والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 258، وابن عقيل 129/ 2/ 47، والأشموني: "334/ 1/ 160" والخزانة: 4/ 7، والعيني: 2/ 412، وهمع الهوامع: 1/ 53، 153، والدرر اللوامع: 1/ 31، 136، وديوان كعب بن زهير: 9، وفيه برواية "تعجيل". المفردات الغريبة: تدنو: تقرب. تنويل: إعطاء. المعنى: إني لأرجو أن تدنو مودتها، وتقرب محبتها، وما أظن أني سأصل منك إلى أي عطاء أو تنويل. الإعراب: أرجو وآمل: فعلان مضارعان، والفاعل فيهما: أنا. أن: حرف ناصب. تدنو: فعل مضارع منصوب بـ "أن" وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الواو؛ منع من ظهورها السكون العارض لضرورة الشعر. مودتها: فاعل ومضاف إليه؛ و"ها": عائد إلى سعاد. وما: الواو عاطفة. ما: نافية. إخال: فعل مضارع والفاعل أنا. "لدينا": متعلق بمحذوف خبر مقدم، و"نا": مضاف إليه. "منك": متعلق بمحذوف حال من ضمير الخبر. تنويل: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وجملة "المبتدأ والخبر": في محل نصب مفعولا به ثانيا لـ "إخال"؛ والمفعول الأول: ضمير شأن محذوف على مذهب البصريين. موطن الشاهد: "وما إخال لدينا منك تنويل". وجه الاستشهاد: ظاهر البيت يوحي بإلغاء العامل "إخال" مع تقدمه على معموليه؛ وبهذا الظاهر أخذ نحاة الكوفة؛ لأنهم يجوزون إلغاء أفعال القلوب، مع تقدمها؛ لضعفها، كما بينا في الشاهد السابق، ولكن نحاة البصرة أولوا البيت بما يخرجه عن استشهاد الكوفيين، ولهم فيه توجيهات عدة؛ ذكرها المؤلف في المتن وأعربنا الشاهد على الوجه الثالث منها؛ وهو اعتبار "إخال" عاملة في مفعولين؛ الأول محذوف؛ وهو ضمير الشأن، والثاني جملة.

وأجيب بأن ذلك محتمل لثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون من التعليق بلام الابتداء المقدرة، والأصل: "لملاك" و: "للدينا" ثم حذفت وبقي التعليق. والثاني: أن يكون من الإلغاء؛ لأن التوسط المبيح للإلغاء ليس التوسط بين المعمولين فقط، بل توسط العامل في الكلام مقتضٍ أيضا، نعم الإلغاء للتوسط بين المعمولين أقوى، والعامل هنا قد سبق بأني وبما النافية، ونظيره "متى ظننت زيدا قائما" فيجوز فيه الإلغاء. والثالث: أن يكون من الإعمال على أن المفعول الأول محذوف، وهو ضمير الشأ،، والأصل: "وجدته" و: "إخاله" كما حذف في قولهم: "إن بك زيد مأخوذ". [جواز حذف المفعولين اختصارا] : فصل: ويجوز بالإجماع حذف المفعولين اختصارا1، أي: لدليل، نحو: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُون} 2، وقوله3: [الطويل] 191- بأي كتاب أم بأية سنة ... ترى حبهم عارا علي وتحسب4

_ 1 المراد بالحذف اختصارا: حذف ما يمكن الاستغناء عنه، من الألفاظ؛ لداع يقتضيه؛ وهو جائز بشرط وجود دليل، يدل على المحذوف؛ وألا يترتب على الحذف فساد في المعنى أو في الصياغة اللفظية. 2 "28" سورة القصص، الآية: 74. موطن الشاهد: {تَزْعُمُونَ} . وجه الاستشهاد: حذف مفعولي "تزعمون"؛ لدلالة ما قبلهما؛ والتقدير: أين شركائي الذين كنتم تزعمونهم شركائي؟ أو تزعمون أنهم شركائي. 3 القائل: هو الكميت بن زيد الأسدي، وقد مرت ترجمته. 4 تخريج الشاهد: البيت من قصيدة هاشمية للكميت؛ يمدح فيها آل الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأولها قوله: طربت، وما شوقا إلى البيض أطرب ... ولا لعبا مني، وذو الشيب يلعب ولم يلهني دار ولا رسم منزل ... ولم يتطربني بنان مخضب =

أي: تزعمونهم شركائي1، وتحسب حبهم عارا علي. [جواز حذف المفعولين اقتصارا] : وأما حذفهما اقتصارا، أي: لغير دليل، فعن سيبويه والأخفش المنع مطلقا2، واختاره الناظم، وعن الأكثرين الإجازة مطلقا، لقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ

_ = والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 259، وابن عقيل: "132/ 2/ 55"، والهمع: 1/ 152، والدرر اللوامع: 1/ 134 والمحتسب: 1/ 173، والمقرب: 21، والخزانة: 4/ 5 والعيني: 2/ 413، وحاشية يس على التصريح: 1/ 161. المفردات الغريبة: ترى حبهم: رأى هنا من الرأي بمعنى الاعتقاد، ويجوز أن تكون علمية. عارا، العار: كل خصلة يلحقك بسببها عيب ومذمة؛ تقول: عيرته كذا، ولا يجوز عيرته بكذا. على الأرجح؛ لأنه يتعدى إلى مفعولين بنفسه. تحسب: تظن. المعنى: يا من يعيرني حب آل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- -ويعيب علي ذلك، فبأي كتاب، تسترشد، أم بأية سنة ترى محبتي لهم منقصة ومذمة، أو تظن ذلك؟؟. الإعراب: "بأي": متعلق بـ "ترى". كتاب: مضاف إليه. أم: حرف عطف. "بأية": معطوف على الأول. سنة: مضاف إليه. ترى: فعل مضارع، والفاعل: أنت. حبهم: مفعول به بأول لـ "ترى" ومضاف إليه. عارا: مفعول به ثانٍ. "علي": متعلق بـ "محذوف صفة من عار"؛ وهو الأفضل. وتحسب: الواو عاطفة جملة على جملة. تحسب: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنت. ومفعولا "تحسب" محذوفان؛ لدلالة الكلام السابق عليهما؛ أو لدلالة مفعولي "ترى" عليهما تحديدا؛ والتقدير: وتحسب حبهم عارا علي. موطن الشاهد: "تحسب". وجه الاستشهاد: حذف مفعولي هذا العامل؛ لدلالة سابق الكلام عليهما، كما بينا في الإعراب، وحذف المفعولين اختصارا؛ لدليل يدل عليهما جائز بإجماع النحاة، كما في المتن. 1 كان الأولى أن يقول: تزعمون أنهم شركائي؛ جريا على الأكثر من تعدي "يزعم" إلى "أن" و"صلتها"، ولكنه عدل عن ذلك؛ لأن الكلام في حذف المفعولين معا في حذف ما يسد مسدهما، وإن كانا بمنزلة واحدة، وقد بينا ذلك في وجه الاستشهاد في الآية الكريمة. شرح التصريح: 1/ 259. 2 أي في أفعال العلم وأفعال الظن، كما يؤخذ من تفصيل الأعلم: الآتي. وعلة المنع: ذهاب الفائدة بحذفهما، وأيضا فإن هذه الأفعال لإفادتها التحقيق تجاب بما يجاب به القسم، وجواب القسم، لا يحذف؛ فكذلك ما هو بمنزلته.

وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُون} 1، {فَهُوَ يَرَى} 2، {وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْء} 3، وقولهم: "من يسمع يَخَلْ"4، وعن الأعلم5 يجوز في أعال الظن دون أفعال العلم6.

_ 1 "2" سورة البقرة، الآية: 216 و231. موطن الشاهد: {يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُون} . وجه الاستشهاد: استدل بعض النحاة بهذه الآية على جواز حذف مفعولي: العامل القلبي "تعلمون" اقتصارا، من غير دليل يدل على المفعولين المحذوفين؛ لأنهم يجيزون الحذف مطلقا، كما جاء في المتن؛ وأما تقدير الآية -والله أعلم: يعلم الأشياء، كائنة، أو نحو ذلك. 2 "53" سورة النجم، الآية: 35. موطن الشاهد: {يَرَى} . وجه الاستشهاد: جواز حذف المفعولين، كما في الآية السابقة، من غير دليل يدل عليهما؛ وقيل: إن الحذف في هذه الآية لدليل؛ لأن قوله تعالى: {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْب} يشعر بالمفعولين؛ والتقدير في الآية -والله أعلم- يرى ما يعتقده حقا. 3 "48" سورة الفتح، الآية: 62. موطن الشاهد: {ظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْء} . وجه الاستشهاد: حذف ما يسد مسد المفعولين؛ لأن التقدير: ظننتم انقلاب الرسول والمؤمنين إلى أهليهم منتفيا أبدا؛ وظن السوء: مفعول مطلق مفيد للنوع؛ والأرجح أن الحذف في الآية الكريمة اختصارا؛ لوجود دليل في قوله تعالى: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ} يشعر بمفعولين؛ أو بما يسد مسدهما. 4 مثل قالته العرب، يضرب لمن أخبار الناس ومعايبهم؛ فيقع في نفسه، عليهم مكروه ويعني: من يسمع، يخل مسموعه صادقا، وهو من أمثال الميداني: 2/ 300. 5 الأعلم: هو أبو الحجاج؛ يوسف بن سليمان بن عيسى النحوي الشنتمري، المعروف بالأعلم. كان عالما بالعربية واللغة ومعاني الأشعار، حافظ لها، مشهورا بضبطها وإتقانها، رحل إلى قرطبة، وأخذ عن علمائها؛ له مصنفات قيمة؛ منها: شرح حماسة أبي تمام، وشرح الجمل للزجاجي، وشرح أبيات الجمل، مات سنة: 476هـ. البلغة: 292، بغية الوعاة: 2/ 356، وفيات الأعيان: 2/ 465، معجم المؤلفين: 13/ 302. 6 حجته كثرة السماع في الأولى دون الثانية.

[حكم حذف أحد المفعولين اختصارا واقتصارا] : ويمنع بالإجماع حذف أحدهما اقتصارا، وأما اختصارا فمنعه1 ابن ملكون2 وأجازه الجمهور، كقوله3: [الكامل] 192- ولقد نزلت فلا تظني غيره ... مني بمنزلة المحب المكرم4

_ 1 حجته هو ومن تابعه، أنه أحد جزأي الجملة. 2 ابن ملكون: هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن منذر بن سعيد بن ملكون الحضرمي الإشبيلي من المغاربة، كان أستاذا نحويا جليلا، روى عن أبي الحسن شريح، وروى عنه ابن خروف والشلوبين؛ له شرح الحماسة، والنكت على تبصرة الصميري، وغير ذلك. توفي سنة: 584هـ؛ وقيل 581هـ. البلغة: 10، بغية الوعاة: 1/ 431، الأعلام: 1/ 59، معجم المؤلفين: 1/ 108، وطبقات ابن شهبة: 152. 3 القائل: هو عنترة بن عمرو بن شداد العبسي، وشداد جده نسب إليه، وقيل: عمه؛ أحد فرسان العرب وأجوادهم، من أهل نجد، ومن الطبقة السادسة من الجاهليين، وأحد أصحاب المعلقات؛ كان أسود اللون عبدا؛ حتى قيل: هو أحد أغربة العرب؛ لم ينسبه أبوه إليه إلا بعد الكبر، كانت له أيام ومشاهد في حرب داحس والغبراء، اختلف في موته، فقيل مات مقتولا؛ وقيل أصابته ريح فقتلته بعد أن أسن وضعف، وذلك سنة 22 ق. هـ. الشعر والشعراء: 1/ 250، والأغاني: 7/ 141، والخزانة: 1/ 59، والجمحي: 1/ 152. 4 تخريج الشاهد: البيت من معلقة عنترة المشهورة؛ والتي مطلعها قوله: هل غادر الشعراء من متردم ... أم هل عرفت الدار بعد توهم وهو من شواهد: التصريح: 1/ 260، وابن عقيل: "123/ 2/ 56"، والأشموني: "341/ 1/ 164" وهمع الهوامع: 1/ 152، والدرر اللوامع: "1/ 134، والخصائص: 2/ 216، والمحتسب: 1/ 78، والمقرب: 21، والخزانة: 1/ 539، 4/ 4، والعيني: 2/ 214 وحاشية يس على التصريح: 1/ 126 وشذور الذهب: "498/ 196". المفردات الغريبة: غادر: ترك. متردم: مستصلح: من ردمت الشيء، إذا أصلحته يريد: هل ترك الشعراء لأحد معنى لم يتناولوه؟ توهم: إنكار وظن، المحب: المحبوب. المعنى: والله، لقد نزلت -أيتها المحبوبة- من قلبي بمنزلة الشيء المحبوب المكرم، فلا تظني شيئا غير ذلك واقعا ذلك الموقع. =

[حكم الجملة بعد القول] : تحكى الجملة الفعلية بعد القول1، وكذا الاسمية، وسليم2 يعلمونه فيها عمل ظن مطلقا، وعليه يروى قوله3: [الطويل] 193- تقول هزيز الريح مرت بأثأب4

_ = الإعراب: ولقد: الواو حرف قسم وجر؛ واللام مفيدة للتأكيد، وقد: حرف تحقيق. نزلت: فعل وفاعل؛ وجملة "نزلت": جواب القسم المحذوف؛ والتقدير: والله لقد نزلت. فلا: الفاء: تفريعية، لا: ناهية. غيره: مفعول أول لفعل: تظن المجزوم بـ "لا" الناهية؛ والهاء مضاف إليه؛ والمفعول الثاني محذوف؛ لدلالة سياق الكلام عليه، والتقدير: فلا تظني غيره حاصلا، أو نحو ذلك. "مني" و"بمنزلة": متعلقان بـ "نزلت"؛ وجملة لا تظني غيره": معترضة بين المجرور ومتعلقه. موطن الشاهد: "فلا تظني غيره". وجه الاستشهاد: حذف مفعول "ظن" الثاني اختصارا؛ لدلالة السياق عليه؛ وحكم هذا الحذف جائز عند الجمهور، خلافا لابن ملكون. 1 هذا بإجماع العرب، أما الاسمية فعند البعض، وتكون الجملة في موضع نصب على المفعولية للقول. هذا: والجملة المحكية قد تذكر بلفظها، كما سمعت، وكما جرت على لسان الناطق بها، وقد تذكر بمعناها لا بألفاظها مع مراعاة الدقة في المعنى، إلا إذا كان هناك ما يقتضي التمسك بنصها الحرفي لداعٍ ديني أو قضائي مثلا، وإذا كانت الجملة المحكية، فيها خطأ لغوي أو نحويٌّ وجب حكايتها بالمعنى للتخلص مما بها من خطأ؛ إلا إذا قصد إبراز هذا الخطأ لسبب ما. وإذا وقع بعد القول مفرد، سواء كان مدلوله لفظا، نحو: قلت كلمة أو لفظا. أو كان في معنى الجملة، نحو: قلت قصيدة، أو محاضرة -نصب على أنه مفعول به للقول، وإن أريد بالمفرد نفس اللفظ المحض- وجب حكايته ورعايته إعرابه نحو: قال فلان: محمد، إذا تكلم بمحمد مرفوعا. حاشية يس على التصريح: 1/ 261. 2 سليم: اسم لقبيلة من قيس عيلان؛ رأسها سليم بن منصور بن عكرمة بن قيس بن عيلان وسليم أيضا قبيلة من جذام من اليمين يجرون القول مجرى الظن. 3 هو: امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته. 4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: إذا ما جرى شأوين وابتل عطفه =

بالنصب، وقوله1: [الطويل] 194- إذا قلت أني آئبٌ أهل بلدة2

_ = وهو في وصف فرس، وهو من القصيدة، التي مطلعها: خليليَّ مُرَّا بي على أم جندب ... لنقضيَ حاجات الفؤاد المعذب وهو من شواهد: التصريح: 1/ 262، والعيني: 2/ 431، والمقرب: 64، وديوان امرئ القيس: 49. المفردات الغريبة: شأوين: تثنية شأو، وهو الشوط والطلق. عطفه: جانبه. هزيز الريح: دويها عند هبوبها. أثأب: اسم جنس جمعي؛ واحده أثأبة، وهي نوع من الشجر. المعنى: يصف فرسه قائلا: إذا ما جرى هذا الفرس شوطين، وحمي السبق، وعرق، تظنه؛ لخفته وسرعة جريه- ريحا هبت على تلك الأشجار، فلعبت بها. الإعراب: تقول: فعل مضارع بمعنى "تظن" مرفوع، والفاعل: أنت. هزيز: مفعول أول، لـ "تقول". الريح: مضاف إليه. مرت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث، والفاعل: هي. "بأثأب": متعلق بـ "مر"؛ وجملة "مرت": في محل نصب مفعولا ثانيا لـ "تقول". موطن الشاهد: "تقول". وجه الاستشهاد: استعمل الشاعر فعل "تقول" بمعنى تظن من غير أن يتقدمه استفهام، ونصب به مفعولين؛ أحدهما: "هزيز" وثانيهما: جملة "مرت بأثأب"؛ والذين يجرونه هذا المجرى مطلقا من غير شروط بنو سليم فقط؛ وأما غيرهم، فيتقيدون بشروط ذكرها المؤلف في المتن. 1 القائل هو الحطيئة: جرول بن أوس من بني قطيعة بن عبس، لقب بالحطيئة لقصره وقربه من الأرض، يكنى أبا مليكة، كان راوية زهير، وصفه الرواة بأبشع الأوصاف، وقالوا: "ما تشاء أن تقول في شعر شاعر ما من عيب إلا وجدته فيه، مع قبح منظر ونسب مغمور ودين فاسد" وكان من فحول الشعراء ومتقدميهم، وفصحائهم في فنون الشعر؛ من المديح والهجاء، والفخر والنسيب مات سنة: 50هـ. الشعر والشعراء: 1/ 322، الاشتقاق: 170، الأغاني: 2/ 41، الخزانة: 1/ 408، الجمحي: 1/ 104. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: وضَعْتُ بها عنه الولية بالهجْرِ والبيت من قصيدة يصف فيها بعيره بالسرعة. وهو من شواهد: التصريح: 1/ 262، والأشموني: "347/ 1/ 165" والعيني: 2/ 432، وديوانه: 104. =

[شروط إجراء القول مجرى الظن] : بالفتح1، وغيرهم يشترط شروطا، وهي: كونه مضارعا، وسوى به السيرافي "قلت" بالخطاب، والكوفي "قل"، وإسناده للمخاطب، وكونه حالا، قاله الناظم، ورد بقوله2: [الكامل] 195- فمتى تقول الدار تجمعنا3

_ = المفردات الغريبة: قلت: معناها هنا ظننت. آئب: راجع؛ اسم فاعل من آب يؤوب: إذا رجع، والعادة أن يرجع الإنسان من عمله آخر النهار، وفي أول الليل، وهذا، هو المراد هننا، الولية: "البرذعة" توضع تحت الرحل، أو ما يوضع تحتها. بالهجر: نصف النهار عند اشتداد الحر، وأصله بتحريك الجيم، وسكنت للضرورة. المعنى: إذا قدرت وظننت أني سأصل بلدة آخر النهار، لبعد مسافتها، أتيتها نصف النهار، عند اشتداد الحر، وذلك لسرعة بعيري ونجابته. الإعراب: إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان مبني على السكون في محل نصب على الظرفية. قلت: فعل وفاعل. و"قلت" بمعنى ظننت. أني: حرف مشبه بالفعل، و"الياء" اسمه. آئب: خير "أن" مرفوع؛ وفاعل اسم الفاعل: ضمير مستتر فيه. أهل: مفعول به لـ "آئب"؛ لإشرابه معنى واصل أو مدرك، وأهل: مضاف. بلدة: مضاف إليه؛ والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": في محل نصب، سدت مسد مفعولي "قال" الذي جاء بمعنى "ظن"؛ وجملة؛ "قال وفاعله وما سد مسد مفعوليه": في محل جر بالإضافة. وضعت: فعل وفاعل. "وبها" و"عنه": متعلقان بـ "وضع". الولية: مفعول به لـ "وضع". "بالهجر": متعلق بـ "وضع". موطن الشاهد: "قلت أني آئب". وجه الاستشهاد: أجرى الشاعر فعل "قال" مجرى ظن، ولم يحك به الجملة بعده، بدليل فتح همزة "أني"، ولو قصد الحكاية؛ لكسر همزتها؛ ومعلوم أن همزة "أن" تفتح بعد ظن، ولما أُجرِيَ فعلُ "قال" مجراه، وحُمِل عليه؛ فُتِحت همزة "أن" بعده؛ ولو جاء "قال" على معناه غير متضمن معنى الظن؛ لكسرت همزة إن بعده، كما في قوله تعالى: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّه} . 1 أي بفتح همزة "أني" على أنها مع معموليها سدت مسد مفعولي قلت: كما أوضحنا. 2 هو: عمر بن أبي ربيعة المخزومي، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: أما الرحيل فدون بعد غد وهو من شواهد: التصريح: 1/ 262، والكتاب لسيبويه: 1/ 63، والمقتضب، =

والحق أن متى ظرف لتجمعنا لا لنقول، وكونه بعد استفهام بحرف أو باسم، سمع الكسائي: "أتقول للعميان عقلا"1 وقال2: [الطويل] 196- علام تقول الرمح يثقل عاتقي3

_ = 2/ 249، وجمل الزجاجي: 314، وشرح المفصل: 7/ 78، والخزانة: 1/ 423، والعيني: 2/ 434، وديوان عمر بن أبي ربيعة: 394. المفردات الغريبة: الرحيل: الارتحال ومفارقة ديار الأحبة. دون بعد غد: أي قبل بعد الغد، وهذا يصدق باليوم وبالغد. المعنى: إن فراق الأحبة ورحيلهم عنا، سيكون اليوم أو غدا. فمتى تظن الدار تجمع شملنا، بعد هذا الفراق؟ الإعراب: متى: اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق بـ "تقول". تقول: فعل مضارع بمعنى "تظن" وفاعله: أنت. الدار: مفعول به أول لـ "تقول". تجمعنا: فعل مضارع، والفاعل: هي -يعود إلى الدار- و"نا" مفعول به؛ وجملة "تجمعنا": في محل نصب مفعولا ثانيا لـ "تقول". موطن الشاهد: "تقول الدار تجمعنا". وجه الاستشهاد: استعمل فعل "تقول" بمعنى تظن، ونصب به مفعولين؛ أحدهما: الدار، والثاني: جملة "تجمعنا"؛ وأوضح أن الشاعر، لم يقصد به الحكاية؛ لأنه لو قصد الحكاية؛ لرفع "الدار" على الابتداء؛ ولكانت جملة "تجمعنا": في محل رفع خبر؛ ومن ثم كانت جملة "الدار تجمعنا": في محل نصب مقول القول. فائدة: أعمل الشاعر "تقول" عمل تظن، مع أنها ليست للزمان الحاضر، بل هي للمستقبل؛ لأنه لم يستفهم عن ظنه في الحال أن الدار تجمعه مع أحبابه، بل الاستفهام عن وقوع ظنه؛ وهذا يقتضي إلا يكون واقعا في الحال؛ وإلا لم يستفهم عن وقته؛ ومع هذا، فالحق اشتراط كون "تقول" بمعنى تظن للزمان الحاضر، كما ذهب إليه ابن مالك. 1 قول لبعض العرب، للعميان: مفعول ثانٍ مقدم لتقول، عقلا: مفعول أول، وقد عملت "تقول" بعد حرف الاستفهام. 2 القائل: هو عمرو بن معديكرب الزبيدي، أبو ثور، أحد بني مذحج، وأحد فرسان العرب المشهورين بالبأس والقوة في الجاهلية، أسلم وارتد ثم عاد إلى الإسلام وحسن إسلامه، وشهد القادسية، وفتح نهاوند فقتل هناك مع النعمان بن مقرن المزني؛ قائد الجيش؛ له شعر جيد في الفخر والمديح. الشعر والشعراء: 1/ 372، الأغاني: 14/ 24، الاشتقاق: 63، الإصابة: 5/ 20. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: =

قال سيبويه والأخفش: وكونهما متصلين1، فلو قلت: "أأنت تقول" فالحكاية، وخولفا2، فإن قدرت الضمير فاعلا بمحذوف والنصب بذلك المحذوف جاز اتفاقا، واغتفر الجميع الفصل بظرف أو مجرور أو معمول القول3.

_ = إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت وهو من قصيدة رواها أبو تمام في ديوان الحماسة؛ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 263، والأشموني: "342/ 1/ 164" وهمع الهوامع: 1/ 157، والدرر اللوامع: 1/ 139 ومغني اللبيب: "248/ 191"، والسيوطي: 143 والعيني: 2/ 436. المفردات الغريبة: علام: مؤلفة من حرف واسم وهما "على" و"ما" ومثلها قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} ، و: {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} . تقول: تظن. عاتقي: كاهلي، وهو ما بين المنكب والعنق. أطعن: أضرب، من طعن بالرمح يطعن -من باب منع أو نصر، أما طعن فلان على فلان في سببه -مثلا- فمن باب فتح. المعنى: على أي شيء، وبأي حجة، تظن الرمح يثقل كاهلي، ولم أحمل السلاح إذا أنا لم أطعن برمحي، ولم أضرب بسيفي، عند كر الخيل واحتدام القتال؟ الإعراب: علام حرف جر، وما: اسم استفهام؛ حذف ألفه؛ لاتصاله بحرف الجر؛ وهو في محل جر بحرف الجر؛ و"علام": متعلق بـ "تقول". تقول: فعل مضارع "بمعنى تظن" مرفوع، والفاعل: أنت. الرمح: مفعول به أول لـ "تقول". يثقل: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هو؛ وجملة "يثقل": في محل نصب مفعولا ثانيا لـ "تقول". عاتقي: مفعول به لـ "يثقل" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، والياء: مضاف إليه. موطن الشاهد: "تقول الرمح يثقل عاتقي". وجه الاستشهاد: استعمل فعل "تقول" بمعنى "تظن" بعد اسم الاستفهام، ونصب به مفعولين؛ الأول: "الرمح" والثاني: جملة "يثقل عاتقي"، ودليل استعماله بمعنى الظن نصب "الرمح"؛ فلو كان بمعنى الحكاية؛ لرفع الرمح على أنه مبتدأ، وتكون جملة "يثقل عاتقي": الخبر، والجملة في محل نصب مقول القول؛ لأن القول، لا ينصب اسما مفردا، متى كان المقصود الحكاية؛ وإنما ينصب الجملة، أو ما يؤدي معنى الجملة. 1 أي: لا يفصل بين الاستفهام والمضارع فاصل. ومن النحاة من يشترط عدم الفصل. 2 أي خالفهما الكوفيون والبصريون، فأجازوا النصب، ولم يعتدوا بالضمير فاصلا. 3 سواء كان المعمول مفعولا، أو حالا، أو غيرهما، ويجوز الفصل بأكثر من واحد مما ذكر.

كقوله1: [البسيط] 197- أبَعدَ بُعْدٍ تقول الدار جامعة2

_ 1 لم ينسب هذا البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: شملي بهم أم تقول البعد محتوما؟ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 263، والأشموني: "344/ 1/ 164"، وهمع الهوامع: 1/ 157 والدرر اللوامع: "1/ 140، ومغني اللبيب: "1176/ 909" والسيوطي: 327، والعيني: 2/ 438، والشذور: "198/ 501". المفردات الغريبة: جامعة: اسم فاعل جمع، والجمع ضد التفريق. شملي: مصدر شملهم الأمر إذا عمهم، ويطلق الشمل على العذق من النخلة، وعلى الاجتماع يقال: فرق شملهم: أي: ما اجتمع من أمرهم. وجمع الله شملهم: أي ما تفرق منه. محتوما: أي واجبا، وهو اسم مفعول من حتم الأمر، أوجبه. المعنى: أبعد تفرقنا وتنائينا، تظن الدار تجمع شملنا ثانية، ونلتقي بعد فراق، أم تظن البعد أصبح أمرا مقضيا به علينا إلى الأبد؟؟. الإعراب: أبعد: الهمزة حرف استفهام. "بعد": متعلق بـ "تقول". أو بـ "جامعة". بعد: مضاف إليه. تقول: فعل مضارع بمعنى "تظن"، والفاعل: أنت: الدار: مفعول به أول لـ "تقول". جامعة: مفعول به ثانٍ؛ وفي "جامعة" ضمير مستتر، فاعل لاسم الفاعل، يعود إلى الدار. شملي: مفعول به لاسم الفاعل "جامعة" والياء: مضاف إليه. "بهم: متعلق بـ "جامعة". أم: حرف عطف. تقول: فعل مضارع بمعنى "تظن" مرفوع، والفاعل: أنت. البعد: مفعول به أول لـ "تقول". محتوما: مفعول به ثان لـ "تقول". موطن الشاهد: "تقول الدار جامعة، تقول البعد محتوما". وجه الاستشهاد: استعمل الشاعر فعل "تقول" بمعنى "تظن" في الموضعين، ونصب به مفعولين اثنين ظاهرين في كلا الموضعين؛ وفي هذا أقوى دليل على إجراء القول مجرى الظن؛ لأن المفعولين في كلا الموضعين منصوبان لفظا؛ ومعلوم أن القول؛ إذا أريد به الحكاية لم ينصب إلا الجمل أو ما يؤدي مؤداها؛ فإذا لم يصح أن يقصد بالقول -هنا- الحكاية، وجب أن يقصد به الظن لما بينا.

وقوله1: [الوافر] 198- أجهَّالا تقول بني لؤي2

_ 1 القائل: هو الكميت بن زيد الأسدي، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا، صدر بيت، يمدح فيه الشاعر مضر ويفضلهم على أهل اليمن، وعجزه قوله: لعمر أبيك أم متجاهلينا وهو من شواهد: التصريح: 1/ 263، والأشموني: "345/ 1/ 164"، وابن عقيل: "135/ 2/ 60" وهمع الهوامع: 1/ 157، والدرر اللوامع: 1/ 140، والكتاب لسيبويه: 1/ 63، والمقتضب: 2/ 249 وشرح المفصل: 71/ 78، والخزانة: 1/ 423 عرضا، 4/ 23، والعيني: 2/ 429 وشذور الذهب: "199/ 502"، وليس في ديوان الكميت. المفردات الغريبة: أجهالا: جمع جاهل. بنو لؤي: يراد بهم جمهور قريش وعامتهم؛ لأنهم ينسبون إلى لؤي بن غالب. لعمر أبيك: لحياته وبقاؤه. متجاهلينا: المتجاهل: الذي يتصنع الجهل ويتكلفه وليس بجاهل. المعنى: أخبرني وحياة أبيك: أتظن بني لؤي جهالا حين استعملوا أهل اليمن على أعمالهم، وقدموهم على بني مضر، مع فضلهم عليهم؛ أم هم عالمون بالحقيقة مقدرون النتائج، غير أنهم يتصنعون الجهل؛ لحاجة في أنفسهم؟. الإعراب: أجهالا: الهمزة حرف استفهام. جهالا: مفعول به ثان مقدم على المفعول الأول، وعلى عامله "تقول". تقول: فعل مضارع بمعنى "تظن" والفاعل: أنت. بني مفعول به أول، لـ "تقول" منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. لؤي: مضاف إليه مجرور؛ والخبر محذوف وجوبا؛ والتقدير: لعمر أبيك قسمي؛ والجملة معترضة، لا محل لها. أم: عاطفة، معادلة للهمزة. متجاهلينا، معطوف على "جهالا". موطن الشاهد: "أجهالا تقول بني لؤي". وجه الاستشهاد: إعمال "تقول" عمل تظن، ونصبه مفعولين، وقد فصل بين الاستفهام والفعل بمعمول الفعل "جهالا"؛ الواقع مفعولا ثانيا للفعل؛ وحكم الفصل بين الاستفهام والفعل بمعمول الفعل جائز في هذا الباب؛ كما ظهر ذلك واضحا في الإعراب.

قال السهيلي1: وأن لا يتعدى باللام2، كـ: "ستقول لزيد عمرو منطلق". وتجوز الحكاية مع استيفاء الشروط3، نحو: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ} 4 الآية، في قراءة الخطاب، وروي: "علام تقول الرمح" بالرفع.

_ 1 السهيلي: أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي الأندلسي المالقي، كان عالما بالعربية واللغة والقراءات، جامعا بين الدراية والرواية، نحويا مقدما واسع المعرفة، تصدَّر للإقراء والتدريس، روى عن ابن العربي وأبي طاهر، وابن الطراوة، وروى عنه الرندي، وأبو الحسن الغافقي؛ له مصنفات قيمة منها: الروض الأنف، في شرح السيرة النبوية، وكتاب: التعريف والإعلام بما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام، وكتاب في شرح آية الوصية، وكتاب الفكر ... وغيرها وهو مع هذا شاعر مجيد؛ له شعر جيد، منه الأبيات المشهورة: يا من يرى ما في الضمير ويسمع ... أنت المعدُّ لكل ما يتوقع يا من يرجَّى للشدائد كلها ... يا من إليه المشتكى والمفزع يا من خزائن رزقه في قول: "كن" ... امنن، فإن الخير عندك أجمعُ وقد مات بمراكش سنة 688؛ وقيل 581هـ. البلغة: 122، إنباه الرواة: 2/ 164، بغية الوعاة: 2/ 81، طبقات القراء: 1/ 371 معجم المؤلفين: 5/ 147، والأعلام: 4/ 86. 2 أي يشترط في المضارع: ألا يتعدى باللام؛ لأنها تبعده عن معنى الظن، ويصبح قولا مسموعا وقد علمت أن مذهب الجمهور: أن القول، إذا عمل عمل الظن، يجري مجراه في المعنى أيضا. شرح التصريح: 1/ 263. 3 وحينئذ يكون بمعنى النطق والتلفظ، لا معنى الظن، وتكون الجملة بعده في محل نصب سدت مسد المفعول به. ومن هنا يتبين: أن استيفاء الشروط ليس موجبا لتنزله منزلة الظن، وإنما يجيز ذلك فقط. أما جريانه مجرى الظن، فيوجب تحقق الشروط المذكورة كلها. 4 "2" سورة البقرة، الآية: 140. أوجه القراءات: موطن الشاهد: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ} . وجه الاستشهاد: مجيء فعل "تقولون" مرادا به الحكاية، على الرغم من كونه مضارعا مسبوقا باستفهام؛ وحكم مجيئه على هذه الحالة الجواز؛ و"إن وما دخلت عليه": سدت مسد مفعول به واحد؛ والدليل على كون "تقولون" مرادا به الحكاية كسر همزة "إن" بعده.

...........................................................................

_ تنبيهات: 1- ليس بلازم، أن يكون المفعولان، في هذا الباب؛ أصلهما المبتدأ والخبر حقيقة؛ بل يكفي أن يكون أصلهما كذلك، ولو تأويلا؛ مثل: جعلت الطين إبريقا، وصيرت الذهب خاتما؛ فإنه لا يصح أن يقال: الطين إبريق، والذهب خاتم؛ لأن الخبر يجب أن يكون نفس المبتدأ في المعنى، وهنا ليس كذلك اللهم إلا بشيء من التأويل؛ كأن يقدر: أن الطين سيتحول إلى إبريق، والذهب إلى خاتم. 2- كثيرا ما يستعمل "رأى" الماضي مسبوقا بأداة استفهام، بمعنى: أخبرني، تقول: أرأيتك هذا الملثم، أفدائي هو؟ وحينئذ، ينصب مفعولا واحدا أو مفعولين على حسب المراد. 3- التعليق بالاستفهام ليس مقصورا على الأفعال القلبية المتصرفة في هذا الباب، بل سمع في غيرها من الأفعال مثل: تفكر، سأل، استنبأ، أبصر. قال تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّة} ، {يَسْأَلونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّين} ، {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ} ، {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ، بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} . 4 كما يجوز حذف المفعولين؛ أو أحدهما اختصارا أو اقتصارا على النحو الذي بسطناه، ويجوز أيضا حذف الناسخ مع مرفوعه. تقول: ماذا تزعم؟ فيكون الجواب: مندوب الجماعة بالباب، أي أزعم ... ضياء السالك: 1/ 366.

باب الأفعال التي تنصب ثلاثة مفاعيل

[باب الأفعال التي تنصب ثلاثة مفاعيل] : هذا باب ما ينصب مفاعيل ثلاثة: وهي: أعلم وأرى اللذان أصلهما علم ورأى المتعديان لاثنين، وما ضمن معناهما1 من نبأ وأنبأ وخبر وأخبر وحدث، نحو: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِم} 2، {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا} 3. [جواز حذف الأول والاقتصار عليه] : ويجوز عند الأكثرين حذف الأول، كـ: "أعلمت كبشك سمينا" والاقتصار عليه، كـ: "أعلمت زيدا"4.

_ 1 يشير بهذا: إلى أن الخمسة المذكورة ملحقة في بعض استعمالاتها بأعلم وأرى المذكورتين، في التعدية إلى ثلاثة مفاعيل لتضمنها معناهما. وليست الهمزة فيها، أو التضعيف -للتعدية أو النقل؛ لأنه ليس لها ثلاثي مستعمل في العلم- إلا خبر بمعنى علم، ولم ترد تعديتها إلى ثلاثة مفاعيل صريحة في كلام العرب، إلا وهي مبنية للمفعول كما سترى من الشواهد، فيكون أول المفاعيل نائب فاعل مرفوعا، ويكون الثاني والثالث صريحين. أو تسد مسدهما جملة، أو يكون أحدهما صريحا، والثاني مكانه جملة. شرح التصريح: 1/ 264. 2 "2" سورة البقرة، الآية: 167. موطن الشاهد: {يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ} . وجه الاستشهاد: مجيء "يريهم" مضارع "أرى" متعديا إلى ثلاثة مفاعيل؛ وهي: الضمير المتصل "هم"، وأعمالهم، وحسرات؛ وإذا كان الفعل من "رأى البصرية" فحسرات: حال، وليس مفعولا ثالثا. 3 "8" سورة الأنفال، الآية: 43. موطن الشاهد: {يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "يُرِي" كما في الآية السابقة في الموضعين؛ فالكاف؛ المفعول الأول، و"هم": المفعول الثاني؛ قليلا وكثيرا: المفعول الثالث. 4 وذلك؛ لأن الفائدة لا تنعدم بحذفه في المثال الأول، أو بالاقتصار عليه في المثال الثاني؛ إذ قد يراد الإخبار بمجرد العلم به، وبمجرد إعلام الشخص المذكور، أما حذف الثلاثة؛ فأجازه ابن مالك لدليل ولغيره؛ وإن لم يجز في باب ظن لغير دليل. شرح التصريح: 1/ 265.

[جواز حذف الثاني والثالث اختصارا] : وللثاني واللثالث من جواز حذف أحدهما اختصارا ومنعه اقتصارا، ومن الإلغاء والتعليق ما كان لهما، خلافا لمن منع من الإلغاء والتعليق مطلقا، ولمن منعهما في المبني للفاعل، ولنا على الإلغاء قول بعضهم: "البركة أَعْلَمَنَا الله مع الأكابر" وقوله1: [الطويل] 199- وأنت أَرَانِي اللهُ أمنعُ عاصِمٍ2

_ 1 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: وأرأف مستكفيٍ وأسمحُ واهبِ ويروى قبله: وكيف أبالي بالعدى ووعيدهم ... وأخشى ملمات الزمان الصوائب والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 266، والأشموني: "348/ 1/ 166"، وهمع الهوامع: 1/ 158 والدرر اللوامع: 1/ 140، والعيني: 2/ 446. المفردات الغريبة: أمنع: أفعل تفضيل، من منع على وزن كرم، إذا صار منيعا قويا لا يعتدى عليه. عاصم: حافظ، وهو اسم فاعل من عصم فلان فلانا، على وزن ضرب، أي منع عنه الأذى والمكروه. أرأف: أفعل تفضيل من الرأفة، وهي الشفقة والرحمة. مستكفي: مطلوب منه الكفاية في الملمات. المعنى: أرأني الله إياك أقوى حافظ يقي الإنسان شر الأعداء، أرأف من يلجأ إليه في الملمات، وأجود وأكرم من يعطي من غير مَنٍّ في هذه الحياة. الإعراب: أنت: مبتدأ. أراني: فعل ماضٍ، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به. الله: فاعل مرفوع. أمنع: خبر المبتدأ. عاصم: مضاف إليه. وأرأف: الواو عاطفة، أرأف: معطوف على أمنع. مستكفيٍ: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. وأسمح: الواو عاطفة. أسمح: معطوف على "أمنع" واهب: مضاف إليه. موطن الشاهد: "أنت أراني الله أمنع عاصم". وجه الاستشهاد: إلغاء عمل "أرى" في المفعولين الثاني والثالث؛ وهما: "أنت أمنع عاصم"؛ لتوسطه بينهما؛ لأن الأصل: أرأني الله إياك أمنع عاصم؛ أو: أرأنيك الله أمنع عاصم؛ فلما قدم المفعول الثاني؛ أبدل بضمير الرفع "أنت" وارتفع على الابتداء.

وعلى التعليق: {يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} 1، وقوله2: [الطويل] 200- حذار فقد نُبِّئْتُ إِنَّك للَّذِي ... ستجزى بما تسعى فتسعدُ أو تشقَى

_ = عاصم"؛ لتوسطه بينهما؛ لأن الأصل: أرأني الله إياك أمنع عاصم؛ أو: أرأنيك الله أمنع عاصم؛ فلما قدم المفعول الثاني؛ أبدل بضمير الرفع "أنت" وارتفع على الابتداء. 1 "34" سورة سبأ، الآية: 7. موطن الشاهد: {يُنَبِّئُكُمْ..... إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} . وجه الاستشهاد: علق فعل "ينبِّئ" عن العمل في مفعولين الثاني والثالث؛ لدخول لام الابتداء والمفعول الأول: "كم" وجملة الشرط وجوابه المحذوف اعترضت بين المفعول الأول وما سد مسد المفعولين: {إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ} . 2 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 3 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 266، وهمع الهوامع: 1/ 158، والدرر اللوامع: 1/ 140 وشرح شواهد الألفية للعيني: 2/ 477. المفردات الغريبة: حذار: اسم فعل أمر، بمعنى احذر. نبئت: أعلمت وأخبرت. ستجزى: ستكأفأ. بما تسعى: بما تعمل في هذه الحياة. المعنى: احذر عاقبة ما تعمل في هذه الحياة؛ فإنك ستؤاخذ بما قدمت يداك، وتجزى على حسب عملك، فإن كان خيرا سعدت، وإن كان شرا شقيت وندمت. الإعراب: حذار: اسم فعل أمر بمعنى احذر: وفاعله: أنت. فقد: الفاء تعليلية، قد: حرف دالٌّ على التحقيق. نبئت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء: نائب فاعل؛ وهي المفعول الأول، قبل بناء الفعل للمجهول. إنَّك: حرف مشبه بالفعل، والكاف: اسمه. للذي: اللام لام المزحلقة، تفيد التوكيد. الذي: خبر "إن"؛ وجملة "إن وما دخلت عليه": في موضع نصب، سدت مسد المفعولين؛ الثاني والثالث؛ لتعلق الفعل عنهما. ستجزى: "السين" للاستقبال. تجزى: فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل: أنت. وجملة "ستجزى": صلة لـ "الذي لا محل لها. "بما": متعلق بـ "تجزى". تسعى: فعل مضارع والفاعل: أنت، وجملة "تسعى": صلة للموصول، لا محل لها. فتسعد: الفاء عاطفة، تسعد: فعل مضارع والفاعل: أنت؛ وفعل تسعد معطوف على تجزى: أو: عاطفة. تشقى: معطوف على تسعد. موطن الشاهد: "نبئت إنك للذي". وجه الاستشهاد: "مجيء فعل "نُبِّئَ" القلبي المتعدي إلى ثلاثة مفاعيل معلقا عن العمل في الثاني والثالث؛ لدخول اللام المزحلقة في خبر "إن"؛ وأما مفعوله الأول؛ فهو التاء المنقلبة نائب فاعل، لبناء الفعل للمجهول؛ ومعلوم أن تعليق الفعل عن العمل في المفعولين الثاني والثالث معناه إبطال عمله في لفظهما؛ ولكنه يظل عاملا في محلهما؛ ولهذا، مكنا في الإعراب: و"إن وما دخلت عليه": في محل نصب، سدت مسد المفعولين الثاني والثالث.

[حكم أرى وأعلم المنقولين من المتعدي لواحد] : قال ابن مالك: وإذا كانت أرى وأعلم منقولتين من المتعدي لواحد1 تعدتا لاثنين2، نحو: {مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} 3، وحكمهما حكم مفعولي "كسا"4، في الحذف لدليل وغيره، وفي منع الإلغاء والتعليق، قيل: وفيه نظر في موضعين؛ أحدهما: أن "علم" بمعنى عرف إنما حفظ نقلها بالتضعيف لا بالهمزة، والثاني: أن "أرى" البصرية سمع تعليقها بالاستفهام، نحو: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} 5، وقد يجاب بالتزام جواز نقل المتعدي لواحد بالهمزة قياسا، نحو: "ألبست زيدا جبة" وبادعاء أن الرؤية هنا علمية.

_ 1 بأن كانت بصرية بمعنى أبصر، وعلم عرفانية بمعنى عرف. 2 أي: بواسطة الهمزة. 3 "3" سورة آل عمران، الآية: 152. موطن الشاهد: {أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أرى" فعلا ماضيا بصريا، والفاعل: هو: و"كم" مفعول أول، و"ما" "الاسم الموصول" مفعول ثانٍ؛ وجملة "تحبون": صلة؛ وتعدى الفعل لمفعولين بسبب دخول همزة التعدية عليه. 4 باب كسا: هو كل فعل يتعدى إلى مفعولين ليس في الأصل مبتدأ وخبرا، مثل: "سأل، وأعطى، وألبس، ومنح، ومنع"؛ ولهذا لا يصح تطبيق الأحكام الخاصة بالأفعال القلبية عليهما إلا التعليق؛ فإنه جائز. 5 "2" سورة البقرة، الآية: 260. موطن الشاهد: {أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} . وجه الاستشهاد: مجيء "أر" فعل أمر من "أرى" البصرية، خرج إلى معنى الدعاء، والفاعل: أنت. والنون للوقاية، والياء: مفعول به أول؛ وجملة "كيف تحيي الموتى": في محل نصب، سد مسد المفعول الثاني لـ "أر" المعلق عن المفعول الثاني بـ "كيف". =

.........................................................................

_ فائدتان: أ- لا يجوز أن يعامل أخوات "رأى وعلم" القلبية معاملتهما في النقل إلى الثلاثة بالهمزة فيقال: أظننت محمد عليا كريما ... وأحسبت ... وأزعمت، وأجاز ذلك الأخفش، ورأيه ضعيف. ب- صوغ الفعل للمفعول يجعله قاصرا عن مفعول كان متعديا إليه قبل الصوغ؛ فالمتعدي إلى ثلاثة؛ إذا صغته للمفعول؛ صار متعديا إلى اثنين، وذو الاثنين يصير متعديا إلى واحد، وذو الواحد يصير غير متعدٍّ، أما دخول همزة النقل على الفعل فبالعكس. شرح الأشموني: 1/ 167.

باب الفاعل

[باب الفاعل] : هذا باب الفاعل: [تعريف الفاعل] : الفاعل1: اسم2 أو ما في تأويله، أسند إليه فعل أو ما في تأويله، مقدم، أصلي المحل والصيغة. فالاسم نحو: "تبارك الله" والمؤول به3 نحو: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا} 4، والفعل كما مثَّلْنَا، ومنه: "أتى زيد" و: "نعم الفتى"، ولا فرق بين المتصرف والجامد، والمؤول بالفعل نحو: {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} 5، ونحو: "وجهه" في قوله6: "أتى زيد منيرا وجهه" و: "مقدم" رافع لتوهم دخول نحو: "زيد قام". و: "أصليُّ المحل" مخرج لنحو: "قائم زيد" فإن المسند، وهو قائم، أصله التأخير لأنه

_ 1 معنى الفاعل لغة: من أوجه الفعل، واصطلاحا: ما ذكر المصنف. 2 أي صريح ظاهر، أو ضمير بارز، أو مستتر. 3 أي بالاسم؛ وذلك لوجود سابك ملفوظ به أو مقدر، والسابك في باب الفاعل يكون "بأن" المفتوحة، و"أن" الناصبة للفعل، و"ما" لا غير. أما "كي" و"لو" فلا. 4 "29" سورة العنكبوت، الآية: 51. موطن الشاهد: {يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا} . وجه الاستشهاد: المصدر المؤول من "أن ومعموليها" فاعل "يكفهم"؛ والتقدير: أو لم يكفهم إنزالنا؟. 5 "16" سورة النحل، الآية: 69. موطن الشاهد: {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} . وجه الاستشهاد: "فمختلف في تأويل يختلف، وألوانه: فاعل؛ وصح إعمال "مختلف"؛ لاعتماده على موصوف محذوف؛ والتقدير: صنف مختلف ألوانه. 6 أي قول ابن مالك في الألفية.

خبر، وذكر الصيغة مخرج لنحو: "ضرب زيد"، بضم أول الفعل وكسر ثانيه، فإنها مفرعة عن صيغة ضرب، بفتحهما. [أحكام الفاعل] : وله أحكام: أحدها: الرفع1، وقد يجر لفظا2 بإضافة المصدر، نحو: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} 3، أو اسمه نحو: "من قُبلةِ الرجل ِامرأتَه الوضوءُ"4، أو بمن أو بالباء الزائدتين نحو: {أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ} 5، {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} 6.

_ 1 وقد ينصب شذوذًا إذا فهم المعنى، سمع من العرب قولهم: خرق الثوب المسمار، وكسر الزجاج الحجر، برفع أولهما، ونصب ثانيهما؛ وقال الأخطل: مثل القنافذ هداجون قد بلغت ... نجران أو بلغت سوءاتهم هجر شرح التصريح: 1/ 269 و270. 2 ولكنه في محل رفع، ويجوز في تابعه حينئذ الجر حملا على الفظ، والرفع بالنسبة إلى المحل. 3 2 سورة البقرة، الآية: 251. موطن الشاهد: {لَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} . وجه الاستشهاد: مجيء لفظ الجلالة مضافًا إلى المصدر "دفع"؛ وهو فاعل في المعنى؛ ويقال في الإعراب: مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله. 4 هذا قول للسيدة عائشة رضي الله عنها، من قبلة: جار مجرور خبر مقدم. الرجل: مضاف إليه من إضافة اسم المصدر وهو "قبلة" إلى فاعله. "امرأته" مفعوله ومضاف إليه. الوضوء: مبتدأ مؤخر. 5 "5" سورة المائدة، الآية: 29. موطن الشاهد: {مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ} . وجه الاستشهاد: مجيء "بشير" اسما مجرورا لفظا بمن الزائدة مرفوع محلا على أنه فاعل جاء. 6 "48" سورة الفتح، الآية: 28. موطن الشاهد: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} . وجه الاستشهاد: مجيء لفظ الجلالة مجرورا لفظا، بحرف الجر الزائد، مرفوعا محلا لأنه فاعل "كفى". =

الثاني: وقوعه بعد المسند، فإن وجد ما ظاهره أنه فاعل تقَدَّمَ وجب تقدير الفاعل ضميرا مستترا، وكون المقدم إما مبتدأ في نحو: "زيد قام"، وإما فاعلا محذوف الفعل في نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} 1 لأن أداة الشرط مختصة بالجملة الفعلية، وجاز الأمران في نحو: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} 2 و: {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ} 3، والأرجح الفاعلية4.

_ = هذا وقد يجب جر الفاعل بالباء الزائدة، كما في فاعل أفعل في التعجب. نحو قوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} وقد يجب بكثرة كفاعل "كفى" كما في الآية التي تلاها المؤلف، ومن أمثلة تجرد فاعل كفى قول سحيم: عميرة ودع إن تجهزت غازيا ... بما لاقت لبون بني زياد إذا ذهبت إلى أن "ما لاقت" فاعل "يأتي" كانت الباء زائدة، وإلا كانت متعلقة بتمني وقد خرج العلماء البيت على الوجهين. 1 "9" سورة التوبة، الآية: 6. موطن الشاهد: {وَإِنْ أَحَدٌ.... اسْتَجَارَكَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أحد" فاعلا لفعل محذوف يفسره المذكور بعده؛ والتقدير: وإن استجارك أحد استجارك؛ ولا يجوز تقديره مبتدأ؛ لأن أدوات الشرط لا تدخل على الأسماء، كما بيَّنَ المؤلف - وإنما تدخل على الجمل الفعلية. 2 "64" سورة التغابن، الآية: 6. موطن الشاهد: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} . وجه الاستشهاد: إما أن يكون "بشر" مبتدأ وجملة "يهدوننا": خبره؛ وإما أن يكون فاعلا لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده؛ والراجح أن يكون فاعلا؛ لأن الغالب في همزة الاستفهام أن تدخل على الفعل. 3 "56" سورة الواقعة، الآية: 59. موطن الشاهد: {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ} . وجه الاستشهاد: "أنتم" إما أن تكون في محل رفع مبتدأ؛ وجملة "تخلقونه": خبر، وإما أن تكون فاعلا لفعل محذوف يفسره ما بعده؛ وهذا أرجح لما بينا في الآية السابقة. 4 ذكر المؤلف فيما ظاهره فاعل ثلاث صور: الأولى: ما يكون المتقدم فيه مبتدأ ليس غير؛ نحو زياد قام، ونقدر الفاعل ضميرا =

وعن الكوفي جواز تقديم الفاعل، تمسكا بنحو قول الزباء1: [مشطور الرجز] 201- ما للجمال مشيها وئيدا2

_ = مستترا في الفعل يعود إلى ذلك المبتدأ؛ والجملة في محل رفع خبر المبتدأ؛ والجملة -هنا- واحدة اسمية على الأرجح، وإن كان المبرد يجوز أن يكون "زيد" فاعلا لفعل محذوف، فيكون لدينا جملتان فعليتان، وهذا رأي ضعيف؛ لأن المبرد نفسه يرجح كون "زيد" مبتدأ. الثانية: ما يكون الاسم المتقدم فيه فاعلا ليس غير، كما في الآية الكريمة: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِين ... } فـ "أحد" فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده؛ فيكون لدينا جملتان فعليتان؛ الثانية مفسرة للأولى. ونظير هذا المثال: اسم مرفوع وقع بعد أداة تختص بالفعل؛ كأدوات الشرط والتحضيض. الثالثة: ما يجوز فيه الوجهان: وهو أن يقع الاسم المرفوع بعد أداة يجوز أن تدخل على الفعل، وعلى الاسم، كهمزة الاستفهام؛ ومثاله: ما ذكر في الآيتين: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} و {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَه} . انظر شرح التصريح: 1/ 270. 1 هي ملكة يقال إن اسمها نائلة ويقال فارعة، كانت توصف بشعرها الطويل الذي يجر وراءها فسميت الزباء لذلك -والأزب: الكثير الشعر- وقيل إنها بنت عمرو بن الظرب بن حسان من نسل العماليق، وقيل اسمه: مليح بن البراء، قتله جذيمة الأبرش ملك الحيرة وطردها إلى الشام، فاستعادت ملك أبيها وقتلت جذيمة، ثم قتلت نفسها بالسم. الخزانة: 8/ 273. 2 تخريج الشاهد: هذا بيت من مشطور الرجز، وبعده قوله: أجندلا يحملن أم حديدا ... أم صرفانا باردا شديد أم الرجال جثما قعودا وقصة الزباء مع جذيمة، رواها الميداني في المثل: خطب يسير في خطب كبير. مجمع الأمثال "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد": 1/ 233. رقم 1250. والبيت الشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 271، والأشموني: "355/ 1/ 169"، وهمع الهوامع: 1/ 159، والدرر اللوامع: 1/ 141، والمغني: "986/ 758"، وشرح السيوطي: 308 والكامل للمبرد: 279، وأمالي الزجاجي: 166، والعيني: 2/ 448. المفردات الغريبة: الجمال: جمع جمل. وئيدا: ثقيلا بطيئا، هو صفة مشبهة من التؤدة وهي التمهل والتأني. جندلا، الجندل: ما ينقله الرجل من الحجارة. صرفانا: =

.........................................................................

_ = النحاس والرصاص، جثما: جمع جاثم، أي لاصقين بالأرض. قعودا: جمع قاعد. المعنى: ومعنى البيت بات واضحا، قالته الزباء لما رأت الجمال التي أتاها بها قصير، وقد حمل عليها الرجال في الغرائر، فأوهمها أن ذلك بضاعة. الإعراب: ما: اسم استفهام مبتدأ. "للجمال" متعلق بمحذوف الخبر. مشيُها: "بالرفع" فاعل مقدم لـ "وئيدا" على مذهب الكوفيين، و"ها" مضاف إليه. وئيدا: حال من الجمال. موطن الشاهد: "مشيها وئيدا". وجه الاستشهاد: تروى "مشيها" بالرفع والنصب والجر؛ فعلى روايتي النصب والجر، لا شاهد على الخلاف بين البصريين والكوفيين في مسألة تقدم الفاعل على عامله، وإعراب الروايتين كالآتي: أ- رواية النصب: مشيها مشي: مفعول مطلق، لفعل محذوف؛ والتقدير: تشمي مشيها، و"ها" مضاف إليه. وئيدا: حال منصوب من المصدر؛ وجملة الفعل المحذوف في محل نصب حال من الجمال. ب- رواية الجر: "مشيها" بدل اشتمال من الجمال، و"ها" مضاف إليه. وئيدا: حال من المشي. وأما رواية الرفع ففيها الخلاف بين البصريين والكوفيين، حيث زعم الكوفيون -كما أعربنا- أن "مشيها" فاعل لـ "وئيدا" تقدم عليه؛ لأنهم يجيزون تقدم الفاعل على عامله؛ والتقدير عندهم: أي شيء ثابت للجمال حال كونها وئيدًا مشيها؛ وأما البصريون فلا يجيزون تقدم الفاعل على عامله لسببين: أولهما: أن الفاعل مع فعله ككلمة واحدة ذات جزأين؛ صدرها هو الفعل، وعجزها هو الفاعل، وكما لا يجوز تقديم عجز الكلمة على صدرها، فلا يجوز تقديم ما هو بمنزلة العجز، على ما هو بمنزلة الصدر. ثانيهما: أن تقديم الفاعل يوقع في اللبس بينه وبين المبتدأ. ففي قولنا: "زيد قام" إذا كان تقديم الفاعل جائزا، لا يدري السامع، أنريد الابتداء بـ "زيد" والإخبار عنه بالفعل، المتضمن ضميرا واقعا فاعلا له، يعود إلى زيد، أم نريد إسناد قام وحده إليه؟ والفرق بين الحالين أن جملة الفعل وفاعله تدل على حدوث الشيء بعد أن لم يكن؛ بينما جملة المبتدأ وخبره الفعلي تدل على ثبوت الشيء وتأكيد إسناده إلى من قام به أو وقع منه؛ ولهذا خرج البصريون رواية الرفع. أحدهما: "مشيها". مبتدأ. و"وئيدا": حال من فاعل فعل محذوف؛ والتقدير: مشيها يظهر وئيدا "وجملة الفعل المحذوف وفاعله": في محل رفع خبر المبتدأ. ثانيهما: "مشيها": بدل من الضمير المستكن في "الجار والمجرور" الواقع خبرا؛ وهو "للجمال"؛ لأن متعلق هذا الجار والمجرور، كان يتحمل ضميرا مرفوعا بالفاعلية؛ ولما حذف المتعلق، انتقل الضمير إلى الجار والمجرور. بقي أن نعلم أن بعض العلماء ذهبوا إلى أن هذا البيت شاذٌّ؛ لا يقاس عليه. انظر شرح التصريح: 1/ 271، والدرر اللوامع: 1/ 141، وحاشية الصبان: 2/ 46.

وهو عندنا ضرورة، أو: "مشيها" مبتدأ حذف خبره، أي يظهر وئيدا، كقولهم: "حكمك مسمطا"1 أي: حكمك لك مثبتا، قيل: أو: "مشيها" بدل من ضمير الظرف. الثالث: أنه لا بد منه2، فإن ظهر في اللفظ نحو: "قام زيد، والزيدان قاما" فذاك، وإلا فهو ضمير مستتر راجع إما لمذكور، كـ: "زيد قام" كما مر، أو لما دل عليه الفعل كالحديث: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" 3 أي: ولا يشرب هو: أي: الشارب، أو لما دل عليه الكلام أو الحال المشاهدة، نحو: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} 4، أي: إذا بلغت الروح، ونحو قولهم: "إذا كان غدا فأتني"5 وقوله6: [الطويل]

_ 1 مثل قالته العرب، مر التعليق عليه في الجزء الأول. 2 أي: لا يمكن حذفه، والاستغناء عنه؛ لأنه جزء أساسي في الجملة، لا تستغني عنه؛ لتكملة معناها مع عامله. 3 هذا حديث شريف أخرجه البخاري في كتاب الأشربة من صحيحه "بولاق": 7/ 104 وفيه: "ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن" وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان: 1/ 54. وأخرجه أبو داود "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد" برقم: "4659" ففي يشرب ضمير مستتر هو الفاعل، وحسن الحذف لتقدم نظيره: لا يزني الزاني، ولا يسرق السارق. 4 "75" سورة القيامة: 26. موطن الشاهد: {بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} . وجه الاستشهاد: حذف الفاعل، وعوض عنه بالضمير المستتر المرفوع على الفاعلية والراجع إلى الروح، المدلول عليها في سياق الكلام؛ لأن التقدير: إذا بلغت هي -أي الروح- التراقي؛ والتراقي: أعالي الصدر. 5 قول لبعض العرب، و"كان" يحتمل أن تكون تامة، وغدا: ظرف متعلق بها، وأن تكون ناقصة فيكون "غدا": خبرها، والضمير المستتر المرفوع بكان تدل عليه الحال الواقعة المشاهدة وقت التكلم كما بين المصنف. 6 القائل: هو سواد بن المضرب السعدي، أحد بني سعد بن تميم.

202- فإن كان لا يرضيك حتى تردني1

_ 1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: إلى قطري لا إخالك راضيا وكان الشاعر قد هرب من الحجاج مخافة على نفسه حين أراد أن يرسله لمقاتلة الخوارج. أقاتليَ الحجاج إن لم أزُرْ له ... دراب، وأتركْ عند هندٍ فؤاديا والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 272، والأشموني: "354/ 1/ 169" والخصائص: 2/ 433، والمحتسب: 2/ 192، والكامل للمبرد "الحلبي": 445، وأمالي ابن الشجري: 1/ 185، وشرح المفصل: 1/ 80، والعيني: 2/ 451. المفردات الغريبة: قطري: هو قطري بن الفجاءة التميمي، رأس من رؤوس الخوارج في عهد الدولة الأموية. لا إخالك: لا أظنك. المعنى: إذا كان ما تشاهده مني ومن حالتي وفراري من ذلك الخارجي، لا يرضيك حتى تردني إليه، فإني لا أظنك ترضى أصلا؛ لأنني معتزم عدم الرجوع إليه، ورضاك معلق على عودتي. الإعراب: إن: شرطية. كان: فعل الشرط، وفاعله؛ أو اسمه -إذا كان ناقصا- ضمير يعود إلى معلوم من المقام؛ كما أوضح المؤلف. لا يرضيك: لا: نافية، وفعل مضارع، والفاعل: هو، والكاف: مفعول به؛ وجملة "لا يرضيك": في محل نصب على الحال من فاعل "كان" المستتر؛ أو اسمها؛ إن كانت ناقصة. لا إخالك: لا: نافية، إخال: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا، والكاف: مفعول به أول. راضيا: مفعول به ثانٍ؛ وجملة "لا إخالك" جواب الشرط. فائدة: ارتفع جواب الشرط في الشاهد "لا إخالك" لمجيء فعل الشرط ماضيا؛ وارتفاعه في هذه الحالة جائز، قال ابن مالك: وبعد مَاضٍ رفْعُكَ الجَزَا حَسنْ موطن الشاهد: "فإن كان لا يرضيك". وجه الاستشهاد: احتج الكسائي بهذا البيت على جواز حذف الفاعل، وما هو بمنزلة الفاعل اسم الأفعال الناسخة؛ وأما البصريون فأنكروا عليه ذلك؛ لأنهم لا يجيزون حذف الفاعل؛ إلا بأحد أمرين؛ الأول: أن يكون الفاعل مذكورا في الكلام، والثاني: أن يكون مضمرا، ولما لم يكن في هذا الكلام مذكور يصلح أن يكون اسما؛ أو فاعلا لـ "كان" قالوا: إن اسمها مضمر جوازا، تقديره: هو؛ ولما لم يكن في الكلام ما يصلح أن يكون مرجعا لذلك الضمير -الذي لا بد له من مرجع- قالوا: إنه عائد إلى الحال المشاهدة والواقعة للمتكلم والسامع. وانظر شرح التصريح: 1/ 272.

أي: إذا كان هو، أي: ما نحن الآن عليه من سلامة، أو فإن كان هو، أي: ما تشاهده مني، وعن الكسائي إجازة حذفه تمسكا بنحو ما أولناه1. الرابع: أنه يصح حذف فعله، إن أجيب به نفي، كقولك: "بلى زيد" لمن قال: ما قام أحد، أي: بلى قام زيد، ومنه قوله2: [الطويل] 203- تجلدت حتى قيل: لم يعر قلبه ... من الوجد شيء، قلت: بل أعظم الوجد3

_ 1 أي في الحديث والآية والبيت "201". 2 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 3 تخريج الشاهد: البيت من شواهد التصريح: 1/ 273، والأشموني: "362/ 1/ 172"، والعيني 21/ 453. المفردات الغريبة: تجلدت: تكلفت الجلد والصبر على الهموم. لم يعر: لم يغش ولم ينزل. الوجد: الشوق والحب. المعنى: تكلفت الصبر والجلد على بعد المحبوبة وهجرها، ولم أظهر شيئا من الحب والشوق إليها؛ حتى اعتقد الناس أن حبها لم يتمكن من قلبي؛ والحقيقة أن ما حل في قلبي من الشوق، والمحبة أعظم مما يتصور. الإعراب: تجلدت: فعل ماضٍ وفاعل. حتى: حرف غاية وجر. لم: نافية جازمة. يعره: فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف الواو. شيء: فاعل مرفوع. بل: حرف إضراب. أعظم: فاعل لفعل محذوف؛ أي: بل عراه أعظم. الوجد: مضاف إليه. فائدة: لم يعطف بـ "بل" عطف مفرد على مفرد؛ أي لم تعطف "بل" أعظم" على "شيء"؛ وإنما قدر فعل بعد "بل"؛ لتعطف جملة على جملة؛ لأن "بل" التي تعطف مفردا على مفرد بعد نفي أو شبهه، تُقَرِّرُ ذلك النفي السابق، وتثبت ضده لما بعدها؛ وعلى هذا، يكون المعنى: أنه لم يعر قلبه شيء، وعراه أعظم الوجد؛ وهذا كلام متناقض؛ أما عطفها جملة على جملة؛ فإنها تبطل الأولى، التي نفت عرو شيء من الوجد؛ فإذا بطلت الأولى؛ صح أن تثبت جملة أخرى تدل على أنه عراه أعظم الوجد. موطن الشاهد: "بل أعظم الوجد". وجه الاستشهاد: ارتفاع "أعظم" على أنه فاعل لفعل محذوف، يدل عليه سياق الكلام؛ وهذا الفعل المحذوف؛ مجاب به على كلام منفي سابق، وهو قولهم: "لم يعر قلبه من الوجد شيء"؛ والمراد النفي بالجملة الفعلية، فإن كان النفي بالجملة الاسمية؛ فلا يترجح كون المرفوع فاعلا. انظر حاشية الصبان: 2/ 50.

أو استفهام محقق1، نحو: "نعم زيد" جوابا لمن قال: هل جاءك أحد؟ ومنه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} 2، أو مقدر كقراءة الشامي3 وأبي بكر4: "يُسَبَّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، رِجَالٌ"5، وقوله6: [الطويل] 204- لِيُبْكَ يزيد ضارعٌ لِخُصُومِهِ7

_ 1 أي: أجيب به استفهام محقق -أي ملفوظ به ظاهر الأداة، وإن كان في حيز شرط لا يوجد مدلوله في الخارج. 2 "43" سورة الزخرف، الآية: 87. موطن الشاهد: {لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} . وجه الاستشهاد: مجيء لفظ الجلالة فاعلا بفعل محذوف دل عليه مدخول الاستفهام؛ والتقدير: خلقنا الله؛ لأن مثل هذا الكلام عند تحقق ما فرض من الشرط والجزاء، يكون جوابا عن سؤال محقق. انظر شرح التصريح: 1/ 273. 3 هو: أبو عمران: عبد الله بن عامر إمام أهل الشام، وقد مرت ترجمته. 4 هو: شعبة بن عياش، وقد مرت ترجمته. 5 "24" سورة النور، الآية: 36 والآية: 37. موطن الشاهد: "يُسَبَّحُ لَهُ ... رِجَالٌ". وجه الاستشهاد: مجيء "رجال" فاعلا بفعل محذوف، دل عليه مدخول الاستفهام المقدر؛ فكأنه لما قيل: يسبح له فيها بالغدو والآصال بالبناء للمجهول، قيل: من يسبحه؟ فأجيب: يسبحه رجال؛ ثم حذف الفعل؛ لإشعار "يسبح" المبني للمجهول به؛ إذ لا يجوز أن نسند "رجال" إلى الفعل المذكور المبني للمجهول؛ لفساد المعنى؛ لأن الرجال ليسوا مسبَّحين "بفتح الباء" بل مسبِّحين بكسرها؛ والآصال:؛ جمع "أصل" بضمتين، و"أصل": جمع أصيل؛ ويجمع "آصال" على أصائل؛ وأما على قراءة يسبح "بكسر الباء" والبناء للمعلوم، فلا إشكال في الآية و"رجال" فاعل يسبح، كما هو معلوم. وانظر شرح التصريح: 1/ 273. 6 قيل: هو لبيد بن ربيعة العامري، وقيل: غيره، وقد مرت ترجمة لبيد. 7 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: ومختبط مما تطيح الطوائح وفي ديوان لبيد "طبع ليدن": 50، الشاهد من قطعة، مطلعها: لعمري لئن أمسى يزيد بن نهشل ... حشا جدت تسفي عليه الروائح =

أي: يسبحه رجال، ويبكيه ضارع، وهو قياسي وفاقا للجرمي1 وابن

_ = لقد كان ممن يبسط الكف بالندى ... إذا ضن بالخير الأكف الشحائح والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 274، والكتابه لسيبويه: 1/ 245: وفيه نسب البيت إلى: الحارث بن نهيك، والأشموني: "361/ 1/ 171"، وهمع الهوامع: 1/ 160، والدرر اللوامع: 1/ 142، وفيه نسب البيت إلى ضرار بن نهشل يرثي أخاه يزيد، والشعر والشعراء: 47، وتصحيف العسكري: 208، والمقتضب: 3/ 282، والمحتسب: 1/ 230 والخصائص 2/ 353 والشريشي: 1/ 21، والخزانة: 1/ 147، ومعاهد التنصيص: 1/ 70، ومغني اللبيب: "1044/ 807" وقد نسبه الزمخشري إلى: مزرد بن ضرار، ونسبه السيرافي إلى الحارث بن ضرار النهشلي، ونسبه بعضهم إلى نهشل بن حري. المفردات الغريبة: ضارع: ذليل خاشع. مختبط: هو المحتاج الذي يطلب معروفك من غير أن تكون له وسيلة يمت بها إليك. تطيح: الطوائح: جمع طائح أو طائحة. المعنى: ليبك يزيد ويندبه شخصان: فقير ذليل مهضوم الحق، لا يجد له نصيرا؛ وطالب معروف يدفع به مصائب الدهر؛ وليس له وسيلة يتقرب بها. الإعراب: ليبك: اللام، لام الأمر، يبك: فعل مضارع مجزوم؛ وهو مبني للمجهول. يزيد: نائب فاعل. ضارع: فاعل لفعل محذوف، دل عليه مدخول الاستفهام المقدر؛ أي: يبكيه ضارع. "لخصومه". متعلق بالفعل المحذوف. ومختبط: معطوف على ضارع. مما: من حرف جر. "ما". مصدرية. تطيح: فعل مضارع. الطوائح: فاعل؛ والمصدر المؤول من "ما وما بعدها": في محل جر بـ "من"؛ و"الجار والمجرور": متعلق بـ "مختبط". موطن الشاهد: "ليبك يزيد ضارع". وجه الاستشهاد: رفع "ضارع" على أنه فاعل لفعل محذوف واقع في جواب استفهام مقدر؛ فكأنه حين قال: ليبك يزيد؛ قيل: فمن يبكيه؟ فقال: يبكيه ضارع، ثم حذف الفعل؛ لدلالة سابق الكلام عليه؛ هذا؛ وقد روي البيت: ليبك يزيد ضارع، ببناء الفعل للمعلوم ونصب يزيد ورفع ضارع على أنه فاعل لـ "يبك"؛ وهذه الرواية أثبتها العسكري، ونفي غيرها، وعليها، فلا شاهد في البيت. 1 هو: أبو عمر؛ صالح بن إسحاق الجرمي البصري، مولى جرم بن زبان، وجرم من قبائل اليمن فقيه عالم بالنحو واللغة؛ دينا ورعا، أخذ عن الأخفش ويونس والأصمعي وأبي عدة وحدث عنه المبرد، وناظر الفراء فأفحمه، كان يلقب بالنباح؛ لكثرة مناظرته ورفع صوته فيه. له كتب قيمة: منها: الأبنية، ومختصر في النحو، وغريب سيبويه، مات سنة 225هـ. البلغة: 96، بغية الوعاة: 2/ 8، إنباه الرواة: 2/ 80، وفيات الأعيان: 1/ 228، الأعلام: 2/ 8.

جني1، ولا يجوز في نحو: "يوعظ في المسجد رجل" لاحتماله للمفعولية، بخلاف: "يوعظ في المسجد رجال زيد"، أو استلزمه ما قبله كقوله2: [الطويل] 205- غداة أَحَلَّت لابن أصرم طعنة ... حضين عبيطات السدائف والخمر3

_ 1 هو أبو الفتح؛ عثمان بن جني الموصلي مولدًا ونشأة، وأبوه جني كان مملوكا روميا، لازم ابن جني أبا علي الفارسي وأخذ عنه 40 سنة، حتى صار إماما من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والصرف، ولم يتكلم أحد في التصريف والإعراب أدق منه كلاما، عاصر المتنبي وناظره، وشهد له المتنبي؛ له كتاب: الخصائص، والمحتسب، واللمع، وشرح ديوان المتنبي، مات سنة 392هـ، ودفن ببغداد. البلغة: 137، بغية الوعاة: 2/ 132، وإنباه الرواة: 2/ 335، تاريخ ابن كثير: 11/ 331، الأعلام: 4/ 364. ما ذهب إليه ابن جني والجرمي؛ هو ما ذهب إليه المؤلف في المغني، من أنَّ كلَّ واحد من هذه المرفوعات فاعل بفعل محذوف؛ ولا يجوز غير ذلك. ويرى الجمهور أن كل واحد من هذه المرفوعات خبر مبتدأ محذوف؛ تقدير الكلام في الآية الأولى عندهم: الله خالقهم، وفي الآية الثانية: المسبّح له رجال، وفي البيت: الباكي ضارع ... ويجوز أن يقدر المرفوع فاعلا بفعل محذوف، دل عليه سابق الكلام، وأن يقدر خبر مبتدأ محذوف، لكن الأولى؛ تقديره فاعلا بفعل محذوف؛ لأن كون هذا المرفوع فاعلا؛ ثابت في القراءة الأخرى في: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا} وفي رواية البيت الأخرى: لِيَبْكِ يزيدَ ضارعٌ. شرح التصريح: 1/ 274، ومغني اللبيب: 807. 2 القائل: هو الفرزدق، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 274، ومجالس العلماء للزجاجي: 21، والجمل: 212، والإنصاف: 187، وشرح المفصل: 1/ 32، 8/ 70، والعيني: 2/ 456، ومعجم البلدان: 13/ 365، وديوان الفرزدق: 317. المفردات الغريبة: طعنة: اسم مرة من الطعن، وهو الضرب بالرمح وغيره، عبيطات: جمع عبيطة، وهي القطعة من اللحم الطري غير النضيج، وعبط الذبيحة واعتبطها: نحرها وهي سمينة فتية من غير داء ولا كسر. السدائف: جمع سديف؛ وهو شحم السنام ونحوه مما غلب عليه السمن. المعنى: كان لحصين بن أصرم قريب، مات قتلا، فحرم حصين على نفسه أكل اللحم الطري وشرب الخمر حتى يأخذ بثأر قريبه؛ فلما أدرك ثأره أحل لنفسه ما كان حرمه عليها من أكل اللحم الطري وشرب الخمر. =

أي: "وحلت له الخمر"، لأن "أحلت" يستلزم "حلت"، أو فسره ما بعده، نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} 1، والحذف في هذه واجب2.

_ = الإعراب: "غداة": متعلق بما قبله. أحلت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث. طعنة: فاعل مرفوع. "لابن": متعلق بـ "أحل". أصرم: مضاف إليه ممنوع من الصرف. حصين: بدل من "ابن أصرم"؛ أو عطف بيان عليه. عبيطات: مفعول به لـ "أحل" منصوب، وعلامة نصبه الكسرة، وهو مضاف. السدائف: مضاف إليه. والخمر: "بالرفع" فاعل لفعل محذوف، يدل عليه "أحل" المتقدم، والتقدير: وحلت له الخمر؛ وجملة "حلت له الخمر": معطوفه على جملة "أحلت طعنة". موطن الشاهد: "الخمر". وجه الاستشهاد: مجيء "الخمر" فاعلا لفعل محذوف، يدل عليه الفعل السابق، ويستلزمه، وهو "أحلت"، كما ذكر المصنف؛ وروي هذا البيت بنصب "طعنة" على أنه مفعول به، وإن كان فعلا في المعنى، ورفع "عبيطات" على الفاعلية، والخمر بالعطف عليها؛ على حذ "خرق الثوب المسمار" ولكن زاد -هنا- تقديم المنصوب. وقد حكى محمد بن سلام أن الكسائي سُئِلَ في حضرة يونس بن حبيب شيخ سيبويه عن توجيه رفع "الخمر" في هذا البيت، فقال الكسائي: يرتفع بإضمار فعل؛ أي: وحلت له الخمر، فقال يونس: ما أحسن -والله- توجيهك، غير أني سمعت الفرزدق يسنده بنصب "طعنة" ورفع "عبيطات" على جعل الفاعل مفعولا. انظر شرح التصريح: 1/ 274، والإنصاف في مسائل الخلاف: 187. 1 "9" سورة التوبة، الآية: 6. موطن الشاهد: {إِنْ أَحَدٌ ... اسْتَجَارَكَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أحد" فاعلا لفعل محذوف، يفسره "استجارك" المذكور؛ والتقدير: وإن استجارك أحد استجارك؛ والحذف من هذه الحالة واجب؛ لأن استجارك المذكور كالعوض من استجارك المحذوف؛ ولا يجمع بين العوض والمعوض عنه، والمفسر والمفسر. وهناك أساليب أخرى، يجب فيها الحذف -أي حذف الفعل؛ نحو: الاختصاص، والتحذير، والإغراء، والمصدر النائب عن فعله، وسيأتي ذلك لاحقا. وانظر حاشية الصبان: 2/ 50. 2 لأن استجارك المذكور كالعوض من "استجارك" المحذوف، ولا يجمع بين العوض والمعوَّض؛ فلذلك لم يجيزوا ذكر العامل في الاسم المرفوع بعد أداة الشرط ونحوها؛ وهذا الكلام إنما يجري على مذهب البصريين الذين لا يجيزون أن يقع بعد أداة الشرط جملة اسمية، فيكون المرفوع مبتدأً، خبره ما بعده؛ ولا يجوز عندهم أيضا أن يتقدم الفاعل على فعله حتى يكون "أحد" فاعلا باستجارك الذي بعده. =

الخامس: أن فعله يوحد مع تثنيته وجمعه، كما يوجد مع إفراده، فكما تقول: "قام أخوك" كذلك تقول: "قام أخواك" و: "قام إخوتك" و: "قام نسوتك"، قال الله تعالى: {قَالَ رَجُلان} 1 {وَقَالَ الظَّالِمُون} 2، {وَقَالَ نِسْوَة} 3، وحكى البصريون على طيئ وبعضهم عن أزد شنوءة4، نحو: "ضربوني قومك" و: "ضربتني نسوتك" و: "ضرباني أخواك"5 قال6: [السريع] 206- ألفيتا عيناك عند القفا7

_ 1 "5" سورة المائدة، الآية: 23. موطن الشاهد: {قَالَ رَجُلَانِ} . وجه الاستشهاد: إفراد الفعل مع الفاعل المثنى، وحكم إفراد الفعل في هذه الحالة الوجوب. 2 "25" سورة الفرقان، الآية: 8. موطن الشاهد: {قَالَ الظَّالِمُونَ} . وجه الاستشهاد: إفراد العمل مع الفاعل الجمع؛ وحكم إفراد الفعل هنا الوجوب. 3 "12" سورة يوسف، الآية: 30. موطن الشاهد: {قَالَ نِسْوَةٌ} . وجه الاستشهاد: إفراد الفعل مع الفاعل "نسوة"؛ وهو جمع؛ وحكم إفراده -كما في الآيتين السابقتين- الوجوب. 4 بفتح الهمزة وسكون الزاي أو السين، قال في الصحاح: أزد: أبو حي من اليمن، وهو بالسين أفصح، يقال: أزد شنودة وأزد عمان وأزد السراة؛ واختلف في تسميته أزدا وأسدا، فقيل: لأنه كان كثير العطاء فقيل له ذلك؛ لكثرة من يقول: أسدى إلي كذا، أو أزدى إلي كذا؛ وقيل: لأنه كان كثير النكاح، والأزد والأسد النكاح، وشنوءة بفتح الشين المعجمة وضم النون وفتح الهمزة. شرح التصريح: 1/ 257. 5 أي: بإلحاق علامة الجمع والتأنيث والتثنية بالفعل، ويعبر بعض النحويين عن هذه اللغة بلغة: أكلوني البراغيث؛ لأن البراغيث فاعل أكلوني. 6 القائل هو: عمرو بن ملقط؛ شاعر جاهلي؛ ولم أعثر له على ترجمة وافية. 7 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: أولى فأولى لك ذا واقية وهو من شواهد: التصريح: 1/ 257، ونوادر أبي زيد الأنصاري: 62، وأمالي ابن =

وقال1: [المتقارب] 207- يلومونني في اشتراء النخيـ ... ـل أهلي فكُلُّهُمُ ألْوَمُ2

_ = الشجري: "1/ 132، والخزانة: 3/ 633، والعيني: 2/ 458، ومغني اللبيب: "691/ 485". المفردات الغريبة: ألفيتا: وجدتا. أولى فأولى لك: كلمة تقال عند التهديد والوعيد؛ وهي. كما قال الأصمعي والمبرد -اسم فعل معناه: قاربك ما يهلكك. ذا: اسم بمعنى صاحب. واقية: مصدر بمعنى الوقاية، كالعافية. المعنى: يصف الشاعر رجلا بالجبن والفرار من القتال، فيخاطبه قائلا: وجدت عيناك عند قفاك؛ من كثرة نظرك، والتفاتك الشديد إلى الخلف -وأنت فارٌّ- لتنظر الأعداء خشية أن يتبعوك، ثم يدعو عليه بنزول الكوارث، فيقول: حلت بك المصائب، وقاربك ما يهلكك. الإعراب: ألفيتا: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والألف: علامة التثنية. عيناك: نائب فاعل، ومضاف إليه. "عند": متعلق بـ "ألفيتا". القفا: مضاف إليه. أولى: مبتدأ: فأولى: معطوف عليه. "لك" خبر المبتدأ؛ ويجوك أن يكون "أولى": خبرا لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: دعائي أولى. ذا: حال من الكاف في "عيناك". واقية: مضاف إليه. موطن الشاهد: "ألفتيا عيناك". وجه الاستشهاد: إلحاق ألف الاثنين بالفعل "ألفى" مع كونه مسندا إلى اسم ظاهر مثنى؛ وهو "عيناك"؛ وهذا الإلحاق على لغة جماعة من العرب بأعيانهم؛ واختلف العلماء في بيان أصحاب هذه اللغة، فبعضهم يذكر أنها لغة طيئ، وبعضهم يذكر أنها لغة أزد شنوءة، ومثل الشاهد السابق قول أحدهم: نسيا حاتم وأوس لدن فا ... ضت عطاياك يابن عبد العزيز فقد ألحق الشاعر ألف الاثنين بالفعل "نسي" المبني للمجهول. مع أن نائب الفاعل مذكور بعده، وفي هذا الشاهد والذي استشهد به المؤلف دلالة على أن شأن نائب الفاعل في هذه المسألة كشأن الفاعل. وانظر حاشية الصبان: 2/ 46-47. 1 ينسب البيت إلى أمية بن أبي الصلت، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: صوب بعضهم إنشاد البيت هكذا: يلومونني في اشتراء النخيـ ... ـل قومي فكلهم يَعدِلُ وأنشدوا بعده: وأهل الذي باع يلحونه ... كما لُحِيَ البائعُ الأوَّلُ والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 276، والأشموني: "359/ 1/ 170"، وابن عقيل =

وقال1: [الطويل] 208- نتج الربيع محاسنا ... ألقحنها غر السحائب2

_ = "143/ 2/ 82" وهمع الهوامع: 1/ 160، والدرر اللوامع: 1/ 142، وشرح المفصل: 3/ 87، و7/ 7 والعيني: 2/ 460، وأمالي ابن الشجري: 1/ 133، والعيني: 2/ 460، ومغني اللبيب: "679/ 478"، وديوان أمية: 48، وفيه برواية: فكلهم ألوم. المفردات الغريبة: يلومونني: اللوم: العذل والتعنيف. يعذل: "العذل" اللوم. يلحونه: لحا يلحو مثل: دعا يدعو؛ فيقال: لحاه يلحوه؛ ولحاه يلحاه مثل: نهاه ينهاه؛ إذا لامه وعذله؛ فالمعاني السابقة متشابهة. المعنى: يعتب علي أهلي، ويعنفونني لشراء النخيل، ولا حق لهم؛ فكلهم أكثر استحقاقا للوم. الإعراب: يلومونني: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ والواو: حرف دال على جماعة الذكور، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به. "في اشتراء": متعلق بـ "يلوم". النخيل: مضاف إليه. أهلي: فاعل "يلوم". فكلهم: الفاء عاطفة. كلهم: مبتدأ، ومضاف إليه. يعذل: فعل مضارع، والفاعل: هو؛ وجملة "يعذل": في محل رفع خبر المبتدا. موطن الشاهد: "يلومونني". وجه الاستشهاد: اتصال واو الجماعة بالفعل، مع أن الفعل أسند إلى الاسم الظاهر المذكور؛ وهو "أهلي"؛ وهذا لغة طيئ، أو أزد شنوءة، كما أسلفنا؛ ومثل هذا الشاهد قول زيد بن معاوية: يدورون بي في ظل كل كنيسة ... فينسونني قومي وأهوى الكنائسا فوصل واو الجماعة بالفعل "ينسى" مع أن الفاعل اسم ظاهر مذكور بعده؛ وهو "قومي". وقول آخر: نصروك قومي فاعتززت بنصرهم ... ولو أنهم خذلوك كنت ذليلا فقد ألحق واو الجماعة بفعل "نصر" مع أن الفاعل مذكور بعده؛ وهو "قومي". حاشية الصبان: 2/ 47. 1 القائل: هو أبو فراس الحمداني. 2 تخريج الشاهد: البيت من قصيدة للشاعر؛ ومعها قوله: يا أيها الملك الذي ... أضحت له جمل المناقب نتج الربيع محاسنا ... ألقحنها غير السحائب راقت ورق نسيمها ... فحكت لنا صور الحبائب =

والصحيح أن الألف والواو والنون في ذلك أحرف دلوا بها على التثنية والجمع، كما دل الجميع1 بالتاء في نحو: "قامت" على التأنيث2؛ لا أنها ضمائر الفاعلين وما بعدها مبتدأ على التقديم والتأخير أو تابع على الإبدال من الضمير، وأن هذه اللغة3 لا تمتنع من المفردَيْن أو المفردات المتعاطفة، خلافا لزاعمي ذلك،

_ = والبيت للتمثيل وليس للاستشهاد، وقد مثل به: التصريح: 1/ 276، والعيني: 2/ 460، وهمع الهوامع: 1/ 160، والدرر اللوامع: 1/ 142، وحاشية يس: 1/ 276، والشذور: "82/ 233". المفردات الغريبة: نتج: بالبناء للمعلوم، أو للمجهول، ويقال: نتجت الناقة، بالبناء للمجهول؛ إذا ولدت. الربيع: المراد هنا المطر الذي ينزل وقت الربيع. محاسنا: جمع لا واحد من لفظه مثل ملامح، وقيل جمع حسن على غير قياس. ألقحنها؛ الإلقاح: أصله الإيلاد، من أقلح الفحل الناقة إلقاحا: أحبلها، ثم استعير للشجر. غر: جمع غراء: أبي بيضاء. السحائب: جمع سحابة. المعنى: أنبت المطر الذي ينزل في فصل الربيع نباتا حسنا، وكسا الأرض حلة ناضرة بوساطة تلك السحب الغراء، وما أنتجته من نبات حسن. الإعراب: نتج: فعل ماضٍ. الربيع: فاعل؛ أو نائب فاعل، إذا عد "نتج" مبنيا للمجهول. محاسنا: مفعول به أول؛ أو ثان؛ لما أسلفنا. ألقحنها: فعل ماضٍ، والنون: علامة جمع النسوة، و"ها" مفعول به. غر: فاعل مرفوع. السحائب: مضاف إليه. موطن الشاهد: "ألقحنها". وجه الاستشهاد: وصل نون النسوة بالفعل "ألقح" مع أنه مسند إلى اسم ظاهر بعده، وهو "غر السحائب"؛ وإلى مثل هذا يشير الناظم بقوله: "وقد يقال: سعدا وسعدوا ... والفعل للظاهر -بعد- مسندُ" أي: جاء في بعض اللغات: "سعدا وسعدوا" بزيادة علامة التثنية والجمع على أنهما مجرد علامة، ليس أكثر، والفعل مسند إلى الفاعل الظهر بعده. 1 أي: جميع العرب. 2 والجامع بينهما: الفرعية عن الغير، فالمثنى والجمع فرع الإفراد، والمؤنث فرع المذكر. والفرق بين الاثنين أن لحاق علامة التأنيث لغة جميع العرب، ويجب أحيانا. أما لحاق الثانية فلغة قوم، ولا يجب مطلقا. شرح التصريح: 1/ 276. 3 هذا معطوف على قوله "والصحيح أن الألف والواو ... ". أي والصحيح أيضا أن هذه اللغة -وهي لحاق علامة التثنية والجمع- لا تمتنع مع المفردين -إلخ. وقوله "خلافا لزاعمي ذلك" أي في المسألتين، ورد على زاعمي الأول بقوله: "لقول الأئمة ... إلخ". وردَّ على زاعمي الثاني بقوله: "ولمجيء قوله -إلخ".

لقول الأئمة: إن ذلك لغة لقوم معينين، وتقديم الخبر والإبدال لا يختصان بلغة قوم بأعيانهم، ولمجيء قوله1: [الطويل] 209- وقد أسلماه مبعد وحميم2

_ 1 القائل: هو عبيد الله بن قيس بن شريح بن مالك، من بني عامر بن لؤي، ولَقَبُ الرقيات أطلق عليه؛ لأنه كان يشبب بثلاث نسوة؛ كل واحدة منهن تسمى رقية، وهو شاعر مبدع، أكثر شعره في الغزل؛ وله مدائح جيدة في مصعب بن الزبير وأخيه عبد الله؛ وكان قد خرج معهما على بني أمية، ولما قتلا أمنه عبد الملك بن مروان، ومات سنة 85هـ. الشعر والشعراء: 1/ 539، الجمحي: 2/ 647، الأغاني: 4/ 154، واللآلي: 294، والخزانة: 3/ 265. تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: تولى قتال المارقين بنفسه وهو من قصيدة يرثي فيها مصعب بن الزبير، وأولها قوله: لقد أورث المصرين حزنا وذلة ... قتيل بدير الجاثليق مقيم والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 277، وابن عقيل: "142/ 2/ 81" والأشموني: "256/ 1/ 170" وهمع الهوامع: 1/ 160، والدرر اللوامع: 1/ 141، والكتاب لسيبويه: 1/ 132، والعيني: 2/ 461 والمغني: "681/ 481" "692/ 485" والشذور "81/ 232" وديوان ابن الرقيات: 196. المفردات الغريبة: المارقين: الخارجين عن الدين، أسلماه: خذلاه وأسلماه إلى أعدائه. مبعد: أجنبي بعيد الصلة. حميم: صديق أو قريب. المعنى: لقد تولى مصعب بنفسه قتال الخارجين بالعراق على أخيه عبد الله بن الزبير، ولم يركن إلى غيره في ذلك، وقد تجشم المصاعب، وخذله البعيد والقريب؛ وأسلماه إلى عدوه. الإعراب: تولى: فعل ماضٍ، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره هو؛ يعود إلى مصعب. قتال: مفعول به منصوب. المارقين: مضاف إليه. "بنفسه": متعلق بـ "تولى"؛ أو توكيد للفاعل، على زيادة الباء. وقد: الواو حالية، قد: حرف تحقيق. أسلماه: فعل ماضٍ، والألف: علامة التثنية، والهاء: مفعول به. مبعد: فاعل مرفوع. وحميم: الواو عاطفة، حميم: اسم معطوف على مبعد. وجملة "أسلماه مبعد وحميم": في محل نصب على الحال. موطن الشاهد: "أسلماه مبعد وحميم". وجه الاستشهاد: وصل الفعل بألف التثنية مع أن الفعل ظاهر، ومعطوف عليه؛ والقياس أن يقول: وقد أسلمه مبعد وحميم.

وقوله1: [الوافر] 210- وإن كانا له نسب وخير2

_ 1 القائل: هو عروة بن الورد العبسي، المشهور بعروة الصعاليك؛ لعطفه عليهم، واحتضانهم، وقوله فيهم شعرا كثيرا، وأشهره: الأصمعية العاشرة من الأصمعيات، وعروة جاهلي جواد فارس. الشعر والشعراء: 2/ 275، الأغاني: 2/ 184، الخزانة: 4/ 194. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: وأحقرهم وأهونهم عليهم وقبل البيت الشاهد قوله: ذريني للغنى أسعى فإني ... رأيت الناس شرهم الفقير والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 277، والعيني: 2/ 463، والبيان والتبيين: 1/ 234، وليس في ديوان عروة بن الورد. المفردات الغريبة: ذريني: دعيني واتركيني. خِير "بكسر الخاء" كرم أو شرف، أو هيئة، أو أصل. المعنى: يقول للائمته: ارتكيني أسعى وأجد في تحصيل الغنى والمال؛ فإنني رأيت الفقير شر الناس وأذلهم، وأحقرهم شأنا، وأهونهم عليهم؛ لأجل فقره، وإن كان شريف الأصل، حسن الأخلاق، كريم السجايا. الإعراب: وأحقرهم: الواو عاطفة. أحقر: معطوف على شر، في البيت السابق، وهو مضاف، و"هم" مضاف إليه. وأهونهم: معطوف على "شر" أيضا، و"هم" مضاف إليه. "عليهم": متعلق بـ "أهون". وإن: الواو عاطفة، والمعطوف عليه محذوف؛ والتقدير: إن لم يكن له نسب وخير وإن كانا له نسب وخير؛ والمعنى: أنه كذلك على كل حال. إن: شرطية جازمة. كانا: فعل ماضٍ ناقص؛ وهو فعل الشرط في محل جزم؛ والألف: حرف دال على التثنية. "له": متعلق بمحذوف خبر كان المتقدم على اسمه. نسب: اسم كان مؤخر مرفوع. وخير: معطوف على نسب؛ وجواب الشرط محذوف؛ لدلالة سابق الكلام عليه. موطن الشاهد: "كانا له نسب وخير". وجه الاستشهاد: إلحاق علامة التثنية "الألف" بالفعل الناقص "كان" مع أنه مسند إلى اثنين عطف أحدهما على الآخر؛ وفي هذا دلالة على أن من يلحق بالفعل علامة التثنية وعلامة الجمع، لا يفرق بين أن يكون الفاعل مثنى كالزيدين والعمرين، أو أن يكون في معنى المثنى بأن يكون اسمين مفردين، عطف أحدهما على الآخر.

السادس: أنه إن كان مؤنثا أنث فعله بتاء ساكنة في آخر الماضي1، وبتاء المضارعة في أول المضارع. [إذا كان الفاعل مؤنثا أنث فعله] : ويجب ذلك في مسألتين: إحداهما: أن يكون ضمير متصلا2، كـ: "هند قامت" أو: تقوم"، و: "الشمس طلعت" أو: "تطلع" بخلاف المنفصل نحو: "ما قام، أو يقوم، إلا هي" ويجوز تركها في الشعر إن كان التأنيث مجازيا، كقوله3: [المتقارب] 211- ولا أرضَ أبقلَ إبقالَها4

_ 1 سواء أكان جامدا أم منصرفا تاما أم ناقصا، وسواء في ذلك التأنيث الحقيقي أو المجازي. 2 أي مستترا، عائدا على مؤنث حقيقي التأنيث أو مجازيه. وقد مثل لهما المصنف. وإنما وجب التأنيث في هذا؛ لئلا يتوهم أن هنالك فاعلا مذكرا منتظرا، كأن يقال: هند قام أبوها والشمس طلع قرنها. 3 القائل: هو عامر بن جوين بن عبد رضاء بن قمران الطائي، أحد بني جرم من طيئ، كان سيدا شاعرا فارسا شريفا، قيل: هو من معمري العرب وأنه عاش مائتي سنة. خزانة الأدب: 1/ 53، والمعمرين: 41. 4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: فلا مزنة ودقت ودقها وهو من شواهد: التصريح: 1/ 278، وابن عقيل: "146/ 2/ 92"؛ والأشموني: "369/ 1/ 174" والكتاب: 1/ 240، والخصائص: 2/ 411، والمحتسب: 2/ 112، وأمالي ابن الشجري: 1/ 158، 1/ 161، وشرح المفصل: 5/ 94، والمقرب: 66، والخزانة: 21، 3/ 330، والعيني: 2/ 264 والهمع: 2/ 171، والدرر: 2/ 224، وحاشية يس على التصريح: 2/ 32، ومغني اللبيب: "115/ 860" "1130/ 879". =

وقوله1: [المتقارب] 212- فإن الحوادث أودى بها2

_ = المفردات الغريبة: مزنة: هي السحابة البيضاء المثقلة بالماء، ودقت: أمطرت. الودق: المطر. أبقل: أنبت البقل، والبقل: ما نبت في بذرة لا في أرومة ثابتة. المعنى: ليس هنالك سحابة أمطرت مطرا غزيرا نافعا كهذه السحابة، وليست هنالك أرض أنبتت بقلا عظيما كهذه الأرض. الإعراب: لا: نافية تعمل عمل ليس. مزنة: اسمها مرفوع. ودقت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث. والفاعل: هي. ودقها: مفعول مطلق لـ "ودقت"؛ والجملة: خبر "لا"؛ ويجوز عد "لا" مهملة، ومزنة: مبتدأ، والجملة: خبره. ولا: الواو عاطفة، لا: نافية عاملة عمل "إن". أرض: اسمها: وجملة "أبقل إبقالها": في محل رفع خبر "إن". موطن الشاهد: "ولا أرض أبقل". وجه الاستشهاد: حذف تاء التأنيث من الفعل "أبقل" المسند إلى فاعله المضمر العائد إلى اسم مجازي وروي البيت على وجه آخر: ولا أرض أبقلت أبقالها؛ بكسر التاء للتخلص من الساكنين، ووصل همزة القطع من إبقالها، وهو تخلص من ضرورة، للوقوع في أخرى، كما بين المؤلف. ومن العلماء من خرج البيت تخريجا آخر، وهو أن الشاعر أتى بالضمير العائد إلى الأرض مذكرا؛ لأنه أراد بالضمير المكان؛ فهو من الحمل على المعنى؛ ولهذا نظائرُ كثيرةٌ في الشعر، نحو قول عروة بن حزام: وعفراء أرجى الناس عندي مؤدة ... وعفراء عني المعرض المتداني ففي قوله: "عفراء المعرض المتداني"؛ ذكر الخبر، مع أن المبتدأ مؤنث؛ لأنه أراد شخص عفراء. وذهب ابن كيسان إلى جواز التذكير والتأنيث في الفعل المسند إلى ضمير مؤنث مجازي التأنيث؛ فكما يجوز في الفعل المسند الاسم الظاهر المجازي التأنيث تذكير الفعل وتأنيثه، فإنه يجوز مع المضمر، لأنه لا فرق بين المضمر والمظهر. انظر حاشية الصبان: 2/ 53-54. والدرر اللوامع: 2/ 224-225. 1 القائل: هو الأعشى ميمون بن قيس؛ وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: فإما تريني ولي لمة وهو من قصيدة يمدح فيها رهط قيس بن معديكرب الكندي ويزيد بن عبد الدار الحارثي. وهو من شواهد: التصريح: 1/ 278، والأشموني: "368/ 1/ 174" والكتاب: 1/ 239، وأمالي ابن الشجري: 2/ 345، والإنصاف: 1/ 464، وشرح =

والثانية: أن يكون متصلا حقيقي التأنيث نحو: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ} 1 وشذ قول بعضهم2: "قال فلانة" وهو رديء لا ينقاس.

_ = المفصل: 5/ 95، 9/ 6، 9/ 41، والخزانة: 4/ 578، والعيني: 2/ 466، 4/ 327، وديوان الأعشى برواية: ألوى بها. المفردات الغريبة: لمة: هي شعر الرأس الذي يجاوز شحمة الأذن؛ فإذا زاد عن ذلك، وبلغ المنكبين فهو جمة. الحوادث: النوازل والكوارث، جمع حادثة. أودى بها: ذهب بها، وأهلكها، وأبادها. المعنى: يخاطب محبوبته قائلا: إذا كانت ترين فيما مضى من شبابي لمة تنزل إلى أذني؛ فلا تعجبي اليوم من منظري؛ لأن حوادث الدهر وكوارثه؛ ذهبت بها وأزالتها؛ ولعله يريد: أنه أصبح أصلع الرأس؛ وذلك من دلالات التقدم في السن، والضعف بعد القوة. الإعراب: إما: إن الشرطية مدغمة في "ما" الزائدة. تريني: فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف النون، والنون: للوقاية، والياء: فاعل، والياء الثانية: مفعول به، ورأى -هنا- بصرية تتعدى إلى واحد. ولي: الواو حالية، "لي": متعلق بخبر مقدم. لمة: مبتدأ مؤخر. فإن: الفاء واقعة في جواب الشرط، إن: حرف مشبه بالفعل. الحوادث: اسمه. أودى: فعل ماضٍ وفاعله: ضمير مستتر يعود إلى الحوادث، وجملة "أودى بها": في محل رفع خبر "إن"؛ وجملة "إن الحوادث أودى بها": في محل جزم جواب الشرط. موطن الشاهد: "الحوادث أودى بها". وجه الاستشهاد: تجريد فعل أودى" من علامة التأنيث؛ وحكم هذا التجريد الضرورة الشعرية؛ لأنه مسند إلى ضمير مستتر عائد إلى مؤنث مجازي، وهو "الحوادث"؛ والذي سوغ ذلك كون "الحوادث مجازي التأنيث. ولا يقال في هذا البيت: إنه لا ضرورة فيه؛ لأنه لو قال: أودت بها؛ لاستقام الوزن؛ لأن القافية مؤسسة، والألف في أودى ملتزمة في أبيات القصيدة، وتسمى عند العروضيين: "حرف الردف" وتركها في بعض الأبيات عيب غير مقبول. انظر شرح العيني في ذيل حاشية الصبان: 2/ 53. 1 "3" سورة آل عمران، الآية: 35. موطن الشاهد: {قَالَتِ امْرَأَةُ} . وجه الاستشهاد: اتصال علامة التأنيث بالفعل "قال"؛ لأن فاعله مؤنث حقيقي التأنيث ولم يفصل بينهما فاصل؛ وحكم تأنيث الفعل في هذه الحالة الوجوب. 2 هو قول بعض العرب حكاه سيبويه، وفلانة: ليس دالا على مؤنث، كفاطمة وزينب ... إلخ ولكنه يدل على لفظ مؤنث.

وإنما جاز في الفصيح نحو: "نعم المرأة" و: "بئس المرأة" لأن المراد الجنس، وسيأتي أن الجنس يجوز فيه ذلك. [جواز التأنيث والتذكير] : ويجوز الوجهان في مسألتين: إحداهما: المنفصل1، كقوله2: [الوافر] 213- لقد ولد الأخيطلَ أمُّ سُوءٍ3

_ 1 أي المؤنث الحقيقي الظاهر، المنفصل من فعله بفاصل. 2 هو: جرير بن عطية الخطفي، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: على باب استها صُلُبٌ وشَامُ وهو في هجاء الأخطل التغلبي النصراني. وهو من شواهد: التصريح: "1/ 279، والأشموني: "364/ 1/ 173"، والمقتضب: 2/ 148، 3/ 349 والخصائص: 2/ 414، وأمالي ابن الشجري: 2/ 55، والإنصاف: 1/ 175، وشرح المفصل: 5/ 92، والعيني: 2/ 468، وديوان جرير: 515. المفردات الغريبة: الأخيطل: تصغير الأخطل الشاعر واسمه: غياث بن غوث. استها: دبرها: صلب: جمع صليب وهو للنصارى. شام: جمع شامة، وهو الخال والعلامة. المعنى: إن من وَلَدَ الأخطلَ امرأةٌ سيئة، لم تتحصن بالعفة؛ فهو سليل الفجور. الإعراب: لقد: اللام موطئة للقسم، قد: حرف تحقيق. ولد: فعل ماضٍ، الأخيطل: مفعول به تقدم على الفاعل. أم: فاعل مرفوع. سوء: مضاف إليه. "على باب": متعلق بخبر مقدم محذوف. استها: مضاف إليه، و"ها": مضاف إليه. صلب: مبتدأ مؤخر. وشام: معطوف عليه مرفوع. موطن الشاهد: "ولد الأخيطل أم". وجه الاستشهاد: تجرد فعل "ولد" من علامة التأنيث، على الرغم من أن فاعله مؤنث حقيقي التأنيث؛ لأنه فصل بينهما بالمفعول به المتقدم على الفاعل "أم"؛ وحكم هذا التجرد الجواز؛ لأنه لما فصل بين الفعل وفاعله، بَعُدَ الفعل بالفصل عن فاعله، وضعفت عنايته به؛ غير أن الاقتران في هذه الحالة أفضل من التجرد؛ ومثل هذا الشاهد؛ قول الشاعر: إنَّ امرأً غره منكنَّ واحدةٌ ... بعدي وبعدك في الدنيا لمغرور غير أن الفصل -هنا- بالجار والمجرور؛ وإن كان الحكم واحدا.

وقولهم: "حضر القاضي اليوم امرأة" والتأنيث أكثر، إلا إن كان الفاصل "إلا" فالتأنيث خاص بالشعر1، نص عليه الأخفش، وأنشد على التأنيث2: [الرجز] 214- ما برئت من ريبة وذم ... في حربنا إلا بنات العم3 وجوزه ابن مالك في النثر، وقرئ: "إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةٌ"4، "فَأَصْبَحُوا لا

_ 1 التخصيص بالشعر مذهب الجمهور. ومثل "إلا" في الفصل: غير أو سوى، وإن كان مذكرا لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه، ويلاحظ أن لفظ "غير" أو "سوى" هو الذي يعرب فاعلا. 2 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 3 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 279، والأشموني: "316/ 1/ 174"، والعيني: 2/ 471، والهمع: 2/ 271، والدرر: 2/ 226، والشذور: "80/ 231". المفردات الغريبة: برئت: تخلصت وسلمت. ريبة: هي التهمة والشك. ذم: عيب. المعنى: لم تسلم امرأة من التهمة والشك والعيب في حربنا إلا بنات الأعمام. الإعراب: ما: نافية. برئت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث. "من ريبة": متعلق بـ "برئت". وذم: معطوف على ريبة. "في حربنا": متعلق بـ "برئت". إلا: أداة حصر؛ أو حرف استثناء ملغى. بنات: فاعل مرفوع، وهو مضاف. العم: مضاف إليه. موطن الشاهد: "ما برئت إلا بنات العم". وجه الاستشهاد: لحقت تاء التأنيث فعل "برئ"؛ لأن الفاعل حقيقي التأنيث، مع وجود الفصل بـ "إلا"؛ وحكم حذف التاء واجب في هذه الحالة؛ لأن الفاعل في الحقيقة، ليس الاسم المؤنث المذكور بعد "إلا"، وإنما هو مذكر محذوف؛ والتقدير: ما برئ أحد إلا بنات العم؛ وهذا رأي الأخفش ومن تبعه؛ وحكم لحوق التاء -على رأيهم- الجواز للضرورة الشعرية؛ وجوَّز ابن مالك تأنيث الفعل مع الفصل بـ "إلا" على قلة؛ حيث قال: "والصحيح جوازه في النثر أيضا" وأشار إلى هذا، بقوله: والحذف معْ فصلٍ بـ "إلا" أفضلا ... كما زكا إلا فتاةُ ابنِ العَلا فلفظه "أفضلا" تفيد جواز عدم الحذف، غير أن الحذف أرجح. وانظر شرح التصريح: 1/ 279-280، وحاشية الصبان: 2/ 53. 4 "36" سورة يس، الآية: 29. أوجه القراءات: قرأ أبو جعفر وشيبة ومعاذ بن الحارث والأعرج "صيحة" بالرفع. وقرأ الباقون بالنصب. توجيه قراءة الرفع: في قراءة الرفع تقدير ضمير في "كانت"؛ والتقدير: إن كانت عقوبتهم أو بليتهم إلا صيحة، أو نحو ذلك، الإتحاف: 264، البحر المحيط: 7/ 332، ومعاني القرآن: 2/ 375. موطن الشاهد: "إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةٌ". وجه الاستشهاد: مجيء "صيحة" مرفوعة بـ "كان"؛ وفي هذه القراءة دليل على جواز تأنيث الفعل إذا فعل بينه وبين فاعله أو ما يقوم مقام الفاعل بـ "إلا".

تُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ"1. الثانية: المجازي التأنيث، نحو: {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} 2، ومنه3 اسم الجنس، واسم الجمع، والجمع4؛ لأنهن في معنى الجماعة، والجماعة مؤنث مجازي، فلذلك جاز التأنيث، نحو: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ} 5، و: {قَالَتِ

_ 1 "46" سورة الأحقاف، الآية: 25. أوجه القراءات: أوجه القراءات: قرأ مالك بن دينار والحسن وأبو رجاء وعاصم والأعمش وجماعة من التابعين: "لا تُرَى إلا مساكنهم"؛ وقرأ أهل الحرمين، وأبو عمر، والكسائي، وابن كثير، ونافع، وأبو جعفر، ومجاهد، وعلي: "لا تَرَى إلا مساكنهم"؛ وقرأ الأعمش وحمزة، وابن مسعود: {لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} . موطن الشاهد: "لا تُرَى إلا مساكنهم" وإعراب القرآن للنحاس: 3/ 157، ومعاني القرآن: 2/ 55 وقرأ الأزرق وورش: "لا تَرَى إلا مسكنهم". اتحاف الفضلاء: 392. وجه الاستشهاد: مجيء "ترى" مبنيا للمجهول؛ على هذه القراءة، ومساكنهم نائب فاعل؛ والحكم كما في الآية السابقة؛ وقراءة هذه الآية وقراءة الآية السابقة المستشهد بهما، ليستا سببيتين. 2 "75" سورة القيامة: 9. موطن الشاهد: {جُمِعَ الْشَمْسُ وَالْقَمَرُ} . وجه الاستشهاد: تذكير الفعل مع المؤنث المجازي، وذلك جائز؛ وفي غير القرآن، يجوز: "وجمعت الشمس". 3 أي: من مجازي التأنيث. 4 المراد جمع التكسير؛ لأن جمع المذكر السالم، يجب تذكير فعله، كما أن جمع المؤنث السالم المستوفي للشروط؛ يجب تأنيث فعله على الصحيح. 5 "26" سورة الشعراء، الآية: 105, موطن الشاهد: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٌ} . وجه الاستشهاد: أنت الفعل "كذب" لأن فاعله أتى اسم جمع مذكر؛ فهو يلحق بمجازي التأنيث وحكم التأنيث هنا الجواز.

الْأَعْرَابُ} 1، و: "أورقت الشجر"، والتذكير نحو: "أورق الشجر" {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُك} 2، {وَقَالَ نِسْوَة} 3، و: "قام الرجال"، و: "جاء الهنود" إلا أن سلامة نظم الواحد في جمعي التصحيح أوجبت التذكير في نحو: "قام الزيدون" والتأنيث في نحو: "قامت الهندات"، خلافا للكوفيين فيهما، وللفارسي في المؤنث، واحتجوا بنحو: {إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} 4، {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ} 5، وقوله6: [الكامل]

_ 1 "49" سورة الحجرات، الآية: 14. موطن الشاهد: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ} . وجه الاستشهاد: أنت الفعل مع "الأعراب" وهو جمع تكسير؛ وحكم التأنيث؛ -هنا- الجواز. 2 "6" سورة الأنعام، الآية: 66. موطن الشاهد: {كَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ} . وجه الاستشهاد: تذكير الفعل مع "قوم" وهو اسم جمع مذكر؛ وحكم تذكيره الجواز. 3 "12" سورة يوسف، الآية: 30. موطن الشاهد: {قَالَ نِسْوَةُ} . وجه الاستشهاد: تذكير الفعل مع اسم الجمع المؤنث؛ وحكم هذا التذكير الجواز. 4 "8" سورة يونس، الآية: 90. وجه الاستشهاد: موطن الشاهد: {آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائيلَ} . وجه الاستشهاد: "تأنيث الفعل مع جمع تصحيح المذكر؛ وأجاب المؤلف بأن هذا الجمع لم يسلم فيه لفظ الواحد، بل تغير شكله؛ لأن الأصل "بنو" فحذفت لامه؛ وزيد عليه واو ونون في التذكير وألف وتاء في التأنيث. 5 "60" سورة الممتحنة، الآية: 12. موطن الشاهد: {جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ} . وجه الاستشهاد: تذكير الفعل مع الفاعل المؤنث؛ وأجيب بأن التذكير هنا للفصل، أو لأن الأصل: النساء المؤمنات، أو لأن "إلا" مقدرة باللاتي وهي اسم جمع، كما في المتن. 6 القائل: هو عبدة بن الطيبب، أحد بني عبد شمس بن كعب بن سعد من تميم، شاعر مخضرم أدرك الإسلام وأسلم، وشهد مع المثنى بن حارثة قتال هرمز؛ وله في ذلك مواقف مشهورة. له شعر حسن، منه وصيته لبنيه حين أَسَنَّ ورابه بصره، وهي من أغلى الوصايا وأعلاها ذكرها صاحب المفضليات برقم "27". الشعر والشعراء: 2/ 727، واللآلي: 69، والأغاني: 18/ 163، والإصابة: 51/ 101.

215- فبكى بناتي شجوَهُنَّ وزوجتي1

_ 1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: والظاعنون إليَّ ثم تصدَّعوا وهو من قصيدة رواها المفضل الضبي، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 280، وفيه برواية: والطامعون إليَّ. والأشموني: "270/ 1/ 175"، والعيني:4/ 472، والمفضليات: 148، والخصائص: 3/ 295، ومجالس العلماء للزجاجي: 195. المفردات الغريبة: شجوهن، الشجو: الحزن والهم -من شجاه الأمر يشجوه- إذا أحزنه. زوجتي؛ الأفصح أن يقال: زوج للرجل والأنثى، وجمعه أزواج، قال تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} . تصدعوا: تفرقوا وانشعب شملهم. المعنى: إن بناتي بكين علي من الحزن، وكذلك زوجي، والذين وفدوا علينا؛ ليشاركونا أحزاننا وهمومنا من المحبين، ثم انصرفوا بعد ذلك، وتفرقوا إلى شئونهم. الإعراب: بكى: فعل ماضٍٍ. بناتي: فاعل ومضاف إليه. شجوهن: مفعول لأجله، ومضاف إليه. وزوجتي: معطوف على بناتي، ومضاف إليه. والظاعنون: معطوف على بناتي. "إلي": متعلق بـ "الظاعنون". ثم: حرف عطف. تصدعوا: فعل ماضٍٍ، والواو: فاعل؛ وجملة "تصدعوا": معطوفة على جملة "بكى بناتي": لا محل لها. موطن الشاهد: "بكى بناتي". وجه الاستشهاد: مجيء فعل بكى مجردا من التاء الدالة على التأنيث مع أن المسند إليه -الفاعل- بناتي أتى جمع مؤنث سالما؛ وبهذا وأمثاله احتج الكوفيون وأبو علي الفارسي على جواز تذكير الفعل مع جمع المؤنث؛ وخالفهم البصريون، وردوا عليهم بأن "بنات" وإن كان جمع مؤنث سالما؛ فقد أشبه جمع التكسير في عدم سلامة لفظ مفرده -كما أسلفنا- فلما أشبه جمع التكسير؛ في هذا، أخذ حكمه، كما أن "بني" لما لم يسلم فيه لفظ مفرده، أشبه جمع التكسير؛ فلما أشبهه في هذا، أخذ حكمه، وساغ دخول تاء التأنيث في فعله في الآية الكريمة: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} . هذا وفي البيت شاهد آخر على مجيء "شجوهن" مفعولا لأجله؛ وهو معرفة؛ لأنه مصدر أضيف إلى الضمير خلافا للجرمي الذي زعم أن المفعول لأجله لا يكون إلا نكرة. انظر شرح التصريح: 1/ 280.

وأجيب بأن البنين والبنات لم يسلم فيهما لفظ الواحد1، وبأن التذكير في {جَاءَكَ} للفصل، أو لأن الأصل النساء المؤمنات، أو لأن "أل" مقدرة باللاتي، وهي اسم جمع. السابع: أن الأصل فيه أن يتصل بفعله ثم يجيء المفعول، وقد يعكس، وقد يتقدمهما المفعول، وكل من ذلك جائز وواجب. [الأصل تقدم الفاعل على المفعول] : فأما جواز الأصل فنحو: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} 2. [وجوب تقدم الفاعل على المفعول] : وأما وجوبه ففي مسألتين: إحداهما: أن يخشى اللبس3، كـ: "ضرب موسى عيسى" قاله أبو

_ 1 أي: بل تغير شكله؛ إذ الأصل "بنو" فحذفت لامه وزيد عليه واو ونون في التذكير، وألف وتاء في التأنيث. والكلام في الجمعين إذا لم يحدث فيهما تغيير. أما ما تغير منهما كبنين وبنات فيجوز فيهما الوجهان اتفاقا. هذا: ولم يذكر المصنف ولا الناظم حكم إسناد الفعل إلى المثنى، وحكمه حكم المفرد؛ فإن كان لمذكر وجب تذكير الفعل، نحو: قال المحمدان، وإن كان لمؤنث وجب التأنيث، تقول: قامت الهندان. شرح التصريح: 1/ 280، 281. 2 "27" سورة النمل، الآية: 16. موطن الشاهد: {وَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} . وجه الاستشهاد: مجيء الفاعل متصلا بالفعل ثم وليه المفعول به؛ وحكم هذا التقدم الجواز على الأصل. 3 فلا يمكن تمييز الفاعل من المفعول، وذلك كأن يكون كل منهما اسما مقصورا كما مثل المصنف، أو مضافا إلى ياء المتكلم، نحو: أكرَمَ صديقي أخي، وكذلك المبنيات وأسماء الإشارة، وليست هنالك قرينة تعين المراد، وتميز الفاعل من المفعول، فإن وجدت قرينة لفظية أو معنوية لم يكن الترتيب واجبا، فاللفظية مثل: أكرمت يحيى ليلى، والمعنوية مثل: أزعجت ليلى الحمى.

بكر1 والمتأخرون كالجزولي2 وابن عصفور وابن مالك3، وخالفهم4 ابن الحاج5 محتجا بأن العرب تجيز تصغير عمر وعمرو، وبأن الإجمال من مقاصده العقلاء، وبأنه يجوز: "ضرب أحدهما الآخر" وبأن تأخير البيان لوقت الحاجة جائز عقلا باتفاق وشرعا على الأصح، وبأن الزجاج نقل أنه لا خلاف في أنه يجوز في نحو: {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ} 6، كون "تلك" اسمها، و: "دعواهم" الخبر، والعكس7.

_ 1 هو: محمد بن السري، المعروف بابن السراج، وقد مرت ترجمته. 2 هو: أبو موسى، عيسى بن عبد العزيز الجزولي -جزولة بطن من البربر- كان إماما في العربية مع جودة التفهم وحسن العبارة، لزم ابن بري بمصر لما حج وعاد، وتصدر للإقراء بالمرية "بلد بالأندلس" وغيرها، أخذ عنه العربية جماعة منهم الشلوبين وابن معطٍ، له حواشٍ على الجمل للزجاجي، وكتاب القانون في النحو، مات سنة 607، وقيل 667 هـ. البلغة: 179، بغية الوعاة: 2/ 236، إنباه الرواة: 2/ 378، وفيات الأعيان: 1/ 394. 3 مرت ترجمة لكل منهما. 4 وذلك في نقده على المقرب لابن عصفور، فقال: لا يوجد في كتاب سيبويه شيء من هذه الأغراض الواهية. شرح التصريح: 1/ 281. 5 هو أبو العباس: أحمد بن محمد بن أحمد الأزدي الإشبيلي، كان عالما بالعربية حافظا للغات قيل إنه برع في لسان العرب حتى لم يكن في زمنه من يفوقه أو يدانيه، قرأ على الشلوبين وغيره، له مصنفات كثيرة منها: مختصر خصائص ابن جني، ومختصر المستصفى، وله نقود على الصحاح، وإيرادات على المقرب لابن عصفور، وأمالي على كتابه سيبويه، مات سنة: 647 هـ. البلغة: 31، بغية الوعاة: 1/ 359، أعيان الشيعة: 9/ 275، معجم المؤلفين: 2/ 64. 6 21 سورة الأنبياء، الآية: 15. موطن الشاهد: {مَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ} . وجه الاستشهاد: جوز الزجاج كون "تلك" الاسم، و"دعواهم" الخبر؛ أو العكس، كما في المتن؛ وهنا، لم يبالوا بالتباس الاسم بالخبر. 7 قال المرادي تعليقا على كلام ابن الحاج الذي استدل بقول الزجاج بجواز اعتبار تلك الاسم ودعواهم الخبر؛ أو العكس: بأنه يجوز قياسا على الآية الحكم على الفاعل والمفعول من حيث التقديم والتأخير: "ولا يلزم من إجازة الزجاج الوجهين في الآية جواز مثل ذلك في ضرب موسى عيسى؛ لأن التباس الفاعل بالمفعول، ليس كالتباس اسم "زال" بخبرها وذلك واضح. انظر شرح التصريح: 1/ 282. وحاشية الصبان: 2/ 56. وابن عقيل: 1/ 381.

الثانية: أن يحصر المفعول بإنما، نحو: "إنما ضرب زيد عمرا"1 وكذا الحصر بإلا عند الجزولي وجماعة وأجاز البصريون والكسائي والفراء وابن الأنباري2 تقديمه على الفاعل3، كقوله4: [الطويل] 216- ولما أبى إلا جماحا فؤاده5

_ 1 فيجب تقديم الفاعل على المفعول في هذه الصورة؛ لأنه لو أخر انقلب المعنى. 2 هو الإمام: أبو بكر؛ محمد بن القاسم الأنباري، النحوي اللغوي، ولد سنة 271 هـ، كان أعلم الناس بالنحو والأدب، وأكثرهم حفظا، قيل إنه حفظ ثلاثمائة ألف بيت شاهدا في القرآن وكان يملي من حفظه لا من كتاب، وكان مع هذا ثقة دينا ورعا، أخذ عن ثعلب، وروى عنه الدارقطني وجماعة، له تصانيف مفيدة منها: كتاب الزاهر في اللغة، وكتاب هاءات القرآن وكتاب الأمالي، وكتاب غريب الحديث، والإنصاف وغيرها كثير. مات ببغداد وله 67 سنة وذلك سنة 328 هـ البلغة: 245، بغية الوعاة: 1/ 212، إنباه الرواة: 3/ 201، وفيات الأعيان: 1/ 502، الأعلام: 7/ 226. 3 أي تقديم المفعول المحصور بإلا على الفاعل بشرط أن يتقدم معه "إلا". 4 القائل هو دعبل الخزاعي: أبو علي ابن علي بن رزين، وقيل اسمه الحسن ولقبه دعبل؛ شاعر إسلامي جيد الشعر، عاصر خلفاء بني العباس؛ ومنهم المعتصم الذي هجاه؛ فطلبه لكن دعبلا هرب واستتر، وكان دعبل يجالس أبا نواس وأبا الشيص. الشعر والشعراء: 2/ 489، الأغاني: 18/ 29، ابن خلكان: 1/ 178، تاريخ بغداد: 8/ 382. 5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: ولم يسلُ عن ليلى بمال ولا أهل وذكر العيني بعده قوله: تسلى بأخرى غيرها فإذا التي ... تسلى بها تغري بليلى ولا تسلي =

وقوله1: [الطويل] 217- فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها2

_ = والبيت للتمثيل؛ لأن دعبلا ممن لا يحتج بقولهم على قواعد النحو والتصريف؛ والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 282، والأشموني: "374/ 177"، وهمع الهوامع: 1/ 161، والدرر اللوامع: 1/ 143، والعيني: 2/ 480، والمصون لأبي أحمد العسكري: 249، وديوان دعبل: 183. المفردات الغريبة: أبى: امتنع. جماحا: مصدر جمح الفرس -إذا أسرف إسراعا لا يرده شيء. والجموح من الرجال: الذي يركب هواه ولا يمكن ردعه. لم يسلُ: مضارع سلا: بمعنى صبر وتعزى. المعنى: إن هذا المبحب حين تعلق بليلى، وهام بها، ولم يصرفه عن التمادي في هواه زينة الدنيا من المال، والأهل -أراد أن يتسلى بغيرها، فلم يغنه ذلك، بل زادته الأخرى إغراء بليلى وتعلقا بها. الإعراب: أبى: فعل ماضٍٍ. إلا: أداة حصر. جماحا: مفعول به لـ "أبى". فؤاده: فاعل مرفوع، ومضاف إليه. ولم يسلُ: الواو عاطفة، لم: جازمة نافية. يسل: فعل مضارع مجزوم بلم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة والفاعل هو: "عن ليلى": متعلق بـ "يسل". "بمال": متعلق بـ "يسل" أيضا. ولا أهل: معطوف على مال. موطن الشاهد: "أبى إلا جماحا فؤاده". وجه الاستشهاد: تقديم المفعول المحصور بـ "إلا" وهو "جماحا" على الفاعل "فؤاده"؛ وهذا التقديم جائز؛ وقد استدل بهذا الشاهد جمهور البصريين، والفراء، وابن الأنباري، والكسائي، فقالوا: يجوز أن يتقدم المفعول المحصور بـ "إلا" على الفاعل؛ لأن المفعول -وإن تقدم- فهو في منزلة التأخير؛ وأكثر هؤلاء، لا يجيزون تقديم الفاعل المحصور بـ "إلا"؛ لانتفاء العلة التي أجازوا من أجلها تقديم المفعول المحصور بها؛ وهؤلاء فرقوا بين الحصر بـ "إلا" والحصر بـ "إنما"؛ فأجازوا تقديم المفعول المحصور بـ "إلا" لانتفاء اللبس، ولم يجيزوا تقديم المحصور بـ "إنما"؛ لأنه لم يَقُمْ دليل على أن المحصور هو تاليها؛ هذا، وقد أوجب الجزولي وعدد من المتأخرين تأخير المفعول المحصور بـ "إلا" والصواب ما ذكرناه. انظر شرح التصريح: 1/ 282. وابن عقيل: 1/ 382. 1 هو: مجنون بن عامر قيس بن الملوح، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: تزودت من ليلى بتكليم ساعة =

وقوله1: [الطويل] 218- وتغرس إلا في منابتها النخل2

_ = وهو من شواهد التصريح: 1/ 282، والأشموني: "373/ 1/ 177"، وابن عقيل: "148/ 2/ 103"، والهمع: "1/ 161، 230، والدرر: 1/ 143، 195، والعيني: 2/ 481، ونحوه لذي الرمة في ديوانه: 637. المفردات الغريبة: تزودت: اتخذت زادا، والزاد: طعام يُتَّخَذُ للسفر. المعنى: اتخذت من تكليم ليلى ساعة زادا أتبلغ به وأطفئ جذوة حبي لها؛ فلم يفدني ذلك، ولم يشف غلتي، بل زاد كلامها ما بي من وجد ولوعة. الإعراب: تزودت: فعل ماضٍ، وفاعل. "من ليلى": متعلق بـ "تزود". "بتكليم": متعلق بـ "تزود". ساعة: مضاف إليه. فما: الفاء عاطفة، ما: نافية. زاد: فعل ماضٍٍ. إلا: أداة حصر. ضعف: مفعول به مقدم. ما: اسم موصول، مضاف إليه، "بي": متعلق بمحذوف الصلة؛ والتقدير: ما ثبت بي، ونحو ذلك. كلامها: فاعل مؤخر و"ها": مضاف إليه. موطن الشاهد: "فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها". وجه الاستشهاد: تقدم المفعول به "ضعف" المحصور بـ "إلا" على الفاعل "كلامها"؛ وهذا جائز عند الكسائي؛ والأصل: فما زاد كلامها إلا ضعف ما بي. 1 القائل هو: زهير بن أبي سلمى المزني، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: وهل ينبت الخطي إلا وشيجه والبيت في مدح هرم بن سنان بن أبي حارثة، والحارث بن عوف بن أبي حارثة المريين بالكرم وشرف العنصر وهو من شواهد: التصريح: 1/ 282، والعيني: 2/ 482، وديوان زهير بن أبي سلمى: 115. وقبل البيت الشاهد قوله: فما كان من خير أتوه فإنما ... توارثه آباء آبائهم قبل المفردات الغريبة: الخطي: الرمح المنسوب إلى الخط، والخط: جزيرة ترفأ إليها سفن الرماح بالبحرين. وشيجه: جمع وشيجة، وهي العروق الملتفة من شجر الرماح. المعنى: إن الرماح المشهورة بالجودة والصلابة، لا تتخذ إلا من شجرها الأصيل، ولا ينبت النخل إلا في المواطن الصالحة لإنمائه؛ والمراد: أن الكريم لا يأتي إلا من عنصر كريم. =

[توسط المفعول جوازا] : وأما توسط المفعول جوازا فنحو: {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ} 1، وقولك: "خاف ربه عمر" وقال2: [البسيط] 219- كما أتى رَبَّهُ موسى على قدر3

_ = الإعراب: هل: حرف استفهام يفيد الإنكار، جاء بمعنى النفي. ينبت: فعل مضارع مرفوع. الخطي: مفعول به مقدم منصوب. إلا: أداة حصر. وشيجه: فاعل مرفوع، والهاء: مضاف إليه. وتغرس: الواو عاطفة، تغرس: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع. إلا: أداة حصر. "في منابتها": متعلق بـ "تغرس". النخل: نائب فاعل مرفوع. موطن الشاهد: "تغرس إلا في منابتها النخل". وجه الاستشهاد: تقدم الجار والمجرور "في منابتها" على نائب الفاعل "النخل"؛ على الرغم من أن "الجار والمجرور" أتى محصورا بـ "إلا"؛ ولما كان الجار والمجرور بمنزلة المفعول، وكان نائب الفاعل بمنزلة الفاعل، جاز الاستدلال بهذا الشاهد على جواز تقديم المفعول المحصور بـ "إلا" على الفاعل، كما أسلفنا من قبل. 1 "54" سورة القمر، الآية: 41. موطن الشاهد: {جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ} . وجه الاستشهاد: توسط المفعول به "آل" بين الفعل والفاعل؛ وحكم هذا التوسط الجواز؛ لامتناع اللبس. 2 هو: جرير بن عطية، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: جاء الخلافة أو كانت له قدرا والبيت من كلمة لجرير يمدح فيها الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز. وهو من شواهد التصريح: 1/ 283، والأشموني: "375/ 1/ 178"، وابن عقيل: "296/ 3/ 233"، وأمالي ابن الشجري: 2/ 317، والعيني: 2/ 485، 4/ 145، والهمع: 2/ 134، والدرر: 2/ 181، ومغني اللبيب: "95/ 89" وشرح السيوطي: 70. المفردات الغريبة: قدرا: أي مقدرة في الأزل. على قدر أي على تقدير من الله. المعنى: تولي عمر منصب الخلافة كان بتقدير الله تعالى؛ فانتشل المسلمين من الظلم، وأقام بينهم صرح العدل؛ كما أن موسى عليه السلام -أتى ربه وكلمه بقضائه =

[وجوب توسط المفعول بين الفعل والفاعل] : وأما وجوبه ففي مسألتين: إحداهما: أن يتصل بالفاعل ضمير المفعول نحو: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} 1

_ = وقدره؛ فأبان للخلق طريق الحق؛ ولعله يشير إلى الآية الكريمة: {ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوْسَى} . الإعراب: جاء: فعل ماضٍ، والفاعل: هو؛ يعود إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. الخلافة: مفعول به. أو: حرف عطف بمعنى الواو؛ ويروى مكانها "إذ". كانت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: للتأنيث، واسمه: هي، يعود إلى الخلافة. "له": متعلق بـ "قدرا". قدرا: خبر كانت منصوب. كما: الكاف حرف جر، "ما": مصدرية. أتى: فعل ماضٍ. ربه: مفعول به مقدم لـ "أتى" ومضاف إليه؛ والمصدر المؤول من "ما وما دخلت عليه": في محل جر بالكاف؛ و"الجار والمجرور": متعلق بمحذوف صفة لموصوف محذوف؛ واقع مفعولا مطلقا لـ "جاء"؛ والتقدير: جاء الخلافة إتيانا مثل إتيان موسى. موسى: فاعل مؤخر لـ "أتى". "على قدر": متعلق بـ "أتى". موطن الشاهد: "أتى ربَّهُ مُوسى". وجه الاستشهاد: تقدم المفعول به "ربه" على الفاعل "موسى" وقد أعاد الضمير المتصل بالمفعول المتقدم على الفاعل المتأخر لفظا؛ وهذا شائع في كلام العرب؛ لأن الضمير عاد على متأخر لفظا، ولكنه متقدم رتبة، ويسمى هذا بالمتقدم حُكْمًا وإلى هذا أشار الناظم: وشاع نحو "خاف ربَّه عُمَرْ ... وشذ نحو "زان نورُه الشَّجَرْ أي: شاع في الأساليب العربية عود الضمير من المفعول المتقدم على فاعله المتأخر، نحو: خاف ربَّه عمر؛ وشذ عود الضمير من الفاعل المتقدم على مفعوله المتأخر، نحو: زان نوره الشجر؛ لأنه يكون عائدا على متأخر لفظا ورتبة، وهذا ممتنع، لا يقاس عليه. خلافا للأخفش وابن جني وغيرهما، كما في المتن. انظر شرح التصريح: 1/ 283. 1 "2" سورة البقرة، الآية: 124. موطن الشاهد: {ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} . وجه الاستشهاد: "تقدم المفعول به على الفاعل؛ لِاتصال ضمير يعود إلى المفعول بالفاعل؛ وحكم تقدم المفعول في هذه الحالة الوجوب؛ لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة.

{يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ} 1، ولا يجوز أكثر النحويين نحو: "زان نوره الشجر" لا في نثر ولا في شعر، وأجازه فيهما الأخفش وابن جني2 والطوال3 وابن مالك، احتجاجا بنحو قوله4: [الطويل] 220- جزى ربُّه عني عديَّ بن حاتِمِ5 والصحيح جوازه في الشعر فقط.

_ 1 "40" سورة غافر، الآية: 52. موطن الشاهد: {لَا يَنْفَع ُالظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ} . وجه الاستشهاد: تقدم المفعول "الظالمين" على الفاعل معذرتهم؛ لِاتصال ضمير يعود إلى المفعول بالفاعل، كما في الآية السابقة؛ والحكم نفسه أيضا. 2 مرت ترجمة كل منهما. 3 هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله الطوال النحوي، من أهل الكوفة، وأحد أصحاب الكسائي والفراء، حدث عن الأصمعي، وقدم بغداد وقرأ فيها، وكان حاذقا بارعا في إلقاء المسائل العربية، ولم يشتهر له تصانيف. مات سنة: 343 هـ. الأعلام: 7/ 93، معجم المؤلفين 10/ 231، في البلغة: محمد بن عبد الله بن قادم؛ البلغة: 227، بغية الوعاة: 1/ 140، إنباه الرواة: 3/ 156 وله هنا كتاب: الملوك، وكتاب غريب الحديث، وترجم له باسم: محمد بن قادم ص244. 4 القائل هو: أبو الأسود الدؤلي: ظالم بن عمرو بن سفيان الديلي "يقال الدؤلي" قبيلة من كنانة بصري، وأحد سادات التابعين، صحب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وشهد معه صفين يشهد له بسداد عقله وحسن رأيه، وهو أول من وضع علم النحو، وكان ورعا ديِّنًا يغزو عاما، ويحج عاما، وهو يعد من الشعراء والتابعين والمحدثين والنحاة، مات سنة 99 هـ وله 85 عاما. الشعر والشعراء: 2/ 729، وفيات الأعيان: 2/ 535، تهذيب ابن عساكر: 7/ 104، الخزانة: 1/ 134. 5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: جزاء الكلاب العاويات، وقد فَعَلْ وهو في هجاء عدي بن حاتم الطائي. وهو من شواهد: التصريح: 1/ 283، والأشموني: "380/ 1/ 178"، وابن عقيل: "152/ 2/ 108"، والأغاني: 11/ 111، والخصائص: 1/ 294، والعيني: 2/ 483، والهمع: 1/ 66، والدرر: 1/ 44، والعمدة: 1/ 94، وأمالي ابن الشجري: 1/ 102، وشرح المفصل: 1/ 76، والخزانة: 1/ 134، وجمل الزجاجي: 131، وشذور=

.........................................................................

_ = الذهب "66/ 186"، وديوان النابغة "مفردا": 79، وملحقات ديوان أبي الأسود: 124. المفردات الغريبة: العاويات: الصائحات، من عوى الكلب إذا صاح. وقد فعل: أي أنه سبحانه وتعالى استجاب دعاءه، وجزاء الكلاب العاويات -ويروى العاديات- هو: الضرب والرمي بالحجارة، وقيل إنه دعاء عليه بالأبنة؛ لأن الكلاب تتعاوى عند طلب السفاد؛ هذا وإن عده العلماء من الكنايات الجميلة من الهجاء؛ إلا أن عدي بن حاتم صحابي جليل لا يقال فيه مثل ذلك الهجاء، وإن صح فلعله كان في زمن الجاهلية قبل أن يسلم. المعنى: الإعراب: جزى: فعل ماضٍ. ربه: فاعل مرفوع، ومضاف إليه. "عني": متعلق بـ "جزى". عدي: مفعول به لـ "جزى". ابن: صفة لـ "عدي"، وهو مضاف. حاتم: مضاف إليه. جزاء: مفعول مطلق من "جزى"، وهو مضاف. الكلاب: مضاف إليه. العاويات: صفة لـ "الكلاب". وقد الواو حالية. قد حرف تحقيق. فعل: فعل ماضٍ، وسكن للروي؛ والفاعل: هو؛ وجملة "فعل": في محل نصب على الحال. موطن الشاهد: "جزى ربُّه عديَّ". وجه الاستشهاد: اشتمال الفاعل المتقدم "ربه" على ضمير يعود إلى المفعول المتأخر لفظا ورتبة؛ وحكم تقدم الفاعل في هذه الحالة الشذوذ عند الجمهور، ولهذا أشار الناظم: وشذ نحو "وزان نوره الشجر" كما أسفلنا. غير أن بعض النحاة يجيزون ذلك في الشعر من دون النثر، وهذا ما أخذ به ابن هشام الأنصاري؛ وبعضهم أجاز ذلك في الشعر والنثر، وقد ذكر المؤلف في المتن عددا منهم؛ والصواب ما ذهب إليه ابن هشام، وهو جواز تقدم الفاعل على المفعول في هذه الحالة في الشعر فقط؛ لكثرة الشواهد الواردة عمن يُحتَجُّ بكلامهم، ومنها؛ قول حسان بن ثابت رضي الله عنه: ولو أن مجدًا أخلد الدهر واحدا ... من الناس أبقى مجدُهُ الدهر مطعما وقوله الآخر: وما نفعت أعماله المرء راجيا ... عليها ثوابا من سوى من له الأمر وقول سليط بن سعد: جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر ... وحسن فِعْلٍ؛ كما يُجزَى سِنِمَّارُ وقول آخر: كساحلمه ذا الحلم أثواب سؤدد ... ورقى نداه ذا الندى في ذرى المجد والأمثلة على هذا كثيرة؛ ومعلوم أن ما جاء منه في الشعر، يكون ضرورة، فلها يقاس عليه. انظر شرح التصريح: 1/ 283. وحاشية الصبان: 2/ 59. وابن عقيل: 1/ 286-390.

والثانية: أن يحصر الفاعل بإنما، نحو: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} 1 وكذا الحصر بإلا عند غير الكسائي2، واحتج بقوله3: [البسيط] 221- ما عاب إلا لئيم فعل ذي كرم ... ولا جفا قط إلا جبا بطلا4

_ 1 "35" سورة فاطر، الآية: 28. موطن الشاهد: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} . وجه الاستشهاد: تقدم المفعول به الواقع لفظ جلالة في الآية الكريمة على الفاعل "العلماء" وحكم تقدمه الوجوب؛ لانحصار الفاعل بـ "إنما"؛ لأن المعنى: ما يخشى الله من عباده إلا العلماء. 2 مرت ترجمته. 3 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 4 تخريج الشاهد: البيت من شواهد التصريح: 1/ 284، والأشموني: "372/ 1/ 177"، والهمع: 1/ 161، والدرر: 1/ 143، والعيني: 2/ 487. المفردات الغريبة: عاب: من العيب، وهو أن تذكر المتكلم فيه بالذم والثلب. لئيم: المراد به الشحيح البخيل؛ بدليل مقابلته بذي الكرم. جفا: من الجفاء. وهو البعد وعدم الصلة. جبأ: جبان. بطلا: شجاعا. المعنى: لا يعيب عمل الكرام إلا الأشحاء اللئام، ولا يبتعد عن الأبطال الشجعان إلا الجبناء؛ لأنه لا تآلف بين أصحاب الصفات المتنافرة. الإعراب: ما: نافية. عاب: فعل ماضٍ. إلا: أداة حصر. لئيم: فاعل مرفوع. فعل: مفعول به. ذي: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف. كرم: مضاف إليه. ولا: الواو عاطفة، لا: زائدة لتأكيد النفي. جفا: فعل ماضٍ. "قط": متعلق بـ "جفا"؛ ظرف زمان مبني على الضم في محل نصب. إلا: أداة حصر. جبا: فاعل "جفا" مرفوع. بطلا: مفعول به لـ "جفا" منصوب. موطن الشاهد: "ما عاب إلا لئيم فعل ذي كرم، ولا جفا إلا جبأ بطلا". وجه الاستشهاد: "تقدم الفاعل المحصور بـ "إلا" في الموضعين؛ وهذا التقدم ممنوع عند الجمهور؛ فهم لا يجوزون تقديم المحصور بـ "إلا" إلا إذا كان مفعول، كما بينا سابقا؛ ويعربون فعل "لئيم" و"بطلا" في هذا الشاهد: مفعولا به لمحذوف يدل عليه المذكور؛ غير أن الكسائي أجاز تقدم الفاعل المحصور واحتج بهذا الشاهد وأمثاله.

وقوله1: [البسيط] 222- وهل يعذِّبُ إِلَّا اللهُ بالنارِ2

_ 1 القائل: هو يزيد بن الطثرية القشيري؛ والطثرية أُمُّهُ، واسم أبيه سلمة بن سمرة بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، ويزيد شاعر أموي مقدم عندهم، يعرف بأنه كامل الأدب، وافر المروءة لا يعاب ولا يطعن عليه؛ كان سخيا شجاعا؛ له محل في قومه، مع فصاحة وتعقل. الشعر والشعراء: 1/ 427، والأغاني: 7/ 104، وابن خلكان: 2/ 395، واللآلى: 103. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: نبئتهم عذبوا بالنار جارتهم وروى أبو الفرج الأصبهاني قبله: يا سخنة العين للجرمي إذ جمعت ... بيني وبين نوار وحشة الدار والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 284، والعيني: 2/ 492. المفردات الغريبة: نبئت: أخبرت. جارهم: الجار: من يجاورك في المسكن، أو من أجرته واستجار بك من ظلم. المعنى: أخبرت وأعلمت أن هؤلاء الناس يعذبون جيرانهم؛ أو من استجار بهم بالنار، وذلك بدل من أن يغيثوه ويكرموه؛ وهذا عمل شائن؛ لأنه لا يعذب بالنار إلا الله تعالى. الإعراب: نبئتهم: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء: نائب فاعل؛ وهي المفعول الأول. و"هم": ضمير متصل في محل نصب مفعول به ثانيا. عذبوا: فعل ماضٍ وفاعل. "بالنار": متعلق بـ "عذبوا". جارهم: مفعول به، ومضاف إليه؛ وجملة "عذبوا": في محل نصب مفعول به ثالثا لـ "نبأ". وهل: الواو عاطفة، هل: حرف استفهام يفيد الإنكار بمعنى "ما". يعذب: فعل مضارع. إلا: أداة حصر. الله: فاعل مرفوع. "بالنار": متعلق بـ "يعذب. موطن الشاهد: "هل يعذب إلا الله بالنار". وجه الاستشهاد: "تقدم الفاعل المحصور بـ "إلا"؛ وهو لفظ الجلالة على الجار والمجرور "بالنار" ومعلوم أن الجار والمجرور بمنزلة المفعول؛ وهذا، كما في الشاهد السابق حجة للكسائي، وممنوع لدى الجمهور؛ فهم يقولون: إن قوله "بالنار" متعلق بفعل محذوف، يدل عليه المذكور -كما سبق- والتقدير: لا يعذب إلا الله يعذب بالنار؛ وظاهر أن هذا تكلف لا داعي له؛ والأفضل ما ذهب إليه الكسائي.

وقوله1: [الطويل] 223- فلمْ يَدْرِ إلا الله ما هَيَّجَتْ لَنَا2

_ 1 القائل: هو: غيلان بن عقبة، المعروف بذي الرمة وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: عشيةَ آناءُ الديارِ وشامُهَا وهو من قصيدة طويلة لذي الرمة وأولها قوله: مررنا على دار لمية مرة ... وجاراتها قد كاد يعفو مقامها والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 284، والأشموني: "371/ 1/ 177"، وابن عقيل: "147/ 2/ 101"، وهمع الهوامع: 1/ 161، والدرر اللوامع: 1/ 143، والمقرب: 5، والعيني: 2/ 493، وديوان ذي الرمة: 636 وفيه برواية: أهلَّةَ آناء الديار وشامها المفردات الغريبة: هيجت: أثارت، آناء، ويروى أناء: جمع نؤي، وهو الحفيرة التي تحفر حول الخباء لتمنع عنه المطر. شامها؛ الشام: جمع شامة وهي العلامة. المعنى: لا يعلم إلا الله تعالى ما أثارته في نفوسنا آثار ديار المحبوبة ورسومها من الشوق واللوعة والحنين إليها. الإعراب: لم: جازمة نافية. يدر: فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة. إلا: أداة حصر. الله "لفظ الجلالة": فاعل مرفوع. ما: اسم موصول، مفعول به صلة للموصول، لا محل لها؛ والعائد إلى الاسم الموصول محذوف؛ والتقدير: ما هجيته لنا. "عشية": متعلق بـ "هيج"؛ وعشية، منون حذف تنوينه للضرورة. آناء: فاعل مرفوع؛ وقد وصل فيه همزة القطع، وآناء: مضاف. والديار: مضاف إليه. وشامها: الواو عاطفة، شامها: معطوف على آناء، و"ها": مضاف إليه. موطن الشاهد: "لم يدر إلا الله ما هيجت". وجه الاستشهاد: تقدم الفاعل المحصور بـ "إلا" على المفعول؛ وهذا الشاهد كسابقيه حجة للكسائي، ومنعه الجمهور، وأعربوا "ما" اسما موصولا واقعا مفعولا به لمحذوف دل عليه المذكور، والتقدير: فلم يدر إلا الله درى ما هيجت لنا؛ وفي هذا التقدير تكلف لا داعي إليه، كما أسلفنا.

[جواز تقدم المفعولين على الفعل والفاعل معا] : وأما تقدم المفعول جوازا فنحو: {فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} 1. [تقدم المفعول على الفعل والفاعل وجوبا] : وأما وجوبا ففي مسألتين: إحداهما: أن يكون مما له الصدر2، نحو: {فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ} 3، {أَيًّا مَا تَدْعُوا} 4. الثانية: أن يقع عامله بعد الفاء5، وليس له منصوب غيره مقدم عليها، نحو:

_ 1 "2" سورة البقرة، الآية: 87. موطن الشاهد: {فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} . وجه الاستشهاد: تقدم المفعول به "فريقا" في الموضعين على الفعلين وفاعليهما معا؛ وحكم هذا التقدم الجواز. 2 أي اسما له الصدر في جملته؛ كأن يكون اسم استفهام، أو اسم شرط، وكذلك إذا كان مضافا لاسم له الصدارة، نحو: صديق من قابلت؟ وصاحب أي صديق تكرم أكرم. 3 "40" سورة غافر، الآية: 81. موطن الشاهد: "أي آيات الله تنكرون". وجه الاستشهاد: "تقدم المفعول به الواقع اسم استفهام على الفعل والفاعل معا؛ وحكم هذا التقدم الوجوب؛ لأن أسماء الاستفهام لها الصدارة في الكلام. 4 "17" سورة الإسراء، الآية: 110. موطن الشاهد: {أَيًّا مَا تَدْعُوا} . وجه الاستشهاد: تقدم المفعول به الواقع اسم شرط جازم، وهو "أيا" على الفعل والفاعل معا؛ وحكم هذا التقدم الوجوب؛ لأن أسماء الشرط، لها الصدارة في الكلام. 5 أي فاء الجزاء، وذلك في جواب "أما" الظاهرة أو المقدرة؛ ويشترط ألا يفصل بين أما والفاء بشيء آخر.

{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} 1، ونحو: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} 2 بخلاف: "أما اليوم فاضرب زيدا"3. تنبيه: إذا كان الفاعل والمفعول ضميرين ولا حصر في أحدهما وجب تقديم الفاعل كضربته، وإذا كان المضمر أحدهما: فإن كان مفعولا وجب وصله وتأخير الفاعل كضربني زيد، وإن كان فاعلا وجب وصله وتأخير المفعول أو تقديمه على الفعل كضربت زيدا، وزيدا ضربت، وكلام الناظم يوهم امتناع التقديم؛ لأنه سوى بين هذه المسألة ومسألة: "ضرب موسى عيسى" والصواب ما ذكرنا4.

_ 1 "74" سورة المدثر، الآية: 3. موطن الشاهد: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} . وجه الاستشهاد: "تقدم المفعول به على عامله "كبر"؛ لوقوع العامل بعد الفاء، وحكم تقدم المفعول هنا الوجوب؛ ولا بد من تقدير "أما" في الآية؛ لأن المعنى: وأما ربك فكبر. 2 "93" سورة الضحى، الآية: 9. موطن الشاهد: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تقهر} . وجه الاستشهاد: تقدم المفعول "اليتيم" على فعل تقهر؛ وحكم هذا التقدم الوجوب؛ لِيكون فاصلا بين أما والفعل؛ لأن الفعل -وخاصة المقرون بفاء الجزاء- لا يلي "أما" ولا يقال: إن ما بعد فاء الجزاء، لا يعمل فيما قبلها، فكيف عملت هنا؟ فالجواب: ذلك ممنوع، إذا كانت الفاء في موضعها الأصلي، وهي هنا مؤخرة من تقديم. فكان من حقها أن تدخل على المفعول المتقدم. انظر شرح التصريح: 1/ 285. 3 لا يجب تقديم المفعول هنا؛ لأن العامل؛ وهو فعل الأمر، له منصوبان، وهما الظرف والمفعول به؛ فتقدم الظرف، وحصل الفصل به بين الفعل و"أمَّا" فاستغنى عن تقديم المفعول. انظر شرح التصريح: 1/ 285. 4 أي: من جواز نحو: زيدا ضربت؛ لعدم اللبس، وامتناع نحو: عيسى ضرب موسى؛ لئلا يتوهم أن "عيسى" مبتدأ و"ضرب" وضميره خبر، وموسى مفعول. هذا ويمتنع تقديم المفعول على عامله: إذا كان مفعولا "لأفعل" في التعجب نحو: ما أجمل الصدق. أو مفعولا لفعل مؤكد بالنون، نحو: خالفنَّ هواك. أو كان عامله مسبوقا بقد أو سوف، نحو: "قد يدرك المتأني بعض حاجته" سوف أعمل الخير ما استطعت =

.........................................................................

_ = أو بلفظ "لقما" أو "ربما" وغير ذلك من المواضع. والخلاصة فيما تقدم: 1- يجب تقديم الفاعل على المفعول في ثلاث مسائل: أ- أن يخشى اللبس بينهما. ب- أن يكون المفعول محصورا فيه. ج- أن يكون كل من الفاعل والمفعول ضميرين متصلين. 2- ويجب توسط المفعول في ثلاث مسائل أيضا: أ- أن يكون الفاعل ملتبسا بضمير المفعول. ب- وأن يكون الفاعل محصورا فيه. ج- أو أن يكون المفعول ضميرا متصلا والفاعل اسما ظاهرا. 3- ويجب تقديم المفعول على عامله في مسألتين: أ- أن يكون له صدر الكلام. ب- وأن يكون معمولا لما بعد الفاء بشرطه المتقدم. 4- ويجب تأخير الفاعل: إذا كان المفعول ضميرا متصلا، والفاعل اسما ظاهرا. ويلاحظ: أن المواضع التي يتقدم فيها الفاعل وجوبا هي عينها المواضع التي يتأخر فيها المفعول وجوبا. والمواضع التي يجب فيها تقديم المفعول على عامله هي المواضع التي يتأخر فيها الفاعل وجوبا ويمتنع تقديمه عليه. ولا يجوز تقديم الفاعل على عامله مطلقا. خاتمة: لا يجيز الجمهور عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة. وخالفهم الأخفش وابن مالك وغيرهما في ذلك. وهنالك مواضع يعود فيها الضمير على متأخر لفظا ورتبة؛ لحكمة بلاغية لا ينكرها الجميع، وهي: 1- الضمير المرفوع بنعم وبئس، نحو: نعم رجلا محمد. وبئس رجلا أبو جهل؛ بناء على أن المخصوص مبتدأ لخبر محذوف. أما على أنه مبتدأ وخبره الجملة قبله -فهو مما عاد فيه الضمير على متقدم رتبة. 2- الضمير المرفوع بأول المتنازعين المعتمل ثانيهما، نحو: جفوني ولم أجفُ الأخلاء. وسيأتي القول في ذلك، وخلاف البصريين والكوفيين فيه. 3- ضمير الشأن والقصة، كما تقدم في باب المبتدأ والخبر، نحو: قوله: {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} . 4- الضمير المجرور برب، نحو: ربه رجلا. ويجب أن يكون بعده نكرة تميزه وتفسره، وأن يكون هو مفردا مذكرا فيقال: ربه امرأة -لا ربها. 5- الضمير الواقع مبتدأ، والمخبر عنه باسم ظاهر يفسره -غير ضمير الشأن- نحو: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} ،=

.........................................................................

_ = والضمير فيه راجع إلى الموصوف، وهو الحياة بقطع النظر عن الصفة. 6- الضمير المبدل منه الظاهر المفسر له، نحو أكرمته محمدا. انظر شرح التصريح: 1/ 258-286، وحاشية الصبان: 2/ 60-61، وضياء السالك: 2/ 36. فائدة: هنالك أفعال لا تحتاج إلى فاعل مطلقا، منها: "كان" الزائدة مثل: الفقر -كان- مذلة. والفعل المؤكد لفعل قبله توكيدا لفظيا، نحو: ظهر الحق. والأفعال التي تتصل بها "ما" الكافة مثل: طالما، قلما، كثرما. وقد أشرنا سابقا إلى أن "ما". كافة عن العمل. وبعض المحققين يعرب "ما" مصدرية، والمصدر منها ومن صلتها في محل رفع فاعل؛ وذلك التزاما للأصل الذي يقضي بأن يكون لكل فعل أصلي فاعل. ففي مثل: طالما أديت الواجب، يكون التقدير: طال أداؤك الواجب وهكذا ... إلخ. ضياء السالك: 2/ 36.

باب النائب عن الفاعل

[باب النائب عن الفاعل] : هذا باب النائب عن الفاعل: [أسباب حذف الفاعل:] قد يحذف الفاعل؛ لِلجهل به1 كـ: "سرق المتاع" أو لغرض لفظي كتصحيح النظم في قوله2: [البسيط] 224- علقتها عرضا، وعلقت رجلا ... غيري، وعلق أخرى ذلك الرجل3

_ 1 أو بنية الإيجاز في العبارة، كقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} أو للماثلة بين حركات الحروف الأخيرة في السجع، نحو: "من طابت سريرته حمدت سيرته". أو للمحافظة على وزن الشعر في الكلام المنظوم نحو بيت الأعشى المستشهد به. 2 المراد الأعشى، ميمون بن قيس، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: البيت من لامية الأعشى والتي تعد من المعلقات عند من يزيدها على السبع، ومطلعها قوله: ودِّعْ هريرةَ؛ إن الركب مرتحلُ ... وهل تطيق وداعا أيها الرَّجُلُ؟ والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 286، والعيني: 2/ 504، وديوان الأعشى: 43. المفردات الغريبة: علقتها: أحببتها وتعلقت بها. عرضا: أي من غير قصد وتعمد، وقال ابن السكيت في قوله: علقتها عرضا: أي كانت عرضا من الأعراض اعترضني من غير أن أطلبه. المعنى: حبب الله إلي هريرة، وعلقت بها حين اعترضني من غير قصد ولا تعمد مني لرؤيتها، وحببها في رجل غيري، وحبب إلي ذلك الرجل امرأة أخرى؛ فكل تعلق قلبه بشخص لم يعبأ به، ولم يلتفت إليه. الإعراب: علقتها: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء: نائب فاعل وهو المفعول الأول، و"ها": مفعول به ثانٍ. عرضا: مفعول مطلق؛ لبيان نوع العامل. وعلقت: الواو عاطفة. علقت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء للتأنيث؛ ونائب الفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هي، يعود إلى هريرة؛ وهو المفعول الأول. رجلا: =

أو معنوي كأن لا يتعلق بذكره غرض، نحو: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} 1، {وَإِذَا حُيِّيتُمْ} 2، {إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا} 3. [ما ينوب عن الفاعل أحد أربعة أشياء] : فينوب عنه في رفعه، وعمديته، ووجوب التأخير عن فعله، واستحقاق للاتصال به، وتأنيث الفعل لتأنيثه، واحد من أربعة4:

_ = مفعول به ثان. غيري: صفة لـ "رجلا" ومضاف إليه. وعلق: الواو عاطفة، علق: فعل ماضٍ مبني للمجهول، أخرى: مفعول به مقدم. ذلك: "ذا" اسم إشارة في محل رفع نائب فاعل؛ وهو المفعول الأول، واللام: للبعد، والكاف: للخطاب. الرجل: بدل من اسم الإشارة. موطن الشاهد: "علقتها، علقت، علق". وجه الاستشهاد: بنى الشاعر الأفعال الثلاثة للمجهول، بعد أن حذف الفاعل للعلم به؛ وهو الله تعالى؛ وذلك لقصد تصحيح النظم؛ لأنه لو قال: علقني الله إياها، وعلقها رجلا غيري؛ وعلق الله أخرى ذلك الرجل، لطال الكلام، ولما استقام الوزن. 1 "2" سورة البقرة، الآية: 166. موطن الشاهد: {أُحْصِرْتُمْ} . وجه الاستشهاد: بني الفعل "أحصر" للمجهول، وحذف الفاعل لغرض معنوي؛ لأنه لا يتعلق بذكره غرض أو قصد؛ وليس الغاية من هذا الفعل إسناده إلى فاعل مخصوص؛ بل إلى أي فاعل كان. 2 "4" سورة النساء، الآية: 86. موطن الشاهد: {حُيِّيتُمْ} . وجه الاستشهاد: حذف الفاعل لغرض معنوي كما في الآية السابقة. 3 "58" سورة المجادلة، الآية: 11. موطن الشاهد: {قِيلَ} . وجه الاستشهاد: حذف الفاعل لغرض معنوي كما في الآيتين السابقتين. 4 يفهم من هذه العبارة أنه لا يجوز أن ينوب عن الفاعل اثنان أو أكثر؛ وذلك لأنه كما لا يكون للفعل إلا فاعل واحد، لا يكون للفعل المبني إلا نائب فاعل واحد. ومعلوم أن إسناد الفعل المبني للمجهول إلى نائب الفاعل؛ له صورتان: إحداهما: إسناده إلى المفعول الذي تحول إلى نائب فاعل، وهذه حقيقة عقلية كإسناد الفعل المبني للمعلوم إلى الفاعل. الثانية: إسناده إلى غير المفعول به كالظرف الزماني أو المكاني، والمصدر، والجار والمجرور فمجاز؛ لأنهم يعرفون الحقيقة الفعلية بأنها: "إسناد الفعل أو ما هو بمعناه إلى ما بني له"؛ ومعلوم أن الفعل المبني للمجهول إنما بني للمفعول كما أن الفعل المبني للمعلوم بني للفاعل، ولم يبن واحد منهما للزمان، أو للمكان، أو المصدر؛ لهذا كان إسناد المبني للمعلوم وإسناد المبني للمجهول إلى الزمان أو المكان أو المصدر مجازا عقليا. انظر حاشية الشيخ يس: 1/ 287.

الأول: المفعول به، نحو: {وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} 1. الثاني: المجرور، نحو: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ} 2، وقولك: "سِيرَ بِزيدٍ". وقال ابن درستويه3 والسهيلي4 وتلميذه الرندي5: النائب ضمير المصدر لا المجرور؛ لأنه لا يتبع على المحل بالرفع، ولأنه يقدم، نحو: {كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} 6، ولأنه إذا تقدم لم يكن مبتدأ، وكل شيء ينوب عن الفاعل فإنه إذا تقدم

_ 1 "11" سورة هود، الآية: 44. موطن الشاهد: {وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} . وجه الاستشهاد: حذف الفاعل وأنيب عنه المفعول به في الموضعين؛ لِلعلم به، والأصل: أغاض الله الماء، وقضى الله الأمر؛ فصار المفعول به مرفوعا عمدة واجب التأخير عن الفعل. 2 "7" سورة الأعراف، الآية: 149. موطن الشاهد: {سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ} . وجه الاستشهاد: استشهد الجمهور بالآية الكريمة على مجيء الجار والمجرور نائب فاعل؛ لأن المجرور بالحرف مفعول به معنى؛ ولذا تصح نيابته عن الفاعل خلافا لمن ذكرهم المؤلف في المتن. 3 مرت ترجمته. 4 مرت ترجمته. 5 هو: أبو علي عمر بن عبد المجيد الرندي -نسبة إلى رندة، حصن أو قرية في الأندلس- كان أستاذا في النحو، من تلاميذ السهيلي، قرأ عليه القراءات. له شرح على جمل الزجاجي، اسمه الفاخر ورَدَّ على ابن خروف منتصرا لشيخه السهيلي، وهو هو مقرئي كتاب سيبويه، مات سنة 610 هـ. البلغة: 172، بغية الوعاة: 2/ 220، طبقات القراء: 1/ 594، معجم المؤلفين: 7/ 295. 6 "17" سورة الإسراء، الآية: 36. موطن الشاهد: {عَنْهُ مَسْؤُولًا} . وجه الاستشهاد: استشهد المخالفون للجمهور بهذه الآية على عدم مجيء "الجار والمجرور" نائب فاعل؛ لأنه لو كان "عنه" نائب فاعل؛ لما تقدم على عامله "مسؤولا"؛ ومعلوم أن الفاعل لا يتقدم على عامله، فنائبه كذلك؛ لأنه لا يتقدم الفرع إلا حيث يتقدم الأصل.

كان مبتدأ، ولأن الفعل لا يؤنث له في نحو: "مُرَّ بِهِنْدٍ". ولنا قولهم: "سير بزيد سيرا" وأنه إنما يراعى محل يظهر في الفصيح، نحو: "لست بقائمٍ ولا قاعدًا" بخلاف نحو: "مررت بزيد الفاضلَ" بالنصب، أو: "مُرَّ بزيد الفاضلُ" بالرفع، فلا يجوزان؛ لأنه لا يجوز: "مررت زيدًا" ولا: "مُرَّ زيدٌ" والنائب في الآية ضمير راجع إلى ما رجع إليه اسم كان، وهو المكلف، وامتناع الابتداء؛ لعدم التجرد، وقد أجازوا النيابة في: "لم يضرب من أحد" مع امتناع: "من أحد لم يضرب" وقالوا في: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} 1: إن المجرور فاعل مع امتناع: "كَفَتْ بِهند"2.

_ 1 "4" سورة النساء، الآية: 79. موطن الشاهد: {كَفَى بِاللَّهِ} . وجه الاستشهاد: مجيء الفاعل "لفظ الجلالة" مجرورا بالباء الزائدة؛ لأن الأصل: كفى اللهُ شهيدًا. 2 هذا رد للشبهة الرابعة، وهي أن الفعل لا يؤنث للجار والمجرور كما في "مر بهند"، فقد امتنع أن يقال: "كفت بهند" بالتأنيث مع أن الفاعل في الآية مجرور بحرف جر زائد؛ فمن باب أولى إذا جر بحرف جر أصلي. ضياء السالك: 2/ 42، وشرح التصريح: 1/ 287-288. فائدة: احتج المانعون نيابة "الجار والمجرور" عن الفاعل بأربعة أدلة هي: أ- لو جاز للجار والمجرور أن يكون نائب فاعل؛ لجاز أن يجيء التابع للمجرور صفة، أو عطف بيان مرفوعا. ب- إن "الجار والمجرور" يتقدم على العامل الذي يتطلب نائب فاعل، كما في الآية الكريمة: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} ، ولو كان نائبا عن الفاعل، لما جاز له أن يتقدم على العامل فيه؛ كما أن الفاعل، لا يجوز أن يتقدم على الفعل والعامل فيه. ج- إن "الجار والمجرور" إذا تقدم على العامل، لا يصح جعله مبتدأ؛ فلما لم يصح جعله مبتدأ إذا تقدم، فلا يجوز أن يجعل نائبا عن الفاعل. د- إن الفعل لا يؤنث إذا كان المجرور مؤنثا نحو "مُرَّ بهند"، ولو كان الجار والمجرور ينوب عن الفاعل؛ لوجب تأنيث الفعل؛ لأن نائب الفاعل يأخذ حكم الفاعل في تذكير الفعل وتأنيثه.

الثالث: مصدر مختص1، نحو: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} 2، ويمتنع نحو: "سِيرَ سَيرٌ" لعدم الفائدة3، فامتناع سير4 على إضمار السير أحق5، خلافا لمن أجازه، وأما قوله6: [الطويل] 225- وقالت متى يُبْخَلْ عليك ويُعتَلَلْ7

_ 1 أي مفيد معنى زائدا على معناه المبهم؛ وهو الحدث المجرد؛ ليكون في الإسناد إليه فائدة، ويكون ذلك بتقييده بوصف أو إضافة أو عدد؛ وكالمصدر اسمه. ويشترط كذلك: أن يكون كل منهما متصرفا؛ أي لا يلازم النصب على المصدرية، كمعاذ وسبحان؛ لأن وقوع أحدهما نائب فاعل يخرجه عن النصب الواجب له. التصريح: 1/ 289. 2 "69" سورة الحاقة: 13. موطن الشاهد: {نَفْخَةٌ} . وجه الاستشهاد: "وقوع "نفخة" نائب فاعل، وهو مصدر متصرف مختص؛ فهو متصرف؛ لكونه مرفوعا، ومختصا؛ لكونه موصوفا بـ "واحدة"؛ وحكم مجيئه نائب فاعل في هذه الحال الجواز. 3 لأن معناه المبهم مستفاد من الفعل، فكأنه جاء لتأكيد معنى فعله، وذلك غير مقصود من الإسناد. 4 أي بالبناء للمجهول؛ على أن يكون نائب فاعله ضمير المصدر المستفاد من الفعل. والتقدير: سير هو -أي السير. 5 أي: أولى بالمنع؛ لأن ضمير المصدر أكثر إبهاما من الظاهر. أما على إضمار يعود على سير مخصوص مفهوم من غير العامل فجائز. 6 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته. 7 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: يسؤْكَ، وإن يكشف غرامَك تَدْرَبِ والبيت من القصيدة التي بارى فيها الشاعر علقمة الفحل، وتحاكما إلى أم جندب، فحكمت لعلقمة. وهو من شواهد: التصريح: 1/ 289، والأشموني: "385 ج1/ 182" ومغني اللبيب: "905/ 670" والعيني: 4/ 506، وديوان امرئ القيس: 42. =

فالمعنى: ويعتلل الاعتلال المعهود، أو اعتلال، ثم خصصه بعليك أخرى محذوفة للدليل، كما تحذف الصفات المخصصة1، وبذلك يوجه: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ} 2.

_ = المفردات الغريبة: يبخل عليك، المراد: أنهم لا ينيلونه ما يريد. يعتلل: يعتذر، والاعتلال: الاعتذار. يسؤك: يحزنك ويغضبك. غرامك، الغرام: شدة الحب. تدرب: تعتد، من الدرية وهي الاعتياد. المعنى: يتحدث الشاعر عن تلك المحبوبة التي قالت: إذا ضننت عليك بالوصل، وهجرتك، واعتذرت عن مقابلتك؛ أحزنك ذلك وأغضبك، وأن وصلتك؛ اعتدت ذلك وأكثرت منه؛ ولم تستطع الصبر، وربما علم الناس بذلك، فيفتضح أمرنا؛ فهي لا تقطع وصله لئلا ييأس، ولا تصله كثيرا؛ لئلا يعتاد الوصال، ويطلبه في كل حين. الإعراب: قالت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث؛ والفاعل: هي. متى: اسم شرط جازم. يبخل: فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم؛ لأنه فعل الشرط. "عليك": متعلق بـ "يبخل" في محل رفع نائب فاعل. ويعتلل: الواو عاطفة، يعتلل: فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم: لأنه معطوف على فعل "يبخل" المجزوم؛ نائب الفاعل: ضمير مستتر جوازا تقديره: هو؛ أو أن يكون نائب الفاعل مصدرا مشتقا من الفعل محلّىً بـ "أل" العهدية؛ كأن يقال: ويعتلل الاعتلال المعهود، يسؤك: فعل مضارع مجزوم؛ لأنه جواب الشرط، والفاعل: هو، و"الكاف": مفعول به. وإن: الواو عاطفة. إن: حرف شرط جازم. يكشف: فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم؛ لأنه فعل الشرط. غرامك: نائب فاعل، و"الكاف": مضاف إليه. تدرب: فعل مضارع مجزوم لوقوعه جوابا للشرط، والفاعل أنت. موطن الشاهد: "يعتلل". وجه الاستشهاد: مجيء نائب فاعل هذا الفاعل المبني للمجهول ضمير مصدر مختص بـ "أل" العهدية؛ أو بوصف محذوف مدلول عليه بالجار والمجرور -عليك- المذكور مع الفعل السابق -كما بين المؤلف في المتن- وليس الضمير عائدا على مصدر مبهم من الفعل؛ أي يعتلل اعتلال، كما يقول به جماعة من النحاة؛ لأن نيابة المصدر المبهم ممنوعة عند الجمهور. 1 أي للموصوفات إذا دل عليها دليل، نحو قوله تعالى: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} -أي نافعا- بدليل: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} . التصريح: 1/ 289. 2 "34" سورة سبأ، الآية: 54. موطن الشاهد: {حِيلَ بَيْنَهُمْ} . وجه الاستشهاد: مجيء نائب الفاعل ضميرا يعود إلى المصدر المقترن بـ "أل" العهدية؛ والتقدير: حيل هو؛ أي: الحول المعهود أو حول بينهم؛ وليس النائب الظرف؛ لأنه غير متصرف عند جمهور البصريين، وروي عن الأخفش أنه أجاز أن يكون الظرف في موضع رفع نائب فاعل، وانظر شرح التصريح: 1/ 290.

وقوله1: [الطويل] 226- فيا لك من ذي حاجة حيل دونها2

_ 1 هو: طرفة بن العبد البكري، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: وما كل ما يهوى امرؤ هو نائله وهو من شواهد: التصريح: 1/ 290، والأشموني: "386/ 1/ 183"، والعيني: 2/ 510، وديوان طرفة: 41. المفردات الغريبة: حيل: حجز ومنع، من الحيلولة. يهوى: يريد ويحب. نائله: مدركه وواصل إليه -من نال إذا أصاب. الإعراب: فيالك: الفاء عاطفة، يا: حرف تنبيه؛ أو حرف نداء، والمنادى محذوف، واللام للاستغاثة، والضمير في محل جر باللام، أو في محل نصب على النداء؛ ويأتي هذا الأسلوب مفيدا معنى التعجب أحيانا. "من ذي": متعلق بمحذوف؛ والتقدير: أستغيث بك من أجل ذي حاجة. حاجة: مضاف إليه. حيل: فعل ماضٍ مبني للمجهول، ونائب الفاعل: ضمير يعود إلى المصدر المعهود، أو الموصوف؛ والتقدير: حيل هو -أي الحول المعهود- أو حول موصوف بقوله: دونها. "دونها": متعلق بـ "حيل"، أو بمحذوف صفة للمصدر، أو حال من ضمير "حيل"، و"ها": مضاف إليه. وما: نافية. كل: اسم "ما" مرفوع. "ما" "الثانية": اسم موصول في محل جر بالإضافة. يهوى: فعل مضارع. امرؤ: فاعل مرفوع وجملة "يهوى امرؤ": صلة للموصول، لا محل لها؛ والعائد محذوف؛ والتقدير: يهواه. هو مبتدأ. نائله: خبر مرفوع، ومضاف إليه؛ وجملة "هو نائله": في محل نصب خبر "ما الحجازية". موطن الشاهد: "حيل دونها". وجه الاستشهاد: مجيء نائب الفاعل ضميرا عائدا إلى المصدر المقترن بأل العهدية؛ أو بموصوف بـ "دونها" وليس "دونها" نائب فاعل؛ لأن "دون" ظرف غير متصرف، لا يفارق النصب على الظرفية؛ وكذلك لا يجوز أن يكون ضميرا عائدا إلى مصدر مبهم من الفعل -أي حيل حول- خلافا لابن درستويه ومن تبعه؛ لأنه غير مختص.

وقوله1: [الطويل] 227- يغضي حياء ويغضى من مهابته2 ولا يقال النائب المجرور؛ لِكونه مفعولا له.

_ 1 هو: الفرزدق؛ همام بن غالب وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: فما يُكَلَّمُ إلا حين يَبْتسِمُ وهو من قصيدة يقولها الشاعر في زين العابدين؛ علي بن الحسين ابن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، ومطلع هذه القصيدة: هذا الذي تعرف البطحاءُ وطأته ... والبيت يعرفه والحلُّ والحرمُ هذا ابن خير عباد الله كلهمُ ... هذا التقيُّ النقيُّ الطاهرُ العَلَمُ والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 290، 2/ 10، والأشموني: "387/ 1/ 183" والأغاني: 14/ 75، والمؤتلف: 89، والحيوان: 3/ 133، وشرح المفصل: 2/ 353، والعيني: 2/ 543، 3/ 273، والمغني: "600/ 421"، والسيوطي: 249، وليس في ديوان الفرزدق ونسبه بعضهم إلى الحزين الكناني. المفردات الغريبة: يغضي: من الإغضاء، وهو تقارب بين جفني العين حتى يقربا من الانطباق. مهابته: هيبته وجلاله. يبتسم، الابتسامة: أول الضحك. المعنى: يصف الفرزدقُ زينَ العابدين بأنه رجل وقور شديد الحياء، يكاد يطبق جفنيه أمام محدِّثِهِ من الحياء، ويغمض الناس جفونهم أمامه من هيبته وجلاله، فلا يكلمه أحد إلا حين يبتسم. الإعراب: يغضي: فعل مضارع، والفاعل: هو؛ يعود إلى زيد العابدين. حياء: مفعول لأجله منصوب. ويغضى: الواو عاطفة. يغضى: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، ونائب الفاعل ضمير يعود إلى المصدر المعهود المفهوم من الفعل؛ أو الموصوف. فما الفاء تفريعية، وما: نافية. يُكَلَّم: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، ونائب الفاعل: هو. إلا: حرف استثناء ملغى؛ أو أداة حصر. "حين": متعلق بـ "يكلم". يبتسم: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هو؛ وجملة "يبتسم": في محل جر بالإضافة. موطن الشاهد: "يُغضَى من مهابته". وجه الاستشهاد: مجيء نائب الفاعل ضميرا مستترا، يعود إلى المصدر المعهود، أو الموصوف بوصف محذوف؛ والتقدير: يغضي الإغضاء المعهود؛ أو إغضاء حادث من مهابته؛ وليس قوله: "من مهابته" نائب الفاعل -كما يقول الأخفش- لأن "من" الجارة -هنا- تفيد التعليل؛ ويشترط في صحة نيابة الجار أن لا يكون للتعليل كما نعلم؛ وكذلك لا تجوز نيابة المفعول لأجله، ولا الحال، ولا التمييز؛ لأن كل واحد منها بمنزلة جواب عن سؤال مقدر؛ فكأنه من جملة أخرى غير الفاعل والفاعل؛ ومن هنا نعلم السبب الذي من أجله منعت نيابة الجار الذي يدل على التعليل؛ لأن مجروره مبني على سؤال مقدر وهذا تعليل النحاة؛ والعلة الحقيقية محاكاة العرب في كلامهم وأساليبهم.

الرابع: ظرف متصرف مختص1، نحو: "صيم رمضان" و: "جلس أمام الأمير" ويمتنع نيابة نحو عندك ومعك وثم؛ لِامتناع رفعهن، ونحو مكانا وزمانا إذا لم يقيدا2. [حكم إنابة غير المفعول مع وجوده] : ولا ينوب غير المفعول به مع وجوده3، وأجازه الكوفيون مطلقا4؛ لِقراءة

_ 1 الظرف الكامل التصرف هو: ما يفارق النصب على الظرفية، وشبهها وهو الجر بمن، ويتنقَّل بين حالات الإعراب المختلفة؛ من رفع إلى نصب وجر على حسب حالة الجملة؛ كيوم، وزمان، وقدام، وخلف ... إلخ، أما غير المتصرف مطلقا وهو: ما يخرج عن النصب على الظرفية وحدها مثل: قط، وعوض، وناقص التصرف، وهو ما يخرج عن النصب على الظرفية إلى الجر بمن، كـ "عند، ومع، وثم"، فلا يصلح كل منهما للنيابة عن الفعل؛ لأنه لا يفيد الفائدة المطلوبة من الإسناد، ولا يصلح إخراجه عن وضعه العربي. والمختص من الظرف: ما خصص بما يزيل عن معناه الإيهام؛ كأن يكون مضافا أو موصوفا، أو معرفا بالعلمية، نحو: اليوم جميل، أو غير ذلك مما يزيد معناه ويخرجه من الإيهام. التصريح: 1/ 290. 2 وذلك لعدم الفائدة، فإن قيدا بوصف يخصصهما، نحو: جُلس مكان حسن، وصيم زمان طويل جازت نيابتهما. 3 لأنه الأصل وغيره فرع عنه، فإذا وجد مع المفعول به مصدر، أو ظرف، أو جار ومجرور تعين المفعول به للنيابة؛ ما عدا المفعول المنصوب على نزع الخافض على الصحيح، فلا تجوز نيابته مع وجود المنصوب بنفس الفعل. 4 أي أن ينوب غير المفعول به مع وجوده، سواء تقدم النائب عن المفعول به أم تأخر عنه.

أبي جعفر1: {لِيُجْزَى قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} 2، والأخفش بشرط تقدم النائب3، كقوله4: [مشطور الرجز] 228- ما دام معنيا بذكرٍ قلبَهُ5

_ 1 هو: أبو جعفر؛ يزيد بن القعقاع المخزومي المدني، أحد أصحاب القراءات العشر كان تابعيا جليلا ثقة، وكان إمام أهل المدينة في القراءة، حتى سمي بالقارئ وإليه انتهت رياسة الإقراء بها، ولم يكن أحد أقرأ للسنة منه، توفي سنة: 130 هـ الأعلام "ط. الخامسة، دار الملايين": 8/ 186، وفيات الأعيان: 2/ 278، غاية النهاية: 2/ 382. 2 "45" سورة الجاثية، الآية: 14. أوجه القراءات: قرأ أبو جعفر وعاصم وشيبة "ليجزى قوما"، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي والأعمش "لنجزي قوما" وقرأ خلف ويحيى بن وثاب "ليجزي قوما". ورجح أبو عبيد قراءة "ليجزي"؛ لِيعود الضمير على الله عز وجل؛ وقراءة "ليُجزَى" بمعنى ليُجزَى الجزاء قوما؛ فأضمر الجزاء؛ ولو أظهره لم يجُزْ؛ فكيف وقد أضمره؟. انظر: إتحاف فضلاء، البشر: 3900، وإعراب القرآن للنحاس: "3/ 128، والنشر: 2/ 372". موطن الشاهد: "ليُجزَى قوما". وجه الاستشهاد: استدل الكوفيون بهذه الآية الكريمة على نيابة غيره؛ المفعول به عن الفاعل مع وجود المفعول به على قراءة أبي جعفر، وأما على القراءات الأخرى؛ فلا شاهد في الآية. 3 نحو "ضُرِب في داره محمدا"، فإن تقدم المفعول به تعين للنيابة. 4 لم ينسب هذا الرجز إلى قائل معين. 5 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز المشطور وصدره قوله: وإنما يُرضي المنيبُ رَبَّهُ وقبل الشاهد قوله: ليس مُنِيبًا امرؤ مُنَبَّهُ ... للصالحات، مُتَنَاسٍ ذَنْبَهُ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 291، والأشموني: "379/ 1/ 184" والعيني: 2/ 519، وقطر الندى: "77/ 255". المفردات الغريبة: المنيب: اسم فاعل، من أناب، إذا رجع؛ "والإنابة": الرجوع إلى الله تعالى بفعل الطاعات وترك المعاصي. معنيا: مهتما ومولعا، وهو اسم مفعول من عني، بالبناء للمجهول لزوما. =

وقوله1: [مشطور الرجز] 229- لم يُعْنَ بالعلياء إلا سيدا2

_ = المعنى: تصح توبة الإنسان، وينال عليها صاحبها الأجر والثواب ما دام قلبه متعلقا بذكر ربه -تبارك وتعالى- خائفا منه، نادما على ما بدر منه، مقلعا عن الذنوب والآثام. الإعراب: إنما كافة ومكفوفة تفيد الحصر. يرضي: فعل مضارع مرفوع. المنيب: فاعل مرفوع. ربه: مفعول به، والهاء: مضاف إليه. ما: مصدرية ظرفية، دام: فعل ماضٍ ناقص، واسمه يعود إلى المنيب. معنيا: خبر دام منصوب. "بذكر": في محل رفع نائب فاعل لـ "معنيا"؛ لأنه اسم مفعول. قلبه: مفعول به منصوب لـ "معنيا"، والهاء: مضاف إليه؛ و"ما المصدرية الظرفية مع ما دخلت عليه": في تأويل مصدر مجرور بإضافة اسم زمان مقدر يتعلق بـ "يرضي"؛ والتقدير: يرضي المنيب ربه مدة دوامه معنيا. موطن الشاهد: "معنيا بذكر قلبه". وجه الاستشهاد: إنابة الجار والمجرور "بذكر" عن الفاعل مع وجود المفعول به متأخرا "قلبه"؛ ودليل ذلك أن الشاعر أتى بـ "قلبه" منصوبا؛ ولو أنابه؛ لأتى به مرفوعا، وما يؤكد نصبه تماما مجيئه رويا في البيت؛ وأبيات القصيدة كلها منصوبة حرف الروي. 1 القائل هو: رؤبة بن العجاج، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت من الرجز المشطور، وبعده قوله: ولا شفى ذا الغي إلا ذو هدى وقبله قوله: وقد كفى من بدئه ما قد بدا ... وإن ثنى في العود كان أحمدا والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 291، والأشموني: "388/ 1/ 184"، وابن عقيل: "256/ 2/ 122"، وهمع الهوامع: "1/ 162، والدرر اللوامع: 144، وفيهما برواية "ولا جفا ذا ... " والعيني: 2/ 521، ملحقات ديوان رؤبة بن العجاج: 73. المفردات الغريبة: يُعْنَ: يهتم ويولع، وماضيه عني، بالبناء للمجهول دائما. العلياء: المنزلة الرفيعة. شفى: أبرأ، والمراد: هدَى مجازا. الغي: الضلال والجري مع هوى النفس. المعنى: لا يهتم بالخصال الحميدة؛ التي تورث صاحبها عزا ورفعة إلا السيد الطموح العالي الهمة، ولا يهدي الضال ذا النفس المريضة، ويبعده عن طريق الضلالة وسيئ الأفعال إلا من هداه الله ووفقه لأعمال الخير والصلاح. =

[غير النائب يجب نصبه لفظا أو محلا] : مسألة: وغير النائب مما معناه متعلق بالرافع واجب نصبه لفظا إن كان غير جار ومجرور، كـ: "ضُرِب زيد يوم الخميس أمامك ضربا شديدا" ومن ثم نصب المفعول الذي لم ينب في نحو: "أُعطِيَ زيد دينارا"، و: "أعطي دينار زيدا"، أو محلا إن كان جارا ومجرورا، نحو: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} 1، وعلة ذلك أن الفاعل لا يكون إلا واحدا، فكذلك نائبه. [ما الذي تجوز نيابته عند تعدي الفعل لأكثر من مفعول] : وإذا تعدى الفعل لأكثر من مفعول؛ فنيابة الأول جائزة اتفاقا، ونيابة الثالث ممتنعة اتقافا؛ نقله الخضراوي2 وابن الناظم، والصواب أن بعضهم أجازه

_ = الإعراب: يعن: فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم، وعلامة جزمه حذف الألف؛ لأنه معتل الآخر. "بالعلياء": في محل رفع نائب فاعل؛ وهو متعلق بـ "يعن". إلا: أداة استثناء ملغاة، تفيد الحصر والقصر. سيدا: مفعول به منصوب. ولا: الواو عاطفة، لا: نافية. شفى: فعل ماضٍ. ذا: مفعول به مقدم، وهو مضاف. الغي: مضاف إليه. إلا: أداة استثناء ملغاة، تفيد الحصر والقصر. ذو: فاعل مرفوع لـ "شفى "وهو مضاف. هدى: مضاف إليه". موطن الشاهد: "لم يعن بالعلياء إلا سيدا". وجه الاستشهاد: إنابة الجار والمجرور "بالعلياء" عن الفاعل مع وجود المفعول متأخرا عنه في الكلام "سيدا". وهذا وما قبله احتج بهما الكوفيون والأخفش على نيابة غير المفعول مع وجوده والبصريون يعدون ذلك من الضرورات الشعرية. ويرى بعض النحاة أن كل ما يوضح الغرض، ويبرز المعنى المراد -سواء أكان مفعولا أم غير مفعول؛ أول أم غير أول، متقدما على غيره أم غير متقدم- يصلح لأن ينوب عن الفاعل. انظر همع الهوامع: 1/ 162. 1 "69" سورة الحاقة، الآية: 13. موطن الشاهد: {نَفْخَةٌ} . وجه الاستشهاد: مجيء "نفخة" نائبا عن الفاعل؛ وهو مصدر، ونصب محل الجار والمجرور "في الصور"؛ وعلة ذلك: النصب الواجب لفظا أو محلا لما عدا النائب، كما أشار الناظم. 2 هو أبو عبد الله؛ محمد بن يحيى بن هشام الخضراوي الأنصاري الخزرجي الأندلسي، ويعرف أيضا بابن البراذعي، من أهل الجزيرة الخضراء، كان إماما في العربية، عاكفا على التعليم أخذ عن ابن خروف ومصعب والرندي، وعنه أخذ الشلوبين، وكان شاعرا ناثر متصرفا في الأدب، له مصنفات كثيرة منها: فصل المقال في أبنية الأفعال، والإفصاح بفوائد الإيضاح، والنقض على الممتع لابن عصفور، وكتاب الاقتراح في تلخيص الإيضاح. توفي بتونس سنة: 646 هـ. البلغة: 250، بغية الوعاة: 1/ 267، طبقات ابن قاضي شهبة: 123، الأعلام: 8/ 7.

إن لم يلبس، نحو: "أَعلمْتُ زيدًا كبشَكَ سمينا"1، وأما الثاني ففي باب "كسا"2 إن ألبس، نحو: "أعطيت زيدا عمرا" امتنع اتفاقا3، وإن لم يلبس نحو: "أعطيت زيدا درهما" جاز مطلقا4 وقيل: يمتنع مطلقا5، وقيل: إن لم يعتقد القلب6، وقيل: إن كان نكرة والأول معرفة، وحيث قيل بالجواز، فقال البصريون: إقامة الأول أولى، وقيل: إن كان نكرة فإقامته قبيحة، وإن كانا معرفتين استويا في الحسن، وفي باب: "ظن"7، قال قوم: يمتنع مطلقا8 للإلباس في النكرتين

_ 1 فتقول: اعلم زيدًا كبشك سمين، قاله أبو حيان في النكت الحسان. التصريح: 1/ 291. 2 هو كل فعل نصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، ولم ينصب أحدهما بإسقاط الجار. 3 للالتباس، سواء تقدم أو تأخر؛ لأن كلا منهما يصلح أن يكون آخذا ومأخوذا، ولا يتبين أحدهما إلا بالإعراب. 4 الإطلاق يفسره ما بعده؛ أي سواء اعتقد القلب أم لا، وسواء أكان الثاني نكرة والأول معرفة أم لا؛ لأن "زيدا" هو الآخذ دائما، و"درهما" هو المأخوذ. التصريح: 1/ 292. 5 فتتعين نيابة الأول؛ لأنه فاعل في المعنى. 6 أي تمتنع نيابة الثاني، إن لم يعتقد القلب في الإعراب، وهو كون المرفوع منصوبا، والمنصوب مرفوعا، فإن اعتقد القلب جاز، ويكون النائب في الحقيقة هو الأزل؛ لأن نيابة الثاني مع اعتقاده القلب مجاز صوري، كما أن من رفعه ونصب الأول مجاز، فهو من إعطاء المرفوع إعراب المنصوب وبالعكس، عند من أمن اللبس، نحو كسر الزجاج الحجر. 7 وهو كل فعل يتعدى إلى مفعولين الثاني منهما خبر في الأصل عن الأول. 8 الإطلاق يوضحه ما بعده؛ أي سواء ألبس أم لم يلبس، كان جملة أم لا، كان نكرة والأول معرفة أم لا. التصريح: 1/ 292.

والمعرفتين، ولعود الضمير على المؤخر إن كان الثاني نكرة لأن الغالب كونه مشتقا، وهو حينئذ شبيه بالفاعل لأنه مسند إليه فرتبته التقديم، واختاره الجزولي1 والخضراوي، وقيل: يجوز إن لم يلبس ولم يكن جملة، واختاره ابن طلحة2 وابن عصفور وابن مالك، وقيل: يشترط أن لا يكون نكرة والأول معرفة فيمتنع: "ظن قائم زيدا"3، وفي باب: "أعلَمَ"4 أجازه قوم إذا لم يلبس، ومنعه قوم منهم الخضراوي والأبَّدي5 وابن عصفور؛ لأن الأول مفعول صحيح6، والأخيران مبتدأ وخبر شبها بمفعول: "أعطى"، ولأن السماع إنما جاء بإقامة الأول، قال7: [الطويل]

_ 1 مرت ترجمته. 2 هو أبو بكر محمد بن طلحة الأموي الأشبيلي من أهل يابُرة، بلد في غربي الأندلس كان إماما في العربية عارفا بعلم الكلام، تأدَّب على أبي إسحاق بن ملكون، وأخذ العروض عن السهيلي، كان ذكيا عدلا ذا مروءة، وكان يميل إلى مذهب ابن الطراوة. أخذ عنه الكثير، منهم: ابن عبد النور، والشلوبين، مات بإشبيلية سنة 618 هـ وله 73 سنة. البلغة: 225، بغية الوعاة: 1/ 121، طبقات ابن شهبة: 52. 3 لأن هذا يؤدي إلى الإخبار بالمعرفة عن النكرة، وذلك ممنوع في الغالب. 4 هو كل فعل ينصب ثلاثة مفاعيل، أصل الثاني والثالث منهما مبتدأ وخبر. 5 هو: أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الرحمن الأُبَّدي -نسبة إلى أبدة بالأندلس- كان نحويا جليلا، درس كتاب سيبويه ووقف على غوامضه ووقائعه، قال فيه أبو حيان: كان الأبدي أحفظ من رأيناه بعلم العربية، وكان مع إمامته في العلم غاية في الفقر. له إملاء على كتاب سيبويه، وعلى الإيضاح والجمل، ومشكل الأشعار الستة الجاهلية، والجزولية. توفي سنة 680 هـ. البلغة: 168، بغية الوعاة: 2/ 604، معجم المؤلفين: 7/ 224، الأعلام: 5/ 154. 6 أي مفعول حقيقة وليس أصله مبتدأ وخبر؛ لأن أصله الفاعلية فهو أحق مما كان ملتبسا به، أما الثاني والثالث فالمفعول في الحقيقة النسبة بينهما وإطلاق المفعولية عليهما مجاز. التصريح: 1/ 293. 7 القائل: هو: الفرزدق؛ همام بن غالب، وقد مرت ترجمته.

230- ونبئت عبد الله بالجو أصبحت1 [خلاصة جامعة] : وقد تبين أن في النظم أمورا، وهي: 1- حكاية الإجماع على جواز إقامة الثاني من باب: "كسا" حيث لا لبس. 2- وعدم اشتراط كون الثاني من باب: "ظن" ليس جملة.

_ 1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: كراما مواليها لئيما صميمها وهو من شواهد التصريح: 1/ 293، والأشموني: "390/ 186"، والكتاب لسيبويه: 1/ 171، والعيني: 2/ 522، وليس في ديوان الفرزدق. المفردات الغريبة: نبئت: أخبرت، عبد الله: ليس المراد به شخص معين، ولكنه علم على القبيلة؛ وهي عبد الله بن دارم أخي مجاشع بن دارهم، وهم رهط الفرزدق. بالجو، الجو: أرض باليمامة ويطلق على أمكنة أخرى كثيرة ذكرها ياقوت في معجمه. كراما: أشرافا؛ جمع كريم، والمراد به كريم النسب. مواليها: جمع مولى، والمراد هنا: العبيد والأتباع. صميمها؛ الصميم الخالص من كل شيء، والمراد رؤساء القبائل وسادتها. المعنى: أخبرت أن قبيلة عبد الله بالجو انعكست فيها الأمور؛ فصار عبيدها وضعافها وأتباعها أشرافا وسادة، وصار عظماؤها وسادتها لئاما تابعين. الإعراب: نبئت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء: نائب فاعل. عبد الله: مفعول به ثانٍ، ومضاف إليه. "بالجو": متعلق بمحذوف صفة لـ "عبد الله". أصبحت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: للتأنيث؛ واسم أصبح ضمير مستتر يعود إلى "عبد الله". كراما: خبر "أصبح" منصوب وعلامة نصبه الفتحة؛ وجملة "أصبحت": في محل نصب مفعول به ثالث: لـ "نئبت". مواليها: فاعل للصفة المشبهة "كراما"، و"ها": مضاف إليه. لئيما: خبر ثان لـ "أصبحت" منصوب. صميمها: فاعل لـ "لئيما" و"ها": مضاف إليه. موطن الشاهد: "نبئت". وجه الاستشهاد: أناب الشاعر المفعول الأول "تاء المتكلم" عن الفاعل، ولم يُنِبْ الثاني أو الثالث؛ وهذا هو الشائع والمستعمل بكثرة في الاستعمال العربي.

3- وإيهام أن إقامة الثالث غير جائزة باتفاق؛ إذ لم يذكره مع المتفق عليه ولا مع المختلف فيه، ولعل هذا هو الذي غلط ولده حتى حكى الإجماع على الامتناع. [تغير صورة الفعل عند إسناده إلى النائب عن الفاعل] : فصل: يضم أول فعل المفعول مطلقا1، ويشركه ثاني الماضي المبدوء بتاء زائدة2 كتضارب وتعلم، وثالث المبدوء بهمز الوصل كانطلق واستخرج واستحلى، ويُكسر ما قبل الآخر من الماضي، ويفتح من المضارع. وإذا اعتلت عين الماضي وهو ثلاثي كـ "قال وباع"، أو عين افتعل أو انفعل كاختار وانقاد، فلك كسر ما قبلها بإخلاص، أو إشمام الضم، فتقلب ياء فيهما3، وذلك إخلاص الضم، فتقلب واوا، قال4: [الرجز] 231- ليت، وهل ينفع شيئا ليت؟ ... ليت شبابا بوع فاشتريت5

_ 1 أي سواء كان ماضٍيا أو مضارعا. 2 سواء أكانت للمطاوعة أم لغيرها، كمثال المصنف، تقول فيهما: ضورب وتعلم. والمطاوعة في فعل هي: قبول فاعله التأثر بأثر واقع عليه من فاعل ذي علاج محسوس لفعل آخر يلاقيه في الاشتقاق مثل: علمته فتعلم وحطمت الحجر فتحطم. التصريح: 1/ 293-294. 3 الإشمام: هو النطق بحركة صوتية تجمع بين الضمة والكسرة بالتوالي سريعا وينشأ عن ذلك ياء، وقد يسمى "روما". التصريح: 1/ 294، وفيه بيان واضح لذلك. 4 القائل: هو رؤبة بن العجاج وقد مرت ترجمته. 5 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز وقبله قوله: يا قوم قد حَوقَلْتُ أو دَنَوْتُ ... وبعض حيقال الرجال المَوْتُ ما لي إذا أجذبها صَأَيْتُ ... أَكِبَرٌ قد عالني أم بَيْتُ والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 295، والأشموني: "383،1/ 181"، وابن عقيل: "155/ 2/ 115" وشرح المفصل: 7/ 70، والعيني: 2/ 254، وهمع الهوامع: 1/ 248، 2/ 165، والدرر اللوامع: 1/ 206، 2/ 222، والمغني: "731/ 513" وشرح السيوطي: 277. وأمالي القالي "ط. دار الفكر": 1/ 20؛ زيادات ديوان رؤبة. شرح المفردات: حوقلت: ضعفت وأصابني الكبر. دنوت: قربت. أجذبها: أراد أنزع الدلو من البئر صأيت: صحت، مأخوذ من قولهم: صأى الفرخ؛ إذا صاح صياحا =

وقال1: [مشطور الرجز] 232- حُوكَتْ على نيرين إذ تُحَاكُ2

_ = ضعيفا، وأراد بذلك أنينه من ثقل الدلو عليه. قد عالني: غلبني وقهرني وأعجزني. المعنى: يتمنى الشاعر أن يعود إليه شبابه من جديد أو يشتريه؛ ولكن هيهات أن يعود الشباب مرة أخرى؛ لأن ما مضى لن يعود أبدا. الإعراب: ليت: حرف مشبه بالفعل يفيد التمني. هل: حرف استفهام معناه النفي -هنا- لا محل له من الإعراب. ليت: ينفع: فعل مضارع مرفوع. شيئا: مفعول به مقدم منصوب ليت: فاعل "ينفع"؛ لأنه قصد لفظها؛ و"الجملة": معترضة، لا محل لها من الإعراب. ليت: "الثالثة" مؤكدة للأولى. شبابا: اسم "ليت" الأولى. بوع: فعل ماضٍ مبني للمجهول، ونائب الفاعل: ضمير مستتر جوازا تقديره؛ هو؛ وجملة "بوع": في محل رفع خبر "ليت". فاشتريت: الفاء عاطفة. اشتريت: فعل ماضٍ، والتاء: فاعل؛ وجملة "اشتريت": معطوفة على جملة "بوع": في محل رفع. موطن الشاهد: "بوع". وجه الاستشهاد: مجيء فعل "باع" الثلاث معتل العين؛ فلما بني للمجهول أخلص ضم فائه؛ فقلبت ألفه واوا؛ وإخلاص الضم لغة جماعة من العرب؛ منهم من ذكر المؤلف في المتن؛ ومنهم بعض بني تميم، وضبة، وحكيت عن هذيل. انظر شرح التصريح: 1/ 295. 1 ينسب هذا الرجز -أيضا- إلى رؤبة بن العجاج. 2 تخريج الشاهد: هذا بيت من مشطور الرجز، وبعده قوله: تختبط الشوك ولا تشاك وهو من شواهد" التصريح: 1/ 295، والأشموني: "384/ 1/ 181"، وابن عقيل: "154/ 2/ 114" والهمع: 2/ 165، والدرر: 2/ 223، والمصنف لابن جني: 1/ 250. المفردات الغريبة: حوكت: نسجت، من حاك الثوب يحوكه حوكا وحياكة. نيرين: مثنى نير؛ وهو مجموع القصب والخيوط. تختبط: تضرب بعنف وشدة. لا تشاك: لا يؤثر فيها الشوك. المعنى: إن هذا الرداء نسج على نيرين -وما ينسج بهذه الطريقة، يكون أصفق وأحكم في النسج؛ فاكتسب متانة وصلابة، حتى إذا ضرب بها الشوك لا يدخل فيها، ولا يحدث بها أثرا أو ضرارا. الإعراب: حوكت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا؛ قديره هي، يعود إلى الحُلَّة؛ أو الرداء؛ لأنه يذكر ويؤنث. "على نيرين": متعلق بـ "حوكت". "إذا: متعلق بـ "حوكت". تحاك: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، ونائب الفاعل: هي؛ وجملة "تحاك": في محل جر بالإضافة. موطن الشاهد: "حوكت". وجه الاستشهاد: أخلص فيه الضم -كسابقه- فقلبت ألفه واوا؛ ويروى: "حيكت" فيكون شاهدا على إخلاص الكسر، وقلب الألف ياء؛ وهذه الرواية أقوى؛ لأنها في سياق الفصحى وبها استشهد ابن عقيل على إخلاص الكسر انظر ابن عقيل: "ط. دار الفكر": 1/ 395.

وهي قليلة، وتُعزَى لفقعس ودبير1، وادعى ابن عذرة2 امتناعها في افتعل وانفعل، والأول قول ابن عصفور والأُبَّدي وابن مالك، وادعى ابن مالك امتناع ما ألبس من كسر كخفت وبعت، أو ضم كعقت، وأصل المسألة "خافني زيد" و: "باعني لعمرو" و: "عاقني عن كذا" ثم بنيتهن للمفعول، فلو قلت: خفت وبعت بالكسر، وعقت: بالضم؛ لِتوهم أنهن فعل وفاعل، وانعكس المعنى، فتعين أن لا يجوز فيهن إلا الإشمام، أو الضم في الأولين والكسر في الثالث، وأن يمتنع الوجه الملبس، وجعلته المغاربة مرجوحا لا ممنوعا، ولم يلتفت سيبويه للإلباس؛ لِحصوله في نحو مختار وتضار. [خلافهم في ضم فاء الثلاث المضعف] : وأوجب الجمهور ضم فاء الثلاثي المضعف نحو شد ومد، والحق قول بعض الكوفيين: إن الكسر جائز، وهي لغة بني ضبة3 وبعض تميم، وقرأ علقمة4: "رِدَّتْ

_ 1 هما حيان من فصحاء قبيلة اسد، وإخلاص الضم لغتهما، أما الكسر فلغة تميم. 2 هو الإمام البارع أبو الحكم؛ الحسن بن عبد الرحمن بن عذرة الأنصاري الأوسي الخضراوي كان نحويا نبيلا حاذقا، ثابت الذهن، وقاد الفكر، أخذ عن أبي العلاء؛ إدريس القرطبي وابن عصفور وغيرهما. له تصانيف كثيرة منها: الإغراب في أسرار الحركات والإعراب، والمفيد في أوزان الرجز والقصيد. توفي سنة 644 هـ. 3 هم بطن من بطون عامر بن إلياس بن مضر. 4 هو علقمة بن قيس بن عبد الله كان فقيها كبيرا، ومن القراء في الكوفة، أخذ القرآن عن ابن مسعود، وسمع من عمرو وعلي وأبي الدرداء وعائشة، وكان من أحسن الناس صوتا بالقراءة، توفي سنة: 62 هـ. سير أعلام النبلاء: 4/ 53، طبقات القراء: ترجمة: 2135، الإصابة: ترجمة: 6454، العبر، 1/ 66.

إِلَيْنا"1، "وَلَوْ رِدُّوا"2 بالكسر، وجوز ابن مالك الإشمام أيضا، وقال المهاباذي3: من أشم في: "قيل" و: "بيع" أشم هنا4.

_ 1 "12" سورة يوسف، الآية: 65. أوجه القراءات: قرأ الحسن وعلقمة ويحيى بن وثاب والأعمش "ردت" بكسر الراء؛ لأن أصلها: رددت؛ فلما أدغم؛ قلبت حركة الدال إلى الراء، وقرأ الباقون: "ردت" برفع الراء. انظر اتحاف الفضلاء: 266، وإعراب القرآن، للنحاس: 2/ 274. موطن الشاهد: "ردت". وجه الاستشهاد: نقل كسرة عين الفعل إلى فائه حملا له على المعتل؛ على قراءة علقمة ويحيى بن وثاب وغيرهما؛ الموافقة لـ "لغة بعض تميم". انظر شرح التصريح: 1/ 295. 2 "6" سورة الأنعام: الآية: 28. أوجه القراءات: انظر أوجه قراءات الآية السابقة. موطن الشاهد: "رِدُّوا". وجه الاستشهاد: نقل كسرة عين الفعل إلى فائه؛ على قراءة علقمة ويحيى بن وثاب وغيرهما؛ الموافقة لِلُغة بعض تميم" كما في الآية السابقة. 3 هو أحمد بن عبد الله بن المهاباذي الضرير نسبة إلى مهاباذ؛ قرية بين قم وأصبهان -أحد تلاميذ عبد القاهر الجرجاني، له شرح على اللمع لابن جني، وكان من أعلام نحاة عصره. الأعلام "ط. الخامسة": 1/ 158، كشف الظنون: 1563، بغية الوعاة: 1/ 178. 4 بقي أنه: 1- لا يبنى للمجهول فعل جامد ولا ناقص على الصحيح. وجوزه سيبويه والكوفيون. 2- لا يجوز إنابة الحال، والمستثنى، والمفعول معه، وله؛ لأن ذلك يخرجه عن مهمته الخاصة. 3- إذا قلت: زِيدَ في مُرَتَّب محمد عشرون جنيها -تعين رفع "عشرين" على النيابة مع وجود المفعول. فإن قدمت محمد فقلت: محمدا زيد في مرتبة عشرون- جاز رفع العشرين على النيابة، وجاز نصبه على المفعولية، ونائب الفاعل ضمير يعود على المبتدأ وهو الرابط. =

.........................................................................

_ = 4- ورد عن العرب أفعال ماضٍية ملازمة للبناء للمجهول، اعتبرها العلماء كذلك في الصورة اللفظية لا في الحقيقة، ولهذا: يعربون المرفوع بها فاعلا لا نائب فاعل، ومن أشهرها: هزل، زكم، دهش، شده "بمعنى دهش"، شغف بكذا: أولع به، أغري به، أُهرِع بمعنى أسرع، عني بكذا "اهتم به"، نتج، جن، سل، حم، امتقع لونه، زهي، فلج وحكم المضارع منها حكم الماضي. ولكن لا يعامل مضارعها معاملة الماضي إلا فيما ورد عن العرب، فهو مقصور على السماع. ومما سمع: يُهرع، يُعني، يُولع، يُستهتر به.

باب الاشتغال

[باب الاشتغال] : هذا باب الاشتغال1: [ضابطه والأصل فيه] : إذا اشتغل فعل متأخر بنصبه لمحل ضمير اسم متقدم عن نصبه للفظ ذلك

_ 1 الاشتغال: هو أن يتقدم اسم واحد ويتأخر عنه عامل مشتغل عن العمل في ذلك الاسم بالعمل في ضميره مباشرة، أو في سببه، بحيث لو فرغ من ذلك المعمول وسلط على الاسم المتقدم؛ لعمل فيه النصب لفظا أو محلا. والمراد بسبب الاسم المتقدم: كل شيء له صلة وعلاقة به؛ من قرابة أو صداقة أو عمل. وأركان الاشتغال ثلاثة هي: أ- مشغول عنه: وهو الاسم المتقدم. ب- مشغول: وهو الفعل المتأخر. ج- ومشغول به: وهو الضمير الذي تعدى إليه الفعل بنفسه أو بالوساطة؛ ولكل واحد من هذه الأركان الثلاثة شروط هي: أولا: شروط المشغول عنه -الاسم المتقدم- خمسة هي: 1- أن يكون غير متعدد لفظا ومعنى؛ نحو: زيدا ضربته؛ أو متعددا في اللفظ من دون المعنى؛ نحو: زيدا وعمرا ضربتهما؛ لأن العطف جعل الاسمين كالاسم الواحد حكما؛ فإن التعدد في اللفظ والمعنى؛ نحو: زيد درهما أعطيته؛ لم يصح. 2- أن يكون متقدما؛ فإن تأخر؛ لم يكن من باب الاشتغال، نحو: ضربته زيدا؛ بل إن نصب "زيدا" فعلى أنه بدل من الضمير؛ وإن رفع؛ فهو مبتدأ وخبره الجملة التي قبله، كما نقول: زيد ضربته. 3- قبوله الإضمار؛ فلا يصح الاشتغال عن الحال والتمييز، ولا عن المجرور بحرف يختص بالظاهر كـ "حتى". 4- كونه مفتقرا لما بعده؛ فلا يجوز في نحو: جاء زيد فأكرمه؛ لأن الاسم، اكتفى بالعامل المتقدم عليه. 5- كونه صالحا للابتداء به؛ بأن لا يكون نكرة محضة، فقوله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّة =

الاسم1: كـ: "زيدًا ضربته" أو لمحله كـ: "هذا ضربته" فالأصل أن ذلك الاسم يجوز فيه وجهان: أحدهما راجح؛ لسلامته من التقدير، وهو الرفع بالابتداء، فما بعده في موضع رفع على الخبرية، وجملة الكلام حينئذ اسمية2، والثاني مرجوح

_ = ابْتَدَعُوهَا} ليس من باب الاشتغال؛ بل "رهبانية" معطوف على ما قبله بالواو، وجملة "ابتدعوها": صفة. ثانيا: شرط المشغول: الفعل المتأخر: 1- أن يكون متصلا بالمشغول عنه. 2- كونه صالحا للعمل فيما قبله، بأن يكون فعلا متصرفا، أو اسم فاعل مستكمل لشروط عمله أو اسم مفعول مستكمل لشروط عمله؛ فإن كان حرفا أو اسم فعل أو صفة مشبهة أو فعلا جامدا لم يصح. ثالثا: شرط المشغول به ألا يكون غربيا أو أجنبيا عن المشغول عنه؛ فيصح أن يكون ضمير المشغول عنه؛ نحو: زيدا ضربته، أو مررت به؛ اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير المشغول عنه؛ نحو: زيدا ضربت أخاه؛ أو مررت بغلامه؛ هذا الأخير، يسمى السببي. انظر شرح التصريح: 1/ 296؛ المتن والحاشية. 1 اعترض على هذا الضابط الذي ذكره المؤلف بأنه غير حاصر؛ لأنه لم يشمل صور الاشتغال كلها؛ لأن المؤلف خص المشغول بكونه فعلا في قوله: "إذا اشتغل فعل متأخر" والمشغول قد يكون فعلا، وقد يكون وصفا؛ نحو: زيدا أنا ضاربه الآن. وكذلك خص المشغول به بكونه ضمير الاسم المتقدم مع أنه قد يكون اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير الاسم المتقدم، نحو: زيدا ضربت غلامه. وأجيب عن ذلك الاعتراض بأن المؤلف أراد أن يبين ما هو الأصل في كل واحد منهما، وترك بيان الفروع؛ لأنها معروفة من القواعد العامة؛ لأن الفعل هو الأصل في العمل؛ والأوصاف تعمل بالحمل عليه؛ والأصل في المشغول به أن يكون ضمير الاسم المتقدم، والاسم الظاهر المضاف إلى ضمير -ما يسمى السببي- ملحق به؛ أو أن المؤلف أراد أن يبين أظهر المسائل التي يدركها كل واحد، وتجاوز الصور الخفية تيسيرا على المبتدئين، ثم خصها بالبيان فيما بعد؛ لِيقع علمها للقارئ بعد أن يكون تمرس بأحكام بابها بعض التمرس؛ أو أن المؤتلف جرى على مذهب من يجيز التعريف بالأخص، ولا اعتراض حينئذ؛ لأنه لا يرى مانعا من أن يكون الحد أو الضابط الذي ذكره أخص من المحدد أو المراد ضبطه. أوضح المسالك "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد": 2/ 159-160. 2 لأنها مصدرة بالاسم الذي جعل مبتدأ.

لاحتياجه إلى التقدير، وهو النصب، فإنه بفعل موافق للفعل المذكور1 محذوف وجوبا، فما بعده لا محل له؛ لأنه مفسر، وجملة الكلام حينئذ فعلية2. ثم قد يعرض لهذا الاسم ما يوجب نصبه، وما يرجحه، وما يسوي بين الرفع والنصب، ولم نذكر من الأقسام ما يجب رفعه كما ذكر الناظم3 لأن حد الاشتغال لا يصدق عليه4، وسيتضح ذلك. [وجوب النصب] : فيجب النصب إذا وقع الاسم بعد ما يختص بالفعل كأدوات التحضيض5، نحو: "هلا زيدا أكرمته" وأدوات الاستفهام غير الهمزة، نحو: "هل زيدا رأيته"6

_ 1 إما لفظا ومعنى؛ نحو مثل المصنف المذكور، والتقدير: ضربت زيدا ضربته؛ أو معنى فقط؛ نحو: محمد مررت به؛ فالتقدير: جاوزت محمدا مررت به؛ أو غير موافق لفظا ومعنى؛ ولكنه لازم المذكور؛ نحو: محمدا ضربت أخاه؛ لأن ضرب الأخ يستلزم عرفا إهانة محمد. فائدة: ما ذكره المؤلف من انتصاب الاسم المتقدم بفعل مماثل للفعل المتأخر هو مذهب الجمهور؛ وفي المسألة أقوال أخرى؛ منها: ما ذهب إليه الكسائي؛ من أن الاسم المتقدم منصوب بالفعل المتأخر، والضمير ملغى، لا عمل للفعل فيه؛ ومنها ما ذهب إليه الفراء؛ من أن الفعل المتأخر نصب الاسم المتقدم والضمير معا؛ وكلا الرأيين ضعيف. انظر شرح التصريح: 1/ 297. 2 لكونها مصدرة بالفعل المحذوف المفسر بالمذكور بعده. 3 أي ما قاله: "وإن تلا السابق ما بالابتدا ... يختص فالرفع التزمه أبدا" 4 لكونه معتبرا فيه -كما ذكر المؤلف في التعريف- أي "أن يكون العامل بحيث لو فرغ للفعل في الاسم المتقدم لنصبه؛ وما يجب رفعه ليس كذلك؛ نحو: "فإذا زيد يضربه عمرو"؛ فلو حذفنا الضمير، لم ينتصب الاسم المتقدم بالفعل المتأخر، ولا بفعل آخر يفسره المذكور؛ ولهذا؛ فلا يصدق عليه حد الاشتغال. 5 المقصود بالتحضيض: الحث وطلب الشيء بقوة وشدة -تظهر في نبرات الصوت- ومثله العرض، وهو طلب الشيء برفق وملاينة؛ نحو: ألا محمدا سامحته ونحو ذلك. 6 تكون أدوات الاستفهام مختصة بالفعل إذا وجد بعدها فعل في جملتها، فإن لم يوجد، فلا تختص، نحو: أين المفر؟، ومتى القدوم؟ وأما الهمزة فتدخل على الاسم، وإن كان الفعل في حيزها؛ لأنها أم الباب؛ فتوسع فيها، ونصب الاسم الواقع بعد "هل" إذا وقع بعدها فعل -مذهب سيبويه؛ أما الكسائي، فيجيز أن يليها الاسم والفعل؛ وعلى ذلك، يجوز الرفع والنصب، غير أن النصب أرجح. انظر شرح التصريح: 1/ 297.

و: "متى عمرا لقيته" وأدوات الشرط، نحو: "حيثما زيدا لقيته فأكرمه" إلا أن هذين النوعين لا يقع الاشتغال بعدهما إلا في الشعر، وأما في الكلام فلا يليهما إلا صريح الفعل، إلا إن كانت أداة الشرط "إذا" مطلقا، أو: "إن والفعل ماضٍ فيقع في الكلام، نحو: "إذا زيدا لقيته، أو تلقاه، فأكرمه" و: "إن زيدا لقيته فأكرمه" ويمتنع في الكلام: "إن زيدا تلقه فأكرمه" ويجوز في الشعر، وتسوية الناظم بين "إن" و: "حيثما" مردودة. [ترجيح النصب وحالاته] : ويترجح النصب في ست مسائل: إحداها: أن يكون الفعل طلبا1، وهو الأمر والدعاء ولو بصيغة الخبر، نحو: "زيدا اضربه" و: "اللهم عبدك ارحمه" و: "زيدا غفر الله له". وإنما وجب الرفع في نحو: زيد أحسن به" لأن الضمير في محل رفع2، وإنما

_ 1 النصب في الأولين بفعل محذوف من لفظ المذكور، وفي الثالث "صيغة الخبر" من معناه -أي: ارحم زيدا غفر الله له، وقد قيل في علية ترجيح النصب، إذا كان الفعل طلبا: إن الأصل في الطلب أن يكون بالفعل، فرجح النصب؛ لِيكون الكلام على تقدير فعل، فيجيء على الأصل في الطلب؛ وكذلك فلو رفع الاسم؛ لأعرب مبتدأ، ويكون خبره الجملة الطلبية، ومجيء الخبر جملة طلبية قليل؛ لِكون جملة الخبر تحتمل الصدق والكذب غالبا، والطلبية ليست كذلك. انظر شرح التصريح: 1/ 298. 2 أي: في محل رفع على الفاعلية؛ لِكون الباء زائدة، على أنه لو كان محل هذا الضمير النصب؛ لم يكن من باب الاشتغال أيضا؛ لأن فعل التعجب جامد ولا يعمل فيما قبله، فلا يفسر عاملا؛ وقد اشترط في المشغول أن يكون صالحا للعمل فيما قبله. المصدر السابق: 1/ 298-299.

اتفق السبعة عليه في نحو: {الزانية والزاني فاجلدوا} 1؛ لأن تقديره عند سيبويه: مما يتلى عليكم حكم الزاني والزانية، ثم استؤنف الحكم، وذلك لأن الفاء لا تدخل عنده في الخبر في نحو هذا، ولذا قال في قوله2: [الطويل] 233- وقائلةٍ خولانُ فانكِحْ فَتَاتَهُم3

_ 1 "24" سورة النور، الآية: 2. موطن الشاهد: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} . وجه الاستشهاد: منعت الفاء حمل الفعل على الاشتغال؛ لأن التقدير -عند سيبويه- مما يتلى عليكم حكم الزانية والزاني؛ فحذف المضاف "حكم" وأقيم المضاف إليه مقامه؛ وهو الزانية والزاني، وحذف الخبر "الجار والمجرور" ثم بعد تمام الجملة استأنف الحكم بـ "فاجلدوا"؛ ولا يلزم الإخبار بالجملة الطلبية؛ ولذا جاءت مستأنفة. انظر شرح التصريح: 1/ 299. 2 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: وأكْرُومَةُ الحيَّين خِلْوٌ كَمَا هِيَا وهو من شواهد: التصريح: 1/ 299، والأشموني: "394/ 1/ 189"، والهمع: 1/ 110، والدرر: 1/ 79، والكتاب لسيبويه: 1/ 70، وشرح المفصل: 1/ 100، 8/ 95، والخزانة: 1/ 218، 3/ 395، 4/ 421، 552، والعيني: 2/ 529، ومغني اللبيب: "297/ 219" "869/ 628"، وشرح السيوطي: 159، 295، وهو من الخمسين التي لا يعرف لها قائل. المفردات الغريبة: خولان: اسم قبيلة من مذحج باليمن. فتاتهم؛ الفتاة: الشابة من النساء. أكرومة: كريمة من الكرم، كأضحوكة من الضحك، وأعجوبة من العجب. الحيين: تثنية حي، وهي البطن من بطون العرب، والمراد هنا: حي أبيها، وحي أمها. خلو: خالية من الأزواج. المعنى: رب قائلة لي: هذه قبيلة خولان المعروفة بعراقة النسب والكرم والصفات الحميدة، فتزوج منها، ولا تخشَ رفضا؛ ففيها الفتاة الكريمة الأبوين؛ التي لم تتزوج بعد. الإعراب: وقائلة: الواو رب. قائلة: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا، على أنه مبتدأ. خولان: خبر لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: هذه خولان. فانكح: الفاء استئنافية، انكح، فعل أمر، والفاعل: أنت. فتاتهم: مفعول به، ومضاف إليه. وأكرومة: الواو =

إن التقدير: هذه خولان، وقال المبرد1: الفاء لمعنى الشرط2، ولا يعمل الجواب في الشرط، فكذلك ما أشبههما، وما لا يعمل لا يفسر عاملا؛ فالرفع عندهما واجب، وقال ابن السيد3 وابن بابشاذ4: يختار الرفع في العموم كالآية، والنصب في الخصوص، كـ: "زيدا اضربه".

_ = حالية، أكرومة: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. الحيين: مضاف إليه. خلو: خبر مرفوع؛ وجملة "أكرومة الحيين خلو": في محل نصب على الحال. "كما": متعلقان بمحذوف خبر ثانٍ؛ وجاءت الكاف -هنا- بمعنى "على". هي: مبتدأ محذوف الخبر؛ والتقدير: الذي هي عليه؛ و"الجملة": صلة لـ "ما" الموصولة، لا محل لها؛ ويجوز أن تكون "ما" زائدة؛ و"هي": ضمير مجرور المحل بالكاف؛ والجار والمجرور خبر ثانٍ لـ "أكرومة"؛ أي كـ "حالها المعروف"؛ والأول: أفضل. موطن الشاهد: "خولان". وجه الاستشهاد: جعل سيبويه "خولان" خبرا لمبتدأ محذوف؛ ولم يجعلها مبتدأ، وجملة "فانكح فتاتهم، خبرا؛ بل جعل الجملة الطلبية مستأنفة؛ لكون الفاء عنده لا تدخل على خبر المبتدأ الخاص كأسماء الأعلام؛ ولكون دخولها على خبر المبتدأ؛ لشبه المبتدأ بالشرط في العموم، والخبر بالجواب؛ فإذا زال الشبه، لم تتحقق علة الجواز. انظر شرح التصريح: 1/ 299. 1 مرت ترجمته. 2 لأن المبتدأ وهو "الزانية"، فيه أل الموصولة، والموصول فيه معنى الشرط وهو التعليق أو العموم؛ إذ التقدير: من زنت ومن زنى -فاجلدوا ... ؛ لهذا تدخل الفاء في خبره كما تدخل في جواب الشرط. التصريح: 1/ 299. 3 هو أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي، ولد سنة 444 هـ، وكان عالما باللغات والآداب متبحرا فيها، وكانت له يد في العلوم القديمة. له تصانيف كثيرة منها: شرح أدب الكاتب، وشرح الموطأ، وسقط الزند، وديوان المتنبي، والحلل في شرح أبيات الجمل، والمسائل المنثورة في النحو، وكتب أخرى. مات سنة 521 هـ. البلغة: 114، إنباه الرواة: 2/ 141، بغية الوعاة: 2/ 55، طبقات القراء: 1/ 499. 4 هو أبو الحسن طاهر بن أحمد بن بابشاذ النحوي، المصري، قدم بغداد، وأخذ عن علمائها تصدر للإقراء بجامع عمرو بن العاص في مصر، ثم تزهد وانقطع في المسجد، فجمع كتابا في المسائل النحوية سماها العلماء: "تعليقة الغرفة" وله مصنفات أخرى منها: مقدمة في النحو سماها: المحتسب، وثلاثة شروح على الجمل للزجاجي ... وغيرها، مات سنة: 469 هـ. البلغة: 100، بغية الوعاة: 1/ 17، إنباه الرواة: 2/ 95، ابن خلكان، 1/ 235، الأعلام: 3/ 318.

الثانية: أن يكون الفعل مقرونا باللام أو بلا الطلبيتين، نحو: "عمرا ليضربه بكر" و: "خالدا لا تهنه" ومنه: "زيدا لا يعذبه الله" لأنه نفي بمعنى الطلب1. ويجمع المسألتين قول الناظم: "قبل فعل ذي طلب" فإن ذلك صادق على الفعل الذي هو طلب، وعلى الفعل المقرون بأداة الطلب. الثالثة: أن يكون الاسم بعد شيء الغالب أن يليه فعل، ولذلك أمثلة: منها همزة الاستفهام، نحو: {أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ} 2، فإن فصلت الهمزة فالمختار الرفع، نحو: "أأنت زيد تضربه"3 إلا في نحو: "أكل يوم زيدا تضربه" لأن الفصل بالظرف كلا فصل، وقال ابن الطراوة: إن كان الاستفهام عن الاسم فالرفع، نحو: "أزيد ضربته أم عمرو"4، وحكم بشذوذ النصب في قوله5: [الوافر]

_ 1 فزيدا منصوب بفعل محذوف تقديره: يرحم الله زيدا؛ لأن عدم التعذيب رحمة، فهو خبر معناه الطلب. 2 "54" سورة القمر، الآية: 24. موطن الشاهد: {أَبَشَرًا ... نَتَّبِعُهُ} . وجه الاستشهاد: مجيء الاسم المشغول عنه بعد أداة الاستفهام الهمزة؛ وحكم نصب الاسم في هذه الحالة: الجواز مع الترجيح؛ لغلبة دخول الهمزة على الأفعال. 3 لأن الاستفهام حينئذ داخل على الاسم -لا على الفعل. وهذا إذا لم يجعل الضمير فاعلا لفعل محذوف، وقد برز وانفصل بعد حذفه- وإلا وجب النصب بالفعل المحذوف؛ لأن الاستفهام حينئذ يكون عن الفعل، وإلى هذا ذهب الأخفش. 4 لأن الاستفهام عن تعيين المفعول، أما الفعل -وهو الضرب- فمحقق. فلا تعلق الهمزة به، ومقتضى تعبيره: أن الرفع واجب، بدليل قوله: وحكم بشذوذ ... إلخ. قال الصبان: والحق عدم الوجوب. التصريح: 1/ 300، وحاشية الصبان على شرح الأشموني. 5 القائل: هو جرير بن عطية الخطفي، وقد مرت ترجمته.

234- أثعلبة الفوارس أم رياحا ... عدلت بهم طهية والخشابا وقال الأخفش: أخوات الهمزة كالهمزة: نحو: "أيهم زيدا ضربه"، "ومن أمة الله ضربها"، ومنها النفي بما أو لا أو إن، نحو: "ما زيدا رأيته" وقيل: ظاهر مذهب

_ 1 تخريج الشاهد: البيت من قصيدة طويلة لجرير، يمدح فيها قبيلتي ثعلبة ورياح، ويذم قبيلتي: طهية والخشاب، ومطلعها: أقلي اللوم عاذل والعتابا ... وقولي: إن أصبت لقد أصابا الشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 300، والأشموني: "395/ 1/ 190"، والكتاب لسيبويه: 1/ 52، 489، وأمالي ابن الشجري: 1/ 331، 2/ 317، والعيني: 2/ 533، وديوان جرير: 66. المفردات الغريبة: ثعلبة ورياح: قبيلتان من بني يربوع بن حنظلة. الفوارس: جمع فارس، وهو أحد ألفاظ جمع فيها "فاعل" وصفا لمذكر عاقل -على "فواعل" ومنها هوالك- جمع هالك، ونواكس جمع ناكس، وحواجّ جمع حاجّ. عدلت: سويت وجعلتهم يعدلونهم في سمو المنزلة. طهية: حي من بني تميم. الخشاب حي من بني مالك بن حنظلة. المعنى: أتسوي بين قبيلتي ثعلبة الفوارس أو رياح؛ هاتين القبيلتين المعروفتين بالفضل والنبل، وبين طهية والخشاب؛ القبيلتين الوضيعتين اللتين لا وزن لهما؟!!. الإعراب: أثعلبة: الهمزة حرف استفهام، ثعلبة. مفعول به لفعل محذوف من معنى الفعل المذكور؛ والتقدير: أحقرت ثعلبة؛ أو أهنت ثعلبة. الفوارس: صفة لـ "ثعلبة" باعتبار المعنى. أم: حرف عطف. رياحا: معطوف على ثعلبة منصوب مثله. عدلت: فعل ماضٍ وفاعل "بهم": متعلق بـ "عدل". طهية: مفعول به لـ "عدل". منصوب. والخشابا: الواو عاطفة، الخشابا: معطوف على طهية منصوب. موطن الشاهد: "أثعلبة الفوارس". وجه الاستشهاد: نصب "ثعلبة" الواقع بعد همزة الاستفهام، مع أن المستفهم عنه الاسم؛ وهذا النصب بفعل مقدر، يدل عليه المذكور؛ والتقدير: أأهنت أو ظلمت مثلا؛ وهو شاذٌّ -على رأي ابن الطراوة؛ الذي يوجب الرفع إن كان الاستفهام عن الاسم؛ وهو راجح- عند سيبويه وأنصاره -لأنه لا فرق عندهم في ترجيح النصب بين أن يكون الاستفهام عن الاسم أو عن الفعل. انظر شرح التصريح: 1/ 301.

سيبويه اختيار الرفع، وقال ابن الباذش1 وابن خروف2: يستويان3، ومنها: "حيث" نحو: "حيث زيدا تلقاه أكرمه" كذا قال الناظم4، وفيه نظر5. الرابعة: أن يقع الاسم بعد عاطف غير مفصول بأما، مسبوق بفعل غير مبني

_ 1 هو: أبو جعفر؛ أحمد بن علي بن أحمد بن خلف الأنصاري الغرناطي، المعروف بابن الباذش النحوي. كان إماما في النحو مقرئا نقادا عرفا بالآداب والإعراب، أخذ النحو عن أبيه الإمام أبي الحسن بن الباذش، له: كتاب الإقناع في القراءات، قيل لم يؤلف مثله، توفي سنة 540 هـ. البلغة: 26، بغية الوعاة: 1/ 333، تاريخ بغداد: 4/ 258، معجم المؤلفين: 1/ 308 إنباه الرواة: 2/ 84 وفيه "أحمد بن عبيد بن ناصح بن بلنجر". 2 هو: أبو الحسن: علي بن محمد بن علي بن محمد نظام الدين الحضرمي الإشبيلي، إمام في العربية، أخذ عن محمد بن طاهر الأنصاري المعروف بالخدب، وعن ابن ملكون له تصانيف كثيرة منها: كتاب شرح الجمل للزجاجي، وشرح كتاب سيبويه اسمه: تنقيح الألباب في شرح غوامض الكتاب، وكتاب الفرائض وغيرها. مات سنة: 606 هـ سنة البلغة: 164، بغية الوعاة: 2/ 203، ابن خلكان: 1/ 433، الأعلام: 5/ 151. 3 أي يستوي الرفع والنصب مع هذه الأحرف؛ لِدخولها على الأسماء والأفعال، بخلاف غيرها من أحرف النفي. 4 أي في شرح الكافية، ونص قوله: ومن مرجحات النصب تقدم "حيث" مجردة من "ما" نحو: حيث زيدا تلقاه فأكرمه؛ لأنها تشبه أدوات الشرط، فلا يليها في الغالب إلا فعل. فإن اقترنت بـ "ما" صارت أداة شرط واختصت بالفعل، وقد وافقه ابن هشام في المغني على ذلك. مغني اللبيب: 177. 5 يقول في التصريح: إن هذا النظر الذي أبداه الموضح على رأي الناظم في ترجيح نصب الاسم إذا وقع بعد "حيث" عجيب؛ لأنه وافق الناظم على ذلك في المغني؛ حيث قال: وإضافة "حيث" إلى الفعلية أكثر، ومن ثم ترجح النصب في نحو: جلست حيث زيدا أراه. ولعل وجه النظر في قوله: "أكرمه" في المثال الذي ذكره، فإنما ربما يوهم أنه جواب "حيث" مع أن "حيث" المجردة من "ما" -لا جواب لها عند البصريين. ومن جعل لها جوابا من الكوفيين- يوجب النصب بعدها فلا يكون راجحا. التصريح: 1/ 301.

على اسم، كـ: "قام زيد وعمرا أكرمته" ونحو: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ} 1 بعد: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ} بخلاف نحو: "ضربت زيدا، وأما عمرو فأهنته" فالمختار الرفع؛ لأن: "أما" تقطع ما بعدها عما قبلها، وقرئ: "وَأَمَّا ثَمُودَ فَهَدَيْنَاهُمْ"2 بالنصب على حد: "زيدا ضربته"، وحتى ولكن وبل كالعاطف، نحو: "ضربت القوم حتى زيدا ضربته". الخامسة: أن يتوهم في الرفع أن الفعل صفة، نحو: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاه} 3، وإنما لم يتوهم ذلك مع النصب؛ لأن الصفة لا تعمل في الموصوف، وما لا يعمل لا يفسر عاملا.

_ 1 "16" سورة النحل، الآية: 5. موطن الشاهد: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا} . وجه الاستشهاد: مجيء "والأنعام" معطوفة على قوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَة} ؛ فترجح نصب المعطوف فيهما؛ لأن المتكلم به عاطف جملة فعلية على جملة فعلية؛ ولو رفع لعطف جملة اسمية على فعلية؛ وتشاكل الجملتين المتعاطفتين أحسن من تخالفهما. شرح التصريح: 1/ 301. 2 "41" سورة فصلت، الآية: 17. موطن الشاهد: "أما ثمودَ فهديناهم". وجه الاستشهاد: نصب "ثمود" بفعل محذوف يفسره "هدينا"؛ والتقدير: وأما "ثمود" فهدينا هديناهم؛ ولا يقدر الفعل قبل ثمود؛ لِئلا يفصل بين "أما" والفاء بجملة تامة، وذلك ممنوع، ولا يقال هنا إن بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها، فلا يفسر عاملا؛ لأن الفاء ليست في محلها الأصلي فلا يمنع من العمل. 3 "54" سورة القمر، الآية: 49. موطن الشاهد: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاه} . وجه الاستشهاد: نصب "كل" على وجه الترجيح؛ لأنه لو رفع؛ لاحتمل أن تكون جملة "خلقناه" خبرا عنه؛ ويحتمل أن تكون صفة لـ "شيء"؛ والخبر: قوله "بقدر"؛ وهذا يوهم وجود شيء لا بقدر؛ لكونه غير مخلوق لله تعالى؛ كأفعال العباد الاختيارية وأفعال الشر؛ وهذا رأي المعتزلة؛ ولا يرتضيه أهل السنة، أما النصب فنص في عموم خلق الأشياء، خيرها وشرها بقدر، وهو المقصود عند أهل السنة؛ كما هو الحال عند إعراب "خلقناه" خبرا عن كل.

ومن ثم وجب الرفع إن كان الفعل صفة، نحو: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} 1، أو صلة، نحو: "زيد الذي ضربه" أو مضافا إليه، نحو: "زيد يوم تراه تفرح"، أو وقع الاسم بعد ما يختص بالابتداء، كإذا الفجائية على الأصح2، نحو: "خرجت فإذا زيد يضربه عمرو"، أو قبل ما لا يرد ما قبله معمولا لما بعده، نحو: "زيد ما أحسنه! " أو: "إن رأيته فأكرمه" أو: "هل رأيته" أو: "هلا رأيته".

_ = شرح التصريح: 1/ 302. فائدة: ترجح النصب في المسألة الرابعة؛ لأن الجملة السابقة فعلية، بدليل أنهم ضبطوها بألا يكون الفعل مبنيا على اسم؛ وعلى هذا يكون النصب بتقدير فعل، فتكون الجملة الثانية فعلية أيضا؛ وتكون الواو قد عطفت جملة فعلية على جملة فعلية كما أوضحنا في وجه الاستشهاد على آية: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا} ؛ أما إذا رفعنا؛ فتكون الواو قد عطفت جملة اسمية على جملة فعلية؛ فلا يحصل التشاكل بين المعطوف والمعطوف عليه؛ ومعلوم أن التشاكل بين المتعاطفين أولى، ولهذا، كان حكم النصب في هذه الحالة أرجح؛ وأما لو فصل بين حرف العطف والاسم المشغول عنه بـ "أما" فيجب الرفع؛ لأن من شأن "أما" أن تقطع ما بعدها عما قبلها؛ فيكون ما بعدها كأنه أول الكلام. 1 "54" سورة القمر، الآية: 52. موطن الشاهد: {كُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ} . وجه الاستشهاد: وجب رفع "كل"؛ لتأتي الوصفية التي يستقيم بها المعنى؛ لأن النصب يقتضي أنهم فعلوا في الزبر، صحائف الأعمال -كل شيء؛ مع أنهم لم يفعلوا فيها شيئا، بل الكرام الكاتبون أوقعوا فيها الكتابة، وليس هذا المقصود، بل المعنى: أن كل شيء مفعول لهم ثابت في صحائف أعمالهم؛ صغيرا كان أو كبيرا إنما وجب الرفع لتأتي الوصفية التي يستقيم بها المعنى؛ لأن النصب يقتضي أنهم فعلوا في الزبر -أي صحف الأعمال- كل شيء، مع أنهم لم يفعلوا فيها شيئا، بل الكرام الكاتبون أوقعوا فيها الكتابة. وليس هذا هو المقصود، بل المعنى: أن كل شيء مفعول لهم ثابت في صحائف أعمالهم؛ صغيرا كان أو كبيرا. التصريح: 1/ 302. 2 هذه إشارة إلى خلاف النحاة في هذه المسألة، وقد حكي الخلاف في مغني اللبيب، وحاصله: أن للنحاة ثلاثة أقوال: الأول: أنه لا يقع بعد إذا الفجائية إلا الأسماء مطلقا. الثاني: أنها تدخل على الأسماء وعلى الأفعال مطلقا. الثالث: تدخل على الأسماء وعلى الأفعال المقترنة بقد، فإن لم يقترن الفعل لم تدخل عليه. التصريح: 1/ 302-303، ومغني اللبيب: 120 وبعدها.

"تنبيهان" الأول: ليس من أقسام مسائل الباب ما يجب فيه الرفع، كما في مسألة إذا الفجائية؛ لِعدم صدق ضابط الباب عليها، وكلام الناظم يوهم ذلك. الثاني: لم يعتبر سيبويه إيهام الصفة مرجحا للنصب، بل جعل النصب في الآية مثله في: "زيدا ضربته" قال: وهو عربي كثير. السادسة: أن يكون الاسم جوابا لاستفهام منصوب، كـ: "زيدا ضربته" جوابا لمن قال: "أيهم ضربت" أو: "من ضربت"1. ويستويان في مثل الصورة الرابعة، إذا بني الفعل على اسم غير "ما" التعجبية، وتضمنت الجملة الثانية ضميره، أو كانت معطوفة بالفاء؛ لِحصول المشاكلة رفعت أو نصبت، وذلك نحو: "زيد قام وعمرو أكرمته لأجله"، أو: "فعمرا أكرمته"2 بخلاف: "ما أحسن زيدا وعمرو أكرمته عنده" فلا أثر للعطف، فإن لم يكن في الثانية

_ 1 فيترجح نصب "زيدا" لأنه جواب المستفهم به منصوب لفظا في المثال الأول، ومحلا في الثاني. وإنما ترجح النصب؛ ليطابق الجواب السؤال. ومثل المنصوب: المضاف إلى منصوب باعتبار ما كان، نحو: كتاب محمد استعرته جوابا لمن قال: كتاب من استعرت؟ هذا ولم يشر الناظم إلى المسألتين: الخامسة والسادسة من مواضع ترجيح النصب وقد ذكر الأشموني من مواضع ترجيح النصب: أن يقع اسم الاشتغال بعد شبيه بالعاطف على الجملة الفعلية؛ نحو: أكرمت القوم حتى محمدا أكرمته، وما سافر علي لكن محمدا عاتبته. فـ "حتى" و"لكن" حرفا ابتداء أشبها العاطفين، ولم يعتبرا عاطفين هنا؛ لدخولهما على الجمل، والعاطف منهما إنما يدخل على المفرد. التصريح: 1/ 303، والأشموني: 1/ 191. 2 فيجوز في "عمرو" الرفع والنصب على السواء؛ وذلك لأن "زيد قام" جملة ذات وجهين، وهي جملة كبرى؛ لأنها تتضمن جملة صغرى هي: "قام" المبنية على المبتدأ؛ فإن نظر إلى صدرها فهي اسمية، فيرفع "عمر" ليعطف جملة اسمية على مثلها، وكلاهما لا محل له من الإعراب. وإن نظر إلى عجزها نصب؛ ليعطف جملة اسمية على مثلها، وكلاهما لا محل له من الإعراب. وإن نظر إلى عجزها نصب؛ ليعطف جملة فعلية على مثلها، ومحلها الرفع على الخبرية. والرابط بين الجملتين: إما الضمير في "لأجله" أو الفاء؛ لأنها للسببية فتقوم مقام المضير. التصريح: 1/ 304.

ضمير للأول، ولم يعطف بالفاء، فالأخفش والسيرافي يمنعان النصب1، وهو المختار، والفارسي وجماعة يجيزونه2، وقال هشام: الواو كالفاء. [أحكام تتعلق بالاشتغال] : وهذه أمور متممات لما تقدم: أحدها: أن المشتغل عن الاسم السابق كما يكون فعلا، كذلك يكون اسما، لكن بشروط ثلاثة: أحدها: أن يكون وصفا3، الثاني: أن يكون عاملا، الثالث: أن يكون صالحا للعمل فيما قبله، وذلك نحو: "زيد أنا ضاربه الآن أو غدا" بخلاف نحو: "زيد عليكه" و: "زيد ضربا إياه" لأنهما غير صفة، نعم يجوز النصب عند من جوز تقديم معمول اسم الفعل، وهو الكسائي، ومعمول المصدر الذي لا ينحل بحرف مصدري، وهو المبرد والسيرافي، وبخلاف نحو: "زيد أنا ضاربه أمس" لأنه غير عامل على الأصح، و: "زيد أنا الضاربه" و: "وجه الأب زيد حسنه"؛ لأن الصلة والصفة المشبهة لا يعملان فيما قبلهما.

_ 1 أي: بناء على أن العطف على الصغرى؛ لأن المعطوف على الخبر خبر، ولا بد فيه من رابط، وهو مفقود -هنا- فإن عطف على الكبرى ترجح الرفع؛ وإلى هذا، أشار الناظم: وإن تلا المعطوف فعلا مخبرا ... به عن اسم، فاعطفن مخيرا والمقصود: إذا وقع الاسم المشتغل عنه بعد عاطف تقدمته جملة فعلية، هي خبر عن المبتدأ؛ فأنت بالخيار؛ بين العطف على ما قبله، عطف جملة فعلية على مثلها، أو عطف جملة اسمية على اسمية؛ مراعاة للصدر أو العجز: ضياء السالك: 2/ 76، وشرح التصريح: 1/ 303. 2 أي: يجيزون النصب مع العطف على الجملة الصغرى، ويكون ذلك مستثنى مما يحتاج إلى رابط؛ واستدلوا بإجماع القراء على نصب: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا} وهي معطوفة على: {يَسْجُدَان} من قوله تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} ، وليس فيها ضمير يعود إلى النجم والشجر؛ ويبرر الاستثناء أنهم يغتفرون في الثواني ما لا يغتفرون في الأوائل. ابن عقيل: 1/ 411، وانظر شرح التصريح: 1/ 303-304، وحاشية الصبان: 2/ 80-81. 3 انظر الشروط في أول البحث.

الثاني: لا بد في صحة الاشتغال من عُلْقَة بين العامل والاسم السابق، وكما تحصل العلقة بضميره المتصل بالعامل، كـ: "زيدا ضربته"، كذلك تحصل بضميره المنفصل من العامل بحرف الجر، نحو: "زيدا مررت به" أو باسم مضاف، نحو: "زيدا ضربت أخاه" أو باسم أجنبي أتبع بتابع مشتمل على ضمير الاسم بشرط أن يكون التابع نعتا له، نحو: "زيدا ضربت رجلا يحبه" أو عطفا بالواو، نحو: "زيدا ضربت عمرا وأخاه" أو عطف بيان، كـ: "زيدا ضربت عمرا أخاه" فإن قدرت الأخ بدلا بطلت المسألة رفعت أو نصبت، إلا إذا قلنا عامل البدل والمبدل منه واحد صح الوجهان. الثالث: يجب كون المقدر في نحو: "زيدا ضربته"1 من معنى العامل. المذكور ولفظه، وفي بقية الصور2 من معناه دون لفظه، فيقدر: جاوزت زيدا مررت به3، وأهنت زيدا ضربت أخاه4. الرابع: إذا رفع فعلٌ ضميرَ اسم سابق، نحو: "زيد قام" أو: "غضب عليه"5

_ 1 أي: مما يكون فيه العامل متعديا بنفسه، وناصبا لضمير الاسم السابق بنفسه. 2 المقصود ببقية الصور ما يلي: أ- أن يكون العامل متعديا ناصبا لاسم ظاهر مضاف إلى ضمير عائد إلى الاسم السابق؛ نحو مثال المؤلف: زيدا ضربت أخاه؛ أو عمرا عرفت أباه أو نحو ذلك. ب- أن يكون العالم لازما ناصبا للمشغول به بحرف الجر؛ والمجرور: ضمير الاسم السابق؛ نحو: زيدا مررت به، والجائزة فرحت بها. ج- أن يكون العامل لازما ناصبا للمشغول به بحرف الجر؛ والمجرور: اسم ظاهر مضاف إلى ضميره؛ نحو: زيدا مررت ببستانه، والكريم وقفت ببابه؛ وهنا نقدر فعلا يتفق مع المعنى، نحو: لابست زيدا مررت ببستانه، ولا يقدر جاوزت؛ لأننا لم نجاوز زيدا، ولم نمرر به، وإنما حدث ذلك لبستانه. ابن عقيل: 1/ 413، وانظر شرح التصريح: 1/ 307، حاشية الصبان: 2/ 82-83. 3 لأن "مررت" لا تصل إلى الاسم بنفسها؛ لكون الفعل لازما، كما أسلفنا. 4 لكون الضرب لم يقع على زيد، وإنما حصلت له إهانة من جراء ضرب الأخ. 5 أتى المؤلف بمثالين؛ ليدل على أنه لا فرق بين أن يكون الضمير المرفوع على الفاعلية، كالمثال الأول "زيد قام"، أو على النيابة عن الفاعل كالمثال الثاني "غضب عليه"؛ فالهاء -هنا في محل رفع نائب فاعل لـ "غضب".

أو ملابسا لضميره، نحو: "زيد قام أبوه" فقد يكون ذلك الاسم واجب الرفع بالابتداء، كـ: "خرجت فإذا زيد قام" و: "ليتما عمرو قعد" إذا قدرت "ما" كافة1. أو بالفاعلية2، نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} 3 و: "هلا زيد قام".

_ 1 أي: يكون الاسم المرفوع واقعا بعد أداة تختص بالدخول على الأسماء، نحو: إذا الفجائية ومن الأدوات التي تختص بالأسماء "ليت" المكفوفة بـ "ما" الكافة؛ أما إذا كانت "ما" المتصلة زائدة غير كافة، فإن ليت تكون عاملة على أصلها؛ فيتعين نصب الاسم الذي يليها على أنه اسم "ليت"؛ وإن قدرت "ما" مصدرية، تؤول مع ما بعدها بمصدر؛ فإنه يجب رفع الاسم التالي لها على الفاعلية لفعل محذوف، ويكون المصدر المؤول من الفعل المقدر وفاعله منصوبا على أنه اسم "ليت"؛ وخلاصة القول: للاسم بعد "ليتما" ثلاث حالات هي: أ- وجوب الرفع على أنه مبتدأ، وذلك إذا قدرت "ما" كافة. ب- جواز النصب على أنه اسم "ليت"، وذلك إذا قدرت "ما" زائدة غير كافة؛ وجواز الرفع لجواز الإعمال والإلغاء على المشهور. ج- وجوب الرفع على الفاعلية بفعل محذوف، وذلك إذا قدرت "ما" مصدرية. انظر شرح التصريح: 1/ 307-308، وحاشية الصبان. 2 وذلك، إذا وقع الاسم المرفوع بعد أداة، لا يجوز أن يليها إلا الفعل كأدوات الشرط، كما في الآية الواردة في النص، وأدوات التحضيض؛ ومعلوم أن هذا جار على مذهب البصريين؛ أما الكوفيون، فإنهم يجيزون دخول أدوات الشرط، وأدوات التحضيض على الأسماء؛ وعلى مذهبهم يجوز أن يكون الاسم مرفوعًا بعدها على الابتداء، غير أن النصب أرجح. انظر ابن عقيل: 1/ 409، وشرح التصريح: 1/ 308. 3 "9" سورة التوبة، الآية: 6. موطن الشاهد: {إِنْ أَحَدٌ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أحد" فاعلا لفعل محذوف يفسره المذكور بعده؛ لأن "إن" أداة شرط؛ وأدوات الشرط والتحضيض تختص بالأفعال -على رأي جمهور البصريين- فارتفاع "أحد" على الفاعلية -خلافا للكوفيين، كما أسلفنا.

وقد يكون راجح الابتدائية على الفاعلية1، نحو: "زيد قام" عند المبرد ومتابعيه، وغيرهم يوجب ابتدائيته؛ لِعدم تقدم طالب الفعل. وقد يكون راجح الفاعلية على الابتدائية2، نحو: "زيد ليقم"3، ونحو "قام زيد وعمرو قعد"، ونحو: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} 4 و: {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ} 5. وقد يستويان نحو: "زيد قام وعمرو قعد عنده".

_ 1 وذلك متى تقدم اسم مرفوع، ولم تسبقه أداة تختص بالأفعال، أو أداة تختص بالأسماء؛ ويتأخر عنه فعل قاصر؛ وللعلماء في هذه الحالة مذاهب: أ- ترجيح الرفع على الابتداء؛ لأن ذلك لا يحتاج إلى تقدير؛ وهو مذهب الفراء ومن تابعه. ب- ترجيح رفعه على أنه فاعل بفعل محذوف؛ وهو مذهب ابن العريف. ج- وجوب رفعه على الابتداء، وهو مذهب البصريين. د- جواز رفعه على أنه فاعل الفعل المتأخر عنه؛ وهو مذهب الكوفيين. انظر شرح التصريح: 1/ 308. 2 أي: من نفي أو استفهام. 3 وذلك أن يأتي الاسم مرفوعا، ويليه فعل طلبي؛ نحو: عمرو ليذهب؛ أو أن يكون الاسم المرفوع مسبوقا بأداة يغلب دخولها على الأفعال؛ نحو: أأعداؤنا يهددوننا؟ أو أن يسبق الاسم المرفوع بجملة فعلية، ويليه فعل؛ فيترجح الرفع على الفاعلية أيضا؛ ليكون تناسب بين المتعاطفين "جملة فعلية على جملة فعلية"؛ نحو: خسر خالد وزهير ربح. 4 "64" سورة التغابن، الآية: 6. موطن الشاهد: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} . وجه الاستشهاد: إعراب "بشر" فاعلا لفعل محذوف؛ تفسيره المذكور بعده؛ لأنه سبق بهمزة الاستفهام التي يغلب دخولها على الأفعال؛ وحكم إعرابه فاعلا لفعل محذوف الجواز مع الترجيح لما ذكرنا. 5 "56" سورة الواقعة، الآية: 59. موطن الشاهد: {أََأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ} . وجه الاستشهاد: إعراب "أنتم" فاعلا لفعل محذوف يفسره المذكور بعده؛ لأنه سبق بهمزة الاستفهام -كما في الآية السابقة- وحكم إعرابه فاعلا لفعل محذوف الجواز مع الترجيح. =

..........................................................................

_ = فائدة: قال في الهمع: يشترط في الاسم المشغول عنه: أن يكون قابلا للإضمار؛ فلا يصح الاشتغال عن الحال، أو تمييز، أو مصدر مؤكد، أو مجرور بما لا يجر المضمر؛ كحتى والكاف، وأن يكون مفتقرا لما بعده. فليس من الاشتغال، نحو: في الدار محمد فأكرمه. وأن يكون واحدا لا متعددا وأن يكون مختصا، لا نكرة محضة؛ ليصح رفعه بالابتداء؛ فليس من الاشتغال قوله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} بل رهبانية معطوف على ما قبله بتقدير مضاف؛ أي: ابتدعوها صفة. حاشية يس على التصريح: 1/ 308.

باب اللازم والمتعدي

[باب اللازم والمتعدي] : هذا باب التعدي واللزوم: [أنواع الفعل من حيث التعدي واللزم] : الفعل ثلاثة أنواع1: أحدها: ما لا يوصف بتعدٍّ ولا لزوم، وهو: "كان" وأخواتها، وقد تقدمت. الثاني: المتعدي، وله علامتان؛ إحداهما: أن يصح أن يتصل به هاء ضمير غير

_ 1 في اللغة أفعال تتعدى حينا بنفسها، وحينا بحرف الجر؛ نحو: "نصح وشكر" فيستعمل كلا هذين الفعلين -على سبيل المثال- متعديين في مثل: نصحته وشكرته على الهدية، كما يستعملان لازمين في نحو: نصحت له، وشكرت له حسن إصغائه؛ فمثل هذين الفعلين وما شابههما، يكون استعمالهما متعديين لغة قبيلة، واستعمالهما لازمين لغة قبيلة أخرى؛ فهي بالنظر إلى كل قبيلة على حدتها داخلة في أحد القسمين المتعدي واللازم؛ وللنحاة في هذه الأفعال ثلاثة آراء: الأول: أن هذا النوع من الأفعال قسم مستقل بذاته؛ فليس هو من قبيل المتعدي، ولا من قبيل اللازم؛ وأصحاب هذا الرأي نظروا إلى الاستعمالين معا، فلم يجرؤوا على التمييز بين استعمال وآخر؛ لأن كلا الاستعمالين منقول عمن يحتج بلغتهم من العرب. الثاني: أن ننظر إلى الاستعمال الذي يعدي هذه الأفعال بحرف الجر فنجعله -هو الأصل، ثم نجعل ما نتصوره متعديا بنفسه منقولا عن اللازم بحذف حرف الجر؛ وإيصال الفعل إلى ما كان مجرورا، وهو ما يسميه علماء اللغة: "الحذف والإيصال". واختار هذا الرأي ابن عصفور. الثالث: أن ننظر إلى الاستعمال الذي يعدي هذه الأفعال بنفسها، فنجعله -هو- الأصل، ثم نجعل الاستعمال الآخر الذي يعديها بحرف الجر من باب زيادة حرف الجر، وهذي رأي ذكره أبو حيان وفيه نظر. انظر حاشية يس على التصريح: 1/ 308-309.

المصدر، الثانية: أن يبنى منه اسم مفعول تام، وذلك كـ: "ضرب" ألا ترى أنك تقول: "زيد ضربه عمرو" فتصل به هاء ضمير غير المصدر وهو: "زيد"، وتقول: "هو مضروب" فيكون تاما. وحكمه أن ينصب المفعول به، كـ: "ضربت زيدا" و: "تدبرت الكتب" إلا إن ناب عن الفاعل، كـ: "ضُرِبَ زيد" و: "تدبرت الكتب". الثالث: اللازم، وله اثنتا عشرة علامة، وهي: أن لا يتصل به هاء ضمير غير المصدر، وأن لا يبنى منه اسم مفعول تام، وذلك كـ: "خرج"، ألا ترى أنه لا يقال: "زيد خرجه عمرو" ولا: "هو مخروج" وإنما يقال "الخروج خرجه عمرو" و: "هو مخروج به، أو إليه". وأن يدل على سجية، وهي: ما ليس حركة جسم، من وصف ملازم، نحو: جبن وشجع. أو على عرض، وهو: ما ليس حركة جسم من وصف غير ثابت، كمرض وكسل ونهم إذا شبع. أو على نظافة كنظف وطهر ووضؤ. أو على دنس، نحو نجس وقذر. أو على مطاوعة فاعله لفاعل فعل متعدٍّ لواحد، نحو كسرته فانكسر، ومددته فامتد، فلو طاوع ما يتعدى فعله لاثنين تعدى لواحد كعلَّمته الحساب فتعلمه. أو يكون موازنا لافعلَلَّ كـ "اقشعرَّ واشمأزَّ"، أو لما ألحق به، وهو افوعل، كـ "اكْوَهَدَّ" الفرخ إذا ارتعد. أو لافعنلل كـ "احرنجم"، أو لما ألحق به، وهو افعنلل بزيادة إحدى اللاميين كـ "اقعنسس الجمل" إذا أبى أن ينقاد، وافعنلى كـ "احرنبى الديك" إذا انتفش للقتال. [حكم اللازم أن يتعدى بالجار] : وحكم اللازم: أن يتعدى بالجار، كـ: "عجبت منه"، "مررت به"، و"غضبت عليه".

[حذف الجر شذوذا] : وقد يُحذف ويبقى الجر شذوذا، كقوله1: [الطويل] 235- أشارت كليبٍ بالأكف الأصابع2 أي: إلى كليب.

_ 1 القائل: هو الفرزدق همام بن غالب وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: إذا قيل: أي الناس شر قبيلة؟ والبيت من أبيات يهجو فيها جريرا، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 312، والأشموني: "398/ 1/ 196"، وابن عقيل: "221/ 3/ 39"، والهمع: 2/ 26، 2/ 81، والدرر: 2/ 37، 2/ 106، والخزانة: 3/ 669، 4/ 208، والعيني: 2/ 542، 3/ 354، ومغني اللبيب: "1/ 15" "1098/ 843" وشرح السيوطي: 3، وديوان الفرزدق: 520. المفردات الغريبة: كليب: هو ابن يربوع أبو قبيلة جرير: بالأكف: الباء بمعنى "مع": أي: مع الأكف. المعنى: إذا ما سأل سائل عن شر القبائل وأحقرها؛ أشارت الأصابع مع الأكف إلى "كليب" وأبى المسؤولون النطق باسمها لحقارتها، والتعفف عن ذكر اسمها. الإعراب: إذا: ظرفية متضمنة معنى الشرط. قيل: فعل ماضٍ مبني للمجهول؛ وهو فعل الشرط. أي اسم استفهام، مبتدأ. الناس: مضاف إليه. شر: خبر. "أي" مرفوع، وهو مضاف. قبيلة: مضاف إليه؛ ويجوز أن ينون "شر" لأنه الخبر، وينصب "قبيلة" على التمييز؛ وكلاهما جائز؛ وجملة "المبتدأ والخبر": في محل رفع نائب فاعل -على رأي من يجيز وقوع الجملة في محل رفع فاعل أو نائب فاعل- وجملة "قيل مع نائب الفاعل": في محل جر بالإضافة لـ "إذا". أشارت: فعل ماضٍ والتاء: للتأنيث. كليب: مجرور محرف جر محذوف؛ والتقدير: أشارت إلى كليب؛ و"إلى كليب": متعلق بـ "أشارت" بالأكف": متعلق بمحذوف حال من الأصابع؛ ومعلوم أن الباء هنا تفيد المصاحبة. الأصابع: فاعل "أشارت" مرفوع؛ وتقدير الكلام: أشارت الأصابع حال كونها مصاحبة للأكف إلى كليب. موطن الشاهد: "كليب". وجه الاستشهاد: جر "كليب" بحرف جر محذوف؛ وحكم هذا الجر الشذوذ؛ لأن عامل الجر ضعيف وهو لا يعمل بعد حذفه. غير أن للبيت رواية أخرى برفع "كليب" على أنه لمبتدأ محذوف؛ أي: هي كليب -يكون جمع بين الإشارة والعبارة- ولا شاهد فيه على هذه الرواية.

[حذف الجر وانتصاب المجرور] : وقد يحذف وينصب المجرور، وهو ثلاثة أقسام: 1- سماعي جائز في الكلام المنثور، نحو: "نصحته" و: "شكرته"، والأكثر ذكر اللام، نحو: {وَنَصَحْتُ لَكُمْ} 1 {أَنِ اشْكُرْ لِي} 2. 2- وسماعي خاص بالشعر، كقوله3: [الكامل] 236- ... كَمَا عَسَلَ الطريقَ الثعلَبُ4

_ 1 "7" سورة الأعراف، الآية: 79. موطن الشاهد: {نَصَحْتُ لَكُمْ} . وجه الاستشهاد: مجيء فعل "نصح" لازما متعديا بحرف الجر، وهو أحد استعمالي هذا الفعل؛ حيث يستعمل متعديا بنفسه أيضا؛ واستعماله متعديا بحرف الجر أرجح؛ لأنه لغة التنزيل. 2 "31" سورة لقمان، الآية: 14. موطن الشاهد: {اشْكُرْ لِي} . وجه الاستشهاد: استعمال فعل "شكر" لازما متعديا بحرف الجر؛ وهذا أحد استعمالي هذا الفعل؛ لأنه يستعمل متعديا بنفسه أيضا؛ واستعماله متعديا بحرف الجر أرجح؛ لأنه لغة التنزيل. 3 القائل: هو ساعدة بن جؤية الهذلي؛ أحد بني كعب بن كاهل من سعد هذيل، شاعر من مخضرمي الجاهلية والإسلام، أسلم وليست له صحبة، قال الأصمعي: شعره محشو بالغريب والمعاني الغامضة، وله ديوان شعر مطبوع. الخزانة: 3/ 86، الآمدي: 83، وسمط اللآلي: 115. 4 تخريج الشاهد: هذا قطعة من بيت للشاعر يصف رمحا باللدونة وهو بتمامه: لدن بهز الكف يعسل متنه ... فيه، كما عسل الطريق الثعلب وهو من شواهد: التصريح: 1/ 312، والأشموني: "400/ 1/ 197"، والهمع: 1/ 200، 2/ 81، والدرر: 1/ 169، 2/ 105، والكتاب لسيبويه: 1/ 16، 108، والعيني: 2/ 544، والخصائص: 3/ 319، وأمالي ابن الشجري: 1/ 42، 2/ 248، والخزانة: 1/ 474، وديوان الهذليين: 1/ 901، والمغني "2/ 15، "920/ 681" "976/ 570"، والسيوطي: 5، 299. =

وقوله1: [البسيط] 237- آليت حب العراق الدهر أطعمه2 أي: في الطريق، وعلى حب العراق.

_ = المفردات الغريبة: لدن: لين ناعم. يعسل: يضطرب ويتحرك. متنه: المراد: ظهر الرمح وصدره. المعنى: يصف الشاعر رمحا شديد الليونة؛ فهو لجودته شديد الليونة، يتحرك ويضطرب متنه بسبب هزه باليد، كما يضطرب الثعلب في الطريق خوفا من أن يدرك. الإعراب: لدن: خبر المبتدأ محذوف؛ والتقدير: هو لدن؛ أو صفة لموصوف في البيت السابق. "بهز": معلق بـ "لدن"، وهو مضاف. الكف: مضاف إليه. يعسل: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. متنه: فاعل مرفوع، والهاء: مضاف إليه "فيه": متعلق بـ "يعسل". كما: الكاف حرف جر، و"ما": حرف مصدري مبني على السكون. عسل: فعل ماضٍ. الطريق: منصوب على نزع حرف الجر؛ لأن الأصل: عسل في الطريق. الثعلب: فاعل مرفوع. والمصدر المؤول من "ما وما دخلت عليه": في محل جر بالكاف؛ و"الجار والمجرور": متعلق بمحذوف واقع صفة لمصدر محذوف واقعا مفعولا مطلقا لـ "يعسل" والتقدير: يعسل متن هذا الرمح اللدن في كف صاحبه إذا هزه عسلانا مشابها لعسلان الثقعلب في الطريق. موطن الشاهد: "عسل الطريق". وجه الاستشهاد: انتصاب "الطريق" بعد حذف حرف الجر "في"؛ ومثل هذا الحذف خاص بالشعر. 1 هو: المتلمس: جرير بن عبد المسيح؛ من بني ضبيعة بن ربيعة، وسمي المتلمس لقوله: فهذا أوان العرض حيا ذبابه ... زنابيره والأزرق المتلمسُ كان ينادم عمرو بن هند ملك الحيرة، مع طرفة بن العبد، فهجواه، فكتب إلى عامله بالبحرين كتابين وأرسله معهما ففتح المتلمس كتابه فنجا وقتل طرفة، والمتلمس أشعر المقلين الجاهليين، أتى بصري فهلك بها. الشعر والشعراء: 1/ 179، الأغاني: 21/ 120، الاشتقاق: 192، سمط اللآلي: 302. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: والحب يأكله في القرية السوسُ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 312، والأشموني: "399/ 1/ 197" والكتاب: 1/ 17، وأمالي ابن الشجري: 1/ 365، والعيني: 2/ 548، والمغني: "148/ 134" "445/ 323" "1008/ 769". =

3- وقياسي، وذلك في أن وأن وكي1، نحو: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا

_ = المفردات الغريبة: آليت: حلفت. حب العراق، الحب: اسم جنس جمعي يشمل الحنطة والشعير وغيرهما. أطعمه: أذوقه. السوس: دود يقع في الطعام وفي الصوف. المعنى: أقسمت ألا آكل شيئا من خيرات العراق على الرغم من كونه كثير الخير والحب، فخزائنه مملوءة بالحب الوفير، ولكثرته يأكله السوس. الإعراب: آليت: فعل ماضٍ، والتاء: فاعل. حب: منصوب على نزع الخافض؛ لأن الأصل: أقسمت على حب؛ وحب: مضاف. العراق: مضاف إليه. "الدهر": متعلق بـ "أطعم" الآتي. أطعمه: فعل مضارع مرفوع؛ وهي منفي بـ "لا" محذوفة؛ والتقدير: لا أطعمه، والفاعل: أنا؛ والهاء: ضمير عائد إلى العراق في محل نصب مفعول به. والحب: الواو حالية، الحب: مبتدأ مرفوع. يأكله: فعل مضارع، والهاء: مفعول به. "في القرية": متعلق بـ "يأكل". السوس: فاعل مرفوع. وجملة "يأكله في القرية السوس": في محل رفع خبر المبتدأ "الحب؛ والجملة الاسمية "الحب يأكله في القرية السوس": في محل نصب على الحال. موطن الشاهد: "آليت حب العراق". وجه الاستشهاد: حذف حرف الجرن وانتصاب "حب" لحذف حرف الجر؛ وهو ما يسمى بالنصب على نزع الخافض؛ وحكم حذف حرف الجر -هنا- عدم الجواز إلا للضرورة الشعرية، كما في البيت السابق؛ وأمثلته كثيرة في الشعر العربي. 1 أي حين يكون المجرور مصدرا مؤولا من حرف مصدري من أحد هذه الأحرف المصدرية مع صلته؛ وإنما كان الحذف قياسا في هذه؛ لطولها بالصلة، ولأن دخول الحرف في الظاهر على موصول حرفي غير مستساغ؛ وقد اختلف في محلها بعد الحذف، والأقيس: أنها في محل نصب وإليه ذهب المصنف، وأجازه الخليل وسيبويه، ولكنهما جعلا أقوى منه أن يكون المحل جرا. ورجح النحاة عدم القياس على "أن" و"أن"، فلا تقول "بريت السكين القلم" على أن الأصل: بريت بالسكين القلم. وذهب الأخفش الأصغر -علي بن سليمان البغدادي- إلى جواز القياس عليهما بشرط أمن اللبس واستدل بورود مثل ذلك في قول الشاعر: وأخفي الذي لولا الأسى لقضاني التصريح: 1/ 313. وابن عقيل: 2/ 151-152.

هُوَ} 1، ونحو: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُم} 2، ونحو: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَة} 3، أي بأنه، ومن أن جاءكم، ولكيلا، وذلك إذا قدرت "كي" مصدرية، وأهمل النحويون هنا ذكر "كي"، واشترط ابن مالك في أَنَّ وأَنْ أمن اللبس؛ فمنع الحذف في نحو: "رغبت في أن تفعل" أو: "عن أن تفعل" لإشكال المراد بعد الحذف4، ويشكل عليه: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} 5، فحذف الحرف مع أن المفسرين اختلفوا في المراد.

_ 1 "3" سورة آل عمران، الآية: 18. موطن الشاهد: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ ... } . وجه الاستشهاد: "حذف حرف الجر قبل "أنه"؛ لطوله بالصلة؛ والحذف هنا قياسي؛ والأصل: شهد الله بأنه لا إله إلا هو، ومحل أن وما دخلت عليه النصب على مذهب الخليل بن أحمد وسيبويه في أحد قوليهما؛ لأنهما جعلا أقوى منهما أن يكون المحل جرا وقيل غير ذلك. شرح التصريح: 1/ 313. 2 "7" سورة الأعراف، الآية: 63. موطن الشاهد: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ} . وجه الاستشهاد: حذف حرف الجر قبل "أن جاءكم"؛ لطوله بالصلة؛ والحذف هنا قياسي كما في الآية السابقة. 3 "59" سورة الحشر، الآية: 7. موطن الشاهد: {كَيْ لَا يَكُونَ} . وجه الاستشهاد: حذف حرف الجر قبل "كي لا يكون"؛ والحذف هنا قياسي كما في الآيتين السابقتين. 4 فإنه لا يتضح المراد بعد الحذف، ولا يدرى أهو علم "عن" أو "في" والمعنيان مختلفان، وليس هنالك قرينة تزيل هذا اللبس. 5 "4" سورة النساء، الآية: 127. موطن الشاهد: {أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} . وجه الاستشهاد: حذف الحرف قبل "أن" واختلف النحاة بسبب اللبس لعدم القرينة المرجحة؛ فبعضهم قدر "في أن" وبعضهم قدر "عن أن" واستدل كل على ما ذهب إليه، وأجيب عنه بجوابين، ذكرهما المرادي في شرح النظم؛ أحدهما: أن يكون حذف الحرف اعتمادا على القرينة الرافعة للبس؛ والآخر: أن يكون حذف لقصد الإبهام ليرتدع بذلك من يرغب فيهن لجمالهن ومالهن، ومن يرغب عنهن لدمامتهن وفقرهن، وقد أجاز بعض المفسرين التقديرين وفي الكشاف: يحتمل في أن تنكحوهن؛ لجمالهن وعن أن تنكحوهن لدمامتهن، وتبعه البيضاوي، وإنما اختلف العلماء في المقدر من الحرفين في الآية؛ لاختلافهم في سبب نزولها فالخلاف في الحقيقة في القرينة. التصريح: 1/ 313، ومغني اللبيب: 682، 788.

[تقدم بعض المفاعيل على بعض أصالة] : فصل: لبعض المفاعيل الأصالة في التقدم على بعض: إما بكونه مبتدأ في الأصل، أو فاعلا في المعنى، أو مسرَّحا لفظا أو تقديرا1، والآخر مقيد لفظا أو تقديرا، وذلك كـ: "زيدا" في: "ظننت زيدا قائما" و: "أعطيت زيدا درهما" و: "اخترت زيدا القوم"، أو: "من القوم"2. ثم قد يجب الأصل، كما إذا خيف اللبس، كـ: "أعطيت زيدا عمرا"3، أو كان الثاني محصورا4، كـ: "ما أعطيت زيدا إلا درهما" أو ظاهرا والأول ضمير5، نحو: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} 6.

_ 1 أي غير مقيد بحرف من حروف الجر. 2 تقدم "زيدا" لأنه غير مقيد بجار لفظا وتقديرا، فالرابطة بينه وبين الفعل أقوى؛ لأنه يتعدى إليه بنفسه، و"القوم" مقيدا تقديرا في الأول، ولفظا في الثاني. ومن ذلك قوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا} . 3 حيث يتعين أن يكون المقدم هو المفعول الأول؛ لأن كلا منهما يصلح أن يكون آخذا ومأخوذا؛ فلا بد من التقديم؛ ليكون المتقدم هو الآخذ. 4 أي: أن يكون الحصر واقعا عليه؛ فلو تقدم؛ لفسد الحصر، وزال الغرض منه، ولا مانع من تقديمه مع إلا؛ لأن المحصور فيه هو الواقع بعد إلا مباشرة. ضياء السالك: 2/ 90. 5 أي: أن يكون الثاني اسما ظاهرا، والأول ضميرا متصلا؛ لأنه لو تأخر لانفصل، ولا يعدل عن الاتصال إلا في مسائل، ليس هذا منها؛ ولا مانع من تقديم الثاني على الأول والفعل معا؛ نحو: الكتاب منحتك. انظر شرح التصريح: 1/ 314، وضياء السالك: 4/ 90. 6 "108" سورة الكوثر، الآية: 1. موطن الشاهد: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} . وجه الاستشهاد: جاء المفعول الأول ضميرا متصلا بالفعل "أعطى" والمفعول الثاني جاء اسما ظاهرا؛ وفي هذه الحال، تقدم الأول على الثاني واجب، كما في المتن.

وقد يمتنع كما إذا اتصل الأول بضمير الثاني1، كـ: "أعطيت المال مالكه" أو كان محصورا، كـ: "ما أعطيت الدرهم إلا زيدا" أو مضمرا والأول ظاهر، كـ: "الدرهمَ أعطيته زيدا". و"القوم اخترتهم عمرا". [جواز حذف المفعول لغرض لفظي أو معنوي] : فصل: يجوز حذف المفعول لغرض؛ إما لفظي كتناسب الفواصل2 في نحو: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} 3، ونحو: {إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} 4، وكالإيجاز في نحو: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} 5. وإما معنوي كاحتقاره في نحو: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ} 6، أي: الكافرين، أو

_ 1 أما الامتناع في الأولى فلئلا يعود ضمير على متأخر لفظا ورتبة، وأما في الثاني فلأن المحصور فيه واجب التأخير، وأما في الثالث فلأنه إذا أمكن الاتصال لا يعدل عنه إلى الانفصال إلا فيما يستثنى وليس هذا منه. التصريح: 1/ 314. 2 أي نهاية الجمل المتصلة اتصالا معنويا، ومنها: رءوس الآي التي ذكرها المصنف. 3 "93" سورة الضحى، الآية: 3. موطن الشاهد: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} . وجه الاستشهاد: حذف مفعول "قلى"؛ ليناسب "سجى، والأولى"؛ والأصل: ما ودعك ربك وما قلاك. 4 "20" سورة طه، الآية: 3. موطن الشاهد: {تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} . وجه الاستشهاد: حذف مفعول يخشى؛ لأن التقدير: يخشاه على الأرجح؛ لتكون نهاية الجملة بكلمة مناسبة مشابهة في وزنها لكلمة "تشقى" التي انتهت بها الجملة السابقة. 5 "2" سورة البقرة، الآية: 24. موطن الشاهد: {إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} . وجه الاستشهاد: "حذف المفعول للإيجاز في الموضعين؛ لأن الأصل: فإن لم تفعلوه ولن تفعلوه -أي الإتيان بسورة من مثله- وحكم هذا الحذف الجواز عند وجود القرينة الدالة على المراد. 6 "58" سورة المجادلة، الآية: 21. موطن الشاهد: {لَأَغْلِبَنَّ} . وجه الاستشهاد: حذف المفعول به؛ لأن الأصل: لأغلبن الكافرين؛ ولم يصرح بذكره؛ لاحتقاره؛ وحكم الحذف الجواز عند وجود القرينة الدالة على المراد في الآية السابقة.

لاستهجانه كقول عائشة1 رضي الله عنها: "ما رأى مني ولا رأيت منه"2 أي: العورة. [متى يمتنع حذفه؟] : وقد يمتنع حذفه؛ كأن يكون محصورا، نحو: "إنما ضربت زيدا"، أو جوابا كـ: "ضربت زيدا" جوابا لمن قال: "من ضربت"؟ 3. [جواز حذف ناصب المفعول] : فصل: وقد يحذف ناصبه إن علم، كقولك لمن سدد سهما "القرطاس" ولمن تأهب لسفر "مكة" ولمن قال: من أضرب "شر الناس" بإضمار: تصيب، وتريد، واضرب. [وجوب حذف ناصب المفعول] : وقد يجب ذلك كما لا في الاشتغال، كـ: "زيدا ضربته"4 والنداء، كـ: "يا

_ 1 هي: أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق، تزوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد موت خديجة بثلاث سنوات، وكانت أحب نسائه إليه، ولم يتزوج بكرا غيرها. توفيت سنة 58 هـ. 2 هذا الكلام للسيدة عائشة رضي الله عنها وتعني بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-. موطن الشاهد: "ما رأى مني ولا رأيت منه". وجه الاستشهاد: حذف المفعول به؛ لأن التقدير: في الموضعين "العورة"؛ فحذف المفعول لاستهجانه؛ وحكم الحذف الجواز عند وجود القرينة الدالة على المراد. 3 بقي أنه قد يجب حذف المفعول ولا يجوز ذكره، وذلك كما في باب التنازع إذا أعملت ثاني العاملين في الاسم المتنازع فهي وكان الأول يحتاج إلى منصوب: نحو أن تقول "ضربت وضربني زيد" إذ لو أعملت العامل الأول في ضمير الاسم المتنازع فيه؛ لعاد الضمير على متأخر من غير ضرورة. 4 لأنه لا يجمع بين المفسر والمفسر له.

عبد الله"1، وفي الأمثال نحو: "الكلاب على البقر"2 أي: أرسل، وفيما جرى مجرى الأمثال نحو: {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُم} 3 أي: وأتوا، وفي التحذير بإياك وأخواتها نحو: "إياك والأسد"4 أي: إياك باعد واحذر الأسد، وفي التحذير بغيرهما بشرط عطف أو تكرار، نحو: "رأسك والسيف" أي: باعد واحذر، ونحو: "الأسد الأسد" وفي الإغراء بشرط أحدهما5 نحو: "المروءة والنجدة"، ونحو: "السلاح السلاح" بتقدير الزم.

_ 1 لأن حرف النداء عوض عن العامل المحذوف وجوبا، ولا يجمع بين العوض والمعوض. 2 مثل قالته العرب، يضرب عند تحريش بعض القوم على بعض من غير مبالاة، ويعني: لا ضرر عليك. اترك الناس وشأنهم، واسلك أنت طريق السلامة. والبقر: أي بقر الوحش، ونصب الكلاب: على معنى أرسل الكلاب. وهو من أمثال الميداني: 2/ 142. 3 "4" سورة النساء، الآية: 171. موطن الشاهد: {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} . وجه الاستشهاد: حذف العامل في "خيرا"؛ لأن التقدير: انتهوا وأتوا خيرا؛ ولا يجوز ذكر العامل؛ لما تقدم؛ ويعرب: مفعولا به لفعل محذوف وجوبا؛ وقدَّر بعضُهم "خيرا" خبرا لـ "كان المحذوفة مع اسمها والتقدير: يكون خيرا لكم، غير أن "ما" لا تحذف مع اسمها ويبقى خبرها كثيرا إلا بعد "إن" و"لو" الشرطيتين. التصريح: 1/ 315. فائدة: وجب حذف العامل في الأمثال بالحذف؛ لأن ذكر العامل يغير المثل عما تكلم به العرب، والأمثال لا تغير؛ لأن الغرض من ذكرها في كلام ما تشبيه فضربها بموردها. فلزم أن يلتزم فيها أصله؛ فما جاء منها محذوف الفعل؛ فلا يجوز ذكره؛ ليظل على أصله؛ وما جرى مجرى الأمثال؛ أخذ حكمها، وعومل معاملتها، كما في الآية السابقة. 4 إياك والأسد. إياك: ضمير منفصل في محل نصب مفعول به لفعل محذوف وجوبا؛ ويقدر متأخرا؛ لئلا يتصل الضمير المنفصل. الأسد: مفعول به لفعل محذوف وجوبا؛ ويقدر متقدما؛ وإنما وجب الحذف -هنا- ليتنبه السامع بسرعة، ويبتعد عن الهلاك. 5 أي: العطف أو التكرار؛ ووجب الحذف لقيام العطف أو التكرار مقام العامل.

باب التنازع في العمل

[باب التنازع في العمل] : هذا باب التنازع1 في العمل، ويسمى أيضا باب الإعمال: [معنى التنازع] وحقيقته: أن يتقدم فعلان2 متصرفان، أو اسمان يشبهانهما3، أو فعل متصرف واسم يشبهه، ويتأخر عنهما معمول غير سببي مرفوع4، وهو مطلوب لكل منهما من حيث المعنى5. مثال الفعلين: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} 6، ومثال الاسمين قوله7: [الطويل]

_ 1 التنازع لغة: التجاذب، واصطلاحا ما ذكره المصنف. 2 أي: مذكوران، فلا تنازع بين عاملين محذوفين، أو محذوف أحدهما، وقد يكون التنازع بين أكثر من عاملين. 3 أي: في العمل، لا في التصريف، بدليل التمثيل بقوله تعالى: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} فإن "ها" اسم فعل جامد. والمراد بالاسم المشبه هنا اسم الفاعل، واسم المفعول، والمصدر واسمه، واسم الفعل. ضياء السالك: 2/ 98. 4 أو غير مرفوع؛ لأنه يلزم عليه إسناد أحدهما إلى السببي، والآخر إلى ضميره، فيكون رافع ضمير السببي خاليا من رباط يربطه بالمبتدأ؛ فنحو: زيد قام وقعد أخوه؛ يجعل على أن السببي؛ وهو "أخوه" مبتدأ ثانٍ، والعاملان قبله مع ضميريهما خبران عنه. وهذا الشرط لم يذكره أكثر النحاة. ضياء السالك: 2/ 98. 5 سواء كان الطلب على جهة التوافق في الفاعلية أو المفعولية، أو مع التخالف فيهما. 6 "18" سورة الكهف، الآية: 96. موطن الشاهد: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} القطر: النحاس المذاب. وجه الاستشهاد: أتى عاملان: "آتوني وأفرغ" وتأخر عنهما المعمول؛ فكلاهما يطلبه مفعولا به؛ الأول: يطلبه مفعولا ثانيا؛ والثاني يطلبه مفعولا أول؛ وقد أعمل الثاني في المفعول الظاهر، وأعمل الفعل الأول في ضميره، ومن ثم حذف؛ لكونه فضلة، ولو أعمل الأول في "قطرا" لأعمل الثاني في ضميره، ولقال: أفرغه. 7 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

238- عهدت مغيثا مغنيا من أجرته1 ومثال المختلفَيْن: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} 2.

_ 1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: فلم أتخذ إلا فناءك موئلا وهو من شواهد: التصريح: 1/ 316، والأشموني: "408/ 1/ 202"، والعيني: 3/ 2. المفردات الغريبة: عهدت: أي عهدك الناس وعرفوك. مغيثا: منجدا، وهو اسم فاعل من الإغاثة وهي النجدة. مغنيا: اسم فاعل من الإغناء، وهو ضد الإفقار. أجرته: أي حميته من عدوه، أو كنت له جارا. فناءك: الفناء: ساحة الدار، والمراد: الجوار والقرب. موئلا: ملجأ، وهو اسم مكان من وأل إليه: أي لجأ. المعنى: عرفت بإغاثة الملهوف ونجدته، وعرفت بإغنائك من يستجير بك، ويلجأ إليك؛ فلهذا، لم ألجأ إلى أحد سواك، ولم أتخذ غير جوارك موئلا أميل إليه. الإعراب: عهدت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء: نائب فاعل. مغيثا: حال من نائب الفاعل منصوب. مغنيا: حال ثان من نائب الفاعل؛ وفي كل من الاسمين الواقعين حالين ضمير مستتر فيه هو فاعله؛ لأنهما اسما فاعلين. من: اسم موصول، تنازعه كل من "مغيث" و"مغنٍ" وقد أعمل فيه الثاني منهما، فهو مفعول به لقوله: "مغنيا" و"من" مبني على السكون في محل نصب مفعول به. أجرته: فعل ماضٍ، والتاء: فاعل، والهاء: مفعول به؛ وجملة "أجرته": صلة للموصول، لا محل لها ما الإعراب. فلم: الفاء عاطفة، لم: حرف جزم ونفي وقلب. أتخذ: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه السكون، والفاعل: أنا. إلا: أداة استثناء ملغاة تفيد الحصر. فناءك: مفعول به أول لـ "أتخذ" منصوب، وهو مضاف، والكاف: مضاف إليه. موئلا: مفعول به ثانٍ لـ "أتخذ" منصوب. موطن الشاهد: "مغيثا مغنيا من أجرته". وجه الاستشهاد: تقدم العاملان؛ الاسمان المشبهان للفعل، وهما: "مغيثا" و"مغنيا" وكلاهما اسم فاعل يعمل عمل فعله، وتأخر عنهما معمول واحد، هو "من" وكلاهما صالح للعمل فيه؛ فأعمل الشاعر الثاني لقربه، وأعمل الأول في ضميره؛ ثم حُذِف؛ لأنه فضلة؛ ولو ذكره، قال: عهدت مغيثه مغنيا من أجرته؛ غير أن حذف الضمير في هذه الحال واجب لكيلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة من دون ضرورة. 2 "69" سورة الحاقة، الآية: 19. موطن الشاهد: {هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ} . وجه الاستشهاد: تقدم عاملان مختلفان؛ الأول "هاؤم" وهو اسم فعل بمعنى خذ، والميم علامة الجمع؛ والأصل: هاكم؛ أبدلت الكاف واو، ثم الواو همزة، و"اقرؤوا": فعل أمر مبني على حذف النون، والواو: فاعل وتأخر عنهما معمول واحد يصلح كلا العاملين للعمل فيه؛ فأعمل الثاني لقربه، وحذف من الأول؛ والأصل: هاؤموه.

وقد تتنازع ثلاثة، وقد يكون المتنازع فيه متعددا، وفي الحديث: "تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين" 1 فتنازع ثلاثة في اثنين ظرف ومصدر.

_ 1 حديث صحيح، متفق عليه. انظر صحيح مسلم "مطبعة عيسى الحلبي": 8/ 417. ورواه بلفظ: "تسبحون وتحمدون وتكبرون، خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين" البخاري "دار الفكر": 1/ 213، والسنن الكبرى للبيهقي "تصوير بيروت": 2/ 186 وصحيح مسلم، باب المساجد: 142، 143، وفتح الباري لابن حجر "دار الفكر": 2/ 325، 11/ 135، والترغيب والترهيب للمنذري "مطبعة مصطفى الحلبي": 2/ 450 وتفسير ابن كثير "مطبعة الشعب": 7/ 387، 8/ 51. موطن الشاهد: "تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين". وجه الاستشهاد: تقدم ثلاثة أفعال عاملة، وتأخر عنها معمولان اثنان؛ هما: الظرف "دبر" ونائب المصدر "ثلاثا" وهو مفعول مطلق مبين للعدد؛ وقد أعمل الفعل الأخير لقربه؛ فنصب "دبر" على الظرفية، و"ثلاثا" على المفعولية المطلقة؛ لنيابته عن المصدر؛ وأعمل الفعلين الأول والثاني في ضميريهما، وحذفهما؛ لأنهما فضلتان؛ لأن الأصل: تصبحون الله فيه إياه، ولو أعمل الأول؛ لأضمر عقب الثاني والثالث: "فيه إياه"؛ ولو أعمل الثاني؛ لأضمر ذلك بعد الثالث. فائدة 1: - يمكن أن يكون المتنازع فيه ظرفا، أو مفعولا مطلقا كما في الحديث أو مفعولا معه؛ نحو: قمت وسرت وزيدا؛ على إعمال العامل الثاني؛ فلو أعمل الأول؛ لقيل: قمت وسرت وإياه وزيدا. ومنع ابن الخباز أن يقع التنازع في "المفعول له، والحال، والتمييز". انظر شرح التصريح: 1/ 316. فائدة 2: - إذا تنازع أكثر من عاملين؛ أعمل الأخير منها على الأرجح، وحكى بعضهم فيه الإجماع، قال ابن خروف في شرح كتاب سيبويه: "واستقرأت كلام العرب فوجدت إعمال الثالث، وإلغاء ما عداه" وقال ابن مالك: "وهو كما قال" واعترض بأنه سمع من كلامهم إعمال الأول، وقال المرادي: فدل على أن استقراءه غير تام، ولا يحفظ من كلامهم إعمال الثاني". شرح التصريح: 1/ 316-317.

[امتناع وقوع التنازع بين حرفين] : وقد علم مما ذكرته أن التنازع لا يقع بين حرفين1، ولا بين حرف وغيره، ولا بين جامدين2، ولا بين جامد وغيره3، وعن المبرد إجازته في فعلي التعجب، نحو: "ما أحسن وأجمل زيدا"، و: "أحسن به وأجمل بعمرو"4، ولا في معمول متقدم5، نحو: "أيهم ضربت وأكرمت"، أو: "شتمته" خلافا لبعضهم6، ولا في معمول متوسط نحو: "ضربت زيدا وأكرمت" خلافا للفارسي، ولا في نحو7: [الطويل] 239- فهيهات هيهات العقيقُ ومَن به8

_ 1 أي لضعف الحرف، ولأنه لا يضمر فيه. وصحة الإضمار شرط من المتنازعين. 2 لأن التنازع يقع فيه الفصل بين العامل والمعمول، والجامد لا يفصل بينه وبين معموله لضعفه. التصريح: 1/ 317. 3 ينبغي أن يقيد ذلك بما إذا كان الجامد هو الفعل، وكان متقدما، فإن كان الجامد غير الفاعل، نحو: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} جاز، وكذلك إذا تأخر؛ نحو: أعجبني ولست مثل محمد. 4 أعمل الثاني في المثالين، وجاء في المثال الثاني مع الأول المهمل بالضمير المجرور بالباء، ولم يحذفه؛ لأنه فاعل، فهو عمدة على الصحيح، ويجب حذفه عند القائلين بأنه فضلة. وتقول في المثالين على إعمال الأول: ما أحسن وأجمله زيدا -وأحسِنْ وأجْمِلْ به بعمرو. 5 لأن الثاني لا يأتي إلا بعد أن يكون الأول قد أخذ معموله المتقدم. 6 هم بعض المغاربة، حيث أجاز التنازع في المتقدم مستدلا بقوله تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} ولا دلالة له في ذلك؛ لأن الأول أخذ المعمول، ومعمول الثاني محذوف لدلالة الأول عليه. التصريح: 1/ 318. 7 القائل: هو جرير بن عطية وقد مرت ترجمته. 8 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: وهيهات خِلٌّ بالعقيقِ نواصِلُهْ والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 318، 2/ 199، والهمع: 2/ 111، والدرر: 2/ 145 =

خلافا له وللجرجاني1؛ لأن الطالب للمعمول إنما هو الأول، وأما الثاني فلم يؤتَ به للإسناد، بل لمجرد التقوية، فلا فاعل له، ولهذا قال2: [الطويل] 240- أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس3

_ = والعيني: 3/ 7، 4/ 311، والمقرب: 26، وشرح المفصل: 4/ 35، والخصائص: 3/ 42، والنقائض لأبي عبيدة: 632، وقطر الندى: "114/ 347"، وديوان جرير: 479. المفردات الغريبة: هيهات: اسم فعل ماضٍ بمعنى بعد. العقيق: مكان بالحجاز. خل: خليل وصديق. نواصله: نصله من المواصلة والوصال. المعنى: بعد عنا كثيرا ذلك الموضع ومن يقطن به من الأحباب والأصدقاء، وبعد الصديق الذي كنا نأنس به، ويصلنا ونصله. الإعراب: هيهات: اسم فعل ماضٍ بمعنى بعد. هيهات: توكيد للأول. العقيق: فاعل "هيهات" الأول. و"هيهات" الثاني لا فاعل له؛ لأنه إنما أتى به لتقوية معنى البعد المسند إلى العقيق. ومن: الواو عاطفة، من: اسم موصول معطوف على العقيق في محل رفع. "به": متعلق بمحذوف صلة الاسم الموصول. وهيهات: الواو عاطفة. هيهات: اسم فعل ماضٍ. خل: فاعل هيهات الأخير مرفوع. "بالعقيق": متعلق بمحذوف صفة لـ "خل". نواصله: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: نحن، والهاء: مفعول به. موطن الشاهد: "هيهات هيهات العقيق". وجه الاستشهاد: استشهد بهذا البيت على عدم وجود التنازع؛ لأن "هيهات" الثاني توكيد لاسم الفعل الأول؛ والأول: هو العامل، وجيء بالثاني؛ لتقوية الأول وتوكيده، حيث أكد به البعد، ومن -هنا- ندرك أن المعمول ليس مطلوبا لهما معا، وإنما هو مطلوب في المعنى للأول ليس غير. 1 هو أبو بكر: عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني، النحوي الفارسي، إمام العربية واللغة والبيان، أول من دون علم المعاني، تخرج على أبي الحسن محمد بن الحسن الفارسي "ابن أخت أبي علي الفارسي" ولم يقرأ على غيره، له مؤلفات مفيدة منها: شرح الإيضاح، دلائل الإعجاز، أسرار البلاغة ... وغيرها. مات سنة: 471 هـ. البلغة: 126، إنباه الرواة: 2/ 188، بغية الوعاة: 2/ 106، شذرات الذهب: 3/ 340، الأعلام: 4/ 174. 2 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: فأين إلى أين النحاة ببغلتي =

ولو كان من التنازع لقال: "أتاك أتوك" أو: "أتوك أتاك"، ولا في نحو1: [الطويل] 241- وعزة ممطول معنّىً غَرِيمُهَا2

_ = وهو من شواهد: التصريح: 1/ 318، والأشموني: "406/ 1/ 201"، والهمع: 2/ 111، 125، والدرر: 2/ 145، 158، وأمالي ابن الشجري: 1/ 243، والخزانة: 2/ 353، والعيني: 3/ 9. المفردات الغريبة: البغلة: أنثى البغال، والواحد بغل. المعنى: يخاطب الشاعر نفسه، وهو ملاحق من قبل خصومه: أين أذهب؟! وإلى أي مكان أنجو ببغلتي؟! وقد كان خصومي يلحقون بي، وما علي إلا أن أقف حيث أنا، وليكن ما يكون؛ وهذا المعنى الأرجح لهذا البيت. الإعراب: أتاك: فعل ماضٍ، والكاف: مفعول به. أتاك: توكيد لـ "أتاك" الأول غير عامل في "الكاف" المتصلة به؛ وإنما جيء بها؛ ليوافق لفظ الأول. "اللاحقون: فاعل مرفوع لـ "أتى" الأول. احبس: فعل أمر مبني على السكون، لا محل له من الإعراب، وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين؛ والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنت. احبس: توكيد للفعل الأول، لا محل له من الإعراب، ولا يقدر له فاعل، ولا مفعول. موطن الشاهد: "أتاك أتاك اللاحقون". وجه الاستشهاد: استشهد بهذا البيت على عدم وجود التنازع في هذه الصورة -كما في البيت السابق- لأن العامل هو الأول، وجيء بالثاني؛ لمجرد تأكيد الأول وتقويته ليس غير. 1 هذا البيت من كلام كثير بن عبد الرحمن، المعروف بكثير عزة وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: قضى كل ذي دين فوفى غريمه وهو من شواهد: التصريح: 1/ 318، والأشموني: "11/ 1/ 203"، والهمع: 2/ 111، والدرر: 2/ 146، والعيني: 3/ 3، وشرح المفصل: 1/ 8، والإنصاف: 1/ 90، وحماسة ابن الشجري: 543، وشذور الذهب: "225/ 547"، وديوان كثير: 1/ 177. المفردات الغريبة: الغريم: المدين الذي عليه الدين. وهو أيضا: الذي له الدين ويستحقه، وهو المراد هنا. ممطول: اسم مفعول، من المطل وهو التسويف في قضاء الدين. =

بل: "غريمها" مبتدأ، و"ممطول" و"معنَّى" خبران، أو: "ممطول" خبر، و: "معنَّى" صفة له، أو حال من ضميره. ولا يمتنع التنازع في نحو: "زيد ضرب وأكرم أخاه" لأن السببي منصوب1.

_ = المعنى: إن كل مدين وفَّى بما عليه من دين لصاحب الدين، غير عزة؛ فإنها مماطل غريمها ولا توفيه حقه؛ ويريد أنه تبخل على محبها، ولا تصله أو تنوله مراده. الإعراب: قضى: فعل ماضٍ. كل: فاعل مرفوع. ذي: مضاف إليه وهو مضاف. دين مضاف إليه ثانٍ. فوفى: الفاء عاطفة. وفى: فعل ماضٍ، والفاعل: هو. غريمه: مفعول به، والهاء: مضاف إليه. وعزة: الواو حالية. عزة: مبتدأ مرفوع. ممطول: خبر أول مرفوع لـ "غريمها" المبتدأ الثاني المؤخر. معَنّى: خبر ثانٍ لـ "غريمها". غريمها: مبتدأ مؤخر مرفوع، و"ها": مضاف إليه. وجملة المبتدأ الثاني وخبره": في محل رفع خبر المبتدأ الأول: "عزة"؛ وجملة "عزة ممطول معنَّى غريمها": في محل نصب على الحال. موطن الشاهد: "وعزة ممطول معنى غريمها". وجه الاستشهاد: استشهد المؤلف بهذا البيت؛ ليبين أن لا تنازع فيه: "وعزة ممطول معنى غريمها" وإن كان من حيث الظاهر، يقتضي كل من "ممطول" و"معنى" يطلبان "غريمها" على أنه نائب فاعل؛ لأن شرط التنازع عند ابن مالك وابن هشام ألا يكون المتنازع فيه سببيا مرفوعا، ولو جعل من باب التنازع، كان "غريمها" سببيا؛ لأنه اسم ظاهر مضاف إلى ضمير عزة، وهو مرفوع؛ لأنه نائب فاعل حينئذ، ولذا خرجه المؤلف في المتن، كما أعربناه. 1 أي: بأحد العاملين، والرابط هو الضمير المستتر، أو المضاف إليه السببي وقيل: بامتناع التنازع السببي المنصوب كالمرفوع؛ لأنك لو أعملت الأول أو الثاني، فلا بد من ضمير يعود على السببي. وضمير السببي، لا يتقدم عليه. قال ابن خروف: لأنه لو تقدم لكان عوضا عن اسمين: مضاف ومضاف إليه -وهذا لا سبيل إليه- فالوجه امتناع التنازع في السببي مطلقا: مرفوعا أو منصوبا قال صاحب التصريح: ولا يقع التنازع في الاسم المرفوع بعد "إلا" على الصحيح، كقول الشاعر: ما صاب قلبي وأضناه وتيمه ... إلا كواعب من ذهل بن شيبانا لأنه لو كان من باب التنازع؛ لزم إخلاء العامل الملغى من الإيجاب، ولزم كذلك في مثل: ما قام وقعد إلا أنا -إعادة ضمير غائب على حاضر. التصريح: 1/ 319.

[جواز إعمال أحد المتنازعين اتفاقا] : فصل: إذا تنازع العاملان جاز إعمال أيهما شئت باتفاق1، واختار الكوفيون الأول لسبقه، والبصريون الأخير لقربه2. فإن أعملنا الأول في المتنازع فيه أعملنا الأخير في ضميره، نحو: "قام وقعدا، أو وضربتهما، أو مررت بهما، أخواك"، وبعضهم يجيز حذف غير المرفوع؛ لأنه فضلة، كقوله3: [الكامل] 242- بعكاظَ يُعشِي الناظريـ ... ـن إذا هم لمحوا شعاعُهْ4 ولنا أن في حذفه تهيئة العامل للعمل وقطعه عنه، والبيت ضرورة.

_ 1 أي من البصريين والكوفيين، فقد سمع عن العرب إعمال كل منهما، والخلاف بينهما إنما هو في المختار لا في أصل الجواز. 2 ما جاء من التنازع في آي القرآن الكريم، وفي الحديث الشريف، جارٍ على إعمال العامل الأقرب إلى المعمول، فقوله تعالى: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} العامل في "كتابيه" هو اقرؤوا؛ إذ لو كان العامل هو "هاؤم" لكان يقال: هاؤم اقرؤوه كتابيه. ومثله قوله تعالى: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} . وهذا يرجح رأي البصريين الذين يعملون الأخير لقربه. 3 القائل: هو عاتكة بنت عبد المطلب، عمة النبي -صلى الله عليه وسلم-. 4 تخريج الشاهد: هذا بيت من قصيدة، تقولها عاتكة بنت عبد المطلب، رواها أبو تمام في ديوان الحماسة تصف فيها سلاح قومها، وقبله قوله: سائِلْ بنا في قومنا ... وليَكْفِ من شر سماعُه قيسًا، وما جمعوا لنا ... في مجمع باقٍ شناعُه فيه السنوَّر والقنا ... والكبش ملتمع قناعُه والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 320، والأشموني: "419/ 1/ 206"، وابن عقيل: "161/ 2/ 165"، والمقرب: والعيني: 3/ 11، والهمع: 2/ 109، والدرر: 2/ 142 ومغني اللبيب: "1033/ 797" وشذور الذهب: "227/ 549"، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: 473. المفردات الغريبة: عكاظ: موضع بناحية مكة كانت تقام فيه سوق للعرب في الجاهلية كل سنة، تمكث شهر ذي القعدة، يتبايعون فيه، ويتناشدون الأشعار ويتفاخرون، فلما جاء الإسلام هدم ذلك كله. يعشي: مضارع "أعشاه" إذا أصابه بالعشا؛ وهو ضعف =

وإن أعملنا الثاني، فإن احتاج الأول لمرفوع فالبصريون يضمرونه؛ لامتناع حذف العمدة، ولأن الإضمار قبل الذكر قد جاء في غير هذا الباب نحو: "رُبَّهُ رَجُلا" و: "نعم رجلا" وفي الباب نحو: "ضربوني وضربت قومك" حكاه سيبويه، وقال الشاعر1: [الطويل] 243- جفوني ولم أجف الأخلاء، إنني2

_ = البصر ليلا. والمراد -هنا- ضعف البصر مطلقا. لمحوا: من اللمح؛ وهو سرعة إبصار الشيء. شعاعه: ضوءه وبريقه. المعنى: تصف الشاعرة سلاح قومها؛ فإنه حين عرض بعكاظ، كان؛ لشدة بريقه ولمعانه يضر بصر المبصرين إذا ما نظروا إليه بسرعة. الإعراب: "بعكاظ": متعلق بـ "مجمع" في البيت السابق؛ وعكاظ: ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. يعشي: فعل مضارع مرفوع. الناظرين: مفعول به منصوب. إذا: ظرفية متضمنة معنى الشرط، في محل نصب على الظرفية الزمانية. هم: فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده؛ وهو الأفضل. وقد أعرب العيني "إذا" فجائية، و"هم" مبتدأ، وجملة "لمحوا": خبره. وأما على ما ذهبنا إليه في الإعراب؛ فجملة "لمحوا": تفسيرية، لا محل لها. شعاعه: شعاع: فاعل يعشي مرفوع، وهو مضاف، والهاء، مضاف إليه. موطن الشاهد: "يعشي ... لمحوا شعاعه". وجه الاستشهاد: تنازع كل من "يعشي" و"لمحوا" العمل في "شعاعه" وقد أعمل الأول ورفع "شعاعه" على أنه فاعله، وأعمل الثاني في ضميره؛ فنصبه على أنه مفعول به، ثم حذف؛ لأنه فضلة؛ ولو ذكره لقال: إذا هم لمحوه شعاعه؛ وهذا الحذف؛ يأتي لضرورة الشعر -عند البصريين- الذين يعملون المتأخر لقربه؛ بينما هو جائز عند الكوفيين الذين يعملون العامل الأول؛ لتقدمه. 1 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: لغير جميل من خليلي مهمل وهو من شواهد: التصريح: 1/ 321، والأشموني: "381/ 1/ 179"، والهمع: 1/ 109، والدرر: 1/ 45، والعيني: 3/ 14، ومغني اللبيب: "874/ 635"، وشرح السيوطي: 296. المفردات الغريبة: جفوني: من الجفاء وهو ترك المودة. الأخلاء: جمع خليل وهو اسم فاعل من أهمل الأمر إذا لم يعبأ به ولم يلقِ إليه بالا. =

والكسائي وهشام والسهيلي1 يوجبون الحذف2، تمسكا بظاهر قوله3: [الطويل] 244- تعفق بالأرطى لها وأرادها ... رجال ... 4

_ = المعنى: هجرني الأصدقاء وقطعوا مودتي وصلتي، وتتبعوا عوراتي، ولم يقوموا بواجب الصداقة؛ من البر والوفاء. أما أنا: فلم أقابلهم بالمثل؛ لأني أهمل وأترك ما ليس بحسن من أفعال أصدقائي. الإعراب: جفوني: فعل ماضٍ، والواو: فاعل، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به. ولم أجف: حرف جازم، وفعل مضارع مجزوم، والفاعل: أنا. الأخلاء: مفعول به منصوب. إنني: حرف مشبه بالفعل، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب اسم "إن". "لغير": متعلق بـ "مهمل" الآتي. جميل: مضاف إليه. "من خليلي": متعلق بمحذوف صفة من "جميل"، والياء: مضاف إليه. مهمل: خبر "إن" مرفوع، والتقدير: إنني مهمل لغير جميل حاصل من خليلي. موطن الشاهد: "جفوني ولم أجف الأخلاء". وجه الاستشهاد: إعمال العامل الثاني "لم أجف" في المعمول المتأخر "الأخلاء"، فنصبه على أنه مفعول به؛ وأعمل العامل الأول، "جفوني" في ضميره "واو الجماعة"؛ ولزم -على هذا- عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة، وهو جائز في هذا الباب؛ لأن المرفوع لا بد من ذكره في مثل هذا الشاهد. 1 مرت ترجمته وافية لكل واحد منهم في محلها. 2 أي حذف الضمير المرفوع، فرارًا من الإضمار قبل الذكر. 3 القائل هو علقمة بن عبدة، المعروف بعلقمة الفحل، وسمي بالفحل لأنه فضل على امرئ القيس عندما احتكما إلى أم جندب زوجة امرئ القيس، وقيل لأنه يعرف بذلك عن علقمة آخر معروف بعلقمة الخصي، وهو شاعر جاهلي من بني تميم، له شعر جيد، منه ثلاث روائع جياد ذكرهن ابن سلام. الجمحي: 1/ 139، والشعر والشعراء: 1/ 218، والخزانة: 1/ 565، المؤتلف: 152. 4 تخريج الشاهد: هذا قطعة من بيت، يمدح فيه الشاعر الحارث بن جبلة الغساني، وهو بتمامه: تعفق بالأرطى لها وأرادها ... رجال فبذَّت نبلُهُم وكليبُ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 321، والأشموني: "414/ 1/ 204"، والمقرب: 54 والعيني: 3/ 15، والمفضليات: 393، وديوان علقمة: 132. المعنى: استتر واختفى وراء هذه الشجرة -لاصطياد تلك البقرة الوحشية، وأراد =

إذ لم يقل: "تعفقوا" ولا: "أرادوا". والفراء يقول: إن استوى العاملان في طلب المرفوع فالعمل لهما، نحو: "قام وقعد أخواك" وإن اختلفا أضمرته مؤخرا، كـ: "ضربني وضربت زيدا هو". وإن احتاج الأول لمنصوب لفظا أو محلا، فإن أوقع حذفه في لبس أو كان العامل من باب: "كان" أو من باب: "ظن" وجب إضمار المعمول مؤخرا، نحو: "استعنت واستعان علي زيد به1 وكنت وكان زيد صديقا إياه، وظنَّني وظننت زيدا قائما إياه"، وقيل: في باب: "ظن" و: "كان" يضمر مقدما، وقيل: يظهر، وقيل: يحذف، وهو الصحيح؛ لأنه حذف لدليل.

_ = اصطيادها رجال بالنبال، وكلاب صيد، فغلبتهم، وفرَّت، ولم يتمكنوا من اصطيادها؛ لسرعتها التي يشبه سرعة فرسه بها. الإعراب: تعفق: فعل ماضٍ. "بالأرطى": متعلق بـ "تعفق". "لها": متعلق بـ "تعفق" أيضا. وأرادها: الواو عاطفة. وأرادها: فعل ماضٍ؛ و"ها" مفعول به. رجال: فاعل مرفوع. فبذت: الفاء عاطفة، بذت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث؛ والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هي، يعود إلى البقرة. نبلهم: مفعول به منصوب، و"هم": في محل جر بالإضافة، و"هم" يعود إلى الصيادين. وكليب: الواو عاطفة، كليب: اسم معطوف على رجال الواقع فاعلا لـ "أراد" مرفوع. موطن الشاهد: "تعفق ... وأرادها رجال". وجه الاستشهاد: تقدم العاملان: "تعفق"، و"أدارها"، وتأخر المعمول "رجال" وقد أعمل العامل الثاني: "أرادها" ورفع "رجال" فاعلا له. وأعمل الأول "تعفق" في ضميره، وحذفه -مع أنه فاعل- على رأي الكسائي ومن معه، فرارا من الإضمار قبل الذكر؛ ويجوز القول: إن في "تعفق" ضميرا مستترا، يعود إلى "رجال"، وهو وإن كان جمعا، فهو في تأويل المفرد، فصح استتار ضميره مفردا. انظر في هذه المسألة حاشية الصبان: 2/ 102، وشرح التصريح: 1/ 321، وضياء السالك: 2/ 106. 1 "استعان" الأول يطلب زيدا مجرورا بالباء، والثاني يطلبه فاعلا، فأعلمنا الثاني وأضمرنا ضمير زيد مجرورا بالباء مؤخرا. ولم نحذفه؛ لأن حذفه يوقع في لبس؛ لأنه لا يعلم، إن كان زيد مستعانا به أو عليه. وإضماره مقدما يلزم عليه الإضمار قبل الذكر من غير ضرورة. التصريح: 1/ 321.

وإن كان العامل من غير بابي: "كان" و: "ظن" وجب حذف المنصوب1، كـ: "ضربت وضربني زيد"، وقيل: يجوز إضماره، كقوله2: [الطويل] 245- إذا كانت ترضيه ويرضيك صاحب3 وهذا ضرورة عند الجمهور.

_ 1 أي: لفظا ومحلا؛ لأنه فضلة مستغنى عنه، وقال صاحب التسهيل: الحذف أولى وليس بواجب. التصريح: 1/ 322. 2 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: جهارا فكن في الغيب أحفظ للودِّ ويروى بعده قوله: وألغِ أحاديث الوشاة فقلما ... يحاول واشٍ غير هجران ذي وُدِّ والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 322، والأشموني: "417/ 1/ 205"، والعيني: 3/ 21، والهمع: 2/ 110، والدرر: 2/ 144، والمغني: "621/ 638"، والسيوطي: 253، والشذور: "226/ 548". المفردات الغريبة: جهارا: عيانا ومشاهدة. الغيب: كل ما غاب واستتر عنك. ود: مودة ومحبة. المعنى: إذا ما كانت بينك وبين أحد صداقة. وكلاكما راضٍ عنها، يسعى إلى استمرارها؛ فعليك أن تكون في حال غيبة صديقك عنك، أو في حال بعده عنك -أكثر محافظة على تلك المودة والصداقة. الإعراب: إذا: ظرفية متضمنة معنى الشرط، في محل نصب على الظرفية الزمانية. كنت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: اسمه. ترضيه: مضارع مرفوع، والهاء: مفعول به، والفاعل: أنت. ويرضيك: الواو عاطفة، يرضي: فعل مضارع مرفوع، والكاف: مفعول به. صاحب: فاعل مرفوع لـ "يرضيك". فكن: الفاء: واقعة في جواب "إذا" كن: فعل أمر ناقص، واسمه: أنت. "في الغيب": متعلق بمحذوف حال من اسم "كن". أحفظ: خبر "كن" منصوب. "للود": متعلق بـ "أحفظ"؛ وجملة "كن في الغيب أحفظ للسر": جوار "إذا" لا محل لها. موطن الشاهد: "ترضيه ويرضيك صاحب". وجه الاستشهاد: تقدم عاملان: "ترضيه ويرضيك" وتأخر معمول واحد "صاحب" وقد أعمل العامل الثاني "يرضيك في المعمول المتأخر فرفعه على الفاعلية، على الرغم من إعمال العامل الأول "ترضيه" في ضميره مذكورا، ولم يحذف للضرورة -عند الجمهور- مع أنه فضلة، وفيه عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة، ولم يوجب في "التسهيل" حذفه؛ بل جعله أولى. انظر حاشية الصبان: 2/ 104، وشرح التصريح: 1/ 322.

مسألة1: إذا احتاج العامل المهمل إلى ضمير، وكان ذلك الضمير خبرا عن اسم، وكان ذلك الاسم مخالفا في الإفراد والتذكير أو غيرهما للاسم المفسر له، وهو المتنازع فيه، وجب العدول إلى الإظهار، نحو: "أظن ويظنانني أخا الزيدين أخوين". وذلك لأن الأصل: "أظن ويظنني الزيدين أخوين" فأظن: يطلب "الزيدين أخوين" مفعولين، و: "يظنني" يطلب "الزيدين" فاعلا، و: "أخوين" مفعولا؛ فأعلمنا الأول، فنصبنا الاسمين، وهما: "الزيدين أخوين" وأضمرنا في الثاني ضمير: "الزيدين" وهو الألف، وبقي علينا المفعول الثاني يحتاج إلى إضماره، وهو خبر عن ياء المتكلم، والياء مخالفة لأخوين الذي هو مفسر للضمير الذي يؤتى به، فإن الياء للمفرد، و: "الأخوين" تثنية، فدار الأمر بين إضماره مفردا ليوافق المخبر عنه، وبين إضماره مثنى ليوافق المفسر، وفي كل منهما محذور، فوجب العدول إلى الإظهار، فقلنا: "أخا" فوافق المخبر عنه، ولم يضره مخالفته لـ: "أخوين"؛ لأنه اسم ظاهر لا يحتاج لما يفسره2، هذا تقرير ما قالوا.

_ 1 خلاصة هذه المسألة: أنه لا يصح مجيء ضمير الاسم المتنازع فيه مع العامل المهمل، ولا حذفه. وإنما يجب أن يحل محله اسم ظاهر، وذلك إذا كان العامل المهمل محتاجا إلى مفعول به هو عمدة في الأصل، لا يجوز حذفه، ولو أضمرناه لكان غير مطابق لمرجعه الاسم الظاهر، وسيوضح المصنف ذلك بالمثال. شرح التصريح: 1/ 322. 2 إجمال القول: أننا إنما أظهرنا المفعول الثاني ليظناني، وقلنا: "أخا" ولم نضمره؛ لأننا لو أضمرناه مفردا؛ لطابق المفعول الأول وهو ياء المتكلم في الإفراد، وخالف ما يعود عليه وهو "أخوين"؛ فلا يطابق المفسِّر المفسَّر في التثنية. ولو أضمرناه مثنى؛ لطابق ما يعود إليه وخالف المفعول الأول مع أنه خبر عنه في الأصل، ولا بد من المطابقة بين المبتدأ والخبر؛ وكلاهما ممنوع عند البصريين. فلما تعذر الإضمار أظهرنا ولم نحتج إلى مفسر وكذلك الحكم لو أعملنا الثاني؛ نحو: يظناني وأظن الزيدين أخوين أخًا. المصدر نفسه: 323.

ولم يظهر لي فساد دعوى التنازع في الأخوين؛ لأن: "يظنني" لا يطلبه؛ لِكونه مثنى والمفعول الأول مفرد. وعن الكوفيين أنهم أجازوا فيه وجهين: حذفه، وإضماره1 على وفق المخبر عنه.

_ 1 أي: مقدما، فيقولون على الحذف: أظن ويظنان الزيدين أخوين، ويحذفون "أخا"؛ لدلالة أخوين عليه؛ ويقولون على الإضمار: أظن ويظناني إياه الزيدين أخوين؛ وإن أعملنا الثاني فالحكم كذلك، ولكن يضمر الثاني. ضياء السالك: 2/ 111. فوائد وتوجيهات: أ- لا يتأتى التنازع في التمييز والحال -كما أسلفنا- لأن كلا منهما، لا يضمر؛ لوجوب تنكيره. ب- يجب إعمال الأول من العاملين -إذا وقعت بعده "لا" نحو: أكرمت لا أهنت السائل؛ لأن "لا" تجعل الحكم لما قبلها مثبتا؛ فما بعدها لا يطلب المعمول؛ كما يجب إعمال الثاني في نحو: أكرمت بل أهنت السائل؛ لأن "بل" تجعل الحكم لما بعدها، فما قبلها مسكوت عنه، فلا يطلب المعمول. ج- يكون المعمول اسما ظاهرا، ويكون ضميرا، بشرط أن يكون منفصلا، مرفوعا، أو منصوبا، أو متصلا مجرورا؛ نحو: محمد إنما سافر ورجع هو، وما زرت وصافحت إلا إياه، وسررت وفرحت به. د- لا تنازع في نحو: ما قام وقعد إلا محمد؛ لأن الإضمار في المهمل بدون "إلا" يعكس المعنى المراد من الإثبات على وجه الحصر إلى النفي، والإضمار معها يؤدي إلى خلاف المسموع وما ورد مما ظاهره جواز ذلك، كقول الشاعر: ما صاب قلبي وأضناه وتيمه ... إلا كواعب من ذهل بن شيبانا فيؤول على أنه من الحذف لدليل، لا من باب التنازع. ضياء السالك: 2/ 111-112، وحاشية الصبان: 2/ 108-109.

باب المفعول المطلق

[باب المفعول المطلق] : هذا باب المفعول المطلق: أي: الذي يصدق عليه قولنا: "مفعول" صدقا غير مقيد بالجار1. [تعريف المفعول المطلق] : وهو: اسم يؤكد عامله، أو يبين نوعه، أو عدده2، وليس خبرا ولا حالا،

_ 1 أي: بخلاف بقية المفاعيل؛ لأن منها ما هو مقيد بحرف جر كالمفعول به، أو له أو فيه. أو بظرف كالمفعول معه. 2 بين المؤلف أن المفعول المطلق، يؤتى به لتوكيد معنى عامله، أو لبيان نوعه، أو لبيان عدد مرات وقوع عامله. فأما المؤكد: فصورته أن يأتي مصدرا منكرا غير مضاف ولا موصوف، سواء أكان عامله فعلا؛ نحو: ضربت ضربا؛ أو وصفا؛ نحو: أنا مفضل زيدا تفضيلا؛ وسواء أكان عامله من مادته أم كان من مادة مرادفة؛ نحو: قعدت جلوسا، أو: أنا قاعد جلوسا. وأما المفعول المطلق المبين لنوع عامله؛ فله ثمان صور: 1- أن يأتي المصدر مضافا؛ نحو: فعلت فعل الحكماء. 2- أن يأتي المصدر مقرونا بـ "أل" الدالة على العهد أو أل الجنسية الدالة على الكمال؛ نحو: دافعت عن زيد الدفاع؛ أي المعهود بينك وبين المخاطب. 3- أن يكون المصدر موصوفا؛ نحو: أكل الجائع أكلا كثيرا. 4- أن يكون المفعول المطلق وصفا مضافا إلى المصدر، نحو: رضيت عن علي أجمل الرضا. 5- أن يكون المفعول المطلق اسم إشارة موصوفا بمصدر محلىً بأل؛ نحو: أكرمت المجتهد ذلك الإكرام. 6- أن يكون المصدر نفسه دالا على نوع من أنواع عامله؛ نحو: رجعت القهقري. 7- أن يكون المفعول المطلق لفظ "كل" أو "بعض" مضافا إلى المصدر؛ نحو: أحببته كل الحب. 2 أن يكون المفعول المطلق اسم آلة للعامل فيه، نحو: ضربته سوطا، أو ضربته عصا. وأما المفعول المطلق المبين للعدد فله ثلاث صور: الأولى: أن يكون مصدرا مختوما بتاء الوحدة، نحو: أكل أكلة. الثانية: أن يكون مختوما بعلامة تثنية أو جمع؛ نحو ضربته ضربتين، أو ضربات. الثالثة: أن يكون اسم عدد مميزا بمصدر؛ نحو: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} . شرح التصريح: 323-324.

نحو: "ضربتُ ضربًا" أو: "ضربَ الأميرِ" أو: "ضربتين" بخلاف نحو: "ضربُك ضربٌ أليمٌ"1 ونحو: {وَلَّى مُدْبِرًا} 2. [أكثر ما يكون المفعول المطلق مصدرا] : وأكثر ما يكون المفعول المطلق مصدرا. [تعريف المصدر] : والمصدر: اسم الحدث الجاري على الفعل3. وخرج بهذا القيد نحو: "اغتسل غسلا" و"توضأ وضوءا" و"أعطى عطاء" فإن هذه أسماء مصادر4. [عامل المفعول المطلق] : وعامله إما مصدر مثله5 نحو: {فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا} 6، أو ما

_ 1 فإن "ضرب" الثاني ليس مفعولا مطلقا؛ وإن بين النوع بالوصف بعده، وإنما هو خبر عن ضربك. 2 "27" سورة النمل، الآية: 10. موطن الشاهد: {وَلَّى مُدْبِرًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "مدبرا" حالا من الضمير المستتر الواقع فاعلا لـ "ولى" وليس مفعولا مطلقا، وإن كان مؤكدا لعامله. 3 أي: المشتمل على حروف الفعل. 4 لأنها لم تجر على أفعاله؛ لِنقصان حروفها عن أحرف الأفعال؛ لأن قياس مصادرها. الاغتسال، والتوضؤ، والإعطاء. فائدة: سمي المصدر مصدرا؛ لأن فعله صدر عنه؛ ولأنه مصدر المشتقات كلها على الصحيح؛ والفرق بين المصدر واسم المصدر؛ أن المصدر يدل على الحدث المجرد بنفسه، أما اسم المصدر، فيدل على الحدث بوساطة المصدر، فمدلوله لفظ المصدر. انظر حاشية الصبان: 2/ 112 وشرح التصريح: 1/ 325. 5 سواء كان من لفظه ومعناه كما مثل المصنف، أو من معناه فقط نحو: يعجبني إيمانك تصديقا. 6 "17" سورة الإسراء، الآية: 63. موطن الشاهد: {جَزَاؤُهُمْ جَزَاءً} . وجه الاستشهاد: مجيء عامل المفعول المطلق مصدرا مثله لفظا ومعنى كما هو واضح؛ خلافا للجرمي الذي ادعى أن المصدر يعمل في المصدر. شرح التصريح: 1/ 325.

اشتق منه: من فعل1 نحو: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} 2، أو وصف3 نحو: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} 4. وزعم بعض البصريين أن الفعل أصل للوصف، وزعم الكوفيون أن الفعل أصل لهما5.

_ 1 بشرط أن يكون متصرفا تاما، وغير ملغى عن العمل، فخرج الفعل الجامد كفعل التعجب والناقص مثل: كان، والملغى مثل: "ظن" عند إلغائها، فلا يقال: ما أحسن محمدا حسنا، ولا كان علي مسافرا كونا، ولا علي قائم ظننت ظنا. 2 "4" سورة النساء، الآية: 164. موطن الشاهد: {كَلَّمَ ... تَكْلِيمًا} . وجه الاستشهاد: مجيء العامل في المفعول المطلق مشتقا منه؛ لأن المصدر "تكليما" أصل للفعل "كلم" كما أسلفنا. 3 أي متصرف يعمل عمل الفعل، كاسم الفاعل، واسم المفعول، وأمثلة المبالغة دون أفعل التفضيل، والصفة المشبهة. شرح التصريح: 1/ 325. 4 "37" سورة الصافات، الآية: 1. موطن الشاهد: {الصَّافَّاتِ صَفًّا} . وجه الاستشهاد: مجيء العامل في المفعول المطلق وصفا مشتقا منه؛ لأن "الصافات" اسم فاعل يعمل عمل فعله؛ وهو مشتق من "الصف" المصدر. وأما مثال اسم المفعول؛ فنحو: اللص مضروب ضربا أليما. ومثال المبالغة: البطل ضرابٌ ضربا. وأجاز المصنف عمل الصفة المشبهة كاسم الفاعل، نحو: الحزين حزنا مفرطا يسيء إلى نفسه. ضياء السالك: 2/ 116. 5 الذي اختار هذا الرأي الفارسي، وتبعه عبد القاهر الجرجاني، فيكون فرعا للفرع؛ والصحيح أن المصدر أصل للفعل والوصف؛ لأن من شأن الفرع أن يكون فيه ما في الأصل وزيادة. والفعل والوصف بالنسبة إلى المصدر كذلك؛ فالمصدر يدل على مجرد الحدث؛ وكل من الفعل والوصف يدل على الحدث وزيادة؛ فالفعل يدل على الحدث والزمان، والصفة تدل على الحدث والموصوف؛ وهذا مذهب البصريين، وأما الكوفيون فيرون أن الفعل أصل المشتقات كلها، ويرى ابن طلحة أن كلا من المصدر والفعل أصل قائم بذاته؛ ويرى جماعة من النحاة أن المصدر أصل للفعل وحده، وأن الفعل أصل لسائر المشتقات كما أسلفنا. انظر في تفصيل هذه المسألة شرح التصريح: 1/ 325.

[ما ينوب عن المصدر في الانتصاب على المفعول المطلق] : فصل: ينوب عن المصدر في الانتصاب على المفعول المطلق ما يدل على المصدر من صفة، كـ: "سرت أحسن السير"1، و: "اشتمل الصماء"2، و: "ضربته ضربَ الأميرِ اللصَّ"؛ إذ الأصل: "ضربا مثل ضرب الأمير اللص" فحذف الموصوف ثم المضاف، أو ضميره3 نحو: "عبد الله أظنه جالسا" ونحو: {لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا} 4، أو إشارة إليه، كـ: "ضربته ذلك الضرب"، أو مرادف له نحو: "شنئته بغضا" و: "أحببته مقة"5 و: "فرحت جذلا" وهو بالذال المعجمة مصدر جذل بالكسر، أو مشارك له في مادته، وهو ثلاثة أقسام: اسم مصدر كما تقدم، واسم عين، ومصدر لفعل آخر، نحو: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} 6 {وَتَبَتَّلْ

_ 1 الأصل: سرت السير أحسن السير، فحذف الموصوف ودلت عليه إضافة الصفة إلى مثله، ونابت منابه. 2 الأصل: الشملة الصماء، فحذف الموصوف ونابت الصفة منابه. والشملة الصماء: أن يجلل المرء جسده بثوبه، ويضم طرفيه كما يفعل الأعراب بأكسيتهم. فيرد الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر، ثم يرده ثانية من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن، فيغطيهما جميعا. 3 أي الضمير العائد على مثل المصدر المحذوف. وقوله: "أو ضميره" معطوف على قوله "من صفة". 4 "5" سورة المائدة، الآية: 115. موطن الشاهد: {لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا} . وجه الاستشهاد: مجيء الضمير -هنا- نائبا عن مصدر نوعي؛ لأن التقدير: لا أعذب هذا التعذيب الخاص أحدا. 5 "بغضا" مفعول مطلق نائب عن شنأ المرادف للبغض، و"مقة" مفعول مطلق نائب عن محبة، والمقة: المحبة، وهي مصدر ومقه -كورثه- أحبه فهو وامق. 6 "71" سورة نوح، الآية: 17. موطن الشاهد: {أَنْبَتَكُمْ نَبَاتًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "نبات" وهو اسم عين للشيء النابت من زرع وغيره نائبا عن المصدر "إنباتا" في الانتصاب على المفعولية المطلقة.

إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} 1. والأصل إنباتا وتبتلا، أو دال على نوع منه، كـ: "قعد القرفصاء" و: "رجع القهقري"، أو دال على عدده، كـ: "ضربته عشر ضربات" {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} 2، أو على آلته3، كـ: "ضربته سوطا" أو: "عصا" أو: "كل" نحو: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} 4، وقوله5: [الطويل] 246- يظنان كل الظن أن لا تلاقيا6

_ 1 "73" سورة المزمل، الآية: 8. موطن الشاهد: {تَبَتَّلْ ... تَبْتِيلًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "تبتيلا" وهو مصدر للفعل "بتل" نائبا عن "التبتل" الذي هو مصدر الفعل "بتل"؛ ولم نعد "التبتل" اسم مصدر للفعل بتل؛ لأن حروفه تزيد على حروف صمدر هذا الفعل؛ واسم المصدر يجب أن تقل حروفه عن حروف المصدر. 2 "24" سورة النور، الآية: 4. موطن الشاهد: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} . وجه الاستشهاد: "مجيء "ثمانين" نائبا عن المصدر؛ لأن الأصل: فاجلدوهم جلدا ثمانين جلدة؛ فحذف المصدر، وناب عنه عدده. 3 أي: الآلة التي تستخدم لإيجاد معنى المصدر وتحقيقه، فيحذف المصدر وتقام الآلة مقامه ويجب أن تكون الآلة معهودا استخدامها في إحداث معنى المصدر فلا يصح: ضربته شجرة. 4 "4" سورة النساء، الآية: 129. موطن الشاهد: {تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} . وجه الاستشهاد: "مجيء "كل" نائبا عن مصدر محذوف؛ والتقدير: لا تميلوا ميلا كل الميل. 5 ينسب البيت إلى قيس بن الملوح المعروف بمجنون ليلى. وقد مرت ترجمته. تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: وقد يجمع الله الشتيتين بعدما وهو من قصيدته التي مطلعها قوله: تذكرت ليلى والسنين الخواليا ... وأيام لا نخشى على اللهو ناهيا =

أو: "بعض": كـ: "ضربته بعض الضرب". [لا يثنى المصدر المؤكد ولا يجمع باتفاق] : مسألة: المصدر المؤكد لا يثنى ولا يجمع باتفاق، فلا يقال: ضربين ولا ضروبا؛ لأنه كماء وعسل1، والمختوم بتاء الوحدة كضربة بعكسه باتفاق، فيقال:

_ = والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 328، والأشموني: "420/ 1/ 201"، وديوان قيس: 393. المفردات الغريبة: الشتيتين: المتفرقين -مثنى شتيت؛ يريد المحبين المتباعدين اللذين لا يقدران على الاجتماع. المعنى: يمني الشاعر نفسه بلقاء ليلى، وعدم اليأس من ذلك؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قادر على جمع شمل المتباعدين اللذين؛ لتباعدهما يقطعان الأمل في اللقاء، ويحسبان حسبانا أكيدا أن لا يلتقيا. الإعراب: قد: حرف تحقيق. يجمع: فعل مضارع مرفوع. الله: فاعل مرفوع. الشتيتين: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه مثنى. بعدما: "بعد" متعلق بـ يجمع. و"ما": حرف مصدري مبني على السكون، لا محل له. يظنان: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والألف: فاعل. كلَّ: مفعول مطلق منصوب، وهو مضاف. الظن: مضاف إليه؛ والمصدر المؤول من "ما وما دخلت عليه": في محل جر بالإضافة بعد "بعد"؛ والتقدير: بعد ظنهما كل الظن. أن: مخففة من الثقيلة، واسمها: ضمير الشأن المحذوف؛ وتقدير الكلام: أنه -أي الحال والشأن- لا: نافية للجنس تعمل عمل "إن". تلاقيا: اسم "لا" النافية للجنس مبني على الفتح في محل نصب، والألف للإطلاق، وخبر "لا" محذوف. والتقدير: لا تلاقي لهما؛ والجملة من "لا واسمها وخبرها": في محل رفع خبر "أن" المخففة و"أن المخففة وما دخلت عليه": سدت مسد مفعولي "يظنان". موطن الشاهد: "يظنان كل الظن". وجه الاستشهاد: انتصاب "كل" على أنه مفعول مطلق نائب عن المصدر، ومعلوم أنه ينصب كل من "كل وبعض" على المفعولية المطلقة؛ إذا أضيفا إلى المصدر، كما علمنا سابقا؛ والأصل في الشاهد: يظنان ظنا كل الظن؛ فحذف المصدر وأنيب عنه "كل"؛ لتوفر الشرط، وهو إضافة إلى مثل المصدر المحذوف. 1 أي مقصود به معنى الجنس، فهو يدل بنفسه على القليل والكثير، فيستغنى بهذه الدلالة عن الدلالة العددية في التثنية والجمع، وأيضا: فهو بمنزلة تكرار الفعل، والفعل لا يثنى ولا يجمع، ومثله في ذلك ما ينوب عنه. التصريح: 1/ 329.

ضربتين وضربات؛ لأنه كتمرة وكلمة، واختلف في النوعين: فالمشهور الجواز1، وظاهر مذهب سيبويه المنع، واختاره الشلوبين. [جواز حذف العامل في المصدر غير المؤكد] : فصل: اتفقوا على أنه يجوز لدليل، مقالي2 أو حالي، حذف عامل المصدر غير المؤكد، كأن يقال: "ما جلست" فتقول: "بلى جلوسا طويلا"، أو: "بلى جلستين" وكقولك لمن قدم من سفر: "قدوما مباركا". وأما المؤكد فزعم ابن مالك أنه لا يحذف عامله؛ لأنه إنما جيء به لتقويته وتقرير معناه، والحذف مُنافٍ لهما3، ورده ابنه بأنه قد حذف جوازا في نحو: "أنت سيرا"4 ووجوبا في: "أنت سيرا سيرا" وفي نحو: "سَقيًا ورَعْيًا"5.

_ 1 أي جواز تثنيته وجمعه، وذلك إذا اختلفت أنواعه. وقد جاء في القرآن الكريم: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} . ومثله المبين للعدد. ويجوز تقديمها على العامل ولا يعملان شيئا، فليس لهما فاعل ولا مفعول. ويرى ابن مالك: أن المصدر المؤكد يجب إفراده، أما غيره فثنه إن شئت، واجمعه، أو اجعله مفردا. 2 الدليل المقالي: الذي يكون مرجعه إلى القول والكلام، أما الحالي فهو الذي يعتمد على المشاهدة أو نحوها، مما يحيط بالشخص ويجعله يفهم أمرا مستنبطا مما حوله، ولا شأن له بالقول أو الكلام. 3 ومن أجل ذلك لا يصح تثنيته ولا جمعه، ولا أن يرفع فاعلا، أو ينصب مفعولا، أو يتقدم على عامله، أو يحذف عامله؛ لأن الحذف منافٍ لتلك الحكمة. مناف للغرض من الإتيان بالمصدر المؤكد. 4 أي مما وقع فيه المصدر خبرا عن اسم عين، غير مكرر ولا محصور. 5 أي إذا كان مكررا نحو: أنت سيرا سيرا، أو محصورا نحو: ما أنت إلا سيرا، وإنما أنت سيرا، أو غير ذلك نحو: سقيا ورعيا، وحمدا وشكرا. وإنما وجب الحذف في ذلك؛ لقيام التكرار والحصر مقام العامل. ويجاب عن الناظم. بأن هذه المصادر ليست من المؤكد الآن؛ بل المصدر فيها نائب مناب الفعل وعوض منه؛ بدليل أنه يمتنع الجمع بينهما، ولا شيء من المؤكدات يمتنع الجمع بينه وبين المؤكد. التصريح: 1/ 329.

[قد يقام المصدر مقام فعله فيمتنع ذكره معه] : وقد يقام المصدر مقام فعله فيمتنع ذكره معه، وهو نوعان: 1- ما لا فعل له، نحو: "ويل زيد" و: "ويحه". [الكامل] 247- و1 بله الأكف ... 2 فيقدر له عامل من معناه على حد "قعدت جلوسا".

_ 1 إشارة إلى قول كعب بن مالك الأنصاري الصحابي المعروف. 2 تخريج الشاهد: "هذا قطعة من بيت، من قصيدة لكعب يقولها في غزوة الخندق، يصف شدة فتك السيوف بالأعداء، وهو بتمامه: تذر الجماجم ضاحيا هاماتها ... بله الأكف كأنها لم تخلق وينشد قبله: نصل السيوف إذا قصرن بخطونا ... قدما ونلحقها إذا لم تلحق والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 330، والأشموني: "427/ 1/ 215"، والهمع: 1/ 236، والدر: 1/ 200، والسيرة: 507، وشرح المفصل: 4/ 47، 48، والخزانة: 3/ 10، ومغني اللبيب: "182/ 156"، وشرح السيوطي: 122، وديوان كعب: 245. المفردات الغريبة: تذر: تترك. الجاجم: جمع جمجمة، وهي عظم الرأس المشتمل على الدماغ، ضاحيا: بارزا للشمس. هاماتها: جمع هامة، وهي الرأس. المعنى: إن هذه السيوف شديدة الفتك بالأعداء، تترك الرؤوس -بعد فصلها عن الأجسام- معرضة للشمس على أرض المعركة، أما الأكف - فليس لها أثر، كأنها لم تخلق. الإعراب: تذر: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هي. يعود إلى السيوف في بيت سابق. الجماجم: مفعول به منصوب، لفعل تذر. ضاحيا: حال من الجماجم منصوب. هاماتها: فاعل "لـ "ضاحيا"؛ لأنه اسم فاعل؛ و"ها" الضمير العائد إلى الغيبة في محل جر بالإضافة. بله: مفعول مطلق لفعل محذوف من معناه ناب عنه -وهذا الوجه الذي أراده المؤلف- ويمكن أن يكون "بله": اسم فعل أمر، والأكف: مفعول به، على رواية نصب "الأكف" وأما على الأول: فالتقدير: اترك بله الأكف؛ وعلى هذا الوجه؛ فـ "بله" مصدر لا فعل له من لفظه، وله فعل من معناه، وهو اترك؛ وكأنه قال: اترك تركا. وبله: مضاف والأكف: مضاف إليه. كأنها: حرف مشبه بالفعل، و"ها" اسمها: لم: نافية جازمة: تخلق: فعل مضارع مبني للمجهول، =

2- وما له فعل، وهو نوعان: واقع في الطلب1، وهو الوراد دعاء، كـ: "سقيا ورعيا، وجدعا"، أو أمرا أو نهيا، نحو: "قياما لا قعودا" ونحو: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} 2، وقوله3: [الطويل] 248- فندلا زريق المال ندل الثعالبِ4

_ = مجزوم بلم، وعلامة جزمه السكون وحُرِّك بالكسر؛ لضرورة الروي، ونائب الفاعل: هي؛ وجملة "الفعل ونائب فاعله": في محل رفع خبر "أن". موطن الشاهد: "بله الأكف". وجه الاستشهاد: مجيء "الأكف" في روايتين؛ إحداهما: منصوبة والثانية مكسورة. فعلى رواية النصب: تخرج على أن بله اسم فعل أمر، فاعله ضمير مستتر فيه وجوبا؛ تقديره: أنت. والأكف: مفعول به، وانتصابه كانتصاب الكتاب في قولك: "دونك الكتاب"، وانتصاب الاسم بعد اسم الفعل. وعلى رواية الجر: فتخرج على أن "بله" مصدر ليس له فعل من لفظه، والأكف مجرور بإضافة هذا المصدر إليه -كما أسلفنا في الإعراب- نحو قوله تعالى: {فَضَرْبَ الرِّقَاب} غير أن "ضرب" له فعل من لفظه، و"بله" ليس له فعل من لفظه. انظر شرح التصريح: 1/ 330، وحاشية الصبان: 2/ 121-122. 1 أي: في أسلوب إنشائي مقصود به الطلب، سواء كان طلب فعل أو ترك، أو إقرار للشيء؛ أو عدم إقراره. 2 "47" سورة محمد، الآية: 4. موطن الشاهد: {ضَرْبَ الرِّقَابِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "ضرب" مفعولا مطلقا مضافا إلى الرقاب؛ فهو مبين للنوع؛ والتقدير: فاضربوا ضرب الرقاب. 3 قيل هو أعشى همدان، وقيل جرير، وقيل الأحوص، ورجح العيني النسبة إلى أعشى همدان كما نسبه صاحب الحماسة البصرية. شرح العيني بذيل حاشية الصبان: 2/ 116, 4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: على حين ألهى الناس جُلُّ أمورِهِمْ والبيت يقوله الشاعر في هجاء لصوص، وينشد قبله: يمرون بالدهنا خفافا عيابهم ... ويرجعن من دارين بُجْرَ الحقائب والشاهد من شواهد: التصريح: / 331، والأشموني: 1/ 212 عرضا، وابن عقيل =

.........................................................................

_ = "162/ 2/ 178" والكتاب: 1/ 59، والخصائص: 1/ 120، والإنصاف: 1/ 293، والعيني: 3/ 46، 523، وملحقات ديوان الأحوص. المفردات الغريبة: الدهنا: موضع بنجد، وهو ممدود، وقصر للشعر. عيابهم، جمع عيبة، وهي الوعاء يوضع فيه الزاد والثياب كالحقيبة. دارين: موضع بالبحرين مشهور بالمسك، ويقال: مسك داري. بجر: جمع أبجر، وهو العظيم البطن، وإضافته للحقائب من إضافة الصفة إلى الموصوف. الحقائب: جمع حقيبة؛ وهي العيبة. ألهى الناس: شغلهم؛ من الإلهاء؛ وهو شغلك عن الشيء. جل: معظم وأكثر. ندلا؛ الندل: التناول والاختطاف بسرعة وخفة. زريق: اسم قبيلة، أو رجل. المعنى: يصف أولئك اللصوص بأنهم يخرجون للسرقة فيمرون بالدهناء، وحقائبهم فارغة، ثم يسرقون ويرجعون من دارين، وقد امتلأت حقائبهم بما سرقوا، وهم ينتهزون فرصة اشتغال الناس بأمورهم ومهامهم، ويوصي بعضهم بعضا بالسرعة في الخطف والحيلة؛ كما تفعل الثعالب التي يضرب بها المثل في ذلك، فيقال: أخطف من ثعلب. الإعراب: "على حين": متعلق بـ "يمرون" في البيت السابق: ألهى: فعل ماضٍ. الناس: مفعول به. جل: فاعل مرفوع لـ "ألهى" وهو مضاف. أمورهم: مضاف إليه، و"هم" مضاف إليه ثانٍ. وجملة "ألهى الناس جل أمورهم": في محل جر بالإضافة. ندلا: مفعول مطلق بفعل محذوف؛ والتقدير: فاندل ندلا. زريق: منادى بحرف نداء محذوف؛ والتقدير: يا زريق. المال: مفعول به لـ "ندلا". ندل: مفعول مطلق مبين للنوع واقع بدلا من قوله: "ندلا" السابق، وهو مضاف. الثعالب: مضاف إليه. وذهب الدنوشري إلى أن قوله: "ندل الثعالب": صفة لـ "ندلا" السابق؛ وقال: لا يضر كونه معرفة و"ندلا" السابق نكرة؛ لأنه على حذف مضاف؛ والتقدير: مثل ندل الثعالب؛ و"مثل": لا تتعرف بالإضافة إلى معرفة؛ وقال بعضهم؛ المعرف بـ "أل الجنسية" يقع صفة للنكرة؛ وهذا بعيد- وجعل الشاهد منه. انظر حاشية الشيخ يس على التصريح: 1/ 331. موطن الشاهد: "ندلا". وجه الاستشهاد: مجيء "ندلا" مصدرا نائبا عن فعله، وهو واقع في الطلب؛ لأن معناه: اندل -أي: اخطف- وهل ينوب هذا المصدر عن الفعل في الدلالة على معناه؟ وفي تحمل ضميره المستتر الذي كان فاعلا له، فيصير بعد الحذف فاعلا للمصدر؟ أو ينوب عن الفعل المحذوف. وفاعله معا؛ فلا يحتاج إلى فاعل؟ في المسألة قولان؛ والأول أحسن؛ لأنه مساير للقواعد، والثاني: أيسر وأخف. ضياء السالك: 2/ 124.

كذا أطلق ابن مالك، وخص ابن عصفور1 الوجوب بالتكرار، كقوله2: [الوافر] 249- فصبرا في مجال الموت صبرا3

_ 1 مرت ترجمته. 2 القائل هو: قطري بن الفجاءة الخارجي التميمي، رأس الخوارج، وأحد الأبطال المذكورين، خرج في مدة ابن الزبير، له وقائع مشهورة في التغلُّب على بعض نواحي فارس، أرسل إليه الحجاج جيشا عظيما، فأصيب، وقتله الجند بعد ذلك وأرسل رأسه إلى الحجاج وذلك سنة: 77 هـ. خزانة الأدب: 10/ 163. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: فما نيل الخلود بمستطاع وهو من قصيدته المشهورة التي مطلعها: أقول لها وقد طارت شعاعا ... من الأبطال: ويحك لن تراعي فإنك لو سألت بقاء يوم ... على الأجل المقدر لم تطاعي والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 331، والأشموني: "423/ 1/ 212"، والمرتضى: 1/ 236 والعيني: 3/ 51، وحاشية يس: 1/ 330، وشرح التبريزي على الحماسة: 1/ 96. المفردات الغريبة: مجال الموت: مكان المعركة الذي يجول فيه الفرسان، الخلود: البقاء المستمر. المعنى: اصبري أيتها النفس، ولا تيأسي، واثبتي في موطن القتال حتى تحققي النصر أو تموتي موتا شريفا؛ فالفرار من القتال لا ينجي، والبقاء في هذه الدنيا غير ممكن، فلم الخوف والفزع؟! الإعراب: صبرا: مفعول مطلق لفعل محذوف وجوبا؛ والتقدير: اصبري صبرا. "في مجال": متعلق بـ "صبرا". الموت: مضاف إليه. صبرا: توكيد للمصدر الأول. فما: الفاء تفريعية، و"ما" نافية. نيل: مبتدأ مرفوع؛ أو اسم "ما" العاملة عمل "ليس"، وهو مضاف. الخلود: مضاف إليه. بمستطاع: الباء حرف جر زائد. مستطاع: اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر "ما" الحجازية؛ أو خبر المبتدأ على إهمال "ما"، والأفضل الإعمال. موطن الشاهد: "صبرا في مجال الموت صبرا". وجه الاستشهاد: مجيء المصدر "صبرا" مكررا في البيت، وهو قائم مقام فعل الأمر، ولذا وجب حذف عامله هنا إجماعا؛ لأن ابن مالك وغيره من النحاة يرون وجوب الحذف متى كان المصدر واقعا موقع فعل الأمر من غير قيد؛ وابن عصفور ومن تبعه من النحاة يرون أن تكرار المصدر القائم مقام فعل الأمر، يوجب حذف المصدر، وفي هذا الشاهد تحقق الشرطان، فلا خلاف في وجوب حذف العامل.

أو مقرونا باستفهام توبيخي، نحو: أتوانيًا وقد جد قرناؤك؟ " وقوله1: [الوافر] 250- ألؤمًا لا أبا لك واغترابا؟

_ 1 القائل، هو: جرير بن عطية الخطفي، وقد مرت ترجمته. تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: أعبدا حَلَّ في شُعَبَى غريبا والبيت من كلمة لجرير في هجاء خالد بن يزيد الكندي، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 331، 2/ 171، 189، والأشموني: "424/ 1/ 212"، والكتاب لسيبويه: 1/ 17، 173، والجمل للزجاجي: 168، والخزانة: 1/ 308، والعيني: 3/ 49، 4/ 215، 506، وديوان جرير: 62. المفردات الغريبة: حل: نزل واستقر. شعبى "بألف مقصورة": موضع، أو المراد جبال متشعبة. غريبا: وصف من الغربة وهي البعد عن الأهل والوطن. ألؤما: اللؤم الخسة والدناءة. لا أبا لك: المقصود بهذا الأسلوب هنا الذم -أي أنه مجهول النسب. اغترابا: بعدا عن الوطن. المعنى: يهجو الشاعر رجلا، فيقول له: أيها الذليل الحقير الذي حل بهذا المكان -وهو عنه غريب- لا أهل له بهذا المكان ولا عشيرة؛ ثم تفخر؟ بعد أن جمعت ما بين الدناءة والاغتراب. الإعراب: أعبدا: الهمزة حرف نداء. عبدا: منادى منصوب. ويجوز أن تكون الهمزة حرف استفهام داخلة على فعل محذوف، والتقدير: أتفخر -مثلا- والفاعل: أنت. وعبدا: حال من الفاعل. حل: فعل ماضٍ، والفاعل: هو، يعود إلى "عبدا"؛ وجملة "حل": في محل نصب صفة لـ "عبدا". غريبا: حال من الفاعل. ألؤما: الهمزة للاستفهام التوبيخي، و"لؤما": مفعول مطلق لفعل محذوف وجوبا؛ والتقدير: أتلؤم لؤما؟. لا: نافية للجنس. أبا: اسم لا منصوب، وعلامة نصبه الألف؛ لأنه من الأسماء الستة. لك: اللام زائدة لتأكيد الإضافة، والكاف: في محل جر بالإضافة؛ والتقدير: لا أباك. واغترابا: الواو عاطفة، اغترابا: مفعول مطلق لعامل محذوف؛ والتقدير: وتغترب اغترابا؟؛ و"جملة الفعل المحذوف" معطوف على جملة "أتلؤم لؤما"؟. موطن الشاهد: "ألؤما واغترابا". وجه الاستشهاد: وقوع كل من "لؤما" و"اغترابا" مصدرا نائبا عن فعله بعد الاستفهام التوبيخي، فعامله محذوف وجوبا باتفاق.

وواقع في الخبر1، وذلك في مسائل: إحداها: مصادر مسموعة كثر استعمالها، ودلت القرائن على عاملها، كقولهم عند تذكر نعمة وشدة: "حمدا وشكرا لا كفرا" و: "صبرا لا جزعا" وعند ظهور أمر معجب "عجبا" وعند خطاب مرضي عنه أو مغضوب عليه "أفعله وكرامة ومسرة" و: "لا أفعله ولا كيدا ولا هما". الثانية: أن يكون تفصيلا لعاقبة ما قبله2، نحو: {فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} 3. الثالثة: أن يكون مكررا، أو محصورا، أو مستفهما عنه، وعامله خبر عن اسم عين، نحو: "أنت سيرا سيرا" و: "ما أنت إلا سيرا" و: "إنما أنت سير البريد" و: "أأنت سيرا؟ ". الرابعة: أن يكون مؤكدا لنفسه أو لغيره؛ فالأول الواقع بعد جملة هي نص في

_ 1 هذا هو النوع الثاني المقابل لقوله سابقا "واقع في الطلب"، والمراد بالخبر هنا: ما ليس بطلب، فيشمل الإنشاء، غير الطلبي كصيغة التعجب، والمدح والذم، وجملة القسم، لا جملة الجواب. ومثل حمدا وشكرا. وقد جعل النحاة ذلك من قسم الخبر، نظرا لصورة العامل ولفظه. وقيل: إنها أساليب خبرية لفظا ومعنى. 2 أي أن يكون المصدر في موضع يوضح ويفصل عاقبة جملة قبله؛ أي يبين الغاية والغرض من مضمون الجملة قبله، وذلك يكون بوقوعه بعد أداة تفيد التفصيل. 3 "47" سورة محمد، الآية: 4. موطن الشاهد: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} . وجه الاستشهاد: مجيء "منا وفداء" تفصيلا وتوضيحا لعاقبة الأمر بشد الوثاق؛ والتقدير: فإما أن تمنوا مَنًّا بإطلاق الأسرى من دون فداء، وإما أن تفدوا فداء. "والفداء: العوض الحالي" وقد ناب كل منهما عن فعله في بيان معناه؛ وحذف العامل في هذه الحال الوجوب.

معناه، نحو: "له علي ألف عرفا"1 أي: اعترافا، والثاني: الواقع بعد جملة تحتمل معناه وغيره، نحو: "زيد ابني حقا"2 و: "هذا زيد الحقَّ لا الباطل" و: "لا أفعل كذا البتة"3. الخامسة: أن يكون فعلا علاجيا تشبيهيًّا، بعد جملة مشتملة عليه وعلى صاحبه، كـ: "مررت [بزيد] فإذا له صوتٌ صوتَ حمار، وبكاءٌ بكاءَ ذات داهية"4. [متى يجب الرفع] : ويجب الرفع في نحو: "له ذكاءٌ ذكاءُ الحكماء" لأنه معنوي لا علاجي، وفي نحو: "صوتُه صوتُ حمار" لعدم تقدم جملة، وفي نحو: "فإذا في الدار صوتٌ صوتُ حمار" ونحو: "فإذا عليه نوحٌ نوحُ الحمام" لعدم تقدم صاحبه، وربما نصب نحو هذين، لكن على الحال. تنبيه: مِثلُ: "له صوتٌ صوتَ حمار" قولُه5: [البسيط]

_ 1 جملة "له علي ألف" نص في الاعتراف لا تحتمل غيره، فمدلول الجملة هو مدلول المصدر، وسمي مؤكدا لنفسه؛ لأنه بمنزلة إعادة الجملة التي قبله. 2 هذه الجملة تحتمل الحقيقة، وتحتمل المجاز على معنى: "أنت مثل ابني في الحنو والعطف"، وقد صارت نصا بالمصدر وهو "حقا" لأنه أزال الشك ورفع المجاز وأثبت الحقيقة، ولذلك سمي مؤكدا لغيره؛ لأنه جعل ما قبله نصا بعد أن كان محتملا، وأثر فيه فكأنه غيره؛ لأن المؤثِّر غير المؤثَّر. التصريح: 1/ 333. 3 جملة "لا أفعل كذا" تحتمل استمرار النفي وانقطاعه، وكلمة "ألبتة" رفعت احتمال الانقطاع، وحققت استمرار النفي. 4 يجوز في هذين المثالين -مع استيفاء كل الشروط التي ذكرها المؤلف كغيره من النحاة- الرفع، على أن المصدر الثاني بدل من المصدر الأول، أو على أن الثاني نعت للأول؛ لأنه تخصص بإضافته إلى ما بعده. 5 القائل هو: أبو كبير الهذلي؛ عامر بن الحليس، شاعر فحل من شعراء الحماسة، من هذيل، أدرك الإسلام، وأسلم، له خبر مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وله ديوان شعر مطبوع. الأعلام "ط: 3": 4/ 16، وسمط اللآلي: 387.

251- ما إن يمس الأرض إلا منكب ... منه وحرف السابق، طي المحمل1 لأن ما قبله بمنزلة "له طيء"2، قاله سيبويه.

_ 1 تخريج الشاهد: هذا البيت في وصف أبي كبير الهذلي لتأبط شرا؛ ابن امرأته، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 334، والأشموني: "426/ 1/ 214"، والكتاب لسيبويه: 1/ 180، والمقتضب: 3/ 203، 232، والخصائص: 2/ 309، والإنصاف: 1/ 230، والعيني: 3/ 54، وديوان الهذليين: 2/ 93. المفردات الغريبة: المنكب: مجمع عظم العضد والكتف. المحمل: علاقة السيف. المعنى: يصف تأبط شرا بأنه ضامر مدمج الخلق كطي المحمل، إذا اضطجع، لا يصل بطنه إلى الأرض، وإنما يمس الأرض من منكبه، وحرف ساقه، وإن له تجافيا كتجافي حمالة السيف. الإعراب: ما: نافية مهملة. "إن: زائدة لتأكيد النفي. يمس: فعل مضارع مرفوع. الأرض: مفعول به لـ "يمس" تقدم على الفاعل. إلا: أداة حصر. منكب: فاعل مرفوع. "منه": متعلق بمحذوف صفة لـ "منكب". وحرف: الواو عاطفة. حرف: معطوف على منكب، وحرف: مضاف، والساق: مضاف إليه. طي المحمل: مفعول مطلق منصوب بفعل محذوف وجوبا، والمحمل: مضاف إليه. موطن الشاهد: "طي المحمل". وجه الاستشهاد: نصب المصدر بفعل محذوف وجوبا، كما في قولهم: له صوت صوت حمار؛ وهو وإن لم تسبقه جملة مستكملة للشروط التي ذكرت، غير أن الكلام السابق على المصدر، يدل على ما تدل عليه الجملة، كما ذكر المؤلف؛ فكلام الشاعر، معناه: "إن هذا الغلام إذا نام على الأرض، تجافى جسمه كل عنها إلا منكبه وحرف ساقه" فكأنه قال: "له طي"؛ فهي جملة مشتملة على المصدر وعلى صاحبه. انظر شرح التصريح: 1/ 334. 2 أي: وهذه جملة مشتملة على المصدر وصاحبه. فائدتان: أ- إذا أضيف المصدر مثل: ويلك، ويحك، بعدك، يكثر نصبه على المصدرية، ويجوز فهي على قلة الرفع على الابتداء. وإذا أفرد، جاز الأمران على السواء. وإذا كان معرفا بأل فرفعه أحسن من نصبه نحو: الويل له، ويرفع مبتدأ أو خبر ما يفيد الطلب نحو: صبر جميل، أي صبر جميل أجمل، أو أمري صبر جميل وخبر المكرر والمحصور، والمؤكد، وما يفيد الخبر؛ نحو: عجب لتلك قضية أي: أمري عجب. وقيل: عجب مبتدأ، ولتلك خبر. ضياء السالك: 2/ 131. =

.........................................................................

_ = ب- هنالك مصادر مسموعة بالنصب بصيغة التثنية مع الإضافة، مثل: لبيك وسعديك، وحنانيك ... ، ونصبها بفعل محذوف وجوبا، وهي نائبة عنه، والأصل: ألبى لبيك، وأسعد سعديك، وحن حنانيك. ومن المصادر ما هو مفرد منصوب ملازم للإضافة إلا في الضرورة. مثل: سبحان الله -أي براءة له من النقص، ومعاذ الله، أي عياذا واستعانة به. ضياء السالك: 2/ 131.

باب المفعول له

[باب المفعول له] : هذا باب المفعول له1: ويسمى المفعول لأجله، ومن أجله، ومثاله: "جئت؛ رغبة فيك". [شروط انتصاب المصدر على أنه مفعول لأجله] : وجميع ما اشترطوا له خمسة أمور: 1- كونه مصدرا2، فلا يجوز: "جئتك السمن والعسل" قاله الجمهور، وأجاز يونس: "أما العبيدَ فذو عبيد"3 بمعنى مهما يذكر شخص لأجل العبيد فالمذكور ذو عبيد، وأنكره سيبويه. 2- وكونه4 قلبيا كالرغبة، فلا يجوز: "جئتك قراءة للعلم" ولا "قتلا للكافر" قاله ابن الخباز5 وغيره، وأجاز الفارسي: "جئتك ضربَ

_ 1 هو المصدر الذي يدل على سبب وعلة ما قبله، ويشارك عامله في وقته وفاعله. 2 لأن المصدر يشعر بالعلية، أما الذوات فلا تكون في الغالب عللا للأفعال. 3 أي ينصب "العبيد" على أنه مفعول لأجله مع أنه غير مصدر، وزعم أن هذا قول بعض العرب، "ويقولونه إذا وصف شخص آخر بعبيد وغيرهم، كالمنكرين عليه وصفه بغير العبيد. وقال البعض: إنه مفعول لأجله بتقدير مضاف، أي أما تملك العبيد فالمفعول هو المصدر المحذوف وهو تملك. التصريح: 1/ 334. 4 أي من أفعال النفس الباطنة. وقيل في سبب اشتراط ذلك: إن العلة هي السبب في إيجاز الفعل وسبب الشيء متقدم عليه، وأفعال الجوارح، كالقتل والضرب ... ، ليست كذلك، ولم يشترط بعضهم ذلك، وأجاز: جئتك إكراما لي، وجئتك اليوم إكراما لك. 5 هو: شمس الدين أحمد بن الحسين بن أحمد بن أبي المعالي، النحوي الضرير؛ لم ير في زمانه أسرع منه حفظا، كان يحفظ المجمل لابن فارس، والإيضاح والتكملة لأبي علي الفارسي، والمفصل للزمخشري، وله مصنفات عديدة منها: النهاية في النحو: وشرح ألفية ابن معطي، مات بالموصل سنة 637 هـ. البلغة: 19، إنباه الرواة: 1/ 304، شذرات الذهب: 5/ 202، الأعلام: 1/ 114.

زيدا"1 أي: لتضرب زيدا. 3- وكونه علة: عرضا كان كرغبة، أو غير عرض، كـ: "قعد عن الحرب جبنا". 4- واتحاده بالمعلل به وقتا، فلا يجوز: "تأهبت السفر"2، قاله الأعلم3 والمتأخرون. 5- واتحاده بالمعلل به فاعلا4، فلا يجوز: "جئتك محبتك إياي"، قاله المتأخرون أيضا، وخالفهم ابن خروف5. [متى فقد المعلل شرطا وجب أن يجر بحرف التعليل] : ومتى فقد المعلل شرطا منها وجب عند من اعتبر ذلك الشرط، أن يجر بحرف التعليل، ففاقد الأول، نحو: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَام} 6، والثاني نحو:

_ 1 مع أن المصدر ليس قلبيا، وليس مشتركا مع العامل في الفاعل؛ لأن فاعل المجيء غير فاعل الضرب، فكأن الفارسي لا يشرتط هذين الشرطين. التصريح: 1/ 335. 2 بأن يتحد وقت الفعل المعلل والمصدر المعلل، وفي هذا المثال زمن التأهب غير زمن السفر. 3 هو: يوسف الشنتمري، وقد مرت ترجمته. 4 أي: بأن يكون فاعل الفعل وفاعل المصدر واحدا. 5 فقال لا يشترط ذلك؛ لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} إذ أن فاعل الإراءة هو الله، وفاعل الخوف والطمع العباد، وقد يقال: إن معنى يريكم: يجعلكم ترون، فيكون فاعل الرؤية والخوف واحدا. التصريح: 1/ 335. 6 "55" سورة الرحمن: 10. موطن الشاهد: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَام} . وجه الاستشهاد: مجيء "الأنام" علة الوضع، ولكنها ليست مصدرا، فجُرَّ باللام.

{وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ} 1 بخلاف: {خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} 2، والرابع3 نحو4: [الطويل] 252- فجئت وقد نضَّت لنوم ثيابها5

_ 1 "6" سورة الأنعام، الآية: 151. موطن الشاهد: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ} . وجه الاستشهاد: مجيء "الإملاق" علة القتل؛ ولكنه ليس قلبيا فجر بـ "من" التعليلية؛ لافتقاده الشرط الثاني وهو القلبية. 2 سورة الإسراء، الآية: 31. موطن الشاهد: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ} . وجه الاستشهاد: "مجيء "خشية" مصدرا قلبيا علة للقتل فنصب على أنه مفعول لأجله. 3 لم يذكر المؤلف الشرط الثالث؛ وهو كونه علة؛ لإخراجه بقوله: ومتى فقد المعلل، فلما ليس بعلة نحو: قتلته صبرا، لا يجوز جره باللام؛ لأن الجر بحرف التعليل يفيد العلة، والفرض عدمها. 4 القائل: هو: امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته. 5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: لدى الستر إلا لبسة المتفضل والبيت من معلقته المشهورة، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 336، والأشموني: 428/ 1/ 216"، والهمع: 1/ 194، 247، والدرر: 1/ 66، والمقرب: 33. والعيني: 3/ 66، 225، وشذور الذهب "109/ 301"، وقطر الندى "101/ 306. المفردات الغريبة: نضت: خلعت "بتشديد الضاد وتخفيفها"، لدى الستر: عند الستار: لبسة المتفضل: ما تلبسه وقت النوم من قميص ونحوه، والمتفضل: المتوشح بثوبه، أو لابس الثوب الواحد. المعنى: أتيت إلى محبوبتي.. وقد خلعت ثيابها استعدادا للنوم -ولم يبق عليها إلا الثوب الذي تلبسه قبيل النوم لتنام فيه؛ كناية عن أنها مترفة ووليدة نعمة. الإعراب: جئت: فعل ماضٍ وفاعل: وقد: الواو حالية. قد حرف تحقيق. نضت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث، والفاعل: هي. "لنوم": متعلق بـ "نض". ثيابها: مفعول به منصوب، و"ها": مضاف إليه. وجملة "نضت لنوم ثيابها": في محل نصب على الحال. "لدى": متعلق بـ "نض" وهو ظرف مكان منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر، وهو مضاف. الستر: مضاف إليه. إلا: حرف استثناء لا محل له من الإعراب. لبسة: منصوب على الاستثناء، وهو مضاف، المتفضل: مضاف إليه. موطن الشاهد: "لنوم". وجه الاستشهاد: مجيء "نوم" علة لخلع الثياب، غير أنه -أي زمن النوم- متأخر عن زمن خلع الثياب، فجرَّ بلام التعليل؛ لعدم اتحاد الوقت.

والخامس نحو1: [الطويل] 253- وإني لتعروني لذكراك هزة2

_ 1 القائل: هو: أبو صخر الهذلي؛ عبد الله بن سلم "سلمة" السهمي الهذلي، شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية، كان متعصبا لبني مروان، له في عبد الملك بن مروان وأخيه عبد العزيز مدائح كثيرة، وكان قد تحول عن عبد الله بن الزبير بعد أن حبسه، مات سنة 3/ 261، وسمط اللآلي: 399. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: كما انتفض العصفور بلله القطرُ والبيت من قصيدته المشهورة والتي مطلعها: عجبت لسعي الدهر بيني وبينها ... فلما انقضى ما بيننا سكن الدهرُ والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 336، 2/ 11، والأشموني: "429/ 1/ 216" والإنصاف: 1/ 253، وشرح المفصل: 2/ 67، وأمالي القالي: 1/ 149، والهمع: 1/ 194، والدرر: 1/ 166، والأغاني: 21/ 97، والمقرب: 33، والعيني: 3/ 67، 278، والخزانة: 1/ 552، وشرح السكري: 957، وشذور الذهب: "102/ 169". المفردات الغريبة: تعروني: تنزل بي. لذاكراك: لتذكري إياك. هزة: رعدة وانتفاضة. انتفض العصفور: ارتعد وارتعش. القطر: المطر. المعنى: إني لاضطرب وتنتابني -عندك تذكرك- رعدة ورعشة، كما يضطرب العصفور، ويرتعش وينتفض، إذا ما نزل عليه المطر وبلله. الإعراب: إني: حرف مشبه بالفعل، والياء: اسمه. لتعروني: اللام لام المزحلقة، تعرو: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الواو منع من ظهورها الثقل، والنون: للوقاية، وياء المتكلم مفعول به. "لذكراك": متعلق بـ "تعرو"، والكاف: مضاف إليه. هزة: فاعل مرفوع؛ وجملة "تعروني لذكراك هزة": في محل رفع خبر "إن". كما: الكاف حرف جر، و"ما" حرف مصدري. انتفض: فعل ماضٍٍ مبني على الفتح. العصفور: فاعل مرفوع؛ و"ما، وما دخلت عليه": في تأويل مصدر مجرور بالكاف؛ و"الجار والمجرور": متعلق بمحذوف صفة لـ "هزة"؛ والتقدير: تعروني هزة كائنة كانتفاض العصفور ... بلله: فعل ماضٍ، والهاء: مفعول به؛ والضمير عائد إلى العصفور. القطر: فاعل مرفوع؛ وجملة "ببله القطر": في محل نصب على الحال من العصفور؛ أو في محل رفع صفة للعصفور؛ لأنه محلى بأل الجنسية. موطن الشاهد: "لذكراك". وجه الاستشهاد: مجيء "ذكرى" علة لعروِّ الهزة، غير أن فاعل "العرو" الهزة، وفاعل "الذكرى" هو المتكلم؛ فلما اختلف الفاعل؛ جر الاسم الدال على العلة.

وقد انتفى الاتحادان في: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} 1. [جواز جر المستوفي للشروط بكثرة إن كان بأل] : ويجوز جر المستوفي للشروط بكثرة إن كان بـ "أل"، وبقلة إن كان مجردا، وشاهد القليل فيهما قوله2: [الرجز] 254- لا أقعد الجبن عن الهيجاء3

_ 1 "17" سورة الإسراء، الآية: 78. موطن الشاهد: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} . وجه الاستشهاد: التقى مانعان للنصب على المفعول له في الآية الكريمة؛ الأول: فاعل الإقامة "المخاطب" وفاعل الدلوك "وهو الميل عن وسط السماء" الشمس؛ وزمنهما مختلف؛ لأن زمن الإقامة متأخر عن زمن الدلوك. والثاني: "الدلوك" ليس مصدرا قلبيا؛ فجرَّ المصدر باللام؛ لانتفاء الاتحادين. 2 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: ولو توالت زمر الأعداء وهو من شواهد: التصريح: 1/ 336، والأشموني: "431/ 1/ 217". المفردات الغريبة: الجبن: الخوف والفزع. الهيجاء: الحرب -تقصر وتمد، توالت: تتابعت وتكاثرت. زمر: جماعات؛ جمع "زمرة" وهي الجماعة. المعنى: لا أتكاسل ولا أتوانى عن اقتحام الحرب ومنازلة الأبطال خوفا وفزعا، ولو تكاثرت جماعات الأعداء علي، وأتى بعضها تلو بعض. الإعراب: لا: نافية. أقعد: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. الجبن: مفعول به لـ "أقعد" "عن الهيجاء": متعلق بـ "أقعد". ولو: الواو عاطفة، والمعطوف عليه محذوف؛ والتقدير: لو لم تتوالَ زمر الأعداء. ولو توالت: لو: شرطية غير جازمة: أو حرف امتناع لامتناع. توالت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث، وهو فعل الشرط. زمر: فاعل مرفوع، وهو مضاف. الأعداء: مضاف إليه؛ وجواب "لو" محذوف دل عليه ما قبله؛ لأن التقدير: ولو توالت علي زمر الأعداء فإني لا أقعد عن الهيجاء. موطن الشاهد: "الجبن". وجه الاستشهاد: مجيء "الجبن" مصدرا منصوبا على المفعول لأجله؛ وحكم نصبه في هذه الحالة قليل؛ لأنه مقرون بأل؛ والأكثر فيه أن يأتي مجرورا بحرفٍ دالٍّ على التعليل.

وقوله1: [مشطور الرجز] 255- من أمكم لرغبة فيكم جبر2

_ 1 لم ينسب إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت من الرجز، وعجزه قوله: ومن تكونوا ناصريه يَنْتَصِرْ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 336، والأشموني: "430/ 1/ 217"، والعيني: 3/ 170، وفيه "ظفر". المفردات الغريبة: أمكم: قصدكم. لرغبة: رغب فيه: أراده وأحبه، ورغب عنه كرهه ولم يرده. جبر: اغتنى وظفر بما يريد. ناصريه: جمع ناصر وهو المعين. المعنى: إن من يقصدكم يريد فضلكم ومعروفكم؛ يظفر بما يريد. والذي تتولون إعانته ونصره على أعدائه ينتصر لا محالة. الإعراب: من: اسم شرط جازم، في محل رفع مبتدأ. أمكم: فعل ماضٍٍ، والفاعل: هو، و"كم": مفعول به؛ وجملة "أمكم" في محل جزم فعل الشرط. "لرغبة": متعلق بـ "أم". "فيكم": متعلق بـ "رغبة" أو بمحذوف صفة لـ "رغبة". جبر: فعل ماضٍٍ مبني للمجهول؛ وهو مبني على الفتح، وسكن لضرورة الوقف في محل جزم جواب الشرط. ومن: الواو عاطفة. من: اسم شرط جازم، في محل رفع مبتدأ. تكونوا: فعل مضارع ناقص، وهو فعل الشرط مجزوم بحذف النون، وواو الجماعة في محل رفع اسمه. ناصريه: خبر "تكونوا" منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه جمع مذكر سالم، و"الهاء": في محل جر بالإضافة. ينتصر: فعل مضارع مجزوم؛ لأنه جواب الشرط؛ وجملتا الشرط والجزاء في العبارتين في محل رفع خبر المبتدأ "اسم الشرط الجازم". موطن الشاهد: "لرغبة". وجه الاستشهاد: مجيء "رغبة" مصدرا قلبيا واقعا مفعولا لأجله، غير أنه جر بحرف التعليل "اللام" مع كونه مجردا من "أل" ومن الإضافة؛ وحكم جره وهو على هذه الحال قليل والكثير فيه النصب.

[استواء النصب والجر في المضاف] : ويستويان في المضاف، نحو: {يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} 1، ونحو: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} 2، قيل: ومثله: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} 3، أي: فليعبدوا رب هذا البيت لإيلافهم الرحلتين، والحرف في هذه الآية واجب عند من اشترط اتحاد الزمان.

_ 1 "2" سورة البقرة، الآية: 265. موطن الشاهد: {يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "ابتغاء" مصدرا منصوبا على أنه مفعول لأجله وهو مضاف؛ وحكم نصبه في هذا الحال الجواز. 2 "2" سورة البقرة، الآية: 74. موطن الشاهد: {يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "خشية" مصدرا مفعولا له، غير أنه جر بمن التعليلية؛ لأن التقدير: لم يهبط لأجل خشية الله؛ وهو مضاف إلى لفظ الجلالة؛ وحكم جره في هذه الحالة الجواز. 3 "106" سورة قريش، الآية: 1. موطن الشاهد: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} . وجه الاستشهاد: مجيء "إيلاف" مصدرا مفعولا له، وهو مضاف مجرور باللام المتعلقة بـ "يعبدوا" وقيل: متعلقة بـ "أعجبوا" مقدرا؛ وقيل غير ذلك؛ وحكم جره الجواز؛ لما ذكرنا في الآيتين السابقتين. انظر شرح التصريح: 1/ 337. فائدة: يجوز حذف المفعول لأجله لدليل، تقول: اعبد الله شكرا وأطعه، أي شكرا. كما يجوز حذف عامله لقرينة تدل عليه، فتقول: طلبا للراحة. في جواب: لم سافرت بالأمس؟.

باب المفعول فيه

[باب المفعول فيه] : هذا باب المفعول فيه، وهو المسمى ظرفا1: [تعريف الظرف وأنواع ما ينتصب على الظرفية] : الظرف: ما ضُمِّنَ معنى "في" باطِّراد: من اسم وقت، أو اسم مكان، أو اسم عرضت دلالته على أحدهما، أو جار مجراه. فالمكان والزمان، كـ: "امكث هنا أزمُنًا". والذي عرضت دلالته على أحدهما أربعة: أسماء العدد المميزة بهما، كـ: "سرت عشرين يوما، ثلاثين فرسخا"، وما أفيد به كلية أحدهما أو جزئيته، كـ: "سرت جميع اليوم، جميع الفرسخ" أو: "كل اليوم كل الفرسخ"، أو: بعض اليوم، بعض الفرسخ"، أو: "نصف اليوم، نصف الفرسخ". وما كان صفة لأحدهما، كـ: "جلست طويلا من الدهر شرقيَّ الدار". وما كان محفوضا بإضافة أحدهما ثم أنيب عنه بعد حذفه. والغالب في هذا النائب أن يكون مصدرا، وفي المنوب عنه أن يكون زمانا، ولا بد من كونه معينا لوقت أو لمقدار، نحو: "جئتك صلاة العصر" أو: "قدوم الحاج"، و: "أنتظرك حلب ناقة" أو: "نحر جزور". وقد يكون النائب اسم عين، نحو: "لا أكلمه القارِظَيْن"2، والأصل "مدة غيبة القارظين".

_ 1 المفعول فيه. تسمية الكوفيين، أما الظرف فتسمية البصريين، ويعترض الكوفيون على تسمية البصريين، بأن الظرف في اللغة هو: الوعاء المتناهي الأقطار، وليس اسم الزمان والمكان كذلك. حاشية الصبان: 2/ 125، وشرح التصريح: 1/ 337. 2 "القارظين" منصوب على الزمان؛ لنيابته عنه بعد حذفه وهو ليس بمصدر، "والقارظين" =

وقد يكون المنوب عنه مكانا، نحو: "جلست قرب زيد" أي: مكان قربه. [الجاري مجرى أحدهما] : والجاري مجرى أحدهما: ألفاظ مسموعة توسعوا فيها، فنصبوها على تضمين معنى "في" كقولهم: "أحقا أنك ذاهب"1 والأصل أفي حق، وقد نطقوا بذلك، قال2: [الطويل] 256- أفي الحق أني مغرم بك هائم3

_ = مثنى قارظ، وهو جاني القرظ الذي يدبغ به، وهما رجلان من عنزة خرجا يجنيان القرظ، فطالت مدة غيابهما ولم يرجعا، فضرب برجوعهما المثل؛ للأمر الميئوس منه الذي لا يكون أبدا ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي: فتلك التي لا يبرح القلب حبها ... ولا ذكرها ما أرزمت أم حائل وحتى يؤوب القارظان كلاهما ... وينشر في القتلى كليب لوائل وقد أورد الميداني هذا المثل، ونصبه: "حتى يؤوب القارظان" انظر أمثال الميداني "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد": 1/ 211، برقم: 1125، وانظر شرح التصريح: 1/ 338. 1 أحقا: منصوب على الظرفية الزمانية متعلق بمحذوف خبر مقدم. أنك ذاهب: في تأويل مصدر مبتدأ مؤخر. 2 القائل هو: فائد بن المنذر القشيري. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: وأنك لا خَلٌّ هواك ولا خمرُ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 339، والخزانة: 1/ 193 عرضا، والعيني: 3/ 81، ومغني اللبيب: "81/ 79" وشرح السيوطي: 63. المفردات الغريبة: مغرم: مولع، من أغرم بالشيء، أولع به. هائم: متحير. المعنى: ليس غرامي بك، وعشقي لك حقا؛ لأنك لا تستقرين على حال؛ وهواك غير ثابت، كماء العنب المتردد بين الخلية والخمرية؛ فلا هو خل صرف، ولا خمر خالص؛ ومن كان هواه بهذه المثابة، فكيف يكون غرام من أغرم بها حقا؟!. الإعراب: "أفي الحق": الهمزة حرف استفهام يفيد الإنكار. "في الحق": متعلق بمحذوف خبر مقدم. أني: حرف مشبه بالفعل، والياء: اسمه. مغرم: خبره مرفوع؛ والمصدر المؤول من "أنَّ وما بعدها": في محل رفع مبتدأ مؤخر؛ ويجوز أن يكون =

وهي جارية مجرى ظرف الزمان دون ظرف المكان، ولهذا تقع خبرا عن المصادر دون الجثث. ومثله: "غير شك" أو: "جهد رأيي" أو: "ظنا مني أنك قائم"1. [ما خرج عن الحد] : وخرج عن الحد ثلاثة أمور:

_ = في محل رفع فاعل بالظرف أو "بالجار والمجرور؛ لاعتماده على الاستفهام -على رأي من يجيزون ذلك. "بك": متعلق بـ "مغرم". هائم: خبر ثان لـ "أن". لا خل: لا عاملة عمل ليس و"خل": اسمها. هواك: خبرها، والكاف مضاف إليه؛ وجملة "لا خَلٌّّ هواك": في محل رفع خبر لـ "أن". ولا خمر: الواو عاطفة، لا: عاملة عمل ليس. خمر: معطوف على خل، وخبره محذوف؛ لدلالة ما قبله عليه؛ والتقدير: ولا خمر هواك. موطن الشاهد: "أفي الحق". وجه الاستشهاد: "مجيء "الحق" مصرحا معه بالجار؛ وفي هذا دليل على أن "حقا" ظرف زمان؛ لتضمنه معنى "في" وليس منصوبا على المفعولية المطلقة باعتبار أصله، كما يقول بعضهم؛ حيث اتفق العلماء على أن أصل "حقا" مصدر، ثم اختلفوا: هل هو باقٍ على مصدريته أو لا؟. فذهب سيبويه والجمهور من النحاة في قولهم: "أحقا أنك ذاهب" إلى أن "حقا" منصوبة على الظرفية متعلقة بالاستقرار، على أنها خبر مقدم. و"أنك ذاهب": في تأويل مصدر مرفوع بالابتداء، كما في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً} ؛ والتقدير: ومن آياته رؤيتك. والأصل: أفي حق ذهابك؛ فحذفت "في" وانتصب "حقا" على الظرفية. وذهب المبرد، وتبعه ابن مالك إلى أن "حقا" مصدر بدل من اللفظ بفعله و"أن وما بعدها": في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية، كما في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا} والتقدير: أو لم يكفهم إنزالنا، ورده، أبو حيان. انظر شرح التصريح: 1/ 338-339، ومغني اللبيب: 79. 1 "غير شك"، و"جهد رأيي". و"ظنا مني"، كلمات منصوبة على الظرفية الزمانية توسعا بإسقاط حرف الجر "في"، والظرف فيها جميعا خبر مقدم، والمصدر المؤول بعدها من "أنك قائم" مبتدأ مؤخر. التصريح: 1/ 339.

أحدهما: نحو: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} 1 إذا قدر بفي؛ فإن النكاح ليس بواحد مما ذكرنا. والثاني: نحو: {يَخَافُونَ يَوْمًا} 2، ونحو: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} 3، فإنهما ليسا على معنى: "في" فانتصابهما على المفعول به، وناصب "حيث" يعلم محذوفا؛ لأن اسم التفضيل لا ينصب المفعول به إجماعا4.

_ 1 "4" سورة النساء، الآية: 127. موطن الشاهد: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} . وحه الاستشهاد: عدم مجيء المصدر المؤول من "أن وما بعدها" ظرفا؛ وإن كان المصدر على تقدير في ويصدق عليه التعريف، غير أنه ليس بظرف؛ لأن المعنى: ترغبون في نكاحهن. 2 "76" سورة الإنسان، الآية: 7. موطن الشاهد: {يَخَافُونَ يَوْمًا} . وجه الاستشهاد: عدم مجيء "يوما" ظرفا -وإن كان من أسماء الزمان- لأنه ليس على معنى "في"؛ لأنه ليس المراد أن الخوف واقع في ذلك اليوم؛ وإنما المراد: أنهم يخافون نفس اليوم لا ما يقع فيه. 3 "6" سورة الأنعام، الآية: 124. موطن الشاهد: {أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ} . وجه الاستشهاد: عدم مجيء "حيث" ظرفا -وإن كان من أسماء الزمان- لأنه ليس على تقدير "في"؛ لأنه ليس المراد أن العلم واقع في ذلك المكان؛ وإنما المراد: أن الله -تعالى- يعلم نفس المكان المستحق لوضع رسالته؛ وقال بعضهم: إن قولهم: "حيث": مفعول به لا ظرف فيه إخراج "حيث" عن طبيعتها؛ لأنها لا تتصرف، وجعلها مفعولا به نوع من التصرف، ولماذا لا يقال: إن المراد أن الله -سبحانه وتعالى- يعلم الفضل والطهارة والصلاحية التي في مكان الرسالة؛ فتبقى "حيث" ظرفا على أصلها. انظر شرح التصريح: 1/ 339. 4 ذكر صاحب التصريح عن صاحب كتاب "البديع" قوله: "غلط من قال: إن اسم التفضيل لا يعمل في المفعول به؛ لورود السماع بذلك، كقوله تعالى: {هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا} ؛ لأن "سبيلا" ليس تمييزا؛ لكونه غير فاعل في المعنى، كما هو الحال في قولهم: "زيد أحسن وجها" وفي الارتشاف لأبي حيان، وقال محمد بن مسعود الغزني: أفعل التفضيل ينصب المفعول به، قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} انظر شرح التصريح: 1/ 339.

والثالث: نحو: "دخلت الدار"، و: "سكنت البيت" فانتصابهما إنما هو على التوسع بإسقاط الخافض، لا على الظرفية، فإنه لا يطرد تعدي الأفعال إلى الدار والبيت على معنى "في" لا تقول: "صليت الدار" ولا "نمت البيت"1. [حكم الظرف النصب وناصبه اللفظ الدال على المعنى الواقع فيه] : فصل: وحكمه النصب، وناصبه اللفظ الدال على المعنى الواقع فيه2، ولهذا اللفظ ثلاث حالات: [حالات اللفظ] : إحداها: أن يكون مذكورا، كـ: "امكث هنا أزمنا"، وهذا هو الأصل. والثانية: أن يكون محذوفا جوازا، وذلك كقولك: "فرسخين" أو "يوم الجمعة" جوابا لمن قال: "كم سرت"؟ أو "متى صمت"؟ والثالثة: أن يكون محذوفا وجوبا، وذلك في ست مسائل، وهي: أن يقع صفة كـ: "مررت بطائر فوق غصن" أو صلة كـ: "رأيت الذي عندك" أو حالا كـ: "رأيت الهلال بين السحاب" أو خبرا كـ: "زيد عندك" أو مشتغلا عنه كـ: "يوم الخميس صمت فيه" أو مسموعا بالحذف لا غير3 كقولهم: "حينئذ الآن"4، أي: كان ذلك حينئذ، واسمع الآن.

_ 1 لأنهما من أسماء المكان المختصة؛ بها صورة وحدود محصورة، لا يقبل النصب على الظرفية من المكان إلا المبهم الصالح لكل بقعة، كمكان وناحية وجهة ... إلخ، أو الذي اتحدت مادته ومادة عاملة. 2 سواء كان هذا اللفظ فعلا مطلقا تامًا أو ناقصا، متعديا، أو لازما، أم مصدرا أم اسم فعل، أم وصفًا. 3 أنكر المؤلف في المغني قولهم: "لا غير" وأوجب أن يقال: ليس غير. مغني اللبيب: 209. 4 هذا مثل يقال لمن ذكر أمرا قد تقادم عهده؛ أي كان ما تقوله واقعا حين إذا كان كذا وكذا واسمع الآن ما أقول لك، جملتان: اقتطعت "حينئذ" من جملة واقتطعت "الآن" من أخرى، والمقصود نهي المتكلم عن ذكر ما يقوله؛ وأمره بسماع ما يقال له فـ "حين" منصوبة لفظا بفعل محذوف وهي مضافة إلى "إذ"؛ و"الآن" مبني على الفتح في محل نصب، وناصبه محذوف.

[أسماء الزمان كلها صالحة للانتصاب على الظرفية] : فصل: أسماء الزمان كلها صالحة للانتصاب على الظرفية، سواء في ذلك مبهمها كحين ومدة، ومختصها كيوم الخميس، ومعدودها كيومين وأسبوعين1. والصالح لذلك من أسماء المكان نوعان: [ما يصلح من أسماء المكان نوعان] : أحدهما المبهم2، وهو: ما افتقر إلى غيره في بيان صورة مسماه: كأسماء الجهات نحو أمام ووراء ويمين وشمال وفوق وتحت، وشبهها في الشياع كناحية واجبن3 ومكان، وكأسماء المقادير كميل وفرسخ وبريد4.

_ 1 الظرف المبهم: ما دل على زمن غير مقدر، ولا يقع جوابا لمتى وكم نحو حين، ومدة، ووقت. والمختص: ما دل على مقدر ويقع جوابا لمتى نحو: يوم الخميس، جوابا لمن قال: متى جئت؟ والمعدود: ما يقع جوابا لكم نحو: يومين وأسبوع. ومن الظروف المبهمة ما له اختصاص من بعض الوجوه؛ كغداة، وعشية، وليلة، وصباح، ومساء. وبـ "في" مما ينتصب من اسم الزمان على الظرفية ما اشتق من المصدر كمجلس زيد ومقعده، بمعنى زمان جلوسه وزمان قعوده. التصريح: 1/ 341. 2 يحصل الإبهام في المكان من وجهين؛ أحدهما: ألا يلزم مسماه؛ لأن "خلفك قدام لغيرك، وأنك بتحولك عن تلك الجهة، يصير ما كان خلفك قدام أو يمينك أو يسارك على حسب تحولك؛ لأن الجهات تختلف باختلاف الكائن فيها؛ فهي جهات له -وهو في وقع خاص- وليس لكل واحدة منها حقيقة منفردة بنفسها؛ وثانيهما: أن هذه الجهات ليس لها أمد معلوم تنتهي إليه؛ فخلفك: اسم لما وراء ظهرك إلى آخر الدنيا، وأمامك: اسم لما قدام وجهك إلى آخر الدنيا وهكذا". شرح التصريح: 1/ 341. 3 استثنى بعضهم من المبهم: جانب وما في معناه، كـ: "جهة، ووجه وكنف، وخارج، وداخل وجوف، وظاهر، وباطن"، فلا ينصب منها شيء على الظرفية، بل يجب التصريح معها بالحرف. التصريح: 1/ 341. 4 الميل: ألف باع، والفرسخ: ثلاثة أميال، والبريد: أربعة فراسخ. وقيل إن هذه من المختص؛ لأنها معلومة المقدار، وقيل: هي شبيهة بالمبهم.

والثاني: ما اتحدت مادته ومادة عامله، كـ: "ذهبت مذهب زيد"، و: "رميت مرمى عمرو"، وقوله: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ} 1. وأما قولهم: "هو مني مقعد القابلة" و: "مزجر الكلب" و: "مناط الثريا" فشاذ؛ إذ التقدير: هو مني مستقر في مقعد القابلة، فعامله الاستقرار، ولو أعمل في المقعد قعد، وفي المزجر زجر، وفي المناط ناط؛ لم يكن شاذا2. [الظرف نوعان] : فصل: الظرف نوعان: متصرف، وهو: ما يفارق الظرفية إلى حالة لا تشبهها، كأن يستعمل مبتدأ أو خبرا أو فاعلا أو مفعولا أو مضافا إليه، كـ "اليوم"، تقول: "اليوم يوم مبارك" و: "أعجبني اليوم" و: "أحببت يوم قدومك" و: "سرت نصف اليوم". وغير متصرف، وهو نوعان: ما لا يفارق الظرفية أصلا، كـ: "سقط وعوض"3، تقول: "ما فعلته قَطُّ" و: "لا أفعله عَوْضُ"4 وما لا يخرج عنها إلا

_ 1 "72" سورة الجن، الآية: 9. موطن الشاهد: {نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ} . وجه الاستشهاد: انتصاب "مقاعد" على الظرفية؛ لاتحاد مادتها ومادة الفعل "نقعد"؛ ولو اختلفت مادتهما؛ لم يجز في القياس نصب "مقاعد" على الظرفية. 2 لأن المدار على اتحاد الظرف والعامل في المادة. وإنما استأثرت أسماء الزمان بصلاحية المبهم منها والمختص للظرفية دون أسماء المكان؛ لأن أصل العوامل الفعل، ودلالته على الزمان أقوى من دلالته على المكان. ولم ينصب المختص من الأمكنة على الظرفية؛ لأنه يلتبس بالمفعول به كثيرا. التصريح: 1/ 342. 3 ومثلهما: بين أو بينما، والظروف المركبة: كصباح مساء، وبين بين. 4 قط وعوض، لا يستعملان إلا بعد نفي كما مثل، وقط لاستغراق الماضي من الزمان كما أن عوض لاستغراق المستقبل مثل أبدا، فالمعنى: ما فعلته فيما انقطع ومضى من عمري، ولا أفعله في المستقبل. و"قط" مشتقة من قططت الشيء إذا قطعته، و"عوض" مشتقة من العوض، سمي الزمان: "عوض" لأن كل جزء منه يخلف ما قبله، فكأنه عوض عنه، و"قط" مبنية على الضم، أما عوض فتبنى على الحركات الثلاث إذا لم تضف. التصريح: 1/ 342، ومغني اللبيب: 200، 233.

بدخول الجار عليه، نحو قبل وبعد ولدن وعند، فيحكم عليهن بعدم التصرف مع أن "من" تدخل عليهن؛ إذ لم يخرجن عن الظرفية إلا إلى حالة شبيهة بها؛ لأن الظرف والجار والمجرور أخوان.

باب المفعول معه

[باب المفعول معه] : هذا باب المفعول معه: [تعريف المفعول معه وما يخرج بكل قيد] : وهو: اسم، فضلة، تالٍ لواو بمعنى مع، تالية لجملة ذات فعل أو اسم فيه معناه وحروفه، كـ: "سرت والطريق" و: "أنا سائر والنيل". فخرج باللفظ الأول نحو: "لا تأكل السمك وتشرب اللبن" ونحو: "سرت والشمس طالعة" فإن الواو داخلة في الأول على فعل، وفي الثاني على جملة، وبالثاني نحو: "اشترك زيد وعمرو"، وبالثالث نحو: "جئت مع زيد"، وبالرابع نحو: "جاء زيد وعمرو قبله، أو بعده"، وبالخامس نحو: كل رجل وضيعته"1 فلا يجوز فيه النصب، خلافا للصيمري2، وبالسادس نحو: "هذا لك وأباك" فلا يتكلم به، خلافا لأبي علي3.

_ 1 هذا: إذا قدر الخبر مثنى، كأنه قيل: كل رجل وضيعته مقترنان، أما إذا قدر الخبر مفردا، فيجوز النصب على المعية عطفا على ضمير الخبر، كأنه قيل أكل رجل موجود وضيعته. 2 هو: أبو محمد؛ عبد الله بن علي بن إسحاق الصيمري النحوي، نسبة إلى الصيمرة وهي بلد بالبصرة، كان عالما فاضلا، قدم مصر، ونقل عنه أبو حيان كثيرا. له كتاب جليل في النحو يسمى: "التبصرة" يشتغل به أهل المغرب، وقد أحسن فيه التعليل لمذهب البصريين. البلغة: 112، بغية الوعاة: 2/ 49، إنباه الرواة: 2/ 123، معجم المؤلفين: 6/ 87. 3 هو أبو علي الفارسي، وقد مرت ترجمته. فقد أجاز مثل ذلك بناء على مذهبه من الاكتفاء بما فيه معنى الفعل، كالإشارة، والتنبيه، والظرف، ولهذا أجاز في قول الشاعر: لا تحبسنك أثوابي فقد جمعت ... هذا ردائي مطويا وسربالا أن ينصب "سربالا" على المعية. والجمهور على أنه منصوب بـ "مطويا" ليس غير.

فإن قلت: فقد قالوا: "ما أنت وزيدا" و: "كيف أنت وزيدا"1. قلت: أكثرهم يرفع بالعطف، والذين نصبوا قدروا الضمير فاعلا لمحذوف لا مبتدأ، والأصل: ما تكون؟ وكيف تصنع2؟ فلما حذف الفعل وحده برز ضميره وانفصل.

_ 1 أي ينصب "زيدا" فيها، بعد "ما" و"كيف" الاستفهاميتين؛ مع أنه لم يتقدم فعل، ولا اسم فيه معنى الفعل وحروفه. 2 أي: لتعذر الاتصال. وقدر سيبويه الفعل المحذوف من لفظ الكون، وجعله ماضٍيا مع "ما" ومضارعا مع "كيف" فقال: إن الأصل: ما كنت وزيدا؟ وكيف تكون وزيدا؟. وقيل: إن هذا غير مقصود من سيبويه، و"كان" في المثالين: إما ناقصة وأداة الاستفهام قبلها خبر مقدم، واسمها ضمير المخاطب الذي كان مستترا؛ فلما حذفت برز وانفصل -وهذا هو الأصح- وإما تامة وفاعلها الضمير المستتر، وما الاستفهامية مفعول مطلق متقدم، وكيف: حال مقدم؛ والتقدير: أي وجود توجد مع زيد -وهذا رأي ضعيف- وقد أشار الناظم إلى ذلك بقوله: وبعد "ما" استفهام أو "كيف" نصب ... بفعل كون مضمر بعض العرب أي: نصب بعض العرب المفعول معه بعد "ما" و"كيف" الاستفهاميتين، وجعل النحاة النصب بفعل مقدر من لفظ الكون كما بين المؤلف. انظر في تفصيل هذه المسألة: شرح التصريح: 1/ 343، والأشموني: 1/ 225، والمفصل، للزمخشري: 58. فائدة: ورد في كلام العرب الاسم الواقع بعد الواو المسبوقة بـ "ما أنت" و"كيف أنت" مرفوعا ومنصوبا؛ والأكثر وروده مرفوعا كما في قول الشاعر: وكنت هناك أنت كريم قيس ... فما القيسي بعدك والفخار وكقول الآخر: وكنت امرأ من أهل نجد وأهلنا ... تهام، فما النجدي والمتغورُ وفي حالة الرفع؛ تكون الواو للعطف، ويكون الاسم المرفوع معطوفا على الضمير "أنت" وأما مجيئه منصوبا؛ فنحو قول أسامة بن حبيب الهذلي: ما أنت والسير في متلفٍ ... يبرِّح بالذَّكَرِ الضَّابِطِ ونحو الآخر: أتوعدني بقومك يابن حجلِ ... أشابات يخالون العبادا بما جمَّعت من حضن وعمرو ... وما حضن وعمرو والجيادا والشاهد هنا قوله: "والجيادا"؛ لأن قوله: "وعمرو" فالواو فيها واو العطف. أوضح المسالك: 2/ 240، حا: 1.

[الناصب للمفعول معه] : والناصب للمفعول معه ما سبقه من فعل أو شبهه1، لا الواو، خلافا للجرجاني2، ولا الخلاف، خلافا للكوفيين، ولا محذوف، والتقدير: سرت ولابست النيل، فيكون حينئذ مفعولا به، خلافا للزجاج3. [للاسم بعد الواو خمس حالات] : فصل: للاسم بعد الواو خمس حالات: 1- وجوب العطف، كما في: "كل رجل وضيعته" ونحو: "اشترك زيد وعمرو" ونحو: "جاء زيد وعمرو قبله أو بعده" لما بينا4.

_ 1 أي: ما يشبهه في العمل من كل ما ينصب المفعول به من المشتقات؛ وذلك يشمل: اسم الفاعل، واسم المفعول، والمصدر، واسم الفعل، ولكن لا يشمل الصفة المشبهة، ولا أفعل التفضيل، ولا ما يعمل. وأما قوله "ما سبقه من فعل أو شبهه" فهو تابع فيه لابن مالك في قوله: بما من الفعل وشبهه سبق ... ذا النصب، لا بالواو في القول الأحق وفي هذا إشارة إلى أنه لا يجوز تقديم المفعول معه على العامل فيه؛ فلا يقال: والنيل سرت، ولا يقال: والنيل أنا سائر؛ وهذا مما لا خلاف فيه، وكذلك لا يجوز أن يتوسط المفعول معه بين العامل ومصاحبه، فلا يقال: سار والنيل زيد. وخالف ابن جني هنا، وأجاز التوسط بين العامل ومصاحبه؛ أي: أن يتقدم المفعول معه مصاحبه، واستدل بقول الحماسي: أكنيه حين أناديه لأكرمه ... ولا ألقيه والسوأة اللقبا فأصل الكلام: ولا ألقبه اللقب والسوأة على مذهب ابن جني. والصواب -فيما استدل به- أن تالي الواو في هذين البيتين ليس مفعولا معه، بل هو معطوف، تقدم على المعطوف عليه ضرورة، والضرورة تحفظ ولا يقاس عليها. وانظر شرح التصريح: 1/ 334، وحاشية الصبان: 2/ 137. 2 مرت ترجمته. 3 مرت ترجمته. 4 أي من فقد شروط النصب، وهو عدم تقدم جملة في الأول، وعدم الفضلة في الثاني وعدم المصاحبة في الثالث.

2- ورجحانه1، كـ: "جاء زيد وعمرو" لأنه الأصل، وقد أمكن بلا ضعف. 3- ووجوب المفعول معه، وذلك في نحو: "ما لك وزيدا"، و: "مات زيد وطلوع الشمس" لامتناع العطف في الأول من جهة الصناعة2، وفي الثاني من جهة المعنى. 4- ورجحانه، وذلك في نحو قوله3: [الوافر] 257- فكونوا أنتم وبني أبيكم4

_ 1 أي رجحان العطف، ويجوز النصب على ضعف. 2 لأنه لا يجوز العطف على الضمير المجرور إلا بعد إعادة الجار، قال تعالى: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} . 3 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: مكان الكليتين من الطحال وهو من شواهد: التصريح: 1/ 345، والأشموني: "441/ 1/ 225" والهمع: 1/ 220، 221، والدرر: 1/ 190، والعيني: 3/ 102، وشرح المفصل: 2/ 48، 50، والكتاب لسيبويه: 1/ 150، وقطر الندى "103/ 315"، ومجالس ثعلب: 125. المفردات الغريبة: الكليتان: معروفتان، والمفرد، كلية وكلوة، والجمع: كليات وكلى. الطحال: معروف أيضا وهو دم متجمد، وجمعه: طحل، ككتب. المعنى: يأمر الشاعر مخاطبيه ويوصيهم بأن يكونوا مع أخوانهم على وفاق واتصال تام، كاتصال الكليتين بالطحال. الإعراب: كونوا: فعل أمر ناقص مبني على حذف النون؛ لاتصاله بواو الجماعة، والواو في محل رفع اسم "كن" الناقصة. أنتم: ضمير منفصل مؤكد للضمير المتصل "واو الجماعة". وبني: الواو واو المعية، بني: مفعول معه منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وهو مضاف، أبيكم: "أبي" مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف و"كم": مضاف إليه. "مكان": متعلق بمحذوف خبر "كونوا" الناقصة، وهو مضاف. الكليتين: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه مثنى. "من الطحال": متعلق بـ "مكان"؛ لأن فيه رائحة الفعل. موطن الشاهد: "وبني أبيكم". وجه الاستشهاد: نصب "بني" على أنه مفعول معه، وحكم نصبه على أنه مفعول معه -هنا- الجواز مع الرجحان؛ لأنه يجوز أن يرفع عطفا على الضمير الواقع اسما في "كونوا"؛ لوجود التأكيد بالضمير المنفصل، غير أنه ضعيف من جهة المعنى؛ لأنه يقتضي -حينئذ- أن يكون أبناء الأب مأمورين بذلك أيضا، وهو غير مراد؛ لأن المراد؛ توجيه الأمر للمخاطبين -وحدهم- بأن يكونوا مع بني أبيهم متحابين كالكليتين من الطحال؛ ولهذا، قلنا: حكم النصب هنا الجواز مع الترجيح. وانظر شرح التصريح: 1/ 345.

ونحو: "قمت وزيدا"؛ لضعف العطف في الأول من جهة المعنى، وفي الثاني من جهة الصناعية1. 5- وامتناعهما، كقوله2: [الكامل] 258- علفتها تبنا وماء باردا3

_ 1 لأنه لا يحسن العطف على الضمير المرفوع المتصل، إلا بعد توكيده بضمير منفصل أو بأي فاصل كان، ونحو: أكرمتك ومحمدا، يجوز كون "محمدا" معطوفا على الكاف، وأن يعرب مفعولا معه. التصريح 1/ 345. 2 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: حتى شتت همالة عيناها وهو من شواهد: التصريح: 1/ 346، والأشموني: "442/ 1/ 226"، وابن عقيل: "166/ 2/ 207"، والهمع: 2/ 130، والدرر: 2/ 169، والمقتضب: 4/ 223، والخصائص: 2/ 431، وأمالي ابن الشجري: 2/ 321، والإنصاف: 613، وشرح المفصل: 2/ 8، والخزانة: 1/ 499، والعيني: 3/ 101، 4/ 181، والمغني: "1070/ 828"، وشرح السيوطي: 314، واللسان "قلد"، والشذور: "115/ 316". المفردات الغريبة: علفتها: قدمت لها العلف، وهو ما يقدم للدواب من الأكل وجمعه علاف. كجبل وجبال. شتت: بدت. همالة: صيغة مبالغة من هملت العين إذا فاض دمعها وكثر نزوله منها. المعنى: علفت هذه الدابة تبنا، وأشبعتها، وسقيتها ماء باردا حتى فاضت عيناها بالدموع من الشبع. الإعراب: علفتها: فعل ماضٍ، والتاء: فاعل، و"ها": مفعول به أول. تبنا: مفعول به ثانٍ. وماء: الواو حرف عطف، ماء: مفعول به لفعل محذوف؛ والتقدير: وسقيتها =

وقوله: [الوافر] 259- وزججن الحواجب والعيونا1

_ = ماء. باردا: صفة لـ "ماء" منصوبة؛ ونلحظ هنا -أن "الواو" عطفت جملة على جملة. موطن الشاهد: "وماء". وجه الاستشهاد: استشهد بهذا البيت على عدم صحة مجيء "ماء" مفعولا معه -كما زعم ابن عقيل- لانتفاء المصاحبة؛ حيث إن الماء لا يصاحب التبن في العلف، أو إن الدابة لا تشرب الماء في أثناء تناولها العلف، فلا يتحد الزمان، وبالتالي فلا ينتصب على المفعولية "المفعول معه"؛ لأن من شرط انتصاب الاسم على أنه مفعول معه أن يكون مشاركا لما قبله في زمان تسلط العامل عليه؛ لاشتراطهم أن تكون الواو السابقة عليه دالة على المصاحبة. وذهب بعضهم كالجرمي والمازني والمبرد وأبي عبيدة والأصمعي واليزيدي وغيرهم من العلماء إلى أن "ماء" معطوف على قوله "تبنا" بعد التأويل في العامل؛ أي: لا يبقى معنى علفتها: "أطعمتها" وقدمت لها ما تأكله -كما هو معناه الوضعي- بل يضمن معنى أعم منه؛ كأن يراد به: "قدمت لها" أو: "أنلتها" أو: أعطيتها ونحو ذلك؛ والأفضل من هذا، وذاك ما ذهبنا إليه في الإعراب، وهو تخريج أبي علي الفارسي، والمبرد، والزوني. انظر شرح التصريح: 1/ 346، وحاشية الصبان: 2/ 140-141، وابن عقيل: 4681. 1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: إذا ما الغانيات برزن يوما وينشد قبل الشاهد قوله: وأظعان طلبت بذات لوث ... يزيد رسيمها سرعا ولينا وينشد بعد الشاهد قوله: أَنَخْنَ جِمالهن بذات غسل ... سراة اليوم بمهدن الكدونا والشاهد من شواهد التصريح: 1/ 346، والأشموني: "443/ 1/ 266"، والخصائص: 2/ 432، والإنصاف: 610، والعيني: 3/ 91، 4/ 193، والهمع: 1/ 122، 2/ 130، والدرر: 1/ 191، 2/ 169، وحاشية يس: 1/ 432، وتأويل مشكل القرآن: 165، ومغني اللبيب: "662/ 466" وشرح السيوطي: 263، والخزانة: 2/ 73، وشذور الذهب: "116/ 317. المفردات الغريبة: الغانيات: جمع غانية، وهي المرأة التي استغنت بجمالها عن الحلي والزينة. برزن: ظهرن. زججن الحواجب: دققنها ورققنها في طول. =

أما امتناع العطف؛ فلانتفاء المشاركة، وأما امتناع المفعول معه؛ فلانتفاء المعية في الأول وانتفاء فائدة الإعلام بها في الثاني. ويجب في ذلك إضمار فعل ناصب للاسم على أنه مفعول به، أي: وسقيتها ماء، وكحلن العيونا، هذا قول الفارسي والفراء1 ومن تبعهما. وذهب الجرمي والمازني والمبرد وأبو عبيدة3 والأصمعي3

_ = المعنى: إذا ما برزت تلك النساء الجميلات من خدورهن متزينات -وقد رققن حواجبهن، وكحلن عيونهن- أنخن جمالهن التي يركبنها -بهذا الموضع- وسط النهار؛ ليصلحن خدورهن، أو هوادجهن. الإعراب: إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية، ما: زائدة. الغانيات: فاعل لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده؛ وجملة "الفعل المحذوف وفاعله": في محل جر بالإضافة. برزن: فعل ماضٍٍ مبني على السكون، ونون النسوة: فاعل؛ وجملة "برزن": تفسيرية، لا محل لها. "يوما": متعلق بـ "برز". وزججن: الواو عاطفة، زجج: فعل ماضٍٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة، والنون: فاعل. الحواجب: مفعول به منصوب. والعيونا: الواو عاطفة، العيونا: مفعول به لفعل محذوف، وتقدير الكلام: وزججن الحواجب وكحلن العيون؛ وجملة "كحلن العيون": معطوفة على جملة "زججن الحواجب"؛ وهذا الوجه هو الأفضل. موطن الشاهد: "زججن الحواجب والعيونا". وجه الاستشهاد: لا تصح المعية في قوله: "والعيونا"؛ لانتفاء فائدة الإعلام بها؛ أي: بمصاحبة العيون للحواجب؛ إذ من المعلوم أن العيون مصاحبة للحواجب. كما لا يجوز أن نعطف "العيون" على "الحواجب" عطف مفرد على مفرد؛ لأن فعل زجج، لا يصح أن يتعدى إلى ما قبل الواو وما بعدها مع بقائه على معناه الحقيقي؛ لأن العيون لا تزجج؛ ولذا فلا بد من أن يضمَّن فعل زجج معنى أعم وأشمل من معناه الأصلي؛ حتى يصح أن يتناول ما بعد الواو وما قبلها؛ نحو ما ذهب إليه المؤلف في المتن، من تأويل: "زججن" بـ "حسن"؛ ويجوز -في هذه الحال- أن تكون الواو عاطفة مفردا على مفرد؛ والأفضل ما ذهبنا إليه في الإعراب، وهو أن "الواو" عاطفة جملة على جملة. 1 مرت ترجمة كل منهما في محلها. 2 مرت ترجمة كل منهم. 3 الأصمعي: هو أبو سعيد؛ عبد الملك بن قريب؛ البصري، والأصمعي نسبة إلى جده أصمع، وهو أحد أئمة اللغة والنحو والغريب والملح والنوادر. روى عن أبي عمرو بن العلاء، وكان يتمتع بحافظة جيدة. حتى أنه كان يحفظ 16 ألف أرجوزة غير دواوين العرب، قال عنه الشافعي: ما عَبَّرَ أحد من العرب بمثل عبارة الأصمعي له كتب قيمة منها: كتاب الأصول، والنوادر، والقلب والإبدال، وغريب القرآن وخلق الإنسان، واللغات ... وغيرها ولد سنة 125 ومات سنة 210 هـ. البلغة 129، إنباه الرواة: 2/ 197، بغية الوعاة: 2/ 112، طبقات القراء: 1/ 470، والأعلام: 4/ 307.

واليزيدي1 إلى أنه لا حذف، وأن ما بعد الواو معطوف، وذلك على تأويل العامل المذكور بعامل يصح انصبابه عليهما؛ فيؤول زججن بحسنَّ2 وعلفتها بأنلتها3.

_ 1 اليزيدي: هو أبو محمد، يحيى بن المبارك -مولى بني عدي، أخذ العربية عن أبي عمرو بن العلاء، واللغة والعروض عن الخليل، وكان أحد أكابر القراء، وكان ثقة صدوقا، وجعله الرشيد مؤدبا للمأمون، له: مختصر في النحو، المقصور والممدود، النقط والشكل ... وغيرها وله الكثير من الشعر، مات بخراسان سنة 202 هـ. البلغة: 284، بغية الوعاة: 2/ 340، طبقات القراء: 2/ 375، وفيات الأعيان: 2/ 304، الأعلام: 9/ 205. توجيه: الفرق بين العطف والمعية: أن العطف يقتضي المشاركة بين المعطوف والمعطوف عليه في معنى الفعل، سواء حصلت المشاركة في الزمن أو لا؛ فإذا قلت: قابلت محمدا وعليا في الحج، فيجب أن تتناولهما المقابلة، وليس بلازم أن تكون شملتهما مع المتكلم في وقت واحد. أما المعية فبالعكس؛ أي: إنه تتحتم المشاركة الزمنية. أما المشاركة المعنوية؛ فقد تكون أو لا تكون؛ فإذا قلت: سار محمد والنيل -تعينت المشاركة الزمنية. أما المعنوية؛ فلا يمكن؛ لأن النيل لا يشارك في السير. ضياء السالك: 2/ 160. فائدة: قال الصبان: قال الفارضي: إذا اجتمعت المفاعيل؛ قدم المفعول المطلق. ثم المفعول به الذي تعدى إليه الفاعل بنفسه، ثم الذي تعدى إليه بواسطة الحرف، ثم المفعول فيه الزماني، ثم المكاني، ثم المفعول له، ثم المفعول معه؛ نحو: ضربت ضربا محمدا بسوط نهارا هنا تأديبا وطلوع الشمس؛ والظاهر أن هذا الترتيب أولى؛ لا واجب، ومن الخير أن يراعى تقديم -الأهم والمقصود- مهما كان. حاشية الصبان: على شرح الأشموني: 2/ 141. 2 لأن "حَسَّنَّ" يصح تسلطه على كل من العيون والحواجب. 3 لأن "أنلتها" يصح تسلطه على التبن والماء؛ والتوسع في معنى الأفعال من باب التضمين؛ وهو سائغ ووارد في لغة العرب.

باب المستثنى

[باب المستثنى] : هذا باب المستثنى: [أدوات الاستثناء] : للاستثناء1 أدوات ثمانٍ: حرفان وهما: "إلا" عند الجميع، و: "حاشا"2 عند سيبويه، ويقال فيها: حاش وحشا.

_ 1 الاستثناء: اسم يذكر بعد إلا، أو إحدى أخواتها، يخالف ما قبلها في الحكم نفيا أو إثباتا، ويقول صاحب التسهيل في تعريفه: "هو المخرج تحقيقا أو تقديرا من مذكور، أو متروك بإلا أو ما في معناها" فالمخرج: جنس يشمل المخرج بالبدل، وبالصفة، وبالشرط، وبالاستثناء، وغير ذلك؛ وقوله: "تحقيقا أو تقديرا": إشارة إلى قسمي الاستثناء، المتصل والمنقطع. وقوله: "من مذكور أو متروك": إشارة إلى قسمي الاستثناء، التام والمفرَّغ؛ وقوله: "بإلا أو ما في معناها": يشمل أدوات الاستثناء جميعا. وانظر شرح التصريح: 1/ 346-347، وحاشية الصبان: 2/ 141-142. 2 للنحاة في "حاشا" ثلاثة مذاهب: الأول: ما ذهب إليه سيبويه وجماعة من البصريين، وحاصله: أن "حاشا" حرف جر دائما، ولا تأتي فعلا؛ لأنهم لم يحفظوا إلا الجر بها، والجر: لا يكون إلا بالحرف؛ واختلف أصحاب هذا الرأي حول قضية التعليق؛ ألها تعلق كبقية حروف الجر أو إنها كالحروف الزائدة، فلا متعلق لها؟ فذهب بعضهم إلى أن لها متعلقا كسائر حروف الجر؛ ومتعلقها ما يكون قبلها من فعل أو شبهه؛ وعلى هذا، يكون محلها مع المجرور نصبا. وذهب آخرون -ومنهم ابن هشام- إلى أنها لا تتعلق بشيء كالحروف الزائدة؛ لِأنها ليست على نمط حروف الجر الأصلية، التي توصل معاني الأفعال التي قبلها إلى الاسم المجرور بها؛ وهي -أي حاشا- لا توصل المعنى إلى ما بعدها؛ بل تزيل معنى الفعل، ولما اختلف حال هذا الحرف "حاشا" عن حال بقية حروف الجر الأصلية، لم يجعل منها؛ وفي هذا الكلام نظر. =

وفعلان وهما: "ليس"1، و: "لا يكون". ومترددان بين الفعلية والحرفية2، وهما: "خلا" عند الجميع، و: "عدا" عند غير سيبويه. واسمان وهما: "غير" و: "سوى" بلغاتها، فإنه يقال: سِوىً كـ "رِضىً"، وسُوىً كـ "هُدىً"، وسَواء كـ "سماء"، وسِواء كـ "بناء"، وهي أغربها3.

_ = الثاني: ما ذهب إليه المازني والجرمي، والمبرد، والزجاج، والأخفش، وأبو زيد، والفراء، وأبو عمرو الشيباني، وكثير من المتأخرين، وهو عدها حرف جر -كثيرا- وما بعدها يكون مجرورا بها، واستعمالها -قليلا- فعلا متعديا جامدا فتنصب ما بعدها؛ فإذا استعملت حرفا، قيل: حاشاي من دون نون الوقاية، وإذا استعملت فعلا، قيل: حاشاني، ويعد هذا الفعل جامدا؛ لتضمنه معنى إلا؛ ولما جاء عمن يحتج بكلامهم نصب ما بعدها؛ وجره؛ ذهب أصحاب هذا المذهب إلى أنها حين تجر ما بعدها تكون حرف جر، وحين تنصب ما بعدها تكون فعلا. الثالث: ما ذهب إليه الكوفيون، وهو أنها فعل دائما، تنصب ما بعدها، ولا تكون حرفا جارا، وحجتهم على ما ذهبوا إليه وكونها تتصرف، فتأتي حاشى وأحيانا: حاش؛ ومعلوم أن الحروف لا تتصرف؛ وإذا جاء بعدها اسم مجرور؛ فهو مجرور بحرف جر حذف، وبقي عمله؛ وفي كلامهم نظر؛ والأرجح، والأصح: ما ذهب إليه أصحاب المذهب الثاني؛ لعدم التأويل والتقدير: وانظر في تفصيل هذه المسألة: شرح التصريح: 1/ 346، والمغني: 164-166، والجني الداني، 558-568، وحاشية الصبان: 2/ 165-167، وابن عقيل: 1/ 491-493. 1 هذا مذهب الجمهور، وذهب أبو علي الفارسي، وتبعه في ذلك أبو بكر بن شقير، إلى أن ليس حرفا دائما، وظهر بطلان هذا الرأي باقترانها بتاء التأنيث الساكنة في نحو "ليست هذه بمفلحة"، وتاء الفاعل في نحو "لست، ولستما، ولستم، ولستن" وهذا من علامات الأفعال. و"ليس" في الاستثناء حرف ناصب للمثنى بمنزلة إلا، وهي في غير الاستثناء فعل. مغني اللبيب: 386-390، والتصريح: 1/ 347، والجنى الداني: 493-500. 2 أي ما لم تتقدم عليهما "ما" المصدرية، وإلا تعينتا للفعلية ويلزمان المضي. 3 قلَّ من ذكرها، وممن نص عليها الفارسي في كتابه الحجة، وتبعه ابن الخباز في كتابه النهاية. وقال في المغني: إنها تمد مع الفتح وتقصر مع الضم ويجوز الوجهان مع الكسر. التصريح: 1/ 347، ومغني اللبيب: 187.

[أحوال الاسم الواقع بعد إلا وحكمه] : فإذا استثنى بـ "إلا" وكان الكلام غير تام، وهو الذي لم يذكر فيه المستثنى منه، فلا عمل لـ "إلا"، بل يكون الحكم عند وجودها مثله عند فقدها، ويسمى استثناء مفرغا، وشرطه: كون الكلام غير إيجاب1، وهو: النفي نحو: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} 2، والنهي نحو: {وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} 3، {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 4، والاستفهام الإنكاري نحو: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ

_ 1 لأن التفريغ في الإيجاب، يدعو إلى الاستبعاد والوهم؛ فنحو: قام إلا زاهر، يفهم منه قيام جميع الناس إلا زاهرا -وهذا بعيدا ومحال- وليس هناك قرينة تدل على أن المراد جماعة مخصوصة. وجوَّز ابن الحاجب التفريغ في الموجب، شرط أن يكون فضلة، وحصلت فائدة؛ نحو: قرأت إلا يوم الخميس؛ فإنه يجوز أن تقرأ في الأيام جميعها إلا يوم الخميس. وأجيب بأن هذا قليل فيمنع طردا للباب، كما اتفق على الجواز في المنفي، وإن لم يستقم المعنى أحيانا؛ نحو: ما مات إلا زاهر؛ لِهذا السبب. وخلاصة القول: أن الاستثناء المفرغ يقتضي أن يكون الكلام غير تام، وغير موجب معًا. انظر ضياء السالك: 2/ 163، حا: 4، وشرح التصريح: 1/ 348. 2 "3" سورة آل عمران، الآية: 144. موطن الشاهد: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} . وجه الاستشهاد: تقدم على الاستثناء ما يخرجه عن الإيجاب وهو "ما" النافية، فيعرب "محمد" مبتدأ، و"رسول" خبرا؛ لكون الاستثناء مفرغا، حيث جاء الكلام غير إيجاب. 3 "4" سورة النساء، الآية: 171. موطن الشاهد: {وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} . وجه الاستشهاد: مجيء الاستثناء مفرَّغا؛ لِكون الكلام غير إيجاب؛ لِسبقه بلا الناهية؛ و"تقولوا" يطلب مفعولا صريحا، فنصب ما بعد إلا على المفعولية؛ وتقدير المستثنى منه: ولا تقولوا على الله شيئا إلا الحق. 4 "29" سورة العنكبوت، الآية: 46. موطن الشاهد: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} . وجه الاستشهاد: مجيء الاستثناء مفرغا؛ لكون الكلام غير إيجاب؛ لِسبقه بلا الناهية. وما قبل "إلا" وهو "تجادلوا" يطلب مجرورا بالباء؛ فجر بها ما بعد إلا وهو "التي"؛ وتقدير المستثنى منه: ولا تجادلوا أهل الكتاب بشيء إلا بالتي هي أحسن.

الْفَاسِقُونَ} 1، فأما قوله تعالى: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} 2، فحمل "يأبى" على "لا يريد" لأنهما بمعنى. وإن كان الكلام تاما: فإن كان موجبا3 وجب نصب المستثنى4، نحو:

_ 1 "46" سورة الأحقاف، الآية: 35. موطن الشاهد: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} . وجه الاستشهاد: مجيء الاستثناء مفرغا؛ حيث جاء الكلام غير إيجاب؛ لأن الاستفهام الإنكاري يحمل معنى النفي؛ وما قبل إلا؛ وهو "يهلك" يتطلب نائب فاعل مرفوع ما بعد "إلا" وهو "القوم" وتقدير المستثنى منه: فهل يهلك أحد إلا القوم الفاسقون. 2 "9" سورة التوبة، الآية: 32. موطن الشاهد: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} . وجه الاستشهاد: حمل "يأبى" في إفادة النفي على "لا يريد"؛ لأنهما بمعنى واحد؛ والمعنى: لا يريد الله إلا أن يتم نوره "إتمام نوره" فلا فرق في النفي بين أن يكون في اللفظ أو في المعنى؛ ولذا عد من باب الاستثناء المفرغ. 3 الموجب هو: الجملة التي ليس فيها نفي أو شبهه؛ وهو النهي، والاستفهام المتضمن معنى النفي، كالإنكاري والتوبيخي. 4 يجب نصب المستثنى سواء أكان متأخرا عن المستثنى منه، أم متقدما عليه؛ ومتصلا كان الاستثناء أم منقطعا. ويقال في الإعراب: "إلا": حرف استثناء، والمستثنى: منصوب على الاستثناء. فائدة: اختلف النحاة في العامل في الاسم المنصوب بعد إلا؛ ولهم في هذه المسألة ثمانية أقوال: أ- إن الناصب لهذا الاسم هو "إلا" نفسها -وحدها" وإلى هذا ذهب ابن مالك، ونسبه إلى سيبويه والمبرد. ب- إن الناصب هو تمام الكلام، ومثل هذا انتصاب التمييز، نحو قولك: أعطيته عشرين درهما. ج- إن الناصب هو الفعل المتقدم على "إلا" لكن بوساطة "إلا" وينسب هذا القول إلى السيرافي، والفارسي، وابن الباذش، وضعف العلماء هذا الرأي؛ لأنه قد لا يكون في الكلام فعل أصلا؛ كما في قولك: "القوم إخوتك إلا زيدا". د- إن الناصب هو الفعل السابق بغير وساطة "إلا" وإلى هذا، ذهب ابن خروف، وضعفوه بمثل ما ضعفوا رأي الفارسي ومن معه. =

{فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} 1، وأما قوله2: [البسيط] 260- عافٍ تَغَيَّرَ إلا النؤْيُ والوَتَدُ3 فحمل "تغير" على "لم يبق على حاله" لأنهما بمعنى.

_ = هـ- إن الناصب فعل محذوف يقدر من معنى "إلا" مثل "أستثني"، وإلى هذا، ذهب الزجاج. و إن الناصب هو مخالفة ما بعد إلا لما قبلها، ويحكى هذا عن الكسائي. ز- إن الاسم المنصوب يقع اسما لـ "أن" -بتشديد النون- مؤكدة محذوفة وخبرها محذوف أيضا؛ وتقدير الكلام في "قام القوم إلا زيدا": قام القوم إلا أن زيدا لم يقم، وقد حكي هذا القول عن الكسائي؛ وهو تكلف ظاهر. ح- إن "إلا" مركبة من "إن" المؤكدة ولا العاطفة، ثم خففت "إن" بحذف أحد نونيها، ثم أدغمت في "لا" فإذا انتصب ما بعدها، فذلك من أجل تغليب حكم "إن"، وإذا لم ينتصب فمن أجل تغليب حكم "لا" العاطفة؛ ونسب هذا القول إلى الفراء؛ وهو أشد تكلفا من سابقه. انظر شرح التصريح: 1/ 349. 1 "2" سورة البقرة، الآية: 249. موطن الشاهد: {شَرِبُوا مِنْهُ إِِلَّا قَلِيلًا} . وجه الاستشهاد: مجيء ما قبل "إلا" وهو شربوا كلاما تاما موجبا؛ لأن المستثنى منه موجود؛ وهو "الواو" في شربوا؛ ولم يتقدم عليه نفي ولا شبهه؛ فجاء ما بعد إلا "قليلا" منصوبا على الاستثناء؛ وحكم نصبه على الاستثناء -في هذه الحال- الوجوب؛ لتوفر الشروط اللازمة. 2 القائل: هو: الأخطل؛ غياث بن غوث التغلبي النصراني، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: وبالصريمة منهم منزل خَلَقٌ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 349، والأشموني: "444/ 1/ 228"، والعيني: 3/ 103 ومغني اللبيب: "496/ 363"، وديوان الأخطل: 168. المفردات الغريبة: الصريمة: اسم موضع، وأصله: المنقطع من الرمل. خلق: بالٍ. عافٍ: دارس مندثر. النؤي: جدول صغير يحفر حول الخباء لمنع السيل عنه. المعنى: إن بهذا الموضع منزلا باليا خلفه القوم، تغيرت حاله، ودرست معالمه، ولم يبق منه إلا الحفرة التي كانت حوله، والوتد الذي يربط به الخباء أو الدواب. الإعراب: "بالصريمة": متعلق بمحذوف خبر مقدم. "منهم": متعلق بمحذوف حال =

وإن كان الكلام غير موجب: فإن كان الاستثناء متصلا1 فالأرجح إتْباع المستثنى للمستثنى منه2: بَدَلَ بعضٍ عند البصريين، وعَطْفَ نَسَقٍ عند الكوفيين3

_ = من "منزل" الآتي؛ لأن الصفة إذا تقدمت على الموصوف؛ تنصب على الحال؛ ويجوز تقدم الحال على صاحبه؛ أو "منهم": متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر في "بالصريمة"؛ وهذا الضمير عائد على منزل -وهذا متعين على مذهب الجمهور الذين لا يجوزون مجيء الحال من المبتدأ. منزل: مبتدأ مؤخر. خلق صفة لـ "منزل" مرفوع. عافٍ: صفة ثانية مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء المحذوفة؛ للتخلص من التقاء الساكنين. تغير: فعل ماضٍ، والفاعل: هو، يعود إلى المنزل؛ وجملة "تغير": في محل رفع صفة ثالثة لـ "منزل" إلا: حرف استثناء النؤي: بدل من الضمير المستتر في تغير؛ وبدل المرفوع مرفوع مثله. والوتد: الواو عاطفة، الوتد: اسم معطوف على النؤي مرفوع مثله. موطن الشاهد: "إلا النؤي والوتد". وجه الاستشهاد: ارتفاع "النؤي" على البدلية؛ لأن الكلام ليس تاما موجبا كما خرجه النحاة؛ بل هو منفي في المعنى؛ لكون "تغير"؛ وهو العامل في ضمير المستثنى منه؛ وهو المنزل في معنى عامل منفي؛ تقديره: "لم يبق حاله" كما بعدها مبتدأ محذوف الخبر؛ ومثله حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كل أمتي معافىً إلا المجاهرون"؛ والتقدير: ولكن المجاهرون بالمعاصي لا يعافون؛ وذهب العلماء إلى أن جملة "المبتدأ والخبر" الواقعة بعد "إلا" في محل نصب على الاستثناء؛ وقال ابن هشام: قد فات العلماء عد هذه الجملة في الجمل التي لها محل من الإعراب. انظر في هذه المسألة: شرح التصريح: 1/ 349، وضياء السالك: 2/ 165. 1 هو ما يكون فيه المستثنى بعض المستثنى منه، ويحكم على أحدهما بضد ما يحكم به على الآخر، سواء كان المستثنى منه متعدد الأفراد، والمستثنى أحد تلك الأفراد؛ نحو: زرت الزملاء إلا محمدا؛ أو كان المستثنى منه فردا ذا أجزاء، والمستثنى جزءًا؛ نحو: زرت الزملاء إلا محمدا؛ أو كان المستثنى منه فردا ذا أجزاء، والمستثنى جزءا من تلك الأجزاء نحو: نظفت الحجرة إلا نافذة؛ وفي الحالتين يكون ما بعد إلا مخالفا في الحكم لما قبلها. 2 أي: في إعرابه، فيكون مثله: مرفوعا، أو منصوبا، أو مجرورا. 3 ذلك لأن "إلا" عندهم من حروف العطف في باب الاستثناء خاصة، وهي بمنزلة "لا" العاطفة؛ من حيث كون ما بعدها يخالف ما قبلها؛ واعترض أبو العباس، أحمد بن يحيى ثعلب وهو من شيوخ نحاة الكوفة -على مذهب البصريين، في هذه المسألة، وقال: كيف يكون ما بعد "إلا" بدلا؛ وهو موجب ومتبوعه منفي؛ فكأنه ينكر أن يخالف البدل المبدل منه في الإيجاب والنفي؛ ورد عليه أبو سعيد السيرافي: بأنا إنما جعلناه بدلا مما قبله في عمل العامل فيه، وتخالف البدل من المبدل منه في النفي والإيجاب، لا يمنع البدلية؛ لأن سبيل البدل، أن يجعل المبدل منه، كأنه لم يذكر، ويجعل البدل في موضعه؛ لأنه هو المقصود بالحكم، ثم إنا رأينا التوابع تختلف مع متبوعها في النفي، والإثبات، كما في: "رأيت رجلا كريما لا بخيلا" فما يمنع أن يكون البدل مثل الصفة والعطف؟!. وانظر شرح التصريح: 1/ 349-350.

نحو: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُم} 1، {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} 2،

_ 1 "4" سورة النساء، الآية: 66. أوجه القراءات: قرأ برفع "قليل" السبعة غير ابن عامر؛ وقرأ بنصب "قليلا" ابن عامر، وعيسى بن عمرو، وإسحاق، وأبي، وأنس. انظر الإتحاف: 192، وإعراب القرآن، للنحاس: 1/ 431، وحجة القراءات، لأبي زرعة: 206. توجيه القراءات: على قراءة الرفع، يكون "قليل" بدلا من الضمير المتصل بالفعل "فعلوه" ومحل الواو الرفع؛ لأنه فاعل؛ وعلى قراءة النصب، يكون "قليلا" منصوبا على الاستثناء؛ لأن التقدير: أستثني قليلا منهم. موطن الشاهد: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} . وجه الاستشهاد: مجيء ما قبل "إلا" مسبوقا بـ "ما" النافية "ما فعلوه" فيعرب ما بعد "إلا" بدلا من الضمير المتصل بالفعل؛ بدل بعض من كل -عند البصريين- وذكر الشيخ خالد الأزهي أنه على نية تكرار العامل؛ إذ التقدير: ما فعلوه إلا فعله قليل منهم؛ وهو عطف نسق عند الكوفيين كما أسلفنا. انظر شرح التصريح: 1/ 350. 2 "11" سورة هود، الآية: 81. أوجه القراءات: قرأ بالرفع ابن كثير، وأبو عمرو، وابن محيصن، واليزيدي، والحسن؛ وقرأ الباقون بالنصب. الإتحاف: 259، وإعراب القرآن: 2/ 5، والبحر المحيط: 5/ 248. توجيه القراءات: على قراءة الرفع في "امرأتك" على أنها بدل بعض من كل في قوله "أحد"؛ وعلى قراءة النصب على تقدير: أستثني امرأتك؛ فيكون "امرأتك" منصوبا على الاستثناء. موطن الشاهد: {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} . وجه الاستشهاد: مجيء ما قبل إلا مسبوقا بالنهي؛ وهو شبيه النفي، ولذا يعرب ما بعد إلا بدلا من "أحد" الواقعة فاعلا والكوفيون يعربون "امرأتك" هنا عطف نسق كما أوضحنا.

{وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} 1، والنصب عربي جيد، وقد قرئ به في السبع في: {قَلِيلٌ} و: {امْرَأَتَكَ} . وإذا تعذر البدل على اللفظ أبدل على الموضع2، نحو: "لا إله إلا الله"،

_ 1 "15" سورة الحجر، الآية: 56. موطن الشاهد: {وَمَنْ يَقْنَطُ.... إِلَّا الضَّالُّونَ} . وجه الاستشهاد: سبق ما قبل "إلا" بالاستفهام الإنكاري؛ وهو شبيه بالنفي، ولذا يعرب الاسم بعد "إلا" بدلا من الضمير المستتر في "يقنط" بدل بعض من كل؛ ولم يصرح معه بضمير؛ لأن قوة تعلق المستثنى بالمستثنى منه يغني عن الضمير غالبا، وكذا الحال في الآية السابقة. 2 ذكر المؤلف مما يتعذر إبداله على لفظ المبدل منه لسبب صناعي ثلاثة أمثلة؛ هي: "لا إله إلا الله"، و: "ما فيها أحد إلا زيد" و"ليس زيد بشيء إلا شيئا لا يعبأ به" وفي المثالين؛ الأول والثاني، ارتفع ما بعد "إلا"، وفي الثالث: نصب ما بعد إلا، وتوجيه ذلك: أ- "لا إله إلا الله". جاءت "لا" في أول الجملة نافية للجنس و"إله" اسمها، وخبرها محذوف؛ والتقدير: لا إله موجود، أو كائن، أو لنا؛ ومعلوم أن اسم لا وخبرها المقدر نكرتان على ما هو ضروري في إعمال "لا" عمل "إن"؛ ومعلوم أن ما بعد إلا الاستثنائية، يكون حكمه -من جهة النفي والإثبات- ضد حكم ما قبلها، فإذا كان ما قبلها منفيا، كان ما بعدها مثبتا، والعكس صحيح؛ وعلى هذا فلو أبدلنا لفظ الجلالة "الله" من اسم "لا" وهو إله -على اللفظ- أي: نصبنا لفظ الجلالة، كنا قد أعملنا "لا" في معرفة؛ بل في أعرف المعارف، وفي هذه مخالفة لشرط إعماله؛ لأنه يجب أن يكون اسمها نكرة باتفاق، وكذلك، فإن ما بعد "إلا" هنا مثبت؛ ومعلوم أن "لا" لا تعمل في مثبت؛ فإتباعنا ما بعد إلا على لفظ المتبوع الذي هو أثر عمل "لا" يجرنا إلى مخالفة هذا الأصل فضلا عن المخالفة الأولى؛ ومن أجل هذا وذاك؛ منعنا من أن نبدل لفظ الجلالة على لفظ المبدل منه؛ وهو اسم لا، وجوزنا أن نبدل على الموضع؛ لأنه ليس أثرا من آثار "لا"؛ وذلك لأن اسم "لا" أصله مبتدأ والمبتدأ مرفوع بالابتداء؛ فلو أبدلنا لفظ الجلالة بالرفع، لم نكن جعلنا لـ "لا" فيه عملا؛ وسبق أن عرفنا أن سيبويه يعد "لا" واسمها جميعا في قوة المبتدأ؛ فالموضع ههنا رفع بالابتداء؛ على أحد الوجهين، وليس لـ "لا" أثر فيه؛ فأبدل بالرفع على الموضع وأنكر بعض النحاة الإبدال بالرفع -على اعتبار الابتداء على كلا الاحتمالين، وجعلوا المبدل منه؛ هو =

ونحو: "ما فيها من أحد إلا زيد" برفعهما، و: "ليس زيد بشيء إلا شيئا لا يعبأ به" بالنصب؛ لأن "لا" الجنسية لا تعمل في معرفة، ولا في موجب، ومن والباء الزائدتين كذلك، فإن قلت: "لا إله إلا الله واحد" فارفع أيضا؛ لِأنها لا تعمل في موجب. ولا يترجح النصب على الإتباع لتأخر صفة المستثنى منه على المستثنى، نحو: "ما فيها رجل إلا أخوك صالح" خلافا للمازني1:

_ = الضمير المستتر في خبر "لا"؛ والتقدير: لا إله لنا إلا الله؛ أو لا إله موجود إلا الله، ونحو ذلك؛ ويكون المعنى: "أن "لا" واسمها وخبرها" نفت جنس الآلهة، وأثبت "البدل" الله وحده؛ فظل الكلام دالا على التوحيد. ب- "ما فيها أحد إلا زيد". جاء المستثنى منه في هذا المثال "أحد" وهو نكرة منفية مجرورة بمن الزائدة لفظا؛ غير أنها مرفوعة المحل؛ لكونها مبتدأ خبره الجار والمجرور المتقدم عليها؛ فلو أننا أبدلنا "زيد" المعرفة بالعلمية، من أحد على لفظه -وهو الجر بمن- لكنا جعلنا زيدا "المعرفة" معمولا لـ "من" الزائدة العاملة في "أحد" "المبدل منه"؛ ومعلوم أن "من" الزائدة، لا تدخل إلا على النكرة، وكذلك جاء ما بعد إلا مثبتا؛ لأن ما قبلها منفي؛ ومعلوم أن "من" الزائدة لا تدخل إلا على المنفي؛ ولهذا، وذاك؛ امتنع الإتباع على اللفظ -لفظ المبدل منه- الذي هو أثر لـ "من" الزائدة، وجاز الإتباع على الموضع؛ وهو الرفع على الابتداء؛ لأن الابتداء، ليس أثرا لـ "من" الزائدة. ج- "ليس زيد بشيء إلا شيئا لا بعبأ به". جاء المستثنى منه "شيء" مجرورا بـ "من" الزائدة؛ لوقوعه خبرا لـ "ليس" فوقع نكرة منفية، و"شيئا" الذي نريد أن نبدله نكرة مثبتة؛ ولوقوعه بعد إلا المسبوقة بالنفي؛ فلو أبدلنا هنا على اللفظ؛ لجعلنا البدل معمولا للباء الزائدة؛ وهي لا تدخل إلا على النكرة المنفية؛ ولذا وجب البدل على الموضع -وهو النصب- الذي هو أثر ليس. شرح التصريح: 1/ 351. 1 حيث اختار المازني النصب في هذه الحالة؛ ففي قولهم: "ما فيها رجل إلا أخاك صالح"؛ فرجل: مبتدأ، و"الجار والمجرور": خبر تقدم عليه؛ وصالح: صفة لـ "رجل"، وأخاك: منصوب على الاستثناء مقدم على صفة المستثنى منه؛ وهذا الرأي، يجعل حكم تقديم المستثنى على وصف المستثنى منه، كتقديم المستثنى على نفس المستثنى منه؛ وهذا الرأي نسبه ابن الخباز إلى المازني، غير أن المحققين أنكروا تلك النسبة؛ وفي هذه المسألة رأيان آخران؛ أحدهما: أن يكون نصب المستثنى في =

وإن كان الاستثناء منقطعا1: فإن لم يمكن تسليط العامل على المستثنى وجب النصب اتفاقا، نحو: "ما زاد هذا المال إلا ما نقص" إذ لا يقال زاد النقص، ومثله: "ما نفع زيد إلا ما ضر" إذ لا يقال نفع الضر. وإن أمكن تسليطه فالحجازيون يوجبون النصب، وعليه قراءة السبعة: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} 2، وتميم ترجحه وتجيز الإتباع، كقوله3: [الراجز]

_ = هذه الحالة راجعا على إتباع المستثنى للمستثنى منه، فلم يعط المستثنى في هذه الحالة حكم المستثنى المتقدم على المستثنى منه نفسه، ولم يعطَ حكم المستثنى المتأخر على المستثنى منه، وهذا الرأي هو ما حكاه الأثبات -ومنهم ابن هشام- عن المازني، وهو ما اختاره المبرد أيضا فيما ذكره ابن مالك في شرح كافيته؛ وثانيهما: أن لا يترجح نصب المستثنى في هذه الحالة، ولا يترجح إتباعه للمستثنى منه؛ بل يستوي الأمران؛ وأصحاب هذا الرأي، نظروا إلى الأمرين معا؛ أن المستثنى منه متقدم على المستثنى، وأن صفة المستثنى منه متأخرة عن المستثنى، فأعطوا كل واحد من الأمرين لمحة من النظر؛ فلما وجدوا كل واحد من هذين الأمرين يقتضي حكما يخالف الحكم الذي يقتضيه الآخر، أعطوا هذه الصورة حكما متوسطا، قال ابن مالك: "وعندي أن النصب والبدل عند ذلك مستويان؛ لأن لكل واحد منهما مرجحا". شرح التصريح: 1/ 351-352. 1 وهو ما فقد أحد ركني المتصل؛ نحو: قام القوم إلا حمارا لفاقد البعضية، وقوله تعالى: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} لفاقد المخالفة في الحكم لما قبله ويشترط في المنقطع أن يناسب المستثنى منه، فلا يجوز: "قام القوم إلا ثعبانا"، وألا يتقدم ما هو نص في خروجه؛ فلا يصح: "صهلت الخيل إلا الإبل"، بخلاف صوتت مثلا. 2 "4" سورة النساء، الآية: 157. موطن الشاهد: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} . وجه الاستشهاد: نصب "اتباع" على الاستثناء؛ وحكم نصبه على الاستثناء الوجوب على مذهب البصريين؛ لأنه لا يصح فيه الإبدال حقيقة من جهة إن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه؛ وأما التميميون؛ فيرجحون النصب على الاستثناء؛ ويجيزون الإتباع؛ فيقرأون: "إِلَّا اتِّبَاعُ" بالرفع على أنه بدل من العلم باعتبار الموضع، ولا يجوز أن يقرأ بالخفض على الإبدال منه باعتبار اللفظ؛ لما تقدم من أنه معرفة موجبة و"من" زائدة، لا تعمل فيها. شرح التصريح: 1/ 353. 3 القائل: عامر بن الحارث، المعروف بجران العود، وهو أحد بني كلفة -بضم الكاف وفتحها- أو كلدة النميري، شاعر جاهلي أدرك الإسلام، لقب بجران العود لبيت قاله وهو: خذا حذرا يا ضرتي فإنني ... رأيت جران العود قد كان يصلح وذلك أنه كان له زوجتان، فاتخذ سوطا يهددهما به. الشعر والشعراء: 2/ 718، والخزانة 41/ 197، والمقاصد: 1/ 492.

261- وبلدة ليس بها أنيس ... إلا اليعافير وإلا العيس1

_ 1 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 353، والأشموني: "445/ 1/ 229" والشذور: "25/ 265" والهمع: 1/ 225، والدرر: 1/ 192، والكتاب: 1/ 133، 365، ومعاني الفراء: 1/ 479، والمقتضب: 2/ 319، 347، 4/ 414، والإنصاف: 271، وشرح المفصل: 2/ 80، 117، 7/ 21، 8/ 52، والخزانة: 4/ 197، والعيني: 31/ 107، وديوان جران العود: 53. المفردات الغريبة: أنيس: مؤنس. اليعافير: جمع يعفور، وهو ولد البقرة الوحشية. العيس: هي الإبل التي يخالط بياضها شيء من الشقرة، واحدها: أعيس، والأنثى: عيساء. المعنى: كثير من البلدان والأماكن الموحشة؛ التي لا مؤنس فيها ولا رفيق، وليس فيها إلا أولاد البقر الوحشي والإبل؛ زرتها ولم أخشَ شيئا. الإعراب: وبلدة: الواو واو "رب". بلدة: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ. ليس: فعل ماضٍٍ ناقص. "بها" متعلق بمحذوف خبر ليس المتقدم على اسمه. أنيس: اسم "ليس" مؤخر مرفوع. إلا: حرف استثناء، لا محل له من الإعراب. اليعافير: بدل من "أنيس" مرفوع مثله. وإلا: الواو عاطفة. إلا حرف زائد يفيد التأكيد. العيس: اسم معطوف على "اليعافير" مرفوع مثله. موطن الشاهد: "إلا اليعافير". وجه الاستشهاد: رفع "اليعافير" على الإبدال -على لغة تميم- مع أنه استثناء منقطع تقدم فيه المستثنى منه، فكان ينبغي انتصابه على المشهور؛ وقد حملهم على ذلك أن المقصود هو المستثنى؛ فكأنه قال: ليس بها إلا اليعافير -وهذا رأي سيبويه- وأما المستثنى منه، فكأنه غير مذكور، فصار كالاستثناء المفرغ؛ أو أنه توسع في معنى المستثنى، حتى جعله نوعا من المستثنى منه، فقدر اليعافير والعيس نوعا من الأنيس، أو توسع في المستثنى، حتى جعله نوعا من المستثنى منه، فقدر اليعافير والعيس نوعا من الأنيس، أو توسع في المستثنى منه، فكأن الاستثناء في الحالتين متصل. وانظر: همع الهوامع: 1/ 225، وكتاب سيبويه: 1/ 262، وشرح التصريح: 1/ 354.

وحمل عليه الزمخشري1: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} 2. [وجوب نصب المستثنى إذا تقدم على المستثنى منه] : فصل: وإذا تقدم المستثنى على المستثنى منه وجب نصبه مطلقا3، كقوله4: 262- وما لِيَ إلا آل أحمد شيعةٌ ... وما لِيَ إلا مذهبَ الحق مذهبُ5

_ 1 هو: أبو القاسم؛ محمود بن عمر بن محمد الزمخشري الخوارزمي، جار الله، والزمخشري نسبة إلى زمخشر من أعمال خوارزم، إمام في اللغة والنحو والبيان، أخذ عن النيسابوري والأصبهاني، له مصنفات قيمة منها: الكشاف في التفسير، والمفصل في النحو، وأطواق الذهب، والأحاجي النحوية، وغيرها كثير. مات يوم عرفة سنة: 538 هـ. البلغة: 256، إنباه الرواة: 3/ 265، بغية الوعاة: 2/ 279، معجم المؤلفين: 12/ 186. 2 "27" سورة النمل، الآية: 65. موطن الشاهد: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} . وجه الاستشهاد: جعل الزمخشري "من" الاسم الموصول في محل رفع فاعل لـ "يعلم" والغيب: مفعولا به ليعلم أيضا، ولفظ الجلالة بدلا من "من" الموصولة؛ وعلى هذا؛ فهو استثناء منقطع؛ لأن المستثنى -لفظ الجلالة- ليس من جنس المستثنى منه؛ لأن الله تعالى لا يحويه مكان. و"من في السموات" يدل على أن المقصودين مستقرون في السموات والأرض؛ غير أن ابن مالك، جعل الاستثناء متصلا، وقدر متعلق الظرف: من يذكر في السموات والأرض؛ لا استقر ونحوه؛ ورأى ابن هشام في المغني: أنه يجوز أن تعرب "من" مفعولا به لـ "يعلم" لا فاعلا، و"الغيب" بدل اشتمال منه، و"لفظ" الجلالة فاعل، ويكون الاستثناء مفرغا، وكأنه: لا يعلم الغيب إلا الله: وهذا الرأي أفضل مما قبله. انظر مغني اللبيب: 576، وشرح التصريح: 1/ 354. 3 أي: سواء أكان متصلا أم منقطعا؛ ولا يجوز أن يعرب بدلا؛ لأنه يكون تابعًا، والتابع لا يتقدم على المتبوع؛ كما هو معلوم. 4 القائل: هو الكميت بن زيد الأسدي، وقد مرت ترجمته. 5 هذا بيت للكميت من قصيدة له هاشمية، يمدح فيها بني هاشم آل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومطلعها: =

بعضهم يجيز غير النصب في المسبوق بنفي] : وبعضهم يجيز غير النصب1 في المسبوق بالنفي، فيقول: "ما قام إلا زيد أحد" سمع يونس: "مالي إلا أبوك ناصر"، وقال2: [الطويل]

_ = طربت وما شوقا إلى البيض أطرب ... ولا لعبا مني وذو الشوق يلعب ولم يلهني دار ولا رسم منزل ... ولم يتطربني بنان مخضب والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 355، وابن عقيل: "167/ 2/ 216"، والأشموني: "449/ 1/ 230" وهمع الهوامع: 1/ 225، والدرر اللوامع: 1/ 192، ومجالس ثعلب: 60، والأغاني: 5/ 119، والعيني: 3/ 111، والمقتضب: 4/ 398، والإنصاف: 275، والجمل: 238، وشرح المفصل: 2/ 79، والخزانة: 2/ 207 عرضا، وشذور الذهب: "124/ 345، 356" وقطر الندى: "109/ 335". المفردات الغريبة: طربت: من الطرب، وهو خفة تعتري القلب من لهو أو حزن أو نحوهما. البيض: جمع بيضاء، وهي المرأة النقية اللون. بنان، البنان: الأصابع أو أطرافها، والمفرد بنانة. مخضب: مزين بالخضاب، وهو ما يختضب به كالحناء ونحوه. شيعة: أنصار وأعوان. مذهب الحق: طريقة وشرعة. المعنى: ليس لي أعوان وأنصار -أعتمدهم في الملمات إلا آل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وليس لي طريق ومذهب أسلكه وأهتدي به إلا طريق الحق. الإعراب: ما: نافية. "لي": متعلق بمحذوف خبر مقدم. إلا: حرف استثناء، لا محل له من الإعراب. آل: مستثنى تقدم على المستثنى منه، منصوب، وهو مضاف. أحمد: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل. شيعة: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وهو المستثنى منه. وما لي: الواو عاطفة، ما: نافية، "لي": متعلق بخبر مقدم محذوف. إلا: حرف استثناء. مذهب: مستثنى منصوب، تقدم على المستثنى منه، وهو مضاف. الحق: مضاف إليه. مذهب: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وهو المستثنى منه. موطن الشاهد: "ما لي إلا آل أحمد، ما لي إلا مذهب الحق". وجه الاستشهاد: تقدم المستثنى في الموضعين "آل، ومذهب" على المستثنى منه -كما بينا في الإعراب- ونصب المستثنى وجوبا؛ لأنه لو لم ينصب على الاستثناء؛ لأعرب بدلا؛ والبدل تابع، والتابع لا يجوز أن يتقدم على المتبوع، كما هو معلوم. 1 أي على الاستثناء، فيجيز النصب والرفع والجر على البدل للإتباع. 2 القائل: هو حسان بن ثابت الأنصاري، وقد مرت ترجمته.

263- إذا لم يكن إلا النبيون شافع1 ووجهه أن العامل فُرِّغَ لما بعد "إلا" وأن المؤخر عام أريد به خاص؛ فَصَحَّ إبداله من المستثنى، لكنه بدل كُلٍّ، ونظيره في أن المتبوع أخر وصار تابعا "ما مررت بمثلك أحدٍ"2.

_ 1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: لأنهم يرجون منه شفاعة والبيت من قصيدة للشاعر مطلعها: ألا يا لقومي هل لما حُمَّ دافعُ؟ ... وهل ما مضى من صالح العيش راجعُ؟ تذكرت عصرا قد مضى فتهافتتْ ... بنات الحشا وانهلَّ مني المدامعُ والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 355، والأشموني: "448/ 1/ 229"، وابن عقيل: "168/ 2/ 217" والهمع: 1/ 225، والدرر: 1/ 192، والعيني: 3/ 114، وديوان حسان بن ثابت: 254. المفردات الغريبة: يرجون: يأملون. المعنى: إن أهل بدر أطاعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووفوا بعهدهم له؛ لأنهم يرجون أن يشفع لهم يوم القيامة، حين لا تنفع شفاعة أحد إلا الأنبياء. الإعراب: لأنهم: اللام حرف جر، يفيد التعليل. أن: حرف مشبه بالفعل، و"هم": في محل نصب اسمه. يرجون: فعل مضارع مرفوع، والواو: فاعل؛ وجملة "يرجون": في محل رفع خبر "أن"؛ والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": في محل جر باللام؛ و"الجار والمجرور": متعلق بفعل "بدَّلوا" في بيت سابق. "منه": متعلق بـ "يرجون". شفاعة: مفعول به لـ "يرجون". إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، في محل نصب على الظرفية الزمانية. لم: جازمة نافية. يكن: فعل مضارع تام مجزوم. إلا: أداة استثناء ملغاة. النبيون: فاعل "يكن" مرفوع، وعلامة رفعه الواو. شافع: بدل كل من كل من فاعل يكن. موطن الشاهد: "إلا النبيون شافع". وجه الاستشهاد: ارتفع المستثنى المتقدم المسبوق بالنفي -وهو النبيون- على مذهب الكوفيين؛ وخرج العلماء هذا الشاهد وأمثاله على أنه استثناء مفرغ؛ حيث عدو المستثنى معمولا لما قبل "إلا" فهو فاعل لـ "يكن" التامة، وما بعدها بدل منه؛ بدل كل من كل -كما بينا في الإعراب- وانظر شرح التصريح: 1/ 355. 2 قول ورد عن العرب، أصله: مررت بأحد مثلك، مثلك: تابع في الأصل لأحد على أنه نعت له، فلما قدم النعت على المنعوت أعرب النعت بحسب العوامل، وأعرب "أحد" وهو المنعوت في الأصل بدلا. التصريح: 1/ 355.

[تتكرر "إلا" لتوكيد ولغير توكيد] : [حكم تكررها لتوكيد] : فصل: وإذا تكررت "إلا" فإن كان التكرار للتوكيد، وذلك إذا تلت عاطفا1، أو تلاها اسم مماثل لما قبلها2، ألغيت؛ فالأول نحو: "ما جاء إلا زيد وإلا عمرو" فما بعد "إلا" الثانية معطوف بالواو على ما قبلها، و"إلا" زائدة للتوكيد3، والثاني كقوله: .................... لا ... تمرر بهم إلا الفتى إلا العَلَا4 فـ: "الفتى" مستثنى من الضمير المجرور بالباء، والأرجح كونه تابعا له في جره5، ويجوز كونه منصوبا على الاستثناء، و: "العلا" بدل من الفتى بدل كل من كل؛ لِأنهما لمُسَمّىً واحد، و: "إلا" الثانية مؤكدة. وقد اجتمع العطف والبدل في قوله6: [الرجز] 264- ما لك من شيخك إلا عملُهْ ... إلا رسيمُهُ وإلا رَمَلُهْ7

_ 1 المقصود بالعاطف هنا الواو من دون غيرها من حروف العطف. 2 المقصود: أنه متفق مع ما قبلها في معناه ومدلوله ومقصود بالحكم، بالرغم من اختلاف الألفاظ؛ كأن يكون بدل كل من كل، أو عطف بيان، وكذا الحال في بقية أنواع البدل، نحو: ما أعجبني إلا زيد إلا وجهه إلا علمه. انظر شرح التصريح: 1/ 356، وضياء السالك: 2/ 171. 3 أي: التوكيد اللفظي، ولا أثر لها في الحكم الإعرابي مطلقا. 4 هذا عجز بيت من كلام الناظم في الألفية، يبين فيه حكم "إلا" المكررة للتوكيد؛ وهو بتمامه: "وألغ "إلا" ذات توكيد؛ كلا ... تمرر بهم إلا الفتى إلا العلا" 5 يترتب على هذا الأرجح حذف حرف الجر وبقاء الاسم الذي كان مجرورا به على جره في غير الموضع القياسي. 6 لم ينسب إلى قائل معين. 7 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 356، والأشموني =

فـ: "رسيمه" بدل، و: "رمله" معطوف، و: "إلا" المقترنة بكل منهما مؤكدة. [حكم تكرارها لغير توكيد] : وإن كان التكرار لغير توكيد، وذلك في غير بابي العطف والبدل، فإن كان العامل الذي قبل "إلا" مفرغا تركته يؤثر في واحد من المستثنيات، ونصبت ما عدا ذلك الواحد، نحو: "ما قام إلا زيدٌ إلا عمرًا إلا بكرًا" رفعت الأول بالفعل على أنه فاعل، ونصبت الباقي، ولا يتعين الأول لتأثير العامل، بل يترجح، وتقول: "ما

_ = "451/ 1/ 232"، وابن عقيل: "170/ 2/ 221"، والهمع: 1/ 227، والدرر: 1/ 193، والكتاب: 1/ 374، والمقرب: 35، والعيني: 3/ 117. المفردات الغريبة: "شيخك": المشهور في هذه الكلمة أنها بالياء، وقيل هي "شنجك": الجمل؛ وأصلها التحريك وسكنت للضرورة. الرسم: ضرب من سير الإبل البطيء. الرمل: السير السريع، وفسر الأعلم "الرسيم": بالسعي بين الصفا والمروة، وفسر الرمل: بالطواف بالبيت. المعنى: ليس لك من جملك مأرب إلا رسيمه ورمله؛ وكلاهما أنت في حاجة إليه؛ والرواية المشهورة "شيخك": والشيخ: الرجل المسن، وعلى هذه الرواية، يكون المراد: ليس لك مطمع في شيخك إلا الانتفاع منه بهذين العملين الجليلين؛ وهما السعي والهرولة بين الصفا والمروة. وفي الطواف. الإعراب: ما: نافية. "لك": متعلق بخبر مقدم محذوف. "من شنجك": متعلق بما تعلق به الأول، وهو مضاف، والكاف: مضاف إليه. إلا: أداة استثناء ملغاة. عمله: مبتدأ مؤخر، وهو مضاف، و"الهاء": مضاف إليه. إلا: حرف زائد يفيد التوكيد. رسيمه: بدل من "عمله" بدل بعض من كل، وهو مضاف، و"الهاء": مضاف إليه. وإلا: الواو عاطفة، إلا: حرف زائد يفيد التوكيد. رمله: معطوف على "رسيم" مرفوع مثله، وهو مضاف، و"الهاء" مضاف إليه. موطن الشاهد: "إلا عمله إلا رسيمه وإلا رمله". وجه الاستشهاد: تكرار "إلا" مرتين في قوله: "إلا رسيمه" و"إلا رمله"؛ وفي الموضع الأول؛ كان ما بعدها بدلا مما قبلها، وفي الموضع الثاني؛ كان ما بعدها معطوفا على ما قبلها، وهما الموضعان اللذان تزاد فيهما "إلا"؛ وهي في هذين الموضعين ملغاة لا تفيد غير التوكيد.

رأيت إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا" فتنصب واحد منها بالفعل على أنه مفعول به، وتنصب البواقي بإلا على الاستثناء. وإن كان العامل غير مفرغ، فإن تقدمت المستثنيات على المستثنى منه نصبت كلها1، نحو: "ما قام إلا زيدًا إلا عمرًا إلا بكرًا أحدٌ" وإن تأخرت، فإن كان الكلام إيجابا نصبت أيضا كلها، نحو: "قاموا إلا زيدًا إلا عمرًا إلا بكرًا". وإن كان غير إيجاب أعطي واحد منها ما يعطاه لو انفرد، ونصب ما عداه، نحو: "ما قاموا إلا زيد إلا عمرا إلا بكرا" لك في واحد منها الرفع راجحا والنصب مرجوحا ويتعين في الباقي النصب2، ولا يتعين الأول لجواز الوجهين، بل يترجح. هذا حكم المستثنيات المكررة بالنظر إلى اللفظ3. [حكم المستثنيات المتكررة بالنظر إلى المعنى] : وأما بالنظر إلى المعنى فهو نوعان: ما لا يمكن استثناء بعضه من بعض، كـ: "زيد وعمرو وبكر"4 وما يمكن، نحو: "له عندي عشرة إلا أربعة إلا اثنين إلا واحدا". ففي النوع الأول: إن كان المستثنى الأول داخلا، وذلك إذا كان مستثنى من غير موجب، فما بعده داخل5، وإن كان خارجا، وذلك إن كان مستثنى من موجب، فما بعده خارج6.

_ 1 وجوبا سواء كان الكلام تاما موجبا، أم غير موجب، ولا يجوز الإبدال في شيء منها لأنه يكون تابعا، والتابع لا يتقدم على المتبوع. 2 أجاز الأبدي في هذه الصورة رفع الجميع على الإبدال. 3 أي: من حيث الإعراب اللفظي. 4 فإن كل واحد منها، لا يدخل فيه غيره، فلا يستثنى منه شيء. 5 أي: في الحكم الذي دخل فيه الأول؛ نحو: ما قام أحد إلا محمدا إلا عليا إلا محمودا. و"محمدا" هو المستثنى الأول، وهو داخل في إثبات القيام له؛ لأنه مستثنى من النفي، فيكون كل من "علي" و"محمود" داخلا أيضا. 6 أي: أن حكم المستثنيات الأخيرة حكم الأول؛ دخولا وخروجا؛ وفي حكم المستثنيات المكررة المتأخرة، يقول ابن مالك: =

وفي النوع الثاني1 اختلفوا، فقيل: الحكم كذلك، وإن الجميع مستثنى من أصل العدد2، وقال البصريون والكسائي: كل من الأعداد مستثنى مما يليه3، وهو الصحيح لأن الحمل على الأقرب متعين عند التردد، وقيل: المذهبان محتملان. وعلى هذا فالمقر به في المثال ثلاثة على القول الأول، وسبعة على القول الثاني، ومحتمل لهما على الثالث، ولك في معرفة المتحصل على القول الثاني طريقتان، إحداهما: أن تسقط الأول وتجبر الباقي بالثاني وتسقط الثالث، وإن كان معك رابع فإنك تجبر به، وهكذا إلى الأخير4. والثانية: أن تحط الآخر مما يليه، ثم باقيه مما يليه، وهكذا إلى الأول5.

_ = وانصب لتأخير، وجئْ بواحدِ ... منها كما لو كان دون زائدِ كلم يفوا إلا امرؤ إلا علي ... وحكمها في القصد حكم الأولِ والمعنى: انصب المستثنيات كلها في حالة التأخير، إن كان الكلام موجبا؛ فإن كان تاما غير موجب؛ عوامل واحد منها بما كان يستحقه لو لم تتكرر "لا" فيبدل مما قبله؛ وهو المختار، أو ينصب -على قلة- نحو المثال الذي ذكره؛ فيجوز في "علي" الرفع على البدلية من امرؤ، والنصب على الاستثناء؛ وما يتكرر من المستثنيات، حكمه في المعنى حكم الأول، فيثبت له ما يثبت للأول من الدخول إن كان الكلام منفيا والخروج؛ إن كان موجبا كما أوضح المؤلف. انظر شرح التصريح: 1/ 357، وضياء السالك: 2/ 175. 1 هو ما يمكن استثناء بعضه من بعض. 2 أي: من العدد الأول. 3 أي: من الذي قبله، والذي قبله مستثنى من الذي قبله وهكذا ... إلى الأول. 4 فالمستثنى الأول في المثال الأول: "4" تسقط من "10"؛ فيكون الباقي: "6"، ويجبر بالثاني، وهو: "2" فتصير: "8"، ثم يسقط منها الثالث، وهو: "1"؛ فيكون الباقي: "7". 5 وهناك طريقة ثالثة ذكرها صاحب "ضياء السالك" وهي: جمع الأعداد الفردية -ومنها المستثنى منه الأول- ثم الأعداد الزوجية، وتطرح الثانية من الأولى، فباقي الطرح هو المطلوب؛ ففي المثال المذكور: "10 + 2" - "4 + 1" = 7. انظر شرح التصريح: 1/ 359-360، وضياء السالك: 1/ 176.

["غير" أصلها - والاستثناء بها] : فصل: وأصل1 "غير" أن يوصف بها إما نكرة، نحو: {صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} 2، أو معرفة كالنكرة3، نحو: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} 4، فإن موصوفها {الَّذِينَ} وهم جنس لا قوم بأعيانهم. وقد تخرج عن الصفة وتضمن معنى: "إلا" فيستثنى بها اسم مجرور بإضافتها إليه، وتعرب هي بما يستحقه المستثنى بإلا في ذلك الكلام، فيجب نصبها5 في نحو: "قاموا غير زيد" و: "ما نفع هذا المال غير الضرر" عند الجميع، وفي نحو: "ما

_ 1 يوصف بها -على الرغم من جمودها- لما فيها من معنى اسم الفاعل؛ لأن معناها إفادة المغايرة، والدلالة على أن مجرورها مغاير ومخالف للموصوف في الحكم الذي ثبت له إيجابا أو نفيا؛ إما في ذاته؛ نحو: قابلت رجلا غير علي؛ أو في وصف طارئ على الذات؛ نحو: قابلني بوجه غير الذي عهدته منه، فوصف الوجه مختلف في الحالتين. وانظر مغني اللبيب: 209، وشرح التصريح: 360. 2 "7" سورة الأعراف، الآية: 53. موطن الشاهد: {صَالِحًا غَيْرَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "غير" صفة لـ "صالحا" على الرغم من إضافتها إلى الذي؛ لكونها لا تتعرف بالإضافة؛ لتوغلها في الإبهام. 3 أي: المعرفة المراد منها الجنس. 4 "1" سورة الفاتحة، الآية: 7. موطن الشاهد: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} . وجه الاستشهاد: مجيء "غير" صفة لـ "الذين" وهم جنس مبهم لا قوم بأعيانهم، كما ذكر المؤلف في المتن؛ ومعلوم أن المعرف الذي يراد به الجنس قريب من النكرة؛ وهي في الحالتين مؤولة بالمشتق -كما أسلفنا- بمعنى مغاير؛ لأن النعت لا يكون إلا مشتقا أو مؤولا به. 5 خلاصة القول: أنه يجب نصب "غير" بالإجماع في صورتين: إذا كان الكلام تاما موجبا نحو: قام القوم غير زيد، أو كان الاستثناء منقطعا ولا يمكن تسليط العامل على المستثنى؛ نحو: ما نفع هذا المال غير الضرر. ويجب النصب عند الحجازيين إذا كان الاستثناء منقطعا وأمكن تسليط العامل على المستثنى؛ نحو: ما في الدار أحد غير حمار، وبنو تميم يجيزون الإتباع في ذلك، وإذا تقدم المستثنى على المستثنى منه، نحو: ما في الدار غير زيد أحد، وجب النصب عند الأكثرين. شرح التصريح: 1/ 360، 361.

فيها أحد غير حمار" عند الحجازيين، وعند الأكثر في نحو: "ما فيها غير زيد أحد"، ويترجح عند قوم في نحو هذا المثال، وعند تميم في نحو: "ما فيها أحد غير حمار"، ويضعف في نحو: "ما قاموا غير زيد" ويمتنع في نحو: "ما قام غير زيد". [الاستثناء بـ "سوى"] : فصل: والمستثنى1 بـ: "سوى" كالمستثنى بـ: "غير" في وجوب الخفض.

_ 1 للنحاة في "سوى" ثلاثة آراء: الأول: أن "سوى" ظرف مكان، وأنها لا تخرج عن الظرفية، فإن جاء من كلام العرب شيء، استعملت فيه اسما غير ظرف؛ فهو مؤول أو ضرورة من ضرورات الشعر؛ وهذا رأي الخليل، وسيبويه، وجمهرة البصريين. الثاني: أن "سوى" تستعمل ظرفا منصوبا على الظرفية، وتستعمل اسما غير ظرف؛ إلا أن استعمالها ظرفا أكثر من استعمالها غير ظرف؛ وارتضى المؤلف هذا الرأي، فهو يقول: "وإلى مذهبهما أميل" ويعني بهما: الرماني، والعكبري. الثالث: أن "سوى" تستعمل ظرفا، وتستعمل اسما غير ظرف، وأن الاستعمالين سواء، ليس أحدهما أكثر من الثاني، وليس أحدهما ضرورة ولا خاصا بالشعر؛ وهذا رأي الكوفيين، وتبعهما ابن مالك، واستدلوا بالآتي: أ- أجمع أهل اللغة على أن قول القائل: "قاموا سواك" وقوله: "قاموا غيرك" بمعنى واحد. ب- لم يقل واحد من أهل اللغة: إن "سوى" عبارة عن مكان أو زمان؛ حتى تكون ظرفا؛ وإنما تأولها البصريون بمعنى بَدَلَك، ثم جعلوا "بدلك" بمعنى "مكانك"، فحكموا بمقتضى ذلك التأويل بأنها ظرف. ج- وقوع العدد الكثير من الشواهد الشعرية والنثرية التي تخالف ملازمتها للنصب على الظرفية؛ حيث جاءت مجرورة بحرف الجر، كما في قوله -عليه الصلاة والسلام: "ما أنتم في سواكم من الأمم إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود"، وكما في قول المرار العقيلي: ولا ينطق الفحشاء من كان منهم ... إذا جلسوا منا ولا من سوائنا وجاءت مجرورة بالإضافة، كما في قول الشاعر: فإنني والذي يحج له النـ ... ـاس بجدوى سواك لم أَثِقٍ وجاءت مرفوعة بالابتداء كما في قول الشاعر: وإذا تباع كريمة أو تشترى ... فسواك بائعها وأنت المشتري =

ثم قال الزجاجي1 وابن مالك. سوى كغير معنى وإعرابا، ويؤيدهما حكاية الفراء: "أتاني سواك". وقال سيبويه والجمهور: هي ظرف، بدليل وصل الموصول بها، كـ: "جاء الذي سواك" قالوا: ولا تخرج عن النصب على الظرفية إلا في الشعر، كقوله2: [الهزج] 265- ولم يبقَ سوى العدوا ... ن دِنَّاهُمْ كما دانوا3

_ = وجاءت مرفوعة على الفاعلية، كما في قول الآخر: ولم يبق سوى العدوا ... ن دناهم كما دانوا وجاءت اسما لـ "إن" في قول أحدهم: لديك كفيل بالمنى لمؤمِّلِ ... وإن سواك من يؤمِّلُهُ يشقَى وبعد هذا كله، يتضح لنا بطلان قولهم بعد تصرفها، ولزومها للظرفية وبناءً عليه يكون ما ذهب إليه الكوفيون، وارتضاه ابن مالك في هذه المسألة هو القول الأصوب لما بينا. وانظر في هذه المسألة: ابن عقيل: 2/ 226، وحاشية الصبان: 2/ 158-159-160-161، وحاشية، يس على التصريح: 1/ 362، وهمع الهوامع: 1/ 201-202. 1 الزجاجي: هو أبو القاسم؛ عبد الرحمن بن إسحاق، أصله من نهاوند، انتقل إلى بغداد ولزم أبا إسحاق: إبراهيم الزجاج، فنسب إليه، وأخذ أيضا عن الطبري، وابن كيسان وابن السراج والأخفش وابن الأنباري، له كتب قيمة منها: الجمل في النحو، والإيضاح في علل النحو، والكافي، وشرح خطبة أدب الكتاب، وشرح أسماء الله الحسنى وكتاب الأماني ... وغيرها مات بطبرية سنة 340 هـ. البلغة: 121، بغية الوعاة 2/ 77، وفيات الأعيان: 1/ 288، إنباه الرواة: 2/ 161، الأعلام: 4/ 69. 2 القائل: هو الفند الزِمَّاني -بكسر الزاي وتشديد الميم المفتوحة- واسمه شهل بن شيبان، أحد شعراء الحماسة وأحد فرسان ربيعة المشهورين المعدودين، شهد حرب بكر وتغلب وقد قارب المائة سنة، فأبلى فيها بلاء حسنا، ولقب بالفند؛ لأن بكرا بعثوا إلى بني حنيفة يستنصرونهم، فأمدوهم به وكتبوا إليهم: قد بعثنا إليكم بثلاثمائة فارس، فلما أتى بكرا وهو مسن قالوا: وما يغني هذا العشبة؟ قال: أوما ترضون أن أكون لكم فندا تأوون إليه. الخزانة: 3/ 434-435. 3 تخريج الشاهد: من قصيدة قالها الشاعر في حرب البسوس، رواها أبو تمام في حماسته ومطلعها قوله: =

وقال الرماني1 والعكبري2: تستعمل ظرفا غالبا، وكغير قليلا، وإلى هذا أذهب.

_ = صفحنا عن بني ذهل ... وقلنا القوم إخوان عسى الأيام أن يرجعـ ... ـن قوما كالذي كانوا فلما صرح الشر ... وأمسى وهو عريان والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 362، وابن عقيل: "173/ 2/ 228" والهمع: 1/ 202، والدرر: 1/ 170، وأمالي القالي: 1/ 260، والخزانة: 2/ 57، والعيني: 3/ 122، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: 35. المفردات الغريبة: العدوان: الظلم الصريح. دناهم: جازيناهم وفعلنا بهم مثل ما فعلوا بنا. المعنى: لما ظهر الشر، وانكشف كل شيء كان مستورا، ولم يبقَ من بني ذهل إلا العدوان الظاهر؛ جازيناهم، وفعلنا بهم مثلما فعلوا بنا، وكما تدين تدان. الإعراب: لم: حرف جزم ونفي وقلب. يبق: فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة. سوى: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف، وهو مضاف. العدوان: مضاف إليه. دنَّاهم: فعل ماضٍ، مبني على السكون؛ لاتصاله بـ "نا" الدالة على الفاعلين، و"نا": فاعل، و"هم": مفعول به. كما: الكاف حرف جر، و"ما" حرف مصدري. دانوا: فعل ماضٍ، والواو: فاعل؛ والمصدر المؤول من "ما وما دخلت عليه": في محل جر بالكاف؛ و"الجار والمجرور": متعلق بمحذوف صفة لمصدر، يقع مفعولا مطلقا؛ عامله "دناهم"؛ والتقدير: دنَّاهم دينًا مماثلا لدينهم إيانا؛ وجملة "دانوا": صلة للمصولو الحرفي، لا محل لها؛ وجملة "دناهم": جواب "لما" في بيت سابق، لا محل لها. موطن الشاهد: "ولم يبق سوى العدوان". وجه الاستشهاد: وقوع "سوى" فاعلا لـ "يبق"؛ وحكم مجيئها فاعلا الجواز لضرورة الشعر عند البصريين؛ وأما عند الكوفيين فجائز في سعة الكلام، ولم يخصوه بالشعر فقط كالبصريين؛ ومذهبهم في هذه المسألة أرجح؛ لورود الشواهد الكثيرة من الشعر والنثر معا عمن يحتج بكلامهم. وانظر شرح التصريح: 1/ 362. 1 مرت ترجمته. 2 هو: أبو البقاء عبد الله بن الحسين، محب الدين العكبري البغدادي النحوي الضرير، قرأ على ابن الخشاب وغيره، له مصنفات كثيرة منها: إعراب القرآن، تفسير القرآن، إعراب الشواذ من القرآن، شرح الإيضاح، شرح اللمع، شرح المقامات، شرح الكتاب ... وغيرها ولد سنة 538، ومات سنة 616 هـ. البلغة: 108، إنباه الرواة: 2/ 116، بغية الوعاة: 2/ 38، معجم المؤلفين: 6/ 46، الأعلام 4/ 208.

[الاستثناء بـ "ليس" و"لا يكون"] : فصل: والمستثنى بـ: "ليس"، و: لا يكون" واجب النصب؛ لِأنه خبرهما، وفي الحديث: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ليس السنَّ والظفرَ" 1 وتقول: "أتوني لا يكون زيدا". واسمهما2 ضمير مستتر عائد على اسم الفاعل المفهوم من الفعل السابق، أو

_ 1 هذا حديث شريف في حكم الذبائح. وأخرجه بلفظ: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكلوا ليس السنَّ والظفرَ". المعجم الكبير للطبراني "ط. العراق": 4/ 320، وإتحاف السادة المتقين للزبيدي "تصوير بيروت": 6/ 76 وكنز العمال "مطبعة التراث الإسلامي": 1767. وأخرجه بلفظ: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل، ليس السنَّ والظفرَ" مسلم، الأضاحي "مطبعة عيسى الحلبي": برقم: 40، وسنن النسائي "تصوير بيروت": 7/ 228، ومسند الإمام أحمد "مطبعة الميمنية": 4/ 142، ومعجم الطبراني: 4/ 321. وشرح السنة للبغوي "مطبعة المكتب الإسلامي": 11/ 214، وفتح الباري "دار الفكر": 9/ 623، 631. 2 للنحاة في مرجع الضمير المستتر وجوبا في "ليس" و"لا يكون" ثلاثة أقوال؛ هي: الأول: أن هذا الضمير عائد إلى اسم فاعل الفعل العامل في المستثنى منه؛ أو إلى اسم المفعول -وهذا الرأي لسيبويه- وبيانه: أننا إذا قلنا: "جاء القوم ليس زيدا" يكون تقدير الكلام: جاء القوم ليس هو -أي الجائي- زيدا؛ واعترض على هذا القول باعتراضات؛ أوضحها: أنه قد لا يكون في الكلام السابق على المستثنى فعل، كما لو قلت: "القوم إخوتك ليس زيدًا" فمن أين لنا أن نشتق اسم الفاعل الذي يعود الضمير إليه؟ وأجاب بعض من ينتصر لسيبويه: بأننا نتصيد من معنى الكلام السابق فعل، ونجعل اسم فاعل هذا الفعل المتصيد مرجع الضمير؛ ففي المثال المذكور نقدر أن الكلام: القوم يتصفون بأخوتك ليس زيدا، ونقدر مرع الضمير: ليس هو -أي المتصف بهذه الأخوة- زيدا. والثاني: أن هذا الضمير عائد على البعض المدلول عليه بكله السابق -وهذا رأي البصريين ففي قولنا: "جاء القوم ليس زيدا"؛ التقدير: ليس هو -أي بعض القوم- زيدا؛ ومعنى هذا، أن نكون نفينا أن يكون بعض القوم زيدا؛ أي بعض القوم من =

البعض المدلول عليه بكله السابق، فتقدير: "قاموا ليس زيدا": ليس القائم، أو ليس بعضهم، وعلى الثاني فهو نظير: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً} 1 بعد تقدم ذكر الأولاد2. وجملتا الاستثناء3 في موضع نصب على الحال4، أو مستأنفتان فلا موضع لهما5. [المستثنى بـ "خلا" و"عدا" وحكمه] : فصل: وفي المستثنى بـ "خلا" و"عدا" وجهان:

_ = عدا زيدا، وبالتالي: نكون قد أطلقنا لفظ البعض على الجميع إلا واحدا، وليس من المعهود هذا الإطلاق. الثالث: أن الضمير يعود إلى مصدر الفعل السابق، بعد أن نقدر أن المستثنى، كان مضافا إلى مصدر مثله -وهذا رأي الكوفيين- ففي قولنا: "جاء القوم ليس زيدا"؛ التقدير: ليس المجيء مجيء زيد؛ واعترض على هذا الرأي باعتراضين؛ أولهما: أنه قد لا يكون في الكلام السابق فعل، ومر جوابه في الكلام على قول سيبويه، وثانيهما: أن فيه هذا التقدير مضافا محذوفا، لم يلفظ به في كلام قط. وانظر في هذا المسألة: شرح التصريح: 1/ 362-363، والجني الداني: 495. 1 "4" سورة النساء، الآية: 11. موطن الشاهد: {كُنَّ نِسَاءً} . وجه الاستشهاد: عودة الضمير في "كن" على البعض المدلول عليه بالكل بعد تقدم ذكر الأولاد في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} فإن الأولاد تشمل الذكور والإناث؛ فعادت النون في "كن" على الإناث اللاتي هن البعض المفهوم من الأولاد؛ ومعلوم أن "النون": اسم "كن" و"نساء": خبرها. 2 أي في قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} فإن قيل: لا فائدة من قول القائل: فإن كن الإناث نساء. فالجواب: أن الفائدة تمت بما ذكره بعده من الظرف وهو قوله جل جلاله {فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} شرح التصريح: 1/ 363. 3 أي: جملة "ليس زيدا"، "ولا يكون زيدا". 4 ولا تحتاج لوجود "قد" المشروطة في الجملة الماضوية الواقعة حالا؛ لأن هذا في غير الجمل التي أفعالها جامدة كما هنا. 5 أي: لا علاقة لهما بما قبلهما من جهة الإعراب. أما من الناحية المعنوية فبينهما ارتباط كما أسلفنا، وهذا رأي جمهور البصريين. شرح التصريح: 1/ 363.

أحدهما: الجر على أنهما حرفا جر، وهو قليل، ولم يحفظه سيبويه في "عدا"، ومن شواهده قوله1: [الوافر] 266- أَبَحْنَا حيَّهُم قتلًا وأسرًا ... عدا الشمطاء والطفل الصغير2 وموضعهما نصب، فقيل: هو نصب عن تمام الكلام3، وقيل: لأنهما متعلقان بالفعل المذكور4.

_ 1 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: ويروى قبل الشاهد -وهو دليل على أن القوافي مجرورة- قوله: تركنا في الحضيض بنات عوج ... عواكف قد خضعن إلى النسور والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 232، والدر: 1/ 197، والعيني: 3/ 123. المفردات الغريبة: أبحنا، أحللنا، من أباح الشيء إذا أحله، والمراد: استأصلنا حيهم، الحي: القبيلة. الشمطاء: العجوز التي خالط البياض سواد شعرها، والرجل أشمط. المعنى: استبحنا القتل والأسر، واستأصلنا تلك القبيلة، ولم نترك إلا العجائز من النساء، والصغار من الأطفال. الإعراب: أبحنا: فعل ماضٍٍ مبني على السكون؛ لِاتصاله بـ "نا"؛ و"نا" في محل رفع فاعل. حيهم: مفعول به، وهو مضاف. و"هم": مضاف إليه. قتلا: تمييز منصوب؛ ويجوز أن يكون "حيهم" مفعولا به على نزع الخافض؛ أي في حيهم، وقتلا: مفعولا به. وأسرا: الواو عاطفة؛ أسرا: معطوف على "قتلا" منصوب مثله. عدا: حرف جر دالٍّ على الاستثناء، لا محل له من الإعراب. الشمطاء: مجرور بـ "عدا" وعلامة جره الكسرة الظاهرة. والطفل: الواو عاطفة، الطفل: اسم معطوف على الشمطاء، والمعطوف على المجرور مجرور مثله. الصغير: صفة للطفل مجرورة. موطن الشاهد: "عدا الشمطاء". وجه الاستشهاد: مجيء "عدا" في الشاهد حرف جر و"الشمطاء" مجرورا به. 3 أي: تمام الجملة قبلهما، فتكون هي الناصبة لمحلهما على الاستثناء؛ كما قيل في تمييز النسبة: إن العامل فيه النصب، هو الجملة قبله، ولا يحتاجان إلى متعلق على اعتبارهما من أحرف الجر الشبيهة بالزائد. وانظر شرح التصريح: 1/ 363، وحاشية الصبان: 2/ 163. 4 أي: قبلهما، فيكونان -حينئذ- في موضع نصب على المفعول به، والأول: أرجح.

والثاني: النصب على أنهما فعلان جامدان لوقوعهما موقع1 "إلا" وفاعلهما ضمير مستتر"، وفي مفسره وفي موضع الجملة البحث السابق. وتدخل علهيما "ما" المصدرية2 فيتعين النصب؛ لِتعين الفعلية حينئذ، كقوله3: [الطويل] 267- ألا كلُّ شيء ما خلا الله باطل4

_ 1 فعلان لتقدم ما المصدرية عليهما، التي لا توصل إلا بالأفعال، والفعل إذا وقع موقع الحرف يصير جامدا، كما أن الاسم إذا وقع موقعه يصير مبنيا، ونصب ما بعدهما على أنه مفعول واضح بالنسبة لعدا؛ متعدٍّ قبل الاستثناء، أما "خلا" فقد ضمنت عند الاستثناء معنى "جاوز"؛ فصارت متعدية. التصريح: 1/ 364. 2 أي: استثناء؛ لِأنها لا تدخل على فعل جامد. وقيل: لأنهما في الأصل متصرفان. والمنع إنما هو في الجامد أصالة. 3 القائل: هو لبيد بن ربيعة العامري، وقد مرت ترجمته. 4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: وكل نعيم لا محالة زائلُ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 364، والهمع: 1/ 3، 266، 333، والدرر: 1/ 2، 93، 197، وشرح المفصل: 2/ 78، والعيني: 1/ 15، 3/ 134، وحاشية يس: 1/ 355، ومغني اللبيب: "219/ 179" "352/ 259" وشرح السيوطي: 134، 180، والشذور: "122/ 341" وديوان لبيد: 256. المفردات الغريبة: ما خلا الله: ما عداه سبحانه؛ باطل، المراد: فانٍ وهالك. زائل: ذاهب. المعنى: كل شيء في هذه الحياة صائر إلى زوال، ولا يبقى إلا الواحد الديان، وكل نعيم في هذه الدنيا سيغدو أثرا بعد عين، فليعتبر بهذا الغافلون والمنحرفون. الإعراب: ألا: أداة استفتاح وتنبيه: كل: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. شيء: مضاف إليه مجرور. ما: مصدرية، لا محل لها. خلا: فعل ماضٍٍ مبني على الفتح المقدر، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا، تقديره هو: يعود إلى البعض المفهوم من الكل السابق. الله: "لفظ الجلالة" منصوب على التعظيم. باطل: خبر المبتدأ "كل" مرفوع. وكل: الواو عاطفة، كل: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. نعيم: مضاف إليه مجرور. لا محالة: لا نافية للجنس، لا محل لها من الإعراب. محالة: اسم "لا" مبني على الفتح في محل نصب؛ وخبر "لا" محذوف؛ والتقدير: لا محالة موجودة؛ وجملة "لا محالة موجودة": اعتراضية، لا محل لها. زائل: خبر "كل" مرفوع. موطن الشاهد: "ما خلا الله". وجه الاستشهاد: استعمال "خلا" فعلا؛ لسبقها بـ "ما" المصدرية، ونصب لفظ الجلالة بعدها؛ والذي يدلنا على استعمالها فعلا سبقها بما المصدرية؛ لأن "ما" المصدرية، لا تدخل على الأفعال، ولا تدخل على الحروف.

وقوله1: [الطويل] 268- تملُّ الندامى ما عداني فإنني2 ولهذا دخلت نون الوقاية، وموضع الموصول وصلته نصب: إما على الظرفية على حذف مضاف، أو على الحالية على التأويل باسم الفاعل3، فمعنى: "قاموا ما

_ 1 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: بكل الذي يهوَى نديمي مولعُ وقد مر تخريج الشاهد والتعليق عليه. موطن الشاهد: "ما عداني". وجه الاستشهاد: استعمال "عدا" فعلا؛ لأنها سبقت بما المصدرية؛ ومعلوم أن "عدا" عندما تسبق بما المصدرية، تتمحَّض للفعلية -كما سبق- وما يؤكد استعمال الشاعر لـ "عدا" فعلية؛ إلحاقه بها نون الوقاية لما وصل بها ياء المتكلم، ونحن نعلم أن نون الوقاية تلزم الأفعال من دون الحروف. 3 عندما تأتي "عدا وخلا" مقرونتين بـ "ما" فلمحلهما ثلاثة أوجه من الإعراب: الأول: أن "ما" المصدرية ومدخولها في تأويل مصدر منصوب على الظرفية الزمانية؛ وأصله: مضاف إليه للفظ "وقت" فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه؛ ففي قولهم: "قام القوم عدا زيدا"، يكون التقدير: قام القوم وقت مجاوزتهم زيدا. الثاني: أن "ما" وما دخلت عليه في تأويل مصدر، يراد به اسم الفاعل، وهو حال من المستثنى منه؛ ويكون تقدير المثال السابق: قام القوم مجاوزتهم زيدا، أي: مجاوزين زيدا؛ وهذا، كما قدر المصدر الصريح -حين وقع حالا- باسم الفاعل؛ نحو قولك: جاء زيد ركضا؛ أي: راكضا. الثالث: أن "ما عدا زيدا" منصوب على الاستثناء، مثل انتصاب "غير" في قولهم: قام القوم غير زيد؛ والتقدير الثاني للسيرافي، والثالث لابن خروف، والرأي الأرجح، هو الأول؛ لأن "ما عدا" في تأويل المصدر عند الجميع، والمصدر ينوب مناب ظرف الزمان بكثرة، كما في قولهم: أزورك طلوع الشمس، وأحبك مجيء الحاج؛ فأما مجيء الحال مصدرا، فيحتاج إلى التأويل -على أن بعض النحاة ذكر أن مجيء المصدر حالا؛ إنما يكون في المصدر الصريح لا المؤول؛ وأما النصب على الاستثناء، ففيه من التكلف ما لا يخفى. وانظر شرح التصريح: 1/ 365، والمغني: 178-179.

عدا زيدا" قاموا وقت مجاوزتهم زيدا، أو مجاوزين زيدا، وقد يجران على تقدير "ما" زائدة1. [المستثنى بـ "حاشا"] : فصل: والمستثنى بـ: "حاشا" عند سيبويه مجرور لا غير، وسمع غيره النصب2، كقوله: "اللهم اغفر لي ولمن يسمع، حاشا الشيطانَ وأبا الأصبغ"3. والكلام في موضعها جارة وناصبة وفي فاعلها كالكلام في أختيها. ولا يجوز دخول "ما" عليها، خلافا لبعضهم4، ولا دخول "إلا" خلافا

_ 1 وإلى هذا ذهب الجرمي والربعي والكسائي والفارسي وابن جني، ولم يرتضه ابن هشام في المغني لأن "ما" تزاد بعد حرف الجر، نحو: {عَمَّا قَلِيلٍ} ، و: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} ، أما هنا فلا، وإن كان سمع ذلك فهو شذوذ لا يقاس عليه. التصريح: 1/ 365، مغني اللبيب: 179، همع الهوامع: 1/ 233. 2 الذين رووا النصب بعد "حاشا" هم أبو زيد والفراء، والأخفش، والشيباني، وابن خروف، وأجازه الجرمي والمازني والمبرد والزجاج وابن مالك. مغني اللبيب: 165، والجنى الداني: 558، والتصريح: 1/ 365. 3 هذا كلام منثور، وليس بنظم، وأبو الأصبغ: اسم رجل رمي بالخسة والدناءة وجعل قرينا للشيطان لالتحاقه في قبح الأفعال. "الشيطان" منصوب بحاشا على أنها فعل ماضٍ، و"أبا" معطوف عليه. "الأصبغ" مضاف إليه. وجيء بحاشا هنا للتهكم؛ لأنها إنما يستثنى بها في مقام تنزيه المستثنى عن نقص ما، والمغفرة أمر حسن لا يتنزه أحد عنه، ولكنه بالغ في تقبيح فعل الشيطان وأبي الأصبغ وخستهما ودمهما حتى كأن المغفرة تنقص بهما، فيجب أن تتنزه عنهما وألا تتعلق بأمثالهما. 4 فقد أجاز دخول "ما" عليها مستدلا بقوله عليه الصلاة والسلام: "أسامة أَحَبُّ الناسِ إلي ما حاشا فاطمة". ورد بأن جملة "ما حاشا فاطمة" مدرجة من كلام الراوي وليست من الحديث، أي أنه عليه الصلاة والسلام، لم يستثنِ فاطمة، فتكون "ما" نافية لا مصدرية، و"حاشا" فعل متعدٍّ متصرف بمعنى أستثني. وكذلك استدل بقول الأخطل: رأيت الناس ما حاشا قريشًا ... فإنا نحن أفضلهم فعالا

للكسائي1.

_ 1 فقد أجاز دخول "إلا" عليهما إذا جرت، ومنعه إذا نصبت، تقول: قام القوم إلا حاشا محمد -بالجر. التصريح: 1/ 365. تنبيه: الصحيح أن ناصب المستثنى هو "إلا" لا ما قبلها، ولا كلمة أستثني مضمرا؛ لأنها مختصة بالأسماء غير منزلة منها منزلة الجزء، يجب أن تعمل ما لم تتوسط بين عامل مفرغ ومعموله فتلغى؛ لأن العامل أقوى منها. تكملة: تأتي "حاشا" على ثلاثة أحوال: أ- استثنائية: وهي فعل جامد، وقد تأتي حرفا وقد سبق الكلام عليها. ب- تنزيهية: تدل على التنزيه الخالص وتبرئة ما بعدها من سوء. والصحيح أنها اسم مرادف لكلمة "تنزيه" التي هي مصدر "نزه" بدليل إضافتها وتنوينها في قوله تعالى: {حَاشَ لِلَّهِ} فقد قرأ ابن مسعود: "حاش الله"، بالإضافة على زيادة اللام؛ كسبحان الله، ومعاذ الله. وقرأ أبو السمال: حاشا لله. بالتنوين والإضافة، والتنوين من خواص الأسماء، وهي منصوبة على أنها مفعول مطلق لفعل محذوف وجوبا من معناها؛ لِأنها مصدر قائم قام الفعل. وقال بعض النحاة: إنها اسم فعل ماضٍٍ بمعنى: تنزه أو برئ، واللام بعدها زائدة، و"الله" مجرور باللام الزائدة في محل رفع فاعل باسم الفعل. وقال الكوفيون والمبرد: إنها فعل. ج- أن تكون فعلا متعديا متصرفا بمعنى أستثني. تقول: حاشيت مال اليتيم. أن تمتد إليه يدي، أي أستثنيه، وتكتب ألفها الأخيرة ياء في هذه الحالة ومنه الحديث السابق: "أسامة أحب الناس إلي ما حاشي فاطمة". وقول الشاعر: ولا أرى فاعلا في الناس يشبهه ... ولا أحاشي من الأقوام من أحد ويجوز في نحو: قام الناس حاشاك وحاشاه. كون الضمير منصوبا، وكونه مجرورا. فإذا قلت: حاشاي -تعين الجر، وإن قلت: حاشاني- تعين النصب، وكذا الشأن في: خلا، وعدا، ضياء السالك: 2/ 186. فائدة: تأتي "لما" للاستثناء بمعنى إلا، نحو: ناشدتك الله لما فعلت كذا -عمرك الله لما تركت كذا. وهذا مقصور على السماع على الصحيح. التصريح: 1/ 365، مغني اللبيب: 164-1654، ومشكل إعراب القرآن: 1/ 428، همع اللوامع: 1/ 232-233، الجنى الداني: 561.

باب الحال

[باب الحال] : هذا باب الحال1: [الحال نوعان] : الحال نوعان: موكد2، وستأتي. تعريف الحال المؤسسة: ومؤسسة3، وهي: وصف4، فضلة5، مذكور لبيان الهيئة، كـ: "جئت

_ 1 يطلق الحال لغة: على الوقت الذي فيه الإنسان، وعلى ما هو عليه من خير أو شر. واصطلاحا: ما ذكره المصنف. ولفظ الحال -من غير تاء- صالح للتذكير والتأنيث، نقول: الحال حسن، أو حسنة. والكثير والأفصح في لفظه التذكير، وفي وصفه وفي ضميره التأنيث ومن شواهد تذكير لفظ الحال قول الشاعر: إذا أعجبتك الدهر حال من امرئ ... فدعه وواكل أمره واللياليا ومن شواهد تأنيث لفظها قول الفرزدق: على حالة لو أن في القوم حاتما ... على جوده ضنت به نفس حاتم 2 وهي التي لا تفيد معنى جديدا، ويفهم معناها بدون ذكرها، ويدل عليها عاملها كقولك: تعث في الأرض مفسدا. أو يدل عليها صاحبها كقوله تعالى: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} أو تدل على معناها جملة سابقة نحو قولك: "زيد أبوك عطوفا". 3 وهي التي تفيد معنى لا يستفاد إلا بذكرها، وتسمى كذلك المبينة. لأنها تبين وتوضح هيئة صاحبها، وهذا القسم هو الغالب في الحال، حتى قال المبرد والفراء: إن الحال لا تكون مؤكدة. التصريح: 1/ 365، همع الهوامع: 1/ 237. 4 صريح أو مؤول؛ لتدخل الحال الجامدة، والجملة وشبهها الظرف والجار والمجرور -لتأول كل بالوصف المشتق. والمراد بالوصف: الاسم المشتق الذي يدل على معنى وذات متصفة به وهو اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، وأمثلة المبالغة، وأفعال التفضيل. 5 المراد بالفضلة هنا: ما ليس ركنا في الإسناد، وإن كان لازمة لصحة المعنى، نحو قوله تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} ، فإنه لا يكون معنى إذا حذفت كلمة "كسالى"، أو يجب ذكرها لعارض كونها سادة مسد العمدة، كالحال التي تسد مسد الخبر في نحو: ضربي العبد مسيئا.

راكبا" و: "ضربته مكتوفا" و: "لقيته راكبين"1. وخرج بذكر الوصف نحو: "القهقرى" في: "رجعت القهقرى"2. وبذكر الفضلة الخبر في نحو: "زيد ضاحك" وبالباقي التمييز في نحو: "لله دره فارسا" والنعت في نحو: "جاءني رجل راكب" فإن ذكر التمييز لبيان جنس المتعجب منه، وذكر النعت لتخصيص المنعوت، وإنما وقع بيان الهيئة بهما ضمنا لا قصدا. وقال الناظم: الحال وصف فضلة منتصب ... مُفهَمُ في حال كذا ... فالوصف: جنس يشمل الخبر والنعت والحال، وفضلة: مخرج للخبر، ومنتصب. مخرج لنعتي المرفوع والمخفوض، كـ: "جاءني رجل راكب" و: "مررت برجل راكب" ومفهم في حال كذا: مخرج لنعت المنصوب كـ: "رأيت رجلا راكبا" فإنه إنما سيق لتقييد المنعوت؛ فهو لا يفهم في حال كذا بطريق القصد، وإنما أفهمه بطريق اللزوم. وفي هذا الحد نظر؛ لأن النصب حكم، والحكم فرع التصور، والتصور متوقف على الحد، فجاء الدور. [أوصاف الحال] : فصل: للحال3 أربعة أوصاف:

_ 1 راكبا: حال مبنية لهيئة الفاعل، ومكتوفا: حال مبنية لهيئة المفعول، وراكبين: حال مبنية لهما. قيل: ومجيء الحال من غير ذلك، كالمجرور بالحرف والمضاف إليه، والمبتدأ والخبر، واسم الناسخ ينبغي أن يؤول بالفاعل أو المفعول. وقيل: يجوز ذلك بدون تأويل، ولوروده في الفصيح من كلام العرب، كقوله تعالى: {مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ} ببناء "نتخذ" للمجهول، فإن أولياء حال، وهي مجرور بمن الزائدة، والتقدير: أن نتخذ من دونك. 2 فإنه وإن كان مبنيا لهيئة الفاعل، إلا أنه اسم للرجوع إلى الخلف لا وصف وتثنى على القهقرين بحذف الألف، والقياس قلبها ياء. 3 أي من حيث هي، بقطع النظر عن كونها مؤكدة أو مؤسسة.

أحدهما: أن تكون منتقلة1 لا ثابتة، وذلك غالب، لا لازم، كـ: "جاء زيد ضاحكا". وتقع وصفا ثابتا2 في ثلاث مسائل: إحداها: أن تكون مؤكدة3، نحو: "زيد أبوك عطوفا" و: {يَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} 4. الثانية: أن يدل عاملها على تجدد صاحبها5، نحو: خلق الله الزرافة يديها

_ 1 هذا الوصف باعتبار ثبات معناها ودوامه، أو عدم ذلك، والمراد بالمنتقلة: التي ليست ملازمة للمتصف بها، بل تبين هيئة صاحبها مدة مؤقتة. وبالثابتة: الملازمة لصاحبها لا تفارقه. 2 المراد بالثبات اللزوم وعدم المفارقة، بدليل مقابلتها بالمنتقلة وتفسيرهم الانتقال بكونها تفارق صاحبها، ثم إن اللزوم يكون بسبب وجود علاقة بين الحال وبين صاحبها أو عاملها، عقلا. أو عادة. أو طبعا. وإن لم تكن في نفسها دائمة. 3 أي لمضمون الجملة التي قبلها، بحيث يتفق معنى الحال ومضمون الجملة، فتلازم صاحبها تبعا لذلك. ويشترط في هذه الجملة: أن تكون اسمية، وأن يكون طرفاها -وهما المبتدأ والخبر- معرفتين جامدتين، ولا بد أن يتأخر الحال عنهما وعن العامل. كالمثال الأول فإن "عطوفا" حال من الأب والعطف ملازم للأبوة؛ لأن الأبوة من شأنها العطف وقد تكون مؤكدة لعاملها، إما في اللفظ والمعنى، نحو: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} أو في المعنى فقط كمثال المصنف، فإن "حيا" حال من ضمير أبعث، والبعث هو الحياة بعد الموت. وهذه مؤكدة لمعنى العامل، وهو "أبعث" لأن البعث من لازمه الحياة، وهو مستفاد بدون ذكر الحال. وبقي عليه نوع ثالث، وهي الحال المؤكدة لمعنى صاحبها؛ نحو قوله تعالى: {لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} فجميعا حال مؤكدة معنى صاحبها، وهو "من"، ومعنى الجمعية هو معنى العموم المستفاد من "من" بدون ذكر الحال. التصريح: 1/ 367. 4 "19" سورة مريم، الآية: 33. موطن الشاهد: {أُبْعَثُ حَيًّا} . وجه الاستشهاد: مجيء "حيا" حالا مؤكدة لعاملها في المعنى فقط؛ لأن البعث هو الحياة بعد الموت، فأكدت معنى "أبعث"؛ لأن البعث من لازمه الحياة، وهو مستفاد من دون ذكر الحال. 5 الدال على التجدد في هذا المثال هو قولهم "خلق" فإنه يدل على تجدد المخلوق =

أطول من رجليها" فـ: "يديها": بدل بعض، و: "أطول": حال ملازمة. الثالثة: نحو: {قَائِمًا بِالْقِسْط} 1، ونحو: {أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} 2، ولا ضابط لذلك، بل هو موقوف على السماع، ووهم ابن الناظم فمثل بمفصلا في الآية للحال التي تجدد صاحبها. الثاني: أن تكون مشتقة لا جامدة3، وذلك أيضا غالب، لا لازم. وتقع جامدة مؤولة بالمشتق في ثلاث مسائل: إحداها: أن تدل على تشبيه، نحو: "كر زيد أسدا" و: "بدت الجارية قمرا، وتثنت غصنا" أي: شجاعا ومضيئة ومعتدلة4، وقالوا: "وقع المصطرعان عِدْلَي

_ = وحدوثه. وخلق هو العامل في الحال وفي صاحبها، وجعل ابن الناظم من هذا النوع، ما كان الدال على التجدد هو العامل أيضا، لكن المتجدد والمحدث وصف من أوصاف صاحبها، ومثاله قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} وذلك بأنه أراد بالكتاب اللفظ المقروء، لا الصفة النفسية، ولا مانع من القول بتجدده؛ بدليل وصفه بالإنزال، ولا يتجه الوهم إلا إذا أريد أن الإنزال يدل على تجدد المنزل وحدوثه وقت الإنزال والمصنف لم يعتبره هنا منه؛ وحجته: أن "الكتاب" الذي هو صاحب الحال قديم فلا يمكن أن يكون متجددا حادثا. التصريح: 1/ 368، ومعنى اللبيب: 605. 1 "3" سورة آل عمران، الآية: 18. موطن الشاهد: {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "قائما" وصفا ثابتا"؛ لأن صفات الله تعالى مطلقة؛ ومجيء الحال هنا مرجعه إلى السماع. 2 "6" سورة الأنعام، الآية: 114. موطن الشاهد: {أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "مفصلا" منصوبا على الحال، ولا ضابط له، بل هو موقوف على السماع -كما بَيَّنَ المؤلف- فلا يقاس عليه؛ ومعنى مفصلا: مبينا فيه الحق والباطل بحيث ينفي التخليط والإلباس. 3 لأنها صفة لصاحبها في المعنى والصفة لا تكون إلا مشتقة. ويؤخذ من ذلك أنه لا بد من مطابقتها لصاحب الحال تذكيرا وتأنيثا وإفرادا وتثنية وجمعا؛ لأن اشتقاقها يقتضي تحملها ضميره. 4 على هذا يكون كل من الأسد والقمر والغصن مستعملا في غير حقيقته، والمعنى فيها على التشبيه. وقيل إنها مستعملة في حقيقتها والكلام على حذف مضاف، أي مثل أسد وقمر وغصن، وذلك أصرح في الدلالة على التشبيه. ومثل ذلك قول المتنبي: بدت قمرا، ومالت غصن بان ... وفاحت عنبرا، ورنت غزالا

عير"1 أي: مصطحبين اصطحاب عدلي حمار حين سقوطهما. الثانية: أن تدل على مفاعلة2، نحو: "بعته يدا بيد"3 أي: متقابضين، و: "كلمته فاه إلى في" أي: متشافهين4. الثالثة: أن تدل على ترتيب، كـ: "ادخلوا رجلا رجلا" أي: مترتبين5.

_ 1 هذا مثل قالته العرب، للأمر يتساوى فيه الخصمان، ومعناه: وقعا معا ولم يصرع أحدهما الآخر، والمصطرعان تثنية مصطرع. عدلي، تثنية عدل، وهو نصف الحمل يكون على جنبي الدابة: العير الحمار، ويغلب على الوحشي. عدلي: حال جامدة من "المصطرعان" وهي مؤولة بالمشتق كما بين المصنف. وقيل إن "عدلي" مفعول مطلق، أي وقوعا مثل وقوع عدلي عير؛ لأن النيابة تكون بين متضايفين أو موصوف وصفته. لم أجده في أمثال الميداني. 2 سواء كان ذلك بلفظها أو بمعناها، والمفاعلة: هي صيغة تقتضي المشاركة من جانبين. 3 يجوز في قولك: "يدا بيد" رفع يد الأولى ونصبها، فأما إذا قلتها بالرفع فهي مبتدأ والجار والمجرور بعدها متعلق بمحذوف خبر، ولكل من يد المرفوع ويد المجرور بالباء وصف محذوف، أي: يد منه مصاحبة ليد مني، وهذه الصفة المقدرة، هي التي سوغت الابتداء بالنكرة، وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب حال، وإذا قلت "يدا" بالنصب فهي حال، واختلفت عبارة النحاة في الجار والمجرور بعده فقد نقل صاحب التصريح عن ابن هشام أن سيبويه يجعله للبيان، يعني أنه متعلق بمحذوف مقصود به البيان، وفيه معنى المفاعلة، ويذكر الصبان أنه متعلق بمحذوف صفة للحال، أي يدا مع يد. التصريح: 1/ 370، حاشية الصبان على شرح الأشموني. 4 يقال في إعرابه ما قيل في سابقه. ولا يقاس على هذا المثال لخروجه عن القياس بالتعريف والجمود؛ خلافا لهشام فإنه أجاز: جاورته منزله إلى منزلي، وناضلته قوسه عن قوسي، قياسا عليه. التصريح: 1/ 370، وهمع الهوامع: 1/ 237. 5 ومثله: رجلين رجلين، أو رجالا رجالا. وضابطه: أن يذكر المجموع ثم يفصل ببعضه مكررا، وكلاهما منصوب بالعامل. والمجموع حال وهو المختار. وقيل الثاني صفة للأول بتقدير مضاف: أي ذا رجل، أو مفارق رجل، بمعنى متميزا عنه، أو معطوف عليه بتقدير الفاء. التصريح: 1/ 370، الهمع: 1/ 238.

وتقع جامدة غير مؤولة بالمشتق في سبع مسائل، وهي: أن تكون موصوفة1، نحو: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} 2، {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} 3، وتسمى حالا موطئة4. أو دالة على سعر، نحو: "بعته مُدًّا بكذا"5. أو عدد، نحو: {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} 6. أو طور واقع فيه تفضيل، نحو: "هذا بسرا أطيب منه رطبا"7.

_ 1 أي بمشتق أو شبهه، فالأول كمثال المصنف والثاني نحو: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} . 2 "12" سورة يوسف، الآية: 2. موطن الشاهد: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} . وجه الاستشهاد: وقوع "قرآنا" منصوبا على الحال من "القرآن" في قوله تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} ؛ والذي جوز وقوع "قرآنا" حالا اعتمادها على الصفة "عربيا". 3 "19" سورة مريم، الآية: 17. موطن الشاهد: {تَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} . وجه الاستشهاد: وقوع "بشرا" حالا من فاعل تمثل "الملك"؛ والذي جوز مجيء "بشرا" حالا اعتمادها على الصفة "سويا". 4 أي: ممهدة لما بعدها؛ لأنه هو المقصود. أما هي فغير مقصودة بذاتها، وإنما تمد الذهن وتهيئه لما يجيء بعدها من الصفة، فهي مجرد وسيلة إلى النعت. 5 يقال فيها ما قيل في بعته يدا بيد، والضمير في بعته عائد على الشيء المبيع. 6 "7" سورة الأعراف، الآية: 142. موطن الشاهد: {أَرْبَعِينَ} . وجه الاستشهاد: "مجيء "أربعين" حالا من "ميقات" وليلة تمييز؛ وهي -هنا- وقعت جامدة غير مؤولة بمشتق، وحكم مجيئها على هذا النحو -الجواز. 7 أي أن تدل الحال على أن صاحبها في طور وحال من أحواله -مفضل وزائد على نفسه أو غيره- في حالة أخرى، فبسرا حال من فاعل أطيب المستتر فيه، ورطبا: حال من الهاء في منه، والمراد أن للبلح أطوارا مختلفة، وهو في طور البسر مفضل على نفسه في طور الرطب. انظر شرح التصريح.

أو تكون نوعا لصاحبها، نحو: "هذا مالك ذهبا". أو فرعا، نحو: "هذا حديدك خاتما" و: {تَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا} 1. أو أصلا له، نحو: "هذا خاتمك حديدا"، و: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} 2. تنبيه: أكثر هذه الأنواع وقوعا مسألة التسعير، والمسائل الثلاث الأول، وإلى ذلك يشير قوله3: ويكثر الجمود في سعر، وفي ... مُبدِي تأوُّلٍ بلا تكلف ويفهم منه أنها تقع جامدة في مواضع أخر بقلة، وأنها لا تؤول بالمشتق كما لا تؤول الواقعة في التسعر، وقد بينتها كلها. وزعم ابنه أن الجميع مؤول بالمشتق4، وهو تكلف، وإنما قلنا به في الثلاث الأول؛ لأن اللفظ فيها مراد به غير معناه الحقيقي؛ فالتأويل فيها واجب. الثالث: أن تكون نكرة لا معرفة5، وذلك لازم6؛ فإن وردت بلفظ المعرفة

_ 1 "7" سورة الإعراف، الآية: 74. موطن الشاهد: {تَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "بيوتا" حالا من الجبال؛ وهي فرع منها؛ وحكم مجيئها -في هذه الحالة. 2 "17" سورة الإسراء، الآية: 61. موطن الشاهد: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "طينا" حالا من منصوب "خلقت" المحذوف؛ والتقدير: أأسجد لمن خلقته طينا، أو على نزع الخافض -أي: من طين- والطين: أصل للمخلوق. ومعنى قوله: أو أصلا له: أي كون الحال النوع والأصل، وصاحبها هو الفرع كما سبق. 3 أي قول ابن مالك في الألفية. 4 تأويلها في السبع الباقية على معنى: متصفا بصفات البشر؛ من استواء الخلقة ونحوها، ومسعرا، ومعدودا، ومطورا بطور البسر أو الرطب، ومنوعا، ومصوغا، ومتأصلا أو مصنوعا. 5 هذا الوصف من ناحية التنكير والتعريف. 6 لأن الغالب فيها أن تكون مشتقة، وأن يكون صاحبها معرفة، فلو عرفت وهي مشتقة، بالتوهم أنها نعت عند انتصاب صاحبها، وحمل غيره عليه. التصريح: 1/ 372-373.

ولت بنكرة، قالوا: "جاء وحده"1 أي: منفردا و: "رجع عوده على بدئه"2، أي:

_ 1 "وحده" حال من فاعل جاء المستتر، وهي معرفة بسبب إضافتها إلى الضمير الواقع مفعولا؛ لأنها مصدر "وحد" وجامدة بمشتق، كما ذكر المؤلف. وكلمة "وحد" اسم يدل على التوحد والانفراد، وأغلب استعمالاته منصوبا؛ إما لفظا؛ نحو: جاء وحده، واجتهد وحدك، وكما في قوله عز شأنه: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [سورة غافر، الآية: 84] . وإما منصوبا تقديرا، وذلك إذا أضيف إلى ياء المتكلم، كما في قول الشاعر: والذئب أخشاه إن مررت به ... وحدي وأخشى الرياح والمطرا وجاءت هذه الكلمة مجرورة بالإضاة في خمس كلمات؛ وقعت في معرض المدح أو الذم؛ ففي معرض المدح، قالوا: "فلان نسيج وحده" و"فلان قريع وحده". وقالوا في الدلالة على الإعجاب بالنفس: "فلان رجيل وحده"؛ ومن الأول قول عائشة -رضي الله عنها- واصفة عمر بن الخطاب: "كان والله أحوذيا نسيج وحده". وقالوا عند إرادة الذم "فلان عيير وحده" و"فلان جحيش وحده"؛ والعيير: تصغير "عير"؛ وهو الحمار؛ والجحيش: تصغير "جحش"؛ وهو لد الحمار. وأما بالنسبة إلى إعرابه: فقال سيبويه والخليل بن أحمد: هو اسم موضوع موضع المصدر الموضوع موضع المشتق؛ فهو منصوب على الحال؛ وكأنك، حين تقول: "جاء زيد وحده" قد قلت: جاء زيدا إيحادا؛ أي انفرادا؛ وأنت تريد: جاء زيد متوحدا؛ أي منفردا. وذهب يونس بن حبيب وهشام والكوفيون: إلى أنه منصوب على الظرفية، والتقدير في قولك: "جاء محمد وحده": جاء محمد لا مع غيره؛ وهؤلاء قاسوا "وحده" على مقابله؛ وهو قولهم: "قد جاء محمد وعلي معا". واختلفوا أيضا في صاحب الحال لـ "وحده" ففي قولهم: "رأيت زيدا وحده" يرى سيبويه أن صاحب الحال هو الفاعل؛ وقال ابن طلحة: هو حال من المفعول، وأجاز المبرد كلا الوجهين؛ والأرجح أن صاحب الحال في المثال المذكور المفعول؛ لأنه لو أراد نفسه؛ لقال: رأيت زيدا وحدي. انظر في هذه المسألة: شرح ابن عقيل: 2/ 249-252، وهمع الهوامع: 1/ 239-240، وشرح الأشموني: 1/ 244. 2 عوده: حال من الفاعل المستتر في رجع، وهو معرفة بإضافته إلى الضمير، ومؤول بالمشتق ومعناه: رجع عائدا في الحال، أو رجع على الطريق نفسه. ويروى برفع "عوده" على أنه مبتدأ والجار والمجرور بعده خبر، والجملة حال من الضمير في جاء. ويقال هذا: "الإنسان" عهد منه عدم الاستقرار على ما ينقل إليه، بل يرجع إلى ما كان عليه واختلف في رواية النصب اختلافا كثيرا. التصريح: 1/ 373، الكتاب لسيبويه: 1/ 391.

عائدا، و: "ادخلوا الأول فالأول"1، أي: مترتبين، و: "جاؤوا الجماء الغفير"2، أي: جميعا، و: "أرسلها العراك"3، أي: معتركة.

_ 1 "الأول" حال من الواو في "ادخلوا" و"الأول" الثاني معطوف بالفاء على سابقه، وهما معرفتان بـ "أل". الكتاب، لسيبويه: 1/ 398. 2 "الجماء" حال من الواو في جاءوا. والجماء: مؤنث الأجم بمعنى الكثير، وأنث باعتبار الموصوف المحذوف؛ أي: الجماعة الجماء؛ والغفير: من الغفر وهو الستر؛ أي الذي يستر ويغطي وجه الأرض؛ لكثرته؛ وهو صفة للجماء ولم يطابق -وإن كان بمعنى الفاعل حملا على فعيل بمعنى المفعول- أو باعتبار معنى الجمع. انظر شرح التصريح: 1/ 373. 3 أرسلها العراك: أي مزدحمة؛ وقد جاءت هذه الجملة في بيت للبيد العامري، يصف حمارا وحشيا أورد أتنه الماء لتشرب، وتمام البيت: فأوردها العراك ولم يذدها ... ولم يشفق على نغص الدخال والضمير في أوردها عائد إلى حمار الوحش، و"ها" عائد إلى أتنه؛ وأصل العراك: مصدر بمعنى ازدحام الإبل أو غيرها حين ورود الماء. لم يذدها: لم يمنعها ولم يطردها والنغص: -بفتح النون والغين- مصدر نغص الرجل: إذا لم يتم مراده؛ ونغص البعير؛ إذا لم يتم شربه؛ وموطن الشاهد هنا "العراك" فإنه جاء معرفا، وقد خرجه النحاة كما يلي: أ- إن هذا المصدر حال -مع مخالفة لفظه للأصل في الحال، من وجهين؛ كونه مصدرا؛ وكونه معرفة -وهو في التأويل وصف منكر- لأن المعنى: أرسلها معاركة. وهذا مذهب سيبويه. ب- إن "العراك" مفعول ثانٍ لـ "أرسل" بعد أن ضمن أرسل معنى "أورد"؛ وفعل أورد يتعدى إلى مفعولين؛ كما في قوله تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} فكأنه يريد: أوردها العراك: أي الازدحام، وأراد مكانه؛ وفي هذا التخريج تكلف ظاهر، وهو مذهب الكوفيين. ج- إن العراك "مصدر باق" على مصدريته، وهو مفعول مطلق مؤكد لعامله ومبين لنوعه معا؛ وذلك العامل يقدر وصفا منكرا، واقعا حالا من الضمير البارز المتصل العائد إلى الأتن، وكأنه قال: فأرسلها معتركة العراك، أي مزدحمة الازدحام المعهود. وانظر تفصيل هذه المسألة في حاشية الشيخ يس على التصريح: 1/ 373-374، وكتاب سيبويه: 1/ 372.

الرابع: أن تكون نفس صاحبها في المعنى1، فلذلك جاز: "جاء زيد ضاحكا" وامتنع: "جاء زيد ضحكا"2. وقد جاءت مصادر أحوالا، بقلة في المعارف، كـ: "جاء وحده"، و: "أرسلها العراك"3. وبكثرة في النكرات4، كـ: "طلع بغتة"، و: "جاء ركضا"، و: "قتلته صبرا"، وذلك على التأويل بالوصف5، أي: مباغتا، وراكضا، ومصبورا، أي: محبوسا.

_ 1 هذا الوصف معناه: أن تكون الحال وصفا لصاحبها؛ وخبرا عنه؛ والوصف نفس الموصوف، والخبر نفس المخبر عنه؛ ولهذا، جاز القول: جاء زيدا ضاحكا؛ لأن الضاحك هو زيد في المعنى. 2 لأن الضحك مصدر، وزيد ذات؛ والمصدر مباين للذات. 3 لكونه تنطوي على شذوذين؛ المصدرية والتعريف. 4 بغتة وركضا: حال من الفاعل؛ وصبرا: حال من المفعول؛ وهي مصادر؛ ونكرات في الوقت نفسه؛ ومعنى بغتة: فجأة، وركضا: عدوا، وقتل صبرا: أن يحبسه حيا، ثم يرمى حتى يقتل؛ وصبرا حال من مفعول قتلته. 5 وهذا على مذهب سيبويه والجمهور من النحاة؛ وحجتهم في ذلك: أن الحال كالخبر والصفة، وقد وقع كل منهما مصدرا منكرا كثيرا؛ فكذلك الحال. وذهب الأخفش والمبرد إلى أن مثل هذه المصادر منصوبة على المصدرية، والعامل فيها محذوف؛ أي: يبغت بغتة؛ ويركض ركضا؛ ويصبر صبرا؛ فالجملة من الفعل المحذوف مع المصدر الظاهر؛ هي الحال؛ لا المصدر؛ وكذلك الحال عند الكوفيين؛ غير أن الناصب له -عندهم- الفعل المذكور مؤولا من لفظ المصدر؛ أي بغت بغتة، وركض ركضا، وصبرا صبرا. وذهب بعضهم إلى أنها مصادر على حذف مضاف غير مصدر -هو الحال في الأصل- فلما حذف المضاف؛ ناب عنه المضاف إليه في الحالية؛ أي ذا بغتة؛ وذا ركض؛ وذا صبر. وقال بعضهم: هي مصادر على حذف مصادر؛ والتقدير: طلوع بغتة؛ ومجيء ركض، وقتل صبر. =

ومع كثرة ذلك فقال الجمهور: لا ينقاس مطلقا، وقاسه المبرد فيما كان نوعا من العامل1، فأجاز: "جاء زيد سرعة" ومنع: "جاء زيد ضحكا"، وقاسه الناظم وابنه بعد "أما" نحو2: "أما علما فعالم" أي: مهما يذكر شخص في حال علم فالمذكور عالم3، وبعد خبر شبه به مبتدؤه، كـ: "زيد زهير شعرا" أو قرن هو بأل الدال على الكمال، نحو: "أنت الرجل علما". [أصل صاحب الحال أن يكون معرفة ويأتي نكرة بمسوغ] : فصل: وأصل صاحب الحال التعريف ويقع نكرة بمسوغ4، كأن يتقدم

_ = وما ذهب إليه سيبويه والجمهور أفضل من ذلك كله؛ وإلى هذا أشار الناظم: ومصدر منكَّر حالا يقعْ ... بكثرة كبغتةً زيدٌ طلعْ والمعنى يقع المصدر النكرة حالا بكثرة؛ وذلك على خلاف الأصل؛ لأن الحال وصف، يدل على معنى صاحبه؛ والمصدر لا دلالة له على صاحب المعنى؛ وذلك مثل: زيد طلع بغتة؛ فبغتة مصدر نكرة؛ وهو منصوب على الحال، على النحو الذي فصل؛ وأما الذي سهل هذه المخالفة، فحمله على الإخبارية في مثل محمد عدل، والصفة في مثل: هذا ماء غور، وقد أشرنا إلى ذلك سابقا وانظر في هذه المسألة: همع الهوامع: 1/ 238، والأشموني: 1/ 245-246، وشرح التصريح: 1/ 374-375. 1 أي: مما يدل عليه عامله؛ فالسرعة في المثال نوع من المجيء. 2 أي: من كل تركيب وقع الحال فيه بعد "أما" الشرطية، في مقام قصد فيه الرد على من وصف شخصا بوصفين؛ وأنت تعتقد اتصافه بأحدهما دون الآخر. 3 ناصب الحال في هذا: فعل الشرط المحذوف؛ وهو "يذكر" وصاحبها" نائب الفاعل المرفوع، ويجوز أن يكون ناصبها ما بعد الفاء، وصاحبها الضمير المستكن فيه، وهي على هذا مؤكدة؛ والتقدير: مهما يكن من شيء فالمذكور عالم في حال علم؛ ويتعين الوجه الأول؛ إن كان ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها. ضياء السالك: 2/ 199-200. 4 من المسوغات: أن تكون الحال جملة مقرونة بالواو؛ وذلك لأن وجود الواو في صدر جملة الحال يمنع توهم كون الجملة صفة؛ لأن النعت لا يفصل بينه وبين منعوته بالواو، نحو قوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} وقيل: إن مجيء الحال من النكرة غير الموصوفة موقوف على السماع، ولا يجاوزه لا فيما ذكر من المسوغات ولا في غيره.

عليه الحال1، نحو: "في الدار جالسا رجل"، وقوله2: [مجزوء الوافر] 269- لِمَيَّة موحِشًا طَلَلُ3

_ 1 أي وتتأخر النكرة، وذلك قياسا على المبتدأ إذا تأخر. 2 القائل: هو كثير بن عبد الرحمن المعروف بكثير عزة، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: يلوحُ كَأَنَّهُ خِلَلُ وقد روي البيت برواية أخرى هي: لمية موحشا طلل قديم ... عفاه كل أسحم مستديم وهو بالرواية الأولى من شواهد: التصريح: 1/ 375، 2/ 120، والأشموني: "473/ 1/ 247" والكتاب لسيبويه: 1/ 276، ومجالس العلماء للزجاجي: 174، والخصائص: 2/ 492، وأمالي ابن الشجري: 1/ 26، وشرح المفصل: 2/ 50، والخزانة: 1/ 533 عرضا، والعيني: 3/ 163، والمغني: "132/ 118" "802/ 571" "119/ 568" وشرح السيوطي 85، 88، والشذور: "7/ 43". المفردات الغريبة: مية: اسم محبوبة الشاعر. موحشا: اسم فاعل من أوحش المنزل إذا خلا من أهله، والمراد: القفر الذي لا أنيس فيه. طلل: هو ما بقي شاخصا من آثار الديار. يلوح: يظهر ويلمع. خلل: جمع خلة: وهي بطانة منقوشة بالمعادن تغشى بها أجفان السيوف. المعنى: لقد أقفرت دار مية من أهلها، ودرست معالمها، ولم يبق منها إلا آثار بسيطة، تظهر للرأي وكأنه نقوش في البطائن التي تغشى بها أجفان السيوف. الإعراب: "لمية": متعلق بمحذوف خبر مقدم؛ ومية: اسم ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. موحشا: حال متقدم من "طلل" الواقع مبتدأ مؤخرا. "على مذهب سيبويه؛ الذي يجيز مجيء الحال من المبتدأ" والجمهور يرون أن صاحب الحال، هو الضمير المستكن في "الجار والمجرور" الواقع خبرا. طلل: مبتدأ مؤخر مرفوع، والفاعل: هو؛ وجملة "يلوح": في محل رفع صفة لـ "طلل". كأنه: حرف مشبه بالفعل، و"الهاء": في محل نصب اسمه. خلل: خبر، كأن، مرفوع، وجملة "كأنه خلل": في محل نصب من الضمير المستتر في "يلوح"؛ أي من الفاعل. موطن الشاهد: "موحشا". وجه الاستشهاد: وقوع "موحشا" حالا من "طلل" وهو نكرة، وسوغ ذلك تقدم الحال عليها؛ وهذا على رأي سيبويه -كما أسلفنا- وأما الجمهور: فيرون أن "موحشا" حال من الضمير المستكن في الخبر؛ وهذا الضمير معرفة -وإن كان مرجعه- المبتدأ؛ وهو نكرة، وعلى هذا، فلا شاهد فيه. ويرى بعضهم: أن النكرة "طلل" موصوفة بجملة "يلوح" فيكون المسوغ هنا وصف النكرة، لا تقدم الحال عليها. انظر شرح التصريح، وحاشية الشيخ يس: 1/ 375-376، وحاشية الصبان: 2/ 174-175.

أو يكون مخصوصا إما بوصف، كقراءة بعضهم: "وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقًا"1، وقول الشاعر2: [البسيط] 270- نَجَّيت يا رب نوحا واستجبت له ... في فُلُكٍ ماخِرٍ في اليم مشحونا3

_ 1 "2" سورة البقرة، الآية: 101. أوجه القراءات: القراءة المذكورة قراءة إبراهيم بن أبي عبلة. موطن الشاهد: "مصدقا". وجه الاستشهاد: مجيء "مصدقا" حالا من "كتاب"؛ لتخصصه بالوصف "الجار والمجرور" بعده؛ وفي هذا دلالة على جواز كون "مصدقا" حالا من الضمير المستكن في الجار والمجرور الذي انتقل إليه بعد حذف الاستقرار على ما صححه في باب المبتدأ. شرح التصريح: 1/ 376. 2 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 3 تخريج الشاهد: يروى بعد الشاهد قوله: وعاش يدعو بآيات مبينة ... في قومه ألف عام غير خمسينا والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 376، والأشموني: "475/ 1/ 247" وابن عقيل: "183/ 2/ 259"، والعيني: 3/ 149. المفردات الغريبة: نجيت: أنقذت وخلصت من الغرق. نوحا: هو أبو البشر الثاني بعد آدم. فلك: السفينة، للمفرد والجمع. ماخر: شاق عباب الماء، وهو اسم فاعل من مخرت السفينة، إذا شقت الماء فسمع لها صوت. اليم: البحر. مشحونا: مملوءا. الإعراب: يا رب: "يا" حرف نداء، رب: منادى مضاف منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة تخفيفا، اكتفاء بالكسرة؛ والياء: ضمير متصل في محل جر بالإضافة؛ وجملة "النداء": معترضة بين فعل نجيت وبين المفعول نوحا. "في فلك": متعلق بمحذوف حال من "نوح"؛ أو بـ "نجى". ماخر: صفة لـ "فلك". "في اليم": متعلق بـ "ماخر". مشحونا: حال من "فلك" منصوب. موطن الشاهد: "مشحونا". وجه الاستشهاد: مجيء "مشحونا" حالا من النكرة "فلك" والذي سوغ مجيئها من النكرة؛ أنها -أي النكرة- وصفت قبل مجيء الحال منها بـ "ماخر" كما أوضحنا في الإعراب؛ وحكم مجيء الحال -على هذا النحو- جائز باتفاق؛ لأن النكرة متى وصفت تخصصت ولم تعد مبهمة أو مجهولة كما كانت عليه قبل الوصف.

وليس منه: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} 1، خلافا للناظم وابنه، أو بإضافة، نحو: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً} 2، أو بمعمول، نحو: "عجبت من ضرب أخوك شديد"3 أو مسبوقا بنفي، نحو: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} 4، أو نهي نحو:

_ 1 "44" سورة الدخان، الآية: 4. موطن الشاهد: "أمرا". وجه الاستشهاد: أعرب ابن مالك وابنه "أمرا" حالا من "أمر" الأول؛ لوصفه بـ "حكيم" مع أنه مضاف إليه؛ وهما يقولان بعدم جواز مجيء الحال من المضاف إليه، إلا بشروط لم تتوافر هنا؛ كأن يكون المضاف بعض المضاف إليه، أو كبعضه؛ أو عاملا في الحال. وفي إعراب "أمرا" أقوال أخرى؛ منها: أ- أنه منصوب على الاختصاص بـ "أخص" محذوفا. ب- أنه مفعول لأجله. ج- أنه حال من كل؛ أو من فاعل "أنزلنا"؛ أو مفعوله؛ أي: آمرين به -أو مأمورا به. انظر شرح التصريح: 1/ 376-377. 2 "41" سورة فصلت، الآية: 10. موطن الشاهد: "سواء". وجه الاستشهاد: مجيء "سواء" حالا من أربعة؛ وهي نكرة؛ غير أنها مختصة بإضافتها إلى "أيام". 3 "شديدا" حال من "ضرب" النكرة؛ لاختصاصه بالعمل في الفاعل، وهو "أخوك". 4 "15" سورة الحجر، الآية: 4. موطن الشاهد: {وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} . وجه الاستشهاد: مجيء جملة "لها كتاب معلوم" حالا من "قرية" النكرة؛ لأنها مسبوقة بالنفي؛ وفيها مسوغ آخر؛ وهو اقتران الجملة الحالية بالواو -وإن خص بعضهم ذلك بالإيجاب- ومسوغ ثالث؛ وهو: وقوع "إلا" الاستثنائية قبلها؛ لأن الاستثناء المفرغ، لا يقع في النعوت.

لا يبغ امرؤ على امرئ مستسهلا1 وقوله1: [الكامل] 271- لا يركنَنْ أحد إلى الإحجامِ ... يوم الوغى متخوفا لحمام2

_ 1 هذا من كلام ابن مالك في الألفية؛ و"مستسهلا" حال من "امرؤ" الأول؛ مسبوق بنهي. 2 القائل: هو: أبو نعامة، قطري بن الفجاءة المازني الخارجي، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا أول أبيات أربعة رواها أبو علي القالي، ورواها أبو تمام، حبيب بن أوس، وهي: فلقد أراني للرماح دريئة ... من عن يمين مرة وأمامي حتى خضبت بما تحدر من دمي ... أكتاف سرجي أو عنان لجامي ثم انصرفت وقد أصبت ولم أُصَبْ ... جَذَعَ البصيرة قارع الإقدام والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 377، والأشموني: "477/ 1/ 247"، وابن عقيل: "186/ 2/ 262"، وهمع الهوامع: 1/ 240، والدرر اللوامع: 1/ 200، والعيني: 3/ 150، وأمالي القالي: 2/ 190، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: 136. المفردات الغريبة: الركون: الميل. الإحجام: النكوص والتأخر، وهو مصدر أحجم عن الشيء، إذا نكص عنه ولم يقدم عليه. الوغى: الحرب، وأصله الجلبة والصياح، وأطلق على الحرب لما فيها من ذلك. الحمام: الموت. المعنى: لا يسوغ لأحد أن يفكر في التأخر والتخلف وعدم الإقدام وقت الحرب خوفا من الموت؛ فإن ذلك عار، لا يليق بالرجال، ومعلوم أنه لكل أجل كتاب. الإعراب: لا: ناهية جازمة. يركنن: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، في محل جزم بـ "لا" الناهية، ونون التوكيد الخفيفة: حرف مبني على السكون: لا محل له من الإعراب. أحد: فاعل مرفوع. "إلى الإحجام": متعلق بـ "يركن". "يوم": متعلق بـ "يركن" أيضا، وهو مضاف. الوغى: مضاف إليه. متخوفا: حال منصوب من قوله "أحد"؛ أي من الفاعل. "لحمام": متعلق بـ "متخوفا" الواقع حالا. موطن الشاهد: "متخوفا". وجه الاستشهاد: مجيء "متخوفا" حالا من قوله "أحد"؛ وهو نكرة؛ والذي سوغ مجيء الحال من النكرة، وقوع هذه النكرة بعد النهي، الذي هو شبيه بالنفي، وحكم وقوع الحال -هنا- الجواز باتفاق.

أو استفهام، كقوله1: [البسيط] 272- يا صاح هل حم عيش باقيا فترى2

_ 1 القائل: رجل من طيء لم يسمه ابن مالك. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: لنفسك العذر في إبعادها الأملا؟ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 377، والأشموني: "478/ 1/ 247"، وابن عقيل: "185/ 2/ 261"، والهمع: 1/ 240، والدرر: 1/ 201، والعيني: 3/ 153. المفردات الغريبة: يا صاح: يا صاحبي، فرخم بحذف الباء، واكتفي بالكسرة للدلالة على ياء المتكلم. حم: قدر وقُضِي. عيش "المراد هنا": الحياة. باقيا: دائما لا يفنى ولا يزول. المعنى: يخاطب الشاعر صاحبا له مستنكرا: أخبرني هل قدر للإنسان حياة دائمة في هذه الدنيا، فيكون لك العذر في تلك الآمال البعيدة، والتكالب على جمع حطام الدنيا الغادرة الفانية؟! الإعراب: يا: حرف نداء، لا محل له من الإعراب. صاح: منادى مرخم، وأصله: يا صاحب، فإن قدر منقطعا عن الإضافة؛ فهو مبني على ضم الحرف المحذوف؛ للترخيم، في محل نصب؛ وصاح: مرخم صاحب على غير قياس لأنه غير علم. هل: حرف استفهام، لا محل له من الإعراب؛ وهو -هنا- يفيد الإنكار. حم: فعل ماضٍٍ مبني للمجهول، مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب. عيش: نائب فاعل مرفوع. باقيا: حال منصوب من "عيش" الواقع نائب فاعل، لفعل "حم" المسبوق بالاستفهام الإنكار. فترى: الفاء فاء السببية، لا محل لها من الإعراب، ترى: فعل مضارع منصوب بـ "أن" المضمرة وجوبا بعد فاء السببية، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف، والفاعل: أنت. "لنفسك": متعلق بـ "ترى"، والكاف: مضاف إليه، وهو في موضع المفعول الثاني. العذر: مفعول به أول منصوب لـ "ترى". "في إبعادها": متعلق بـ "العذر"، و"ها": في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر إلى فاعله؛ فلهذا الضمير محلان من الإعراب؛ الجر بالإضافة، والرفع على الفاعلية. الأملا: مفعول به منصوب للمصدر، والألف: للإطلاق. موطن الشاهد: "باقيا". وجه الاستشهاد: وقوع "باقيا" حالا من "عيش" وهو نكرة، وسوغ ذلك وقوع النكرة بعد الاستفهام، وهو شبيه بالنفي، ومن المسوغات لمجيء الحال؛ أن تكون الحال جملة مقرونة بالواو؛ لأن وجود الواو في صدر الجملة يمنع توهم كونها صفة؛ نحو قوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} ؛ ومن المسوغات أيضا؛ أن تشترك النكرة مع معرفة في الحال؛ نحو: هؤلاء صبية ومحمد مسافرين. ضياء السالك: 2/ 203، وحاشية الصبان: 2/ 176.

[قد يقع نكرة بغير مسوغ] : وقد يقع1 نكرة بغير مسوغ، كقولهم: "عليه مائة بيضا"2، وفي الحديث: "وصلى وراءه رجال قياما"3. [للحال مع صاحبها ثلاث حالات] : فصل: وللحال مع صاحبها ثلاث حالات: إحداها: وهي الأصل: أن يجوز فيها أن تتأخر عنه وأن تتقدم عليه، كـ: "جاء زيد ضاحكا"، و: "ضربت اللص مكتوفا" فلك في: "ضاحكا" و: "مكتوفا" أن تقدمها على المرفوع والمنصوب.

_ 1 ذهب أبو حيان إلى أن مجيء الحال من النكرة كثير مقيس، ونقل ذلك عن سيبويه، والعلماء ينقلون القول بعدم جواز القياس على ذلك عن الخليل ويونس. همع الهوامع: 1/ 240. 2 "بيضا" جمع أبيض، حال من مائة، ولا يصح أن يكون تمييزا لأن تمييز المائة لا يكون جمعا، وهذا المثال رواه سيبويه عن العرب، والمراد أن المائة دراهم لا دنانير ولا غيرها؛ لأن الدراهم من الفضة وهي بيضاء. الكتاب لسيبويه: 2/ 112/ 159. 3 تخريج الحديث: الحديث رواه الإمام مالك بن أنس في الموطأ على النحو التالي: "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- -قاعدا، وصلى وراءه رجال قياما"؛ وربما كان اللفظ المروي من كلام راوي الحديث، كما لم يحتجوا بالحديث عامة؛ لأن الرواة قد أجازوا الرواية بالمعنى؛ وفي رأيهم مغالاة؛ لأن رواة الحديث أوثق من رواة الشعر؛ فالأولى الاحتجاج بالحديث. موطن الشاهد: "قياما". وجه الاستشهاد: مجيء الحال "قياما" من النكرة "رجال" بلا مسوغ، وقد اختلف النحاة، في مجيء الحال من النكرة، بلا مسوغ، أمقيس؟ أو مقصور على السماع؟، فذهب سيبويه إلى الأول، وذهب إلى الثاني الخليل ويونس.

الثانية: أن تتأخر عنه1 وجوبا، وذلك كأن تكون محصورة، نحو: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} 2، أو يكون صاحبها مجرورا3: إما بحرف جر غير زائد، كـ: "مررت بهند جالسة"، وخالف في هذه الفارسي وابن جني وابن

_ 1 من المواضع التي يجب فيها تأخير الحال عن صاحبها أن تكون الحال جملة مقترنة بالواو، نحو "جاء زيد والشمس طالعة"؛ فلا يجوز أن نقول في هذا المثال: جاء والشمس طالعة زيد؛ وذلك لأن الأصل في الواو أن تكون للعطف، ولا يجوز عندما تكون عاطفة تقديمها على المعطوف عليه، فراعوا في واو الحال ما راعوه في واو العطف. حاشية يس على التصريح: 1/ 378. 2 "6" سورة الأنعام، الآية: 8. موطن الشاهد: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "مبشرين" و"منذرين" حالين من "المرسلين"، ولا يجوز تقديمها على "المرسلين"؛ لأنهما محصوران، ويجب تأخير المحصور؛ لأن تقديمه يؤدي إلى عكس المعنى البلاغي المراد من الحصر. 3 للنحاة في جواز تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف جر أصلي: أ- ذهب ابن مالك، وأبو علي الفارسي، وابن برهان، وابن كيسان، وابن جني، وابن ملكون وبعض المغاربة إلى أن تقدم الحال على صاحبها المجرور بحرف جر أصلي جائز مطلقا. ب- وذهب جمهور البصريين إلى أن ذلك لا يجوز مطلقا. ج- وأجاز الكوفيون تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف جر أصلي في ثلاث مسائل: الأولى: أن يكون المجرور ضميرا؛ نحو: مررت بك ضاحكة، فإنه يجوز لك القول. مررت ضاحكة بك. الثانية: أن يكون المجرور أحد اسمين، عطف ثانيهما على المجرور؛ نحو قولك: "مررت بزيد وعمرو مسرعين"؛ فإنه يجوز القول: "مررت مسرعين بزيد وعمرو". الثالثة: أن يكون الحال جملة فعلية؛ نحو: "مررت بهند تضحك"، فإنه يجوز القول: "مررت تضحك بهند"، ومنعوه فيما سوى ذلك. وأما بالنسبة إلى المجرور بحرف جر زائد، فإن النحاة -جميعا- متفقون على جواز تقديم الحال على صاحبها المجرور به؛ نحو: "ما جاءني من أحد مبشرا" فإنه يجوز لك في هذا المثال أن تقول: ما جاءني مبشرا من أحد؛ وجاز ذلك؛ لأن المجرور بحرف الجر الزائد -عند التحقيق- فاعل أو مفعول. وانظر في تفصيل هذه المسألة: همع الهوامع: 1/ 241، وشرح التصريح: 1/ 378-379، وحاشية الصبان: 2/ 176-178.

كيسان1؛ فأجازوا التقديم، قال الناظم: وهو الصحيح؛ لوروده كقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} 2، وقول الشاعر3: [الطويل] 273- تسليت طرا عنكم بعد بينكم4

_ 1 مرت ترجمة لكل منهم؛ وحجتهم: أن المجرور بالحرف مفعول به في المعنى، وتقديم حال المفعول به عليه غير ممنوع، وكذلك الحال هنا. 2 "34" سورة سبأ، الآية: 38. موطن الشاهد: {كَافَّةً لِلنَّاسِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "كافة" بمعنى جميعا -حالا من المجرور "الناس"؛ وقد تقدم عليه؛ وحكم تقدمه -في هذه الحالة- الجواز، كما أسلفنا. 3 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: بذكراكم حتى كأنكم عندي وهو من شواهد: التصريح: 1/ 379، والأشموني: "479/ 1/ 248"، والعيني: 3/ 160. المفردات الغريبة: تسليت: تصبرت وتكلفت السلوان. طرا: أي جميعا. بينكم: فراقكم وبعدكم. المعنى: تسليت، وشغلت نفسي عنكم جيمعا -بعد بعدكم عني- بذكراكم الطيبة التي لا تنسى، وكنتم بذلك كأنكم ماثلون أمامي، ولم تفارقوني. الإعراب: تسليت: فعل ماضٍ، والتاء فاعل. طرا: حال منصوب من الضمير المجرور بـ "عن"، وقد تقدم عليه؛ ولا تأتي "طرا" إلا حالا. "عنكم": متعلق بـ "تسليت". "بعد": متعلق بـ "تسليت" أيضا، هو مضاف. بينكم: مضاف إليه، وهو مضاف، والكاف: مضاف إليه، والميم: حرف عماد؛ أو و"كم": مضاف إليه. "بذكراكم": متعلق بـ "تسلى"، وذكرى: مضاف، و"كم" مضاف إليه. حتى: حرف ابتداء، لا محل له من الإعراب. كأنكم: حرف مشبه بالفعل، و"كم" ضمير متصل في محل نصب اسم "كأن". "عندي": متعلق بمحذوف خبر "كأن"، وعند مضاف، و"الياء": مضاف إليه. موطن الشاهد: "طرًا". وجه الاستشهاد: مجيء "طرا" حالا من كاف المخاطب في "عنكم" المجرور محلا =

والحق أن البيت ضرورة، وأن {كَافةً} حال من الكاف1، والتاء للمبالغة، لا للتأنيث2، ويلزمه تقديم الحال المحصورة، وتعدي "أرسل" باللام، والأول

_ = بـ "عن"؛ وقد تقدم الحال على صاحبه المجرور؛ وحكم تقدمه الجواز كما أسلفنا -على رأي الفارسي ومن تبعه- وأما الجمهور، فلا يجيزون ذلك، ورد عليه ابن مالك في ألفيته: وسبق حال ما بحرف جر قد ... أبوا، ولا أمنعه؛ فقد ورد وقد بينا القول في ذلك من قبل، وأثبت ابن مالك في شرح التسهيل التقديم، بقوله: "وجواز التقديم هو الصحيح؛ لِوروده في الفصيح؛ لِقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} فـ "كافة" -على هذا- حال من "الناس"، المجرور باللام، وقد تقدم الحال على صاحبه "المجرور"؛ وأما الأمثلة الشعر العربي فكثيرة؛ منها قول عبد الرحمن بن حسان: إذا المرء أعيته المروءة ناشئا ... فمطلبها كهلًا عليه شديدُ فـ "كهلا" حال من "الهاء" المجرور محلا بـ "على" في قوله: "عليه" وقد تقدم الحال على صاحبه المجرور. بحرف جر أصلي. ومنها قول عروة بن حزام، أو كثير، ونسب إلى المجنون: لئن كان برد الماء هيمان صاديا ... إلي حبيبا إنها لحبيب فـ "هيمان، وصاديا" حالان من "الياء" المجرور محلا بـ "إلى" في قوله: "إلي"؛ وقد تقدم الحال على صاحبه المجرور بحرف جر أصلي، كما هو واضح. وحملوا على ذلك، قوله تعالى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} فأعربوا "على قميصه": جارا ومجرورا متعلقا بمحذوف حال من دم" المجرور بالباء؛ وفي هذا تقدم للحال؛ كما هو واضح؛ وأما الزمخشري فأعرب "على قميصه" في محل نصب على الظرفية، وكأنه قيل: وجاءوا فوق قميصه بدم كذب، وأعرب هذا الإعراب فرارا من تقديم الحال على صاحبها المجرور، وخالفه العلماء في ذلك. حاشية يس على التصريح: 1/ 379 وحاشية الصبان: 2/ 177-178. 1 ذكر هذا التخريج الزجاج، ولم يرتضه ابن مالك، وعلل رده بأن مجيء التاء للمبالغة سماعي في أمثلة المبالغة مثل علامة، وإن جاءت في بعض أمثلة اسم الفاعل مثل راوية فهو شاذ لا يقاس عليه، والمعروف أنه لا يجوز حمل الفصيح على الشاذ خصوصا إذا وجد له محمل آخر لا شذوذ فيه. التصريح: 1/ 379. 2 جعل الزمخشري "كافة" صفة لموصوف محذوف، وتقدير الكلام: وما أرسلناك إلا إرسالة كافة، ورد هذا التخريج بوجهين، الأول: أن كلمة "كافة" لا تستعمل في الكلام العربي إلا حالا، فجعلها صفة ينافي ما ثبت لها من ذلك. والوجه الثاني: أن حذف الموصوف وإقامة صفته مقامه إنما عهد في صفة اعتيد استعمالها مع هذا الموصوف، و"كافة مع إرسالة ليس من هذا الباب. مغني اللبيب: 733، والتصريح: 1/ 379.

ممتنع، والثاني خلاف الأكثر1. وإما بإضافته2، كـ: "أعجبني وجهها مسفرة". وإنما تجيء الحال من المضاف إليه إذا كان المضاف بعضه كهذا المثال، وكقوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا} 3، {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} 4، أو كبعضه نحو: {مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} 5، أو عاملا في الحال، نحو: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} 6، و: "أعجبني انطلاقك منفردا" و: "هذا

_ 1 هذا الادعاء غير مسلَّم به، فقد صرح البصريون والكسائي والفراء وابن الأنباري بجواز تقديم المفعول المحصور، ولا فرق بينه وبين الحال، وأما تعدي "أرسل" باللام، فقد ورد في قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} . التصريح: 1/ 379-380. 2 إذا كانت الإضافة محضة لزم تأخير الحال باتفاق. وإن كانت غير محضة، نحو: "هذا شارب السويق ملتوتا الآن أو غدا"، جاز التقديم عند الناظم، وأنكره ابنه. التصريح: 1/ 380. 3 "15" سورة الحجر، الآية: 47. موطن الشاهد: {إِخْوَانًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "إخوانا" حالا من المضاف إليه "هم"؛ والصدور بعضه؛ وحكم مجيئه -على هذه الحالة- الجواز، كما أسلفنا. 4 "49" سورة الحجرات، الآية: 12. موطن الشاهد: {مَيْتًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "ميتا" حالا من "الأخ" المضاف إليه "اللحم" واللحم بعض الأخ؛ فحكم مجيئه هنا الجواز أيضا، كما في الآية السابقة. 5 "16" سورة النحل، الآية: 123. موطن الشاهد: {حَنِيفًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "حنيفا" حالا من "إبراهيم" المضاف إلى الملة؛ والملة كبعضه في صحة حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه. 6 "10" سورة يونس، الآية: 4. موطن الشاهد: {جَمِيعًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "جميعا" حالا من "كم" المضاف إليه، ومرجع: مصدر ميمي بمعنى الرجوع؛ وهو عامل النصب في الحال؛ ومثله: أعجبني انطلاقك منفردا.

شارب السويق ملتوتا"1. الثالثة: أن تتقدم عليه وجوبا، كما إذا كان صاحبها محصورا2، نحو: "ما جاء راكبا إلا زيد".

_ 1 موطن الشاهد: "ملتوتا". وجه الاستشهاد: مجيء "ملتوتا" حالا من السويق المضاف إليه، وشارب: اسم فاعل، عامل النصب في الحال. والسويق: ما يتخذ من القمح والشعير، والملتوت: من لت السويق؛ سحقه وبله وبسه بالماء. فائدة: لم يجز تقدم الحال على صاحبها المجرور بالإضافة؛ لأنها لو تقدمت على صاحبها؛ لوقعت إما بين المضاف والمضاف إليه؛ ومعلوم أن المضاف والمضاف إليه كالكلمة الواحدة؛ فلا يجوز الفصل بينهما؛ وإما أن تقع قبل المضاف، فيتقدم ما يتعلق بالمضاف إليه على المضاف؛ ومعلوم أن منزلة المضاف يتعرف بالمضاف إليه؛ فلما تشابهت منزلتاهما، أخذ المضاف والمضاف إليه حكم الصلة والموصول؛ وواضح أن حكم الصلة مع الموصول ألا يتقدم بعض معمولاتها على الموصول؛ فكذلك الحال هنا؛ فلا يتقدم ما يتعلق بالمضاف إليه على المضاف. شرح التصريح: 1/ 380-381. فائدة: اختلف النحاة في مجيء الحال من المضاف إليه في غير المسائل الثلاث السابقة؛ فذهب أبو علي الفارسي إلى الجواز -نقله عنه ابن الشجري في أماليه- وادعى ابن مالك الإجماع على أنه لا يجوز مجيء الحال من المضاف إليه في غير المسائل الثلاث المذكورة. انظر شرح الأشموني: 1/ 250-251. توجيه: ذكر بعض النحاة من المواضع التي يجب فيها تأخير الحال عن صاحبها: أن يكون الصاحب منصوبا بكأن أو ليت، أو لعل، أو بفعل تعجب، أو بصلة حرف مصدري نحو: سرني أن أكرمت الفقير محتاجا أو يكون ضميرا متصلا بصلة "أل" نحو: الود أنت المستحقه خالصا. أو يكون الحال جملة مقترنة بالواو نحو: جاء محمد والقوم مستعدون للرحيل. همع الهوامع: 1/ 240-241. 2 وبعض النحاة يجيز تقديم المحصور بإلا كما سبق في الفاعل. ومن مواضع وجوب التقديم أيضا: أن يكون صاحبها مضافا إلى ضمير يعود على شيء وله صلة وعلاقة بالحال نحو: جاء زائرا فاطمة أبوها. همع الهوامع: 1/ 241.

[للحال مع عاملها ثلاث حالات] : فصل: وللحال مع عاملها ثلاث حالات أيضا1: إحداها: وهي الأصل: أن يجوز فيها أن تتأخر عنه وأن تتقدم عليه، وإنما يكون ذلك إذا كان العامل: فعلا متصرفا2، كـ: "جاء زيدٌ راكبا"، أو صفة تشبه الفعل المتصرف3، كـ: "زيد منطلق مسرعا"، فلك في: "راكبا" و: "مسرعا" أن تقدمها على: "جاء" وعلى: "منطلق"، كما قال الله تعالى: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ} 4، وقالت العرب: "شتى تؤوب الحلبة"5، أي: متفرقين يرجع الحالبون، وقال الشاعر:

_ 1 عامل النصب في الحال: إما لفظي كالمصدر، والفعل المشتق، والوصف العامل كاسم الفاعل ونحوه، وإما معنوي؛ كأسماء الإشارة، وألفاظ الاستفهام، وبعض الحروف والأدوات التي سيأتي ذكرها. وما ذكره المؤلف من جواز تقديم الحال على عاملها في الحالات التي ذكرها، وبالأدلة التي استشهد بها؛ هو مذهب البصريين. وذهب الجرمي إلى أنه لا يجوز تقديم الحال على عاملها مطلقا، وذهب الأخفش إلى أنه لا يجوز تقدم الحال على عاملها إذا فصل بين العامل والحال بفاصل نحو: زيد جاء راكبا، ويجوز عندهما أن نقول في هذا المثال: راكبا زيد جاء، ومن هنا يظهر السر في استدلال المؤلف بالآية الكريمة التي ترد على الأخفش، وأما المثل والبيت فيردان على الجرمي. التصريح: 1/ 381، همع الهوامع: 241/ 242. 2 بأن يقع ماضيا ومستقبلا وحالا، شرط ألا يعرض له ما يمنع تقديم الحا لعليه: كاقترانه بلام الابتداء أو القسم؛ نحو: إن محمدا ليقوم طائعا ولأصبرن محتسبا. أو وقوعه صلة لحرف مصدري، أو لـ "أل" نحو: لك أن تنتقل متريضا، وأنت المصلي فذًّا. 3 هي اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة، ووجه الشبه تضمن معنى الفعل وحروفه، وقبول العلامات الدالة على الفرعية مطلقا؛ كالتثنية والجمع والتأنيث. 4 "54" سورة القمر، الآية: 7. موطن الشاهد: {خُشَّعًا} . وجه الاستشهاد: وقوع "خشعا" حالا من الواو في "يخرجون"؛ وقد تقدم على عامله الفعل، كما هو واضح؛ ويجوز أن يكون "خشعا" صفة لمفعول محذوف لـ "يكون"؛ والتقدير: يدعو الداعي قوما خشعا أبصارهم. 5 هذا مثل من أمثال العرب ذكره الميداني في مجمعه: 1/ 358 "برقم: 1914"، =

نجوت وهذا تحملين طليق1 فـ: "تحملين" في موضع نصب على الحال، وعاملها: "طليق" وهو صفة مشبهة. الثانية: أن تتقدم عليه وجوبا، كما إذا كان لها صدر الكلام، نحو: "كيف جاء زيد"؟ الثالثة: أن تتأخر عنه وجوبا، وذلك في ست مسائل2: وهي أن يكون العامل فعلا جامدا، نحو: "ما أحسنه مقبلا"3، أو صفة تشبه الفعل الجامد، وهو اسم التفضيل، نحو: "هذا أفصح الناس خطيبا"4، أو مصدرا مقدرا بالفعل وحرف مصدري، نحو: "أعجبني اعتكاف أخيك صائما"5، أو اسم فعل، نحو: "نزال

_ = يقولونه عندما يريدون أن يعبروا عن اختلاف الناس في الأخلاق مع أن أصلهم واحد. فشتى: جمع "شتيت"؛ أي: متفرق، تؤوب: ترجع، الحلبة: جمع حالب، وأصله: أن أصحاب الإبل والبقر وسائر النعم عندما يريدون أن يردوا الماء ليسقوا نعمهم، يردون مجتمعين وعندما يريدون أن يحلبوا ماشيتهم يحلبونها متفرقين، فيحلب كل واحد منهم ماشيته على حدة. انظر شرح التصريح: 1/ 381. موطن الشاهد: "شتى تؤوب الحلبة". وجه الاستشهاد: وقوع "شتى" حالا من "الحلبة" وقد تقدمت على عاملها "تؤوب؛ وهو فعل متصرف؛ وحكم تقدم الحال -هنا- الجواز". 1 تقدم ذكر الشاهد والتعليق عليه. موطن الشاهد: "تحملين". وجه الاستشهاد: مجيء جملة "تحملين" في محل نصب على الحال من فاعل "طليق" المستتر فيه؛ وعامل الحال: "طليق" وهو صفة مشبهة؛ وقد قدمت عليه؛ والتقدير: أي هذا طليق حال كونه محمولا لك؛ وحكم تقديم الحال هنا الجواز، كما أشار ابن مالك بقوله: فجائزٌ تقديمُه كـ "مسرعا" ... ذا راحل، ومخلصا زيد دعا 2 مر ذكر هذه المسائل الست، ووجه ذكرها هنا؛ أنها تجمع أمرين: التأخر عن صاحبها، والتأخر عن عاملها. 3 "مقبلا": حال من الهاء في أحسنه. وهو واجب التأخير عن العامل لأنه غير متصرف في نفسه، فلا يتصرف في معموله بالتقدم عليه. 4 "خطيبا" حال من فاعل "أفصح" المستتر فيه. 5 "صائما" حال من أخيك، والفاعل فيه المصدر الذي يمكن تقديره بأن والفعل، ومعمول هذا المصدر لا يتقدم عليه كمعمول اسم الفعل. أما إذا كان العامل مصدرا نائبا عن فعله المحذوف وجوبا، فيجوز تقدم الحال، نحو: إكراما فاطمة مجدة.

مسرعا"، أو لفظا مضمَّنا معنى الفعل دون حروفه، نحو: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً} 1، وقوله2: [الطويل] 274- كأن قلوب الطير رطبا ويابسا3

_ 1 "27" سورة النمل، الآية: 52. موطن الشاهد: {خَاوِيَةً} . وجه الاستشهاد: وقوع "خاوية" حالا من "بيوتهم"، والعامل فيه اسم الإشارة "تلك" وفيه معنى الفعل؛ شرح التصريح: 1/ 382. فائدة: ذهب السهيلي إلى أن الاسم الإشارة لا يعمل، وإنما العامل فعل محذوف تقديره: انظر إليها خاوية. 2 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: لدى وكرها العناب والحشف البالي وهذا البيت من قصيدته المشهورة والتي مطلعها: ألا عم صباحا أيها الطلل البالي ... وهل يعمن من كان في العصر الخالي والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 382، والمصون لأبي أحمد العسكري: 66، والمنصف لابن جني: 2/ 117، ودلائل الإعجاز للجرجاني: 66، 339، وأسرار البلاغة: 220، 227، والعيني: 3/ 216، ومعاهد التنصيص: 1/ 161، والمغني: "399/ 288" "730/ 513" "807/ 573" وشرح السيوطي: 203، 277، وديوان امرئ القيس: 38. المفردات الغريبة: وكرها: الوكر عش الطائر حيث كان، في شجر أو جبل. العناب: نوع من الفاكهة تشبه به أنامل الحسان المخضوبة بالحناء. الحشف: أراد التمر. المعنى: يصف الشاعر تلك العقاب بأنها كثيرة الاصطياد للطير، ويرى عند عشها من قلوب الطير؛ بعضها لا يزال رطبا؛ فهو كالعناب، وبعضها قد جف؛ فأضحى كأردأ التمر. الإعراب: كأن: حرف مشبه بالفعل. قلوب: اسم "كأن" منصوب، وهو مضاف. الطير: مضاف إليه مجرور. رطبا: حال من اسم "كأن" منصوب، ويابسا: الواو عاطفة. يابسا: اسم معطوف على اسم "كأن" منصوب مثله. "لدى": متعلق بمحذوف حال من "قلوب الطير"، وهو مضاف. وكرها: "وكر" مضاف إليه، و"ها" مضاف إليه ثانٍ. العناب: خبر "كأن" مرفوع. والحشف: الواو عاطفة، الحشف: اسم معطوف =

وقولك: "ليت هندا مقيمة عندنا" أو عاملا آخر عرض له مانع، نحو: "لأصبر محتسبا" و: "لأعتكفن صائما" فإن ما في حيز لام الابتداء ولام القسم لا يتقدم عليهما1. ويستثنى من أفعل التفضيل ما كان عاملا في حالين لاسمين متحدي المعنى أو مختلفين، وأحدهما مفضل على الآخر؛ فإنه يجب تقديم حال الفاضل، كـ: "هذا بسرا أطيب منه رطبا"، وقولك: "زيد مفردا أنفع من عمرو مُعَانًا"2. ويستثنى من المضمن معنى الفعل دون حروفه: أن يكون ظرفا أو مجرورا مخبرا بهما، فيجوز بقلة توسط الحال بين المخبر عنه والمخبر به، كقوله3: [الطويل]

_ = على "العناب": مرفوع مثله. البالي: صفة للحشف مرفوع بضمة مقدرة على الياء؛ منع من ظهورها الثقل. موطن الشاهد: "رطبا ويابسا". وجه الاستشهاد: وقوع "رطبا ويابسا" حالين من "قلوب الطير" والعامل في الحالين، وصاحبهما "كأن" ومعناه أشبه؛ فهو متضمن معنى الفعل من دون حروفه؛ ولا يجوز تقديم الحال على عاملها في مثل هذا. فائدة: يجوز في الضمير العائد إلى جمع التكسير التذكير والتأنيث؛ ولهذا جاز مجيء "ربطا ويابسا" بالتذكير. 1 لأن لهما الصدارة؛ فلا يعمل ما بعدهما في شيء قبلهما، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك. واللام في "لأصبر" للابتداء، وفي "لأعتكفن" للقسم. 2 "مفردا" حال من الضمير المستتر في "أنفع" الراجح إلى زيد، ومُعانًا حال من "عمرو" والعامل في الحالين "أنفع"، وكان القياس في هذا وما قبله وجوب تأخر الحالين عن "أفعل" لكنهم اغتفروا تقدم الحال الفاضلة، فرقا بين المفضل والمفضل عليه إذ لو أخرا لحصل لبس. وصاحبا الحالين في المثال الأول متحدان في المعنى، وفي الثاني مختلفان. وهذا التقدير الذي ذكره المصنف، هو تقدير سيبويه وارتضاه المازني وأبو علي الفارسي في التذكرة وابن كيسان وابن جني. ويرى المبرد والزجاج والفارسي في الحلبيات، والسيرافي؛ أن الناصب لهذين الحالين "كان" محذوفة، وصاحب الحال هو الضمير المستتر في "كان". التصريح: 1/ 383-382، وهمع الهوامع: 1/ 242-243. 3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

275- بنا عاذ عوف وهو بادي ذلة ... لديكم.....................1 وكقراءة بعضهم: "مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةً لِذُكُورِنَا"2، وكقراءة

_ 1 تخريج الشاهد: هذا جزء من بيت، وهو بتمامه: بنا عاذ عوف وهو بادي ذلة ... لديكم، فلم يعدم ولاء ولا نصرا وهو من شواهد: التصريح: 1/ 385، والأشموني: "488/ 1/ 252" والعيني: 3/ 172. المفردات الغريبة: عاذ: اعتصم والتجأ. عوف: اسم رجل. بادي ذلة: ظاهر المهانة. يعدم: يفقد. ولاء: موالاة ومناصرة. نصرا: إعانة. المعنى: التجأ إلينا عوف، واستعان بنا، وقد ظهر عليه الهوان والمذلة وهو مقيم عندكم، فأقلنا عثرته، ونصرناه، وقدمنا له العون والمساعدة. الإعراب: "بنا": متعلق بـ "عاذ". عاذ: فعل ماضٍ: فاعل مرفوع. وهو: الواو حالية، هو: ضمير منفصل، في محل رفع مبتدأ. بادي: حال من الضمير المستقر في خبر المبتدأ "لديكم" الآتي؛ وبادي: مضاف. ذلة: مضاف إليه مجرور. "لديكم" ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر المبتدأ "هو"، ولدى: منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف المنقلبة ياء، منع من ظهورها التعذر، ولدى: مضاف، و"كم": مضاف إليه. فلم: الفاء عاطفة، لم: نافية جازمة. يعدم: فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه السكون، والفاعل: هو، يعود إلى عوف. ولاء: مفعول به لِيعدم منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. ولاء: الواو عاطفة، لا: زائدة لتأكيد النفي. نصرا: معطوف على قوله "ولاء" منصوب مثله. موطن الشاهد: "بادي ذلة". وجه الاستشهاد: مجيء "بادي" حالا من ضمير الظرف "لديكم" المنتقل إليه من متعلقه كما هو معلوم؛ وقد تقدم الحال على عامله "الظرف" مع توسطه بين المخبر عنه والخبر، ولو جعل "بادي" حالا من "هو" على رأي سيبويه الذي يجيز مجيء الحال من المبتدأ لم يكن في البيت الشاهد المطلوب؛ وما ذكره المؤلف والناظم تبعا فيه قول الأخفش والفراء، بينما يرى الجمهور -مجيئه- على هذه الحال - ضرورة من ضرورات الشعر. انظر شرح التصريح: 1/ 384، وحاشية الصبان: 2/ 182. 2 "6" سورة الأنعام، الآية: 139. أوجه القراءات: قرأ "خالص" بالرفع عبد الله، وابن جبير، وأبو العالية، والضحاك، وابن أبي عبلة، والأعمش؛ وقرأ "خالصا" -بالنصب- ابن جبير. وقرأ "خالصة" -بالتأنيث والنصب- ابن عباس والأعرج، وقتادة. وقرأ "خالصة" -بالتأنيث والرفع =

الحسن1: "وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٍ بِيَمِينِهِ"2، وهو قول الأخفش، وتبعه الناظم. والحق أن البيت ضرورة، وأن: "خالصة"3 و: "مطويات" معمولان لصلة: "ما"، ولـ: "قبضته"، وأن "السموات" عطف على ضمير مستتر في: "قبضته" لأنها

_ = أبو رزين، وعكرمة، وابن يعمر، وأبو حيوة وغيرهم. انظر: معاني القرآن: 1/ 358، والقرطبي: 7/ 96، ومجمع البيان: 2/ 372، والبحر المحيط: 4/ 231. موطن الشاهد: "خالصةً". وجه الاستشهاد: مجيء "خالصة" -على هذه القراءة- حالا من الضمير المنتقل إلى الجار والمجرور؛ وهو "لذكورنا" وقد تقدمت على عاملها، وتوسطت بين المخبر عنه؛ وهو "ما" الموصولة، والخبر؛ وهو "لذكورنا" و"ما" واقعة على الأجنة؛ وحكم مجيء الحال هنا الجواز بقلة. 1 هو الإمام الجليل؛ أبو سعيد الحسن بن يسار البصري، أحد علماء التابعين وكبرائهم، كان إمامًا في القراءة، وكان أكثر كلامه حكما وبلاغة، وقد جمع مع العلم العمل والعبادة. وقد روي عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: لو أشاء أن أقول إن القرآن نزل بلغة الحسن لقلت؛ لفصاحته، وهو أحد الأربعة الذين لهم قراءات شاذة مع القراءات العشر، توفي بالبصرة سنة: 116 هـ. وفيات الأعيان: 2/ 69/ 73، طبقات ابن سعد: 7/ 156، تهذيب التهذيب: 2/ 263، حلية الأولياء: 2/ 131. 2 "39" سورة الزمر، الآية: 67. أوجه القراءات: هذه القراءة منسوبة إلى عيسى والجحدري، وقرأ الباقون برفع "مطويات" على أنها خبر للمبتدأ "السموات". موطن الشاهد: "مطوياتٍ". وجه الاستشهاد: مجيء "مطويات" حالا متوسطة بين المبتدأ "السموات" وعاملها الظرفي الواقع خبرا؛ وهو "بيمينه" وصاحب الحال الضمير المنتقل إلى الخبر "الجار والمجرور"؛ وهذه الحالة -جواز تقديم الحال على عاملها الظرف، والجار والمجرور- هي التي أشار إليها ابن مالك بقوله: ................ وندر ... نحو سعيد مستقرا في هجر 3 فتكون "خالصة" معمولة للجار والمجرور على أنها حال من الضمير المستتر في "بطون" الواقعة صلة لـ "ما"؛ وهي العاملة في الحال؛ والتاء في "خالصة": للتأنيث باعتبار معنى "ما"؛ لأنها واقعة على الأجنة كما أوضحنا. وتكون "مطويات" معمولة لـ "قبضته" على أنها حال من السموات، و"بين ظرف لغو متعلق بـ "مطويات". وانظر شرح التصريح: 1/ 385.

بمعنى مقبوضتِهِ، لا مبتدأ، و: "بيمينه" معمول الحال، لا عاملها1. [جواز تعدد الحال لمفرد وغيره] : فصل: ولشبه الحال بالخبر2 والنعت3 جاز أن تتعدد، لمفرد، وغيره4، فالأول كقوله5: [الطويل] 276- عليَّ إذا ما جئت ليلى بخفيةٍ ... زيارة بيت الله رَجلانَ حافِيا6

_ 1 وعلى هذا تكون الحال غير متقدمة على عاملها الظرف والجار والمجرور في الآيتين؛ وذهب الجمهور من نحاة البصرة في إعراب الآية الكريمة كالآتي: الأرض: مبتدأ. وقبضته: خبر المبتدأ؛ وفي قبضته: ضمير مستتر على أنه نائب فاعل؛ لأن "قبضته" بمعنى مقبوضته؛ فهو اسم مفعول؛ واسم المفعول يرفع نائب فاعل. وقوله: {وَالسَّمَوَاتُ} معطوف على هذا الضمير المستتر، وساغ العطف على الضمير المرفوع من دون توكيد؛ لأنه قد فصل بين متحمل الضمير، والاسم المعطوف بقوله: {يَومَ الْقِيَامَةِ} ، وقوله تعالى: "مطويات" حال من السموات، و"بيمينه": متعلق بـ "مطويات"، وليس خبرا -كما زعم الفراء والأخفش. انظر شرح التصريح: 1/ 385. 2 أي في كونه محكوما به في المعنى على صاحبه كما يحكم بالخبر على المبتدأ، وهذا من باب أنه إذا أشبه الشيء الشيء أخذ حكمه. 3 أي في أنه يدل على الاتصاف بالصفة، وإن كان ذلك مقصودا في النعت وتبعيا في الحال. 4 المراد بالجواز عدم الامتناع، وهذا يصدق بالواجب؛ فإنه يجب تكرير الحال وتعددها بعد "إما"؛ لوجوب تكرير "إما" فقول: اضرب اللص إما قائما، وإما مطروحا على الأرض، وكذلك بعد "لا" النافية؛ لتكريرها في الغالب، تقول: جاء علي لا فرحًا ولا أسوان. 5 أنشد هذا البيت ابن الأعرابي، ولم ينسبه، وبعضهم نسبه إلى مجنون ليلى. 6 تخريج الشاهد: ينشد بعد الشاهد قوله: شَكُورًا لربي حين أبصرت وجهها ... ورؤيتها قد تسقني السم صافيا والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 385، والأشموني: "489/ 1/ 254" ومغني اللبيب: "832/ 601"، وشرح السيوطي: 290، واللسان "رجل"، وديوان المجنون: 301، 306. المفردات الغريبة: بخفية: أي في خفاء وستر وبعد عن الأنظار. رجلان: ماشيا. حافيا: غير منتعل. =

وليس منه نحو: {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} 1. والثاني: إن اتَّحَد لفظه ومعناه ثني أو جمع2، نحو: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} 3، الأصل دائبة ودائبا، ونحو: "وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ

_ = المعنى: ينذر الشاعر ويوجب على نفسه، إذا ما وصل إلى محبوبته ليلى، ولم يشعر به أحد من الناس، أن يزور بيت الله ماشيا غير منتعل. الإعراب: "علي": متعلق بمحذوف خبر مقدم. إذا: ظرف متضمن معنى الشرط، مبني على السكون، في محل نصب على الظرفية الزمانية. ما: زائدة: زرت: فعل ماضٍ، وفاعل. ليلى: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على آخره؛ للتعذر. "بخفية": متعلق بـ "زرت"؛ وجواب إذا محذوف يدل عليه سياق الكلام؛ وجملة "إذا وشرطها وجوابها": اعتراضية، لا محل لها؛ اعترضت بين الخبر المقدم ومبتدئه المؤخر. زيارة: مبتدأ مؤخر، وهو مضاف. بيت: مضاف إليه، وهو مضاف. الله: "لفظ الجلالة" مضاف إليه. رجلان: حال من "ياء المتكلم" في قوله: "علي"، منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. حافيا: حال ثانية من "ياء المتكلم" أيضا. موطن الشاهد: "رجلان حافيا". وجه الاستشهاد: تعدد الحال "رجلان" و"حافيا" وصاحبهما واحد؛ وهو "ياء المتكلم" المجرورة محلا بـ "على"؛ ويجوز أن يكون صاحبهما فاعل الزيارة المحذوف؛ والتقدير: زيارتي بيت الله. 1 "3" سورة آل عمران، الآية: 39. موطن الشاهد: {مُصَدِّقًا ... وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} . وجه الاستشهاد: استشهد بالآية على عدم تعدد الحال فيها؛ لأن الحالين الثاني والثالث، قد عطفا بالواو على الأول، ومن شرط اعتبار التعدد ألا يكون بطريق العطف. 2 من باب الاختصار، وذلك أولى لا واجب كما يقول الرضي: "وأما الحالان من الفاعل والمفعول معا؛ فإن كان متفقين فالأولى الجمع بينهما؛ لِأنه أخصر، نحو لقيت زيدا راكبا راكبا". ا. هـ. وهذا من غير نظر للعوامل: أهي متحدة في ألفاظها ومعانيها وعملها، أم غير متحدة في شيء من ذلك. حاشية يس على التصريح: 1/ 386. 3 "14" سورة إبراهيم، الآية: 33. موطن الشاهد: {دَائِبَيْنِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "دائبين" مثنى؛ وهي حال مؤسسة من الشمس والقمر، ولا يضر الاختلاف في التذكير والتأنيث ما دام الحالان متفقين لفظا ومعنى.

وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ"1، وإن اختلف فُرِّقَ بغير عطف2، كـ: "لقيته مُصْعِدًا منحدرا"، ويقدر الأول للثاني وبالعكس، قال3: [الوافر] 277- عهدت سعاد ذات هوى معنى4

_ 1 "16" سورة النحل، الآية: 12. موطن الشاهد: "مُسَخَّرَاتٍ". وجه الاستشهاد: مجيء "مسخرات" حالا مؤكدة لعاملها لفظا ومعنى صرح بذلك ابن مالك في شرح العمدة وولده في شرح النظم؛ والأصل: مسخرا ومسخرا ومسخرة ومسخرا ومسخرة؛ فلما اتحدت لفظا ومعنى جمعت؛ ولا يضر الاختلاف في التذكير والتأنيث. 2 قال الرضي: إن كان هناك قرينة يعرف بها صاحب كل منهما جاز وقوعهما كيفما كان؛ نحو: لقيت هندا مصعدا منحدرة"؛ والأولى: أن يجعل كل حال بجنب صاحبها، وقوله: "وقدمت حال المفعول إذ لا أقل من أن يكون ... " بيان لما تفعله إذا اخترت الصورة التي ليست أولى من غيرها، وهذا الترتيب واجب إذا لم يؤمن اللبس، وإذا أمن اللبس كان جائزا. انظر شرح التصريح مع حاشية الشيخ يس: 1/ 386. 3 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: فزِدْتُ وعاد سلوانا هواها وهو من شواهد: التصريح: 1/ 386، والعيني: 3/ 180، ومغني اللبيب: "967/ 734" وشرح السيوطي: 304. المفردات الغريبة: عهدت: عرفت وعلمت. سعاد: اسم محبوبته. ذات هوى: صاحبة عشق وحب. معنَّى: اسم مفعول من عناه الأمر، شق عليه حتى أورثه العناء والجهد. سلوانا: سلوا ونسيانا. المعنى: لقد كنت أنا وسعاد شديدي المحبة والهيام؛ فأما أنا فازددت حبا لها وشغفا بها؛ وأما هي فانقلب هواها وحبها هجرا وانصرافا عني. الإعراب: عهدت: فعل ماضٍ، والتاء: فاعله. سعاد: مفعول به منصوب. ذات: حال من "سعاد" منصوب، وهو مضاف. هوى: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره =

وقد تأتي على الترتيب إن أمن اللبس1، كقوله2: [الطويل] 278- خرجت بها أمشي تجر وراءنا3

_ = الكسرة المقدرة على الألف المحذوفة؛ للتخلص من التقاء الساكنين، منع من ظهورها التعذر. معنى: حال من "تاء المتكلم" في قوله: "عهدت" السابق. فزدت: الفاء عاطفة، زدت: فعل ماضٍٍ وفاعل. وعاد: الواو عاطفة. عاد: فعل ماضٍٍ بمعنى "صار" مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب. سلوانا: خبر "عاد" الذي بمعنى صار تقدم على اسمه؛ وهو منصوب. هواها: اسم "عاد" الذي بمعنى "صار" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر؛ وهوى: مضاف، وضمير الغائبة العائد إلى سعاد مضاف إليه؛ ويجوز أن نعرب عاد: فعل ماضٍٍ تام، وسلونا: حال تقدمت على الفاعل، وهواها: فاعل مرفوع مضاف إليه؛ وهو الأفضل. موطن الشاهد: "ذات هوى معنَّى". وجه الاستشهاد: مجيء الحالين "ذات" و"معنى" على عكس ترتيب صاحبيهما؛ فقد جعل أول الحالين -وهو ذات- لثاني الاسمين، وهو سعاد؛ ليتصل بصاحبه؛ وأما قول "معنى" فصاحبه تاء المتكلم في قوله: "عهدت"؛ وحكم مجيء الحالين على عكس ترتيب صاحبيهما هو الأكثر؛ بخلاف ما لو أتى بهما على ترتيب صاحبيها؛ فإنه يلزم عليه الفصل بين كل حال وصاحبها بأجنبي. 1 اتفق النحاة على أنه إذا تعدد الحال، وتعدد صاحبها، ولم تأت بكل حال منهما بجنب صاحبها، بل أخرت الحالين، فإنك تجعل أول الحالين لثاني الصاحبين، وثاني الحالين لأول الصاحبين، ولا تجعل أول الحالين لأول الصاحبين، وثانيهما لثانيهما إلا حين تقوم قرينة، ترشد السامع إلى رد كل حال إلى صاحبه. ومعلوم أن النحاة يفضلون رد أول الحالين لثاني الصاحبين عند انعدام القرينة التي ترد كل حال إلى صاحبها؛ لأن هذا يقلل الفصل بين الحال وصاحبها بأجنبي؛ فإنه يترتب عليه أن يفصل بين حال واحد وصاحبه؛ فأما الوجه الآخر؛ فيترتب عليه الفصل بين حالين وصاحبيهما؛ ولا شك في أن فصلا واحدا أخف من فصلين. وعلمنا -سابقا- أنه إذا قامت قرينة تعين على رد كل حال إلى صاحبها، فأنت بالخيار بين أن تجعل الحالين على ترتيب الصاحبين أو على عكس ترتيبهما. حاشية الشيخ يس: 1/ 386. 2 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: على أثرينا ذيل مرط مرحل =

ومنع الفارسي وجماعة1 النوع الأول، فقدروا نحو قوله: "حافيا" صفة أو حالا من ضمير "رجلان" وسلموا الجواز إذا كان العامل اسم التفضيل2، نحو: "هذا بسرا أطيب منه رطبا"3.

_ = وهو من معلقة امرئ القيس المشهورة والتي كثر الاستشهاد بأبياتها، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 378، والهمع: 1/ 244، والدرر: 1/ 201، والمغني: "966/ 734" وشرح شواهد الشافية للبغدادي: 286. المفردات الغريبة: مرط: كساء من صوف أو خز. مرحل: معلم فيه خطوط. المعنى: خرجت بمحبوبتي من خدرها ماشيا -وهي تجر على أثر أقدامنا- ذيل كسائها؛ لتخفي أثرينا عن الناس، فلا يعلم بنا أحد. الإعراب: خرجت: فعل ماضٍ، والتاء: فاعل. "بها": متعلق بـ "خرج". أمشي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره للثقل، والفاعل: أنا؛ وجملة "تمشي": في محل نصب على الحال من الفاعل؛ الذي هو تاء المتكلم. تجر: فعل مضارع مرفوع؛ لتجرده من الناصب والجازم، والفاعل: هي؛ وجملة "تجر": في محل نصب على الحال من ضمير الغائبة في قوله "بها". "على أثرينا": متعلق بـ "تجر"؛ وأَثَرَيْ: مجرور وعلامة جره الياء؛ لأنه مثنى، و"نا": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. ذيل: مفعول به منصوب، وهو مضاف. مرط: مضاف إليه مجرور. مرحل: صفة لـ "مرط" مجرورة. موطن الشاهد: "أمشي تجر". وجه الاستشهاد: وقوع الجملتين "أمشي" و"تجر" في محل نصب على الحال، غير أن صاحب كل واحد غير الآخر؛ فجاء الحالان على ترتيب الصاحبين؛ الأول للأول، والثاني للثاني؛ لأمن اللبس؛ لأن "أمشي" مذكر، و"تجر" مؤنث؛ ومعلوم أن الحال يطابق صاحبه في التذكير والتأنيث. 1 وهو تعدد الحال المفرد، وحجتهم: أن صاحب الحال إذا كان واحدا، فلا يقتضي العامل إلا حالا واحدة، قياسا على الظرف، وهو قياس مع الفارق الواضح؛ لأن الشيء الواحد يمتنع وقوعه في زمانين أو مكانين، لكن لا يمتنع تقييده بقيدين ولا بأكثر، ذكر هذا ابن الناظم مبررا مخالفته لرأي الفارسي وابن عصفور وكثير من المحققين كما ذكر أبو حيان. همع الهوامع: 1/ 244. 2 لأن صاحب الحال، وإن كان واحد في المعنى، فهو متعدد في اللفظ. هذا: ويؤخذ من المثال الذي ذكره المصنف، أنه ينبغي أن يكون اسم التفضيل متوسطا بين الحالين؛ لِيخرج نحو: محمد أحسن من زملائه متكلما فصيحا. 3 لم يتطرق المؤلف إلى مبحث تعدد الحال. وقد ذكره السيوطي فقال: "ويجب للحال =

[الحال مؤسسة ومؤكدة] : فصل: الحال ضربان: مؤسِّسَة، وهي: التي لا يستفاد معناها بدونها، كـ "جاء زيد راكبا" وقد مضت. ومؤكدة1: إما لعاملها لفظا ومعنى، نحو: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} 2، وقوله3: [البسيط] 279- أصخ مصيخا لمن أبدى نصيحته4

_ = إذا وقعت بعد "إما" أن تردف بأخرى معادا معها "إما" أو "أو" كقوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} وقول الشاعر: وقد شفني ألا يزال يروعني ... خيالك إما طارقا أو مغاديا وإفرادها بعد إما ممنوع في النثر والنظم وبعد "لا" نادر، تقول: لا راغبا ولا راهبا فتكرر، وقد تفرد كقوله: قهرت العدى لا مستعينا بعصبة ... ولكنْ بأنواع الخدائع والمكرِ همع الهوامع: 1/ 245. 1 تقسيم الحال إلى مؤسسة ومؤكدة هو مذهب الجمهور، وذهب الفراء والمبرد والسهيلي إلى أن الحال لا تكون إلا مؤسسة، وأنكروا ما ظنه الجمهور مؤكدة لعاملها، وتأولوا الأمثلة حتى جعلوها من أمثلة المؤسسة، ولم يتعرضوا لإنكار المؤكدة لصاحبها؛ لأن المتقدمين من النحاة لم يعرفوها، فلهذا لم يتعرضوا لها. همع الهوامع: 1/ 245، والتصريح: 1/ 387، مغني اللبيب: 606. 2 "4" سورة النساء، الآية: 79. موطن الشاهد: {أَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "رسولا" حالا من "الكاف" الواقعة في محل نصب مفعول به، وهي مؤكدة لـ "أرسلناك"، وموافقة لها لفظا ومعنى. 3 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: والزم توقِّيَ خلطِ الجدِّ باللعبِ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 387، والأشموني: "491/ 1/ 255"، والعيني: 3/ 185. =

أو معنى فقط نحو: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا} 1، {وَلَّى مُدْبِرًا} 2.

_ = المفردات الغريبة: أصخ: استمع، وهو أمر من الإصاخة، بمعنى الاستماع. أبدى: أظهر وأعلن نصيحته. النصيحة: الإرشاد إلى الخير. توقي: مصدر توقى الأمر، إذا تحفظ من الوقوع فيه وتحرز عن إتيانه. المعنى: استمع وأحسن الاستماع والإنصات لمن ينصحك بإخلاص، ولا تهمل النصيحة، والتزم وقاية نفسك وحفظها من خلط الجد والاجتهاد، باللهو والعبث. الإعراب: أصخ: فعل أمر، والفاعل: أنت. مصيخا: حال من الضمير المستتر في "أصخ". "لمن": متعلق بـ "أصخ"؛ و"من": اسم موصول في محل جر بحرف الجر. أبدى: فعل ماضٍٍ مبني على الفتح المقدر على الألف، منع من ظهوره التعذر، وفاعله: هو. نصيحته: مفعول به لـ "أبدى" منصوب، وهو مضاف، و"الهاء": في محل جر بالإضافة؛ وجملة "أبدى نصيحته": صلة للموصول، لا محل لها. والزم: الواو عاطفة، الزم: فعل أمر مبني على السكون، والفاعل: أنت. توقي: مفعول به لـ "الزم"، وهو مضاف. خلط: مضاف إليه مجرور؛ من إضافة المصدر إلى مفعوله، وخلط مضاف. الجد: مضاف إليه؛ من إضافة المصدر إلى مفعوله كسابقه. "باللعب": متعلق بـ "خلط". موطن الشاهد: "مصيخا". وجه الاستشهاد: مجيء "مصيخا" حالا مؤكدة من ضمير "أصخ"؛ وهي موافقة لهذا العامل لفظا ومعنى؛ مع كون مادة الحال وعامله واحدة؛ ومعلوم أن الفراء والمبرد والسهيلي ينكرون مجيء الحال مؤكدة لعاملها ويزعمون أنها لا تكون إلا مؤسِّسة؛ أي دالة على معنى لم يستفد من عاملها، ويؤولون كل ما ظنه الجمهور مؤكدة، ويردونه إلى المؤسسة، وقد أولوا -هنا- أصخ بمعنى استمع، ومصيخا بمعنى مستمعا في انتباه وحرص، وفي قولهم تكلف ظاهر، والصواب ما ذهب إليه الجمهور. 1 "27" سورة النمل، الآية: 19. موطن الشاهد: {ضَاحِكًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "ضاحكا" حالا من فاعل "تبسم" مؤكدا للعامل في المعنى؛ لأن التبسم نوع من الضحك. 2 "27" سورة النمل، الآية: 10. موطن الشاهد: {مُدْبِرًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "مدبرا" حالا من فاعل "ولى" مؤكدا للعامل في المعنى؛ لأن الإدبار نوع من التولي.

وإما لصاحبها1، نحو: {لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} 2. وإما لمضمون3 جملة معقودة من اسمين معرفتين جامدتين، كـ: "زيد أبوك عطوفا" وهذه الحال واجبة التأخير عن الجملة المذكورة، وهي معمولة لمحذوف وجوبا تقديره أحقه4 ونحوه.

_ 1 هذا القسم من زيادات المصنف ولم يذكره الناظم، ولم يشمله إنكار الفراء والمبرد والسهيلي. 2 "10" سورة يونس، الآية: 99. موطن الشاهد: {جَمِيعًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "جميعا" حالا من فاعل "آمن" وهو "من" الموصولة؛ وهي مؤكدة لها؛ لأن كلا منهما تدل على الإحاطة والشمول؛ وهذا القسم لم يذكره ابن مالك، وإنما زاده ابن هشام الأنصاري رحمه الله تعالى. 3 فسر الصبان مضمون الجملة في هذا الموضع بأنه "مصدر الخبر مضافا إلى المبتدأ إذا كان الخبر مشتقا، والكون العام مضافا إلى المبتدأ ومخبرا عنه بالخبر إذا كان الخبر في الجملة جامدا. وقد سبقه الزمخشري في "مفصله" بقوله: "والحال المؤكدة هي التي تجيء على أثر جملة عقدها من اسمين، لا عمل لهما "يريد أنهما جامدان" لتوكيد خبرها وتقرير مؤاده، ونفي الشك عنه، وذلك قولك: زيد أبوك عطوفا، وهو زيد معروفا، وهو الحق بينا، ألا ترى كيف حققت بالعطوف الأبوة، وبالمعروف، والبين أن الرجل زيد، وأن الأمر حق، وفي التنزيل: {هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} ، وكذلك: أنا عبد الله آكلا كما يأكل العبيد؛ وفيه تقرير للعبودية، وتحقيق لها، وتقول: أنا فلان بطلا شجاعا وكريما جوادا؛ فتحقق ما أنت متسم به، وما هو ثابت في نفسك". ولمزيد من الإيضاح، انظر المفصل، للزمخشري: 63-64. وحاشية الصبان: 2/ 185. وشرح التصريح: 1/ 387-388. 4 من شواهد هذا النوع قول سالم بن دارة: أنا ابن دارة معروفا بها نسبي ... وهل بدارة يا للناس من عارِ وقد مثل بهذا البيت الزمخشري، وحمل عليه قوله تعالى: {هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً} كما حمل غيره عليه قوله تعالى: {هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} . انظر حاشية الصبان: 2/ 185.

[وقوع الحال مفردا وشبه جملة] : فصل: تقع الحال اسما مفردا كما مضى. وظرفا كـ: "رأيت الهلال بين السحاب" وجارا ومجرورا نحو: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} 1، ويتعلقان بمستقر أو استقر محذوفين وجوبا2. وجملة بثلاثة شروط: [وقوع الحال جملة بثلاثة شروط] : أحدها: كونها خبرية، وغلط من قال في قوله3: [السريع] 280- اطلبْ ولا تَضْجَرَ مِنْ مَطْلَبِ4

_ 1 "28" سورة القصص، الآية: 79. موطن الشاهد: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} . وجه الاستشهاد: وقوع "الجار والمجرور" في موضع الحال من فاعل خرج المستتر؛ العائد إلى "قارون"؛ وحكم مجيء الجار والمجرور في موضع الحال الجواز. 2 لكونهما "كونا" مطلقا، ويشترط في كل من الظرف والجار والمجرور: أن يكون تاما، أي مفيدا، وإفادته تكون بالإضافة، أو بالنعت، أو بالعدد، أو بغير ذلك من أنواع الإفادة. 3 نسبه صاحب التصريح إلى أحد المولدين ولم يعيِّنْهُ. 4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: فآفة الطالب أن يضجرا ويروى بعده قوله: أما ترى الحبل، بتكراره ... في الصخرة الصماء قد أثرا والبيت لم يؤتَ به كشاهد، وإنما لبيان خطأ الذين أعربوه. انظر: التصريح: 1/ 389، والأشموني: "493/ 1/ 256"، والعيني: 3/ 217، والهمع: 1/ 246، 202، والمغني: "74/ 529" "999/ 763". المفردات الغريبة: لا تضجر: لا تسأم ولا تقلق. آفة: عاهة، وهي عرض يفسد ما يصيبه. المعنى: ثابر، وداوم على طلب معالي الأمور، ولا تسأم إذا لم تظفر بما تطلب؛ فإن السأم والملل علة كل طالب، ومن يصبر، ينل ما يريد. الإعراب: اطلب: فعل أمر، والفاعل: أنت. ولا: الواو واو المعية، لا: نافية. =

إن "لا" ناهية والواو للحال، والصواب أنها عاطفة مثل: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} 1.

_ = تضجر: فعل مضارع منصوب بأن المصدرية المضمرة بعد واو المعية، وعلامة نصبه الفتحة الظهرة. "من مطلب": متعلق بـ "لا تضجر". فآفة: الفاء تفريعية، آفة: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. الطالب: مضاف إليه. أن: حرف مصدري ونصب. يضجرا: فعل مضارع منصوب بـ "أن" المصدرية، والفاعل: هو، والألف للإطلاق؛ والمصدر المؤول من "أن المصدرية وما دخلت عليه": في محل رفع خبر المبتدأ "آفة"؛ والتقدير: فآفة الطالب الضجر. موطن الشاهد: "ولا تضجرا". وجه الاستشهاد: بيان خطأ من أعرب الواو في قوله: "ولا تضجرا" حالية؛ لأنه يشترط في جملة الحال أن تكون خبرية، وهذه إنشائية؛ والذي ذهب إلى أنها حالية الأمين المحلي -كما ذكره ابن هشام في المغني؛ حيث عد "لا": ناهية، والواو التي قبلها للحال، وتضجرا: فعل مضارع مجزوم بـ "لا" الناهية؛ وأصله ولا تضجرن بنون التوكيد الخفيفة، فحذفت نون التوكيد الخفيفة، وبقيت الفتحة قبلها؛ لتدل عليها؛ وعلى هذا تكون الجملة في محل نصب على الحال؛ غير أن الصواب ما ذهبنا إليه في الإعراب. انظر في هذه المسألة، وفي أوجه إعراب الشاهد: مغني اللبيب: 763، وشرح التصريح: 1/ 389، وهمع الهوامع: 1/ 245. فائدة: الجملة الشرطية في قولهم: "لأمدحن المخلص إن أصاب أو أخطأ" واقعة في محل نصب على الحال -مع أنها إنشائية، مشتملة على علامة استقبال؛ حرف الشرط "إن" فالمسوغ -عند النحاة- أنها شرطية لفظا لا معنى؛ لأن التقدير: لأمدحنه على أي حال. فائدة: على تقدير الواو عاطفة -على رأي ابن هشام- في الشاهد السابق؛ فلها تخريجان: الأول: أن تكون عاطفة مصدرا يسبك من أن والفعل على مصدر متوهم من الأمر السابق؛ أي: ليكن منك طلب وعدم ضجر. الثاني: أن تكون عاطفة جملة على جملة؛ وعلى الوجه الأول: فالفتحة في "تضجر" فتحة إعراب، ولا: نافية وعلى الثاني: فالفتحة فتحة بناء للتركيب؛ والأصل: ولا تضجرن بنون التوكيد الخفيفة؛ فحذفت للضرورة، ولا: ناهية. 1 "4" سورة النساء، الآية: 36. موطن الشاهد: {وَلَا تُشْرِكُوا} . وجه الاستشهاد: مجيء الواو عاطفة في الآية الكريمة؛ والواو عطفت جملة على جملة، كما هو واضح.

الثاني: أن تكون غير مصدرة بدليل استقبال، وغلط من أعرب {سَيَهْدِينِ} من قوله تعالى: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} 1 حالا. الثالث: أن تكون مرتبطة، إما بالواو والضمير، نحو: {خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ} 2، أو بالضمير فقط، نحو: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} 3، أي: متعادين، أو بالواو فقط، نحو: {لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} 4. [وجوب الواو قبل "قد" داخلة على المضارع] : وتجب الواو قبل "قد"5 داخلة على المضارع، نحو: {لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد

_ 1 "37" سورة الصافات، الآية: 99. موطن الشاهد: {سَيَهْدِينِ} . وجه الاستشهاد: استشهد بها؛ ليدل على كونها غير حالية بسبب اقترانها بالسين ومتى اقترنت بالسين صارت مستقبلة بالنسبة إلى عاملها؛ وهناك تنافٍ بين الحال والاستقبال من حيث اللفظ. 2 "2" سورة البقرة، الآية: 243. موطن الشاهد: {وَهُمْ أُلُوفٌ} . وجه الاستشهاد: مجيء جملة "وهم ألوف" حالا من الواو في خرجوا؛ وهي مرتبطة بالواو والضمير. 3 "2" سورة البقرة، الآية: 36. موطن الشاهد: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌ} . وجه الاستشهاد: مجيء جملة "بعضكم لبعض عدو" حالا من الواو في "اهبطوا" والرابط الضمير في "بعضكم"؛ والخطاب لسيدنا آدم وحواء عليهما السلا م. 4 "12" سورة يوسف، الآية: 14. موطن الشاهد: {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} . وجه الاستشهاد: مجيء جملة "نحن عصبة" حالا من "الذئب" أو من ضمير يوسف عليه السلام؛ والرابط الواو فقط، ولا علاقة للضمير نحن؛ لأنه لم يرجع إلى صاحب الحال. 5 هذا أحد موضعين، يجب في كل منهما ربط الجملة الواقعة حالا بالواو؛ والمقصود بالمضارع هنا أن يكون مثبتا؛ فمتى كان مثبتا ومقرونا بقد، وجب أن يكون الرابط =

تَعْلَمُونَ} 1. [امتناع الواو في سبع صور] : وتمتنع في سبع صور: إحداها: الواقعة بعد عاطف2، نحو: {فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} 3.

_ = لها بصاحب الحال، هو الواو، كما في الآية الكريمة {لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ} ولكن لا يشترط في الجملة المضارعية أن تقترن بقد وأن تسبقها الواو، فقد وردت الجملة المضارعية المثبتة حالا من غير "قد" و"الواو" معا في أفصح الكلام؛ حيث قال جل شأنه: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ} ؛ وهنا لا بد من ربطها بصاحب الحال بضمير يرجع منها إليه. وأما الموضع الثاني الذي يجب فيه "الواو" جملة الحال التي ليس فيها ضمير يعود منها على صاحب الحال؛ نحو: "أقبل الأمير والشمس طالعة"، وكقوله تبارك وتعالى: {لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} . وأما بالنسبة إلى الفعل الماضي المثبت الواقعة جملته حالا، فقد اختلف النحاة في حكم اقترانه بـ "قد"؛ فذهب الكوفيون والأخفش من البصريين إلى الجواز؛ متى كان معه ضمير يعود على صاحب الحال -سواء أكان مع الضمير واو أم لم يكن- فإن لم يكن معه ضمير، يعود إلى صاحب الحال -بأن كان الرابط هو الواو وحدها- وجب اقترانه بقد وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز مجيء الماضي المثبت حالا إلا إذا اقترن بـ "قد" سواء أكان الرابط، هو الضمير وحده، أم كان الرابط هو الواو وحدها، أم كان الرابط هو الواو والضمير معا؛ فإن وجدت "قد" في اللفظ، فالأمر ظاهر، وإن لم توجد وجب تقديرها واختار ابن مالك وأبو حيان مذهب الكوفيين في هذه المسألة، وهو الأرجح. وانظر في هذه المسألة: همع الهوامع: 1/ 246، والمغني: 229-833، ورصف المباني: 417-418، والتصريح: 1/ 391. 1 "61" سورة الصف، الآية: 5. موطن الشاهد: {وقد تعلمون} . وجه الاستشهاد: مجيء "تعلمون" حالا من الواو في "تؤذونني" والرابط الواو؛ وحكم وجود الرابط -هنا- الوجب. 2 أي يعطفها على حال قبلها. 3 "7" سورة الأعراف، الآية: 4. موطن الشاهد: {هم قائلون} . وجه الاستشهاد: مجيء جملة "هم قائلون" حالا معطوفة على "بياتا" وهو مصدر في محل نصب على الحال؛ والرابط الضمير، ولا يقال: "أو" "وهم" كراهة اجتماع حرفي عطف صورة.

الثانية: المؤكدة لمضمون الجملة، نحو: "هو الحق لا شك فيه" و: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} 1. الثالثة: الماضي التالي إلا، نحو: {إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} 2. الرابعة: الماضي المتلوُّ بأو3، نحو: "لأضْرِبَنَّهُ ذَهَبَ أو مَكَثَ"4. الخامسة: المضارع المنفي بلا، نحو: {وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ} 5.

_ 1 "2" سورة البقرة، الآية: 2. موطن الشاهد: "لا شك فيه"، {لا رَيْبَ فِيهِ} . وجه الاستشهاد: مجيء كل من الجملتين حالا مؤكدة لمضمون الجملة قبلها؛ وتمتنع الواو -هنا- لأن المؤكد عين المؤكد؛ فلو قرن بالواو، كان في صورة عطف الشيء على نفسه؛ وأما المؤكدة لعاملها فقد تقترن؛ نحو: "ثم توليتم وأنتم تعلمون". 2 "15" سورة الحجر، الآية: 11. موطن الشاهد: {كانوا به يستهزئون} . وجه الاستشهاد: مجيء جملة "كانوا به يستهزئون" حالا من "الهاء" في "يأيتهم" وامتنعت الواو هنا؛ لأن ما بعد "إلا" مفرد حكما، ويرى بعض النحاة جواز اقترانه بالواو في هذه الحالة، تمسكا بقول زهير: نعم امرأ هرمٌ لم تعرُ نائبَةً ... إلا وكان لمرتاعٍ بها وزرا وذلك قياسا على الجملة الاسمية الواقعة بعد "إلا" نحو قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} انظر شرح التصريح: 1/ 392. 3 أي الجملة الماضوية الحالية المعطوفة عليها جملة أخرى بأو. 4 جملة "ذهب" في محل نصب حال من الهاء وبعدها "أو" وتمتنع الواو؛ لأنها في تقدير فعل الشرط؛ إذ المعنى: إن ذهب وإن مكث، وفعل الشرط لا يقترن بالواو، فكذلك المقدر به. والحق أن العلة عدم وجود الواو في مثل هذا الأسلوب من الكلام العربي. 5 "5" سورة المائدة، الآية: 8. موطن الشاهد: {وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ} . وجه الاستشهاد: مجيء جملة "نؤمن بالله" حالا من الضمير المجرور باللازم، ولم تقترن بالواو؛ لأن المضارع المنفي بـ "لا" أو "بما" بمنزلة اسم الفاعل المجرور بإضافة "غير" المنصوبة على الحال، وهو لا تدخل عليه الواو؛ والتقدير: "وما لنا غير مؤمنين"؛ واختص المنفي بـ "لا" و"ما" من دون المنفي بـ "لم" و"لما"؛ لأن مضي المنفي بهما في المعنى، قربه من الماضي الجائز الاقتران بالواو، وأبعده من الشبه باسم الفاعل، وذهب محمد ابن صاحب الألفية إلى جواز اقتران المضارع المنفي بـ "لا" بالواو، وإن كان عدم الاقتران أكثر، واستشهد بقول أحدهم: "وكنت لا ينهنهني الوعيد". شرح التصريح: 1/ 392.

السادسة: المضارع المنفي بما، كقوله1: [الطويل] 281- عهدتك ما تصبو وفيك شبيبة2

_ = تقترن بالواو؛ لأن المضارع المنفي بـ "لا" أو "بما" بمنزلة اسم الفاعل المجرور بإضافة "غير" المنصوبة على الحال، وهو لا تدخل عليه الواو؛ والتقدير: "وما لنا غير مؤمنين"؛ واختص المنفي بـ "لا" و"ما" من دون المنفي بـ "لم" و"لما"؛ لأن مضي المنفي بهما في المعنى، قربه من الماضي الجائز الاقتران بالواو، وأبعده من الشبه باسم الفاعل، وذهب محمد ابن صاحب الألفية إلى جواز اقتران المضارع المنفي بـ "لا" بالواو، وإن كان عدم الاقتران أكثر، واستشهد بقول أحدهم: "وكنت لا ينهنهني الوعيد". شرح التصريح: 1/ 392. 1 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه وقوله: فلما لك بعد الشيب صبا متيما وهو من شواهد: التصريح: 1/ 392، والأشموني: "500/ 1/ 257" والهمع: 1/ 246، والدرر: 1/ 203. المفردات الغريبة: عهدتك: عرفتك. تصبو: تميل إلى اللهو والعبث، من الصبوة، وهي الميل إلى الجهل والفتوة. شبيبة: شباب وفتوة ونشاط جسماني. صبا: عاشقا، من الصبابة، وهي العشق ورقة الهوى. متيما: مذللا مستعبدا بالحب. المعنى: عرفتك وأنت شابٌّ موفور القوة جم النشاط -مستقيما بعيدا عن اللهو والميل للنساء، فما لك بعد الشيخوخة والكبر والضعف، صرت عاشقا متيما؟. الإعراب: عهدتك: فعل ماضٍ، وفاعل، ومفعول به. ما: نافية، لا محل لها من الإعراب. تصبو: فعل مضارع مرفوع؛ لتجرده من الناصب والجازم، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الواو، منع من ظهورها الثقل، والفاعل: أنت؛ وجملة "تصبو" في محل نصب على الحال، وصاحبه كاف الخطاب الواقعة مفعولا به في "عهدتك". وفيك: الواو حالية، و"فيك": متعلق بخبر مقدم محذوف. شبيبة: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وجملة "المبتدأ والخبر": في محل نصب على الحال؛ وصاحب الحال الضمير المستتر في "تصبو". فما: الفاء عاطفة، "ما": اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. "لك": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ؛ والتقدير: أي شيء ثابت لك؛ أو حاصل لك. "بعد": متعلق بقوله: "صبا" الآتي، وهو مضاف. الشيب: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة. صبا: حال منصوب، وصاحبه ضمير المخاطب المجرور باللام في قوله: "لك" السابق. متيما: صفة لقوله "صبا" منصوبة مثله. موطن الشاهد: "ما تصبو". وجه الاستشهاد: مجيء جملة "تصبو" منفية بـ "ما" وقد وقعت في محل نصب على الحال؛ ولم تقترن بالواو اكتفاء بالربط بالضمير؛ وهو الفاعل المستتر؛ لما بيناه في المنفية بـ "لا" ومثل المنفي بـ "ما" المنفي بـ "إن" النافية. ضياء السالك: 2/ 222.

السابعة: المضارع المثبت1، كقوله تعالى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} 2. وأما نحو قوله3: [الكامل] 282- علقتها عرضا وأقتل قومها4

_ 1 أي المجرد من "قد"، فإن اقترن بقد لزمته الواو. 2 "74" سورة المدثر، الآية: 6. موطن الشاهد: "تستكثر". وجه الاستشهاد: مجيء جملة "تستكثر" حالا من فاعل "تمنن" المستتر فيه؛ وقد امتنعت الواو هنا؛ لشبهه باسم الفاعل في الزنة والمعنى، والواو لا تدخل على اسم الفاعل، فكذلك ما أشبهه. 3 القائل: عنترة بن شداد العبسي، وقد مرت ترجمته. 4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: زعما لعمر أبيك ليس بمزعمِ والبيت من معلقته المشهورة؛ التي مطلعها قوله: هل غادر الشعراء من متردم؟ ... أم هل عرفت الدار بعد توهم؟ والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 392، والأشموني: "495/ 1/ 256"، والعيني: 3/ 188. المفردات الغريبة: علقتها: تعلقت بها وأحببتها. عرضا: من غير قصد: زعما: طمعا، وهو مصدر زعم، بمعنى طمع. المعنى: أحببتها، وشغفت بها بمجرد النظر إليها من غير قصد، وأنا أحارب قومها وأقتلهم، فكيف هذا التناقض؟!، ثم قال مخاطبا نفسه: إن هذا طمع لا موضع له، وفعل لا يليق بمثلى. الإعراب: علقتها: فعل ماضٍٍ مبني للمجهول، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع نائب فاعل؛ و"ها" مفعول به ثانٍ. عرضا: مفعول مطلق منصوب؛ وهو الأفضل. وأقتل: الواو عاطفة، أقتل فعل مضارع -بمعنى الماضي- مرفوع، والفاعل: أنا. قومها: مفعول به =

فقيل: ضرورة وقيل: الواو عاطفة والمضارع مؤول بالماضي1، وقيل: واو الحال والمضارع خبر لمبتدأ محذوف، أي: وأنا أقتل2. [حذف عامل الحال جوازا أو وجوبا] : [حذف العامل جوازا] : فصل: وقد يحذف عامل الحال: جوازا3؛ لِدليل حالي، كقولك لقاصد

_ = منصوب، وهو مضاف، و"ها": مضاف إليه؛ وجملة "أقتل قومها": لا محل لها؛ لكونها معطوفة على جملة "علقتها" الاستئنافية؛ والتقدير: علقتها تعلقا عارضا وقتلت قومها؛ ويجوز -وهو الأفضل- أن تكون الواو حالية، وجملة "أقتل قومها": في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: وأنا أقتل قومها؛ وجملة "المبتدأ والخبر": في محل نصب على الحال؛ وصاحبه تاء المتكلم في قوله: "علقتها" السابق. زعما: على رواية النصب؛ مفعول مطلق لفعل محذوف؛ والتقدير: زعم زعما، وعلى رواية الرفع؛ يكون إما خبرا لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: هذا زعم؛ أو يكون مبتدأ؛ وخبره جملة ليس بمزعم"؛ والأول أفضل. لَعَمْر: اللام لام الابتداء، لا محل لها من الإعراب. عَمْرُ: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. أبيك: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف، والكاف: مضاف إليه؛ وخبر المبتدأ محذوف وجوبا؛ والتقدير: لعمر أبيك قسمي، أو ما أقسم به؛ وجملة "المبتدأ والخبر": لا محل لها؛ لأنها اعتراضية، اعترضت بين الصفة والموصوف؛ أو بين المبتدأ والخبر على رواية رفع "زعم" كما بينا. ليس: فعل ماضٍٍ ناقص؛ واسمه "هو" يعود إلى الزعم. بمزعم: الباء حرف جر زائد، مزعم: خبر "ليس" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد؛ والجملة في محل نصب أو رفع صلة لـ "زعم". موطن الشاهد: "وأقتل قومها". وجه الاستشهاد: مجيء جملة: "أقتل قومها" حالية مضارعية مثبتة، وقد اقترنت بالواو مع امتناع الواو في ذلك، وقد خرجه المؤلف في المتن. 1 والتقدير: وقتلت قومها؛ وذلك ليتناسب المتعاطفان، فذلك أولى من عدم التناسب. 2 خلاصة البحث: إن اقتران جملة الحال بالواو على ثلاثة أنواع: واجب، وذلك في موضعين. وممتنع، وذلك في سبعة مواضع، وجائز، وذلك فيما عدا ذلك. 3 الأصل في عامل الحال وغيرها، أن يكون مذكورا؛ ليحقق الغرض منه، وهو إفادة معنى جديد، أو تقوية المعنى الموجود، وقد يحذف جوازا أو وجوبا لدواع تقتضي الحذف، ويستثنى من الحذف جوازا: ما إذا كان العامل معنويًّا، كالظرف والجار والمجرور، واسم الإشارة، وحرف التمني والتنبيه إلخ، فلا يجوز حذف العامل فيها؛ لضعفه سواء فهم أم لم يفهم.

السفر: "راشدا" وللقادم من الحج: "مأجورا" أو مقالي1، {بَلَى قَادِرِين} 2 {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} 3 بإضمار: تسافر، ورجعت، ونجمعها، وصلوا. [حذف العامل وجوبا] : ووجوبا قياسا في أربع صور: نحو: "ضربي زيدا قائما"4، ونحو: "زيد أبوك عطوفا"5 وقد مضتا، والتي يبين بها ازدياد أو نقص بتدريج، كـ: "تصدق بدينار فصاعدا"، و: "اشتره بدينار فسافلا"6، وما ذكر لتوبيخ، نحو: "أقائما وقد قعد

_ 1 الدليل المقالي: هو ما يعتمد على كلام مذكور صريح، وهو في مثال المصنف جواب نفي وشرط، وقد يكون جوابا لاستفهام نحو: راكبا، لمن قال: كيف جئت؟ أو منهيا عنه نحو: {وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} ، أو مقصودا لحصر فيه، نحو: ما جاءني محمد إلا راكبا ومنه قوله تعالى: {وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} . أما الدليل الحالي فتدل عليه المناسبات المحيطة بالمتكلم، من غير استعانة بكلام أو قول. التصريح: 1/ 393. 2 "75" سورة القيامة، الآية: 4. موطن الشاهد: {بَلَى قَادِرِين} . وجه الاستشهاد: مجيء "قادرين" حالا بعامل محذوف جوازا؛ والتقدير: نجمعها قادرين؛ فأضمر العامل "نجمعها" في جواب النفي؛ وحكم الإضمار -هنا- الجواز؛ غير أن القراءة سنة متبعة، لا تجوز مخالفتها. 3 "2" سورة البقرة، الآية: 239. موطن الشاهد: {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "رجالا وركبانا" حالين؛ والعامل فيهما محذوف، وتقديره: صلوا؛ وحكم الحذف هنا الجواز، غير أن القراءة سنة مؤكدة، فلا تجوز مخالفتها. 4 أي مما فيه الحال سادة مسد الخبر، وقد سبق إيضاحها، فلا يجوز ذكر الخبر لئلا يلزم الجمع بين العوض والمعوض. 5 أي: من الحال المؤكدة لمضمون جملة قبلها، والعلة في وجوب حذف العامل: أن الجملة قبله بمنزلة البدل من اللفظ. 6 "صاعدا" و"سافلا" حالان عاملهما محذوف وجوبا؛ والتقدير: فذهب المتصدق به صاعدا، وانحط المشتري به سافلا؛ ولا بد في هذه الحالة من اقتران الحال بالفاء العاطفة، أو "ثم" العاطفة؛ وهي تعطف جملة خبرية على جملة إنشائية، ويجب حذف العامل والصاحب معا في هذه الحال. شرح التصريح: 1/ 393.

الناس"، و: "أتميميا مرة وقيسيا أخرى"1 أي: أتوجد، وأتتحول2. وسماعا في غير ذلك، نحو: "هنيئا لك" أي: ثبت لك الخير هنيئا، أو أَهْنَأَكَ هنيئا.

_ 1 "قائما" و"تميميا" و"قيسيا" أحوال منصوبة بفعل محذوف وجوبا؛ لأنها بدل من اللفظ بالفعل، ولا يجمع بين البدل والمبدل منه. 2 "أتوجد" راجع إلى المثال الأول، و"أتتحول" راجع إلى الثاني، وليس المراد أن يتحول في حالة كونه تميميا ... بل إنه يتخلق تارة بأخلاق التميمي وأخرى بأخلاق القيسي؛ والأولى: تقدير عامل الحال "توجد" كسابقه، وقيل "تميميا وقيسيا": مفعول مطلق على حذف مضاف: أي أتتخلق تخلق تميمي مرة؟ ... وما ذكره المؤلف محظور ذكر العامل فيه رأي ممنوع ذكره -وهناك عوامل تحذف سماعا؛ نحو: هنيئا لك. انظر شرح التصريح: 1/ 393. فائدة أولى: عندما تتعدد الحال لواحد، تسمى "مترادفة" أي متوالية، تتلو الواحدة الأخرى؛ ويمكن أن تعرب الحال الثانية حالا من الضمير المستتر في الحال التي قبلها، وتسمى الثانية "متداخلة". فائدة ثانية: هنالك ألفاظ مسموعة، وقعت أحوالا مع أنها معرفة بالإضافة؛ نحو: تفرق القوم أيدي سبأ، وقد أولت على معنى: متبددين؛ أو مثل أيدي سبأ؛ فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه. ومنها قولهم: فعلت هذا الأمر جهدي أو طاقتي، وأول بمعنى: جاهدا أو مطيقا. فائدة ثالثة: تنقسم الحال باعتبار الزمان إلى مقارنة لعاملها، وهو الغالب فيها، ومقدرة وهي المستقبلة؛ نحو: مررت برجل معه سيف مقاتلا به غدا؛ أي: مقدرا ذلك. انظر حاشية الصبان: 2/ 193، وضياء السالك: 2/ 226.

باب التمييز

[باب التمييز] : هذا باب التمييز1: [تعريف التمييز وبيان محترزات القيود] : التمييز: اسم2 نكرة، بمعنى من3، مبين لإبهام اسم أو نسبة. فخرج بالفصل الأول4 نحوه5: "زيد حسن وجهه". وقد مضى أن قوله: صددتَ وطبتَ النفس يا قيسُ عن عمرو6

_ 1 هو في الأصل: مصدر ميَّز الشيءَ؛ إذ خلصه من شيء آخر، فمعناه لغة: تخليص شيء من شيء، ثم أطلق على الاسم المميز مجازا، ويسمى أحيانا: التفسير أو التبيين، أو المفسر، أو المميز. ومعناه اصطلاحا: ما ذكره المؤلف. 2 أي صريح؛ لأن التمييز، لا يكون جملة ولا ظرفا، ولا جارا ومجرورا. بخلاف الحال في هذه الثلاثة. 3 أي أن يفيد معنى "من" البيانية، أي التي تبين جنس ما قبلها أو نوعه؛ وذلك لأن الاسم المميز جيء به لبيان الجنس، كما يجاء بمن مميزة له، وليس المراد أنه يمكن تقدير "من" قبله، فقد لا يصلح الكلام أحيانا لتقدير "من". انظر شرح التصريح: 1/ 393-395. 4 أي: قوله نكرة. 5 أي: من كل ما هو مشبه بالمفعول به. 6 مر تخريجه. موطن الشاهد: "النفس". وجه الاستشهاد: تقدم هذا البيت في "باب المعرف" بالأداة. وقد ذكر هنالك أن اللام في النفس زائدة للضرورة، فهو نكرة، وقد احتج الكوفيون بهذا البيت على مجيء التمييز معرفا، كما أسلفنا.

محمول على زيادة: "أل". وبالثاني الحال فإنه بمعنى في حال كذا، لا بمعنى من. وبالثالث نحو1: "لا رجل" ونحو2: [البسيط] 283- أستغفر الله ذنبا لست محصيه3

_ 1 وهو قوله: "مبين لإبهام اسم أو نسبة" يخرج اسم "لا" التي للتبرئة. 2 لم ينسب هذا البيت إلى قائل معين. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: رب العباد إليه الوجه والعمل وهو من شواهد: التصريح: 1/ 394، والهمع: 2/ 82، والدرر: 2/ 106، والكتاب لسيبويه: 1/ 17، والمقتضب: 2/ 321، 431، والخصائص: 3/ 247، وشرح المفصل: 7/ 63، 8/ 51، والخزانة: 1/ 486، والعيني: 3/ 226، وشذور الذهب: "190/ 489". المفردات الغريبة: أستغفر: أطلب المغفرة. محصيه: ضابطا عدده. الوجه: القصد والتوجيه. المعنى: أطلب المغفرة والعفو من الله على ذنوبي الكثيرة، التي لا أحصيها، فهو رب الخلق جميعا، وإليه الالتجاء في كل شيء، وله يكون العمل والسعي. الإعراب: أستغفر: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. الله: "لفظ الجلالة" اسم منصوب على التعظيم. ذنبا: مفعول ثانٍ لـ "أستغفر". لست: فعل ماضٍٍ ناقص، والتاء: اسمه. محصيه: خبر "ليس" منصوب، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه. رب: بدل من لفظ الجلالة، منصوب مثله، وهو مضاف. العباد: مضاف إليه. "إليه": متعلق بمحذوف خبر مقدم. الوجه: مبتدأ مؤخر مرفوع. والعمل: الواو عاطفة، العمل: اسم معطوف على "الوجه" مرفوع مثله. موطن الشاهد: "أستغفر الله ذنبا". وجه الاستشهاد: ذكر المؤلف وجماعة من النحاة، أن قوله "ذنبا" منصوب على نزع الخافض، الذي هو "من" ومع أن انتصابه على معنى "من" فإنه ليس تمييزا؛ لأنه غير مبين لإبهام اسم مجمل قبله، ولا هو مبين لنسبة في جملة مذكورة قبله أيضا؛ ولذا فهو ليس تمييزا. وإذا عددنا "ذنبا" منصوبا على نزع الخافض؛ فإنما هو على تضمين قوله "أستغفر" معنى "أستتيب"؛ على نحو: "اخترت الرجال محمدا"؛ أي: اخترت من الرجال هذا الرجل؛ ومثله، قوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا} . غير أن الذي رجحه كثير من العلماء، "أستغفر" يتعدى بنفسه إلى مفعولين، فيكون انتصاب قوله: "ذنبا" على أنه مفعول به حقيقة، لا على نزع الخافض. انظر مغني اللبيب: 679.

فإنهما وإن كانا على معنى "من" لكنها ليست للبيان، بل هي في الأول للاستغراق، وفي الثاني للابتداء1. [حكم التمييز وبيان العامل فيه] : وحكم التمييز النصب، والناصب لمبين الاسم هو ذلك الاسم المبهم2،

_ 1 كأنه أراد استغفارا يبتدئ من أول الذنوب إلى ما لا نهاية. وقيل: "من" هنا للتعليل، وهو أظهر. 2 اتفق النحاة في أن ناصب التمييز المبين لإبهام اسم غير جملة، هو ذلك الاسم المبين الذي فسره التمييز؛ غير أنهم اختلفوا في توجيه كون هذا الاسم الجامد قد عمل النصب، فذهب جمهورهم إلى أن هذا الاسم الجامد في نحو قولك: "اشتريت رطلا زيتا" قد أشبه اسم الفاعل المفرد في نحو: "زيد ضارب عمرا" وفي نحو قولك: "اشتريت عشرين ثوبا" أشبه اسم الفاعل المجموع، في نحو: "هؤلاء الضاربون عمرا". شرح التصريح: 1/ 395. فائدة أولى: أشبه الاسم الجامد اسم الفاعل المذكور في أمرين هما: أ- كون كل واحد منهما اسما مشتملا على ما به تمام الاسم، وهو التنوين إذا كان مفردا، أو النون التي تشبه التنوين، وهي نون التثنية والجمع. ب- كون كل واحد من الاسم الجامد واسم الفاعل طالبا لما بعده، ومعلوم أن الشيء إذا أشبه الشيء جاز أن يأخذ بعض أحكامه. المصدر نفسه. فائدة ثانية: رتب الشيخ خالد العوامل في التصريح -حسب قوتها- فجاءت كالآتي: أ- الفعل؛ لأنه يعمل أصالة؛ وهو لا يعمل إلا معتمدا وغير معتمد. ب- اسم الفاعل؛ لأنه يعمل بالحمل على الفعل؛ وهو لا يعمل إلا معتمدا على نفي أو شبهه؛ وهو يعمل في السببي نحو: زيد ضارب ابنه، وفي غير السببي؛ نحو: زيد ضارب عمرا. ج- الصفة المشبهة؛ لأنها لا تعمل إلا في السببي؛ نحو: زيد حسن وجهه وهي ترفع الظاهر، نحو: زيد حسن وجهه، وترفع الضمير؛ نحو: زيد حسن وجهه وهي ترفع الظاهر، التفضيل؛ لأنه يرفع الضمير باطراد، ولا يرفع الظاهر إلا في مسألة الكحل. هـ- الاسم الجامد؛ لِأنه لا يعمل إلا في التمييز؛ لكونه لا يتحمل ضميرا مستترا، في حين أن "أفعل التفضيل" يتحمله. شرح التصريح: 1/ 395.

كـ: "عشرين درهما" والناصب لمبين النسبة المسند من فعل أو شبهه1، كـ: "طاب نفسا"، و: "هو طيب أُبُوَّةً"، وعلم بذلك بطلان عموم قوله2: ينصب تمييزا بما قد فسره3 [أنواع الاسم المبهم] : فصل: والاسم المبهم أربعة أنواع: أحدها: العدد4، كـ: {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} 5.

_ 1 ذهب سيبويه والمزاني والمبرد إلى أن الناصب لتمييز النسبة، هو المسند في الجملة سواء أكان هذا المسند فعلا، كما في قولك: "طاب محمد نفسا" أم كان وصفا -أي مشتقا- نحو: زيد كريم خلقا. وذهب بعضهم إلى أن الناصب له هو الجملة التي تنصب التمييز، التي يوضح التمييز النسبة فيها؛ وليس الفعل وما أشبهه؛ لأنه قد لا يكون في الجملة فعل أو وصف، نحو: هذا أخوك إخلاصا، أو أبوك عطفا. فالقول بأن ناصبه الجملة مطرد، وهو ما اختاره ابن عصفور. المصدر السابق: 1/ 395. 2 أي ابن مالك. 3 يرى ابن مالك في هذا البيت والذي تمامه: "اسم بمعنى "من" مبين نكره ... ينصب تمييزا بما قد فسره أن ناصب تمييز النسبة، هو الجملة "بما قد فسره" وعليه، فيكون يرى أن ناصب تمييز المفرد، هو الاسم الجامد المميز، وهو في هذا موافق لابن عصفور، غير أنه يفهم من كلامه في الألفية أن عباراته في النظم، تدل على أنه يرى في هذه المسألة رأي سيبويه وأصحابه، وأن الناصب لتمييز النسبة، هو الفعل أو الوصف "والفاعل المعني انصبن بأفعلا"؛ فواضح من كلامه أن الناصب للتمييز في نحو: "أنت أعلى منزلا" هو أفعل التفضيل الذي اشتملت عليه الجملة. ورأى الأشموني أن كلا من الجملة والفعل، يوصف بالإبهام من حيث نسبته، فيصح كون التمييز مفسرا لهما باعتبار نسبتهما؛ فيصدق أنه نصب بمفسره؛ وعلى هذا يكون قول الناظم على عمومه. وقيل: إن ذلك خاص بتمييز المفرد، وخصه بالذكر؛ لأنه جامد غالبا؛ فربما توهم أنه لا يعمل. انظر شرح التصريح: 1/ 395، وهمع الهوامع: 1/ 251، وشرح الأشموني: 2/ 195، وضياء السالك: 2/ 231. 4 سواء كان صريحا كمثال المصنف ونحوه، أو كناية، ككم الاستفهامية نحو: كم رطلا اشتريت؟. 5 "12" سورة يوسف، الآية: 4. موطن الشاهد: {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "كوكبا" تمييزا مبينا إبهام العدد "أحد عشرا"، وهو اسم صريح، كما هو معلوم.

والثاني: المقدار، وهو إما مساحة، كـ: "شبر أرضا" أو كيل، كـ: "قفيز برا" أو وزن، كـ: "منوين عسلا" وهو تثنية مَنا، كعصا، ويقال فيه: من، بالتشديد، وتثنيته منان, والثالث: ما يشبه المقدار، نحو: {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا} 1، و: "نحي سمنا" {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} 2، وحمل على هذا: "إن لنا غيرها إبلا"3. والرابع: ما كان فرعًا للتمييز4، نحو: "خاتم حديدا"، فإن الخاتم فرع الحديد، ومثله: "باب ساجا" و: "جبة خزا" وقيل: إنه حال5.

_ 1 "99" سورة الزلزلة، الآية: 7. موطن الشاهد: {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "خيرا" تمييزا مبينا لـ "مثقال ذرة" الشبيه بما يوزن به، وهو ليس اسما لشيء يوزن به عرفا. 2 "18" سورة الكهف، الآية: 109. موطن الشاهد: {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "مددا" تمييزا مبينا لـ "مثله" الشبيه بالمساحة؛ وليس هو مساحة حقيقية، وإنما هو دال على المماثلة من غير ضبط بحد. 3 "إبلا" منصوب على التمييز من غير؛ لِأنها اسم مبهم يدل على المغايرة، وهم يحملون المغايرة. على المماثلة. 4 ضابطه: كل فرع أصبح له بسبب التفريع اسم خاص يليه أصله، بحيث يصح إطلاق الأصل عليه. 5 ذهب المبرد وابن مالك والمؤلف إلى أن "حديدا" إذا نصبت، تكون تمييزا وذلك راجح على كونه حالا من قبل أن الاسم المنصوب جامد ملازم، والأصل في الحال أن يكون مشتقا، ومنتقلا على ما عرفت، ومن قبل أن الاسم المبين نكرة، فلو جعلته حالا؛ للزم مخالفة الأصل من ثلاثة أوجه؛ الأول: جعل الحال جامدا، والثاني: جعله لازما، والثالث: جعل صاحبه نكرة من غير مسوغ؛ ومذهب سيبويه: أن هذا الاسم المنصوب متعين للحالية لا يجوز جعله تمييزا؛ لأن الاسم الذي ينتصب تمييزا إنما يقع بعد مقدار أو ما يشبه المقدار، وليس هذا الاسم واحدا منها. حاشية يس على التصريح: 1/ 396.

والنسبة المبهمة نوعان1: نسبة الفعل للفاعل، نحو: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} 2 ونسبته للمفعول، نحو: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} 3. ولك في تمييز الاسم أن تجره بإضافة الاسم، كـ: "شبر أرض" و: "قفيز بر" و: "منوي عسل"، إلا إذا كان الاسم عددا4، كـ: "عشرين درهما" أو مضافا5، نحو: {بِمِثْلِهِ مَدَدًا} 6، و: {مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا} 7.

_ 1 تمييز النسبة ويسمى تمييز الجملة؛ وهو الذي يزيل الإبهام والغموض عن المعنى المنسوب فيها لشيء من الأشياء. 2 "19" سورة مريم، الآية: 4. موطن الشاهد: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "شيبا" تمييز محولا عن الفاعل؛ والأصل: واشتعل شيب الرأس، فحوِّل الإسناد من المضاف، وهو شيب إلى المضاف إليه، وهو الرأس، فارتفع. ثم جيء بذلك المضاف الذي حول عنه الإسناد فضلة تمييزا. انظر شرح التصريح: 1/ 397. 3 "54" سورة القمر، الآية: 12. موطن الشاهد: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "عيونا" تمييزا محوَّلا عن المفعول؛ لأن نسبة فجرنا إلى الأرض مبهمة. و"عيونا" مبين لذلك الإبهام. والأصل: فجرنا عيون الأرض؛ فحول المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه. 4 إذا كان العدد من ثلاثة إلى عشرة، وجب جر تمييزه بإضافة العدد إليه، والغالب في هذا التمييز المجرور: أن يكون جمعا. والعدد من أحد عشر إلى تسع وتسعين يجب نصب تمييزه، وأن يكون مفردا. والمائة والمائتان والمئات والألف والألوف يجب أن يكون التمييز فيها مفردا مجرورا. همع الهوامع: 1/ 253. 5 أي: إذا أضيف العدد إلى غير التمييز ولو تقديرا وجب نصب تمييزه أيضا؛ لامتناع إضافته مرة أخرى. 6 "18" سورة الكهف، الآية: 109. موطن الشاهد: {بِمِثْلِهِ مَدَدًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "مددا" تمييزا لـ "مثل" ولا يجوز جره بالإضافة؛ لأن "مثل" مضاف مرة؛ فيمتنع إضافته مرة أخرى. 7 "3" سورة آل عمران، الآية: 19. موطن الشاهد: {مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "ذهبا" تمييزا لملء، ولا يجوز جره بالإضافة؛ لأن "ملء" مضاف مرة، فامتنع إضافته مرة أخرى -كما في الآية السابقة- وإلى ذلك أشار ابن مالك في الألفية: والنصب بعدما أضيف وجبا ... إن كان مثل ملء الَارْض ذهبا انظر شرح التصريح: 1/ 397.

فصل: من مميز النسبة الواقع بعد ما يفيد التعجب1، نحو: "أكرم به أبا"، و: "ما أشجعه رجلا"، و: "لله دره فارسا"، والواقع بعد اسم التفضيل، وشرط نصب هذا كونه فاعلا معنى، نحو: "زيد أكثر مالا" بخلاف: "مال زيد أكثر مال"2، وإنما جاز: "هو أكرم الناس رجلا" لتعذر إضافة أفعل مرتين3. [جواز جر التمييز بـ "من" إلا من ثلاث مسائل] : فصل: ويجوز جر التمييز بمن4، كـ: "رطل من زيت" إلا في ثلاث مسائل: إحداها: تمييز العدد، كـ: "عشرين درهما". الثانية: التمييز المحوَّل عن المفعول5، كـ: "غرست الأرض شجرا"، ومنه: "ما أحسن زيدا أدبا" بخلاف: "ما أحسنه رجلا"6. الثالثة: ما كان فاعلا في المعنى إن كان محوَّلا عن الفاعل صناعة، كـ: "طاب زيد نفسا"، أو عن مضاف غيره، نحو: "زيد أكثر مالا" إذ أصله: "مال زيد أكثر" بخلاف: "لله دره فارسا".

_ 1 سواء كان التعجب بصيغتيه المعروفتين، أو بغيرهما من الصيغ السماعية. ويجب نصب التمييز الواقع بعده. 2 ضابط هذا النوع: أن تمييز أفعل التفضيل إن كان من جنس ما قبله جر؛ نحو: محمد أفضل رجل، وإلا نصب نحو: أنت أرقى من علي فكرا. 3 فإنه مضاف إلى الناس، فلو أضيف أيضا إلى رجل لزم ذلك، ونصب التمييز هنا واجب. 4 أي ظاهرة، واختلف في معناها حينئذ، فقيل زائدة، وقيل للتبعيض والأظهر أنها لبيان الجنس. 5 لأن التمييز فيه مفسر للنسبة لا للفظ المذكور، فما بعد "من" من مطلق التمييز مبين لما قبلها، فلا يصح حمله عليه، وكذلك الشأن في المحول عن الفاعل. 6 فإنه وإن كان مفعولا في المعنى إلا أنه ليس محولا عن المفعول لأنه عين ما قبله. فلا يصح أن يقال: ما أحسن رجل زيد.

284- و1....... أبرحت جارا2

_ 1 قائل هذا البيت: هو الأعشى ميمون بن قيس، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: البيت من قصيدة يمدح فيها قيس بن معد يكرب الكندي وهو بتمامه: أقول لها حين جد الرحيـ ... ـل أبرحت ربا وأبرحت جار ويرى بعض النحاة أن رواية البيت هي: تقول ابنتي حين جد الرحيـ ... ـل أبرحت ربا وأبرحت جارا وهو بالرواية الأولى من الشواهد: التصريح: 1/ 399، والكتاب لسيبويه: 1/ 299 والأشموني: "510/ 265" وفيه بالرواية الثانية، ونوادر أبي زيد الأنصاري: 55، وديوان الأعشى: 37. المفردات الغريبة: أبرحت: خطاب للمؤنث: أي أعجبت، أو عظمت، ربا: المراد به الممدوح الذي يقصده الشاعر بشعره، إذا فسر "أبرحت" بعظمت: أي عظمت ملكا. والمراد بالرب: صاحب الناقة؛ وعلى هذا يكون "أبرحت" فعلا متعديا، و"ربا" مفعولا ثانيا. يتخيل الشاعر أن ناقته شكت إليه طول سفرها، وما احتملته من مشاق ومتاعب، فيقول لها: لا تستعظمي ما تلاقينه من الجهد والتعب؛ فإنك تذهبين إلى ملك عظيم، يجزل العطاء الذي ينسى معه كل جهد وعناء. الإعراب: أقول: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. "لها": متعلق بـ "أقول". "حين": متعلق بـ "أقول". جد: فعل ماضٍٍ مبني على الفتح. الرحيل: فاعل مرفوع؛ وجملة "جد الرحيل": في محل جر بالإضافة. أبرحت: فعل ماضٍٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الكسر في محل رفع فاعل. ربا: تمييز منصوب على تفسير "أبرحت" بـ "عظمت" على رأي المؤلف؛ وأما إذا فسر "أبرحت" بـ "اخترت" فـ "ربا". مفعول به منصوب؛ وعلى كلا الإعرابين، فجملة "أبرحت ربا": مفعول القول في محل نصب. وأبرحت: الواو عاطفة، أبرحت: فعل ماضٍٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: فاعل. جارا: تمييز منصوب أو مفعول به منصوب كما في "ربا"؛ وجملة "أبرحت جارا" معطوفة على جملة "أبرحت ربا": في محل نصب. موطن الشاهد: "ربا، جارا". وجه الاستشهاد: مجيء "ربا" و"جارا" تمييزين، وإن كانا فاعلين في المعنى؛ إذ المعنى عظمت فارسا وعظمت جارا، غير أنهما غير محولين عن الفاعل صناعة؛ ولهذا، فيجوز دخول "من" عليهما؛ إذ يجوز القول: من فارس ومن جار؛ نحو قوله: يا سيدا ما أنت من سيد ... موطأ الأكناف رحب الذراع انظر شرح التصريح: 1/ 399.

فإنهما وإن كانا فاعلين معنى؛ إذ المعنى عظمت فارسا وعظمت جارا، إلا أنهما غير محولين، فيجوز دخول "من" عليهما، ومن ذلك "نعم رجلا زيد" يجوز "نعم من رجل" قال1: [الوافر] 285- فنعم المرء من رجل تهام2

_ 1 القائل: هو: أبو بكر بن الأسود الليثي. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: تخيره فلم يعدل سواه ويروى على شكل آخر: تعمده ولم يعظم عليه وهو في رثاء هشام بن المغيرة أحد أشراف مكة، ويروى قبله قوله: فذرني أصطبح يا بكر إني ... رأيت الموت نقب عن هشامِ وهو من شواهد التصريح: 1/ 399، والإنصاف: 225، وشرح المفصل: 7/ 133 والمقرب: 9، وشرح شواهد الألفية للبغدادي: 464، والعيني: 3/ 227، 4/ 14. المفردات الغريبة: تَخَيَّره: اختاره واصطفاه. لم يعدل: لم يمل. تهامي: منسوب إلى تهامة، وتطلق على مكة، وعلى أرض معروفة ببلاد العرب. المعنى: يبين الشاعر أن الموت اختار هشاما، ولم يعدل به سواه، ولم يمل إلى غيره من الناس، فهو نعم الرجل من تهامة. الإعراب: تخيره: فعل ماضٍ، والفاعل: هو، يعود إلى الموت؛ و"الهاء": ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعولٍ به. فلم: الفاء: عاطفة، لم: نافية جازمة. يعدل: فعل مضارع مجزوم بـ "لم" والفاعل: هو. سواه: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف، و"الهاء": ضمير متصل مبني على الضم، في محل جر مضاف إليه. فنعم: الفاء عاطفة، نعم: فعل ماضٍٍ دال على إنشاء المدح. المرء: فاعل مرفوع. من: حرف جر زائد. رجل: اسم مجرور لفظا، منصوب محلا على أنه تمييز لفاعل "نعم"؛ أو نقول: "رجل": تمييز لفاعل "نعم" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة، منع من ظهورها، اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. تهامي: صفة لـ "رجل" مجرورة، وعلامة جرها الكسرة المقدرة على الياء. موطن الشاهد: "من رجل". وجه الاستشهاد: جر التمييز "رجل" بـ "من"؛ لأنه -وإن كان فاعلا في المعنى- غير أنه غير محول عن الفاعل الصناعي؛ وحكم جره بـ "من" الجواز.

[حكم تقدم التمييز على عامله] : فصل: لا يتقدم التمييز على عامله إذا كان اسما1، كـ: "رطل زيتا" أو فعلا جامدا2، نحو: "ما أحسنه رجلا" وندر تقدمه على المتصرف كقوله3: [المتقارب] : 286- أنفسا تطيب بنيل المنى4

_ 1 يجوز أن يتقدم التمييز ويتوسط بين العامل ومعموله؛ نحو: "طاب نفسا محمد" والأصل: طاب محمد نفسا؛ وجواز التقدم والتوسط هذا باتفاق. وأما بالنسبة إلى تقدم التمييز على العامل والمعمول معا؛ فذهب سيبويه والفراء، وأكثر البصريين والكوفيين إلى أنه لا يجوز تقدم التمييز على عامله، سواء أكان العامل اسما، كما في تمييز المفرد أم كان فعلا، كما في تمييز النسبة، وسواء أكان الفعل جامدا كفعل التعجب، في نحو: "ما أحسنه رجلا! " أم كان متصرفا، نحو: طاب محمد نفسا؛ وعلة امتناع تقدمه على العامل، إذا كان اسما أو فعلا جامدا فظاهرة؛ لأن معمول هذين، لا يتقدم عليهما في غير هذا الباب؛ فعدم جواز تقدمه هنا هو من طرد الحكم على وتيرة واحدة. وأما عدم تقدم التمييز على العامل إذا كان فعلا متصرفا؛ لأن أكثر ما ورد من تمييز النسبة محول عن فاعل؛ ومعلوم أن الفاعل لا يجوز تقدمه على فعله؛ وما كان أصله الفاعل خليق بأن يأخذ ما استقر له؛ غير أن المازني والكسائي والمبرد والجرمي، ذهبوا إلى جواز تقديم التمييز على عامله؛ إذا كان فعلا متصرفا، وارتضى هذا القول ابن مالك في بعض كتبه، واستدلوا على ذلك بالسماع وبالقياس.. أما السماع، فقوله: أنفسا تطيب ... الآتي؛ وأما القياس: فالتمييز -وهو منصوب- كالمفعول به وسائر الفضلات، وكلهن يجوز تقديمهن على العامل: إن كان متصرفا -ولم يعبؤوا بأصل، ولم يبالوا به. وانظر في هذه المسألة: همع الهوامع: 1/ 252، وشرح التصريح: 1/ 400، وحاشية الصبان: 2/ 200-201. 2 وكذلك، إذا كان فعلا متصرفا، يؤدي معنى الجامد، نحو: "كفى بالله شهيدا" فـ "كفى" فعل متصرف، غير أنه بمعنى فعل التعجب، وهو غير متصرف؛ لأن معناه: ما أكفاه! 3 القائل: هو رجل من طيء لم يسمه النحاة. 4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: وداعي المنون ينادي جهارا =

وقاس على ذلك المازني والمبرد والكسائي1.

_ = وهو من شواهد: التصريح: 1/ 400، والأشموني: "514/ 1/ 266"، والعيني: 3/ 241، ومغني اللبيب: "838/ 603"، وشرح شواهد المغني: 291. المفردات الغريبة: تطيب: تطمئن. نيل المنى: إدراك المأمول، والمنى: جمع منية، وهي ما يتمناه الإنسان ويأمله. المنون: الموت. المعنى: يعجب الشاعر كيف أن نفس الإنسان، تستلذ وتطمئن، بما تظفر به من الأماني والآمال، ورسول الموت يطلبها طلبا شديدا. لا شك فيه. الإعراب: أنفسا: الهمزة للاستفهام التوبيخي، لا محل لها من الإعراب، نفسا: تمييز منصوب متقدم على عامله "تطيب". تطيب: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنت. "بنيل": متعلق بـ "تطيب"، ونيل: مضاف. المنى: مضاف إليه. وداعي: الواو حالية، داعي: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء؛ منع من ظهورها الثقل، وداعي مضاف. المنون: مضاف إليه مجرور. ينادي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره؛ لِلثقل؛ والفاعل؛ هو، يعود إلى "داعي المنون"؛ وجملة "ينادي جهارا": في محل رفع خبر المبتدأ "داعي" وجملة "داعي المنون ينادي": في محل نصب على الحال. جهارا: مفعول مطلق لعامله: "ينادي"؛ والأصل فيه أنه صفة لمصدر محذوف؛ والتقدير: ينادي نداء جهارا؛ فلما حذف المصدر حل محله؛ وأعرب إعرابه؛ وهذا شائع وكثير في اللغة. موطن الشاهد: "أنفسا تطيب". وجه الاستشهاد: مجيء "نفسا" تمييزا منصوبا متقدما على العامل فيه؛ وهو "تطيب"؛ مع أنه فعل متصرف؛ وحكم تقدم التمييز في هذه الحال الجواز بندرة عند سيبويه والجمهور، وهو جائز بالقياس عند الكسائي والمبرد ومن معهما كما بيَّنَّا سابقا. ومثل هذا الشاهد قول الآخر: أتهجر ليلى بالفراق حبيبها ... وما كان نفسا بالفراق تطيب؟! وقول الآخر: ضيعت حزمي في إبعادي الأملا ... وما اروعيت وشيبا رأسي اشتعلا انظر حاشية الصبان: 2/ 201. 1 مرت ترجمته لكل منهم. فائدتان: فائدة أ: العدد غير الصريح مثل "كم" يجوز جر تمييزه بمن، تقول: كم من كتاب عندك؟. فائدة ب: يتفق الحال والتمييز في أن كلا منهما: اسم، نكرة، منصوب، فضلة رافع للإبهام. ويختلفان في الأمور الآتية: =

..........................................................................

_ = أ: التمييز لا يكون إلا اسما مفردا. أما الحال فيجيء جملة، وشبه جملة "ظرفا وجارا ومجرورا". ب: التمييز يكون مبينا للذوات أو للنسبة، أو الحال، فلا يكون إلا مبينا للهيئات. ج: التمييز لا يتعدد إلا بالعطف. أما الحال فتتعدد بعطف وبغير عطف. د: التمييز في الغالب يكون جامدا. أما الحال فتكون مشتقة وجامدة، وقد يأتي التمييز مشتقا. هـ: الراجح عدم تقديم التمييز على عامله إذا كان فعلا مشتقا أو وصفا يشبهه، أما الحال فيجوز فيه ذلك. ح: التمييز لا يكون مؤكدا لعامله على الصحيح. أما الحال فقد تكون مؤكدة. وأما قول الشاعر: تزود مثل زاد أبيك فينا ... فنعم الزاد زاد أبيك زادا فالصحيح أن "زاد" معمول لتزود، إما مفعولا مطلقا إن أريد به التزويد أو مفعولا به إن أريد الشيء الذي يتزود به من أفعال البر، وعليهما فـ "مثل" نعت له تقدم فصار حالا. وأما قول الآخر: نعم الفتاةُ فتاةً هندُ لو بذلت ... رد التحية نطقًا أو بإيماءِ ففتاة حال مؤكدة. انظر حاشية الصبان: 2/ 202-203.

فهرس أوضح المسالك الجزء الثاني

فهرس أوضح المسالك الجزء الثاني: الموضوع ... الصفحة باب لا العاملة عمل إن ... 3 باب ظن وأخواتها ... 28 باب الأفعال التي تنصب ثلاثة مفاعيل ... 72 باب الفاعل ... 77 باب النائب عن الفاعل ... 119 باب الاشتغال ... 139 باب اللازم والمتعدي ... 156 باب التنازع في العمل ... 167 باب المفعول المطلق ... 181 باب المفعول له ... 197 باب المفعول فيه ... 204 باب المفعول معه ... 212 باب المستثنى ... 220 باب الحال ... 249 باب التمييز ... 295

المجلد الثالث

المجلد الثالث باب حروف الجر ... [باب حروف الجر1] : هذا باب حروف الجر. [عدد حروف الجر] . وهي عشرون حرفا2؛ ثلاثة مضت في الاستثناء، وهي: خلا، وعدا، وحاشا، وثلاثة شاذة:

_ 1 هذه تسمية البصريين، وعللوا ذلك بأنها تعمل الجر فيما بعدها ظاهرا أو مقدرا أو محليا كما قيل: حروف النصب، والجرم لذلك. أو لأنها تجر معاني الأفعال وشبهها وتوصلها إلى ما تجره، ومن أجل هذا سماها الكوفيون: حروف الإضافة؛ لأنها تضيف معاني الأفعال وتربطها بما بعدها. حاشية يس على التصريح: 2/ 2. 2 عشرون حرفا على المشهور، غير أنه في بعضها خلاف، وقد أشار الناظم إليها بقوله: هاك حروف الجر وهي: من، إلى حتى، خلا، حاشا، عدا، في، عن، على مذ، منذ، رب، اللام، كي، واو، وتا والكاف، والبا، ولعل، ومتى وحروف الجر تقع كلها أصلية إلا "من، والباء، واللام، والكاف" فتستعمل زائدة أحيانا و"رب ولعل" حرفا جر شبيهان بالزائد؛ وترك المؤلف ذكر "لولا" حيث يعدها بعض النحاة من حروف الجر، في بعض استعمالاتها؛ فهي تدخل على الاسم الصريح، والمؤول، وعلى الضمير المنفصل، والمتصل؛ فتقول: لولاي، ولولاه، ولولاك؛ واختلف النحاة في هذا الاستعمال، ولهم في ذلك ثلاثة مذاهب: الأول: أن الضمير المتصل "الياء، الكاف، الهاء" موضوع موضع الضمير المنفصل؛ ومحله من الإعراب الرفع، وليس له إلا هذا الإعراب؛ ليجري استعمالها في الأحوال كلها مجرى واحدا. وهذا مذهب الكوفيين، والأخفش من البصريين، ونسبة العيني إلى الخليل ويونس. الثاني: أن "لولا" في هذه الحالة حرف زائد، لا يتعلق بشيء؛ والضمير الذي بعدها؛ له محلان من الإعراب؛ أحدهما: الجر، والثاني: الرفع بالابتداء، كالمجرور بـ"من" الزائدة، كما في قولهم: "ما في الدار من أحد"؛ فأحد: مجرور لفظا ومحله الرفع؛ لأنه مبتدأ؛ وهذا مذهب سيبويه، وجمهور البصريين. =

[الأحرف الشاذة] : أحدها: "متى" في لغة هذيل1؛ وهي بمعنى "من" الابتدائية2، سمع من بعضهم: "أخرجها متى كمه"، وقال3: [الطويل]

_ = الثالث: أن هذا الاستعمال خطأ، لم يرد عن العرب، غير أن هذا المذهب زعم خلاف الحقيقة، حين ورد عمن يحتج بكلامهم هذا الاستعمال، كما في قول العرجي: ولولاك في ذا العالم لم أحجج وكقول عمرو بن العاص يخاطب معاوية بن أبي سفيان في شأن الحسن بن علي رضي الله عنهما: أتطمع فينا من أراق دماءنا ... ولولاك لم يعرض لأحسابنا حسن وهذا المذهب المحجوج مذهب أبي العباس المبرد. انظر حاشية يس على التصريح: 2/ 2، ورصف المباني: 292، والجنى الداني: 597 ومغني البيب: 361، والمقتضب للمبرد: 3/ 73، وابن عقيل: 3/ 7. فائدة: حرف الجر الأصلي؛ ما له معنى خاص، وهو يحتاج إلى متعلق مذكور أو محذوف. وحرف الجر الزائد؛ ما ليس له معنى خاص، وإنما يؤتى به لمجرد التوكيد، وليس له متعلق مذكور أو محذوف في الكلام؛ نحو قولهم: ما زارني من أحد؛ وعملنا أن المجرور به له محلان من الإعراب، فأحد: مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه فاعل زارني. وأما حرف الجر الشبيه بالزائد؛ فله معنى خاص كالحرف الأصلي، غير أنه لا متعلق له كالزائد؛ ففيه شبه من الأصلي، وشبه من الزائد؛ ومثاله: "لولا، ورب، ولعل"؛ فـ"لولا" تدل على امتناع لوجود، و"رب" تدل على التقليل أو التكثير، و"لعل" تدل على الترجي؛ وهذه تجر كالحروف الأصلية، غير أنها لا تحتاج إلى متعلق، فأشبهت الحرف الزائد؛ ولذا سميت أحرف جر شبيهة بالزائدة. 1 من القبائل العربية القحطانية التي أسهمت في الوضع اللغوي، وعنها أخذ اللسان العربي، وكان فيها أكثر من سبعين شاعرا مشهورا، منهم أبو ذؤيب الهذلي. 2 قال في الهمع: وتأتي اسما بمعنى "وسط" حكي: وضعها متى كمه، أي وسطه، وهي حينئذ مبنية لمشابهتها الحرفي. همع الهوامع: 2/ 34. 3 القائل: هو أبو ذؤيب الهذلي؛ خويلد بن خالد بن محرك، أحد بني هذيل بن مدركه من مضر، شاعر فحل، مخضرم، أسلم وحسن وإسلامه، كان فصيحا كثير الغريب له العينية المشهورة، عاش إلى أيام عثمان بن عفان، واشترك في فتح إفريقيا. مات سنة 27هـ.

287- متى لجج خضر لهن نئيج1

_ تجريد الأغاني 786، والشعر والشعراء: 2/ 653، الجمحي: 1/ 131، والأعلام: 2/ 325، والخزانة: 1/ 203. تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: شربن بماء البحر ثم ترفعت وهو من شواهد: التصريح: 2/ 2، وهمع الهوامع: 2/ 34، والدرر اللوامع: 2/ 34، وابن عقيل: 3/ 6، والأشموني: 524/ 2/ 284، والخصائص: 2/ 85، والمحتسب: 2/ 114، وأمالي ابن الشجري: 2/ 27، والخزانة: 3/ 193، والعيني: 3/ 249، 272، 4/ 422، والمغني: 157/ 142، 175/ 151، 628/ 441، والسيوطي: 109، وديوان الهذليين: 1/ 51. المفردات الغريبة: شربن: المراد حملن الماء، والضمير للسحاب. ترفعت: ارتفعت وتصعدت. لجج: جمع لجة وهي معظم الماء، ونئيج: مر سريع بصوت. المعنى: هذا البيت يعبر عما كان العرب يعتقدون، من أن للسحب شبه خراطيم تدنو من البحر المالح في بعض الأماكن فتأخذ من مائه ما شاءت ثم تصعد إلى الجو سريعا ولها دوي؛ فيعذب هذا الماء ويتنقل ثم ينزل إلى حيث يشاء الله مطرا. ونستطيع أن نفسر هذا الاعتقاد الساذج بما يتفق مع ما قرره العلم اليوم، وهو أنه كناية عن تصعد ماء البحار بوساطة حرارة الشمس وتنقله من جهة إلى أخرى بالهواء، حتى يرتفع إلى حيث يشاء الله، ويكون سحبا تنزل بعد مطرا. الإعراب: شربن: فعل ماض مبني على السكون، ونون النسوة في محل رفع فاعل. "بماء": متفلق بـ"شرب"، وماء: مضاف. البحر: مضاف إليه. ثم: حرف عطف. ترفعت: فعل ماض مبني عل الفتح، والتاء: حرف دال على التأنيث، لا محل له من الإعراب، والفاعل: هي، يعود إلى السحائب المذكورة في بيت سابق. متى: حرف جر -على لغة هذيل- بمعنى "من" الابتدائية. لجج: مجرورة بـ"متى" وعلامة جره الكسرة. و"متى لجج": متعلق بـ"شرب". خضر: صفة لـ"لجج" مجرورة. "لهن": متعلق بمحذوف خبر مقدم. نئيج: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وجملة "لهن نئيج": في محل جر صفة ثانية لـ"لجج"؛ ويمكن أن تكون في محل نصب حالا من لجج؛ لأنها وصفت؛ فتخصصت بالوصف. موطن الشاهد: "متى لجج". وجع الاستشهاد: استعمال "متى" حرف جر بمعنى "من" على لغة هذيل، وجره لـ "لجج".

والثاني: "لعل" في لغة عقيل1، قال2: [الوافر] 288- لعل الله فضلكم علينا3

_ 1 بالتصفير؛ قبيلة عربية أبوها عقيل بن كعب بن ربيعة من قيس عيلان بن مضر. 2 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: بشيء أن أمكم شريم وهو من شواهد: التصريح: 2/ 2، والأشموني: 523/ 2/ 284، والعيني: 3/ 247، والمقرب: 41، والخزانة: 368. المفردات الغريبة: لعل: حرف جر شبيه بالزائد ومعناه الترجي، وقيل: هو هنا بمعنى الإشفاق، ولا يتعلق بشيء. فضلكم: زادكم. شريم: هي المرأة المفضاة التي اختلط مسلكاها، ويقال فيها: شرماء وشروم. المعنى: آمل أن يكون الله -سبحانة وتعالى- فضلكم علينا وأكرمكم؛ لأن أمكم -أو بكون أمكم- بهذه الحالة؛ قد اختلط قبلها بدبرها، وهذا الشاعر تهكم واستهزاء. الإعراب: لعل: حرف جر شبيه بالزائد، يفيد معنى الترجي. الله: "لفظ الجلالة" مجرور لفظا مرفوع محلا، على أنه مبتدأ. فضلكم: فعل ماض، والفاعل: هو، و"كم": مفعول به؛ وجملة "فضلكم": في محل رفع خبر المبتدأ. "علينا": متعلق بـ"فضلكم"، أو بمحذوف حال من "شيء"؛ لأنه تقدم عليه. "بشيء": متعلق بـ"فضلكم". إن: حرف مشبة بالفعل. أمكم: اسم "إن" منصوب، وهو مضاف، و"كم": مضاف إليه. شريم: خبر مرفوع؛ وجملة "إن أمكم شريم": لا محل لها من الإعراب؛ لأنها تعليلية. ويجوز فتح همزة "إن"، ويكون المصدر المؤول من "أن وما بعدها": في محل جر بدل من "شيء". موطن الشاهد: "لعل الله". وجه الاستشهاد: استعمال "لعل" حرف جر -على لغة عقيل- فجر بها لفظ الجلالة؛ ومعلوم أن "لعل" ليس له متعلق كما سبق؛ لكونه حرفا شبيها بالزائد، ومثل هذا البيت قول كعب الغنوي: فقلت: ادع أخرى وارفع الصوت جهرة ... لعل أبي المغوار منك قريب انظر حاشية الصبان: 2/ 205.

ولهم في لامها الأولى: الإثبات، والحذف1؛ وفي الثانية: الفتح والكسر. والثالث: "كي" وإنما تجر ثلاثة؛ أحدها: "ما" الاستفهامية2، يقولون إذا سألوا عن علة الشيء: "كيمه"3؛ والأكثر أن يقولوا: "لمه".

_ 1 إثبات اللام الأولى وحذفها في لغات العرب عامة، وليس في "لعل" التي يجر الاسم بعدها خاصة كما ظن بعضهم، والأمثلة على ذلك كثيرة؛ فمثال إثبات اللام الأولى، قول خالد بن جعفر: لعل الله يمكنني عليها ... جهارا من زهير أو أسيد ومثال حذف لامها الأولى قول نافع بن سعد الطائي: ولست بلوام على الأمر بعدما ... يفوت، ولكن عل أن أتقدما وقول العجير السلولي: لك الخير، عللنا بها، عل ساعة ... تمر، وسهواء من الليل يذهب شرح التصريح: 2/ 3. 2 أي التي يسأل بها عن سبب الشيء وعلته. 3 أصل "كيمه": كيما؟ أي: لما؛ ومعلوم أن "ما" الاستفهامية، إذا جرت؛ تحذف ألفها، ويحل محلها "هاء السكت" في الوقف؛ حفظا للفتحة الدالة على الألف؛ وإعرابها كالآتي: كي: حرف جر أصلي، يفيد التعليل، وما: استفهامية في محل جر بـ"كي" وحذفت ألفها لما ذكرنا؛ وذهب الكوفيون في هذه العبارة مذهبا بعيدا، حيث عدوا "كي" -هنا- مصدرية ناصبة للفعل المضارع، وهذا الفعل المضارع المنصوب بها محذوف، وأن "مه" التي بعدها مؤلفة من "ما" اسم الاستفهام، ومن "هاء" السكت، وأن "ما" الاستفهامية في محل نصب مفعولا به؛ لذاك الفعل المحذوف؛ والتقدير -عندهم- كأن قائلا، قد قال لك: جئت، فقلت له: كي تفعل ماذا؟. ونلحظ في مذهب الكوفيين -فضلا عن التكلف الغريب الظاهر- أربعة أمور، لا يجيزها جمهور النحاة وهي: أ- في تأويلهم تخريجهم حذف صلة الحرف المصدري مع بقاء معمولها، فالحرف المصدري "كي"، وصلته: المضارع الذي التزموا تقديره، ومعمول الصلة: ما الاستفهامية؛ وهذا غير جائز. في نصب اسم الاستفهام بعامل تقدم عليه؛ ومعلوم أن الأسماء الاستفهام لها الصدارة؛ فلا يتقدم عليه العامل فيه. =

الثاني: "ما" المصدرية وصلتها1؛ كقوله2: [الطويل] 289- يراد الفتى كيما يضر وينفع3

_ = ج- في حذف ألف "ما" الاستفهامية، في غير الجر، وقد علم أن ألفها، لا تحذف إلا في حالة الجر. د- في حذف المنصوب مع بقاء عامل النصب، وهذا لا نظير له في لغة العرب. وانظر في هذه المسألة: الجنى الداني: 262، وصف المباني: 215، والمقتضب: 2/ 6. 3 أي المصدر المنسبك من "ما" وصلتها، فإن هذا هو المجرور محلا بالحرف. 4 القائل هو: قيس بن الخطيم بن عدي الأوسي، أبو يزيد: شاعر الأوس، وأحد صناديدها في الجاهلية، وأشهر بعد تتبعه قاتلي أبيه وجه حتى قتلهما، له شعر جيد في ذلك، وفي وقعة البعاث بين الأوس والخزرج. أدرك الإسلام ولم يسلم مات سنة 2ق. هـ. تجريد الأغاني: 307-321، والجمحي: 228، الأعلام: 5/ 205، الأغاني: 2/ 154. 1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: إذا أنت لم تنفع فضر فإنما وقد اختلف في نسبته، فقد نسبه بعضهم للنابغة الذبياني، ونسبه البعض إلى النابغة الجعدي. وهو من شواهد التصريح: 2/ 3، والأشموني: 521/ 2/ 283، والخزانة: 3/ 591، والعيني: 3/ 345، 4/ 379، والمغني: 331/ 241، والسيوطي 133، وديون قيس بن الخطيم: 170. المفردات الغريبة: يراد: يقصد. المعنى: إذا لم يكن في مقدورك أن تنفع من يستحق النفع والعون، فضر من يستحق الضرر والإيذاء؛ فإن الإنسان لا يقصد من الحياة غير هذين العملين. الإعراب: إذا: طرف لما يستقبل من الزمان، وخافض لشرطه منصوب بجوابه، مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية. أنت: فاعل لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده؛ مبني على الفتح، في محل رفع؛ والجملة "من الفعل المحذوف وفاعله": في محل جر بالإضافة. لم: حرف جزم ونفي وقلب. تنفع: فعل مضارع مجزوم، والفاعل: أنت؛ وجملة "لم تنفع": تفسيرية، لا محل لها. فضر: الفاء واقعة في جواب شرط غير جازم. ضر: فعل أمر مبني على السكون لا محل له من الإعراب، وحرك بالفتح؛ للتخلص من التقاء الساكنين، وللتخفيف، والفاعل: أنت؛ وجملة "ضر": جواب شرط غير جازم، لا محل لها. فإنما: الفاء تعليلية. إنما: كافة ومكفوفة، تفيد الحصر، لا محل لها. يراد فعل مضارع مبني للمجهول، مرفوع وعلامة رفعه الضمة =

أي: للضر والنفع؛ قاله الأخفش1؛ وقيل: "ما" كافة. الثالث: "أن" المصدرية وصلتها؛ نحو: "جئت كي تكرمني" إذا قدرت "أن" بعدها؛ بدليل ظهورها في الضرورة، كقوله2: [الطويل] 290- لسانك كيما أن تغر وتخدعا3

_ = الظاهرة: الفتى: نائب فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر. كيما: "كي" حرف تعليل وجر، و"ما" حرف مصدري مبني على السكون، لا محل له. يضر: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هو؛ والمصدر المؤول من "ما المصدرية وما دخلت عليه" في محل جر بـ"كي"؛ و"الجار والمجرور": متعلق بـ"يراد"؛ وتقدير الكلام: "يراد الفتى للضر والنفع"؛ وجملة "يضر": صلة الموصول الحرفي، لا محل لها. وينفع: الواو: عاطفة جملة على جملة، ينفع: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هو، يعود إلى الفتى؛ وجملة "ينفع": معطوفة على جملة "يضر": لا محل لها. موطن الشاهد: "كيما". وجه الاستشهاد: دخول "كي" على "ما" المصدرية، وجرها للمصدر المؤول كما بينا في الإعراب -على تأويل الأخفش- وهي عند غيره كافة لـ"كي" عن عمل النصب في الفعل المضارع؛ والفعل المضارع مؤول بالمصدر على القولين. انظر حاشية الصبان: 2/ 204. 1 مرت ترجمته. 2 القائل: هو جميل بن معمر العذري، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: وقالت: أكل الناس أصبحت مانحا والبيت من قصيدة مطلعها قوله: عرفت مصيف الحي والمتربعا ... كما خطت الكف الكتاب المرجعا والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 3، والأشموني: 522/ 2/ 283، والعيني: 3/ 244، 4/ 379، وشرح المفصل: 9/ 14، والخزانة: 3/ 854، والهمع: 2/ 5، والدرر: 2/ 5، والمغني: 333/ 242، والسيوطي: 173، والتصريح: 2/ 230، 231، ديوان جميل: 25. المفردات الغريبة: مانحا: اسم فاعل من المنح وهو الإعطاء، تغر: تخدع -يقال غره غرورا- خدعه. تخدعا: خدعه؛ ختله وأراد به المكروه من حيث لا يعلم. المعنى: أصبحت مانحا جميع الناس حلاوة لسانك وحسن كلامك، لتغرهم وتوقعهم في المكروه من حيث لا يشعرون؛ أن هذا عمل لا يليق بالكملة من الرجال. =

والأولى أن تقدر "كي" مصدرية1 فتقدر اللام قبلها؛ بدليل كثرة ظهورها معها؛ نحو: {لِكَيْلا تَأْسَوْا} 2.

_ = الإعراب: فقالت: الفاء عاطفة، قالت: فعل ماض؛ والتاء: للتأنيث، والفاعل: هي. أكل: الهمزة حرف استفهام، كل: مفعول به ثان لـ"مانح" تقدم عليه وعلى المفعول الأول، وكل: مضاف، والناس: مضاف إليه مجرور. أصبحت: فعل ماض ناقص، والتاء: في محل رفع اسمه. مانحا: خبر "أصبح" منصوب؛ وفاعل اسم الفاعل "مانح" ضمير مستتر فيه؛ تقديره: أنت. لسانك: مفعول به أول، وهو مضاف، والكاف: مضاف إليه. كيما: "كي" حرف تعليل وجر، لا محل له من الإعراب، و"ما" حرف زائد. أن: حرف مصدري ونصب، لا محل له من الإعراب. تغر: فعل مضارع منصوب بـ"أن" المصدرية، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، الفاعل: أنت. وتخدع: الواو عاطفة، تخدع: فعل مضارع معطوف على فعل "تغر" منصوب مثله. والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": في محل جر بـ"كي"؛ و"الجار والمجرور": متعلق بـ"مانح"؛ والتقدير: أصبحت مانحا لسانك كل الناس؛ للنفع والضر. موطن الشاهد: "كيما أن تضر". وجه الاستشهاد: ظهور "أن" المصدرية بعد "كي" وفي ظهورها دلالة على أن "كي" للتعليل، وليست حرفا مصدريا؛ وكذلك يستفاد -هنا- أن "كي" التعليلية، تقدر بعدها "أن" إذا لم تكن موجودة؛ لأن ظهور الشيء في بعض الأوقات دليل على أن هذا الموضع محل له؛ ومثل هذا الشاهد قول الآخر: أردت كيما أن تطير بقربتي ... فتتركها شنا ببيداء بلقع وكذا: أردت لكيما أن ترى إلي عثرة ... ومن ذا الذي يعطي الكمال فيكمل 1 ومتى قدرت مصدرية، كانت هي الناصبة للمضارع، وذلك إذا لم تذكر "أن" بعدها؛ فإذا ذكرت "أن" المصدرية بعدها، ولم تسبقها لام الجر؛ كانت حرف جر؛ شبيهة بلام التعليل من حيث المعنى والعمل؛ فإن ذكرت قبلها اللام؛ كانت حرفا مصدريا ناصبا بنفسه، كأن المصدرية؛ من حيث المعنى والعمل؛ وإن توسطت بينهما؛ فالأحسن اعتبارها جارة للمصدر المنسبك بعدها، مؤكدة للام الجر قبلها؛ ويجوز أن تكون مصدرية مؤكدة بـ"أن" بعدها، والمصدر المنسبك مجرور باللام قبلها. وإن لم توجد "لام الجر" قبلها، ولا "أن" بعدها؛ جاز اعتبارها مصدرية بتقدير اللام قبلها، أو حرف جر بتقدير "أن" بعدها. فائدة: تختص "متى، ولعل، وكي" بالدخول على الاسم الظاهر، وهي لا تستعمل في الجر إلا قليلا. 2 57 سورة الحديد، الآية: 23. =

...............................................................................

_ = موطن الاستشهاد: {لِكَيْلا تَأْسَوْا} . وجه الاستشهاد: اقتران اللام بـ"كي" في الآية الكريمة، يرجع تقديرها عند عدم ظهورها في الكلام. فائدة: ورد في الكلام الفصيح انتصاب الفعل المضارع بعد "كي" التي لم تسبق بلام التعليل، ولا المتبوعة بـ"أن" المصدرية من غير شذوذ ولا علة، في نحو فوله تعالى: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ} ، وكقول النابغة الذبياني: وقفت فيها طويلا كي أسائلها ... عيت جوابا وما بالربع من أحد وأما مذهب النحاة في الناصب للمضارع في مختلف الأحوال فهي: أ- ذهب الأخفش إلى أن الناصب للمضارع في الأوجه كلها "أن" المصدرية ظاهرة أو مقدرة؛ لأن الأخفش يرى أن "كي" لا تكون إلا حرف جر دالا على التعليل؛ فإذا ذكرت اللام قبلها، كما في قوله تعالى: {لِكَيْ لا يَعْلَمَ} ؛ فهو يرى أن "اللام" للتعليل، و"كي" بدل منها، وكانت "أن" مضمرة بعدهما. وإذا ذكرت اللام بعد كي، كما في قول ابن قيس الرقيات: "كي لتقضيني رقية" كانت اللام بدلا من "كي" التعليلية، و"أن" مقدرة بعدها. ب- وذهب الخليل إلى أن الناصب للمضارع في الوجوه كلها "أن" المصدرية ظاهرة أو مقدرة -كما رأى الأخفش- غير أنه ذهب هذا المذهب؛ لكونه لا يرى ناصبا للمضارع غير "أن" المصدرية مظهرة أو مضمرة. ج- وذهب الكوفيون إلى أن الناصب في تلك الوجود كلها "كي" نفسها؛ وذلك؛ لكونهم يرون أن "كي" لا تكون إلا حرفا مصدريا ناصبا للمضارع؛ مذكورا أو مقدرا؛ فإن ذكرت "أن" بعد كي؛ كانت مصدرية أيضا وهي بدل من كي؛ وإن ذكرت اللام بعد؛ كانت اللام زائدة. د- وذهب جمهور البصريين إلى أن "كي" -أحيانا- حرف جر دالا على التعليل، وتكون أحيانا أخرى حرفا مصدريا ناصبا؛ فهم يلتزمون الوجه "الثاني" كما التزمه الكوفيون، ولا يلتزمون الوجه الأول الذي التزمه الأخفش. - وهم يرون أن "كي" تأتي حرفا مصدريا ناصبا للمضارع، ولا تحتمل وجها آخر في إلا حالة واحدة؛ وهي أن تذكر اللام قبلها، ولا تذكر "أن" بعدها، كقول عمر بن أبي ربيعة: "لكي يعلموا أن الهوى حيث تنظر" وهي -عندهم- حرف تعليل وجر ولا تحتمل غير ذلك في حالتين: 1- أن تذكر اللام بعدها، كقول ابن الرقيات: "كي لتقضيني رقية". 2- أن تذكر "أن" بعدها، ولا تذكر قبلها اللام، كما في قول جميل: "كيما أن تغر وتخدعا". =

والأربعة عشر الباقية قسمان: [ما يجر الظاهر والمضمر] : سبعة تجر الظاهر والمضمر؛ وهي: من، إلى، وعن، وعلى، وفي، والباء، واللام؛ نحو: {وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} 1، {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ} 2، {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} 3، {طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} 4، {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} 5، {وَعَلَيْهَا وَعَلَى

_ = وهي -عندهم- محتملة للوجهين في حالتين: 1- أن تذكر -وحدها- من دون أن تتقدما اللام ولا تذكر بعدها "أن". 2- أن تقع "كي" بين اللام وأن، في نحو: "لكيما أن تطير" فإذا عدت كي تعليلية كانت مؤكدة للام، وإن عدت "كي" مصدرية؛ كانت "أن" مؤكدة لها؛ والأول أفضل. انظر في هذه المسألة: مغني اللبيب: 241-234، التصريح: 2/ 230-231. 1 33 سورة الأحزاب الآية: 7. موطن الشاهد: {وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} . وجه الاستشهاد: جر "من" للضمير في الموضع الأول، واللاسم الظاهر في الموضع الثاني. 2 5 سورة المائدة، الآية: 48. موطن الشاهد: {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ} . وجه الاستشهاد: جر "إلى" للاسم الظاهر؛ وهو اسم الجلالة. 3 10 سورة يونس، الآية: 4. موطن الشاهد: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} . وجه الاستشهاد: جر "إلى" للضمير المتصل الهاء. 4 84 سورة الانشقاق، الآية: 19. موطن الشاهد: {طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} . وجه الاستشهاد: جر "عن" للاسم الظاهر "طبق". 5 98 سورة البينة، الآية: 8. موطن الشاهد: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} . وجه الاستشهاد: جر "عن" للضمير المتصل "هم".

الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} 1، {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ} 2؛ {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ} 3، {آمِنُوا بِاللَّهِ} 4، {وَآمِنُوا بِهِ} 5، {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} 6، {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} 7. [ما يختص بالظاهر] : وسبعة تختص بالظاهر، وتنقسم أربعة أقسام8:

_ 1 23 سورة المؤمنون، الآية: 22. موطن الشاهد: {عَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} . وجه الاستشهاد: جر "على" في الموضع الأول للهاء، والاسم الظاهر "الفلك" في الموضع الثاني. 2 51 سورة الذاريات، الآية: 20. موطن الشاهد: {فِي الْأَرْضِ آيَاتٌ} . وجه الاستشهاد: جر "في" للاسم الظاهر "الأرض". 3 43 سورة الزخرف، الآية: 71. موطن الشاهد: {فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ} . وجه الاستشهاد: جر "في" للضمير الهاء. 4 57 سورة الحديد، الآية: 7. موطن الشاهد: {آمِنُوا بِاللَّهِ} . وجه الاستشهاد: جر "الباء" للاسم الظاهر "لفظ الجلالة". 5 46 سورة الأحقاف، الآية: 31. موطن الشاهد: {آمَنُوا بِهِ} . وجه الاستشهاد: جر "الباء" للضمير المتصل "الهاء". 6 2 سورة البقرة، الآية: 284. موطن الشاهد: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} . وجه الاستشهاد: جر "اللام" للاسم الظاهر "لفظ الجلالة"؛ وجر "في" للاسم الظاهر السموات. 7 2 سورة البقرة، الآية: 255. موطن الشاهد: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} . وجه الاستشهاد: جر "اللام" للضمير المتصل "الهاء"؛ وجر "في" للاسم الظاهر "السموات". 8 هذا التقسيم بالنسبة لعملها في الظاهر.

أ- ما لا يختص بظاهر بعينة؛ وهو: حتى، والكاف، والواو، وقد تدخل الكاف في الضرورة على الضمير؛ كقول العجاج1: [مشطور الرجز] 291- وأم أو عال كها أو أقربا2

_ 1 العجاج بن رؤية وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا بيت من مشطور الزجز وقبله قوله: خلى الذنابات شمالا كثبا وفيه يصف العجاج حمارا وحشيا وأتنه. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 3، والأشموني: 528/ 2/ 286، وابن عقيل: 203/ 3/ 13، وشرح المفضل: 8/ 44، والعيني: 3/ 253، وديوان العجاج: 74. المفردات الغريبة: خلى: ترك الذنابات: موضع معين شمالا: أي ناحية الشمال. كثبا: قريبا، والكثب: القرب. أم أوعال: هضبة معروفة. كها: أي مثل الدنابات في البعد. المعنى: أن هذا الحمار ترك الذنابات عن شماله قريبا منه، وترك أم أوعال مثل الذنابات أو أقرب منها إليه. الإعراب: خلى: فعل ماض، وفاعله: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، يعود إلى حمار الوحش. الذنابات: مفعول به لفعل "خلى" منصوب، وعلامة نصبه الكسرة؛ لأنه جمع مؤنث سالم. شمالا: ظرف مكان متعلق بـ"خلى". كثبا: صفة لـ"شمالا" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة. وأم: الواو عاطفة، أم: اسم معطوف على الذنابات، وهو مضاف. أوعال: مضاف إليه مجرور. كها: "الكاف" حرف تشبيه وجر، و"ها" ضمير متل يعود إلى الذنابات، في محل جر بحرف الجر؛ و"كها": متعلق بحال محذوفة من أم أوعال؛ وعلى رواية رفع "أم أوعال" فـ"أم": مبتدأ مرفوع. و"كها": متعلق بالخبر المحذوف. أو: حرف عطف. أقربا: اسم معطوف علي الضمير المجرور محلا بالكاف -على رواية رفع أم أوعال- حيث يكون الجار والمجرور خبرا؛ وهو مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه لا ينصرف للوصفية ووزن الفعل؛ وهو معطوف على محل الجار والمجرور، إن رويت "أم أوعال" بالنصب، ويكون الجار والمجرور حالا؛ وهو منصوب -على هذه الرواية- وعلامة نصبة الفتحة الظاهرة. موطن الشاهد: "كها". وجه الاستشهاد: جر "الكاف" الضمير المتصل "ها" ومن حق "الكاف" أن تجر الاسم الظاهر، والضمير المنفصل -عند بعض النحاة- وجرها الضمير المتصل ضرورة من =

وقول الآخر1: [الزجز] 292- كه ولا كهن إلا حاظلا2292- كه ولا كهن إلا حاظلا2

_ = ضرورات الشعر؛ وقال الأعلم: إدخال الكاف -أي في الشاهد- على المضمير تشبيها لها بـ"مثل"؛ لأنها في معناها، واستعمل ذلك عند الضرورة؛ وسيبوية يرى ذلك قبيحا؛ والعلة له: أن الإضمار يرد الشيء إلى أصله؛ فالكاف بمعنى "مثل". ومثل الشاهد السابق قول أبي محمد اليزيدي اللغوي: شكوتم إلينا مجانيكم ... ونشكو إليكم مجانيننا فلولا المعافاة كناكهم ... ولولا البلاء لكانوا كنا وقول الآخر: لا تملني فإنني كك فيها ... إننا في الملام مشتركان انظر همع الهوامع: 2/ 30-31. 1 القائل: هو رؤبة بن العجاج وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت في وصف حمار وحشي وأتن وحشيات وصدره قوله: فلا ترى بعلا ولا حلائلا وهو من شواهد: التصريح: 2/ 4، والأشموني: 529/ 2/ 286، وابن عقيل: 204/ 3/ 14، وسيبويه 1/ 392، والمقرب: 41، والعيني: 3/ 256، والهمع: 2/ 30، والدرر: 2/ 27، وديوان رؤبة بن العجاج: 128. المفردات الغريبة: بعلا: زوجا، والجمع البعولة، ويقال للمرأة أيضا: بعل وبعلة؛ كزوج وزوجة. حلائل: جمع حليلة وهي الزوجة. حاظلا: مانعا من التزوج. المعنى: لا ترى من الأزواج والزوجات مثل حمار الوحش وأتنه، كل يقصر نفسه على صاحبه، ولا يتطلع إلى غيره إلا من منع أنثاه قهرا عن التزوج، وذلك أن الحمار يمنع أتنه من حمار آخر يريدها. وكانت عادة العرب في الجاهلية إذا طلقوا امرأة، منعوها من التزوج إلا بإذنهم، فجعل الأتن كالحلائل، وجعل الحمار بعلهن. الإعراب: لا: نافية، لا محل لها من الإعراب. ترى: فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر، والفاعل: أنت، بعلا: مفعول به منصوب. ولا: الواو عاطفة، لا: زائدة للتأكيد النفي. حلائلا: معطوف على قوله: "بعلا" منصوب مثله؛ والألف: للإطلاق. كه: "الكاف" حرف تشبيه وجر، و"الهاء": ضمير متصل يعود إلى الحمار الوحشي في محل جر بحرف الجر، و"كه": متعلق بمحذوف صفة لـ"بعل". ولا: الواو عاطفة، لا: زائدة لتأكيد النفي. "كهن": جار ومجرور معطوف على "كه" السابق. إلا: أداة حصر. حاظلا: حال من "بعلا" الموصوف بالجار والمجرور الأول "كه"؛ و"الجار والمجرور" الواقع صفة لـ"بعلا" سوغ مجيء =

ب- وما يختص بالزمان؛ وهو: مذ، ومنذ؛ فأما قولهم: "ما رأيته مذ أن الله خلقه"؛ فتقديره: مذ زمن أن الله خلقه؛ أي مذ زمن1 خلق الله إياه. وما يختص بالنكرات؛ وهو: رب، وقد تدخل في الكلام على ضمير غيبة ملازم للإفراد، والتذكير، والتفسير بتمييز بعده مطابق للمعنى2؛ قال3: [الخفيف] 293- ربه فتية دعوت إلى ما4

_ = "حاظلا" حالا من "بعلا" الواقع نكرة؛ وإما إذا عدت "ترى" علمية فـ"حاظلا" مفعول به ثان؛ والأول -هنا- أرجع. موطن الشاهد: "كه، كهن". وجه الاستشهاد: جر "الكاف" الضمير المتصل؛ وحكم جرها له الجواز للضرورة الشعرية. 1 فمذ في الحقيقة إنما جرت زمانا محذوفا مضافا إلى المصدر. ويشترط في الزمان المجرور بهما: أن يكون معينا لا مبهما، كمنذ زمن. وماضيا أو حالا لا مستقبلا، كمنذ غد. ومتصرفا لا غيره، كمنذ سحر، تريد سحر يوم بعينه، فإن لم ترده من يوم بعينه فهو متصرف كقوله تعالى: {إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} . وشرط عاملهما أن يكون فعلا ماضيا: إما منفيا متكررا نحو: ما رأيته منذ يوم الجمعة. أو مثبتا متطاولا -فيه معنى الاستمرار- كسرت منذ يوم الخميس، ولا يجوز قتله مذ يوم الخميس. 2 في الإفراد والتثنية والجمع، والتذكير والتأنيث، وقد استغنى بمطابقة التمييز للمعنى عن مطابقة الضمير. والكوفيون يجيزون مطابقة الضمير لفظا تقول: ربها امرأة، وربهما رجلين ... وهكذا. التصريح: 2/ 4، والأشموني: 1/ 286، والدرر اللوامع: 2/ 21. 3 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجز قوله: يورث المجد دائبا فأجابوا وهو من الشواهد: التصريح: 2/ 4، والأشموني: 2/ 286 عرضا، والهمع: 2/ 27، والدرر: 2/ 20، والشذور: 180/ 65، والعيني: 3/ 259، والمغني: 877/ 638، والسيوطي: 296. =

د- ما يختص بالله ورب مضافا للكعبة أو لياء المتكلم؛ وهو التاء؛ نحو: {تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ} 1، و"ترب الكعبة"، و"تربي لأفعلن"، وندر: "تالرحمن" "وتحياتك"2.

_ = المفردات الغريبة: فتية: جمع فتى. دعوت ناديت. يورث: يكسب المجد: الكرم والشرف. دائبا: مداوما مجتهدا فيه. المعنى: كثير من الشباب دعوتهم إلى ما يكسبهم المجد والشرف والكرم، وثابرت على دعائهم فاستجابوا لما دعوتهم إليه، ولبوا ندائي. الإعراب: ربه: "رب" حرف جر شبيه بالزائد، يفيد التقليل، و"الهاء" ضمير غيبة يعود إلى فتية المميز له؛ والمتاخر عنه، وهو مبني على الضم؛ وله محلان من الإعراب؛ الجر بـ"رب"؛ والرفع على الابتداء. فتية: تمييز لـ"ضمير الغيبة المجرور محلا بـ"رب". دعوت: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: فاعل؛ وجملة "دعوت": في محل نصب صفة لـ"فتية". "إلى ما": متعلق بـ"دعوت". يورث: فعل مضارع مرفوع؛ لتجرده من الناصب والجازم، والفاعل: هو؛ يعود إلى الاسم الموصول. المجد: مفعول به منصوب؛ وجملة "يورث": صلة للموصول، لا محل لها. دائبا: حال من التاء في "دعوت" منصوب. فأجابوا: الفاء عاطفة، أجاب: فعل ماض مبني على الضم، لاتصاله بالواو؛ والواو ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل؛ موطن الشاهد: "ربه فتيه". وجه الاستشهاد: جر "رب" الشبيه بالزائد ضمير مفردا مذكورا، مع أنه مفسر بتمييز مجموع "فتية"؛ فدل ذلك، على أنه يجب إفراد الضمير وتذكيره مهما يكن مفسره؛ وذلك لأن هذا التمييز لازم، لا يجوز تركه؛ فتركوا بيان المراد من الضمير للتمييز؛ واختلف في الضمير المجرور بـ"رب" فقيل: معرفة، وقيل: نكرة؛ لأنه عائد على واجب التنكير. انظر شرح التصريح: 2/ 4. 1 21 سورة الأنبياء، الآية: 57. موطن الشاهد: "تالله لأكيدن". وجه الاستشهاد: مجيء "التاء" حرف جر وقسم داخله على لفظ الجلالة؛ وهي تدخل على لفظ الجلالة كما في المتن، وعلى "رب" مضافا إلى الكعبة أو إلى ياء المتكلم، على رأي الأخفش؛ وندر دخولها على "الرحمن" و"حياتك"؛ فتقول: "تالرحمن، وتحياتك" على رأي سيبويه. شرح التصريح: 2/ 4. 2 معناه: وحياتك، فالتاء بدل من واو القسم.

[معاني الحروف] . فصل: في ذكر معاني الحروف1. لـ"من" سبعة معان؛ أحدها: التبعيض؛ نحو: {حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} 2، ولهذا قرئ: "بعض ما تحبون". والثاني: بيان الجنس3................................................................

_ 1 مذهب البصريين أن لكل حرف من حروف الجر معنى واحدا يؤديه على سبيل الحقيقة، فمعنى "في" الظرفية، و"على" الاستعلاء ... إلخ. فإذا أدى الحرف معنى آخر غير المعنى الخاض به كانت تأديته لهذا المعنى بطريق المجاز، أو بتضمين العامل الذي يتعلق به الحرف معنى عامل آخر يتعدى بهذا الحرف. ولا بد لصحة استعمال المجاز من علاقة بين المعنى المنقول منه والمعنى المنقول إليه، وقرينة تصرف الذهن عن المعنى الأصلي إلى المعنى المجازي. ومذهب الكوفيين: أن قصر الحرف على معنى واحد تعسف لا مبرر له، وأنه إذا اشتهر استعمال الحرف في معنى، شاعت دلالته عليه؛ بحيث يفهمها السامع بلا لبس ولا غموض كان هذا المعنى حقيقيا بالنسبة للحرف، ولا مجاز ولا تضمين، وفي هذا المذهب تيسير، وقد رجحه كثير من المحققين، على أن الباحثين متفقون على أن المجاز إذا اشتهر وشاع أصبح حقيقة عرفية. التصريح: التصريح: 2/ 4-5. 2 3 سورة آل عمران، الآية: 92. أوجه القراءات: ذكر صاحب التصريح أن قراءة "بعض ما تحبون" لعبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه. انظر شرح التصريح: 2/ 8. موطن الشاهد: "مما تحبون". وجه الاستشهاد: مجيء "من" بمعنى "بعض"؛ لأن المراد: حتى تنفقوا بعض ما تحبون؛ ولذا، كلما جاز حذف "من" ووضع بعض مكانها؛ كانت دالة على التبعيض، كما في المتن. 3 أي بيان أن ما بعدها جنس يشمل ما قبلها، وأكثر ما تقع بعد "ما" و"مهما" لشدة إبهامهما، نحو {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ} ، و {مَا نَنسَخ من آيَةٍ} وعلامتها: صحة الإخبار بما بعدها عما قبلها، وهنالك علامة أخرى وهي صحة حذف "من" ووضع اسم موصول مكانها؛ مع ضمير يعود على ما قبلها إن كان معرفة. فإن كان نكرة فالعلامة أن يخلفها الضمير وحده؛ فنحو: {أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} تقول فيه: هي ذهب. و"من" البيانية =

نحو: {مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} 1. والثالث: ابتداء الغاية2 المكانية باتفاق؛ نحو: {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} 3، والزمانية، خلاف لأكثر البصريين4، ولنا قوله تعالى: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} 5،

_ = مع مجرورها ظرف في محل نصب على الحال إن كان ما قبلها معرفة, ونعت تابع لما قبلها إن كان نكرة. مغني اللبيب: 420، الجنى الداني: 309-310، وصف المباني: 323. 1 18 سورة الكهف، الآية: 31. موطن الشاهد: {مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} وجه الاستشهاد: مجيء "من" الثاينة دال على بيان الجنس، وأما "من" الأولى فزائدة؛ وأنكر بعض النحاة مجيء "من" لبيان الجنس، وقالوا: إن قوله تعالى {مِنْ ذَهَبٍ} ، و {مِنْ سُنْدُسٍ} للتبعيض، وليست لبيان الجنس. 2 المراد بالغاية هنا: المقدار والمسافة لا آخر الشيء، وعلامتها: أن يصلح في مكانها "إلى" أو ما يفيد فائدتها. 3 17 سورة الإسراء، الآية: 1. موطن الشاهد: {مِنَ الْمَسْجِدِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "من" مفيدة ابتداء الغاية المكانية؛ وحكم مجيئها مفيد هذا المعنى الجواز باتفاق. 4 يرى البصريون أن "من" لا تأتي لابتداء الغاية الزمانية، وأما الكوفيون، فيرون أنها تكون الغاية الزمانية، بقوله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} ؛ ومعلوم أن "أول يوم" من الزمان؛ بينما زعم البصريون أن "من" في الآية لابتداء الغاية في الأحداث، وأن التقدير: من تأسيس أول يوم؛ وابن هشام في "مغني اللبيب" مال إلى رأي البصريين؛ فرأيه -هناك- خلاف رأيه هنا. انظر مغني اللبيب: 419، وشرح التصريح: 2/ 8. 5 9 سورة التوبة، الآية: 108. موطن الشاهد: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} . وجه الاستشهاد: احتج الكوفيون بهذه الآية على مجيء "من" مفيدة ابتداء الغاية في الزمان -كما أسلفنا- بينما رأى البصريون أن "من" لابتداء الغاية في الأحداث -هنا- والتقدير: من تأسيس أول يوم.

والحديث: "فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة"1، وقول الشاعل2: [الطويل] 294- تخيرن من أزمان يوم حليمة3

_ 1 حديث رواه البخاري في باب الاستسقاء: 2/ 508؛ وفيه: جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "هلكت المواشي، وتقطعت السبل"، فدعا -أي رسول الله صلى اله عليه وسلم- فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة. ومثله في الموطأ: 1/ 191. 2 هو: النابغة الذبياني، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت يمدح فيه الشاعر عمرو بن الحارث الأعرج، أحد ملوك الغسانيين وعجزه قوله: إلى اليوم قد جربن كل التجارب وقبل الشاهد البيت المشهور: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 8، والأشموني: 533/ 2/ 287 وابن عقيل: 205/ 3/ 16 ومغني اللبيب: 598/ 420 والخزانة: 3/ 303، وشرح المفصل: 5/ 128، والعيني: 3/ 270، وديوان النابغة: 6. المفردات الغريبة: تخيرن: وقع الاختيار عليهن، واصطفين، وضمير الإناث للسيوف في البيت الأول. يوم حليمة: يوم من أيام العرب المشهورة. وكان سنة 61ق. هـ وحليمة هي: بنت الحارث بن أبي شمر ملك غسان، وكان أبوها قد وجه جيشا إلى المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة بالعراق، فشجعت الجيش ومنحت أفراده جزءا من طيبها فانتصر وقتل المنذر. وقد ضرب بذلك المثل فقيل: "وما يوم حليمة بسر" وهو يضرب لكل أمر مشهور. جربن: اختبرن وامتحن. التجارب: جمع تجربة وهي اختبار الشيء، مرة بعد أخرى. المعنى: أن هذه السيوف، جربت واختبرب مرات كثيرة من هذا الوقت، وأظهرت التجارب مضاءها وصفاء جوهرها، وجودة صقلها وشدة فتكها بالأعداء. الإعراب: تخيرن: فعل ماض مبني للمجهول، مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة؛ والنون: في محل رفع نائب فاعل. من: حرف جر دال على ابتداء الغاية الزمانية. أزمان: اسم مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة، وهو مضاف. ويوم: مضاف إليه وهو مضاف. حليمة: مضاف إليه؛ وقد صرفه الشاعر لاضطراره إلى تنوينه -لإقامة الوزن- ومن ثم، جره بالكسرة الظاهرة. "إلى اليوم": متعلق بـ"تخير". قد: حرف تحقيق، لا محل له من الإعراب. جربن: فعل ماض، مبني للمجهول، مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة؛ و"النون" في محل رفع نائب فاعل. كل: معفول مطلق منصوب، وهو مضاف. التجارب: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة. =

والرابع: التنصيص على العموم1؛ أو تأكيد التنصيص عليه2؛ وهي الزائدة3؛ ولها ثلاثة شروط: ان يسبقها نفي، أو............................................................

_ = موطن الشاهد: "من أزمان". وجه الاستشهاد: استشهد الكوفيون بهذا البيت على مجيء "من" دالة على ابتداء الغاية الزمانية، ورد عليهم البصريون بأن الكلام على تقدير مضاف؛ أي: من استمرار يوم حليمة؛ كما قدروا مضافا في الحديث الشريف السابق؛ لتكون "من" لابتداء الغاية في الأحداث؛ أي: من صلاة يوم الجمعة؛ وربما جاء الابتداء في غير الزمان والمكان، نحو قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} . ضياء السالك: 2/ 252. 1 أي: عموم المعنى وشمول كل فرد من أفراد الجنس، وهي الداخلة على نكرة ليست ملازمة للوقوع بعد النفي، ولا تدل على العموم بنفسها؛ نحو: ما جاءني من رجل؛ ذلك أن كلمة "رجل" من النكرات التي قد تقع بعد النفي أو لا تقع؛ فوقوعها بعد النفي لا يفيد العموم والشمول لكل فرد، بل يحتمل خروج بعض الأفراد من دائرة النفي؛ فإذا أريد النص في الشمول على سبيل اليقين جيء بالحرف الزائد "من"، ووضع قبل النكرة مباشرة، ومن ثم لا يصح أن يقال: ما غاب من رجل وإنما غاب رجلان أو أكثر منعا للتناقض. مغني اللبيب: 425، والتصريح: 2/ 8. 2 هي الداخلة على نكرة لا تستعمل إلا بعد نفي أو شبهه، فتدل بنفسها على العموم مثل: أحد -عريب- ديار، تقول: ما جاءني من أحد، فيدل ذلك دلالة قاطعة على العموم والشمول، وإنما كانت الأولى للتنصيص، وهذه للتأكيد؛ لأن النكرة الملازمة للنفي تدل على العموم بنفسها، فزيادة "من" تأكيد لذلك العموم. أما الأولى فإن النكرة قبل دخول "من" تحتمل نفي الواحدة ونفي الجنس على سبيل العموم؛ فدخولها نص على الثاني. ضياء المسالك: 2/ 253. 3 المواضع التي تزاد فيها "من" على وجه التفصيل تسعة: 1- قبل الفاعل، كقوله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} ، فذكر: فاعل يأتي، وقبل "من" ما النافية. 2- قبل النائب عن الفاعل، كقولك: ما اتهم من أحد بهذه التهمة، فأحد: نائب فاعل اتهم المبني للمجهول، وقبل "من" ما النافية. 3- قبل المبتدأ، كقوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ} فخالق مبتدأ، وقبل "من" هل الاستفهامية. 4- قبل اسم كان، كقوله تعالى: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ} فخرج: اسم كان، وقبل "من" ما النافية.

.................................. نهي1، أو استفهام بهل2، وأن يكون مجرورها نكرة، وأن

_ = 5- قبل المفعول به، كقوله تعالى: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} فأحد: مفعول به لتحس، وقبل "من" هل الاستفهامية. 6- قبل المفعول الأول من مفعولي ظن وأخواتها، نحو: ما ظننت من أحد يذهب إلى مثل ما ذهبت إليه. 7- قبل المفعول الأول من مفعولات أعلم وأخواتها نحو: ما أعلمت من أحد أنك مسافر. 8- قبل المفعول الأول من مفعولي أعطى، نحو: ما أعطيت من أحد مثل ما أعطيتك. 9- قبل المفعول الثاني من مفعولي أعطى نحو: ما منحت أحدا من دينار. وكل هذه المواضع يصدق عليها أنها فاعل أو مفعول أو مبتدأ. وزيادتها يعني وقوعها في موضع يطلبه العامل بدونها فتكون مقحمة بين طالب ومطلوب، وإن كان سقوطها مخلا بالمعنى المراد. الجنى الداني: 319، وحاشية يس على التصريح: 2/ 9. 1 فلا تزاد في الإثبات إلا في تمييز "كم" الخبرية؛ إذا كان مفصولا منها بفعل متعد، نحو قوله تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} . فائدة: ذهب الكوفيون إلى أنه لا يشترط في مجرور "من" الزائدة إلا شرط واحد، وهو أن يكون مجرورها فاعلا، أو مفعولا، أو مبتدأ، ولا يشترط أن يتقدم عليها نفي، أو استفهام، أو نهي؛ واستدلوا على ذلك بورودها زائدة في الكلام الموجب الذي لم يتقدمه نفي أو نهي أو استفهام، كما في قولهم: "قد كان من مطر" وقولهم: "وقد كان من حديث فخل عني"؛ فكان -هنا- تامة محتاجة إلى فاعل، و"من" زائدة، و"مطر" و"حديث" فاعل؛ وكلاهما مجرور لفظا مرفوع محلا؛ وأول بعض العلماء هذين الشاهدين بأن الفاعل فيهما ضمير مستتر؛ تقديره: هو، يعود إلى اسم الفاعل كان؛ والتقدير: قد كان هو -أي الكائن- من مطر؛ وفي الثاني: قد كان هو -أي الكائن- من حديث؛ وقالوا: لو سلمنا بأن الاسم الذي دخلت عليه "من" هو الفاعل، فلا نسلم بأنه لم يتقدم عليه نفي أو استفهام بهل؛ بل ندعي أنه قد سبقه استفهام بـ"هل"، وندعي أن هذا الكلام واقع في جواب كلام، وأنه وارد على سبيل حكاية ما تكلم به المستفهم. وكأن قائلا يقول: هل كان من مطر؟، فقيل له: قد كان من مطر؛ وهل كان من حديث؟، فقيل له: قد كان من حديث؛ وهذا تكلف، لا نرى له مسوغا. وذهب الأخفش والكسائي وهشام إلى أنه تجوز زيادة "من" بغير شرط؛ فتزاد بعد الإيجاب، وبعد النفي؛ ويجوز أن يكون مدخولها معرفة، وأن يكون نكرة؛ ويجوز أن يكون واقعا في أحد مواقع الإعراب المذكورة، أو في غيرها. وانظر شرح التصريح: 2/ 9-10، ومغني اللبيب: 428، والجنى الداني: 318. 2 أو بالهمزة كذلك على الراجح، نحو: هل جاءك، أو أجاءك من بشير؟. هذا وقد زاد =

يكون إما فاعلا؛ نحو: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ} 1، أو مفعولا؛ نحو: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} 2، أو مبتدأ؛ نحو: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} 3. والخامس: معنى البدل4، نحو: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} 5.

_ = الفارسي، الشرط، واستشهد لذلك بقول زهير بن أبي سلمى: ومهما تكن عند امرئ من خلقية وإن خالها تخفى على الناس تعلم مغني اللبيب: 425-426. 1 21 سورة الأنبياء، الآية: 2. موطن الشاهد: {مِنْ ذَكَرٍ} . وجه الاستشهاد: مجيء "من" حرف جر زائد في الآية الكريمة، بعد النفي ومجيء المجرور بها -لفظا- فاعلا لـ"تأتيهم" المنفي بـ"ما" وهو نكرة؛ وحكم مجيئها حرف جر زائد -في هذه الحال- الجواز باتفاق. 2 19 سورة مريم، الآية: 98. موطن الشاهد: "من أحد". وجه الاستشهاد: مجيء "من" حرف جر زائد في الآية الكريمة؛ حيث جاءت بعد الاستفهام بـ"هل" وجاء المجرور بها -لفظا- مفعولا به لفعل "تحس" المسبوق بـ"هل"؛ وحكم مجيء "من" حرف جر زائد -في هذه الحال- الجواز باتفاق. فائدة: قد تزاد "من" مع المفعول المطلق، كما في قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} ، وقوله -جل جلاله: {وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ} ، فجعل أبو البقاء "شيء" بمعنى تفريط في الآية الأولى، وبمعنى "ضرر" في الآية الثانية. شرح التصريح: 2/ 9، ومغني اللبيب: 426. 3 35 سورة فاطر، الآية: 3. موطن الشاهد: "هل من خالق". وجه الاستشهاد: مجيء "من" حرف جر زائد بعد الاستفهام، ومجيء المجرور به -لفظا- نكرة، وهو مبتدأ. 4 أي: أن تكون بمعنى كلمة "بدل" بحيث يصح أن تحل هذه الكلمة محلها؛ وقد أنكر قوم مجيء "من" للبدل، فقالوا: التقدير في هذه الآية، أي بدلا من الآخرة، وعلى هذا يكون المفيد للبدل هو متعلق "من"، لا "من" نفسها و"من" هنا للابتداء. مغني اللبيب: 423، التصريح: 2/ 10. 5 9 سورة التوبة، الآية: 38.

والسادس: الظرفية1، نحو: {مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} 2، {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} 3. والسابع4: التعليل؛ كقوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ.............................................

_ = موطن الشاهد: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "من" في الآية الكريمة بمعنى "بدل" أي بدل الآخرة، وأنكر قوم مجيئها للبدل كما أوضحنا. 1 مكانية أو زمانية، وهذا هو قول الكوفيين، وقال البصريون: هي في الآيتين؛ لبيان الجنس كما في قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} مغني اللبيب: 420. 2 35 سورة فاطر، الآية: 40. موطن الشاهد: "من الأرض". وجه الاستشهاد: مجيء "من" بمعنى "في" تفيد الظرفية المكانية على مذهب الكوفيين، والبصريون رأوا أنها -هنا- لبيان الجنس، وليست للظرفية، كما بينا. 3 62 سورة الجمعة، الآية: 9. موطن الشاهد: "من يوم". وجه الاستشهاد: مجيء "من" بمعنى "في" أي: في يوم الجمعة؛ فهي في هذه الآية بمعنى الظرفية الزمانية -على مذهب الكوفيين- والبصريون يرون أنها لبيان الجنس. 4 وقد ذكر في المغني إضافة إلى هذه المعاني: ثامنا: المجاوزة كـ"عن" نحو قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} أي عن ذكر الله. تاسعا: وهو الانتهاء، نحو قولك: قربت منه، أي إليه. عاشرا: وهو الاستعلاء، نحو قوله تعالى: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ} أي عليهم وخرجها المانعون على التضمين؛ أي: منعناه بالنصر من القوم. حادي عشر: وهو الفصل؛ كقوله تعالى: {حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} ونحو: لا تعرف زيدا من عمرو. فقد دخلت "من" على متضادين أو نحوهما. ثاني عشر: بمعنى الباء، وهذا عند بعض البصريين، وبعض الكوفيين؛ نحو: {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} أي بطرف. ثالث عشر: موافقة "عند" كقوله تعالى: {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} قاله أبو عبيدة. رابع عشر: مرادفة "ربما" وذلك إذا اتصلت بما كقوله: إنا لمما نضرب الكبش ضربة. خامس عشر: للغاية، تقول: رأيته من ذلك الموضع، فجعلته غاية لرؤيتك. وقد أسقط المصنف ذكر هذه المعاني لما في بعضها من الرد. =

أُغْرِقُوا} 1، وقال الفرزذق: [الطويل] يغضي حياء ويغضَى من مهابته3 [معاني اللام] : وللام اثنا عشر معنى: أحدها: الملك3، نحو: {لَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} 4. والثاني: شبه الملك، ويعبر عنه بالاختصاص5؛ نحو: "السرج للدابة".

_ = التصريح: 2/ 10، ومغني اللبيب: 419 وما بعدها. 1 71 سورة نوح، والآية: 25. موطن الشاهد: "مما خطيئاتهم". وجه الاستشهاد: مجيء "من" مفيدة التعليل -على رأي جماعة من النحاة- لأن التقدير: أغرقوا لأجل خطاياهم؛ فقدمت العلة على المعلول للاختصاص. شرح التصريح: 2/ 10. 2 هذا صدر بيت، من كلمة يقولها الفرزدق في مدح زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم. وعجز هذا البيت قوله: فما يكلم إلا حين يبتسم وقد مر تخريج هذا الشاهد والتعليق عليه. موطن الشاهد: "من مهابته". موطن الاستشهاد: مجيء "من" مفيدة التعليل -على رأي بعض النحاة- لأن التقدير: يغضى منه لأجل مهابته؛ والإغضاء: إرخاء الجفون. فائدة: إذا ولي "من" اسم مبدوء بـ"أل" فالأحسن فتح نونها؛ نحو: قدم المدينة؛ وإذا وليها ساكن آخر، فالأغلب كسر نونها؛ نحو: سررت من اجتهادك. ضياء السالك: 2/ 254. 3 هي التي تقع بين ذاتين، الثانية منهما هي التي تملك حقيقة، وهذا المعنى أكثر استعمالاتها؛ نحو: القلم للتلميذ. 4 31 سورة لقمان، الآية: 26. موطن الشاهد: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" مفيدة معنى الملك؛ لأن ما في السموات وما في الأرض ملك لله تعالى. 5 وتقع بين ذاتين؛ ثانيتهما لا تملك حقيقة، وإنما تختص بالأولى دون تملك من أحداهما =

والثالث: التعدية؛ نحو: "ما أضرب زيدا لعمرو"1. والرابع: التعليل؛ كقوله: [الطويل] وإني لتعروني لذكراك هزة2 والخامس: التوكيد؛ وهي الزائدة3؛ نحو قوله4: [الكامل] 295- ملكا أجار لمسلم ومعاهد5

_ = للأخرى، كمثال المصنف. أو أولاهما لا تملك؛ كأنت لي، وأنا لك، وقد تقع اللام قبل الذاتين، نحو: لأخي ابن ذكي. فإن وقعت بين معنى وذات، نحو الحمد لله، والويل للكافرين، كانت للاستحقاق، وقد يعبر عن الجميع بلام الاختصاص. مغني اللبيب: 275. 1 "ضرب" متعد في الأصل، فلما بني للتعجب؛ نقل إلى "فعل" فصار قاصرا فعدي بالهمزة إلى زيد وباللام إلى عمرو؛ هذا مذهب البصريين؛ وذهب الكوفيون إلى أن الفعل باقٍ على تعديته، ولم ينقل، واللام هنا لتقوية العامل لضعفه باستعماله في التعجب. 2 تقدم تخريج هذا الشاهد والتعليق عليه في "باب إن وأخواتها". موطن الشاهد: "لذكراك". وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" مفيدة التعليل؛ والتقدير: تعروني -لأجل تذكري إياك- هزة. 3 وتقع بين الفعل ومعموله المؤخر عنه كمثال المؤلف، وبين المتضايفين نحو: يا بؤس للحرب. وفائدتها، تقوية المعنى دون العامل ولا تتعلق بشيء وهناك رأيان في ما بعدها، أهو مجرور بها، أم بالمضاف؟. 4 القائل: هو الرماح بن أبرد المعروف بابن ميادة، وقد مرت ترجمته. 5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره وقوله: ومكلت ما بين العرق ويثرب والبيت من كلمة للشاعر في مدح أمير المدينة؛ عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان ومطلع هذه القصيدة قوله: من كان أخطأه الربيع فإنما ... نضر الحجاز بغيث عبد الواحد إن المدينة أصبحت معمورة ... بموج حلو الشمائل ماجد والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 11، والأشموني: 540/ 2/ 90 مغني اللبيب: =

وأما {رَدِفَ لَكُمْ} 1؛ فالظاهر: أنه ضمن معنى اقترب؛ فهو مثل {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} 2.

_ = 392/ 285، والأغاني "بولاق": 2/ 115، والعيني: 3/ 278، والهمع: 2/ 33، 157، والسيوطي: 197. المفردات الغريبة: يثرب: الاسم القديم للمدينة المنورة، سميت باسم رجل من العمالقة بناها، وتسمى كذلك "طيبة" سماها بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم. أجار: حفظ وحمى. معاهد: هو من يدخل بلاد الإسلام بعهد من الإمام. المعنى: لقد امتد سلطانك وانبسط نفوذك، حتى شمل ما بين العراق والمدينة المنورة، وشملت الجميع بعدلك وحمايتك، سواء في ذلك المسلم والمعاهد. الإعراب: ملكت: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: فاعل. ما: اسم موصول بمعنى الذي، مفعول به لـ"ملكت" مبني على السكون في محل نصب. "بين": متعلق بمحذوف صلة الموصول، وهو مضاف. العراق: مضاف إليه مجرور. ويثرب: الواو عاطفة، يثرب: اسم معطوف على العراق مجرور مثله؛ وصرف الشاعر "يثرب" اضطرارا لإقامة الوزن؛ فنونه، وجره بالكسرة. ملكا: مفعول مطلق منصوب. أجار: فعل ماض، والفاعل: هو؛ وجملة "أجار": في محل نصب صفة لـ"ملكا" لمسلم: اللام حرف جز زائد، لا محل له من الإعراب، مسلم: اسم مجرور لفظا منصوب محلا، على أنه مفعول به لـ"أجار". ومعاهد: الواو عاطفة، معاهد: اسم معطوف على مسلم -على لفظه- مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة. موطن الشاهد: "لمسلم". وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" زائدة لمجرد التوكيد؛ لأن فعل "أجار" يتعدى بنفسه، وقد تقدم على معموله؛ فهو ليس بحاجة إلى اللام. 1 27 سورة النمل، الآية: 72. موطن الشاهد: {رَدِفَ لَكُمْ} . وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" في الآية الكريمة زائدة على رأي المبرد؛ بينما يرى ابن هشام أن فعل "ردف" ضمن معنى اقترب؛ وعليه فاللام صلة له، لا زائدة، وبه جزم في المغني، وهو الأرجح، والصواب. انظر شرح التصريح: 2/ 11، والمقتضب: 2/ 37، والمغني: 285. 2 21 سورة الأنبياء، الآية: 1. موطن الشاهد: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" صلة لفعل "اقترب" فهي ليست زائدة في الآية الكريمة.

والسادس: تقوية العامل الذي ضعف: إما بكونه فرعا في العمل1؛ نحو: {مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ} 2، {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} 3، وإما بتأخره عن المعمول؛ نحو: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ} 4، وليست المقوية زائدة محضة5، ولا معدية محضة6؛ بل هي بينهما. والسابع: انتهاء الغاية؛ نحو: {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً} 7. والثامن: القسم؛ نحو: "لله لا يؤخر الأجل"8.

_ 1 أي مأخوذا من غيره كالفروع، وذلك كالمصدر، ومثاله قوله: ساءني ضرب علي لخالد واسم الفاعل، ومنه الآية الأولى في أمثله المؤلف، واسم المفعول؛ نحو: زيد معطى للدراهم. وأمثلة المبالغة، ومن أمثلته الآية الثانية من أمثلة المؤلف. 2 2 سورة البقرة، الآية 91. موطن الشاهد: {مُصَدِّقًا لِمَا} . وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" زائدة لتقوية العامل "مصدقا"؛ لأنه اسم فاعل؛ فهو فرع في العمل؛ فقوي باللام. 3 85 سورة البروج، الآية: 16. موطن الشاهد: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} . وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" زائدة لتقوية العامل "فعال"؛ لأنه صيغة مبالغة؛ فهو فرع في العمل؛ فقوي باللام. 4 12 سورة يوسف، الآية: 43. موطن الشاهد: {لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ} . وجه الاستشهاد: الأصل -والله أعلم- إن كنتم تعبرون الرؤيا؛ فلما أخر الفعل، وقدم معموله عليه؛ ضعف عمله فقوي باللام. 5 لأنها تفيد التقوية وتتعلق بالعامل الذي قوته؛ بخلاف الزائدة المحضة؛ فإنها لا تتعلق بشيء. 6 وذلك لاطراد صحة إسقاطها. 7 35 سورة فاطر، الآية: 13. موطن الشاهد: {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً} . وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" مفيدة لانتهاء الغاية؛ لأن المعنى: كل يجري إلى أجل مسمى المعنى. 8 القسم والتعجب معا، ويشترط أن تكون جملة القسم محذوفة، وأن يكون المقسم به لفظ =

والتاسع: التعجب؛ نحو: "لله درك! "1. والعاشر: الصيرورة2؛ نحو: [الوافر] 296- لدوا للموت وابنوا للخراب3

_ = الجلالة؛ لأنها خلف عن التاء، والتاء أكثر ما تستعمل مع لفظ الجلالة، كقوله تعالى: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} . مغني اللبيب: 282. 1 أي: المجرد عن القسم، بشرط القرينة، ويغلب أن يكون بعد النداء؛ نحو: يا للغروب وما فيه من روعة، وكون اللام للتعجب -هنا- يخالف ما قاله النحاة من أن الصيغة كلها للتعجب، ويجاب بالتزام ما قالوه في باب التعجب، وإن ما قيل -هنا- من باب نسبة ما للكل إلى ما للجزء؛ فهو مجاز مرسل علاقته الكلية والجزئية. حاشية يس على التصريح: 2/ 11-12. 2 أي: لبيان ما يصير إليه الأمر، وتسمى كذلك "لام العاقبة"؛ لأنها توضح عاقبة الشيء وما يؤول إليه. همع الهوامع: 2/ 32، ومغني اللبيب: 282. 3 لم ينسب البيت إلى قائل معين. تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: فكلكم يصير إلى الذهاب وهو من شواهد التصريح: 2/ 12، والهمع: 2/ 32، والدرر: 2/ 31. المفردات الغريبة: لدوا: فعل أمر من الولادة. المعنى: لدوا وتكاثروا وابنوا وشيدوا كما تشاءون ليكون المآل والمصير والعاقبة إلى ما ذكر؛ فكل إنسان مصيره الموت والفناء. الإعراب: لدوا: فعل أمر مبني على حذف النون؛ لاتصاله بواو الجماعة، والواو: فاعل، والألف: للتفريق. للموت: متعلق بـ"لدوا". وابنوا: الواو عاطفة، ابنوا: فعل أمر مبني على حذف النون؛ لاتصاله بواو الجماعة، والواو: في محل رفع فاعل، والألف: للتفريق؛ وجملة "ابنوا": معطوفة على جملة "لدوا" لا محل لها. "للخراب": متعلق بـ"ابنوا". فكلكم: الفاء تعليلية، لا محل لها من الإعراب، كل: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، و"كم": مضاف إليه. يصير: فعل مضارع ناقص مرفوع، وفاعله: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، يعود إلى "كل". "إلى زوال": متعلق بخبر "يصير" المحذوف؛ وجملة "يصير إلى زوال": في محل رفع خبر "كل"؛ وجملة "كلكم يصير إلى زوال": تعليلية، لا محل لها. موطن الشاهد: "للموت، للخراب". وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" في الموضعين للصيرورة، وليست للتعليل؛ لأن =

والحادي عشر: البعدية، نحو: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} 1، أي: بعده. والثاني عشر: الاستعلاء2، نحو: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} 3؛ أي: عليها4.

_ = الموت، ليس علة للولد، ولأن الخراب ليس علة للبناء؛ فالموت والخراب أمران يصير المآل إليهما، من غير أن يكون أحدهما باعثا أو حافزا؛ ومثل هذا، قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} فالباعث الذي بعث فرعون على التقاط موسى وتربيته؛ ليكون لهم قرة عين، وأن يتخذ ولدا، لكن صادف أن كانت عاقبته ومآله أن كان لهم عدوا. وقد منع البصريون أن تجيء اللام للصيرورة، وزعم الزمخشري أنها لا تنفك عن التعليل؛ وهؤلاء يجعلون اللام في البيت وفي الآية الكريمة داخلة على محذوف؛ هو العلة الباعثة. انظر مغني اللبيب: 283. 1 17 سورة الإسراء: الآية: 78. موطن الشاهد: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" بمعنى "بعد"؛ لأن المراد: بعد دلوك الشمس، وهذه الآية، ذكرت في "باب المفعول له" وذكر المؤلف -هناك- أن اللام للتعليل، وفسر الدلوك بميل الشمس عن وسط السماء. 2 أي: الدلالة على أن شيئا حسيا أو معنويا وقع فوق الاسم الذي بعدها؛ فتكون بمعنى "على". 3 17 سورة الإسراء، الآية: 109. موطن الشاهد: {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" مفيدة معنى الاستعلاء حقيقة؛ لأن المعنى: يخرون عليها؛ وتأتي بمعنى الاستعلاء المعنوي؛ ومثاله، قوله تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} أي: عليها؛ ومن شواهد مجيء اللام بمعنى "على" قول النبي عليه الصلاة والسلام لعائشة، حين اشترت بريرة: "اشترطي لهم الولاء" أي: عليهم، وعليه خرج قوله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} ، وتله: كبه وصرعه. 4 وتأتي "اللام" في النسب؛ نحو: لزيد عم هو لعمرو خال. وللتبليغ؛ نحو؛ {قُلْ لِعِبَادِيَ} ، وللتبيين؛ نحو: سقيا لك. وللظرفية نحو {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} أي: فيه. وبمعنى "عند"، كقراءة الجحدري {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} -بكسر اللام وتخفيف الميم- أي: عند مجيئه إياهم. وبمعنى "من"؛ نحو قول جرير: "ونحن لكم يوم القيامة أفضل" أي: نحن أفضل منكم يوم القيامة وبمعنى "عن" إذا استعملت مع القول؛ نحو: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا} أي: عن الذين آمنوا. وللتمليك وشبهه؛ نحو: وهبت لزيد دينارا، ونحو {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} . مغني اللبيب: 280، والهمع: 2/ 32، والتصريح: 2/ 12.

[معاني الباء] : وللباء اثنا عشر معنى أيضا: أحدها: الاستعانة؛ نحو: "كتبت بالقالم"1. والثاني: التعدية2؛ نحو: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} 3؛ أي: أذهبه. والثالث: التعويض؛ كـ"بعتك هذا بهذا"4.

_ 1 "الباء" دالة على آلة الفعل وأداته التي يحصل بها معناه، فهي الواسطة بين الفاعل ومفعوله المعنوي؛ ولذلك تسمى "باء الآلة"؛ ومثلها؛ نجرت بالقدوم. وذكر الزمخشري قولين في باء البسملة؛ أحدهما: أن الباء فيها للآلة مجازا؛ لأن الفعل لا يتأتى على أتم وجه وأكمله إلا بالاستعانة بالله. والثاني: أن الباء فيها للمصاحبة، وذلك تحاشيا من سوء الأدب مع الله -عز وجل- أن يجعل آلة ولو مجازا. التصريح: 2/ 12. 2 أي: يستعان بها غالبا في تعدية الفعل إلى مفعوله كما تعديه همزة النقل؛ ولذلك تسمى "باء النقل"، وأكثر ما تعدي الفعل القاصر، كمثال المصنف، ومن ورودها مع الفعل المتعدي قوله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} والأصل: دفع بعض الناس بعضا. 3 2 سورة البقرة، الآية: 17. أوجه القراءات: قرئت: أذهب الله نورهم. موطن الشاهد: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} . وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" مفيدة معنى التعدية. رد العلماء بهذه الآية على المبرد والسهيلي اللذين زعما أن بين التعدية بالهمزة والتعدية بالباء فرقا، شرح التصريح: 2/ 12. 4 هي الداخلة على الأعواض والأثمان، حسا أو معنى، والعوض: دفع شيء في مقابلة شيء آخر؛ ولذلك تسمى باء المقابلة، ومثل المؤلف للعوض الحسي، أما المعنوي؛ فنحو: قابلت إحسانه بالشكر والدعاء، وجعل من هذا النوع قوله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} خلاف للمعتزلة؛ لأن دخول الجنة، قد يكون بالعوض، وقد يكون فضلا من الله وإحسانا. وحملت الباء في قوله صلى الله عليه وسلم: "لن يدخل أحدكم الجنة بعمله" على أنها للسببية؛ ليدل على أن العمل ليس سببا موجبا لدخول الجنة. وهذا ينفي التعارض بين الحديث والآية. مغني اللبيب: 141، والتصريح: 2/ 12.

والرابع الإلصاق1؛ نحو: "أمسكت بزيد"2. والخامس: التبعيض3؛ نحو: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} 4؛ أي: منها. والسادس: المصاحبة5؛ نحو: {وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ} 6؛ أي: معه. والسابع: المجاوزة7؛ نحو: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} 8؛ أي: عنه.

_ 1 الإلصاق هو: مطلق التعليق، وهذا المعنى أصل معانيها لا يفارقها، يؤيد هذا قول سيبويه: "وإنما هي للإلصاق والاختلاط ... وما اتسع من هذا في الكلام فهذا أصله". وهو إما حقيقي، كمثال المصنف، أو مجازي؛ نحو: مررت بمحمد، أي: جعلت مروري بمكان يقرب من مكانه. المغني: 137-138. 2 معناه: قبضت على شيء من جسمه، أو مما يتصل به من ثوب أو نحوه، وهذا أبلغ من أمسكت زيدا؛ لأنه يفيد منعه من الانصراف بأي وجه كان. 3 أثبت مجيء الباء للتبعيض الأصمعي، والفارسي، والقتبي، وابن مالك والكوفيون، واستدلوا بالآية التي تلاها المؤلف، وبقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} وعلى هذا بنى الشافعي مذهبه في أن الواجب في الوضوء مسح بعض الرأس. انظر شرح التصريح: 2/ 13. 4 76 سورة الإنسان، الآية: 6. موطن الشاهد: {يَشْرَبُ بِهَا} . وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" مفيدة معنى التبعيض في الآية الكريمة؛ لأن المعنى: يشرب منها، كما بين المؤلف في المتن. 5 المصاحبة: انضمام شيء إلى آخر انضماما يقتضي تلازمهما فيما يقع عليهما أو منهما، وعلامتها: أن يصلح في موضعها "مع"، ويغني عنها وعن مصحوبها الحال. 6 5 سورة المائدة، الآية: 61. موطن الشاهد: {دَخَلُوا بِالْكُفْرِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" مفيدة معنى المصاحبة؛ لأن معنى وقد دخلوا بالكفر؛ أي: معه؛ أو كافرين المعنى. 7 أي: التي يصلح في مكانها "من". قيل: ويختص هذا المعنى بالسؤال، كما مثل المصنف، وبدليل {يَسْأَلونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ} وقيل: لا يختص بذلك بدليل قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} ، أي: عنه شرح التصريح: 2/ 13. 8 25 سورة الفرقان، الآية: 59. =

والثامن: الظرفية1؛ نحو: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} 2؛ أي: فيه، ونحو: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} 3. والتاسع: البدل؛ كقول بعضهم4: "ما يسرني أني شهدت بدرا بالعقبة"؛ أي: بدلها. والعاشر: الاستعلاء؛ نحو: {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} 5؛ أي: على قنطار. والحادي عشر: السببية؛ نحو: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ} 6.

_ = موطن الشاهد {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" مفيدة معنى المجاوزة؛ لأن المعنى: فاسأل عنه خبيرا. 1 هي التي يصلح في مكانها "في"، والظرفية مكانية وزمانية. 2 28 سورة القصص، الآية: 44. موطن الشاهد: {بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} . وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" مفيدة معنى الظرفية المكانية؛ والتقدير: وما كنت فيه، كما في المتن. 3 54 سورة القمر، الآية: 34. موطن الشاهد: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} . وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" مفيدة معنى الظرفية الزمانية؛ والتقدير: نجيناهم فيه. 4 القول للصحابي الجليل، رافع بن خديج، وفي الحديث: "ما يسرني بها حمر النعم" أي: بدلها. 5 3 سورة آل عمران، الآية: 75. موطن الشاهد: {تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} . وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" مفيدة معنى الاستعلاء؛ لأن المعنى -كما جاء في المتن: على قنطار. ومن أدلة أنه يحسن في موضعها "على" قوله تعالى: {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ} شرح التصريح: 2/ 13. 6 5 سورة المائدة، الآية: 13. موطن الشاهد: {بِمَا نَقْضِهِمْ} . وجه الاستشهاد: مجيء "الباء"مفيدة معنى السببية؛ لأن المعنى: لعناهم بسبب نقضهم ميثاقهم؛ وهي غير الداخلة على آلة الفعل "باء الاستعانة" خلافا لابن مالك الذي أدرجهما في بعضهما.

والثاني عشر: التأكيد؛ وهي الزائدة1؛ نحو: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} 2، ونحو: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} 3، ونحو: "بحسبك درهم"، ونحو: "زيد ليس بقائم"4. [معاني "في"] : ولـ"في" سنة معان: 1- الظرفية؛ حقيقة مكانية أو زمانية؛ نحو: {فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} 5، ونحو: {فِي بِضْعِ سِنِينَ} 6.

_ 1 وتزاد الباء في الحال المنفي عاملها، وفي التوكيد بالنفس والعين كقوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} وفي هاتين الحالتين خلاف. مغني اللبيب: 144 وما بعدها. 2 4 سورة النساء، الآية: 79. موطن الشاهد: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" زائدة مفيدة معنى التوكيد؛ وزيدت -هنا- مع الفاعل؛ لأن المعنى: كفى الله شهيدا. 3 2 سورة البقرة، الآية: 195. موطن الشاهد: {لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ} . وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" زائدة مفيدة معنى التوكيد؛ وقد زيدت -هنا- مع المفعول؛ لأن المعنى: لا تلقوا أيديكم. 4 زيادة الباء في المثال الأول مع المبتدأ مع لفظ حسب، وفي المثال الثاني مع خبر "ليس". توجيه: تأتي الباء للقسم وهي أصل أحرفه، وتستعمل في القسم الاستعطافي، وهو المؤكد بجملة طلبية؛ نحو: بالله هل قام زيد، أي أسألك بالله مستحلفا، وغير الاستعطافي، وهو المؤكد بجملة خبرية؛ نحو: بالله لتفعلن، وللغاية؛ نحو: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي} أي: إلي. وقيل: ضمن "أحسن" معنى لطف؛ وللتعدية؛ نحو: بأبي أنت وأمي، أي فداك أبي وأمي. مغني اللبيب: 137، همع الهوامع: 2/ 21، التصريح: 2/ 13. 5 30 سورة الروم، الآية: 3. موطن الشاهد: {فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "في" مفيدة معنى الظرفية المكانية حقيقة؛ وقد اكتسبت معنى الظرفية من المضاف إليها "أدنى"؛ وأدنى: اسم تفضيل من الدنو. 6 30 سورة الروم، الآية: 4.

أو مجانية؛ نحو: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ} 1. 2- والسببية؛ نحو: {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 2. 3- والمصاحبة؛ نحو: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} 3. 4- والاستعلاء؛ نحو: {لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} 4.

_ = موطن الشاهد: {فِي بِضْعِ سِنِينَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "في" مفيدة معنى الظرفية الزمانية حقيقة؛ وبضع: اسم لما بين الثلاث إلى التسع. فائدة: الظرفية الحقيقية، هي التي يكون الظرف والمظروف فيها من الذوات، فإن كانا جميعا من أسماء المعاني؛ نحو قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} أو كان الظرف من أسماء المعاني، والمظروف من أسماء الذات؛ نحو قولك: المتقون في رحمة الله، أو كان الظرف ذاتا، والمظروف معنى؛ كانت الظرفية مجازية وقد اجتمعت الظرفية الحقيقية والمجازية في قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} . شرح التصريح: 2/ 13-14. 1 33 سورة الأحزاب، الآية: 21. موطن الشاهد: {كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ} . وجه الاستشهاد: مجيء "في" مفيدة الظرفية المجازية؛ لاختلال شرط الظرفية الحقيقية؛ حيث أتى الظرف ذاتا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمظروف معنى "أسوة". 2 24 سورة النور، الآية: 14. موطن الشاهد: {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ} . وجه الاستشهاد: مجيء "في" مفيدة معنى السببية؛ لأن المعنى: لمسكم عذاب عظيم بسبب ما أفضتم -أي: خضتم فيه من حديث الإفك، وما اتهمتم به السيدة عائشة رضي الله عنها- وجاء في الحديث الشريف: "دخلت امرأة النار في هرة حبستها ... " أي: بسبب؛ أو لأجل هرة حبستها. 3 7 سورة الأعراف، الآية: 38. موطن الشاهد: {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} . وجه الاستشهاد: مجيء "في" مفيدة معنى المصاحبة؛ لأن المعنى: ادخلوا مع أمم؛ و"في" التي تفيد المصاحبة؛ هي التي نستطيع أن نضع مكانها "مع". 4 20 سورة طه، الآية: 71. موطن الشاهد: {لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ} .

5- والمقايسة1؛ نحو: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} 2. 6 وبمعنى الباء؛ نحو3: [الطويل] 297- بصيرون في طعن الأباهر والكلى4

_ = وجه الاستشهاد: مجيء "في" مفيدة معنى الاستعلاء؛ لأن المعنى: لأصلبنكم على جذوع النخل -على رأي الكوفيين والقتبي- وقيل: ليست -هنا- للاستعلاء، ولكن شبه المصلوب لتمكنه من الجذع بالحال في الشيء. 1 أو الموازنة، وهي أن يكون ما قبلها ملاحظا بالقياس إلى ما بعدها، ويحكم عليه بعد هذا القياس بأمر ما؛ فهي واقعة بين مفضول سابق وفاضل لاحق، ولا مانع من العكس أحيانا. 2 9 سورة التوبة، الآية: 38. موطن الشاهد: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "في" مفيدة معنى المقايسة؛ لأن المعنى: فما متاع الحياة الدنيا بالقياس إلى الآخرة. 3 قائل هذا البيت، هو الصحابي زيد الخير، والذي كان يعرف في الجاهلية بزيد الخيل؛ وذلك؛ لكثرة خيله، يكنى أبا مكنف، كان طويلا جسيما وشاعرا محسنا، أدرك الإسلام ووفد مع قومه طيئ على الرسول صلى الله عليه وسلم وقد فرح بإسلامه، وقال: ما وصف لي أحد في الجاهلية فرأيته في الإسلام إلا رأيته دون ما وصف لي، غيرك. الشعر والشعراء: 1/ 286، تجريد الأغاني: 1867، الأعلام: 3/ 61، الإصابة: ت: 2935، الخزانة: 21/ 448. 4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: ويركب يوم الروع منا فوارس. والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 14، والأشموني: 550/ 2/ 292، والخزانة: 4/ 165، وأمالي ابن الشجري: 2/ 268، والهمع: 2/ 30، والدرر: 2/ 26، والمغني: 305/ 224. المفردات الغريبة: الروع: الفزع والخوف. فوارس: جمع فارس على غير قياس. بصيرون: عارفون وخبيرون. الأباهر: جمع أبهر، وهو عرق متصل بالقلب، إذا انقطع مات صاحبه، الكلى: جمع كلوة أو كلية. المعنى: في اليوم الذي يفزع فيه الناس ويرهبون -وهو يوم الحرب- يركب منا فرسان شجعان مدربون على الحرب، خبيرون بطعن المقاتل التي تقضي على الأعداء. الإعراب: ويركب: الواو عاطفة، يركب: فعل مضارع مرفوع. "يوم": متعلق =

[معاني "على"] : ولـ"على" أربع معان: أحدها: الاستعلاء1، نحو: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} 2.

_ = بـ"يركب"، وهو مضاف. الروع: مضاف إليه مجرور. "منا": متعلق بمحذوف حال من فوارس؛ والأصل بمحذوف صفة لفوارس؛ فلما تقدم عليه، صار حالا؛ لأن الصفة، لا تتقدم على الموصوف. فوارس: فاعل مرفوع، وقد صرفه الشاعر -للضرورة- ونونه؛ ومعلوم أن "فوارس" ممنوع من الصرف؛ لكونه على زنة منتهى الجموع. بصيرون: صفة لـ"فوارس" مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه جمع مذكر سالم. "في طعن": متعلق بـ"بصيرون"، وهو مضاف. الأباهر: مضاف إليه مجرور؛ من إضافة المصدر إلى مفعوله. والكلى: الواو عاطفة، الكلى: اسم معطوف على الأباهر، مجرور مثله، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف؛ منع من ظهروها التعذر. موطن الشاهد: "في طعن". وجه الاستشهاد: مجيء "في" بمعنى "الباء"؛ لأن "بصير" يتعدى بها، ولا يتعدى بـ"في" عادة. فائدة: تأتي "في" بمعنى "إلى" الغائية؛ ومنه قوله تعالى: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} كناية عن عدم الرد، وعن ترك الكلام؛ وتأتي بمعنى "من"؛ نحو قوله تعالى: {فِي تِسْعِ آيَاتٍ} ؛ وتأتي بمعنى "الباء" التي للإلصاق؛ نحو: وقف الحارس في الباب، اي: ملاصقا له؛ وللتعويض؛ وهي الزائدة عوضا من أخرى محذوفة كقولك: ضربت فيمن رغبت، أصله: ضربت من رغبت فيه. وللتوكيد وهي الزائدة لغير تعويض وجعل منه الفارسي {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا} أي اركبوها. مغني اللبيب: 225، التصريح: 2/ 14، وضياء السالك: 2/ 261. 1 أي العلو؛ وهو أكثر معانيها استتعمالا، والاستعلاء، قد يكون حقيقة إن كان على نفس المجرور وهو الغالب؛ حسا كمثال المصنف، أو معنى؛ نحو: {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} . ومجازا؛ إن كان العلو على ما يقرب من المجرور. نحو: {أُولَئِكَ عَلَى هُدىً} {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} فقد شبه التمكن من الهدى والأخلاق العظيمة الشريفة والثبوت عليها بمن علا دابة يصرفها كيف شاء. وليس من الاستعلاء المجازي قولهم: توكلت على الله، واعتمدت عليه؛ لأن الله لا يعلو عليه شيء لا حقيقة ولا مجازا، وإنما ذلك من باب الإضافة والإسناد، أي أضفت توكلي واعتمادي إلى الله، وأسندتهما إليه سبحانه وتعالى. 2 23 سورة المؤمنون، الآية: 22. موطن الشاهد: {عَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ} . =

والثاني: الظرفية؛ نحو: {عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ} 1؛ أي: في حين غفلة. والثالث: المجاوزة؛ كقوله2: [الوافر] 289- إذا رضيت علي بنو قشير3 أي: عني.

_ = وجه الاستشهاد: مجيء "على" مفيدة معنى الاستعلاء في الموضعين؛ أي الاستعلاء على مجرورها، وحكم مجيئها مفيدة الاستعلاء الجواز مع التغليب. 1 28 سورة القصص، الآية: 15. موطن الشاهد: {عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ} . وجه الاستشهاد: مجيء "على" مفيدة معنى الظرفية؛ لأن التقدير: في حين غفلة. 2 القائل: هو قحيف العامري: لم أجد ترجمة بهذا الاسم؛ ولعله قحيف العقيلي؛ قحيف بن ضمير، أحد بني قشير بن مالك بن عقيل بن كعب من ربيعة؛ وهو شاعر مقل، من شعراء الإسلام؛ كان يشبب بخرقاء التي كان يشبب بها ذو الرمة. الأغاني "ط. دار الشعب": 28/ 9516. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: لعمر الله أعجبني رضاها والبيت في مدح حكيم بن المسيب القشيري، وهو من شواهد: التصريح: 2/ 14، والأشموني: 554/ 2/ 294، وابن عقيل: 209/ 3/ 25، والنوادر: 176، والمقتضب: 2/ 320، والخصائص: 2/ 311، 389، والمحتسب: 1/ 52، 348 وأمالي ابن الشجري: 2/ 269، والإنصاف: 630، وشرح المفصل: 1/ 120، والهمع: 2/ 28، والدرر: 2/ 22. المفردات الغريبة: بنو قشير: قبيلة تنسب إلى كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. لعمر الله: المراد: الحلف بإقراره لله تعالى بالبقاء بعد فناء الخلق. المعنى: يريد الشاعر القول: إذا ما حظيت برضا بني قشير؛ فيكفيني فخرا وشرفا، ووالله إنني لأسر، وأفرح برضاها؛ الذي يبعث الأمل والتفاؤل في نفسي. الإعراب: إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه، منصوب بجوابه، مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية. رضيت: فعل ماض مبني على الفتح، لاتصاله بتاء التأنيث الساكنة، والتاء: لا محل لها من الإعراب. "علي": متعلق بـ"رضي". بنو: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وبنوا: مضاف. قشير: مضاف إليه مجرور. لعمر: اللام لام الابتداء، عمر: مبتدأ مرفوع، =

والرابع المصاحبة؛ نحو: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} 1؛ أي: مع ظلمهم2.

_ = وهو مضاف. الله "لفظ الجلالة" مضاف إليه، وخبر المبتدأ محذوف؛ والتقدير: لعمر الله يميني؛ أو قسمي؛ أو ما أحلف به. أعجبني: فعل ماض مبني على الفتح، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب مفعولا به. رضاها: فاعل "أعجب" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر، وهو مضاف، و"ها": مضاف إليه؛ وجمل "أعجبني رضاها" جواب شرط غير جازم، لا محل لها. موطن الشاهد: "رضيت علي". وجه الاستشهاد: مجيء "على" بمعنى "عن"؛ لأن الأصل في "رضي" أن يتعدى بـ"عن" لا بـ"على"؛ وقال بعضهم: إن "رضي" مضمن معنى عطف. 1 13 سورة الرعد، الآية: 6. موطن الشاهد: {لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} . وجه الاستشهاد: مجيء "على" بمعنى "مع" كما جاء في المتن. 2 بقي من معاني "على": 1- أنها تأتي بمعنى اللام، نحو قوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} أي لهدايته إياكم. 2- تأتي بمعنى "عند" نحو قوله سبحانه وتعالى: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} أي عندي. 3- تأتي بمعنى "من" نحو قوله -جلت قدرته: {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} أي من الناس. 4- تأتي بمعنى الباء، نحو قوله -جل شأنه: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} أي حقيق بألا أقول. 5- أن تكون زائدة، كما في قول حميد بن ثور: أبى الله إلا أن سرحة مالك على كل أفنان العضاه تروق فتروق فعل يتعدى بنفسه، فزاد الشاعر معه "على". ونص سيبويه على أن "على" لا تقع زائدة، وعلى رأيه يخرج ما في البيت بأن "يروق" قد ضمن معنى تشرق. 6- تأتي بمعنى "لكن" الدالة على الاستدراك؛ نحو قولك: فلان يرتكب الآثام على أنه لا يقنط من رحمة الله. التصريح: 2/ 15، مغني اللبيب: 189-195.

[معاني "عن"] : ولـ"عن" أربعة معان أيضا: أحدها: المجاوزة1؛ نحو: "سرت عن البلد"، و"رميت عن القوس". والثاني: البعدية، نحو: {طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} 2؛ أي: حالا بعد حال. والثالث: الاستعلاء؛ كقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} 3؛ أي: على نفسه؛ وكقول الشاعر4: [البسيط]

_ 1 المجاوزة: هي ابتعاد شيء مذكور أو غير مذكور عما بعد حرف الجر بسبب شيء قبله؛ فالأول؛ نحو: رميت السهم عن القوس، والثاني: نحو رضي الله عنك، أي جاوزتك المؤاخذة بسبب الرضا. والمجاوزة قد تكون حقيقية كهذين المثالين، وقد تكون مجازية، إذا كانت في المعاني؛ نحو: أخذت الفقه عن عالم متمكن، أي أن الفقه جاوزه بسبب الأخذ منه؛ والمجاوزة أظهر معاني "عن" وأكثرها استعمالا. ولم يذكر البصريون سواه. 2 84 سورة الانشقاق؛ الآية: 19. موطن الشاهد: {طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} . وجه الاستشهاد: مجيء "عن" مفيدة معنى "البعدية"؛ والمعنى -كما في المتن- حالا بعد حال؛ أي: من البعث والسؤال والموت؛ أو من النطفة إلى ما بعدها. وقال الدماميني: يحتمل أن تكون" عن" على بابها، والتقدير طبقا تباعدا عن طبق آخر دونه، فيكون كل طبق أعظم في الشدة مما قبله. انظر شرح التصريح: 2/ 15. 3 48 سورة محمد، الآية: 38. موطن الشاهد: {يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "عن" بمعنى" على" كما جاء في المتن. وخرج الدماميني الآية على أن "يبخل" قد ضمن معنى يبعد، أي ومن يبخل فإنما يبعد الخير عن نفسه. 4 الشاعر: هو: ذو الإصبع العدواني؛ واسمه الحارث بن محرث؛ وقيل "الحرثان" ينتهي نسبه إلى مضر، شاعر حكيم شجاع جاهلي لقب بذي الإصبع؛ لأن حية نهشت إصبع رجله، وقيل: لأنه كانت له إصبع زائدة، عاش طويلا، وشعره مملوء بالحكمة والفخر. مات حوالي 22ق. هـ. الشعر والشعراء: 2/ 708، تجريد الأغاني: 353، الأغاني: 3/ 2، الاشتقاق: 163، الأعلام: 2/ 173.

299- لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب ... عني1......... أي: علي.

_ 1 تخريج الشاهد: هذا جزء من بيت للشاعر يقوله في مزين بن جابر؛ وتمام عجزه قوله: عني ولا أنت دياني فتخزوني والبيت من قصيدة له مشهورة؛ مطلعها قوله: يا من لقلب شديد الهم محزون ... أمسى تذكر ريا أم هارون وبعد الشاهد قوله: ولا تقوت عيالي يوم مسغبة ... ولا بنفسك في الضراء تكفيني فإن ترد عرض الدنيا بمنقصتي ... فإن ذلك مما ليس يشجيني ومنها: إن الذي يقبض الدنيا ويبسطها ... إن كان أغناك عني سوف يغنيني والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 15، والأشموني: 558/ 2/ 295، وابن عقيل: 208/ 3/ 23، ومجالس العلماء: 71، والخصائص: 2/ 288، وأمالي ابن الشجري: 2/ 13، 169، والإنصاف: 394، وشرح المفصل: 8/ 53، 9/ 104، والمقرب: 42، والخزانة: 3/ 222، والعيني: 3/ 286، والمفضليات: 160. المفردات الغريبة: لاه: أصله: لله، حذفت لام الجر، واللام الأولى من لفظ الجلالة شذوذا. أفضلت: زدت وصرت صاحب فضل. حسب: هو كل ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه ومآثرهم. دياني: مالك أمري، وهو صيغة مبالغة من دان فلان فلانا، أخضعه وملك أمره. تخزوني: تسوسني وتقهرني. المعنى: لله در ابن عمك -يعني نفسه- فقد حاز من الصفات السامية ما يتعجب منه، وأنت لم تفضلني في المفاخر ولست القائم على أمري وبيدك مصيري، حتى تسوسني وتقهرني وتذلني. الإعراب: لاه: مجرور بحرف جر محذوف -على مذهب سيبويه- و"الجار والمجرور": متعلق بمحذوف خبر مقدم. ابن: مبتدأ مؤخر، وهو مضاف. عمك: "عم" مضاف إليه، وهو مضاف؛ و"الكاف": مضاف إليه. لا: نافيه. أفضلت: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك؛ والتاء: في محل رفع فاعل. "في حسب": متعلق بـ"أفضل". "عني": متعلق بـ"أفضل" أيضا. ولا: الواو عاطفة، لا: نافية. أنت: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. دياني: خبر المبتدأ، وهو مضاف، والياء: مضاف إليه. فتخزوني: الفاء عاطفة، تخزو؛ فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الواو، منع من ظهروها الثقل؛ والفاعل: أنت؛ والنون: للوقاية؛ والياء: مفعول به لـ"تخزو". =

والرابع: التعليل؛ نحو: {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} 1 أي: لأجله2. [معاني الكاف] : وللكاف أربع معان أيضا: أحدها: التشبيه؛ نحو {وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} 3.

_ = موطن الشاهد: "لا أفضلت في حسب عني". وجه الاستشهاد: مجيء "عن" في الشاهد بمعنى "على" مفيدة الاستعلاء؛ لأن السائغ في اللغة أن يقال: أفضلت عليه؛ وجوز الرضي أن تكون "عن" باقية على أصلها؛ وضمن الشاعر "أفضلت" معنى تجاوزت في الفضل؛ والأول أفضل، وقد سبق ابن هشام إليه ابن السكيت في "إصلاح المنطق"، وابن قتيبة في "أدب الكاتب"؛ وفي البيت شاهد آخر على حذف حرف الجر وبقاء عمله -على مذهب سيبويه- كما أسلفنا وعلى حذف اللام الأولى من لفظ الجلالة شذوذا، كما بينا في لغة البيت. انظر التصريح: 1/ 15، ومغني اللبيب: 196. 1 11 سورة هود، الآية: 53. موطن الشاهد: "عن قولك". وجه الاستشهاد: مجيء "عن" بمعنى التعليل؛ أي: لأجل قولك؛ وجوز الزمخشري أن يكون حالا من ضمير تاركي؛ والتقدير: ما نتركها صادرين عن قولك. شرح التصريح: 1/ 16. 2 من معاني "عن" أيضا: 1- تأتي بمعنى "من"؛ نحو قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} أي منهم. 2- تأتي بمعنى "الباء"؛ نحو قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} أي به. 3- تأتي بمعنى البدل؛ نحو قوله تعالى: {لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} أي بدل نفس. وفي الحديث الشريف "صومي عن أمك" أي: بدلها. 4- تأتي دالة على الاستعانة؛ نحو قولك: رميت عن القوس. 5- تكون للظرفية؛ نحو قول الأعشى: وأس سراة الحي حيث لقيتهم ... ولا تك عن حمل الرباعة وانيا التصريح: 2/ 16، ومغني اللبيب: 196. 3 55 سورة الرحمن، الآية: 37. موطن الشاهد {كَالدِّهَانِ} . =

والثاني: التعليل؛ نحو: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} 1؛ أي: لهدايته إياكم. والثالث: الاستعلاء؛ قيل لبعضهم: كيف أصبحت؟ فقال: كخير؛ أي: عليه2؛ وجعل منه الأخفش قولهم: "كن كما أنت"؛ أي: على ما أنت عليه3. والرابع: التوكيد؛ وهي الزائدة؛ نحو: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 4؛ أي: ليس شيء مثله5.

_ = وجه الاستشهاد: وقوع الكاف مفيدة التشبيه في الآية الكريمة؛ وهو -التشبيه- أشهر معاني "الكاف". 1 2 سورة البقرة، الآية: 198. موطن الشاهد: {كَمَا هَدَاكُمْ} . وجه الاستشهاد: وقوع "الكاف" مفيدة التعليل، وما مصدرية؛ والتقدير: لهدايته إياكم؛ غير أن أكثر النحاة، قالوا: إنه من وضع الخاص موضع العام، إذ الذكر والهداية، يشتركان في أمر، وهو الإحسان؛ فهذا في الأصل، بمنزلة {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} والكاف للتشبيه ثم عدل عن ذلك للإعلام بخصوصية المطلوب: شرح التصريح: 1/ 16. 2 استدل المصنف بهذا؛ لأن المقول به، والمجيب هو رؤبة بن العجاج الراجز المشهور؛ وقيل: الكاف للتشبيه على حذف مضاف، أي كصاحب خير. 3 الكاف بمعنى "على"، وما موصولة في محل جر بالكاف. أنت: مبتدأ حذف خبره، والجملة من المبتدأ وخبره، لا محل لها من الإعراب صلة، والتقدير: كن على الحال الذي أنت عليه، وقيل: "ما" زائدة ملغاة، وأنت: ضمير مرفوع أقيم مقام الضمير المجرور، وهو في محل جر بالكاف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر كن، وكأنه قال: كن كأنت، أي كن فيما يستقبل من الزمان مماثلا لنفسك فيما مضى منه. وفيه أعاريب أخرى. انظر شرح التصريح: 1/ 16. 4 42 سورة الشورى، الآية: 11. موطن الشاهد: {كَمِثْلِهِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "الكاف" زائدة -في الآية الكريمة- مفيدة التوكيد؛ والمعنى: ليس شيءٌ مثلَه؛ هكذا قدره الأكثرون؛ فرارا من إثبات المثل وهو محال عليه سبحانه، وقد زيدت الكاف لتوكيد نفي المثل؛ لأن زيادة الحرف بمنزلة إعادة الجملة. وقيل: إن الكاف ليست بزائدة، و"مثل" بمعنى الذات أو الصفة، وقيل غير ذلك. 5 زاد في المغني من معاني الكاف المبادرة، وذلك إذا اتصلت بما في نحو: سلم كما تدخل =

[معاني إلى وحتى] : ومعنى إلى وحتى: انتهاء الغاية، مكانية أو زمانية نحو: {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} 1؛ ونحو: {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} 2؛ ونحو: "أكلت السمكة حتى رأسها"؛ ونحو: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} 3. وإنما يحر بحتى في الغالب آخر أو متصل بآخر؛ كما مثلنا؛ فلا يقال: "سهرت البارحة حتى نصفها"4.

_ = وقولهم: صل كما يدخل الوقت، وذكر هذا النوع على غرابته السيرافي، وابن الخباز في النهاية. انظر مغني اللبيب: 237، والتصريح: 2/ 17. 1 17 سورة الإسراء، الآية: 1. موطن الشاهد: {إِلَى الْمَسْجِدِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "إلى" مفيدة معنى انتهاء الغاية المكانية. 2 2 سورة البقرة، الآية: 187. موطن الشاهد: {إِلَى اللَّيْلِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "إلى" مفيدة معنى انتهاء الغاية الزمانية. 3 97 سورة القدر، الآية: 5. موطن الشاهد: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "حتى" مفيدة معنى انتهاء الغاية الزمانية. 4 لأن النصف، ليس آخرا، ولا متصلا به؛ والغالب: أن يكون مجرور "حتى" اسما ظاهرا، لا مضمرا. فوائد: فائدة "1": تأتي "إلى" للمصاحبة؛ نحو: من غش في المعاملة أساء قومه إلى نفسه؛ أي: مع نفسه؛ وتأتي للاختصاص؛ نحو: أمر الأمة إلى رئيسها، وأمر الأسرة إلى راعيها؛ وتأتي للظرفية؛ نحو: سيجمع الله الناس إلى يوم تشيب في الولدان؛ أي: في يوم. فائدة "2": تأتي حتى للتعليل، والدلالة على أن ما قبلها علة وسبب لما بعدها؛ بعكس اللام، فإن ما بعدها، هو علة لما قبلها؛ وفي هذه الحالة لا تجر إلا المصدر المنسبك من أن الناصبة وصلتها؛ نحو: أحسن عملك حتى تكافأ. فائدة "3": ذكر النحاة فروقا بين "إلى وحتى" منها: أ- أن "إلى" تجر الاسم الظاهر والمضمر، و"حتى" لا تجر إلا الظاهر على الأرجح. =

ومعنى كي: التعليل؛ ومعنى الواو والتاء: القسم؛ ومعنى مذ ومنذ: ابتداء الغاية؛ إن كان الزمان ماضيا؛ كقوله1: [الكامل] 300- أقوين مذ حجج ومذ دهر2

_ = ب- أن "إلى" تقتضي انقضاء ما قبلها بغير تمهل، بخلاف "حتى". ج- أن "إلى" لا تدخل على المضارع؛ بخلاف "حتى". د- أن "إلى" تدل على النهاية إذا وجدت قبلها "من" الدالة على البداية. ضياء السالك: 2/ 267. 1 القائل: هو زهير بن أبي سلمى المزني، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: لمن الديار بقنة الحجر وهو من شواهد: التصريح: 2/ 17، الأشموني"568/ 2/ 297، والعيني: 3/ 312، والجمل: 150، والإنصاف: 371، وشرح المفصل: 4/ 93، 8/ 11، والخزانة: 4/ 126. والهمع: 1/ 217، والدرر: 1/ 186 والمغني: 30/ 441 والسيوطي، وديوان زهير: 86. المفردات الغريبة: قنة: هي أعلى الجبل. الحجر: منازل قوم ثمود بالشام عند وادي القرى. أقوين: خلون من السكان. حجج: سنين، جمع حجة وهي السنة. وهو اسم زمان كالدهر. المعنى: لمن هذه الديار التي بأعلى هذا المكان؟ وقد خلت من ساكنيها من سنوات وأزمان طويلة. الإعراب: لمن: اللام حرف جر، من: اسم استفهام في محل جر بحرف الجر، و"لمن": متعلق بمحذوف خبر مقدم. الديار: مبتدأ مؤخر مرفوع. "بقنة": متعلق بمحذوف حال من "الديار"؛ أو متعلق بمحذوف صفة من "الديار" إذا عددناه محلى بـ"أل" الجنسية؛ لأنه كالنكرة، وقنة: مضاف. الحجر: مضاف إليه مجرور. أقوين: أقوى فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة، والنون: في محل رفع فاعل. مذ: حرف جر بمعنى "من". حجج: اسم مجرور، و"الجار والمجرور": متعلق بـ"أقوى". ومذ: الواو عاطفة، مذ: حرف جر. دهر: اسم مجرور بـ"مذ" و"الجار والمجرور": معطوف بالواو على الجار والمجرور السابق. موطن الشاهد: "مذ حجج، ومذ دهر". وجه الاستشهاد: مجيء "مذ" في كلا الموضعين حرف جر لابتداء الغاية الزمانية؛ لأن الحجج جمع حجة؛ وهي السنة؛ ومعلوم أن السنة اسم زمان، وكذلك الدهر؛ وعدت =

وقوله1: [الطويل] 301- وربع عفت آثاره منذ أزمان2

_ = "مذ" لابتداء الغاية الزمانية؛ لكون الزمن المجرور بهما ماضيا؛ وقد روى الكوفيون هذا البيت "من حجج ومن دهر" واستدلوا بهذه الرواية على أن "من" تأتي لابتداء الغاية الزمانية، وأنكر البصريون تلك الرواية، واعتمدوا الرواية التي ذكرها المؤلف في المتن. 1 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان وهو من شواهد: التصريح: 2/ 17، والأشموني: 567/ 2/ 297 والعيني: 3/ 319، والهمع: 1/ 217، والدرر: 1/ 186، والدمنهوري: 41، 74، والمغني: 629/ 441، والسيوطي: 254، وديوان امرئ القيس: 89. المفردات الغريبة: قفا: أمر للواحد بلفظ الاثنين على عادة العرب مثل: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} . ذكرى: تذكر. عرفان: معرفة. ربع: منزل ودار. عفت آثاره: درست وانمحت علاماته. المعنى: قف يا صاحبي نندب حظنا ونذرف الدمع من تذكر الأحبة والأصدقاء الذين فقدناهم، وتلك المنازل التي درست بعد أن كانت عامرة بأهلها، وذهبت آثارها ومعالمها من أزمان طويلة. الإعراب: قفا: فعل أمر مبني على حذف النون؛ لاتصاله بألف الاثنين؛ أو لأن مضارعه من الأفعال الخمسة؛ والألف: ضمير متصل في محل رفع فاعل؛ ويجوز أن يكون الفعل للمخاطب المفرد؛ وأصله: قفن "بنون التوكيد الخفيفة" ثم انقلبت النون ألفا، كما تنقلب في الوقف. نبك: فعل مضارع مجزوم؛ لوقوعه في جواب الطلب، وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، والفاعل: نحن. "من ذكرى": متعلق بـ"نبك"، وذكرى: مضاف. حبيب: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. وعرفان: الواو عاطفة، عرفان: اسم معطوف على حبيب. وربع: الواو عاطفة، ربع: اسم معطوف على حبيب أيضا. عفت: فعل ماض، والتاء: للتأنيث. آثاره: فاعل مرفوع، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه. منذ: حرف جر. أزمان: اسم مجرور. موطن الشاهد: "منذ أزمان". وجه الاستشهاد: مجيء "منذ" حرف جر، دخل على لفظ دال على الزمان؛ والمراد به -هنا- الزمان الماضي؛ فدلت "منذ" على ابتداء الغاية الزمانية؛ وبهذا الشاهد وأمثاله، استدل الكوفيون على أن "منذ" قد تكون لابتداء الغاية الزمانية، كما أسلفنا.

والظرفية: إن كان حاضرا؛ نحو: "منذ يومنا"، وبمعنى "من" و"إلى" معا؛ إن كان معدودا؛ نحو: "مذ يومين". [معنى "رب"] : و"رب": للتكثير كثيرا، وللتقليل قليلا1؛ فالأول؛ كقوله عليه الصلاة2 والسلام: "يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة" 3، وقول بعض العرب، عند انقضاء رمضان: "يا رب صائمه لن يصومه، وقائمه لن يقومه"4 والثاني كقوله5: [الطويل] 302- ألا رب مولود وليس له أب ... وذي ولد لم يلده أبوان6

_ 1 يرى فريق من النحاة أنها للتقليل دائما، وزعم ابن درستويه وجماعة أنها للتكثير دائما. مغني اللبيب: 179، والتصريح: 2/ 18. 2 حمل على هذا المعنى قوله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} ، فوجه الدلالة من الآية الكريمة ومن الحديث أن "رب" فيهما للتكثير وليست للتقليل؛ لأن كلا منهما مسوق للتخويف، ولا يناسب التخويف أن يكون القليل هو ودادتهم أن يكونوا مسلمين، ولا أن يكون القليل هو أن يعرى في الآخرة من كان كاسيا في الدنيا. ومن مجيئها للتكثير -أيضا- قول جذيمة الأبرش: ربما أوفيت في علم ... ترفعن ثوبي شمالات فالبيت مسوق للافتخار، ولا يناسبه التقليل. مغني اللبيب: 180. 3 حديث شريف أخرجه البخاري في باب التهجد: 1/ 201 و3/ 10 و10/ 302-598. والترمذي: 2196. موطن الشاهد: "رب كاسية". وجه الاستشهاد: مجيء "رب" حرف جر شبيه بالزائد، مفيدا للتكثير؛ لما أوضحنا. 4 استدل الكسائي على إعمال اسم الفاعل المجرد بمعنى الماضي من هذا القول. 5 ينسب هذا البيت إلى رجل من أزد السراة ولم يعين اسمه؛ وذكر الفارسي: أنه لرجل اسمه عمرو الجنبي، كان من حديثه أنه لقي امرأ القيس في إحدى الفلوات فخاطبه بهذا البيت. 6 تخريج الشاهد: ينشد بعد هذا البيت، قوله: وذي شامة غراء في حر وجهه ... مجللة لا تنقضي لأوان =

يريد بذلك آدم وعيسى عليهما الصلاة والسلام.

_ = ويكمل في خمس وتسع شبابه ... ويهرم في سبع معا وثمان والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 18، والأشموني: 569/ 2/ 298، والعيني: 3/ 354 وسيبويه: 1/ 341، 2/ 258، والخصائص: 2/ 233، وشرح المفصل: 4/ 48، والمقرب: 42 والخزانة: 1/ 397، والهمع: 1/ 54، 2/ 26، والدرر: 1/ 31، 2/ 17، والمغني: 224/ 181، والسيوطي: 126. المفردات الغريبة: مولود ليس له أب: هو عيسى عليه السلام. ولد ليس له أبوان: هو آدم عليه السلام فقد خلق من تراب، وأراد بالبيتين التاليين القمر. المعنى: المعنى واضح في بيان المفردات السابقة. الإعراب: ألا: حرب تنبيه. رب: حرب جر شبيه بالزائد، يفيد -هنا- التقليل. مولود: اسم مجرور لفظا، مرفوع محلا على أنه مبتدأ. وليس: الواو حرف زائد؛ لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف؛ ويجوز أن تكون حالية و"ليس": فعل ماض ناقص. "له": متعلق بمحذوف خبر ليس المتقدم على اسمها. أب: اسم "ليس" مؤخر مرفوع؛ وجملة "ليس له أب": في محل رفع، أو جر صفة لـ"مولود" -على الوجه الأول- وفي محل نصب على الحال على الوجه الثاني، وخبر المبتدأ "مولود" محذوف؛ والتقدير: ألا رب مولود موصوف بكونه لا أب له موجود. وذي: الواو عاطفة، ذي: اسم معطوف على مولود -على لفظ- مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف. ولد: مضاف إليه مجرور. لم: جازمة نافية، لا محل لها من الإعراب. يلده: فعل مضارع مجزوم بـ"لم" وعلامة جزمه السكون المقدر؛ منع من ظهوره حركة التخلص من التقاء الساكنين؛ حيث سكنت اللام تشبيها بـ"كتف" و"فخذ" ونحوهما، من كل كلمة ثانيها مكسور؛ فإنه يجوز إسكانه للتخفيف، وسكنت الدال للجازم، فحركت الدال بالفتح اتباعا للياء، ويجوز ضمها اتباعا للهاء؛ و"الهاء": في محل نصب مفعولا به. أبوان: فاعل لـ"يلد" مرفوع، وعلامة رفعه الألف؛ لأنه مثنى؛ وجملة "لم يلده أبوان": في محل جر صفة لـ"ذي ولد". موطن الشاهد: "رب مولود". وجه الاستشهاد: مجيء "رب" حرف جر شبيه بالزائد، وقد أفادت التقليل؛ لأن المولود الذي ليس له أب قليل جدا، ولا يعرف منه إلا عيسى عليه السلام، وكذا ذو الولد الذي لم يولد من أبوين؛ حيث لم يوجد منه إلا آدم عليه السلام؛ ولا تجر "رب" -غالبا- إلا الاسم الظاهر النكرة، وتحتاج هذه النكرة إلى صفة من مفرد، أو جملة، أو شبهها؛ وقد تجر -على قلة- ضميرا للتنبيه، يفسره اسم منصوب بعده، يعرب تمييزا. ضياء السالك: 2/ 270.

[ما لفظه مشترك بين الحرفية والاسمية] : فصل: من هذه الحروف ما لفظه مشترك بين الحرفية والاسمية، وهو خمسة: أحدها: الكاف؛ والأصح أن اسميتها مخصوصة بالشعر1؛ كقوله2: [الرجز] 303- يضحكن عن كالبرد المنهم3

_ 1 يرى الأخفش والفارسي وابن مالك: أن استعمالها اسما قياسي في سعة الكلام، ولا يختص بضرورة الشعر، وقد كثر في كلام الفحول من الشعراء. وإذا صارت اسما كانت بمعنى "مثل" وتقع فاعلا، فتكون مبنية على الفتح في محل رفع، كقول الشاعر: ما عاتب الحر الكريم كنفسه ... ............ ومفعولا، كقول الآخر: ولم أر كالمعروف إما مذاقه ... فحلو وإما وجهه فجميل وفي محل جر؛ تبتسم عن كاللؤلؤ، وشاهد المؤلف في المتن. مغني اللبيب 238-239. التصريح: 2/ 18. 1 القائل هو الراجز المشهور، العجاج بن رؤبة، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز في وصف نسوة بالحسن والجمال، وقبله قوله: بيض ثلاث كنعاج جم ويروى قبل الشاهد قوله: عند أبي الصهباء أقصى همي ... ولا تلمني اليوم يابن عمي والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 18، والأشموني: 562/ 2/ 296، والعيني: 3/ 294. المخصص: 9/ 119، وشرح المفصل: 8/ 42، 44، والخزانة: 4/ 262، والهمع: 2/ 31، الدرر: 2/ 28، والمغني: 325/ 239، والسيوطي: 71، وملحقات ديوان العجاج: 83. المفردات الغريبة: بيض: جمع بيضاء. نعاج: جمع نعجة، والمراد بها هنا البقرة الوحشية، شبهت بها المرأة الحسناء، ولا يقال نعاج لغيرها. جم: جمع جماء، وهي التي لا قرن لها. البرد: مطر ينعقد كرات صغيرة. المنهم: الذائب منه بعضه حتى يصير كرات صغيرة جدا. المعنى: أن هؤلاء النسوة البيض اللاتي كبقر الوحش خفة ورشاقة يضحكن عن أسنان كالبرد الصغير صفاء ولطافة. الإعراب: يضحكن: فعل مضارع مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة، والنون: =

والثاني والثالث: "عن" و"على"؛ وذلك1، إذا دخلت عليهما "من"؛ كقوله2: [الكامل] 304- من عن يميني مرة وأمامي3

_ = ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل؛ وجملة "يضحكن": في محل رفع صفة ثانية لـ"بيض ثلاث" والصفة الأولى هي متعلق الجار والمجرور في قوله "كنعاج جم". عن: حرف جر. كالبرد: الكاف اسم بمعنى مثل، مبني على الفتح في محل جر بـ"عن"؛ و"الجار والمجرور": متعلق بـ"يضحك"، والكاف الاسمية مضاف. البرد: مضاف إليه مجرور. المنهم: صفة للبرد مجرورة. موطن الشاهد: "عن كالبرد". وجه الاستشهاد: مجيء "الكاف" اسما بمعنى "مثل"، ودليل ذلك، دخول حرف الجر عليها؛ لأن حرف الجر لا يدخل إلى على الاسم. فائدة: اتفق العلماء على مجيء "الكاف" اسما بمعنى "مثل"، واختلفوا: هل يختص ذلك في ضرورة الشعر أو لا؟، فذهب الأخفش والفارسي وابن مالك إلى أنه لا يختص بضرورة الشعر؛ وجوزوا في نحو قولك: "زيد كالأسد" أن تكون الكاف حرف جر، وأن تكون اسما بمعنى "مثل" أضيف إلى الأسد. انظر مغني اللبيب: 238-239. 1 ليس ذلك بقيد لاسميتهما وإنما الغالب وقوعهما مجرورتين بمن، وإذا استعملا اسمين، كانت "عن" بمعنى جانب، وعلى بمعنى فوق، وهذا الاستعمال قياسي فيهما. 2 القائل: هو قطري بن الفجاءة التميمي الخارجي، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: فلقد أراني للرماح دريئة وهو من شواهد التصريح: 2/ 19، والأشموني: 564/ 2/ 296، وابن عقيل: 213/ 3/ 29" وسيبويه: 2/ 229، 254، شرح المفصل: 8/ 40، الخزانة: 4/ 258، العيني: 3/ 500، الهمع: 1/ 156، 2/ 36، وشرح الحماسة للمرزوقي: 136، والمغني: 933/ 690، والسيوطي: 150. المفردات الغريبة: دريئة: هي الحلقة التي يتعلم عليها الطعن والرمي. المعنى: يصف نفسه بالشجاعة والصبر على الجلاد في معمعة الحرب حين يفر الأبطال، فتتقاذف عليه رماح الأعداء ونبالهم وتأتيه من كل جانب وهو ثابت. أو يريد: أن المحاربين معه يتخذونه وقاية يتقون بها ضربات الأعداء؛ لشجاعته ورباطة جأشه. الإعراب: ولقد: الواو حرف قسم وجر، والمقسم به محذوف؛ والتقدير: والله لقد =

وقوله1: [الطويل] 305- غدت من عليه بعدما تم ظمؤها2

_ = أراني؛ واللام واقعة في جواب القسم المقدر، و"قد": حرف تحقيق، لا محل له من الإعراب. أراني: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف؛ للتعذر؛ والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا؛ تقديره: أنا؛ والنون: للوقاية، وياء المتكلم في محل نصب مفعولا به أول لـ"أرى". "للرماح": متعلق بمحذوف حال من "دريئة" الآتي. وكان أصله وصفا؛ فلما تقدم أعرب حالا. دريئة: مفعول به ثان لـ"أرى". من: حرف جر. عن: اسم بمعنى جهة أو جانب مبني على السكون في محل جر بـ"من" و"الجار والمجرور": متعلق بفعل دل عليه قوله: "أراني للرماح دريئة"؛ والتقدير: تجيئني هذه الرماح من جهة يميني تارة، و"عن": مضاف. يميني: يمين: مضاف إليه، وهو مضاف، والياء: مضاف إليه. "تارة": متعلق بالفعل المحذوف المدلول عليه، كما بينا. وأمامي: الواو حرف عطف، أمامي: معطوف على يميني؛ والمعطوف على المجرور مجرور مثله، وهو مضاف، وياء المتكلم: مضاف إليه. موطن الشاهد: "من عن يميني". وجه الاستشهاد: مجيء "عن" في الشاهد اسما بمعنى جانب أو جهة؛ ودليل ذلك دخول حرف الجر عليه؛ لأن حروف الجر، لا تدخل إلا على الأسماء. 1 القائل: هو مزاحم بن الحارث العقيلي، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت للشاعر في وصف قطاة، وعجزه قوله: تصل وعن قيض بزيزاء مجهل وهو من شواهد: التصريح: 2/ 19، والأشموني: 565/ 2/ 296، وابن عقيل: 212/ 3/ 28. وسيبويه: 2/ 310، والنوادر 1631، والمقتضب: 3/ 53، الكامل: 488، الجمل: 73، المقرب: 42، والخزانة: 4/ 251، وشرح المفصل: 8/ 37، والعيني: 2/ 36، الدرر: 2/ 36، الهمع: 2/ 36، السيوطي: 145. المفردات الغريبة: غدت: صارت، والضمير فيه عائد على القطاة. تم: كمل. ظمؤها: مدة صبرها عن الماء، والظمء: ما بين الشرب والشرب. تصل: تصوت أحشاؤها من العطش. قيض: هو القشر الأعلى للبيض. زيزاء: بيداء، وهي الأرض القفر التي لا ماء فيها. مجهل: قفز ليس فيها أعلام يهتدى بها. المعنى: أن هذه القطاة، صارت من فوق فرخها -وقد مضت المدة التي تصبر فيها عن الماء- تصوت من شدة الظمأ، وهي على قشور البيض والأفراخ في تلك الأرض الغليظة القفر الخالية مما يهتدي به السائرون.

والرابع والخامس: "مذ" و"منذ"؛ وذلك في موضعين: أحدهما: أن يدخلا على اسم مرفوع؛ نحو: "ما رأيته مذ يومان"، أو "منذ يوم الجمعة"؛ وهما حينئذ مبتدآن، وما بعدهما خبر؛ وقيل بالعكس؛ وقيل: ظرفان، وما بعدهما فاعل بكان تامة محذوفة1.

_ = الإعراب: غدت: فعل ماض ناقص بمعنى "صار" مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة؛ للتخلص من التقاء الساكنين، والتاء: للتأنيث، لا محل لها من الإعراب؛ واسم "غدت": ضمير مستتر جوازا تقديره: هي، يعود إلى القطاة الموصوفة بهذا البيت، وما قبله من الأبيات. من: حرف جر "عليه": على: اسم بمعنى فوق أو عند مبني على السكون في محل جر بـ"من". و"من على": متعلق بخبر "غدا" المحذوف؛ و"على" -هنا- مضاف، والهاء: مضاف إليه. "بعد": متعلق: بـ"غدا". ما: حرف مصدري، لا محل له من الإعراب. تم: فعل ماض. ظمؤها: فاعل مرفوع، وهو مضاف، وضمير "ها" -العائد على القطاة- في محل جر بالإضافة؛ و"ما المصدرية وما دخلت عليه" في تأويل مصدر مجرور بإضافة "بعد" إليه؛ والتقدير: بعد تمام ظمئها. تصل: فعل مضارع مرفوع؛ لتجرده من الناصب والجازم؛ والفاعل: هو، يعود إلى القطاة؛ وجملة "تصل": في محل نصب على الحال من "قطاة". وعن: الواو عاطفة، عن: حرف جر. قيض: اسم مجرور بـ"عن". و"الجار والمجرور": معطوف بالواو على قوله "من عليه" السابق. "بزيزاء": متعلق بمحذوف صفة لـ"قيض"؛ وزيزاء: اسم ممنوع من الصرف؛ لاختتامه بألف التأنيث الممدودة؛ فعلامة جره الفتحة. مجهل: صفة لـ"زيزاء" مجرورة، وعلامة جرها الكسرة. موطن الشاهد: "من عليه". وجه الاستشهاد: مجيء "على" اسما بمعنى "مثل"؛ ودليل ذلك، دخول حرف الجر عليها؛ وقيل: إن معنى "على" -هنا- فوق؛ وهو قول الأصمعي؛ وقيل: معناه عند؛ وهو قول أبي عبيدة، وجماعة النحويين. انظر شرح التصريح: 2/ 19. 1 بيان ما أورده المؤلف: أن في قولك: ما رأيته منذ يومان. أربعة مذاهب: الأول: مذهب المبرد والفارسي وابن السراج وبعض الكوفيين واختاره ابن الحاجب؛ وحاصله أن معنى "مذ ومنذ" الأمد إذا كان الزمان حاضرا أو معدودا، فإن كان الزمان ماضيا فمعناهما أول المدة، وهما على كل حال مبتدآن، وما بعدهما خبر عنهما واجب التأخير وهو أولى المذاهب بالاتباع. الثاني: مذهب الأخفش والزجاج والزجاجي، أنهما ظرفان متعلقان بمحذوف، هو الخبر، وما بعدهما مبتدأ مؤخر؛ ويكون معنى: ما لقيته مذ يومان: بيني وبين لقائه يومان، وهذا تكلف. =

والثاني: أن يدخلا على الجملة؛ فعلة كانت؛ وهو الغالب؛ كقوله1: [الكامل] 306- ما زال مذ عقدت يداه إزاره2

_ = الثالث: مذهب جمهور الكوفيين، واختاره ابن مالك وابن مضاء والسهيلي، وهو أنهما ظرفان والاسم المرفوع بعد كل منهما فاعل لكان تامة محذوف. والتقدير: مذ كان أو قد مضى يومان. والرابع: مذهب بعض الكوفيين؛ وحاصله أن مذ ومنذ أصلهما "من" حرف الجر، و"ذو" الموصولة التي بمعنى الذي في لغة طيئ، والاسم المرفوع بعد كل منهما خبر مبتدأ محذوف؛ وجملة "المبتدأ والخبر": لا محل لها من الإعراب؛ لأنها صلة الموصول؛ والتقدير: ما رأيته من ابتداء الوقت الذي هو يومان. مغني اللبيب: "44-443"، والتصريح: 2/ 20. 1 القائل: هو الفرزدق، وقد مر ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت من كلمة للشاعر يرثي فيها يزيد بن المهلب، وعجزه قوله: فسما فأدرك خمسة الأشبار وبعد الشاهد قوله: يدني كتائب من كتائب تلتقي ... في ظل معترك العجاج مثار والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 21، والمقتضب: 2/ 176، والجمل: 142، وشرح المفصل: 2/ 121، 6/ 33، والعيني: 3/ 321، والهمع: 1/ 216، 2/ 150، الدرر: 1/ 185، 2/ 206، والمغني: 631/ 442، والسيوطي: 256، وديوان الفرزدق: 378. المفردات الغريبة: عقدت يداه إزاره: كناية عن مجاوزته حد الطفولة وبلوغه سن التمييز، والإزار: ما يلبسه الإنسان في نصفه الأسفل. فسما: شب وارتفع. أدرك: بلغ ووصل. خمسة الأشبار: المراد: ارتفعت قامته وبلغ مبلغ الرجال. المعنى: أن يزيد منذ بلغ سن التمييز واستطاع أن يقضي حوائجه بنفسه، ظهرت عليه مخايل الرجولة، وأخذ يتدرج في مدارج الرفعة والشجاعة، ويظهر منه ما لا يرى إلا من الأبطال العظماء. الإعراب: ما زال: ما نافية، لا عمل لها. زال: فعل ماض ناقص؛ واسمه: هو؛ يعود إلى يزيد. مذ: ظرف زمان، مبني على السكون في محل نصب، متعلق بـ"زال"؛ وهو مضاف إلى جملة "عقدت يداه إزاره"؛ وهو الأفضل -هنا-. عقدت فعل ماض مبني على =

أو اسمية؛ كقوله1: [الطويل] 307- وما زلت أبغي المال مذ أنا يافع2

_ = الفتح، والتاء للتأنيث. يداه: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الألف؛ لأنه مثنى، والهاء: في محل جر بالإضافة. إزاره: مفعول به منصوب، والهاء: مضاف إليه. فسما: الفاء عاطفة، سما: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف، منع من ظهوره التعذر؛ والفاعل: هو: يعود إلى يزيد. فأدرك: الفاء عاطفة، أدرك: فعل ماض، والفاعل: هو؛ يعود إلى يزيد. خمسة: مفعول به منصوب، وهو مضاف. الأشبار: مضاف إليه مجرور؛ وخبر "زال" جملة "يدني" في البيت الذي يليه؛ وهو: يدني كتائب من كتائب تلتقي ... في ظل معترك العجاج مثار موطن الشاهد: "مذ عقدت". وجه الاستشهاد: دخول "مذ" على جملة فعلية؛ وهو الغالب في استعمالها، وينبغي أن يكون فعلها ماضيا. 1 القائل: هو الأعشى ميمون بن قيس، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: وليدا وكهلا حين شبت وأمردا وهو من قصيدته المشهورة والتي مطلعها قوله: ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... وبت كما بات السليم مسهدا والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 21، والأشموني: 566/ 2/ 297، والعيني: 3/ 326، الهمع: 1/ 216، الدرر: 1/ 185، المغني: 632/ 442، السيوطي: 257، وديوان الأعشى: 102. المفردات الغريبة: أبغي: أطلب. يافع: هو الغلام الذي بلغ الحلم أو ناهز العشرين، يقال: أيفع الغلام ويفع فهو يافع، ولا يقال موفع، وكأنهم استغنوا باسم الفاعل من الثلاثي. وليدا: صبيا. كهلا: هو من جاوز الثلاثين أو الأربعين إلى الخمسين أو الستين. أمردا: هو الشاب الذي طر شاربه ولم تنبت لحيته؛ لأنه لم يبلغ سن الالتحاء، فإذا بلغه -ولم تنبت لحيته- فهو ثط. المعنى: أنني أطلب المال وأسعى للحصول عليه منذ كنت ناشئا، ثم صبيا، إلى أن بلغت سن الكهولة. الإعراب: ما زلت: ما نافية، زلت: فعل ماض ناقص، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع اسم "زال". أبغي: فعل مضارع مرفوع؛ لتجرده من الناصب والجازم، وعلامة رفعه الضمة المقدرة =

وهما، حينئذ، ظرفان باتفاق1. [زيادة "ما" بعد "من" و"عن" و"الباء"] : فصل: تزاد كلمة "ما" بعد "من" و"عن" والباء؛ فلا تكفهن عن عمل الجر2،

_ = على الياء للثقل؛ والفاعل: أنا. المال: مفعول به منصوب؛ وجملة "أبغي المال": في محل نصب خبر "زال". مذ: ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بـ"أبغي". أنا: ضمير رفع منفصل، في محل رفع مبتدأ. يافع: خبر مرفوع؛ وجملة "أنا يافع": في محل جر بالإضافة؛ وهو الأفضل. موطن الشاهد: "مذ أنا يافع". وجه الاستشهاد: دخول "مذ" على الجملة الاسمية؛ وبعض العلماء يرون أن "مذ" داخلة على زمن مضاف إلى الجملة؛ والتقدير: مذ زمن كوني يافعا؛ وبعضهم أعرب "مذ" مبتدأ، وجعل جملة "أنا يافع" في محل جر بإضافة اسم زمان، يقع خبرا للمبتدأ "مذ". والتقدير: أول أمد بغائي الخير وقت أنا يافع؛ والوجه الذي اعتمدناه أفضل من هذا كله. 1 ذهب بعض النحاة، وتبعهم المؤلف في "مغني اللبيب" إلى أن "مذ ومنذ" إذا وقعت بعدهما جملة فعلية أو اسمية، فهما اسمان غير ظرفين؛ ويكون كل منهما مبتدأ محذوف الخبر؛ غير أن عبارة ابن هشام في المغني تشير إلى الخلاف بوضوح، هل هما ظرفان أو اسمان؟ فهو يقول: "والحالة الثانية أن يليهما الجمل الفعلية أو الاسمية ... والمشهور أنهما حينئذ ظرفان مضافان، فقيل: إلى الجملة، وقيل: إلى زمن مضاف إلى الجمل؛ وقيل: مبتدآن، فيجب تقدير زمان مضاف إلى الجملة، يكون هو الخبر؛ فما كان -عنده- متفقا عليه في "أوضح المسالك" جعله المشهور في "مغني اللبيب" وعلى كل، فالقول باسميتهما ضعيف. انظر شرح التصريح: 2/ 21، والمغني: 441-442. فائدة: اختلف النحاة في "مذ ومنذ" أهما أصلان أم أن أحدهما أصل للآخر؟ فقال الجمهور: "منذ" أصل، و"مذ" فرع عنه بحذف النون؛ وقال ابن ملكون: كل منهما أصل برأسه؛ وقال المالقي: إذا كانا اسمين، فإن "مذ" فرع عن "منذ"؛ وإذ كانا حرفين؛ فكل منهما أصل، ووجه ذلك أن ادعاءه زيادة النون أو حذفها، تصرف؛ والمقرر أن الحرف، لا يتصرف. أوضح المسالك: 3/ 64. 2 لأنها لا تزيل اختصاصهن بالأسماء، ويرى الجمهور: أن "ما" إذا دخلت على واحد من الحروف الثلاثة: الباء، ومن، وعن، لم تكفه أصلا، وهو يؤولون قول الشاعر: فلئن صرت لا تحير جوابا ... فبما قد ترى وأنت خطيب حيث استشهد به ابن مالك على أن "ما" قد تدخل على الباء، فتكفها. وما ذكره ابن الشجري أن "ما" قد تدخل على "من" فتكفها كقول أبي حية النميري: وإنا لمما نضرب الكبش ضربة ... على رأسه تلقي اللسان من الفم =

نحو: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ} 1، {عَمَّا قَلِيلٍ} 2، {فَبِمَا نَقْضِهِمْ} 3. [زيادة "ما" بعد "رب" و"الكاف"] : وبعد "رب" و"الكاف"؛ فيبقى العمل قليلا؛ كقوله4: [الخفيف] 308- ربما ضربة بسيف صقيل5

_ = يؤولون هذا الشاهد ونحوه على أن "ما" مصدرية، والفعل بعدها في تأويل مصدر مجرور بالباء أو من، فتقدير البيت الأول: فبرؤيتنا إياك، وتقدير الثاني: وإنا لمن ضربنا الكبش. هذا وقد زاد جماعة أن "ما" تزاد بعد اللام أيضا فلا تكفها عن عمل الجزء واستدلوا بقول الأعشى: إلى ملك خير أربابه ... فإن لما كل شيء قرارا مغني اللبيب: 408-409. 1 71 سورة نوح، الآية: 25. موطن الشاهد: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ} . وجه الاستشهاد: مجيء "ما" زائدة بعد "من" الجارة، ولم تمنعها عن العمل في الاسم الذي بعدها، فخطيئات مجرورة بـ"من"، و"هم": في محل جر بالإضافة. 2 23 سورة المؤمنين، الآية: 40. وجه الاستشهاد: مجيء "ما" زائدة بعد "عن" الجارة، ولم تكفها عن العمل في الاسم الذي بعدها، كما في الآية السابقة. 3 4 سورة النساء، الآية: 155، 5 سورة المائدة، الآية: 13. موطن الشاهد: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ} . وجه الاستشهاد: مجيء "ما" زائدة بعد الباء الجارة، ولم تكفها عن العمل في الاسم الذي بعدها؛ و"نقضهم": اسم مجرور بالباء، و"هم": في محل جر بالإضافة. 4 القائل: هو عدي بن الرعلاء الغساني، شاعر جاهلي، اشتهر بنسبته إلى أمه، وضاع اسم أبيه، وهو صاحب القصيدة التي منها البيت المشهور: ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء الخزانة: 4/ 187، الأصمعيات: 170، المرزباني: 252، الأعلام: 4/ 220. 5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: بين بصرى وطعنة نجلاء =

وقوله1: [الطويل] 309- كما الناس مجروم عليه وجارم2

_ = وهو من شواهد: التصريح: 2/ 21، والأشموني: 572/ 2/ 299، أمالي ابن الشجري: 2/ 243، والهمع: 2/ 38، الدرر: 2/ 41، المغني: 233/ 183، 588/ 411، السيوطي: 138-247، الخزانة: 4/ 187. المفردات الغريبة: صقيل: مجلو أملس. بصرى: بلد بالشام. كان بها سوق في الجاهلية، وذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه للتجارة، ورآه فيها بحيرا الراهب. نجلاء: واسعة ظاهرة الاتساع. المعنى: كثيرا ما استعملت سيفي للضرب، ورمحي للطعن في هذه الجهة استعمالا مشرفا. الإعراب: ربما: رب حرف جر شبيه بالزائد، و"ما" زائدة لا عمل لها. ضرب: اسم مجرور لفظا بـ"رب" مرفوع محلا، على أنه مبتدأ مرفوع. بسيف: متعلق بمحذوف صفة لـ"ضربة". صقيل: صفة مجرورة لـ"سيف". "بين": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، و"بين" مضاف. بصرى: مضاف إليه. وطعنة: الواو عاطفة، و"طعنة": اسم معطوف على ضربة مجرور مثله. نجلاء: صفة لـ"طعنة" مجرورة. فائدة: أضاف الشاعر "بين" إلى "بصرى"؛ وهو اسم مفرد، ولم يعطف عليه مثله -ومعلوم أن "بين" لا تضاف إلا إلى متعدد- لأحد احتمالين؛ الأول: كون "بصرى" في قولة المتعدد؛ لأنها ذات أجزاء، ومحلات كثيرة؛ والتقدير: بين أجزائها وأماكنها؛ والثاني: أن هناك مضافا محذوفا؛ والتقدير: بين أماكن بصرى. موطن الشاهد: "ربما". وجه الاستشهاد: زيادة "ما" بعد "رب" من دون أن تمنعها من العمل؛ وحكم ذلك الجواز مع القلة. 1 القائل: هو عمرو بن براقة الهمداني، وبراقة اسم أمه واسم أبيه منبه، شاعر همداني قبيل الإسلام؛ له أخبار في الجاهلية، عاش إلى خلافة عمر بن الخطاب، ووفد مع من وفد من قومه، ودخل عليه، وكان شيخا كبيرا يعرج، مات بعد سنة 11هـ. الأعلام: 5/ 76، الإصابة: ت: 6477، سمط اللآلي: 748 و749، الأغاني: 21/ 175 "ط. ليدن". 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: وننصر مولانا ونعلم أنه وهو من كلمة قالها عمرو في رجل اسمه حريم من مراد، كان قد أغار على إبل عمرو =

............................

_ = فاستاقها، فأغار عمرو على حريم، واستاق كل شيء عنده، فأتى حريم بعد ذلك عمرا، وطلب إليه أن يرد عليه بعض ما أخذه منه، فأبى عمرو، ورجع حريم. وأول هذه الكلمة قوله: تقول سليمى لا تعرض لتلفة ... وليلك عن ليل الصعاليك نائم والشاهد من شواهد: "التصريح: 2/ 21، الأشموني: 573/ 2/ 299، ابن عقيل: 217/ 3/ 35، وأمالي القالي "بولاق": 2/ 123، المؤتلف: 67، العيني: 3/ 332، الهمع: 2/ 38، 130، الدرر: 2/ 42، 170، المغني عدة مرات منها: 101/ 92، 321/ 326، والسيوطي: 73، 247، 263. المفردات الغريبة: ننصر: نعين ونؤازر. مولانا: المراد هنا: حليفنا أو سيدنا. مجروم: مظلوم واقع عليه الجرم والتعدي. جارم: ظالم معتد. المعنى: يفتخر الشاعر بقومه قائلا: إن من أخلاقنا وشيمتنا، أن نساعد حليفنا، ونعينه على عدوه، ونحن نعلم أنه كغيره من الناس يظلم ويَظلم غيره. الإعراب: وننصر: الواو بحسب ما قبلها، ننصر: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: نحن. مولانا: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر، وهو مضاف، و"نا": مضاف إليه. ونعلم: الواو عاطفة، نعلم: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: نحن، وجملة "نعلم": معطوفة على جملة ننصر. أنه: أن حرف مشبه بالفعل، والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم "أن". كما: الكاف حرف تشبيه وجر، و"ما": زائدة لا محل لها من الإعراب. الناس: اسم مجرور بالكاف، وعلامة جره الكسرة؛ و"الجار والمجرور": متعلق بمحذوف خبر "أن"؛ والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": سد مسد مفعولي نعلم. مجروم: خبر ثان لـ"أن"مرفوع. "عليه": في محل رفع نائب فاعل لاسم المفعول "مجروم". وجارم: الواو عاطفة، جارم: اسم معطوف على "مجروم" مرفوع مثله؛ وفي "جارم" ضمير مستتر فاعل لاسم الفاعل. موطن الشاهد: "كما الناس". وجه الاستشهاد: اقتران الكاف بـ"ما" الزائدة، من دون أن تكفها عن العمل في الاسم الذي بعدها؛ وحكم اقترانها بـ"ما" الزائدة مع بقاء عملها الجواز مع القلة، كما جاء في المتن. فائدة: أولى: قد تزاد "ما" -على قلة أيضا- بعد "اللام"، كما في قول الأعشى: إلى ملك خير أربابه ... فإن لما كل شيء قرارا أي: فإن لكل شيء. ثانية: تزاد "ما" بعد أدوات الشرط الجازمة في نحو قوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} ، وبعد أدوات الشرط غير الجازمة في نحو قوله -جل شأنه: {حَتَّى =

والغالب أن تكفهما عن العمل؛ فيدخلان -حينئذ- على الجمل؛ كقوله1: [الطويل] 310- كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه2

_ = إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ} ؛ وهي في الموضعين لم تغير من وضع الأداة شيئا، وإنما زيدت في أحوالها كلها لمجرد التأكيد. 1 القائل: هو نهشل بن حرى بن ضمرة الدارمي، شاعر مخضرم، عاش في الجاهلية، وأدرك الإسلام وأسلم ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم صحب عليا في حروبه؛ أثنى عليه الجمحي وعلى آبائه وذلك بتواليهم بالشعر والشرف، وقال: لا أعلم في تميم رهطا يتوالون تواليهم. مات نحو سنة 45هـ. الشعر والشعراء: 2/ 637، الجمحي: 2/ 583، الاشتقاق: 150، الأغاني: 8/ 153، الأعلام: 8/ 49. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، يرثي فيه الشاعر أخاه مالكا، وكان قد قتل في جيش علي يوم صفين، وصدره قوله: أخ ماجد لم يخزني يوم مشهد والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 22، والعيني: 3/ 334، والهمع: 2/ 38، والدرر: 2/ 42. المفردات الغريبة: ماجد: ذو مجد، والمجد: الرفعة والشرف والكرم. يخزني: يوقعني في الخزاية، وهي الإهانة والفضيحة، والمراد: يخذلني. يوم مشهد: اليوم الذي يشهده الناس ويحضرونه، والمراد يوم صفين، وهو الذي قتل فيه أخوه مالك. سيف عمرو: المراد: عمرو بن معديكرب الزبيدي، وسيفه: الصمصامة. مضاربه: جمع مضرب، وهو نحو شبر من طرفه. المعنى: يمدح الشاعر أخاه بالشجاعة والإقدام والكرم، وأنه لم يتخل عنه ولم يخذله، ولم يحجم عن لقاء الأعداء معه يوم صفين؛ كما أن سيف عمرو بن معديكرب لم يخذله، ولم ينب في يده. الإعراب: أخ: خبر لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: هو أخ. ماجد: صفة لـ"أخ" مرفوع. لم: نافية جازمة. يخزني: فعل مضار مجزوم بـ"لم" وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب مفعولا به؛ والفاعل: هو؛ وجملة "لم يخزني": في محل رفع صفة ثانية لـ"أخ". "يوم": متعلق بـ"يخزي"، وهو مضاف. مشهد: مضاف إليه مجرور. كما: الكاف حرف تشبيه وجر، و"ما" حرف كاف مبني على السكون لا محل له من الإعراب. سيف: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. عمرو: مضاف إليه مجرور. لم: جازمة نافية. تخنه: فعل مضارع مجزوم بـ"لم" وعلامة جزمه =

وقوله1: [المديد] 311- ربما أوفيت في علم2

_ = السكون، والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعولا به. مضاربه: فاعل مرفوع، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه؛ وجملة "لم تخنه مضاربه": في محل رفع خبر المبتدأ "سيف". موطن الشاهد: "كما سيف عمرو". وجه الاستشهاد: مجيء الكاف الجارة مقترنة بـ"ما" الكافة؛ فكفتها عن عمل الجر، ودخلت على الجملة الاسمية -كما بينا في الإعراب- حيث تلاها "سيف" الواقع مبتدأ، وخبره جملة "لم تخنه مضاربه"؛ وحكم اقتران "ما" الكافة بالكاف ومنعها من العمل -أي من جر الاسم بعدها- الجواز مع الرجحان. ومثل الشاهد السابق قول عمرو بن حكيم بن معية: ولو جاورتنا العام سمراء لم نبل ... على جدبنا ألا يصوب ربيع لقد علمت سمراء أن حديثها ... نجيع كما ماء السماء نجيع والشاهد في قوله: "كما ماء السماء نجيع" حيث جاءت الكاف الجارة، واقترنت بها "ما" الكافة فمنعتها من عمل الجر، وتلاها جملة اسمية؛ فـ"ماء" مبتدأ، والسماء: مضاف إليه. نجيع: خبر المبتدأ مرفوع. 1 القائل: هو جذيمة الأبرش، ويعرف بالوضاح، ثالث ملوك الدولة التنوخية في العراق، جاهلي عاش عمرا طويلا، وملك أرضا واسعة بفضل تنظيمه للجيوش واستعماله للمجانيق. من حديثه أنه قتل عمرو بن الظرف، أبا الزباء واستولى على أرضه، ثم ثأرت الزباء لأبيها فقتلته وذلك نحو: 366ق. هـ. خزانة الأدب: 4/ 569، الأعلام: 2/ 114. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: ترفعن ثوبي شمالات وهو من شواهد: التصريح: 2/ 22، والأشموني: 574/ 2/ 299، سيبويه: 1/ 154، والنوادر: 210، والمقتضب: 3/ 15، والمؤتلف: 340، أمالي ابن الشجري: 2/ 243، شرح المفصل: 9/ 40، المقرب: 86، العيني: 3/ 234، 3/ 328، الهمع: 2/ 38، 78، الدرر: 2/ 41، 99، المغني: 222/ 180، 232/ 183، 576/ 407، والسيوطي: 134، 245. المفردات الغريبة: أوفيت: نزلت. علم: جبل. شمالات: جمع شمال، وهي ريح تهب من ناحية القطب الشمالي، =

والغالب على "رب" المكفوفة" أن تدخل على فعل ماض، كهذا البيت1. وقد تدخل على مضارع منزل الماضي؛ لتحقق وقوعه؛ نحو: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} 2.

_ = المعنى: كثيرا ما أنزل على الجبال العالية في مهب الرياح العاتية، متحملا المصاعب لأرقب الأعداء؛ فهو يفتخر بأنه يرقب الطليعة بنفسه متحملا المشاق ولا يعتمد على غيره في المراقبة. الإعراب ربما: رب حرب جر شبيه بالزائد، يفيد التقليل، و"ما": حرف كاف لـ"رب" عن عمل الجر لفظا في الاسم الذي يليه؛ وهو مهيئ لهذا الحرف أن يدخل على الجمل. أوفيت: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك؛ والتاء: في محل رفع فاعل. "في علم": متعلق بـ"أوفى". ترفعن: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة؛ ونون التوكيد لا محل لها من الإعراب. ثوبي: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل الياء، منع من ظهروها اشتغال المحل بالحركة المناسبة لياء المتكلم؛ والياء: ضمير متصل في محل جر بالإضافة. شمالات: فاعل مرفوع مؤخر. موطن الشاهد: "ربما أوفيت". وجه الاستشهاد: اقتران "ما" الكافة بـ"رب" ومنعها إياها من عمل الجر؛ ودليل ذلك دخول "رب" على الجملة الفعلية؛ ولو بقي عمل "رب"؛ لدخل على الاسم. 1 لأن معناها التكثير أو التقليل، وهما إنما يكونان فيما عرف حده، والمستقبل مجهول، وإذا كانت "ما" كافة، و"رب" غير عاملة وجب وصلهما كتابة؛ فإن كانت "رب" عاملة وجب فصلهما. 2 15 سورة الحجر، الآية: 2. موطن الشاهد: "ربما يود". وجه الاستشهاد: دخول "رب" المكفوفة على فعل مضارع متحقق الوقوع؛ وحكم دخولها على الفعل المضارع الجواز مع القلة، كما في الآية الكريمة؛ وذكر ابن هشام في "المغني": إنما جاز دخول "ربما" على "يود"؛ "لأن المستقبل معلوم -عند الله تعالى- كالماضي، وقيل: هو على حكاية حال ماضية مجازا، مثل قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} ؛ وقيل: التقدير ربما كان يود، وليس حذف كان من دون "إن" و"لو" الشرطيتين سهلا، ثم الخبر حينئذ -وهو "يود"- مخرج على حكاية الحال الماضية؛ فلا حاجة إلى تقدير كان، ولا يمتنع دخولها على الاسمية، خلافا للفارسي". انظر مغني اللبيب: 408، وشرح التصريح: 2/ 22.

وندر دخولها على الجملة الاسمية؛ كقوله1: [الخفيف] 312- ربما الجامل المؤبل فيهم2 حتى قال الفارسي3: يجب أن تقدر "ما" اسما مجرورا بـ"رب" بمعنى

_ 1 القائل: هو أبو دؤاد الإيادي؛ جارية بن الحجاج، شاعر جاهلي، وأحد وصاف الخيل المشهورين شهد له بذلك الأصمعي. وله شعر في المدح والهجاء وقد كانت تفخر إياد به فتقول: فينا أشعر العرب، تجريد الأغاني، 1778، الشعر والشعراء: 1/ 237، الأعلام: 1/ 106، السمط: 879. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: وعناجيج بينهن المهار والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 22، والأشموني: 570/ 2/ 298، وابن عقيل: 215/ 3/ 33، والعيني: 3/ 328، وأمالي ابن الشجري: 2/ 243، وشرح المفصل: 8/ 29، الخزانة: 4/ 188، الهمع: 2/ 26، 38، الدرر: 2/ 41، المغني: 234/ 183، السيوطي: 139، ديوان أبي دؤاد: 316. المفردات الغريبة: الجامل: اسم جمع للإبل لا واحد له، وقيل القطيع من الإبل مع رعاتها. المؤبل: المعد للقنية. عناجيج: جمع عنجوج كعصفور، وهي الخيل الجياد الطويلة الأعناق. المها: جمع مهر، وهو ولد الفرس، والأنثى مهرة. المعنى: يفتخر الشاعر بنفسه ويصفها بالجود والكرم، وأنه لا يبخل على من يتصل به بأحسن ما عنده؛ من الإبل المتخذة للقنية، والخيل الجياد التي معها أولادها. الإعراب: ربما: حرف جر شبيه بالزائد، يفيد التقليل، وما: كافة لـ"رب" عن العمل، الجامل: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، المؤبل: صفة لـ"الجامل" مرفوع. "فيهم": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ. وعناجيج: الواو عاطفة، عناجيج: اسم معطوف على الجامل مرفوع مثله. بينهن: "بين" متعلق بمحذوف خبر مقدم، و"هن": في محل جر بالإضافة. المهار: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وجملة "المبتدأ والخبر": في محل رفع صفة لـ"عناجيج". موطن الشاهد: "ربما الجامل فيهم". وجه الاستشهاد: دخول "رب" المكفوفة بـ"ما" على الجملة الاسمية؛ وحكم دخولها على الجمل الاسمية الجواز مع الندرة. 3 جعل الفارسي "ما" في هذا البيت نكرة بمعنى شيء مجرور المحل برب؛ وذلك لأنه لا يجوز دخول "رب" المكفوفة على الجملة الاسمية، وجعل "الجامل": خبر مبتدأ محذوف، أي: رب شيء هو الجامل، وفيهم: جار ومجرور متعلق بمحذوف حال؛ =

شيء؛ و"الجامل"؛ خبرا لضمير محذوف؛ والجملة صفة لما؛ أي: رب شيء هو الجامل المؤبل. [حذف "رب" وبقاء عملها] : فصل: تحذف "رب" ويبقى عملها، بعد الفاء كثيرا؛ كقوله1: [الطويل] 313- فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع2

_ = فيكون مدخول رب مفردا، وإنما قدر الفارسي ضميرا محذوفا، ولم يجعل الجملة على حالها صفة لما؛ ليحصل الربط بين الصفة والموصوف؛ وفي هذه الحالة، تكتب "ما" مفصولة من "رب"، بخلاف "ما" الكافة فإنها تكتب موصولة؛ كما بينا من قبل. انظر مغني اللبيب: 408، والتصريح: 2/ 22. 1 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: فألهيتها عن ذي تمائم محول والبيت من معلقته المشهورة، وهو من شواهد: التصريح: 2/ 22، والشذور 161/ 425، والهمع: 2/ 36، والدرر: 2/ 38، والمغني: 227/ 181، 290/ 213، والسيوطي: 137-158، وابن عقيل: 218/ 3/ 36، والأشموني: 577/ 2/ 399، وديوان امرئ القيس: 147. المفردات الغريبة: طرقت: أتيتها ليلا، والطروق: الإتيان في الليل. ألهيتها: شغلتها. تمائم: جمع تميمة وهي التعاويذ التي تعلق على الصبي لتقيه من العين والسحر ونحوهما على عقيدة العرب. محول: اسم فاعل، من أحول الصبي إذا مر من عمره حول. المعنى: رب امرأة مثلك حبلى ومرضع قد أتيتها ليلا فشغلتها عن طفلها الصغير الذي تولع به. وخص الحبلى والمرضع؛ لأنهما أزهد النساء في الرجال، ومع ذلك تعلقتا به ومالتا إليه. الإعراب: فمثلك: الفاء عاطفة، مثل: اسم مجرور لفظا بـ"رب" المقدرة، منصوب محلا على أنه مفعول به لـ"طرقت" الآتي، والكاف: في محل جر بالإضافة؛ والتقدير: فـ"رب مثلك طرقت". حبلى: بدل من "مثل" مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة إن راعينا اللفظ. ومنصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة إن راعينا المحل. قد: حرف تحقيق. طرقت: فعل ماض، والتاء: في محل رفع فاعل. ومرضع: الواو عاطفة، مرضع: اسم معطوف على "حبلى"؛ والراجح في روايته الجر؛ غير أنه يجوز مراعاة =

وبعد الواو أكثر1؛ كقوله2: [الطويل]

_ = المحل، فيجوز نصبه عطفا على محل "حبلى". فألهيتها: الفاء عاطفة، ألهى: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، و"ها": ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعولا به. "عن ذي": متعلق بـ"ألهيتها"؛ و"ذي" من الأسماء الستة؛ فعلامة جره الياء بدل الكسرة، وهو مضاف. تمائم: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف؛ لأنه على صيغة منتهى الجموع. محول: صفة لـ"ذي تمائم" مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. موطن الشاهد: "فمثلك". وجه الاستشهاد: جر "مثل" بـ"رب" المحذوفة بعد الفاء؛ وحكم الجر بـ"رب" المحذوفة بعد الفاء الجواز مع الكثرة؛ ومثل هذا الشاهد قول المتنخل الهذلي: فحور قد لهوت بهن عين نواعم في المروط وفي الرياط 1 ذهب الكوفيون وأبو العباس المبرد من البصريين إلى أن الواو تعمل بنفسها الجر في النكرة، وقالوا في تعليل ذلك: لأن الواو نابت عن "رب" التي تعمل الجر؛ فلما نابت عنها؛ عملت عملها، ولا يمكن أن نعد هذه الواو واو العطف؛ لأنها تقع في أول الكلام؛ وذهب البصريون إلى أن الواو، ليست هي التي تعمل الجر، وإنما عامل الجر "رب" مقدرة، وقالوا في تعليل رأيهم: "لأن الواو حرف غير مختص، والحرف غير المختص أصله ألا يعمل شيئا، وإذا كانت الواو، ليست هي عامل الجر، لزم أن نقدر عاملا يكون جر ما بعد الواو به، وإنما قدرنا الجر بـ"رب" لأنا رأينا "رب" يجوز ظهورها مع الواو، فيقال: ورب ليل ورب بلد، ومن ذلك قول الشاعر: "ورب أسيلة الخدين بكر" والذي ينقض قول الكوفيين والمبرد: "إن العامل هو الواو نفسها في نحو: وليل، ونحول: وبلد" أنا رأينا العرب تجر بـ"رب" محذوفة، وليس في الكلام عوض منها: كما في قول الشاعر: مثلك أو خير تركت رذية ... تقلب عينيها إذا طار طائر ورأينا العرب -أيضا- تجر الاسم النكرة بعد بل وبعد الفاء، ولم يقل أحد منا ومنكم: إن بل أو الفاء تجر، وهذان الحرفان، يحسن ظهورهما في الكلام مع "رب" كما قلنا في شأن الواو، ولو كان حرف منها نائبا عن رب وعوضا عنها، لم يجز أن يظهر في الكلام معها؛ لأن العوض لا يذكر مع المعوض. انظر مغني اللبيب: 477، وهمع الهوامع: 2/ 36-37. 2 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.

314- وليلٍ كموج البحر أرخى سدوله1 وبعد "بل" قليلا؛ كقوله2: [الرجز] 315- بل مَهمَهٍ قطعت بعد مهمه3

_ 1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: علي بأنواع الهموم ليبتلي والبيت من معلقته المشهورة التي كثر الاستشهاد بأبياتها. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 22، وشذور الذهب: 160/ 424، شرح الزوزني: 106، والمغني: 672/ 473، والأشموني: 579/ 2/ 300، وديوان امرئ القيس: 151. المفردات الغريبة: كموج البحر: أي مثله في شدة هوله وظلمته. سدوله: ستوره، والمفرد: سدل. ليبتلي: ليختبر ويمتحن. المعنى: رب ليل عظيم الهول والخوف أسدل علي ستور ظلامه مع أنواع الهموم والأحزان؛ ليختبر ما عندي من الشجاعة والاحتمال والصبر، أو الجزع والفزع قطعته ولم أبال به. الإعراب: وليل: الواو: واو رب، لا محل لها من الإعراب، ليل: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ. "كموج": متعلق بمحذوف صفة لـ"ليل"، وموج: مضاف. البحر: مضاف إليه مجرور. أرخى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف، منع من ظهروه التعذر؛ والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره هو. سدوله: مفعول به منصوب، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه؛ وجملة "أرخى سدوله": في محل رفع خبر المبتدأ المجرور لفظا بـ"رب" المقدرة. "علي": متعلق بـ"أرخى". بأنواع: متعلق بـ"أرخى" أيضا، وأنواع مضاف. الهموم: مضاف إليه مجرور. ليبتلي: اللام للتعليل، يبتلي: فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد لام التعليل؛ والمصدر المؤول من "أن المصدرية المضمرة مع يبتلي": في محل جر بلام التعليل؛ و"الجار والمجرور": متعلق بـ"أرخى". موطن الشاهد: "وليل". وجه الاستشهاد: جر "ليل" بـ"رب" المقدرة بعد الواو؛ وحكم عمل رب محذوف بعد الواو الجواز وهو شائع بكثرة؛ وعملها محذوفة بعد الواو من عملها محذوفة بعد الفاء. 2 القائل: هو رؤبة بن العجاج، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا بيت من مشطور الرجز استشهد به: التصريح: 2/ 23، والعيني 3/ 345، وشرح شواهد الشافية: 202، واللسان "بلل"، وديوان رؤبة: 166. =

وبدونهن أقل؛ كقوله1: [الخفيف] 316- رسم دارٍ وقفت في طلله2

_ = المفردات الغريبة: مهمه: مفازة بعيدة الأطراف. قيل سميت بذلك؛ لأن سالكها يقول لصاحبه من الخوف والذعر: مه مه، أي كف عن الحديث. الإعراب: بل: حرف عطف يفيد الإضراب، لا محل له من الإعراب. مهمه: اسم مجرور لفظا بـ"رب" المقدرة المحذوفة، منصوب محلا، على أنه مفعول به لـ"قطعت" الآتي. "بعد": متعلق بـ"قطع"، وهو مضاف. مهمه: مضاف إليه مجرور. موطن الشاهد: "بل مهمه". وجه الاستشهاد: جر "مهمه" بـ"رب" المحذوفة المقدرة بعد "بل"؛ وحكم حذف "رب" مع بقاء عملها بعد "بل" الجواز مع القلة؛ ومثل هذا الشاهد قول رؤبة بن العجاج: بل بلد ذي صعد وأصباب ... قطعت أخشاه بعسف جواب فجاءت "رب" مقدرة بعد "بل"، وبقي عملها، بعد حذفها. 1 القائل: هو جميل بن معمر العذري، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: كدت أقضي الحياة من جلله وهو من شواهد: التصريح: 2/ 23، وابن عقيل "220/ 3/ 38"، وأمالي القالي: 1/ 246، واللسان "جلل"، وديوان جميل بن معمر العذري: 187. المفردات الغريبة: رسم دار: هو ما بقي من آثارها لاصقا بالأرض، كالرماد ونحوه. طلله، الطلل: ما شخص أي ما ارتفع من آثارها، كالوتد والأثافي. من جلله: من أجله، أو من عظم شأنه في نفسي. المعنى: رب أثر باق من آثار ديار الأحبة وقفت عنده، فكدت أموت أسى وحزنا على تلك الديار، التي كانت عامرة ولها أعظم شأن في نفسي، فاصبحت خرابا خاوية من أهلها. الإعراب: رسم: اسم مجرور لفظا بـ"رب" المقدرة، مرفوع محلا على أنه مبتدأ؛ وهو مضاف. دار: مضاف إليه مجرور. وقفت: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: في محل رفع فاعل. "في طلله": متعلق بـ"وقف"، وطلل: مضاف، والهاء مضاف إليه؛ وجملة "وقفت في طلله": في محل رفع صفة لـ"رسم"؛ أو في محل جر صفة له؛ تبعا للفظ الموصوف. كدت: فعل ماض من أفعال المقاربة مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك؛ والتاء: في محل رفع اسم "كاد". أقضي: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. الحياة: مفعول به منصوب. "من جلله": متعلق بـ"أقضي"، وجلل: مضاف، و"الهاء": في محل جر بالإضافة؛ وجملة "أقضي =

[حذف غير رب وبقاء عمله] : وقد يحذف غير "رب" ويبقى عمله؛ وهو ضربان: 1- سماعي؛ كقول رؤبة: "خيرٍ والحمد لله"؛ جوابا لمن قال له كيف أصبحت1؟ 2- وقياسي، كقولك2: "بكم درهم اشتريت ثوبك"؛ أي: بكم من درهم؟؛

_ = الحياة..": في محل نصب خبر "كاد"؛ وجملة "كاد واسمها وخبرها": في محل رفع خبر المبتدأ. موطن الشاهد: "رسم دار". وجه الاستشهاد: جر "رسم" بـ"رب"؛ وهي محذوفة من غير أن يتقدم هذا المجرور حرف من الأحرف السابق ذكرها؛ وحكم هذا قليل ونادر. 1 الأصل: بخير، أو على خير، فحذف الجار وأبقى عمله، ورؤبة هذا من فصحاء العرب الذين يستشهد بقولهم. 2 بقي مما يطرد فيه الحذف غير ما ذكره المصنف: 1- أن يكون الجار أحد حروف القسم والمجرور لفظ الجلالة دون عوض من حرف القسم المحذوف: الله لأفعلن. 2- في جواب سؤال اشتمل على حرف مثل الحرف المحذوف، نحو "زيد"، في جواب من قال: بمن اهتديت؟ 3- في العطف على ما تضمن مثل الحرف المحذوف إذا كان العطف بحرف منفصل بـ"لو" كقول الشاعر: "متى عدتم بنا ولو فئة منا". 4- أن يكون المجرور معطوفا على آخر؛ بحرف منفصل بلا، كقول الشاعر: ما لمحب جلد أن يهجرا ... ولا حبيب رأفة فيجبرا 5- أن يكون المجرور مقرونا بهمزة استفهام بعد كلام تضمن مثل الحرف المحذوف، نحو قولك: "أزيد بن عمرو" جوابا لمن قال: "اهتديت بزيد". 6- أن يكون المجرور مسبوقا بهلا بعد كلام اشتمل على مثل الحرف المحذوف؛ نحو: "هلا رجل يعتمد عليه". بعد قول القائل "تمسكت بخالد". 7- أن يكون المجرور مسبوقا بإن، وفي الكلام السابق عليه مثل الحرف المحذوف؛ نحو: لا تمسك بأحسنهما خلقا، إن علي وإن عمرو". 8- لام التعليل إن جرت كي المصدرية وصلتها؛ نحو: جئت كي أتعلم. =

خلافا للزجاج، في تقديره1. الجر بالإضافة؛ وكقولهم: "إن في الدار زيدا والحجرة عمرا" أي: وفي الحجرة؛ خلافا للأخفش، إذ قدر العطف، على معمولي عاملين2؛ وقولهم: "مررت برجل صالح إلا صالحٍ فطالحٍ" حكاه يونس3؛ وتقديره: إلا أمر بصالح، فقد مررت بطالح4.

_ = 9- بعد أن المصدرية وأن المؤكدة؛ نحو: "رغبت أن أتنسك" و"عجبت أنك مستمر في ضلالك". 10- أن يكون المجرور بالحرف معطوفا على خبر "ليس" أو "ما" الحجازية بشرط أن يكون صالحا لدخول حرف الجر عليه، بأن يكون الخبر اسما لم ينتقض نفيه بإلا؛ نحو: لست مدركا القطار، ولا قادر على العودة بجر "قادر" بالعطف على مدركا، الذي يجوز جره بالباء، فيقال: لست بمدرك. فعلى الجواز الموهوم عطف عليه بالجر؛ وهذا هو الذي يسميه النحاة: العطف على التوهم. انظر: همع الهوامع: 2/ 37، والنحو الوافي: 2/ 532، والأشموني مع حاشية الصبان: 2/ 233-235. 1 وذلك من وجهين: أحدهما: أن كم الاستفهامية، لا يصلح أن تعمل الجر؛ لأنها قائمة مقام عدد مركب؛ والعدد المركب، لا يعمل الجر، فكذا ما قام مقامه. والثاني: أن الجر بعد "كم" الاستفهامية، لو كان بالإضافة، لم يشترط دخول حرف الجر على كم، فاشتراط ذلك دليل على أن الجر بمن مضمرة؛ لكون حرف الجر الداخل على كم عوضا عن اللفظ بمن بخلاف كم الخبرية؛ فإنه لما لم يشترط دخول حرف الجر عليها، كان تمييزها مجرورا بالإضافة لا بمن مضمرة خلافا للفراء. شرح التصريح: 2/ 23. 2 فجعل "الحجرة" معطوفة على الدار، و"عمرا" معطوفا على "زيدا" والدار وزيد معمولان لعاملين مختلفين؛ لأن العامل في الدار حرف الجر، والعامل في "زيد" إن. والعطف بحرف واحد على معمولين لعاملين مختلفين، مما لا يجيزه. سيبويه وأنصاره؛ لضعف حرف العطف عن أن يقوم مقام عاملين مختلفين. انظر حاشية الصبان. 2/ 235، وشرح التصريح: 2/ 23. 3 وحكاه سيبويه "إلا صالحا فطالحا" بنصبهما على تقدير إلا يكن صالحا يكن طالحا، وحكاه أيضا "إلا صالحا فطالح" بنصب الأول ورفع الثاني على تقدير إلا يكن صالحا فهو طالح. 4 هذا تقدير ابن مالك، وقدره سيبويه: إلا أكن مررت بصالح فبطالح. قيل: وهو الصواب؛ لئلا يتنقض إخبارك أولا بالمرور فيما مضى؛ لأن إلا أمر معناه في =

...........................................

_ = المستقبل؛ ويمكن حمل تقدير ابن مالك عليه، بأن يجعل معنى إلا أمر إن لا أكن مررت. شرح التصريح: 2/ 23. حاشية الصبان: 2/ 235. فائدتان: 1- لا يجوز الفصل بين حرف الجر ومجروره اختيارا، ويجوز الفصل بينهما اضطرارا بظرف أو جار ومجرور. 2- ذكرنا: أن الظرف والجار والمجرور لا بد لهما من متعلق يرتبطان به، وهذا المتعلق قد يكون فعلا أو شبهه كاسم الفعل، او مؤولا بما يشبه ذلك، أو ما يشير إلى معناه، نحو: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} أي وهو المسمى بهذا الاسم، {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} أي: انتفى الكون مجنونا بنعمة ربك، فإن لم يكن شيء من ذلك، قدر الكون المطلق متعلقا. ويستثنى من ذلك: أ- الحروف الزائدة؛ لأنه أتى بها للتأكيد لا للربط. ب- "لعل" في لغة عقيل؛ لأنها شبيهة بالزائد. ج- "رب" في مثل: رب رجل محسن قابلت؛ لأن مجرورها مفعول. د- "لولا" عند من جر بها؛ لأنها بمنزلة "لعل" في رفع ما بعدها محلا. هـ- حروف الاستثناء وهي: خلا، وعدا، وحاشا، إذا خفضن. انظر الأشموني مع حاشية الصبان: 2/ 236.

باب الإضافة

[باب الإضافة1] هذا باب الإضافة [ما يحذف من الاسم المراد إضافته] : تحذف من الاسم2 الذي تريد إضافته ما فيه من تنوين؛ ظاهر، أو مقدر؛

_ 1 الإضافة في اللغة: مطلق الإسناد، قال امرؤ القيس بن حجر الكندي: فلما دخلناه أضفنا ظهورنا ... إلى كل حاري جديد مشطب يريد: لما دخلنا هذا البيت، أسندنا ظهرونا إلى كل رحل منسوب إلى الحيرة؛ لأن جلب منها أو صنع بها. والإضافة في اصطلاح النحاة: إسناد اسم إلى غيره، على تنزيل الثاني من الأول منزلة التنوين أو ما يقوم مقامه. وإن شئت قلت: هي نسبة تقييدية بين اسمين تقتضي أن يكون ثانيهما مجرورا دائما والمراد بالنسب: الإسناد والحكم. ومعنى كونها تقييدية: أنها نسبة جزئية؛ الغرض منها تقييد المضاف بالمضاف إليه، وإيجاد نوع من القصر والتحديد له بعد أن كان عاما مطلقا. هذا، ولا يكون المصاف إلا اسما؛ لأن الإضافة تعاقب التنوين أو النون القائمة مقام التنوين والذي -أي التنوين- هو من صفات الأسماء، ولأن الغرض من الإضافة تعريف المضاف. والفعل لا يتعرف، فلا يكون مضافا؛ وكذلك المضاف إليه، لا يكون إلا اسما؛ لأنه محكوم عليه، ولا يحكم إلا على الأسماء. انظر شرح التصريح: 2/ 23-24، وهمع الهوامع: 2/ 46. 2 يحذف من الاسم المراد إضافته ثلاثة أشياء: 1- التنوين الظاهر من الاسم المنصرف؛ نحو: "ثوب خالد"، والتنوين المقدر في الاسم الممنوع من الصرف؛ نحو: دراهم زيد. 2- النون المعوض بها عن التنوين، وذلك في المثنى، تقول في عصوان: عصواك. وجمع المذكر السالم، فتقول في "مستوطنون" مستوطنو مصر. 3- "أل" المعرفة، وذلك في الإضافة المحضة مطلقا فتقول في إضافة الدرهم: درهمك، ولا تقول: الدرهمك. وأما الإضافة غير المحضة، فإن كان المضاف مثنى أو جمع مذكر سالما أو لم يكن واحدا منهما لكن كان المضاف إليه مقترنا بأل صح أن تبقى أل في المضاف نحو: المستوطنا عدن، والضاربو زيد، والضارب الرجل، فأما إذا كان المضاف =

كقولك في "ثوب ودراهم": "ثوب زيد" و"دراهمه" ومن نون تلي علامة الإعراب؛ وهو نون التثنية وشبهها؛ نحو: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} 1، و"هذان اثنا زيد"، ونون جمع المذكر السالم وشبهه؛ نحو: {وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ} 2، و"عشرو عمرو"3، ولا تحذف النون التي تليها علامة الإعراب؛ نحو: "بساتين زيد"، و {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ} 4. ويجر المضاف إليه بالمضاف، وفاقا لسيبويه5، لا بمعنى اللام؛ خلافا للزجاج6.

_ = مفردا والمضاف إليه غير مقترن بأل فيجب حذف أل من المضاف، فتقول في إضافة "الساكن": ساكن مصر، ولا تقول: الساكن مصر. ويجوز حذف تاء التأنيث بشرط ألا يوقع حذفها في لبس؛ نحو: عدة وإقامة، يجوز أن تقول: عدتك وإقامتك -بذكر التاء- وقد حذفت التاء في قوله تعالى: {وَأَقَامَ الصَّلاةَ} . انظر حاشية يس على التصريح: 2/ 24، وحاشية الصبان: 2/ 237. 1 111 سورة المسد، الآية: 1. موطن الشاهد: {يَدَا أَبِي لَهَبٍ} . وجه الاستشهاد: حذف نون التثنية في "يدا" لإضافتها إلى أبي لهب. 2 22 سورة الحج، الآية: 35. موطن الشاهد: {الْمُقِيمِي الصَّلاةِ} . وجه الاستشهاد: حذف نون جمع المذكر السالم في "المقيمي" لإضافتها إلى الصلاة؛ ولو أعمل اسم الفاعل؛ لثبتت النون في "المقيمين" وانتصبت الصلاة على المفعولية. 3 عشرو: شبيه بجمع المذكر في إعرابه بالحروف، وليس بجمع؛ لأنه لا مفرد له. 4 6 سورة الأنعام، الآية: 112. موطن الشاهد: {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ} . وجه الاستشهاد: ثبوت النون في "شياطين" على الرغم من إضافتها؛ فكونها لا تشبه التنوين فيما ذكر؛ لأن النون -هنا- تليها علامة الإعراب، وهي حركة الضمة. 5 ووافقه الجمهور وهو الصحيح؛ بدليل اتصال الضمير به، والضمير لا يتصل إلا بعامله. 6 حيث ذهب إلى أن الجار هو ما تتضمنه الإضافة من معنى اللام. هذا وقد ذهب السهيلي، وأبو حيان إلى أن الجار، هو الإضافة، وذهب ابن الباذش إلى أن الجار للمضاف حرف جر مقدر، ويرده أنا لا نجد لهذا الحرف الذي سنقدره متعلقا يتعلق به. انظر التصريح: 2/ 35، وحاشية الصبان: 2/ 238، والإنصاف: 2/ 427.

[معاني الإضافة] : فصل: وتكون الإضافة على معنى "اللام" بأكثرية؛ وعلى معنى "من" بكثرة، وعلى معنى "في" بقلة1. وضابط التي بمعنى "في": أن يكون الثاني ظرفا للأول؛ نحو: {مَكْرُ اللَّيْلِ} 2، و {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ} 3. والتي بمعنى "من": أن يكون المضاف بعض المضاف إليه وصالحا للإخبار به عنه4؛ كـ"خاتم فضة"؛ ألا ترى أن الخاتم، بعض جنس الفضة، وأنه يقال: هذا الخاتم فضة.

_ 1 للنحاة في معنى الإضافة عدة مذاهب منها: أ- ذهب أبو حيان إلى أن الإضافة، ليست على معنى حرف أصلا، ولا هي على نية حرف. ب- وذهب أبو إسحاق الزجاج وأبو الحسن بن الصائغ إلى أن الإضافة، تكون على معنى اللام فقط. ج- وذهب الجمهور إلى أن الإضافة، تكون على معنى اللام أو على معنى من، ولا تكون على معنى في. د- ورأى ابن مالك -تبعا لطائفة من النحاة- وتبعه شارحو كلامه؛ ومنهم ابن هشام الأنصاري أن الإضافة، تجيء على معنى أحد حروف ثلاثة؛ وهي اللام، ومن، وفي. انظر شرح التصريح: 2/ 25-26. 2 34 سورة سبأ، الآية: 33. موطن الشاهد: {مَكْرُ اللَّيْلِ} . وجه الاستشهاد: مجيء الإضافة بمعنى في؛ حيث وقع المكر مضافا والليل مضافا إليه؛ والليل ظرف للمكر؛ والتقدير: مكر في الليل. 3 12 سورة يوسف، الآية: 39، 41. موطن الشاهد: {صَاحِبَيِ السِّجْنِ} . وجه الاستشهاد: مجيء الإضافة بمعنى في؛ حيث وقع "صاحبي" مضافا، والسجن مضافا إليه؛ ومعلوم أن السجن ظرف مكان لـ"صاحبي"؛ والتقدير: يا صاحبان في السجن. 4 أي: يصح الإخبار بالمضاف إليه عن المضاف.

فإن انتفى الشرطان معا، نحو "ثوب زيد" و"غلامه"، و"حصير المسجد"، و"قنديله"1؛ أو الأول فقط، نحو: "يوم الخميس"2، أو الثاني فقط؛ نحو: "يد زيد"3؛ فالإضافة بمعنى لام الملك والاختصاص4. [أنواع الإضافة] : فصل: والإضافة على ثلاثة أنواع: 1- نوع يفيد تعرف المضاف والمضاف إليه إن كان معرفة، كـ"غلام زيد"، وتخصصه به إن كان نكرة5؛ كـ"غلام امرأة"؛ وهذا النوع، هو الغالب6.

_ 1 فالثوب والغلام، ليسا بعض زيد، وكذلك الحصير والقنديل، ليسا بعض المسجد، ولا يصح الإخبار بزيد، ولا بالمسجد عما قبلهما؛ والإضافة في الأولين للملك، وفي الآخرين للاختصاص؛ وفي الحالات الأربع، لا يصح الإخبار فيها بالمضاف إليه عن المضاف، ولا المضاف إليه فيها ظرف للمضاف. شرح التصريح: 2/ 25. 2 فإن اليوم، ليس بعض الخميس، وإن كان يصح الإخبار عنه بالخميس؛ فالإضافة -هنا- من إضافة المسمى إلى الاسم. 3 فاليد -وإن كانت بعض يد- غير أنه لا يصح الإخبار عنها به، والإضافة فيه من إضافة الجزء إلى كله. 4 المقصود بلام الملك، كما في ثوب زيد وغلامه؛ ولام الاختصاص، كما في بقية الأمثلة، وعلى هذا، تكون الإضافة التي على معنى اللام، هي التي يتحقق معناها من دون معنى "من" أو "في". فائدتان: فائدة "أ": لا يشترط في الإضافة التي بمعنى اللام صحة التصريح بها؛ بل يكفي إفادة معناها؛ نحو: يوم الاثنين، وعلم البلاغة، وشجرة التفاح؛ فإنها بمعنى لام الاختصاص، ولا يصح إظهار اللام فيها. فائدة "ب": من الإضافة التي على معنى "من": إضافة الأعداد إلى المعدودات؛ نحو: خمسة طلاب. وإضافة العدد إلى مثله؛ نحو: خمسمائة، ولا يضر -هنا- عدم صحة الإخبار في الظاهر؛ لأن المضاف إليه يشمل المضاف. وإضافة المقادير إلى الأشياء المقدرة؛ نحو: اشتريت صاع بر. ضياء السالك: 2/ 288. 5 المراد بالتخصص: تقليل الشيوع والاشتراك في النكرة، بحيث تصبح في درجة بين المعرفة والنكرة؛ من ناحية التعيين والتحديد. 6 وذلك؛ لأن كلا من المتضايفين، يؤثر في الآخر؛ فالمضاف يؤثر الجر في المضاف إليه؛ =

2- ونوع يفيد تخصص المضاف دون تعرفه1؛ وضابطه: أن يكون المضاف متوغلا في الإبهام2؛ كـ"غير" و"مثل"؛ إذا أريد بهما مطلق المماثلة والمغايرة3، لا كمالهما4؛ ولذلك صح وصف النكرة بهما في نحو: "مررت برجل مثلك"، أو "غيرك"5. وتسمى الإضافة -في هذين النوعين- معنوية؛ لأنها، أفادت أمرا معنويا6،

_ = وهذا يؤثر في الأول التعريف أو التخصيص؛ وضابطه: انتفاء ضابطي القسمين الآتيين. شرح التصريح: 2/ 26. 1 ينقسم هذا النوع إلى قسمين؛ الأول: ملازم للتنكير، ولا يقبل التعريف أصلا، ولو أضيف إلى معرفة؛ لشدة توغله في الإبهام، وقد ذكر المؤلف ضابطه. والقسم الثاني: يقبل التعريف، ولكن يجب تأويله بنكرة؛ لأنه حل محل ما لا يكون إلا نكرة؛ ومن ذلك: المعطوف على مجرور رب، وعلى التمييز المجرور بعد "كم"؛ نحو: رب رجل وصديقه، كم ناقة وفصيلها؛ لأن مجرور "رب" و"كم" لا يكون إلا نكرة، فالمعطوف عليهما نكرة كذلك؛ وكذا كلمة "وحد" و"جهد" و"طاقة" ونحوها؛ نحو: فعل ذلك وحده؛ أو جهده؛ أو طاقته؛ لأن هذه الكلمات أحوال غالبا -والحال لا يكون إلا نكرة- ولهذا، يجب تأويلها بـ"منفردا وجاهدا ومطيقا"؛ والإضافة في هذه الأمثلة ونحوها، تفيد التخصيص دون التعريف. شرح التصريح: 2/ 26. 2 أي: متعمقا ومتغلغلا وشديد الدخول فيه. 3 نحو: مررت برجل غيرك؛ أو مثلك؛ لأن المغايرة أو المماثل العامة بين شيئين، لا تخص وجها بعينه. 4 لأن صفات المخاطب معلومة، فثبوتها كلها لشخص، أو ثبوت أضدادها جميعها لشخص؛ يستلزم تعيينه؛ وإذا أريد بـ"غير" و"مثل" مغايرة خاصة ومماثلة خاصة؛ حكم بتعريفهما، وأكثر ما يكون ذلك في "غير" إذا وقعت بين ضدين معرفتين؛ نحو: رأيت العلم غير الجهل، ومررت بالكريم غير الشحيح؛ ويكون في "مثل": إذا أضيفت إلى معرفة، وقارنها ما يشعر بمماثلة خاصة؛ نحو: محمد مثل عنترة؛ أي: في الشجاعة. فائدة: من الألفاظ المتوغلة في الإبهام: تربك، نحوك، ندك، شبهك؛ ومعناها: نظيرك، وشرعك، قطك، وقدك؛ وهي بمعنى: حسبك، وكافيك، وخدنك -بمعنى صاحبك- ولا يقاس على هذه، بل يقتصر على السماع. انظر شرح التصريح: 2/ 27. 5 وفي هذا دلالة على أنها تتعرف بالإضافة؛ لأن النكرة، لا توصف بمعرفة. 6 وهو استفادة المضاف من المضاف إليه التعريف أو التخصيص؛ ولأنها تتضمن معنى حرف من حروف الجر الثلاثة: من، في، اللام.

ومحضة؛ أي: خالصة من تقدير الانفصال1. 3- ونوع لا يفيد شيئا من ذلك؛ وضابطه: أن يكون المضاف صفة تشبه المضارع في كونها مرادا بها الحال أو الاستقبال2؛ وهذه الصفة ثلاثة أنواع: اسم فاعل3؛ كـ"ضارب زيد"، و"راجينا"، واسم مفعول كـ"مضروب العبد"، و"مروع القلب"4، والصفة المشبهة كـ"حسن الوجه"، و"عظيم الأمل"، و"قليل الحيل". والدليل على أن هذه الإضافة لا تفيد المضاف تعريفا: وصف النكرة به في

_ 1 فنحو: "والد محمد مثلك" ليس في تقدير: والد لمحمد مثلك؛ بل بين المضاف والمضاف إليه قوة ارتباط واتصال. وأكثر ما يكون المضاف في الإضافة المحضة اسما جامدا غير مؤول بالمشتق؛ كالمصادر وأسمائها، والمشتقات الشبيهة بالجوامد التي لا تعمل مطلقا، كأسماء المكان، والزمان، والآلة، وأفعل التفضيل على المشهور. ضياء السالك: 2/ 290. 2 وإذا كانت الصفة بمعنى الماضي، أو مطلق الزمن، فالإضافة فيها محضة، نحو: قارئ الدرس أمس كان نشيطا، وقارئ الدرس نشيط. واختلف في الصفة التي بمعنى الاستمرار؛ فقيل: هي الحال، وقيل: الاستمرار يحتوي الأزمنة الثلاثة؛ فإذا اعتبر جانب الماضي؛ كانت الإضافة حقيقية، فلا يعمل، ويتعرف بالإضافة، كما في قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} بدليل وصف المعرفة به؛ وإن اعتبر جانب الحال أو الاستقبال؛ كانت الإضافة غير حقيقية، فيعمل، ولا يتعرف كما في قوله تعالى: "وجاعل الليل سكنا". وإذا كان المضاف إليه جملة في هذا النوع من الإضافة؛ فإن الجملة تعتبر في حكم المفرد المضاف إليه؛ لأنها تؤول بمصدر مضاف إلى فاعله -إن كانت فعلية- وبمصدر مضاف إلى مبتدئه -إن كانت اسمية- نحو: أزورك حين تكون في المنزل -أي حين وجودك- وأزورك حين والدك موجود -أي حين وجود والدك- وهذا المصدر يكون معرفة إن أضيف إلى معرفة، ونكرة متخصصة إن أضيف إلى نكرة. 3 سواء أكان مضافا إلى معمولة الظاهر أم المضمر، وقد مثل لهما المؤلف؛ ومثل اسم الفاعل صيغ المبالغة. 4 سواء كان من الثلاثي أم من غيره كمثالي المتن؛ ومروع: من روعه الشيء بمعنى أفزعه.

نحو: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} 1، ووقوعه حالا في نحو: {ثَانِيَ عِطْفِهِ} 2، وقوله3: [الكامل] 317- فأتت به حوش الفؤاد مبطنا4

_ 1 5 سورة المائدة الآية: 95. موطن الشاهد: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "هديا" نكرة منصوبة على الحال، و"بالغ الكعبة" صفتها ومضاف إليه؛ ومعلوم أن الإضافة -هنا- لم تفد المضاف تعريفا؛ لأنه لا توصف النكرة بالمعرفة. 2 22 سورة الحج، الآية: 9. موطن الشاهد: "ثاني عطفه". وجه الاستشهاد: مجيء "ثاني" حالا من فاعل "يجادل" في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} ؛ ومعلوم أن الحال واجب التنكير، والأصل عدم التأويل. 3 القائل: هو أبو كبير الهذلي، وقد مرت ترجمته. 4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: سهدا إذا ما نام ليل الهوجل والبيت من كلام أبي كبير في وصف ابن زوجته؛ تأبط شرا، أحد فتاك العرب وذؤبانهم. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 28، والأشموني: 593/ 2/ 305، والعيني: 3/ 361، والمغني: 895/ 664، والسيوطي: 298، وديوان الهذليين: 2/ 92. المفردات الغريبة: أتت به: فاعل أتت يعود إلى أم تأبط شرا، وكان أبو كبير قد تزوجها. حوش الفوائد: حديد القلبي، جريء الجنان. مبطنا: ضامر البطن. سهدا: قليل النوم. الهوجل: الثقيل الكسلان، أو الأحمق. المعنى: أن هذه المرأة جاءت بمولود ذكي جريء ضامر البطن يقظ، قليل النوم في الليل حين ينام غيره من الكسالى الحمقى. الإعراب: فأتت: الفاء عاطفة، أتت: فعل ماض، مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة؛ للتخلص من التقاء الساكنين، منع من ظهوره التعذر؛ والتاء للتأنيث، لا محل لها من الإعراب، والفاعل: هي. "به": متعلق بـ"أتى". حوش: حال من الضمير المجرور محلا بالباء، منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وهو مضاف. الفؤاد: مضاف إليه مجرور. مبطنا: حال ثانية من الضمير المجرور محلا بالباء. شهدا: حال ثالثة، إذا: ظرف زمان متعلق بـ"سهدا" مبني على السكون في محل نصب. ما: زائدة. نام: فعل ماض مبني على الفتح. ليل: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو =

ودخول "رب" عليه في قوله1: [البسيط] 318- يا رب غابطنا لو كان يطلبكم2

_ = مضاف. الهوجل: مضاف إليه مجرور؛ وجملة "نام ليل الهوجل": في محل جر بالإضافة. موطن الشاهد: "حوش الفؤاد". وجه الاستشهاد: إضافة الصفة المشبهة "حوش" إلى فاعلها المحلى بأل، ولم يفدها ذلك تعريفا؛ ودليل ذلك وقوعها حالا، ومعلوم أن الحال، لا تكون إلا نكرة. فائدة: إسناد النوم إلى الليل في -الشاهد المذكور- مجاز عقلي، من إسناد الفعل إلى زمنه؛ أي: نام الهوجل في الليل. 1 القائل: هو جرير بن عطية؛ وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت لجرير في هجاء الأخطل النصراني، وعجزه قوله: لاقى مباعدة منكم وحرمانا وهو من شواهد: التصريح: 2/ 28، والأشموني: 592/ 2/ 305، والعيني: 3/ 364، وسيبويه: 1/ 212، والمقتضب: 3/ 227، 4/ 150، 289، والجمل: 103، وشرح المفصل: 3/ 51، والهمع: 2/ 47، والدرر: 2/ 56، والمغني: 896/ 664، والسيوطي: 298، وديوان جرير: 595. المفردات الغريبة: غابطنا: اسم فاعل من الغبطة، وهي أن يتمنى الإنسان مثل حال من يغبطه، من غير أن يتمنى زوال ما عنده. مباعدة، بعدا وانصرافا. حرمانا: منعا وعدم استجابة. المعنى: كثير من الناس يغبطوننا على اتصالنا بكم، ويتمنون أن يكونوا مثلنا؛ لأنهم يظنون أننا ننعم بهذا الاتصال، ولو قصدوكم، وطلبوا شيئا مما عندكم لأبعدتموهم وحرمتموهم العطاء، ولعرفوا حقيقة ما يناله المتصل بكم. الإعراب: يا: حرف تنبيه؛ أو حرف نداء، والمنادى محذوف؛ والتقدير: يا هؤلاء رب ... رب: حرف جر شبيه بالزائد. غابطنا: "غابط" اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ، وهو مضاف، و"نا" في محل جر بالإضافة. لو: حرف امتناع لامتناع؛ أو أداة شرط غير جازمة. كان: فعل ماض ناقص، مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب؛ واسمه ضمير مستتر جوازا تقديره: هو: يطلبكم: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هو؛ يعود إلى اسم كان، و"كم": في محل نصب مفعولا به. وجملة "يطلبكم": في محل نصب خبر كان؛ وجملة "كان واسمها وخبرها": شرط "لو". لاقى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف؛ للتعذر؛ والفاعل: هو؛ يعود إلى =

والدليل على أنها لا تفيد تخصيصا: أن أصل قولك: "ضارب زيد": ضارب زيدا؛ فالاختصاص موجود1 قبل الإضافة؛ وإنما تفيد هذه الإضافة التخفيف2، أو رفع القبح. أما التخفيف، فبحذف التنوين الظاهر؛ كما في "ضارب زيد"، و"ضاربات عمرو" و"حسن وجهه"، أو المقدر؛ كما في: "ضوارب زيد"، و"حواج بيت الله"3، أو نون التثنية؛ كما في "ضاربا زيد"، أو الجمع؛ كما في: "ضاربو زيد". وأما رفع القبح؛ ففي نحو: "مررت بالرجل الحسن الوجه"؛ فإن في رفع "الوجه"4 قبح خلو الصفة من ضمير، يعود على الموصوف5؛ وفي نصبه6 قبح إجراء وصف القاصر، مجرى وصف المتعدي7؛ وفي الجر تخلص منهما. ومن

_ = "غابطنا". مباعدة: مفعول به لـ"لاقى". "منكم": متعلق بمحذوف صفة لمباعدة. وحرمانا: الواو عاطفة، حرمانا: اسم معطوف على "مباعدة" منصوب مثله؛ وجملة "لاقى منكم ... ": جواب لو، لا محل لها؛ وجملة "لو وشرطها وجوابها": في محل رفع خبر المبتدأ المجرور لفظا بـ"رب". موطن الشاهد: "رب غابطنا". وجه الاستشهاد: دخول "رب" على "غابطنا"؛ وهو اسم فاعل مضاف إلى ضمير المتكلم؛ ومعلوم أن "رب" لا تدخل إلا على النكرات؛ وفي ذلك دلالة على أن المضاف "اسم الفاعل" لم يستفد من إضافته إلى الضمير تعريفا. 1 أي بمعمول اسم الفاعل. 2 لأن الأصل في الصفة، أن تعمل النصب، والمختص أخف؛ لأنه لا تنوين معه ولا نون كما بين المصنف. 3 في "ضوارب" و"حواج" تنوين مقدر، حذف للإضافة، بدليل نصبهما المفعول. 4 أي: على الفاعلية بالصفة المشبهة. 5 لأن الصفة، لا ترفع ظاهرا وضميرا معا، والغالب في الصفة المشبهة أن تشتمل على ضمير، يكون بمنزلة رابط بينهما، وبين ما تجري عليه، ويدل على معناها. 6 أي على التشبيه بالمفعول به -إن كان معرفة، وعليه أو على التمييز- إن كان نكرة. 7 أي في نصب الشبيه بالمفعول به؛ لأن الصفة المشبهة، لا تصاغ إلا من اللازم، فهي كفعلها، لا تنصب المفعول به.

ثم1 امتنع "الحسن وجهه"؛ لانتفاء قبح الرفع2؛ ونحو: "الحسن وجه" لانتفاء؛ قبح النصب؛ لأن النكرة تنصب على التمييز3. وتسمى الإضافة في هذا النوع لفظية؛ لأنها أفادت أمرا لفظيا4، وغير محضة؛ لأنها في تقدير الانفصال5. [اختصاص الإضافة اللفظية بجواز دخول "أل" على المضاف] : فصل: تختص الإضافة اللفظية بجواز دخول "أل" على المضاف في خمس مسائل6. إحداها: أن يكون المضاف إليه بأل7؛ كـ"الجعد الشعر"، وقوله8: [الطويل]

_ 1 أي: ومن أجل أن الإضافة، فيما ذكر إنما هي لرفع قبح الرفع والنصب على النحو الذي بسط. 2 لأن في المرفوع ضميرا مضافا إليه، يعود على الموصوف. 3 أي: والتمييز ينصبه المتعدي والقاصر. 4 وهو التخفيف بحذف التنوين ونوني المثنى والجمع من آخر المضاف، والتحسين المترتب على إزالة القبح. 5 فإن المضاف فيها، لا بد من أن يكون وصفا عاملا، وكثيرا ما يرفع ضميرا مستترا، وهذا الضمير يكون فاضلا تقديرا بين الوصف المضاف ومعموله على الرغم من استتاره، ويجعل الإضافة غير خالصة الاتصال. 6 أما المحضة: فلا تدخل "أل" فيها على المضاف؛ لئلا يلزم اجتماع معرفين على شيء واحد أو إضافة المعرفة إلى النكرة. وأجاز الكوفيون دخول "أل" على المضاف إذا كان اسم عدد مضاف إلى معدود فيه "أل" نحو: قرأت الثلاثة الكتب في الأربعة الأيام. وحجتهم في ذلك السماع. وكان القياس في اللفظية كذلك، لكن لما كانت الإضافة فيها على نية الانفصال؛ اغتفر ذلك فيها. 7 لأن رفع القبح عن نصب ما بعد الصفة المشبهة بالإضافة، لا يكون إلا بذلك الشرط كما بينا قريبا. وحمل عليها اسم الفاعل. والجعد: صفة مشبهة، من جعد شعره جعودة -ضد بسط. 8 القائل: الفرزدق الشاعر الأموي، وقد مرت ترجمته.

319- شفاء وهن الشافيات الحوائم1 الثانية: أن يكون مضافا لما فيه "أل"2؛ كـ"الضارب رأس الجاني"، وقوله3: [الطويل]

_ 1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: أبأنا بهم قتلى وما في دمائهم البيت من كلمة، يقولها الشاعر حين خرج قتيبة بن مسلم الباهلي على سليمان بن عبد الملك، وخلع طاعته، فقتله وكيع بن حسان بن قيس، وبعث برأسه إلى سليمان. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 29، والأشموني: 599/ 2/ 308 والعيني: 3/ 389، والهمع: 2/ 31، والدرر: 2/ 29، وفيه اختلاف في الرواية ولم ينسبه. المفردات الغريبة: أبأنا: قتلنا وعوضنا، يقال أبأت فلانا بفلان؛ قتلته به وجعلته بواء، أي عوضا به. والضمير في "بهم" و"هن" للسيوف، وفي "دمائهم" للقتلى. الشافيات: جمع شافية اسم فاعل من الشفاء. الحوائم: العطاش، جمع حائمة، وهي التي تحوم حول الماء من العطش، والمراد: المتشوقة للقتل. المعنى: قتلنا بهذه السيوف قتلى منهم، وعوضنا بها قتلانا، ولكن ما سفك من دماء القتلى لم يشف ما في صدورنا من غيظ ورغبة في الانتقام؛ لأن من قتلنا غير أكفاء لنا، ولا وفاء في دمائهم لقتلانا، وإنما يشفي غيظ الصدور، وتهدأ حرارة الألم إذا قتلنا مثل من فقدنا؛ والسيوف هي الشافيات التي بها تنال الثارات. الإعراب: أبأنا: فعل ماض، و"نا": فاعله. "بهم": متعلق بـ"أبأنا". قتلى: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف، منع من ظهورها التعذر. وما: الواو حالية، "ما": نافية. "في دمائهم": متعلق بمحذوف خبر مقدم، ودماء: مضاف، وضمير الغائبين مضاف إليه. شفاء: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وجملة "ما في دمائهم شفاء" في محل نصب على الحال. وهن: الواو حالية أيضا، و"هن" ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. الشافيات: خبر مرفوع. الحوائم: مضاف إليه؛ وجملة "هن الشافيات الحوائم": في محل نصب على الحال. موطن الشاهد: "الشافيات الحوائم". وجه الاستشهاد: إضافة الوصف المقترن بأل "الشافيات" إلى الحوائم؛ لأن المضاف إليه "الحوائم" مقترن بها أيضا؛ ومعلوم أن الإضافة -هنا- لفظية. 2 فإن وجودها فيه كوجودها في الثاني؛ لأن المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد، ولهذا لا يسوغ أن يكون بين الوصف وما فيه "أل" أكثر من مضاف واحد، فلا يصح: الضارب رأس صديق الجاني. 3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

320- لقد ظفر الزوار أقفية العدى1 الثالثة: أن يكون مضافا إلى ضمير ما فيه "أل"؛ كقوله2: [الكامل] 321- الود أنت المستحقة صفوه3

_ 1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: بما جاوز الآمال ملأسر والقتل وهو من شواهد: التصريح: 2/ 29، والأشموني: 600/ 2/ 308، والتصريح: 2/ 245. المفردات الغريبة: ظفر: نال. الزوار: جمع زائر. أقفية: جمع قفا وهو مؤخرالعنق. ملأسر: أصله من الأسر؛ فحذفت النون على لغة وهو كثير في كلام العرب، وكذلك همزة الوصل وذلك كثير أيضا في كلامهم. المعنى: أن الإعداء فروا أما هؤلاء الأبطال حين رأوهم، ولم يثبتوا، وأعطوهم ظهورهم وأقفيتهم؛ فظفروا منهم بأكثر مما كانوا يأملون من أسرهم وقتلهم. الإعراب: لقد: اللام واقعة في جواب قسم مقدر، قد: حرف تحقيق، لا محل له من الإعراب. ظفر: فعل ماض مبني على الفتح، الزوار: فاعل ظفر مرفوع، وهو مضاف. أقفية: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف. العدى: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف للتعذر. "بما": متعلق بـ"ظفر"؛ وما اسم موصول بمعنى الذي في محل جر بحرف الجر. جاوز: فعل ماض، والفاعل: هو، يعود إلى "ما" الموصولة. الآمال: مفعول به منصوب؛ وجملة "جاوز الآمال": صلة للموصول، لا محل لها. "ملأسر": متعلق بـ"جاوز". والقتل: الواو عاطفة، القتل: اسم معطوف على الأسر مجرور مثله. موطن الشاهد: "الزوار أقفية العدى". وجه الاستشهاد: إضافة "الزوار" وهو صفة مقترنة بأل، إلى اسم خال منها؛ وهو "أقفية" وإنما سوغ ذلك كون المضاف إليه -أقفية- مضافا إلى اسم مقترن بأل؛ وهو "العدى". 2 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: مني وإن لم أرج منك نوالا وهو من شواهد: التصريح: 2/ 29، والأشموني: 601/ 2/ 308، والعيني: 3/ 392، والهمع: 2/ 48، والدرر: 2/ 57، وحاشية يس على التصريح: 2/ 28. =

ومنع ذلك المبرد1. الرابعة: أن يكون المضاف مثنى؛ كقوله2: [البسيط] 322- إن يغنيا عني المستوطنا عدن3

_ = المفردات الغريبة: الود: الحب والمودة. صفوة: خالصة. أرج: آمل وأطمع. نوالا: عطاء. المعنى: يخاطب الشاعر محبوبته قائلا: أنت -من دون سائر الناس- التي تستحق وتستوجب مني خالص الحب والمودة، ولست أرجو من وراء ذلك منك عطاء، ولا أطلب جزاء؛ أي: أمنحك هذه المحبة الخالصة وأنا على يقين من أنك لا تمنين علي بما يكافئ ذلك كله؛ فلا مطمع لي في شيء مما يطمع فيه المحبون. الإعراب: الود: مبتدأ أول مرفوع. أنت: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ ثان. المستحقة: خبر المبتدأ الثاني مرفوع، وهو مضاف. صفوة: "صفو" مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، والهاء: في محل جر بالإضافة؛ وجملة "أنت المستحقة صفوه": في محل رفع خبر المبتدأ الأول. "مني": متعلق بـ"المستحقة". وإن: الواو عاطفة، والمعطوف عليه محذوف. إن: حرف شرط جازم. لم: نافية جازمة. أرج: فعل مضارع مجزوم بـ"إن" -وهو فعل الشرط- وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره؛ والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقدير: أنا. "منك": متعلق بـ"أرجو". نوالا: مفعول به منصوب؛ وجواب الشرط محذوف، دل عليه سابق الكلام؛ وجملة "إن لم أرج منك نوالا": معطوفة على جملة أخرى محذوفة، هي أولى بالحكم الذي هو استحقاقها للود من هذه الجملة المذكورة، وتقدير الكلام: إن رجوت منك نوالا، وإن لم أرج منك نوالا. موطن الشاهد: "المستحقة صفوه". وجه الاستشهاد: إضافة الوصف المقترن بأل -المستحقة- إلى مضاف فيه ضمير يعود إلى ما فيه "أل"؛ وهو "صفوه"؛ حيث إن "الهاء" فيه ضمير عائد إلى الود؛ وحكم هذه الإضافة جائزة عند الجمهور؛ خلاف للمبرد. 1 سقطت العبارة في أوضح المسالك "ط. دار الفكر"؛ وأوجب المبرد النصب -هنا- ولم يعتبر الضمير العائد إلى ما فيه "أل" بمنزلة الاسم المقرون بها، وهو محجوج بالسماع؛ والأفصح في المسائل الثلاث: النصب بالوصف. 2 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: فإنني لست يوما عنهما بغني وهو من شواهد: التصريحك 2/ 29، والأشموني: 602/ 2/ 309، والعيني: 3/ 393، والهمع: 2/ 48، الدرر: 2/ 57

الخامسة: أن يكون جمعا اتبع سبيل المثنى؛ وهو جمع المذكر السالم؛ فإنه يعرب بحرفين، ويسلم فيه بناء الواحد، ويختم بنون زائدة، تحذف للإضافة، كما أن المثنى كذلك؛ كقوله1: [البسيط] 323- ليس الأخلاء بالمصغي مسامعهم2

_ = المفردات الغريبة: يغنيا: يستغنيا، مضارع غني بمعنى استغنى. المستوطنا عدن: اللذان اتخذا "عدن" وطنا وموضع إقامة. المعنى: أن يستغن هذان الشخصان المقيمان بعدن، ويريا أنهما في غير حاجة إلي، فإني لا أستغني عنهما يوما، وأراني محتاجا إليهما دائما. الإعراب: إن: حرف شرط جازم. يغنيا: فعل مضارع مجزوم -وهو فعل الشرط- وعلامة جزمه حذف النون، والألف: ضمير متصل في محل رفع فاعل. "عني": متعلق بـ"يغنيا". المستوطنا: بدل من ألف الاثنين -على اللغة الفصحى- مرفوع، وعلامة رفعه الألف؛ لأنه مثنى، وهو مضاف. عدن: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة. فإنني: الفاء رابطة لجواب الشرط. إن: حرف مشبه بالفعل، والنون: للوقاية، والياء: ضمير متصل في محل نصب اسم "إن". لست: فعل ماض ناقص، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع اسم "ليس". "يوما": متعلقا بقوله "غني" الآتي. "عنهما": متعلق بـ"غني" أيضا. بغني: الباء حرف جر زائد، مجرور لفظا، منصوب محلا على أنه خبر "ليس"؛ وجملة "ليس مع اسمها وخبرها": في محل رفع خبر "إن"؛ وجملة "إن واسمها وخبرها": في محل جزم جواب الشرط. موطن الشاهد: "المستوطنا عدن". وجه الاستشهاد: إضافة الاسم المقترن بـ"أل" إلى اسم ليس مقترنا بها؛ وهو "عدن" وسوغ ذلك كون المضاف وصفا دالا على مثنى؛ وعلل النحويون هذا بأن الوصف، لما طال بالتثنية والجمع؛ ناسبه التخفيف، فلم يحتج لاتصالها بالمضاف إليه. فائدة: في قوله: "يغنيا المستوطنا" شاهد على إلحاق علامة التثنية بالفعل مع كونه رافعا لاسم ظاهر مثنى؛ وذلك على لغة "أكلوني البراغيث"؛ ولهذا أعربنا "المستوطنا" بدلا؛ لكيلا يأتي فاعلان لفعل واحد، كما هو معلوم. 1 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: إلى الوشاة ولو كانوا ذوي رحم وهو من شواهد: التصريح: 2/ 30، والعيني: 3/ 394، والهمع: 2/ 48، والدرر: 2/ 57. =

وجوز الفراء إضافة الوصف المحلى بأل إلى المعارف كلها1، كـ"الضارب زيد"، و"الضارب هذا"، بخلاف "الضارب رجل"2. وقال المبرد والرماني3 في "الضاربك" و"ضاربك": موضع الضمير خفض4، وقال الأخفش:............

_ = المفردات الغريبة: الأخلاء: جمع خليل؛ وهو الصديق المخلص. بالمصغي: جمع مصغ؛ وهو اسم فاعل من أصغى إليه إذا أنصت له وأمال أذنه إليه. مسامعهم: جمع مسمع وهو مكان السمع أي الأذن. الوشاة: جمع واش، وهو النمام الذي يسعى بين المتصافين لإفساد قلوبهم. رحم: قرابة. المعنى: أن الأصدقاء المخلصين في صداقتهم، لا يستمعون، ولا يلتفتون إلى كلام النمامين الذين يسعون للإفساد بين الأصدقاء، ولو كان هؤلاء الساعون من الأقرباء. الإعراب: ليس: فعل ماض ناقص. الأخلاء: اسم ليس مرفوع. بالمصغي: الباء حرف جر زائد. المصغي: اسم مجرور لفظا، منصوب محلا على أنه خبر "ليس"؛ وهو مضاف، مسامعهم: "مسامع" مضاف إليه مجرور؛ وهو مضاف، و"هم" مضاف إليه. "إلى الوشاة": متعلق بقوله: "المصغي". ولو: الواو عاطفة، والمعطوف عليه محذوف؛ وسنبين ذلك لاحقا. لو: حرف امتناع لامتناع؛ أو حرف شرط غير جازم. كانوا: فعل ماض ناقص، مبني على الضم؛ لاتصاله بواو الجماعة، والواو: ضمير متصل في محل رفع اسم "كان". ذوي: خبر "كان" منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم؛ وهو مضاف. رحم: مضاف إليه مجرور؛ وجملة "كان واسمها وخبرها": معطوفة بالواو على محذوف هو أولى بالحكم -الذي هو انتفاء الخلة عمن يصغي مسامعه إلى الوشاة من الأخلاء- من المذكور؛ والتقدير: إن لم يكن الوشاة ذوي رحم، وإن كانوا ... موطن الشاهد: "المصغي مسامعهم". وجه الاستشهاد: إضافة الاسم المقترن بـ"أل" إلى اسم، ليس مقترنا بها؛ وهو مسامعهم؛ لكون المضاف وصفا مجموعا جمع مذكر سالما. 1 أي سواء كان تعريفها بالعلمية، أم بالإشارة، أم بالضمير، أم بغيرها، حملا على المعرف بأل وإذا أضيف المحلى بأل إلى الضمير، نحو: الضاربك، والضاربه جاز كون الضمير في محل جر بالإضافة، أو في محل نصب على المفعولية خلافا للمبرد. 2 فلا يجوز؛ لامتناع إضافة المعرفة إلى النكرة. 3 مرت ترجمته. 4 حجتهما: أن الضمير نائب عن الظاهر، وعند حذف التنوين من الوصف بكون الظاهر مخفوضا؛ فكذلك نائبه. التصريح: 2/ 30.

.......... نصب1، وقال سيبويه: الضمير كالظاهر؛ فهو منصوب في "الضاربك"2 مخفوض في "ضارك"3، ويجوز في "الضارباك" و"الضاربوك" الوجهان4. [اكتساب المضاف المذكر التأنيث من المضاف إليه] : مسألة5: قد يكتسب المضاف المذكر من المضاف إليه المؤنث تأنيثه،

_ 1 وذهب معه إلى هذا هشام، وحجتهما: أن موجب النصب المفعولية وهي محققة، وموجب الخفض الإضافة وهي غير محققة؛ لأن دليلها حذف التنوين، وهو قد يحذف بسبب آخر غير الإضافة، كصون الضمير المتصل من وقوعه منفصلا، واستدلوا بقوله تعالى: {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ} . 2 لانتفاء شروط إضافة الوصف المحلى بأل المتقدمة. 3 أي على المحل؛ لأن عدم تنوين الوصف دليل على الإضافة، ولا مانع منها لأنه مجرد من أل. 4 أما الخفض فعلى أن النون حذفت للإضافة، والضمير في محل خفض. وأما النصب فعلى أن النون حذفت للتخفيف وتقصير الصلة، ويكون الضمير في محل نصب. وقال الجرمي والمازني والمبرد وجماعة: إن الضمير في موضع جر فقط؛ لأن الأصل حذف التنوين للإضافة؛ فلا يعدل عنه إلا إذا تعين غيره. التصريح: 2/ 30-31. 5 ذكر المصنف من الأمور التي يكتسبها المضاف من المضاف إليه: التعريف؛ إن كان المضاف إليه معرفة، والتخصيص إن كان نكرة، والتخفيف إذا كان المضاف اسم فاعل مضافا إلى معموله، ورفع القبح إن كان صفة مشبهة. وذكر -هنا- التذكير والتأنيث، وأتى بأمثلة موضحة لذلك. وهناك أشياء أخرى يستفيدها المضاف من المضاف إليه لم يأت المصنف على ذكرها، منها: 1- الظرفية؛ بشرط أن يكون المضاف دالا على الكلية أو الجزئية، كلفظ "كل" و"بعض"، والمضاف إليه ظرفا، مثل قوله تعالى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} . 2- المصدرية أحيانا؛ إذا كان المضاف إليه مصدرا والمضاف ليس بمصدر كقوله تعالى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} فكلمة "أي" مفعول مطلق منصوب بقوله "ينقلبون". وكقول مجنون بني عامر: وقد يجمع الله الشتيتين بعدما ... يظنان كل الظن أن لا تلاقيا 3- وجوب التصدير؛ إذا كان المضاف إليه لفظا من الألفاظ التي يجب تصديرها في =

وبالعكس؛ وشرط ذلك في الصورتين: صلاحة المضاف للاستغناء عنه بالمضاف إليه1.

_ = جملتها، كألفاظ الاستفهام؛ فإن وجوب التصدير ينتقل إلى المضاف الذي ليس من ألفاظ الصدارة، ولهذا وجب تقديم المبتدأ في نحو: كتاب من معك؟ والخبر في مثل: صبيحة أي يوم سفرك؟ والمفعول في مثل: غلام أيهم أكرمت؟ والجار والمجرور في مثل: من صديق أيهم أنت أشعر. 4- الإعراب؛ نحو: هذه خمسة عشر زيد فيمن أعربه. 5- البناء وذلك في مواضع. أحدها: أن يكون المضاف مبهما كـ"غير، مثل، ودون"، وكان المضاف إليه مبنيا؛ وذلك؛ نحو قوله تعالى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} في قراءة من فتح بين، وهي فاعل تقطع؛ بدليل قراءة الرفع؛ وكقول الفرزدق في بعض التخريجات التي مر ذكرها: إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر بفتح مثل على أنه خبر مقدم، وبشر مبتدأ مؤخر؛ لأن "ما" الحجازية، لا يتقدم خبرها على اسمها، وكذلك قوله تعالى: {أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ} فيمن فتح مثل. الثاني: أن يكون المضاف زمانا مبهما، والمضاف إليه لفظ "إذ" نحو قوله تعالى: {مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ} ، {مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ} بفتح يوم فيهما. الثالث: أن يكون المضاف زمانا مبهما، والمضاف إليه فعل مبني، سواء أكان بناؤه أصليا كالماضي، في نحو قول النابغة: على حين عاتبت المشيب على الصبا ... فقلت ألما تصح والشيب وازع أم كان بناؤه عارضا كالمضارع المقترن بنون النسوة في نحو قوله: لأجتذبن منهن قلبي تحلما ... على حين يستصبين كل حليم مغني اللبيب: 663-674. 1 أي مع صحة المعنى ولو مجازا، وعدم تغييره في الجملة. ويشترط أن يكون المضاف جزءا من المضاف إليه، أو مثل جزئه؛ وذلك بأن تجمعه بكله صلة قوية غير صلة الجزيئة، تدل على اتصاله به؛ كاللون، أو الثوب، أو الخلق، أو الحب ... إلخ. أو أن يكون المضاف كلا للمضاف إليه؛ نحو قوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا} . أو يكون المضاف وصفا في المعنى للمضاف إليه؛ كإضافة المصدر في البيت الآتي؛ فإن تحقق الشرطان؛ كان اكتساب المضاف التأنيث من المضاف إليه -على قلته- قياسيا، وإلا فلا اكتساب، وإن صح الحذف، فلا يجوز أعجبتني يوم العروبة؛ لأن المضاف -وهو "يوم"- ليس جزءا، ولا كالجزء، ولا كلا، ولا وصفا. مغني اللبيب: 665-666، التصريح، وحاشية يس: 2/ 31-32.

[اكتساب المذكر التأنيث] : فمن الأول قولهم: "قطعت بعض أصابعه"1، وقراءة بعضهم2: "تلتقطه بعض السيارة"3؛ وقوله4: [مشطور الرجز] 324- طول الليالي أسرعت في نقضي5

_ 1 "بعض" نائب فاعل قطعت، وأنث الفعل؛ لأن "بعض" اكتسب التأنيث من المضاف إليه، وهو الأصابع، ويصح الاستغناء عنه بالأصابع، فيقال: قطعت أصابعه، والمضاف بعض المضاف إليه. 2 هو الحسن البصري، رضي الله عنه. 3 12 سورة يوسف، الآية: 10. أوجه القراءات: قرأ "تلتقطه" الحسن البصري. وقرأ الجمهور "يلتقطه" التصريح: 2/ 31. موطن الشاهد: "تلتقطه بعض السيارة". وجه الاستشهاد: تأنيث فعل "تلتقطه"؛ لكونه مسندا إلى اسم اكتسب التأنيث من المضاف إليه "السيارة"؛ لصلاحية الاستغناء عن المضاف "بعض" إذ يجوز في غير القرآن الكريم القول: تلتقطه السيارة. 4 القائل: هو الأغلب العجلي، أحد بني ربيعة، شاعر راجز معمر، أدرك الجاهلية والإسلام، توجه مع سعد بن أبي وقاص، واستشهد في نهاوند، فضله الكثير على غيره من الرجاز؛ لرصانة كلامه، ودقة معانيه. مات سنة 21هـ. الخزانة: 1/ 333، المؤتلف: 22، والسمط: 801، والأعلام: 1/ 335. 5 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز، يقوله الأغلب من كلمة يتحسر فيها على ذهاب شبابه وضعف قوته، بسبب الكبر والشيخوخة، وبعده قوله: نقضن كلي ونقضن بعضي ويروى: أخذن بعضي وتركن بعضي. ويروى قبل الشاهد قوله: أصبحت لا يحمل بعضي بعضي ... منفها أروح مثل النقض والشاهد من شواهد: سيبويه: 1/ 26، وقد نسبه إلى العجاج، والتصريح 2/ 31، والأشموني: 607/ 2/ 310، والبيان للجاحظ: 4/ 60 ورواه: أرى الليالي أسرعت ... ، ولا شاهد فيه، والمقتضب: 4/ 99، والأغاني: 18/ 164، والخزانة: 2/ 168، ومغني اللبيب: 898/ 666، والسيوطي: 298، والعيني: 3/ 395، والخصائص: 2/ 418، وملحقات ديوان العجاج: 80. =

[اكتساب المؤنث التذكير] : ومن الثاني قوله1: [البسيط] 325- إنارة العقل مكسوف بطوع هوى2

_ = المفردات الغريبة: نقضين النقض: الهدم والكسر، وهو -هنا- كناية عن ضعف قواه، المعنى: أن طول الليالي، أسرعت في ضعفي، وذهبت بقوتي شيئا فشيئا، ولم تبق لي شيئا من تلك القوة التي أحتاجها في شيخوختي. الإعراب: طول: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. الليالي: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الياء، منع من ظهورها الثقل. أسرعت: فعل ماض مبني على الفتح؛ لاتصاله بتاء التأنيث الساكنة، والفاعل: هي، يعود إلى طول الليالي؛ وجملة "أسرعت": في محل رفع خبر المبتدأ. "في نقضي": متعلق بـ"أسرعت"؛ ونقض مضاف، والياء: في محل جر بالإضافة. نقضن: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة؛ والنون: ضمير متصل مبني على الفتح، في محل رفع فاعل. كلي: "كل" مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة للياء، والياء: ضمير متصل، مبني على السكون في محل جر بالإضافة. ونقضن: الواو عاطفة جملة على جملة، نقضن: فعل ماض، وفاعل. بعضي: مفعول به، ومضاف إليه؛ وجملة "نقضن بعضي": معطوف على جملة "نقضن كلي". موطن الشاهد: "طول الليالي أسرعت". وجه الاستشهاد: تأنيث الضمير في "أسرعت" مع إعادته إلى "طول" المذكر؛ وإنما سوغ ذلك إضافة "طول" إلى مؤنث؛ وهو الليالي؛ فاكتسب منه التأنيث؛ ومعلوم أن المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد، فكأن المضاف مؤنث؛ ولا يجوز أن يقال: إن الضمير عائد إلى المضاف إليه وحده؛ لأن ذلك خلاف الأصل. ومثل هذا الشاهد قول ابن أحمر: ولهت عليه كل معصفة ... هيفاء ليس للبها زبر اللسان مادة "زبر". 1 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرا. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 32، والأشموني: 611/ 2/ 310، والخزانة: 2/ 169 =

ويحتمله {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} 1، ولا يجوز "قامت غلام

_ = عرضا. والعيني: 3/ 396؛ وقال: إن قائله من المولدين، والمغني: 897/ 665، والسيوطي: 298. المفردات الغريبة: إنارة العقل: إضاءته، والمراد: الغريزة التي بها يدرك العقل الأشياء. مكسوف: مظلم، من قولهم: كسفت الشمس؛ إذا ذهب نورها وزال ضوءها. بطوع هوى: بالطاعة والانقياد لشهوة النفس. المعنى: أن مطاوعة الإنسان هواه، وانطلاقه وراء شهوات نفسه، يغطي نور العقل، ووضاءة البصيرة؛ وعصيانه لهواه، يزيد العقل نورا، والبصيرة تبصرة، وحسن نظر إلى الأشياء، وتقدير لها. الإعراب: إنارة: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. العقل: مضاف إليه مجرور. مكسوف: خبر مرفوع. "بطوع": متعلق بـ"مكسوف"، وطوع: مضاف. هوى: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. وعقل: الواو عاطفة، عقل: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. عاصي: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الياء، منع من ظهورها الثقل، وعاصي: مضاف. الهوى: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف، منع من ظهورها التعذر. يزداد: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: ضمير مستتر جوازا تقديره: هو؛ وجملة "يزداد": في محل رفع خبر المبتدأ "عقل عاصي". تنويرا: تمييز منصوب، ووعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. موطن الشاهد: "إنارة العقل مكسوف". وجه الاستشهاد: إعادة الضمير في "مكسوف" مذكرا على "إنارة"؛ وهو مؤنث؛ والذي سوغ ذلك كون المرجع "إنارة" مضافا إلى مذكر؛ وهو العقل؛ فاكتسب التذكير منه؛ لما أسلفنا. ومثل هذا الشاهد، قول الآخر: رؤية الفكر ما يؤول به الأمر ... معين على اجتناب التواني حيث أعاد الضمير في معين -مذكرا- على "رؤية" الواقع مبتدأ؛ وهو مؤنث؛ لإضافة المؤنث إلى "الفكر"؛ وهو مذكر؛ فاكتسب التذكير منه. 1 7 سورة الأعراف، الآية: 56. موطن الشاهد: "قريب". وجه الاستشهاد: عودة الضمير في قريب -مذكرا- على "رحمة"؛ لأنها اكتسبت التذكير من إضافتها إلى لفظ الجلالة؛ وحكم هذا سائغ شائع في اللغة، وكذا في الأمثلة السابقة. قال الصبان: عبر المصنف بالاحتمال، لما في إطلاق المذكر على الله تعالى من سوء =

هند"، ولا "قام امرأة زيد"؛ لعدم صلاحية المضاف فيهما للاستغناء عنه بالمضاف إليه. [بامتناع إضافة اسم إلى مرادفه] : مسألة: لا يضاف اسم لمرادفه1؛ كـ"ليث أسد"، ولا موصوف إلى

_ = الأدب، ولكن التذكير وصف للفظ الجلالة؛ لأنه المضاف إليه، لا لذاته سبحانه وتعالى، وقيل: "قريب" فعيل بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث؛ وهذا تخريج الفراء، وقيل: إن تذكير "قريب" بسبب المعنى، وذلك أن المقصود من رحمة الله غفرانه؛ وهو مذكر؛ وهذا تخريج الزجاج والأخفش. وقيل: إن تذكير "قريب" حاصل بسبب أن الرحمة مؤنث مجازي؛ وهذا تخريج الجوهري؛ وهو فاسد؛ لأن التأنيث المجازي يبيح تذكير الفعل المسند إلى المؤنث المجازي؛ فأما الذي يسند إلى ضميره؛ فلا يجوز تأنيثه، والوصف -هنا- مسند إلى ضمير الرحمة. هذا ولم يجعل المصنف منه قوله تعالى: {لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} . واعلم أن للمصنف رسالة في هذه الآية الشريفة نفيسة ضمنها أقوال الأئمة، أوصلها إلى ستة عشر قولا؛ وهي مذكورة في الأشباه والنظائر للسيوطي. مغني اللبيب: 666، والتصريح: 2/ 32، وحاشية الصبان: 2/ 249. 1 ذلك؛ لأن المضاف يتعرف، أو يتخصص بالمضاف إليه، فلا بد من أن يكون غيره في المعنى: لأن الشيء لا يتعرف أو يتخصص بنفسه. وذهب الكوفيون إلى أنه يجوز أن يضاف الشيء إلى نفسه، متى اختلف اللفظان، وجعلوا اختلاف اللفظين بمنزلة اختلاف المعنيين، احتجوا على ما منعه البصريون من إضافة الاسم إلى اللقب وإضافة الصفة إلى الموصوف، وإضافة الموصوف إلى الصفة، ومتى ورد عن العرب في الكلام المنثور لم يكن بد من قبوله، وسلكوا -مع هذا السماع- طريقا عن القياس، وذلك بعطف الشيء على مرادفه؛ كقول الشاعر: وقددت الأديم لراهشيه ... وألفى قولها كذبا ومينا والأصل في العطف أن يكون المعطوف عليه. هذا وقد اختار ابن مالك في كتاب "التسهيل" مذهب الكوفيين، وجوز ما منعه هنا، فجعل الإضافة ثلاثة أقسام: محضة، وغير محضة، وشبيهة بالمحضة؛ وهي سبعة أنواع، منها إضافة الموصوف إلى الصفة وبالعكس، والمسمى إلى الاسم. حاشية يس على التصريح: 2/ 34.

صفته1؛ كـ"رجل فاضل"، ولا صفة إلى موصوفها2؛ كـ"فاضل رجل" فإن سمع ما يوهم شيئا من ذلك، يؤول. فمن الأول قولهم: "جاءني سعيد كرز"3؛ وتأويله: أن يراد بالأول المسمى وبالثاني الاسم؛ جاءني مسمى هذا الاسم4. ومن الثاني5 قولهم: "حبة الحمقاء"6، و"الصلاة الأولى"، و"مسجد

_ 1 لأن الصفة تابعة لموصوفها في الإعراب؛ فلو أضيف إليها الموصوف لكانت مجرورة دائما. 2 لأن الصفة، يجب أن تكون تابعة ومتأخرة عن الموصوف، ولا يمكن ذلك في الإضافة. 3 فإن "سعيد" و"كرز" اسمان مترادفان مسماهما واحد، وأضيف أحدهما إلى الآخر. والكرز في الأصل: الخرج الذي يضع فيه الراعي زاده ومتاعه. وجمعه: كرزة؛ والكراز: الكبش الذي يحمله ويسير به أمام القوم. ومثل قولهم "سعيد كرز"؛ جئت ذا صباح: تريد وقتا صاحب اسم هو صباح. وسرت ذات يوم؛ تريد مدة صاحبة اسم هو يوم. 4 هذا إذا كان الحكم مناسبا للمسمى، فإن ناسب الاسم، عكس التأويل؛ نحو: كتبت سعيد كرز؛ أي كتبت اسم هذا المسمى، والإضافة بهذا التأويل على معنى لام الاختصاص. التصريح: 2/ 33. 5 الثاني: هو إضافة الموصوف إلى الصفة؛ فالأصل: حبة حمقاء، وصلاة أولى، ومسجد جامع، واللفظ الثاني، من هذه الأمثلة، صفة للفظ الأول؛ فلما أضافوا الأول إلى الثاني -وهما دالان على ذات واحدة- كانوا قد أضافوا اللفظ الدال على معنى إلى لفظ آخر، يدل على نفس معنى اللفظ الأول؛ وهذه هي إضاف المترادفين. وتأويل كل مثال غير تأويل غيره. لكن الضابط العام، أن يقدر قبل اللفظ الثاني -وهو المضاف إليه- اسم عام يصلح لأن يكون موصوفا بالمضاف إليه، فيكون تقدير المثال الأول: حبة البقلة الحمقاء، بتقدير اسم من أسماء الأعيان عام يشمل الاسم الأول وغيره؛ ويكون تقدير الثاني: صلاة الساعة الأولى، بتقدير اسم زمان يصلح أن يكون وقتا للاسم الأول وغيره؛ ويكون تقدير الثالث: مسجد المكان الجامع، بتقدير اسم مكان يصلح أن يكون محلا للاسم الأول وغيره. انظر شرح التصريح: 2/ 33. 6 الحمقاء: هي المسماة بـ"الرجلة" ووصفت بالحمق مجازا؛ لأنها تنبت في مجاري السيول، فيمر السيل بها فيقطعها فتطؤها الأقدام. =

الجامع"؛ وتأويله: أن يقدر موصوف؛ أي: حبة البقلة الحمقاء، وصلاة الساعة الأولى، ومسجد المكان الجامع. ومن الثالث1 قولهم: "جرد قطيفة"، و"سحق عمامة"2؛ وتأويله: أن يقدر موصوف أيضا، وإضافة الصفة إلى جنسها3؛ أي: شيء جرد من جنس القطيفة، وشيء سحق من جنس العمامة4. [الغالب في الأسماء أن تكون صالحة للإضافة والإفراد] : فصل: الغالب على الأسماء أن تكون صالحة للإضافة والإفراد، كـ"غلام" و"ثوب". ومنها ما يمتنع إضافته كالمضمرات، والإشارات، وكغير أي من الموصولات وأسماء الشرط، والاستفهام5.

_ = وقال الصبان: وهذا يظهر لو كانت الحبة تطلق على "الرجلة" ونحوها من البقول. أما إذا كانت واحدة الحب؛ كالبر وبذر الرجلة، وسائر الحبوب؛ فلا. التصريح: 2/ 33، وحاشية الصبان: 2/ 250. 1 وهو إضافة الصفة إلى موصوفها. 2 جرد: بمعنى مجردة. وسحق بمعنى بالية، أي: قطيفة مجرودة، وعمامة بالية، قيل ومنه قوله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ} ، إذا قدر أنه من إضافة الصفة إلى الموصوف، ومعناه: الأعين الخائنة. ونظيره قول شاعر الحماسة: إنا محيوك يا سلمى فحيينا ... وإن سقيت كرام الناس فاسقينا وإن دعوت إلى جلي ومكرمة ... يوما سراة كرام القوم فادعينا فأصل: كرام الناس؛ الناس الكرام، وأصل: سراة كرام القوم؛ سراة القوم الكرام. 3 أي جنس موصوفها، وتكون الإضافة معنوية؛ من إضافة الشيء إلى جنسه، ويجر الجنس بمن؛ لأن الإضافة على معناها؛ لأن المضاف إليه جنس للمضاف لا موصوف به إذ الموصوف محذوف، كما أوضح في المتن. شرح التصريح: 2/ 34. 4 ذهب الكوفيون: إلى جواز الإضافة في جميع ذلك، إذا اختلف اللفظان من غير تأويل محتجين بنحو قوله تعالى: {حَقُّ الْيَقِينِ} ، {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ} ، {بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} وغيره. التصريح: 2/ 34. 5 إنما امتنعت إضافة هذه الأنواع من الأسماء؛ لأنها أشبهت الحرف، والحرف لا يضاف؛ فلهذا بنيت، وأخذ ما أشبه الحرف حكم الحرف. =

ومنها: ما هو واجب الإضافة إلى المفرد؛ وهو نوعان: ما يجوز قطعه عن الإضافة في اللفظ1؛ نحو: "كل"، و"بعض"، و"أي"؛ قال الله تعالى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} 2، و {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} 3، و {أَيًّا مَا تَدْعُوا} 4، وما

_ = وإنما جازت إضافة "أي" الموصولة والاستفهامية والشرطية؛ لضعف شبه الحرب بسبب شدة افتقارها إلى مفرد يبين المراد منها، وتضاف هي إليه. شرح التصريح: 2/ 34. 1 حيث يحذف المضاف إليه لفظا، وينوي معناه، ويستغنى عنه بالتنوين الذي يدل عليه -والذي يسمى تنوين العوض- ويبقى للمضاف حكمه في التعريف أو التنكير. 2 36 سورة يس، الآية: 4. موطن الشاهد: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} . وجه الاستشهاد: مجيء التنوين في "كل" عوضا عن المضاف إليه المحذوف -أي: كلهم- والضمير المحذوف عائد إلى الشموس والأقمار؛ وأفرد "فلك" مراعاة للفظ "كل" وجمع "يسبحون" مراعاة للمضاف إليه المحذوف. 3 2 سورة البقرة، الآية: 253. موطن الشاهد: {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} . وجه الاستشهاد: مجيء التنوين في "بعض" الثانية عوضا عن المضاف إليه المحذوف -أي: على بعضهم. فائدة: ... اختلف عند قطع "كل" و"بعض" عن الإضافة لفظا؛ هل هما معرفتنا بنية الإضافة؟ فذهب سيبويه والجمهور إلى عدهما معرفتين؛ وعليه، فتأتي الحال منهما متأخرة، فتقول: مررت بكل ساجدًا وببعضٍ جالسًا؛ وهو الصحيح؛ وذهب الفارسي، إلى أنهما نكرتان، وهذا الخلاف، حين يكون المضاف إليه معرفة؛ فإن كان نكرة، فلا خلاف في تنكيرهما، وحجة الفارسي في كونهما نكرتين؛ نظرا لحالتهما الراهنة؛ لأن نية الإضافة، لا تكون سببا في التعريف؛ ورأيه محجوج كما أسلفنا. انظر شرح التصريح: 2/ 35. يشترط في "كل" و"بعض" و"أي" عندما تقطع عن الإضافة لفظا ما يلي: أ- أن لا تكون "كل" للتوكيد، ولا للنعت؛ فإن كانت كذلك، وجب إضافتها لفظا كما ذكرنا. ب- ويشترط في "أي" ألا تقع صفة أو حالا، وإلا تعينت إضافتها لفظا. 4 17 سورة الإسراء، الآية: 110. موطن الشاهد: {أَيًّا مَا تَدْعُوا} =

يلزم الإضافة لفظا؛ وهو ثلاثة أنواع: ما يضاف للظاهر والمضمر؛ نحو: "كلا" و"كلتا" و"عند" و"لدى" و"قصارى"1 و"سوى"، وما يختص بالظاهر كـ"أولى" و"أولات" و"ذي" و"ذات"2؛ قال الله تعالى: {نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ} 3، {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ} 4 {وَذَا النُّونِ} 5، و {ذَاتَ بَهْجَةٍ} 6، وما يختص بالمضمر؛ وهو نوعان: ما يضاف لكل مضمر؛ وهو "وحد"؛ نحو: {إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ} 7،

_ = وجه الاستشهاد: مجيء "أيا" اسم شرط جازم، وقع في محل نصب مفعولا به مقدما لـ"تدعوا"، و"ما" زائدة. 1 قصارى الشيء وقصاراه: غايته ونهايته. يقال: قصاراك أن تفعل كذا؛ أي جهدك، وغايتك وآخر أمرك؛ ومثله: حمادى، تقول: حماداك وحمادي؛ أي: غايتك وغايتي ... إلخ. 2 وفروعها؛ كذوا، وذواتا، وذووا، وذوات؛ والكل بمعنى صاحب. 3 27 سورة النمل، الآية: 33. موطن الشاهد: {أُولُو قُوَّةٍ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أولو" بمعنى أصحاب؛ وهو مضاف إلى اسم ظاهر، ولا يجوز إضافته إلى المضمر إطلاقا. 4 65 سورة الطلاق، الآية: 4. موطن الشاهد: {أُولاتُ الْأَحْمَالِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أولات" بمعنى صاحبات؛ وهو مضاف إلى اسم ظاهر، ولا يجوز إضافته -كسابقه- إلى المضمر. 5 21 سورة الأنبياء، الآية: 87. موطن الشاهد: {ذَا النُّونِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "ذا" بمعنى صاحب؛ وهو مضاف إلى اسم ظاهر، ولا يجوز إضافته -كسابقيه- إلى المضمر. 6 27 سورة النمل، الآية: 60. موطن الشاهد: {ذَاتَ بَهْجَةٍ} . وجه الاستشهاد: مجيء "ذات" بمعنى صاحبة؛ وهو مضاف إلى اسم ظاهر، ولا يجوز إضافته إطلاقا إلى المضمر كما سبق. 7 40 سورة غافر، الآية: 12. موطن الشاهد: {وَحْدَهُ} . =

وقوله1: [الرجز] 326- وكنت إذ كنت إلهي وحدكا2

_ = وجه الاستشهاد: مجيء "وحد" مضافا إلى الضمير الهاء؛ وحكم إضافته إلى الضمير من دون الظاهر الوجوب؛ وهو يضاف إلى ضمير الغائب، والمخاطب، والمتكلم -كما مثل المؤلف- من دون تمييز بين مفرد وغيره، ولا مؤنث ومذكر؛ وهو -وحد- مصدر يدل على التوحيد والانفراد ملازم للإفراد والتنكير، وربما ثني شذوذا؛ وهو منصوب على الحال غالبا؛ لتأويله بموحد، أي: منفردا؛ وقيل: على أنه مفعول مطلق؛ فعل من لفظه؛ يقال: وحد الرجل يحد؛ إذا انفرد؛ أو مصدر لا فعل من لفظه؛ وقد يجر بعلى أو بالإضافة. 1 القائل: هو: عبد الله بن عبد الأعلى القرشي. 2 تخريج الشاهد: هذا بيت، من الرجز، وبعده قوله: لم يك شيء يا إلهي قبلكا وهو من شواهد: التصريح: 2/ 32، وسيبويه: 1/ 316، والمقتضب: 4/ 247، والمنصف: 2/ 232، وشرح المفصل: 2/ 11، والعيني: 3/ 397، والهمع: 2/ 50، والدرر: 2/ 60، والمغني: 509/ 368، والسيوطي: 233. المفردات الغريبة: قبلك، قيل: إن معنى القبلية: المعية، بدليل مقابلتها بقوله وحدك؛ لأن القبلية محالة في حقه تعالى. وقيل: إن الظرف ليس قيدا في الفعل المنفي بلم. المعنى: وجدت -يا إلهي- مذ وجدت وحدك، لم يك معك شيء قبل خلق هذا العالم، ثم أوجدته؛ ولم يكن شيء قبلك؛ لأن الله واجب الوجود؛ وهو قديم بالذات والعالم موجود بإراد الله وفعله. الإعراب: كنت: فعل ماض تام، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك؛ والتاء: في محل رفع فاعل؛ وكان تامة -هنا- لأنها بمعنى الوجود. إذ: ظرف للزمن الماضي، مبني على السكون في محل نصب؛ وهو متعلق بـ"كان". كنت: فعل ماض تام، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك؛ والتاء: في محل رفع فاعل؛ ويمكن عده ناقصا، ويكون خبره محذوفا والتقدير: كنت موجودا؛ والأول: أفضل؛ وجملة "كان وفاعلها" أو "كان واسمها": في محل جر بالإضافة بعد إذ. إلهي: منادى مضاف، بحرف نداء محذوف، والتقدير: يا إلهي؛ وهو منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة للياء؛ والياء: ضمير متصل مبني على السكون، في محل جر بالإضافة. وحدكا: "وحد" حال من ضمير المخاطب في كان الأولى -وهذا هو الأرجح- لأن الغالب في "وحد" أن تأتي =

وقوله1: [المنسرح] 327- والذئب أخشاه إن مررت به ... وحدي2.........

_ = منصوبة على الحال و"وحد" مضاف، والكاف: في محل جر بالإضافة؛ والألف للإطلاق. لم: جازمة نافية. يك: فعل مضارع تام مجزوم، وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة تخفيفا. شيء: فاعل "يك" مرفوع. يا: حرف نداء، لا محل له من الإعراب. إلهي: منادى مضاف منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة للياء؛ والياء: ضمير متصل مبني على السكون، في محل جر بالإضافة؛ وجملة النداء: اعتراضية، لا محل لها. قبلكا: "قبل": متعلق بـ"يك" التامة؛ فإن عددناها ناقصة؛ يكون "شيء" اسمها، و"قبل": متعلقا بخبره المحذوف؛ والأول أفضل، و"قبل" مضاف، وضمير المخاطب: في محل جر بالإضافة، والألف: للإطلاق. موطن الشاهد: "وحدكا". وجه الاستشهاد: إضافة لفظ "وحد" إلى كاف الخطاب؛ وسبق أن "وحد" تضاف إلى المضمر وجوبا؛ لأنها لا تضاف إلى الاسم الظاهر. 1 القائل: هو الربيع بن ضبيع الفزاري الذبياني، شاعر جاهلي معمر من الفرسان، كان أحكم العرب في زمانه، ومن أشعرهم وأخطبهم، شهد يوم الهباءة، وهو ابن مائة عام وقاتل في حرب داحس، وأدرك الإسلام، وقد كبر وخرف؛ فقيل: أسلم وقيل: منعه قومه. الأعلام: 3/ 15، الأغاني: 14/ 118، الخزانة: 3/ 38، السمط: 802. 2 تخريج الشاهد: هذه قطعة من بيت؛ قاله الربيع -حين تقدمت سنه وأصابه ضعف الكبر- والبيت بتمامه: والذئب أخشاه إن مررت به ... وحدي، وأخشى الرياح والمطرا ويروى قبله: أصبحت لا أحمل السلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرا والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 36، والهمع: 2/ 50، والدرر: 2/ 60، ونوادر أبي زيد: 159، والجمل: 52، العيني: 3/ 397. المعنى: صرت -لكبر سني وضعفي وعدم قدرتي على مقاومة أي شيء يعتريني- أخاف من الذئب إن مررت به وليس معي أحد، ولا أحتمل هبوب الريح، وسقوط المطر؛ فإن ذلك يؤذيني؛ لشدة ضعفي وقلة حيلتي. الإعراب: الذئب -على رواية النصب- مفعول به لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده؛ والتقدير: وأخشى الذئب أخشاه. أخشاه: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف؛ منع من ظهورها التعذر، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: =

وما يختص بضمير المخاطب؛ وهو مصادر مثناة لفظا؛ ومعناها التكرار1؛ وهي: "لبيك" بمعنى إقامة على إجابتك بعد إقامة2، و"سعديك" بمعنى: إسعادا لك بعد إسعاد؛ ولا تستعمل إلا بعد لبيك3، و"حنانيك" بمعنى: تحننا عليك بعد تحنن، و"دواليك" بمعنى: تداولا بعد تداول4، و"هذاذيك" -بذالين معجمتين- بمعنى: إسراعا لك بعد إسراع، قال5: [مشطور الرجز]

_ = أنا، والهاء: ضمير متصل مبني على الضم، في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "أخشاه": تفسيرية، لا محل لها. إن: حرف شرط جازم، لا محل له من الإعراب. مررت: فعل ماض، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك؛ والتاء: في محل رفع فاعل. وهو فعل الشرط في محل جزم. "به": متعلق بـ"مر". وحدي: حال من ضمير المتكلم في "مررت" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة للياء؛ والياء: في محل جر بالإضافة. وأخشى: الواو عاطفة، أخشى: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. الرياح: مفعول به لـ"أخشى" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. المطرا: الواو عاطفة، المطر: اسم معطوف على الرياح منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، والألف: للإطلاق. موطن الشاهد: "وحدي". وجه الاستشهاد: إضافة لفظ "وحد" إلى ضمير المتكلم؛ وتبين لنا من هذا الشاهد وما قبله أن لفظ "وحد" يضاف إلى الضمائر كلها على السواء؛ لأنه أضيف في الآية إلى ضمير الغائب؛ وفي البيت السابق، أضيف إلى ضمير المخاطب؛ وفي هذا البيت، أضيف إلى ضمير المتكلم؛ وسبق أن قلنا: إنه لا فرق في هذه الأنواع الثلاثة بين المذكر والمؤنث، ولا بين ضمير المفرد، وضمير المثنى، وضمير الجمع. 1 المراد بالتكرار التكثير الذي يزيد على اثنين، وهي ملحقة بالمثنى في إعرابه؛ مراعاة لمظهرها، وليست مثنى حقيقيا من حيث معناها، وتعرب مفعولا مطلقا لفعل من لفظها -إلا هذاذيك، فيقدر فعلها من معناها، وهو: أسرع على الصحيح. 2 أصل لبيك: ألب لك إلبابين؛ أي: أقيم على طاعتك وإجابتك إقامة كثيرة؛ فحذف الفعل، وأقيم المصدر مقامه، ثم حذفت الزوائد، وحذف الجار من الضمير المفعول، وأضيف المصدر إليه؛ وقيل: إنه من لب بمعنى ألب؛ أي: أقام، وكذا الباقي؛ ومثلها: حجازيك: أي: محاجزة بعد محاجزة، وحذاريك: أي: حذرا بعد حذر. 3 لأن "لبيك" هي الأصل في الإجابة، و"سعديك" بمنزلة التوكيد لها. 4 أي: تواليا وتناوبا في طاعتك بعد توال وتناوب. 5 القائل: هو العجاج الراجز المشهور، وقد مرت ترجمته.

328- ضربا هذاذيك وطعنا وخضا1 وعامله وعامل لبيك: من معناهما، والبواقي من لفظها2.

_ 1 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز المشطور، وبعده قوله: يمضي إلى عاصي العروق النحضا وهو من أرجوزة للعجاج يمدح فيها الحجاج بن يوسف الثقفي. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 37، والأشموني: 615/ 2/ 313، وسيبويه: 1/ 175 ومجالس ثعلب: 175، والجمل للزجاجي: 296، وأمالي الزجاجي: 132، والمحتسب: 2/ 279، والمخصص: 6/ 88، 103، 13/ 273، وشرح المفصل: 1/ 119، والخزانة: 1/ 274، والعيني: 3/ 399، والهمع: 1/ 189، والدرر: 1/ 162، وديوان العجاج: 54. المفردات الغريبة: ضربا هذاذيك: أي ضربا يهذ هذا بعد هذ، والهذ: الإسراع في القطع وغيره. وخضا، الوخض: الطعن الذي يصل إلى الجوف، وقيل: العكس، والمراد: الطعن الذي يسرع إلى الموت. عاصي العروق: هو العرق الذي يسيل ولا يرقأ دمه، وجمعه عواص. النحضا؛ النحض: اللحم المكتنز كلحم الفخذ. المعنى: أضرب ضربا كثيرا مسرعا في القطع، وأطعن طعنا جائفا في اللحم حتى يمزق الأجسام، فتصل أجزاؤها إلى العروق العاصية التي يسيل دمها بلا انقطاع. الإعراب: ضربا: مفعول مطلق لفعل محذوف؛ أو مفعول به لفعل محذوف؛ والتقدير: نجزيهم ضربا. هذاذيك: مفعول مطلق لفعل محذوف، يقدر من معناه؛ أي: أسرع إسراعا؛ أو أقطع قطعا، وهو مضاف إلى الكاف؛ وعلامة نصبه الياء؛ لأنه مثنى. وطعنا: الواو عاطفة، طعنا: معطوف على "ضربا" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. وخضا: صفة لـ"طعنا" منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. موطن الشاهد: "هذاذيك". وجه الاستشهاد: إضافة "هذاذي" إلى ضمير المخاطب؛ وهو مفعول مطلق؛ لفعل من معناه -كما بينا في الإعراب- ولا يصح مجيئه حالا، خلافا لسيبويه. 2 فيقدر: أسرع، وأجيب، وأسعد، وأتحنن، وأتداول، وقد علمت أن للبيك فعلا من لفظها. قال الصبان: والمتجه عندي: أن لبيك منصوب بفعل من لفظه. وذكر بعضهم فعلا لهداذيك، وهو: هذ يهذ هذا، أي أسرع. حاشية الصبان: 2/ 252-253.

وتجويز سيبويه في "هذاذيك" في البيت، وفي "دواليك" من قوله1: [الطويل] 329- دواليك حتى لكنا غير لابس2

_ 1 القائل: هو سحيم الأسود؛ عبد بني الحسحاس، شاعر رقيق الشعر، أعجمي الأصل، اشتراه بنو الحسحاس -وهم بطن من بني أسد- فنشأ فيهم، رآه النبي صلى الله عليه وسلم وأعجب بشعره، وعاش إلى أيام عثمان بن عفان رضي الله عنه، شبب بنساء بني الحسحاس، فقتلوه، وأحرقوه، وذلك نحو 40هـ. الجمحي: 1/ 36، فوات الوفيات: 1/ 166، والسمط: 721، الأعلام: 3/ 79. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: إذا شق برد شق بالبرد مثله وينشد قبله: كأن الصبيريات وسط بيوتنا ... ظباء تبدت من خلال المكانس فكم قد شققنا من رداء منير ... على طفلة ممكورة غير عانس وهن بنات القوم إن يظفروا بنا ... يكن في ثبات القوم إحدى الدهارس وهو من شواهد: التصريح: 2/ 37، والأشموني: 616/ 2/ 313، وسيبويه: 1/ 175؛ وروى عجزه: دواليك حتى ليس للبرد لابس، وأمالي الزجاجي: 131، والجمل: 297، والخصائص: 3/ 45، والأغاني: 20/ 4، والمخصص: 13/ 232، والهمع: 1/ 189، والدرر: 1/ 162؛ وقال إن الرواية الصحيحة: "إذا شق برد شق بالجيب برقع"، وصبح الأعشى: 1/ 407، ونهاية الأرب: 3/ 126، وديوان سحيم: 16. المفردات الغريبة: برد: هو الكساء الموشى؛ أي المخطط المزخرف. دواليك: من المداولة، وهي المناوبة بينك وبين غيرك. المعنى: إذا شق واحد منا برد صاحبه ومزقه؛ شق الآخر برده كذلك بالتناوب؛ حتى نرى ولكنا ليس عليه برد. قيل في سبب ذلك؛ إن الرجل كان إذا أراد تأكيد المودة بينه وبين من يحب، واستدامة صحبته شق كل واحد منهما برد الآخر؛ لاعتقادهم أن ذلك، أبقى للمودة بينهما. الإعراب: إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه منصوب بجوابه مبني على السكون، في محل نصب على الظرفية الزمانية. شق: فعل ماض مبني للمجهول. برد: نائب فاعل مرفوع. شق: فعل ماض مبني للمجهول أيضا. "بالبرد": متعلق بـ"شق" الثاني. مثله: نائب فاعل مرفوع، وهو مضاف، والهاء: في محل جر بالإضافة. دواليك: مفعول مطلق -لفعل محذوف- منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه مثنى، وهو مضاف، =

الحالية بتقدير نفعله متداولين؛ وهاذين، أي مسرعين، ضعيف1 للتعريف2؛ ولأن المصدر الموضوع للتكثير، لم يثبت فيه غير كونه مفعولا مطلقا. وتجويز الأعلم3 في "هذاذيك" في البيت الوصفية مردود لذلك.

_ = وكاف المخاطب: في محل جر بالإضافة. حتى: حرف ابتداء، لا محل له من الإعراب. كلنا: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، و"نا": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. غير: خبر مرفوع، وهو مضاف. لابس: مضاف إليه مجرور. موطن الشاهد: "دواليك". وجه الاستشهاد: إضافة "دوالي" إلى ضمير المخاطب؛ وهو مفعول مطلق؛ لفعل من معناه، ولا يصح مجيئه حالا، خلافا لسيبويه. 1 خلاصة ما ذكره المؤلف في هذه المسألة، أن جمهور النحاة ذهبوا إلى أن "دواليك" مفعول مطلق دال على التكرار، ولم يجيزوا في هذا اللفظ غير هذا الوجه من الإعراب؛ ومثله: "هذاذيك" فمعنى "دواليك": تداولا بعد تداول؛ ومعنى "هذاذيك": هذا لك بعد هذ. وذهب سيبويه إلى تجويز وجهين من الإعراب في كل من هاتين الكلمتين؛ الوجه الأول: أن تكون مفعولا مطلقا -كما قال الجمهور- والوجه الثاني: أن تكون حالا على التأويل بالمشتق؛ وتقدير دواليك -على الوجه الثاني: متداولين، وتأويل هذاذيك -عليه- هاذين؛ وقد رد المؤلف على سيبويه، بأنه يلزم على القول بأن كل واحدة من هاتين الكلمتين حال أمران؛ كل واحد منهما خلاف الأصل؛ الأول: أن يقع الحال معرفة؛ لأنا علمنا أن هذا اللفظ مصدر مضاف إلى ضمير المخاطب؛ ومعلوم أن إضافة المصدر، تفيد التعريف. الثاني: أنه يلزم وقوع المصدر الدال على تكرار الحدث حالا، ولم يرد في كلام العرب وقوع هذا المصدر حالا، ولكنا حفظنا من كلامهم وقوعه مفعولا مطلقا؛ بدليل مجيئه في القرآن الكريم؛ نحو قوله تعالى: {ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} وما دام وقع المصدر الدال على التكرار مفعولا مطلقا بدليل ظاهر في ذلك، ولم يرد وقوعه حالا، بدليل ظاهر في الحالية؛ لزمنا أن نذهب إلى ما ثبت بدليل ظاهر. انظر حاشية يس على التصريح: 2/ 37. 2 لأنه معرفة بإضافته للضمير، والحال واجب التنكير، وقوله: "ولأن المصدر ... إلخ" دفع به ما قد يقال: إن هذه الحال مما جاء معرفا لفظا، وإن كان منكرا معنى. 3 أي: صفة لـ"ضربا"؛ والمعنى: اضرب ضربا مسرعا أو مكررا؛ غير أن هذا الإعراب مردود بأن "ضربا" نكرة، و"هذاذيك" معرفة -عند الجمهور- ومعلوم أنه لا توصف =

وقوله فيه وفي أخواته: إن الكاف لمجرد الخطاب؛ مثلها في "ذلك" مردود أيضا؛ لقولهم: "حنانيه"، و"لبي زيد" ولحذفهم النون؛ لأجلها، ولم يحذفوها في "ذانك" وبأنها، لا تلحق الأسماء التي لا تشبه الحرف. وشذت إضافة "لبي" إلى ضمير الغائب؛ في نحو قولك1: [مشطور الرجز]

_ = النكرة بمعرفة؛ وليبرر ما ذهب إليه، ادعى أن هذه الكاف في "هذاذيك" وأخواتها حرف خطاب، مثل الكاف في أسماء الإشارة؛ نحو: ذلك، وتلك، وهذا فاسد لما يأتي: أ- لأنهم أضافوا بعض هذه الألفاظ إلى ضمير الغيبة -وإن كان ذلك شذوذا-؛ نحو: لبيه، وإلى الاسم الظاهر؛ نحو: "لبي يدي ميسور"، ومعلوم أن اسم الإشارة، لا يتصل به إلا كاف الخطاب؛ ولما اختلف حال هذه الألفاظ وحال اسم الإشارة، لم يكن لنا حمل هذه الألفاظ عليه. ب- معلوم أن هذه الألفاظ مثناة لفظا، ولما تتصل بها كاف الخطاب، تحذف نونها للإضافة؛ نحو: حنانيك، ودواليك، كما تحذف من كل مثنى عند الإضافة؛ نحو قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} ؛ ومعلوم أنهم لم يحذفوا النون من اسم الإشارة المراد به المثنى، في نحو: "ذانك" و"تانك" فعلم أن اسم الإشارة غير مضاف إلى هذه الكاف الملحقة به؛ ونستنتج أن: الكاف حرف مع اسم الإشارة؛ ولحذفها مع دواليك وأخواته، أنه مضاف إلى الكاف؛ وعلى هذا، فهي اسم مع هذه الألفاظ. ج- علم باستقراء كلام العرب أنهم يلحقون الكاف الحرفية بالأسماء التي تشبه الحروف مثل أسماء الإشارة، في نحو: ذلك، وتلك، وذانك، وتانك، ومثل الضمائر، في نحو: "إياك" ولم نجدهم ألحقوا هذه الكاف باسم غير مشبه للحرف، ولا شك في أن "دواليك" وأخواته أسماء، لا تشبه الحرف، فلم يكن لنا أن نقر شيئا خارج عن مجرى كلامهم. انظر شرح التصريح: 2/ 38. فائدة: للكاف في دواليك محلان من الإعراب؛ فهي محل جر بإضافة المصدر المثنى إليها؛ ولها محل آخر، هو الرفع أو النصب؛ لأن المصدر، يضاف إلى فاعله، ويضاف إلى مفعوله؛ فإذا عدت الكاف فاعل المصدر؛ كانت في محل رفع، وإذا عدت مفعول المصدر؛ كانت في محل نصب. والنحاة يرون أنها مفعول المصدر -من دون اطراد في الكافات كلها- لأن المعنى المقصود بالكلام، هو الذي يحدد ذلك؛ فهي في لبيك وسعديك -مثلا- تكون للمفعول؛ لأن التقدير: أجيبك إجابة متكررة، وأسعدك إسعادا متكررا؛ وهي في حنانيك -مثلا- تكون فاعلا للحنان؛ لأن التقدير: تحنن علي وارفق بي. 1 لم ينسب إلى قائل معين.

330- لقلت لبيه لمن يدعوني1 وإلى الظاهر في نحو قوله2: [المتقارب]

_ 1 تخريج الشاهد: ينشد قبل الشاهد قوله: إنك لو دعوتني ودوني ... زوراء ذات مترع بيون والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 38، والأشموني: 614/ 2/ 313، وابن عقيل: 224/ 3/ 52، والعيني: 3/ 383، والهمع: 1/ 190، والدرر: 1/ 163 ومغني اللبيب: 981/ 753، واللسان: "لبب" "بين" وفيه "منزع بدل مترع". المفردات الغريبة: زوراء: هي الأرض البعيدة الأطراف. مترع: مملوء أو ممتد، من قولهم: حوض مترع؛ أي ممتلئ. والذي في اللسان: منزع: وهو الفراغ الذي في البئر حتى الماء. بيون: هي البئر الواسعة الرأس الضيقة الأسفل، أو البعيدة القاع. المعنى: أنك لو طلبتني، وناديتني لأمر من الأمور -وبيننا أرض نائية صعبة المسالك ذات مياه بعيدة الغور- لأجبتك سريعا، ولما تأخرت عن تلبية طلبك. الإعراب: إنك: حرف مشبه بالفعل، والكاف: في محل نصب اسمه. لو: حرف امتناع لامتناع؛ أو حرف شرط غير جازم، لا محل له من الإعراب. دعوتني: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: في محل رفع فاعل، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب مفعولا به. ودوني: الواو حالية، دون: ظرف مكان -متعلق بمحذوف خبر مقدم- منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل الياء؛ والياء: في محل جر بالإضافة. زوراء: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وجملة "دوني زوراء": في محل نصب على الحال. ذات: صفة لـ"زوراء" مرفوعة، وذات مضاف. مترع: مضاف إليه مجرور. بيون: صفة لـ"مترع" مجرورة، وعلامة جرها الكسرة الظاهرة. لقلت: اللام واقعة في جواب "لو"، قلت: فعل ماض وفاعل. لبيه: "لبي" مفعول مطلق بفعل محذوف؛ والتقدير: أجيبك إجابة بعد إجابة، والهاء: في محل جر بالإضافة "لمن: متعلق بـ"قلت". يدعوني: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الواو؛ للثقل، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، يعود إلى الاسم الموصول المجرور محلا باللام، والنون: للوقاية، وياء المتكلم: في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "يدعوني": صلة للموصول الاسمي، لا محل لها؛ وجملة "لو وشرطه وجوابه": في محل رفع خبر "إن". موطن الشاهد: "لبيه". وجه الاستشهاد: إضافة "لبي" إلى ضمير الغائب "الهاء"؛ وحكم إضافته إلى ضمير الغائب أنه شاذ؛ لأنه مختص بضمير المتكلم. 2 القائل: هو أعرابي، من بني أسد.

331- فلبى قلبي يدي مسور1 وفيه رد على يونس في زعمه أنه مفرد2؛ وأصله لبا؛ فقلبت ألفه ياء؛ لأجل الضمير، كما في لديك وعليك، وقول ابن الناظم: إن خلاف يونس في "لبيك"

_ 1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: دعوت لما نابني مسورا وكان هذا الرجل، قد استعان برجل اسمه مسور في دفع غرامة مالية؛ فأعانه. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 38، والأشموني: 613/ 2/ 312، وابن عقيل: 225/ 3/ 53، وسيبويه: 1/ 176، والمحتسب: 1/ 78، 2/ 23، وشرح المفصل: 1/ 119، والخزانة: 1/ 268، 578، والعيني: 3/ 381. والهمع: 1/ 190، والدرر: 1/ 165، واللسان "لبب". المفردات الغريبة: دعوت: استعنت. نابني: أصابني ونزل بي. مسور: اسم رجل. فلبى: أجاب دعائي بقوله لبيك. المعنى: دعوت مسورا، واستغثت به؛ لدفع ما نابني، وحل بي؛ فأجابني إلى ما دعوته إليه؛ فتلبية تلو تلبية ليدي مسور، أبادر إليه، إذا ناداني وسألتني في أمر ينوبه؛ كما بادر إلي؛ ومعلوم أنه خص يديه بالذكر؛ لأنهما اللتان قدمتا المال له. الإعراب: دعوت: فعل ماض وفاعل. "لما": متعلق بـ"دعوت". نابني: فعل ماض والفاعل: هو، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "نابني": صلة للموصول المجرور محلا باللام، لا محل لها. مسورا: مفعول به منصوب لـ"دعوت". فلبى: الفاء عاطفة، لبى: فعل ماض، والفاعل: هو؛ يعود إلى مسور. فلبي: الفاء عاطفة، لبي: مفعول مطلق منصوب، بفعل محذوف، وهو مضاف. يدي: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه مثنى، وهو مضاف. مسور: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. موطن الشاهد: "فلبي يدي". وجه الاستشهاد: إضافة "لبي" إلى الاسم الظاهر "يدي"؛ وحكم هذه الإضافة شاذة؛ لأن لبي مختصة بالإضافة إلى ضمير المتكلم، كما أسلفنا. 2 وجده الرد -كما قال سيبويه: أنه لو كان مفردا مقصورا -كما يرى يونس- لما قلبت ألفه ياء مع الظاهر في قوله: "فلبي يدي مسور" كما لا تقلب ألف "لدى" و"على" عند ذلك كما في قوله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} وقوله جل شأنه: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ} وذلك ببقاء الألف؛ فكان ينبغي أن يقال: لبى زيد، ولبى يدي. فدل ذلك على أنه مثنى وليس بمقصور. شرح التصريح: 2/ 38.

وأخواته وهم1. [ما هو واجب الإضافة] : ومنها ما هو واجب الإضافة إلى الجمل؛ اسمية كانت، أو فعلية؛ وهو: "إذ"، و"حيث". فأما "إذ"؛ فنحو: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} 2 {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا} 3، وقد يحذف ما أضيفت إليه للعلم به4؛ فيجاء بالتنوين عوضا منه؛ كقوله تعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} 5، وأما "حيث"؛ فنحو: "جلست حيث جلس زيد" و"حيث زيد جالس"6 وربما أضيفت إلى المفرد7؛ كقوله8. [الطويل]

_ 1 يعني أن ابن الناظم وهم في نسبة الخلاف في هذه الألفاظ كلها إلى يونس؛ لأن خلافه فيلبيك وحده. 2 8 سورة الأنفال، الآية: 26. موطن الشاهد: "إذا أنتم". وجه الاستشهاد: إضافة إذ إلى الجملة الاسمية، وحكم هذه الإضافة الوجوب. 3 7 سورة الأعراف، الآية: 86. موطن الشاهد: {إِذْ كُنْتُمْ} . وجه الاستشهاد: إضافة إذ إلى الجملة الفعلية؛ وهي كسابقتها تماما من حيث التقدير. 4 وأكثر ما يكون ذلك؛ إذا كان المضاف اسم زمان، كيومئذ، وحينئذ، وساعتئذ؛ فيحذف المضاف ويؤتى بالتنوين عوضا عن الجملة المحذوفة، وتحرك الذال عند التنوين بالكسر للتخلص من الساكنين. 5 30 سورة الروم، الآية: 4. موطن الشاهد: {يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ} . وجه الاستشهاد: حذف الجملة بعد إذ -كما أسلفنا- للعلم بها؛ وجيء بالتنوين عوضا منها، وكسرت الذال لالتقاء الساكنين، وإذ باقية على بنائها على الأرجح، والتقدير: يوم إذ غلبت الروم ... 6 الغالب في الجملة الاسمية بعد "حيث" إلا يكون خبرها فعلا. وإضافتها إلى الجملة الفعلية أكثر؛ سواء كانت مثبتة أم منفية. 7 يجيز بعض النحاة إضافتها إلى المفرد مع بقائها مبنية؛ نحو: أنا مسافر حيث الهدوء. ويؤيده جواز فتح همزة "إن" بعدها، فتكون مضافة إلى المصدر المنسبك من أن ومعموليها، وهو مفرد؛ وبعضهم يعربها، ويندر أن تقع ظرف زمان أو غيره ولا يقاس على ما يسمع من ذلك. حاشية يس على التصريح: 2/ 39، وهمع الهوامع: 1/ 212. 8 قيل: هو الفرزدق، وقيل: هو عملس بن عقيل، والأرجح أنه غير معين.

332- ببيض المواضي حيث لي العمائم1 ولا يقاس عليه، خلافا للكسائي.

_ 1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: ونطعنهم تحت الحبا بعد ضربهم وهو من شواهد: التصريح: 2/ 39، والأشموني: 618/ 2/ 314، والهمع: 1/ 212، والدرر: 1/ 180، والأغاني: 11/ 83، وأمالي ابن الشجري: 1/ 136، وشرح المفصل: 4/ 90، والخزانة: 3/ 152، والعيني: 3/ 387، والمغني: 215/ 177، والسيوطي: 133، وليس في ديوان الفرزدق. المفردات الغريبة: نطعنهم -بضم العين وفتحها: نضربهم، يقال: طعنه بالرمح، كمنعه ونصره؛ ضربه ووخزه. الحبا: جمع حبوة؛ وهي الثوب الذي يحتبى به، والاحتباء: أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره، ويشده عليهما، وقد يكون الاحتباء باليدين. والمراد هنا: أواسطهم. بيض: جمع أبيض، والمراد: السيف. المواضي: جمع ماضٍ؛ وهو النافذ القاطع، أي السيوف القواطع. لي العمائم: لفها وشدها طاقة بعد طاقة على الرءوس. المعنى: نضربهم برماحنا في أواسطهم، حيث لا يبرءون من الطعن بعد ضربهم بالسيوف القواطع على رءوسهم. الإعراب: ونطعنهم: الواو عاطفة، نطعن: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: مستتر وجوبا؛ تقديره: نحن؛ وضمير الغائبين "هم": في محل نصب مفعولا به. حيث: ظرف مكان مبني على الضم في محل نصب؛ وهو متعلق بـ"نطعن"، وهو مضاف. الكلى: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف؛ منع من ظهورها التعذر؛ وهذا الوجه الذي أراده المؤلف. "بعد": متعلق بـ"نطعن" وهو مضاف. ضربهم: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، و"هم": في محل جر بالإضافة. "ببيض": متعلق بـ"ضربهم"، و"بيض" مضاف. المواضي: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الياء؛ منع من ظهورها الثقل. "حيث": متعلق بـ"ضرب" وهو مبني على الضم في محل نصب، و"حيث" مضاف. لي: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف. العمائم: مضاف إليه مجرور. موطن الشاهد: "حيث لي العمائم". وجه الاستشهاد: مجيء "حيث" مضافة إلى اسم مفرد "لي" -على رواية جر "لي"- غير أن بعض العلماء عدوا "حيث" مضافة إلى الجملة -على رواية رفع "لي"- فتكون "لي" مبتدأ محذوف الخبر، ولا شاهد في البيت حينئذ على إضافة "حيث" إلى الاسم المفرد؛ =

[ما يختص بالجمل الفعلية] : ومنها: ما يختص بالجمل الفعلية، وهو "لما"، عند من قال باسميتها1؛ نحو: "لما جاءني أكرمته"، و"إذا"2، عند غير الأخفش والكوفيين3؛ نحو: {إِذَا

_ = وما قلناه -هنا- أحرى به أن يكون في صدر البيت "حيث الكلى ... " فإن "الكلى" يصح كونها مبتدأ، وخبره محذوف؛ والتقدير: حيث الكلى موجودة؛ وعلى هذا، فلا شاهد في البيت في الموضوعين. والذي يرجح ما ذهبنا إليه من عدم وجود ما يؤكد إضافة "حيث" إلى المفرد أمران؛ أحدهما: الرواية الثانية للبيت برفع "لي" وإنشاء بعضهم صدر البيت: "ونطعنهم تحت الحبا بعد ضربهم" فلا شيء فيه على هذه الرواية أيضا. وثانيهما: ما قاله ابن هشام نفسه -في المعنى- نقلا عن كتاب التمام لابن جني: "من أضاف حيث إلى المفرد أعربها؛ واستشهد بما رآه بخط الضابطين: أما ترى حيث سهيل، طالعا بفتح الثاء من "حيث"؛ وخفض سهيل؛ وحيث بالضم وسهيل بالرفع، أي موجود؛ فحذف الخبر. وفي الشاهد الذي نحن في صدده لم تعرب حيث؛ بل بقيت مبنية؛ وهذا ما يرجح إضافتها إلى الجملة لا إلى الاسم. انظر مغني اللبيب: 178. 1 القائل باسميتها: الفارسي وابن جني وابن السراج والجرجاني وآخرون، وقالوا: هي ظرف بمعنى "حين"؛ ولذا تسمى "لما الحينية"؛ وقيل: بمعنى "إذا" ورجحه ابن مالك في المغني؛ لأنها مختصة بالماضي، وفيها معنى الشرط. ويجب أن يكون شرطها وجوبها ماضيين عند الأكثرين، وتضاف إلى شرطها، وتنصب بجوابها. وعند سيبويه؛ هي حرف وجود لوجود لا محل لها. مغني اللبيب: 369، والتصريح: 2/ 39-40. 2 "إذا" ظرف غير جازم مبني دائما متضمن معنى الشرط غالبا، وتكون للزمان المستقبل كثيرا وللماضي قليلا، ووقوع الماضي، في جملة شرطها، أو جزائها؛ لا يخرجها عن الدلالة على المستقبل. ويقع شرطها وجوابها ماضيين، أو مضارعين أو مختلفين وناصبها: إما شرطها، فلا تضاف إلى ما بعدها؛ لأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف، وهذا رأي المحققين. وإما جوابها؛ فتكون مضافة إلى جملة الشرط، وهو المشهور. ويجوز أن يحذف المضاف إليه ويجيء التنوين عوضا عنه. تقول: من ينكر المعروف فليس إذًا يستحقه؛ أي: فليس إذا يجحده يستحقه. وتأتي "إذا" للمفاجأة فتختص بالجملة الاسمية؛ وهي حينئذ حرف على الأصح، نحو: خرجت فإذا محمد ينتظرني؛ وقيل: هي ظرف. 3 أما عندهما؛ فيجوز إضافتها إلى الجمل الاسمية تمسكا بظاهر قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ =

طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} 1؛ وأما نحو: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} 2، فمثل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} 3؛ وأما قوله4: [الطويل] 333- إذا باهلي تحته حنظلية5

_ = انْشَقَّتِ} ، قوله: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} وهاتان الآيتان مؤولتان بتقدير فعل مماثل للفعل المتأخر مفسر به، كما ذكر المصنف. مغني اللبيب: 127، والتصريح: 2/ 40، همع الهوامع: 1/ 206-207. 1 65 سورة الطلاق، الآية: 1. موطن الشاهد: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} . وجه الاستشهاد: دخول إذا على الجملة الفعلية، ومجيء فعل الشرط ماضيا، وجواب الشرط أمرا؛ وهذا الاختلاف في الصيغة بين فعل الشرط وجوابه جائز باتفاق، وشائع في اللغة. 2 84 سورة الانشقاق، الآية: 1. موطن الشاهد: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} . وجه الاستشهاد: استدل الأخفش والكوفيون بهذه الآية على جواز دخول إذا على الجملة الاسمية؛ والجمهور يعدونها داخلة على الجملة الفعلية -هنا- لأن "السماء" فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده، وما ذهب إليه الجمهور، هو الصواب؛ والذي سوغ للكوفيين والأخفش ما ذهبوا إليه كونهم لا يعدون إذا، وإن مختصتين بالجمل الفعلية. 3 9 سورة التوبة، الآية: 6. موطن الشاهد: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أحد" فاعلا لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده؛ والتقدير: وإن استجارك أحد استجارك ... وفي ذلك دلالة على دخول إن على الجملة الفعلية؛ وحكم دخولها على الجملة الفعلية الوجوب عند الجمهور، والجواز عند الكوفيين والأخفش. 4 القائل: هو الفرزدق، وقد مرت ترجمته. 5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: له ولد منها فذاك المذرع وهو من شواهد: التصريح: 2/ 40، والأشموني: 62/ 2/ 316، والعيني: 3/ 413، وهمع الهوامع: 1/ 207، والدرر اللوامع: 1/ 174، ومغني اللبيب: 118/ 127، والسيوطي: 94، وديوان الفرزدق: 514. =

فعلى إضمار "كان" كما أضمرت هي، وضمير الشأن في قوله1: [الطويل]

_ = المفردات الغريبة: باهلي: منسوب إلى باهلة؛ وهي قبيلة، من قيس عيلان، ويكثر الشعراء من ذمها، ومن ذلك: إذا قيل للكلب يا باهلي ... عوى الكلب من لؤم هذا النسب ومن ذلك قول الآخر: وما سأل الله عبد له ... فخاب ولو كان من باهله حنظلية: نسبة إلى حنظلة؛ وهي أكرم قبائل تميم، حتى ليقال: "حنظلة الأكرمون" المذرع: الذي أمه أشرف من أبيه. المعنى: إذا تزوج رجل من باهلة امرأة من حنظلة، وأتى منها بولد؛ فهو المذرع؛ أي الذي أمه أشرف من أبيه. الإعراب: إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، مبني على السكون، في محل نصب على الظرفية الزمانية. باهلي: اسم "كان" محذوفة وحدها. "تحته": متعلق بمحذوف خبر مقدم، والهاء: في محل جر بالإضافة. حنظلية: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وجملة "تحته حنظلية": في محل نصب خبر "كان" المحذوفة وحدها. ويجوز أن تكون كان محذوفة مع اسمها -ضمير الشأن- وعليه فباهلي: مبتدأ أول، وحنظلية: مبتدأ ثاني؛ وجملة "تحته حنظلية": في محل رفع خبر المبتدأ الأول؛ وجملة "باهلي تحته حنظلية": في محل نصب خبر كان المحذوفة مع اسمها؛ والأول أفضل. "له": متعلق بمحذوف خبر مقدم. "ولد": مبتدأ مؤخر؛ وجملة "له ولد": في محل رفع صفة لـ"باهلي". "منها": متعلق بمحذوف صفة لـ"ولد". "فذاك": الفاء واقعة في جواب الشرط، ذا: اسم إشارة مبني على السكون، في محل رفع مبتدأ، والكاف: للخطاب، لا محل لها من الإعراب. المذرع: خبر مرفوع؛ وجملة "ذاك المذرع": لا محل لها؛ لأنها جواب شرط غير جازم. موطن الشاهد: "إذا باهلي". وجه الاستشهاد: مجيء "باهلي" اسما لكان المحذوفة بعد "إذا"؛ لأن إذا لا يليها إلا الفعل لفظا أو تقديرا؛ ولم يعرب "باهلي" فاعلا لفعل محذوف؛ لأنه لم يأت بعده ما يفسره. واحتج الأخفش بهذا البيت على دخول إذا على الجملة الاسمية؛ والصواب ما ذهب إليه الجمهور؛ لما بينا. 1 القائل: هو قيس بن الملوح؛ والمعروف بمجنون ليلى، وقد مرت ترجمته. وقيل: هو عبد الله بن الدمينة؛ وقيل: هو عبد الله بن الصمة القشيري؛ وقيل: هو إبراهيم بن العباس الصولي.

334- ... فهلا نفس ليل شفيعها1

_ 1 تخريج الشاهد: هذا جزء من بيت، وهو بتمامه: ونبئت ليلى أرسلت بشفاعة ... إلي فهلا نفس ليلى شفيعها وينشد بعده قوله: أأكرم من ليلى علي فتبتغي ... به الجاه أم كنت امرأ لا أطيعها وهو من شواهد: التصريح: 2/ 4، والأشموني: 624/ 2/ 316، والخزانة: 1/ 463، 3/ 597، 4/ 498، 524، والعيني: 3/ 416، 4/ 457-478، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: 1220، والهمع: 2/ 67، والدرر: 2/ 83، والمغني: 117/ 103، 477/ 354، 572/ 404، 990/ 759، والسيوطي: 79، وديوان قيس: 195. المفردات الغريبة: نبئت: أخبرت. بشفاعة؛ الشفاعة: التوسل ابتغاء الخير. الشفيع: الذي يكون منه التوسل. المعنى: أخبرت أن ليلى أرسلت إلي شفيعا، يطلب مني العودة إلى الوصل والمودة؛ فهلا تقدمت بنفسها؛ لطلب ذلك، فإن هذا كان أجدى وأحق بالقبول. الإعراب: نبئت: فعل ماض مبني للمجهول، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل؛ وهو المفعول الأول في الأصل. ليلى: مفعول به ثان منصوب؛ وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر. أرسلت: فعل ماض مبني على الفتح، والتاء. للتأنيث؛ والفاعل: هي؛ وجملة "أرسلت": في محل نصب مفعولا به ثالثا لـ"نبئت"؛ لأنه يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل. بشفاعة: الباء حرف جر زائد، شفاعة: اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه مفعول به منصوب؛ وهو الأفضل. "إلي": متعلق بـ"أرسلت". فهلا: الفاء سببية، لا محل لها، هلا: حرف تحضيض، لا محل له من الإعراب. نفس: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. ليلى: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف، منع من ظهورها التعذر. شفيعها: خبر مرفوع، وهو مضاف، و"ها": في محل جر بالإضافة؛ ويجوز أن يكون "نفس ليلى" خبرا مقدما، و"شفيعها" مبتدأ مؤخرا؛ والأول أفضل؛ وعلى كل فجملة "نفس ليلى شفيعها": في محل نصب خبر كان المحذوفة مع اسمها ضمير الشأن؛ والتقدير: فهلا كان هو -أي الحال والشأن- نفس ليلى شفيعها. ويجوز أن نعرب -هنا- "نفس ليلى" فاعلا لفعل محذوف؛ والتقدير: فهلا شفعت نفس ليلى؛ وعلى هذا الوجه، من الإعراب، يكون قوله: "شفيعها" خبرا لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: هو شفيعها؛ والوجه الأول أفضل وأسهل. موطن الشاهد: "فهلا نفس ليلى". وجه الاستشهاد: حذف كان واسمها ضمير الشأن بعد "هلا"، ولم نعرب "نفس ليلى" =

[ما كان بمنزلة إذ وإذا فهو بمنزلتهما فيما يضافان إليه] : فصل: وما كان بمنزلة "إذ" أو "إذا"، في كونه اسم زمان مبهم لما مضى أو لما يأتي1، فإنه بمنزلتهما فيما يضافان إليه2؛ فلذلك تقول: "جئتك زمن الحجاج أمير"، أو "زمن كان الحجاج أميرا"؛ لأنه بمنزلة "إذ"3، و"آتيك زمن يقدم الحاج"؛ ويمتنع "زمن الحاج قادم" لأنه بمنزلة إذا4؛ هذا قول سيبويه، ووافقه الناظم في مشبه إذ دون مشبه إذا؛ محتجا بقوله تعالى: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} 5، وقوله:

_ = اسما لـ"كان المحذوفة" -كما في الشاهد السابق- لأن "شفيعها" اسم مفرد مرفوع، لا يصلح أن يكون خبرا لها إلا على وجه شاذ -رفع الجزأين بكان- وإذا لم يصلح قوله: "نفس ليلى" أن يكون اسم كان؛ لزم تقدير اسمها ضمير الشأن؛ والجملة بعد ذلك في محل نصب خبرها؛ وهلا من الأدوات التي لا يليها إلا الفعل؛ ولا يجوزو حذف كان -وحدها- كما في البيت السابق؛ لما ذكرنا. 1 قول المصنف: "لما مضى" راجع لوجه الشبه بإذ. وقوله: "أو لما يأتي" راجع لوجه الشبه بإذا. والمراد بالمبهم من الزمان: ما ليس محدودا؛ بألا يكون له أي اختصاص، كحين، ومدة، ووقت، وزمن، ولحظة، وبرهة، أو يكون له اختصاص من بعض النواحي؛ كغداة وعشية، وليل ونهار، وصباح ومساء. أما المحدود فهو: ما دل على عدد معين؛ كيومين، وأسبوع، وشهر، وسنة، أو وقت محدود؛ كأمس، وغد، وهذا لا يضاف إلى جملة. 2 فما يكون بمعنى "إذ" يجوز إضافته إلى الجملة بنوعيها بالشرط الذي ذكرناه وهو أن يكون معنى الجملة ماضيا أو مستقبلا محتم الوقوع، كما يجوز أن يضاف إلى المفرد، أو لا يضاف. وما يكون بمنزلة "إذا" يضاف إلى الجملة الفعلية؛ غير أن الإضافة في "إذ" و"إذا" واجبة، وفيما يكون بمنزلتهما جائزة. التصريح: 2/ 41. 3 فـ"زمن" في المثال الأول مضاف إلى جملة اسمية. وفي الثاني مضاف إلى فعلية. 4 أي: و"إذا" لا تضاف إلى الجمل الاسمية، فكذلك ما كان بمعناها. 5 51 سورة الذاريات الآية: 13. موطن الشاهد: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} . وجه الاستشهاد: إضافة "يوم" إلى الجملة الاسمية؛ ويوم مشبه إذا في الاستقبال، وإذا لا تضاف إلى الجملة الاسمية.

وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة1 وهذا ونحوه، مما نزل في المستقبل، لتحقق وقوعه، منزلة ما قد وقع ومضى2. [يجوز في الزمان المحمول على "إذا" أو "إذ" الإعراب على الأصل] : فصل: ويجوز في الزمان المحمول على "إذا" أو "إذ" الإعراب على الأصل، والبناء حملا عليهما3؛ فإن كان ما وليه فعلا مبنيا؛ فالبناء أرجح للتناسب؛

_ 1 هذا صدر بيت لسواد بن قارب الدوسي الصحابي، وعجزه قوله: بمغن فتيلا عن سواد بن قارب مر تخريج هذا البيت والتعليق عليه في باب "كان وأخواتها". موطن الشاهد: "يوم لا ذو شفاعة بمغن". وجه الاستشهاد: إضافة "يوم" إلى الجملة الاسمية -على رأي ابن مالك- مع أنه بمنزلة "إذا" في دلالته على المستقبل؛ ومعلوم أن إذا لا تضاف إلى الجملة الاسمية؛ وظاهر البيت رد على سيبويه الذي لا يجيز ذلك؛ والمذكور من الآية، وهذا البيت ونحوه -عند سيبويه- مما نزل في المستقبل؛ لتحقق وقوعه منزلة ما قد وقع ومضى؛ فيوم -فيه- مشبه إذ لا مشبه إذا؛ فلذلك أضيف إلى الجملة الاسمية؛ ولو كان الزمان محدودا كأسبوع، ويومين، وشهر؛ لم يضف إلى الجمل خلافا لبعض المغاربة. انظر شرح التصريح: 2/ 42. 2 أي فيكون "يوم" مشبها لإذ لا لإذا؛ لأن المراد من الماضي ما كان متحقق الوقوع، سواء عبر عنه بالماضي، أو بالمضارع. وهذا توجيه سيبويه، وهو رد على رأي الناظم. 3 "إذ" و"إذا" مبنيان دائما؛ لكونهما أشبها الحرف في الافتقار المتأصل إلى جملة؛ فإذا أضيف الظرف المبهم إلى جملة، وكان غير مستحق للبناء في ذاته؛ جاز فيه وجهان: الأول: الإعراب بحسب العوامل؛ نظرا إلى ما هو الأصل في الأسماء. الثاني: البناء على الفتح حملا على إذ وإذا؛ وقد اختلف النحاة في تعليل البناء؛ فمنهم من قال: علة بناء الظرف المبهم المضاف إلى جملة، هي الحمل على إذ أو إذا؛ ومنهم من قال: سبب بناء الظرف المبهم المضاف إلى جملة الاعتداد بالافتقار العارض لهذا الظرف، وتنزيل الافتقار العارض منزلة الافتقار المتأصل الذي أوجب البناء لـ"إذ" و"إذا" وللموصولات؛ ولما كان الافتقار عارضا وليس أصليا؛ فإنه لم يوجب البناء، ولكن جوزه؛ فجواز الإعراب منظور فيه إلى ما هو الأصل في الأسماء؛ ومنها هذا الظرف؛ =

كقوله1: [الطويل] 335- على حين عاتبت المشيب على الصبا2

_ = وجواز البناء منظور فيه إلى الشبه بين إذ أو إذا وهذا الظرف؛ وأن الجملة المضاف إليها، إن كان صدرها مبنيا قوي الشبه فلهذا كان البناء في هذه الحالة أرجح. حاشية يس على التصريح: 2/ 42. 1 القائل: هو النابغة الذبياني، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: وقلت ألما أصح والشيب وازع وهو من قصيدة يعتذر فيها للنعمان بن المنذر، وقبل الشاهد قوله: فكفكفت مني عبرة فرددتها ... على النحر منها مستهل ودامع والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 42، وسيبويه: 1/ 369، والمنصف: 1/ 58، وأمالي ابن الشجري: 1/ 46، 2/ 132، 164، وشرح المفصل: 3/ 16، 81، 4/ 91، 8/ 146. والإنصاف: 292، والمقرب: 63، والخزانة: 3/ 151، والعيني: 2/ 406، 4/ 357، والهمع: 1/ 218، والدرر: 1/ 187، والمغني: 910/ 672، والسيوطي: 298، وابن عقيل: 227/ 3/ 59، وديوان النابغة: 51. المفردات الغريبة: "على" الأولى بمعنى "في" والثانية للتعليل. عاتبت، العتاب: اللوم مع السخط وعدم الرضا. الصبا: الصبوة والميل إلى الهوى. أصح: أتنبه. وازع: زاجر، من وزع، أي زجر ونهى. المعنى: سال مني الدمع وانهمل وقت معاتبتي للشيب وقد حل بي بعد ذهاب زمان الصبوة والفتوة والانغماس في الشهوات، وقلت لنفسي موبخا إياها: كيف لا أصحو وأفيق من غفلتي واسترسالي في الشهوات، والشيب أكبر زاجر وواعظ!! الإعراب: "على حين": متعلق بـ"كفكفت" أو "بأسبل" أو بـ"رددتها" في بيت سابق؛ وحين: ظرف زمان مبني على الفتح في محل جر. عاتبت: فعل ماض، والتاء: في محل رفع فاعل؛ وجملة "عاتبت": في محل جر بالإضافة. المشيب: مفعول به منصوب. على الصبا": متعلق بـ"عاتبت". وقلت: الواو عاطفة، قلت: فعل ماض وفاعل. ألما: الهمزة حرف للاستفاهم الإنكاري، لما: نافية جازمة، لا محل لها من الإعراب. أصح: فعل مضارع مجزوم بـ"لما" وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، والفاعل: أنا. والشيب: الواو حالية، الشيب: مبتدأ مرفوع. وازع: خبر مرفوع؛ وجملة "الشيب وازع": في محل نصب على الحال. موطن الشاهد: "حين عاتبت". =

وقوله1: [الطويل] 336- على حين يستصبين كل حليم2 وإن كان فعلا معربا أو جملة اسمية؛ فالإعراب أرجح عند الكوفيين3،

_ = وجه الاستشهاد: ورود "حين" مبنيا على الفتح؛ لإضافته إلى مبني؛ هو الفعل الماضي المبني أصالة؛ فاكتسب البناء مما أضيف إليه. وورد بالخفض -على رواية- فيكون مجرورا بعلى معربا. 1 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: لأجتذبن منهن قلبي تحلما وهو من شواهد: التصريح: 2/ 42، والأشموني: 620/ 2/ 315، والعيني: 3/ 41، والهمع: 1/ 218، والدرر: 1/ 187، والمغني: 911/ 672، والسيوطي: 298. المفردات الغريبة: تحلما: التحلم: تكلف الحلم وتصنعه. يستصبين: يستملن ويجتذبن. حليم: عاقل رزين. المعنى: والله لأجتذبن قلبي وأشده إلى نفسي، من هؤلاء الفاتنات، متكلفا الحلم والكف عن الميل إلى الهوى؛ لأنهن يستملن إلى اللهو والصبوة كل عاقل. الإعراب: لأجتذبن: اللام واقعة في جواب قسم مقدر، تفيد التوكيد، أجتذبن: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، في محل رفع، والفاعل: أنا، والنون: لا محل لها من الإعراب. "منهن": متعلق بـ"أجتذب". قلبي: مفعول به لـ"أجتذب" والياء: في محل جر بالإضافة. تحلما: مفعول لأجله منصوب. "على حين": على: حرف جر، وحين: مفعول فيه ظرف زمان مبني على الفتح، في محل جر بعلى و"على حين": متعلق بأجتذب. يستصبين: فعل مضارع مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة؛ والنون في محل رفع فاعل، كل: مفعول به منصوب، وهو مضاف. حليم: مضاف إليه مجرور؛ وجملة "يستصبين كل حليم": في محل جر بالإضافة. موطن الشاهد: "على حين يستصبين". وجه الاستشهاد: مجيء "حين" مبنية على الفتح -على هذه الرواية- بسبب إضافتها إلى الفعل المضارع المبني؛ لاتصاله بنون النسوة؛ ومعلوم أن "حين" اكتسبت البناء من المضاف إليه المبني لا بالأصالة، وإنما بسبب اتصاله بنون النسوة، كما أسلفنا. 3 ووافق الأخفش الكوفيين في هذا؛ ومال إلى الأخذ برأيهم أبو علي الفارسي، وابن مالك، وهو يقول في هذا الصدد في الألفية: وقبل فعل معرب أو مبتدا أعرب ومن بنى فلن يفندا =

وواجب عند البصريين، واعترض عليهم بقراءة نافع1: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ} 2 بالفتح؛ وقوله3: [الوافر] 337- على حين التواصل غير دان4

_ = لن يفندا: لن يغلط بنائه الظرف الواقع قبل فعل مضارع أو جملة اسمية مؤلفة من مبتدأ وخبر. التصريح: 2/ 42. 2 5 سورة المائدة، الآية: 119. أوجه القراءات: قرأ نافع وابن محيصن: "يومَ" بالنصب، وقرأ الباقون: "يوم" بالرفع. توجيه القراءات: من رفع "يوم" جعله خبرا لـ"هذا"؛ وهذا إشارة إلى يوم القيامة؛ والجملة في محل نصب بالقول؛ فأما على قراءة النصب فـ"يومَ" ظرف للقول، وهذا: إشارة إلى القصص والخبر الذي تقدم. انظر المشكل: 1/ 254، والنشر: 2/ 247، والإتحاف: 204. موطن الشاهد: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ} . وجه الاستشهاد: مجيء "يومَ" مبنيا على الفتح -على قراءة نافع- فالفتح -هنا- فتح بناء؛ لا فتحة إعراب؛ لأن الإشارة إلى اليوم -كما في قراءة نافع- فلا يكون ظرفا؛ والتوفيق بين القراءتين أليق؛ وأجاب جمهور البصريين بأن الفتحة فيه فتحة إعراب؛ مثلها مثل: صمت يوم الخميس؛ والتزموا لأجل ذلك أن تكون الإشارة، ليست لليوم، وإلا لزم كون الشيء ظرفا لنفسه؛ وإنما هي للمذكور من قبل؛ من كلامه مع عيسى وكلام عيسى معه -أي هذا المذكور كائن في هذا اليوم. انظر شرح التصريح: 2/ 442 وضياء السالك: 2/ 319. 3 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: تذكر ما تذكر من سليمى وهو من شواهد: التصريح: 2/ 42، والشذور: 26/ 119، والأشموني: 622/ 2/ 315، والعيني: 3/ 411، والهمع: 1/ 218، والدرر: 1/ 187. المفردات الغريبة: التواصل: المواصلة وترك القطيعة والهجر. دان قريب. المعنى: تذكر، وأعاد إلى مخيلته، وذاكرته، ما كان بينه، وبين سليمى؛ وأبهم المذكور تعظيما له وتفخيما في وقت لا ينتظر فيه قرب الوصال، والتقرب بينهما. الإعراب: تذكر: فعل ماض، والفاعل: هو. ما: اسم موصول بمعنى "الذي" في محل =

[شروط إضافة "كلا" و"كلتا"] : فصل: مما يلزم الإضافة "كلا" و"كلتا"1، ولا يضافان إلا لما استكمل ثلاثة شروط: أحدها: التعريف2؛ فلا يجوز "كلا رجلين"، ولا "كلتا امرأتين" خلافا للكوفيين.

_ = نصب مفعولا به. تذكر: فعل ماض، والفاعل: هو؛ وجملة "تذكر": صلة للموصول، لا محل لها؛ وعائد الاسم الموصول محذوف؛ والتقدير: تذكره. "من سليمى": متعلق بمحذوف حال من "ما" الموصولة؛ والتقدير: تذكر الذي تذكره حال كونه من شئون سليمى. "على حين": متعلق بـ"تذكر" الأول؛ وحين: اسم مجرور بعلى؛ وعلامة جره الكسرة الظاهرة؛ ويروى بالفتح؛ فيكون مبنيا على الفتح، في محل جر بعلى. التواصل: مبتدأ مرفوع. غير: خبر مرفوع، وهو مضاف. دان: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الياء المحذوفة؛ للتخلص من التقاء الساكنين، منع من ظهورها الثقل؛ وجملة "التواصل غير دان": في محل جر بالإضافة. موطن الشاهد: "على حين التواصل ... ". وجه الاستشهاد: مجيء "حين" مبنيا على الفتح -على هذه الرواية- في محل جر بـ"على" مع إضافته إلى الجملة الاسمية "التواصل غير دان"؛ وفي هذا رد على البصريين الذين يمنعون البناء في هذه الحالة؛ وإن كان الإعراب -هنا- أكثر. ومثل هذا الشاهد قول مبشر بن الهذيل الفزاري: ألم تعلمي يا عمرك الله أنني ... كريم على حين الكرام قليل الفتح في "حين". انظر شرح التصريح: 2/ 42، والأشموني: 621/ 2/ 315. 1 أي: الإضافة لفظا ومعنى؛ وكلا، وكلتا؛ لفظان مثنيان معنى، يدلان على اثنين واثنتين، ويجوز في خبرهما، وفي كل ما يحتاج إلى المطابقة بينه وبينهما مراعاة اللفظ؛ وهو الأفصح، ومراعاة المعنى. 2 لأنهما عند التحقيق، يدلان على توكيد ما يضافان إليه، والبصريون من النحاة، لا يجيزون توكيد النكرة سواء أفاد توكيدها، أم لم يفد، فأما الكوفيون فإنهم يجيزون ذلك؛ ولهذا لم يشترطوا هذا الشرط، وأجازوا إضافتهما إلى نكرة مختصة؛ وذلك، لجواز توكيدها، تقول: حضر كلا رجلين عالمين، وكلتا امرأتين شاعرتين، والأحسن الأخذ بهذا الرأي. مغني اللبيب: 269، والتصريح: 2/ 42.

والثاني: الدلالة على اثنين1؛ إما بالنص؛ نحو: "كلاهما" و"كلتا الجنتين"2، أو بالاشتراك؛ نحو قوله3: [الطويل] 338- كلانا غني عن أخيه حياته4

_ 1 أي: شيئين مذكرين، أو مؤنثين. واشترط ذلك؛ لأن الفرض منهما تقوية التثنية في المضاف إليه، وتأكيدها، ولا بد من أن يطابق التأكيد المؤكد. 2 18 سورة الكهف، الآية: 33. موطن الشاهد: "كلتا الجنتين". وجه الاستشهاد: دلالة "كلتا" على اثنتين بالنص المظهر "الجنتين"؛ ومعلوم أن "الجنتين" مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه مثنى. 3 هو: عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب؛ أحد شجعان الطالبيين وأجوادهم وشعرائهم، طلب الخلافة في أواخر دولة بني أمية، وبايعه الكثير من أهل المدائن، قاتله أبو مسلم الخراساني، وقبض عليه، وقيل: قتله، وقيل: مات في سجنه، وذلك سنة 131هـ، الأعلام: 4/ 139، الطبري "ط. المكتبة التجارية": 5/ 599، سرح العيون: 193. تخريج الشاهد: هذا صدر بيت يخاطب فيه الشاعر الحسين بن عبد الله أحد أصدقائه، بعد أن تهاجرا، وعجزه قوله: ونحن إذا متنا أشد تغانيا وقد نسبه ابن الأعرابي إلى الأبيرد الرياحي، ونسبه القالي إلى سيار بن هبيرة بن ربيعة. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 43، والأشموني: 226/ 2/ 316 والمغني: 370/ 270، والسيوطي: 189، واللسان "غنا" ونسبه لمغيرة بن حبناء. المعنى: كل منا مستغنٍ بنفسه عن الآخر في هذه الحياة؛ وإذا ما متنا يكون كل واحد منا أكثر استغناء عن صديقه. الإعراب: كلانا: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الألف؛ لأنه ملحق بالمثنى، ونا: في محل جر بالإضافة. غني: خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. "عن أخيه": متعلق بـ"غني" والهاء: في محل جر بالإضافة. "حياته": متعلق بـ"غني" والهاء: في محل جر بالإضافة. ونحن: الواو عاطفة، نحن: في محل رفع مبتدأ. إذا: ظرف متضمن معنى الشرط، مبني على السكون، في محل نصب على الظرفية الزمانية. متنا: فعل ماض، ونا: في محل رفع فاعل؛ وجملة "متنا": في محل جر بالإضافة؛ وجواب الشرط محذوف؛ و"جملة الشرط": اعتراضية، لا محل لها. أشد: خبر مرفوع. تفانيا: تمييز منصوب. =

فإن كلمة "نا" مشتركة بين الاثنين والجماعة. وإنما صح قوله1: [الرمل 339- إن للخير وللشر مدى ... وكلا ذلك وجه وقبل2

_ = موطن الشاهد: "كلانا". وجه الاستشهاد: إضافة "كلا" إلى الضمير المتصل "نا"؛ وهو لفظ مشترك، يدل على الاثنين والجماعة؛ فصحت إضافة "كلا" إليه؛ ومعلوم أن دلالة "نا" على الاثنين، من دلالة المشترك على أحد معانيه. 1 القائل: هو عبد الله بن الزبعرى بن قيس السهمي القرشي، أبو سعد، شاعر قريش في الجاهلية. كان شديدا على المسلمين، إلى أن فتحت مكة؛ فهرب إلى نجران، فقال فيه "حسان" أبياتا، فلما بلغته، عاد إلى مكة، فأسلم، واعتذر، ومدح النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر له بحلة. الجمحي: 1/ 235، والأغاني: 1/ 4/ 14، سمط اللآلي: 387. 2 تخريج الشاهد: هذا بيت من كلمة، قالها بعد غزوة أحد يتشفى بالمسلمين، وكان وقتئذ، لا يزال على جاهليته. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 43، والأشموني: 627/ 2/ 317، وابن عقيل: 228/ 3/ 62، والهمع: 2/ 50، والدرر: 2/ 61، والسيرة: 616، وشرح المفصل: 3/ 2، والمقرب: 45، والمغني: 366/ 268، والسيوطي: 187. المفردات الغريبة: مدى، المدى: غاية الشيء ونهايته. وجه: جهة، ومستقبل كل شيء وجهه. قبل، القبل: المحجة الواضحة. وضبطه بعضهم "قبَل" بكسر القاف وفتح الباء: جمع قبله. المعنى: إن للخير، وللشر غاية ونهاية ينتهيان إليها، ويقفان عندها؛ وكلاهما أمر معروف، يستقبله الإنسان، ويعرفه كما يستقبل الوجه؛ أو إن كليهما بمثابة القبلة التي يتوجه إليها المصلي. الإعراب: إن: حرف مشبه بالفعل. "للخير": متعلق بمحذوف خبر مقدم لـ"إن". وللشر: الواو عاطفة، "للشر": معطوف على "للخير" السابق. مدى: اسم "إن" مؤخر، منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف المحذوفة؛ لالتقاء الساكنين، منع من ظهورها التعذر. وكلا: الواو عاطفة، كلا: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف؛ منع من ظهورها التعذر، وهو مضاف. ذلك: ذا اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالإضافة، واللام للبعد، والكاف للخطاب، لا محل لها من الإعراب. وجه: خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره. وقبل: الواو عاطفة، قبل: اسم معطوف على "وجه" مرفوع مثله، وسكن لضرورة القافية. موطن الشاهد: "كلا ذلك". وجه الاستشهاد: إضافة "كلا" إلى مفرد لفظا، مثنى معنى؛ وهو ذلك؛ لكونه عائدا على اثنين هما: الخير والشر.

لأن "ذا" مثناة في المعنى؛ مثلها في قوله تعالى: {لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} 1؛ أي: وكلا ما ذكر، وبين ما ذكر. والثالث: أن يكون كلمة واحدة2؛ فلا يجوز "كلا زيد وعمرو" فأما قوله3: [البسيط] 340- كلا أخي وخليلي واجدي عضدا4 فمن نوادر الضرورات

_ 1 2 سورة البقرة، الآية: 68. موطن الشاهد: "بين ذلك". وجه الاستشهاد: دلالة "ذلك" على ما ذكر؛ أي: بين الفارض والبكر؛ والفارض: المسنة، والبكر: الفتية، والعوان: ما كانت وسطا، فليست بالبكر ولا بالفارض. 2 فلا يضافان إلى كلمتين متفرقتين؛ لأنهما موضوعان لتأكيد المثنى. 3 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: في النائبات وإلمام الملمات وهو من شواهد: التصريح: 2/ 43، والأشموني: 628/ 2/ 317، وابن عقيل: 229/ 3/ 63، والعيني: 3/ 319، والهمع: 2/ 50، والدرر: 2/ 61، والمغني: 367/ 269، والسيوطي: 188. المفردات الغريبة: الخليل: الصديق. عضدا: سندا يعتمد عليه ويركن إليه عند الشدائد. النائبات: المصائب التي تنوب الإنسان؛ جمع نائبة. إلمام: نزول مصدر ألم؛ أي نزل. الملمات: نوازل الدهر وحوادثه، جمع ملمة. المعنى: كل من أخي وصديقي، يجدني عند حلول المصائب والشدائد، ونزول حوادث الدهر ونوائبه، معينا وركنا قويا، يستند إليه؛ ويجدني ناصرا ومساعدا له في الملمات. الإعراب: كلا: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف؛ منع من ظهورها التعذر، وهو مضاف. أخي: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على ما قبل الياء، وهو مضاف، والياء: في محل جر بالإضافة. وخليلي: الواو عاطفة، خليل: معطوف على "أخي" وهو مضاف، والياء: مضاف إليه. واجدي: خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل الياء؛ منع من ظهورها اشتغال المحل، بحركة المناسبة، وهو مضاف، والياء: مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله؛ وهي في =

["أي" وإضافتها إلى النكرة مطلقا] : ومنها "أي": وتضاف للنكرة مطلقا؛ نحو: "أي رجل"، و"أي رجلين"، و"أي رجال"؛ وللمعرفة، إذا كانت مثناة، نحو: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ} 1، أو مجموعة؛ نحو {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} 2 ولا تضاف إليها مفردة إلا إن كان بينهما3 جمع مقدر4؛ نحو "أي زيد أحسن"؛ إذ المعنى أي أجزاء زيد أحسن؛ أو عطف عليها مثلها بالواو5.

_ = محل نصب مفعوله الأول. عضدا: مفعول به ثان لاسم الفاعل "واجد"؛ وهو الأفضل؛ ويجوز إعرابه حالا على تأويله بمساعد أو معين. "في النائبات": متعلق بواجدي. وإلمام: الواو عاطفة، إلمام: اسم معطوف على النائبات مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة، وهو مضاف. "الملمات" مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. موطن الشاهد: "كلا أخي وخليلي". وجه الاستشهاد: إضافة "كلا" إلى متعدد مع التفريق بالعطف "أخي وخليلي" وحكم هذه الإضافة الشذوذ مع الندرة. فائدة: "أ" لا تضاف "كلا وكلتا" إلى شيء من الضمائر سوى "نا" و"الكاف" المتصلة بالميم والألف، والهاء كذلك؛ نحو: كلانا، وكلاكما، وكلاهما؛ وكذلك كلتا. فائدة: "ب" أجاز ابن الأنباري إضافة "كلا" إلى المفرد بشرط تكررها؛ نحو: كلاي، وكلاك فحسنان، شرح التصريح: 2/ 43. 1 6 سورة الأنعام، الآية: 81. موطن الشاهد: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ} . وجه الاستشهاد: إضافة "أي" إلى المعرفة؛ لأنها مثناة؛ وحكم هذه الإضافة الجواز. 2 67 سورة الملك، الآية: 2. موطن الشاهد: {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ} . وجه الاستشهاد: إضافة "أي" إلى "كم" ضمير الجمع؛ وهو معرفة؛ وحكم هذه الإضافة الجواز. 3 أي: بين "أي" وبين المعرفة المفردة. 4 أي: لفظ يدل على جمع؛ وهو أجزاء في المثال المذكور في المتن، أو قصد الجنس بالمضاف إليه؛ نحو: أي الدينار دينارك؛ وأي الكسب كسبك. 5 أي: تكررت بعطف معرفة مفردة على الأولى بالواو خاصة، ولا يشترط إضافة الأولى منهما إلى ضمير المتكلم خلافا لبعضهم؛ فيصح أن يقال: أيك وأي محمد أفقه؟ وأي علي وأي محمد أفضل؟ انظر حاشية يس على التصريح: 2/ 44، وضياء السالك: 2/ 324.

كقوله1: [الكامل] 341- أيي وأيك فارس الأحزاب2 إذ المعنى: أينا.

_ 1 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: فلئن لقيتك خاليين لتعلمن وهو من شواهد: التصريح: 2/ 44، والأشموني: 630/ 2/ 317، واللسان "سوا" وقال هو تحريف وصوابه: الأجراف. المفردات الغريبة: خاليين: منفردين ليس معنا أحد. الأحزاب: جمع حزب وهو الجماعة من الناس أمرهم واحد. المعنى: يتوعد الشاعر محدثه قائلا: إذا تقابلنا منفردين ليس معنا أحد، ونزل كل منها إلى صاحبه، فستعلم أينا الفارس المغوار الذي لا ينازعه أحد. الإعراب: لئن: اللام موطئة القسم، إن: حرف شرط جازم. لقيتك: فعل ماض مبني على لاسكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: فاعل، والكاف: في محل نصب مفعولا به؛ ولقي في محل جزم فعل الشرط. خاليين: حال منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه مثنى، والنون: عوض عن التنوين في الاسم المفرد. لتعلمن: اللام واقعة في جواب القسم، تعلم: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، والفاعل: أنت؛ وجملة "تعلمن": جواب القسم، لا محل لها؛ وجواب الشرط محذوف؛ لدلالة جواب القسم عليه. أيي: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، وهو مضاف، والياء: في محل جر بالإضافة. وأيك: الواو عاطفة، أي: اسم معطوف على "أي" مروفع مثله، وهو مضاف، والكاف: في محل جر بالإضافة. فارس: خبر مرفوع، وهو مضاف. الأحزاب: مضاف إليه مجرور؛ وجملة "أيي وأيك فارس الأحزاب": سدت مسد مفعولي "تعلم". موطن الشاهد: "أيي وأيك". وجه الاستشهاد: إضافة "أي" إلى مفرد معرفة "ياء المتكلم" والذي سوغ هذه الإضافة تكرارها بعطف مثلها عليها بالواو؛ ولولا هذا التكرار، لم تجز إضافة "أي" إلى المعرفة المفردة. =

[لا تضاف "أي" الموصولة إلا إلى معرفة] : ولا تضاف "أي"1 الموصولة إلا إلى معرفة؛ نحو: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ} 2؛ خلافا لابن عصفور3، ولا "أي" المنعوت بها والواقعة حالا إلا لنكرة4؛ كـ"مررت بفارس أي فارس"، و"بزيد أي فارس". ["أي" الاستفهامية والشرطية تضافان إلى المعرفة والنكرة] : وأما الاستفهامية والشرطية، فيضافان إليهما؛ نحو: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} 5 {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ} 6، {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ} 7؛ وقولك "أي رجل جاءك

_ = فائدة: ثني الحال "خاليين"؛ لأن أصل الكلام: لقيتك خاليا وخاليا؛ فلما تعدد الحال، وكان لفظ الحالين واحدا، ومعناهما واحدا، والعامل المسلط عليهما واحدا؛ ثني الحال. 1 لأنه يراد بها معين، والصلة لا تستقل بذلك مع أي؛ لتوغلها في الإبهام؛ فلا بد من إضافتها إلى معرفة، ولا بد من أن تدل المعرفة على متعدد أو يعطف مثلها بالواو. 2 19 سورة مريم، الآية: 69. موطن الشاهد: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ} . وجه الاستشهاد: إضافة "أي" التي بمعنى الذي إلى "هم"؛ وهو معرفة؛ لأن الضمير من أعرف المعارف؛ ولا تجوز إضافة "أي" إلى غير المعرفة عند الجمهور. 3 مرت ترجمته؛ وابن عصفور؛ أجاز إضافة "أي" الموصولة إلى نكرة. 4 أي: في الغالب؛ لأن صفة النكرة، والحال ينبغي أن يكونا نكرتين؛ وينبغي أن تكون هذه النكرة مماثلة للموصوف لفظا ومعنى، أو معنى فقط؛ كما مثل المؤلف. شرح التصريح: 2/ 44. 5 27 سورة النمل، الآية: 38. موطن الشاهد: {أَيُّكُمْ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أي" اسم استفهام مضافا إلى معرفة؛ "ضمير المخاطب الجمع" وحكم إضافة "أي" الاستفهامية إلى المعرفة الجواز. 6 28 سورة القصص، الآية: 28. موطن الشاهد: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أي" الشرطية مضافة إلى معرفة؛ وحكم إضافتها إلى المعرفة الجواز. 7 7 سورة الأعراف، الآية: 185. موطن الشاهد: {بِأَيِّ حَدِيثٍ} . =

فأكرمه1. [خصوصيات "لدن"] : ومنها "لدن"2 بمعنى عند؛ إلا أنها تختص بستة أمور: أحدها: أنها ملازمة لمبدأ الغايات3، فمن ثم يتعاقبان4 في نحو: "جئت من

_ = وجه الاستشهاد: مجيء "أي" الاستفهامية مضافة إلى حديث؛ وهو نكرة؛ وحكم إضافة "أي" الاستفهامية إلى النكرة الجواز. 1 لأي ثلاثة أحوال، هي: أ- الإضافة إلى النكرة والمعرفة -إن كانت أي شرطية أو استفهامية- وتضاف إلى النكرة مطلقا؛ سواء أكانت لمتعدد أم لغير متعدد، وهي في هاتين الحالتين بمعنى المضاف إليه كاملا؛ ولذا تكون بمعنى "كل"؛ ويشترط في المعرفة أن تكون لمتعدد، وتكون معها بمعنى "بعض"، ويجوز قطعها عن الإضافة؛ فمثال الشرطية، قوله تعالى: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} ، ومثال الاستفهامية قولك: أكرمت رجلا، فيقال لك: أيا يا فتى؟. ب- الإضافة إلى النكرة في "أي" الوصفية والحالية، ومعنى الوصفية؛ الدلالة على بلوغ الموصوف الغاية مدحا أو ذما. ويشترط أن تكون النكرة مماثلة للموصوف لفظا ومعنى، أو معنى فقط. والوصفية لا تكرر، ولا تنوى بها الأجزاء. وتدل الحالية على ما تدل عليه الحال؛ من بيان هيئة صاحبها المعرفة. ج- الإضافة إلى المعرفة في "أي" الموصولة؛ التي بمعنى الذي؛ ويشترط في المعرفة أن تدل على متعدد بالإضافة، أو بالعطف بالواو على مثل المتقدم، كما سبق بيانه، ويراعى لفظها في المطابقة، وقد تقطع عن الإضافة لفظا؛ نحو: أكرم أيا هو أفضل. ضياء السالك: 2/ 325-326، وشرح التصريح: 2/ 45، ومغني اللبيب: 107. 2 هي ظرف مبهم، يدل على بدء الغاية الزمانية، أو المكانية. والمراد بالغاية: ما يدل عليه الكلام بعدها من المقدار الزمني، أو المسافة المكانية، من حيث يكون البدء بها، وتجر ما بعدها بالإضافة لفظا إن كان معربا، ومحلا إن كان مبنيا أو جملة. 3 أي: أول المسافات المكانية، أو المقادير الزمانية، فمسماها نقطة البداية ودخول "من" التي للابتداء عليها؛ لتدل على هذا المعنى المراد منها؛ لأنه غير مألوف في الأسماء. أما "عند" فتكون لمبدأ الغايات كثيرا، وللدلالة على الحضور المجرد؛ نحو: جلست عندك. ويندر أن يقال: جلست لدنك. وإنما تكون "عند" لابتداء الغاية كثيرا إذا دخلت عليها "من" الابتدائية؛ فإن لم تدخل عليها "من" كانت للدلالة على مجرد الحضور. المغني: 208، والتصريح: 2/ 45، والهمع: 1/ 214-215. 4 أي: يتداولان على شيء واحد.

عنده" و"من لدنه" وفي التنزيل: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} 1، بخلاف نحو: "جلست عنده"؛ فلا يجوز فيه "جلست لدنه" لعدم معنى الابتداء هنا2. الثاني: أن الغالب استعمالها مجرورة بمن3. الثالث: أنها مبنية4 إلا في لغة قيس5؛ وبلغتهم قرئ: {مِنْ لَدُنْهُ} 6. الرابع: جواز إضافتها إلى الجمل7؛ كقوله8: [الطويل]

_ 1 18 سورة الكهف، الآية: 65. موطن الشاهد: "من عندنا، من لدنا". وجه الاستشهاد: مجيء "لدنا" دالة على مبدأ الغاية في الآية الكريمة. مجيء "عندنا" دالة على مبدأ الغاية في الآية الكريمة. 2 لأن المقصود: جلست في مكان قريب منه. 3 فتكون مبنية على السكون في محل جر، ولم ترد في القرآن الكريم إلا كذلك. ومن القليل تجردها للظرفية، وحينئذ تكون مبنية على السكون في محل نصب أما "عند" فتنصب كثيرا على الظرفية، أو تجر بمن. وجرها بمن -على كثرته- قليل بالنسبة لجر "لدن" بها. 4 بخلاف "عند" فإنها معربة، عند أكثر العرب. 5 فإنها معربة عندهم تشبيها بعند، وإعرابها عندهم مخصوص بالمشهور فيها وهو "لدن" وقد سكنت الدال للتخفيف مع الإشمام بالضمة، والأصل ضمها. 6 18 سورة الكهف، الآية: 65. أوجه القراءات: قرأ أبو بكر عن عاصم: لينذر بأسا شديدا من "لدنه" بإسكان الدال وإشمامها الضم، وكسر النون والهاء، ووصلها بياء في الوصل. موطن الشاهد: {مِنْ لَدُنْهُ} . وجه الاستشهاد: جر "لدن" بمن تشبيها لها بـ"عند" على قراءة أبي بكر عن عاصم؛ غير أنه ورد في أمالي ابن الشجري: "وزعم الفارسي: أن "لدن" في الآية على هذه القراءة مبنية، والكسرة للتخلص من الساكنين؛ سكون الدال، والنون؛ لأجل بناء "لدن"؛ فظهر بذلك أن "لدن" مبنية دائما بخلاف عند. انظر شرح التصريح: 2/ 46. 7 وإذا أضيفت إلى الجملة، تمحضت للدلالة على بداية الغاية الزمانية دون المكانية؛ لأن الأرجح أنه لا يضاف إلى الجملة من ظروف المكان غير "حيث" كما تقدم. 8 القائل: هو القطامي؛ عمير بن شييم بن عمرو التغلبي، يكنى أبا سعيد. وهو ابن أخت =

342- لدن شب حتى شاب سود الذوائب1

_ = الأخطل النصراني، شاعر فحل من شعراء الغزل، كان حسن التشبيب رقيقه حتى سمي صريع الغواني، أسره زفر بن الحارث ثم من عليه وفداه من قيس، حين أراد قتله؛ فأكثر لذلك، من مدحه، ثم أسلم القطامي، وترك النصرانية، ومات سنة 130هـ. الشعر والشعراء: 2/ 723، والجمحي: 2/ 535، والأغاني: 20/ 118، والخزانة 1/ 391. 1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: صريع غوان شاقهن وشقنه ويروى قبل الشاهد قوله: لمستهلك قد كاد من شدة الهوى ... يموت ومن طول العدات الكواذب والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 46، والأشموني: 634/ 2/ 318، والعيني: 3/ 427، والهمع: 1/ 215، والدرر: 1/ 184، وأمالي ابن الشجري: 1/ 233، ومغني اللبيب: 283/ 208، والسيوطي: 156، والخزانة: 3/ 188، 189، وديوان القطامي: 50. المفردات الغريبة: صريع: مصروع، وهو المطروح على الأرض. غوان: جمع غانية؛ وهي المرأة الحسناء التي استغنت بجمالها عن التزين. راقهن: أعجبهن، ويروى: شاقهن؛ أي: بعث الشوق في أنفسهن. الذوائب: جمع ذؤابة؛ وهي الضفيرة من الشعر. المعنى: أن هذا المخاطب مصروع ومغلوب على أمره، بسبب هؤلاء الغانيات الفاتنات اللاتي تعلقن به، وقد أعجب وتعلق بهن منذ نشأ، حتى شابت ذوائبه. الإعراب: صريع: فيه روايتان؛ الجر على أنه بدل من "مستهلك" في البيت السابق، ويجوز فيه الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، وهو مضاف. الغواني: مضاف إليه مجرور. شاقهن: فعل ماض، مبني على الفتح، والفاعل: هو، و"هن": في محل نصب مفعولا به. وشقنه: الواو عاطفة، شاق: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة، والنون: في محل رفع فاعل، والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعولا به. "لدن": ظرف زمان مبني على السكون، في محل نصب، وهو متعلق بشاقهن؛ أو شقنه؛ لتنازعهما العمل فيه. شب: فعل ماض، والفاعل: هو، يعود على صريح الغواني؛ وجملة "شب": في محل جر بالإضافة؛ لإضافة "لدن" إليها. حتى: حرف غاية وجر، لا محل له من الإعراب. شاب: فعل ماض مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب. سود: فاعل "شاب" مرفوع، وهو مضاف. الذوائب: مضاف إليه؛ من =

الخامس: جواز إفرادها قبل "غدوة"1 فتنصبها: إما على التمييز2؛ أو على التشبيه بالمفعول به3؛ أو على إضمار "كان" واسمها4، وحكى الكوفيون رفعها على إضمار "كان" تامة5؛ والجر القياس والغالب في الاستعمال6.

_ = إضافة الصفة إلى موصوفها؛ "والمصدر المؤول من أن المصدرية -المقدرة بعد حتى- وما دخلت عليه": في محل جر بـ"حتى"؛ و"الجار والمجرور": متعلق بـ"شاقهن"؛ أو شقنه، وتقدير الكلام: شاقهن وشقنه من وقت شبابه إلى وقت شيب ذوائبه. موطن الشاهد: "لدن شب". وجه الاستشهاد: إضافة "لدن" إلى جملة "شب"؛ وقد دلت -هنا- على بداية الغاية الزمانية؛ وحكم إضافتها إلى الجمل الجواز. 1 أي: قطعها عن الإضافة لفظا ومعنى، من غير أن يفصل بينهما فاصل؛ ومن ذلك قول أبي سفيان بن الحارث يوم أحد: وما زال مهري مزجر الكلب منهم ... لدن غدوة حتى دنت لغروب الهمع: 1/ 215، والدرر اللوامع: 1/ 184-185، وشرح التصريح: 2/ 46. 2 أي: لـ"لدن"؛ لأن نونها تشبه التنوين، ويكون من تمييز المفرد سماعا؛ لأنها اسم لأول زمن مبهم، ففسر بـ"غدوة". وانظر شرح التصريح: 2/ 47. 3 لأن "لدن" تشبه اسم الفاعل؛ لكون نونها، تثبت تارة، وتحذف أخرى مثله. 4 فتكون "غدوة" خبرا؛ وأصل الكلام -على هذا: لدن كان الوقت غدوة؛ وهذا الوجه حسن؛ لبعده عن التكلف، ولأن فيه إبقاء "لدن" على ما ثبت لها من الإضافة إلى الجملة. شرح التصريح: 2/ 47. 5 فتكون "غدوة" فاعلا لـ"كان" التامة المضمرة؛ والتقدير -على هذا: لدن كانت غدوة؛ أي: وجدت وظهرت؛ وعليه، تكون "لدن" ظرفا مضافا إلى الجملة تقديرا؛ وقال بعضهم: "غدوة" مرفوع بـ"لدن" لشبهها بالفاعل، كما عملت "يا" في المنادى؛ لنيابتها عن "أدعو"؛ ونسب هذا القول إلى ابن جني، وقال المرادي: فظاهره أنها مرفوعة بـ"لدن"، وقال الزرقاني: "ولا مانع من ذلك؛ لأنها كما تنصب على التشبيه بالمفعول، ترفع عليه". انظر حاشية يس على التصريح: 2/ 47. 6 أي: بإضافة "لدن" إليها، كما تجر سائر الظروف. أما "عند" فلا ينقطع عن الإضافة، إلا إذا كان اسما محضا، وبَعد عن الظرفية؛ هذا فلا ينصب بعد "لدن" من الأسماء إلا غدوة، ولا تكون إلا منونة؛ أما "عند" فلا ينصب بعدها شيء من المفردات. شرح التصريح: 2/ 47.

السادس: أنها لا تقع إلى فضلة1؛ تقول "السفر من عند البصرة"2 ولا تقول "من لدن البصرة". [مع وحالاتها] : ومنها "مع": وهو اسم لمكان الاجتماع3، معرف، إلا في لغة ربيعة وغنم4 فتبنى على السكون؛ كقوله5: [الوافر] 343- فريشي منكم وهواي معكم6

_ 1 لأنها ظرف غير متصرف؛ فهي مقصورة على النصب على الظرفية، أو الجر بمن. أما "عند" فلا. 2 فالجار والمجرور خبر عن السفر. هذا، وتأتي "عند" ظرفا للأعيان والمعاني؛ تقول: هذا القول عندي صواب، وعند فلان علم به؛ ويندر ذلك في "لدى". قيل: ومنه قوله تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} . وتقول: عندي مال؛ وإن كان غائبا عنك. ولا تقول: لدي مال إلا إذا كان حاضرا. 3 هي ظرف مكان أو ظرف زمان، يدل على اجتماع والتقاء بين اثنين في مكان واحد، أو زمان واحد، وإرادة المكان أو الزمان توضحه القرائن. مثال دلالته على المكان: التواضع مع الغنى كرم نفس؛ ومثال الزمان، يذهب الفلاح إلى الحقل مع الصباح الباكر؛ وهي حينئذ ظرف غير متصرف، ملازم في الغالب، للإضافة لفظا ومعنى، معرب منصوب على الظرفية. ولأنها اسم؛ يخبر بها عن الذوات، تقول: محمد معك. وتأتي بمعنى "عند فتفيد الحضور المجرد، ولا تدل على اجتماع ومصاحبة، وتكون حينئذ معربة مضافة. واجبة الجر بمن الابتدائية؛ نحو: من أراد البذل، فلينفق من معه، لا من مع غيره. 4 ربيعة: إحدى قبيلتين عظيمتين تفرعت إليهما العرب العدنانية، والثانية مضر؛ وربيعة أو القبيلة. وغنم: قبيلة؛ أبوها ورئيسها غنم بن تغلب بن وائل. 5 القائل: هو جرير بن عطية الشاعر الأموي، وقد مرت ترجمته. انظر شرح التصريح: 2/ 47-48. 6 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت من قصيدة يمدح فيها هشام بن عبد الملك بن مروان، وعجزه قوله: وإن كانت مودتكم لماما وقد نسب الأعلم، هذا البيت إلى الراعي النميري؛ وهو من شواهد: التصريح: 2/ 48، 190، والأشموني: 636/ 2/ 320، وابن عقيل: 234/ 3/ 70، وسيبويه: 2/ 45، =

.............................................

_ = وأمالي ابن الشجري: 1/ 245، 2/ 234، وشرح المفصل: 1/ 128، 5/ 138، والعيني: 3/ 432، وديوان جرير: 506. المفردات الغريبة: الريش: اللباس الفاخر؛ ومثله الرياش، أو المال والخصب ونحوهما، هواي، الهوى: الميل القلبي. لماما: أي في بعض الأحايين وقتا بعد وقت. المعنى: كل ما عندي من لباس فاخر، أو مال وفير، أو عيش خصب؛ هو من تفضلكم علي، وأنا محب لكم، وقلبي متعلق بكم، وإن كانت زياراتكم لي قليلة، لا تدل على موالاتكم لي؛ أو: وإن كانت زياراتي لكم متفرقة وقليلة؛ لأنني لا ألتفت إلى المظاهرة. الإعراب: ريشي: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة للياء؛ وياء المتكلم: ضمير متصل مبني على السكون، في محل جر بالإضافة. "منكم": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ؛ والتقدير: ريشي كائن منكم؛ أو حاصل ... وهواي: الواو عاطفة، هواي: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف، منع من ظهورها التعذر، وهو مضاف، والياء: مضاف إليه. "معكم": "مع": ظرف متعلق بخبر محذوف للمبتدأ "هواي"، و"مع" مضاف، و"كم": في محل جر بالإضافة. وإن: الواو عاطفة، والمعطوف عليه محذوف، إن؛ حرف شرط جازم. كانت: فعل ماض ناقص -في محل جزم فعل الشرط- مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث. زيارتكم: اسم "كان" مرفوع، وهو مضاف، و"كم": مضاف إليه. لماما: خبر "كان" منصوب؛ وجواب الشرط محذوف؛ لدلالة الكلام السابق عليه، والتقدير: إن كانت زيارتي لماما فريشي منكم وهواي معكم؛ وأما المعطوف عليه -بالواو- المحذوف؛ فتقديره: إن لم تكن زيارتكم لماما وإن كانت زيارتكم لماما؛ لأنه يريد أن يوضح لهم أنه متعلق بهم في مختلف الأحوال. موطن الشاهد: "معكم". وجه الاستشهاد: بناء "مع" على السكون -على لغة ربيعة- والمشهور فتحها على أنها معربة؛ والفتحة للإعراب. فوائد: فائدة أولى: اختلف النحاة في "مع" أهي ثنائية الوضع، أم ثلاثية حذفت لامها؛ وأصلها معي؟ فذهب فريق الخليل بن أحمد، ومن وافقه إلى أنها ثنائية الوضع. وذهب يونس والأخفش، ومن وافقهما إلى أنها ثلاثية الوضع. والراجح: أن الظرفية ثنائية الوضع، معربة، يحذف تنوينها عند الإضافة. وتقع حالا، أو خبرا على حسب السياق، وهي متعلقة بمحذوف. =

وإذا لقي الساكنة ساكن؛ جاز كسرها وفتحها1؛ نحو: "مع القوم"، وقد تفرد بمعنى جميعا2،.......................................................

_ = أما المنونة التي تجردت عن الظرفية؛ فإن أعربت حالا، كانت منصوبة وعلامة نصبها الفتحة الظاهرة إن عدت ثنائية، أو الفتحة المقدرة على الألف المحذوفة -لالتقائها ساكنة مع التنوين- إن عدت ثلاثية. وإن أعربت خبرا، فلا بد من عدها ثلاثية مرفوعة، وعلامة رفعها الضمة المقدرة على الألف المحذوفة لفظا لا خطا. وأما من يعربها خبرا -وهي ثنائية- فيحتم بناءها على الظرفية، وتعليقها بمحذوف هو الخبر. انظر شرح التصريح؛ 2/ 48، والمغني: 439. فائدة ثانية: اختلف النحاة في "معا" هل ألفها منونة بدل التنوين أم هي من أصول الكلمة؟ للنحاة في هذه المسألة قولان؛ أحدهما: أن الألف بدل من التنوين، كما في "بدا، أخا، غدا" فتعرب بالحركات الظاهرة على الدال والخاء، وهذا رأي الخليل، بناء على قوله إنها ثنائية الوضع. وثانيهما: أن الألف لام الكلمة، كما في "رحى وعصا"؛ وهذا قول يونس والأخفش، بناء على قولهما إنها ثلاثية الوضع. شرح التصريح: 2/ 48. فائدة ثالثة: ذهب سيبويه إلى أن "مع" معربة في أحوالها كلها، وفي مختلف لغاتها؛ فإن جاءت منصوبة؛ فهي منصوبة على الظرفية، وإن جاءت ساكنة، كما في الشاهد السابق، فذاك ضرورة. وذهب الكسائي إلى أنها معربة إذا انتصبت، مبنية إذا سكنت -على لغة ربيعة وغنم- واختار المتأخرون هذا الرأي. انظر شرح ابن عقيل: 2/ 32، وحاشية الصبان: 2/ 265. مرفوعة، وعلامة رفعها الضمة المقدرة على الألف المحذوفة لفظا لا خطا. 1 فتبنى على الكسر؛ للتخلص من الساكنين، أو على الفتح للخفة. 2 ويكون معناها في هذه الحال الدلالة على مجرد اصطحاب اثنين، أو أكثر، واجتماعهما، ولا تدل على اتحاد في الزمان أو المكان إلا بقرينة، وتكون حينئذ معربة منصوبة منونة، ولا حظ لها في الإضافة.

فتنصب على الحال1؛ نحو: "جاءوا معا"2. [غير وحالاتها] : ومنها "غير": وهو اسم دال على مخالفة ما قبله لحقيقة ما بعده3، وإذا وقع بعد "ليس"، وعلم المضاف إليه؛ جاز ذكره كـ"قبضت عشرة ليس غيرها"4، وجاز حذفه لفظا5؛ فيضم بغير تنوين6 ثم اختلف؛ فقال المبرد: ضمة بناء؛ لأنها كقبل في الإبهام، فهي اسم أو خبر7، وقال الأخفش8: إعراب؛ لأنها اسم ككل وبعض، لا ظرف كقبل وبعد؛ فهي اسم لا خبر، وجوزهما ابن خروف9، ويجوز

_ 1 وقد تعرب ظرفا مخبرا به عن المبتدأ؛ نحو: الطالبان معا؛ وهي تستعمل للجمع مطلقا، كما تستعمل للاثنين، كقولك: الطلاب معا؛ أي: هم مجتمعون، وموجودون معا. حاشية الصبان: 2/ 265. 2 ومن ذلك قول متمم بن نويرة: فلما تفرقنا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا ومنه قول الخنساء: وأفنى رجالي فبادوا معا ... فأصبح قلبي بهم مستفزا 3 إما في ذاته وحقيقته؛ كمررت برجل غيرك؛ أو في وصف من الأوصاف العرضية التي تطرأ على الذات؛ نحو: خرج الطالب من الامتحان بوجه غير الذي دخل به، وهو اسم محض لا ظرفية فيه. شرح التصريح: 2/ 49. 4 برفع "غير" على أنها اسم "ليس" وخبرها محذوف، والتقدير: ليس غيرها مقبوضا، وبنصبها على أنها خبر "ليس" واسمها محذوف؛ والتقدير: ليس المقبوض غيرها. مغني اللبيب: 209. 5 أي: إذا نوي معناه بأي لفظ آخر، يؤدي المعنى المقصود من دون لفظه. 6 حيث يحذف التنوين لنية معنى المضاف إليه. 7 أي: اسم لـ"ليس" في محل رفع، أو خبر لها في محل نصب، والاسم محذوف. 8 مرت ترجمته. 9 مرت ترجمته؛ وبالنسبة إلى "غير" فهي على البناء اسم "ليس" أو خبرها؛ وعلى الإعراب؛ هي اسم وليست خبرا.

الفتح قليلا مع التنوين ودونه1، فهي خبر، والحركة إعراب باتفاق، كالضم مع التنوين2. [قبل وبعد وحالاتهما] : ومنها "قبل" و"بعد"3 ويجب إعرابهما في ثلاث صور: إحداها: أن يصرح بالمضاف إليه؛ كـ"جئتك بعد الظهر" و"قبل العصر" و"من قبله" و"من بعده"4.

_ 1 فمع التنوين؛ لقطعها عن الإضافة لفظا ومعنى، وأما مع عدمه؛ فلنية لفظ المضاف إليه. 2 وتكون "غير" اسم ليس. وصفوة القول: أن غير تعرب بالحركات كلها من دون تنوين على حسب الجملة قبلها؛ إذا أضيفت لفظا ومعنى. وكذلك الحال إذا حذف المضاف، ونوي لفظه، وسبقتها "ليس" أو "لا" النافيتان. وأما إذا قطعت عن الإضافة نهائيا، ولم ينو لفظ المضاف، ولا معناه؛ أعربت كذلك بالحركات كلها، ولكنها تكون منونة. وأما إذا حذف المضاف إليه، ونوي معناه، من دون لفظ فتبنى على الضم من غير تنوين، وتبنى على الفتح، إذا كان المضاف إليه المحذوف المنوي لفظه مبنيا. وإذا لم تسبق "غير" بـ"ليس" ولا بـ"لا" النافيتين؛ استعملت صفة، أو نصبت على الاستثناء على حسب الحالة. وذهب بعض النحاة إلى جواز إعراب "غير" وبنائها عند حذف المضاف إليه مطلقا؛ سواء نوي لفظه أو نوي معناه، وحسنه الكثيرون. 3 هما اسمان ظرفان؛ يدل أولهما على سبق شيء على آخر، وتقدمه عليه في الزمان، أو المكان الحسي، أو المعنوي. ويدل الثاني على تأخر شيء على آخر كذلك، وهما ملازمان للإضافة غالبا. 4 في المثال الأول نصبا على الظرفية الزمانية، وفي الثاني جرا بمن.

الثانية: أن يحذف المضاف إليه وينوى ثبوت لفظه، فيبقى الإعراب وترك التنوين، كما لو ذكر المضاف إليه؛ كقوله1: [الطويل] 344- ومن قبل نادى كل مولى قرابة2

_ 1 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: فما عطفت مولى عليه العواطف وهو من شواهد: التصريح: 2/ 50، والأشموني: 643/ 2/ 322، وابن عقيل: 235/ 3/ 72، والعيني: 3/ 443، والهمع: 1/ 210، والدرر: 1/ 177. المفردات الغريبة: من قبل: أي من قبل ما حدث. مولى: للمولى معانٍ كثيرة منها: ابن العم، والسيد، والناصر، والقريب؛ والأول أو الأخير، هو المراد هنا. عطفت: أمالت ورققت. العواطف: الصلات والروابط التي تستلزم العطف، وميل بعض الناس لبعض؛ كالصداقة، والمروءة، والنجدة، ونحوها: وهي جمع عاطفة. المعنى: يبين الشاعر في معرض وصفه لشدة نزلت به: كيف نادى كل ابن عم أو عصبة قرابته؛ ومن بينهم وبينه صلات مودة وعطف؛ ليساعدوه، ويأخذوا بناصره؛ ولهول الموقف، لم يجب أحد مستجيرا، ولم يعطف قريب على قريب، أو يساعد صديق صديقا. الإعراب: ومن: الواو بحسب ما قبلها، من: حرف جر. قبل: اسم مجرور بمن، وعلامة جره الكسرة؛ و"من قبل": متعلق بقوله: "نادى" الآتي. نادى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف؛ منع من ظهروه التعذر. كل: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف. مولى: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف المحذوفة؛ لالتقاء الساكنين، منع من ظهورها التعذر على رواية التنوين في "مولى"؛ وعليها تكون قرابة: مفعول به منصوب؛ والتقدير: نادى كل ابن عم قرابته؛ وعلى الرواية التي في المتن فـ"مولى" -من غير تنوين- مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف؛ للتعذر، وهو مضاف؛ وعليها تكون. قرابة: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة؛ وعلى هذه الرواية فالمفعول به لـ"نادى" محذوف، والتقدير: نادى كل مولى قرابة قرابته. فما: الفاء =

أي: ومن قبل ذلك، وقرئ {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} 1، بالجر من غير تنوين؛ أي: من قبل الغلب ومن بعده. الثالثة: أن يحذف ولا ينوَى شيء؛ فيبقى الإعراب2، ولكن يرجع التنوين لزوال ما يعارضه في اللفظ والتقدير؛ كقراءة بعضهم: "من قبلٍ ومن بعدٍ"1 بالجر

_ = عاطفة، ما: نافية، لا محل لها من الإعراب. عطفت: فعل ماض مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث، لا محل لها. مولى: إما أن يكون مفعولا به لـ"عطف" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف المحذوفة؛ لالتقاء الساكنين، منع من ظهورها التعذر؛ أو بدلا من الضمير المجرور بـ"على" بعده بدل كل من كل، قدم عليه لضرورة الشعر؛ أو حالا من الضمير المجرور محلا بـ"على"؛ والتقدير: فما عطفت العواطف عليه حال كونه مولى؛ أي: قريبا "عليه": متعلق بـ"عطف". العواطف: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. موطن الشاهد: "ومن قبل". وجه الاستشهاد: مجيء "قبل" مجرورة؛ لمجيئها مضافة إلى مضاف إليه، محذوف لفظه، منوي ثبوته؛ وترك التنوين للإضافة المذكورة؛ لأن المنوي ثبوت لفظه كالثابت؛ والتقدير: من قبل ذلك؛ وحكم إعراب "قبل" في هذه الحال الوجوب، كما جاء في المتن. 1 30 سورة الروم، الآية: 4. أوجه القراءات: قرأ الجحدري والعقيلي: "من قبل ومن بعد" بالخفض من غير تنوين؛ وقرأ الجمهور: "من قبل ومن بعد"؛ وقرأ بعضهم: "من قبلٍ ومن بعدٍ" بالخفض والتنوين. التصريح: 2/ 50. توجيه القراءات: قراءة الخفض من غير تنوين على نية لفظ المضاف إليه؛ أي من قبل القلب، ومن بعده؛ وقراءة الخفض مع التنوين؛ على نية حذف المضاف إليه وعدم نية لفظه أو معناه. موطن الشاهد: "من قبل ومن بعد". وجه الاستشهاد: مجيء كل من "قبل" و"بعد" مجرورا بمن مع التنوين؛ الذي كان حذف للإضافة؛ فلما حذف المضاف إليه، ولم ينوَ لفظه، ولا معناه، عاد التنوين إلى ما كان عليه قبل الإضافة. 2 أي بالنصب على الظرفية أو بالجر بمن إن وجدت. ويكون معنى "قبل" و"بعد" في هذه الحالة، القبلية المطلقة والبعدية المطلقة، من غير تقييد بشيء ما، أي أن معناهما هو المعنى الاشتقاقي العام.

والتنوين؛ وقوله1: [الوافر] 345- فساغ لي الشراب وكنت قبلا2

_ 1 القائل: هو يزيد بن الصعق؛ ونسبه العيني إلى عبد الله بن يعرب، حيث كان له ثأر فأدركه. انظر شرح الشواهد للعيني، حاشية الصبان: 2/ 269. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، يقول الشاعر وقد أدرك ثأره من الربيع بن زياد العبسي وكان قد أغار عليه وعلى قومه. ولعجز البيت روايتان؛ الأولى: أكاد أغص بالماء الفرات وبهذه الرواية استشهد: العيني: 3/ 354، والهمع: 1/ 210، والدرر: 1/ 76، والثعالبي، ونسبوا البيت إلى عبد الله بن يعرب. والرواية الثانية: أكاد أغص بالماء الحميم وهو من وشاهد: التصريح: 2/ 50، والأشموني: 644/ 2/ 322، وابن عقيل: 236/ 3/ 73، والشذور: 47/ 147، والقطر: 5/ 34. هذا ويروى ليزيد بن الصعق قطعة رويها على حرف الميم؛ منها: ألا أبلغ لديك أبا حريث ... وعاقبة الملامة للمليم فكيف ترى معاقبتي وسعيي ... بأذواد القصيمة والقصيم المفردات الغريبة: ساغ: سهل وحلا. أغص: أشرق -بفتح الهمزة والغين- مضارع غص من باب فرح، وروي أغص بضم الهمزة وفتح الغين مبنيا للمجهول. الحميم: هو الماء الحار، والمراد هنا: الماء البارد الذي تشتهيه النفس كما جاء في اللسان عن ابن الاعرابي؛ فهو من أسماء الأضداد. والرواية الثانية: الفرات: العذب. المعنى: هدأت نفسي، حين أدركت ثأري، وساغ لي الشراب، وكنت قبل أن أدركه، أكاد أشرق بالماء البارد الشهي إلى النفوس. الإعراب: فساغ: الفاء بحسب ما قبلها، ساغ: فعل ماضٍ مبني على الفتح. "لي". متعلق بـ"ساغ". الشراب: فاعل مرفوع. وكنت: الواو حالية، كنت: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: في محل رفع اسم "كان". قبلا: ظرف زمان منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، و"قبلا": متعلق بـ"كان". أكاد: فعل مضارع ناقص مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، واسمه: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنا. أغص: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، والفاعل: أنا؛ وجملة "أغص": في محل نصب خبر "أكاد"؛ وجملة "أكاد =

وقوله1: [الطويل] 346- فما شربوا بعدا على لذة خمرا2

_ = أغص": في محل نصب خبر "كان". "بالماء": متعلق بـ"أغص". الحميم: صفة للماء، وصفة المجرور مجرورة مثله، وعلامة جرها الكسرة الظاهرة. موطن الشاهد: "قبلا". وجه الاستشهاد: مجيء "قبلا" مقطوعا عن الإضافة لفظا ومعنى؛ ولهذا، جاء معربا منونا -وهو منصوب على الظرفية كما أسلفنا- وهذا التنوين، يسمى تنوين التمكين الذي يلحق الأسماء المعربة، وقبلا -عند جمهور النحاة- نكرة؛ لأنه لما قال: "كنت قبلا" يريد مطلق التقدم؛ فهو لا ينوي تقدما على شيء بعينه؛ بخلاف الحال في أثناء الإضافة أو نيتها؛ حيث يكون التقدم على شيء معين. 1 القائل: هو رجل من بني عقيل لم يعين. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: ونحن قتلنا الأسد أسد شنوءة وهو من شواهد: التصريح: 2/ 50 وفيه " ... أسد خفية"، والأشموني: 645/ 2/ 322، والشذور: 48/ 148، والخزانة: 3/ 131، والعيني: 436 "وفيه ... أسد خفية"، والهمع: 1/ 210، والدرر: 1/ 176، وفيه " ... أسد خفية". المفردات الغريبة: أسد شنوءة، ويقال "أزد" حي من اليمن أبوهم الأزد بن الغوث؛ ويقال له: الأسد بن الغوث؛ وهم فرق؛ منهم: أزد شنوءة، وأزد السراة، وأزد عمان. المعنى: أنا قتلنا أولئك القوم، ومزقناهم شر ممزق، وشتتنا شملهم، فما عرفوا بعد ذلك الهوان لذة للشراب. والمراد: أنهم بهزيمتهم حرموا ملاذ الحياة ونعيمها. الإعراب: ونحن: الواو بحسب ما قبلها، نحن: ضمير رفع منفصل، في محل رفع مبتدأ. قتلنا: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، و"نا": فاعل؛ وجملة "قتلنا": في محل رفع خبر "نحن". الأسد: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، أسد: بدل من "الأسد منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وهو مضاف. شنوءة: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. فما: الفاء عاطفة، ما: نافية، لا محل لها من الإعراب. شربوا: فعل ماض مبني على الضم، والواو: فاعل، والألف: للتفريق. "بعدا": متعلق بـ"شربوا" منصوب. "على لذة": متعلق بـ"شربوا". خمرا: مفعول به منصوب. =

وهما نكرتان في هذا الوجه؛ لعدم الإضافة لفظا وتقديرا؛ ولذلك نونا1، ومعرفتان في الوجهين قبله. فإن نوي معنى المضاف إليه دون لفظه2؛ بنيا على الضم3؛ نحو: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} 4، في قراءة الجماعة. [أول ودون وأسماء الجهات] : ومنها "أول"5................................................

_ = موطن الشاهد: "بعدا". وجه الاستشهاد: مجيء "بعدا" منونة منصوبة على الظرفية؛ لقطعها عن الإضافة لفظا وتقديرا؛ وهي -على هذا الحال- نكرة عند جمهور النحاة. وقال بعضهم: إن التنوين في هذا البيت والذي قبله؛ لضرورة الشعر، وجوز الرضي تنوين الظروف المقطوعة عن الإضافة في حالة البناء لذلك. انظر شرح التصريح: 2/ 50-51. 1 هذا على أن تنوينهما تنوين تمكين للتنكير، وقيل: إن التنوين فيهما للعوض، وهما معرفتان بنية المضاف إليه، واستحسن ذلك ابن مالك في الكافية. 2 نية المعنى: أي أن يلاحظ المعنى من غير نظر إلى عبارة مخصوصة، أو لفظ معين يدل عليه، بل يقصد المسمى معبرا عنه بأي لفظ كان. أما نية اللفظ، فيلاحظ لفظ المضاف إليه المعروف من المقام. 3 في محل نصب على الظرفية، أو في محل جر إن سبقا بمن. وإنما لم تقتض الإضافة بنية المعنى الإعراب؛ لضعفها بخلافها مع نية اللفظ؛ ففيها قوة. وهنالك حالة أخرى يبنيان فيها على الفتح جوازا؛ وهي: إذا أضيفا إلى مبني، وكذلك الشأن في جميع الأسماء المبهمة، وأسماء الزمان المبهمة. همع الهوامع: 1/ 209-210. 4 30 سورة الروم، الآية: 4. موطن الشاهد: {مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} . وجه الاستشهاد: مجيء "قبل" و"بعد" مبنيين على الضم؛ لانقطاعهما عن الإضافة مع نية معنى المضاف إليه من دون لفظه؛ وهما مبنيان على الضم في محل جر بحرف الجر. 5 الصحيح أن أصله "أوأل" بدليل جمعه على أوائل، قلبت الهمة الثانية واوا وأدغمتا. ويستعمل اسما بمعنى مبدأ الشيء، ووصفا بمعنى سابق فيصرف، نحو: لقيته عاما أولا. ووصفا بمعنى أسبق فيمنع من الصرف للوصفية ووزن الفعل. وينصب على =

............... و"دون"1 وأسماء الجهات كـ"يمين"، و"شمال" و"وراء"، و"أمام"، و"فوق"، و"تحت"2؛ وهي على التفصيل المذكور في قبل وبعد؛ تقول: "جاء القوم وأخوك خلف" أو "أمام" 3 تريد خلفهم أو أمامهم؛ قال4: [الكامل] 347- لعنا يشن عليه من قدام5

_ = الحال أو غيره، ومعناه "متقدم" كجئتك أول الناس، أو أولا، أي متقدمهم ومتقدما، وتليه "من"، تقول: هذا أول من هذين، وهل هو حينئذ أفعل تفضيل لا فعل له من لفظه، أو جاز ومجرور؟ خلاف. وظرفا نحو رأيت الهلال أول الناس، أي: قبلهم، وهذا هو الذي يبنى على الضم إذا قطع عن الإضافة. حاشية يس على التصريح: 2/ 51. 1 أصله: اسم المكان الأدنى، أي: الأقرب من مكان المضاف إليه، كجلست دون محمد؛ أي قريبا من مكانه، ثم توسع فيه فاستعمل في المكان المفضول، ثم في الرتبة المفضولة كعلي دون محمد فضلا، ثم في مطلق تجاوز شيء لشيء، كأكرمت محمدا دون علي. 2 يمين وشمال، كثيرا التصرف، وفوق وتحت يتصرفان أحيانا إذا تجردا عن الظرفية، وباقي الظروف متوسطة التصرف: والظرف بنوعيه: المتصرف وغير المتصرف؛ حين يكون ظرفا معربا ينصب على الظرفية أو يجر بمن، وحين يكون مبنيا على الضم يكون في محل نصب أو في محل جر بمن، إن وجدت قبله. وإذا جرد من الظرفية لا ينصب على الظرفية، بل يعرب على حسب الجملة. 3 أي: بالبناء على الضم؛ لحذف المضاف إليه ونية معناه. 4 هو رجل من بني تميم لم يعين اسمه. 5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره: لعن الإله تعلة بن مسافر وهو من شواهد: التصريح: 2/ 51، والأشموني: 641/ 2/ 322، والكامل للمبرد: 37، والعيني: 3/ 437، والهمع: 210، والدرر: 1/ 177. المفردات الغريبة: لعن؛ اللعن: الطرد والإبعاد. تعلة: اسم رجل. يشن: يصب، من شن الماء يشنه إذا صبه متفرقا. من قدام: من أمامه. المعنى: يلعن الشاعر رجلا؛ اسمه تعلة بن مسافر سائلا الله تعالى أن يطرده من رحمته ويصب عليه البلاء صبا من أمامه؛ ليكون الطرد أبلغ والبلاء أفظع. الإعراب: لعن: فعل ماض مبني على الفتح. الإله: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه =

وقوله1: [الطويل] 348- على أينا تعدو المنية أول2

_ = الضمة الظاهرة على آخره. تعلة: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. ابن: صفة لتعلة منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وهو مضاف. مسافر: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره. لعنا: مفعول مطلق منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. يشن: فعل مضارع مبني للمجهول، مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو؛ وجملة "يشن": في محل نصب صفة لـ"لعنا". "عليه": متعلق بـ"يشن". من: حرف جر. قدام: ظرف مكان، مبني على الضم في محل جر بـ"من"، و"من قدام": متعلق بـ"يشن". موطن الشاهد: "من قدام". وجه الاستشهاد: مجيء قدام مبنيا على الضم؛ لحذف المضاف إليه، ونية معناه وشبيه بهذا البيت قول الشاعر: إذا أنا لم أومن عليك ولم يكن ... لقاؤك إلا من وراء وراء 1 هو: معن بن أبوس بن نصر المزني، شاعر، مجيد، متين الكلام، حسن الديباجة، فخم المعاني، من مخضرمي الجاهلية والإسلام؛ له مدائح كثيرة في الصحابة الكرام. مات سنة 64هـ. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: لعمرك ما أدري وإني لأوجل وهو مطلع قصيدة مشهورة يستعطف بها الشاعر صديقا له، وقد أنشد أبو تمام في حماسته أكثرها، وأنشدها أبو علي القالي في أماليه، وبعد الشاهد قوله: وإني أخوك الدائم العهد لم أحل ... إن ابزاك خصم أو نبا بك منزل والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 51، والمقتضب: 3/ 346، والمصنف: 3/ 35، وأمالي ابن الشجري: 1/ 328، 2/ 263، وشرح المفصل: 4/ 87، 6/ 98، والخزانة: 3/ 505، والأشموني: 640/ 2/ 322، والعيني: 3/ 439، والشذور: 45/ 145، وديوان معن: 57. المفردات الغريبة: أوجل: من الوجل، وهو الخوف، وهذا يحتمل أن يكون وصفا، أو فعلا مضارعا مبدوءا بهمزة المتكلم. تعدو: تسطو، من عدا عليه، اجترأ وسطا. وروي: تغدو، أي تصبح. المنية: الموت. المعنى: أقسم بحياتك لست أدري، ولا أعلم -وإني لخائف- على أينا ينقض الموت قبل صاحبه؛ فلا تقطع حبل المودة والصلة، فالموت آتٍ لا بد منه. الإعراب: لعمرك: اللام للابتداء. عمر: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة =

وحكى أبو علي1: "ابدأ بذا من أول" بالضم على نية معنى المضاف إليه2؛ وبالخفض على نية لفظه؛ وبالفتح على نية تركها؛ ومنعه من الصرف للوزن والوصف3. [حسب واستعمالاتها] : ومنها "حسب"؛ ولها استعمالان: أحدهما: أن تكون بمعنى كافٍ4؛ فتستعمل استعمال الصفات5، فتكون

_ = على آخره، وهو مضاف، وضمير المخاطب مبني على الفتح في محل جر بالإضافة وخبر المبتدأ محذوف وجوبا؛ والتقدير: لعمرك قسمي. ما أدري: ما: نافية لا عمل لها. أدري: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره: أنا. وإني: الواو: حالية، إني: إن: حرف مشبه بالفعل، مبني على الفتح المقدر على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهوره اشتغال المحل بالحركة المناسبة للياء، والياء: ضمير متصل في محل نصب اسم إن. لأوجل: اللام لام المزحلقة، أوجل: خبر إن مرفوع؛ وجملة "إني لأوجل": في محل نصب على الحال. "على أينا": متعلق بـ"تعدو" و"نا" في محل جر بالإضافة. تعدو: فعل مضارع. المنية: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره. أول: ظرف زمان متعلق بـ"تعدو" مبني على الضم في محل نصب. موطن الشاهد: "أول". وجه الاستشهاد: مجيء "أول" مبنيا على الضم؛ لحذف المضاف إليه ونية معناه؛ لأن المراد: أول الوقتين، لأن لكل وقتا يموت فيه؛ ويقدر أحدهما أسبق من الآخر. 1 هو أبو علي الفارسي، وقد مرت ترجمته. 2 أي من أول الأمر. 3 لأنه اسم تفضيل بمعنى الأسبق، أي المتقدم. ويستفاد من حكاية أبي علي الفارسي: أن "أول" له استعمالان؛ أحدهما: أن يكون اسما كقبل، والثاني: أن يكون صفة، كالأسبق، وقد تقدم ما فيه. تنبيه: إذا قلت: سافر محمد منذ عام أول، جاز أن تعرب "عام" خبرا مرفوعا عن "منذ"، و"أول" بالرفع صفة لها، ويكون المعنى: سافر منذ عام سابق على عامنا الحالي. وجاز في "أول" النصب على أنه ظرف زمان بمعنى قبل، ويكون المعنى: منذ عام قبل العام الحالي. 4 أي اسم فاعل، وهي حينئذ معربة مضافة لفظا، لا تتعرف بالإضافة نظرا للفظها. 5 أي المشتقة، وذلك من افتقارها إلى موصوف تجري عليه، وهذا الاستعمال بالنظر لمعناها.

نعتا لنكرة؛ كـ"مررت برجل حسبك من رجل"؛ أي: كافٍ لك عن غيره؛ وحالا لمعرفة، كـ"هذا عبد الله حسبك من رجل"، واستعمال الأسماء؛ نحو: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ} 1 {فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} 2 "بحسبك درهم"3 وبهذا4، يرد على من زعم أنها اسم فعل، فإن العوامل اللفظية، لا تدخل على أسماء الأفعال باتفاق. والثاني: أن تكون بمنزلة "لا غير" في المعنى: فتستعمل مفردة5؛ وهذه هي

_ 1 58 سورة المجادلة، الآية: 8. موطن الشاهد: {حَسْبُهُمْ} . وجه الاستشهاد: وقوع "حسب" موقع الاسم الجامد؛ وحسب: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، "وهم" مضاف إليه. و"جهنم": خبر مرفوع، ويجوز أن يكون "جهنم": مبتدأ مؤخرا؛ و"حسبهم" خبرا مقدما. 2 8 سورة الأنفال، الآية: 62. موطن الشاهد: {حَسْبَكَ} . وجه الاستشهاد: وقوع "حسب"، موقع الاسم الجامد؛ وهي في محل نصب اسم "إن"، والكاف: في محل جر بالإضافة، ولفظ الجلالة: في محل رفع خبر "إن". 3 الباء من "بحسبك" حرف جر زائدة. وحسب: مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وضمير المخاطب مضاف إليه، ودرهم: خبر المبتدأ، ولا يجوز العكس؛ لأن "درهم" نكرة لا مسوغ للابتداء بها إذ الخبر مفرد لا جملة ولا شبه جملة. 4 المراد: أن دخول "إن" على حسبك، ودخول الباء الزائدة عليها في: "بحسبك درهم"، وتأثر "حسب" بـ"إن"؛ حتى نصبت، وبـ"الباء" حتى جرت؛ يدل دلالة واضحة على أنها ليست اسم فعل؛ لأن اسم الفعل ناب عن الفعل؛ والفعل لا تدخل عليه هذه العوامل؛ فيجب أن يكون نائبه مثله في عدم دخول هذه العوامل عليه؛ فدخول العوامل على حسب دليل على أنه ليس اسم فعل. 5 أي مقطوعة عن الإضافة لفظا، وإن نوي معنى المضاف إليه المحذوف. وفي هذا الاستعمال تبنى "حسب" على الضم، وتقع صفة للنكرة، أو حالا من المعرفة، أو مبتدأ بشرط اقترانها بالفاء الزائدة لتزيين اللفظ. تقول: إن لكل قربة جمعية تعاونية حسب، فحسب صفة لجمعية مبني على الضم في محل نصب وتقول: انصرف المنافقون حسب، أي لا غير، فحسب حال مبني على الضم في محل نصب. وتقول قرأت ثلاثة أجزاء من القرآن فحسب، فالفاء زائدة وحسب: مبتدأ مبني على الضم في محل رفع، والخبر محذوف، أي: فحسب الثلاثة مقروء، ويجوز العكس في هذا؛ =

حسب المتقدمة؛ ولكنها عند قطعها عن الإضافة، تجدد لها إشرابها هذا المعنى، وملازمتها للوصفية، أو الحالية، أو الابتدائية، وبناؤها على الضم1؛ تقول: "رايت رجلا حسب" و"رأيت زيدا حسب"2. قال الجوهري3: كأنك قلت: "حسبي" أو "حسبك"، فأضمرت ذلك4، ولم تنون، ا. هـ. وتقول: "قبضت عشرة فحسب" أي فحسبي ذلك. واقتضى كلام ابن مالك، أنها تعرف نصبًا -إذا نكرت- كقبل وبعد. قال أبو حيان5: ولا وجه لنصبها؛ لأنها غير ظرف إلا أن نقل عنهم نصبها حالا إذا كانت نكرة، ا. هـ. فإن أراد بكونها نكرة قطعها عن الإضافة اقتضى أن استعمالها حينئذ منصوبة شائع. وأنها كانت مع الإضافة معرفة، وكلاهما ممنوع6، وإن أراد تنكيرها مع الإضافة فلا وجه لاشتراطه التنكير حينئذ؛ لأنها لم ترد إلا كذلك7، وأيضا فلا وجه لتوقفه في تجويز انتصابها على الحال حينئذ؛ فإنه مشهور، حتى إنه مذكور في كتاب الصحاح8؛ قال: تقول: "هذا رجل حسبك من رجل" وتقول في المعرفة: "هذا

_ = بشرط حذف الفاء، فيكون المبتدأ هو المحذوف، تقول: المقروء حسب، أي كافيني مثلا. 1 لقطعها عن الإضافة لفظا، وقد كانت في الاستعمال الأول معربة بحسب العوامل. 2 حسب: حال من زيد مبني على الضم في محل نصب، وفيما قبله وصف لرجل كذلك، وقد حذف المضاف إليه، ونوي معناه. 3 مرت ترجمته. 4 أي حذفت المضاف إليه منهما، وأضمرته في نفسك، ولم تنون؛ لأنك نويت معناه فبنيت على الضم، كقبل وبعد. 5 مرت ترجمته. 6 أما الأول، فلأنها إذا قطعت عن الإضافة، وجب بناؤها على الضم. وأما الثاني؛ فلأنها نكرة دائما أضيفت، أو لم تضف. 7 أي إلا نكرة؛ لأن إضافتها لا تفيد التعريف، وإنما هي في تقدير الانفصال، كما يقول ابن مالك في شرح العمدة. التصريح: 2/ 53. 8 كتاب مشهور متداول للجوهري.

عبد الله حسبك من رجل"، فتنصب حسبك على الحال1، ا. هـ. وأيضا، فلا وجه للاعتذار عن ابن مالك بذلك؛ لأن مراده التنكير الذي ذكره قبل وبعد، وهو: أن تقطع عن الإضافة لفظا وتقديرا2. ["عل" موافقتها "فوق" ومخالفتها لها] : وأما "عل" فإنها توافق "فوق" في معناها، وفي بنائها على الضم، إذا كانت معرفة، كقوله3: [الكامل] 349- وأتيت نحو بني كليب من عل4

_ 1 فحسبك من الأول: وقعت بعد نكرة مرفوعة، فرفعت على أنها نعت لها. وفي الثاني وقعت بعد معرفة، فنصبت على أنها حال منها، وهي في الموضعين نكرة؛ لأن إضافتها لا تفيد التعريف. 2 أي: وتنصب على الظرفية، وليس المراد مطلق التنكير كما توهمه أبو حيان، وما ذكره الموضح دفاعا عن ابن مالك لا يمنع النقد، فالصواب أن يحمل قول الناظم: وما من بعده قد ذكرا على المجموع لا على كل فرد؛ حتى لا يرد عليه "حسب" و"عل". التصريح: 1/ 54. 3 القائل: هو الفرزدق؛ همام بن غالب وقد مرت ترجمته. 4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت يهجو فيه جريرا وعجزه قوله: ولقد سددت عليك كل ثنية وهو من شواهد: التصريح: 2/ 54، وشذور الذهب "49/ 151"، وشرح المفصل: 4/ 89، والعيني: 3/ 447، وهمع الهوامع: 1/ 210، والدرر اللوامع: 1/ 177، وديوان الفرزدق: 723. المفردات الغريبة: ثنية: هي العقبة، أو الجبل، أو الطريق إليهما، والجمع ثنايا. بني كليب: رهط جرير. المعنى: لقد سددت عليك با جرير كل طريق ومنجى تسلكه؛ للمفاخرة وأتيتكم من أعلى، فألحقت بأصولكم عارا لا تستطيعون دفعه، والخلاص منه. الإعراب: لقد: اللام موطئة للقسم، قد: حرف تحقيق. سددت: فعل ماض، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في =

أي: من فوقهم، وفي إعرابها إذا كانت نكرة؛ كقوله1: [الطويل] 350- كجلمود صخر حطه السيل من عل2 أي: من شيء عال.

_ = محل رفع فاعل. "عليك": متعلق بـ"سد". كل: مفعول به "لسد" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وهو مضاف. ثنية: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره. وأتيت: الواو حرف عطف، أتى: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء ضمير متصل في محل رفع فاعل. نحو: ظرف، بني: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وهو مضاف. كليب: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره. من: حرف جر. عل: ظرف مبني على الضم في محل جر بـ"من". موطن الشاهد: "من عل". وجه الاستشهاد: مجيء "عل" مبنيا على الضم؛ لكونه معرفة، حيث حذف المضاف إليه مع نية معناه؛ والتقدير: من علهم، أي: من فوقهم. 1 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: مكر مفر مقبل مدبر معا والبيت من معلقته المشهورة ومن أبيات يصف فيها فرسه، وقبله قوله: وقد أغتدي والطير في وكناتها ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل وهو من شواهد: التصريح: 2/ 54، والأشموني: 646/ 2/ 323، وسيبويه: 2/ 309، والمحتسب: 2/ 342، وشرح المفصل: 4/ 89، والمقرب: 46، والعيني: 3/ 449، والهمع: 1/ 210، والدرر: 1/ 177، وحاشية الدمنهوري: 81، والمغني: 278/ 205، والسيوطي: 155. وديوان امرئ القيس: 154. المفردات الغريبة: مكر: عظيم الكر والهجوم، لا يسبقه غيره. مفر: سريع الفرار من الأعداء. كجلمود، الجلمود: الصخرة العظيمة الصلبة. حطه السيل: حدره وألقاه من أعلى إلى أسفل. من عل: من فوق. و"مكر" وما بعده صفة لمنجرد في البيت قبله. المعنى: يصف الشاعر فرسه بسرعة كره على الأعداء، وشدته وسرعته بالفرار عند النجاة؛ فهو لسرعته كأنه يقبل ويدبر في وقت واحد، وهو في ذلك كصخر حدره السيل من مكان عالٍ فلا يقف في طريقه شيء. الإعراب: مكر: صفة لـ"منجرد" في البيت السابق مجرورة، وعلامة جرها الكسرة الظاهرة. مفر: صفة ثانية لـ"منجرد" مجرورة. مقبل: صفة ثالثة لـ"منجرد" =

وتخالفها في أمرين: أنها لا تستعمل إلا مجرورة بمن، وأنها لا تستعمل مضافة1؛ كذا قال جماعة؛ منهم ابن أبي الربيع2؛ وهو الحق، وظاهر ذكر ابن مالك لها في عداد هذه الألفاظ: أنها يجوز إضافتها، وقد صرح الجوهري3 بذلك؛ فقال: يقال "أتيته من علِ الدارِ" بكسر اللام، أي: من عالٍ، ومقتضى قوله4: وأعربوا نصبا إذا ما نكرا ... قبلا وما من بعده قد ذكرا أنها يجوز انتصابها على الظرفية، أو غيرها، وما أظن شيئا من الأمرين5 موجودا.

_ = مجرورة. مدبر: صفة رابعة لـ"منجرد" مجرورة. "معا" متعلق بـ"مقبل مدبر". "كجلمود": متعلق بمحذوف صفة لـ"منجرد"؛ أو متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف؛ والتقدير هو كجلمود، وجلمود مضاف. صخر: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره. حطه: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والهاء: ضمير متصل مبني على لاضم في محل نصب مفعولا به. السيل: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره. "من عل": متعلق بـ"حط". موطن الشاهد: "من عل". وجه الاستشهاد: مجيء "عل" مجرورا بـ"من"؛ لأن الشاعر قطعه عن الإضافة، ولم ينوِ لفظ المضاف إليه، ولا معناه، ولهذا أعربه، حيث لم يرد الشاعر أن الصخر ينحط من أعلى شيء خاص، وكان حقه التنوين؛ لأنه نكرة، ولكنه حذف للشعر. 1 أي لفظا، بل تستعمل مبنية على الضم لنية معنى المضاف إليه، أو منونة لقطعها عن الإضافة رأسا. 2 أبو الحسن؛ عبيد الله بن أحمد بن أبي الربيع القرشي الأموي الإشبيلي، إمام أهل النحو في زمانه، قرأ على الدباج والشلوبين، وأذن له في التصدر للقراءة، ولما استولى الفرنجة على إشبيلية جاء إلى سبتة، وقرأ بها النحو، وصنف فيه الإفصاح في شرح مسائل الإيضاح، كما شرح كتاب سيبويه، وشرح الجمل شرحا وافقا في عشر مجلدات، لم يشذ عنه مسألة في العربية، توفي سنة: 688هـ. بغية الوعاة: 1/ 319. غاية النهاية: 1/ 484، الأعلام: 4/ 191. 3 مرت ترجمته. 4 هذا من كلام ابن مالك في الألفية. 5 أي: جواز إضافتها، وجواز نصبها على الظرفية أو غيرها كالحالية، وأما قول الجوهري: يقال: "أتيته من على الدار" بالإضافة، فهو سهو كما في الشذور. التصريح: 2/ 54.

وإنما بسطت القول قليلا في شرح هاتين الكلمتين، لأني لم أر أحدا وفاهما حقهما من الشرح، وفيما ذكرته كفاية والحمد لله. [جواز حذف ما علم من مضاف أو مضاف إليه] : فصل: يجوز أن يحذف ما علم من مضاف ومضاف إليه. [حكم ما إذا كان المضاف هو المحذوف] : فإن كان المحذوف المضاف1؛ فالغالب أن يخلفه في إعرابه2 المضاف إليه؛ نحو: {وَجَاءَ رَبُّكَ} 3؛ أي: أمر ربك، ونحو: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} 4؛ أي: أهل القرية.

_ 1 يشترط لجواز حذف المضاف شرطان، أحدهما أن يقوم دليل على المحذوف، لئلا يقع اللبس، فلو قلت: جلست زيدا. تريد جلست جلوس زيد، لم يصح ذلك؛ لأنه ليس في الكلام ما يدل على الجلوس المقدر، والكلام يحتمل ما زعمت أنك تريده، ويحتمل أن يكون التقدير: جلست إلى زيد، فحذف حرف الجر، فانتصب الاسم الذي كان مجرورا، والشرط الثاني: أن يكون المضاف إليه مفردا لا جملة؛ لأنه لو كان المضاف إليه جملة لم يستدل على المحذوف، ولم تصح إقامة المضاف إليه مقام المضاف المحذوف. حاشية يس على التصريح: 2/ 55، والهمع: 2/ 51. 2 فيكون فاعلا في مكانه، ومفعولا، ومبتدأ وخبرا، وظرفا، وحالا ... إلخ، وكذلك في باقي أحكامه، كالتذكير والتأنيث والإفراد والتنكير ... إلخ. 3 89 سورة الفجر، الآية: 22. موطن الشاهد: {وَجَاءَ رَبُّكَ} . وجه الاستشهاد: مجيء المضاف محذوفا؛ للعلم به، ونيابة المضاف إليه منابه في إعرابه؛ لأن التقدير: وجاء أمر ربك؛ فلما حذف المضاف؛ وهو فاعل، حل محله المضاف إليه، وأعرب إعرابه على الفاعلية؛ وحكم هذا الحذف جائز باتفاق. 4 12 سورة يوسف، الآية: 82. موطن الشاهد: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} . وجه الاستشهاد: مجيء المضاف محذوفا؛ للعلم به، ونيابة المضاف إليه منابه في إعرابه؛ لأن التقدير: واسأل أهل القرية؛ فلما حذف المضاف؛ وهو مفعول به؛ حل محله المضاف إليه، وأعرب إعرابه على المفعولية؛ وحكم هذا الحذف جائز باتفاق.

وقد يبقى على جره؛ وشرط ذلك في الغالب: أن يكون المحذوف معطوفا، على مضاف بمعناه1؛ كقولهم: "ما مثل عبد الله ولا أخيه يقولان ذلك"2 أي: ولا مثل أخيه؛ بدليل قولهم: "يقولان" بالتثنية3؛ وقوله4: [المتقارب] 351- أكل امرئ تحسبين امرأ ... ونار توقد بالليل نارا5

_ 1 أي: يماثله لفظا ومعنى فقط، أو يقابله بأن يكون ضده أو نقيضه، ليكون المعطوف عليه دليلا على المحذوف. ويشترط كذلك أن يكون حرف العطف متصلا بالمضاف إليه، أو منفصلا منه "بلا" النافية. 2 فـ"أخيه" مجرور بإضافة "مثل" المحذوفة إليه، وهي معطوفة على "مثل" المذكورة. 3 أي: نظرا إلى المذكور والمحذوف، ولو كان "أخيه" معطوفا على "عبد الله" لكان العامل فيهما واحدا وهو "مثل"، وكان يجب أن يقال: يقول بالإفراد؛ لأنه خبر لاسم "ما" وهو مفرد. 4 القائل: هو أبو دؤاد الإيادي؛ حارثة بن الحجاج. وقد مرت ترجمته. 5 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 2/ 56، والأشموني: 651/ 2/ 325، وابن عقيل: 238/ 3/ 77، وسيبويه: 2/ 33، والكامل: 163، 498، وأمالي ابن الشجري: 1/ 296، والإنصاف: 743، وشرح المفصل: 3/ 26، 79، 5/ 142، 8/ 52، 9/ 105، والمقرب: 51، والخزانة: 2/ 253 عرضا، والهمع: 2/ 52، والدرر: 2/ 65، والمغني: 537/ 382، والسيوطي: 239. وديوان أبي دؤاد: 353. المفردات الغريبة: تحسبين: تظنين. توقد: تتوقد وتشتعل. المعنى: أتظنين كل شخص جديرا بأن يسمى رجلا؟ وكل نار تشتعل تسمى نارا، إنما الخليق باسم الرجل هو من اكتملت فيه صفات الرجولة الكريمة، والنار الجديرة بهذا الاسم، هي النار التي توقد للخير والقرى. الإعراب: أكل: الهمزة حرف استفهام، لا محل له من الإعراب، كل: مفعول به أول لفعل "تحسبين" الآتي تقدم عليه، وهو مضاف. امرئ: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. تحسبين: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والياء ضمير متصل في محل رفع فاعل. امرأ: مفعول به ثان لـ"تحسبين" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. ونار: الواو عاطفة، نار مجرور بإضافة اسم يقع معطوفا بالواو على المفعول الأول؛ وتقدير الكلام: وتحسبين كل نار. يوقد: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هي؛ وجملة "توقد": في محل جر صفة لـ"نار". "بالليل": متعلق =

أي: وكل نار؛ لئلا يلزم العطف على معمولي عاملين1. ومن غير الغالب قراءة ابن جماز2: {وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} 3؛ أي: عمل الآخرة، فإن المضاف ليس معطوفا؛ بل المعطوف جملة فيها المضاف4.

_ = بـ"توقد". نارا: اسم معطوف على "امرأ" المنصوب الواقع مفعولا ثانيا لـ"تحسبين"، والمعطوف على المنصوب منصوب مثله. موطن الشاهد: "ونار". وجه الاستشهاد: مجيء الواو عاطفة، و"نار" مجرورة على أنها مضاف إليه لـ"كل" محذوفة، معطوفة بالواو على كل المذكورة، وهذا هو الوجه الأقرب. ويمكن أن تكون مجرورة بإضافة مفعول أول محذوف لفعل محذوف؛ والتقدير: وتحسبين كل نار. 1 أي: إنما جعل المعطوف محذوفا، ولم يعطف "نار" الأولى على امرئ المعمول لكل، و"نار" الثانية على امرأ المعمول لتحسبين؛ لئلا يلزم عطف معمولين وهما "نار" المجرورة والمنصوبة على معمولين، وهما: امرئ وامرأ، لعاملين مختلفين وهما: "كل" و"تحسبين" بعاطف واحد وهو الواو، وذلك لا يجوز عند سيبويه والمبرد وابن السراد وهشام؛ لأن العاطف نائب عن العامل، والعامل الواحد لا يعمل جرا ونصبا، ولا يقوى أن ينوب عن عاملين. أما على حذف "كل" فيكون العطف على معمولي عامل واحد، وهو تحسبين، وذلك جائز. هذا وقد خالفهم في ذلك: الأخفش والكسائي والفراء والزجاج، وذهبوا إلى جوازه. مغني اللبيب: 632-633، والتصريح: 256. 2 هو أبو الربيع، سليمان بن مسلم بن جماز الزهري المدني، كان مقرئا جليلا وضابطا محسنا من أفاضل رواة أبي جعفر أحد القراء العشرة المشهورين توفي سنة: 70هـ. 3 8 سورة الأنفال، الآية: 67. أوجه القراءات: قرأ ابن جماز الزهري: والله يريد "الآخرة" بجر الآخرة على تقدير حذف مضاف؛ أي: يريد عمل الآخرة؛ وعلى هذا؛ فعمل المحذوف، ليس معطوفا وحده؛ بل المعطوف جملة من مبتدأ وخبر فيها المضاف "وعمل" على جملة فعلية؛ فيها مضاف غير مماثل للمحذوف؛ والأصل -على هذه القراءة- تريدون عرض الدنيا والله يريد عمل الآخرة. التصريح: 2/ 56. موطن الشاهد: {يُرِيدُ الْآخِرَةَ} . وجه الاستشهاد: بقاء المضاف إليه مجروروا على أصله بعد حذف المضاف "عمل"؛ وهذا قليل. 4 هذا: وقد يحذف أكثر من مضاف، فيقوم الأخير مقام الأول، فمثال حذف مضافين =

[حكم ما إذا كان المحذوف المضاف إليه] : وإن كان المحذوف المضاف إليه؛ فهو على ثلاثة أقسام؛ لأنه تارة يزول من المضاف ما يستحقه من إعراب وتنوين ويبنى على الضم؛ نحو: "ليس غير"، ونحو: {مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} 1، كما مر؛ وتارة يبقى إعرابه، ويرد إليه تنوينه؛ وهو الغالب؛ نحو: {وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ} 2، {أَيًّا مَا تَدْعُوا} 3؛ وتارة يبقى إعرابه، ويترك

_ = قوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} ، فإن الأصل: وتجعلون، بدل "شكر رزقكم" تكذيبكم، فحذف: "بدل، وشكر"، وكلاهما مضاف، وقام "رزق" مقام الأول. ومثال حذف ثلاثة قوله تعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} . أصله: فكان الرسول صلى الله عليه وسلم من جبريل قدر مسافة قرب قاب قوسين. فحل المضاف إليه الأخير: وهو "قاب" محل الأول وهو "قدر". وإذا حذف المضاف -بعد استيفاء شروط حذفه- جاز عدم الالتفات إليه عند عود الضمائر ونحوها، مما يقتضي المطابقة، كالتعريف والتنكير والإفراد وغير ذلك. وجاز مراعاته كأنه موجود. وقد اجتمع الأمران في قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} ، الأصل: وكم من أهل قرية، فرجع الضمير "ها" مؤنثا إلى القرية، ورجع الضمير "هم" مذكرا إلى "أهل" المحذوف. الأشموني: 2/ 324. 1 30 سورة الروم، الآية: 4. موطن الشاهد: {مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} . وجه الاستشهاد: بناء كل من "قبل" و"بعد" على الضم؛ لانقطاعه عن الإضافة، بعد حذف المضاف إليه؛ وكلاهما في محل جر بمن، كما أسلفنا. 2 25 سورة الفرقان، الآية: 39. موطن الشاهد: "كلا". وجه الاستشهاد: انتصاب "كلا" وتنوينه؛ لأنه حذف المضاف إليه، ولم يُنْوَ لفظه، ولا معناه، ورد إليه التنوين؛ الذي حذف للإضافة؛ لأنه رجع إلى حالته الإعرابية قبلها. 3 17 سورة الإسراء الآية: 110. موطن الشاهد: {أيًّا} . وجه الاستشهاد: انتصاب "أيا" -وهو من أسماء الشرط-؛ لانقطاعه عن الإضافة؛ ولم ينو لفظ المضاف إليه، ولا معناه، ورد إليه التنوين: الذي حذف للإضافة، كما في الآية السابقة.

تنوينه1، كما كان في الإضافة، وشرط ذلك في الغالب أن يعطف عليه اسم عامل في مثل المحذوف؛ وهذا العامل إما مضاف؛ كقولهم: "خذ ربع ونصف ما حصل"2، أو غيره؛ كقوله3: [الرجز] 352- بمثل أو أنفع من وبل الديم4

_ 1 وذلك إذا حذف المضاف إليه، ونوي ثبوت لفظه، فلا يتغير إعراب المضاف، ولا يرد إليه ما حذف للإضافة، كالتنوين والنون إن كان مثنى أو مجموعا. 2 ذهب النحاة في تخريج هذا المثال مذهبين: الأول: أن هذا المثال من باب حذف المضاف إليه، وإبقاء المضاف على حاله الذي كان يستحقه حين الإضافة؛ وأصل الكلام على هذا المذهب: خذ ربع ما حصل ونصف ما حصل؛ بإضافة ربع إلى اسم موصول، وإضافة نصف إلى اسم موصول مشبه للاسم الموصول الأول، فحذفوا الاسم الموصول الأول الذي أضيف إليه ربع وصلته؛ لدلالة الاسم الموصول الثاني وصلته عليه، وأبقوا المضاف على إعرابه وترك تنوينه؛ لأن المضاف إليه المحذوف منوي الثبوت، وهذا مذهب المبرد واختاره ابن مالك وابن هشام تبعا له. الثاني: أن هذا المثال ونحوه من باب الفصل بين المضاف والمضاف إليه؛ وأصل الكلام على هذا خذ ربع ما حصل ونصفه، ثم أقحم ونصفه بين المضاف "ربع"؛ والمضاف إليه "ما حصل" فصار الكلام خذ ربع ونصفه ما حصل، ثم حذف الضمير فصار: خذ ربع ونصف ما حصل. وإنما حذفوا الضمير إصلاحا للفظ، وهذا مذهب سيبويه والجمهور، والمذهب الأول أقرب مأخذا من هذا، ومثل هذا المثال قولهم: قطع الله يد ورجل من قالها، وقول الفرزدق: يا من رأى عارضا أسر به ... بين ذراعي وجبهة الأسد انظر التصريح: 2/ 56-57، الأشموني: 2/ 326، سيبويه: 1/ 92. 3 لم ينسب إلى قائل معين. 4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت من الرجز وصدره قوله: علقت آمالي فعمت النعم وهو من شواهد: التصريح: 2/ 57، والعيني: 3/ 451. المفردات الغريبة: علقت: وصلت. آمالي: جمع أمل، وهو ما يطمع فيه المرء =

ومن غير الغالب؛ قولهم: "ابدأ بذا من أول"، بالخفض من غير تنوين1، وقراءة بعضهم: {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} 2؛ أي: فلا خوف شيء عليهم3.

_ = ويرجوه. وبل، الوبل: المطر الغزير كالوابل. الديم: جمع ديمة، وهي المطر الدائم لا رعد فيه ولا برق. المعنى: وصلت آمالي وما أرجوه في الحياة، ووضعتها بين يدي رجل أسبغ علي نعمه وعمني بفضله، فكان مثل الغيث العميم، أو أكثر منه نفعا. الإعراب: علقت: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل. آمالي: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم؛ والياء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. فعمت: الفاء عاطفة، عم: فعل ماض، والتاء: للتأنيث. النعم: فاعل مرفوع، وسكن لضرورة الشعر. "بمثل": متعلق بـ"علق"، و"مثل" مضاف إلى محذوف يدل عليه المذكور بعده، والتقدير: بمثل وابل الديم. أو: حرف عطف. أنفع: اسم معطوف على مثل، مجرور وعلامة جره الفتحة بدل الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف. "من وابل": متعلق بـ"أنفع"، ووابل مضاف. الديم: مضاف إليه مجرور، وسكن لضرورة الشعر. موطن الشاهد: "بمثل". وجه الاستشهاد: حذف المضاف إليه بعد مثل؛ لدلالة "وابل الديم" عليه؛ والتقدير: بمثل وابل الديم، أو أنفع من وابل الديم. 1 أي: على نية لفظ المضاف إليه، والتقدير: من أول الأمر. حكى ذلك أبو علي الفارسي. 2 5 سورة المائدة، الآية: 69. أوجه القراءات: قرأ ابن محيصن: "فلا خوف" بالرفع من غير تنوين، وقرأ ابن يعقوب: "فلا خوف" بالفتح من غير تنوين على الإعمال؛ وقرأ الجمهور: "فلا خوف عليهم" بالرفع والتنوين. أوجه القراءات: قراءة الرفع -من غير تنوين- على أن "لا" مهملة، أو عاملة عمل ليس؛ وقراءة الفتح: على أن "لا" عاملة عمل "إن". موطن الشاهد: {فَلا خَوْفٌ} . وجه الاستشهاد: حذف المضاف إليه -على هذه القراءة- مع نية لفظ المضاف إليه؛ والتقدير: فلا خوف شيء عليهم؛ وذلك على تقدير الفتحة إعرابا، وأما إن قدرت بناء فلا شاهد في الآية على هذه القراءة. 3 "خوف" بالضم بلا تنوين على أن "لا" مهملة، أو عاملة عمل ليس، وبالفتح على أن =

.................................................

_ = "لا" عاملة عمل "إن"، فإن قدرت الفتحة إعرابا ففيه الشاهد، وإن قدرت بناء فلا. وقد يحذف المضاف إليه ويبقى المضاف على حاله؛ إذا كان معطوفا على مضاف إلى مثل المحذوف، عكس الصورة المذكورة. ومنه الحديث: عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -سبع غزوات، أو ثمانيَ- بفتح الياء بلا تنوين، أي ثماني غزوات. ويقتصر في هذا على السماع. الأشموني: 2/ 326. فائدة: اعلم أن حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه قد يكون قياسيا، وقد يكون سماعيا، فأما السماعي فضابطه أن يكون المضاف إليه الباقي صالحا لأن ينسب إليه ما كان منسوبا للمضاف المحذوف قبل الحذف كما في قول عمر بن أبي ربيعة: لا تلمني عتيق حسبي الذي بي ... إن بي يا عتيق ما قد كفاني فأراد عمر أن يقول: لا تلمني يابن أبي عتيق غير أن وزن الشعر لم يمكنه من أن يقول ذلك, وعتيق الذي كان مضافا إليه قبل الحذف صالح لأن ينادى، وينهى عن ترك اللوم. وأما القياسي، فضابطه العام أن يكون المضاف إليه الباقي غير صالح في نفسه لأن يُنسب إليه العامل الذي كان منسوبا قبل الحذف إلى المضاف، وهذا الجنس يقع في كثير من مواقع الإعراب منها: أ- أن يكون المضاف قبل الحذف فاعلا كما في قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} ، والتقدير: وجاء أمر ربك؛ لأن نسبة المجيء إلى الله تعالى لما تقتضيه من المكانية والانتقال مستحيلا. ب- أن يكون المضاف قبل حذفه مبتدأ في الحال، أو في الأصل، كما في قوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ} ، والتقدير: ولكن أهل البر من آمن. وكقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} ، والتقدير: زمن الحج أشهر. ح- أن يكون المضاف قبل حذفه خبر مبتدأ، كقول الشاعر: وشر المنايا ميت وسط أهله والتقدير: وشر المنايا منية ميت وسط أهله، وقد تحتمل الآيتان في الموضع الثاني هذا الوجه فيكون تقدير الأولى: ولكن البر بر من آمن. ويكون تقدير الثانية: الحج حج أشهر معلومات. د- أن يكون المضاف مفعولا به قبل الحذف، كقوله تعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} ، والتقدير: وأشربوا في قلوبهم حب العجل. هـ- أن يكون المضاف قبل حذفه مفعولا مطلقا، كقول الأعشى: ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... وبت كما بات السليم مسهدا =

[الفصل بين المتضايفين] : فصل: زعم كثير من النحويين: أنه لا يفصل بين المتضايفين إلا في الشعر1؛ والحق أن مسائل الفصل سبع؛ منها ثلاث جائزة في السعة2:

_ = والتقدير: ألم تغتمض عيناك اغتماض ليلة أرمدا. و أن يكون المضاف قبل حذفه مفعولا فيه، كقولهم: "جاءنا طلوع الشمس" والتقدير: جاءنا وقت طلوع الشمس. وكقولهم: "حدث هذا إمارة الحجاج" والتقدير: حدث هذا زمن إمارة الحجاج. ز- أن يكون المضاف قبل حذفه مفعولا معه، كقولك: "جاء زيد والشمس" والتقدير: جاء زيد وطلوع الشمس. ح- أن يكون المضاف قبل حذفه حالا، كما في المثل: "تفرقوا أيدي سبأ" والتقدير: تفرقوا مثل أيدي سبأ. ط- أن يكون المصاف قبل حذفه مجرورا بحرف جر، كقوله تعالى: {تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} ، والتقدير: تدور أعينهم كدوران عين من يغشى عليه. ي- أن يكون المضاف قبل الحذف مجرورا بإضافة شيء إليه، كقول النابغة: ولا يحول عطاء اليوم دون غد. ك- أن يكون المضاف قبل حذفه مفعولا لأجله، كقولك: "زرنا الشيخ فضله" والمراد: زرنا الشيخ ابتغاء فضله وهذا الموضع ذكره ابن الخباز. انظر المغني: 811، أوضح المسالك: 3/ 174-176. 1 ذلك لأن المضاف إليه بمنزلة الجزء من المضاف، فكما لا يفصل بين أجزاء الاسم، لا يفصل بينه وبين ما نزل منزلة الجزء منه؛ وهذا رأي البصريين، وهو رأي حسن؛ لأن الفصل بين المتضايفين يُبعد المعنى عن الذهن، ويحتاج إلى تفكير لفهمه، ولا بد من قرينة تدل على ذلك، ومما جاء من الفصل بين المتضايفين في الشعر قول عمرو بن قميئة: لما رأت ساتيذما استعبرت ... لله در اليوم من لامها فـ"در" -في البيت- مضاف إلى "من لامها"، وقد فصل بينهما بالظرف اليوم و"ساتيذما" اسم جبل، استعبرت: بكت. انظر التصريح: 2/ 57، سيبويه: 1/ 90. 2 وضابطها أن يكون المضاف؛ إما اسما يشبه الفعل والفاصل بينهما معمول للمضاف منصوب، أو اسما لا يشبه الفعل والفاصل القسم.

[المسائل التي يجوز الفصل فيها في سعة الكلام] : إحداها: أن يكون المضاف مصدرا والمضاف إليه فاعله، والفاصل إما مفعوله؛ كقراءة ابن عامر1: "قتلُ أولادَهم شركائِهم"2، وقول الشاعر3: [الطويل] 353- فسقناهم سوق البغاث الأجادل4

_ 1 مرت ترجمته. 2 6 سورة الأنعام، الآية: 137. أوجه القراءات: قرأ ابن عامر: "زُين لكثيٍر قتلُ أولادَهم شركائهم"، وقرأ الجمهور: {زَيَّنَ} بفتح الزاي والياء؛ وروي -أيضا- عن ابن عامر أنه قرأ: "زُين" بضم الزاي، ورفع "قتل"، وخفض "الأولاد"؛ فيصير الشركاء اسما للأولاد؛ لمشاركتهم الآباء في النسب والميراث والدين. انظر البحر المحيط: 4/ 229، وإعراب القرآن، للنحاس، وتفسير القرطبي: 7/ 91-92. أوجه القراءات: من قرأ "زُين" بالبناء للمجهول، ورفع "قتل" على أنه نائب فاعل، ورفع "شركاء" حملا على المعنى، كأنه قيل: من زينه لهم؟ قيل: شركاؤهم؛ وأضيفت "الشركاء" إليهم؛ لأنهم هم استخرقوها وجعلوها شركاء الله؛ تعالى الله عن ذلك؛ فباستخراقهم لها أضيفت إليهم. ومن قرأ هذه القراءة، ونصب "الأولاد" وخفض الشركاء بإضافة القتل إليهم؛ فهي قراءة بعيدة لما سيأتي. موطن الشاهد: "قتلُ أولادَهم شركائِهم". وجه الاستشهاد: رفع "قتلُ" على أنه نائب فاعل، لـ"زُين" وجر "شركائهم" على إضافة "قتل" إليه، من إضافة المصدر إلى فاعله، باعتبار أمرهم به، ونصب "أولادهم" على أنه مفعول به؛ وقد فصل بين المتضايفين؛ وقال بعضهم: والفصل في هذا حسن. التصريح: 2/ 57. 3 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: عتوا إذ أجبناهم إلى السلم رأفة. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 57، والأشموني: 655/ 2/ 327، والعيني: 3/ 465. المفردات الغريبة: عتوا: من العتو، وهو مجاوزة الحد. السلم "بكسر السين =

وإما ظرفه؛ كقول بعضهم: "ترك يوما نفسك وهواها"1.

_ = وفتحها": الصلح: البغاث "بفتح الباء بزنة السحاب وبكسرها بزنة الكتاب وبضمها بزنة الغراب": طائر ضعيف يصاد ولا يصيد ولا نفع له. الأجادل: جمع أجدل، وهو الصقر. المعنى: أن أعداءنا تكبروا، وطغوا، وأفسدوا، لما رحمناهم وسالمناهم وصالحناهم رأفة بهم، ولما بدر منهم ذلك لم نر بدا من أن نطاردهم ونأخذهم بالقسوة والشدة، فسقناهم أمامنا كما تسوق كواسر الطير -الأجادل- الطيور الضعيفة كالبغاث منها. الإعراب: عتوا: عتا: فعل ماض، مبني على الضم المقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين، والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل، والألف للتفريق. "إذ": متعلق بـ"عتوا"، ظرف لما مضى من الزمان مبني على السكون في محل نصب. أجبناهم: فعل ماضٍ مبني على السكون، و"نا" ضمير متصل في محل رفع فاعل، و"هم": ضمير متصل في محل نصب مفعول به؛ وجملة "أجبناهم": في محل جر بالإضافة: "إلى السلم": متعلق بـ"أجاب". رأفة: مفعول لأجله منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. فسقناهم: الفاء عاطفة، ساقه: فعل ماض، و"نا" فاعله، و"هم" مفعوله. سوق: مفعول مطلق، مبين للنوع منصوب بـ"ساق"، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وهو مضاف. الأجادل: مضاف إليه مجرور من إضافة المصدر إلى فاعله. البغاث: مفعول به للمصدر سوق؛ وقد فصل بهذا المفعول بين المصدر "سوق"، وفاعله "الأجادل". موطن الشاهد: "سوق البغاث الأجادل". وجه الاستشهاد: الفصل بين المضاف "سوق"، والمضاف إليه "الأجادل" فاعل المصدر بالمفعول "البغاث" لأن التقدير: سوق الأجادل البغاث، ومثل هذا البيت قول الشاعر: "ترك يوما نفسك وهواها سعي لها في رداها" فقوله: "زد" مصدر أضيف على فاعله "أبي مزاده"، وقد فصل بين المضاف والمضاف إليه بمفعول المصدر "القلوص". 1 نصيحة نثرية، وهي بتمامها: "ترك يوما نفسك وهواها سعي لها في رداها" ترك: مصدر مبتدأ. يوما: ظرف منصوب به، وقد فصله من المضاف إليه، وهو نفسك الواقع فاعلا للمصدر، ومفعوله محذوف. وهواها: مفعول معه، أي: ترك نفسك شأنها يوما مع هواها. سعي: خبر المبتدأ. ويجوز أن يكون المصدر مضافا إلى مفعوله والفاعل محذوف، أي: تركك نفسك.

الثانية: أن يكون المضاف وصفا1، والمضاف إليه إما مفعوله2 الأول، والفاصل مفعوله الثاني؛ كقراءة بعضهم: "فلا تحسبن الله مخلف وعدَه رسلِه"3، وقول الشاعر4: [الكامل] 354- وسواك مانع فضله المحتاج5

_ 1 اسم فاعل بمعنى الحال، أو الاستقبال. 2 لم يأت المصنف لـ"إما" هذه بمقابل، والصواب تأخيرها بعد كلمة "الفاصل"؛ لأن التنويع فيه، وأن يقول: والفاصل إما مفعوله الثاني؛ لأنه قد عادل ذلك؛ بقوله: أو ظرفه. 3 14 سورة إبراهيم، الآية: 47. موطن الشاهد: "مخلف وعدَه رسلِه". وجه الاستشهاد: وقوع "مخلف" اسم فاعل متعدٍّ لاثنين، وهو مضاف، و"رسله" مضاف إليه، من إضافة الوصف إلى مفعوله الأول، و"وعده" مفعوله الثاني؛ وفصل به بين المضاف والمضاف إليه؛ والأصل: فلا تحسبن الله مخلف رسله وعده. انظر التصريح: 2/ 58. 4 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: ما زال يوقن من يؤمك بالغنى وهو من شواهد: التصريح: 2/ 58، والأشموني: 658/ 2/ 327، والعيني: 3/ 469. المفردات الغريبة: يوقن: يعلم علما لا شك فيه. يؤمك: يقصدك. المحتاج: الذي به حاجة إلى غيره. المعنى: أن من يقصدك طالبا معروفك ونداك يعلم علما لا يخالطه شك أنك ستغنيه وتجيب سؤله، وأما غيرك فيمنع المحتاجين فضله ووفرة ماله. الإعراب: ما زال: ما: نافية، زال: فعل ماضٍ ناقص. يوقن: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو يعود إلى اسم زال المتأخر، وجملة "يوقن": في محل نصب خبر "زال" تقدم على اسمه. من: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع اسم "زال" تأخر عن الخبر. يؤمك: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو، والكاف: ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعولا به، وجملة "يؤمك": صلة للموصول لا محل لها من الإعراب. بالغنى: متعلق بـ"يوقن". وسواك: الواو عاطفة، سوى: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة =

أو ظرفه؛ كقوله عليه الصلاة والسلام: "هل أنتم تاركو لي صاحبي" 1، وقول الشاعر2: [الطويل] 355- كناحت يوما صخرة بعسيل3

_ = المقدرة على الألف للتعذر، وهو مضاف، والكاف في محل جر مضاف إليه. مانع: خبر مرفوع، وهو مضاف. المحتاج: مضاف إليه. فضله: مفعول به لمانع، وهو مضاف، والهاء: في محل جر مضاف إليه. موطن الشاهد: "مانع فضله المحتاج". وجه الاستشهاد: مجيء مانع اسم فاعل من فعل "منع" الذي يتعدى إلى مفعولين، وقد اضاف الشاعر هذا العامل إلى مفعوله الأول "المحتاج"؛ وفصل بينهما بالمفعول الثاني "فضله"؛ لأن الأصل: وسواك مانع المحتاج فضله. 1 هذا جزء من حديث شريف رواه أبو الدرداء، قاله الرسول صلى الله عليه وسلم حين وقع خلاف بين أبي بكر وبعض الصحابة؛ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "فهل أنتم تاركو لي صاحبي". والحديث أخرجه البخاري: 7/ 18، وجامع الأصول: 8/ 592 برواية "تاركون". موطن الشاهد: "تاركو لي صاحبي". وجه الاستشهاد: وقوع "تاركو" -جمع تارك- اسم فاعل من "ترك"، وهو مضاف إلى مفعوله "صاحبي"؛ بدليل حذف النون من "تاركو"، و"لي": جار ومجرور متعلق بـ"تاركو"، وقد فصل به بين المضاف والمضاف إليه؛ لأن الأصل: هل أنتم تاركون صاحبي لي. انظر التصريح: 2/ 58. 2 لو يُنسب البيت إلى قائل معين. 3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: فرشني بخير لا أكونن ومدحتي وهو من شواهد: التصريح: 2/ 58، والأشموني: 659/ 2/ 328، والعيني: 3/ 481، والهمع: 2/ 52، والدرر: 2/ 66، واللسان "عسل". المفردات الغريبة: رشني: فعل أمر: من راش السهم، ألزق عليه الريش لتقويته، والمراد: قوني وأصلح شأني. بعسيل، العسيل: مكنسة العطار التي يجمع بها العطر. المعنى: يخاطب الشاعر من يستجديه، ويطلب عونه قائلا: قوني وأصلح لي شأني، ولا تبخل علي وتخيب آمالي فيك، حتى لا أكون في مدحي لك، وثنائي عليك كمن ينحت الصخر بمكنسة العطار؛ والمراد أن جودة شعره في مدحه لم تؤثر فيه. الإعراب: فرشني: الفاء استئنافية، رش: فعل أمر مبني على السكون، والفاعل ضمير =

الثالثة: أن يكون الفاصل قسما؛ كقولك: "هذا غلام والله زيد"1. [المسائل التي تختص بالشعر] : والأربع الباقية تختص بالشعر: إحداها: الفصل بالأجنبي، ونعني به معمول غيره المضاف؛ فاعلا كان؛ كقوله2: [المنسرح]

_ = مستتر وجوبا تقديره: أنت، والنون للوقاية، والياء: مفعول به. "بخير": متعلق بـ"رش". لا أكونن: لا: نافية، أكونن: فعل مضارع ناقص، مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، والنون: لا محل لها من الإعراب، واسم أكون ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره "أنا". ومدحتي: الواو واو المعية، مدحة: مفعول معه منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، و"مدحة" مضاف و"ياء المتكلم" مضاف إليه. "كناحت": متعلق بمحذوف خبر أكون، و"ناحت" مضاف، و"صخرة" مضاف إليه مجرور من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله. "يوما" متعلق بـ"ناحت"، وقد فصل بالظرف بين المضاف "ناحت" والمضاف إليه "صخرة". "بعسيل": متعلق بـ"ناحت". موطن الشاهد: "كناحت يوما صخرة". وجه الاستشهاد: مجيء "ناحت" اسم فاعل مضاف إلى مفعوله "صخرة"، وقد فصل بينما بالظرف "يوما" كما بينا في الإعراب. 1 بجر "زيد" بإضافة "غلام" إليه. وقد ذكر الكسائي عن العرب أنهم يقولون ذلك. وحكى أبو عبيده عن العرب قولهم: إن الشاة لتجتر فتسمع صوت والله ربها. ومن مواضع الفصل اختيارا، وزاده ابن مالك في الكفاية؛ الفصل بـ"إما" كقول تأبط شرا: هما خطتا إما إسار ومنة ... وإما دم والقتل بالحر أجدر أي: هما خطتا إسار. وقد حذفت نون المثنى المضاف وفصل بينهما بإما. والخطة: الحالة والطريقة. وإسار: أي: أسر ووقوع في يد العدو. ومنة: أي: امتنان وعفو بإطلاق السراح. أي: أن الخطتين المعلومتين من السياق، هما: خطتا أسر وامتنان إن رأيتم العفو، أو قتل وهو أولى بالحر، وهذا تهكم واستهزاء. وقد حكى ابن الأنباري: هذا غلام إن شاء الله أخيك، ففصل بإن شاء الله. هذا: ويشترط في الفصل مطلقا: ألا يكون المضاف إليه ضميرا؛ لأنه لا يفصل من عامله. الأشموني: 2/ 328-329، والتصريح: 2/ 58، والإنصاف. 2 القائل: هو الأعشى ميمون بن قيس، وقد مرت ترجمته.

356- أنجب أيام والده به ... إذ نجلاه فنعم ما نجلا1 أو مفعولا؛ كقوله1: [البسيط] 357- تسقي امتياحا ندى المسواك ريقتها2 أي: تسقي ندى ريقتها المسواك.

_ 1 تخريج الشاهد: البيت من قصيدة في مدح سلامة ذا فائش الحميري، هو من شواهد: التصريح: 2/ 58، والأشموني: 661/ 2/ 328، والمحتسب: 1/ 152، وأسرار البلاغة: 380، ومعاهد التنصيص: 1/ 253، وديوان الأعشى: 157. المفردات الغريبة: أنجب: من أنجب الرجل -ولد ولدا نجيبا. نجلاه: ولداه. المعنى: أن والدي هذا المولود أتيا بولد نجيب حين ولداه، فنعم المولود الذي أنجباه. الإعراب: أنجب: فعل ماضٍ مبني على الفتح. "أيام": متعلق بـ"أنجب" منصوب. والداه: فاعل مرفوع، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه. "به": متعلق بـ"أنجب". إذ: ظرف زمان مضاف إليه لأيام؛ من إضافة العام إلى الخاص وقد فصل بينهما بأجنبي من المضاف، وهو "والداه" الواقع فاعلا لأنجب. نجلاه: فعل ماضٍ مبني على الفتح، وألف الاثنين في محل رفع فاعل والهاء في محل نصب مفعولا به، وجملة "نجلاه" في محل جر بالإضافة بعد "إذ". فنعم: نعم: فعل ماضٍ لإنشاء المدح، ما: اسم موصول في محل رفع فاعل نعم. نجلا: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والألف في محل رفع فاعل، وجملة "نجلا": صلة للموصول لا محل لها من الإعراب، والعائد إلى الاسم الموصول ضمير منصور بـ"نجلا" محذوف، وتقدير الكلام: فنعم الذي نجلا؛ وهذا هو الوجه الأرجح. موطن الشاهد: "أنجب أيام والداه به إذ نجلا". وجه الاستشهاد: الفصل بين المضاف "أيام"، والمضاف إليه "إذ نجلا"؛ حيث إن "إذ" ظرف زمان أضيف إلى أيام، والفاصل بينهما أجنبي ليس معمولا للمضاف، وهذا الفاصل "والداه" فاعل أنجب، ولا علاقة له بالمضاف؛ لأن أصل البيت أنجب والده به أيام إذ نجلاه فنعم ما نجلا؛ وفي البيت أيضا فصل بالجار والمجرور "به"؛ وهذا يدل على جواز الفصل بأكثر من معمول أجنبي للضرورة. 1 القائل هو: جرير بن عطية، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: كما تضمن ماء المزنة الرصف =

أو ظرفا؛ كقوله1: [الوافر]

_ = والبيت من قصيدة يمدح فيها يزيد بن عبد الملك بن مروان ويذم آل المهلب، وقبله قوله: ما ستوصف الناس عن شيء يروقهم ... إلا أرى أم عمرو فوق ما وصفوا كأنهم مزنة غراء واضحة ... أو درة لا يواري ضوءها الصدف والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 58، والأشموني: 662/ 2/ 328، والعيني: 3/ 374، والهمع: 2/ 52، والدرر: 2/ 66، وديوان جرير: 386. المفردات الغريبة: امتياحا: مصدر امتاح، أي غرف الماء، والمراد هنا الاستياك. الندى: البلل. المسواك: العود الذي يستاك به. ريقتها؛ الريقة: الرضاب، وهو ماء الفم. المزنة: السحابة البيضاء. الرصف: الحجارة المرصوفة، والمفرد رصفة. المعنى: أن أم عمرو تسقي من رضاب فمها المسواك الذي تستاك به فيشتمل على ريقها العذب الصافي كما تشتمل الحجارة المرصوفة على ماء المطر الصافي، ذلك أن الماء المتراكم فوق هذه الحجارة أصفى وأنقى ما يعرف العرب من الماء. الإعراب: تسقي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء؛ للثقل، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هي يعود إلى أم عمرو. امتياحا: مصدر نائب عن ظرف الزمان؛ أي: وقت امتياحها، أو حال مؤولة بمشتق؛ أي: ممتاحة، والتقدير: حال كونها ممتاحة: أي: مستاكة. ندى: مفعول به ثان لـ"تستقي" تقدم على المفعول الأول منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر، وهو مضاف. ريقتها: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة، وهو مضاف، و"ها" في محل جر بالإضافة. المسواك: مفعول به أول لـ"تسقي"، وقد فصل به بين المضاف "ندى"، والمضاف إليه "ريقتها"؛ لأن أصل الكلام تسقي أم عمرو المسواك ندى ريقها. كما: الكاف حرف جر، ما: مصدرية. تضمن: فعل ماضٍ مبني على الفتح. ماء: مفعول به منصوب وهو مضاف. المزنة: مضاف إليه مجرور. الرصف: فاعل مرفوع؛ والمصدر المؤول من "ما وما دخلت عليه": في محل جر بحرف الجر؛ والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لمصدر محذوف يقع مفعولا مطلقا لـ"تسقي"، وتقدير الكلام تسقي أم عمرو المسواك ندى ريقتها سقيا مشابها لتضمن الرصف ماء المزنة. موطن الشاهد: "ندى المسواك ريقتها". وجه الاستشهاد: فصل الشاعر بين المضاف "ندى"، والمضاف إليه "ريقتها" بـ"المسواك"، وهو مفعول "تسقي"، ومعلوم أنه أجنبي غير معمول للمضاف. 1 القائل: هو أبو حية النميري، واسمه: الهيثم بن الربيع بن زرارة: شاعر مجيد وراجز =

358- كما خط الكتاب بكف يوما ... يهودي يقارب أو يزيل1 الثانية: الفصل بفاعل المضاف؛ كقوله2: [الرجز] 359- ولا عدمنا فهر وجد صب3

_ = فصيح من أهل البصرة، ومن مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، كان أهوج جبانا كذابا، توفي سنة: 183هـ. تجريد الأغاني: 4/ 1758، الشعر والشعراء: 2/ 774، والأغاني: 15/ 61، والخزانة: 4/ 283. 1 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 2/ 59، والأشموني: 663/ 2/ 328، وابن عقيل: 24/ 3/ 83، وسيبويه: 1/ 91، والمقتضب: 1/ 237، 4/ 377، والإنصاف: 1/ 432، وشرح المفصل: 1/ 103، 2/ 250. والعيني: 3/ 470، والهمع: 2/ 52، والدرر: 2/ 66. المفردات الغريبة: يقارب: يجعل بعض الكتابة قريبا من بعض. يزيل: يفرق ويباعد بينها. المعنى: أن رسم هذه الدار محكم منسق على حسب المواقع، كخط الكتاب الذي يكتبه يهودي ماهر، فيدني بعض الكتابة من بعضها أحيانا، ويباعد بينها أحيانا أخرى تبعا لما يتطلبه الرونق والجمال؛ وخص اليهودي؛ لأنه من أهل الكتاب فيما يعرف العرب. الإعراب: كما: الكاف حرف تشبيه وجر، وما: مصدرية لا محل لها من الإعراب. خط: فعل ماضٍ مبني للمجهول. الكتاب: نائب فاعل مرفوع. "بكف": متعلق بـ"خط". "يوما": متعلق بـ"خط"؛ وكف مضاف. يهودي: مضاف إليه مجرور. يقارب: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو. وجملة "يقارب": في محل جر صفة لـ"يهودي"، أو: حرف عطف مبني على السكون، لا محل له من الإعراب. يزيل: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو؛ وجملة "يزيل": معطوفة على جملة "يقارب": في محل جر. موطن الشاهد: "بكف يوما يهودي". وجه الاستشهاد: الفصل بالظرف يوما بين المضاف "بكف"، والمضاف إليه "يهودي"؛ ومعلوم أن هذا الظرف أجنبي من المضاف؛ لأنه لم يتعلق به، وهو ظرف لقوله "خط"؛ وأصل الكلام: كما خط الكتاب يوما بكف يهودي. 2 لم ينسب هذا الرجز إلى قائل معين. 3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: ما إن رأينا للهوى من طب =

ويحتمل أن يكون منه أو من الفصل بالمفعول قوله1: [الوافر]

_ = وهو من شواهد: التصريح: 2/ 59، والأشموني: 668/ 2/ 329، والعيني: 3/ 482، والهمع: 2/ 53، والدرر: 2/ 67. المفردات الغريبة: الهوى: العشق، أو محبة الإنسان الزائدة للشيء. طب: علاج الجسم والنفس. عدمنا: فقدنا. قهر: غلبة. وجد: شدة الشوق والحب. صب: من الصبابة؛ وهي رقة الشوق وجراءته. المعنى: لم يجد من برح به العشق علاجا ينفع ويشفي؛ إذ كثيرا ما يغلب الحب والشوق على لعاشق، فيملك عليه نفسه وقلبه، ويقوده إلى حتفه. الإعراب: ما إن: ما نافية مهملة، إن: حرف زائد، لا محل له من الإعراب. راينا: فعل ماضٍ مبني على السكون، و"نا": ضمير متصل في محل رفع فاعل. "للهوى": متعلق بمحذوف واقع مفعولا ثانيا لـ"رأى"، تقدم على مفعوله الأول، والتقدير: ما رأينا علاجا نافعا للهوى. من: حرف جر زائد. طب: اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه مفعول به أول لـ"رأى". ولا: الواو: عاطفة، لا: حرف زائد لتأكيد النفي. عدمنا: فعل ماضي مبني على السكون، و"نا": ضمير متصل في محل رفع فاعل. قهر: مفعول به منصوب، وهو مضاف. صب: مضاف إليه مجرور؛ من إضافة المصدر لمفعوله؛ وقوله: "وجد": فاعل لـ"قهر"؛ وقد فصل به بين المضاف، والمضاف إليه كما سنرى في وجه الاستشهاد. موطن الشاهد: "قهر وجد صب". وجه الاستشهاد: الفصل بين المضاف "قهر"، والمضاف إليه "صب" بفاعل المضاف "وجد"؛ لأنه فاعل المصدر "قهر". فائدة: يلاحظ في المسألة الأولى من مسائل الجواز في السعة جواز الفصل بين المصدر المضاف، وفاعله بالمفعول، كما في قوله تعالى: "قتل أولادهم شركائهم"، ونلحظ -هنا- امتناع إضافة المصدر إلى مفعوله، والفصل بالفاعل في السعة فما الفرق مع أنه معلوم جواز إضافة المصدر إلى فاعله، ومفعوله على حد سواء؟ ولعل السبب في ذلك هو أن إضافة المصدر إلى المفعول مع ذكر الفاعل فيه خلاف بين النحاة، حتى منعه بعضهم، على أن المعول عليه هو السماع. 1 هو: الأحوص؛ محمد بن عبد بن عاصم بن ثابت الأوسي، وعاصم من الأنصار وهو حمي الدبر، والأحوص شاعر هجاء، وصاحب نسب من طبقة جميل بن معمر، سمي الأحوص؛ لضيق في مؤخر عينه، توفي سنة 105هـ. الشعر والشعراء: 1/ 518، والجمحي: 1/ 137، والأغاني: 4/ 40، والخزانة: 1/ 231.

360- فإن نكاحها مطر حرام1

_ 1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: فإن يكن النكاح أحل شيء والبيت: من قصيدة للشاعر. وكان قد هوي امرأة وشبب بها، ثم زوجها أهلها رجلا اسمه مطرن وبعد الشاهد قوله: فلا غفر الإله لمنكحيها ... ذنوبهم وإن صلوا وصاموا والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 59، والأشموني: 669/ 2/ 329، والعيني: 3/ 466، والمغني: 1132/ 881، والسيوطي: 322. المفردات الغريبة: النكاح: الزواج. مطر: اسم رجل من أقبح الرجال، وزوجته من أجمل النساء، وكانت تريد فراقه وهو يأبى ذلك. وقيل: إن الأحوص كان يهواها ولكن أهلها زوجوها مطرا هذا. المعنى: والله لئن كان الزواج أحل شيء؛ فإن زواج مطر من تلك المرأة، يعد حراما؛ لأنه غير كفء لها؛ لقباحته مع جمالها. الإعراب: إن: حرف شرط جازم. يكن: فعل الشرط مجزوم، وعلامة جزمه السكون، وحرك بالكسر؛ لالتقاء الساكنين، وهو فعل مضارع ناقص. النكاح: اسم "يكن" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. أحل: خبر "يكن" منصوب، وهو مضاف. شيء: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة. فإن: الفاء واقعة في جواب الشرط، إن حرف مشبه بالفعل. نكاحها: اسم "إن" منصوب، وهو مضاف، و"ها": مضاف إليه؛ من إضافة المصدر إلى معموله؛ فإن رويت مطر بالرفع كان من إضافته المصدر إلى مفعوله؛ وإن رويت مطر بالنصب كانت من إضافة المصدر إلى فاعله؛ وأما إن رويت مطر بالجر، فإن "نكاح" لا يكون مضافا إلى الضمير، بل يكون مضافا إلى مطر، وتحتمل إضافته إلى مطر حينئذ الوجهين؛ فيحتمل أن يكون الضمير فاعل المصدر، إن اعتبرت "مطر" المجرور مفعول المصدر، ويحتمل أن تكون إضافته من إضافة المصدر إلى مفعوله، إذا عددت "مطر" المجرور فاعلا للمصدر: حرام: خبر إن مرفوع؛ وجملة "إن واسمها وخبرها": في محل جزم جواب الشرط. موطن الشاهد: "نكاحها مطر". وجه الاستشهاد: رُوي البيت برفع "مطر"، ونصبه وجره؛ فرواية الرفع على أن نكاحها مصدر أضيف إلى مفعوله ومطر فاعله؛ والتقدير: فإن نكاح مطر إياها. ورواية النصب على أن نكاحها مصدر مضاف إلى فاعله ومطر مفعوله؛ وأما رواية الجر -المرادة هنا- فعلى أن نكاح مصدر مضاف إلى مطر.

بدليل أنه يروى بنصب مطر وبرفعه؛ فالتقدير فإن نكاح مطر إياها أو هي. والثالثة: الفصل بنعت المضاف؛ كقوله1: [الطويل] 361- من ابن أبي شيخ الأباطح طالب2

_ 1 القائل: هو معاية بن أبي سفيان، مؤسس الدولة الأموية، وأحد دهاة العرب المشهورين فصيح اللسان عظيم الجسم حتى سماه عمر بن الخطاب كسرى العرب، أسلم يوم الفتح، وكان أحد كتاب النبي صلى الله عليه وسلم كانت بينه وبين علي بن أبي طالب معارك وخلاف. مات سنة 60هـ وقد بلغ الثمانين. الأعلام: 7/ 261، ابن الأثير: 4/ 2، الطبري: 2/ 180. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: نجوت وقد بل المرادي سيفه البيت قاله معاوية بعد أن نجا من ضربة الخارجي الذي أراد قتله، وكان قد قتل عبد الرحمن بن ملجم -لعنه الله- عليا بن أبي طالب، وقتل نائب عمرو بن العاص الذي شاء الله أن لا يخرج للصلاة تلك الليلة، والقصة مشهورة. والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 59، والأشموني: 664/ 2/ 328، وابن عقيل: 241/ 3/ 84، والعيني: 3/ 478، والهمع: 2/ 52، والدرر: 67. المفردات الغريبة: المرادي: نسبة إلى قبيلة مراد باليمن، والمراد ابن ملجم. الأباطح: جمع أبطح، وهو المكان الواسع ومسيل الماء فيه دقاق الحصى، والمراد مكة. وأراد بشيخها: أبا طالب؛ لأنه كان عظيما فيها. المعنى: تخلصت من القتل، وقد لطخ ابن ملجم -لعنه الله- سيفه بدم علي بن أبي طالب شيخ مكة وعظيمها. الإعراب: نجوت: فعل ماض، والتاء فاعله. وقد: الواو: حالية، قد: حرف تحقيق. بل: فعل ماضٍ مبني على الفتح. المرادي: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. سيفه: مفعول به منصوب، وهو مضاف، والهاء مضاف إليه. من: حرف جر مبني على السكون وحرك بالفتح؛ لالتقاء الساكنين. ابن: اسم مجرور، و"من ابن": متعلق بـ"بل"، وابن مضاف، وأبي: مصاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه من الأسماء الستة، وأبي: مضاف. طالب: مضاف إليه مجرور. شيخ الأباطح: شيخ: صفة لأبي طالب، وهو مضاف. والأباطح: مضاف إليه؛ ويمكن أن نعد "شيخ الأباطح" مركبا إضافيا، واقعا صفة لأبي طالب وتقدير الكلام؛ من ابن أبي طالب شيخ الأباطح. =

الرابعة: الفصل بالنداء1؛ كقوله2: [الرجز] 362- كأن برذون أبا عصام ... زيد حمار دق باللجام3 أي: كأن برذون زيد يا أبا عصام.

_ = موطن الشاهد: "أبي شيخ الأباطح طالب". وجه الاستشهاد: الفصل بين المضاف "أبي"، والمضاف إليه "طالب" بصفة المضاف "شيخ الأباطح"؛ لأن أصل الكلام: من ابن أبي طالب شيخ الأباطح كما أسلفنا. 1 من هذا القبيل قول بجير بن زهير بن أبي سلمى المزني لأخيه كعب: وفاق كعب بجير منقذ لك من ... تعجيل تهلكة والخلد في سفر فإن قوله: "وفاق" مضاف إلى "بجير"، وقد فصل بينهما بالمنادى، وأصل نظم الكلام: وفاق بجير يا كعب منقذ لك من تعجيل تهلكة. هذا: والنداء مما يكثر دوره في الكلام كالقسم، وقد فصلوا به بين الموصول وصلته كما في قول الفرزدق: تعش فإن عاهدتني لا تخونني ... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان فقد فصل بين الموصول "من"، وصلته "يصطحبان" بالنداء "يا ذئب". وقد أجاز جماعة من النحاة الفصل بين إذن الناصبة، والفعل المضارع بالنداء، فكان من حق الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالنداء أن يكون جائزا في سعة الكلام كالفصل بالقسم؛ لأنهما بمنزلة واحدة، ولكن النحاة جعلوا الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالقسم جائزا في السعة، والفصل بالنداء مقصورا على ضرورة الشعر، وذلك لأنهم وجدوا في كلام العرب المنثور الفصل بالقسم كعبارة الكسائي، وعبارة أبي عبيدة، ولم يجدوا مثل هذا في الفصل بالنداء، فوقفوا عند السماع؛ لأنه هو الأساس في كل ما أصلوه من قواعد. حاشية الصبان على شرح الأشموني: 3/ 279. 2 لم يُنسب إلى قائل معين. 3 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز أو بيتان من مشطوره، وهو من شواهد: التصريح: 2/ 60، والأشموني: 665/ 2/ 329، وابن عقيل: 244/ 3/ 86، والخصائص: 2/ 404، والعيني: 3/ 580، والهمع: 2/ 53، والدرر: 2/ 67. المفردات الغريبة: برذون: البرذون من الخيل: ما ليس بعربي. أبا عصام: كنية رجل. دق: من الدقة، ضد غلظ. المعنى: أن برذون زيد -يا أبا عصام- غير أصيل، وهو هزيل مثل حمار ضعف وهزل بسبب اللجام. الإعراب: كأن: حرف مشبه بالفعل. برذون: اسم كأن منصوب. أبا: منادى مضاف =

[أحكام المضاف إلى ياء المتكلم] : فصل: في أحكام المضاف للياء. يجب كسر آخره1 كغلامي، ويجوز فتح الياء وإسكانها2. [ما يستثنى من كسر الآخر] : ويستثنى من هذين الحكمين أربع مسائل؛ وهي: المقصور كفتى وقذى، والمنقوص كرامٍ وقاضٍ، والمثنى كابنين وغلامين، وجمع المذكر السالم كزيدِينَ ومسلمِينَ3. فهذه الأربعة: آخرها واجب السكون؛ والياء معها واجبة الفتح4، وندر

_ = بحرف نداء محذوف منصوب، وعلامة نصبه الألف؛ لأنه من الأسماء الستة، وأبا مضاف. عصام: مضاف إليه مجرور. برذون: مضاف، وزيد: مضاف إليه. حمار: خبر كأن مرفوع. دق: فعل ماضٍ مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو. "باللجام": متعلق بـ"دق"؛ وجملة "دق": في محل رفع صفة لـ"حمار". موطن الشاهد: "برذون أبا عصام زيد". وجه الاستشهاد: الفصل بين المضاف "برذون"، والمضاف إليه "زيد" بالنداء "أبا عصام"؛ ويجوز أن يكون "أبا عصام" هو زيد، وعلى هذا يكون برذون مضافا إلى "أبا عصام" على لغة القصر، ويكون زيد بالجر بدلا منه، ولا شاهد في البيت حينئذ. 1 أي آخر المضاف، وذلك لمناسبة الياء؛ سواء كان صحيحا كما مثل المصنف أو شبيها به وهو: ما آخره واو أو ياء قبلها ساكن، كدلوي وظبي. 2 والإسكان هو الأصل، وتكون مبنية على السكون أو الفتح في محل جر، وقد تحذف الياء اكتفاء بالكسرة قبلها، وقد تقلب الياء مع فتح ما قبلها كغلاما، وقد تحذف الألف اكتفاء بالفتحة، وتختص هذه الأوجه بالإضافة المحضة لا بالنداء كما في التسهيل، أما في غريها فلا حذف ولا قلب. كمكرمي؛ لأنها في نية الانفصال فليست الياء كجزء من الكلمة. التصريح: 2/ 60. 3 لأن آخر المقصور والمثنى المرفوع ألف، وآخر المنقوص والمثنى المجرور والمنصوب، وجمع المذكر مطلقا ياء مدغمة في ياء المتكلم، والألف والحرف المدغم لا يقبلان التحريك. 4 وذلك للتخلص من التقاء الساكنين.

إسكانها بعد الألف في قراءة نافع1: "ومحيايْ"2، وكسرها بعدها في قراءة الأعمش3 والحسن4: "هي عصايِ"5؛ وهو مطرد في لغة بني يربوع6 في الياء المضاف إليها جمع المذكر السالم؛ وعليه قراءة حمزة7 "بمصرخيِّ إني"8.

_ 1 مرت ترجمته. 2 6 سورة الأنعام، الآية: 162. أوجه القراءات قرأ نافع وورش وقالون وأبو جعفر: "محيايْ" بإسكان الياء؛ وقرأ عيسى بن عمر والجحدري: محييَّ"؛ وقرأ الجمهور: "محيايَ" بالفتح بعد الألف. البحر المحيط: 4/ 262، والحجة: 279. موطن الشاهد: "محيايْ". وجه الاستشهاد: وقوع "الياء" ساكنة -على هذه القراءة- وذلك نادر؛ لأنه يلزم -عليها- التقاء ساكنين على غير حده الجائز. 3 هو: أبو محمد؛ سليمان بن مهران بن الأعمش، الأسدي الكوفي، أحد أصحاب القراءات الشاذة بعد العشرة، أخذ القراءة عن عاصم ومجاهد وغيرهما، وكان حافظا ثبتا واسع العلم بالقراءة، ورعا ناسكا يتجنب الاتصال بأصحاب السلطان، وكان يسمى "المصحف" لشدة إتقانه وضبطه. قال عنه هشام: ما رأيت بالكوفة أحدا أقرأ منه لكتاب الله، وكان مع هذا صاحب نوادر وملح، توفي سنة 148هـ. طبقات القراء: 1/ 315، تذكرة الحفاظ: 1/ 154، وفيات الأعيان: 2/ 400. 4 هو الحسن البصري، وقد مرت ترجمته. 5 20 سورة طه، الآية: 18. أوجه القراءات: قرأ الأعمش والحسن البصري: "هي عصايِ" بكسر الياء بعد الألف على أصل التقاء الساكنين، وقرأ الجمهور: {هِيَ عَصَايَ} بفتح الياء. موطن الشاهد: "عصايِ". وجه الاستشهاد: كسر الياء بعد الألف؛ وحكم هذا الكسر نادر. 6 حي من تميم، رأسه يربوع بن حنظلة بن مالك، وشاعرهم الأغلب العجلي، ومنهم متمم بن نويرة الصحابي. 7 مرت ترجمته في الجزء الأول. 8 14 سورة إبراهيم، الآية: 22. أوجه القراءات: قرأ حمزة والأعمش ويحيى بن وثاب: "ما أنتم بمصرخيِّ إني" بكسر الياء في الوصل؛ ولذا، أعقبه بـ"إني"؛ وقرأ الجمهور: {مَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} بفتح الياء في الوصل. =

وتدغم ياء المنقوص، والمثنى، والمجموع في ياء الإضافة؛ كقاضيَّ1، ورأيت ابنيَّ، وزيديَّ2، وتقلب واو الجمع ياء، ثم تدغم3، كقوله4: [الكامل] 363- أودى بني وأعقبوني حسرة5

_ = موطن الشاهد: "بمصرخيِّ". وجه الاستشهاد: كسر الياء المضافة إلى جمع المذكر السالم في الوصل؛ وهذه اللغة حكاها الفراء وقطرب، وأجازها أبو عمرو بن العلاء؛ وبذلك يسقط كلام المعري في رسالته: "أجمع أصحاب العربية على كراهة قراءة حمزة "وما أنتم بمصرخيِّ" بالكسر. انظر شرح التصريح: 2/ 60. 1 رفعا ونصبا وجرا، ويعرب بحركات مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها سكون الإدغام. 2 أصلهما: ابنين لي وزيدين لي، حذفت النون واللام للإضافة، ثم أدغمت الياء الساكنة في الياء الثانية التي هي المضاف إليه، وفتحت ياء المتكلم. 3 أي تطبيقا للقاعدة الصرفية وهي: أنه إذا اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، وكسر ما قبلها إن لم يكن هنالك مانع، تقول: أنتم معاوني ضد العدو. وأصله معاونون لي. حذفت النون واللام للإضافة كما سبق. فصار معاونوي قلبت الواو ياء على القاعدة، وأدغمتا وكسر ما قبلهما للمناسبة، فهو مرفوع بالواو المنقلبة ياء. التصريح: 2/ 60-61. 4 القائل هو: أبو ذؤيب الهذلي؛ خويلد بن خالد بن محرث، وقد مرت ترجمته. 5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: عند الرقاد وعبرة لا تقلع والبيت من قصيدة يرثي فيها أبناء له خمسة هلكوا جميعا في عام واحد، وتعد هذه المرثية في الذروة من شعر الرثاء ومطلع هذه القصيدة: أمن المنون وريبه نتوجع ... والدهر ليس بمعتب من يجزع والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 61، والأشموني: 673/ 2/ 331، والعيني: 3/ 498، والمفضليات للضبي: 421، وديوان الهذليين: 1/ 2. المفردات الغريبة: أودي: هلك. أعقبوني: أورثوني وخلفوا لي. حسرة: حزنا مع ألم. عبرة: دمعا. الرقاد: النوم. لا تقلع: لا تذهب ولا تنقضي. =

وإن كان قبلها ضمة؛ قلبت كسرة، كما في بنيَّ ومسلميَّ، أو فتحة؛ أبقيت كمصطفى، وتسلم ألف التثنية؛ كمسلماي، وأجازت هذيل1 في ألف المقصور قلبها ياء2؛ كقوله3: [الكامل] 364- سبقوا هوي وأعنقوا لهواهم4

_ = المعنى: هلك بني وتركوا لي حزنا مضنيا، وألما ممضا، ودموعا لا تنقطع؛ وخص الرقاد؛ لأنه مثار الهموم والأشجان. الإعراب: أودى: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف. بني: فاعل مرفوع، وعلامة رفع الواو المنقلبة ياء المدغمة في يا المتكلم نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، وياء المتكلم في محل جر بالإضافة. وأعقبوني: الواو حرف عطف، أعقب فعل ماضٍ مبني على الضم؛ لاتصاله بواو الجماعة، والواو في محل رفع فاعل، والنون للوقاية، والياء في محل نصب مفعول به أول. حسرة: مفعول به ثانٍ. "عند": متعلق بـ"أعقب"، وهو مضاف. الرقاد: مضاف إليه مجرور. وعبرة: الواو: حرف عطف، عبرة: اسم معطوف على حسرة منصوب مثله. لا تقلع: لا: نافية، تقلع: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هي؛ يعود إلى عبرة، وجملة "لا تقلع": في محل نصب صفة لـ"عبرة". موطن الشاهد: "بنيَّ". وجه الاستشهاد: قلب واو الجمع ياء عند إضافته إلى ياء المتكلم وإدغامهما. وحكم هذا الإدغام جائز. 1 هذيل: بالتصغير؛ حي من مضر، وهو هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر أخو خزيمة بن مدركة؛ أمهما هند بنت وبرة أخت كلب بن وبرة. 2 أي: لتكون عوضا عن الكسرة قبل الياء ثم يدغمونها في ياء المتكلم فيقولون: في هدى: هدي. وتكون في هذه الحالة معربة بالياء التي أصلها الألف بدلا من الحركات المقدرة على الألف، فهو مما ناب فيه حرف عن حركة. التصريح: 2/ 61. 3 القائل: هو أبو ذؤيب الهذلي أيضا وقد مرت ترجمته. 4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: فتخرموا ولكل جنب مصرع وهو من شواهد: التصريح: 2/ 61، والأشموني: 674/ 2/ 331، والعيني: 3/ 493، والمحتسب: 1/ 76، وأمالي ابن الشجري: 1/ 281، وشرح المفصل: =

واتفق الجميع على ذلك1 في علي ولدي2، ولا يختص بياء المتكلم، بل

_ = 3/ 33، والمقرب: 46، والهمع: 2/ 53، والدرر: 2/ 68، والمفضليات للضبي: 421، وديوان الهذليين: 1/ 2. المفردات الغريبة: هوي: ما أهواه وأشتهيه. أعنقوا: أسرعوا؛ من العنق وهو السير السريع، والمراد: تبع بعضهم بعضا. فتخرموا: اخترمهم الموت واستأصلهم. مصرع: مكان يصرع ويطرح فيه. المعنى: مات أبنائي وسبقوني إلى ما كنت أحب وأشتهي، واستأصلهم الموت واحدا بعد واحد، ولكل إنسان أجله، ومكانه الي يوارى فيه جثمانه. الإعراب: سبقوا: فعل ماض، والواو في محل رفع فاعل. هوي: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف المنقلبة ياء؛ لإدغامها في ياء المتكلم -على لغة هذيل- منع من ظهورها التعذر، وياء المتكلم: في محل جر بالإضافة. وأعنقوا: الواو: حرف عطف، أعنق: فعل ماض، والواو فاعله، "لهواهم": متعلق بـ"أعنق"، و"هم": في محل جر بالإضافة فتخرموا: الفاء: عاطفة، تخرموا: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والواو: في محل رفع نائب فاعل. ولكل: الواو: حالية "لكل": متعلق بخبر مقدم محذوف، و"كل" مضاف. جنب: مضاف إليه مجرور. مصرع: مبتدأ مؤخر مرفوع، وجملة "لكل جنب مصرع": في محل نصب إلى الحال. موطن الشاهد: "هوي". وجه الاستشهاد: قلب ألف المقصور في "هوى" ياء، على لغة هذيل، وإدغامها في ياء المتكلم؛ والأصل: هواي، ومعلوم أن العرب كافة يبقون ألف المقصور على حالها عند إضافته إلى الياء كما في قول الشاعر: هواي مع الركب اليمانين مصعد ... جنيب وجثماني بمكة موثق غير أن هذيلا -كما أسلفنا- يقلبون الألف ياء، ويدغمونها في ياء المتكلم فيقولون في "فتاي"، و"عصاي": فتيَّ وعصيَّ، كما في رواية البيت، وحكى قوم هذه اللغة عن طيئ، وحكاها آخرون عن قريش، وبها قرأ الجحدري قوله تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ} ، وهذا القلب جائز عند من ذكر. انظر شرح التصريح؛ 2/ 61. 1 أي: على قلب الألف ياء مع ياء المتكلم. 2 المراد "علا" الظرف، وهو لغة في "عل" بمعنى فوق، وكذلك "لدى" الظرف بمعنى عند. أما الحرفية لا تضاف. تنبيه: إذا أضيف "ابنم" لياء المتكلم جاز إبقاء ميمه الزائدة، وحذفها مع إسكان الياء وكسر ما قبلها في الحالتين تقول: ابنمي أو ابني. هذا: ويجوز زيادة هاء السكت الساكنة غالبا عند الوقوف على ياء المتكلم مع بناء الياء على الفتح كقوله تعالى: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} ، وقول السيدة عائشة: "أَبِيَهْ وما أَبِيَهْ".

هو عام في كل ضمير؛ نحو: عليه ولديه، وعلينا ولدينا، وكذا الحكم في إليَّ.

_

باب إعمال المصدر واسم المصدر

[باب إعمال المصدر واسم المصدر] هذا باب إعمال المصدر، واسمه: [تعريف المصدر واسم المصدر] : الاسم الدال على مجرد الحدث إن كان علما، كـ"فجار" و"حماد" للفجرة والمحمدة، أو مبدوءا بميم زائدة لغير المفاعلة؛ كـ"مضرب" و"مقتل"، أو متجاوزا فعله الثلاثة؛ وهو بزنة اسم حدث الثلاثي؛ كـ"غسل" و"وضوء" في قولك: "اغتسل غسلا"، "توضأ وضوءا" فإنهما بزنة القرب والدخول في "قرب قربا" و"دخل دخولا"؛ فهو اسم مصدر، وإلا فالمصدر1. [عمل المصدر عمل فعله وشروطه] : ويعمل المصدر عمل فعله2؛ إن كان يحل محله فعل؛ إما مع "أن"،

_ 1 المصدر: هو الاسم الذي يدل -غالبا- على الحدث المجرد من غير ارتباط بزمان، أو مكان، أو بذات، أو بعلمية. ومدلوله الحقيقي: أمر معنوي محض، يدل عليه اللفظ المعروف، وتسميته مصدرا مجاز. ولا بد من ناحيته اللفظية أن يشتمل على جميع الحروف الأصلية والزائدة في فعله لفظا؛ أو تقديرا، وقد يزيد عنها كأكرمه إكراما، ولا يمكن أن ينقص. أما اسم المصدر فهو كالمصدر في معناه؛ من حيث دلالته على الحدث المجرد، ويكون علم جنس كما ذكر الموضح ويخالفه في لفظه بنقص حروفه عن حروف فعله. وما ذكره المصنف من اعتباره المبدوء بميم زائدة لغير المفاعلة -اسم مصدر- مجانب لما عليه جمهور النحاة: من أن هذا يسمى مصدرا ميميا لا اسم مصدر. التصريح: 2/ 62. 2 سواء كان متعديا أو لازما. ويخالف المصدر فعله في أمور؛ أهمها: أن المصدر لا يعمل إلا بشروط سنمر عليها، وأن فاعله يكثر حذفه جوازا، وعند حذفه لا يتحمل المصدر ضميره إلا إذا كان مصدرا نائبا عن فعله؛ وفي رفعه نائب الفاعل خلاف، =

كـ"عجبت من ضربك زيدا أمس" و"يعجبني ضربك زيدا غدا"؛ أي: أن ضربته وأن تضربه، وإما مع "ما" كـ"يعجبني ضربك زيدا الآن"؛ أي: ما تضربه، ولا يجوز في نحو: "ضربت ضربا زيدا" كون "زيدا" منصوبا بالمصدر؛ لانتفاء هذا الشرط1.

_ = والمختار جوازه عند أمن اللبس بخلاف الفعل فإنه يعمل وجوبا بلا شرط، ويحتمل ضمير مرفوعه المحذوف فاعلا كان أو نائب فاعل. فائدة: أولى: إذا أردت بالمصدر الدلالة على ثبوت ما يدل عليه من الحدث؛ فإنه حينئذ لا يصلح لأن حيل محله فعل، لا مع "ما" ولا مع "أن"؛ لأن طبيعة الفعل دالة على الحدوث وأنت لا ترده، وإن أردت بالمصدر الدلالة على حدوث ما يدل عليه من الحدث في الزمن الحاضر، كان عليك أن تقدره بـ"ما" المصدرية، وتقدر معها الفعل المضارع، أما تقديره: بـ"ما" المصدرية -حينئذ- فلأن "أن" المصدرية لا تصلح لهذا الموضع؛ لأنها مع الفعل الماضي تبقيه على حاله وهو الدلالة على حدوث الحدث في الزمن الماضي، ومع الفعل المضارع تخلصه للدلالة على الاستقبال، فلما لم يمكنك أن تقدر المصدر بـ"أن" في هذه الحالة لزمك أن تقدره بـ"ما"؛ لأنها صالحة للاستعمال في الأحوال كلها. وإن أردت بالمصدر الدلالة على حدوث الحدث في الزمن الماضي، أو في الزمن المستقبل فإنه يلزمك أن تقدره: بـ"أن" المصدرية، وتقدر مع "أن" حين تريد الزمن الماضي الفعل الماضي؛ لأنه هو الذي يدل على هذا الزمن، وعندما تريد الزمن المستقبل تقدر معها الفعل المضارع. فائدة ثانية: أن اشتراط صلاحية المصدر بأن يحل محله الفعل مع "أن"، أو مع "ما" المصدرية هو شرط في عمله في غير الظرف، أو الجار والمجرور، أما عمله فيهما فلا يشترط فيه شيء؛ لأنهما يكتفيان برائحة الفعل. فائدة ثالثة: اعلم أن المصدر المؤكد لفعله كما في قولك: "ضربت ضربا" لا يعمل؛ لأنه لا يحل محله فعل لا مع "ما" ولا مع "أن"؛ وقد اختلفوا في المصدر النائب عن فعله، فذهب ابن مالك في "التسهيل" إلى أنه يعمل، وذكر ابن هشام في "قطر الندى" أنه لا يعمل، فقولك: "ضربا زيدا"، "زيدا" منصوب بالمصدر عند ابن مالك، ومنصوب بالفعل المقدر عند ابن هشام. انظر التصريح: 2/ 62. 1 لأنه لا يصلح أن يحل محله فعل مع "أن" أو "ما"؛ وإنما نصب زيد بـ"ضربت"؛ لأن المصدر المؤكد لعامله المذكور لا يعمل كما سلف، وما ذكره المؤلف لعمل المصدر شرط الإيجاب لا بد من وجوده، وهناك شروط سلبية منها: =

[عمل المصدر المضاف] : وعمل المصدر مصافا أكثر؛ نحو: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} 1، ومنونا أقيس؛ نحو: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا} 2، وبأل..........

_ = أ- ألا يكون المصدر مصغرا؛ لأن التصغير من خصائص الأسماء، وتصغير المصدر يبعده عن مشابهة الفعل، فلا يجوز أن تقول: "أميرك مطاع"، تريد أمرك. ب- ألا يكون المصدر مضمرا خلافا للكوفيين، حيث زعموا أن ضمير المصدر كالمصدر فلا يجوز أن تقول: "حبي والدي عظيم وهو أمي أعظم"، فلا يجوز أن تنصب "أمي" بـ"هو" وإن كان هذا الضمير عائدا على "حبي". ح- أن لا يكون المصدر مختوما بالتاء الدالة على الوحدة أي: المرة، فلا يجوز "سررت بضربتك الفائزة"، وأما إذا كانت التاء من بنية الكلمة فلا تمنع، فتقول: "رحمتك الفقراء دليل على حسن خلقلك". د- أن يكون مفردا لا مثنى ولا مجموعا، وشذ إعمال غير المفرد في قول الشاعر: قد جربوه فما زادت تجاربهم ... أبا قدامة إلا المجد والفنعا حيث نصب بـ"تجاربهم" -جمع تجربة؛ وهي مصدر جرب الرباعي- أبا غير أن بعض العلماء أجاز عمل المصدر المجموع؛ وهو رأي لا بأس في الأخذ به. هـ- ألا يكون المصدر مفصولا عن معموله بأجنبي، لا بتابع، فلا يجوز القول: "إني أسرع إلى إجابة صارخا المستجير". و ألا يكون المصدر موصوفا قبل العمل، فلا يصح القول: "ساءني عتابك الأليم خالدا". ز- ألا يكون المصدر مؤخرا عن معموله، فلا يجوز القول: "أعجبني زيدا ضربك". ج- ألا يكون المصدر محذوفا، ومعنى هذا أنك إذا احتجت إلى تقدير عامل لا يجوز لك أن تقدره مصدرا؛ ولهذا أنكر المحققون على من زعم أن الباء في البسملة متعلقة بمحذوف تقديره: ابتدائي. انظر شرح قطر الندى "عمل اسم المصدر"، والتصريح: 2/ 62-63. والمغني: 700. 1 2 سورة البقرة، الآية: 152. موطن الشاهد: {دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} . وجه الاستشهاد: وقوع المصدر "دفع" مضافا إلى لفظ الجلالة، وقد عمل عمل فعله؛ فنصب مفعولا به؛ هو "الناس"؛ وحكم إعماله في هذه الحالة كثير شائع. 2 90 سورة البلد، الآية: 14. موطن الشاهد: {إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا} . =

فليل1 ضعيف؛ كقوله: [المتقارب] 365- ضعيفُ النكايةِ أعداءَه2

_ = وجه الاستشهاد: وقوع "إطعام" مصدرا فاعله محذوف، وقد نصب مفعولا به، هو: "يتيما"؛ والتقدير: إطعامه يتيما. وذي مسغبة: أي: ذي مجاعة؛ وحكم إعمال المصدر المنون أوفق بالقياس على الفعل من المضاف؛ لأنه يشبه الفعل بالتنكير، وهو يلي المصدر المضاف في الكثرة والفصاحة. 1 أي: قليل في السماع، ضعيف في القياس؛ لبعده عن مشابهة الفعل بدخول "أل" عليه. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: يخال الفرار يراخي الأجل وهو من شواهد: التصريح: 2/ 63، والأشموني: 679/ 2/ 337، والشذور: 1/؟؟؟ / 506"، وابن عقيل: 247/ 3/ 95، وسيبويه: 1/ 99، وهو من الخمسين التي لا يعرف لها قائل. والمصنف: 3/ 71، والمقرب: 25، والخزانة: 3/ 439، والهمع: 2/ 93، والدرر: 2/ 124. المفردات الغريبة: النكاية: الإضرار والأذى -من نكيت العدو- أثرت فيه ونلت منه. يخال: يظن. يراخي: يباعد ويؤخر. المعنى: أن هذا الرجل ضعيف لا يستطيع أن يؤثر في أعدائه، أو يقهرهم، أو ينازلهم القتال. يظن أن الهرب والفرار من الحرب يبعد عنه الموت، ويفسح له في العمر. الإعراب: ضعيف: خبر لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: هو ضعيف، وضعيف: مضاف. النكاية مضاف إليه. أعدائه: مفعول به للنكاية، والهاء مضاف إليه. يخال: فعل مضارع مرفوع، والفاعل هو. الفرار: مفعول به أول "يخال" منصوب. يراخي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو. الأجل: مفعول به لـ"يراخي" منصوب، وسكن لضرورة الشعر؛ وجملة "يراخي الأجل": في محل نصب مفعولا ثانيا لـ"يخال". موطن الشاهد: "النكاية أعداءه". وجه الاستشهاد: إعمال المصدر المقترن بأل "النكاية"، ونصبه المفعول "أعداءه". فائدة: ذهب سيبويه والخليل إلى أن ناصب المفعول هو المصدر المقترن بأل كما بينا؛ وذهب أبو العباس المبرد إلى أن ناصب المفعول في هذه الحالة مصدر آخر محذوف يدل عليه المصدر المذكور، وهذا المصدر المحذوف منكر؛ فالتقدير عنده: ضعيف النكاية نكاية أعداءه، وذهب أبو سعيد السيرافي إلى أن أعداءه في هذه الحالة =

[عمل اسم المصدر] : واسم المصدر إن كان علما لم يعمل1 اتفاقا؛ وإن كان ميميا فكالمصدر2 اتفاقا؛ كقوله3: [الكامل] 366- أظلوم إن مصابكم رجلا4

_ = منصوب على نزع الخافض؛ فالأصل عنده: ضعيف النكاية في أعدائه، ثم حذف حرف الجر فانتصب الاسم. انظر الدرر اللوامع: 2/ 125. 1 لأن الأعلام لا تعمل؛ إذ لا دلالة لها على الحدث الذي يقتضي معمولا، وذلك نحو: "يسار" علم لليسر، و"فجار" علم جنس للفجور، وفعله: أفجر لا فجر، و"برة" علم جنس على البر، وفعله: أبر لا بر. واسم المصدر العلم لا يضاف، ولا يقبل "أل" ولا يقع موقع الفعل، ولا يوصف، كما ذكر ذلك السيوطي في الهمع. وإن كان غير علم عمل بالشرط الذي يعمل به المصدر غير النائب عن فعله، وإعمال اسم المصدر مع قياسيته قليل. ومنه قول الشاعر: بعشرتك الكرام تعد منهم ولم يحتفظ له شاهد إلا في حالة الإضافي؛ لأن النصب من خواص الأسماء، فهو يبعد شبه المصدر من الفعل، ويقدر الفعل الماضي عند إرادة الزمن الماضي والمضارع عند إرادة الزمن المستقبل. همع الهوامع: 2/ 94. 2 ذكرنا أن الحق أنه مصدر ميمي لا اسم مصدر. 3 القائل: هو الحارث بن خالد المخزومي: أحد شعراء قريس المعدودين الغزليين؛ يذهب مذهب عمر بن أبي ربيعة، ولاه عبد الملك بن مروان مكة، قيل: إن العرب تفضل قريشا في كل شيء إلا في الشعر، فلما جاء عمر بن أبي ربيعة وخالد بن الحارث وغيرهما أقرت لها العرب بالشعر، توفي سنة: 80هـ. تجريد الأغاني: 1/ 429-435. 4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: أهدى السلام تحية ظلم وبعد الشاهد قوله: أقصيته وأراد سلمكم ... فليهنه إذ جاءك السلم =

وإن كان غيرهما1، لم يعمل عند البصريين، ويعمل عند الكوفيين والبغدايين؛ وعليه قوله2: [الوافر]

_ = والشاهد من شواهد: التصريح: 2 64، والأشموني: 684/ 2/ 336، والشذور: 218/ 534، ومجالس ثعلب: 270، والاشتقاق: 99، 151، وأمالي ابن الشجري: 1/ 107، والمغني: 937/ 697، والسيوطي: 301، والعيني: 3/ 502، والهمع: 2/ 94، والدرر: 2/ 126، وقد نسبه الحريري في درة الغواص إلى العرجي، وديوان العرجي: 193. المفردات الغريبة: ظلوم: وصف من الظلم، لقب به الشاعر حبيبته. مصابكم: مصدر ميمي بمعنى الإصابة. المعنى: يقول الشاعر لمحبوبته -وقد لقبها بظلوم لمعاملتها له: إن إصابتكم رجلا يتقدم بالتحية تقربا إليكم- ظلم منكم له؛ لأنه يبغي الوصل وتجيبونه بالصد والإعراض. الإعراب: أظلوم: الهمزة: حرف لنداء القريب، لا محل له من الإعراب، ظلوم: منادى مبني على الضم في محل نصب على النداء. إن: حرف مشبه بالفعل. مصابكم: مصاب: اسم إن منصوب، وهو مضاف، و"كم": في محل جر مضاف إليه؛ من إضافة المصدر الميمي إلى فاعله. رجلا: مفعول به منصوب للمصدر الميمي. أهدى: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو. السلام: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة وجملة "أهدى السلام": في محل نصب صفة لرجل. تحية: مفعول لأجله؛ والعامل فيه "أهدى". ظلم: خبر إن مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره. موطن الشاهد: "مصابكم رجلا". وجه الاستشهاد: إعمال المصدر الميمي "مصاب" عمل الفعل؛ حيث أضيف إلى فاعله "كاف الخطاب"، ونصب المفعول به "رجلا". فائدة: زعم اليزيدي أن "مصابكم" اسم مفعول من الإصابة، وهو اسم إن، وخبرها "رجل"، وزعم أن قوله: "ظلم" خبر مبتدأ محذوف، والتقدير عنده: إن الذي أصبتموه رجل موصوف بأنه أهدى التحية، وذلك ظلم منكم؛ وما قاله اليزيدي تكلف ظاهر غير مرضي المبنى ولا المعنى. وللبيت الشاهد قصة عند أهل الأدب. انظر الدرر اللوامع: 2/ 126-127. 1 أي غير العلم، وذي الميم المزيدة لغير المفاعلة. 2 القائل: هو عمير بن شييم المعروف بالقطامي، وقد مرت ترجمته.

367- وبعد عطائك المائة الرتاعا1

_ 1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: أكفرا بعد رد الموت عني؟ البيت من قصيدة قالها الشاعر في مدح زفر بن الحارث الكلابي الذي أطلقه بعد أن كان أسيرا ووهبه مائة من الإبل، ورد عليه ماله. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 64، وابن عقيل: 250/ 3/ 99، والأشموني: 685/ 2/ 336، والعيني: 3/ 505، والشذور: 219/ 536، والخصائص: 2/ 220، وأمالي ابن الشجري: 2/ 142، وشرح المفصل: 1/ 20، والهمع: 1/ 188، 2/ 95، والدرر: 1/ 161، 2/ 127، وديوان القطامي: 41. المفردات الغريبة: أكفرا: الكفر هنا: جحد النعمة. الرتاعا: جمع راتعة وهي الإبل التي ترتع وترعى كيف شاءت لا يمنعها أحد. المعنى: كيف أجحد نعمتك وأنكر فضلك علي وإحسانك إلي، بعد أن أطلقت سراحي من أسري، وخلصتني من يد أعدائي، فحلت بيني وبين الموت المحقق، ولم تكتف بذلك بل أعطيتني مائة من الإبل الراتعة السمينة؛ تفضلا منك وكرما؟. الإعراب: أكفرا: الهمزة: حرف للاستفهام الإنكاري، كفرا؛ مفعول مطلق لفعل محذوف؛ والتقدير: أأكفر كفرا. "بعد": متعلق بالفعل المحذوف العامل في المصدر، و"بعد" مضاف. رد: مضاف إليه، وهو مضاف. الموت: مضاف إليه؛ من إضافة المصدر إلى مفعوله. "عني": متعلق بـ"رد". وبعد: الواو: عاطفة، بعد: معطوف على ظرف الزمان السابق، وهو مضاف. عطائك: عطاء: مضاف إليه، والكاف: في محل جر مضاف إليه؛ من إضافة اسم المصدر إلى فاعله. المائة: مفعول به لـ"عطاء" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. الرتاع: صفة لـ"المائة" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة والألف للإطلاق. موطن الشاهد: "عطائك المائة". وجه الاستشهاد: إعمال اسم المصدر عطاء عمل الفعل؛ فأضيف اسم المصدر إلى فاعله كاف الخطاب، ونصب المفعول به المائة؛ وحكم إعمال اسم المصدر في هذه الحال قليل، ونظيره قول الشاعر: قالوا: كلامك هندا وهي مصغية ... يشفيك قلت: صحيح ذاك لو كانا فقوله: "كلام" اسم مصدر من فعل "كلم"، والمصدر هو التكليم. وقد أعمل الشاعر اسم المصدر عمل المصدر؛ فأضافه إلى فاعله "كاف الخطاب"، ونصب به المفعول به "هندا".

[إضافة المصدر إلى فاعله ومفعوله] : ويكثر أن يضاف المصدر إلى فاعله، ثم يأتي مفعوله1؛ نحو: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} 2، ويقل عكسه، كقوله3: [البسيط] 368- قرع القواقيز أفواه الأباريق4

_ 1 أي إن وجد له مفعول، ويكون الفاعل مجرورا في اللفظ مرفوعا في المحل. 2 2 سورة البقرة، الآية: 251. 22 وسورة الحج، الآية: 40. موطن الشاهد: {دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} . وجه الاستشهاد: مجيء المصدر مضافا إلى فاعله "لفظ الجلالة" ثم تبعه مفعوله "الناس"، وحكم إضافة المصدر إلى فاعله، ومن ثم يعقبه مفعوله كثير شائع. 3 القائل: هو المغيرة بن عبد الله، والمعروف بالأقيشر الأسدي، وقد مرت ترجمته. 4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: أفنى تلادي وما جمعت من نشب وهو من شواهد: التصريح: 2/ 64، والأشموني: 689/ 2/ 337، والشذور: 200/ 504، والمقتضب: 1/ 21، والجمل: 134، والمؤتلف: 56، والإنصاف: 233، والمقرب: 25، والعيني: 3/ 508، والمغني: 936/ 694، والسيوطي: 301، واللسان "قفز". المفردات الغريبة: التلاد: المال القديم، كالتالد والتليد، وضده الطريف. النشب: المال الثابت الذي لا يستطاع نقله؛ كالدور والضياع. القواقيز: جمع قاقوزه: وهي القدح الذي يشرب فيه الخمر. والقرع: ضرب شيء صلب بمثله. المعنى: يبين الشاعر حاله التي آل إليها قائلا: إن معاقرتي للخمر، ومعاشرة إخوان السوء ذهب بجميع أموالي التي ورثتها من آبائي، وما جمعته بجهدي وعملي؛ سواء في ذلك المنقول منها والثابت. الإعراب: أفنى: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف، للتعذر. تلادي: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، وياء المتكلم في محل جر بالإضافة. وما: الواو: عاطفة، ما: اسم موصول معطوف على "تلادي" مبني على السكون في محل نصب. جمعت: فعل ماضٍ مبني على السكون، والتاء فاعله، وجملة "جمعت": صلة للموصول، لا محل لها من الإعراب، والعائد إلى الاسم الموصول محذوف والتقدير: جمعته. "من نشب": متعلق بحال محذوفة من ما الموصولة. قرع: فاعل =

وقيل: يختص بالشعر، ورد بالحديث: "وحج البيت من استطاع إليه سبيلا" 1؛ أي: وأن يحج البيت المستطيع، وأما إضافته إلى الفاعل ثم لا يذكر المفعول وبالعكس فكثير؛ نحو: {رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} 2 ونحو: {لا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ} 3 ولو ذكر لقيل: دعائي إياك، ومن دعائه الخير.

_ = "أفنى" مرفوع، وهو مضاف. القواقيز: مضاف إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله. أفواه: فاعل للمصدر مرفوع، وهو مضاف. الأباريق: مضاف إليه مجرور. موطن الشاهد: "قرع القواقيز أفواه". وجه الاستشهاد: إضافة المصدر "قرع" إلى مفعوله "القواقيز"، ثم الإتيان بالفاعل "أفواه" وهذا قليل في اللغة؛ ومثل هذا البيت قول الفرزدق يصف ناقة بالقوة والسرعة: تنفي يداها الحصى في كل هاجرة ... نفي الدراهيم تنقاد الصياريف 1 الحديث: هذا جزء من حديث طويل ومشهور في بيان أركان الإسلام، وهو في صحيح مسلم: 1/ 42، والنسائي: 4/ 125. و"حج" مصدر مضاف إلى مفعوله وهو "البيت"، "من": اسم موصول فاعله. وقد عدل المصنف عن الاستدلال بالآية: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} ؛ لاحتمال كون "من" بدلا من الناس، بدل بعض من كل، وقد حذف الرابط للعلم به، أي: من استطاع منهم؛ كما يحتمل أن تكون مبتدأ خبره محذوف، أي فعليه أن يحج. وجعلها فاعلا للمصدر يفسد معه المعنى؛ لأن المعنى يكون حينئذ، ولله على الناس، مستطيعهم وغير متسطيعهم أن يحج البيت المستطيع، فيلزم تأثيم جميع الناس بتخلف المستطيع. مغني اللبيب: 694-695، حاشية الصبان: 2/ 289. 2 14 سورة إبراهيم، الآية: 40. موطن الشاهد: {تَقَبَّلْ دُعَاءِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "دعاء" مصدرا مضافا إلى الفاعل؛ وهو ياء المتكلم المحذوفة تخفيفا؛ ومجيء مفعوله محذوفا؛ والتقدير: تقبل دعائي إياك؛ وهذا كثير شائع. 3 41 سورة فصلت، الآية: 49. موطن الشاهد: {دُعَاءِ الْخَيْرِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "دعاء" مصدرا مضافا إلى مفعوله "الخير" مع حذف فاعله؛ والتقدير: من دعائه الخير؛ وهذا كثير شائع.

[حكم تابع المصدر] : وتابع المجرور يجر على اللفظ، أو يحمل على المحل1؛ فيرفع كقوله2: [الكامل] 396- طلب المعقب حقه المظلوم3

_ 1 أي: إذا كان المجرور فاعلا، أو نائب فاعل، وهذا مذهب الكوفيين. وذهب سيبويه، وجمهور البصريين: إلى عدم جواز الاتباع على المحل، وما ورد مما ظاهره الاتباع على المحل يؤول بتقدير رافع للمرفوع وناصب للمنصوب. ورأي الكوفيين أوضح وأولى بالسير عليه. التصريح: 2/ 65، الأشموني مع الصبان: 2/ 291. 2 القائل: هو لبيد بن ربيعة العامري، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: حتى تهجر في الرواح وهاجها وفي البيت يصف حمارا وحشيا وأتنه، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 278، 2/ 65، وابن عقيل: 254/ 3/ 104، والأشموني: 691/ 2/ 337، والعيني: 3/ 315، وأمالي ابن الشجري: 1/ 228، 2/ 32، والإنصاف: 232، 331، وشرح المفصل: 2/ 24، 46، 6/ 66، والخزانة: 1/ 334، 441، والهمع: 2/ 145 والدرر: 2/ 202، وديوان لبيد: 128. المفردات الغريبة: تهجر: سار في الهاجرة، وهي نصف النهار وقد اشتداد الحر. الرواح: الوقت من زوال الشمس إلى الليل. هاجها: أزعجها وأثارها. المعقب: الغريم الذي يطلب حقه بإلحاح. المعنى: حتى سار ذلك الحمار الوحشي عند شدة الحر بعد الزوال، وأزعج أتانه، وطلبها طلبا متواصلا، كما يطلب الغريم المظلوم حقه ودينه من غريمه بشدة وإلحاح. الإعراب: حتى: حرف غاية وجر. تهجر: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو. "في الرواح": متعلق بـ"تهجر". وهاجها: الواو: عاطفة، هاج: فعل ماضٍ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو، و"ها": في محل نصب مفعول به. طلب: مفعول مطلق منصوب، وهو مضاف. المعقب: مضاف إليه؛ من إضافة المصدر إلى فاعله. حقه: مفعول به للمصدر "طلب"، وهو مضاف، والهاء: في محل جر مضاف إليه. المظلوم: صفة لـ"المعقب" باعتبار محله؛ لأن محله الرفع على أنه فاعل للمصدر. =

أو ينصب؛ كقوله1: [الرجز] 370- مخافة الإفلاس والليانا2

_ = موطن الشاهد: "المظلوم". وجه الاستشهاد: رفع المظلوم الواقع صفة لـ"المعقب" المجرور لفظا بإضافة المصدر "طلب"، ولكنه مرفوع محلا؛ لأنه فاعل للمصدر؛ فتبعته الصفة بالرفع نظرا إلى المحل. 1 القائل: هو زيادة العنبري. لم أعثر له على ترجمة وافية. 2 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز وقبله قوله: قد كنت داينت بها حسانا وبعده قوله: يحسن بيع الأصل والقيانا والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 65، والأشموني: 693/ 2/ 338، وابن عقيل: 255/ 3/ 105، والكتاب لسيبويه: 1/ 98، ونسب إلى رؤبة بن العجاج، وأمالي ابن الشجري: 1/ 228، 2/ 31، وشرح المفصل: 6/ 65، والعيني: 3/ 520، والهمع: 2/ 145، والدرر: 2/ 203، والمغني: 856/ 619، والسيوطي: 282، ومحلقات ديوان رؤبة بن العجاج: 187. المفردات الغريبة: داينت بها: أخذتها بدلا من دين لي عليه، والهاء عائدة على جارية معروفة الليان: المماطلة. المعنى: كنت قد أخذت هذه الجارية من حسان بدلا من دين لي عليه؛ لخوفي من إفلاسه ومماطلته في دفع الدين. الإعراب: قد حرف تحقيق، لا محل له من الإعراب. كنت: فعل ماضٍ ناقص، مبني على السكون، والتاء: في محل رفع اسمه. داينت: فعل ماضٍ مبني على السكون، والتاء فاعله؛ وجملة "داينت": في محل نصب خبر كنت. "بها": متعلق بـ"داين". حسانا: مفعول به منصوب. مخافة: مفعول لأجله منصوب، وهو مضاف. الإفلاس: مضاف إليه؛ من إضافة المصدر إلى مفعوله. والليانا: الواو: عاطفة، الليانا: معطوف على الإفلاس باعتبار محله الذي هو نصب؛ لكونه مفعولا للمصدر "مخافة"، والمعطوف على المنصوب منصوب مثله. موطن الشاهد: "والليانا". وجه الاستشهاد: عطف "الليانا" بالنصب على الإفلاس المجرور لفظا بإضافة المصدر "مخافة"؛ لكونه أي -المعطوف عليه- منصوب محلا؛ لأنه مفعول للمصدر؛ ويجوز أن نعرب "الليانا": مفعولا معه، ويكون معطوفا على "مخافة" على حذف مضاف.

باب إعمال اسم الفاعل

[باب إعمال اسم الفاعل] هذا باب إعمال اسم الفاعل: [تعريف اسم الفاعل] : وهو: ما دل على الحدث والحدوث وفاعله. فخرج بالحدوث؛ نحو: "أفضل" و"حسن" فإنهما إنما يدلان على الثبوت، وخرج يذكر فاعله؛ نحو "مضروب" و"قام"1. [شروط عمل اسم الفاعل] : فإن كان صلة لأل عمل مطلقا2، وإن لم يكن عمل بشرطين3؛ أحدهما: كونه للحال أو الاستقبال4، لا الماضي، خلافا للكسائي5، ولا

_ 1 مضروب: اسم مفعول، وهو يدل على المفعول لا على الفاعل، ودلالته على الفاعل بطريق الالتزام. والفعل الذي أشار إليه بنحو قام يدل دلالة وضعية على الحدث والزمان، ولا يدل بالوضع على الفاعل، وإنما يدل على الفاعل باللزوم العقلي، ضرورة علم كل أحد بأنه ما من فعل إلا له فاعل، فالمراد بنفي دلالته على الفاعل نفي الدلالة الوضعية. التصريح: 2/ 65. 2 أي: أنه يعمل، سواء أكان بمعنى الماضي أم بمعنى غيره، وسواء أكان معتمدا على شيء مما سيذكره في النوع الثاني، أم لم يكن معتمدا على شيء منها. 3 بقي شرطان آخران؛ وهما: ألا يكون موصوفا، وألا يكون مصغرا خلافا للكسائي فيهما. 4 وكذلك إذا كان بمعنى الاستمرار المتجدد، أي: الذي يحدث ثم ينقطع ثم يعود ... إلخ وقيل: في اشتراط هذا: أنه إنما يعمل حملا على مضارعه، وهو بمعنى الحال، أو الاستقبال؛ فإن كان بمعنى الماضي فقد زال شبهه بالمضارع فلا وجه لعمله. التصريح: 2/ 65. 5 مرت ترجمته.

حجة له في: {بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ} 1؛ لأنه على حكاية الحال؛ والمعنى: يبسط ذراعيه؛ بدليل: {وَنُقَلِّبُهُمْ} ، ولم يقل وقلبناهم. والثاني: اعتماده2 على استفهام أو نفي أو مخبر عنه أو موصوف؛ نحو: "أضارب زيد عمرا"، و"ما ضارب زيد عمرا"، و"زيد ضارب أبوه عمرا"، و"مررت برجل ضارب أبوه عمرا". والاعتماد على المقدر، كالاعتماد على الملفوظ به؛ نحو: "مهين زيد عمرا أم مكرمة؟ " أي: أمهين3؛ ونحو: {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} 4؛ أي: صنف مختلف ألوانه؛

_ 1 18 سورة الكهف، الآية: 18. موطن الشاهد: "باسط ذراعيه". وجه الاستشهاد: احتج الكسائي بإعمال "اسم الفاعل" في هذه الآية مع كونه للماضي، ونصبه المفعول به "ذراعيه"، ورد عليه بما هو ظاهر وواضح في المتن. وقد احتج الكسائي ومن وافقه كهشام وأبي جعفر: أن باسطا اسم فاعل بمعنى الماضي، وقد عمل النصب في ذراعيه، ولكن الجمهور ردوا ذلك وقالوا: إن هذه القصة حكاية حال، ومعنى ذلك أن يفرض المتكلم حين كلامه أن القصة واقعة الآن فهو يصفها، وعلى هذا لا يكون "باسط" ماضيا، ولكنه حاضر. "ونقلبهم" أتى بالمضارع الدال على الحال، وكذلك الواو في "كلبهم" فإنها للحال. والذي يحسن وقوعه بعدها المضارع لا الماضي، فإنه يقال: سافر محمد وأبوه يبكي، ولا يحسن أن يقال: وأبوه بكى. 2 لأن ذلك يقربه من الفعل، وهذا شرط لعمله النصب في المفعول، وفي الفاعل الظاهر، أما عدم المضي فشرط لعمله في المفعول فقط. 3 بدليل وجود "أم" المعادلة، فمهين: اسم فاعل، وقد رفع "زيد" ونصف "عمرا" اعتمادا على الاستفهام المقدر. 4 16 سورة النحل، الآية: 69. موطن الشاهد: {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} . وجه الاستشهاد: عمل اسم الفاعل "مختلف" عمل فعله، ورفع الفاعل "ألوانه"؛ لأنه اعتمد على موصوف محذوف؛ لأن التقدير -كما في المتن- وصنف مختلف ألوانه والتمثيل بهذه الآية، إما سهو، أو مبني على أن الاعتماد شرط للعمل حتى في المرفوع، وهو رأي ضعيف. والصحيح عند النحاة: أن رفعه الفاعل لا يشترط فيه شيء. أما الأعتماد فشرط لنصبه المفعول به وليس في الآية مفعول به.

وقوله1: [البسط] 371- كناطح صخرة يوما ليوهنها2

_ 1 القائل: هو الأعشى ميمون بن قيس، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل.. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 66، والأشموني: 698/ 2/ 341، وابن عقيل: 257/ 3/ 109، والشذور: 205/ 511، والعيني: 3/ 529، وديوان الأعشى: 46. المفردات الغريبة: ليوهنها: ليضعفها. يضرها: يؤثر فيها. أوهى: أضعف. الوعل: التيس الجبلي، وجمعه أوعال ووعول. المعنى: أن الذي يطلب ويرجو من الأشياء ما لا يستطيع الوصول إليه يتعب نفسه، ويخيب أمله، ولا يظفر بشيء؛ كالتيس الذي ينطح بقرنه صخرة صلبة ليضعفها ويفتتها، فلا يؤثر ذلك فيها شيئا، ويرجع وقد أتعب نفسه وآذى قرنه. الإعراب: كناطح: متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: أنت كناطح؛ وفي ناطح ضمير مستتر في محل رفع فاعل لاسم الفاعل؛ لأن اسم الفاعل يعمل عمل فعله فيرفع الفاعل دائما، وينصب المفعول إن استكمل الشروط، وكان فعله متعديا. صخرة: مفعول به لـ"ناطح". "يوما": متعلق بـ"ناطح". ليوهنها: اللام: لام كي لا محل لها من الإعراب، يوهن: فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد لام التعليل، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو، و"ها": ضمير متصل في محل نصب مفعولا به؛ والمصدر المؤول من أن المصدرية، وما دخلت عليه مجرور باللام، والجار والمجرور متعلق بـ"ناطح". فلم: الفاء: عاطفة، لم: نافية جازمة. يضرها: فعل مضارع مجزوم بـ"لم". وعلامة جزمه السكون الظاهر، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو، و"ها" في محل نصب مفعول به؛ وجملة "لم يضرها": معطوفة على جملة "يوهنها": لا محل لها. وأوهى: الواو: عاطفة، أوهى: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. قرنه: مفعول به لـ"أوهى"، وهو مضاف، والهاء: في محل جر بالإضافة. الوعل: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة؛ وجملة "أوهى قرنه ... ": معطوفة على "لم يضرها": لا محل لها. موطن الشاهد: "ناطح صخرة". وجه الاستشهاد: إعمال اسم الفاعل "ناطح" عمل فعله، فينصب المفعول به "صخرة" مع أنه غير معتمد في الظاهر على شيء، إلا أنه من حيث المعنى معتمد على =

أي: كوعل ناطح، ومنه "يا طالعا جبلا" أي: يا رجلا طالعا، وقول ابن مالك: "إنه اعتمد على حرف النداء" سهو؛ لأنه مختص بالاسم؛ فكيف يكون مقربا من الفعل1. [تحول صيغة فاعل إلى صيغة المبالغة] : [شروط عمل صيغ المبالغة] : فصل: تحول صيغة فاعل للمبالغة والتكثير2 إلى: فعال، أو فعول، أو مفعال؛ بكثرة، وإلى فعيل أو فعل؛ بقلة، فيعمل عمله بشروطه؛ قال3: [الطويل] 372- أخا الحرب لباسا إليها جلالها4

_ = موصوف محذوف؛ لأن الأصل "كوعل ناطح"، فراعى الشاعر ذلك المعنى، واعتبره معتمدا عليه، فأعمله عمل فعله. 1 أجيب عن الناظم بأن المصنف لم يدع أن حرف النداء مسوغ، بل إن الوصف إذا ولي حرف النداء عمل، وهذا لا ينافي كون المسوغ الاعتماد على الموصوف المحذوف، وإنما صرح بذلك مع دخوله في قوله بعد: وقد يكون نعت محذوف عرف ... ............... لدفع توهم أن اسم الفاعل لا يعمل إذا ولي حرف الندا؛ لأن النداء يبعده عن الفعل. انظر حاشية الصبان على شرح الأشموني: 2/ 293. 2 أي المبالغة والكثرة في معنى الفعل الثلاثي الأصلي، ولذلك تسمى: صيغة المبالغة. ولا تصاغ في الغالب إلا من مصدر فعل ثلاثي متصرف، متعد، ما عدا صيغة "فعال" فتصاغ من مصدر الثلاثي اللازم والمتعدي، وقد اجتمعا في قول الشاعر: وإني لصبار على ما ينوبني ... وحسبك أن الله أثنى على الصبر ولست بنظار إلى جانب الغنى ... إذا كانت العلياء في جانب الفقر ويندر أن تصاغ من غير الثلاثي "كأفعل" لأن اسم فاعل غير الثلاثي لا يكون على فاعل، نحو: دراك وسار؛ من أدراك، وأسأر "أي أبقى في الكأس بقية"، ومعطاء ومعوان، من أعطى وأعان، وسميع ونذير من أسمع وأنذر، وزهوق من أزهق. انظر حاشية يس على التصريح: 2/ 67، والأشموني: 2/ 343. 3 القائل: هو: القلاخ بن حزن بن جناب المنقري. ولم أعثر له على ترجمة وافية. 4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: وليس بولاج الخوالف أعقلا =

...............................................

_ = وينشد قبله: فإن تك فاتتك السماء فإنني ... بأرفع ما حولي من الأرض أطولا والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 68، وابن عقيل: 258/ 3/ 112، والأشموني: 699/ 2/ 342، والشذور: 207/ 514، والقطر: 129/ 367، وسيبويه: 1/ 57، والمقتضب: 2/ 113، وشرح المفصل: 6/ 7، والعيني: 3/ 535، والهمع: 2/ 96، والدرر: 2/ 129. المفردات الغريبة: أخا الحرب: أي مؤاخيها وملازمها. إليها: إلى بمعنى اللام، أي: لها. جلالها: جمع جل، والمراد: ما يلبس في الحرب من الدروع ونحوها. ولاج: كثير الولوج؛ أي: الدخول. الخوالف: جمع خالفة وهي عمود البيت أو الخيمة، والمراد هنا: الخيمة نفسها أو البيت. أعقلا؛ الأعقل: الذي تصطك ركبتاه من الفزع. المعنى: يمتدح الشاعر نفسه بالشجاعة والإقدام ويقول: إنه رجل حرب، يلبس لها لباسها ويقتحمها إذا شبت نيرانها، ولا يختبئ في البيوت أو الخيام خوفا وفزعا؛ أي: أنه مقدام جريء غير جبان. الإعرابك أخا: حال منصوب من الضمير المتكلم في البيت السابق على الشاهد وهو قوله: فإن تك فاتتك السماء فإنني ... بأرفع ما حولي من الأرض أطولا وهو منصوب، وعلامة نصبه الألف؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف. الحرب: مضاف إليه مجرور. لباسا: حال ثانية من ضمير المتكلم المذكور؛ وفيه ضمير مستتر هو فاعله. "إليها": متعلق بـ"لباس". جلالها: مفعول به لـ"لباس" منصوب، وهو مضاف، و"ها" مضاف إليه. وليس: الواو: عاطفة، ليس: فعل ماضٍ ناقص واسمه ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو. بولاج: الباء: حرف جر زائد، ولاج: اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ليس، وهو مضاف. الخوالف: مضاف إليه مجرور. أعقلا: إما أن يكون حالا من اسم ليس، ويجوز أن يكون خبرا ثانيا لـ"ليس"؛ وفي كلا الحالتين فهو منصوب، وعلامه نصبه الفتحة؛ ويمكن أن يكون صفة لـ"ولاج"، أو معطوفا عليه بحرف عطف مقدر، وهو في هذه الحالة مجرور، وعلامة جره الفتحة بدل الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف؛ أو منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة؛ لأن تابع خبر ليس المجرور بالباء الزائدة يجوز فيه الجر تبعا للفظ الخبر، ويجوز فيه النصب تبعا لموضعه كما في قول الشاعر: فلسنا بالجبال ولا الحديدا موطن الشاهد: "لباسا جلالها". =

وقال1: [الطويل] 373- ضروب بنصل السيف سوق سمانها2

_ = وجه الاستشهاد: إعمال صيغة المبالغة "لباس" عمل الفعل واسم الفاعل فنصبت المفعول "جلالها"، وقد اعتمدت على موصوف مذكور "أخا الحرب". 1 القائل: هو: أبو طالب بن عبد المطلب؛ واسمه عبد مناف وقيل شيبة، سيد قريش، وأحد أبطالهم وخطبائهم العقلاء وشعرائهم، مربي النبي صلى الله عليه وسلم وكافله، ووالد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب له ديوان صغير يسمى ديوان شيخ الأباطح، مات وله بضع وثمانون سنة وذلك سنة 3ق. هـ. الجمحي: 243، الأعلام: 4/ 166، طبقات ابن سعد: 1/ 75 وغيرها. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: إذا عدموا زادا فإنك عاقر والبيت من كلمة يرثي فيها أبا أمية بن المغيرة المخزومي، وهو زوج أخته عاتكة بنت عبد المطلب وهو من شواهد: التصريح: 2/ 68، والأشموني: 700/ 2/ 342، والشذور: 208/ 515، والقطر: 130/ 367، وسيبويه: 1/ 57، والمقتضب: 2/ 14، والجمل: 104، وأمالي بن الشجري: 2/ 106، وشرح المفصل: 6/ 69، والخزانة: 2/ 175، 3/ 446، والعيني: 3/ 539، والهمع: 2/ 97، والدرر: 2/ 130، وديوان أبي طالب: 11. المفردات الغريبة: ضروب: صيغة مبالغة لضارب. نصل السيف: حده وشفرته. سوق: جمع ساق. سمانها: جمع سمينة ضد الهزيلة، وهي الممتلئة الجسم. عاقر: اسم فاعل من العقر، وهو الذبح. المعنى: يصف ابو طالب أبا أمية بالكرم وقت العسرة، ويقول: إنه كان جوادا واسع الكرم؛ يعقر الإبل السمان للضيفان، إذا أعسر الناس، ولم يجدوا زادا، وقد كانوا يضربون قوائم الإبل بالسيوف قبل الذبح؛ لإضعافها، فيتمكنوا من ذبحها. الإعراب: ضروب: خبر مبتدأ محذوف؛ والتقدير: هو ضروب. "بنصل": متعلق بـ"ضروب"، و"نصل" مضاف. السيف: مضاف إليه مجرور. سوق: مفعول به لـ"ضروب"، وهو مضاف. سمانها: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، و"ها" مضاف إليه. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه، مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية. عدموا: فعل ماضٍ مبني على الضم: لاتصاله بواو الجماعة، والواو في محل رفع فاعل. زادا: مفعول به منصوب؛ وجملة "عدموا زادا": في محل جر بالإضافة. فإنك: الفاء: واقعة في جواب الشرط =

وحكى سيبويه: "إنه لمنحار بوائكها"1، وقال2: [الطويل] 374- فتاتان أما منهما فشبيهة ... هلالا3...........

_ = غير الجازم، إن: حرف مشبه بالفعل، والكاف: في محل نصب اسم إن. عاقر: خبر إن مرفوع؛ وجملة "إن واسمها وخبرها": لا محل لها من الإعراب؛ لأنها جواب شرط غير جازم. موطن الشاهد: "ضروب سوق سمانها". وجه الاستشهاد: إعمال صيغة المبالغة ضروب عمل الفعل، فنصب بها المفعول سوق، وقد اعتمدت على مخبر عنه محذوف -كما بينا في الإعراب- والتقدير: هو ضروب. 1 بوائكها: جمع بائكة، وهي السمينة الحسناء من النوق، وهي منصوبة بمنحار صيغة مبالغة من ناحر، وقد اعتمدت على مخبر عنه وهو اسم "إن". الكتاب لسيبويه: 1/ 112. شرح الأشموني مع الصبان: 2/ 297. 2 القائل: هو عبد الله بن قيس الرقيات، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: البيت بتمامه: فتاتان أما منهما فشبيهة ... هلالا وأخرى منهما تشبه البدرا وهو من شواهد: التصريح: 2/ 68، والأشموني: 702/ 2/ 342، والعيني: 3/ 542. المفردات الغريبة: فتاتان: تثنية فتاة، وهي الجارية الحديثة السن: هلالا؛ الهلال: القمر لليلتين أو ثلاث من أول الشهر. البدر: القمر عند تمامه وكماله. المعنى: أن هاتين الفتاتين جميلتان؛ غير أن إحداهما تشبه الهلال في نحافتها، والأخرى تشبه البدر في سمنها وإشراقتها. الإعراب: فتاتان: خبر لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: هما فتاتان مرفوع، وعلامة رفعه الألف؛ لأنه مثنى، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. أما: حرف شرط وتفصيل، لا محل له من الإعراب. "منهما": متعلق بمحذوف واقع صفة لموصوف محذوف يقع مبتدأ، والتقدير: أما واحدة كائنة منهما. فشبيهة: الفاء: زائدة وجوبا في خبر المبتدأ، شبيهة: خبر المبتدأ مرفوع فيه ضمير مستتر تقديره: هي في محل رفع فاعل. هلالا: مفعول به لـ"شبيهة" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. وأخرى: الواو: عاطفة، أخرى: صفة لموصوف محذوف يقع مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الصمة المقدرة على الألف للتعذر. "منهما": متعلق بمحذوف صفة لـ"أخرى"؛ والتقدير: وواحدة أخرى منهما تشبه البدر. موطن الشاهد: "فشبيهة هلالا".

وقال1: [الوافر] 375- أتاني أنهم مزقون عرضي2

_ = وجه الاستشهاد: إعمال صفة المبالغة "شبيهة" عمل الفعل واسم الفاعل، حيث نصب بها المفعول به "هلالا"؛ واسم المبالغة هنا؛ معتمد على مخبر عنه محذوف؛ لأن التقدير: أما فتاة منهما فهي شبيهة هلالا. انظر في هذه المسألة حاشية يس على التصريح 2/ 68. 1 القائل: هو الصحابي؛ زيد الخير الذي كان يسمى بزيد الخيل الطائي، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: جحاش الكرملين لها فديد. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 68، وابن عقيل: 261/ 3/ 115، والأشموني: 703/ 2/ 342، والشذور: 209/ 516، والقطر: 131/ 368، والمقرب: 24. المفردات الغريبة: مزقون: جمع مزق مبالغة في مازق، من المزق وهو شق الثياب ونحوها، ويستعمل في شق العرض مجازا، عرض الإنسان: ما يحميه ويصونه ويدافع عنه من حسبه ونسبه. جحاش: جمع جحش؛ وهو الصغير من الحمير. الكرملين: ماء في جبل طيئ، كانت ترده الجحوش. فديد: صياح وتصويت. المعنى: بلغني أن هؤلاء القوم يتطاولون علي، وينالون عرضي بالقدح والذم، ولست أعبأ بهؤلاء، ولا أصفي لترهاتهم، فهم عندي كالجحوش التي ترد هذا الماء وتتزاحم عليه، وهي تنهق وتصيح وتحدث جلبة كاذبة. الإعراب أتاني: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب مفعولا به. أنهم: حرف مشبه بالفعل، و"هم": ضمير متصل في محل نصب اسم "أن". مزقون: خبر "أن" مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه جمع مذكر سالم. عرضي: مفعول به لـ"مزقون" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل الياء، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحرك المناسبة، وهو مضاف، والياء: في محل جر بالإضافة؛ والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": في محل رفع فاعل لـ"أتى". جحاش: خبر لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: هم جحاش، وهو مضاف. الكرملين: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه مثنى. "لها": متعلق بمحذوف خبر مقدم. فديد: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وجملة "المبتدأ أو خبره": في محل نصب على الحال من جحاش الكرملني. =

[تثنية اسم الفاعل وصبغ المبالغة وجمعهما] : فصل: تثنية اسم الفاعل وجمعه وتثنية أمثلة المبالغة وجمعها كمفردهن في العمل والشروط؛ قال الله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا} 1، وقال تعالى: {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} 2، وقال: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ} 3، وقال الشاعر4: [الكامل]

_ = موطن الشاهد: "مزقون عرضي". وجه الاستشهاد: إعمال صيغة المبالغة "مزقون" -جمع مزق- عمل الفعل واسم الفاعل، وهي معتمدة على مخبر عنه، وهو اسم "إن"؛ فنصب بها المفعول به "عرضي". هذا ويذكر هنا أن إعمال أمثلة المبالغة رأي سيبويه وأصحابه، وحجتهم السماع والحمل على أصلها، وهو اسم الفاعل؛ لأنها محولة عنه لقصد المبالغة. ويمنع الكوفيون إعمال شيء منها، وحملوا المنصوب بعدها على تقدير فعل، كما منعوا تقديمه عليها، ويرده قول العرب: "أما العسل فأنا شراب"، ولم يجز بعض البصريين إعمال "فعيل" و"فعل". وأجاز الجرمي إعمال فعل دون فعيل؛ لأنه على وزن الفعل كعلم وفهم وفطن. التصريح: 2/ 68، الدرر اللوامع: 2/ 130. 1 33 سورة الأحزاب، الآية: 35. موطن الشاهد: {الذَّاكِرِينَ اللَّهَ} . وجه الاستشهاد: إعمال جمع اسم الفاعل "الذاكرين" عمل اسم الفاعل المفرد، والفعل، فنصب به لفظ الجلالة؛ وحكم هذا الإعمال الجواز باتفاق؛ إذا توفرت الشروط المطلوبة. 2 39 سورة الزمر، الآية: 38. موطن الشاهد: "كاشفات ضره". وجه الاستشهاد: إعمال جمع اسم الفاعل "كاشفة" عمل اسم الفاعل المفرد، والفعل، فنصب به المفعول "ضره"؛ وحكم هذا الإعمال الجواز باتفاق؛ إذا توفرت الشروط المطلوبة. 3 54 سورة القمر، الآية: 7. موطن الشاهد: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ} . وجه الاستشهاد: إعمال جمع اسم الفاعل "خاشع" عمل اسم الفاعل المفرد، والفعل، فرفع به الفاعل "أبصارهم"؛ لاعتماده على صاحب الحال؛ وحكم هذا الإعمال الجواز باتفاق، كما سبق. 4 هو: عنترة بن شداد العبسي، وقد مرت ترجمته.

376- والناذرين إذا لم القهما دمي1

_ 1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: الشاتمي عرضي ولم أشتمهما وهو من معلقته المشهورة بقوله في حضين ومرة ابني ضمضم المذكورين في قوله قبل: ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر ... للحرب داسرة على ابني ضمضم والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 69، والأشموني: 603/ 2/ 309، والعيني: 3/ 551. المفردات الغريبة: الشاتمي: مثنى شاتم من الشتم وهو الرمي بالمكروه من القول. الناذرين: تثنية ناذر، وهو الذي يوجب على نفسه ما ليس بواجب عليه. المعنى: أخشى أن أموت ولم أنتقم من ابني ضمضم، اللذين يشتماني، ويقدحان في عرضي، ولم أسئ إليهما، وينذران أنفسهما -حين أكون غائبا عنهما- سفك دمي وقتلي، فإذا حضرت أو لقياني أمسكا عن كل ذلك، هيبة مني، وجبنا منهما وفزعا. الإعراب: الشاتمي: صفة لابني ضمضم المذكورين في بيت سابق، مجرور وعلامة جره الياء؛ لأنه مثنى، والشاتمي مضاف. عرضي: مضاف إليه، وهو مضاف، والياء: مضاف إليه. ولم: الواو: حالية، لم؛ نافية جازمة. أشتمهما: فعل مضارع مجزوم بـ"لم"؛ وعلامة جزمه السكون، والفاعل: أنا، و"هما": في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "لم أشتمهما": في محل نصب على الحال. والناذرين: الواو عاطفة، الناذرين: اسم معطوف على الشاتمين مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه مثنى، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان متضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه، مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية. لم: حرف جزم ونفي وقلب. ألقهما: فعل مضارع مجزوم بـ"لم"، وعلامة جزمه حذف الألف، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنا؛ و"هما": في محل نصب مفعولا به؛ وجواب "إذا" محذوف؛ والأفضل اعتبار "إذا" -هنا- ظرفية وحسب. دمي: مفعول به لـ"الناذرين" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، والياء: مضاف إليه. موطن الشاهد: "الناذرين دمي". وجه الاستشهاد: إعمال مثنى اسم الفاعل المقترن بـ"أل"، وهو "الناذرين" عمل المفرد؛ حيث نصب به المفعول "دمي" من دون أن يعتمد على شيء.

وقال1: [الرمل] 377- غفر ذنبهم غير فخر2

_ 1 القائل: هو طرفة بن العبد البكري، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: ثم زادوا أنهم في قومهم والبيت من قصيدته المشهورة والتي مطلعها قوله: أصحوت اليوم أم شاقتك هر ... ومن الحب جنون مستقر والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 69، والأشموني: 706/ 2/ 343، وابن عقيل: 263/ 2/ 117، وسيبويه: 1/ 58، برواية "فجر"، ونوادر أبي زيد الأنصاري: 10، والجمل: 106، وشرح المفصل: 6/ 74، الخزانة: 3/ 364، والعيني: 3/ 458، والهمع: 2/ 97، والدرر: 2/ 131، وديوان طرفة بن العبد: 68. المفردات الغريبة: هر: مرخم هرة: اسم محبوبته. غفر: جمع غفور؛ مبالغة في غافر. فخر: جمع فخور، مبالغة في فاخر. المعنى: أن هؤلاء القوم زادوا على غيرهم -فوق ما هم عليه من الإقدام والشجاعة- بأنهم كثيرو العفو عن الزلات، والصفح عن الإساءات، وأنهم -مع ما لهم من الخصال الكريمة- لا يفخرون ولا يتباهون بشيء. الإعراب: ثم: حرف عطف مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب. زادوا: فعل ماضٍ مبني على الضم، والواو: في محل رفع فاعل. أنهم: حرف مشبه بالفعل، و"هم": في محل نصب اسمه. "في قومهم": متعلق بمحذوف حال من اسم "إن" و"هم" في محل جر بالإضافة؛ وذهب ابن هشام إلى أن الجار والمجرور متعلق بـ"زادوا" معتبرا أن" في" بمعنى "عند" في الشاهد. غفر: خبر "أن" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. ذنبهم: مفعول به منصوب لـ"غفر"، وهو مضاف، و"هم" مضاف إليه. غير: خبر ثان لـ"أن" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة، وهو مضاف. فخر: مضاف إليه مجرور، وسكن لضرورة الشعر. موطن الشاهد: "غُفُرٌ ذنبَهم". وجه الاستشهاد: إعمال جمع صيغة المبالغة "غفر" عمل المفرد، وقد اعتمد على مخبر عنه مذكور؛ وهو اسم "أن"؛ وعمل جمع صيغة المبالغة جائز باتفاق. فائدة أولى: لا فرق في الجمع -أي جمع اسم الفاعل- أن يكون جمعَ مذكرٍ سالمًا، أو جمعَ مؤنثٍ سالمًا، أو جمع تكسير؛ فمثاله في المجموع جمع مذكر سالما، قوله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا} ، ومثاله في المجموع جمع مؤنث سالما، قوله تعالى: =

وأن يخفض بإضافته؛ وقد قرئ: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} 1، و {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} 2؛ بالوجهين، وأما ما عدا التالي3 فيجب نصبه؛ نحو: {خَلِيفَةً} من قوله

_ 1 65 سورة الطلاق، الآية: 3. أوجه القراءات: قرأ عاصم وحفص والمفضل وأبان وجبلة وجماعة عن أبي عمرو: {بَالِغُ أَمْرِهِ} ، وقرأ العامة: بتنوين "بالغ" ونصب "أمره". توجيه القراءات: قراءة العامة على انتصاب أمره ببالغ؛ لأنه بمعنى الاستقبال، فعمل عمل الفعل، وأما قراءة عاصم وحفص ومن معهما، فعلى إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله. انظر البحر المحيط: 8/ 283، القرطبي: 18/ 161. المشكل: 2/ 384. موطن الشاهد: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} وجه الاستشهاد: إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله "أمره"؛ وحكم إضافته إلى ما بعده الجواز -كما في هذه القراءة- ويجوز إعماله -كما في القراءة الأخرى- إن الله بالغ أمره؛ بتنوين اسم الفاعل، ونصب "أمره". 2 39 سورة الزمر، الآية: 38. أوجه القراءات: قرأ أبو عمرو: "كاشفات ضره" بالنصب، وقرأ الباقون: "كاشفات ضره" بالخفض. توجيه القراءات: قراءة أبي عمرو على إعمال اسم الفاعل؛ لأنه بمعنى الاستقبال، وجاء منونا، والقراءة الأخرى جاءت بالرفع من دون تنوين فأضيف اسم الفاعل إلى مفعوله؛ و"كاشفات" جمع كاشفة. موطن الشاهد: {كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} . وجه الاستشهاد: إضافة اسم الفاعل "كاشفات" إلى ما بعده؛ وحكم إضافته إلى ما بعده الجواز؛ لأنه يجوز أن ينصب ما بعده على أنه مفعوله؛ إذا كان منونا كما أسلفنا. 3 يشمل ذلك: 1- المعمول المفصول من اسم الفاعل بالظرف أو الجار والمجرور؛ فالظرف نحو "زيد ضارب اليوم بكرا" والجار والمجرور نحو قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} . 2- المفعول الثاني والمفعول الثالث إذا كان فعل اسم الفاعل ينصب مفعولين أو ثلاثة وأضفته إلى الأول منهما نحو: "هو ظان زيد قائما"، و"هذا معطي زد درهما". وقد ذهب الجمهور إلى أن ناصب هذا المنصوب فعل مضمر يفسره اسم الفاعل، وذهب السيرافي إلى أن ناصبه اسم الفاعل نفسه، وهو ما يدل عليه قول ابن مالك في الألفية: "وهو لنصب ما نواه مقتضي"، هذا وقد ذهب سيبويه إلى أن النصب أعلى =

تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} 1. وإذا أتبع المجرور2؛ فالوجه جر التابع على اللفظ؛ فتقول: "هذا ضارب زيد وعمرو" ويجوز نصبه بإضمار وصف منون، أو فعل اتفاقها، وبالعطف على المحل عند بعضهم3؛ ويتعين إضمار الفعل إن كان الوصف غير عامل؛ فنصب: "الشمس" في: "وجاعل الليل سكنا والشمس"4، بإضمار جعل لا غير؛ إلا إن قدر: "جاعل" على حكاية الحال.

_ = بالنسبة للمعمول التالي للعامل، وذهب الكسائي إلى أن النصب والجر سواء، وقيل: الجر أولى لأنه أخف. حاشية يس على التصريح: 2/ 69، الأشموني وحاشية الصبان: 2/ 300-301. 1 2 سورة البقرة، الآية: 30. موطن الشاهد: {جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} وجه الاستشهاد: عمل اسم الفاعل "جاعل" عمل فعله، فنصب المفعول "خليفة"، وحكم هذا الإعمال النصب؛ لتعذر الإضافة بالفصل بالجار والمجرور. 2 أي بالوصف بأحد التوابع: أما المنصوب فلا يجوز جر تابعه؛ لأن شرط الاتباع على المحل كونه أصليا، والأصل في الوصف المستوفي للشروط العمل، لا الإضافة لالتحاقه بالفعل. 3 من مجيء التابع منصوبا قول أحد بني قيس، واستشهد به سيبويه: فبينا نحن نرقبه أتانا ... معلق وفضة وزناد راعي فقد نصب "زناد راع" وهو معطوف على "وفضة" المجرور بإضافة "معلق" إليه. 4 6 سورة الأنعام، الآية: 96. أوجه القراءات: قرأ عاصم وحمزة والكسائي وخلف: "وجعل"، وقرأ الباقون: "جاعل" بالألف وكسر العين. توجيه القراءات: من قرأ: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ} فهو عطف على اللفظ والمعنى، ومن قرأ: "وجاعل الليل" فقد نصب "الشمس والقمر" بالعطف على موضع "الليل"؛ لأنه في موضع نصب، وقيل: بل على تقدير: "وجعل". انظر: النشر 2/ 251، الإتحاف: 214، المشكل: 1/ 280. موطن الشاهد: "جاعل الليل سكنا والشمس". وجه الاستشهاد: انتصاب "الشمس" بإضمار فعل "جعل"، ولا يجوز النصب بإضمار وصف منون، ولا بالعطف على المحل؛ لأن الوصف المذكور غير عامل؛ لكونه =

..................................................

_ = بمعنى الماضي، وأما إن قدر "جاعل" على حكاية الحال فحينئذ يجوز النصب على الوجهين السابقين؛ أي بإضمار وصف منون، أو بالعطف على محل الليل؛ لأن الوصف على هذا يكون عاملا؛ لكونه بمعنى يجعل. فائدتان: أ- إذا كان اسم الفاعل بمعنى الاستمرار جاز اعتبار إضافته محضة بالنظر إلى معنى المضي فيه، وبذلك يقع صفة للمعرفة، ولا يعمل، واعتبارها غير محضة بالنظر إلى الحال والاستقبال، وبذلك يقع صفة للنكرة، ويعمل فيما أضيف إليه. ب- يجوز تقديم معموله عليه نحو: عليا أنا مصاحب، إلا إذا كان مقترنا بأل نحو: المخترع الطيارات، أو مجرورا بإضاف نحو: هذا كتاب معلم الأدب، أو بحرف غير زائد نحو: ذهب محمد بمؤدب أحمد، فإن كان الحرف زائدا جاز، نحو ليس محمد خليلا بمكرم. حاشية الصبان: 2/ 300.

باب إعمال اسم المفعول

[باب إعمال اسم المفعول] هذا باب إعمال اسم المفعول: [تعريف اسم المفعول وشروط عمله] : وهو: ما دل على حدث ومفعوله1، كـ"مضروب" و"مكرم". ويعمل عمل فعل المفعول2، وهو كاسم الفاعل؛ في أنه إن كان بأل عمل مطلقا3، وإن كان مجردا عمل بشرط الاعتماد4، وكونه للحال أو الاستقبال. تقول: "زيد مُعْطًى أبوه درهما، الآن أو غدا"، كما تقول: "زيد يُعْطَى أبوه درهما"، وتقول: "المعطى كفافا يكتفي"5، كما تقول: "الذي يُعْطَى أو أُعْطِيَ"؛ فالمعطى: مبتدأ، ومفعوله الأول مستتر عائد إلى "أل"، وكفافا: مفعول ثان، ويكتفي: خبر. ما ينفرد به اسم المفعول عن اسم الفاعل: وينفرد اسم المفعول6 عن اسم الفاعل بجواز إضافته إلى ما هو مرفوع به في

_ 1 أي على معنى مجرد، وعلى الذات التي وقع عليها هذا الحدث، ولا فرق بين أن يكون مأخوذا من الثلاثي على زنة مفعول، وأن يكون مأخوذا من غير الثلاثي المجرد على زنة مضارعه بإبدال أوله ميما مضمومة، وفتح ما قبل آخره، كما مثل المصنف. 2 أي الفعل المبني للمفعول -أي المجهول. فإن كان متعديا لواحد رفعه بالنيابة، وإن كان متعديا لاثنين أو ثلاثة رفع واحدا بالنيابة ونصب غيره. 3 بينا في مطلع باب إعمال اسم الفاعل المراد بالإطلاق. 4 على استفهام، أو نفي، أو مخبر عنه، أو موصوف، أو ذي حال. 5 مثال للمقرون بأل وهو يعمل بلا شرط، وهو من أمثلة الناظم في الألفية. 6 اعلم أن اسم الفاعل يمكن أن يكون مأخوذا من مصدر فعل لازم، كقائم وقاعد =

المعنى، وذلك بعد تحويل الإسناد عنه إلى ضمير راجع للموصوف، ونصب الاسم على التشبيه. تقول: "الورع محمودةٌ مقاصدُه"، ثم تقول: "الورع محمودٌ المقاصدَ" بالنصب، ثم تقول: "الورع محمودُ المقاصدِ" بالجر1.

_ = وجالس وناقد، وفي هذه الحالة يجوز أن يضاف إلى مرفوعه بغير خلاف، تقول: "محمد قائم الأب، ونافذ القول". ويمكن أن يكون مأخوذا من مصدر فعل متعد لأكثر من مفعول واحد، وفي هذه الحالة تمتنع إضافته إلى مرفوعه، وقد قيل: إن هذا المنع أجمع عليه النحاة، وقال الشاطبي: فيه خلاف. ويمكن أن يكون اسم الفاعل مأخوذا من مصدر فعل يتعدى لمفعول واحد، كضارب وظالم، وفي هذه الحالة منع الجمهور إضافته إلى مرفوعه. سواء أحذف مفعوله أم ذكر، وسواء أمن اللبس أم لم يؤمن. واختار ابن مالك ما ذهب إليه الفارسي من أنه تجوز إضافته لمرفوعه بشرط أمن اللبس، سواء أذكر منصوبه بعد الإضافة أم حذف. وجوز ابن عصفور وابن أبي الربيع إضافته إلى مرفوعه بشرط ان يحذف منصوبه، ولا يذكر في الكلام، ويدل لصحته إضافته إلى مرفوعه، وهو مأخوذ من مصدر فعل يتعدى لواحد قول الشاعر: ما الراحم القلب ظلاما وإن ظلما ... ولا الكريم بمناع وإن حرما وهذا البيت يصلح دليلا لمذهب ابن مالك ولمذهب ابن عصفور. التصريح: 2/ 70-71، الأشموني مع الصبان: 2/ 303. 1 قد وردت صيغ سماعية بمعنى اسم المفعول المصوغ من مصدر الثلاثي، في الدلالة على الذات والمعنى، ولكنها ليست على زنته. ومن ذلك: "فعيل" نحو: "كحيل بمعنى مكحول، و"فُعْل" كذبح بمعنى مذبوح، و"فعَل" كقنص بمعنى مقنوص، و"فعلة" كمضغة بمعنى ممضوغة، ويقتصر في ذلك على المسموع. ومن الخير والتسامح أن تعمل عمل اسم المفعول بشروطه، فترفع نائب فاعل حتما. وقد تنصب مفعولا به أو أكثر إن كان فعلها المبني للمجهول كذلك. هذا وقد ذكر الأشموني: أن جواز إلحاق اسم المفعول بالصفة المشبهة، وقياسه عليها في جواز إضافته إلى المرفوع إنما يكون إذا كان على وزنه الأصلي، وهو وزن "مفعول" من الثلاثي، ووزن المضارع المبني للمجهول من غيره، فإن حول عن ذلك إلى "فعيل" ونحوه لم يجز؛ لكراهة كثرة التغييرات، فلا يقال: مررت برجل كحيل عينه، ولا قتيل أبيه، ويجوز، مكحول عينه ومقتول أبيه. الأشموني: 2/ 346، والأشموني مع الصبان: 2/ 305-306.

باب أبنية مصادر الثلاثي

[باب أبنية مصادر الثلاثي] [أوزان الثلاثي المجرد] : اعلم أن اللفعل الثلاثي1 ثلاثة أوزان: فَعَلَ، بالفتح، ويكون متعديا،

_ 1 أي: المجرد، وذلك باعتبار ماضيه فقط. أما باعتبار الماضي مع المضارع، فيأتي على ستة أوجه يسميها الصرفيون أبوابا؛ لأن "فَعَلَ" بالفتح يأتي مضارعه مثلث العين، و"فَعِلَ" بالكسر يأتي مضارعه مفتوح العين، أو مكسورها، و"فَعُلَ" بالضم لا يكون مضارعه إلا مضموم العين، وإليك مجمل الأبواب المذكورة الباب الأول: "فَعَلَ" "يَفْعِلُ"؛ نحو: ضرب، يضرب، جلس، يجلس، وهو مقيس مطرد في المثال الواوي؛ نحو: وعد، يعد بشرط أن لا تكون لامه حرف حلق؛ ومعلوم أن حروف الحلق هي: الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء. وهو مقيس مطرد في الأجوف اليائي أيضا؛ نحو: جاء، يجيء، فاء، يفيء وفي الناقص اليائي، نحو؛ أتى يأتي؛ بشرط أن لا تكون عينه حرف حلق كسعى وهو مقيس كذلك في المصنف اللازم؛ نحو: فر، يفر وما عدا ذلك فمقصور على السماع. الباب الثاني: "فَعَلَ" "يَفْعُلُ"؛ نحو" نصر ينصر، أخذ يأخذ، وهو مقيس في الأجوف الواوي؛ نحو: جال يجول، قال يقول. والناقص الواوي؛ نحو: صفا يصفو، وسما يسمو والمضعف المتعدي؛ نحو: مد يمد، صب يصب، وفي كل فعل تقصد فيه المفاخرة والغلبة؛ نحو: ناصرته فأنا أنصره وسابقته فأنا أسبقه ويشترط أن لا يكون من الأنواع التي يجب فيها كسر العين في الباب السابق. الباب الثالث: "فَعَلَ" "يَفْعَلُ"؛ نحو: بدأ يبدأ، ويكثر فيما كانت عين ماضيه، أو لامه حرف حلق؛ نحو: ذهب يذهب، فتح يفتح، ويشترط أن لا يكون مضعفا، وإلا فهو على ما سبق من كسر اللازم وضم المتعدي، وما جاء من هذا الباب غير حلقي فشاذ؛ نحو: أبى يأبى، وقد اشتهر الكسر في مضارع رجع ونزع ونضج، واشتهر الضم فيه في مضارع دخل وصرخ ونفخ وقعد وأخذ، وطلع وبزغ وبلغ ونخل، فينبغي الاقتصار على ما اشتهر. الباب الرابع: "فَعِلَ" "يَفْعَلُ"؛ نحو: علم يعلم، فهم يفهم، ولا ضابط لهذا الباب. =

كـ"ضربه" وقاصرا كـ"قعد"، وفعل، بالكسر، ويكون قاصرا، كـ"سلم" ومتعديا، كـ"علمه"، وفعل، بالضم، ولا يكون إلا قاصرا، كـ"ظرف". فأما فَعَلَ وفَعِلَ المتعديان فقياس مصدرهما1 الفعل؛ فالأول: كالأكل والضرب والرد، والثاني: كالفهم واللثم والأمن. وأما فعل القاصر؛ فقياس مصدره "الفعل"؛ كالفرح، والأشر، والجوى، والشلل2؛ إلا إن دل على حرفة، أو ولاية؛ فقياسه: الفعالة؛ كولي عليهم ولاية3.

_ = وإنما يكثر فيه الأفعال الدالة على الفرح وتوابعه، والامتلاء والخلو والألوان والعيوب؛ نحو فرح طرب غضب حزن شبع وعطش وحمر وعور وعمش وهيف. الباب الخامس: "فَعِلَ" "يَفْعِلُ"؛ نحو: حسب يحسب، وولي يلي وهو نادر في الصحيح كثير في المعتل هي: ورث، وولي، ورم، ورع، ومق "أي أحب"، وفق، وجد أي: حزن، ورك أي: اضطجع، وكم أي: اغتم، وقه، وهم وعم الدار أي: قال لها: انعمي. وورد أحد عشر فعلا تكسر عينها في الماضي ويجوز الفتح والكسر في المضارع منها: حسب، يئس، يبس، ولغ، وغر، وبق أي: هلك. الباب السادس: "فَعُلَ" "يَفْعُلُ"؛ نحو: عظم يعظم، كرم يكرم، ولا يكون إلا لازما، وأفعال هذا الباب تدل على الأوصاف الخلقية أي: التي لها مكث، ولم يرد فعل يائي العين إلا هيؤ الرجل، أي: حسنت هيئته، هذا: ولك أن تنقل وتحول إلى هذا البناء كل فعل ثلاثي تريد به الدلالة على أن معناه صار كالغريزة. أو أردت التعجب منه، أو القدح فيه كما سيأتي في باب التعجب انظر ضياء السالك 3/ 28-29. 1 إلا إن دل على صناعة فمصدره في الغالب "فِعالة"؛ نحو: حاك حياكة، صاغ صياغة، خاط خياطة؛ والمراد بالقياس أنه إذا ورد فعل لم يُعلم مصدره يُقاس على ذلك، ولا يقاس مع السماع. انظر التصريح: 2/ 73. 2 يقال؛ جَوِيَ المحب جَوًي: اشتدت به حرقة الحب، شَلِلَ المريض شللًا: أصابه مرض الشلل. 3 ومثله ساس البلاد سياسة، وراض الخيل رياضة، وهذا المصدر يأتي في "فَعَل" المتعدي الدال على صناعة كما سلف، واللازم كما سيأتي، ويستثنى منه ما دل على =

وأما فَعَل القاصر؛ فقياس مصدره الفُعُول1، كالقعود، والجلوس، والخروج، إلا إن دل على امتناع؛ فقياس مصدره: الفِعَال كالإباء2، والنفار، والجماح، الإباق، أو على تقلب3؛ فقياس مصدره: الفَعَلان؛ كالجولان، والغليان، أو على داء؛ فقياسه: الفُعَال؛ كمشى بطنه مشاء، أو على سير؛ فقياسه: الفَعِيل كالرحيل، والذميل4، أو على صوت؛ فقياسه: الفُعَال أو الفَعِيل5؛ كالصراخ والعواء، والصهيل، والنهيق والزئير6، أو على حرفة أو ولاية؛ فقياسه: الفِعَالة كتجر تجارة، وخاط خياطة، وسفر بينهم سفارة إذا أصلح. وأما فَعُلَ، بالضم؛ فقياس مصدره: الفُعُولة؛ كالصعوبة، والسهولة، والعذوبة، والملوحة؛ والفَعَالَة: كالبلاغة، والفصاحة، والصراحة7.

_ = لون، فإن الغالب في مصدره "فُعْلَة"؛ نحو: حمرة وسمرة. وما دل على معنى ثابت فقياسه "فَعُولة"؛ نحو: يبوسة. وما دل على معالجة -أي محاولة حسية- فمصدره "فُعُول"؛ نحو: صعد صعودا، قدم قدوما. انظر ضياء السالك 3/ 30. 1 هذا إذا كان صحيح العين؛ فإن كان معتلها فالغالب في مصدره أن يكون على وزن "فَعْل"؛ نحو: نام نوما، صام صوما. أو على "فِعَال"؛ نحو: صام صياما وقام قياما. 2 الإباء: مصدر أبى بمعنى امتنع، أما أبى بمعنى كره، فهو متعدٍّ، تقول: أبيت الشيء إذا كرهته. 3 أي: تنقل وحركة متقلبة فيها اهتزاز واضطراب لا مطلق تحرك؛ فلا يراد قام قياما، ومشى مشيا. 4 الذميل: ضرب من سير الإبل، فيه رفق ولين، وهو دون الرسيم. 5 يجتمع الفعال والفعيل في نحو: صرخ الطفل، ونعب الغراب، ونعق الراعي؛ ويكون "فُعَال" مصدرا، لما يدل على مرض كما تقدم، أو صوت؛ نحو: بغم الظبي بغاما؛ ويكون "فَعِيل" لما يدل على سير -كما سلف- أو على صوت؛ نحو: صهل الفرس صهيلا. 6 الزئير: صوت الأسد؛ وهو مصدر زأر، والنهيق: صوت الحمار؛ وهو مصدر نهق. 7 يكون المصدر على وزن "فُعولة" -غالبا- إذا جاءت الصفة المشبهة منه على وزن "فَعْل"؛ نحو: سهل فهو سهل، وعذب فهو عذب؛ فالمصدر: سهولة وعذوبة؛ وعلى وزن "فِعالة" إذا كانت الصفة منه على وزن "فعيل"؛ نحو: ملح فهو مليح، وظرف فهو ظريف؛ فالمصدر: ملاحة، وظرافة. وقد يتخلف ذلك نحو: ضَخُم فهو ضَخْم، =

وما جاء مخالفا لما ذكرناه؛ فبابه: النقل1. كقولهم في "فَعَل"، المتعدي: جحده جحودا، وشكره شكورا وشكرانا2؛ وقالوا "جحدا" على القياس. وفي "فَعَل" القاصر: مات موتا، وفاز فوزا، وحكم حكما، وشاخ شيخوخة، ونم نميمة، وذهب ذهابا3. وفي "فَعِل" القاصر: رغب رغوبة4، ورضي رضا، وبخل بُخْلًا، وسخط سُخْطًا، بضم أولهما وسكون ثانيهما، وأما البَخَل والسَّخَط، بفتحتين، فعلى القياس؛ كالرغب5. وفي "فَعُلَ" نحو: حسن حسنا، وقبح قبحا6. وذكر الزجاجي وابن عصفور: أن الفعل7 قياس في مصدر "فعل"؛ وهو خلاف ما قاله سيبويه.

_ = وملح الطعام؛ أي صار ملحا؛ فمصدرها الشائع: الضخامة، والملوحة، مع أن الصفة المشبهة، ليست على فعل ولا فعيل. 1 أي: السماع عن العرب، ولا يقاس عليه. 2 والقياس: جحدا وشكرا. 3 والقياس في الجميع: "فُعول". 4 والقياس: رغبا. 5 وعلى ذلك، يكون لـ"رغب" و"بخل" و"سخط" مصادر قياسية، وأخرى سماعية، ويلاحظ أن المؤلف عد كلا من "رضي" و"سخط" لازما، مع ورود قولهم: رضيه، وسخطه. 6 والقياس: "الفعُولة" أو "الفَعَالة". 7 وقع في نسخة المتن وفي نسخ التصريح المطبوعة كلها أن "الفُعْلَة" بدل "الفُعْل" وهو تحريف كما ذكر الشيخ عبد الحميد في تعليقه، وقد نقل الأشموني هذه العبارة في تنبيهاته فقال: "ذكر الزجاج وابن عصفور أن "الفُعْل" كالحسن، قياس في مصدر "فَعُل" -بضم العين- كـ"حسن" و"قبح" وهو خلاف ما قاله سيبويه. انظر حاشية الصبان: 2/ 306.

باب مصدر غير الثلاثي

[باب مصدر غير الثلاثي] هذا باب مصادر غير الثلاثي: لا بد لكل فعل غير ثلاثي1 من مصدر مقيس.

_ 1 ويشمل غير الثلاثي ما يأتي: أ- الرباعي المجرد وله بناء واحد هو "فعلل" ويكون لازما كـ"حشرج" أي: غرغر عند الموت، ومتعديا كـ"دحرج". ومنه ما اشتق من أسماع الأعيان كـ"فلفلت الطعام"، و"زعفرت الثوب"، والمنحوت كـ"بسمل" و"حوقل". ويلحق به ثمانية أوزان أصلها من الثلاثي فزيد حرف الإلحاق وهذه الأوزان هي: "فَعْلَل" كـ: جلبب، يقال: جلببه أي: ألبسه الجلباب، و"فَوْعَل" كـ"جورب" أي: ألبسه الجورب، و"فَعْوَل" كـ: هرول، و"فَيْعَل" كـ: هيمن، و"فَعْيَل" كـ: شريف، يقال: شريف الزرع أي: قطع شريانه؛ وهو ورقه الطويل، و"فَنْعَل" كـ: سنبل، و"فَعْنَل" كـ: قلنس، يقال: قلنسه أي: ألبسه القلنسوة، و"فَعْلَى" كـ: سلقى أي؛ استلقى على ظهره. ب- مزيد الثلاثي بحرف واحد؛ له ثلاثة أبنية: "أَفْعَل" نحو؛ أحسن وأكرم؛ والغالب فيه أن يكون للتعدية؛ نحو: {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ} . و"فَعَّل"؛ نحو: قدم وقطع؛ ويغلب أن يكون للتكثير؛ نحو: {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} . و"فَاعَل"، نحو: قاتل وخاصم؛ ويدل على المشاركة كثيرا. ج- مزيد الثلاثي بحرفين؛ وله أبنية خمسة؛ هي: "انفعل"؛ نحو: انكسر، وانصرف. و"افتعل"؛ نحو: اجتمع، واتصل. و"تَفَعَّل"؛ نحو: تقدم، وتصدع. و"تفاعل"؛ نحو: تقاتل، وتخاصم. ومنه: ادَّارك، واثَّاقل. و"افعل"؛ نحو: احمر؛ ومنه: ارعوى. د- مزيد الثلاثي بثلاثة أحرف، وأبنيته أربعة هي: "استفعل"؛ نحو: استغفر، استقام. و"افعوعل"؛ نحو: احدودب، واعشوشب. و"افعول"؛ نحو: اجلوذ؛ أي: أسرع في السير، واعلوط البعير؛ ركبه بغير خطام. و"افعالّ"؛ نحو: احمارّ، واعوارّ.

[قياس "فعّل"] : فقياس "فَعَّل"، بالتشديد، إذا كان صحيح اللام: "التفعيل"؛ كالتسليم والتكليم، والتطهير1؛ ومعتلها كذلك، ولكن تحذف ياء التفعيل، وتعوض منها

_ = هـ- مزيد الرباعي بحرف واحد؛ وله بناء واحد هو: "تفعلل"؛ نحو؛ تدحرج، وتبعثر. ويلحق به سبعة أوزان؛ أصلها من الثلاثي، فزيد حرف للإلحاق، ثم زيدت عليه التاء؛ وهي: "تفعلل"؛ نحو؛ تجلبب، و"تمفعل"؛ نحو: تمندل؛ أي: تمسح بالمنديل. و"تفوعل"؛ نحو: تجورب. و"تَفَعْوَل"؛ ونحو: تسرول. و"تَفَيْعَل"؛ نحو: تسيطر. و"تَفَعْيَل"؛ نحو: ترهيأ؛ يقال: ترهيأ في الأمر؛ اضطرب؛ أو هم ثم أمسك عنه. و"تَفَعْلَى"؛ نحو؛ تقلسى؛ أي: لبس القلنسوة. و مزيد الرباعي بحرفين؛ وله بناءان هما: "افعنْلَل"؛ نحو: احرنجم، وافرنقع؛ يقال: احرنجم الرجل؛ أي: أراد الأمر، ثم رجع عنه؛ وافرنقع القومك تنحوا وانصرفوا. ويلحق به ثلاثة أبينة؛ أصلها من الثلاثي، فزيد حرف للإلحاق، ثم حرفان، وهي: "افعنلل"؛ نحو: اقعنس؛ أي: تأخر ورجع. و"افعنلى"؛ نحو: اسلنقى: نام على ظهره. و"افتعلى"؛ نحو؛ استلقى. ويلاحظ أن زيادة الإلحاق، تكون بتكرير اللام، وهو الكثير؛ أو بزيادة الواو، أو الياء ثانية وثالثة؛ أو النون وسطا؛ أو الألف آخرا. فائدة: الإلحاق: زيادة في أصول الكلمة؛ لتكون على وزن أخرى أزيد منها في الحروف؛ لتعامل معاملتها في التصريف كالجمع، والتكسير، والنسب وغير ذلك، وهو يكون في الأفعال؛ وضابطه فيها اتحاد المصادر، ويكاد يكون محصورا في الأوزان السالفة. أما في الأسماء، فيمكن أن يقال في تحديده: كل كلمة فيها زيادة -غير حرف المد- لا تطرد في إفادة معنى، وتكون موافقة لوزن من أوزان الاسم الرباعي، أو الخماسي المجردين من الحركات والسكنات تكون ملحقة به. فائدة: الزيادة التي للإلحاق لا تطرد في إفادة معنى -كم أسلفنا- ليخرج مثل الميم في "مفعل" فإنها للزمان أو المكان أو المصادر؛ وكذلك الهمزة في "أفعل" فإنها -فيه- للتفضيل؛ وكذلك؛ نحو: أكرم وقاتل وقدم، فذلك ونحوه، ليس من اللإلحاق في شيء. فائدة: كانت عدة دواع، تدعو العرب للإلحاق؛ منها: ضرورة الشعر، والتمليح، والتهكم ... ، وليس من حقنا اليوم، وليس من حق أحد أن يزيد شيئا؛ للإلحاق، فأصبح مقصورا على ما سمع من ذلك. 1 هي مصادر: سلم وكلم وطهر.

التاء1؛ فيصير وزنه: تفعلة؛ كالتوصية والتسمية والتزكية2. [قياس "أفعل"] : وقياس "أفعل" إذا كان صحيح العين: الإفعال؛ كالإكرام والإحسان؛ ومعتلها كذلك، ولكن تنقل حركتها3 إلى الفاء، فتقلب ألفا4، ثم تحذف الألف الثانية5 وتعوض عنها التاء؛ كأقام إقامة، وأعان إعانة، وقد تحذف التاء؛ نحو: {وَأَقَامَ الصَّلاةَ} 6. [قياس ما أوله همزة وصل] : وقياس ما أوله همزة وصل7: أن تكسر ثالثه، وتزيد قبل آخره ألفا، فينقلب مصدرا؛ نحو: اقتدر اقتدارا، واصطفى اصطفاء، انطلق انطلاقا، واستخرج استخراجا؛ فإن كان استفعل معتل العين، عمل فيه ما عمل في مصدر أفعل المعتل العين8؛ فتقول: استقام استقامة، واستعاذ استعاذة.

_ 1 أي: الدلالة على التأنيث؛ لأنها أقوى على قبول الحركات من حروف العلة. 2 وقد يأتي صحيح اللام كذلك على قلة نحو: جرب تجربة، ذكر تذكرة، ويغلب في مهموز اللام؛ نحو جزأ تجزئة، هنأ تهنئة، ولم يجز سيبويه من هذا إلا ما سمع. 3 أي: حركة العين. 4 أي: تقلب العين ألفا؛ لتحركها بحسب الأصل، وانفتاح ما قبلها الآن. 5 وهي ألف المصدر؛ لالتقائها ساكنة مع الألف المنقلبة عن العين، وهذا هو الصحيح وهو مذهب سيبويه، وعليه فوزن إقامة "إفعل". ويرى الأخفش والفراء: أن المحذوف هو الألف الأولى وهي عين الكلمة؛ فوزنها -عندهما- "إفالة". 6 أي: للإضافة كمثال المؤلف؛ لأن الأصل إقامة الصلاة. وقد تحذف مطلقا فقد حكى الأخفش: إجابة إجابا. انظر التصريح: 2/ 75. 7 هو ماضي الخماسي على وزن "افتعل"؛ نحو: انشرح، اجتمع. وماضي السداسي على وزن "استفعل" غير معتل العين؛ نحو: استغفر واحلولى، ويشترط أن تكون الهمز أصلية؛ فيخرج ما أصله "تفاعل" أو "تفعل"؛ نحو؛ تطاير وتطير؛ فلا يكسر ثالث مصدره، ولا تزاد قبل آخره ألف بل يضم ما قبل الآخر نظرا للأصل. 8 أي: من نقل حركة العين إلى الفاء، وقلب العين ألفا، ثم حذفها للساكن، وتعويض تاء التأنيث عنها، وجاء بالتصحيح؛ نحو: استحوذ استحواذا، واغيمت السماء إغياما.

[قياس "تفعلل"] : وقياس "تفعلل" وما كان على وزنه1: أن يضم رابعه؛ فيصير مصدرا؛ كتدحرج تدحرجا، وتجمل تجملا، وتشيطن تشيطنا، وتمسكن تمسكنا، ويجب إبدال الضمة كسرة -إن كانت اللام ياء-؛ نحو: التواني والتداني2. [قياس "فعلل"] : وقياس "فعلل" وما ألحق به: فعللة؛ كدحرج دحرجة، وزلزل زلزلة، وبيطر بيطرة، وحوقل حوقلة3؛ وفعلال: بالكسر، إن كان مضافعا4 كزلزال ووسواس5؛ وهو في غير المضاعف: سماعي، كسرهف سرهافا6؛ ويجوز فتح أول المضاعف، والأكثر أن يعني بالمفتوح اسم الفاعل7؛ نحو: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ} 8؛ أي: الموسوس. [قياس "فاعل"] : وقياس "فاعل"9، كضارب وخاصم وقاتل: الفعال والمفاعلة؛ ويمتنع

_ 1 أي: في الحركات والسكنات وعدد الأحرف وبدئ بتاء زائدة، وإن لم يكن من بابه، كما مثل المصنف. 2 أصلها: بضم ما قبل الياء؛ فقلبت الضمة كسرة؛ لتسلم الياء من قبلها واوا؛ لأن ذلك يؤدي إلى وجود ما لا نظير له في كلام العرب، وهو وجود واو مضموم ما قبلها في آخر الاسم المعرب. انظر التصريح: 2/ 76. 3 ذكر من الملحق ما كان على وزن "فعلل" و"فيعل" و"فوعل"، والباقي سبق بيانه؛ ومعنى بيطر: عالج الدواب وحوقل: ضعف عن الجماع للكبر. 4 المضاعف من الرباعي هو ما كانت فاؤه ولامه الأولى من جنس، وعينه ولامه الثانية من جنس آخر. 5 أي: وزن "فعلال". 6 يقال: سرهفت الصبي: إذا أحسنت غذاءه. ضياء السالك: 3/ 38. 7 أي: معنى اسم الفاعل، لا المصدر. 8 114 سورة الناس، الآية: 4. 9 أي: غير معتل الفاء بالياء؛ سواء دل على المشاركة -كما مثل المؤلف- أو لا؛ نحو: نادى نداء ومناداة.

الفعال فيما فاؤه ياء1؛ نحو ياسر ويامن، وشذ ياومه يواما2. وما خرج عما ذكرناه فشاذ3؛ كقولهم: كذب كذابا؛ وقوله4: [مشطور الرجز] 378- فهي تنزي دلوها تنزيا5

_ 1 وذلك لثقل الابتداء بالياء المكسورة. 2 المياومة: المعاملة بالأيام؛ كالمشاهرة. 3 فيكون مقصورا على السماع، ولا يقاس عليه، وإلى ذلك يشير ابن مالك بقوله: "الفاعل الفعال والمفاعله وغير ما مر السماع عادله" أي أن مصدر "فاعل"؛ هو الفعال والمفاعلة. وما جاء مخالفا للمقيس من المصادر السالفة كلها فمقصور على السماع، لا يقاس عليه؛ ومعنى عادله: أي ساواه. 4 لم ينسب إلى قائل معين. 5 تخريج الشاهد: هذا بيت من مشطور الرجز، وبعده قوله: كما تنزي شهلة صبيا وهو من شواهد: التصريح: 2/ 76، وابن عقيل: 266/ 3/ 128، والأشموني: 711/ 2/ 349، والخصائص: 2/ 32، والمصنف: 2/ 195، المخصص: 3/ 104، 14/ 189. وشرح المفصل: 6/ 58، والمقرب: 101، والعيني: 3/ 571، اللسان: مادة "نزا"، و"شهل". معنى الشاهد: أن هذه المرأة باتت تحرك دلوها بيدها حين تخرجه من البئر برفق ولين، كما تحرك العجوز الصبي حين ترقصه برفق ولين كذلك. الإعراب: هي: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح، في محل رفع مبتدأ. تنزي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل، والفاعل: هي. دلوها: مفعول به منصوب، وهو مضاف، و"ها": مضاف إليه؛ وجملة "تنزي دلوها": في محل رفع خبر المبتدأ. تنزيا: مفعول مطلق منصوب. كما: الكاف حرف تشبيه وجر، و"ما" مصدرية. تنزي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل. شهلة: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. صبيا: مفعول به منصوب؛ والمصدر المؤول من "ما المصدرية وما دخلت عليه": مجرور بالكاف؛ و"الجار والمجرور": متعلق بصفة محذوفة لـ"تنزيا" المصدر؛ والتقدير: تنزي دلوها تنزيا مشابها لتنزية شهلة صبيا. موطن الشاهد: "تنزيا". وجه الاستشهاد: مجيء "تنزيا" مصدرا للفعل "نزى" المعتل اللام والقياس: "تنزية" =

وقولهم: تحمل تحمالا، وترامى القوم رميا، وحوقل حيقالا، واقشعر قشعريرة، والقياس: تكذيبا، وتنزية، وتحملا، وتراميا، وحوقلة، واقشعرارا. [مصدر المرة والهيئة من الثلاثي] : [مصدر المرة] : فصل: ويدل على المرة1 من مصدر الفعل الثلاثي "بفَعْلَة"2، بالفتح،

_ = نحو: توصية، وتزكية، وتعمية؛ لأن "التفعيل" مصدر "فعل" الصحيح اللام؛ فحكم مجيئه على هذا الومن شاذ، لا يقاس عليه. فائدة: لخص بعض العلماء الحديثين مصادر الرباعي فيما يأتي: أ- ما كان على وزن "أفعل" فمصدره "إفعال". ب- ما كان على وزن "فَعَّل" فمصدره "تفعيل". ج- ما كان على وزن "فَاعَل" فمصدره "فِعَال" أو "مُفَاعَلَة"؛ نحو؛ قاتل قتالا ومقاتلة. د- ما كان على ومن "فعلل" فمصدره "فعللة"؛ نحو: دحرج دحرجة، وعلى "فعلال"؛ إن كان مضاعفا. وأما الخماسي والسداسي؛ فالمصدر منهما يكون على وزن الماضي مع كسر ثالثه، وزيادة ألف قبل الآخر؛ إن كان مبدوءا بهمزة وصل؛ نحو: انطلق انطلاقا، واستخرج استخراجا. ومع ضم ما قبل آخره فقط؛ إن كان مبدوءا بتاء زائدة؛ نحو: تقدم تقدما، وتدحرج تدحرجا. وإذا كانت عين الفعل ألفا؛ تحذف منه ألف الإفعال والاستفعال، ويعوض عنها التاء في الآخر؛ نحو: أقام إقامة، واستقام استقامة. وإذا كانت لامه ألفا؛ ففي "فَعَّل" تحذف ياء التفعيل، ويعوض عنها التاء؛ نحو: زكى تزكية. وفي "تفعل" "وتفاعل"؛ تقلب الألف ياء ويكسر ما قبلها؛ نحو: تأنى تأنيا. وفي غير ذلك، تقلب همزة إن سبقتها ألف؛ نحو: ألقى إلقاء، ووالى ولاء، واقتدى اقتداء، وارعوى ارعواء، واستولى استيلاء. ضياء السالك: 3/ 40. 1 أي: على حصول الشيء مرة واحدة. 2 أي: إذا أريد الدلالة على المرة الواحدة، من مصدر الفعل الثلاثي -علاوة على معناه- أُتي بمصدره -مهما كانت صيغته -وجُعل على وزن "فَعْل" وزيدت عليه تاء التأنيث، فيصير "فعلة"، وشذ ما حكاه سيبويه من قولهم: أتيته إتيانا، ولقيته لقاءة؛ ويشترط أن يكون الفعل الثلاثي الذي تصاغ من مصدره المرة تاما متصرفا؛ فلا يصاغ من نحو: كاد وعسى. وأن يكون المصدر لأفعال صادرة عن الجوارح المدركة =

كجلس جلسة، ولبس لبسة، إلا إن كان بناء المصدر العام عليها1؛ فيدل على المرة منه بالوصف2، كرحم رحمة واحدة. [مصدر الهيئة من الثلاثي] : ويدل على الهيئة3 "بفِعْلَة"، بالكسر، كالجلسة والركبة والقتلة4، إلا إن كان بناء المصدر العام عليها؛ فيدل على الهيئة بالصفة، ونحوها5؛ كنشد الضالة نشدة عظيمة. [مصدر المرة من غير الثلاثي] : والمرة من غير الثلاثي بزيادة التاء على مصدره القياسي6، كانطلاقة واستخراجة، فإن كان بناء المصدر العام على التاء؛ دل على المرة منه بالوصف7؛ كإقامة واحدة واستقامة واحدة.

_ = بالحس؛ نحو: الضرب، والمشي، والجلوس، والقيام ... ؛ نحو: ضربة، وقعدة، وقومة. لا عن الأفعال الباطنة، نحو: العلم، والفهم، الجهل، والجبن، والبخل، فلا يقال: علمته علمة، ولا فهمته فهمة. وإلا يدل على صفة ثابتة ملازمة؛ فلا يصاغ من مثل: حسن، وجبن، وظرف، وقبح. انظر ضياء السالك: 3/ 41، والتصريح: 2/ 77. 1 أي: على "فعلة" بالفتح. أما نحو: كدرة بالضم، ونشدة بالكسر؛ فيفتحان للمرة، ويكسران للهيئة، ولا يؤتى بالوصف معهما. 2 أي: بلفظ واحدة؛ أو ما يشابهها، أو بقرينة، تدل على الواحدة؛ نحو: أهلك الله ثمود بصيحة. ويتبين من هذا: أن للفعل الثلاثي الصالح للمرة مصدرين؛ أحدهما: مشهور على النحو السابق، والثاني: للدلالة على المرة؛ وهذا لا يعمل. 3 أي: هيئة الحدث وكيفيته عند وقوعه. 4 يعمل -هنا- ما سبق إيضاحه في "فعلة". 5 أي: بالصفة التي تدل على ما يراد من الهيئة؛ من حسن أو قبح أو زيادة أو نقص، أو غير ذلك من الأوصاف. ومثل الصفة: الإضافة؛ نحو؛ نشدة الملهوف. التصريح: 2/ 77، وضياء السالك: 3/ 41-42. 6 أي: بدون زيادة أو نقص، أو أي تغيير. 7 أو بقيام قرينة تدل عليها.

[لا يبنى من غير الثلاثي مصدر للهيئة] : ولا يبنى من غير الثلاثي مصدر للهيئة1، إلا ما شذ من قولهم: اختمرت خمرة2، وانتقبت نقبة3، وتعمم عمة، وتقمص قمصة4.

_ 1 لأن بناء مصدر الهيئة منه، يهدم بنية الكلمة؛ ذلك؛ لأنه يستتبع حذف ما قصد إثباته فيها؛ لغرض من الأغراض؛ فاجتنب ذلك، واكتفي بالمصدر الأصلي مع وصفه، عندما تدعو الحال إلى ذلك. التصريح: 2/ 77. 2 أي: غطت رأسها بالخمار. 3 أي: سترت وجهها بالنقاب؛ أي: البرقع. 4 أي: غطى جسمه بالقميص. وفيما تقدم يقول ابن مالك: "في غير ذي الثلاث بالتا المره وشذ فيه هيئة كالخمره" والمعنى: تكون الدلالة على المرة من مصدر غير الثلاثي بزيادة التاء في آخره. أما الهيئة: فلا تجيء منه مباشرة، وشذ مجئيها منه؛ كالخمرة من اختمر. التصريح: 2/ 77، وضياء السالك؛ 3/ 42. ملحقات: الملحق الأول: المصدر الميمي: هو مصدر مبدوء زائدة لغير المفاعلة مصوغ من المصدر الأصلي للفعل، يعمل عمله، ويفيد معناه، مع قوة الدلالة وتأكيدها. وهو يصاغ من مصدر الفعل الثلاثي مطلقا غير المضعف -ما كانت عينه ولامه من جنس واحد- نحو: مد، وفر، وعد. مهما كانت صيغته على وزن "مفعل" بفتح العين؛ نحو؛ ملعب، ومسقط، ومصعد؛ إلا في حالة واحدة، فإنه يكون -فيها- على وزن "مَفْعِل" بكسر العين، وهي: أن يكون الثلاثي معتل الفاء بالواو، صحيح الآخر، فتحذف فاؤه في المضارع عند كسر عينه؛ نحو؛ موصل، وموعد، وموضع؛ فإن كان صحيح الفاء، أو معتلها بالياء، أو معتل الفاء واللام، أو غير مكسور العين في المضارع؛ نحو: وجل، فصيغته: "مَفْعَل" بالفتح، وشذ "المرجِع والمصير، والمعرفة، والمغفرة، وقد ورد فيها الفتح على القياس. ويصاغ المصدر الميمي من غير الثلاثي على وزن اسم المفعول؛ أي: علم وزن المضارع مع إبدال أوله ميما مضمومة، وفتح ما قبل الآخر، إن لم يكن مفتوحا؛ نحو؛ معرف، ومتعاون، ومكرم؛ من عرف، وتعاون، وأكرم. والمصدر الميمي: يلازم الإفراد، ولا تلحقه تاء التأنيث إلا سماعا؛ نحو: المحبة، =

..................................................

_ = والمودة، والمسرة، والموعظة. وقد ترد صيغة "مفعلة" لبيان سبب الفعل؛ ومن ذلك قوله عليه السلام: "الولد مبخلة مجبنة محزنة" وذلك مقصور على السماع كما ترد هذه الصيغة؛ للدلالة على مكان كثرة مسماها؛ نحو؛ مأسدة، ومسبعة، مفعاة؛ أي مكان تكثر فيه الأسود، والسباع، والأفاعي. وقد أجاز المجمع اللغوي أن تصاغ "مفعلة" قياسا من أسماء الأعيان الثلاثية الأصول للمكان الذي تكثر فيه هذه الأعيان؛ سواء أكانت من الحيوان، أم من النبات، أم من الجماد. الملحق الثاني: أسماء الزمان والمكان: هما اسمان مصوغان من المصدر الأصلي للفعل؛ للدلالة على زمان الفعل أو مكانه؛ زيادة على المعنى المجرد الذي يدل عليه ذلك المصدر؛ وهما يصاغان من الثلاثي على وزن "مَفْعَل" -بفتح العين- إن كان معتل اللام مطلقا، أو صحيحها، ولم تكسر عين مضارعه؛ نحو: مرمى، ومسعى، ومدعى، ومنظر، ومذهب. ويصاغان على وزن "مَفْعِل" -بكسر العين- إن كان مثالا واويا صحيح اللام مطلقا، أو كانت عين مضارعه مكسورة؛ نحو؛ موعد، وميسر، ومجلس، ومبيع، وشذ مما تقدم: المنسك، والمطلع، والمشرق، والمغرب، والمفرق، والمنبت، والمسقط، والمسكن، والمسجد، والمجزر، وسمع الفتح في بعضها على القياس؛ وقيل: لا شذوذ في ذلك؛ لأنها أسماء لأمكنة وأزمنة مخصوصة معينة؛ ولم يذهب بها النحاة مذهب الفعل. ويُصاغان من غير الثلاثي على زنة اسم المفعول؛ نحو؛ مكرم، ومستخرج، ومستعان به، من أكرم، واستخرج، واستعان. واسما الزمان والمكان مشتقان؛ ولكنهما لا يعملان عمل الفعل؛ وتعيين المراد من الزمان أو المكان خاضع للقرائن. ويتبين مما تقدم: أن صيغة الزمان والمكان، والمصدر الميمي واحدة في غير الثلاثي، وكذلك في الثلاثي، إلا فيما يأتي: 1- في المثال الصحيح اللام الذي لا تحذف فاؤه في المضارع. 2- وفي السالم المكسور العين في المضارع؛ فإن المصدر الميمي فيهما على ومن "مَفْعَل" بفتح العين؛ نحو؛ موجل، ومنزل. واسم الزمان والمكان على وزن "مفعل" -فيهما- وعند الاتفاق في الصيغة؛ يكون التمييز بينها بالقرائن. الملحق الثالث: المصدر الصناعي: هو كل لفظ جامد أو مشتق، اسم أو غيره، زيد في آخره ياء مشددة، بعدها تاء تأنيث مربوطة، ليدل على معنى مجرد، هو مجموع الصفات الخاصة بذلك اللفظ، نحو: =

..................................................

_ = الحرية، والإنسانية، والوطنية، والوحشية ... ؛ وهو قياسي في هذا، وليس له صيغ أخرى؛ والحاجة إليه ماسة وبخاصة في علم الكيمياء، وغيره من العلوم الطبيعية؛ وهو من المولد المقيس على كلام العرب. وقد قرره المجمع اللغوي بالقاهرة، فقال: "إذا أريد صنع مصدر من كلمة يزاد عليها ياء النسب والتاء". المحلق الرابع: اسم الآلة. اسم يدل على الأداة التي تعين الفاعل في عمل ما يفعل؛ وهو يصاغ قياسا من الفعل الثلاثي المتعدي -غالبا- وينقسم إلى قسمين؛ مشتق وجامد. فالمشتق أوزانه ثلاثة هي: "مفعال"؛ نحو: مفتاح، ومنشار، ومصباح، ومقراض. و"مِفْعَل"؛ نحو: مبرد، ومقص، ومخلب، ومخيط، ومنجل. و"مِفْعَلة"؛ نحو؛ مكنسة، ومصفاة، ومسرجة. والجامد: ليس له وزن مخصوص، وإنما يأتي على أوزان شتى، لا يحدها ضابط؛ نحو: الفأس، والقدوم، والسكين ... ؛ وأما نحو: المدهن، والمنخل، والمسقط، والمكحلة؛ فالصحيح: أنها أسماء أوعية مخصوصة، وليست جارية على فعلها. انظر هذه الملحقات في ضياء السالك: 3/ 42-44. فائدة: أوصى المجمع اللغوي بالقاهرة، باتباع صيغ المسموع من أسماء الآلات، فإذا لم يسمع وزن منها لفعل؛ جاز أن يصاغ من أي وزن من الأوزان الثلاثة المتقدمة.

باب أبنية أسماء الفاعلين والصفات المشبهات بها

هذا باب أبنية أسماء الفاعلين والصفات المشبهات بها: [الوصف القياسي من "فعل" مثلث العين] : يأتي وصف الفاعل من الفعل الثلاثي المجرد1 على فاعل2 بكثرة في فَعَل، بالفتح، متعديا كان كضربه وقتله، أو لازما كذهب وغذا، بالغين والذال المعجمتين، بمعنى سال3، وفي فعل بالكسر متعديا كأمنه وشربه وركبه، ويقل في القاصر؛ كسلم، وفي فَعُل بالضم؛ كفَرُهَ4. [أوزان الصفة المشبهة من باب فرح] : وإنما قياس الوصف من فَعِلَ اللازم5: "فَعِل" في الأعراض5؛ كفرح

_ 1 بشرط أن يكون متصرفا، سواء أكان متعديا، أو لازما. 2 وإن كانت عين الماضي ألفا؛ نحو؛ قال، وباع؛ قلبت همزة، تقول: قائل، وبائع؛ وإن كان ماضيه ناقصا؛ نحو: دعا، ورمى، وسعى؛ تحذف لامه في حالتي الرفع والجر؛ تقول: داعٍ، ورامٍ، وساعٍ. التصريح: 2/ 77. 3 غذا الماء: إذا سال، وغذا العرق: إذا سال دمه؛ وهو يستعمل متعديا بمعنى: "ربى"، تقول: غذوت الصبي باللبن؛ إذا ربيته به؛ واسم الفاعل في الحالتين: "غاذ". 4 الفاره من الناس: الحاذق بالشيء، والمليح الحسن؛ ومن الدواب: الجيد السير؛ يقال: رجل فاره؛ أي: حاذق. وجارية فرهاء؛ أي: حسناء؛ وفره الفرس يفره -بالضم: نشط وخف في السير. التصريح: 2/ 77. 5 يسمى هذا الباب "باب فرح"، وتأتي الصفةالمشبهة -منه- على ثلاثة أوزان قياسية، ذكرها المؤلف، ومثل لها؛ وتعرف الصفة المشبهة باسم الفاعل، بأنها: اسم مشتق مصوغ من مصدر الفعل الثلاثي اللازم؛ للدلالة على ثبوت صفة لصاحبها ثبوتها عاما مستمرا. 6 المراد بالأعراض: الأمور والمعاني التي تطرأ على الذات، وتزول سريعا، وتتجدد =

وأشر1، و"أفعل" في الألوان والخلق2؛ كأخضر، وأسود، وأكحل3، وألمى4، وأعور وأعمى؛ و"فعلان" فيما دل على الامتلاء، وحرارة الباطن5؛ كشبعان، وريان، وعطشان6. [أوزان الصفة المشبهة من باب "فَعُل"] : وقياس الوصف من "فَعُل" -بالضم- فعيل كظريف وشريف، ودونه "فَعْل"؛ كشهم وضخم، ودونهما "أفْعَل"؛ كأخطب7 إذا كان أحمر إلى الكدرة، و"فَعَل" كبطل8 وحسن، و"فَعَال"، بالفتح، كجبان9، و"فُعَال" بالضم؛ كشجاع،

_ = وتتردد على صاحبها؛ نحو؛ الفرح، والحزن، والألم؛ فخرجت الألوان والأشياء الخلقية، تقول: فرح فهو فرح، وأشر فهو أشر، وتعب فهو تعب، وحذر فهو حذر؛ ومؤنث "فَعِل" -هذا- "فَعِلة". وشذ من هذا الباب: مريض، وكهل؛ لأنهما عرضان. انظر التصريح: 2/ 77-78. 1 الأشر: الذي لا يحمد النعمة والعافية. 2 الخلق: جمع خلقة؛ وهي الحالة الظاهرة الدائمة في البدن؛ من عيب، أو لون، أو حلية. ومؤنث -أفعل- هذا "فعلاء"؛ تقول: عور فهو أعور، ومؤنثه: عوراء. 3 الأكحل: أسود العينين من غير اكتحال؛ والأنثى: كحلاء. 4 الألمى: أسود حمرة الشفتين؛ والأنثى: لمياء. 5 الواو بمعنى "أو"؛ لأن المقصود: أنه ينقاس فيما يدل على امتلاء، أو خلو، أو نحو ذلك، مما يطرأ، ويتكرر، ولكنه يزول ببطء، ومؤنثه: "فعلى"؛ نحو: ظمآن وظمأى. انظر التصريح: 2/ 88. 6 شبعان وريان: يدلان على الامتلاء، وعطشان: يدل على حرارة الباطن؛ ومثله ظمآن، وصديان؛ بمعنى عطشان. التصريح: 2/ 88. 7 ذكر في التصريح: أنه بالخاء والظاء المعجمتين؛ وليس لهذه المادة أثر في كتب اللغة؛ والذي فيها: خطب، غير أن فعله من باب "فرح"، وخطُب بالضم؛ صار خطيبا. فلعل التمثيل بهذا اللفظ سهو من المؤلف. انظر التصريح: 2/ 78، وضياء السالك: 3/ 49. 8 يقال: بطل الرجل؛ إذا صار بطلا. 9 يكثر هذا الوزن في المؤنث. يقال: حصنت المرأة فهي حصان، ورزنت فهي رزان؛ والرزان: المتوقرة غير الطائشة.

و"فُعُل"؛ كجنب، و"فِعْل"؛ كعفر؛ أي شجاع ماكر1. وقد يستغنون عن صيغة "فاعل" من فعل، بالفتح، بغيرها2، كشيخ وأشيب وطيب وعفيف3. [لا يكون "فاعل" صفة مشبهة إلا إذا أضيف إلى مرفوعه] : تنبيه: جميع هذه الصفات صفات مشبهة4؛ إلا "فاعلا"؛ كضارب وقائم، فإنه اسم فاعل، إلا إذا أضيف إلى مرفوعه5؛ وذلك فيما دل على الثبوت كـ"طاهر القلب"، و"شاحط الدار"؛ أي: بعيدها؛ فصفة مشبهة أيضا6.

_ 1 العفر: -بالكسر- الخبيث الماكر؛ ومنه العفريت؛ وبالضم: الشجاع الجلد. انظر التصريح: 2/ 78. 2 محل الاستغناء: ما لم يكن له وزن قياسي من المسموع. أما ما استعمل له قياس وسمع غيره؛ فليس موضع الاستغناء؛ نحو: مال فهو مائل وأميل؛ قاله الشاطبي. الترصيح: 2/ 78. 3 ذكر المؤلف لباب "فعل" عشرة أوزان قياسية؛ بعضها كثير الاستعمال، وبعضها قليل، والبعض أقل؛ وهي موزعة بين البابين، كما سيأتي؛ منها ما هو خاص بباب كرم، وهو "فعَل وفعُل وفعال وفعال". أما، أفعل وفعلان: فيختصان بباب "فرح". ويشترك بين البابين: "فَعْل وفعل وفعيل وفَعِل". ضياء السالك: 3/ 50. 4 أي: إذا قصد بها الدلالة على الثبوت والاستمرار كانت صفات مشبهة باسم الفاعل؛ وأما إذا قصد بها الحدوث فهي أسماء فاعلين؛ ولكن هل يجب -حينئذ- أن تحول إلى صيغة "فاعل"؛ فتقول: ضائق، وسائد، وفارح؛ في ضيق وسيد وفرح؟، أم يجوز بقاء زنتها، مع هذا القصد؟. والجواب: لعل الأقرب إلى الصواب: أنه لا يجب التحويل إلا إذا قصد التنصيص على إرادة الحدوث؛ ولا يختص وزن "فاعل" بجواز قصد الثبوت والاستمرار، بل يجري ذلك في أسماء الفاعلين من غير الثلاثي. وقد مثل المؤلف للصفة المشبهة، بمستقيم الرأي، ومعتدل القامة؛ وهذا يدل على أن زنة اسم الفاعل من غير الثلاثي، تكون أحيانا صفة مشبهة. انظر التصريح: 2/ 78-79. 5 أي: في المعنى، وكذلك إذا نصبه. 6 يلاحظ في هذا: أن موازن "فاعل"، لا يكون صفة مشبهة إلا إذا قصد به الدوام =

[مجيء اسم الفاعل من غير الثلاثي المجرد] : فصل: ويأتي وصف الفاعل من غير الثلاثي المجرد بلفظ مضارعه1، بشرط الإتيان بميم مضمومة مكان حرف المضارعة، وكسر ما قبل الآخر2 مطلقا؛ سواء كان مكسورا في المضارع؛ كـ"منطلق" و"مستخرج" أو مفتوحا كـ"متعلم" و"متدحرج".

_ = والاستمرار، وأضيف إلى مرفوعه، أو نصبه. وكذلك اسم الفاعل من غير الثلاثي -كما بينا- وكما سيمثل به المؤلف في باب الصفة المشبهة من قوله: "مستقيم الرأي"، ومعتدل القامة؛ مما يدل صراحة على أن الوصف من غير الثلاثي، يكون صفة مشبهة. 1 وشذ من ذلك ألفاظ؛ منها: أيفع الغلام -إذا شب- فهو يافع؛ وأورس النبت -إذا اصفرّ لونه- فهو وارس؛ وأحصرت الناقة -إذا ضاق مجرى لبنها- فهي حصور؛ وأعقت الفرس -إذا حملت- فهي عقوق. وقيل: إنه سمع: يفع، وورس، فيكون يافع ووارس -حينئذ- مما استغنى فيه باسم الفاعل الثلاثي عن اسم فاعل غيره، وجاء "مورس" قليلا. 2 أي: ولو تقديرا؛ نحو: مختار ومعتل؛ اسمي فاعل من اختار، واعتل؛ فإن الكسر فيهما مقدر. وشذ فتح ما قبل الآخر في "مسهب" من "أسهب"؛ إذا تكلم كثيرا؛ و"محصن" من "أحصن"، إذا تزوج؛ و"ملقح" من "ألقح الفحل الناقة". التصريح: 2/ 79.

باب أبنية أسماء المفعولين

[باب أبنية أسماء المفعولين] هذا باب أبنية أسماء المفعولين1: [مجيء اسم المفعول من الثلاثي] : يأتي وصف المفعول من الثلاثي المجرد2 على زنة "مفعول"؛ كـ"مضروب" و"مقصود"، و"ممرور به"3 ومنه: مبيع، ومقول، ومرمي، إلا أنها غيرت4. [مجيء اسم المفعول من غير الثلاثي] : ومن غيره بلفظ مضارعه، بشرط الإتيان بميم مضمومة مكان حرف

_ 1 اسم المفعول هو: اسم مشتق يصاغ من مصدر الفعل المبني للمجهول؛ للدلالة على معنى مجرد حادث، وعلى من وقع عليه هذا المعنى. 2 بشرط أن يكون تاما متصرفا؛ لأن الجامد، لا يبنى منه اسم مفعول، ولا اسم فاعل، ولا صفة مشبهة؛ ما لا يأتي منه مصدر ولا غيره من المشتقات. 3 هذا مثال لبناء اسم المفعول من اللازم بالصلة؛ لأن اسم المفعول، لا يصاغ من اللازم إلا مع الظرف، أو الجار والمجرور، أو المصدر. التصريح: 2/ 80. 4 أي: غيرت لفظا عن زنة "مفعول"، والأصل: مبيوع، ومقوول، ومرموي، فنقلت حركة الياء والواو في الأولين إلى الساكن قبلهما؛ ثم قلبت الضمة كسرة في الأول؛ لتسلم الياء. وحذفت الواو من الثاني؛ لالتقاء الساكنين. أما الثالث: فقد قلبت الواو ياء، وأدغمتا؛ لاجتماعهما؛ وسبقت إحداهما بالسكون، ثم قلبت الضمة كسرة لمناسبة الياء. وإذا كان اسم المفعول مؤنثا، وجب زيادة تاء التأنيث في آخره، فتقول: فاطمة منزهة عن فحش القول. التصريح: 2/ 80.

المضارعة، وإن شئت فقل: بلفظ اسم فاعله؛ بشرط فتح ما قبل الآخر1؛ نحو: المال مستخرج، وزيد منطلق به. [إنابة فعيل عن مفعول] : وقد ينوب "فعيل" عن "مفعول"2؛ كـ"دهين"، و"كحيل"، و"جريج"، و"طريح"، ومرجعه إلى السماع3؛ وقيل: ينقاس فيما ليس له "فعيل" بمعنى "فاعل"4؛ نحو: قدر ورحم؛ لقولهم: قدير ورحيم5.

_ 1 أي: في اسم الفاعل. 2 أي: أن اسم المفعول من الثلاثي، قد يأتي على وزن "فعيل"، بدلا من "مفعول"؛ فيدل على معناه، ولكن لا يعمل عمله عند كثير من النحاة؛ فلا يقال: مررت برجل كحيل عينه؛ أو قتيل أبوه؛ أو ذبيح كبشه، وأجاز ذلك ابن عصفور في "المقرب"، واستحسنه بعضهم. وكذلك ينوب عن "مفعول" -على قلة- "فِعْل"؛ نحو: ذبح، وطحن بمعنى: مذبوح ومطحون. وينوب عن "مفعول" أيضا: "فَعَل"؛ نحو: "عدد" بمعنى: معدود. و"فُعْلَة"؛ نحو: مضغة بمعنى: ممضوغ؛ وغرفة بمعنى مغروف، وأكلة بمعنى مأكول. ضياء السالك: 3/ 53. 3 أي: يقتصر في ذلك على المسموع والمنقول عن العرب؛ وفي هذا يقول ابن مالك: "وناب نقلا عنه ذو "فعيل" ... نحو فتاة أو فتى كحيل" والمعنى: ينوب "فعيل" عن اسم المفعول من الثلاثي؛ وهذا منقول عن العرب ومسموع منهم. تقول: فتاة كحيل؛ بمعنى مكحول العين، وفتى كحيل كذلك؛ مع ملاحظة أن صيغة "فعيل" -بمعنى مفعول- يستوي فيها المذكر والمؤنث غالبا. 4 أي: كقتيل وجريح؛ وذلك لعدم اللبس فيه، بخلاف ما له ذلك، فإنه ليتبس بالفاعل. 5 أي: بمعنى "قادر" و"راحم"، وهذا تمثيل للمنفي، والتعليل لمحذوف؛ أي؛ إنما كان الفعلان لهما "فعيل" بمعنى "فاعل". وأما ما ليس له "فعيل" بمعنى "فاعل"، فنحو: جريح وقتيل. التصريح: 2/ 80.

باب إعمال الصفة المشبهة باسم الفاعل المتعدي إلى واحد

هذا باب إعمال الصفة المشبهة باسم الفاعل المتعدي إلى واحد1 [تعريف الصفة المشبهة العاملة] : وهي: الصفة التي استحسن فيها أن تضاف؛ لما هو فاعل في المعنى2، كـ"حسن الوجه"، و"نقي الثغر"، و"طاهر العرض". فخرج نحو: "زيد ضارب أبوه" فإن إضافة الوصف فيه، إلى الفاعل ممتنعة3؛ لئلا توهم الإضافة إلى المفعول؛ ونحو: "زيد كاتب أبوه"؛ فإن إضافة الوصف فيه، وإن كانت لا تمتنع4 لعدم اللبس؛ لكنها لا تحسن؛ لأن الصفة لا تضاف لمرفوعها؛ حتى يقدر تحويل إسنادها عنه، إلى ضمير موصوفها؛ بدليلين؛

_ 1 حق الصفة المشبهة أن تكتفي بمرفوعها، ولا تعمل النصب، لمباينتها الفعل بدلالتها على الثبوت؛ ولأنها مشتقة من مصدر الفعل الثلاثي اللازم وهو لا ينصب، ولكنها لما أشبهت اسم الفاعل المتعدي لواحد نصب مفعولها مثله، على التشبيه بالمفعول به، ووجده الشبه بينها وبين اسم الفاعل: أنها تدل على الحدث وصاحبه مثله، وأنها تقبل التثنية والجمع والتذكير والتأنيث غالبا، ويشترط في عملها النصب على التشبيه بالمفعول به: الاعتماد، كاسم الفاعل. ومن هذا كله: سميت بذلك الاسم. 2 قيد الفاعل بالمعنى؛ لأن الصف لا تضاف للفاعل إلا بعد تحويل الإسناد عنه إلى ضمير الموصوف، فلم يبق فاعلا إلا من جهة وقوعه بعدها واتصافه بمعناها والمراد: استحسان الجر بنوعها لا بشخصها؛ لئلا يرد صور امتناع الجر، وضعفه كما سيأتي. الأشموني مع الصبان: 3/ 2/ 3. 3 أي: وإن قصد به الثبوت والدوام كما بينه المصنف. وأجازهما بعض النحاة إذا قصد الثبوت، وأمن اللبس عند الإضافة للمفعول. وآخرون أجازوا إذا قصد الثبوت، ويحذف المفعول اقتصارا، ويكون من باب الصفة المشبهة. التصريح: 2/ 81. 4 وذلك إذا قصد به الدوام، والثبوت؛ لأنه حينئذ يكون صفة مشبهة. أما إذا قصد به الحدوث والتجدد فإن إضافته ممتنعة.

أحدهما: أنه لو لم يقدر كذلك لزم إضافة الشيء إلى نفسه1. والثاني: أنهم يؤنثون الصفة في نحو: "هند حسنة الوجه"2؛ فلهذا حسن أن يقال: "زيد حسن الوجه"؛ لأنه من حسن وجهه حسن أن يسند "الحسن" إلى جملته مجازا3، وقبح أن يقال: "زيد كاتب الأب"؛ لأن من كتب أبوه لا يحسن أن تسند الكتابة إليه4، إلا بمجاز بعيد5. وقد تبين أن العلم بحسن الإضافة، موقوف على النظر في معناها؛ لا على معرفة كونها صفة مشبهة؛ وحينئذ فلا دور في التعريف المذكور؛ كما توهمه ابن الناظم6. [ما تختص به الصفة المشبهة عن اسم الفاعل] : فصل: وتختص هذه الصفة عن اسم الفاعل بخمسة أمور: أحدها: أنها تصاغ من اللازم دون المتعدي7؛ كـ"حسن" و"جميل"؛ وهو يصاغ منهما، كقائم وضارب.

_ 1 لأن الصفة نفس مرفوعها في المعنى، واللازم باطل فالملزوم مثله. 2 فلو لم تكن الصفة مسندة إلى ضمير الموصوف؛ وهو هند، لذكرت كما تذكر مع المرفوع. 3 أي: في الإسناد إلى الجزء، وإرادة الكل، والباعث عليه قصد التخفيف. 4 لأن الأب ليس جزءا من الابن، فلا يسوغ أن يطلق أحدهما ويراد الآخر. 5 وهو الإسناد إلى المضاف إليه وإرادة المضاف. 6 حيث قال: إن هذه الخاصة -وهي الإضافة إلى الفاعل- لا تصلح للتعريف بالصفة المشبهة وتمييزها؛ لأن العلم بالصفة المشبهة متوقف على استحسان إضافتها للفاعل، واستحسان الإضافة متوقف على العلم بكونها صفة مشبهة، فجاء الدور. وقد دفع المصنف ذلك بما حاصله: أن العلم باستحسان الإضافة موقوف على النظر في المعنى الثابت للفاعل، لا على العلم بكونها صفة مشبهة. التصريح: 2/ 81. 7 ما لم ينزل منزلة اللازم، أو يحول إلى "فعل" بالضم، كما في رحمن ورحيم فإنهما صفتان من رحم، وهو متعدٍّ.

الثاني: أنها للزمن الحاضر الدائم1، دون الماضي المنقطع والمستقبل؛ وهو يكون لأحد الأزمنة الثلاثة2. الثالث: أنها تكون مجارية للمضارع في حركه وسكونه؛ كـ"طاهر القلب" و"ضامر البطن"، و"مستقيم الرأي" و"معتدل القامة" وغير مجارية له؛ وهو الغالب في المبنية من الثلاثي3 كـ"حسن"، و"جميل"، و"ضخم"، و"ملآن"؛ ولا يكون اسم الفاعل إلا مجاريا له. الرابع: أن منصوبها لا يتقدم عليها4؛ بخلاف منصوبه5، ومن ثم صح النصب في نحو "زيدا أنا ضاربه"6، وامتنع في نحو: "زيد أبوه حسن وجهه"7. الخامس: أنه يلزم كون معمولها سببيا8؛ أي: متصلا بضمير موصوفها؛ إما

_ 1 أي: الثابت في الأزمن الثلاثة لا خصوص الحال. ودلالة الصفة المشبهة على الدوام عقلية لا وضعية. لأنه لما انتفى عنها الحدوث والتجدد ثبت الدوام عقلا؛ لأن الأصل في كل ثابت دوامه. 2 فلا يقال حسن الوجه أمس، أو غدا. 3 أما المبنية من مصدر غير الثلاثي، فلا بد من مجاراتها لمضارعها، والمجارة: تساوي عدد الحروف المتحركة والساكنة في كل منهما، وأن يكون ترتيب المتحرك والساكن فيهما متماثلا. 4 لأنه كان فاعلا في الأصل، أو لأنه فرع اسم الفاعل. 5 فإنه يجوز تقديمه، إذا كان غير مقرون بأل نحو: العواصف شجرا مقتلعة. أما المقترن بأل؛ أو المجرور بإضافة، أو حرف جر أصلي فيمتنع تقديم منصوبه. ففي مثل، هذا غلام قاتل زيدا، ومررت بضارب زيدا، يمتنع تقدم "زيدا". أما نحو: لست بضارب زيدا، فلا يمتنع لزيادة الجار. أما المرفوع والمجرور فلا يتقدمان فيهما؛ لأن المرفوع فاعل، والمجرور مضاف إليه وكلاهما لا يتقدم. 6 أي: بنصب زيد على الاشتغال، لصحة عمل ضارب المذكور فيه لو ترفع من الضمير، وما يعمل في المتقدم يفسر عاملا فيه. 7 فلا يصح نصب الأب بصفة محذوفة معتمدة على زيد، تفسرها الصفة المذكورة المشتغلة بنصب سببيه وهو "وجهه"؛ لأن الصفة المشبهة لا تعمل في متقدم وما لا يعمل لا يفسر عاملا، فوجب رفعه على أنه مبتدأ ثان، و"حسن" خبره والجملة خبر "زيد". 8 أي: إذا كان مجرورا أو منصوبا على التشبيه بالمفعول به، وكذلك إذا كان معمولها =

لفظا؛ نحو: "زيد حسن وجهه"، وإما معنى؛ نحو: "زيد حسن الوجه"، أي: منه1؛ وقيل: إن "أل" خلف عن المضاف إليه2؛ وقول ابن الناظم: إن جواز نحو: "زيد بك فرح"3 مبطل لعموم قوله إن المعمول لا يكون إلا سببيا مؤخرا. مردود؛ لأن المراد بالمعمول ما عملها فيه لحق الشبه، وإنما عملها في الظرف بما فيها من معنى الفعل؛ وكذا عملها في الحال، وفي التمييز4، ونحو ذلك؛ بخلاف اسم الفاعل5.

_ = مرفوعا، والصفة جارية على الموصوف. والمراد بالسببي: ما ليس أجنبيا من الموصوف، فيشمل الضمير البارز المتصل. نحو: حسن الوجه طلقه أنت، فيجوز في الهاء أن تكون في محل نصب أو جر "لطلق"، و"حسن الوجه طلقه" خبران مقدمان، و"أنت" مبتدأ مؤخر. 1 "فالوجه" معمول لحسن، وهو سببي؛ لأنه متصل بضمير الموصوف معنى، وهو "زيد"، وقد حذف الضمير مع حرف الجر، ولكنه ملحوظ كأنه موجود، وهذا رأي البصريين. 2 وهو الضمير، وعلى ذلك فلا حذف، وهذا رأي الكوفيين. واعترض عليه بأنه قد يصرح بالضمير مع أل، كما في قول طرفة بن العببد في معلقته: رحيب قطاب الجيب منها رقيقة ... بجس الندامى بضة المتجرد والشاهد في "الجيب منها". رحيب: متسع. قطاب الجيب: مخرج الرأس منه. والجس: اللمس. البضة: البيضاء الرخصة. المتجرد: جسدها المتجرد من ثيابها. وعلى الرغم من هذا الاعتراض يستحسن بعض العلماء رأي الكوفيين؛ لخلوه من الحذف والتقدير. وعليه يكون السببي هو: المتصل بضمير صاحب الصفة، أو بما يغني عن الضمير. التصريح: 2/ 83. 3 أي: مما تقدم فيه المعمول -وهو هنا "بك"- على الصفة، وهي "فرح" مع أنه غير سببي؛ لأنه ليس اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير يعود إلى الموصوف وهو "زيد". 4 مثال الحال: محمد حسن وجهه طلقه، ومثال التمييز: علي فصيح قولا. 5 فإنه لقوة شبهه بالفعل يعمل في متأخر ومتقدم، وفي سببي، وأجنبي. هذا؛ ومما تختص به الصفة المشبهة أيضا: أ- أنها لا تعمل محذوفة، فلا يجوز: هذا حسن القول والفعل، بنصب "الفعل" على تقدير: وحسن الفعل. أما اسم الفاعل فيجوز: أنت ضارب اللص والخائن. =

[أحوال معمول الصفة المشبه في الإعراب] : فصل: لمعمول هذه الصفة ثلاث حالات: الرفع على الفاعلية، وقال الفارسي: أو على الإبدال من ضمير مستتر في الصفة1؛ والخفض بالإضافة والنصب على التشبيه بالمفعول به؛ إن كان معرفة، وعلى التمييز إن كان نكرة2، والصفة مع كل من الثلاثة؛ إما نكرة، أو معرفة، وكل من هذه الستة3 للمعمول معه ست حالات؛ لأنه إما بأل؛ كـ"ـالوجه"، أو مضاف لما فيه أل كـ"ـوجه الأب"، أو مضاف للضمير كـ"وجهه"، أو مضاف لمضاف للضمير كـ"وجه أبيه"، أو مجرد كـ"ـوجه"، أو مضاف إلى المجرد كـ"ـوجه"، أو مضاف إلى المجرد كـ"وجه أب"؛ فالصور ست وثلاثون، والممتنع منها أربعة4؛ وهي: أن تكون الصفة بأل والمعمول مجردا منها ومن الإضافة إلى

_ = ب- ولا يجوز أن يفصل بينها وبين معمولها المرفوع، أو المنصوب بظرف، أو جاو ومجرور عند الجمهور. ج- وأنه لا يراعي لمعمولها المجرور مجل بالعطف أو غيره، بخلاف اسم الفاعل في ذلك كله. د- ولا تتعرف بالإضافة مطلقا بخلاف اسم الفاعل؛ فإنه يتعرف بها إذا كان بمعنى الماضي فقط، وأريد به الاستمرار؛ فيلحظ في هذا الاستمرار جانب المضي وحده. هـ- وأن "أل" الداخلة عليها حرف تعريف، أما الداخلة عليه فاسم موصول ومعرفة معا، على الأصح فيهما. انظر ضياء السالك؛ 3/ 60. 1 أي: بدل بعض من كل إذا أمكن ذلك لا مطلقا. قال الصبان: ويتعين الرفع على الفاعلية في نحو: مررت بامرأة حسن الوجه؛ لأن الصفة لو تحملت الضمير لوجب تأنيث الوصف بالتاء. ويتعين عدم في نحو: مررت بامرأة حسنة الوجه؛ لأن الوجه لوكان فاعلا لوجب تذكير الوصف. ويجوز الأمران في نحو: مررت برجل حسن الوجه. حاشية الصبان على شرح الأشموني: 3/ 8. 2 ويجوز أيضا في النكرة أن تنصب على التشبيه بالمفعول به. 3 أي: الحاصلة من ضرب وجوه الإعراب الثلاثة في حالتي تنكير الصفة وتعريفها. 4 لا يصح فيها إضافة الصفة المشبهة إلى معمولها وجره.

تاليها؛ وهو مخفوض1، كـ"ـالحسن وجهه"2 أو "وجه أبيه" أو "وجه" أو "وجه أب".

_ 1 لأنه يلزم عليه إضافة ما فيه أل إلى المجرد منها، ومن الإضافة لتاليها، أو لضمير تاليها، وذلك ممنوع كما تقدم إيضاحه في باب الإضافة. وهذا في الصفة المفردة. أما المثناة والمجموعة جمع مذكر سالم فتجوز إضافتها مطلقا. 2 محل الامتناع في هذا، وفي الأمثلة الثلاثة بعده، إذا كان الموصوف غير محلى بأل كزيد مثلا، وإلا جاز الجر، تقول: مررت بالرجل الحسن وجهه ... إلخ؛ لأن معمول الصفة حينئذ مضاف لضمير ما فيه أل. هذا: وتنقسم الصور الجائزة إلى ثلاثة أقسام: قبيح، وضعيف، وحسن. فالقبيح: رفع الصفة مجردة، أو مع أل نكرة، ويشمل ذلك أربع صور. ووجه القبح خلو الصفة لفظا من ضمير الموصوف. والضعيف: نصب الصفة المنكرة -المعارف مطلقا- وجرها المضاف إلى ضمير الموصوف، أو إلى المضاف إلى ضميره، وذلك ست صور. ووجه الضعف إجراء وصف القاصر مجرى وصف المتعدي في حالة النصب، وشبه إضافة الشيء إلى نفسه في حالة الجر. والحسن ما عدا ذلك وهو اثنتنان وعشرون صورة. التصريح؛ 2/ 84-86. الأشموني: 2/ 360، والأشموني مع الصبان: 3/ 9.

باب التعجب

[باب التعجب] : هذا باب التعجب1: [صيغ التعجب] : وله عبارات كثيرة، نحو: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} 2،

_ 1 هو انفعال وتأثر داخلي يحدث في النفس عند استعظام أمر له مزية ظاهرة بسبب زيادة فيه. جعلته نادرا ولا نظير له، وقد خفي سببها. قيل: ولعل هذا معناه اللغوي. أما عند النحاة فهو: استعظام زيادة في وصف الفاعل خفي سببها، وخرج بها المتعجب به عن أمثاله، أو قل نظيره فيها. وهذا يفسر اشتراط أن يكون الفعل الذي تؤخذ من مصدره صيغة التعجب مبنيا للمعلوم؛ فلا يتعجب مما لا زيادة فيه، ولا مما ظهر سببه، ولهذا يقال: إذا ظهر السبب بطل العجب. وأيضا، لا يوصف المولى سبحانه بأنه متعجب؛ لأنه لا يخفى عليه سبحانه شيء. وما ورد في كلامه، أو في الحديث الشريف، أو غيرهما مما يدل على التعجب، فالمراد منه: إما توجيه المخاطبين إلى إظهار العجب نحو: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} أي: أن حالهم تستدعي أن يتعجب منها. أو المراد لازمه وهو الرضا والتعظيم، ونحو ذلك من الأغراض البلاغية، كحديث: "عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل": أي: وهم أسارى المشركين يسلمون فيدخلون الجنة. وكان القياس عدم التعجب من صفاته تعالى؛؟؟؟ لا تقبل الزيادة، نحو: ما أعظم الله، وما أقدره، وما أجله، وما أعلمه، ولكنهم أجازوا ذلك بقصد الثناء عليه على أن المعنى: أنه تعالى في غاية العظمة، وأن عظمته مما تحار فيها العقول. التصريح، وحاشية يس: 2/ 86- حاشية الصبان: 1/ 16-17. 2 2 سورة البقرة، الآية: 28. موطن الشاهد: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} . وجه الاستشهاد: استعمال "كيف" للتعجب مجازا عما وصفت له عن الاستفهام عن الأحوال، والمعنى: أتعجب من كفركم بالله.

"سبحان الله إن المؤمن لا ينجس" 1 لله دره فارسا2!. والمبوب له منها في النحو اثنتان: [ما أفعله وإعرابها] : إحداهما: ما أفعله، نحو "ما أحسن زيدا". فأما "ما" فأجمعوا على اسميتها3؛ لأن في "أحسن" ضميرا يعود4 عليها، وأجمعوا على أنها مبتدأ؛ لأنها مجردة للإسناد إليها5، ثم قال سيبويه: هي نكرة تامة6 بمعنى شيء، وابتدئ بها؛ لتضمنها معنى التعجب، وما بعدها خبر؛

_ 1 حديث شريف قاله عليه الصلاة والسلام لأبي هريرة حين رآه في بعض طرق المدينة وكان جنبا، فأبى أن يقابله حتى اغتسل. والحديث أخرجه: البخاري: 1/ 390، ومسلم: الحيض ب 29: 115، والنسائي: 1/ 146، مسند الإمام أحمد: 2/ 235-382، وفتح الباري لابن حجر: 10/ 599، شرح السنة للبغوي: 2/ 29. موطن الشاهد: "سبحان الله". وجه الاستشهاد: وقوع "سبحان" اللفظ الموضوع للتنزيه مفيدا للتعجب؛ لأن الإنسان يسبح الله عند رؤية مخلوقاته العجيبة. 2 قول لبعض العرب. ومن الصيغ التعجبية غير ما ذكر: "يا لك"، و"يا له، وقولهم: عجبت من كذا ... " غير ذلك. 3 وهي علامة التعجب، ولذا تسمى "ما التعجبية". ويجب تقديمها على الفعل. 4 وهذا الضمير بينه وبين غيره من الضمائر المستترة المرفوعة فرقا من ثلاثة أوجه، الأول: أن الضمير المرفوع المستتر في الفعل مثلا يجوز العطف عليه بعد الفصل بالضمير المرفوع البارز أو فاصل ما، وهنا لا يجوز في الضمير المستتر في أحسن ذلك. والثاني: أنه لا يجوز أن يبدل من الضمير المستتر في أحسن، والثالث: أنه لا يجوز في باب التدريب أن يخبر عن هذا الضمير المستتر في أحسن. هذا: وقد قال البصريون بصراحة عن هذا الضمير، ولم يقله الكوفيون كما يعلم من كلامهم الآتي في أحسن. حاشية يس على التصريح: 2/ 87. 5 روي عن الكسائي: أنه يقول: إن "ما" لا موضع لها من الإعراب، فهو على هذا لا يكون مع النحاة في أنها مبتدأ، وهذا قول شاذ لا يقدح فيه الإجماع. 6 يراد بالنكرة: أنها بمعنى شيء أي شيء، وبالتمام: أنها غير موصوفة بشيء بعدها، وقد أفادها التنكير الإبهام، وهو يناسب التعجب؛ لانه يكون فيما خفي سببه. =

فموضعه رفع؛ وقال الأخفش: هي معرفة ناقصة بمعنى الذي، وما بعدها: صلة فلا موضع له، أو نكرة ناقصة، وما بعدها صفة فمحله رفع؛ وعليهما: فالخبر محذوف وجوبا، أي: شيء عظيم1. وأما "أفعل" كأحسن فقال البصريون والكسائي: فعل؛ للزومه مع ياء المتكلم نون الوقاية؛ نحو: "ما أفقرني إلى رحمة الله تعالى"، ففتحته بناء كالفتحة في ضرب من "زيد ضرب عمرا"، وما بعده مفعول به2، وقال بقية الكوفيين: اسم؛ لقولهم: "ما أحيسنه"3؛ ففتحته إعراب؛ كالفتحة في "زيد عندك"؛ وذلك لأن مخالفة الخبر

_ = يؤخذ على قول الأخفش: أن فيه حذف الخبر من غير أن يسد مسده شيء، وفيه أيضا: تقديم الإبهام بالصلة أو الصفة، وتأخير الإبهام بالتزام حذف الخبر، والمألوف في الكلام الذي يتضمن إفهاما وإبهاما تقديم الإبهام، فالراجح ما ذهب إليه سيبويه من أنها نكرة تامة، وينبغي الأخذ به؛ لأنه خال من التعسف والحذف والتأويل من غير داعٍ. هذا ويروى للأخفش قول وافق فيه سيبويه والجمهور: وهو أن "ما" نكرة تامة لا تحتاج إلى وصف. ويذكر النحاة قولا آخر للفراء وابن درستويه، ونسب هذا القول إلى الكوفيين. أيضا، وحاصله أن "ما" اسم استفهام مشرب بمعنى التعجب مبتدأ مبني على السكون في محل رفع، فأما الكوفيون فعندهم أن "أحسن" اسم مرفوع خبر المبتدأ، وأما الفراء وابن درستويه فإن قالا إن "أحسن" اسم، ووافقا الكوفيين استفهام لهما القول على ما فيه، وإن قالا إن "أحسن" فعل ماضٍ تقع جملته خبرا كما يقول البصريون في "أحسن". ورد عليهما أنهما جعلا خبر اسم الاستفهام المشرب بالتعجب جملة فعلية وهو خلاف الأصل. فإن الأصل أن يكون خبره اسما مفردا نحو قوله تعالى: {الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ} ، {الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ} ، {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ} . التصريح: 2/ 87، الهمع: 2/ 90، الأشموني: 2/ 363. والأشموني مع الصبان: 3/ 18. 2 وهو في المعنى فاعل. ولهذا المفعول أحكام خاصة، منها: أنه لا يحذف إلا إذا دل عليه دليل، ولا يكون إلا معرفة أو نكرة مختصة، ولا يتقدم على عامله، ولا يحال بينهما إلا بالظرف على الصحيح. 3 واستدلوا لذلك بقول الشاعر: يا ما أميلح غزلانا شدن لنا ... من هؤليائكن الضال والسمر وزعموا أن التصغير من خصائص الأسماء فيكون تصغير أملح دالا على أنه اسم، =

للمبتدأ، تقتضي -عندهم- نصبه1، و"أحسن" إنما هو في المعنى وصف لزيد؛ لا لضمير "ما"2، و"زيد" -عندهم- مشبه بالمفعول به3. ["أفعل به" وإعرابها] : الصيغة الثانية: أفعل به؛ نحو: "أحسن بزيد". وأجمعوا على فعلية أفعل4، ثم قال البصريون: لفظه لفظ الأمر5، ومعناه: الخبر6؛ وهو في الأصل: فعل ماضٍ على صيغة أفعل بمعنى صار ذا كذا كـ"أغد

_ = ويجيب البصريون، ومعهم الكسائي من الكوفيين: بأن هذا شاذ فلا ينهض دليلا على الاسمية. وقيل: بأن التصغير راجع إلى المصدر المدلول عليه بالفعل، وقيل: إنما صغر فعل التعجب حملا له على أفعل التفضيل لاتفاقهما لفظا، وقيل: إنما صغر؛ لأنه لزم طريقة واحدة فاشبه بذلك الأسماء فدخله بعض أحكامها، وحمل الشيء على الشيء في بعض أحكامه لا يخرجه عن أصله. الدرر اللوامع: 1/ 49، 2/ 119، حاشية الصبان: 3/ 18. 1 اي نصب الخبر، فعامل النصب عندهم في الخبر هو المخالفة للمبتدأ، أي: كونه ليس وصفا له. أما إذا كان الخبر هو المبتدأ في المعنى، كالله ربنا، أو مشبها به، نحو: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} ؛ فإنه يرتفع ارتفاعه. 2 هذا بيان للمخالفة هنا، وهي أن الخبر ليس وصفا للمبتدأ في المعنى. وفيه إشارة إلى أن معنى "أحسن" عندهم: فائق في الحسن، لا صير زيدا حسنا، كما هو مذهب البصريين؛ إذ التصيير صفة لضمير "ما" لا لزيد. التصريح: 2/ 88. 3 وذلك لوقوعه بد ما يشبه الفعل في الصورة. 4 قال باسمية "أفعل" ابن الأنباري ورده المرادي، وإجماع النحاة على فعلية أفعل أنه جاء على صيغة لا يكون عليها إلا الفعل، وأما أصبع، فنادر ولا يجعل أصلا. التصريح: 2/ 88، وانظر: الإنصاف في مسائل الخلاف لابن الأنباري: 1/ 126-148. 5 أي: أنه جاء على صورة الأمر، فيبنى على السكون إن كان صحيح الآخر، وعلى حذف حرف العلة إن كان معتلا كالأمر؛ نظرا لصورته، أو يبنى على فتح مقدر منع من ظهوره مجيئه على صورة الأمر؛ نظرا لمعناه. 6 وذلك في الأصل، أما الآن فالجملة كلها لإنشاء التعجب، ولا تدل على زمن مطلقا أو أن المصنف أراد بالخبر: ما قابل الطلب، فيشمل الإنشاء غير الطلب كما هنا.

البعير"؛ أي: صار ذا غدة1، ثم غيرت الصيغة2، فقبح إسناد صيغة الأمر، إلى الاسم الظاهر3، فزيدت الباء في الفاعل؛ ليصير على صورة المفعول به4، كـ"امْرُرْ بزيد" ولذلك التزمت5، بخلافها في {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} 6، فيجوز تركها؛ كقوله7: [الطويل] 379- كف الشيب والإسلام للمرء ناهيا8

_ 1 الغدة: طاعون الإبل، ولا تكون الفدة إلا في البطن. 2 أي: إلى الأمر، وذلك عن قصد التعجب؛ ليوافق اللفظ في التغيير؛ تغيير المعنى عن الإخبار إلى الإنشاء. 3 لأن الأمر لا يرفع الاسم الظاهر. 4 وزيادتها في هذا الموضع لازمة إذا كان المجرور بها اسما صريحا لا مصدرا مؤولا. 5 أي: زيادتها صونا للفظ عن القبح، إلا إذا كان المجرور بها مصدرا مؤولا من "أن"، أو "أن" وصلتهما؛ لاطراد حذف الجار في ذلك، كقول العباس بن مرداس. وأجبب إلينا أن تكون المقدما. أي: بأن تكون. 6 48 سورة الفتح، الآية: 28. موطن الشاهد: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} . وجه الاستشهاد: مجيء "الياء" زائدة في فاعل "كفى" وحكم زيادتها -هنا- الجواز؛ لأنه يجوز في اللغة القول: "كفى الله شهيدا". 7 القائل: هو سحيم بن وثيل؛ عبد بني الحسحاس، وقد مرت ترجمته. 8 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: عميرة ودع إن تجهزت غاديا وهو مطلع قصيدة مشهورة له، وبعده قوله: جنونا بها فيما اعترتنا علاقة ... علاقة حب مسترا وباديا والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 88، والأشموني: 730/ 2/ 364، والعيني: 3/ 665، والكتاب لسيبويه: 1/ 230، 2/ 308، والخصائص: 2/ 488، والإنصاف: 1/ 168، وشرح المفصل: 2/ 115، 7/ 84، 148، 8/ 24، 93، 138، والمغني: 160/ 145، والسيوطي: 112، وديوان سحيم: 16. المفردات الغريبة: عميرة: اسم محبوبته، وهو تصغير عمرة. تجهزت: تهيأت وأعددت ما يلزمك في سفرك. غاديا: اسم فاعل من غدا، أي: ذهب وقت الغداة، وهي ما بين الفجر وطلوع الشمس. =

وقال الفراء، والزجاج، والزمخشري، وابن كيسان، وابن خروف1: لفظه ومعناه الأمر؛ وفيه ضمير2، والباء للتعدية3، ثم قال ابن كيسان: الضمير للحسن4، وقال غيره: للمخاطب، وإنما التزم إفراده5؛ لأنه كلام جرى مجرى المثل.

_ = المعنى: يجرد الشاعر من نفسه شخصا يخاطبه ويقول له: اترك عمير وودعها وداع شخص أعد عدته لترك نوازع الصبا، متعظا بما حل به من الشيب، واعتصم به من حرمة الإسلام، وكفى بذلك واعظا. روي: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سمعه ينشد هذا البيت قال: لو قدمت الإسلام على الشيب لأجزتك. الإعراب: عميرة مفعول به مقدم لفعل "ودع". ودع: فعل أمر مبني على السكون، لا محل لها من الإعراب، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره أنت. إن: شرطية جازمة، لا محل لها من الإعراب. تجهزت: فعل ماض، وهو فعل الشرط، مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، والتاء: ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل. غاديا: حال منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. كفى: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف؛ للتعذر. الشيب: فاعل "كفى" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. والإسلام: الواو عاطفة، الإسلام؛ اسم معطوف على الشيب مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. "للمرء": متعلق بقوله "ناهيا" الآتي. ناهيا: حال من الشيب، ويمكن أن يعرب تمييزا مبينا لنسبة الكفاية إليه؛ والأول أفضل. موطن الشاهد: "كفى الشيب". وجه الاستشهاد: إسقاط الباء من فاعل "كفى"؛ وفي هذا دلالة على أن هذه الباء، ليست واجبة الدخول على فاعل هذا الفعل؛ بخلاف دخولها على فاعل فعل التعجب الذي على صورة الأمر؛ فاقترانه بالباء واجب، ولا يجوز تجرده منها. 1 مرت ترجمة وافية لكل واحد منهم. 2 أي: مستتر تقديره: أنت، وهو الفاعل. 3 فهي حرف أصلي، وهي ومجرورها في محل نصب على المفعولية. وقيل: الهمزة على قول الفراء ومن وافقه للنقل والباء زائدة. 4 أي: المصدر المفهوم من أحسن، والتقدير: أحسن يا حسن بزيد أي: دم به والزمه؛ ولذلك أفرد الضمير؛ لأن ضمير المصدر كالمصدر لا يثنى ولا يجمع. 5 أي: الذي يراد منه أن يتعجب. وعليه يكون معنى أحسن بزيد: اجعل يا مخاطب زيدا حسنا، أي: صفه بالحسن كيف شئت. وعلى كل فالضمير المذكور مفرد مذكر دائما، فلا يقال في التأنيث: أحسني، ولا في التثنية والجمع أحسنا وأحسنوا وأحسن. انظر التصريح؛ 2/ 88-89.

[جواز حذف المتعجب منه] : مسألة: ويجوز حذف المتعجب منه1؛ في مثل "ما أحسنه"، إن دل عليه دليل2؛ كقوله3: [الطويل] 380- ربيعة خيرا ما أعف وأكرما4

_ 1 المراد بالمتعجب منه: المعمول الذي له صلة بالأمر الذي يدعو للتعجب من صفة أو فعل؛ فإذا قلت: ما أحسن الإخلاص في العمل!، فإن التعجب من حسن الإخلاص، لا من الإخلاص ذاته؛ لأن التعجب من الأحوال لا من الذوات. 2 ويشترط أن يكون ضميرا، سواء أكان منصوبا بـ"أفعل" أم مجرورا بالباء بعد "أفعل". انظر في هذه المسألة ابن عقيل: 3/ 151، والدرر اللوامع: 2/ 120، والتصريح: 2/ 89-90. 3 القائل: هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، أبو الحسن رابع الخلفاء الراشدين وابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وصهره، وأحد المبشرين بالجنة، وأحد الأبطال الشجعان والخطباء العلماء، وأول الناس إسلاما، كان بينه وبين معاوية خلاف ومعارك. ينسب إليه ديوان شعر، وجمعت خطبه وأقواله ورسائله في كتاب، قتله ابن ملجم لعنه الله، وذلك سنة 40هـ، وله 63 سنة. صفة الصفوة: 1/ 118، الإصابة: ت: 5690، الأعلام: 4/ 295، الطبري: 6/ 83. وغيره كثير. 4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: جزى الله عني والجزاء بفضله وهو من كلمة يمدح فيها ربيعة على ما أبلت معه يوم صفين وقبله قوله: لمن راية سوداء يخفق ظلها ... إذا قيل قدمها صفين تقدما يقدمها في الموت حتى يزيرها ... حياض المنايا تقطر الموت والدما والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 89، والأشموني: 732/ 2/ 364، والعيني: 3/ 649، والهمع: 2/ 91، والدرر: 2/ 121. المفردات الغريبة: جزى: كافأ؛ من المجازاة وهي المكافأة. بفضله: بإحسانه. المعنى: يدعو الإمام علي كرم الله وجهه الله جل جلاله أن يجزي بفضله العميم ربيعة على ما بذلته، وما بدر منها من الكرم بالنفس والمال، ثم يعجب رضي الله عنه من شأن ربيعة فيقول: ما أعفها وما أكرمها!. الإعراب: جزى: فعل ماض، مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. الله: "لفظ =

وفي "أفعل به" إن كان أفعل معطوفا على آخر مذكور معه مثل ذلك المحذوف؛ نحو: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} 1، وأما قوله2: [الطويل] 381- حميدا، وإن يستغن يوما بأجدر3

_ = الجلالة" فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. "عني" متعلق بـ"جزى". والجزاء: الواو: حالية، الجزاء: مبتدأ مرفوع. "بفضله": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، والهاء: "مضاف إليه؛ وجملة "الجزاء بفضله": في محل نصب حال. ربيعة: مفعول به أول لـ"جزى". ما: تعجبية في محل رفع متبدأ. أعف: فعل ماضٍ، مبني على الفتح لإنشاء التعجب، وفاعله ضمير مستتر يعود إلى ما، وجملة "أعف": في محل رفع خبر المبتدأ. وأكرم: الواو حرف عطف، أكرم معطوف على أعف السابق والألف للإطلاق. موطن الشاهد: "ما أعف وأكرم". وجه الاستشهاد: حذف المتعجب منه وهو مفعول فعل التعجب؛ لأنه ضمير يدل عليه سياق الكلام؛ لأن التقدير: ما أغفها وأكرمها. 1 19 سورة مريم، الآية: 38. موطن الشاهد: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} . وجه الاستشهاد: حذف الفاعل المجرور بعد "أفعل"؛ للدليل مع كونه فاعلا؛ لأن لزومه للجر كساه صورة الفضلة، فجاز فيه ما يجوز فيها. وقيل: لم تحذف، وإنما استتر بالفعل بعد حذف الباء. 2 القائل: هو عروة بن الورد العبسي؛ المعروف بعروة الصعاليك، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: فذلك إن يلق المنية يلقها وقبله قوله: فإن بعدوا لا يأمنون اقترابه ... تشوف أهل الغائب المتنظر وهما من قصيدة عدتها سبعة وعشرون بيتا موجودة في ديوانه "مط. جول كربوتل": 63-87 واختار أبو تمام بعض أبياتها في حماسته، يصف فيها صعلوكا ومنها قوله: ولله صعلوك صحيفة خده ... كضوء شهاب المائس المتنور والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 90، والأشموني: 733/ 2/ 365، وابن عقيل: 270/ 3/ 152، والعيني: 3/ 650، والخزانة: 1/ 196. المفردات الغريبة: المنية: الموت. حميدا: محمودا، فهو فعيل بمعنى مفعول. فأجدر: أي: ما أجدره وما أحقه. =

أي: به؛ فشاذ1. [عدم تصرف فعلي التعجب] : مسألة: وكل من هذين الفعلين ممنوع التصرف2؛ فالأول: نظير تبارك،

_ = المعنى: هذا الصعلوك الموصوف بالصفات المذكورة إن مات في سبيل مطلبه يموت وهو محمود الفعال عند الناس؛ لما كان عليه من عفة وعزة نفس، وما له من صفات كريمة، وإن عاش واستغنى فما أحقه، وما أخلقه بالغنى؛ لأنه وصل إليه بسعيه وجده. الإعراب: فذلك: ذا: اسم إشارة في محل رفع مبتدأ، واللام: للبعد، والكاف: للخطاب، لا محل لها من الإعراب. إن: حرف شرط جازم. يلق: فعل مضارع مجزوم، وهو فعل الشرط، وعلامة جزمه حذف الألف، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو. المنية: مفعول به منصوب. يلقها: فعل مضارع جواب الشرط مجزوم، وعلامة جزمه حذف الألف، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو، و"ها": ضمير متصل في محل نصب مفعولا به. حميدا: حال من فاعل "يلق"، الذي هو جواب الشرط؛ وجملة "الشرط وجوابه": في محل رفع خبر المبتدأ. وإن: الواو عاطفة، إن: حرف شرط جازم. يستغن: فعل مضارع -فعل الشرط- مجزوم، وعلامة جزمه حذف الياء، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو. "يوما": متعلق بـ"يستغن". فأجدر: الفاء واقعة في جواب الشرط، أجدر: فعل ماضٍ لإنشاء التعجب جاء على صورة الأمر وحرك للروي، وفاعله محذوف هو والباء الجارة له؛ لأن الأصل فأجدر به؛ وجملة "أجدر به": في محل جزم جواب الشرط؛ وجملة "الشرط وجوابه": في محل رفع عطف بالواو على جملتي الشرط والجواب السابقتين. موطن الشاهد: "فأجدر". وجه الاستشهاد: حذف المتعجب منه مع حرف الجر من غير أن تكون صيغة التعجب المحذوف معمولها، معطوفة على أخرى معها معمولها المشابه للمحذوف على حد {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} . 1 أي: لعدم العطف المذكور. وقال الصبان: والأوجه عندي أنه ليس بشاذ، وأنه لا يشترط هذا الشرط، بل المدار على وجود دليل يدل على المحذوف. حاشية الصبان على شرح الأشموني: 3/ 20. 2 فكل من الصيغتين يلزم حالة واحدة، مع أن فعلهما الأصلي ثلاثي متصرف، ولكنهما يفقدان التصرف بسبب استعمالهما في التعجب، ولا يدلان على حدث، ولا زمن؛ لأن الجملة التعجبية متجردة لمحض الإنشاء المقصود منه التعجب. اللهم إلا إذا =

وعسى، وليس1؛ والثاني: نظير هب بمعنى اعتقد، وتعلم بمعنى اعلم2؛ وعلة جمودهما: تضمنهما معنى حرف التعجب الذي كان يستحق الوضع3. [امتناع تقدم معمولي فعلي التعجب عليهما] : مسألة: ولعدم تصرف هذين الفعلين؛ امتنع أن يتقدم عليهما معمولهما، وأن يفصل بينهما، بغير ظرف ومجرور؛ لا تقول: "ما زيدا أحسن"، ولا "بزيد أحسن"، وإن قيل إن "بزيد" مفعول4، وكذلك لا تقول: "ما أحسن يا عبد الله زيدا"5 ولا "أحسن لولا بخله بزيد"6. واختلفوا في الفصل بظرف أو مجرور متعلقين بالفعل، والصحيح الجواز، كقولهم: "ما أحسن بالرجل أن يصدق، وما أقبح به أن يكذب"، وقوله7: [الطويل]

_ = اشتملت على لفظة "كان" أو "يكون" أو غيرهما من الألفاظ التي تدل على زمن معين. 1 أي: في الجمود وملازمة المضي. 2 أي: في الجمود وملازمة صيغة الأمر. 4 وأيضا فإن لزومهما حالة واحدة أدل على التعجب؛ لأن التصرف والانتقال من حالة إلى أخرى ربما يشعر بزوال المعنى الأول. وأجاز هشام الإتيان بمضارع "ما أفعله" فتقول: ما يحسن محمدا؛ وهو قياس ولم يسمع. التصريح: 2/ 90. 4 كما هو رأي الفراء، ومن وافقه، وقد تقدم. 5 أي: بالفصل بالمنادى بين أحسن ومعموله. وقد ورد في الفصيح ما يدل على جوازه، كقول: علي كرم الله وجهه في عمار بن ياسر وقد مر به، وهو مقتول، فمسح التراب عن وجهه: "أعزز علي أبا اليقظان أن أراك صريعا مجدلا" أي: مرميا على الجدالة، وهي الأرض. وأبو اليقظان: كنية عمار بن ياسر رضي الله عنه. 6 أي: بالفصل بلولا الامتناعية ومصحوبها. وأجاز ذلك ابن كيسان. انظر الأشموني مع الصبان: 3/ 25, 7 القائل: هو أوس بن حجر، وقد مرت ترجمته.

382- وأحر إذا حالت بأن أتحولا1 ولو تعلق الظرف والجار والمجرور بمعمول فعل التعجب، لم يجز الفصل به

_ 1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: أقيم بدار الحزم ما دام حزمها وهو من شواهد التصريح: 2/ 90، والأشموني: 735/ 2/ 369، والعيني: 3/ 659، وديوان أوس بن حجر: 83. المفردات الغريبة: دار الحزم: المكان الذي تعتبر الإقامة فيه حزما. أحر: أخلق. حالت: تغيرت. أتحول: أنتقل عنها إلى غيرها. المعنى: أقيم بالمكان الذي تعتبر الإقامة فيه من الحزم وحسن التصرف، وذلك حيث يكون الإنسان فيه عزيزا مكرما، فإذا تغيرت الحال، ولاقى الإنسان مهانة فأخلق به أن يتحول عنه إلى مكان آخر، يلقى فيه العزة والكرامة. الإعراب: أقيم: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. "بدار": متعلق بأقيم، ودار مضاف. الحزم: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة. ما دام: ما: مصدرية ظرفية، لا محل لها من الإعراب، دام: فعل ماضٍ تام، مبني على الفتح. حزمها: فاعل دام التامة مرفوع، وهو مضاف، و"ها" ضمير متصل في محل جر بالإضافة؛ والمصدر المؤول من "ما وما دخلت عليه" مجرور بإضافة اسم زمان مقدر ينتصب بأقيم والتقدير: أقيم بدار الحزم مدة دوام حزمها، ويمكن أن تكون دام ناقصة، ويكون "حزمها" اسمها، ومضافا إليه، ويكون خبرها محذوفا والتقدير: ما دام حزمها موجودا. وأحر: الواو: عاطفة، أحر: فعل ماضٍ لإنشاء التعجب جاء على صورة الأمر. "إذا": متعلق بـ"أحر". حالت: فعل ماضٍ، مبني على الفتح، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هي؛ وجملة "حالت": في محل جر بإضافة إذا إليها. بأن: الباء حرف جر زائد، أن حرف مصدري ونصب. أتحولا: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة والألف للإطلاق، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا؛ والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه" مجرور لفظا بالباء مرفوع محلا على أنه فاعل لفعل التعجب "أحر". موطن الشاهد: "أحر إذا حالت بأن أتحولا". وجه الاستشهاد: الفصل بالظرف "إذا حالت" بين فعل التعجب "أحر" وبين معموله "بأن أتحولا".

اتفاقا؛ نحو: "ما أحسن معتكفا في المسجد"، و"أحسن بجالس عندك"1. [شروط ما يُبنى منه فعلا التعجب] : فصل: وإنما يبنى هذان الفعلان مما اجتمعت فيه ثمانية شروط: أحدها: أي يكون فعلا2؛ فلا يبنيان من الجلف والحمار، فلا يقال "ما أجلفه"، ولا "ما أحمره"3؛ وشذ "ما أذرع المرأة"؛ أي: ما أخف يدها في الغزل، بنوه من قولهم: امرأة ذراع4؛ ومثله "ما أقمنه"، و"ما أجدره بكذا"5. الثاني: أن يكون ثلاثيا؛ فلا يبنيان من دحرج وضارب واستخرج6 إلا "أفعل"؛ فقيل: يجوز مطلقا، وقيل: يمتنع مطلقا، وقيل: يجوز إن كانت الهمزة لغير النقل؛ نحو: "ما أظلم الليل" و"ما أقفر هذا المكان"؛ وشذ على هذين القولين: "ما أعطاه

_ 1 فلا يقال فيهما: ما أحسن في المسجد معتكفا، ولا أحسن عندك بجالس، لئلا يلزم الفصل بين الفعل ومعموله بمعمول معموله. التصريح: 2/ 90 الأشموني مع الصبان: 3/ 24. 2 أي: ماضيا، وإن كان يفقد الدلالة على الزمن بدخوله في صيغة التعجب. 3 لبنائه من الاسم لا من الفعل، وقد أثبت له القاموس فعلا؛ فقد جاء فيه، الجلف: الرجل الغليظ الجافي، وجلف كفرح، جلفا وجلافة، وعلى ذلك يصح ما أجلفه. وكذلك ما أحمره، فإنه من الحمار، وهو الحيوان المعروف. ويضرب به المثل في البلادة. التصريح: 2/ 90-91. الأشموني مع الصبان: 3/ 24. 4 في القاموس: الذراع كسحاب: الخفيفة اليدين بالغزل. قيل: وقد ذكر ابن القطاع في كتاب الأفعال: ذرعت المرأة إذا خفت يدها في العمل فهي ذراع. وعلى هذا يكون الشذوذ من حيث البناء من فعل المجهول. 5 فقد بنوا الأول من قولهم: هو قمن بكذا، والثاني من قولهم: هو جدير بكذا، وهنا هما: ما أحقه وما أخلقه، ولا فعل لهما. 6 قال الصبان نقلا عن المصرح: لأنه يلزم على ذلك حذف بعض الأصول في الرباعي المجرد. وحذف الزيادة الدالة على معنى مقصود في غيره؛ كالمشاركة والمطاوعة والطلب في نحو: ضارب؛ وانطلق، واستخرج مما تدل عليه حروف الزيادة. حاشية الصبان: 3/ 21، التصريح: 2/ 91. =

للدراهم" و"ما أولاه للمعروف"، وعلى كل قول "ما أتقاه"، و"ما أملا القربة"؛ لأنهما من اتقى وامتلأت، و"ما أخصره"؛ لأنه من اختصر، وفيه شذوذ آخر، وسيأتي1. الثالث: أن يكون متصرفا؛ فلا يبنيان من نحو: نعم وبئس2. الرابع: أن يكون معناه قابلا للتفاضل؛ فلا يبنيان من نحو: فني ومات3. الخامس: أن لا يكون مبنيا للمفعول4؛ فلا يبنيان من نحو: "ضرب"، وشذ

_ = اختار ابن مالك في "التسهيل"، وشرحه ما ذهب إليه سيبويه والمحققون من أصحابه وذلك بجواز بناء فعل التعجب من أفعل سواء كانت الهمزة فيه للنقل أم لا. وذهب المازني، والأخفش والمبرد وابن السراج والفارسي إلى عدم الجواز مطلقا. أما ابن عصفور فقد فصل في ذلك، وقال بعدم الجواز إن كانت الهمزة للنقل نحو: أذهب فلا يقال "ما أذهب نور الليل"، ويجوز إن كانت الهمزة لغير النقل نحو أظلم الليل، وأقفر المكان، فنقول: ما أظلم الليل، وما أقفر هذا المكان، وقد أنكر الشاطبي هذا القول وأطال في الرد عليه. هذا: وقد اختلف في بناء فعل التعجب من الثلاثي المزيد إذا جرى مجرى الثلاثي نحو: اتقى وامتلأ وافتقر واستغنى، وذهب ابن السراج وطائفة إلى الجواز؛ لأنهم أجروه مجرى الثلاثي المجرد من الزوائد لا مجرى المزيد؛ بدليل قولهم في الوصف منه: تقي وملي وفقير وغني، وذهب ابن خروف وجماعة إلى المنع؛ لأن العلة التي من أجلها امتنع بناؤهما من المزيد غير الجاري مجرى المجرد موجودة -هنا- وهي عدم البنية، وحذف زوائدها لغير موجب مع وجود الغنى عن ذلك بأشد وأشدد ونحوهما. التصريح: 2/ 91. 2 لأن التصرف فيما لا يتصرف نقص لوضعه، وعدم التصرف على وجهين؛ الأول: أن يكون الفعل قد خرج عن طريقة الأفعال، وذلك كنعم وبئس وعسى وليس، والثاني: أن تترك بعض صيغ الفعل استغناء عنها بأخرى من معناه؛ نحو: يدع ويذر، فإنهم لم يجيئوا لهذين الفعلين بصيغة الماضي استغناء "بترك"، وهما باقيان على دلالتهما على الحدث والزمان. التصريح: 2/ 92. 3 لأنه لا تفاوت في الفناء والموت، ولا مزية لبعض فاعليه على بعض حتى يتعجب منه. 4 وذلك، لئلا يلتبس المبني من فعل المفعول، بالمبني من فعل الفاعل.

"ما أخصره! " من وجهين1؛ وبعضهم يستثنى ما كان ملازما لصيغة "فعل" نحو: "عنيت بحاجتك" و"زهي علينا" فيجيز: "ما أعناه بحاجتك" و"ما أزهاه علينا"2. السادس: أن يكون تاما؛ فلا يبنيان من نحو: كان، وظل، وبات، وصار، وكاد3. السابع: أن يكون مثبتا؛ فلا يبنيان من منفي4؛ سواء كان ملازما للنفي؛ نحو: "ما عاج بالدواء"؛ أي: ما انتفع به5، أم غير ملازم كـ"ما قام زيد"6. الثامن: أن لا يكون اسم فاعله على أفعل7 فعلاء؛ فلا يبنيان من نحو:

_ 1 هما: كونه من غير الثلاثي، وكونه من المبني للمجهول. 2 إنما استثني ذلك؛ لأمن اللبس، ولوروده في الأمثال، فقد قيل: هو أزهى من ديك، وأزهي من طاوس. والتفضيل أخو التعجب. قال ابن مالك في التسهيل: "وقد يبنيان من فعل المفعول إن أمن اللبس". 3 فلا يقال: ما أكون محمدا مسافرا مثلا؛ لأنه يستلزم نصب "أفعل" لشيئين، وهذا غير سائغ. ولا يجوز حذف "مسافرا" لامتناع حذف خبر كان. ولا جره باللام؛ لامتناع ذلك. وحكي عن الكوفيين: ما أكون زيدا قائما؛ بناء على أصلهم من أن المنصوب بعد "كان" حال. التصريح: 2/ 92. الأشموني مع الصبان: 3/ 22. 4 لأنه يؤدي إلى اللبس بين التعجب من المثبت، ومن المنفي، لأن صيغة التعجب إثبات وليس فيها أداة نفي. 5 مضارعه يعيج أي: ينتفع، وهو ملازم للنفي أيضا. وندر مجيئه للإثبات. أما عاج يعوج بمعنى: مال يميل، فيستعمل في النفي والإثبات، ومن وروده منفيا قول جرير: تمرون الديار ولم تعوجوا ... كلامكم علي إذًا حرام التصريح، وحاشية يس: 2/ 92. 6 فلا يقال: ما أقومه. ومثله: ما عاج، أي مال، فلا يقال: ما أعوجه وذلك لئلا يلتبس المنفي بالمثبت. 7 قيل في سبب المنع: إن من حق صيغة التعجب أن تبنى من الثلاثي المحض؛ وأكثر أفعال الألوان والخلق إنما تجيء على أفعل -بتسكين الفاء- وزيادة مثل اللام نحو أخضر فلم يبن فعلا التعجب في الغالب مما كان منها ثلاثيا إجراء للأقل مجرى الأكثر، وقيل: لأن الألوان والعيوب الظاهرة جرت مجرى الخلق الثابتة التي لا تزيد ولا تنقص كاليد والرجل. وغيرها في عدم التعجب منها. وقيل: لأن بناء الوصف من =

"عرج، وشهل، وخضر الزرع"1. [كيف يتعجب من فاقد الشروط؟] : فصل: ويتوصل إلى التعجب من الزائد على ثلاثة، ومما وصفه على أفعل فعلاء بـ"ما أشد" ونحوه، وينصب مصدرهما بعده، أو بـ"أشدد" ونحوه، ويجر مصدرهما بعده بالباء؛ فتقول "ما أشد، أو أعظم، دحرجته، أو انطلاقه أو حمرته" و"أشدد، أو أعظم، بها". وكذا المنفي والمبني للمفعول؛ إلا أن مصدرهما يكون مؤولا، لا صريحا، نحو "ما أكثر أن لا يقوم" و"ما أعظم ما ضرب" و"أشدد بهما". وأما الفعل الناقص؛ فإن قلنا: له مصدر؛ فمن النوع الأول، وإلا فمن الثاني، تقول: "ما أشد كونه جميلا"، أو "ما أكثر ما كان محسنا! "، و"أشدد، أو أكثر، بذلك! ". وأما الجامد والذي لا يتفاوت معناه؛ فلا يتعجب منهما البتة2.

_ = هذا النوع على أفعل، ولم يبن منه أفعل تفضيل لئلا يلتبس أحدهما بالآخر، ولما امتنع صوغ أفعل التفضيل منه امتنع صوغ فعلي التعجب منه لجريانها مجرى واحدا في أمور كثيرة وتساويها في الوزن والمعنى. التصريح: 2/ 92-93. 1 بقي شرط تاسع لم يذكراه؛ وهو أن لا يستغنى عنه بالمصوغ من غيره، نحو: قال من القائلة، فإنهم لا يقولون ما أقيله استغناء بقولهم: ما أكثر قائلته، ذكره سيبويه. ونحو سكر وجلس ضد أقام؛ فإنهم لا يقولون ما أسكره وأقعده وأجلسه استغناء بقولهم: ما أشد سكره، وأكثر قعوده وجلوسه، ذكره ابن برهان. وزاد ابن عصفور: قام وغضب ونام، وفي عد "نام" منها نظر، فقد حكى سيبويه: ما أنومه، وقالت العرب: هو أنوم من فهد. الأشموني: 2/ 367، والتصريح: 2/ 93، والأشموني مع الصبان: 3/ 22. 2 ذلك؛ لأن الجامد لا مصدر له حتى يمكن نصبه، أو جره بالباء، والذي لا يتفاوت متناه غير قابل للتفضيل.

باب نعم وبئس

هذا باب نعم وبئس1 [معناهما وشروط مرفوعهما] : وهما فعلان عند البصريين والكسائي؛ بدليل "فبها ونعمت"2، واسمان عند باقي الكوفيين3؛ بدليل "ما هي بنعم الولد"4؛.......................

_ 1 اعلم أنهما يستعملان تارة للإخبار بالنعمة والبؤس فيتصرفان كسائر الأفعال، تقول: نعم محمد بكذا ينعم به فهو ناعم، وبئس كذلك. وتارة لإنشاء المدح والذم فلا يتصرفان لما سيأتي، وهذا الاستعمال هو المراد هنا. 2 هذا جزء من حديث؛ وتمامه: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل". والحديث أخرجه: أبو داود في سننه: 354، والنسائي: 3/ 94، والترمذي: 497. والسنن الكبرى للبيهقي: 1091، ومسند أحمد بن حنبل: 5/ 15-16، 22، وفي شرح السنة للبغوي: 2/ 67، ومشكاة المصابيح للتبريزي: 540، وتفسير القرطبي: 18/ 106. موطن الشاهد: "نعمت". وجه الاستشهاد: مجيء "نعم" فعلا؛ بدليل اتصاله بتاء التأنيث الساكنة؛ وهي لا تدخل إلا على الفعل؛ وحكى الكسائي: نعما رجلين، ونعموا رجالا؛ وضمائر الرفع البارزة المتصلة؛ من خصائص الأفعال أيضا؛ فهذا دليل "ثان" على الفعلية. ضياء السالك: 3/ 81؛ والتصريح: 2/ 94. 3 وقد بنيا على الفتح لتضمنهما معنى الإنشاء، ويعربان مبتدأين، ومعناهما: الممدوح والمذموم، وما هو فاعل على المشهور يعرب بدلا أو عطف بيان. والخبر هو المخصوص بالمدح أو الذم، ويجوز العكس. وفي مثل: نعم رجلا محمد؛ يعرب "رجلا" تمييزا أو حالا. 4 قول لبعض العرب حين بشر بأنثى، وتمامه: "نصرها بكاء، وبرها سرقة". ووجه الدلالة فيه دخول حرف الجر على "نعم"، والولد ونحوه فيما استدلوا به مجرور؛ لأنه تابع للمجرور، أي: ما هي بالممدوح الولد، فإن كان مرويا بالرفع فلعله مقطوع عما =

.......................... جامدان1، رافعان لفاعلين معرفين بأل الجنسية2؛ نحو: {نِعْمَ الْعَبْدُ} 3، و {بِئْسَ الشَّرَابُ} 4؛ أو بالإضافة إلى ما قارنها؛ نحو: {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} 5 {فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} 6؛ أو

_ = قبله. ومثال بئس: قول بعضهم: وقد سار إلى محبوبته على حمار بطيء السير: نعم السير على بئس العير. والصحيح مذهب البصريين، وإليه ذهب المصنف وابن مالك، وما استدل به الكوفيون مؤول. التصريح: 2/ 94. الأشموني وحاشية الصبان: 3/ 26. 1 لخروجهما عن الأصل في الأفعال: من إفادة الحدث والزمان، ولزومها إنشاء المدح والذم على سبيل المبالغة، والإنشاء من معاني الحروف. 2 المراد "أل" المعرفة؛ جنسية كانت أو عهدية، فلا يقال: نعم زيد ولا بئس رجل على الراجح. والمراد الجنس حقيقة؛ إن قصد بمدخول "أل" جميع الأفراد ثم نص على الممدوح، أو المذموم بعد، أو مجازا إن أريد بمدخولها الفرد المعين كأنه جميع الجنس مبالغة في المدح أو الذم. أما العهد فقد يكون لشيء معهود في الذهن وتكون للعهد الذهني، وقد تكون للعهد الذكري، والمعهود هو المخصوص. و"أل" الجنيسة أقوى في تأدية المقصود، وإن كانت العهدية أظهر. 3 38 سورة ص، الآية: 30. موطن الشاهد: "نعم العبد". وجه الاستشهاد: مجيء "نعم" رافعا لفاعله "العبد" المعرف بـ"أل". الجنسية؛ وحكم مجيئه على هذه الصورة الجواز باتفاق. 4 18 سورة الكهف، الآية: 29. موطن الشاهد: {بِئْسَ الشَّرَابُ} . وجه الاستشهاد: مجيء "بئس" رافعا لفاعله "الشراب" المعرف بـ"أل" الجنسية، كما في الآية السابقة. 5 16 سورة النحل، الآية: 30. موطن الشاهد: {لَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "دار" فاعلا لـ"نعم"، وقد أضيف إلى معرف بأل الجنسية، وحكم مجيئه على هذه الصورة الجواز باتفاق. 6 16 سورة النحل، الآية: 29: موطن الشاهد: {فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "مثوى" فاعلا لـ"بئس"، وقد أضيف إلى معرف بأل الجنسية؛ وحكم مجيئه على هذه الصورة الجواز باتفاق.

إلى مضاف لما قارنها؛ كقوله1: [الطويل] 383- فنعم ابن أخت القوم غير مكذب2

_ 1 القائل: هو أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم؛ وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: البيت من كلمة يمدح فيها أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم، ويعاتب قريشا على ما كان منها، وهذا البيت يذكر فيه زهير بن أبي أمية -وهو ابن أخته عاتكة- يذكره بالخير؛ لأنه كان أحد الذين نقضوا الصحيفة التي كتبتها قريش لتقاطع آل النبي في حديث معروف. وما ذكره المصنف صدر بيت وعجزه قوله: زهير حساما مفردا من حمائل والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 95، والأشموني: 739/ 2/ 371، والسيرة: 176، وتاريخ ابن كثير: 3/ 56، والعيني: 4/ 15، والهمع: 2/ 85، والدرر: 2/ 109، وديوان أبي طالب: الورقة: 3. المفردات الغريبة: حسام، الحسام: السيف القاطع سمي بذلك؛ لأنه يحسم الخلاف بين الناس، حمائل: جمع حمالة، وهي علاقة السيف. المعنى: يمدح أبو طالب زهيرًا ابن أخته بأنه صادق المودة، مخلص لرحمه، لا ينسب إلى الكذب، وهو ماضي العزيمة نسيج وحده، كالسيف الذي يفرد عن حمائله؛ وزهير هذا هو ابن أمية بن عاتكة بنت عبد المطلب؛ أخت أبي طالب، وعمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان زهير أحد الرجال الذين اتفقوا على نقض الصحيفة التي تعاهدت فيها قريش على مقاطعة بني هاشم، وعلقوها في الكعبة؛ ليلجئوهم إلى حمل النبي على ترك دعوته. الإعراب: نعم: فعل ماضٍ جامد، دال على إنشاء المدح مبني على الفتح. ابن: فاعل نعم مرفوع، وهو مضاف. أخت: مضاف إليه، وهو مضاف. القوم: مضاف إليه. غير: حال من فاعل نعم، وهو مضاف. مكذب: مضاف إليه؛ وجملة "نعم وفاعله": في محل رفع خبر مقدم. زهير: مخصوص بالمدح مبتدأ مؤخر، ويجوز أن نعرب "زهير": خبرًا لمبتدأ محذوف وجوبا والتقدير: هو زهير. حساما -بالنصب- حال من زهير منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة؛ خلافا لرواية العيني بالرفع حيث أعربها صفة لزهير، وإن صحت هذه الرواية -بالرفع- لم يصح الإعراب؛ لأن زهيرا علم، فهو معرفة وحساما نكرة، ومعلوم أن المعرفة لا توصف بالنكرة، ولهذا تخرج رواية الرفع على أن "حسام": خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: هو حسام. مفردا: صفة لـ"حسام" منصوب. من: حرف جر. حمائل: اسم مجرور، وجره =

أو مضمرين مستترين1 مفسرين بتمييز2؛ نحو: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ}

_ = بالكسرة ضرورة، وكان ينبغي جره بالفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف. و"من حمائل": متعلق بـ"مفرد". موطن الشاهد: "فنعم ابن أخت القوم". وجه الاستشهاد: الإتيان بفاعل نعم اسما مضافا إلى مقترن بأل، وهو القوم، وقد جاءت إضافة الفاعل إلى ضمير ما فيه أل في قول الشاعر: فنعم أخو الهيجا ونعم شبابها وهو نادر لا يقاس عليه. وأجاز الفراء، ومن تبعه من الكوفيين إضافة الفاعل إلى النكرة كما في قول الشاعر: فنعم صاحب قوم لا سلاح له ... وصاحب الركب عثمان بن عفان وخص الجمهور ذلك بالضرورة. وورد مجيء الفاعل علما، أو مضافا إلى علم كقول بعض العبادلة: بئس عبد الله أنا إن كان كذا. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم عبد الله هذا" وأول على أن الفاعل ضمير مستتر حذف تمييزه، والعلم مخصوص بالمدح، وما بعده بدل أو عطف بيان. انظر ضياء السالك: 3/ 82-83. 1 أي: رافعان لمضمرين مستترين وجوبا غالبا. ويلتزم هذا الضمير الإفراد والتذكير، كقول الشاعر: نعم امرأين حاتم وكعب ... كلاهما غيث وسيف عضب ومن غير الغالب: نعما رجلين، نعموا رجالا كما سبق، وشذ إبراز الضمير مع الباء الزائدة، حيث سمع قولهم: "نعم بهم قوما". انظر التصريح: 2/ 95. 2 أي: بعدهما. وهذا من المواضع التي يجوز عود الضمير فيها على متأخر لفظا ورتبة، ولا بد من مطابقة هذا التمييز لمعناهما؛ أي: للمخصوص بالمدح أو الذم، إفرادا وغير إفراد، وتذكيرا وتأنيثا. خلاصة: "نعم" و"بئس" فعلا جامدان: وهما يرفعان فاعلين مقترنين بـ"أل"، أو مضافين إلى المقترن بها، ومثل هذا، بقوله: "نعم عقبى الكرما"، أو يرفعان ضميرا، يفسره تمييز؛ نحو: "نعم قوما معشره". ويشترط في هذا التمييز علاوة على مطابلقة المخصوص التي ذكرناها: أن يكون نكرة عامة متكثرة الأفراد؛ فلا يجوز: "نعم شمسا هذا الشمس"؛ لأنه لا ثاني لها. أما قولهم: نعم شمسا شمس هذا اليوم، =

بَدَلًا} 1، وقوله2: [البسيط] 384- نعم امرأ هرم لم تعر نائبة3

_ = فسائغ؛ لتعددها بتعدد الأيام؛ وأن يكون مؤخرا عن العامل؛ فلا يصح تقديمه على نعم وبئس. وأن يتقدم على المخصوص بالمدح أو الذم، وشذ قولهم: نعم محمد رجلا. ولا يجوز حذفه؛ لئلا يبقى الفاعل المستتر مبهما، ليس له ما يفسره، إلا إذا وجدت قرينة تدل عيه، كالتاء في قولك: "إن زرت محمدا، فبها ونعمت، أي: ونعمت زيارة زيارتك، ومنه الحديث المتقدم: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت" ويجب أن يكون صالحا لقبول "أل" المعرفة، فلا يكون من الكلمات المتوغلة في الإبهام، ككلمة "غير"، و"مثل"، و"شبه"، و"أي". انظرالتصريح: 2/ 95، وضياء السالك: 3/ 83-84. 1 18 سورة الكهف: الآية: 50. موطن الشاهد: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} . وجه الاستشهاد: مجيء فاعل "بئس" مضمرا فيها، و"بدلا": تمييز منصوب مفسر له؛ والتقدير: بئس هو -أي البدل-؛ وحكم إضماره في هذه الحالة الوجوب؛ خلافا للمبرد، وابن السراج والفارسي. التصريح: 2/ 95. 2 القائل هو: زهير بن أبي سلمى المزني، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت في مدح هرم بن سنان، وعجزه قوله: إلا وكان لمرتاع لها وزرا والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 392، 2/ 95، والأشموني: 746/ 2/ 374، وليس في ديوان زهير بن أبي سلمى. المفردات الغريبة: لم تعر: لم تنزل ولم تعرض. نائبة: كارثة وحادثة من حوادث الدهر. لمرتاع: أي فزع وخائف، وهو اسم فاعل من ارتاع. وزرا: ملجأ ومعينا. المعنى: يمدح هرما بأنه رجل كريم ذو مروءة، وشجاع لا تنزل بأحد نازلة، أو تحل به كارثة من كوارث الزمان تتطلب النجدة والعون، إلا أخذ بيده، وكان له معينا وناصرا ومساعدا. الإعراب: نعم: فعل ماض، دال على إنشاء المدح، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: هو. امرأ: تمييز منصوب، من فاعل "نعم"، وجملة "نعم وفاعله": في محل رفع خبر مقدم. هرم: مبتدأ مؤخر مرفوع. لم: حرف نفي وجزم وقلب. تعر: فعل مضارع مجزوم بـ"لم"، وعلامة جزمه حذف الواو. نائبة: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. إلا: أداة استثناء. وكان: الواو: حالية، كان: فعل ماضٍ ناقص، =

[حكم الجمع بين الفاعل الظاهر والتمييز] : وأجاز المبرد وابن السراج والفارسي1: أن يجمع بين التمييز والفاعل الظاهر، كقوله2: [البسيط] . 385- نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت3

_ = واسمه ضمير مستتر تقديره: هو. "لمرتاع": متعلق بـ"وزر" الآتي: "بها": متعلق بـ"مرتاع". وزر: خبر كان الناقصة، وجملة "كان واسمها وخبرها": في محل نصب على الحال؛ وهذه الحال مستثناة من عموم الأحوال، والتقدير: لم تعر نائبة في حال من الأحوال إلا من الحال التي يكون فيها هرم وزرا لمن يرتاع به. موطن الشاهد: "نعم امرأ هرم". وجه الاستشهاد: مجيء فاعل "نعم" ضميرا مستترا، وقد فسر لإبهامه بالتمييز بعده "امرأ"، وفي البيت شاهد آخر في قوله: "إلا وكان" حيث جيء بواو الحال قبل الفعل الماضي الواقع بعد إلا، وحكم هذا الإتيان نادر، والفصيح تجرده من الواو كما في قوله تعالى: {إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} . ونظير الشاهد المذكور قول الشاعر: نعم امرأين حاكم وكعب ... كلاهما غيث وسيف عضب انظر الأشموني: 2/ 376. انظر ضياء السالك 3/ 84. 1 مرت ترجمة وافية لكل منهم. 2 لم يُنسب البيت إلى قائل معين. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: رد التحية نطقا أو بإيماء والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 95، والعيني: 4/ 32، والهمع: 2/ 86، والدرر: 2/ 112، والمغني: 841/ 604، والسيوطي: 292. المفردات الغريبة: الفتاة: المرأة الشابة الحديثة السن، وهي مؤنث الفتى. بذلت: أعطت. بإيماء؛ الإيماء: الإشارة، مصدر أومأ إلى الشيء، إذا أشار إليه. المعنى: أن هندا تستحق الثناء، والتقدير، لو تفضلت برد التحية بالنطق، أو بالإشارة وبعد ذلك منها بذلا ومنحة. الإعراب: نعم: فعل ماض، دال على إنشاء المدح، مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب. الفتاة: فاعل نعم مرفوع. فتاة: تمييز مؤكد للفاعل منصوب، وعلامة نصبه =

ومنعه سيبويه والسيرافي1 مطلقا2، وقيل: إن أفاد معنى زائدا جاز، وإلا فلا؛ كقوله: فنعم المرء من رجل تهامي3

_ = الفتحة الظاهرة على رأي المبرد والفارسي وابن السراج وجماعة من المتأخرين، وحال مؤكدة لصاحبها على رأي أنصار سيبويه؛ وجملة "نعم وفاعلها": في محل رفع خبر مقدم. هند: مخصوص بالمدح، مبتدأ مؤخر مرفوع. لو: شرطية أو حرف تمن، لا محل له من الإعراب. بذلت: فعل ماضٍ، مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هي. رد: مفعول به منصوب، وهو مضاف. التحية: مضاف إليه؛ إن عددنا "لو" حرف تمن، فلا جواب لها، وإن عددناها حرف شرط غير جازم فجملة "بذلت": فعل الشرط لا محل لها، ويكون جوابها محذوفا، والتقدير: لو بذلت رد التحية لنعمنا بردها. نطقا: منصوب على نزع الخافض؛ لأن الأصل: بنطق. أو بإيماء: معطوف على نطقا بأو. موطن الشاهد: "نعم الفتاة فتاة". وجه الاستشهاد: الجمع بين فاعل نعم الظاهر "الفتاة"، وبين تمييزها "فتاة"، وليس في التمييز معنى زائد على ما يدل عليه الفاعل غير أن الغرض منه مجرد التوكيد لا رفع إبهام شيء، ومثله قول الشاعر: تزود مثل زاد أبيك فينا ... فنعم الزاد زاد أبيك زادا وهذا الرأي مؤيد بما ورد كثيرا نظما ونثرا في الفصيح من كلام العرب، وهو الصحيح، وقد ورد في النثر قول الحارث بن عباد حين بلغه أن ابنه بجيرا قتل في حرب البسوس: "نعم القتيل قتيلا أصلح بين بكر وتغلب". وهو من النثر الذي لا ضرورة فيه. 1 مرت ترجمة لكل منهما. 2 أي سواء أفاد التمييز معنى زائدا عما يفيده الفاعل أم لا؛ لأن التمييز لرفع الإبهام، ولا إبهام مع ظهور الفاعل. وقد أولا ما ورد من ذلك بجعل المنصوب حالا مؤكدا. التصريح: 2/ 96. 3 البيت لأبي بكر الأسود بن شعوب الليثي، وقيل: لبجير بن عبد الله بن سلمة بن قشير. وما ذكره المؤلف عجز بيت وصدره قوله: تخيره فلم يعدل سواه وقد مر تخريج هذا الشاهد والتعليق عليه برقم: 285. موطن الشاهد: "فنعم المرء من رجل". =

[ما المتصلة بنعم وبئس وإعرابها] : واختلف في كلمة "ما" بعد نعم وبئس؛ فقيل: فاعل1؛ فهي معرفة ناقصة،

_ = وجه الاستشهاد: الجمع بين فاعل "نعم" الظاهر وهو "المرء"، وبين التمييز "من رجل"؛ وقد أفاد التمييز معنى زائدا عما أفاده الفاعل بسبب نعته بكونه تهاميا؛ أي: منسوبا إلى تهامة؛ وتهامة: اسم لما انخفض عن نجد من بلاد الحجاز. 1 وعلى ذلك فهي مستثناة من شرط الفاعل المتقدم. ومثل "ما"، "من"، وتكون موصولة، أو نكرة تامة أو موصوفة، ولا تكون معرفة. و"ما" الواقعة بعد "نعم" أو "بئس" على ثلاثة أضرب؛ وذلك لأنها إما أن لا يقع بعدها شيء أصلا، وإما أن يقع بعدها اسم مفرد: أي: ليس جملة ولا شبه جملة، وإما أن يقع بعدها جملة فعلية. أ- فإن كانت لم يقع بعدها شيء؛ نحو: صادقت زيدا فنعما، أو تقول: اختبرت زاهرا فبئسما، فللنحاة فيها قولان: أحدهما: أن "ما" معرفة تامة فهي فاعل، والتقدير: صادقت زيدا فنعم الصديق، واختبرت زاهرا فبئس المختبر. وثانيهما: أن "ما" نكرة تامة فهي تمييز، والتقدير: صادقت زيدا فنعم صديقا، واختبرت زاهرا فبئس مختبرا. ب- وإن وقع بعدها اسم مفرد؛ نحو: قولك: "صادقت عليا فنعما هو"؛ ونحو قولك: بئسما عمل بغير نية، فللنحاة ثلاثة أقوال في هذه الحالة: الأول: أنها معرف تامة فهي فاعل. الثاني: أنها نكرة تامة فهي تمييز، والاسم الذي بعدها -على هذين القولين- هو المخصوص بالمدح أوبالذم. الثالث: أن "ما" قد ركبت مع نعم أو بئس، فصار الجميع كله واحدة، وهي فعل ماضٍ لإنشاء المدح أو الذم، والاسم الذي يليها فاعل، وهذا القول ينسب للفراء. ج- وإن وقع بعد "ما" جملة فعلية؛ نحو قوله تعالى: {نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} ، وقوله جل شأنه: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} ، فللنحاة فيها أربعة أقوال: الأول: أنها موصولة معرفة في محل رفع فاعل، والجملة بعدها صلة لا محل لها. الثاني: أنها نكرة في موضع نصب على التمييز، والجملة بعدها في محل نصب صفة لها، وهذا رأي الأخفش والزجاج والفارسي؛ أو الجملة بعدها صفة لمخصوص بالمدح أو بالذم محذوف. الثالث: أن "ما" هي المخصوص بالمدح أو بالذم، وهي اسم موصول، والفاعل ضمير مستتر فيه، وهذا قول الكسائي، ونقل عن الفراء أيضا. =

أي: موصولة، في نحو: {نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} 1؛ أي: نعم الذي يعظكم به، ومعرفة تامة في نحو: {فَنِعِمَّا هِيَ} 2؛ أي: فنعم الشيء هي، وقيل: تمييز؛ فهي نكرة موصوفة في الأول وتامة في الثاني3. [حكم المخصوص بالمدح والذم بعدهما] : فصل: ويذكر المخصوص بالمدح، أو الذم بعد فاعل نعم وبئس4؛ فيقال:

_ = الرابع: أن "ما" كافة لنعم أو بئس عن العمل. انظر التصريح: 2/ 96-97، همع الهوامع: 2/ 86. 1 4 سورة النساء، الآية: 58. موطن الشاهد: {نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} . وجه الاستشهاد: مجيء "ما" في محل رفع فاعل؛ وجملة {يَعِظُكُمْ بِهِ} : صلة للموصول، والمخصوص بالمدح محذوف؛ والتقدير: نعم الذي يعظكم به؛ وهذا منقول عن الفارسي؛ وقيل: هي نكرة. موصوفة بالجملة الفعلية، في محل نصب تمييز. التصريح: 2/ 96. 2 2 سورة البقرة، الآية: 271. موطن الشاهد: {فَنِعِمَّا هِيَ} . وجه الاستشهاد: وقوع "ما" معرفة تامة؛ لأنه تلاه المفرد "هي"؛ وهو المخصوص؛ وهو منقول على سيبويه؛ والأصل: فنعم الشيء إبداؤها؛ لأن الكلام في الإبداء لها في الصدقات؛ وقيل: هي نكرة تامة -لعدم وجود الجملة- واقعة في محل نصب تمييز. التصريح؛ 2/ 96. 3 يذكر هنا أنه إذا كان فاعل "نعم وبئس" ضميرا مستترا، فلا يجوز أن يكون له تابع؛ من نعت أو عطف أو توكيد أو بدل، وإذا كان فاعلهما مفردا ظاهرا امتنع توكيده توكيدا معنويا؛ فإن كان مثنى أو جمعا جاز، نقول: نعم الصديقان كلاهما محمد وعلي، ونعم الأصدقاء كلهم محمد وعلي وعمر. والمؤنث كالمذكر. أما التوكيد اللفظي فجائز، وكذلك العطف والبدل، أما النعت فيجوز إذا أريد به الإيضاح لا التخصيص؛ لأن التخصيص منافٍ للتعميم المفهوم من أل الجنسية. 4 يشترط في المخصوص: أن يكون معرفة، أو نكرة مختصة بوصف أو إضافة أو غيرهما من وسائل التخصيص. وأن يكون أخص من الفاعل لا مساويا له ولا أعم؛ وذلك ليحصل التفصيل بعد الإجمال، فيكون أوقع في النفس. وأن يكون مطابقا له =

"نعم الرجل أبو بكر"، و"بئس الرجل أبو لهب"، وهو: مبتدأ، والجملة قبله: خبره1؛ ويجوز أن يكون خبرا لمبتدأ واجب الحذف؛ أي: الممدوح أبو بكر، والمذموم أبو لهب2. وقد يتقدم المخصوص؛ فيتعين كونه مبتدأ، نحو: "زيد نعم الرجل". وقد يتقدم ما يشعر به فيحذف؛ نحو: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ} 3 أي: هون وليس منه "العلم نعم المقتنى"4؛ وإنما ذلك من التقدم5. [بناء "فعل" الثلاثي وإجراؤه مجرى "نعم" و"بئس"] : فصل: وكل فعل ثلاثي صالح للتعجب منه؛ فإنه يجوز استعماله على فَعُل بضم

_ = في المعنى: تذكيرا وتأنيثا، وإفرادا وتثنية وجمعا. وأن يكون متأخرا عنه ليكون أدعى للتشويق. وكذلك يجب تأخيره عن التمييز إذا كان الفاعل ضميرا مستترا له تمييز، نحو: نعم رجلا المجاهد؛ فإن كان الفاعل اسما ظاهرا جاز تقديم المخصوص على التمييز وتأخيره، تقول: نعم المجد تلميذا محمد، ونعم المجد محمد تلميذا. وإذا كان المخصوص مؤنثا، جاز تذكير الفعل وتأنيثه، وإن كان الفاعل مذكرا. 1 والرابط عموم الفاعل، أو إعادة المبتدأ بمعناه، وهذا مذهب سيبويه ومن تبعه، وهو الراجح. التصريح: 2/ 97. الأشموني مع الصبان: 3/ 37. 2 وهذا مذهب الجمهور. 3 38 سورة ص، الآية: 44. موطن الشاهد: {نِعْمَ الْعَبْدُ} . وجه الاستشهاد: حذف المخصوص بالمدح، وهو ضمير "أيوب"؛ لدلالة ما قبله عليه، وهو يصلح أن يكون مخصوصا؛ والتقدير: نعم العبد هو. 4 هذا من أمثلة ابن مالك في الألفية. 5 هذا إذا أعرب "العلم" مبتدأ، أما إذا أعرب "العلم" خبرا لمبتدأ محذوف، أي: الممدوح العلم، أو عكسه، أو أعرب مفعولا لمحذوف أي: الزم العلم، وجملة "نعم المقتنى": مستأنفة فيكون من تقديم المشعر لا المخصوص؛ لعدم صلاحيته للتأخير؛ لأنه من جملة أخرى، وعلى هذا يحمل كلام الناظم. التصريح: 2/ 97. الأشموني مع الصبان: 3/ 37.

العين؛ إما بالأصالة: كـ"ظرف وشرف" أو بالتحويل1: كـ"ضرب" و"فهم"، ثم يجري، حينئذ، مجرى نعم وبئس: في إفادة المدح والذم، وفي حكم الفاعل، وحكم المخصوص؛ تقول في المدح: "فهم الرجل زيد"، وفي الذم: "خبث الرجل عمرو". [حكم ساء] : ومن أمثلته "ساء"2 فإنه في الأصل سوأ بالفتح؛ فحول إلى فعل، بالضم، فصار قاصرا، ثم ضمن معنى "بئس" فصار جامدا، قاصرا، محكوما له ولفاعله بما ذكرنا؛ تقول: "ساء الرجل أبو جهل"، و"ساء حطب النار أبو لهب" وفي التنزيل: {وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} 3، و {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} 4.

_ 1 أي: إذا كان في الأصل مفتوح العين أو مكسروها كمثالي المصنف. ثم إن كان الفعل معتل العين بقي قلبها ألفا مع تقدير تحويله إلى "فعل"؛ نحو: طال الرجل محمد، وباع رجلا علي، أي: ما أطوله وأبيعه، وإن كان معتل اللام ظهرت الواو وقلبت الياء واوا: تقول: غزو، ورمو، وقيل: يقر على حاله، والحكمة في التحويل لحاقه بأفعال الغرائز ليصير قاصرا. التصريح: 2/ 98. الهمع: 2/ 87-88. 2 خصها المصنف والناظم بالذكر؛ لأنها للذم العام فهي أشبه ببئس، ولكثرة استعمالها وللخلاف فيها، أهي مثل بئس في المعنى والحكم؟ أم هي مثلها في المعنى، أما في الأحكام فكالأفعال المحولة؟. 3 18 سورة الكهف، الآية: 29. موطن الشاهد: {سَاءَتْ مُرْتَفَقًا} . وجه الاستشهاد: وقوع فاعل "ساء" ضميرا مستترا، يعود على النار. ومرتفقا: تمييز على حذف مضاف؛ أي: نار مرتفق؛ لأن التمييز، ينبغي أن يكون عير المميز في المعنى. والمرتفق: المتكأ. انظر التصريح: 2/ 98. 4 29 سورة العنكبوت، الآية: 4. موطن الشاهد: {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} . وجه الاستشهاد: جواز كون "ما" فاعلا لـ"ساء"، أو تمييزا؛ فعلى الأول: هي اسم موصول "والجملة": صلة لها؛ والتقدير: ساء الذي يحكمونه؛ وعلى الثاني: هي =

ولك في فاعل فعل المذكور أن تأتي به اسما ظاهرا مجردا من "أل"، وأن تجره بالباء، وأن تأتي به ضميرا مطابقا؛ نحو: "فهم زيد"1، وسمع "مررت بأبيات جاد بهن أبياتا" و"جدن أبياتا"2؛ وقال3: [المديد] 386- حب بالزور الذي لا يرى4

_ = نكرة موصوفة؛ والتقدير: ساء شيئا يحكمونه؛ وعلى الوجهين، فالمخصوص بالذم محذوف. انظر شرح التصريح: 2/ 98. 1 بهذا خالف الفعل المحول إلى فعُل -بضم العين- نعم وبئس، فقد علمت أن فاعل نعم وبئس لا يكون إلا مقترنا بأل، أو مضافا لما قارنها أو إلى مضاف إلى ما قارنها، ومن المحول إلى فعل بالضم "حب" إذا لم يكن معها "ذا" وهذا الذي ذكره المؤلف من حكم هذه الأفعال هو في أصله رأي الأخفش والمبرد، وهو المشهور عن العلماء، ولكن الدماميني قد بحث أنه يلتزم في فاعل ساء ما التزم في فاعل بئس، وجزم الشاطبي بأن فاعل "حب" إذا لم يكن معه "ذا" يلتزم فيه ما لزم في فاعل نعم. حاشية يس على التصريح: 2/ 98، الأشموني: 2/ 380. والأشموني مع الصبان: 3/ 40. 2 حكى ذلك الكسائي، بزيادة الباء في الفاعل أولا، وتجرده منها ثانيا، وهو سبب تمثيل المصنف به. وجاد بهن؛ من جاء الشيء إذا صار جيدا، وأصله: جود، فحول إلى "فعُل"؛ لقصد المبالغة والتعجب، وزيدت الباء في الفاعل، وعوض من ضمير الرفع ضمير الجر، فقيل: بهن، و"أبياتا" تمييز، و"جدن" فعل وفاعل، و"أبياتا" تمييز أيضا. وقد جمع فيهما بين الفاعل والتمييز. 3 القائل: هو الطرماح بن حكيم، وقد مرت ترجمته. 4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: منه إلا صفحة أو لمام وهو من شواهد: التصريح: 2/ 99، والأشموني: 55/ 2/ 380، والعيني: 4/ 15، والمقرب: 11، والهمع: 2/ 89، والدرر: 2/ 119، وديون الطرماح: 79. المفردات الغريبة: الزور: الزائر، وهو مصدر يراد به اسم الفاعل، ويطلق على الواحد والجمع مذكرا ومؤنثا. صفحة: المراد صفحة الوجه، وهي جانبه. لمام: جمع لمة، وهي الشعر الذي يجاوز شحمة الأذن، فإذا بلغ المنكب سمي: جمة. المعنى: ما أحب الضيف الذي لا يثقل على مضيفه بالمكث عنده ومضايقته، حتى لا =

أصله "حبب الزور"، فزاد الباء، وضم الحاء؛ لأن فعل المذكور، يجوز فيه أن تسكن عينه، وأن تنقل حركتها إلى فائه؛ فتقول: "ضرب الرجل" و"ضرب". ["حبذا" و"لا حبذا" وإعرابهما] : فصل: ويقال في المدح: "حبذا" وفي الذم: "لا حبذا" قال1: [المتقارب] 387- ألا حبذا عاذري في الهوى ... ولا حبذا الجاهل العاذل2

_ = يكاد يتحقق من ملامحه لسرعة انصرافه وتركه المضيف. الإعراب: حب: فعل ماضٍ، دال على إنشاء المدح. بالزور: الباء: حرف جر زائد، الزور: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه فاعل "حب". الذي: اسم موصول في محل رفع صفة لـ"الزور". لا: نافية لا عمل لها. يرى: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر. "منه": متعلق بـ"يرى". إلا: أداة حصر، لا عمل لها. صفحة: نائب فاعل مرفوع. أو: حرف عطف. لمام: اسم معطوف على صفحة مرفوع، وسكن لضرورة الروي؛ وجملة "لا يرى": صلة للموصول، لا محل لها من الإعراب. موطن الشاهد: "حب بالزور". وجه الاستشهاد: مجيء فاعل حب التي تفيد معنى نعم مقترنا بالباء الزائدة؛ لأن المعنى قريب من معنى صيغة التعجب، وقد علمنا سابقا أن الباء تزاد باطراد في فاعل فعل التعجب فحمل ما في البيت على تلك الزيادة، غير أن الباء ليست واجبة الزيادة مع الفاعل في "حب"، فيجوز أن نقول: حب زيد، وحب بزيد: حيث استعمله مجنون ليلى من دون أن يقرن فاعله بالباء، وأتى بالتمييز بعده حيث قال: نسائلكم هل سال نعمان بعدنا ... وحب إلينا بطن نعمان واديا 1 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 2/ 00، والعيني: 4/ 16، والهمع: 2/ 89، والدرر: 2/ 117. المفردات الغريبة: العاذر: الذي يقبل العذر، ولا يلوم، من عذره يعذره؛ والاسم: المعذرة. العاذل: اللائم، من عذله يعذله، والاسم: العذل. المعنى: نعم من يعذرني في الهوى، ويكف عن لومي وعذلي، وبئس الجاهل الغبي الذي يلومني، ولا يلتمس لي عذرا. الإعراب: ألا: حرف استفتاح وتنبيه، لا محل له من الإعراب. حبذا: حب: فعل =

ومذهب سيبويه أن "حب" فعل، و"ذا" فاعل، وأنهما باقيان على أصلهما1، وقيل: ركبا وغلبت الفعلية؛ لتقدم الفعل، فصار الجميع فعلا وما بعده فاعل2، وقيل: ركبا وغلبت الاسمية لشرف الاسم، فصار الجميع اسما مبتدأ وما بعده خبرا3.

_ = ماضٍ لإنشاء المدح مبني على الفتح، و"ذا" اسم إشارة في محل رفع فاعل، وجملة "حبذا": في محل رفع خبر مقدم. عاذري: مبتدأ مؤخر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، وياء المتكلم: في محل جر بالإضافة. "في الهوى": متعلق بـ"عاذر". ولا: الواو: عاطفة، لا: نافية، لا محل لها من الإعراب. حبذا: حب: فعل ماضٍ مبني على الفتح، و"ذا": اسم الإشارة فاعله، والجملة في محل رفع خبر مقدم. الجاهل: مبتدأ مؤخر مرفوع. العاذل: صفة للجاهل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. موطن الشاهد: "حبذا عاذري"، و"لا حبذا صحبة الجاهل". وجه الاستشهاد: استعمال حبذا للمدح في الشطر الأول من البيت، و"لا حبذا" للذم في الشطر الثاني. ومثل هذا البيت قول الشاعر: ألا حبذا أهل الملا غير أنه ... إذا ذكرت مي فلا حبذا هيا انظر شرح التصريح: 2/ 99. 1 أي: أنهما جملة فعلية ماضوية؛ لإنشاء المدح، و"ذا" كفاعل "نعم" لا يجوز إتباعه. وإذا وقع بعده اسم؛ نحو: حبذا الرجل، فهو المخصوص لا تابع لاسم الإشارة. 2 هذا رأي ضعيف؛ لأنه لم يعهد تركيب فعل من فعل واسم على أنه قد يحذف المخصوص، والفاعل لا يحذف. 3 وأجاز بعضهم كون "حبذا" خبرا مقدما، والاسم بعده مبتدأ مؤخر، وينسب هذا إلى المبرد وابن السراج، وضعف بأن "حبذا" لو كان اسما لوجب تكرار "لا" عند إهمالها في نحو: لا حبذا زيد ولا عمرو، وأيضا: عمل "لا" في معرفة، إن أعملت عمل "إن" أو ليس، وبقي وجه آخر، وهو: أن يكون "حب" فعلا، و"ذا" ملغاة، والاسم بعده فاعل. مغني اللبيب: 725، والتصريح: 2/ 99. حاشية الصبان: 3/ 40، ابن عقيل "طبعة دار الفكر": 3/ 138. فائدة: أجاز بعض النحاة أن يكون "حبذا" خبرا مقدما، والاسم بعده مبتدأ مؤخرا، وهناك وجه آخر، وهو أن يكون "حب" فعلا و"ذا" ملغاة، والاسم بعده فاعلا؛ وهذا الوجه في العمل كالوجه الأول من وجوه التركيب المذكورة في المتن، ولكنه غيره في =

ولا يتغير "ذا" عن الإفراد والتذكير؛ بل يقال: "حبذا الزيدان والهندان"، أو "الزيدون والهندات"؛ لأن ذلك كلام جرى مجرى المثل؛ كما في قولهم: "الصيف ضيعت اللبن"، يقال لكل أحد بكسر التاء وإفرادها1، وقال ابن كيسان: لأن المشار إليه مضاف محذوف، أي: حبذا حسن هند2. [لا يتقدم المخصوص على حبذا] : ولا يتقدم المخصوص على "حبذا" لما ذكرنا من أنه كلام جرى مجرى المثل، وقال ابن بابشاذ3: لئلا يتوهم أن في "حب" ضميرا4، وأن "ذا" مفعول5.

_ = التقدير: وخلاصة القول في "حبذا زيد": أن لها خمسة أوجه من الإعراب: الأول: أن يكون "حب" فعلا ماضيا، و"ذا" فاعله، والجملة خبر مقدم وزيد مبتدأ مؤخر. الثاني: أن يكون "حبذا" برمته فعلا، و"زيد" فاعل. الثالث: أن يكون "حبذا" برمته مبتدأ، وزيد خبره. الرابع: أن يكون "حبذا" فعلا وفاعلا، وزيد مبتدأ خبره محذوف. الخامس: أن يكون "حبذا" فعلا وفاعلا، وزيد خبر لمبتدأ محذوف. انظر التصريح: 2/ 99، مغني اللبيب: 725. 1 ذلك؛ لأنه في الأصل خطاب لامرأة طلقت زوجا غنيا؛ لكبره، وأخذت شابا فقيرا، وكان ذلك في زمن الصيف، فلما جاء الشتاء أرسلت للأول تطلب منه لبنا، فقال لها ذلك، وصار مثلا يضرب لمن يطلب الشيء بعد تفريطه فيه، و"الصيف" منصوب على الظرفية لضيعت. وهو من أمثال الميداني "تحق عبد الحميد": 2/ 68 رقم: 2725. 2 رد ابن العلج على ابن كيسان؛ بأنه لو كان كما ذكره لظهر هذا المبتدأ المقدر في بعض التراكيب العربية، ولم يثبت إطلاقا، فهو قول لا دليل عليه. التصريح: 2/ 100، حاشية الصبان: 3/ 41. 3 مرت ترجمته. 4 أي مرفوعا على الفاعلية عائدا على المخصوص. وهذا التوهم بعيد؛ لأن معنى هذا التركيب قد اشتهر في غير ذلك المعنى المتوهم؛ على أن هذا التوهم الذي يفر منه، لا يمتنع وروده على الذهب بسبب التأخير؛ لأنه يفهم أن "ذا" مفعول مقدم "وزيد" فاعل مؤخر. التصريح: 2/ 100. 5 بقي أن نقول: إن مخصوص "حبذا" يخالف مخصوص "نعم" في أمور: =

تنبيه: إذا قلت "حب الرجل زيد" فحب هذه من باب فعل المتقدم ذكره، ويجوز في حائه الفتح والضم، كما تقدم؛ فإن قلت "حبذا" ففتح الجاء واجب إن جعلتهما كالكلمة الواحدة.

_ = الأول: مخصوص "نعم" يجوز تقدمه عليها؛ نحو: زيد نعم الرجل، بخلاف مخصوص "حبذا"، وقد ذكر ذلك المصنف. الثاني: يجوز إعمال النواسخ في مخصوص "نعم"؛ نحو؛ نعم رجلا كان زيد، بخلاف مخصوص "حبذا"، فإن النواسخ لا تعمل فيه. الثالث: أن تقديم التمييز على المخصوص بعد "حبذا" وتأخير التمييز عن المخصوص سواء في القياس كثير في الاستعمال، وإن كان تقديم التمييز أولى وأكثر، بخلاف المخصوص، بنعم؛ فإن تأخير التمييز عنه -عند البصريين- شاذ في غاية الندرة. الرابع: أنه مع اشتراكهما في جواز إعرابهما مبتدأ خبره الجملة قبله، أو خبرا مبتدؤه محذوف وجوبا، إلا أن الوجه الثاني في "حبذا" أسهل منه في "نعم"، من جهة أن النواسخ تدخل عليه مع نعم، وهي لا تدخل إلا على المبتدأ، فيترجح فيه الوجه. الأشموني: 2/ 383-383، والأشموني مع حاشية الصبان: 3/ 42-43.

باب أفعل التفضيل

[باب أفعل التفضيل] 1 [ما يصاغ منه أفعل التفضيل] : إنما يصاغ أفعل التفضيل مما يصاغ منه فعلا التعجب؛ فيقال: "هو أضرب" و"أعلم" و"أفضل"، كما يقال: "ما أضربه" و"أعلمه" و"أفضله" وشذ بناؤه من وصف لا فعل له؛ كـ"هو أقمن به" أي: أحق، و"ألص من شظاظ"2، ومما زاد على ثلاثة كـ"هذا الكلام أخصر من غيره"3، وفي أفعل المذاهب الثلاثة4، وسمع "هو أعطاهم للدراهم، وأولاهم للمعروف"5، و"هذا المكان أقفر من

_ 1 هو اسم مشتق مصوغ؛ للدلالة على شيئين اشتركا في صفة، وزاد أحدهما على الآخر فيها. وقياسه "أفعل" للمذكر ممنوع من الصرف للوصفية ووزن الفعل، و"فعلى" للمؤنث. أما خير وشر وحب، فقد حذفت همزتها؛ لكثرة الاستعمال، وجاء على الأصل قول رؤبة: بلال خير الناس وابن الأخير، وقراءة بعضهم: {مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ} ، وفي الحديث: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل". الأشموني: 2/ 383، حاشية الصبان: 3/ 43. 2 بنوه من لص. وقد حكى ابن القطاع لصص -بالفتح- إذا استتر، وحكي أيضا: لصصه إذا أخذه خفية. وعلى ذلك لا شذوذ فيه. وشظاظ -بكسر الشين- اسم لص من بني ضبة معروف بالذكاء في اللصوصية، ويضرب به المثل، يقال: "أسرق من شظاظ"، و"ألص من شظاظ"، ويقال أيضا: "ألص من سرحان" وهو الذئب، و"ألص من فأرة". انظر مجمع الأمثال للميداني "تحقيق: محيي الدين عبد الحميد": 2/ 257، برقم: 3745. 3 بنوه من: "اختصر". وفيه شذوذ آخر، وهو بناؤه من المبني للمجهول. 4 أي: في بناء "أفعل" التفضيل من الرباعي الذي على وزن "أفعل" الخلاف السابق في التعجب؛ فقيل: يجوز مطلقا، وقيل: يمتنع مطلقا، وقيل: يجوز إن كانت الهمزة لغير النقل وإلا فلا. 5 هذان شاذان عند من يمنع ذلك مطلقا، وعند من يمنع إذا كانت الهمزة للنقل؛ لأن همزتها كذلك.

غيره"1، ومن فعل المفعول كـ"هو أزهى من ديك"2 و"أشغل من ذات النحيين"3 و"أعنى بحاجتك". [ما يتوصل به إلى ما عدم الشروط] : وما توصل به إلى التعجب مما لا يتعجب منه بلفظه يتوصل به إلى التفضيل، ويجاء بعده بمصدر ذلك الفعل تمييزا؛ فيقال: "هو أشد استخراجا" و"حمرة". [حالات اسم التفصيل] : فصل: ولاسم التفضيل ثلاثة حالات4. إحداها: أن يكون مجردا من أل والإضافة، فيجب له حكمان:

_ 1 هذا شاذ على القول بالمنع مطلقا؛ لأن همزته ليست للنقل. 2 بنوه من قولهم: زهي، بمعنى تكبر، وحكى ابن دريد: زها يزهو، أي: تكبر، وعليه فلا شذوذ؛ لأنه من المبني للفاعل، وهو من أمثال الميداني. أمثال الميداني: 1/ 327، برقم: 1761. 3 بنوه من "شغل"؛ لأن المراد أنها أكثر مشغولة. والنحيين: تثنية نحي وهو زق السمن؛ أمثال الميداني: 1/ 376، برقمك 2029. الأشموني وحاشية الصبان: 3/ 43-44. 4 هذا باعتبار لفظه، وله باعتبار معناه ثلاثة استعمالات. أ- ما تقدم في تعريفه. ب- أن يراد به؛ أن شيئا زاد في صفة نفسه على آخر في صفته، كقولهم: الصيف أحر من الشتاء؛ أي: الصيف أبلغ في حره من الشتاء في برده، ومثل: العسل أحلى من الخل ونحو ذلك: وليس في هذه الحالة وصف مشترك وإنما الاشتراك في الزيادة. ج- أن يتجرد عن معنى التفضيل، ويراد به ثبوت الوصف لمحله فيؤول باسم فاعل، أو صفة مشبهة. فإن أضيف لمعرفة تعينت المطابقة كما سيأتي: نحو الناقص والأشج أعدلا بني مروان، أي: عادلاهم، ونصيب أشعر الحبشة، أي: شاعرهم. وإن لم يضف، ولم يقترن بأل ولا بمن، فالأكثر فيه عدم المطابقة؛ نحو: قوله تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} ، أي: هين، {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} ، أي: عالم، وقد يطابق وعليه يخرج قول أبي نواس الآتي: كأن صغرى ... البيت. حاشية يس على التصريح: 2/ 102.

أحدهما: أن يكون مفردا مذكرا دائما؛ نحو: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ} 1؛ ونحو: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ} الآية2، ومن ثم قيل في "أُخَر" إنه معدول عن آخر3، وفي قول ابن هانئ4: [البسيط] 388- كأن صغرى وكبرى من فقاقعها5

_ 1 12 سورة يوسف، الآية: 8. موطن الشاهد: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ} . وجه الاستشهاد: وقوع "أحب" اسم تفضيل مجردا من "أل" والإضافة؛ فجاء مفردا مذكرا؛ وحكم مجيئه على هذه الحالة -بالتذكير- الوجوب؛ وقد أفرد -هنا- مع المثنى. 2 9 سورة التوبة، الآية: 24. موطن الشاهد: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ} . وجه الاستشهاد: إفراد اسم التفضيل مع الجماعة. 3 أي: وليس من باب التفضيل؛ لأنه ليست فيه مشاركة وزيادة؛ لأن معناه الأصلي: أشد تأخرا، و"أخر": جمع أخرى، أنثى آخر على وزن "أفعل". 4 هو: أبو نواس؛ الحسن بن هانئ، شاعر العراق في عصره، وأحد الشعراء المكثرين، كان له علم باللغة حتى شهد له بذلك الشافعي رضي الله عنه اشتهر بمجونه وخمرياته، بالإضافة لنظمه في كل أنواع الشعر، له ديوان مطبوع ومشهور. اختلف في ولادته وموته، والمشهور أنه ولد سنة 146هـ، وتوفي سنة: 198هـ. خزانة الأدب: 1/ 168، وفيات الأعيان: 1/ 135، الأعلام: 2/ 225، الشعر والشعراء: 2/ 796 5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت في وصف الخمر، وعجزه قوله: حصباء در على أرض من الذهب وهو من شواهد: التصريح: 2/ 102، والأشموني: 767/ 2/ 386، والعيني: 4/ 50، والمغني: 706/ 498، وشرح المفصل: 6/ 100، 102، وديوان أبي نواس: 243. المفردات الغريبة: فقاقعها: جمع فقاعة، وهي النفاخات التي على وجه الماء أو الخمر، شبه حبات صغيرة من الحصباء وهي: دقاق الحصى. در: لآلئ، جمع درة، وهي اللؤلؤة. المعنى: كأن النفاخات الصغيرة البيضاء التي تعلو الخمر، وهي في الكأس في لونها الذهبي حبات من اللؤلؤ على أرض من ذهب. =

إنه لحن. والثاني: أن يؤتى بعده بمن1 جارة للمفضول2؛ وقد تحذفان3 نحو:

_ = الإعراب: كأن: حرف مشبه بالفعل. صغرى: اسم كأن منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف؛ للتعذر. وكبرى: الواو: عاطفة، كبرى: اسم معطوف على صغرى، منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف؛ للتعذر. من: حرف جر. فقاقعها: اسم مجرور، و"ها": مضاف إليه، و"من فقاقع": متعلق بمحذوف صفة لـ"صغرى" و"كبرى". حصباء: خبر كأن مرفوع، وهو مضاف. در: مضاف غليه مجرور. "على أرض": متعلق بمحذوف صفة لـ"حصباء در". "من الذهب": متعلق بمحذوف صفة لـ"أرض". موطن التمثيل به: "صغرى وكبرى". وجه الاستشهاد: مجيء أفعل التفضيل "صغرى" و"كبرى" مؤنثا مع أنه مجرد من أل والإضافة، وكان حقه أن يأتي مفردا مذكرا فيقال: أصغر وأكبر؛ ولهذا قال بعضهم: إنه لحن. غير أن آخرين قالوا: إنه لم يقصد التفضيل وإنما أراد معنى الوصف المجرد عن الزيادة، فـ"صغرى" و"كبرى" -هنا- صفة مشبهة لا أفعال تفضيل. 1 ولا يجر المفضول غيرها من الحروف، وهي واجبة في هذه الحالة، واختلف في معناها، فقال المبرد: هي للابتداء، وتكون لابتداء الارتفاع إذا كان السياق للمدح؛ نحو: النشيط أفضل من الخامل، ولابتداء الانحطاط إذا كان السياق للذم؛ نحو: المنافق أضر من العدو. وقال ابن مالك: هي للمجاوزة؛ أي: أن المفضل جاوز المفضول في الوصف الممدوح أو المذموم، وزاد عليه. التصريح: 2/ 102. والأشموني: 2/ 384. والأشموني مع الصبان: 3/ 45. 2 يجوز الفصل بين أفعل التفضيل و"من" الداخلة على المفضول بأحد شيئين: الأول: معمول أفعل التفضيل؛ نحو: على أحفظ للآداب من عمرو، والثاني: "لو" ومدخولها؛ نحو قول الشاعر: ولفوك أطيب لو بذلت لنا ... من ماء موهبة على خمر الأشموني: 2/ 385. 3 اختلف النحاة عند حذف "من" ومجرورها -وهو المفضل عليه في صيغة أفعل- أيلزم كونها دالة على التفضيل، أم يجوز خلوها من هذه الدلالة؟ ذهب الكسائي والفراء وهشام، وتبعهم المحقق الرضي إلى أن هذه الصيغة لا تخلو قط من الدلالة على التفضيل، وبيان ذلك في مختلف الأحوال أنك إن ذكرت الصيغة، وبعدها "من" جارة للمفضول؛ فدلالتها على التفضيل ظاهرة، وإن أضيفت الصيغة، =

{وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} 1، وقد جاء الإثبات والحذف في {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} 2، أي: منك. وأكثر ما تحذف "من" إذا كان أفعل خبرا3، ويقل إذا كان حالا، كقوله4: [الطويل]

_ = فإن المضاف إليه هو المفضل عليه، وإن اقترنت بأل، فإن أل عوض من المضاف إليه، وإن لم تضف ولم تقترن بأل، ولم يذكر معها "من" جارة للمفضول؛ كان الكلام على أحد تقديرين؛ الأول: تقدير "من" ومجرورها. الثاني: تقدير الصيغة مضافة، وقد حذف المضاف إليه وهو منوي الثبوت؛ كقول معن بن أوس: ولا بلغ المهدون نحوك مدحة ... ولا صدقوا إلا الذي فيك أفضل فالمراد: إلا الذي فيك أفضل مما قالوه فيك ووصفوك به. وكقول الفرزدق: إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعز وأطول فالمراد: دعائمه أعز الدعائم وأطولها، أو أعز من كل عزيز، وأطول من كل طويل، والأمثلة على ذلك كثيرة. انظر الأشموني: 2/ 388، أوضح المسالك: 3/ 289-290. 1 87 سورة الأعلى، الآية: 18. موطن الشاهد: {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} . وجه الاستشهاد: حذف الجار "من" والمجرور "المفضول" بعد اسم التفضيل؛ وحكم هذا الحذف الجواز؛ لوجود الدليل؛ والتقدير: والآخرة خير وأبقى من الحياة الدنيا. 2 18 سورة الكهف، الآية: 34. موطن الشاهد: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} . وجه الاستشهاد: مجيء من والمجرور بها -المفضول- بعد اسم التفضيل "أكثر"، وحذفها مع مجرورها -المفضول- بعد اسم التفضيل "أعز"؛ والتقدير: أعز منك؛ وجاز الحذف -هنا- لوجود الدليل. 3 سواء كان خبرا لمبتدأ، أو خبر ناسخ، أو أصله الخبر، كثاني مفعولي "ظن" وأخواتها. وثالث مفاعيل "أعلم وأرى" إلخ؛ نحو: محمد أكرم، كان محمد أفضل، ظننت محمدا أعلم، أعلمت عليا محمدا أقدر على تحمل المسئولية. 4 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

389- دنوت وقد خلناك كالبدر أجملا1 اي: دنوت أجمل من البدر، أو صفة كقوله2: [مشطور الرجز]

_ 1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: فظل فؤادي في هواك مضللا وهو من شواهد: التصريح: 2/ 103، والأشموني: 762/ 2/ 385، وابن عقيل: 279/ 3/ 77، والعيني: 4/ 50، والخزانة: 1/ 387. المفردات الغريبة: دنوت: قربت. خلناك: ظنناك وحسبناك. ظل: استمر. مضللا: حيران غير مهتد إلى الصواب؛ وهو من الضلال وهو عدم الرشد. المعنى: قربت منا أيتها المحبوبة، وأنت أكثر جمالا وبهاء من البدر، وقد كنا نظنك مثله في الجمال وحسن المنظر، فصار قلبي حائرا في هواك وحبك، لا يعرف سبيل الرشد ووجه الصواب. الإعراب: دنوت: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الكسر في محل رفع فاعل. وقد: الواو: حالية، قد: حرف تحقيق. خلناك: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، و"نا": ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، والكاف: ضمير متصل في محل نصب مفعول به أول. "كالبدر": متعلق بمحذوف مفعول ثانٍ لـ"خال"؛ وجملة "خال ومفعوليه": في محل نصب حال. أجملا: حال من تاء المخاطبة الواقعة فاعلا لـ"دنا"، والألف: للإطلاق، والتقدير: قربت منا حال كونك أجمل من البدر، وقد ظنناك كالبدر. فظل: الفاء: حرف عطف، ظل: فعل ماضٍ ناقص. فؤادي: اسم ظل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل الياء، والياء: في محل جر مضاف إليه. "في هواك": متعلق بـ"مضلل" الآتي، و"هوا": مضاف والكاف: في محل جر مضاف إليه. مضللا: خبر ظل منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. موطن الشاهد: "دنوت كالبدر أجملا". وجه الاستشهاد: حذف "من" التي تجر المفضول عليه مع مجرورها؛ لأن الأصل دنوت -وقد خلناك كالبدر- أجمل منه، وأفعل التفضيل -هنا- حال من الفاعل في دنوت، وجملة "وقد خلناك كالبدر": اعتراضية، وهذا على قلته قياسي. 2 القائل: هو أحيحة بن الجلاح الأوسي الصحابي، شاعر جاهلي من دهاة العرب وشجعانهم، قيل: إنه كان سيد يثرب وسيد الأوس، وكان كثير المال، له شعر بقي منه القليل مات نحو 130ق. هـ. =

390- تروحي أجدر أن تقيلي1 أي: تروحي وائتي مكانا أجدر من غيره بأن تقيلي فيه.

_ = تجريد الأغاني: 1612، الأغاني: 13/ 115، خزانة الأدب: 2/ 23، الأعلام: 1/ 277. 1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت من الرجز، أو بيت من مشطوره، وبعده قوله: غدا بجنبي بارد ظليل ... ومشرب يشربها رسيل وهو من شواهد: التصريح: 2/ 103، والأشموني: 763/ 2/ 385، والمحتسب: 1/ 212، وأمالي ابن الشجري: 1/ 343، والعيني: 4/ 36. المفردات الغريبة: تروحي: ارتفعي وطولي، من قولهم: تروح النبت إذا طال. أجدر: أحق وأحرى. تقيلي: من القيلولة؛ وهي الوقت الذي يشتد فيه الحر في منتصف النهار. هذا: وقد ظن بعضهم أن الشاعر يخاطب بهذا ناقته، وأنه يطلب منها الصبر على مشاق السير، وأن تقبل في وقت الظهيرة، لكن هذا لا يتناسب مع ما قبل البيت وبعده، فقبله قوله: تأبري يا خيرة الفسيل ... تأبري من حنذ فشولي إذا ضن أهل النخل بالفحول ... تروحي.......... البيت المعنى: ارتفعي أيتها النخلة الصغيرة وطولي، وخذي مكانا أحرى من غيره بأن يزداد فيه نموك وازدهارك، بجنبي ماء بارد ومكان ظليل. الإعراب: تروحي: فعل أمر مبني على حذف النون؛ لاتصاله بياء المؤنثة المخاطبة، والياء: ضمير متصل في محل رفع فاعل. أجدر: أفعل تفضيل صفة لمحذوف هو، وعامله المعطوف على تروحي؛ والتقدير: وخذي مكانا أجدر من غيره. أن: حرف مصدري ونصب. تقيلي: فعل مضارع منصوب بأن المصدرية، وعلامة نصبه حذف النون، والياء: في محل رفع فاعل، والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": مجرور بحرف جر محذوف، والتقدير: أجدر بقيلولتك، و"بقيلولتك": متعلق بـ"أجدر". غدا: متعلق بـ"تقيلي". "بجنبي": متعلق بـ"تقيلي" أيضا، وجنبي: مضاف. بارد: مضاف إليه، والأصل في بارد: أنها صفة لمحذوف؛ لأن التقدير: بمكان بارد فحذف الموصوف، وأقيمت مقامه. ظليل: صفة لـ"بارد" مجرورة. موطن الشاهد: "أجدر أن تقيلي". وجه الاستشهاد: حذف من الجارة للمفضول عليه مع مجرورها، فأصل الكلام: تروحي وأتي مكانا أجدر من غيره بأن تقيلي فيه كما ذكر المؤلف؛ واسم التفضيل -هنا- صفة لموصوف محذوف، وحكم هذا أنه قليل.

ويجب تقديم "من" ومجرورها عليه إن كان المجرور استفهاما1؛ نحو: "أنت ممن أفضل"2 أو مضافا إلى الاستفهام "أنت من غلام من أفضل"، وقد تتقدم في غير الاستفهام؛ كقوله3: [الطويل] 391- فأسماء من تلك الظعينة أملح4 وهو ضرورة.

_ 1 أي: تقديم "من" ومجرورها على "أفعل" وحده، دون الجملة كلها؛ وذلك لأن الاستفهام له الصدراة في الكلام. 2 الأصل: أنت أفضل ممن؟. 3 القائل هو: جرير بن عطية الشاعر الأموي؛ وقد مرت ترجمته. 4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: إذا سايرت أسماء يوما ظعينة وهو من شواهد: التصريح: 2/ 103، والأشموني: 773/ 2/ 389، وابن عقيل: 284/ 3/ 186، والعيني: 4/ 52، وديوان جرير: 107. المفردات الغريبة: سايرت: سارت وصاحبت. ظعينة، الظعينة: الهودج كانت فيه امرأة أو لا، والجمع: ظعن وظعائن، وهي أيضا: المرأة ما دامت في الهودج، والمراد هنا: المرأة مطلقا. أملح: أحسن؛ من ملح كظرف. المعنى: أن أسماء كلما سارت مع نسوة ظهر حسنها، وتفوقت على من يسايرنها في الحسن والملاحة. الإعراب: إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه منصوب بجوابه مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية. سايرت: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث. أسماء: فاعل مرفوع. "يوما": متعلق بـ"ساير". ظعينة: مفعول به لـ"سايرت"؛ وجملة "سايرت": في محل جر بالإضافة بعد "إذ". فأسماء: الفاء: واقعة في جواب الشرط، أسماء: مبتدأ مرفوع. من: حرف جر. تلك: تي: اسم إشارة في محل جر بـ"من"، واللام: للبعد والكاف: للخطاب، و"من تلك": متعلق بـ"أملح" الآتي. الظعينة: بدل من اسم الإشارة مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. أملح: خبر المبتدأ "أسماء" مرفوع، وجملة "المبتدأ وخبره": جواب شرط غير جازم، لا محل لها من الإعراب. موطن الشاهد: "من تلك الظعينة أملح". وجه الاستشهاد: تقدم من ومجرورها "من تلك الظعينة" على أفعل التفضيل "أملح" =

الحالة الثانية: أن يكون بأل؛ فيجب له حكمان؛ أحدهما: أن يكون مطابقا لموصوفه1؛ نحو: "زيد الأفضل"، و"هند الفضلى"، و"الزيدان الأفضلان"، و"الزيدون الأفضلون"، و"الهندات الفضليات"، أو "الفضل"2. والثاني: ألا يؤتى معه بمن3؛ فأما قول الأعشى4: [السريع] 392- ولست بالأكثر منهم حصى5

_ = في غير الاستفهام: وحكم هذا التقديم أنه شاذ أتى لضرورة الشعر. ومثل البيت الشاهد قول ذي الرمة: ولا عيب فيها غير أن سريعها ... قطوف وأن لا شيء منهن أكسل وكذا قول أعرابي من طيئ: وأشنب براق الثنايا غروبه ... من البرد الوسمي أصفى وأبرد انظر زهر الآداب "تحقيق محيي الدين عبد الحميد": 718. 1 أي: في التذكير والتأنيث، والإفراد وفروعه؛ وذلك لأن اقترانه بأل أضعف شبهه بأفعل في التعجب. 2 الفضل: جمع تكسير لفضلى. ويرجع في تأنيث اسم التفضيل وتكسيره إلى السماع. فقد لا يسمع ذلك كأظرف وأشرف، وعلى هذا فالمطابقة مقيدة بالسماع عن العرب. 3 لأن المفضل عليه غير مذكور؛ إذ تغني عنه "أل". و"من" و"أل" يتعاقبان ولا يجتمعان، فلا يقال: على الأفضل من محمد. 4 ميمون بن قيس، وقد مرت ترجمته. 5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: وإنما العزة للكاثر وهو من قصيدة يهجو فيها علقمة بن علاثة الصحابي، ويفضل عليه ابن عمه عامر بن الطفيل في المنافرة التي وقعت بينهما، وهي مشهورة. والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 104، والأشموني: 766/ 2/ 386، وابن عقيل: 280/ 3/ 180، ونوادر أبي زيد: 25، والخصائص: 1/ 185، 3/ 234, وشرح المفصل: 3/ 6، 6/ 100، 103، والخزانة: 3/ 489، والمغني: 974/ 744، والسيوطي: 305، وديوان الأعشى: 106. المفردات الغريبة: حصى؛ المراد: العدد من الأعوان والأنصار. العزة: القوة والغلبة. الكاثر: اسم فاعل، من كثرته أكثره من باب نصر، غلبته في الكثرة. =

فخرج على زيادة "أل" أو على أنها متعلقة بـ"أكثر" نكرة محذوفا مبدلا من "أكثر" المذكور. الثالثة: أن يكون مضافا1، فإن كانت إضافته إلى نكرة؛ لزمه أمران؛ التذكير،

_ = المعنى: لست يا علقمة أكثر من عامر عددا وأعوانا وأنصارا، وإنما تكون الغلبة ويتم النصر لمن عنده جنود وأعوان ونصراء أكثر. الإعراب: لست: فعل ماضٍ ناقص مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: في محل رفع اسم "ليس". بالأكثر: الباء: حرف جر زائد، لا محل له من الإعراب، الأكثر: اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ليس. "منهم": متعلق بـ"الأكثر"؛ وعليه يكون قد جمع بين "أل" و"من" الداخلة على المفعول، خلافا لجماعة من النحاة. حصى: تمييز منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين. وإنما: الواو: عاطفة، إنما: أداة حصر. العزة: مبتدأ مرفوع. "للكاثر": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ. موطن الشاهد: "بالأكثر منهم". وجه الاستشهاد: يدل ظاهره على أن "من" لحقت أفعل التفضيل المحلى بأل، حيث دخلت على المفضول عليه علما أن اسم التفضيل معرف بأل، وهذا ممنوع، وقد خرجه المصنف، وذكر بعضهم أنه ضرورة، ومعلوم أن "من" تأتي مع أفعل التفضيل المنكر، وخرج الشاهد على واحد من ثلاثة أوجه: الأول: أن "من" هذه ليست متعلقة بأفعل التفضيل المذكور، وإنما هي متعلقة بأفعل آخر منكر محذوف؛ والتقدير: ولست بالأكثر أكثر منه. الثاني: أن "أل" هذه زائدة زيادتها في التمييز والحال ونحوهما، وعليه يكون أفعل التفضيل نكرة. الثالث: أن "من" في البيت ليست متعلقة بالأكثر الذي هو أفعل التفضيل، وذهب أصحاب هذا المذهب إلى أحد قولين؛ أحدهما: أنها مع مجرورها متعلقان بـ"ليس" لما فيه من معنى الفعل "انتفى". ثانيهما: أنهما متعلقان بمحذوف يقع حالا من اسم ليس. انظر المغني: 744. 1 الراجح أن تكون إضافته غير محضة، وقيل: محضة. ويشترط في هذه الحالة مطلقا، سواء أضيف لنكرة أو لمعرفة: ألا يقع بعد أفعل "من" الجارة للمفضول؛ فلا يصح: على أفضل المتسابقين من محمد. أما الجارة لغيره فتقع، تقول: محمد أقرب الناس مني. كما يشترط أن يكون المضاف بعضا من المضاف إليه عند إرادة التفضيل، فلا يصح محمد أفضل امرأة. فإن لم يقصد التفضيل جاز، نحو: يوسف أحسن إخوته، =

والتوحيد، كما يلزمان المجرد؛ لاستوائهما في التنكير1، ويلزم في المضاف إليه أن يطابق؛ نحو: "الزيدان أفضل رجلين" و"الزيدون أفضل رجال"، و"هند أفضل امرأة"، فأما {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} 2 فالتقدير: أول فريق كافر. وإن كانت الإضافة إلى معرفة؛ فإن أول أفعل بما لا تفضيل فيه وجبت المطابقة؛ كقولهم: "الناقص والأشج أعدلا بني مروان"3؛ أي: عادلاهم، وإن كان على أصله من إفادة المفاضلة؛ جازت المطابقة؛ كقوله تعالى: {أَكَابِرَ

_ = والمراد بكونه بعضا من المضاف إليه: أن يكون "أفعل" جزءا والمضاف إليه كلا، نحو: الرأس أنفع الجسم. أو يكون "أفعل" فردا من أفراد كثيرة يشملها المضاف إليه، وينبغي حينئذ أن يكون المضاف إليه جنسا يندرج تحته أفراد كثيرة، نحو: الفرات أكبر الأنهار في سوريا. 1 ولكونهما على معنى "من". وإذا عطفت على المضاف النكرة مضافا إلى ضميرها؛ فقيل: يذكر الضمير أيضا، ويفرد على التوهم، تقول: محمد أفضل رجل وأعقله، وهند أكرم امرأة وأعقله، والمحمدان أكرم رجلين وأعقله ... وهكذا. وقيل: تجوز المطابقة، إن لم تكن واجبة، أو أولى. أما. إذا أضفت "أفعل" إلى معرفة فإنك تؤنث وتثني وتجمع وهو القياس. وأجاز سيبويه الإفراد تمسكا بقول الشاعر: ومية أحسن الثقلين جيدا ... وسالفة وأحسنه قذالا أي أحسن من ذكر. حاشية يس على التصريح: 2/ 104. الأشموني مع الصبان: 3/ 47. 2 2 سورة البقرة، الآية: 41. موطن الشاهد: {لا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} . وجه الاستشهاد: إفراد "كافر" ومقتضى القاعدة: كافرين بالجمع؛ ليطابق الوانو في "تكونوا"؛ وتخريج ذلك: على حذف موصوف مطابق في المعنى، وهو فريق؛ لأنه جمع في المعنى، وقد أفرد "كافر" باعتبار لفظ فريق. 3 الناقص: هو يزيد بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان؛ لقب بذلك لأنه نقص أرزاق الجند. والأشج: عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، ولقب بذلك لشجة كانت برأسه من ضرب دابة. وهذا مثال لما لا تفضيل فيه؛ لأنه لم يشاركهما أحد في بني مروان في العدل. ومثال ما يقصد به التفضيل المطلق على المضاف إليه وعلى غيره: محمد أفضل قريش.

مُجْرِمِيهَا} 1، {هُمْ أَرَاذِلُنَا} 2، وتركها كقوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} 3، وهذا هو الغالب، وابن السراج4 يوجبه5، فإن قدر "أكابر": مفعولا ثانيا و"مجرميها": مفعولا أول؛ فيلزمه المطابقة في المجرد. [ما يرفعه أفعل التفضيل] : مسألة: يرفع أفعل التفضيل الضمير المستتر في كل لغة؛ نحو: "زيد أفضل"، والضمير المنفصل، والاسم الظاهر، في لغة قليلة؛ كـ"مررت برجل أفضل منه أبوه"، أو "أنت"6، ويطرد ذلك إذا حل محل الفعل، وذلك إذا سبقه نفي، وكان

_ 1 6 سورة الأنعام، الآية: 123. موطن الشاهد: {أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} . وجه الاستشهاد: إضافة "أكابر" إلى مجرميها مع مطابقته لموصوفه المقدر؛ أي: قوما أكابر؛ ولو لم يطابق؛ لقيل: أكبر مجرميها. التصريح: 2/ 105. 2 11 سورة هود، الآية: 27. موطن الشاهد: {هُمْ أَرَاذِلُنَا} . وجه الاستشهاد: إضافة "أراذل" إلى "نا" مع مطابقته لموصوفه المقدر؛ كما في الآية السابقة؛ ولو لم يطابق؛ لقيل: أرذلنا. التصريح: 2/ 105. في إعراب الآية الأولى أعاريب؛ أولاها: ما قاله الصبان: تفسير "جعلنا" بمكنا، "في كل قرية" ظرف لغو متعلق به "أكابر" مفعوله. حاشية الصبان: 3/ 49. 3 2 سورة البقرة، الآية: 96. موطن الشاهد: {لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ} . وجه الاستشهاد: ترك المطابقة بين المفعول الأول "هم"، واسم التفضيل "أحرص" المفعول الثاني؛ ولو طابق؛ لقيل: لتجدنهم أحرصي؛ وترك المطابقة، هو الغالب في الاستعمال، وابن السراج يوجبه، ويرده قوله تعالى: {أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} . 4 مرت ترجمته. 5 أي: يوجب ترك المطابقة، ويجعل "أفعل" فيه كالمجرد، ويلتزم فيه الإفراد والتذكير. ويرده: {أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} المتقدم. 6 لم يرفع اسم التفضيل الاسم الظاهر والضمير البارز باضطراد كاسم الفاعل؛ لأن شبه اسم التفضيل باسم الفاعل ضعيف، فهو في حال تجرده من "أل" والإضافة، أو في =

مرفوعه أجنبيا، مفضلا على نفسه باعتبارين؛ نحو: "ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد"، فإنه يجوز أن يقال: "ما رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيد"؛ والأصل: أن يقع هذا الظاهر بين ضميرين؛ أولهما للموصوف، وثانيهما للظاهر، كما مثلنا، وقد يحذف الضمير الثاني، وتدخل "من" إما على الاسم الظاهر، أو على محله، أو على ذي المحل؛ فتقول: "من كحل عين زيد"، أو "من عين زيد"، أو "من زيد"؛ فتحذف مضافا، أو مضافين، وقد لا يؤتى بعد المرفوع بشيء؛ فتقول: "ما رأيت كعين زيد أحسن فيها الكحل"، وقالوا: "ما أحد أحسن به الجميل من زيد"، والأصل: "ما أحد أحسن به الجميل من حسن الجميل بزيد"، ثم إنهم أضافوا الجميل إلى زيد لملابسته إياه، ثم حذفوا المضاف؛ ومثله في المعنى: لن ترى في الناس من رفيق ... أولى به الفضل من الصديق1

_ = حال إضافته إلى النكرة يلزم الإفراد والتذكير، ولا يجوز تأنيثه، ولا تثنيته، ولا جمعه؛ فلما ضعفت منزلته عن منزلة اسم الفاعل بسبب ذلك، ولم يوجد ما يجبر هذا النقص -كأن يسوغ حلول فعل بمعناه في محله- فقد وجب ألا يعمل في كل ما يعمل فيه اسم الفاعل؛ ولو وجد جابر كما في مسألة الكحل عمل فيها. انظر أوضح المسالك: 3/ 298. 1 هذا بيت من ألفية ابن مالك. فوائد: 1- ينصب "أفعل" التفضيل: المفعول لأجله، والظرف، والحال وبقية المنصوبات ما عدا: المفعول المطلق، والمفعول معه. وفي المفعول به خلاف والرأي جوازه؛ لوروده، كقوله تعالى: {هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا} . أما التمييز، فإن كان فاعلا في المعنى نصب بأفعل؛ نحو: الطبيب أكثر نفعا من المهندس. وإن لم يكن فاعلا، وكان "أفعل" مضافا صح نصبه؛ نحو: الحطيئة أكثر الشعراء هجاء. 2- إذا كان "أفعل" التفضيل مصوغا من مصدر فعل متعدٍّ بحرف جر معين، عدي "أفعل" بذلك الحرف؛ نحو: كان عمر أشفق الناس على الرعية، وأزهدهم في الدنيا، وأسرع إلى إغاثة الملهوف. وإن كان من متعدٍّ بنفسه، فإن دل على علم تعدى بالباء؛ نحو: أنا أعلم بصديقي، وأدرى الناس بحالته. وإن دل على حب أبو بغض، أو ما في معناهما عدي باللام؛ إن كان مجرورها مفعولا به في المعنى، وما قبل "أفعل" هو الفاعل؛ نحو: المسلم أحب للخير من غيره، وأبغض لمخالفة دينه. وعدي بإلى؛ إن كان المجرور هو الفاعل في المعنى؛ نحو: المال أحب إلى البخيل من كل شيء. وإن دل على غير ذلك عدي باللام؛ نحو: محمد أنفع للجار، وإن كان فعله متعديا لاثنين عدي لأحدهما باللام، ونصب الآخر مفعولا به؛ نحو: محمد أعطى للمحتاجين الكثير من المال. الأشموني مع حاشية الصبان: 3/ 56.

والأصل: "من ولاية الفضل بالصديق"، ثم "من فضل الصديق" ثم "من الصديق".

_

باب النعت

هذا باب النعت1: [أنواع التوابع] : الأشياء التي تتبع ما قبلها في الإعراب2 خمسة3: النعت، والتوكيد، وعطف البيان، والنسق، والبدل4.

_ 1 ويسمى النعت أيضا: الصفة، والوصف. 2 سواء كان الإعراب لفظيا، أو تقديريا أو محليا. ومثل الإعراب: ما يشبهه من حركة عارصة لغير الإعراب؛ نحو: يا زيد الفاضل -بضم الفاضل على أنه تابع للمنادى على اللفظ. 3 دليل الحصر في الخمسة؛ أن التابع: إما أن يكون بواسطة حرف، وإما لا؛ فالذي يكون بواسطة حرف هو عطف النسق، والذي لا يكون بواسطة حرف؛ إما أن يكون له ألفاظ محصورة معروفة، وإما لا؛ فالذي لا يكون بواسطة حرف؛ وله ألفاظ محصورة معروفة، هو التوكيد؛ والذي لا يكون بواسطة حرف، وليس له ألفاظ محصورة؛ إما أن يكون بالمشق، أو ما في قوته؛ وهو النعت؛ وإما أن يكون بالجامد؛ وهو عطف البيان. التصريح: 2/ 108. 4 اختلف في عامل التابع؛ فأما النعت، والتوكيد، وعطف البيان؛ فمذهب الجمهور: أن العامل في كل واحد منهما؛ هو نفس العامل في متبوعه، وينسب هذا القول إلى سيبويه؛ وهذا هو الرأي الراجح؛ وذهب الخليل، والأخفش: إلى أن العامل، في كل منها هو تبعيته لما قبله؛ وهي أمر معنوي. وأما البدل؛ فمذهب الجمهور أن العامل فيه محذوف مماثل للعامل في المبدل منه. وذهب المبرد: إلى أن عامل البدل؛ هو العامل في المبدل منه، وينسب هذا القول إلى سيبويه؛ واختاره ابن مالك، وابن خروف؛ وذهب ابن عصفور: إلى أن العامل في البدل؛ هو العامل في المبدل منه؛ لكن على أنه نائب عن آخر محذوف، لا على استقلاله بذلك؛ فهو عامل في المبدل منه استقلالا، وفي البدل على سبيل النيابة؛ وأما عطف النسق؛ فمذهب الجمهور: أن العمل فيه؛ هو العامل في المعطوف عليه =

[تعريف النعت] : فالنعت، عند الناظم، هو "التابع1 الذي يكمل متبوعه، بدلالته على معنى فيه2، أو فيما يتعلق به"3. فخرج بقيد التكميل: النسق والبدل4، وبقيد الدلالة المذكورة: البيان

_ = لكنه عمل في المعطوف، بواسطة الحرف العاطف؛ وقال قوم: العامل في عطف النسق؛ هو حرف العطف؛ وقال قوم: العامل فيه محذوف. التصريح: 2/ 108. 1 التابع: هو الاسم المشارك لما قبله، في إعرابه الحاصل والمتجدد، وليس خبرا. ومعنى قولنا: "الحاصل والمتجدد": أنه كلما تغير إعراب الاسم السابق، بسبب تغير التراكيب يتغير الاسم اللاحق بنفس التغير؛ فخرج بذلك: خبر المبتدأ؛ لأنه لو تغير المبتدأ بأن دخلت عليه إن أو إحدى أخواتها، لم يتغير الخبر بنفس تغيره، وخرج منه المفعول الثاني؛ لأنه لو تغير إعراب المفعول الأول، بأن صار نائب فاعل؛ لبناء الفعل للمجهول، لم يتغير المفعول الثاني كذلك؛ وخرج منه الحال المنصوب؛ لأنه لو تغير إعراب ذلك الاسم المنصوب؛ الذي هو صاحب الحال، إلى الرفع أو الجر لم يتغير معه إعراب الحال. وقولنا: "وليس خبرا": مخرج للخبر الثاني، فيما إذا تعددت الأخبار؛ نحو: "الرمان حلو حامض" هذا، ولا يفصل بين التابع والمتبوع بأجنبي محض عنه ويجوز بمعمول الوصف؛ نحو قوله تعالى: {ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} ؛ وبمعمول الموصوف؛ نحو: يعجبني ضربك زيدًا الشديدُ؛ وبعامل المتبوع؛ نحو: المريض -أكرمت- الجريح؛ وبمعمول العامل؛ كقوله تعالى: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عَالِمِ الْغَيْبِ} ؛ وبمفسر العامل؛ نحو؛ {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} وبالاستثناء؛ وبالقسم؛ وبجوابه؛ كقوله تعالى: {بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ} ؛ وبالاعتراض؛ كقوله سبحانه وتعالى: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} ... إلخ. ولا يحوز تقديم التابع على المتبوع. الأشموني وحاشية الصبان: 2/ 57. 2 هذا، إذا كان نعتا حقيقيا؛ وهو: ما يدل على معنى في نفس منعوته؛ أو ما هو في حكمه. 3 وذلك؛ إذا كان نعتا سببيا؛ وهو ما يدل على معنى في شيء بعده؛ له صلة وارتباط بالمتبوع. 4 لأنهما لم يقصد بهما أصلا تكميل متبوعهما، لا بإيضاح، ولا تخصيص.

والتوكيد1. والمراد بالمكمل الموضح للمعرفة؛ كـ"جاء زيد التاجر" أو "التاجر أبوه"، والمخصص للنكرة؛ كـ"جاءني رجل تاجر" أو "تاجر أبوه"2.

_ 1 لأنهما لا يدلان على صفة ومعنى في متبوعهما، ولا فيما يتعلق به؛ فإنهما عين متبوعهما فهما يكملان بالإيضاح ورفع الاحتمال. 2 الأصل في النعت: أن يكون للإيضاح، أو التخصيص؛ فالإيضاح: "هو رفع الاشتراك اللفظي الواقع في المعارف على سبيل الاتفاق"؛ ومعنى هذا: أنه قد يكون لك عدة أصدقاء؛ كل منهم يسمى خالدا؛ فإذا قيل لك: حضر خالد لم تدر أي الخالدين حضر؛ ولذا يلزمه أن يضيف إلى اسمه صفة توضحه لك، كأن يقول: حضر خالد الشاعر، وفسر بعضهم الإيضاح؛ بأنه: رفع الاحتمال في المعارف. والتخصيص: "هو رفع الاشتراك المعنوي الواقع في النكرات بحسب الوضع"؛ ومعنى هذا: أن النكرة موضوعة للدلالة على فرد مبهم، من أفراد، يصدق لفظ النكرة، على كل واحد منهم؛ فرجل: يدل على واحد من أفراد الذكور البالغين، من بني آدم؛ فإذا قلت: زارنا رجل، لم يدر السامع أي أفراد هذا الجنس، قد زارك؛ لأن اللفظ بحسب وضعه، صالح للإطلاق على كل واحد منهم؛ وإذا قلت: جائني رجل عالم لم يتضح المراد اتضاحا كاملا؛ لكنه تخصص بالعالم. وقد لا يكون للإيضاح والتخصيص؛ بل لأغراض أخرى؛ منها: مجرد المدح؛ نحو: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . مجرد الذم؛ نحو: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم". التعميم؛ نحو: "إن الله يرزق عباده الطائعين والعاصين". الترحم؛ نحو: "اللهم إني عبدك المسكين". الإبهام؛ نحو: "تصدق بصدقة قليلة أو كثيرة". التوكيد؛ نحو قوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} . انظر التصريح: 2/ 108-109، وهمع الهوامع: 2/ 116-117. فائدة: يفسر النحاة قولهم في تعريف النعت: "المتمم لمتبوعه"؛ بأحد تفسيرين؛ الأول: أن معناه: المفيد لما يطلبه المتبوع بحسب المقام، واختار هذا التفسير الأشموني، هو شامل لكل المعاني التي يرد لها النعت من التخصيص، والتوضيح، والمدح، والذم، والترحم، والتعميم، والإبهام، والتوكيد، والتفصيل؛ فلا يرد عليه الاعتراض بأنه غير جامع. وأما التفسير الثاني؛ فحاصله: أن معنى المتمم لمتبوعه: الموضح له في المعارف =

وهذا الحد غير شامل لأنواع النعت؛ فإن النعت قد يكون لمجرد المدح، كـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 1، أو لمجرد الذم؛ نحو: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"2، أو للترحم؛ نحو: "اللهم أنا عبدك المسكين"؛ أو للتوكيد، نحو: {نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} . [وجوب اتباع النعت الحقيقي متبوعه في الإعراب وغيره] : فصل: وتجب موافقة النعت لما قبله فيما هو موجود فيه من أوجه الإعراب الثلاثة، ومن التعريف والتنكير3.

_ = والمخصص له في النكرات؛ وهذا تفسير قاصر؛ لأنه لا يشمل ما يكون النعت فيه لغير التوضيح والتخصيص؛ من المدح، والذم، والترحم ... إلخ؛ وهذا يعني أن تعريف النعت بهذه الصورة غير جامع؛ وكل تعريف غير جامع، يكون فاسدا؛ لخروج بعض أفراد المعرف عنه؛ وبهذا، اعترض المؤلف بعد ذكر هذا التفسير. انظر الأشموني: 2/ 293، التصريح: 2/ 108-109. 1 1 سورة الفاتحة، الآية: 2. موطن الشاهد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . وجه الاستشهاد: وقوع "رب" صفة لـ"الله"؛ وقد أفادت الصفة مجرد المدح. 2 موطن الشاهد: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم". وجه الاستشهاد: وقوع "الرجيم" صفة لـ"الشيطان" وقد أفادت الصفة مجرد الذم. 3 لأن المخالفة في ذلك تجعل الشيء معينا، وغير معين في وقت واحد، ويشترك في الموافقة فيما تقدم النعت مطلقا؛ حقيقيا، أو سببيا. وقد أجاز الأخفش نعت النكرة بالمعرفة؛ بشرط أن تكون النكرة مخصصة بوصف؛ ومثل بقوله تعالى: {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ} ؛ فجعل "الأوليان" المعرف بـ"أل" صفة لـ"آخران" مع أنه نكرة، وسوغ ذلك -عنده- كونه موصوفا بالجار والمجرور. وأجاز ابن الطراوة نعت المعرفة بالنكرة، بشرط أن تكون النكرة، مما لا ينعت بها غير هذه المعرفة؛ كقول النابغة الذبياني: فبت كأني ساورتني ضئيلة ... من الرقش في أنيابها السم ناقع فجعل "ناقع" صفة لـ"السم" مع أن السم معرفة، وناقع نكرة؛ وسوغ ذلك كون السم، لا يوصف إلا بناقع؛ فيقال: سم ناقع. غير أن ما ذهب إليه الأخفش، وابن الطراوة غير مسلم لهما، وما مثلا به لا يلزم =

تقول: "جاءني زيد الفاضل" و"رأيت زيدا الفاضل" و"مررت بزيد الفاضل" و"جاءني رجل فاضل"، كذلك. وأما الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث؛ فإن رفع الوصف ضمير الموصوف المستتر وافقه فيها1، كـ"جاءتني امرأة كريمة، ورجلان كريمان، ورجال كرام"، وكذلك "جاءتني امرأةٌ كريمةُ الأبِ" أو "كريمةٌ أبًا"2، و"جاءني رجلان كريما الأب"، أو "كريمان أبا"، و"جاءني رجالٌ كرامُ الأبِ" أو "كرامٌ أبًا"؛ لأن الوصف في ذلك كله رافع ضمير الموصوف المستتر3. وإن رفع الظاهر أو الضمير البارز أُعطي حكم الفعل4؛ ولم يعتبر حال الموصوف.

_ = إعرابه كما زعما؛ لأنه يجوز إعراب "الأوليان" بدلا من "آخران"، أو خبرا لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: هما الأوليان؛ كما يجوز أن يعرب "ناقع" بدلا من "السم"؛ أو خبرا ثانيا له؛ والجار والمجرور خبرًا أول مقدما عليه؛ وقد استثنى كثير من النحاة الاسم المحلى بـ"أل" الجنسية؛ فإنه لقربه من النكرة، يجوز نعته بالنكرة؛ كما قالوا: إن جملة الفعل المضارع في محل جر صفة للمحلى بـ"أل" في قول الشاعر: ولقد أمر على اللئيم يسبني ... فمضيت ثمة قلت لا يعنيني ومعلوم: أن الجملة نكرة؛ ومن لا يقر ذلك، يجعل جملة "يسبني": حالا من اللئيم المحلى بـ"أل" الجنسية، غير أن المعنى يأباه إلا بتكلف ظاهر. انظر حاشية الصبان: 3/ 60-61. 1 وحينئذ، تكمل له الموافقة في أربعة من عشرة؛ وهذا هو النعت الحقيقي. 2 الوصف في هذا المثال، وما بعده، جار على غير من هو له؛ وقد حول الإسناد عن الظاهر إلى ضمير الموصوف، ويجر الظاهر؛ بالإضافة، إن كان معرفة، وينصب على التمييز، إن كان نكرة. 3 أي: أصالة، أو تحويلا، ولم يرفع السببي؛ وإذا كان النعت مما يستوي فيه المذكر والمؤنث؛ كالمصدر غير الميمي، وصيغني "فعيل" و"فعول"، أو كان أفعل تفضيل -مجردا-، أو مضافا لنكرة، لم يطابق المنعوت في التأنيث، والتثنية، والجمع: بل يلزم الإفراد، والتذكير. وإذا كان صفة لجمع ما لا يعقل؛ عومل معاملة المؤنثة المفردة، أو الجمع؛ نحو: {أَيَّامًا مَعْدُودَةً} ، و {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} . 4 فيجرد من علامة التثنية، والجمع، على اللغة الفصحى، ويعتبر حالا مرفوعة في =

تقول: "مررت برجلٍ قائمةٍ أمهُ"، و"بامرأةٍ قائمٍ أبوها"، كما تقول: "قامت أمه"، و"قام أبوها"، و"مررت برجلين قائمٍ أبواهما"، كما تقول: "قام أبواهما"، ومن قال: "قاما أبواهما"1؛ قال: "قائمين أبواهما"2، وتقول: مررت برجالٍ قائمٍ آباؤهم"، كما تقول: "قامَ آباؤهم"، ومن قال: "قاموا آباؤهم"؛ قال "قائمين آباؤهم" وجمع التكسير أفصح من الإفراد3، كـ"قيامٍ آباؤهم". [الأشياء التي ينعت بها أربعة] : فصل: والأشياء التي ينعت بها أربعة: أحدها: المشتق4، والمراد به ما دل على حدث وصاحبه؛ كـ"ضارب" و"مضروب"، و"حسن"، و"أفضل".

_ = التأنيث والتذكير؛ سواء أكان المنعوت كذلك، أم لا؛ وهذا هو النعت السببي، ولا يطابق منعوته إلا في اثنتين من خمسة؛ هما: حركات الإعراب، والتعريف والتنكير. 1 أي: بلحاق علامة التثنية بالفعل المسند إلى المثنى؛ وهي لغة طيئ، وأزد شنوءة. 2 أي: بتثنية الوصف الرافع للسببي. 3 أي: إذا كان الوصف مسندا إلى سببي مجموع؛ جاز فيه الإفراد والتكسير على اللغة الفصحى؛ والتكسير أفصح، عند سيبويه. وقيل: إن كان النعت تابعا لجمع؛ فالتكسير أفصح للمشاكلة، وإن كان تابعا لمفرد، أو مثنى؛ فالإفراد أفصح. التصريح: 2/ 110. فائدة: قال الصبان -نقلا عن المغني ... : يجوز مررت برجل قائم أبواه لا قاعدين؛ وإن لزم استتار الضمير، في قاعدين، مع جريان الصفة، على غير من هي له؛ لأنه يفتقر في الثواني، ما لا يفتقر في الأوائل، ويمتنع: قائمين لا قاعد أبواه، على إعمال الثاني، للزوم ما ذكر في الأوائل. حاشية الصبان: 3/ 61-62. 4 المراد بالمشتق: ما دل على حدث وصاحبه ممن اتصف به الفعل، أو قام به، أو وقع منه أو عليه، أو ما هو بمعنى أحدهما؛ فالذي اتصف بالفعل، أو قام به؛ هو اسم الفاعل، من اللازم؛ والذي وقع منه الفعل؛ هو اسم الفاعل من المتعدي؛ والذي وقع عليه الفعل: هو اسم المفعول. وما كان بمعنى اسم الفاعل: أمثلة المبالغة، والصفة المشبهة، وأفعل التفضيل. وما كان بمعنى اسم المفعول: هو صيغة "فعيل" بمعنى: =

الثاني: الجامد المشبه للمشتق في المعنى1، كاسم الإشارة2، و"ذي"3 بمعنى صاحب، وأسماء النسب، تقول: "مررت بزيد هذا" و"برجل ذي مال" و"برجل دمشقي" لأن معناها الحاضر، وصاحب مال، ومنسوب إلى دمشق4. الثالث: الجملة؛ وللنعت بها ثلاثة شروط؛ شرط في المنعوت؛ وهو أن يكون

_ = "مفعول" وأفعل التفضيل، إذا كان فعله مبنيا للمجهول؛ وقلنا بجواز اشتقاقه منه؛ وعلى هذا، لا يشمل المشتق -هنا- ما أخذ من المصدر؛ للدلالة على زمان الفعل، أو مكانه، أو آلته -اسم الزمان واسم المكان واسم الآلة-؛ فهذه الثلاثة، لا ينعت بها. حاشية الصبان: 3/ 62. 1 بأن يفيد ما يفيده المشتق من المعنى؛ وهو المسمى بالمشتق تأويلا. 2 أي: الزمانية؛ مثل "هذا" وفروعه؛ وهي معارف، فلا تقع صفة إلا للمعرفة. أما اسم الإشارة المكانية؛ نحو: "هنا"، و"ثم" فلا تقع صفة بنفسها؛ ولكنها تتعلق بمحذوف، يكون هو الصفة؛ فيجوز القول: مررت برجل هنا؛ أي: كائن أو موجود هنا؛ ويقال من باب الاختصار: الظرف صفة. انظر حاشية الصبان: 3/ 62. 3 ومثلها: فروعها؛ وهي: "ذوا، ذوي" للمثنى المذكر، و"ذوو، وذوي"؛ لجمع المذكر، و"ذات"؛ للمفردة المؤنثة، و"ذاتا، وذاتي"؛ للمثنى المؤنث، و"ذوات"؛ الجمع المؤنث، ولا تكون نعتا إلا لنكرة. ويوصف كذلك؛ للمثنى المؤنث، و"ذوات"؛ الجمع المؤنث، ولا تكون نعتا إلا لنكرة. ويوصف كذلك بـ"ذو" الموصولة وفروعها وسائر الموصولات الاسمية المبدوءة بـ"أل" كالذي والتي، و"أل" نفسها. أما "من" و"ما" ففي النعت بهما خلاف؛ والصواب جوازه. ولما كانت الموصولات معرفة؛ وجب أن يكون منعوتها معرفة. ومن الجامد المشبه للمشتق: أسماء الأعداد؛ نحو: اشتريت الكتب الخمسة، ولفظ "أي": إذا أضيفت إلى نكرة تماثل المنعوت في المعنى؛ نحو: اتخذت صديقا أي صديق. ولفظ "كل أو جد أو حق"؛ إذا أضيف كل إلى اسم جنس يكمل معنى الموصوف؛ تقول: أنت الرجل كل الرجل، وهذا صديق جد وفيّ، وأنت الزميل حق الزميل. انظر التصريح: 2/ 111، وحاشية الصبان: 3/ 62 أي: فقد أفادت ما يفيده المشتق من المعنى، ولا يقتصر في النسب على المنسوب بالياء، بل يشمل على صيغة "فعال" أو "فاعل" أو غيرهما، كما سنرى في باب النسب. وينبغي أن يكون النسب مقصودا، وإلا بقي الاسم على جموده، فلا يقع نعتا؛ كمن اسمه: بدوي؛ أو مكي. ويصلح المنسوب نعتا للنكرة، والمعرفة بشرط المطابقة في ذلك؛ ومثل المنسوب المصغر. التصريح: 2/ 111، وحاشية الصبان: 3/ 62-63.

نكرة إما لفظا ومعنى1 نحو: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} 2، أو معنى لا لفظا؛ وهو المعرف بأل الجنسية؛ كقوله3: [الكامل] 393- ولقد أمر على اللئيم يسبني4

_ 1 لأن الجملة -كما يقول الرضي: مؤولة بالنكرة، وإن كان يجري على الألسنة أنها نكرة؛ لأن التعريف والتنكير من خواص الأسماء. ويقول صاحب المفصل: "إنها نكرة بدليل وقوعها نعتا للنكرة"؛ والخلاف شكلي لا أثر له على الجوهر. انظر التصريح: 2/ 111، والمفصل للزمخشري: 115. 2 2 سورة البقرة، الآية: 281. موطن الشاهد: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} . وجه الاستشهاد: وقوع "يوما" مفعولا به لـ"اتقوا" وهو نكرة لفظا؛ فوصف بجملة {تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} ؛ والتقدير: واتقوا يوما مرجوعا فيه إلى الله. 3 القائل: رجل من بني سلول. 4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: فمضيت ثمت قلت لا يعنيني وهو من شواهد: التصريح: 2/ 111، وابن عقيل: 286/ 3/ 196، وسيبويه: 1/ 416، والخصائص: 3/ 330، 332، ودلائل الإعجاز: 136، وأمالي ابن الشجري: 2/ 203، والخزانة: 1/ 173، 528، 2/ 161، والعيني: 4/ 58، والمغني: 151/ 138، 792/ 561، 1103/ 845، والسيوطي: 107، والهمع: 1/ 9، 2/ 140، والدرر: 1/ 4، 2/ 192. المفردات الغريبة: اللئيم: الدنيء النفس، الخبيث الطباع. لا يعنيني: لا يقصدني، وهذا الرجل يصف نفسه بالحلم والوقار، وقبله قوله: غضبان ممتلئا علي أهابه ... إني وحقك سخطه يرضيني المعنى: لقد أمر على اللئيم الذي ديدنه وطبعه الشتم والسب من غير مبرر، فأمضي ولا أهتم به ولا أجيبه بالمثل، أو أردعه احتقارا له؛ ولكن أقول في نفسي: إنه لا يقصدني بسبه وشتمه. الإعراب: لقد: اللام موطئة للقسم، لا محل لها من الإعراب، قد: حرف تحقيق. أمر: فعل مضارع مرفوع، والفاعل أنا. "على اللئيم": متعلق بـ"أمر". يسبني: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، والنون: للوقاية، والياء: ضمير متصل، في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "يسبني": في محل جر صفة لـ"لئيم". فمضيت: الفاء حرف عطف، مضى فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله =

وشرطان في الجملة1: أحدهما: أن تكون مشتملة على ضمير يربطها بالموصوف، إما ملفوظ به كما تقدم؛ أو مقدر؛ كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} 2؛ أي:

_ = بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل، في محل رفع فاعل. ثمت: ثم حرف عطف، والتاء: لتأنيث اللفظ. قلت: فعل ماضٍ، والتاء: فاعل. لا يعنيني: لا نافية، لا محل لها من الإعراب، يعني: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء؛ للثقل، والنون: للوقاية، وياء المتكلم: في محل نصب مفعولا به؛ وجملة: "لا يعنيني": مقول القول في محل نصب مفعولا به. موطن الشاهد: "اللئيم يسبني". وجه الاستشهاد: وقوع جملة "يسبني": صفة للمعرفة "اللئيم"، وساغ ذلك؛ لكون "أل" جنسية؛ فمدخولها معرفة لفظا، نكرة معنى. وزعم ابن عقيل: أنه يجوز في هذا البيت؛ أن تكون الجملة حالا، كما تأتي بعد المعرفة، غير أن معنى البيت، لا يوافق ذلك؛ وهذه المسألة خلافية، واختار ابن مالك في شرح التسهيل جواز كون الجملة صفة للاسم المقترن بأل الجنسية نظرا إلى معناه؛ لأن لفظه معرفة بسبب دخول "أل" عليه؛ ومعناه كمعنى النكرة؛ لأنه لا يقصد به فرد معين. وذهب أبو حيان في "الارتشاف": إلى أنه لا يجوز أن تكون الجملة صفة للاسم المقترن بأل وعنده أن "أل" الجنسية كأل العهدية في كون مدخول كل منهما معرفة؛ وخلاصة القول: إن ابن مالك، نظر فيما اختاره إلى المعنى المراد بمصحوب "أل" الجنسية؛ وأن أبا حيان، نظر فيما اختاره إلى اللفظ. انظر شرح التصريح: 2/ 111، وابن عقيل "ط. دار الفكر": مج 2/ 168-169. 1 بقي شرط للنكرة التي توصف بالجملة -لم يذكره المؤلف- وهو كون النكرة الموصوفة مذكورة في الكلام، ولا يجوز حذفها؛ إلا في الحالة التي سيذكرها المؤلف في حذف الموصوف؛ وهي أن تكون النكرة بعض اسم متقدم مجرور بمن أو بفي، وزعم قوم: أنه لا يشترط ذلك، بل يجوز أن تكون النكرة محذوفة. انظر التصريح: 2/ 112. 2 2 سورة البقرة، الآية: 123. موطن الشاهد: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} . وجه الاستشهاد: وقوع جملة {لا تَجْزِي نَفْسٌ} : في محل نصب صفة لـ"يوما"، وقد اشتملت هذه الجملة على ضمير مقدر يربطها بالموصوف؛ والتقدير: "لا تجزي =

لا تجزي فيه1. والثاني: أن تكون خبرية؛ أي: محتملة للصدق والكذب؛ فلا يجوز "مررت برجل اضربْهُ"؛ ولا "بعبد بعتكه" قاصدا لإنشاء البيع2، فإن جاء ما ظاهره ذلك؛ يؤول على إضمار القول؛ كقوله3: [الرجز]

_ = فيه عن نفس شيئا"؛ كما أوضح المؤلف في "المتن". وانظر ابن عقيل "ط. دار الفكر": مج2: 170. 1 من الجمل التي تحتاج إلى رابط، يربطها بما تتصل به: جملة الصلة، وجملة الخبر، وجملة النعت؛ فأما جملة الخبر، فقد ذكر المؤلف في موضعه ما يربطها بالمبتدأ، كما ذكر أنه يجوز كون الضمير الرابط للمبتدأ بجملة الخبر محذوفا مقدرا، وذكر في باب الموصول ما يربط الصلة بالموصول؛ كما فصل القول في حذف هذا العائد مرفوعا، أو منصوبا، أو مجرورا؛ ولم يفصل هذا التفصيل في رابط جملة الصفة بالموصوف؛ ولذا لا بد من معرفة الآتي: أ- أن حذف الرابط من جملة الصلة أكثر من حذف الرابط من جملة الصفة، ومن جملة الخبر. ب- وأن حذف الرابط من جملة الصفة كثير في ذاته، وحذفه من جملة الخبر قليل. ج- وأن رابط جملة الصفة بالموصوف، قد يكون أصله -قبل الحذف- مرفوعا، أو منصوبا، أو مجرورا بواحد من حرفين؛ وهما: "في" و"من". فأما الذي أصله مجرور بـ"في"؛ فإنما يكون إذا كان الموصوف اسم زمان؛ ومن أمثلته؛ الآية الكريمة التي تلاها المؤلف: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} ، أي: لا تجزي فيه؛ فإن كان الموصوف غير ظرف الزمان؛ لم يجز حذف الرابط المجرور بـ"في"؛ نحو: رأيت رجلا رغبت فيه. وأما الرابط المجرور بـ"من"؛ فقد يحذف والموصوف اسم زمان؛ نحو: هذا شهر صمت يوما مبارك؛ والتقدير: صمت يوما منه. وقد يحذف، والموصوف غير اسم الزمان؛ نحو: "عندي بر إردب بدينارين"؛ أي: إردب منه بدينارين. وانظر التصريح: 2/ 112. 2 أي: لا الإخبار به، وذلك؛ لأن النعت يقصد به توضيح المنعوت، أو تخصيصه؛ فلا بد من أن يكون معلوما عند السامع قبل، والإنشاء بنوعيه؛ الطلبي، وغير الطلبي ليس كذلك؛ لأنه لا خارج لمدلولهما إلا عند التلفظ بهما. 3 يُنسب البيت إلى العجاج، وينسب إلى غيره.

394- جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط1

_ 1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت من الرجز -أو بيت من مشطوره- وصدره قوله: حتى إذا جن الظلام واختلط وكان هذا الراجز قد نزل بقوم فانتظروا عليه طويلا حتى جاء الليل بظلامه ثم جاءوه بلبن قليل، قد خلطوا به ماء كثيرا؛ حتى أصبح لونه يحاكي لون الذئب. والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 112، والأشموني: 778/ 2/ 396، وابن عقيل: 288/ 3/ 199، والكامل: 518، والمحتسب: 2/ 165، وأسرار البلاغة: 381، وأمالي ابن الشجري: 2/ 149، والمعاني الكبير: 204-399، وشرح المفصل: 3/ 53، والخزانة: 1/ 275، والمغني: 447/ 325، 994/ 761، والسيوطي: 214، والهمع: 2/ 117، والدرر: 2/ 148، وملحقات ديوان العجاج: 81. المفردات الغريبة: جن: دخل وستر. اختلط: امتزج ظلامه بالضياء. بمذق: هو مصدر بمعنى الممذوق؛ أي: المخلوط، من مذقت اللبن، إذا خلطته بالماء. قط: اسم للزمان الماضي. المعنى: يذكر العجاج أن قوما أضافوه، وأطالوا عليه، حتى دخل الليل، ثم جاءوا بلبن مخلوط بالماء؛ حتى صار لونه في العشية، يشبه لون الذئب. الإعراب: جاءوا: فعل ماضٍ مبني على الضم؛ لاتصاله بواو الجماعة، والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل، والألف: للتفريق. "بمذق": متعلق بـ"جاء". هل: حرف استفهام، لا محل له من الإعراب. رأيت: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل. الذئب: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. قط: ظرف لما مضى من الزمان، مبني على الضم، في محل نصب بـ"رأى" وسكن لضرورة الوقف. موطن الشاهد: "بمذق هل رأيت الذئب". وجه الاستشهاد: ظاهر الكلام، يفيد وقوع الجملة الاستفهامية "هل رأيت ... " صفة للنكرة: "مذق"، غير أن هذا الظاهر غير مراد؛ لأن جملة الاستفهام معمولة لقول محذوف؛ وهذا العامل المحذوف؛ هو الواقع صفة؛ لأن التقدير: جاءوا بمذق مقول عند رؤيته: هل رأيت الذئب قط؟ وقدر ابن عمرون الصفة المحذوفة، بقوله: "جاءوا بمذق مثل الذئب؛ هل رأيت الذئب قط؟؛ وزعم أن هذا أحسن من تقدير القول؛ لأن هذا المقدر، ورد مصرحا به نحو قولهم: "مررت برجل مثل الأسد؛ هل رأيت الأسد قط؟؛ وفي الحديث: "كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: نعم، يا رسول الله؛ قال: "فإنها مثل شوك السعدان". وانظر في هذه المسألة حاشية الصبان: 3/ 64. =

أي: جاءوا بلبن مخلوط بالماء مقول عنه رؤيته هذا الكلام. الرابع: المصدر1، قالوا "هذا رجل عدل، ورضا، وزور، وفطر" وذلك، عند الكوفيين، على التأويل بالمشتق2؛ أي: عادل، ومرضي، وزائر، ومفطر، وعند البصريين على تقدير مضاف؛ أي: ذو كذا؛ ولهذا التزم إفراده وتذكيره3؛ كما يلتزمان لو صرح بذو3.

_ = وابن عقيل "ط. دار الفكر": مج2: 171-172. والتصريح: 2/ 112-113. 1 شريطة أن يكون منكرا، وصريحا مؤولا، وأن يكون مصدر فعل ثلاثي، أو بزنته، وألا يبدأ بميم زائدة، وأن يلتزم صيغة واحدة؛ وهي الإفراد والتذكير غالبا؛ فلا يثنى، ولا يجمع، ولا يؤنث -إلا ما سمع من ذلك- وهو في هذا كله مقصور على السماع؛ وإلى هذا أشار ابن مالك: ونعتوا بمصدر كثيرا ... فالتزموا الإفراد والتذكيرا والمعنى: وصف العرب بالمصدر كثيرا، في أساليبهم، ولم يخرجوه عن صيغته الملازمة للإفراد والتذكير، ولو كان الموصوف غير مفرد وغير مذكر. انظر التصريح: 2/ 113. 2 ذلك؛ لأنه لا يصح أن يكون اسم المعنى وصفا للذات. ويؤيد قولهم: ورود أساليب وقع فيها المصدر نعتا مع إضافته إلى معرفة؛ كقولهم: مررت برجل -حسبك من رجل، أو شرعك من رجل- أي: كافيك، وهمك من رجل؛ أي: مهمك، ونحوك من رجل؛ أي: مشابهك ومماثلك؛ وهذه المصادر، لم تكتسب التعريف من المضاف إليه؛ لأنها مؤولة بالمشق. ومن أمثلة المشتق -الذي لا يكتسب التعريف- قوله تعالى: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} ؛ فقد وصف "عارض" النكرة، بـ"ممطرنا" المضاف إلى الضمير؛ وخلاصة القول: أن الأصل في الوصف؛ هو الوصف بالمشتق؛ وأما الوصف بالمصدر؛ فهو خلاف الأصل؛ وهو مؤول بما يلي: أ- أن المصدر الدال على الحدث أطلق، وأريد منه المشتق الدال على الذات؛ وهذا من باب إطلاق المعنى وإرادة محله؛ أو من باب إطلاق اللازم وإرادة الملزوم. ب- أنه على تقدير مضاف؛ وهو -على هذا- مجاز بالحذف. ج- أنه على المبالغة. انظر تفصيل ذلك في التصريح: 2/ 113، وابن عقيل: مج2: 173، حا: "1".، وحاشية الصبان: 3/ 64-65. 3 لأن المصدر من حيث هو مصدر، لا يثنى، ولا يجمع، فأجروه على الأصل؛ للتنبيه على أن حقه ألا ينعت به؛ لجموده، وأنهم توسعوا فيه بالتأويل والحذف. التصريح: 2/ 113، ضياء السالك: 3/ 124.

[حكم تعدد النعوت والمنعوت] : فصل: وإذا تعددت النعوت1: فإن اتحد معنى النعت؛ استُغني بالتثنية، والجمع عن تفريقه؛ نحو: "جاءني رجلان فاضلان" و"رجال فضلاء" وإن اختلف؛ وجب التفريق فيها بالعطف بالواو2؛ كقوله3: [الوافر] 395- على ربعين مسلوب وبال4

_ 1 وكان المنعوت دالا على متعدد، بأن كان مثنى أو مجموعا من غير تفريق. 2 أي: لا غير؛ لأن العطف بغيرها لا يفيد الترتيب في الفعل بل في حصول الوصفين أو الأوصاف للمنعوت، والترتيب في هذا غير وارد. 3 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: بكيت وما بكا رجل حزين وهو من شواهد: التصريح: 2/ 114، وسيبويه: 1/ 214، والمقتضب: 2/ 291، والمقرب: 48، والمغني: 658/ 465، والسيوطي: 262. المفردات الغريبة: ربعين: مثنى ربع؛ وهو المنزل. مسلوب: ذاهب لم يبق له أي أثر. بال: ذهبت عينه، وبقيت آثاره ورسومه. المعنى: بكيت من ألم الفراق والحزن على منزلين للأحبة؛ أحدهما ذهب ولم يبق له أثر ما، والثاني بلي، ولم يبق منه إلا الأطلال والرسوم؛ ولكن ماذا يفيد البكاء والحزن، على الآثار والأطلال؟!. الإعراب: بكيت: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل. وما: الواو اعتراضية، لا محل لها من الإعراب. ما: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. بكا: خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة، على الألف للتعذر، وهو مضاف. رجل: مضاف إليه مجرور. حزين: صفة لـ"رجل" مجرور، وعلامة جره الكسرة؛ وجملة "ما بكا رجل حزين": اعتراضية، لا محل لها. "على ربعين": متعلق بـ"بكيت". مسلوب: صفة لـ"ربعين" مجرور وعلامة جره الكسرة. وبال: الواو عاطفة، بال: اسم معطوف على مسلوب، مجرور مثله، وعلامة جره الكسرة المقدرة، على الياء المحذوفة -للتخلص من التقاء الساكنين- منع من ظهورها الثقل. موطن الشاهد: "ربعين مسلوب "وبال". =

وقولك: "مررت برجال شاعر، وكاتب، وفقيه". وإذا تعددت النعوت1، واتحد لفظ النعت؛ فإن اتحد معنى العامل وعمله؛ جاز الإتباع مطلقا2؛ كـ"جاء زيد وأتى عمرو الظريفان"، و"هذا زيد وذاك عمرو العاقلان"، و"رأيت زيدا وأبصرت خالدا الشاعرين"3، وخص بعضهم جواز الإتباع بكون المتبوعين فاعلي فعلين، أو خبري مبتدأين4. وإن اختلفا في المعنى والعمل؛ كـ"جاء زيد ورأيت عمرا الفاضلين"؛ أو اختلف المعنى فقط؛ كـ"جاء زيد ومضى عمرو الكاتبان"، أو العمل فقط كـ"هذا مؤلم زيد وموجع عمرا الشاعران" وجب القطع5.

_ = وجه الاستشهاد: عطف "بال" على "مسلوب"؛ وهما صفتان، ولم يثنهما؛ لاختلافهما في المعنى. 1 أي: وكان المنعوت متعددا متفرقا. 2 سواء كان المتبوعان مرفوعين بفعلين؛ أو خبري مبتدأين؛ أو منصوبين؛ أو مجرورين. وبعضهم، يشترط -في هذه الحالة: اتفاق المنعوتين تعريفا وتنكيرا؛ لئلا تتبع المعرفة بالنكرة، أو العكس: كما يشترط: ألا يكون أول المنعوتين اسم إشارة؛ فلا يجوز: جاء هذا، وجاء محمد الشاعران: لأن نعت الإشارة، لا يفصل منه. التصريح: 2/ 14. 3 ومثال المجرور: مررت بعلي، وجزت على خالد الكريمين. 4 ليس هنالك من سبب إلا أن سيبويه نص على هذين في كتابه؛ فتوهم الاختصاص بهما، والصحيح تعميم الحكم. 5 إما بالرفع على إضمار مبتدأ، أو بالنصب على إضمار فعل. ويمتنع الإتباع؛ لأنه يؤدي إلى تسليط عاملين مختلفي المعنى والعمل، على معمول واحد؛ لأن العامل في التابع؛ هو العامل في المتبوع؛ كما تقدم. وإن كان العامل واحدا؛ فإن اتحد عمله ونسبته؛ إلى المعمولين في المعنى "بأن تكون على جهة الفاعلية أو المفعولية مثلا" جاز الإتباع، والقطع بشرطه؛ نحو: حضر محمد وعلي الخطيبان. وإن اختلفا؛ نحو: ضرب محمد عليا الكريمان، أو اختلفت النسبة من دون العمل؛ نحو: أعطيت محمدا أباه الفاضلان، وجب القطع. التصريح: 2/ 114.

[حكم تعدد النعوت لمنعوت واحد] : فصل: وإذا تكررت النعوت لواحد؛ فإن تعين مسماه بدونها؛ جاز إتباعها، وقطعها، والجمع بينهما بشرط تقديم المتبع، وذلك؛ كقول خرنق1: [الكامل] 396- لا يبعدن قومي الذين هم ... سم العداة وآفة الجزر2 النازلون بكل معترك ... والطيبون معاقد الأزر

_ 1 هي: الخرنق بنت بدر بن مالك، من بني قيس بن ثعلبة؛ وهي أخت طرفة بن العبد لأمه، وزوج بشر بن عمرو بن مرثد سيد بني أسد؛ شاعرة جاهلية؛ لها في رثاء زوجها، ورثاء من قتل معه يوم قلاب شعر حسن؛ ولها في رثاء أخيها طرفة رثاء أيضا. ماتت نحو: 50ق. هـ. الخزانة: 2/ 306، سمط اللآلي: 780، أعلام النساء: 1/ 294، الأعلام: 2/ 303. 2 تخريج الشاهد: البيتان من قول الخزنق في رثاء زوجها، ومن قتل معه في يوم قلاب؛ أحد أيام العرب، وهو نسبة لجبل بديار بني أسد. والبيتان من شواهد: التصريح: 2/ 114، والكتاب لسيبويه: 1/ 140، 246، 249، 288. والجمل للزجاجي: 82، والمحتسب: 2/ 198، وأمالي ابن الشجري: 1/ 244، والإنصاف: 1/ 468، 2/ 743، والخزانة: 1/ 301، والعيني: 3/ 602، 4/ 72، والهمع: 2/ 119، والدرر: 2/ 150. المفردات الغريبة: لا يبعدن: دعاء خرج مخرج النهي؛ أي: لا يهلكن؛ من البعد بمعنى: الذهاب بالموت، أو الهلاك. ومن عادة العرب؛ إذا أرادوا الدعاء لشخص؛ يقولون له: لا تبعد، أو لا يبعد. وإذا أرادوا الدعاء عليه؛ قالوا: بعدت، أو بعدا لك؛ وفي التنزيل: {أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ} العداة: جمع عاد -بمعنى العدو- أي: أنهم بمنزلة السم للأعداء، يقتلونهم بلا رحمة. آفة الجزر: الآفة "اسم لكل ما يؤذي، أو يهلك. والجزر: جمع جزور؛ وهي الإبل، يريد أنهم كرماء. معترك: موضع الاعتراك والقتال. معاقد: جمع معقد؛ وهو موضع عقد الإزار؛ والإزار: ما يشده الإنسان على وسطه، وكني بذلك، عن طهارتهم، وعفتهم عن الفحشاء. المعنى: تدعو الشاعرة لقومها بالسلامة والنجاة، وتصفهم بالشجاعة وأنهم للأعداء بمنزلة السم، لا يبقون عليهم؛ وبالكرم فهم يفنون الإبل ذبحا للضيفان، وبالإقدام؛ فهم لا يجبنون عن القتل في كل معركة؛ وهم مع هذا شرفاء بعيدون عن الخنا والفحشاء. الإعراب: لا يبعدن: لا حرف دعاء، لا محل له من الإعراب. يبعدن: فعل مضارع =

ويجوز فيه رفع "النازلين" و"الطيبين" على الإتباع لـ"قومي"، أو على القطع بإضمار "هم"، ونصبهما بإضمار "أمدح" أو "أذكر"، ورفع الأول ونصب الثاني على ما ذكرنا، وعكسه على القطع فيهما. وإن لم يعرف إلا بمجموعها؛ وجب إتباعها كلها، لتنزيلها منه منزلة الشيء الواحد؛ وذلك، كقولك: "مررت بزيد التاجر الفقيه الكاتب"، إذا كان هذا الموصوف يشاركه في اسمه ثلاثة: أحدهم تاجر كاتب، والآخر تاجر فقيه، والآخر فقيه كاتب1.

_ = مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، في محل جزم بـ"لا" الدعائية، ونون التوكيد حرف مبني على السكون، لا محل له من الإعراب. قومي: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، والياء: في محل جر بالإضافة الذين: اسم موصول في محل رفع صفة لـ"قومي". هم: ضمير رفع منفصل في محل رفع مبتدأ. سم: خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف. العداة: مصاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة؛ وجملة "هم سم العداة": صلة للموصول، لا محل لها. وآفة: الواو عاطفة، آفة: اسم معطوف على سم، وهو مضاف. الجزر: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. النازلون: صفة لـ"قومي" أو خبر لمبتدأ محذوف وجوبا؛ تقديره: هم النازلون؛ وعلى رواية "النازلين"، فهو: مفعول به لفعل محذوف وجوبا؛ تقديره: أمدح، أو: أعني النازلين. "بكل": متعلق بـ"النازلون"، وكل مضاف. معترك: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. والطيبون: الواو عاطفة، الطيبون: صفة لـ"قومي"؛ أو: خبر لمبتدأ محذوف وجوبا؛ كما في "النازلون"، وعلى رواية: "النازلين"؛ فهو: إما مفعول به لفعل محذوف وحوبا، أو معطوفا على "النازلين"؛ على رواية النصب. معاقد: منصوب على التشبيه بالمفعول به؛ لأن "الطيبون" صفة مشبهة، وهو مضاف. الأزر: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. موطن الشاهد: "النازلون، الطيبون". وجه الاستشهاد: مجيء كل من "النازلون" و"الطيبون": صفة لا يتوقف عليها تعيين الموصوف؛ ولهذا، يجوز فيهما الإتباع والقطع؛ كما بينا في الإعراب، وأوضحه المؤلف في المتن. 1 "فزيد" المقصود لا يتعين إلا بالنعوت الثلاثة؛ فيجب -حينئذ- إتباعها كلها.

وإن تعين ببعضها؛ جاز فيما عدا ذلك البعض الأوجه الثلاثة1. وإن كان المنعوت نكرة تعين في الأول من نعوته الإتباع؛ وجاز في الباقي القطع؛ كقوله2: [المتقارب] 397- ويأوي إلى نسوة عطل ... وشعثا مراضيع مثل السعالي3

_ 1 أي: الإتباع، والقطع، والجمع بينهما؛ بشرط تقديم المتبع، ووجب إتباع المفتقر إليه في التعيين. 2 القائل: هو أمية بن أبي عائذ الهذلي، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: البيت في وصف صياد، يسعى لتحصيل قوت عياله؛ وهو من شواهد: التصريح: 2/ 117، والأشموني: 782/ 2/ 400، والعيني: 4/ 63، ومعاني الفراء: 1/ 108، وشرح المفصل: 2/ 18، والمقرب: 48، والخزانة: / 1/ 417، 2/ 301، وحاشية الدمنهوري على متن الكافي: 66، وشرح السكري: 507، وديوان الهذليين: 2/ 148. المفردات الغريبة: يأوي، المراد: يرجع ويئوب، وأصله من أوى فلان إلى فلان؛ أي نزل عنده وسكن إليه، وفلان مأوى المساكين؛ أي: أنهم ينزلون عليه ويجدون -عنده- راحتهم. عطل: جمع عاطل؛ وهي المرأة التي خلا جيدها من الحلي. شعثا: جمع شعثاء، وهي المرأة السيئة الحال، الملبدة الشعر. مراضيع: جمع مرضع، وزيدت الياء للإشباع، أو جمع مرضاع، والياء منقلبة عن الألف، في المفرد: السعالي: جمع سعلاة؛ وهي أخبث الغيلان. المعنى: أن هذا الصائد، يغيب عن منزله ونسائه، مدة للصيد، وسعيا وراء رزقه، ثم يعود إليه، فيجد نسوة بائسات، قد خلت أعناقهن، من الحلي، وتلبدت واغبرت شعورهن؛ وهن يرضعن أبناءهن، وتراهن في هذا المنظر القبيح، كأخبث الغيلان. الإعراب: ويأوي: الواو عاطفة، يأوي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره هو. "إلى نسوة": متعلق بـ"يأوي". عطل: صفة لـ"نسوة" مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة. وشعثا: الواو عاطفة، شعثا: مفعول به لفعل محذوف؛ والتقدير: أعني شعثا، أو أصف، أو أذكر، أو نحو ذلك. مراضيع: صفة لـ"شعثا" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. مثل: صفة ثانية لـ"شعثا"، وهو مضاف. السعالي: مضاف إليه مجرور. موطن الشاهد: "نسوة عطل وشعثا". وجه الاستشهاد: جر "عطل" على الإتباع وجوبا؛ لأنه صفة للنكرة؛ وجواز الإتباع =

[ما يقصد بالقطع] : وحقيقة القطع: أن يجعل النعت خبرا لمبتدأ؛ أو مفعولا لفعل. فإن كان النعت المقطوع لمجرد مدح، أو ذم، أو ترحم، وجب حذف المبتدأ والفعل1؛ كقولهم: "الحمد لله الحميد" بالرفع بإضمار "هو"، وقوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} 2 بالنصب بإضمار "أذم". وإن كان لغير ذلك3 جاز ذكره، تقول: "مررت بزيد التاجر" بالأوجه الثلاثة، ولك أن تقول: "هو التاجر" و"أعني التاجر". [جواز حذف المنعوت إن علم] : فصل: ويجوز بكثرة حذف المنعوت إن علم، وكان النعت إما صالحا لمباشرة العامل؛ نحو: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} 4؛ دروعا سابغات، أو بعض اسم مقدم

_ = والقطع في "شعثا"؛ لأنه روي مجرورا ومنصوبا؛ وفي هذا دلالة على أن نعوت النكرة يجب في أولها الإتباع، ويجوز في ما عداه الإتباع والقطع. 1 ليكون وجوب الحذف دليلا على قصد إنشاء المدح أو الذم أو الترحم. 2 111 سورة المسد، الآية: 3. موطن الشاهد: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} . وجه الاستشهاد: وقوع "حمالة" مفعولا به لفعل محذوف وجوبا؛ تقديره: أذم حمالة الحطب؛ وجملة "أذم حمالة الحطب": اعتراضية، لا محل لها. 3 بأن كان للتوضيح، أو التخصيص، أو التعميم، أو التفصيل. واعلم أن النعت -إذا قطع-؛ خرج عن كونه نعتا، وتكون جملته مستنأنفة، لا محل لها؛ وجوز بعضهم كونها في محل نصب على الحال؛ والقاعدة فيما تقدم: أنك إذا أتبعت الأول؛ جاز لك في التالي الإتباع، والقطع بالرفع، أو بالنصب. وإن قطعت الأول بالرفع، أو بالنصب؛ وجب في التالي القطع كذلك، فإن قطعت الجميع؛ لم يلزم جعل التالي: كالأول؛ بل يجوز التوافق والتخالف. التصريح: 2/ 117. 4 34 سورة سبأ، الآية: 11. موطن الشاهد: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} . وجه الاستشهاد: حذف الموصوف "دروعا"؛ لأن الأصل: اعمل دروعا سابغات؛

مخفوض بمن أو في1. فالأول؛ كقولهم: "منا ظعن ومنا أقام"؛ أي: منا فريق ظعن، ومنا فريق أقام2.

_ = فحذف الموصوف للعلم به، مع أن الصفة لا تختص بالموصوف؛ ولكن تقدم ذكر الحديد فأشعر به؛ وحكم حذف الموصوف -هنا- الجواز باتفاق. 1 أي: يحذف الموصوف جوازا أيا؛ إذا كانت الصفة جملة أو شبهها، وكان الموصوف مرفوعا -كما قال الفارسي- أو كان الموصوف بعضا -من اسم متقدم عليه- مجرورا بمن أو في. التصريح: 2/ 118. تنبيه: روى النحاة أبياتا من الشعر، وخرجوها على حذف الموصوف، وبقاء الصفة، وليس فيها أحد الشرطين اللذين ذكرهما المؤلف -تعبا لهم- غير أنهم حكموا بشذوذها؛ فمن ذلك قول الراجز: مالك عندي غير سهم وحجر ... وغير كبداء شديدة الوتر ترمي بكفي كان من أرمى البشر ... فالتقدير: ترمي بكفي رجل كان من أرمى البشر، إذا عدت "كان" زائدة؛ غير أن هذا الحذف للضرورة، كما ذكر الأشموني. انظر حاشية الصبان: 3/ 70. ومن الضرورة -أيضا- ما جاء في قول النابغة الذبياني: كأنك من جمال بني أقيش ... يقعقع بين رجليه بشن كأنك جمل من جمال بني أقيش؛ فحذف الموصوف "جمل"، وأبقى الصفة "الجار والمجرور"؛ ويمكن تخريج هذا البيت على المطرد الشائع؛ ويكون تقدير الكلام: كأنك من جمال بني أقيش جمل يقعقع بين رجليه بشن؛ ليكون الموصوف بعض اسم مجرور بمن متقدم؛ ويكون "الجار والمجرور": حالا من الضمير، في "يقعقع"؛ وجملة "يقعقع": صفة لـ"جمل". انظر حاشية الصبان: 3/ 71. 2 "فظعن وأقام" -جملتان في موضع رفع: نعتان لمنعوتين محذوفين: والمنعوتان: مرفوعان على الابتداء؛ وهما بعض اسم مقدم؛ وهو الضمير المجرور بمن. وهذا تقدير البصريين؛ ويقدر الكوفيون المحذوف اسما موصولا؛ أي: منا الذي ظعن، والذي أقام؛ وتقدير البصريين: أحسن وأقيس؛ لأن اتصال الموصول بالصلة أشد من اتصال الموصوف بصفته. التصريح: 2/ 118.

والثاني؛ كقوله1: [الرجز] 398- لو قلت ما في قومها لم تيثم ... يفضلها في حسب وميسم2 أصله: "لو قلت ما في قومها أحد يفضلها لم تأثم"، فحذف الموصوف وهو "أحد"، وكسر حرف المضارعة من تأثم، وأبدل الهمزة ياء، وقدم جواب لو فاصلا بين الخبر المقدم؛ وهو الجار والمجرور، والمبتدأ المؤخر؛ وهو "أحد" المحذوف.

_ 1 ينسب هذا البيت إلى الأسود الحماني، ويُنسب إلى حكيم الربعي -راجز إسلامي كان معاصرا للحجاج- والأسود الحماني نسبة إلى حمان بن عبد العزى من تميم، شاعر مقل. الخزانة: 5/ 64، والجمهرة: 220. 2 تخريج الشاهد: هذا بيت يصف فيه الراجز امرأة. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 118، والأشموني: 783/ 2/ 400، وسيبويه: 1/ 375، والخصائص: 2/ 370، وشرح المفصل: 3/ 59، 61، والخزانة: 3/ 311، والعيني: 4/ 71، والهمع: 2/ 120، والدرر: 2/ 151. المفردات الغريبة: لم تيثم: لم تأثم؛ أي: لم تقع في الإثم، وكسرت التاء على لغة، وقلبت الهمزة ياء؛ لسكونها إثر كسرة. يفضلها: يزيد عليها. حسب: كل ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه. ميسم: وسامة وحسن. المعنى: لو قلت: إنه ليس في قوم هذه المرأة، أحد يفضلها، ويزيد عليها، في عراقة النسب والجمال؛ لم تكن كاذبا، في قولك. الإعراب: لو: حرف شرط غير جازم، لا محل له من الإعراب. قلت: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: في محل رفع فاعل. ما: نافية، لا محل لها من الإعراب. "في قومها": متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف؛ والتقدير: ما في قومها أحد، وقوم مضاف، و"ها": مضاف إليه. يفضلها: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هو، و"ها" في محل نصب مفعولا به. "في حسب": متعلق بقوله: "يفضل". وميسم: الواو عاطفة، ميسم: اسم معطوف على "حسب" مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة؛ وجملة "يفضلها في حسب وميسم": في محل رفع صفة لـ"المبتدأ" المحذوف. موطن الشاهد: "ما في قومها يفضلها". وجه الاستشهاد: حذف الموصوف "أحد" وبقيت الصفة؛ وهي جملة يفضلها؛ والأصل: لو قلت ما في قومها أحد يفضلها؛ وقد أوضح المصنف ذلك.

[جواز حذف النعت إن علم] : ويجوز حذف النعت إن علم، كقوله تعالى: {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} 1 أي: كل سفينة صالحة، وقول الشاعر2: [المتقارب] 399- فلم أعط شيئا ولم أمنع3

_ 1 18 سورة الكهف، الآية: 79. موطن الشاهد: {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} . وجه الاستشهاد: حذف الصفة للعلم بها؛ بقرينة قوله تعالى: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} ، وبقرينة أخرى؛ وهي أن الملك الغاصب، لا يأخذ ما لا نفع فيه؛ وتقدير الآية: يأخذ كل سفينة صالحة غصبا؛ وحكم حذف الصفة -هنا- الجواز. 2 الشاعر: هو العباس بن مرداس السلمي، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: وقد كنت في الحرب ذا تدرأ والبيت من كلام العباس، يخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم حين وزع غنائم حنين؛ فأعطى قوما من أشراف العرب من المؤلفة قلوبهم؛ منهم أبو سفيان، ومعاوية ابنه، والأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن الفزاري. وأعطى العباس دون ما أعطى الواحد منهم؛ ففي ذلك يقول العباس: أتجعل نهبي ونهب العبـ ... ـيد بين عيينة والأقرع وما كان حصن ولا قابس ... يفوقان مرداس في مجمع وما كنت دون امرئ منهم ... ومن تضع اليوم لا يرفع العبيد: اسم فرسه. والنهب: الغنيمة. والشاهد من شواهد التصريح: 2/ 119، والأشموني: 787/ 2/ 401، والعيني: 4/ 69، والهمع: 120، والدرر: 2/ 153، والمغني: 1062/ 818، والسيوطي: 313. المفردات الغريبة: ذا تدرأ: صاحب عدة وقوة في القتال ومحاربة الأعداء، والدرء: الدفع، والمدارأة: المدافعة. المعنى: كنت في الحرب مجاهدا شجاعا، صاحب عدة وقوة لقهر الأعداء، وهزيمتهم؛ فلما وزعت الغنائم، لم أعط شيئا مناسبا لعملي؛ كما أعطي غيري، ولم أمنع نهائيا. الإعراب: وقد: الواو عاطفة، قد حرف تحقيق. كنت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء في =

أي: شيئا طائلا، وقوله1: [الوافر] 400- مهفهفة لها فرع وجيد2

_ = محل رفع اسمه. "في الحرب": متعلق بـ"كان". ذا: خبر كان منصوب، وعلامة نصبه الألف؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف. تدرأ: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره. فلم: الفاء عاطفة، لم: حرف نفي وجزم وقلب. أعط: فعل مضارع مجزوم مبني للمجهول، وعلامة جزمه الألف؛ ونائب الفاعل ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنا؛ وهو المفعول الأول، لـ"أعط". شيئا: مفعول به ثانٍ منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة؛ وله صفة محذوفة يدل عليها الكلام، كما سنرى في موطن الشاهد ووجه الاستشهاد. ولم: الواو عاطفة، لم: حرف نفي وجزم وقلب. أمنع: فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بـ"لم" وعلامة جزمه السكون، وحرك بالكسر؛ لضرورة الروي، ونائب الفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره أنا. موطن الشاهد: "فلم أعط شيئا". وجه الاستشهاد: ذكر الموصوف "شيئا" وحذفت الصفة للعلم بها؛ لأن أصل الكلام: فلم أعط شيئا عظيما، أو نحو ذلك؛ لأن الكلام لا يستقيم من دون تقدير المحذوف؛ لأنه يكون مخالفا للواقع؛ فهو قد أُعطي بالفعل عطاء؛ غير أنه كان أقل مما كان يتوقع؛ وما يؤكد ذلك قوله: "ولم أمنع"؛ فلو كان لم يُعط شيئا مطلقا؛ لكان مُنع، وهو ينفي المنع، ويجوز أن يكون في قوله: "ولم أمنع" حذف للصفة والموصوف معا؛ لأن تقدير الكلام: فلم أعط شيئا عظيما ولم أمنع الشيء الحقير. انظر هذه المسألة في حاشية الصبان: 3/ 71-72. والتصريح: 2/ 119. 1 القائل: هو المرقش الأكبر؛ واسمه: عمرو بن سعد بن مالك أحد بني بكر بن وائل، وقيل: "عوف" شاعر جاهلي، من المتيمين؛ له شعر جيد في أسماء بنت عمه، وكان يحسن الكتابة؛ اتصل بالحارث أبي شمر الغساني؛ فجعله كاتبه. مات نحو: 75ق. هـ. الشعر والشعراء: 1/ 210، وتجريد الأغاني: 752، الأغاني: 5/ 179، الخزانة: 3/ 515، الأعلام: 5/ 95. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: ورب أسيلة الخدين بكر وهو من شواهد: التصريح: 2/ 119، والأشموني: 788/ 2/ 401، والعيني: 4/ 72، والمفضليات للضبي: 224. =

أي: فرع فاحم وجيد طويل.

_ = المفردات الغريبة: أسيلة الخدين: ناعمتهما مع طول واسترسال. مهفهفة: ضامرة البطن خفيفة اللحم. فرع: شعر نام. جيد: عنق. المعنى: يصف الشاعر هذه الفتاة بأن لها خدا ناعما طويلا، وجسما فيه ضمور بطن ودقة خصر، وشعر مسترسل فاحم، وعنق طويل. الإعراب: رب: حرف جر شبيه بالزائد، يفيد التقليل. أسيلة: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا، على أنه مبتدأ، وهو مضاف. الخدين: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه مثنى. بكر: بدل أو عطف بيان من أسيلة الخدين. مهفهفة: صيغة لـ"أسيلة". "لها": متعلق بمحذوف خبر مقدم. فرع: مبتدأ مؤخر مرفوع. وجيد: الواو عاطفة، جيد: اسم معطوف على فرع مرفوع مثله. وجملة "المبتدأ وخبره": في محل رفع، أو جر صفة أخرى لـ"أسيلة". موطن الشاهد: "لها فرع وجيد". وجه الاستشهاد: حذف الوصفين للموصوفين: "فرع" و"جيد"؛ للدلالة مقام المجح على ذلك؛ لأن من غير المعقول أن يمدح الشاعر تلك الفتاة بأن لها شعرا وعنقا مطلقين؛ فكل إنسان له ذلك، وإنما أراد وصف الشعر بالطول والسواد والعنق بالطول على عادة العرب؛ فالتقدير -على الأغلب- لها فرع فاحم وجيد طويل؛ وما يؤكد هذا قول امرئ القيس واصفا الفرع بشدة السواد: وفرع يزيد المتن أسود فاحم ... أثيث كقنو النخلة المتعثكل وقوله واصفا الجيد بالطول: وجيد كجيد الرئم ليس بفاحم ... إذا هي نصته ولا بمعطل تعقيبات وتوجيهات: 1- قد يحذف النعت والمنعوت معا؛ إذا دلت القرينة عليهما، وهذا قليل؛ ومنه قوله تعالى في الأشقى: {ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} أي لا يحيى حياة نافعة؛ لأنه ليست هنالك واسطة بين الحياة والموت. 2- هناك نعت يسمى: النعت الموطئ أو "الممهد"؛ وهو: أن يكون النعت جامدا، وغير مقصود لذاته، والمقصود ما بعده، وقد ذكر؛ ليكون توطئة وتمهيدا، للمشتق التالي له المقصود حقيقة؛ نحو: قابلت أخًا أخًا مخلصا حقا؛ فأخًا الثانية نعت موطئ غير مقصود، والمقصود ما بعده وهو مخلص. 3- يجوز أن ينعت النعت؛ فتقول: هذا ورق أبيض ناصع البياض. وقد يقع قبل النعت المفرد: "لا" النافية أو "ما"، فيجب تكرار هذين الحرفين مع اقترانهما بالواو العاطفة؛ لما بعدهما على ما قبلهما؛ تقول: صاحب صديقا، لا بخيلا ولا مسرفا، واختر زميلا، إما شاعرا، وإما خطيبا.

............................................

_ 4- إذا تعددت النعوت واتحدت أنواعها -بأن كانت مفردة- فيجوز تقديم بعضها على بعض، وكذلك إذا كانت جملا. أما إذا اختلفت؛ فالغالب تقديم المفرد على شبه الجملة؛ وهذا على الجملة؛ تقول: هذا طائر أليف على غصن يغرد بصوت حسن؛ ومنه قوله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} ومن غير الغالب؛ قوله سبحانه: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} ، وهو فصيح، يجوز القياس عليه. 5- إذا تكررت النعوت لمنعوت واحد؛ وكانت مفردة متحدة المعنى، لم يجز عطف أحدها على الآخر؛ نحو: هذا محمد الشجاع الفاتك؛ لأن العطف يقتضي المغايرة. وإن كانت مختلفة المعنى؛ جاز العطف في المفردات. بجميع حروف العطف ما عدا: "أم"، و"حتى". وفي الجمل خلاف؛ نحو: هذا طالب يعرف العربية ويتقن الإنجليزية، ويتعثر في الفرنسية. 6- من الأسماء ما ينعت، وينعت به لاستيفائه شروط ذلك؛ كاسم الإشارة؛ تقول: مررت بمحمد هذا، وبهذا الشاعر، ولا يكون نعتا إلا لمعرفة؛ لأنه معرفة. وإذا وقع منعوتا؛ وجب أن يكون النعت مقرونا بأل. وإذا كان جامدا فالأحسن: اعتباره عطف بيان؛ ويجب أن يطابق منعوته، في الإفراد، والتذكير وفروعهما، والموصول، والإشارة. ومنها ما لا ينعت، ولا ينعت به، وذلك؛ كالمضمر، والمصدر الدال على الطلب، وكثير من الأسماء المتوغلة في الإبهام؛ كأسماء الشرط والاستفهام، و"كم" و"ما" التعجبية، وبعض الظروف المبهمة؛ كقبل وبعد؛ ويستثنى من ذلك "غير"، و"سوى"، و"من"، و"ما" النكرتان التامتان. ومنها ما ينعت، ولا ينعت به؛ كالأعلام: ومنها ما يقع نعتا، ولا يقع منعوتا، ومن ذلك "أي"؛ بشرط أن يكون المنعوت بها نكرة، و"كل" نحو: أنت الأمين كل الأمين؛ أي المتناهي في الأمالنة، و"جد" تقول؛ سمعت خطابا بليغا جد بليغ. وإذا صلح النعت لمباشرة العامل؛ جاز تقديمه، ويكون المنعوت بدلا منه؛ نحو قوله تعالى: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} . حاشية الصبان: 2/ 72-73، النحو الوافي: 3/ 482-500.

باب التوكيد

هذا باب التوكيد1 [التوكيد المعنوي وألفاظه] : وهو ضربان: لفظي وسيأتي، ومعنوي2؛ وله سبعة ألفاظ3. [حكم التوكيد بالنفس والعين] : الأول والثاني: النفس والعين4، ويؤكد بهما؛ لرفع المجاز عن الذات، تقول: "جاء الخليفة" فيحتمل أن الجائي خبره أو ثقله5، فإذا أكدت بالنفس أو بالعين أو بهما6؛ ارتفع ذلك الاحتمال. ويجب اتصالهما بضمير مطابق للمؤكد، وأن يكون لفظهما طبقه في الإفراد

_ 1 هو في الأصل: مصدر وكد، ثم استعمل في التابع المذكور؛ ويقال فيه: التأكيد، بقلب الواو همزة؛ والأول أشهر في استعمال النحاة. 2 هو التابع الذي يزيل عن متبوعه الشك، واحتمال إرادة غير معناه الحقيقي الظاهر، وعدم إرادة العموم والشمول. 3 لفظ سبعة غير دقيق؛ لأن المؤلف، ذكر ألفاظ التوكيد المعنوي المشهور استعمالها؛ ومعلوم أنه يوجد ألفاظ غيرها، تستعمل في التوكيد المعنوي، غير أنها ليست مشهورة. انظر حاشية يس على التصريح: 2/ 120. 4 المراد بهما -النفس والعين: ذات الشيء، وحقيقته التي يتكون منها -ولو لم يكن في تركيبه نفس ولا عين-؛ ويختصان عن بقية ألفاظ التوكيد المعنوي، بجواز جرهما بالباء الزائدة؛ تقول: رأيت الرجل نفسه، أو بنفسه؛ وقابلت الموظف عينه، أو بعينه؛ والمجرور يكون في محل رفع، أو نصب، أو جر على حسب المتبوع. وإذا أكد معهما بكلمة "كل"، يحسن تأخير "كل" عنهما، كما سيتضح لاحقا. انظر حاشية الصبان: 3/ 73-74. والتصريح: 2/ 120. 5 الثقل: واحد الأثقال، وبفتح الثاء والقاف: متاع المسافر وحشمه. 6 أي: معا من دون عطف. ويشترط تقديم النفس على العين.

والجمع1؛ وأما في التثنية: فالأصح جمعهما على أفعل2، ويترجح إفرادهما على تثنيتهما، عند الناظم، وغيره بعكس ذلك. والألفاظ الباقية: كلا وكلتا للمثنى3، وكل وجميع وعامة لغيره4. ويجب اتصالهن بضمير المؤكد؛ فليس منه: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} 5؛ خلافا لمن وهم6، ولا قراءة بعضهم: "إنا كلا فيها"7؛ خلافا

_ 1 ينبغي أن يجمع النفس والعين جمع تكسير للقلة على "أفعل" لا غير؛ حين يكون المؤكد جمعا؛ مع إضافتهما لضمير الجمع. ولا يجوز أن يؤكد بهما مجموعين على نفوس وعيون على المختار. 2 فيقال: جاء المحمدان أنفسهما أو أعينهما؛ ويجوز إفرادهما وتثنيتهما؛ فيقال: نفسهما وعينهما، أو: نفساهما، وعيناهما، ولا بد من إضافتهما إلى ضمير المثنى؛ ليطابق المؤكد. 3 أي: ولو على سبيل التفريق؛ نحو: فاز محمد وعلي كلاهما؛ بشرط اتحاد العامل. ويقصد بهما: إزالة الاحتمال والمجاز عن التثنية، وإثبات أنها هي المقصودة. 4 أي: لغير المثنى؛ وهو الجمع مطلقا، والمفرد بشرط أن يتجزأ بنفسه، أبو بعامله؛ نحو: نجح الطلبة كلهم أو جميعهم أو عامتهم، واشتريت الدابة كلها، أو جميعها، أو عامتها. 5 2 سورة البقرة، الآية: 29. موطن الشاهد: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} . وجه الاستشهاد: عدم وقوع "جميعا" توكيدا في هذه الآية؛ لعدم اتصاله بالضمير؛ لأنه لو كان توكيدا؛ لجاء "جميعه" على أن التوكيد بجميع غريب -كما سيأتي- فلا يحمل التنزيل عليه. التصريح: 2/ 122. 6 هو ابن عقيل؛ أحد شراح الألفية؛ فإنه أعرب "جميعا": توكيدا لـ"ما" الموصولة الواقعة مفعولا "لخلق"، ولو كان كذلك لقيل جميعه، ثم التوكيد بجميع قليل فلا يحمل عليه التنزيل. مغني اللبيب: 662، التصريح: 2/ 122. 7 أوجه القراءات: قرأ الجمهور: {إِنَّا كُلٌّ فِيهَا} ، برفع "كل"، وقرأ بعض القراء: "إنا كلا" بنصب "كلا" على أنها بدل من اسم "إن" على الصحيح. انظر التصريح: 2/ 123. موطن الشاهد: "إنا كلا فيها". وجه الاستشهاد: عدم مجيء "كلا" توكيدا لـ"نا" الواقع اسما لـ"إن"؛ لأنه لم يتصل بها الضمير، وإنما هي بدل من اسم "إن" على الصحيح؛ و"جميعا" في الآية السابقة: في محل نصب على الحال من "ما" الموصولة.

للفراء والزمخشري1؛ بل "جميعا" حال2، و"كلا" بدل3، ويجوز كونه حالا من ضمير الظرف4 ويؤكد بهن؛ لرفع احتمال تقدير بعض مضاف إلى متبوعهن؛ فمن ثم جاز "جاءني الزيدان كلاهما" و"المرأتان كلتاهما"؛ لجواز أن يكون الأصل: جاء أحد الزيدين أو إحدى المرأتين؛ كما قال تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} 5، بتقدير يخرج من أحدهما6، وامتنع على الأصح: "اختصم الزيدان كلاهما"، و"الهندان كلتاهما"؛ لامتناع التقدير المذكور7، وجاز "جاء القوم كلهم"،

_ 1 مرت ترجمة لكل منهما. 2 أي: من "ما" الموصولة، ومعناها: مجتمعا، وخلق: بمعنى قدر خلق ذلك في علمه، فلا يرد أن الحالية، تقتضي وقوع الخلق، على ما في الأرض، في حالة الاجتماع، وليس كذلك. حاشية يس على التصريح: 2/ 123. 3 أي: بدل "كل" من اسم "إن"؛ وهو لا يحتاج إلى ضمير. 4 أي: من ضمير الاستقرار المرفوع في "فيها"؛ وفيه ضعفان؛ تقدم الحال على عامله الظرفي، وتنكير "كل"، بقطعها عن الإضافة لفظا ومعنى؛ والحال واجبة التنكير. قيل: وقد يُستغنى عن الإضافة إلى الضمير بالإضافة إلى مثل ظاهر المؤكد بكل؛ ومنه قول كثير: كم قد ذكرتك لو أجزى بذكركمو ... يا أشبه الناس كل الناس بالقمر مغني اللبيب: 256. 5 55 سورة الرحمن، الآية: 22. موطن الشاهد: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} . وجه الاستشهاد: وقوع المثنى "منهما"؛ وإرادة الواحد به؛ وهو البحر الملح. 6 أي: وهو البحر الملح؛ لأن العذب، ليس فيه ذلك. واللؤلؤ: كبار الدر. والمرجان: صغاره. التصريح: 2/ 123. 7 لأن التخاصم، لا يتحقق معناه إلا بوقوعه من اثنين حتما؛ فلا فائدة من التوكيد هنا؛ ومثله: كل ما يدل على المفاعلة، والمشاركة؛ نحو: تقاتل، وتحارب؛ وهذا رأي الأخفش، ومن تبعه. وأجاز الجمهور مثل ذلك -على ما فيه من ضعف بلاغي-؛ لأن التوكيد، قد يكون للتقوية؛ لا لرفع الاحتمال. التصريح: 2/ 123، وحاشية الصبان: 3/ 75.

و"اشتريت العبد كله"، وامتنع "جاء زيد كله"1. [التوكيد بـ"جميع"] : والتوكيد بجميع غريب، ومنه قول امرأة: [مجزوء الرجز] 401- فداك حي خولان ... جميعهم وهمدان2

_ 1 لعدم الفائدة من التوكيد؛ لأنه يستحيل نسبة المجيء إلى جزئه. 2 تخريج الشاهد: البيت: قالته امرأة أعرابية ترقص به ولدها وبعده: وكل آل قحطان ... والأكرمون عدنان وهو من شواهد: التصريح: 2/ 123، والعيني: 4/ 91، والهمع: 2/ 123، والدرر: 2/ 155. المفردات الغريبة: فداك؛ الفداء بالمد والقصر: ما يُعطى من مال ونحوه عوضا عن المفدى؛ والمراد هنا: الدعاء والثناء. خولان وهمدان: قبيلتان من قبائل اليمن. قحطان: أبو العرب اليمانية. عدنان: أبو عرب الحجاز. المعنى: تخاطب تلك المرأة طفلها -وهي تداعبه- قائلة: تفديك قبيلتا خولان وهمدان جميعهما؛ وهذا كقول القائل: فداك أبي وأمي؛ ونحو ذلك. الإعراب: فداك: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر، وهو مضاف، والكاف: في محل جر بالإضافة. حي: خبر المبتدأ مرفوع، وهو مضاف. خولان: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف، وسكن لضرورة الوقف. جميعهم: توكيد لـ"حي خولان"، و"هم" في محل جر مضاف إليه. وهمدان: الواو حرف عطف، همدان: اسم معطوف على حي خولان. موطن الشاهد: "جميعهم". وجه الاستشهاد: مجيء هذا اللفظ توكيدا للخبر، أو للفاعل إن حركنا الفاء بالفتح؛ وهو بمنزلة كل في المعنى والاستعمال، ويقصد به رفع احتمال التجوز بإرادة البعض، وإطلاق اسم الكل عليه. فائدة: قد يأتي لفظ "جميع" بمعنى: مجتمع؛ أي: ضد متفرق، فلا يفيد توكيدا، كقول الشاعر: نهيتك عن هذا وأنت جميع انظر ضياء السالك 3/ 141.

[التوكيد بـ"عامة"] : وكذلك التوكيد بعامة، والتاء فيها بمنزلتها في النافلة؛ فتصلح مع المؤنث والمذكر1؛ فتقول "اشتريت العبد عامته"، كما قال الله تعالى: {وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} 2. [جواز تقوية التوكيد بـ"أجمع وجمعاء"] : فصل: ويجوز، إذا أريد تقوية التوكيد، أن تتبع كله بأجمع، وكلها بجمعاء، وكلهم بأجمعين، وكلهن بجمع؛ قال الله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} 3.

_ 1 قال ابن مالك في الألفية: واستعملوا أيضا ككل فاعله من "عم" في التوكيد مثل النافله فقد ذكر ابن هشام -هنا- أن المراد بهذا التشبيه، أن التاء في "عامة" مثل التاء في لفظ "نافلة" يؤتى بها مع المذكر، ومع المؤنث، وليس ذكره استدراكا على النحاة. فقد ذكر ابن الناظم في شرحه على الألفية؛ أن قوله: "مثل النافلة؛ معناه: أن ذكر هذا اللفظ -في هذا الباب- زائدة على ما ذكره النحاة؛ فإن أكثرهم أغفل ذكره؛ فكما أن النافلة زيادة على ما فرضه الله تعالى على عباده، يكون ذكر لفظ "عامة" في ألفاظ التوكيد، زيادة، على ما ذكره النحاة، من ألفاظه. هذا، واعتبار لفظ "عامة"؛ بمعنى: جميع، ومجيئه توكيدا؛ هو مذهب سيبويه؛ وذهب المبرد إلى أن معنى "عامتهم" في مثل: جاء القوم عامتهم؛ أكثرهم لا جميعهم؛ وعلى هذا يكون بدل بعض من كل لا للتعميم؛ كما يرى سيبويه. التصريح: 2/ 124. كتاب سيبويه: 1/ 376-377. 2 21 سورة الأنبياء، الآية: 72. موطن الشاهد: {وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} . وجه الاستشهاد: استشهد بالآية الكريمة على أن "عامة" لفظ يشبه "نافلة" في الوزن، ولزوم التاء في الأحوال كلها؛ تذكيرا، وتأنيثا، وإفرادا ... 3 15 سورة الحجر، الآية: 30. موطن الشاهد: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "كلهم" توكيدا، و"أجمعون" توكيدا ثانيا؛ جيء به؛ لتقوية التوكيد الأول.

وقد يؤكد بهن وإن لم يتقدم كل1؛ نحو: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} 2، {لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} 3، ولا يجوز تثنية أجمع ولا جمعاء استغناء بكلام وكلتا4، كما استغنوا بتثنية سي عن تثنية سواء5؛ وأجاز الكوفيون والأخفش ذلك؛ فتقول "جاءني الزيدان أجمعان" و"الهندان جمعاوان". وإذا لم يفد توكيد النكرة لم يجز باتفاق6، وإن أفاد جاز، عند الكوفيين، وهو الصحيح، وتحصل الفائدة بأن يكون المؤكد محدودا والتوكيد من ألفاظ

_ 1 وفي هذه الحالة؛ يجوز إعراب "أجمعين" وأخواتها: حالا؛ ولكن المعنى يختلف عن إعرابها توكيدا؛ فإن معناها -على الحال- يكون: مجتمعين؛ أي: في حال اجتماعهم، وعدم تفرقهم. وعلى التوكيد؛ يكون معناها: الشمول، والإحاطة، وينبغي ملاحظة ذلك عند الإعراب. 2 38 سورة ص، الآية: 82. موطن الشاهد: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} . وجه الاستشهاد: وقوع "أجمعين" توكيدا لـ"هم" الواقع مفعولا به؛ وحكم وقوع "أجمعين" توكيدا من دون أن يسبق بـ"كل" الجواز باتفاق. 3 15 سورة الحجر، الآية: 43. موطن الشاهد: {لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} . وجه الاستشهاد: وقوع "أجمعون" توكيدا لـ"هم" الواقع في محل جر بالإضافة؛ وحكم وقوع "أجمعين" توكيدا من دون أن يسبق بـ"كل" الجواز، كما في الآية السابقة. 4 قيل: إنما يصح الاستغناء بذلك؛ إذا قصد شمول الأفراد؛ أما إذا قصد شمول أجزاء الأفراد -كما في اشتريت المنزلين أو الحديقتين- فإن "كلا" و"كلتا" لا تفيده. 5 فقالوا: سيان، ولم يقولوا: سواءان؛ وهذا رأي جمهور البصريين. هذا، وإذا تكررت ألفاظ التوكيد؛ فهي للمتبوع، وليس الثاني توكيدا للتوكيد. ولا يجوز فيها القطع، ولا عطف بعضها على بعض؛ وهي كلها معارف إما بالإضافة، إلى الضمير؛ نحو: كلهم، وإما بالعلمية؛ نحو: أجمعون، ومن ثم امتنع نصب شيء منها على الحال. 6 لأن الغرض من التوكيد إزالة اللبس؛ وألفاظه معارف، والنكرة تدل، على الإبهام والشيوع؛ فهما متعارضان تعريفا وتنكيرا.

الإحاطة؛ كـ"اعتكفت أسبوعا كله"، وقوله1: [البسيط] 402- يا ليت عدة حول كله رجب2

_ 1 القائل: هو عبد الله بن مسلم بن جندب الهذلي، أحد بني خزيمة بن صاهلة وأحد شعراء العصر الأموي. له ترجمة في شرح أشعار الهذليين للسكري: 909. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: لكنه شاقه أن قيل ذا رجب وهو من شواهد: التصريح: 2/ 125، وشذور الذهب: 228/ 556، والقطر: 138/ 397، والأشموني: 793/ 2/ 407، والعيني: 4/ 96، والإنصاف: 1/ 451، وشرح المفصل: 3/ 35، وأشعار الهذليين: 91. المفردات الغريبة: شاقه: أعجبه وهاجه، أو بعث الشوق في نفسه. والشوق: تموع النفس إلى الشيء. الحول: العام. المعنى: يقول الشاعر: إنه أعجبه وبعث الشوق في نفسه حين قيل: هذا الشهر رجب، وتمنى أن تكون شهور العام كلها "رجب" لما يجد فيه من الخير والأنس. الإعراب: لكنه: حرف مشبه بالفعل، والهاء ضمير متصل مبني على الضم، في محل نصب اسمه. شاقه: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والهاء ضمير متصل، مبني على الضم، في محل نصب مفعولا به. أن: حرف مصدري. قيل: فعل ماضٍ مبني للمجهول. ذا: اسم إشارة مبني على السكون، في محل رفع مبتدأ. رجب: خبر مرفوع. وجملة "شاقه رجب": في محل رفع خبر "لكن". وجملة "ذا رجب": في محل رفع نائب فاعل لـ"قيل"؛ والمصدر المؤول من "أن المصدرية وما دخلت عليه": في محل رفع فاعل "شاق". يا: حرف تنبيه. ليت: حرف مشبه بالفعل. عدة: اسم "ليت" منصوب، وهو مضاف. حول: مضاف إليه. كله: توكيد لـ"حول" مجرور، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه. رجب: خبر ليت مرفوع -على رواية الرفع في رجب. ورأى بعضهم أن "رجبا" -بالنصب وليس بالرفع- وعليها فإما أن يكون الشاهد، قد جرى على اللغة الضعيفة التي تنصب بـ"ليت" وأخواتها الجزأين؛ وإما أن يكون "رجبا" مفعولا به لفعل محذوف تقع جملته خبرا لـ"ليت"؛ والتقدير: يا ليت عدة حول كله تشبه رجبا؛ والأول أفضل؛ غير أن البيت من قصيدة منصوبة الروي؛ ومطلعها: يا للرجال ليوم الأربعاء أما ... ينفك يحدث لي بعد النهى طربا موطن الشاهد: "حول كله". وجه الاستشهاد: توكيد النكرة "حول" على رأي الكوفيين؛ لكونها محدودة؛ لأن العامة معلوم الأول والآخر؛ ولفظ التوكيد "كله" من الألفاظ الدالة على الإحاطة؛ وهذا مذهب الكوفيين، وهو ما ارتضاه ابن مالك.

ومن أنشد "شهر" مكان حول فقد حرفه1، ولا يجوز "صمت زمنا كله"2، ولا "شهرا نفسه"3. [توكيد الضمير بالنفس أو بالعين] : فصل: وإذا أكد ضمير مرفوع متصل4، بالنفس أو بالعين؛ وجب توكيده أولا بالضمير المنفصل5؛ نحو "قوموا أنتم أنفسكم"، بخلاف "قام الزيدون أنفسهم" فيمتنع الضمير6، وبخلاف "ضربتهم أنفسهم"، و"مررت بهم أنفسهم"، و"قاموا كلهم"، فالضمير جائز لا واجب7.

_ 1 لأنه يفسد المعنى؛ إذ لا يتصور أن يتمنى أن يكون الشهر كله رجبا؛ فإن الشهر، لا يكون بعضه رجبا، وبعضه غير رجب؛ حتى يتمنى أن يكون كله رجبا. 2 لأن النكرة غير محدودة الوقت، ولا معلومة المقدار. 3 لأن لفظ التوكيد، ليس من ألفاظ الإحاطة والشمول. 4 سواء أكان بارزا؛ كما مثل المصنف، أم مستترا؛ نحو: محمد حضر هو نفسه. 5 لوقوع اللبس -أحيانا- في مثل: هند خرجت نفسها، أو ذهبت عينها؛ إذ يحتمل أن المراد: هو خروج نفسها؛ التي بها حياتها، وذهاب عينها؛ التي تبصر بها؛ فإذا جاء الفاصل، منع هذا الاحتمال؛ ويعرب الضمير المنفصل توكيدا لفظيا للضمير السالف؛ وقيل: إن الشرط مطلق فاصل، ولو غير ضمير؛ نحو؛ قوموا في الدار أنفسكم، ولكن الفصل بالضمير المنفصل أحسن وأفصح. التصريح: 2/ 126، وكتاب سيبويه: 2/ 379. 6 لأن المؤكد؛ وهو: "الزيدون" ليس ضميرا متصلا، وإنما هو اسم ظاهر، والضمير لا يؤكد الظاهر؛ فإن الظاهر أقوى منه؛ لأنه لا يحتاج إلى مرجع يفسره. 7 لأن الضمير المؤكد في الأولين، ليس مرفوعا، فهو منصوب المحل على المفعولية في الأول، ومجرور المحل بالباء، في الثاني؛ فلا يلزم توكيده بالضمير المنفصل، قبل توكيده بالنفس أو بالعين؛ ومع هذا يجوز توكيده بالضمير. تقول: ضربتهم هم أنفسهم، ومررت بهم هم أنفسهم، ويجوز بغير توكيد بالضمير. والتوكيد في الثالث بغير النفس والعين. أما توكيد الضمير المرفوع المنفصل بالنفس أو بالعين؛ فحكمه حكم توكيد الاسم الظاهر بهما؛ لا يحتاج إلى فاصل. تقول: أنت نفسك حضرت، وأنتما أنفسكما سافرتما، وأنتم أنفسكم امتنعتم عن الإجابة ... إلخ. التصريح: 2/ 125-126، وضياء السالك: 3/ 146.

[التوكيد اللفظي وأحكامه] : [معنى التوكيد اللفظي] : وأما التوكيد اللفظي فهو: اللفظ المكرر به ما قبله1. فإن كان جملة فالأكثر اقترانها بالعاطف2، نحو: {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} 3، ونحو: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى، ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} 4، وتأتي بدونه، نحو

_ 1 إما بعينه ولا يضر فيه بعض تغيير؛ نحو: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ} ، أو بمرادفه؛ كقوله الشاعر: "أنت بالخير حقيق قمن" أي: جدير، ويكون المرادف فعلا واسما. ولا يزيد التكرير عن ثلاث؛ لأنه لم يقع أكثر منها في كلام العرب، وأما ما في سورة الرحمن والمرسلات؛ فليس بتأكيد؛ لأنها لم تتعدد على معنى واحد؛ بل كل آية قيل فيها ذلك؛ فالمراد التكذيب بما ذكر فيها. 2 وهو "ثم" خاصة. وجعل الرضي "الفاء" كثم، ويؤيده قوله تعالى: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} ، والعطف -هنا- صوري؛ لأن بين الجملتين تمام الاتصال؛ فلا تعطف الثانية، على الأولى، عطفا حقيقيا، وإلا كانت التبعية بالعطف، لا بالتوكيد. حاشية يس على التصريح: 2/ 127. 3 78 سورة النبأ، الآية: 4، والآية: 5. موطن الشاهد: {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} . وجه الاستشهاد: وقوع جملة {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} الثانية توكيدا لفظيا للجملة الأولى، وقد اقترنت بحرف العطف "ثم"؛ وحكم هذا الاقتران جائز بكثرة. 4 75 سورة القيامة، الآية: 34، والآية: 35. موطن الشاهد: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} . وجه الاستشهاد: وقوع جملة {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} الثانية توكيدا لفظيا، للجملة الأولى، مع اقترانها بحرف العطف، كما في الآية السابقة. ومن أمثلته -أيضا- قوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ، ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} ؛ لأنه لو عطف بثم، أو بالفاء؛ لتوهم تكرار الضرب.

قوله عليه الصلاة والسلام: "والله لأغزون قريشا" ثلاث مرات، ويجب الترك عند إيهام التعدد، نحو "ضربت زيدا ضربت زيدا"1. [أحكام التوكيد اللفظي] : وإن كان اسما ظاهرا أو ضميرا منفصلا منصوبا فواضح2؛ نحو: "فنكاحها باطل باطل باطل"3 وقوله4: [الطويل] 403- فإياك إياك المراء فإنه5

_ 1 أي: وتأتي الجملة توكيدا لفظيا، لجملة سبقتها، من دون أن تقترن بحرف العطف، ولو كررت عدة مرات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: كرر الجملة عينها ثلاث مرات. 2 أي أن توكيده، يكون بمجرد التكرار، من غير شرط، ويتبع الثاني الأول في الضبط، ولا محل له من الإعراب. ويجب في الأسماء الموصولة، عند توكيدها توكيدا لفظيا، إعادة لفظها وصلتها معه، ولا يجوز تكرار الموصول -وحده- دون صلته. 3 هذا جزء من حديث شريف؛ وهو: "أيما امرأة نكحت نفسها بغير وليها فنكاحها باطل باطل باطل". والحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده: 6/ 66-166، وشرح معاني الآثار: 3/ 7، وإرواء الغليل: 6/ 243. موطن الشاهد: "نكاحها باطل باطل باطل". وجه الاستشهاد: وقوع "باطل" توكيدا لفظيا مكررا؛ كما هو واضح. 4 القائل: هو الفضل بن عبد الرحمن القرشي، شاعر بني هاشم وعالمهم في وقته، أول من لبس السواد على زيد بن علي بن الحسين، ورثاه بقصيدة طويلة حسنة، تخفى عند بني تميم، من هارون الرشيد الذي طلبه، فدلوا عليه؛ فهجاهم بأببات مشهورة. توفي سنة: 173هـ. الأعلام: 5/ 150، المرزباني: 310، نسب قريش: 89. 5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: إلى الشر دعاء وللشر جالب وهو من شواهد: التصريح: 2/ 128، والأشموني: 796/ 2/ 409، وسيبويه: 1/ 141، والمقتضب: 3/ 213، والخصائص: 3/ 102، وشرح المفصل: 2/ 25، والعيني: 4/ 113، 308، والخزانة: 1/ 465، ومعجم الشعراء للمرزباني: 310. المفردات الغريبة: المراء: الجدال والمعارضة بالباطل. دعاء: صيغة مبالغة من دعا فلان فلانا؛ إذا طلب حضوره. جالب: مسبب له؛ من جلبه إذا ساقه وجاء به. =

وإن كان ضميرا منفصلا مرفوعا؛ جاز أن يؤكد به كل ضمير متصل1، نحو "قمت أنت"، و"أكرمتك أنت"، و"مررت بك أنت".

_ = المعنى: أحذرك الجدال والمعارضة، مع الناس، من غير وجه حق، فإن ذلك كثيرا ما يجر إلى الشرور والخصومات، ويسبب للإنسان متاعب ومصاعب. الإعراب: إياك: مفعول به منصوب على التحذير، بفعل محذوف وجوبا. إياك: توكيد للأول مبني على السكون في محل نصب، والكاف للخطاب. المراء: مفعول ثان؛ لفعل التحذير المحذوف؛ والتقدير: أحذرك المراء؛ وأعربه الجمهور: منصوبا على نزع الخافض؛ والتقدير: باعد نفسك من المراء. فإنه: الفاء تعليلية، إن حرف مشبه بالفعل، والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم "إن". "إلى الشر": متعلق بـ"دعاء" الواقع خبرا لـ"إن". دعاء: خبر "إن" مرفوع. وللشر: الواو عاطفة، "للشر": متعلق بـ"جالب" الآتي. جالب: معطوف على "دعاء" مرفوع مثله. موطن الشاهد: "إياك إياك". وجه الاستشهاد: توكيد الضمير المنفصل "إياك" بإعادة اللفظ نفسه؛ وهو من التوكيد اللفظي؛ وخالف بعضهم محتجا، بأن الضمير المنصوب، يحتاج إلى عامل ينصبه؛ وهذا لا بد له من فاعل؛ فهو يريد جعله من توكيد الجملة بالجملة؛ وهو غير لازم؛ لأننا نستطيع أن نؤكد الجملة بأكملها: فنقول: جاء زيد، جاء زيد، وقد نؤكد الفعل وحده؛ فنقول: جاء جاء زيد وقد نؤكد الفاعل وحده؛ فنقول: جاء زيد زيد. وإن كان في الجملة مفعول فقد نؤكده وحده؛ فنقول: ضرب علي خالدا خالدا. انظر أوضح المسالك 3/ 337. 1 أي: مرفوع، أو منصوب، أو مجرور، ويكون على وجه الاستعارة في توكيده ضمير النصب والجر، وليس له محل إعرابي. ويؤكد به كذلك المنفصل المرفوع، لا المنصوب، فلا يقال: إياك أنت أكرمت. وليس هناك ضمير منفصل مختص بالجر؛ وإلى ما تقدم يشير ابن مالك بقوله: ومضمر الرفع الذي قد انفصل ... أكد به كل ضمير اتصل والمعنى: أن الضمير المنفصل المرفوع، يجوز أن يؤكد به كل ضمير متصل؛ ولكن على وجه الاستعارة، في توكيده ضمير النصب والجر، كما سبق. حاشية الصبان: 2/ 84. والتصريح: 2/ 128. فائدة: إذا أتبعت المتصل المنصوب بمنفصل منصوب؛ نحو: رايتك إياك، فمذهب البصريين: أنه بدل، ومذهب الكوفيين: أنه توكيد. قال المصنف: وقولهم -عندي- أصح؛ لأن نسبة المنصوب المنفصل من المنصوب المتصل؛ كنسبة المرفوع المنفصل =

وإن كان ضميرا متصلا؛ وصل بما وصل به المؤكد؛ نحو: "عجبت منك منك". وإن كان فعلا أو حرفا جوابيا فواضح؛ كقولك: "قام قام زيد" وقوله1: [الكامل] 404- لا لا أبوح بحب بثنة إنها2

_ = من المرفوع المتصل؛ في نحو: فعلت أنت، والمرفوع تأكيد بإجماع. حاشية الصبان: 3/ 84. توجيه: لا يجوز حذف المؤكَّد وقيام المؤكِّد مقامه على الأصل؛ وأجاز الخليل ذلك؛ في نحو: مررت بزيد، وأتاني أخوه أنفسهما؛ على تقدير: هما صاحباي أنفسهما. حاشية الصبان: 3/ 84. 1 القائل هو: جميل بن معمر العذري، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: أخذت علي مواثقا وعهودا وهو من شواهد التصريح: 2/ 129، والأشموني: 808/ 2/ 411، والخزانة: 2/ 353، والعيني: 4/ 114، والهمع: 2/ 125، والدرر: 2/ 159، وحاشية يس: 2/ 130 وديوان جميل: 79. المفردات الغريبة: لا أبوح: لا أفشي ولا أظهر، من باح بسره، إذا أفشاه، وتكلم به، وأخبر عنه. بثنة: محبوبته، واسمها بثينة، وقد تصرف في اسمها تمليحا. مواثقا: جمع موثق؛ وهو العهد والميثاق. المعنى: لا أفشي، ولا أخبر أحدا بالحب الذي بيني وبين بثينة؛ لأنها أخذت علي عهدا مؤكدا ألا أبوح بحبها، ولا أظهره، ويجب أن أفي بعهدي لها. الإعراب: لا: حرف نفي، لا محل له من الإعراب. لا: توكيد للأول. أبوح: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنا. "بحب": متعلق بـ"أبوح"، وهو مضاف. بثنة: مضاف إليه مجرور وعلمة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف. إنها: حرف مشبه بالفعل، و"ها" في محل نصب اسمها. أخذت: فعل ماضٍ، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هي. علي: متعلق بـ"أخذ". مواثقا: مفعول به لـ"أخذ" منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وقد صرفه الشاعر ونونه -وهو ممنوع من الصرف- لضرورة الشعر. وعهودا: الواو عاطفة، عهودا: اسم معطوف على قوله: "مواثق" منصوب مثله. =

وإن كان غير جوابي؛ وجب أمران: أن يفصل بينهما، وأن يعاد مع التوكيد ما اتصل بالمؤكد إن كان مضمرا، نحو: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} 1، وأن يعاد هو أو ضميره إن كان ظاهرا2؛ نحو: "إن زيدا إن زيدا فاضل" أو "إن زيدا إنه فاضل"؛ وهو الأولى3، وشذ اتصال الحرفين؛ كقوله4: [الخفيف]

_ = موطن الشاهد: "لا لا". وجه الاستشهاد: توكيد "لا" توكيدا لفظيا؛ وهي حرف جواب، لا تحتاج إلى الفصل بين المؤكَّد والمؤكِّد، ولا إلى شيء آخر؛ كالحروف غير الجوابية؛ فنستطيع أن نقول: لا لا، نعم نعم، نعم جير. فنعيد حرف الجواب بنفسه، أو بمرادفه، كما قال المضرس بن ربعي. وقلن على الفردوس أول مشرب ... أجل جير إن كانت أبيحت دعاثره أوضح المسالك 3/ 339. 1 23 سورة المؤمنون، الآية: 35. وجه الاستشهاد: وقوع "أنكم" الثانية مؤكدة لـ"أنكم" الأولى الواقعة مفعولا ثانيا لـ"يعد"؛ وفصل بينهما بالظرف وما بعده -إذا متم وكنتم ترابا وعظاما- وأعيد مع الثانية ما اتصل بالأولى؛ وهو الكاف والميم؛ لأنه مضمر؛ وحكم الفصل، وإعادة ما اتصل بالمؤكد الوجوب. التصريح: 2/ 129. 2 أي: يعاد لفظ المتصل بالحرف، أو ضميره؛ إن كان ما اتصل به الحرف اسما ظاهرا. 3 أي: إعادة الضمير أولى وأفصح، من إعادة اللفظ؛ لأنه الأصل، ويلزم من إعادة اللفظ التكرار، وإيهام أن الثاني غير الأول، وبه جاء التنزيل، قال تعالى: {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} . أما إعادة الظاهر، فمن وضعه موضع المضمر. وفي توكيد الحرف، يقول ابن مالك: كذا الحروف غير ما تحصلا به جواب كنعم وكـ"بلى" فالمعنى: أن توكيد الضمير المتصل، لا يكون إلا بإعادته، وإعادة ما اتصل به -كما سبق- وكذلك الحروف غير الجوابية، لا يعاد لفظها إلا مع الاسم الظاهر المتصل بها، أو ضميره. أما حروف الجواب كـ"نعم" و"بلى"؛ فتعاد وحدها. حاشية الصبان: 3/ 82، والتصريح: 2/ 128، 129. 4 لم يُنسب البيت إلى قائل معين.

405- إن إن الكريم يحلم ما لم1

_ 1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: يرين من أجاره قد ضيما وهو من شواهد: التصريح: 2/ 130، والأشموني: 802/ 2/ 410، والعيني: 4/ 107 والهمع: 2/ 125، والدرر: 2/ 161 وفيه برواية: أضيما. المفردات الغريبة: يحلم: من الحلم، وهو الأناة والتعقل. أجاره: جعله في جواره وحمايته. ضيم: مبني للمجهول، أي ظلم وبخس حقه. المعنى: أن الرجل الكريم الخلق الأبي الطيب النفس؛ يتحلى بالحلم، والصبر، والتعقل في أحواله، وتصرفاته؛ ما لم ير أن من أجاره، وجعله في حماه، قد ظُلم واعتُدي عليه؛ فعند ذلك، يذهب عنه حلمه ويبطش بهذا الظالم، المعتدي على ما التجأ إليه. الإعراب: إن: حرف مشبه بالفعل. إن: توكيد لـ"إن" الأولى. الكريم: اسم "إن" منصوب. يحلم: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، وجملة "يحلم": في محل رفع خبر "إن". ما لم: ما مصدرية ظرفية، لا محل لها من الإعراب، لم: حرف نفي وجزم وقلب. يرين: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، في محل جزم بـ"لم"، والنون: لا محل لها من الإعراب؛ والمصدر المؤول من "ما وما دخلت عليه": في محل جر بالإضافة، بإضافة اسم زمان مقدر منصوب بـ"يحلم"؛ والتقدير: يحلم مدة عدم رؤيته. من: اسم موصول، مبني على السكون، في محل نصب مفعولا به، لـ"يرى". أجاره: فعل ماضٍ والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، والهاء: ضمير متصل مبني على الضم، في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "أجاره": صلة للموصول، لا محل لها. قد: حرف تحقيق. ضيما: فعل ماضٍ، مبني للمجهول، ونائب الفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو؛ والألف للإطلاق؛ وجملة "ضيما": في محل نصب حال، وأما إن عدت "يرى" قلبية علمية؛ كان الاسم الموصول مفعولا أول لها، وجملة "قد ضيما": في محل نصب مفعولا ثانيا. موطن الشاهد: "إن إن". وجه الاستشهاد: توكيد الحرف "إن" بإعادته من غير فاصل بينهما مع أنه ليس من حروف الجواب، وهذا التوكيد شاذ، ولا يقاس عليه.

وأسهل منه قوله1: [الرجز] 406- حتى تراها وكأن وكأن2 لأن المؤكد حرفان؛ فلم يتصل لفظ بمثله، وأشد منه قوله3: [الوافر] 407- ولا للما بهم أبدا دواء4

_ 1 القائل: قيل هو الأغلب العجلي، وقيل هو: خطام المجاشعي. 2 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز المشطور، في وصف إبل، وبعده قوله: أعناقها مشددات بقرن وهو من شواهد: التصريح: 2/ 130، والأشموني: 803/ 2/ 410، والعيني: 4/ 100، والهمع: 2/ 125، والدرر: 2/ 160. المفردات الغريب: أعناقها: جمع عنق -وهو الرقبة. قرن: حبل تربط به الإبل، ويقرن بعضها إلى بعض. المعنى: يصف إبلا في سرعة سيرها وانتظامه فيقول: إن أصحاب هذه الإبل، يستحثونها على السير، بنظام واعتدال، حتى إن من يراها يظن أن أعناقها مربوط بعضها إلى بعض بحبال؛ لانتظامها على السير. الإعراب: حتى: حرف غاية وجر. تراها: فعل مضارع -يقصد به هنا حكاية الحال- مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنت و"ها" في حل نصب مفعولا به. وكأن: الواو واو الحال، كأن: حرف مشبه بالفعل. كأن: توكيد للأولى، وخففت لضرورة الشعر. أعناقها: اسم "كأن"، و"ها" في محل جر مضاف إليه. مشددات: خبر كأن مرفوع. "بقرن": متعلق بقوله: "مشددات"، وسكن "قرن"؛ لضرورة الشعر. موطن الشاهد: "وكأن وكأن". وجه الاستشهاد: تأكيد "كأن" بمثلها، مع عدم الفاصل، بمعمول الأولى، مع أنها ليست من أحرف الجواب؛ غير أن هذا الشذوذ أخف من سابقه؛ لأنه فصل بين اللفظين بواو العطف. 3 القائل: هو مسلم بن معبد الوالبي الأسدي، شاعر اشتهر في العصر الأموي؛ أورد له صاحب الخزانة قصيدة همزية في خبر إبل له. خزانة الأدب: 1/ 364، الأعلام: 7/ 223. 4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: فلا والله لا يلفى لما بي =

لكون الحرف على حرف واحد. وأسهل منه قوله1: [الطويل]

_ = وهو من شواهد: التصريح: 2/ 230، والأشموني: 806/ 2/ 410، ومعاني الفراء: 1/ 68، والمحتسب: 2/ 256، والخصائص: 2/ 282، والإنصاف: 1/ 571، وشرح المفصل: 7/ 18، 8/ 43، 9/ 15، والمقرب: 51، والخزانة: 1/ 364، 2/ 35، 4/ 273، والعيني: 4/ 102، والهمع: 2/ 78، 125، 158، والدرر: 2/ 95، 161، 221، والمغني: 328/ 240، 334/ 242، 655/ 462، والسيوطي: 172، 262. المفردات الغريبة: لا يلفى: لا يوجد، من ألفى، إذا وجد. لما بي؛ أي: للذي بي. المعنى: يقسم أنه لا يوجد للذي به من الموجدة والألم، ولا للذي عند خصومه من الحقد والضغينة علاج، وليس هنالك أمل، في المودة، والمصالحة، وإزالة الأحقاد، والضغائن، بعد أن تفاقم الخطب وعظم الخلاف. الإعراب: فلا: الفاء عاطفة، لا: نافية. والله: الواو حرف قسم وجر، و"اسم الجلالة": مقسم به مجرور؛ و"والله": متعلق بفعل قسم محذوف. لا: نافية. يلفى: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر. "لما بي": متعلق بـ"يلفى". "بي": متعلق بمحذوف صلة الموصول. ولا: الواو عاطفة، لا: زائدة لتأكيد النفي. للما: اللام الأولى حرف جر، واللام الثانية توكيد للأولى؛ و"ما" اسم موصول بمعنى الذي مبني على السكون في محل جر باللام الأولى؛ و"للما": معطوف بالواو على "لما بي". "بهم": متعلق بمحذوف صلة. "أبدا": متعلق بـ"يلفى". دواء: نائب فاعل مرفوع. موطن الشاهد: "للما". وجه الاستشهاد: مجيء اللام الثانية توكيدا للأولى الجارة من دون أن يفصل بينهما فاصل؛ ومعلوم أن اللام، ليست من أحرف الجواب؛ وحكم هذا التأكيد: أنه بالغ الشذوذ؛ لأن الحرف المؤكد موضوع على حرف هجائي واحد، لا يكاد يقوم بنفسه؛ والصواب أن يقول: لما لما بهم. 1 القائل: هو: الأسود بن يعفر التميمي: أبو نهشل، شاعر جاهلي، من سادات تميم ومن أهل العراق، كان فصيحا جوادا، نادم النعمان بن المنذر، ولما أسن كف بصره. ويقال له: "أعشى بني نهشل". مات سنة 22ق. هـ. الشعر والشعراء: 1/ 255، تجريد الأغاني: 1446، الجمحي: 147، الأعلام: 1/ 330. السمط: 248.

408- فأصبح لا يسألنه عن بما به1 لأن المؤكد على حرفين؛ ولاختلاف اللفظين.

_ 1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: أصعد في علو الهوى أم تصوبا وهو من شواهد: التصريح: 2/ 130، والأشموني: 708/ 2/ 411، والمغني: 656/ 462. المفردات الغريبة: أصعد: أرتفع وأرتقى. تصوبا: نزل وتسفل. المعنى: أن هؤلاء الغواني أصبحن -بعد أن وخط المحب الشيب، وهذا الكبر ونالت منه الشيخوخة- لا يكترثن به ولا يملن إليه، ولا يسألن عما به من ضعف أو غيره؛ وهل لا يزال يحلق في الهوى والحب؟ أم نزل وهبط ونسي كل شيء؟. الإعراب: فأصبح: الفاء عاطفة، أصبح: فعل ماضٍ ناقص، واسمه ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو. لا: نافية. يسألنه: فعل مضارع مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة، والنون في محل رفع فاعل، والهاء: في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "لا يسألنه": في محل نصب خبر "أصبح". عن: حرف جر. بما: الباء حرف جر بمعنى "عن" توكيد لفظي لـ"عن"، و"ما" اسم موصول مبني على السكون في محل جر بـ"عن"، و"بما": متعلق بـ"يسأل". "به": متعلق بمحذوف صلة الموصول. موطن الشاهد: "عن بما". وجه الاستشهاد: تأكيد "عن" الجارة بلفظ مرادف؛ هو الباء التي بمعنى "عن"؛ وهذا شاذ لعدم الفاصل، غير أنه أهون من سابقه؛ لأن الحرف المؤكد "عن" موضوع على حرفين؛ ولأن اللفظين مختلفان، وإن اتفقا في المعنى. فوائد وتوجيهات: أ- يمتنع حذف المؤكد لفظيا؛ لأن حذفه منافٍ لتكراره. ب- من الأساليب الصحيحة: جاء القوم بأجمعهم، وتعرب "أجمع" توكيدا مجرور اللفظ، بالباء الزائدة، في محل رفع، أو نصب، أو جر؛ على حسب حالة المؤكد "المتبوع"؛ وبعضهم يعربها: بدلا -وإن كانت تؤدي معنى التوكيد-؛ ولا بد من إضافتها إلى ضمير مطابق للمتبوع. ج- لا يفصل بين المؤكَّد والمؤكِّد، "بإما" على الأصح؛ وأجاز الفراء: مررت بالقوم، إما أجمعين، وإما بعضهم. د- لا يلي العامل شيء من ألفاظ التوكيد -وهو على حاله في التوكيد- إلا "جميعا"، و"عامة" مطلقا؛ فتقول: القوم، قام جميعهم، وعامتهم؛ ورأيت جميعهم، وعامتهم؛ ومررت بجميعهم، وعامتهم. حاشية الصبان: 3/ 84.

باب عطف البيان

هذا باب العطف [باب عطف البيان1] [عطف البيان وتعريفه] : وهو ضربان: عطف نسق، وسيأتي، وعطف بيان2؛ وهو "التابع3 المشبه للصفة في توضيح متبوعه4؛ إن كان معرفة؛ وتخصيصه إن كان نكرة". والأول5: متفق عليه، كقوله: [مشطور الرجز] 409- أقسم بالله أبو حفص عمر6 والثاني7: أثبته الكوفيون وجماعة وجوزوا أن يكون منه: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ

_ 1 العطف -في الأصل- مصدر قولك: "عطفت" الشيء؛ إذا ثنيته، فجعلت أحد طرفيه على طرفه الآخر، وعطف الفارس على قرنه إذا التفت إليه. وأطلق على التابع المذكور؛ لأن المتكلم رجع إلى الأول فأوضحه بالثاني، أو أشركه معه في الحكم. 2 إنما سمي بذلك؛ لأن اللفظ الثاني تكرار للفظ الأول، ويشبه أن يكون مرادفا؛ للأول؛ لأن الذات المدلول عليها باللفظين واحدة، وإنما يؤتى بالثاني لزيادة البيان. 3 يشترط فيه أن يكون جامدا، بخلاف النعت؛ فإنه لا يكون إلا مشتقا، أو مؤولا به. 4 النعت يوضح متبوعه ببيان صفة من صفاته، ومعنى فيه، أو في سببيه. أما عطف البيان؛ فيوضح متبوعه ويزيل عنه شائبة الإبهام بنفسه. ضياء السالك: 3/ 137. 5 وهو توضيح ذات متبوعه المعرفة، وإزالة ما قد يصيبها من الشيوع بسبب تعدد مدلولها. 6 هذا الرجز لأعرابي؛ اسمه عبد الله بن كيسبة، وبعد الشاهد قوله: ما مسها من نقب ولا دبر ... فاغفر له اللهم إن كان فجر وقد مر تخريج هذا البيت والتعليق عليه في باب العلم. موطن الشاهد: "أبو حفص عمر". وجه الاستشهاد: وقوع "عمر" عطف بيان -وهو معرفة- على "أبو حفص"، وهو علم معرفة؛ وقصد به الإيضاح؛ وفي البيت شاهد آخر على تقدم الكنية على الاسم. 7 وهو تخصيص النكرة، فقد نفاه البصريون، وأثبته الكوفيون، وبعض البصريين =

مَسَاكِينَ} 1، فيمن نون كفارة، ونحو: {مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} 2، والباقون: يوجبون في ذلك البدلية3، ويخصون عطف البيان بالمعارف4. [ما يوافق فيه متبوعه] : ويوافق متبوعه في أربعة من عشرة أوجه الإعراب الثلاثة، والإفراد، والتذكير، والتنكير5، وفروعهن، وقول الزمخشري6: إن {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} 7

_ = المتقدمين كالفارسي، وابن جني، وبعض المتأخرين كالزمخشري وابن عصفور، والناظم وابنه. التصريح: 2/ 131، والأشموني: 2/ 413. 1 5 سورة المائدة، الآية: 95. موطن الشاهد: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} . وجه الاستشهاد: عطف "طعام" عطف بيان على "كفارة"؛ وكلاهما نكرة؛ على رأي الكوفيين ومن معهم من البصريين؛ كأبي علي الفارسي وابن جني، ومن المتأخرين كالزمخشري، وابن مالك وابنه؛ خلاف لبقية البصريين؛ الذي يعدون ذلك بدل كل من كل. 2 14 سورة إبراهيم، الآية: 16. موطن الشاهد: {مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} . وجه الاستشهاد: مجيء "صديد" عطف بيان على "ماء" كما في الآية السابقة، والبصريون يعدون ذلك بدل كل من كل، كما أسلفنا. 3 أي: بدل كل من كل، وقال ابن عصفور: إن هذا مذهب أكثر النحويين، ونسبه الشلوبين إلى البصريين. 4 حجتهم: أن عطف البيان -كاسمه- يقصد به البيان والإيضاح، والنكرة مجهولة؛ والمجهول لا يعين المجهول. ويقول المجيزون: إن بعض النكرات، قد يكون أخص من بعض. فلا مانع من أن يبين الأخص غيره، والتخصيص نوع من البيان والإيضاح. التصريح: 2/ 131. 5 هذا هو الغالب، ويصح تخالفهما تعريفا وتنكيرا؛ بشرط أن يكون التابع هو المعرفة؛ ليتحقق الغرض من عطف البيان. وقد يقع عطف البيان بعد "أي" المفسرة؛ نحو: هذا الخاتم لجين؛ أي فضة، ويجوز أن يعرب في هذه الصورة بدلا. 6 مرت ترجمته. 7 3 سورة آل عمران، الآية: 97. =

عطف على {آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} مخالف لإجماعهم1؛ وقوله وقول الجرجاني2: يشترط كونه أوضح من متبوعه مخالف لقول سيبويه في "يا هذا ذا الجمة": إن "ذا الجمة" عطف بيان مع أن الإشارة أوضح من المضاف إلى ذي الأداة3. [جواز إعراب عطف البيان بدل كل وشروطه] : ويصح في عطف البيان أن يعرب بدل كل4، إلا إن امتنع الاستغناء عنه5؛

_ = موطن الشاهد: {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} . وجه الاستشهاد: ذهب الزمخشري إلى أن "مقام إبراهيم": عطف بيان على "آيات بينات" مع أنه مخالف لآيات في التنكير والتأنيث والجمع؛ والمراد بالآيات: أثر القدم في الصخرة. وقد رد الجمهور على الزمخشري بالآتي: الحاشية رقم "1". 1 إن المانع من أن يكون قوله تعالى: {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} . بيانا لقوله: {آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} ؛ وهو ما خالف به الزمخشري إجماع النحاة، يظهر في المخالفة بين البيان والمبين من ثلاثة أوجه؛ فقوله تعالى: {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} . معرفة بالإضافة إلى العلم، ومذكر، ومفرد. وقوله: {آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} : نكرة؛ ومؤنث، وجمع. ومن جهة أخرى، لا يجوز أن يكون {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} بدل كل من كل؛ لأن شرط هذا البدل: أنه إذا كان المبدل منه دالا على متعدد أن يكون البدل وافيا بالعدة. وقوله: {آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} : جمع؛ وأقل ما يدل عليه الجمع ثلاثة، ولم يذكر في الآية إلا واحد فلم يتحقق شرط البدل. وقيل: يجوز أن يكون بدل بعض من كل؛ كما صرح به البيضاوي، ولا يلزم في بدل البعض من كل شيء مما ذكر؛ وقيل: بدل كل من كل؛ وبه يتأول: {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} بأنه مفرد في اللفظ؛ ولكن له جهات متعددة، تجعله في حكم الجمع؛ فإن الآيات المتعددة فيه: أثر القدم في الصخرة الصماء. وغوصه فيها إلى الكعبين؛ وكونها قد خصت بذلك من بين الصخور، وبقاؤه دون آثار الأنبياء، وحفظه. أي: أن قوله تعالى: {آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} ، يجوز أن يكون بدلا على تأويل البيضاوي، فيتعين أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أو مبتدأ خبره محذوف؛ والتقدير: بعضها. مقام إبراهيم؛ أو منها مقام إبراهيم. التصريح، وحاشية يس على التصريح: 2/ 131-132. 2 مرت ترجمته. 3 لم يعرب سيبويه "ذا الجمة": نعتا؛ لأن نعت اسم الإشارة، لا يكون إلا محلى بأل. 4 وذلك، إذا قصد به ما يقصد بالبدل، وحينئذ، يتعين كونه بدلا. 5 أي: فيمتنع أن يكون بدلا؛ ومن ذلك -غير ما سيذكره الناظم- أن تفتقر جملة الخبر.

نحو: "هند قام زيد أخوها"، أو إحلاله محل الأول؛ نحو: "يا زيد الحارث" وقوله1: [الطويل] 410- أيا أخوينا عبد شمس ونوفلا2

_ = إلى رابط؛ وهو في التابع، كمثال المؤلف؛ فـ"أخوها": يتعين كونه عطف بيان؛ لأنه لو أعرب بدلا؛ لخلت جملة الخبر من الرابط؛ لأن البدل على نية تكرار العامل على الصحيح؛ فهو من جملة أخرى، وكذلك جملة الصلة، والصفة؛ نحو: حضر الذي -أو رجل- ضرب محمد أخوه؛ وجملة الحال؛ نحو: هذا محمد قام رجل أخوه. وانظر التصريح: 2/ 132. وحاشية الصبان: 3/ 85-86. 1 القائل: هو: طالب بن أبي طالب بن عبد المطلب، أخو أمير المؤمنين علي، وابن عم النبي عليه الصلاة والسلام. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت من كلمة يمدح فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ويبكي أصحاب القليب من قريش، وعجزه: أعيذكما بالله أن تحدثا حربا وهو من شواهد: التصريح: 2/ 132، والأشموني: 811/ 2/ 414، والعيني: 4/ 119، والهمع: 2/ 121، والدرر: 2/ 153، والسيرة النبوية "بولاق": 2/ 62. المفردات الغريبة: عبد شمس: فصيلة من قريش؛ منهم بنو أمية. نوفل: فصيلة أخرى من قريش أيضا أعيذكما بالله. يريد: ألجأ إلى الله من أجلكما، أو أحصنكما بالله وأجعلكما في رعايته، مخافة أن تشعلا نار الحرب بينكما. المعنى: واضح. الإعراب: أيا: حرف نداء، لا محل له من الإعراب. أخوينا: منادى مضاف منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه مثنى، و"نا" في محل جر بالإضافة. عبد: عطف بيان على "أخوينا" منصوب مثله، وهو مضاف. شمس: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. ونوفلا: الواو عاطفة، نوفلا: اسم معطوف على عبد شمس، والمعطوف على المنصوب منصوب مثله، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. أعيذكما: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنا، و"كما": ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعولا به. "بالله": متعلق بـ"أعيذ". أن: حرف مصدري ونصب، لا محل له من الإعراب. تحدثا: فعل مضارع منصوب بـ"أن" وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والألف: ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل؛ والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": في =

وقوله1: [الوافر] 411- أنا ابن التارك البكري بشر2

_ = محل جر بحرف جر محذوف؛ والتقدير: أعيذكما بالله من إحداثكما حربا؛ و"من إحداثكما": متعلق بـ"أعيذ"؛ وجملة "تحدثا حربا"؛ صلة للموصول الحرفي، لا محل لها. موطن الشاهد: "عبد شمس ونوفلا". وجه الاستشهاد: تعين كون "عبد شمس" عطف بيان على "أخوينا" و"نوفلا" معطوفا عطف نسف بالواو عليه؛ ولا يجوز أن يكون "عبد شمس" بدلا؛ لعدم صحة حلوله محل "أخوينا"؛ لأن ذلك يستلزم ضم "نوفل" المعطوف عليه؛ لأنه مفرد علم، يستحق البناء على الضم؛ كما لو أنه منادى مستقل؛ لأن أخوينا منادى و"عبد شمس" تابع للمنادى، ونوفل تابع لتابع المنادى؛ وحكم تابع المنادى، إذا كان عطف بيان أن يتبع بالنصب، إما على محل المنادى؛ أو لفظه، وإذا كان بدلا أن يعامل معاملة المنادى المستقل؛ بسبب كون البدل على نية تكرار العامل؛ فكأنه مسبوق بحرف نداء؛ ولهذا، كان يجب أن يضم "نوفل" والرواية بالنصب. ولهذا، لما لم يجز أن يجعل "نوفلا" بدلا؛ التزم في "عبد شمس" إلا يكون بدلا أيضا. الدرر اللوامع: 2/ 153. 1 القائل: هو المرار بن سعيد بن نضلة بن الأشتر الفقعسي، ويكنى أبا حسان، شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية؛ له شعر كثير منه ما كان يهاجي به مساور بن هند؛ وهو صاحب أكرم بيت قالته العرب، وكان قصير القامة مفرطا في القصر ضئيلا. الشعر والشعراء: 2/ 699، والأغاني: 9/ 151، والخزانة: 2/ 193، والأعلام: 7/ 199. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: عليه الطير ترقبه وقوعا البيت من كلمة يفتخر فيها الشاعر بأن جده خالد بن نضلة، قتل بشر بن عمرو بن مرثد زوج الخرنق، أخت طرفة بن العبد البكري الشاعر المشهور؛ وذلك في يوم القلاب. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 133، وابن عقيل: 293/ 3/ 22، والأشموني: 811/ 2/ 414، والشذور: 230/ 566، والقطر: 139/ 400، وسيبويه: 1/ 93، وشرح المفصل: 3/ 72، والمقرب: 53، والخزانة: 2/ 193، و364، 383، والعيني: 4/ 121، والهمع: 122، والدرر: 2/ 153. المفردات الغريبة: تارك: اسم فاعل من ترك. البكري: المنسوب إلى بكر بن وائل؛ =

وتجوز البدلية في هذا عند الفراء؛ لإجازته "الضارب زيد"، وليس بمرضي1.

_ = وهي قبيلة مشهورة، منها جساس بن مرة قاتل كليب بن وائل. ترقبه: تنتظره، ويروى بدله: "تركبه". المعنى: يصف الشاعر نفسه بالشجاعة، وأنه ابن الذي ترك البكري بشرا مجندلا في العراء مثخنا بالجراح، في حالة يرثى لها، تنتظر الطير خروج روحه لتهبط عليه وتنهش من جسده؛ فهو شجاع من نسل شجعان. الإعراب: أنا: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. ابن: خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف. التارك: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة، وهو مضاف. البكري: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة؛ وهو من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله. بشر: عطف بيان على البكري مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. "عليه": متعلق بمحذوف خبر مقدم. الطير: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وجملة "عليه الطير": في محل نصب مفعولا ثانيا لـ"التارك". ترقبه: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هي، والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "ترقبه": في محل نصب على الحال. وقوعا: حال منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره؛ ويجوز أن يكون مفعولا لأجله؛ حذف متعلقه؛ والتقدير: ترقبه لأجل وقوعها عليه. موطن الشاهد: "البكري بشر". وجه الاستشهاد: تعين كون "بشر" عطف بيان؛ لأنه لو أعرب بدلا؛ والبدل على نية تكرار العامل؛ لكان التقدير: أنا ابن التارك البكري، التارك بشر؛ وعلى هذا، فيضاف الوصف المقترن بـ"أل" إلى اسم مجرد منها، ومن الإضافة إلى المقترن بها، أو إلى ضميره؛ وذلك غير جائز، كما رأينا في باب الإضافة. فائدة: جوز الفراء إضافة الوصف المقترن بـ"أل" إلى الاسم العلم -وعلى مذهبه- يجوز أن يكون "بشر" في البيت الشاهد بدلا؛ ولكنه رأي ضعيف خلاف الأولى. 1 على الرغم من المشابهة الكبيرة بين عطف البيان، وبدل الكل من الكل في المعنى والإعراب، فإن عطف البيان؛ يقصد به إيضاح الذات نفسها، أو تخصيصها لا أمرا عرضيا طارئا عليها؛ فهو بمنزلة التفسير للمتبوع؛ أما البدل؛ فيدل على ذات المتبوع بلفظ آخر يساويه في المعنى؛ بحيث يقع اللفظان على ذات واحدة وفرد معين واحد في حقيقته، ولا شأن له بالإيضاح والتخصيص. ويذكر النحاة فروقا آخر بينهما من جهة الصناعة؛ منها: أن عطف البيان، لا يكون ضميرا، ولا تابعا لضمير؛ ولهذا، =

..............................................

_ = امتنع إعراب "مخصوص حبذا" عطف بيان، ولا مخالفا لمتبوعه في التعريف والتنكير على الصحيح. ولا يقع جملة، ولا تابعا لجملة، ولا فعلا، ولا تابعا لفعل. وأنه لا يلحظ فيه إحلاله محل الأول؛ بخلاف البدل في ذلك كله، وفي بعض تلك الأمور خلاف بين العلماء؛ ولهذا يرى الإمام الرضي وفريق من النحاة: أنه لا فرق بين عطف البيان والبدل؛ فإن المشابهة بينهما تامة. وما ذكر من الفروق مبني على دعوى أن البدل على نية تكرار العامل؛ وهي دعوى، لا تثبت عند التمحيص، على أنه يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل، أي يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع. الأشموني: 2/ 414، والتصريح، وحاشية يس: 2/ 133-134.

[باب عطف النسق] هذا باب عطف النسق1: [تعريف عطف النسق] : وهو "تابع يتوسط بينه وبين متبوعه أحد الأحرف الآتي ذكرها"2. [نوعا أحرف العطف] : وهي نوعان: ما يقتضي التشريك في اللفظ والمعنى3؛ إما مطلقا؛ وهو الواو

_ 1 النسق، بالفتح: اسم مصدر، يقال: كلام نسق إذا جاء على نظام واحد. أما النسق: بفتح النون وسكون السين؛ فهو مصدر قولك: "نسقت الكلام" إذا عطفت بعضه على بعض، ولم يقل أحد من النحاة إلا بفتح النون والسين وكأنهم أخذوه من قولهم: "كلام نسق"؛ أي: على نظام واحد، والنظام الواحد؛ هو علامات الإعراب التي يشترك فيها المعطوف والمعطوف عليه؛ ولهذا، المعنى سماه سيبويه: "باب الشركة". التصريح، وحاشية يس: 2/ 134. 2 أخرج المصنف بقوله: "يتوسط" التوابع كلها ما عدا عطف النسق؛ بالقيد بالحروف المخصوصة ما بعد "أي" التفسيرية؛ فإنه عطف بيان، وهذا مذهب البصريين، وليس في العربية -عندهم- عطف بيان يتوسط بينه وبين متبوعه حرف إلا نحو "لقيت الغضنفر أي الأسد"؛ وقد ذهب الكوفيون: إلى أن "أي" حرف عطف كسائر الحروف؛ فمدخولها -عندهم- عطف نسق. التصريح: 2/ 134. 3 أما في اللفظ فبوجوه الإعراب. وأما في المعنى؛ فباحتمال كل من المتعاطفين للمعنى المراد.

والفاء و"ثم" و"حتى"1؛ وإما مقيدا؛ وهو "أو" و"أم"2؛ فشرطهما: أن لا يقتضيا إضرابا3، وما يقتضي التشريك في اللفظ دون المعنى؛ إما لكونه يثبت لما بعده ما انتفى عما قبله؛ وهو "بل" عند الجميع، و"لكن" عند سيبويه وموافقيه4؛ وإما لكونه بالعكس؛ وهو "لا" عند الجميع، و"ليس" عند البغداديين؛ كقوله5: [الرمل] 412- إنما يجزي الفتى ليس الجمل6

_ 1 خالف في "حتى" الكوفيون؛ فعندهم لا تكون حرف عطف؛ بل هي حرف ابتداء دائما، ويقدرون عاملا لما بعدها، تتم به الجملة؛ ففي مثل: قدم الحجاج حتى المشاة، يقدرون: حتى قدم المشاة. التصريح: 2/ 134، ورصف المباني: 180، والجنى الداني: 542. 2 ذهب أبو عبيدة إلى أن "أم" حرف استفهام؛ كالهمزة، فإذا قلت: أقادم أبوك أم أخوك"؛ فأخوك -عنده- ليس معطوفا على السابق؛ بل هو مبتدأ، وخبره محذوف. وتقدير الكلام -عنده- أقادم أبوك أم أخوك قادم، وتقدر في النصب والجر عاملا مناسبا. مغني اللبيب: 66، والجنى الداني: 204، ورصف المباني: 93. 3 فإن اقتضيا إضرابا؛ كانا مشركين في اللفظ فقط؛ مثل: "بل". 4 ذهب يونس بن حبيب؛ إلى أن "لكن": حرف استدراك، ولا تكون حرف عطف؛ وتأتي الواو قبلها عند إرادة العطف؛ فتكون هذه الواو عاطفة لمفرد على مفرد. وإلى هذا، ذهب ابن مالك؛ في التسهيل. واختلف القائلون بأنها حرف عطف؛ فذهب الفارسي وأكثر النحويين: إلى جواز ذلك بشرط؛ ألا تقدمها الواو. وما ذهب إليه ابن عصفور من أنها عاطفة لا تستعمل إلى بالواو الزائدة قبلها لزوما؛ وزعم أن كلام سيبويه والأخفش محمول عليه؛ وذهب ابن كيسان إلى أنها عاطفة تقدمتها الواو أم لم تتقدمها. مغني اللبيب: 386، والتصريح: 2/ 135، الجنى الداني: 586، رصف المباني: 474. 5 القائل: هو لبيد بن ربيعة العامري، وقد مرت ترجمته. 6 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: وإذا أقرضت قرضا فاجزه وهو من شواهد: التصريح: 1/ 191، 2/ 135، وسيبويه: 1/ 370، والمقتضب: =

[أحكام الواو] : فصل: أما الواو فلمطلق الجمع1؛ فتعطف متأخرا في الحكم؛ نحو: {وَلَقَدْ

_ = 4/ 410، ودلائل الإعجاز: 299، والخزانة: 4/ 68، 477، والعيني: 4/ 176، ومجالس ثعلب: 515، وديوان لبيد: 179. المفردات الغريبة: أقرضت قرضا: أعطيت شيئا من المال على سبيل القرض لتؤديه بعد، والمراد: إذا قدمت إليك معونة ما، أو صنع معك معروف؛ فاجزه: كافئ صاحبه. الفتى: الإنسان. الجمل: الحيوان المعروف، وقد يراد بالفتى الشاب الذي في طراوة الشباب، وبالجمل: الرجل الذي تقدمت به السن. المعنى إذا أسدى إليك أحد يدا، أو صنع معك معروفا، فكافئه بمثله، أو بخير منه، فإن هذا شأن الشاب القادر الخير؛ أما من كان كالجمل في اللؤم والخداع، أو من ضعف وقعدت به السن، فلا يجازي على المعروف إلا مضطرا. الإعراب: إذا ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية. أقرضت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الفتح، في محل رفع نائب فاعل. قرضا: مفعولا مطلق منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة؛ وجملة "أقرضت قرضا": في محل جر بالإضافة بعد إذا. فاجزه: الفاء واقعة في جواب الشرط غير الجازم، اجز: فعل أمر مبني على حذف الياء، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنت؛ والهاء: ضمير متصل مبني على الكسر، في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "اجزه": جواب شرط غير جازم، لا محل لها. إنما: أداة حصر، لا محل لها. يجزي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل. الفتى: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر. ليس: حرف عطف بمعنى "لا" على مذهب البغداديين. الجمل: اسم معطوف على الفتى مرفوع مثله، وعلامة رفعه الضمة، وسكن لضرورة الروي. موطن الشاهد: "ليس الجمل". وجه الاستشهاد: استعمال "ليس" حرف عطف بمعنى "لا"؛ لتنفي صنع الخبر الذي ثبت لما قبلها؛ وهذا على رأي البغداديين، تبعا لابن عصفور؛ ونقله أبو جعفر النحاس، وابن بابشاذ عن الكوفيين، وجرى عليه الناظم في التسهيل. ويخرج المانعون الشاهد كما يلي: ليس: فعل ماضٍ ناقص، والجمل: اسمها، وخبرها: محذوف؛ والتقدير: ليس الجمل جازيا. انظر شرح التصريح: 2/ 135. 1 أي: الاجتماع والاشتراك بين المتعاطفين في المعنى والحكم، من غير دلالة على مصاحبة، أو ترتيب زمني، أو مهلة، أو نحو ذلك. وقد خالف في ذلك بعض الكوفيين وقطرب وثعلب والربعي والفراء والكسائي وابن =

أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ} 1، ومتقدما؛ نحو: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} 2، ومصاحبا؛ نحو: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} 3. [ما تنفرد به الواو] وتنفرد الواو4 بأنها تعطف اسما على اسم لا يكتفي الكلام به كـ"اختصم

_ = درستويه؛ فذهبوا جميا إلى أنها تفيد الترتيب؛ والتعبير بمطلق الجمع مساوٍ للتعبير بالجمع المطلق من حيث المعنى. التصريح: 2/ 135. 1 57 سورة الحديد، الآية: 26. موطن الشاهد: {نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ} . وجه الاستشهاد: مجيء الواو حرف عطف لمطلق الجمع، عطف المتأخر في الحكم "إبراهيم" على "نوحا" المتقدم. 2 42 سورة الشورى، الآية: 3. موطن الشاهد: {إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} . وجه الاستشهاد: مجيء الواو حرف عطف لمطلق الجمع، عطف متقدم في الحكم على متأخر؛ لأن "الذين" معطوف على "الكاف" في إليك مع إعادة الجار. 3 29 سورة العنكبوت، الآية: 15. موطن الشاهد: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ} . وجه الاستشهاد: مجيء الواو حرف عطف لمطلق الجمع، عطف أصحاب السفينة على الهاء عطف مصاحب، والسفينة: مضاف إليه. 4 أي: من بين سائر حروف العطف؛ ومن المواضع التي انفردت بها الواو: أ- عطف سببي على أجنبي -في باب الاشتغال-؛ نحو قولك: زيد ضربت عمرا وأخاه. ب- عطف المرادف على مرادفه؛ نحو قوله تعالى: {شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} . ج- عطف عامل قد حذف وبقي معموله، نحو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} . د- جواز الفصل بين المتعاطفين بها بالظرف أو "الجار والمجرور"؛ نحو قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} . هـ- جواز العطف بها على الجواز في الجر خاصة؛ نحو قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} في قراءة جر "الأرجل". =

.................................................................

_ = و جواز حذفه عند أمن اللبس؛ نحو قول الشاعر: كيف أصبحت كيف أمسيت مما ... يغرس الود في فؤاد الكريم ز- وقوع "لا" بينها وبين المعطوف بها؛ وذلك إذا عطفت مفردا على مفرد، بعد النهي والنفي، أو ما هو في تأويل النفي؛ فالأول؛ كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ} ، والثاني: كقوله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} ، والثالث: كقوله جل جلاله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} . ح- وقوع "إما" بينها وبين معطوفها، إذا عطفت مفردا على مفرد، ويغلب أن تكون مسبوقة بـ"إما" أخرى -نحو قوله- تباركت أسماؤه: {إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ} ؛ ونحو قوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} . ط- عطف "لفظ العقد" على "النيف"؛ نحو قولك: أعطيته ثلاثة وعشرين قلما. ي- عطف النعوت المتفرقة، نحو قول الشاعر: بكيت وما بكا رجل حزين ... على ربعين مسلوب وبال ك- عطف ما كان حقه أن يثنى أو يجمع؛ فالأول، كقول الفرزدق: إن الرزية لا رزية بعدها ... فقدان مثل محمد ومحمد فمن حقه أن يقول: فقدان مثل المحمدين -بالتثنية- ولكنه عطف أحدهما على الآخر. ومثال الثاني؛ كقول أبي نواس: أقمنا بها يوما ويوما وثالثا ... ويوما له يوم الترحل خامس فالأصل أن يقول: أقمنا بها ثمانية أيام. ل- عطف العام على الخاص؛ كقوله تعالى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} فـ"المؤمنين" و"المؤمنات" أعم ممن دخل بيته مؤمنا. وأما عطف الخاص على العام؛ أن يكون بالواو، كما في قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} ، ويجوز أن يكون بـ"حتى"؛ نحو قولك: مات الناس حتى الأنبياء. م- امتناع الحكاية مع وجودها: فإن قيل: رأيت زيدا؛ جاز في الإجابة القول: من زيدا؟ بالحكاية من غير الواو؛ فإذا جئت بالواو؛ لم تجز الحكاية، ووجب أن ترفع زيدا، فتقول: ومن زيد؟ وفي هذا الموضع نقد؛ حاصله: أن الفاء، تشارك الواو فيه. ن- العطف في بابي "التحذير والإغراء"؛ نحو قوله تعالى: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} . =

زيد وعمرو" و"تضارب زيد وعمرو" و"اصطف زيد وعمرو" و"جلست بين زيد وعمرو"، إذ الاختصام والتضارب والاصطفاف والبينية من المعاني النسبية التي لا تقوم إلا باثنين فصاعدا، ومن هنا قال الأصمعي1: الصواب أن يقال2: [الطويل] 413- بين الدخول وحومل3

_ = س- عطف "أي" على مثلها؛ نحو قول الشاعر: فلئن لقيتك خاليين لتعلمن ... أيي وأيك فارس الأحزاب انظر التصريح: 2/ 135-138. 1 مرت ترجمته. 2 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا جزء من مطلع معلقة امرئ القيس، وهو بتمامه: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل وهو من شواهد: التصريح: 2/ 136، والأشموني: 813/ 2/ 417، ومجالس ثعلب: 127، ومجالسي العلماء للزجاجي: 273، والمنصف: 1/ 224، والمحتسب: 2/ 49، ودلائل الإعجاز: 265، وأمالي ابن الشجري: 2/ 39، والإنصاف: 656، وشرح المفصل: 4/ 15، 9/ 33، 78، 10/ 21، والخزانة: 4/ 379، وشرح شواهد الشافية: 242، والهمع: 2/ 129، والدرر: 2/ 166، وسيبويه: 2/ 298، والمغني: 291/ 214، 661/ 466، والسيوطي: 158. المفردات الغريبة: قفا: فعل أمر من الوقوف، والألف فيه للاثنين؛ وقيل: منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة، والمخاطب واحد، وعوملت الكلمة في الوصل؛ كما تعامل في الوقف. ذكرى: مصدر بمعنى التذكر. سقط اللوى: السقط -بتثليث السين وسكون القاف: منقطع الرمل حيث يستدق طرفه. واللوى: رمل يتلوى وينحني. الدخول: اسم موضع، وكذلك: حومل. المعنى: قفا يا صاحبي وشاركاني في البكاء وإرسال الدموع، من أجل تذكر حبيب، كان يقيم هنا، ومنزل كان عامرا به بين هذين الموضعين. الإعراب: قفا: فعل أمر مبني على حذف النون؛ لاتصاله بألف الاثنين، والألف ضمير متصل في محل رفع فاعل. نبك: فعل مضارع مجزوم؛ لوقوعه في جواب الطلب، وعلامة جزمه حذف الياء، والفاعل ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: نحن. "من ذكرى": متعلق بـ"نبك"، وذكرى مضاف. حبيب: مضاف إليه مجرور. ومنزل: الواو حرف عطف، منزل: اسم معطوف على حبيب. "بسقط": متعلق بمحذوف صفة لـ"منزل"، وسقط مضاف. اللوى: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة المقدرة =

بالواو1؛ وجحة الجماعة أن التقدير: بين أماكن الدخول فأماكن حومل2؛ فهو بمنزلة "اختصم الزيدون فالعمرون"3. [الفاء ومعناها] : وأما الفاء فللترتيب4 والتعقيب5، نحو: {أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} 6، وكثيرا ما

_ = على الألف؛ للتعذر. "بين": متعلق بمحذوف صفة ثانية لـ"منزل". الدخول: مضاف إليه مجرور. فحومل: الفاء حرف عطف، حومل: اسم معطوف على الدخول مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره. موطن الشاهد: "بين الدخول فحومل". وجه الاستشهاد: معلوم أن بين لا تضاف إلا إلى متعدد سواء أكان التعدد بسبب التثنية، أم الجمع أم العطف؛ ومعلوم أن الفاء العاطفة تدل على الترتيب من غير مهلة؛ فالبينية غير متحققة -هنا- وإنما تتحقق بالعطف بالواو التي تدل على اشتراك العاطف والمعطوف معا دفعة واحدة في مدلول العامل؛ ولهذا، خطأ الأصمعي امرأ القيس، وعُني العلماء بتصحيح عبارته كما بين المصنف. 1 لأن البينية، لا يتحقق معناها بواحد، ولا يعطف فيها بالفاء؛ لأن الفاء تدل على الترتيب. 2 أي: أن كلمتي "الدخول" و"حومل" -هنا- لا يراد بهما جزئي مشخص، وإنما يراد بهما أجزاء هذين المكانين؛ وهنالك مضاف محذوف، يفيد هذا التعدد مثل: أماكن، أو مواضع، أو أجزاء الدخول وحومل. وقد قدر يعقوب: بين أهل الدخول فحومل ... إلخ. انظرالتصريح: 2/ 136. 3 يقال هذا؛ إذا كان كل فرد، من كل فريق خصما لمن هو من فريقه؛ فيكون اختصام العمرين بعضهم مع بعض، عقب اختصام الزيدين؛ بعضهم مع بعض. ضياء السالك: 3/ 167-168. 4 بنوعيه: المعنوي، والذكري؛ والمعنوي: أن يكون زمن تحقق المعنى في المعطوف متأخرا عنه في المعطوف عليه؛ نحو: من الخير الإنصات؛ فالسماع؛ فمحاولة الفهم. وأما الترتيب الذكري؛ فهو: وقوع المعطوف بعد المعطوف عليه بحسب التحدث عنهما لا بحسب زمان وقوع المعنى على أحدهما؛ نحو: حدثنا المعلم عن أبي بكر، فعثمان، فعمر. مغني اللبيب: 213، والتصريح: 2/ 138. 5 هو اتصال المعطوف بالمعطوف عليه بلا مهلة وقصر المدة التي بين وقوع المعنى عليهما، والتعقيب في كل شيء بحسبه. 6 80 سورة عبس، الآية: 21. =

تقتضي أيضا التسبب1 إن كان المعطوف جملة؛ نحو: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} 2، واعترض على الأول بقوله تعالى: {أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} 3؛ ونحو: "توضأ فغسل وجهه ويديه" الحديث4؛ والجواب: أن المعنى أردنا إهلاكها، وأراد الوضوء، وعلى الثاني بقوله تعالى: {فَجَعَلَهُ غُثَاءً} 5، والجواب: أن التقدير:

_ = موطن الشاهد: {أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} . وجه الاستشهاد: مجيء الفاء حرف عطف مفيدا الترتيب والتعقيب؛ لأن دفن الإنسان في القبر، يعقب موته عادة. 1 أي الدلالة على السببية؛ بأن يكون المعطوف متسببا عن المعطوف عليه؛ ولكنها لا تسمى فاء السببية إلا إذا دخلت على مضارع منصوب بأن المصدرية المضمرة. 2 28 سورة القصص، الآية: 15. موطن الشاهد: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} . وجه الاستشهاد: وقوع الفاء حرف عطف يفيد التعقيب والترتيب ومقتضيا التسبب؛ لأن جملة {قَضَى عَلَيْهِ} متسببة عن الجملة الأولى: {وَكَزَهُ مُوسَى} ؛ فالمعطوف عليه سبب في حصول المعطوف. 3 7 سورة الأعراف، الآية: 4. موطن الشاهد: {أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} . وجه الاستشهاد: اعترض الفراء على كون الفاء للترتيب المعنوي بهذه الآية؛ لأن الهلاك متأخر عن مجيء الباس في المعنى، وهو متقدم في التلاوة، وذلك ينافي الترتيب الذي في الفاء، ورد عليه بما جاء في المتن؛ أو بأن الفاء للترتيب الذكري لا المعنوي. 4 حديث شريف. موطن الشاهد: "توضأ فغسل وجهه ويديه". وجه الاستشهاد: اعترض بهذا الحديث على كون الفاء للترتيب المعنوي كما في الآية الكريمة السابقة، ورد على هذا الاعتراض، بأحد وجهين؛ الأول: أن المعنى: على إضمار الإرادة؛ والتقدير: أراد الوضوء؛ فغسل وجهه وغسل الأعضاء الأربعة مترتب على إرادة الوضوء. والثاني: أن الفاء للترتيب الذكري لا المعنوي. انظر شرح التصريح: 2/ 139. 5 87 سورة الأعلى، الآية: 5. موطن الشاهد: {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} . وجه الاستشهاد: اعترض بهذه الآية على كون الفاء للتعقيب، في قوله تعالى: {الَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} ؛ لأن إخراج المرعى، لا يعقبه جعله غثاء =

فمضت مدة فجعله غثاء1، أو بأن الفاء نابت عن ثم كما جاء عكسه وسيأتي. [ما تختص به الفاء] : وتختص الفاء بأنها تعطف على الصلة ما لا يصح كونه صلة لخلوه من العائد2؛ نحو: "اللذان يقومان فيغضب زيد أخواك"3؛ وعكسه؛ نحو: "الذي يقوم أخواك فيغضب هو زيد"، ومثل ذلك جارٍ في الخبر والصفة والحال4؛ نحو: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} 5؛ وقوله6: [الطويل]

_ = أحوى؛ أي: يابسا أسود؛ ورد على هذا الاعتراض بأن جملة "جعله ... " معطوفة على جملة محذوفة؛ والتقدير: فمضت مدة فجعله غثاء، أو: بأن الفاء نابت عن "ثم"؛ والمعنى: "ثم جعله غثاء". انظر التصريح: 2/ 139. 1 فيكون المعطوف عليه محذوفا. وقد قيل: إن هذا لا يدفع الاعتراض؛ لأن مضي المدة، لا يعقب الإخراج. وأجيب بأنه يكفي أن يكون أول أجزاء المضي متعقبا للإخراج، وإن لم يحصل بتمامه إلا في زمن طويل؛ نحو قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} ؛ فإن اخضرار الأرض يبتدئ بعد نزول المطر، لكن يتم في مدة ومهلة. 2 وذلك؛ لأن ما فيها من معنى السببية؛ التي تجعل ما قبلها وما بعدها في حكم جملة واحدة يغني عن الرابط. 3 "اللذان": مبتدأ. "يقومان": الجملة صلة "فيغضب زيد" الجملة معطوف بالفاء على جملة يقومان الواقعة صلة؛ وكان القياس عدم صحة العطف؛ لخلوها من ضمير يعود إلى الموصول؛ لأنها رفعت الظاهر، وهو "زيد" ولكن عطفها بالفاء سوغ ذلك؛ لما في الفاء من معنى السبب "أخوك" خبر المبتدأ. 4 أي: تعطف جملة تصلح لتلك الأشياء، على جملة لا تصلح. 5 22 سورة الحج، الآية: 63. موطن الشاهد: {فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} . وجه الاستشهاد: عطف جملة "فتصبح" على جملة "أنزل" الواقعة خبرا لـ"أن"، وكان القياس أن لا يصح العطف؛ لخلوها من ضمير يعود على اسم "أن"؛ لأن الجملة المعطوفة على الخبر خبر؛ ولكنها لما قرنت بالفاء ساغ ذلك. التصريح: 2/ 139. 6 القائل: هو غيلان بن عقبة، المعروف بذي الرمة. وقد مرت ترجمته.

414- وإنسان عيني يحسر الماء تارة ... فيبدو1......... [ثم ومعناها] : وأما "ثم" فللترتيب والتراخي2، نحو: {فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} 3، وقد

_ 1 تخريج الشاهد: البيت بتمامه: وإنسان عيني يحسر الماء تارة ... فيبدو وتارات يجم فيغرق وهو من شواهد: التصريح: 2/ 139، والأشموني: 537/ 2/ 288، والعيني: 1/ 578، 4/ 178، ومجالس ثعلب: 612، والمحتسب: 1/ 150، والمقرب: 13، والهمع: 1/ 89، والدرر: 1/ 74، وديوان ذي الرمة: 395. المفردات الغريبة: إنسان عيني: هو النقطة السوداء اللامعة وسط سواد العين. يحسر: ينكشف وينزاح. فيبدو: فيظهر. يجم: يكثر. المعنى: أن إنسان العين ينكشف عنه الماء ويزول أحيانا، فيظهر الإنسان للرائي وأحيانا يكثر الماء في العين فيغرق إنسانها ويستتر، ولا يرى. الإعراب: إنسان: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. عيني: مضاف إليه، وهو مضاف، والياء في محل جر بالإضافة. يحسر: فعل مضارع مرفوع. الماء: فاعل مرفوع. تارة: مفعول مطلق منصوب. فيبدو: الفاء عاطفة، يبدو: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الواو للثقل، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو. وتارات: الواو عاطفة، تارات: اسم معطوف على تارة منصوب وعلام نصبه الكسرة لأنه جمع مؤنث سالم. يجم: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو يعود إلى الماء. فيغرق: الفاء عاطفة، يغرق: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو يعود إلى إنسان عيني. موطن الشاهد: "فيبدو". وجه الاستشهاد: عطف جملة "يبدو" التي تصلح لأن تكون خبرا عن المبتدأ "إنسان"؛ لاشتمالها على ضمير يعود إليه على جملة لا تصلح لذلك لخلوها من ذلك الضمير؛ وهي جملة: "يحسر الماء". 2 التراضي هو "انقضاء مدة زمنية بين وقوع المعنى على المعطوف عليه، ووقوعه على المعطوف وتحديد هذه المدة متروك للعرف. و"ثم" تعطف المفردات والجمل، وقد تدخل عليها تاء التأنيث لتأنيث اللفظ. فتخص بعطف الجمل؛ نحو: من ظفر بمطلوبه ثمت أهمل في الحفاظ عليه فلا يلومن إلا نفسه. وتكتب بتاء غير مربوطة. مغني اللبيب: 160، والتصريح: 2/ 140، والجنى الداني: 426. 3 80 سورة عبس، الآية: 21، 22. =

توضع موضع الفاء؛ كقوله1: [المتقارب] 415- جرى في الأنابيب ثم اضطرب2

_ = موطن الشاهد: {فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} . وجه الاستشهاد: مجيء "ثم" حرف عطف يفيد الترتيب والتراخي؛ لأن نشر الموتى يوم القيامة؛ وبين دفن الإنسان وبين نشره مدة طويلة لا يعلمها إلا الله. القائل هو: أبو دؤاد الإيادي، واسمه حارثة بن الحجاج؛ وقد مرت ترجمته. 1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: كهز الرديني تحت العجاج والبيت من قصيدة يصف فيها فرسه، وينشد قبله قوله: إذا قيد قحم من قاده ... وولت علابيبه واجلعب والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 140، والأشموني: 814/ 2/ 417، والمغني: 186/ 160، والسيوطي: 124، ومعاني ابن قتيبة: 1/ 58، والعيني: 4/ 131، والهمع: 2/ 131، والدرر: 2/ 174، وديوان أبي دؤاد الإيادي: 292. المفردات الغريبة: الرديني: الرمح المنسوب إلى ردينة؛ وهي امرأة اشتهرت بصنع الرماح بهجر. العجاج: الغبار، والمراد: ما تثيره أقدام المتحاربين أو خيولهم. الأنابيب: جمع أنبوب؛ وهو ما بين كل عقدتين من القصب. المعنى: أن اهتزاز هذا الفرس وسرعة عدوه ذهابا وجيئة في أثناء القتال، يشبه اهتزاز الرمح واضطرابه، في سرعة وخفة، في كل ناحية تحت غبار المعركة. الإعراب: "كهز": متعلق بخبر لمبتدأ محذوف؛ وبعضهم علقه بمحذوف واقع صفة لمفعول مطلق محذوف عامله "اجعلب" في بيت "سابق، وهو مضاف. الرديني: مضاف إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله. "تحت": منصوب متعلق بـ"هز"، وهو مضاف. العجاج: مضاف إليه مجرور. جرى: فعل ماضٍ مبني على الفتحة المقدرة على الألف للتعذر؛ والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو. "في الأنابيب": متعلق بـ"جرى". ثم: حرف عطف. اضطرب: فعل ماضٍ مبني على الفتح، وسكن لضرورة الروي. موطن الشاهد: "ثم اضطرب". وجه الاستشهاد: مجيء ثم -هنا- بمعنى الفاء؛ لأن اضطراب الرمح يحدث عقب اهتزاز أنابيبه مباشرة، في لحظات من غير مهلة. وفي معنى الفاء وثم، يقول ابن مالك: والفاء للترتيب باتصال ... وثم للترتيب بانفصال =

[حتى وشروطها] : وأما "حتى" فالعطف بها قليل؛ والكوفيون ينكرونه1، وشروطه أربعة أمور: أحدها: كون المعطوف اسما2.

_ = ومعنى باتصال؛ أي: من غير مهلة زمنية؛ وهو ما عبر عنه بالتعقيب. ومعنى بانفصال؛ أي: بمهلة زمنية، وهي ما عبر عنها بالتراخي. فائدة: قد ترد "ثم" للترتيب الذكري الإخباري؛ الذي يقصد به مجرد الإخبار وسرد المعطوفات من غير ملاحظة ترتيب كلامي سابق، ولا ترتيب زمني حقيقي؛ كقول الشاعر: إن من ساد ثم ساد أبوه ... ثم قد ساد قبل ذلك جده انظر ضياء السالك: 3/ 172-173. توجيهان: أ- قد ترد "ثم" للترتيب الذكري الإخباري؛ أي الذي يقصد به مجرد الإخبار وسرد المعطوفات من غير ملاحظة ترتيب كلامي سابق، ولا ترتيب زمني حقيقي؛ كقول الشاعر: إن من ساد ثم ساد أبوه ... ثم قد ساد قبل ذلك جده الأشموني: 2/ 418. ب- وقد تدخل همزة الاستفهام على "ثم"، و"الواو"، و"الفاء"، مثل: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ} {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ} {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} . فقيل: إن الهمزة تقدمت على العاطف لأصالتها في التصدير؛ وقيل: إن هذا حروف استئناف داخلة على جمل مستأنف. 1 ويجعلونها ابتدائية في مثل: جاء القوم حتى محمد، وما بعدها على إضمار عامل. وحتى تفيد ترتيب أجزاء ما قبلها ذهنا. مغني اللبيب: 173. 2 هذا مذهب جمهور النحاة، وحجتهم أنها منقولة من "حتى" الجارة، وحرف الجر لا يدخل إلا على الاسم؛ فبقي لحتى بعد نقلها ما كان لها قبل النقل. وخالف بذلك ابن السيد، وكأنه نظر إلى ما طرأ عليها من النقل للعطف، وقاسها على غيرها من حروف العطف، فإذا قلت: "أكرمت زيدا بكل ما أقدم عليه حتى جعلت نفسي له حارسا" أو قلت: "بخل علي زيد بكل شيء حتى منعني دانقا"؛ جاز في هذين المثالين اعتبار حتى عاطفة عند ابن السيد، والجمهور يمنعون ذلك؛ فالمثالان عندهم إما خطأ، وإما على تأويل الفعل التالي لحتى بمصدر مجرور بها. هذا ولا يصح أن يكون المعطوف =

والثاني: كونه ظاهرا1؛ فلا يجوز "قام الناس حتى أنا" ذكره الخضراوي2. والثالث: كونه بعضا من المعطوف عليه، إما بالتحقيق3؛ نحو: "أكلت السمكةَ حتى رأسَها"، أو بالتأويل؛ كقوله4: "الكامل" 416- ألقى الصحيفة كي يخفف رحله ... والزاد حتى نعله ألقاها5

_ = بحتى حرفا؛ لأن الحرف لا يدخل على نظيره غالبا إلا في التوكيد اللفظي أو الضرورة الشعرية، ولا يصح أن يكون جملة. مغني اللبيب: 172، والتصريح: 2/ 141، ورصف المباني: 180، والجنى الداني: 542. 1 ذكر ابن هشام أنه لم يقف عليه لغيره، ووجه قول الخضراوي: أن أصل "حتى": أن تكون جارة، فاستصحبوا بعد نقلها إلى العطف حالها بعد النقل؛ ولهذا، لا يجوز أن تقول: "حضر الناس حتى أنا"؛ لأن حتى الجارة لا تجر إلا الأسماء الظاهرة؛ هذا، وقد حقق الصبان عدم اشتراط ذلك. مغني اللبيب: 171، وحاشية الصبان: 3/ 67. 2 مرت ترجمته. 3 يعتبر بعضا من المعطوف عليه بالتحقيق ثلاثة أمور هي: الأول: أن يكون جزءا من كل؛ نحو: أكلت السمكة حتى رأسها. الثاني: أن يكون فردا من جمع؛ نحو قولهم: قدم الحجاج حتى المشاة. الثالث: أن يكون نوعا من جنس؛ نحو: أعجبني التمر حتى البرين. التصريح: 2/ 141. 4 القائل: هو أبو مروان النحوي، ولم أعثر له على ترجمة. تخريج الشاهد: البيت من كلمة يحكي فيها قصة المتلمس، وفراره من عمرو بن هند، وبعده قوله: ومضى يظن بريد عمرو خلفه خوفا، وفارق أرضه وقلاها. والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 141، 214، والأشموني: 538/ 2/ 289، والمغني: 199/ 167، 203/ 171، 262/ 175، وسيبويه: 1/ 50، والجمل: 81، والعيني: 4/ 134، والهمع: 2/ 24، 136، والدرر: 2/ 16، 188، وحاشية يس على التصريح: 1/ 302. المفردات الغريبة: ألقى: رمى إلى الأرض. الصحيفة: ما يكتب فيه من ورق وغيره. =

........................................................

_ = رحله، الرحل: ما يستصحبه المرء من المتاع وهو أيضا: ما يوضع على ظهر الناقلة بمنزلة السرج للفرس. الزاد: كل ما يستصحبه المسافر ليبلغه مقصده. المعنى: أن المتلمس رمى بالصحيفة؛ ليخفف ما معه من متاع، وألقى كذلك ما معه من زاد يتبلغ به، حتى نعله التي يلبسها رمى بها. وكان من أمر هذه الصحيفة: أنه وطرفة هجيا عمرو بن هند -الملك-؛ ثم مدحاه بعد ذلك، فكتب لكل منهما صحيفة إلى عامله بالحيرة وختمهما، وأمره فيهما بقتلهما، وأوهمهما، بأنه كتب لهما بصلة، فلما بلغا الحيرة، فتح المتلمس صحيفته، وعلم بما فيها؛ فألقاها في النهر، وفر إلى الشام، وأبى طرفة أن يفتح صحيفته ودفعها إلى العامل فقتله. الإعراب: ألقى: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر، والفاعل: هو. الصحيفة: مفعول به منصوب. كي: حرف تعليل. يخفف: فعل مضارع منصوب بـ"أن" المضمرة بعد "كي"؛ والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": مجرور بـ"كي"؛ و"الجار والمجرور": متعلق بـ"ألقى"؛ والتقدير: ألقى الصحيفة؛ لتخفيف رحله؛ وجملة "يخفف رحله": صلة للموصول الحرفي، لا محل لها. رحله: مفعول به منصوب، وهو مضاف، و"الهاء": في محل جر بالإضافة. والزاد: الواو عاطفة، الزاد: اسم معطوف على رحله، منصوب. حتى: حرف عطف، لا محل له من الإعراب. نعله: مفعول به منصوب لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده؛ والهاء: مضاف إليه. وتقدير الكلام: حتى ألقى نعله؛ وعلى هذا التقدير: "فحتى" عطفت جملة "ألقى فعله" على جملة "ألقى الصحيفة". ألقاها: فعل ماضٍ، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، و"ها": في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "ألقاها": تفسيرية، لا محل لها؛ ويجوز أن تكون "حتى": حرف عطف بمعنى الواو، ويكون "نعله" معطوفا على الزاد؛ عطف مفرد على مفرد، وجملة "ألقاها": توكيد لجملة "ألقى الصحيفة"؛ ويكون ضمير "ها" البارز في ألقاها عائدا إلى الصحيفة؛ وهذا الوجه والذي سبقه على رواية النصب في "نعله"؛ وقد وردت بالجر والرفع؛ وتخريجهما؛ كالآتي: تخرج رواية الجر على أن "حتى" حرف جر، و"نعله" مجرور بها، ومضاف إليه؛ و"الجار والمجرور": متعلق بـ"ألقى" السابق؛ وجملة "ألقاها": توكيدية. وتخرج رواية الرفع في "نعله" على أنها مبتدأ مرفوع، ومضاف إليه؛ وخبره: جملة "ألقاها"؛ وعليها فـ"حتى" ليست عاطفة، وإنما هي حرف ابتداء؛ وجملة "نعله ألقاها": ابتدائية لا محل لها. موطن الشاهد: "حتى نعله". وجه الاستشهاد: عطف "نعله" بـ"حتى" على ما قبله؛ لأنه بعض من المعطوف عليه -بالتأويل- كما بين المصنف؛ ويجوز أن يكون "نعله" منصوبا بفعل محذوف، يفسره =

فيمن نصب "نعله"، فإن ما قبلها في تأويل ألقى ما يثقله، أو شبيها بالبعض؛ كقولك: "أعجبتني الجاريةُ حتى كلامُها"، ويمتنع "حتى ولدُها"1 وضابط ذلك أنه إن حسن الاستثناء حسن دخول حتى2. والرابع: كونه غاية في زيادة حسية؛ نحو: "فلان يهب الأعدادَ الكثيرةَ حتى الألوفَ" أو معنوية؛ نحو: "مات الناسُ حتى الأنبياءُ، أو الملوكُ"، أو في نقص كذلك؛ نحو" المؤمن يجزى بالحسناتِ حتى مثقالِ الذرةِ"، ونحو: "غلبك الناس حتى الصبيان، أو النساء"3. [أم المتصلة ومعناها] : وأما "أم" فضربان: منقطعة وستأتي، ومتصلة: وهي المسبوقة إما بهمزة

_ = المذكور -كما بينا في الإعراب- وهذا على رواية النصب؛ وعلى روايتي الرفع والجر، أوضحنا تخريجهما بما لا يستلزم الإعادة؛ والذي يهمنا -هنا- ما الذي سوغ العطف بـ"حتى" على رواية النصب؟ والجواب هو: لما كان النعل بعض ما يثقله، ويضعف حركته في الهرب؛ كان من ضمن ما يثقله؛ لأنه يشترط بالعطف بـ"حتى" أن يكون المعطوف بعض المعطوف عليه. 1 لأن الولد ليس جزءا منها ولا شبيها بالجزء؛ بخلاف كلامها، فإنه لشدة اتصاله بها؛ صار كجزئها. 2 المراد: الاستثناء المتصل؛ لأن شرط الاستثناء المتصل؛ أن يتناول ما قبل أداته ما بعدها نصا. 3 إذا لم يكن ما بعد "حتى" من جنس ما قبلها -إما تحقيقا وإما تأويلا وإما تشبيها- أو كان ما بعدها من جنس ما قبلها على أحد الوجوه الثلاثة؛ ولكنه لم يكن غاية لما قبلها، أو كان ما بعدها غاية وطرفا لما قبلها؛ لكنه ليس دالا على زيادة، أو نقص حسيين، أو معنويين؛ فإنه لا يجوز أن تجعلها عاطفة، ويتفرع على هذا، أنك لو قلت: صادقت العرب حتى "العجم"؛ لم يصح؛ لأن العجم ليس من جنس العرب؛ ولو قلت: "خرج الفرسان إلى القتال حتى بنو فلان"، وكان بنو فلان هؤلاء في وسط الفرسان؛ لم يصح؛ لأن ما بعد حتى -حينئذ- ليس غاية لما قبلها؛ إذ الغاية، ليست إلا في الأطراف -عاليها وسافلها- ولو قلت: "زارني القوم حتى زيد"، ولم يكن زيد متميزا بفضل، أو منفردا بخسيسة؛ لم يصح؛ لأن ما بعد حتى -حينئذ- ليس ذا زيادة ولا نقص. انظر التصريح: 2/ 142.

التسوية1؛ وهي الداخلة على جملة في محل المصدر2، وتكون هي والمعطوفة عليها فعليتين؛ نحو: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} 3، أو اسميتين؛ كقوله4: [الطويل] 417- أموتي ناءٍ أم هو الآن واقعُ5

_ 1 سميت بذلك؛ لوقوعها غالبا بعد لفظ "سواء" أو: لا أبالي، أو: لا أدري، أو ما يشبهها؛ في الدلالة على أن الجملتين بعدها متساويتان في الحكم عند المتكلم؛ كقول الشاعر: ما أبالي أنب بالحزن تيس ... أم لحاني بظهر غيب لئيم 2 من علاماتها: أن تتوسط بين جملتين خبريتين؛ قبلهما همزة، وكلتا الجملتين يصلح أن يحل محلها هي والهمزة، مصدر مؤول منهما معا. 3 2 سورة البقرة، الآية: 6، 36 سورة يس، الآية: 10. موطن الشاهد: {أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} . وجه الاستشهاد: وقوع "أم" حرف عطف؛ عطف جملة فعلية على جملة فعلية مثلها؛ والتقدير: إنذارك وعدم إنذارك سواء؛ بعد تأويل الجملة بمصدر؛ وهذا من مواضع سبك الجملة بلا سابك على تقدير "أن". انظرالتصريح: 2/ 142. 4 لم ينسب البيت إلى قائل معين، ويظهر أنه لمتمم بن نويرة في رثاء أخيه مالك. 5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: ولست أبالي بعد فقدي مالكا وهو من شواهد: التصريح: 2/ 142، والأشموني: 821/ 2/ 421، والعيني: 4/ 136 والهمع: 2/ 132، والدرر: 2/ 175، والمغني: 55/ 61، والسيوطي: 49. المفردات الغريبة: أبالي: أكترث وأعبأ. ناء: بعيد. وهو اسم فاعل من نأى ينأى: أي: بعد. المعنى: لست مهتما ولا مكترثا بشيء في الحياة، بعد أن فقدت أخي مالكا، ولا يعنيني -وقد فقدته- أن يكون موتي بعيدا أو ينزل بي الآن. الإعراب: لست: فعل ماضٍ ناقص مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع اسم "ليس". أبالي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنا؛ وجملة "أبالي": في محل نصب خبر "ليس". "بعد": متعلق بـ"أبالي"، وهو مضاف. فقدي: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، والياء: في محل جر بالإضافة؛ من إضافة المصدر إلى فاعله. مالكا: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه =

أو مختلفتين؛ نحو: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} 1، وإما بهمزة يطلب بها وبأم التعيين2، وتقع بين مفردي متوسط بينهما ما لا يسأل عنه؛ نحو: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ} 3، أو متأخرا عنهما؛ نحو: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ

_ = الفتحة الظاهرة. أموتي: الهمزة حرف استفهام، موتي: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل الياء، والياء: في محل جر بالإضافة. ناءٍ: خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين؛ وجملة "موتي ناءٍ": في محل نصب مفعولا به لـ"أبالي"؛ المعلق عن العمل في اللفظ بالاستفهام. أم: حرف عطف. هو؛ ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. الآن: مفعول فيه ظرف زمان منصوب بقوله: "واقع" الآتي. واقع: خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة؛ وجملة "هو الآن واقع": معطوفة على الجملة السابقة "موتي ناءٍ": في محل نصب. موطن الشاهد: "أموتي ناءٍ أم هو واقع". وجه الاستشهاد: وقوع "أم" بين جملتين اسميتين؛ وقد عطفت إحداهما على الأخرى؛ والمعنى: لست أبالي؛ بعد موتي أو حصل الآن. 1 7 سورة الأعراف، الآية: 193. موطن الشاهد: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} . وجه الاستشهاد: عطفت "أم" جملة اسمية على جملة فعلية؛ والتقدير -بعد التأويل: سواء عليكم دعاؤكم إياهم -أي الأصنام- وصمتكم؛ ومن هذه الآية وما قبلها، يتضح لنا، أن "أم" المتصلة المسبوقة بهمزة التسوية، لا تعطف إلا جملة على جملة، وعطفها للمفرد نادر لا يقاس عليه. 2 همزة التعيين: هي الواقعة بعد ما أدري، ولا أعلم، وليت شعري ونحوها، وتسد، "أي" مسدها مع "أم" في طلب التعيين، وتخالف همزة التسوية؛ فتتطلب جواب بتعيين أحد الشيئين؛ لأنها لم تنسلخ عن الاستفهام. 3 79 سورة النازعات، الآية: 27. موطن الشاهد: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ} . وجه الاستشهاد: وقوع "أم" حرف عطف مسبوقا بهمزة يراد بها معها التعيين؛ لأن الاستفهام -هنا- توبيخي، والسؤال عن المبتدأ: "أنتم"، والمعادل: "السماء" المعطوفة على "أنتم"؛ وهما مفردان، وقد توسط بينهما غير المسئول عنه؛ وهو "أشد خلقا" الواقع خبرا تقديرا عن المتعاطفين.

أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} 1، وبين فعليتين؛ كقوله2: [البسيط] 418- فقلت أهي سرت أم عادني حلم3

_ 1 21 سورة الأنبياء، الآية: 109. موطن الشاهد: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} . وجه الاستشهاد: السؤال في هذه الآية عن الخبر؛ وهو قريب وبعيد؛ والمسئول عنه متأخر؛ وهو ما توعدون؛ وذلك؛ لأن شرط الهمزة المعادلة لـ"أم" أن يليها أحد الأمرين المطلوب تعيين أحدهما، ويلي "أم" المعادل الآخر؛ ليفهم السامع من أول الأمر ما يطلب تعيينه؛ ويرى سيبويه: أن إيلاء المسئول عنه الهمزة أولى، لا واجب. انظر التصريح: 2/ 143. 2 قيل هو: زيادة بن حمل، وقيل: زياد بن منقذ العدوي؛ المعروف بالمرار الحنظلي، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: فقمت للطيف مرتاعا فأرقني وهو من كلمة يحن فيها الشاعر إلى وطنه؛ وقبله قوله: زارت رقية شعثا بعد ما هجعوا ... لدى نواحل في أرساغها الخدم والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 143، والأشموني: 823/ 2/ 421، والخصائص: 1/ 305، 2/ 330، والخزانة: 2/ 391، وشرح المفصل: 7/ 179، والهمع: 1/ 61، 2/ 132، والدرر: 1/ 37، 2/ 175، ومجالس العلماء للزجاجي: 1396 وشرح شواهد الشافعية للبغدادي: 190، والمغني: 56/ 62، 705/ 495، والسيوطي: 49 وشرح التبريزي على ديوان الحماسة: 3/ 324. المفردات الغريبة: الطيف: المراد به خيال المحبوبة الذي يراه في النوم. مرتاعا: خائفا، يقال: راعه فارتاع؛ أي: أفزعه ففزع، ولا ترع: أي لا تخف. أرقني: أسهرني. أهي "بسكون الهاء": إجراء لهمزة الاستفهام مجرى واو العطف وفائه. سرت: من السرى؛ وهو السير ليلا. عادني: زارني وأتاني بعد إعراض. المعنى: استيقظت من النوم فزعا خائفا؛ لما رأيت في نومي خيال المحبوبة وقلت في نفسي -وقد أطار ذلك النوم من عيني: أهي المحبوبة جاءت إلي ليلا؟ أم ذلك حلم ومنام؟! الإعراب: فقلت: الفاء عاطفة، قلت: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل. أهي: الهمزة حرف استفهام. هي: فاعل لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده "سرت". سرت: =

لأن الأرجح كون "هي" فاعلا بفعل محذوف، واسميتين1؛ كقوله2: [الطويل] 419- شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر3

_ = فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة؛ لالتقاء الساكنين، والتاء للتأنيث، لا محل لها من الإعراب، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هي؛ وجملة "سرت": تفسيرية، لا محل لها؛ وجملة "الفعل المحذوف وفاعله": في محل نصب مفعولا به بعد القول. أم: حرف عطف، لا محل له من الإعراب. عادني: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب مفعولا به. حلم: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة؛ وجملة "عادني حلم": معطوفة على جملة "الفعل المحذوف وفاعله" في محل نصب. موطن الشاهد: "أهي سرت أم عادني حلم". وجه الاستشهاد: وقوع "أم" المعادلة لهمزة الاستفهام بين جملتين فعليتين؛ لأن "هي" فاعل لفعل محذوف على الأرجح -كما بينا في الإعراب- لأن الأصل في الاستفهام أن يكون عن أحوال الذوات المتجددة؛ لأنها تتجدد وتحصل بعد أن لم تكن؛ والدال على هذه الأحوال، هو الفعل؛ وأما الاستفهام عن نفس الذوات التي تدل عليها الأسماء فقليل؛ والقليل لا يحمل عليه الكثير، ما دام الكثير صحيح المعنى. 1 وقد تكون الجملتان مختلفتين؛ أولاهما: اسمية، والثانية: فعلية؛ نحو: قوله تعالى: {قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا} ؛ ومن مجيء الأولى فعلية، والثانية اسمية قوله تعالى: {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} ؛ لأن "أنتم": فاعل بفعل محذوف يفسره المذكور لما علمت من أن همزة الاستفهام أولى بالفعل من حيث إن الأصل في الاستفهام؛ أن يكون عما من شأنه أن يكون محل شك أو تردد وذلك هو أحوال الذوات التي تعبر عنها الأفعال، فأما الذوات أنفسها فيقل أن تكون محل تردد أوشك. مغني اللبيب: 61، حاشية يس على التصريح: 2/ 143. 2 ينسب البيت إلى الأسود بن يعفر التميمي، وينسب إلى اللعين المنقري، وقد مرت ترجمة كل منهما. 3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، في هجاء قبيلة شعيث بأنها لا تعزى إلى أب معين؛ وصدره قوله: لعمرك ما أدري وإن كنت داريا =

...........................................

_ = وهو من شواهد: التصريح: 2/ 143، والأشموني: 824/ 2/ 421، والمغني: 57/ 62، والسيوطي: 51، وسيبويه: 1/ 485، وفيه منسوب إلى الأسود بن يعفر، والكامل للمبرد: 1/ 357، 380، وفيه منسوب إلى: اللعين المنقري، والمحتسب: 1/ 50، والخزانة: 4/ 450، والعيني: 4/ 138، والهمع: 2/ 132، والدرر: 2/ 175. المفردات الغريبة: ما أدري: ما أعلم. داريا: أي: من أهل الدراية والعلم بالأنساب. شعيث: اسم حي من بني تميم. سهم: اسم حي من قيس عيلان. منقر: حي ينتهي إلى زيد مناة بن تميم. المعنى: يقسم الشاعر بأنه لا يعلم -وإن كان من أهل العلم والمعرفة بالأنساب- أي نسبي شعيث هو الصحيح والحق؛ أنسبتها إلى سهم؟ أم نسبتها إلى منقر؟. الإعراب: لعمرك: اللام لام الابتداء، عمر: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف، والكاف: في محل جر بالإضافة؛ والخبر محذوف وجوبا؛ والتقدير: لعمرك قسمي. ما أدري: ما نفية، لا محل لها من الأعراب. أدري: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره أنا. وإن: الواو اعتراضية، إن: شرطية جازمة؛ ويجوز أن تكون الواو حالية، فتكون "إن" زائدة. كنت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: في محل رفع اسمه. داريا: خبر كان منصوب؛ وجملة "كنت داريا": في محل نصب على الحال؛ إن عدت الواو حالية؛ وإن عدت الواو اعتراضية؛ فالجملة معترضة، لا محل لها. شعيث: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. ابن: خبر مرفوع، وهو مضاف. سهم: مضاف إليه مجرور. أم: حرف عطف. شعيث: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. ابن: خبر المبتدأ وهو مضاف. منقر: مضاف إليه مجرور؛ وجملة "شعيث بن سهم": في محل نصب مفعولا به لـ"أدري" وقد علق فعل أدري عن العمل في اللفظ بالهمزة المحذوفة؛ وجملة "شعيث بن منقر": معطوفة على الجملة السابقة في محل نصب. موطن الشاهد: "شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر". وجه الاستشهاد: وقوع "أم" المعادلة للهمزة بين جملتين اسميتين؛ ولهذا، ثبتت همزة "ابن"؛ لأنها تحذف إذا كان "ابن" صفة لعلم، ومضافا إلى علم؛ والثاني أبو الأول؛ وهو -هنا- خبر. فائدة: ذكر سيبويه: أنه إذا جاءت همزة التسوية بعد كلمة "سواء" فلا بد من ذكر "أم" العاطفة؛ فإن لم تأت الهمزة بعد "سواء" عطف الثاني على الأول بـ"أو"؛ نحو: سواء =

الأصل: "أشعيث" فحذفت الهمزة والتنوين منهما1. [أم المنقطعة ومعناها] : والمنقطعة هي الخالية من ذلك2، ولا يفارقها معنى الإضراب3، وقد

_ = علينا رضي العدو أو سخط. وجاء في المغني: أنه لا يصح العطف بـ"أو" بعد "سواء"؛ سواء ذكرت همزة التسوية أم حذفت. انظر ضياء السالك: 3/ 179. 1 أما حذف التنوين فللضرورة؛ بناء على أن "شعيثا" مصروف نظرا إلى الحي، ويحتمل أنه ممنوع من الصرف نظرا إلى القبيلة، ولا ينافي ذلك الوصف بابن؛ لجواز رعاية التذكير والتأنيث باعتبارين. وأما حذف الهمزة؛ فجائز اختيارا. ونقل الدماميني اطراد حذفها اخيتارا قبل أم المتصلة؛ لكثرته نظما ونثرا، وذلك إن علم أمرها، ولم يوقع حذفها في لبس. التصريح، وحاشية التصريح: 2/ 143. هذا، وقد تحذف "أم" مع معطوفها على قلة؛ كقول الشاعر: دعاني إليها القلب إني لأمره ... سميع فما أدري أرشد طلابها يريد: أرشد أم غي؟ وقيل: إن الهمزة للتصديق؛ فلا تحتاج لمعادل. 2 يريد أنها هي التي لا تتقدم عليها همزة التسوية، ولا الهمزة التي يطلب بها وبأم التعيين: وإنما سميت منقطعة -والحالة هذه-؛ لوقوعها بين جملتين مستقلتين في معناهما؛ لكل منهما معنى خاص يخالف معنى الأخرى، ولا يتوقف أداء أحدهما وتمامه على الآخر، التصريح: 2/ 144. 3 الإضراب -هنا: إبطال الحكم السابق ونفي مضمونه والانصراف عنه إلى ما بعدها، ويسمى هذا: الإضراب الإبطالي. وقد يراد الانتقال من غرض إلى آخر يخالفه، وحينئذ؛ يسمى: الإضراب الانتقالي. هذا، ويذهب البصريون إلى أن "أم" المنقطعة تدل على الإضراب والاستفهام معا، في كل مثال؛ فلا تكون في مثال ما للإضراب وحده، ولا تكون في مثال ما للاستفهام وحده. ويذهب الكوفيون: إلى أنها تدل على الإضراب في كل مثال، وقد تدل -مع دلالتها على الإضراب- على الاستفهام الحقيقي، أو الإنكاري، وقد لا تدل على الاستفهام أصلا، ولا تأتي للدلالة على الاستفهام وحده في مثال ما، وعلى هذا جرى المؤلف هنا. ويذهب أبو عبيدة إلى أن "أم" المنقطعة على ثلاثة أوجه: =

تقتضي مع ذلك استفهاما؛ حقيقيا نحو: "إنها لإبلٌ أم شاءٌ"1؛ أي: بل أهي شاء، وإنما قدرنا بعدها مبتدأ؛ لأنها لا تدخل على المفرد2، أو إنكاريا؛ كقوله تعالى: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ} 3؛ أي: أله البنات، وقد لا تقضيه البتة؛ نحو: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} 4؛ أي: بل هل تستوي؛ إذ لا يدخل استفهام على استفهام5؛

_ = 1- دالة على الإضراب وحده. 2- دالة على الاستفهام وحده. 3- دالة على الإضراب والاستفهام معا. ويذكر بعض العلماء: أنه لا خلاف بين الكوفيين والبصريين في مجيء "أم"؛ للدلالة على الإضراب وحده، وإنما الخلاف في تسميتها؛ هل تسمى منقطعة أو لا؟. مغني اللبيب: 66، التصريح: 2/ 144، ورصف المباني: 93، والمقتضب: 3/ 286. 1 أخبر أولا بأنها إبل، ثم تحقق غير ذلك، فاضرب عنه مستفهما عن كونها شاء. 2 لأنها غير عاطفة؛ بل هي بمعنى بل الابتدائية، وحرف الابتداء، لا يدخل إلا على جملة، فـ"شاء" خبر لمبتدأ محذوف، وقيل: لعطف المفرد بقلة. التصريح: 2/ 144، ومغني اللبيب: 68. 3 52 سورة الطور، الآية: 39. موطن الشاهد: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أم" مفيدة الاستفهام الإنكاري؛ ولا يصح أن تقدر هنا للإضراب المحض؛ لأن ذلك يجعل الكلام إخباريا بنسبة البنات إليه تعالى والله سبحانه منزه عن ذلك. انظر شرح التصريح: 2/ 144. 4 13 سورة الرعد، الآية: 16. موطن الشاهد: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} غير مقتضية الاستفهام؛ لا الحقيقي، ولا الإنكاري؛ لأن التقدير: "بل هل تستوي الظلمات والنور؟ " ولا يقدر: بل أهل؛ لأنه لا يدخل استفهام على استفهام. التصريح: 2/ 144. 5 عرفنا سابقا أن مذهب البصريين في "أم" المنقطعة أنها تدل على الإضراب والاستفهام معا، وأن مذهب الكوفيين أنها تدل على الإضراب دائما، وقد تدل على الاستفهام مع دلالتها على الإضراب، وقد لا تدل على الاستفهام. وعلمنا أن ابن هشام، اختار مذهب الكوفيين؛ لأن الآية التي تلاها: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} ترجح مذهب الكوفيين وذلك؛ لأن "أم" خالية من الدلالة على الاستفهام؛ لوقوع حرف =

هذا باب نعم وبئس1 [معناهما وشروط مرفوعهما] : وهما فعلان عند البصريين والكسائي؛ بدليل "فبها ونعمت"2، واسمان عند باقي الكوفيين3؛ بدليل "ما هي بنعم الولد"4؛.......................

_ 1 اعلم أنهما يستعملان تارة للإخبار بالنعمة والبؤس فيتصرفان كسائر الأفعال، تقول: نعم محمد بكذا ينعم به فهو ناعم، وبئس كذلك. وتارة لإنشاء المدح والذم فلا يتصرفان لما سيأتي، وهذا الاستعمال هو المراد هنا. 2 هذا جزء من حديث؛ وتمامه: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل". والحديث أخرجه: أبو داود في سننه: 354، والنسائي: 3/ 94، والترمذي: 497. والسنن الكبرى للبيهقي: 1091، ومسند أحمد بن حنبل: 5/ 15-16، 22، وفي شرح السنة للبغوي: 2/ 67، ومشكاة المصابيح للتبريزي: 540، وتفسير القرطبي: 18/ 106. موطن الشاهد: "نعمت". وجه الاستشهاد: مجيء "نعم" فعلا؛ بدليل اتصاله بتاء التأنيث الساكنة؛ وهي لا تدخل إلا على الفعل؛ وحكى الكسائي: نعما رجلين، ونعموا رجالا؛ وضمائر الرفع البارزة المتصلة؛ من خصائص الأفعال أيضا؛ فهذا دليل "ثان" على الفعلية. ضياء السالك: 3/ 81؛ والتصريح: 2/ 94. 3 وقد بنيا على الفتح لتضمنهما معنى الإنشاء، ويعربان مبتدأين، ومعناهما: الممدوح والمذموم، وما هو فاعل على المشهور يعرب بدلا أو عطف بيان. والخبر هو المخصوص بالمدح أو الذم، ويجوز العكس. وفي مثل: نعم رجلا محمد؛ يعرب "رجلا" تمييزا أو حالا. 4 قول لبعض العرب حين بشر بأنثى، وتمامه: "نصرها بكاء، وبرها سرقة". ووجه الدلالة فيه دخول حرف الجر على "نعم"، والولد ونحوه فيما استدلوا به مجرور؛ لأنه تابع للمجرور، أي: ما هي بالممدوح الولد، فإن كان مرويا بالرفع فلعله مقطوع عما =

[العطف بـ"أو". معنى "أو" وأنواعها] : وأما "أو" فإنها بعد الطلب1 للتخيير؛ نحو: "تزوج زينب أو أختها" أو للإباحة2؛ نحو: "جالس العلماء أو الزهاد"، والفرق بينهما: امتناع الجمع بين المتعاطفين في التخيير، وجوازه في الإباحة. وبعد الخبر للشك3؛ نحو: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ

_ = بـ"ضجيعتي"، واللام: للبعد، الكاف: للخطاب. أم: حرف دال على الإضراب بمعنى: "بل" لا محل له من الإعراب. "في جنة": متعلق بمحذوف واقع خبرا لـ"ليت" المحذوفة مع اسمها؛ والتقدير: بل ليت سليمى ضجيعتي في جنة. أم: حرف دال على الإضراب بمعنى: "بل" لا محل له من الإعراب. "في جنة": متعلق بمحذوف واقع خبرا لـ"ليت" المحذوفة مع اسمها؛ والتقدير: بل ليت سليمى ضجيعتي في جنة. أم: حرف عطف دال على الإضراب. "في جهنم": متعلق بمحذوف واقع خبرا لـ"ليت" المحذوفة مع اسمها كما سبق؛ والتقدير: بل ليت سليمى ضجيعتي في جهنم. موطن الشاهد: "أم". وجه الاستشهاد: مجيء "أم" في الشاهد منقطعة متمحضة للإضراب؛ بمعنى "بل"، فهي لا تدل على الاستفهام، ولا تقتضيه أصلا؛ لأن الشاعر، لا يريد الاستفهام، وإنما ساقه مساق التمني؛ ولهذا، قدر بعدها "جملة"؛ لأن "أم" التي بمعنى "بل" لا يقع بعدها إلا الجمل. 1 المراد بالطلب: الصيغة التي تدل على معنى الأمر؛ سواء كانت فعل الأمر، أو لام الأمر الداخلة على المضارع؛ لأن الإباحة والتخيير لا يتأتيان في الاستفهام، ولا في باقي الأنواع الطلبية على الصحيح، ولا فرق بين الأمر الملفوظ والملحوظ؛ كقوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} ؛ أي: فليفعل أي الثلاثة. 2 المراد: الإباحة بحسب العقل، أو العرف في أي وقت، وعند أي قوم لا الإباحة الشرعية. 3 المراد بالخبر: ما يحتمل الصدق والكذب لذاته. والشك: أن يكون المتكلم نفسه واقعا في الشك والتردد، وأما التشكيك؛ فهو أن يوقع المتكلم المخاطب في الشك والتردد. وأما الإبهام: فهو أن يكون المتكلم عالما بحقيقة الأمر غير شاك ولا متردد فيه؛ ولكنه يخرج كلامه في صورة الاحتمال؛ ليكون المخاطب أقبل لما يلقى إليه من الكلام؛ ولكنه يخرج كلامه في صورة الاحتمال؛ ليكون المخاطب أقبل لما يلقى إليه من الكلام, فإذا سمع الكلام وتفهمه؛ ظهر له الأمر؛ ومثال المؤلف يبين ذلك، فقد أورد الكلام في صورة الاحتمال؛ ليسترعي انتباه المخاطب، ويحمله على السماع والتفهم، ولم يورده في صورة الخبر القاطع مع أن المتكلم، يعلم علم اليقين أن من عبد الله، وأفرده بالألوهية والتوجه إليه؛ هو الذي يكون على هدى وأن من أشرك معه غيره؛ هو الذي يكون في ضلال مبين. حاشية يس على التصريح: 2/ 145، وحاشية الصبان: 3/ 106.

يَوْمٍ} 1، أو للإبهام؛ نحو: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} 2، وللتفصيل، نحو: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى} 3، أو للتقسيم؛ نحو: "الكلمة اسم أو فعل أو حرف"4،

_ 1 18 سورة الكهف، الآية: 19. موطن الشاهد: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} . وجه الاستشهاد: وقوع "أو" مفيدة معنى الشك؛ لوقوعها بعد كلام خبري؛ وهو قوله تعالى: {لَبِثْنَا} و"أو" للشك من القائلين ذلك؛ في الآية الكريمة. التصريح: 2/ 144. 2 34 سورة سبأ، الآية: 24. موطن الشاهد: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} . وجه الاستشهاد: وقوع "أو" مفيدة معنى الإبهام على المخاطب؛ {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} . للإبهام؛ فيكون الشاهد في الثانية، وقال في "المغني": الشاهد في الأولى؛ وقال الدماميني: الشاهد في الأولى والثانية. انظر شرح التصريح: 2/ 145. 3 2 سورة البقرة، الآية: 135. موطن الشاهد: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى} . وجه الاستشهاد: وقوع "أو" مفيدة التفصيل؛ لأن "قالوا" كلام خبري، وهو مشتمل على الواو العائدة على اليهود والنصارى؛ فذكر الفريقين على الإجمال، بالضمير العائد إليهما، ثم فصل ما قاله كل فريق؛ أي: قالت اليهود: كونوا هودا، وقالت النصارى: كونوا نصارى "فأو" لتفصيل الإجمال في فاعل "قالوا" وهو الواو. التصريح: 2/ 145. 4 قيل: الفرق بين التفصيل والتقسيم، أن الأول: تبيين للأمور المجتمعة بلفظ واحد؛ وأما التقسيم؛ فهو: تبيين لما دخل تحت حقيقة واحدة، وقد مثل المؤلف لكل منهما، ويرى المحققون: ألا فرق بينهما، ولا ضرر من توحيد معناهما وجعلهما مترادفين، والمسألة اصطلاحية محضة.

وللإضراب، عند الكوفيين وأبي علي1؛ حكى الفراء2 "اذهب إلى زيد أو دع ذلك فلا تبرح اليوم"، وبمعنى الواو، عند الكوفيين3؛ وذلك عند أمن اللبس؛ كقوله4: [الكامل] 421- ما بين ملجم مهره أو سافع5

_ 1 ممن ذهب إلى أن "أو" تفيد الإضراب: ابن برهان، وابن جني ومن معهما؛ وهؤلاء ذهبوا إلى أنها تفيد الإضراب مطلقا؛ أي سواء كان المتقدم خبرا مثبتا، أو منفيا، أم كان المتقدم عليها أمرا، أو نهيا؛ وسواء أعيد معها العامل في الكلام المتقدم عليها أم لم يعد. تقول: "أنا مسافر اليوم" ثم يبدو لك، فتقول: "أو مقيم" تريد الإضراب عن الكلام الأول، وإثبات ما بعد أو؛ ومنه قول الشاعر: كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية ... لولا رجاؤك قد قتلت أولادي ونسب ابن عصفور القول بإفادة "أو" الإضراب إلى سيبويه؛ لكنه قرر أن سيبويه يشترط في إفادتها للإضراب؛ أن يتقدمها نفي أو نهي، وأن يعاد معها العامل ومثال ذلك: قولك: لا يقم بكر أو لا يقم خالد. التصريح: 2/ 145-146، مغني اللبيب: 91، رصف المباني: 131، الجنى الداني: 227. 2 مرت ترجمته. 3 أي: تكون للدلالة على الاشتراك ومطابق الجمع بين المتعاطفين، ويصح أن يحل محلها الواو؛ ووافق الكوفيين على ذلك: الجرمي، والأخفش، بالشرط الذي ذكره المؤلف. مغني اللبيب: 88-89، والتصريح: 2/ 146. 4 القائل: هو: حميد بن ثور الهلالي، وقد مرت ترجمته. 5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: قوم إذا سمعوا الصريخ رأيتهم وهو من شواهد: التصريح: 2/ 146، والأشموني: 828/ 2/ 424، والعيني: 4/ 146، والسيرة: 200، والمغني: 99/ 90، والسيوطي: 72، وديوان حميد بن ثور: 111. المفردات الغريبة: الصريخ: صوت المستصرخ المستغيث، ويطلق على المستغيث نفسه؛ وكلا المعنيين يصلح هنا، وقد يطلق الصريخ على المغيث، قال تعالى: {فَلا صَرِيخَ لَهُمْ} ؛ أي: لا مغيث. ملجم: جاعل اللجام في موضعه من الفرس. مهره: أصله الحصان الصغير، والمراد هنا: الحصان. سافع: قابض على ناصية فرسه. =

وزعم أكثر النحويين1: أن "إما" الثانية في الطلب والخبر، نحو: "تزوج إما

_ = المعنى: يصف القوم بالشجاعة والنجدة، فيقول: إنه إذا سمعوا استغاثة من أحد؛ أسرعوا لإجابته ونجدته؛ فترى من يلجم فرسه، ومن يأخذ بناصية فرسه حتى يحضر له غلامه اللجام للإسراع في نجدة المستغيث ... إلخ. الإعراب: قوم: خبر لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: هم قوم. إذا: ظرف متضمن معنى الشرط. سمعوا: فعل ماضٍ مبني على الضم؛ لاتصاله بواو الجماعة، والواو: فاعل، والألف: للتعريف. الصريخ: مفعول به منصوب؛ وجملة "سمعوا الصريخ": في محل جر بالإضافة. رأيتهم: فعل ماضٍ، والتاء: فاعل، و"هم": مفعول به؛ وجملة "رأيتهم": جواب شرط غير جازم، لا محل لها. ما: زائدة، لا عمل لها. "بين": متعلق بـ"رأى"، وهو مضاف. ملجم: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف. مهره: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، والهاء: في محل جر بالإضافة، أو: حرف عطف، لا محل له من الإعراب. سافع: اسم معطوف على ملجم مهره مجرور مثله. موطن الشاهد: "بين ملجم مهره أو سافع". وجه الاستشهاد: استعمال "أو" بمعنى الواو العاطفة؛ وذلك؛ لأن "بين" لا تضاف إلا لمتعدد لفظا ومعنى؛ ولو أبقيت "أو" على معناها -وهو أحد الشيئين أو الأشياء- لأضيفت "بين" إلى واحد، وهو غير سائغ في اللغة. ونظير البيت الشاهد قول امرئ القيس: فظل طهاة اللحم ما بين منضج ... صفيف شواء أو قدير معجل فـ"أو" هنا بمعنى الواو أيضا. فائدة: تكون "أو" للتخيير والإباحة بعد الأمر، وتكون للشك والإبهام بعد الجمل الخبرية. وتكون بمعنى التفصيل والإضراب، والواو بعد الطلب وبعد الخبر؛ والأفضل في الإضراب: أن يسبقه نفي أو نهي، وأن يتكرر العامل معه؛ ومعلوم أن هذه المعاني المسموعة خاضعة للسياق، والقرائن لتبين نوع كل منها. ضياء السالك: 3/ 185. 1 فوائد وتوجيهات: فائدة أولى: لغة أكثر العرب كسر همزة "إما"، ولغة تميم وقيس وأسد فتح همزتها. فائدة ثانية: يغلب في "إما" تكرارها، وقد تحذف الثانية ويؤتى في الكلام ما يقوم مقامها؛ كما يقال: "إما أن تتكلم بخير وإلا فاسكت"، وقد تحذف الأولى ويُكتفى بالثانية؛ كقول الشاعر: تلم بدار قد تقادم عهدها ... وإما بأموات ألم خيالها فالمعنى تلم إما بدار قد تقادم عهدها وإما بأموات. =

هندا وإما أختها" و"جاءني إما زيد وإما عمرو"، بمنزلة "أو" في العطف والمعنى، وقال أبو علي وابنا كيسان1 وبرهان2: هي مثلها في المعنى فقط، ويؤيده قولهم: إنها مجامعة للواو لزوما، والعاطف لا يدخل على العاطف؛ وأما قوله3: [البسيط] 422- أيما إلى جنة أيما نار4

_ = فائدة ثالثة: اتفق النحاة على أن "إما، لا تأتي بمعنى الواو، ولا بمعنى "بل"، وإنما تأتي لما تأتي له "أو" من المعاني المشهورة المتفق عليها؛ وهي التخيير والإباحة بعد الطلب، والشك والإبهام بعد الخبر. فائدة رابعة: اختلف النحاة في "إما" أمركبة هي أم بسيطة؟ فذهب سيبويه: إلى أنها مركبة من "إن" و"ما"، وذهب غيره من النحاة إلى أنها بسيطة، وضعت هكذا من أول الأمر؛ وهذا الرأي؛ هو الراجح؛ لأن البساطة -أي: عدم التركيب- هي الأصل. فائدة خامسة: لا خلاف بين النحاة في أن "إما" الأولى غير عاطفة؛ لأنها تقع بين العامل ومعموله؛ نحو: تزوج إما هندا، وإما أختها، واختلفوا في "إما" الثانية؛ فذهب أكثر النحاة: إلى أنها عاطفة والواو قبلها زائدة؛ لكيلا يلزم دخول العاطفة على العاطف. وذهب أبو علي الفارسي وابن كيسان وابن برهان: إلى أن العاطف هو الواو و"إما": دالة على الإباحة، أو التخيير، أو الشك، أو الإبهام. فـ"إما" -عند هؤلاء- مثل "أو" في الدلالة على المعنى فقط؛ وليست مثلها في عطف ما قبلها على ما بعدها، وزعم ابن عصفور: أن النحاة مجمعون على أن "إما" غير عاطفة وزعمه مخالف لما ذهب إليه العلماء. انظر التصريح: 2/ 146، والمغني: 84-87، وحاشية الصبان: 3/ 109-110. 1 ابن كيسان مرت ترجمته. 2 ابن برهان هو أبو القاسم، عبد الواحد بن علي بن برهان الأسدي العكبري، عالم في اللغة والتاريخ، وأيام العرب، تصدر للتدريس ببغداد، ويعرف بشراسة خلقه، على من يقرأ عليه ولا يلبس السراويل، ولا يغطي رأسه؛ له من المصنفات: الاختيار في الفقه، وأصول اللغة، واللمع في النحو، مات سنة: 456هـ. البلغة: 133، إنباه الرواة: 2/ 213، وبغية الوعاة: 2/ 120، ومعجم المؤلفين: 6/ 210، والأعلام: 4/ 326. 3 القائل: هو سعد بن قرظ. 4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، يهجو فيه الشاعر أمه وكان عاقا شريرا؛ وصدره قوله: يا ليتما أمنا شالت نعامتها =

فشاذ، وكذلك فتح همزتها وإبدال ميمها الأولى. [معنى لكن وشروط عطفها] : وأما "لكن" فعاطفة خلافا ليونس1، وإنما تعطف بشروط: إفراد معطوفها، وأن تسبق بنفي أو نهي، وأن لا تقترن بالواو؛ نحو: "ما مررت برجل صالح، لكن

_ = وهو من شواهد: التصريح: 2/ 146، والأشموني: 830/ 2/ 426، والعيني: 4/ 153، والمحتسب: 1/ 41، 284، وشرح المفصل: 6/ 75، والخزانة: 4/ 431، الهمع: 5/ 135، والدرر: 2/ 182، والمغني: 88/ 85، والسيوطي: 67. المفردات الغريبة: شالت نعامتها: كناية من كنايات العرب، ومعناها: ماتت؛ وأصل شالت: ارتفعت، والنعامة: باطن القدم، ومن مات ترتفع رجلاه وينخفض رأسه فتظهر نعامته. وقيل النعامة هنا: النعش. أيما: لغة في "إما". المعنى يتمنى هذا الشاعر العاق لأمه، أن تكون قد ماتت، وسيان -عنده- بعد ذلك، أن يكون مصيرها الذهاب إلى الجنة، أو إلى النار. الإعراب: يا: حرف تنبيه؛ أو يا: حرف نداء والمنادى محذوف. ليتما: كافة ومكفوفة، لا عمل لها. أمنا: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، و"نا": مضاف إليه. شالت: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث. نعامتها: فاعل مرفوع، وهو مضاف، و"ها": في محل جر بالإضافة؛ وجملة "شالت نعامتها": في محل رفع خبر المبتدأ. ويجوز إعراب ليت: حرف مشبه بالفعل عاملة، و"ما" زائدة غير كافة وأمنا: اسم ليت ومضاف إليه؛ وجملة "شالت نعامتها": في محل رفع خبر "ليت". أيما: حرف دال على التقسيم، لا محل له من الإعراب؛ أو دال على التفصيل. "إلى الجنة": متعلق بـ"شالت". أيما: حرف عطف، لا محل له من الإعراب. "إلى نار": بـ"أيما" على "إلى الجنة". موطن الشاهد: "أيما". وجه الاستشهاد: مجيء "أيما" عاطفة غير مسبوقة بالواو؛ وهذا شاذ، وكذلك فتح همزتها مع قلب ميمها ياء -كما ذكر المصنف- وأما فتح همزتها وحده؛ فلا شذوذ فيه، وإنما هو لغة جماعة من العرب كـ"تميم وقيس وأسد"؛ كما ذكر المؤلف في المتن. 1 فإنها -عنده- مخففة من الثقيلة؛ ومعناها: الاستدراك، وما بعدها معمول بمحذوف يدل عليه المذكور قبلها، وإذا ذكرت معها الواو فالعطف بالواو لا بها. انظر مغني اللبيب: 385-386، التصريح: 2/ 146-147.

طالح" ونحو: "لا يقم زيد، لكن عمرو" وهي حرف ابتداء إن تلتها جملة؛ كقوله1: [البسيط] 423- إن ابن ورقاء لا تخشى بوادره ... لكن وقائعه في الحرب تنتظر2 أو تلت واوا؛ نحو: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} 3؛ أي: ولكن كان رسول الله،

_ 1 القائل: هو زهير بن أبي سلمى المزني، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: البيت من قصيدة، يمدح فيها الشاعر الحارث بن ورقاء الصيداوي. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 147، والأشموني: 836/ 2/ 427، والعيني: 4/ 178، والهمع: 2/ 137، والدرر: 2/ 189، والمغني: 544/ 385، والسيوطي: 239، وديوان زهير: 306. المفردات الغريبة: ورقاء: اسم رجل. بوادره: جمع بادرة؛ وهي ما يبدر من الإنسان عند الغضب. وقائعه: جمع وقيعة؛ وهي إنزال الشر بالأعداء. تنتظر: تخشى ويرتقب وقوعها. المعنى: أن هذا الرجل، لا يخاف منه -عند غضبه وحدته-؛ لأنه يملك نفسه عند الغضب، فلا يغدر ولا يخون؛ ولكن فتكه بأعدائه في الحرب، يرتقب ويخشى منه. الإعراب: أن: حرف مشبه بالفعل. ابن: اسم "إن" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وهو مضاف. ورقاء: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف. لا: نافية، لا محل له من الإعراب. تخشى: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر. بوادره: نائب فاعل مرفوع، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه؛ وجملة "تخشى بوادره": في محل رفع خبر "إن". لكن: حرف ابتداء يفيد الاستدراك، لا محل له من الإعراب. وقائعه: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف، والهاء: في محل جر بالإضافة. "في الحرب": متعلق بقوله "تنتظر" الآتي؛ أو بمحذوف حال من "وقائعه" أو من الضمير المستتر في "تنتظر"؛ العائد إلى "وقائعه". تنتظر: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، ونائب الفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، يعود إلى وقائعه؛ وجملة "تنتظر": في محل رفع خبر المبتدأ. موطن الشاهد: "لكن". وجه الاستشهاد: وقوع "لكن" حرف ابتداء، لا حرف عطف؛ لأن الواقع بعدها جملة لا مفرد. 3 33 سورة الأحزاب، الآية: 40. موطن الشاهد: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} . =

وليس المنصوب معطوفا بالواو1؛ لأن متعاطفي الواو المفردين لا يختلفان بالسلب والإيجاب2، أو سبقت بإيجاب؛ نحو: "قام زيد لكن عمرو لم يقم"، ولا يجوز "لكن عمرو" على أنه معطوف؛ خلافا للكوفيين. ["بل" معناها وشروط عطفها] : وأما "بل" فيعطف بها بشرطين؛ إفراد معطوفها3، وأن تسبق بإيجاب أو أمر أو نفي أو نهي؛ ومعناها بعد الأولين: سلب الحكم عما قبلها وجعله لما بعدها؛ كـ"قام زيد بل عمرو"، و"ليقم زيد بل عمرو"؛ وبعد الأخيرين: تقرير حكم ما قبلها وجعل ضده لما بعدها4؛ كما أن لكن كذلك؛ كقولك: "ما كنت في منزل

_ = وجه الاستشهاد: وقوع "لكن" حرف ابتداء، ورسول الله: خبر لكان المحذوفة، ومضاف إليه؛ والتقدير: ولكن كان رسول الله؛ وليس "رسول" معطوفا على "أبا" بالواو الداخلة على "لكن" عطف مفرد على مفرد، خلافا لـ"يونس"؛ الذي يعد "الواو" عاطفة، و"لكن" حرف استدراك. التصريح: 2/ 147. 1 أي: على أنه من عطف مفرد؛ وهو: "رسول الله"؛ علم مفرد؛ وهو: "أبا أحد". 2 فإن المعطوف عليه؛ وهو: "أبا أحد" منفي، والمعطوف؛ وهو: "رسول الله" مثبت. أما عطف الجملتين بالواو: فيجوز تخالفهما، نفيا وإيجابا؛ تقول: حضر محمد، ولم يحضر علي. 3 فإن وقع بعد "بل" جملة؛ لم تكن عاطفة، وكانت -حينئذ- حرف ابتداء دال على الإضراب؛ ويكون هذا الإضراب إبطاليا؛ أي: الدلالة على أن ما قيل قبلها كلام باطل، وذلك؛ نحو قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} ؛ ونحو قوله سبحانه: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ} ؛ وقد يكون نحو قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} . وقد تزاد "لا" قبل "بل"، بعد الإيجاب؛ للدلالة على توكيد الإضراب؛ نحو قوله: وجهك البدر لا بل الشمس لو لم ... يقض للشمس كشفة أو أفول وقد تزاد "لا" قبل "بل" بعد النفي؛ لتقرير ما قبلها؛ نحو قول الشاعر: وما هجرتك لا بل زادني شغفا ... هجر وبعد تراخى لا إلى أجل وهذا البيت رد على ابن درستويه الذي ادعى أن "لا" لا تزاد قبل بل بعد النفي. مغني اللبيب: 151-153، ورصف المباني: 153، والجنى الداني: 235. 4 هذا مذهب جمهور النحاة؛ وأجاز المبرد هذا المعنى، كما أجاز أن تكون "بل" بعد =

ربيع بل في أرض لا يهتدى بها"، و"لا يقم زيد بل عمرو"، وأجاز المبرد1 كونها ناقلة معنى النفي والنهي لما بعدها؛ فيجوز على قوله: "ما زيد قائما بل قاعدا"2؛ على معنى بل ما هو قاعدا، ومذهب الجمهور: أنها لا تفيد نقل حكم ما قبلها لما بعدها إلا بعد الإيجاب والأمر؛ نحو: "قام زيد بل عمرو"، و"اضرب زيدا بل عمرا". [لا، معناها وشروط عطفها] : وأما "لا" فيعطف بها بشروط: إفراد معطوفها3، وأن تسبق بإيجاب أو أمر اتفاقا؛ كـ"هذا زيد لا عمرو"، و"اضرب زيدا لا عمرا"، أو نداء؛ خلافا لابن سعدان4؛ نحو: "يابن أخي لا ابن عمي" وأن لا يصدق أحد متعاطفيها على

_ = النفي والنهي ناقلة حكم ما قبلها لما بعدها؛ فقولك: "ما زيد قائم بل عمرو" معناه -عند الجمهور: انتفاء القيام عن زيد، والحكم بثبوت القيام لعمرو. ولا معنى للكلام سوى هذا عندهم؛ ويحتمل هذا الكلام عند المبرد معنيين؛ أحدهما: ما حكيناه عن الجمهور، والثاني: أن يكون زيد المذكور قبل "بل" غير محكوم عليه بشيء؛ لا بانتفاء القاسم، ولا بثبوته؛ وعمرو المذكور بعد "بل" محكوم عليه بانتفاء القيام عنه؛ الذي كان حكم ما قبل "بل"، وقد بين ذلك المؤلف. مغني اللبيب: 152، والتصريح: 148، المقتضب: 1/ 12 و4/ 298. 1 مرت ترجمته. 2 قال بعضهم: إن مثل هذا الاستعمال، لم يسمع عن العرب؛ لأنه يلزم -عليه- أن "ما" لا تعمل في -قائما- شيئا؛ لأن شرط عملها بقاء النفي، في المعمول، وقد انتقل عنه؛ وقد رد نحاة آخرون: بأن الانتقاض، جاء بعد مضي العمل، فلا يضر. انظر التصريح: 2/ 148، وحاشية الصبان: 3/ 112-113. 3 أي: ولو تأويلا؛ فيجوز أن يقال: قلت: محمد قائم لا قاعد. ولا يعطف بها جملة لا محل لها من الإعراب. ويشترط في المفرد؛ ألا يكون صالحا؛ لأن يكون صفة لموصوف مذكور، أو يكون خبرا، أو حالا؛ فإن صلح لشيء من ذلك؛ كانت "لا" للنفي المحض، وليست عاطفة، ووجب تكرارها؛ نحو قوله تعالى: {لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ} محمد لا كاتب، ولا شاعر؛ كما يشترط ألا تقترن بعاطف، وإلا كان العطف به؛ وهي لإفادة نفي ما قبلها؛ نحو: جاء محمد لا بل علي. مغني اللبيب: 318، الجنى الداني: 294، ورصف المباني: 275. 4 هو أبو جعفر؛ محمد بن سعدان الضرير، كان من النحاة الكوفيين الموثوق بهم؛ عالما بالعربي والقراءة، وقد أخذها عن أهل مكة والمدينة وغيرهما، وكان يقرأ بقراءة حمزة، وصنف كتابا في النحو والقراءات؛ له ولد اسمه إبراهيم، كان من أهل العلم والفضل. مات ابن سعدان يوم الأضحى سنة: 231هـ. بغية الوعاة: 1/ 111.

الآخر، نص عليه السهيلي1؛ وهو حق؛ فلا يجوز "جاءني رجل لا زيد"، ويجوز "جاءني رجل لا امرأة". وقال الزجاجي2: وأن لا يكون المعطوف عليه معمول فعل ماضٍ؛ فلا يجوز "جاءني زيد لا عمرو"3 ويرده قوله4: [الطويل] 424- عقاب تنوفى لا عقاب القواعل5

_ 1 هو: عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي، وقد مرت ترجمته. 2 هو: عبد الرحمن بن إسحاق، وقد مرت ترجمته. 3 وحجته: أن العامل يقدر بعد العاطف، ولا يصح أن يقال: لا جاء عمرو إلا على سبيل الدعاء. حروف المعاني: 71. 4 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته. 5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: كان دثارا حلقت بلبونه وهو من شواهد: التصريح: 2/ 150، والأشموني: 837/ 2/ 427، والعيني: 4/ 154، والخزانة: 4/ 471، والخصائص: 3/ 191، والمغني: 439/ 318. المفردات الغريبة: دثار: اسم رجل كان راعيا لامرئ القيس. حلقت: ذهبت وارتفعت. بلبونه: اللبون: الإبل ذوات اللبن. عقاب: طائر معروف من الطيور الكواسر. تنوفى: اسم موضع مرتفع في جبال طيئ، أغير على إبل امرئ القيس من ناحيته. القواعل: موضع دون تنوفى. المعنى: كأن هذا الراعي -حين أغار عليه الأعداء وشردت إبله بعيدا- طارت بها عقبان ذلك الجبل العظيم، وارتفعت بها فوقه؛ فهو لا يستطيع ردها، ولا الوصول إليها، لا عقبان هذا الجبل الصغير. الإعراب: كأن: حرف مشبه بالفعل. دثارا: اسم "كأن" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. حلقت: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث. "بلبونه": متعلق بقوله: "حلقت"، و"لبون" مضاف، والهاء: في محل جر بالإضافة. عقاب: فاعل "حلقت" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف. =

[جواز العطف على الظاهر والضمير] : فصل: يعطف على الظاهر والضمير المنفصل والضمير المتصل المنصوب بلا شرط؛ كـ"مقام زيد وعمرو" و"إياك والأسد"؛ ونحو: {جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ} 1. [لا يعطف على الضمير المرفوع إلا بعد توكيده] : ولا يحسن العطف على الضمير المرفوع المتصل؛ بارزا كان أو مستترا إلا بعد توكيده بضمير منفصل2؛ نحو: {لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} 3، أو وجود فاصل؛ أي

_ = تنوفى: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف للتعذر؛ وجملة "حلقت": في محل رفع خبر "كأن". لها: حرف عطف، لا محل له من الإعراب. عقاب: معطوف على عقاب الأول، وهو مضاف. القواعل: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. موطن الشاهد: "لا". وجه الاستشهاد: عطف "لا" لـ"عقاب القواعل" على "عقاب تنوفى" والمعطوف عليه معمول لفعل ماضٍ "حلقت"؛ وفي هذا رد على الزجاجي الذي يمنع ذلك؛ حيث يشترط أن يكون المعطوف عليه بـ"لا" غير معمول للفعل الماضي. 1 77 سورة المرسلات، الآية: 38. موطن الشاهد: {جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ} . وجه الاستشهاد: عطف "الأولين" بالواو على الضمير المتصل الواقع في محل نصب مفعولا به لـ"جمعنا"؛ وهو "كم"؛ وحكم هذا العطف الجواز اتفاقا. 2 قيل في سبب ذلك: إن المتصل المرفوع؛ كالجزء من عامله المتصل به لفظا ومعنى؛ فالعطف عليه يكون كالعطف على جزء الكلمة؛ فإذا أكد دل على انفصاله فحصل له نوع استقلال. هذا، ومثل توكيد الضمير المرفوع -توكيدا لفظيا بالضمير المنفصل- توكيده توكيدا معنويا؛ بلفظ من ألفاظ التوكيد المعنوي؛ التي مرت في باب التوكيد؛ ومن ذلك قول الشاعر: ذعرتم أجمعون ومن يليكم ... برؤيتنا وكنا الظافرينا فقوله "ومن يليكم": معطوف على تاء المخاطبين في قوله: "ذعرتم"؛ وهذه "التاء" نائب فاعل؛ لأنها، قد أكدت بقوله: "أجمعون". 3 21 سورة الأنبياء، الآية: 54. =

فاصل كان بين المتبوع والتابع؛ نحو: {يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ} 1، أو فصل بـ"لا" بين العاطف والمعطوف؛ نحو {مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} 2، وقد اجتمع الفصلان في نحو: {مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ} 3، ويضعف بدون ذلك، كـ"مررت بردل سواء والعدم"4؛ أي: مستوٍ هو والعدم، وهو فاشٍ في الشعر، كقوله5: [الكامل] 425- ما لم يكن وأب له لينالا6

_ = موطن الشاهد: {لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} . وجه الاستشهاد: عطف "آباؤكم" على الضمير المتصل الواقع في محل رفع اسم "كان" بعد أن أكد الضمير المتصل "التاء" بالضمير المنفصل "أنتم". 1 13 سورة الرعد، الآية: 23. موطن الشاهد: {يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ} . وجه الاستشهاد: عطف "من صلح" بالواو على الضمير المتصل الواو؛ الواقع في محل رفع فاعل لفعل "يدخلونها" بعد أن فصل بين المتعاطفين بضمير النصب "ها". 2 6 سورة الأنعام، الآية: 148. موطن الشاهد: {مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} . وجه الاستشهاد: عطف "آباؤنا" على "نا" المتصلة بفعل أشرك، بالواو، وفصل بين العاطف والمعطوف بـ"لا" كما هو واضح: "ولا آباؤنا". 3 6 سورة الأنعام، الآية: 91. وجه الاستشهاد: {مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ} . موطن الشاهد: عطف "آباؤكم" بالواو على الضمير المتصل بفعل تعلم؛ وهو "الواو" بعد أن فصل بين المتعاطفين بالتوكيد "أنتم"؛ وفصل بين العاطف "الواو"، والمعطوف "آباؤكم" بـ"لا". 4 هذه عبارة مأثورة عن العرب، فقد رفع "العدم" بالعطف على الضمير المستتر في "سواء"؛ لأنه مؤول بالمشتق فيتحمل الضمير؛ وليس بينهما فاصل. 5 القائل: هو جرير بن عطية الخطفي، وقد مرت ترجمته. 6 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت يهجو فيه الشاعر الأخطل التغلبي وقومه؛ وصدر. قوله: ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه وهو من شواهد: التصريح: 2/ 151، والأشموني: 840/ 2/ 429، والعيني: =

[العطف على الضمير المخفوض] : ولا يكثر العطف على الضمير المخفوض إلا بإعادة الخافض، حرفا كان أو

_ = 4/ 160، والإنصاف: 2/ 476، والمقرب: 50، والهمع: 2/ 138، والدرر: 2/ 181 والكامل للمبرد "الخيرية": 1/ 119، 2/ 39، وديوان جرير: 451. المفردات الغريبة: رجا: أمل؛ من الرجاء، وهو الأمل في الحصول على الشيء. سفاهة رأيه: ضعف رأيه وفساده. المعنى: أن الأخطل يرجو ويتمنى -لخفته وضعف رأيه وعدم حصافته- ما لا يمكن أن يناله هو وأبوه من الآمال والأحلام. الإعراب: رجا: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. الأخيطل: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. "من سفاهة": متعلق بـ"رجا"، وسفاهة مضاف. رأيه: مضاف إليه، وهو مضاف، والهاء: في محل جر بالإضافة. ما: نكرة بمعنى شيء؛ أو اسم موصول بمعنى الذي في محل نصب مفعولا به لـ"رجا" لم: حرف نفي وجزم وقلب. يكن: فعل مضارع ناقص مجزوم، وعلامة جزمه السكون؛ واسمه: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، يعود إلى الأخيطل. وأب: الواو عاطفة، أب: اسم معطوف على الضمير المستتر في "يكن" والعائد إلى الأخطل. "له": متعلق بمحذوف صفة لـ"أب". لينالا: اللام لام الجحود، لا محل له من الإعراب. ينالا: فعل مضارع منصوب بأن المضمرة وجوبا بعد لام الجحود؛ وعلامة نصبه حذف النون؛ والألف: ضمير متصل في محل رفع فاعل؛ وجملة "ينالا": صلة للموصول الحرفي، لا محل لها؛ والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": مجرور باللام؛ و"الجار والمجرور"؛ متعلق بخبر يكن؛ وجملة "يكن واسمها وخبرها": في محل نصب صفة لـ"ما" إذا عددناها نكرة تامة بمعنى شيء؛ وصلة للموصول إذا عددناها اسما موصولا بمعنى الذي؛ وعلى هذا التقدير: فالعائد إلى الاسم الموصول محذوف؛ وتقديره: رجا الأخيطل شيئا لم يكن هو وأبوه لينالاه. موطن الشاهد: "يكن وأب له". وجه الاستشهاد: عطف "أب" بالواو على الضمير المرفوع المستتر في "يكن" -على رأي الكوفيين- والبصريون لا يجيزون ذلك، ويشترطون تأكيده؛ فلو جاء بالكلام على ما التزمه البصريون؛ لقال: ما لم يكن هو وأب له؛ أو لفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بشيء؛ ومثل هذا الشاهد السابق قول الراعي النميري: فلما لحقنا والجياد عشية ... دعوا يا لكلب واعتزينا لعامر انظر الدرر اللوامع: 2/ 191.

اسما؛ نحو: {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ} 1، {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ} 2 وليس بلازم، وفاقا ليونس والأخفش والكوفيين، بدليل قراءة ابن عباس والحسن3 وغيرهما: "تساءلون به والأرحامِ"4، وحكاية قطرب5 "ما فيها غيره..............

_ 1 41 سورة فصلت، الآية: 11. موطن الشاهد {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ} . وجه الاستشهاد: عطف "للأرض" على "الهاء" في "لها" المجرورة باللام، وأعيدت الأم مع المعطوف؛ وحكم إعادة الخافض؛ الجواز مع الكثرة. 2 2 سورة البقرة، الآية: 133. موطن الشاهد: {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ} . وجه الاستشهاد: وقوع "آبائك" معطوفا على الكاف المخفوضة بإضافة "إله" إليها، وأعيد المضاف؛ وهو "إله" مع المعطوف؛ وأعيد الخافض في هذه الآية والتي قبلها؛ لأن الضمير المخفوض؛ كالتنوين في شدة اللزوم -كما قال الحوفي- وكما لا يعطف على التنوين؛ لشدة لزومه؛ لا يعطف على ما أشبهه. التصريح: 2/ 151. 3 عبد الله بن عباس، والحسن البصري؛ وقد مرت ترجمتهما. 4 4 سورة النساء، الآية: 1. أوجه القراءات: قرأ ابن عباس، والحسن البصري، وحمزة: "والأرحام"، بالجر عطفا على الضمير المتصل الواقع في محل جر بالباء في قوله تعالى: {تَسَاءَلُونَ بِهِ} . وقرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر: " تَسَاءَلُونَ بِهِ "، وقرأ ابن مسعود: "تسألون". البحر المحيط: 3/ 157، والتيسير: 93، والحجة: 188. موطن الشاهد: {تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} . وجه الاستشهاد: جر "الأرحام" وعطفه على الضمير المجرور بالياء -على هذه القراءة- من دون إعادة الجار؛ لأن التقدير: تساءلون به وبالأرحام؛ فدل ذلك على أنه يجوز إعادة الجار، وعدم إعادته. 5 هو أبو علي، محد بن المستنير البصري النحوي، لازم سيبويه، وأخد عنه كثيرا، وكان يدلج إليه، فإذا خرج سيبويه سحرا رآه على بابه، فقال له: ما أنت إلا قطرب ليل؛ فلقب به؛ والقطرب: دويبة تسعى طول الليل لا تفتر. وقد أخذ كذلك، عن عيسى بن عمر، وجماعة من علماء البصرة؛ له مصنفات كثيرة؛ منها: الاشتقاق، والأضداد، ومعاني القرآن، والعلل في النحو، وغير ذلك. مات سنة 206هـ. البلغة: 247، إنباه الرواة: 3/ 219، بغية الوعاة: 1/ 242، الفهرست: 52، الأعلام: 7/ 315.

............................... وفرسه"1، قيل: ومنه {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} 2 إذ ليس العطف على السبيل؛ لأنه صلة المصدر3، وقد عطف عليه {كُفْرٌ} ولا يعطف على المصدر حتى تكمل معمولاته4. [عطف الفعل على الفعل] : ويعطف الفعل على الفعل بشرط اتحاد زمانيهما؛ سواء اتحد نوعاهما؛ نحو:

_ 1 هذه قولة لبعض العرب؛ وقد جرت "فرسه" بالعطف على الهاء المجرورة بإضافة "غير" إليها، من غير إعادة الجار، وهو المضاف. 2 2 سورة البقرة، الآية: 217. موطن الشاهد: {كُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} . وجه الاستشهاد: عطف "المسجد" على "الهاء" المجرور محلا بالباء، من غير إعادة الخافض؛ لأنه لو أعيد؛ لقيل: وبالمسجد؛ وذكر صاحب التصريح: "وقال في المغني: والصواب أن خفض المسجد بباء محذوفة؛ لدلالة ما قبلها عليها، لا بالعطف؛ ومجموع "الجار والمجرور" عطف على "به". انظر التصريح: 2/ 152. 3 أي: وهو "صد"؛ لأنه متعلق به. 4 وذلك، لئلا يلزم الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي؛ فلو عطف "المسجد" على "سبيل"؛ لكان من جملة معمولات "صد"؛ لأن المعطوف على معمول المصدر، من جملة معمولاته؛ وفي العطف على الضمير المخفوض، يقول الناظم: وعود خافض لدى عطف على ... ضمير خفض لازما قد جعلا وليس عندي لازما إذ قد أتى ... في النثر والنظم الصحيح مثبتا والمعنى: أن عود الخافض -عند العطف، على الضمير- أمر لازم عند النحاة؛ ولكنه ليس بلازم، عند ابن مالك؛ لأن عدم إعادته، قد ورد مثبتا في النظم، وفي النثر معا. هذا، وقد استدل من أجاز العطف على الضمير المجرور من دون إعادة الجار، بقول الشاعر: فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا ... فاذهب فما بك والأيام من عجب حيث عطف "الأيام" على الضمير المخاطب المتصل في قوله: "بك"، من غير إعادة "الجار" مع المعطوف؛ لأنه لو أعاد؛ لقال: فما بك وبالأيام؛ والأمثلة على هذا كثيرة. انظر التصريح: 2/ 152، والمغني: 700، وحاشية الصبان: 3/ 114-115.

{لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ} 1؛ ونحو: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} 2، أم اختلفا؛ نحو: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} 3؛ ونحو: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} 4 الآية. [عطف الفعل على الاسم المشبه له في المعنى] : ويعطف الفعل على الاسم المشبه له في المعنى5؛ نحو: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا

_ 1 25 سورة الفرقان، الآية: 49. موطن الشاهد: {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ} . وجه الاستشهاد: عطف فعل "نسقيه" على فعل "نحيي"؛ وكلاهما فعل مضارع منصوب؛ وحكم هذا العطف الجواز باتفاق. 2 47 سورة محمد، الآية: 36. موطن الشاهد: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} . وجه الاستشهاد: عطف "تتقوا" على "تؤمنوا"، و"يسألكم" على "يؤتكم"؛ من عطف الشرط على الشرط، والجواب على الجواب؛ وكلاهما فعل مضارع مجزوم؛ وحكم هذا العطف الجواز باتفاق. 3 11 سورة هود، الآية: 98. موطن الشاهد: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} . وجه الاستشهاد: عطف فعل "أورد" على فعل "يقدم"؛ وأورد ماض، ولكنه مستقبل المعنى؛ لأنه بمعنى يورد؛ والثاني: مضارع؛ وحكم هذا العطف جائز باتفاق. 4 25 سورة الفرقان، الآية: 10. موطن الشاهد: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} . وجه الاستشهاد: عطف "يجعل" وهو مضارع مجزوم على "جعل" الماضي؛ لأنه في محل جزم؛ وهو مستقبل بسبب دخول أداة الشرط عليه؛ التي تستلزم أن يكون زمن فعل الشرط وجوابه مستقبلا، وحكم العطف -هنا- جائز باتفاق. هذا، ويلاحظ -هنا: أن المصنف مثل للماضي والمضارع ولم يمثل للأمر؛ وذلك لأن فعل الأمر بدون فاعله، لا يكون معطوفا، ولا معطوفا عليه -على الصحيح-؛ لأنه لا يفارق فاعله لا لفظا، ولا تقديرا. ويعرف عطف الفعل وحده على آخر كذلك؛ إذا نصب الفعلان، أو جزما بغير تكرار الناصب، أو الجازم. أما في حالة الرفع في المضارعين؛ فيجوز أن يكون من عطف المفرد، أو الجملة؛ والقرينة هي التي توضح المراد. ضياء السالك: 3/ 196. 5 هو الاسم المشتق العامل؛ كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة والمصدر الصريح أيضا، واسم الفعل في بعض أحواله.

فَأَثَرْنَ} 1؛ ونحو: {صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} 2؛ ويجوز العكس كقوله3: [الرجز] 426- أم صبي قد حبا أو دارج4

_ 1 100 سورة العاديات، الآية: 3، والآية 4. موطن الشاهد: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا فَأَثَرْنَ} . وجه الاستشهاد: عطف "أثرن" وهو فعل ماض على "المغيرات"؛ وهو اسم فاعل مشبه للفعل؛ لأنه في تأويل الفعل؛ والتقدير: واللائي أغرن؛ وقيل: إن "أثرن" لا محل لها؛ لأنها معطوفة على صلة أل؛ وهو الرأي الأرجح. 2 67 سورة الملك، الآية: 19. موطن الشاهد: {صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} . وجه الاستشهاد: عطف فعل "يقبضن" على "صافات"؛ وهو اسم فاعل؛ لأنه في معنى "يصففن"؛ ومعنى صافات: ناشرات أجنحتهن في الجو؛ ومعنى يقبضن: يضممن الأجنحة إلى الأجسام. 3 القائل هو: جندب بن عمرو؛ ولم أعثر له على ترجمة وافية. 4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، يذكر فيه امرأة الشماخ بن ضرار الغطفاني الشاعر المعروف؛ وصدره قوله: يا رب بيضاء من العواهج وهو من شواهد: التصريح: 2/ 152، والأشموني: 844/ 2/ 430. المفردات الغريبة: العواهج: جمع عوهج؛ وهي في الأصل: الطويلة العنق من الظباء والنوق والنعام؛ والمراد هنا: المرأة التامة الخلق. حبا: زحف ومشى على عجزه. دارج: اسم فاعل، من درج الصبي إذا مشى هينا متقارب الخطو. المعنى: يريد الشاعر امرأة تامة الخلق، تشبه الظباء في طول عنقها، ولا يكون معها غير صبي يحبو، أو قريب عهد بالمشي لا يكاد يدرك، حتى لا ينم عن اتصاله بها. الإعراب: يا: للتنبيه. رب: حرف جر شبيه بالزائد. بيضاء: اسم مجرور لفظا بـ"رب" وعلامة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف، في محل رفع مبتدأ. "من العواهج": متعلق بمحذوف صفة لـ"بيضاء". أم: بالجر بدل أو عطف بيان على "بيضاء" باعتبار اللفظ؛ وبالرفع باعتبار المحل؛ أو خبر لمبتدأ محذوف، أم: مضاف. صبي: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. قد: حرف تحقيق، لا محل له من الإعراب. حبا: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، يعود إلى "صبي"؛ وجملة "حبا": في محل جر صفة لـ"صبي". أو: حرف عطف. دارج: معطوف على =

وجعل منه الناظم: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} 1 وقدر الزمخشري عطف "مخرج" على "فالق"2.

_ = "حبا"؛ لتأويله بـ"درج"؛ مجرور بالكسرة الظاهرة؛ لأن محل المعطوف عليه "حبا" جر؛ لكونه -كما علمنا- صفة لـ"صبي"؛ وفي هذا شيء من التساهل؛ لأن الذي هو في محل جر، إنما هو الفعل وفاعله معا، وليس للفعل وحده محل. موطن الشاهد: "دارج". وجه الاستشهاد: عطف الاسم المشبه للفعل "دارج" على الفعل "حبا"؛ وفي هذا تساهل -كما أسلفنا-؛ لأن المعطوف عليه: محل جملة "حبا"؛ لأنها صفة للنكرة؛ فهو من العطف على الجملة؛ لا على الفعل. وقيل: إن قبل هذا الرجز: يا ليتني علقت غير حارج ... قبل الصباح ذات خلق بارج فيكون قوله: "أم صبي" بدلا أو عطف بيان من "ذات خلق بارج" ومعنى غير حارج: غير آثم، ولا واقع في الحرج. وبارج: حسن وجميل. انظر ضياء السالك: 3/ 197. 1 6 سورة الأنعام، الآية: 95. موطن الشاهد: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} . وجه الاستشهاد: استشهد المؤلف بهذه الآية على عطف اسم الفاعل "مخرج" على الفعل "يخرج" -تبعا لابن مالك-؛ ويرى الزمخشري: أن "مخرج" معطوف على "فالق"؛ فيكون من عطف الاسم على الاسم؛ ولكل منهما مرجحان، فمرجح الأول: سلامته من الفصل بين المتعاطفين بجملة، وذكر الشيء ومقابله؛ ومرجح الثاني: عدم التأويل، والتوافق بين نوعي المتعاطفين. التصريح: 2/ 153. 2 فيكون من عطف الاسم على الاسم. هذا، ويجوز عطف الجملة الاسمية على نظيرتها؛ كما يجوز عطف الجملة الفعلية على مثلها؛ بشرط اتفاقهما خبرا أو إنشاء. ويمتنع إن اختلفا في ذلك على الصحيح. أما عطف الاسمية على الفعلية، والعكس؛ فجائز على الراجح. ومن الحكم المأثورة: "للباطل جولة ثم يضمحل"؛ فالجملة المضارعة معطوفة على الجملة الاسمية قبلها. وقد تعطف الجملة على المفرد، أو العكس؛ إذا كانت الجملة في الحالتين مؤولة بالمفرد؛ كأن تكون نعتا، أو خبرا، أو حالا؛ كقوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} ؛ أي: أو قائلين. وقوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا} ؛ فقاعدا معطوف على قوله "لجنبه".

[ما تختص به الفاء والواو] : فصل: تختص الفاء والواو بجواز حذفهما مع معطوفهما لدليل1؛ مثاله في الفاء: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ} 2؛ أي: فضرب فانبجست، وهذا الفعل المحذوف معطوف على "أوحينا"؛ ومثاله في الواو قوله3: [الطويل] 427- فما كان بين الخير لو جاء سالما ... أبو حجر إلا ليال قلائل4

_ 1 وتشاركهما في ذلك "أم" المتصلة؛ كقول الشاعر: دعاني إليها القلب إني لأمره ... سميع فما أدري أرشد طلابها والتقدير: أرشد طلابها أم غي؟ فحذف أم ومعطوفها؛ لانفهام ذلك من همزة الاستفهام. وقيل: إن الهمزة للتصديق؛ فلا تحتاج لمعادل. ونظير ذلك قول أبي ذؤيب أيضا: وقال صحابي قد غبنت وخلتني ... غبنت فما أدري أشكلكم شكلي وتقدير الكلام: فما أدري أشكلكم شكلي أم غيره؟ وإنما اقتصر المؤلف -هنا- على ذكر الواو والفاء -كما اقتصر ابن مالك في الألفية عليهما-؛ لأن حذفهما مع معطوفهما أكثر من ذلك الحذف مع غيرهما. التصريح: 2/ 154. 2 7 سورة الأعراف، الآية: 160. موطن الشاهد: {فَانْبَجَسَتْ} وجه الاستشهاد: عطف "فانبجست" على "ضرب" المحذوف؛ والتقدير: فضرب فانبجست؛ والفعل المحذوف "ضرب": معطوف على "أوحينا" من قوله تعالى في سورة الأعراف: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ} ؛ وتسمى الفاء العاطفة على مقدر فاء الفصيحة. التصريح: 2/ 153. 3 هو: النابغة الذبياني، وقد مرت ترجمته. 4 تخريج الشاهد: هذا بيت من قصيدة للنابغة، يرثي فيها أبا حجدر النعمان بن الحارث بن أبي شمر الغساني. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 153، والأشموني: 844/ 2/ 430، والعيني: 4/ 167، وديوان النابغة الذبياني: 62. المعنى: لم يكن بيني وبين ما كنت أرجو وأطمع فيه، من خير ونعمة، إلا مدة قليلة؛ لو سلم النعمان، وجاء إلينا؛ ولكن القدر كان له بالمرصاد؛ فذهبت آمالي. الإعراب: ما: نافية، لا محل لها من الإعراب. كان: فعل ماض ناقص. "بين": متعلق بمحذوف خبر "كان" تقدم على اسمه، وهو مضاف. الخير: مضاف إليه مجرور. لو: حرف شرط غير جازم. جاء: فعل ماض مبني على الفتح. سالما: حال =

أي: بين الخير وبيني؛ وقولهم: "راكب الناقة طليحان"؛ أي: والناقة. وتختص الواو بجواز عطفها عاملا قد حذف وبقي معموله1؛ مرفوعا كان؛ نحو؛ {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} 2؛ أي: وليسكن زوجك، أو منصوبا؛ نحو: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} 3؛ أي: وألفوا الإيمان، أو مجرورا، نحو: "ما كل سوداءَ تمرة ولا بيضاءَ شحمة"؛ أي، ولا كل بيضاء. وإنما لم يجعل العطف فيهن على الموجود في الكلام لئلا يلزم في الأول: رفع

_ = منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة؛ تقدم على صاحبه "أبو حجر". أبو: فاعل جاء مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف. حجر: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة؛ وجواب "لو" محذوف؛ لدلالة سياق الكلام عليه؛ وجملة "لو وفعلها وجوابها": اعتراضية، لا محل لها؛ لاعتراضها بين خبر كان واسمها. إلا: أداة حصر، لا محل لها من الإعراب. ليال: اسم كان مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين. قلائل. صفة لـ"ليال" مرفوعة، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. موطن الشاهد: "وبيني". وجه الاستشهاد: حذف "الواو" ومعطوفها وهو "وبيني"؛ لأن التقدير: بين الخير وبيني؛ كما ذكر المصنف، والدليل على ذلك: أن "بين" يجب أن تضاف إلى متعدد، كما أسلفنا. 1 انظر هذا الموضوع في مباحث المفعول معه. 2 2 سورة البقرة، الآية: 35. موطن الشاهد: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} . وجه الاستشهاد: مجيء "زوجك" فاعلا لفعل محذوف، معطوف على "سكن"؛ والتقدير: اسكن أنت ولتسكن زوجك؛ فهو من عطف الأمر على الأمر؛ وحكم هذا العطف الجواز باتفاق. 3 59 سورة الحشر، الآية: 9. موطن الشاهد: {تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} . وجه الاستشهاد: وقوع "الإيمان" مفعولا به؛ لفعل محذوف، معطوف على تبوءوا؛ والتقدير: تبوءوا الدار وألفوا الإيمان؛ فهو من عطف جملة على جملة؛ وحكم هذا العطف الجواز.

فعل الأمر للاسم الظاهر1؛ وفي الثاني: كون الإيمان متبوأ، وإنما يتبوأ المنزل2؛ وفي الثالث: العطف على معمولي عاملين3؛ ولا يجوز في الثاني أن يكون الإيمان مفعولا معه؛ لعدم الفائدة في تقييد الأنصار بمصاحبة الإيمان؛ إذ هو أمر معلوم. [جواز حذف المعطوف عليه بالفاء والواو] : ويجوز حذف المعطوف عليه بالفاء والواو4؛ فالأول كقول بعضهم: "وبك وأهلا وسهلا"، جوابا لمن قال له: مرحبا، والتقدير: ومرحبا بك وأهلا5، والثاني؛ نحو: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا} 6؛ أي: أنهملكم فنضرب، ونحو:

_ 1 أي: لو جعل "وزوجك" معطوفا على فاعل اسكن المستتر؛ لكان شريكه في عامله؛ والأمر لا يرفع الظاهر. 2 أي: لو جعل "الإيمان" معطوفا على "الدار"؛ لكان معمولا لتبوءوا؛ والتبوء؛ معناه: التهيؤ. وقيل: إنه يقال: تبوأ فلان الدار، إذا لزمها، وعلى هذا يصح العطف، ولا يحتج إلى تقدير عامل. 3 ذلك؛ لأن "سوداء": معمول لـ"كل"، و"تمرة" معمول "ما" فلو عطف بيضاء على سوداء، وشحمة على تمرة؛ لزم ذلك المحذور، وهو غير جائز على الأصح عند الجمهور. التصريح: 2/ 154. 4 ومثلهما "أم" المتصلة، وذلك عند أمن اللبس في الجميع. 5 الجار والمجرور وهو "بك" متعلقان بكلمة "مرحبا" المحذوفة "وأهلا" الواو عاطفة، و"أهلا" معطوف على مرحبا المحذوفة؛ عطف مفرد على مفرد؛ فالمعطوف عليه محذوف؛ وهو محل الشاهد، و"سهلا" معطوف على مرحبا المحذوفة؛ فالمعطوف عليه محذوف. وسيبويه يجعل "مرحبا" و"أهلا" منصوبين على المصدر. ونظير هذه العبارة قول القائل: "وعليكم السلام"؛ جوابا لمن قال: "السلام عليكم"، فالواو في الجواب؛ لعطف كلام المتكلم المجيب، على كلام المخاطب؛ مثلها في العبارة السابقة. التصريح: 2/ 155، كتاب سيبويه: 1/ 295. 6 43 سورة الزخرف، الآية: 5. موطن الشاهد: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا} . وجه الاستشهاد: عطف جملة "نضرب" على جملة محذوفة؛ والتقدير: أنهملكم فنضرب عنكم الذكر صفحا؟.

{أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} 1؛ أي: أعموا فلم يروا.

_ 1 34 سورة سبأ، الآية: 9. موطن الشاهد: {أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} . وجه الاستشهاد: عطف كل من جملتي "نضرب"، و"لم يروا" بالفاء على جملة محذوفة بينها وبين الهمزة؛ لأن المعطوف عليه بالفاء خاص بالجمل؛ والهمزة في الموضعين في موضعها الأصلي؛ وهذا رأي الزمخشري ومن تبعه، واختاره المصنف. غير أن سيبويه والجمهور، يرون: أن الهمزة قدمت من تأخير؛ تنبيها على أصالتها في التصدير؛ ومحلها الأصلي بعد الفاء؛ والأصل: فأنضرب، فألم يروا. والأول أرجح. ومثال الحذف مع بقاء "أم" المتصلة، قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} ؛ فالتقدير: أعلمتم أن الجنة حفت بالمكاره؟ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ... وقد أشار ابن مالك إلى ما تقدم بقوله: "وحذف متبوع بدا هنا استبح". والمعنى: أي استبح حذف معطوف عليه ظهر، وذكر في هذا الموضع، وهو العطف بالواو والفاء وأم. انظر التصريح: 2/ 154-155. حاشية الصبان: 3/ 117. فوائد وملحقات: أ- لا يجوز تقديم المعطوف على المعطوف عليه، وما ورد من ذلك؛ فهو شاذ يقتصر فيه على المسموع؛ ومنه قول الأحوص: ألا يا نخلة من ذات عرق ... عليك ورحمة الله السلام ب- يجوز الفصل بين الواو ومعطوفها بظرف، أو جار ومجرور؛ ومنه قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} ، ولا يجوز بين الفاء ومعطوفها إلا في الضرورة الشعرية. ج- الأصل في عطف النسق: المغايرة بين المتعاطفين، فلا يصح عطف الشيء على نفسه. وأجاز بعضهم ذلك إذا اختلف اللفظان لغرض بلاغي، أو لقصد التفسير والتوضيح، ومنه قول الشاعر: وألفى قولها كذبا ومينا انظر ضياء السالك: 3/ 201.

باب عطف النسق

باب عطف النسق ... إلى مضاف لما قارنها؛ كقوله1: [الطويل] 383- فنعم ابن أخت القوم غير مكذب2

_ 1 القائل: هو أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم؛ وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: البيت من كلمة يمدح فيها أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم، ويعاتب قريشا على ما كان منها، وهذا البيت يذكر فيه زهير بن أبي أمية -وهو ابن أخته عاتكة- يذكره بالخير؛ لأنه كان أحد الذين نقضوا الصحيفة التي كتبتها قريش لتقاطع آل النبي في حديث معروف. وما ذكره المصنف صدر بيت وعجزه قوله: زهير حساما مفردا من حمائل والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 95، والأشموني: 739/ 2/ 371، والسيرة: 176، وتاريخ ابن كثير: 3/ 56، والعيني: 4/ 15، والهمع: 2/ 85، والدرر: 2/ 109، وديوان أبي طالب: الورقة: 3. المفردات الغريبة: حسام، الحسام: السيف القاطع سمي بذلك؛ لأنه يحسم الخلاف بين الناس، حمائل: جمع حمالة، وهي علاقة السيف. المعنى: يمدح أبو طالب زهيرًا ابن أخته بأنه صادق المودة، مخلص لرحمه، لا ينسب إلى الكذب، وهو ماضي العزيمة نسيج وحده، كالسيف الذي يفرد عن حمائله؛ وزهير هذا هو ابن أمية بن عاتكة بنت عبد المطلب؛ أخت أبي طالب، وعمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان زهير أحد الرجال الذين اتفقوا على نقض الصحيفة التي تعاهدت فيها قريش على مقاطعة بني هاشم، وعلقوها في الكعبة؛ ليلجئوهم إلى حمل النبي على ترك دعوته. الإعراب: نعم: فعل ماضٍ جامد، دال على إنشاء المدح مبني على الفتح. ابن: فاعل نعم مرفوع، وهو مضاف. أخت: مضاف إليه، وهو مضاف. القوم: مضاف إليه. غير: حال من فاعل نعم، وهو مضاف. مكذب: مضاف إليه؛ وجملة "نعم وفاعله": في محل رفع خبر مقدم. زهير: مخصوص بالمدح مبتدأ مؤخر، ويجوز أن نعرب "زهير": خبرًا لمبتدأ محذوف وجوبا والتقدير: هو زهير. حساما -بالنصب- حال من زهير منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة؛ خلافا لرواية العيني بالرفع حيث أعربها صفة لزهير، وإن صحت هذه الرواية -بالرفع- لم يصح الإعراب؛ لأن زهيرا علم، فهو معرفة وحساما نكرة، ومعلوم أن المعرفة لا توصف بالنكرة، ولهذا تخرج رواية الرفع على أن "حسام": خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: هو حسام. مفردا: صفة لـ"حسام" منصوب. من: حرف جر. حمائل: اسم مجرور، وجره =

باب البدل

هذا باب البدل1 [تعريف البدل] : وهو2: "التابع، المقصود بالحكم، بلا واسطة". [محترزات التعريف] : فخرج بالفصل الأول النعت والبيان والتأكيد؛ فإنها مكملات للمقصود بالحكم. وأما النسق فثلاثة أنواع: أحدها: ما ليس مقصودا بالحكم، كـ"جاء زيد لا عمرو" و"ما جاء زيد بل عمرو"، أو "لكن عمرو" أما الأول": فواضح3؛ لأن الحكم السابق منفي عنه؛ وأما

_ 1 هذه هي تسمية البصريين؛ لهذا النوع من التوابع، وأما الكوفيون، فيسمونه الترجمة والتبيين؛ حكى ذلك الأخفش، وحكى ابن كيسان أنهم يسمونه؛ التكرير. التصريح: 1/ 155. 2 البدل في اللغة العوض، وفي الاصطلاح ما ذكره المؤلف. والغرض الذي يقصده المتكلم من الإتيان في كلامه بالبدل، بعد ذكره المبدل منه؛ هو إفادة توكيد الحكم، وتقريره، بواسطة ذكر الاسم مقصودا بالحكم، بعد أن يوطئ، ومهد لذلك، بالتصريح بتلك النسبة إلى ما قبله؛ ألا ترى أنك حين تقول: "سمعت أبا الأنوار محمدا"، أو تقول: "أعجبني الأستاذ علمه"، وقد ذكرت الاسم الثاني مقصودا لك، بنسبة الحكم إليه، بعد أن ذكرت هذا الحكم مصرحا بنسبته، إلى الاسم الأول؛ فكنت كمن ذكر الحكم والمحكوم عليه مرتين؛ وهذا هو السر في قولهم: "البدل في حكم تكرير العامل". وانظر حاشية الصبان: 3/ 123-124، والتصريح: 2/ 155، وأوضح المسالك: 3/ 399-400. 3 بيان ذلك: أن الحكم في المثال الأول؛ هو إثبات المجيء لزيد؛ وهذا الحكم منفي عن عمرو بواسطة لا.

الآخران: فلأن الحكم السابق؛ هو نفي المجيء، والمقصود به: إنما هو الأول1. النوع الثاني: ما هو مقصود بالحكم هو وما قبله؛ فيصدق عليه أنه مقصود بالحكم لا أنه المقصود2، وذلك كالمعطوف بالواو؛ نحو: "جاء زيد وعمرو"، و"ما جاء زيد ولا عمرو". وهذان النوعان خارجان بما خرج به النعت والتوكيد والبيان. النوع الثالث: ما هو مقصود بالحكم دون ما قبله، وهذا هو المعطوف ببَل بعد الإثبات؛ نحو: "جاءني زيد بل عمرو". وهذا أنوع خارج بقولنا: "بلا واسطة"، وسلم الحد بذلك للبدل. وإذا تأملت ما ذكرته في تفسير هذا الحد، وما ذكره الناظم وابنه ومن قلدهما علمت أنهم عن إصابة الغرض بمعزل. [أقسام البدل] : وأقسام البدل أربعة3:

_ 1 وذلك؛ لأن المعطوف ببل والمعطوف بلكن بعد النفي يثبت لهما نقيض الحكم السابق؛ وأما الحكم المذكور؛ فالمقصود به: هو الأول؛ فقولك "ما جاء زيد بل عمرو"؛ معناه: أن عدم المجيء ثابت لزيد وأن عمرا ثبت له المجيء -عند غير المبرد- كما علمت مما تقدم؛ وكذلك شأن مثال لكن. التصريح: 2/ 155. 2 أي: وحده؛ لأن قوله: "هذا مقصود بالحكم" لا يمنع أن يكون غير المشار إليه مقصودا بالحكم أيضا؛ وأما عبارة "المقصود بالحكم"؛ فتدل على أنه مقصود بالحكم وحده، ولا يشاركه غيره. انظر التصريح: 2/ 155. 3 زاد بعض النحاة نوعا خامسا؛ سماه: بدل الكل من البعض، واستدل بأمثلة متعددة من القرآن، والحديث، والشعر؛ ففي القرآن قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا جَنَّاتِ عَدْنٍ} ؛ فجنات بدل "كل" من الجنة، وهي جمع، والجنة مفرد. ويؤيد ذلك: ما رواه البخاري، عن أنس، أن حارثة أصيب يوم بدر؛ فقالت =

الأول: بدل كل من كل؛ وهو بدل الشي مما هو طبق معناه؛ نحو: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ} 1؛ سماه الناظم البدل المطابق؛ لوقوعه في اسم الله تعالى نحو: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} 2، فيمن قرأ بالجر؛ وإنما يطلق "كل" على ذي أجزاء؛ وذلك ممتنع هنا.

_ = أمه: إن يكن في الجنة صبت، فقال عليه الصلاة والسلام: "جنة واحدة؛ إنها جنات كثيرة" ... ومن الشعر قول أحدهم: كأني غداة البين يوم تحملوا ... لدى سمرات الحي ناقف حنظل "فاليوم" بدل من "غداة" مع أنه يشملها؛ وهي جزء منه. وسمرات: جمع سمرة؛ وهي: شجرة الطلح. ناقف. وجامع الحنظل تدمع عيناه؛ فلهذا شبه به وعيناه تدمعان. ومثله قول الآخر: رحم الله أعظما دفنوها ... بسجستان طلحة الطلحات. فإن "طلحة" بدل من قوله: "أعظما"؛ وطلحة كل؛ والأعظم: جمع عظم؛ وهو بعض طلحة. الهمع: 2/ 127، حاشية يس على التصريح: 2/ 155-156. 1 1 سورة الفاتحة، الآية: 6 والآية 7. موطن الشاهد: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ} . وجد الاستشهاد: وقوع "صراط" الثانية بدل كل من كل من "صراط" الأولى. 2 14 سورة إبراهيم، الآية: 1. أوجه القراءات: قرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر والحسن: "الله" بالرفع، وقرأ الجمهور: "الله" بالجر. إتحاف الفضلاء: 271، والتيسير: 134، وإملاء ما من به الرحمن: 2/ 36. موطن الشاهد: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} . وجه الاستشهاد: مجيء لفظ الجلالة "الله" بدلا مطابقا من "العزيز"؛ ولا يقال فيه بدل كل من كل؛ لأن مسماه -تعالى- لا يقبل التجزئة. التصريح: 2/ 156. فائدة: لا يحتاج البدل المطابق إلى رابط يربطه بالمتبوع؛ لأنه نفس المبدل منه في المعنى، كما أن الجملة؛ التي هي نفس المبتدأ، في المعنى، لا تحتاج إلى رابط.

والثاني: بدل بعض من كل؛ وهو بدل الجزء من كله1؛ قليلا كان ذلك الجزء أو مساويا، أو أكثر، كـ"أكلت الرغيف ثلثه، أو نصفه، أو ثلثيه". ولا بد من اتصاله بضمير يرجع على المبدل منه2: مذكور كالأمثلة المذكورة، وكقوله تعالى: {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} 3، أو مقدر؛ كقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} 4؛ أي: منهم. الثالث: بدل الاشتمال، وهو بدل شيء من شيء يشتمل عامله على معناه اشتمالا بطريق الإجمال5؛ كـ"أعجبني زيد علمه؛ أو حسنه" و"سرق زيد ثوبه، أو فرسه".

_ 1 ضابطه: أن يكون البدل جزءا حقيقيا من المبدل منه، وأن يصح الاستغناء عنه بالمبدل منه، ولا يفسد المعنى بحذفه. 2 أي: ليربط البعض بكله. ويجب في هذا الضمير؛ أن يطابق المتبوع في الإفراد والتذكير وفروعهما؛ ولا فرق بين أن يتصل هذا الضمير بالبدل مباشرة، أو بلفظ آخر له صلة بالبدل؛ نحو: قابلت العائدين من القتال أربعة منهم. وقد يغني عن الضمير في إفادة الربط: "أل" عند أمن اللبس؛ نحو: إذا رأيت والدك فقبله اليدا؛ أي: يده، و"إلا" في الاستثناء إذا كان المبدل منه هو المستثنى منه في كلام تام؛ حيث يجوز في المستثنى النصب على الاستثناء، أو الإتباع على البدلية؛ نحو: ما نجح الطلاب إلا واحدا. 3 5 سورة المائدة، الآية: 71. موطن الشاهد: {عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} . وجه الاستشهاد: وقوع "كثير" بدلا من الواو الأولى في "عموا"؛ والواو الثانية في "صموا" عائدة على "كثير"؛ لأنه مقدم رتبة؛ والتقدير -والله أعلم: ثم عموا كثير منهم وصموا؛ وإنما قدر هذا التقدير؛ لأنه لو جعل "كثير" بدلا من الواوين معا؛ لزم توارد عاملين على معمول واحد. انظر تفصيل ذلك في التصريح: 2/ 156. 4 3 سورة آل عمران: الآية: 97. موطن الشاهد: {لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} . وجه الاستشهاد: وقوع "من استطاع" بدلا من "الناس"، بدل بعض من كل؛ والضمير العائد إلى المبدل منه مقدر كما بين المؤلف في المتن. التصريح: 2/ 157. 5 لتوضيح هذا التعريف، نقول: إن بدل الاشتمال، تابع يقصد به، تعيين وتوضيح أمر، =

وأمره في الضمير كأمر بدل البعض؛ فمثال المذكور ما تقدم من الأمثلة، وقوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} 1؛ ومثال المقدر قوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ} 2؛ أي: النار فيه، وقيل: الأصل "ناره" ثم نابت أل عن الضمير. [البدل المباين وأقسامه] : والرابع: البدل المباين3؛ وهو ثلاثة أقسام4؛ لأنه لا بد أن يكون مقصودا كما تقدم في الحد:

_ = في متبوعه؛ وهذا الأمر من الأمور العارضة الطارئة التي ليست جزءا أصيلا من المتبوع؛ ويشتمل على هذا الأمر، ويدل عليه "العامل" في المبدل منه، ولكن بطريق إجمالية؛ لأنه لا يليق نسبته إلى ذات المبدل منه. ويرى ابن مالك: أن المشتمل؛ هو المبدل منه. وذهب الفارسي: إلى أنه البدل، وما رآه المؤلف: من أن المشتمل؛ هو "العامل" جدير بالاتباع. وهذا الاشتمال، قد يكون في أمر مكتسب؛ كالعلم والكرم والزهد، أو غير مكتسب؛ ولكنه ملازم لصاحبه؛ كالحسن، أو غير ملازم؛ كالكلام، وقد يكون الاشتمال بطريق التبعية؛ كالثوب والفرس ... انظر التصريح: 2/ 157-158، وحاشية الصبان: 3/ 124-125، وضياء السالك: 3/ 206-207. 1 2 سورة البقرة، الآية: 217. موطن الشاهد: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} . وجه الاستشهاد: وقوع "قتال" بدل اشتمال من "الشهر"؛ والرابط بينهما الهاء المجرورة محلا بـ"في"؛ وهي متصلة بما يتعلق بالبدل. التصريح: 2/ 158. 2 85 سورة البروج، الآية: 4. موطن الشاهد: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ} . وجه الاستشهاد: وقوع "النار" بدل اشتمال من "الأخدود"؛ واختلف في الرابط، فقيل: محذوف متصل بغير البدل؛ أي: النار فيه؛ وهو قول البصريين؛ وقيل: لا تقدير؛ والأصل: ناره، ثم نابت أل عن الضمير، وهو قول الكوفيين. التصريح: 2/ 158. 3 أي المغاير للمبدل منه. 4 لا بد من كل من الأقسام الثلاثة أن يكون البدل هو المقصود بالحكم؛ وهذا النوع بأقسامه الثلاثة، لا يحتاج إلى ضمير يربطه بالمتبوع.

تم الأول إن لم يكن مقصودا البتة، ولكن سبق إليه اللسان؛ فهو بدل الغلط، أي: بدل عن اللفظ الذي هو غلط؛ لا أن البدل نفسه هو الغلط، كما قد يتوهم. وإن كان مقصودا؛ فإن تبين بعد ذكره فساد قصده؛ فبدل نسيان؛ أي: بدل شيء ذكر نسيانا. وقد ظهر أن الغلط متعلق باللسان، والنسيان متعلق بالجنان1؛ والناظم وكثير من النحويين لم يفرقوا بينهما فسموا النوعين بدل غلط. وإن كان قصد كل واحد منهما صحيحا؛ فبدل الإضراب، ويسمى أيضا بدل البداء2. وقول الناظم: "خذ نبلا مدى" يحتمل الثلاثة؛ وذلك باختلاف التقادير؛ وذلك لأن النبل: اسم جمع للسهم، والمدى: جمع مدية؛ وهي السكين. فإذا كان المتكلم إنما أراد الأمر بأخذ المدى، فسبقه لسانه إلى النبل؛ فبدل غلط. وإن كان أراد الأمر بأخذ النبل، ثم تبين له فساد تلك الإرادة؛ وأن الصواب الأمر بأخذ المدى؛ فبدل نسيان. وإن كان أراد الأول، ثم أضرب عنه إلى الأمر بأخذ المدى وجعل الأول في حكم المتروك؛ فبدل إضراب وبداء. والأحسن فيهن أن يؤتى ببل3.

_ 1 الجنان -بفتح الجيم: هو القلب. 2 البداء -بفتح الباء وبالدال المهملة: هو ظهور الأمر بعد أن لم يكن ظاهرا؛ والمراد أن يظهر لك الصواب، بعد خفاء حاله عليك. 3 لئلا يتوهم: أن "مدى" صفة لنبل. والمعنى: نبلا حادا على ما بينه المصنف. توجيهات: أ- لا يلزم موافقة البدل لمتبوعه في التعريف والتنكير، فقد يكونان معرفتين؛ كقوله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} ؛ بجر كلمة "الله" على أنها بدل من =

[إبدال الظاهر من الظاهر] : فصل: يبدل الظاهر من الظاهر كما تقدم. ولا يبدل المضمر من المضمر، ونحو: "قمت أنت" و"مررت بك أنت" توكيد اتفاقا؛ وكذلك نحو: "رأيتك إياك" عند الكوفيين والناظم1. [لا يبدل مضمر من ظاهر] : ولا يبدل مضمر من ظاهر؛ ونحو: "رأيت زيدا إياه" من وضع النحويين، وليس بمسموع.

_ = "العزيز" وقد يكونان نكرتين؛ كقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا، حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا} وقد تبدل المعرفة من النكرة؛ نحو: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ} والعكس؛ كقوله تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ} . ب- أما الإفراد، والتذكير، وفروعهما؛ فإن كان بدل "كل" طابق مبتوعه فيها، ما لم يمنع مانع عن التثنية أو الجمع؛ كأن يكون أحدهما مصدرا، لا يثنى، ولا يجمع؛ كالمصدر الميمي في الآية السابقة؛ {مَفَازًا، حَدَائِقَ} ، أو قصد التفصيل؛ كقول الشاعر: وكنت كذي رجلين رجل صحيحة ... ورجل رمى فيها الزمان فشلت أما غيره من أنواع البدل؛ فلا يلزم موافقته فيها. ج- إذا اجتمعت التوابع كلها أو عدد منها؛ قدم النعت، ويليه عطف البيان، فالتوكيد، فالبدل، فعطف النسق. الأشموني: 2/ 438. 1 لأنه لا فرق -عندهم- في تأكيد الضمير المتصل بالمنفصل؛ بين المرفوع وغيره. وذهب البصريون إلى أنه بدل؛ لما ثبت عن العرب -كما نقل عن سيبويه، وتلقاه من بعده بالقبول- أنك إذا أردت التوكيد، أتيت بالضمير المرفوع المنفصل؛ فتقول: جئت أنت، ورأيتك أنت، ومررت بك أنت. فإذا أردت البدلية؛ وافقت بين التابع والمتبوع؛ فقلت: جئت أنت، ورأيتك إياك، ومررت به به؛ فيتحد لفظ التوكيد والبدل في المرفوع، ويختلف في غيره. وذهب الكوفيون: إلى أن الضمير الثاني -في حالتي النصب والجر- توكيد للأول؛ كما هو في حالة الرفع، ولو كان موافقا له؛ نحو: رأيتك إياك، ومررت بك بك؛ وبهذا، أخذ ابن مالك. انظر التصريح: 2/ 195-160. وضياء السالك: 3/ 211.

[يجوز إبدال الظاهر من مضمر] : ويجوز عكسه: مطلقا1 إن كان الضمير لغائب؛ نحو: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} 2 في أحد الأوجه3؛ أو كان لحاضر بشرط أن يكون بدل بعض؛ كـ"أعجبتني وجهك" وقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} 4، أو بدل اشتمال، كـ"أعجبتني كلامك" وقول الشاعر5: [الطويل]

_ 1 المراد بالإطلاق في هذا الموضع: أن جميع أنواع البدل سواء. 2 21 سورة الأنبياء، الآية: 3. موطن الشاهد: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} . وجه الاستشهاد: إبدال "الذين" من الواو في "أسروا" بدل كل من كل؛ وقيل: الذين فاعل أسروا، والواو: حرف دال على الجمع، لا ضمير -لغة أكلوني البراغيث- وقيل: الذين: مبتدأ مؤخر و {أَسَرُّوا النَّجْوَى} : خبر مقدم. التصريح: 2/ 160. 3 هو إبدال "الذين" من الواو في "أسروا" بدل كل من كل. وقيل "الذين": فاعل أسروا؛ والواو حرف دال على الجمع، لا ضمير؛ وهو لغة أكلوني البراغيث؛ وقيل: {الَّذِينَ ظَلَمُوا} : مبتدأ مؤخر، و {أَسَرُّوا النَّجْوَى} ؛ خبر مقدم؛ ومثال: بدل البعض: محمد أوثقته يديه؛ والاشتمال: علي استجدته عقله؛ والغلط: إبراهيم ضرته فرسه. التصريح: 2/ 160. 4 33 سورة الأحزاب، الآية: 21. موطن الشاهد: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} . وجه الاستشهاد: وقوع "من" الموصولة المجرورة باللام في "لمن" بدلا من ضمير "لكم"، وأعيدت اللام مع البدل للفصل والتوكيد؛ وهذه الإعادة جائزة لا واجبة؛ والجر بها لا باللام الأولى ولا بأخرى مقدرة على الأصح. وزعم الأخفش: أنه بدل كل من كلح ونظير هذه الآية في إبدال الظاهر من الضمير بدل بعض من كل قول الراجز: أوعدني بالسجن والأداهم ... رجلي فرجلي شثنة المناسم فإن قوله: "رجلي" بدل بعض من كل؛ والمبدل منه: هو ياء المتكلم الواقعة مفعولا به، في قوله: "أوعدني". التصريح: 2/ 160، والأشموني: 2/ 439. 5 الشاعر: هو النابغة الجعدي، قيس بن عبد الله، وقيل: حسان بن قيس، وقيل: غير =

428- بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا أو بدل كل مفيد للإحاطة؛ نحو: {تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} 1 ويمتنع إن

_ = ذلك، يكنى أبا ليلى؛ شاعر مفلق صحابي من المعمرين، كان ممن هجر الأوثان والخمر قبل الإسلام. أسلم وشهد صفين مع علي بن أبي طالب؛ له أخبار كثيرة، وديوان مطبوع؛ مات سنة 50هـ. تجريد الأغاني: 613، والشعر والشعراء: 289، والجمحي: 123، الأعلام: 5/ 207، السمط: 247. 1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا وهو من كلمة أنشدها الشاعر بين يدي حضرة النبي صلى الله عليه وسلم. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 161، والأشموني: 859/ 2/ 439، والعيني: 4/ 193، ودلائل الإعجاز للجرجاني: 16، وجمهرة القرشي: 148، وديوان النابغة الجعدي: 68، 73. المفردات الغريبة: بلغنا السماء: وصلنا إليها، وهو كناية عن علو المنزلة. مجدنا؛ المجد كرم الآباء. سناؤنا: السناء: الشرف والرفعة. المعنى: واضح. وقيل: إنه لما أنشد هذا بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: "إلى أين المظهر يا أبا ليلى؟ "، فقال: الجنة. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "أجل، إن شاء الله". الإعراب: بلغنا: فعل ماض مبني على السكون، و"نا": في محل رفع فاعل. السماء: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. مجدنا: مجد بدل اشتمال من فاعل "بلغ" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف، و"نا": في محل جر بالإضافة. وسناؤنا: الواو عاطفة، سناؤنا: معطوف على "مجد" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف، و"نا" مضاف إليه. وإنا: الواو عاطفة، إنا: حرف مشبه بالفعل. و"نا" اسمها. لنرجو: اللام لام المزحلقة، نرجو: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الواو، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: نحن؛ وجملة "نرجو": في محل رفع خبر "إن". "فوق": متعلق بمحذوف حال من "مظهر" تقدم عليه، وهو مضاف. ذلك: ذا اسم إشارة في محل جر بالإضافة، واللام: للبعد، والكاف: للخطاب. مظهرا: مفعولا به منصوب لـ"نرجو". موطن الشاهد: "مجدنا وسناؤنا". وجه الاستشهاد: مجيء "مجدنا وسناؤنا" بدل اشتمال من الضمير البارز الواقع فاعلا في "بلغنا". 1 5 سورة المائدة، الآية: 114. =

لم يفد؛ خلافا للأخفش؛ فإنه أجاز "رأيتك زيدا"، و"رأيتني عمرا"1. جواز إبدال كل من الاسم والفعل والجملة من مثله: فصل: يبدل كل من الاسم، والفعل، والجملة من مثله2، فالاسم -كما تقدم- والفعل: كقوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ} 3، والجملة

_ = موطن الشاهد: {لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} . وجه الاستشهاد: وقوع "أولنا وآخرنا" بدل كل من الضمير "نا" المجرور محلا باللام؛ ولهذا، أعيدت اللام جوازا مع البدل مجاراة للمبدل منه؛ وهو مفيد للإحاطة والشمول؛ لأن المراد: بأولنا وآخرنا -جميعا- على عادة العرب؛ من ذكر طرفي الشيء، وإرادة جميعه. التصريح: 2/ 162، وضياء السالك: 3/ 212. 1 خرج الأخفش المثال الأول على أن "زيدا": بدل من الياء المنصوبة المحل في "رأيتك"، وخرج المثال الثاني على أن "عمرا": بدل من الياء المنصوبة المحل في "رأيتني"، ويؤيد الذي ذهب إليه الأخفش؛ ما حكاه الكسائي -عن بعض العرب- أنه قال: "إلى أبي عبد الله"؛ بإبدال "أبي عبد الله" من ياء المتكلم المجرورة محلا بإلى في قوله: "إلي" كما يؤيده قول الشاعر: بكم قريش كفينا كل معضلة ... وأم نهج الهدى من كان ضليلا محل الاستدلال قوله: "بكم قريش"؛ فإن قوله: "قريش" بالجر بدل من كاف المخاطب في قوله: "بكم"؛ والأخفش تابع للكوفيين، فيما ذهب إليه. التصريح: 2/ 161. 2 ويرى بعض النحاة: جواز إبدال الفعل من اسم يشبهه والعكس؛ كما جاز في العطف؛ تقول: محمد متق يخاف ربه، ومحمد يخاف ربه متق؛ وقيل: إن هذا خبر بعد خبر. حاشية يس على التصريح: 2/ 161. 3 25 سورة الفرقان، الآية: 68. موطن الشاهد: {يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ} . وجه الاستشهاد: وقوع فعل "يضاعف" بدل اشتمال من فعل "يلق"؛ لأن ملاقاة الآثام تستلزم مضاعفة العذاب؛ وقيل: بدل كل من كل؛ لأن مضاعفة العذاب هي ملاقاة الآثام. التصريح: 2/ 161، وضياء السالك: 3/ 213. وهذه الآية الكريمة مثال لإبدال الفعل من الفعل، بدل كل من كل؛ ومثال بدل البعض فيه قولك: "إن تصل تسجد لله يرحمك" فتسجد بدل من تصل؛ وهو بدل بعض من كل؛ لأن السجود بعض الصلاة؛ ومثال بدل الاشتمال، قول الراجز: إن علي الله أن تبايعا ... تؤخذ كرها أو تجيء طائعا فإن الأخذ كرها والمجيء طائعا من صفات المبايعة؛ ومثال بدل الغلط فيه قولك: "إن تطعم الفقير تكسه تؤجر". التصريح: 2/ 161.

كقوله تعالى: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} 1، وقد تبدل الجملة من المفرد؛ كقوله2: [الطويل] 429- إلى الله أشكو بالمدينة حاجة ... وبالشام أخرى كيف يلتقيان3

_ 1 26 سورة الشعراء، الآية: 132 والآية: 133. موطن الشاهد: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} . وجه الاستشهاد: وقوع جملة "أمدكم" الثانية بدل بعض من كل من "أمدكم" الأولى؛ لأنها أخص منها؛ لأن "ما تعلمون" يشمل الأنعام وغيرها. فائدة: تبدل الجملة من الجملة بدل اشتمال؛ كما في قول الشاعر: أقول له ارحل لا تقيمن عندنا ... وإلا فكن في السر والجهر مسلما فإن قوله: "لا تقيمن عندنا": بدل من قوله "ارحل"؛ وليس توكيدا له؛ لأنه ليس بلفظه ولا بمعناه؛ وهو بدل اشتمال؛ لما بينهما من التلازم. أما إبدال الجملة، من الجملة، بدل كل؛ فمنعه البعض، أجازه آخرون، بشرط أن تكون الجملة الثانية، أدل من الأولى على بيان المراد؛ نحو: اقطع عنقود العنب اقطعه. ولا يحتاج هذا النوع من البدل إلى ضمير يعود على المبدل منه؛ لتعذر عودته على الفعل؛ أو على الجملة. التصريح: 2/ 162، والأشموني: 2/ 440. 2 القائل: هو الفرزدق، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا بيت يشكو فيه الشاعر من تفرق حاجاته وتباعد ما بينها، وأنه موزع القلب مشتت البال، ويذكر بعده بيتا آخر، وهو: سأعمل نص العيس حتى يكفني ... غنى المال يوما أو غنى الحدثان والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 162، والأشموني: 863/ 2/ 440، والعيني: 4/ 201، والخزانة: 1/ 328، والهمع: 2/ 128، والدرر: 2/ 166 والمغني: 372/ 273، 788/ 556، والسيوطي: 189، 284، وهو في ديوان عمر بن أبي ربيعة: 495. المعنى: يشكو الشاعر من تفرق أغراضه، وتباعد ما بين حاجاته؛ فهو لذلك، موزع =

أبدل "كيف يلتقيان" من "حاجة وأخرى" أي: إلى الله أشكو هاتين الحاجتين تعذر التقائهما. [الإبدال من اسم مضمن معنى الاستفهام والشرط] : فصل: وإذا أبدل اسم من اسم مضمن معنى حرف استفهام، أو حرف شرط،

_ = القلب، مشتت البال؛ لكونه لا يستطيع الجمع بين تلك الأغراض، وهاتيك الحاجات. الإعراب: "إلى الله": متعلق بقوله "أشكو". أشكو: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الواو، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا، تقديره: أنا. "بالمدينة": متعلق بمحذوف حال من "حاجة" تقدم عليه؛ والأصل فيه صفة، فلما تقدم على النكرة أعرب حالا. حاجة: مفعول به منصوب لـ"أشكو". وبالشام: الواو عاطفة، "بالشام": معطوف على "بالمدينة". أخرى: معطوف بالواو على "حاجة"؛ وكلاهما معمول لـ"أشكو"؛ لأن العامل في الحال؛ هو العامل في صاحبها، كما هو معلوم؛ وكأنه قال: وأشكو أخرى بالشام. كيف: اسم استفهام مبني على الفتح، في محل نصب على الحال، تقدم على صاحبه وعامله؛ لأن أسماء الاستفهام لها الصدارة في الكلام. يلتقيان: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ والألف: ضمير متصل في محل رفع فاعل. موطن الشاهد: "كيف يلتقيان". وجه الاستشهاد: إبدال جملة "كيف يلتقيان" من المفرد "حاجة، وأخرى" بدل كل؛ وسوغ ذلك، أن الجملة في التقدير: بمنزلة المفرد -كما بين المصنف- وما ذهب إليه المصنف؛ هو رأي ابن جني، ومن جاء بعده. وقال الدماميني: يحتمل أن يكون قوله: "كيف يلتقيان؟ " جملة مستأنفة؛ أريد بها التنبيه على سبب الشكوى؛ وهو استبعاد اجتماع هاتين الحاجتين. فائدة: قد يبدل المفرد من الجملة؛ كقوله تعالى: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّمًا} ؛ فكلمة "قيما": بدل من جملة "لم يجعل له عوجا"؛ لأنها في معنى المفرد؛ أي: جعله مستقيما. انظر تفصيل هذه المسألة والتي قبلها في: شرح التصريح: 2/ 163. وهمع الهوامع: 2/ 628. ومغني اللبيب: 557.

ذكر ذلك الحرف مع البدل1؛ فالأول كقولك: "كم مالك أعشرون أم ثلاثون"، و"من رأيت أزيدا أم عمرا"، و"ما صنعت أخيرا أم شرا"2؛ والثاني نحو: "من يقم إن زيد، وإن عمرو وأقم معه" و"ما تصنع إن خيرا، وإن شرا تجز به" و"متى تسافر إن غدا، وإن بعد غد، أسافر معك"3.

_ 1 وذلك؛ ليوافق البدل المبدل منه في تأدية المعنى؛ وهذا، بشرط ألا يظهر حرف الاستفهام مع المبدل منه؛ فإن ظهر، فلا يلي البدل ذلك. ومعنى تضمنه معنى همزة الاستفهام: أنه استفهام يؤدي معنى الهمزة؛ وهذا الاستفهام عام مجمل، وما بعد الهمزة من البدل فرد يدخل ضمنا في اسم الاستفهام المبدل منه، وكذلك يقال في الشرط. 2 فعشرون وما عطف عليه: بدل تفصيل من "كم"، زيدا: بدل من "مَن"، وخيرا: بدل من "ما"؛ وقرن الجميع بالهمزة لتضمن المبدل منه معنى الاستفهام، وتكرير الأمثلة؛ لأن الاستفهام إما لمعرفة الكميات، أو لتعيين الذوات، أو المعاني. 3 فزيد وعمرو: بدلان من "مَن"، وخيرا وشرا: بدلان من "ما" الشرطية، وغدا: بدل من "متى"، وقرنت كلها بإن لتضمن المبدل منه معنى الشرط. وكرر الأمثلة؛ للعاقل، وللزمان، والمكان. انظر التصريح: 2/ 163.

الفهارس

الفهارس ... فهرس أوضح المسالك الجزء الثالث الموضوع الصفحة باب حروف الجر 3 باب الإضافة 70 باب إعمال المصدر واسم المصدر 170 باب إعمال اسم الفاعل 181 باب إعمال اسم المفعول 196 باب أبنية مصادر الثلاثي 198 باب مصدر غير الثلاثي 202 باب أبنية أسماء الفاعلين والصفات المشبهات بها 212 باب أبنية أسماء المفعولين 216 باب إعمال الصفة المشبهة باسم الفاعل المتعدي إلى واحد 218 باب التعجب 224 باب نعم وبئس 239 باب أفعل التفضيل 255 باب النعت 269 باب التوكيد 293 باب عطف البيان 310 باب عطف النسق 317 باب البدل 362

المجلد الرابع

المجلد الرابع باب النداء ... بسم الله الرحمن الرحيم [هذا باب النداء] : وفيه فصول1:

_ 1 النداء؛ معناه لغة: الطلب وتوجيه الدعوة بأي بلفظ كان. معناه اصطلاحا: طلب المتكلم إقبال المخاطب إليه بالحرف "يا" أو إحدى أخواتها؛ سواء كان الإقبال حقيقيا، أو مجازيا يقصد به طلب الاستجابة؛ كنداء الله سبحانه وتعالى. وقد اختلف النحاة في عامل المنادى؛ فذهب الجمهور إلى أن عامله فعل مضمر وجوبا فيكون المنادى مفعولا به لذلك العام؛ وأما إضمار ذلك العامل فللأسباب الأربعة التالية: أ- الاستغناء بظهور معناه. ب- قصدهم بعبارة النداء الإنشاء، وإظهار الفعل يوهم الإخبار فتحاشوا إظهاره. ج- كثرة استعمال النداء في كلامهم. د- تعويضهم من هذا الفعل حرف النداء؛ ومعلوم أنه لا يجمع في الكلام بين العوض والمعوض عنه. وذهب بعض النحاة إلى أن العامل في النداء هو القصد؛ وعليه يكون العامل معنويا لا لفظيا؛ وهذا القول مردود؛ لأنه لم يعهد في عوامل النصب عامل معنوي، وإنما عهد ذلك في عوامل الرفع؛ كالابتداء الرافع للمبتدأ، والتجرد الرافع للفعل المضارع. وذهب أبو علي الفارسي إلى أن العامل في المنادى؛ هو حرف النداء، على سبيل النيابة عن الفعل والعوض به منه، وجعل المنادى مشبها بالمفعول به، لا مفعولا به -كما هو عند الجمهور- ويرد على هذا الرأي؛ بأن حرف النداء يحذف من الكلام، وحينئذٍ يكون العوض والمعوض منه محذوفين؛ ومعلوم أن العرب لا تجمع بين حذف العوض والمعوض عنه، وذهب بعضهم إلى أن العامل في المنادى هو أداة النداء؛ لا لكونها عوضا من الفعل المحذوف -كما قال الفارسي- بل لأن هذه الأول اسم فعل مضارع بمعنى: أدعو؛ وهذا مذهب ضعيف؛ لأن أدوات النداء لو كانت أسماء أفعال؛ لكان فيها ضمير مستتر؛ كما في سائر أسماء الأفعال؛ ولو كانت هذه الأدوات متحملة للضمير؛ لكانت هي والضمير المستتر جملة تامة، يجوز الاكتفاء بها، ولا يحتاج المتكلم إلى ذكر المنادى معها؛ لأنه فضلة، ولم يقل بذلك أحد. وذهب آخرون: إلى أن العامل في المنادى؛ هو أداة النداء على أن تلك الأدوات أفعال، لا أسماء أفعال ولا حروف عوض بها عن أفعال؛ وهذا قول مردود أيضا، والرأي الراجح؛ ورأي الجمهور؛ الذي اختاره ابن مالك. انظر همع الهوامع: 1/ 171، وحاشية الصبان: 2/ 141.

الفصل الأول: الأحرف التي ينادى بها وأحكامها: في الأحرف التي ينبه بها المنادى، وأحكامها: وهذه الأحرف ثمانية: الهمزة1. وأي2 مقصورتين، وممدوتين3 ويا4............................

_ 1 ذهب جمهور النحاة أنها للقريب، وزعم شيخ ابن الخباز أنها للمتوسط، وفي هذا خرق لإجماعهم، وذكر ابن مالك -في شرح التسهيل- أن النداء بها قليل، وفي كلام العرب؛ وتبعه ابن الصائغ -في حواشي المغني- ويقول السيوطي: "وما قالاه مردود، فقد وقفت لذلك على أكثر من ثلاثمائة شاهد، وأفردتها بتأليف".ا. هـ. ومن شواهد النداء بالهمزة؛ قول امرئ القيس في معلقته: أفاطم مهلا بعض هذا التدلل ... وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي وقول قيس بن ذريح صاحب لبنى: ألبنى لقد حلت عليك مصيبتي ... غداة غدٍ إذ حَلَّ ما أتوقع همع الهوامع: 1/ 172، ومغني اللبيب: 17، ورصف المباني: 51. 2 بفتح الهمزة وسكون الياء والقصر؛ في معناها أقوال؛ قيل للقريب؛ كالهمزة وعليه المبرد والجزولي؛ وقيل للبعيد، كـ "يا" وعليه ابن مالك؛ وقيل للمتوسط. ومن شواهد النداء بها؛ ما ورد في الحديث: "أي رب"؛ وقول الشعر: ألم تسمعي -أي عبد- في رونق الضحى ... بكاء حمامات لهن هدير همع الهوامع: 1/ 172، والدرر اللوامع: 1/ 147. والمغني: 106. 3 تقول في حالة القصر: أمحمد؛ أي محمد، وفي حالة المد: آمحمد؛ آي محمد، أما بقية الأحرف؛ فممدودة. 4 هي أم الباب؛ ومن ثم قال أبو حيان: إنها أعم الحروف، وأنها تستعمل للقريب والبعيد مطلقا؛ وأنه الذي يظهر من استقراء كلام العرب؛ وقال ابن مالك؛ هي للبعيد حقيقة، أو حكما؛ كالنائم والساهي؛ وقد ينادى بها القريب توكيدا؛ وقيل: هي مشتركة بين البعيد والقريب؛ وقيل بينهما وبين المتوسط وذكر ابن الخباز عن شيخه أن "يا" للقريب؛ وهو خرق لإجماعهم. همع الهوامع: 1/ 172، ومغني اللبيب: 488، ورصف المباني: 451.

وأيا1، وهيا2، ووا3. فالهمزة المقصورة للقريب إلا إن نزل منزلة البعيد، فله بقية الأحراف كما أنها للبعيد الحقيقي. وأعمها "يا" فإنها تدخل على كل نداء، وتتعين في نداء اسم الله تعالى، وفي

_ 1 عند جمهور النحاة لنداء البعيد؛ وفي الصحاح: أنها لنداء القريب والبعيد؛ وقال في المغني: وليس كذلك، ومن شواهد النداء بها؛ قول ذي الرمة: أيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النقا أأنتِ أَمْ أُمُّ سالمِ الهمع: 1/ 172، ومغني اللبيب: 29. 2 "هيا" للبعيد؛ وهاؤه أصل؛ لأن الإبدال نوع من التصريف؛ والتصريف لا يدخل الحروف. وقيل: بدل من همزة "أيا"؛ لأن هذا إبدال لغوي؛ والإبدال التصريفي هو المختص بالأسماء المتمكنة والأفعال؛ ومن شواهد النداء بـ "هيا" قول الشاعر: هيا أم عمرو هل لي اليوم عندكمْ ... بغيبة أبصار الوشاة سبيلُ الهمع: 1/ 172، والدرر اللوامع: 1/ 148، رصف المباني: 40، الجنى الداني: 507. 3 ذكرها ابن عصفور في حروف النداء، واستشهد بقول أحد بني أسد: وافقعسا وأين مني فقعسُ ... أإبلي يأخذها كروسُ والجمهور على أن "وا": حرف لا يستعمل في غير الندبة، وحكى بعضهم: أنها تستعمل في غير الندبة قليلا؛ كقول عمر بن الخطاب: "واعجبا لك يا ابن العاص"، وقال في المغني: "وا" على وجهين؛ أحدهما: أن تكون حرف نداء مختصا، بباب لندبة؛ نحو: وازيداه؛ وأجاز بعضهم: استعماله في النداء الحقيقي".ا. هـ. الهمع: 1/ 172، ومغني اللبيب: 482، والجنى الداني: 351، ورصف المباني: 431. 4 أي: في لفظ الجلالة "الله"؛ وكذلك نداء لفظ "أيها"، و"أيتها"؛ نحو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} ، وقوله: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} ، ولم يرد عن العرب نداء هذه الأشياء بحرف آخر.

باب الاستغاثة، نحو: "بالله للمسلمين"، وتتعين هي أو "وا" في باب الندبة، و"وا" أكثر استعمالا، منها في ذلك الباب، وإنما تدخل "يا" إذا أمن اللبس؛ كقوله1: [البسيط] 430- وقمت فيه بأمر الله يا عمرا2

_ 1 القائل هو جرير بن عطية الخطفي، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله: حملت أمرا عظيما فاصطبرت له وهو ثاني ثلاثة أبيات في رثاء أمير المؤمنين، عمر بن عبد العزيز؛ وقبله قوله: نعي النعاة أمير المؤمنين لنا ... يا خير من حج بيت الله واعتمرا وهو من شواهد: التصريح: 2/ 164، والأشموني: "865/ 2/ 442" والعيني: 4/ 229، 273، والهمع: 1/ 180، والدرر: 1/ 155، والمغني: "698/ 486"، والسيوطي: 268، وديوان جرير: 304. المفردات الغريبة: حملت: كلفت. أمرا عظيما: هو الخلافة وتبعاتها الشاقة. اصطبرت: بالغت في الصبر والاحتمال. المعنى: كلفت الخلافة وعهد إليك بشئون المسلمين في وقت عم فيه الظلم وفشا الجور؛ فصبرت على تلك المشاق، وقمت بما أمر الله؛ فقضيت على الفساد ونشرت العدل بين الناس، فأرضيت الخالق والخلق. الإعراب: حملت: فعل ماضٍ مبني للمجهول والتاء ضمير متصل في حل رفع نائب منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. فاصطبرت: الفاء عاطفة، اصطبر: فعل ماضٍ مبني على السكون: والتاء في محل رفع فاعل. "له": متعلق بـ "اصطبر". وقمت: الواو عاطفة، قمت: فعل ماضٍ، والتاء: في حل رفع فعل. "فيه": متعلق بـ "قام". "بأمر": متعلق بـ "قام" ايضا. و"أمر": مضاف. الله: "لفظ الجلالة": مضاف إليه مجرور. يا: حرف نداء وندبة. عمرا: منادى مندوب مبني على الضم المقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بالحركة المناسبة المأتي بها؛ لمناسبة ألف الندبة. موطن الشاهد: "يا عمرا". وجه الاستشهاد: استعمال "يا" للندبة؛ لوضوح الأمر وأمن اللبس فإن صدور ذلك بعد موت "عمر" دليل على أن المقصود الرثاء والتوجع لا النداء؛ فهو يعلم أن عمر لن يجيبه، ولن يسمعه، وكذلك اتصال ألف الندبة في آخره دليل على أنه أراد الندبة لا النداء.

[جواز حذف حرف النداء] : ويجوز حذف الحرف1؛ نحو: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} 2، {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ} 3، {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ} 4، إلا في ثماني مسائل: المندوب نحو: "يا عمرا"، والمستغاث؛ نحو: "يالله"، والمنادى البعيد؛ لأن المراد فيهن إطالة الصوت، والحذف ينافيه، واسم الجنس غير المعين5؛ كقول الأعمى: "يا رجلا خذ بيدي"، والمضمر6؛ ونداؤه شاذ، ويأتي على صيغتي المنصوب والمرفوع؛ كقول بعضهم: "يا إياك قد كفيتك"7........

_ 1 أي لفظا فقط، مع مراعاة تقديره، ويتعين تقدير "يا" عند الحذف؛ لكونه أعم حروف النداء استعمالا. وقد مثل المؤلف للمنادى؛ المفرد والشبيه به، والمضاف؛ ليشير إلى أنه لا فرق في أن يكون المنادى أحدا منها. 2 "12" سورة يوسف، الآية: 29. موطن الشاهد: {يُوسُفُ أَعْرِضْ} . وجه الاستشهاد: حذف حرف النداء "يا"؛ لأن التقدير؛ يا يوسف؛ وحكم هذا الحذف جائز باتفاق. 3 "55" سورة الرحمن، الآية: 31. موطن الشاهد: {أَيُّهَا الثَّقَلانِ} . وجه الاستشهاد: حذف حرف النداء قبل أيها؛ لأن التقدير: يا أيها الثقلان. 4 "44" سورة الدخان، الآية: 18. موطن الشاهد: {أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ} . وجه الاستشهاد: حذف حرف النداء "يا" قبل المنادى المضاف عبد الله؛ قال الدنوشري: ويجوز أن يكون عباد الله مفعولا لـ "أدوا"، والأول أرجح. 5 هو: النكرة غير المقصودة. 6 المراد: ضمير المخاطب؛ لأن غيره لا ينادى مطلقا؛ فلا يقال: يا أنا، ولا يا هو. وإنما امتنع الحذف؛ لأن حذف الحرف معه، يفوت الدلالة على النداء. واختلفوا في ضمير المخاطب؛ فقد ذهب أبو حيان إلى أنه لا يجوز نداؤه مطلقا؛ وذهب ابن عصفور إلى أنه مقصور على ضرورة الشعر؛ وأجازه ابن مالك. التصريح: 2/ 165، والأشموني: 2/ 443. 7 قيل: إن الأحوص اليربوعي، وفد مع ابنه على معاوية؛ فقام الأب فخطب، فلما انتهى قام الابن ليخطب؛ فقال له الأب ذلك؛ أي: قد أغنيتك عن القول. وبعضهم أعرب "يا": للتنبيه، و"إياك" مفعول لفعل محذوف، يفسره: كفيتك" المذكو؛ ويكون من باب الاشغال، ولا شاهديه. حاشية يس على اتصريح: 2/ 164.

وقول الآخر1: [الرجز] . 431- يا أبجر بن أبجر يا أنتا2

_ 1 ينسب هذا البيت إلى الأحوص؛ وينسب إلى سالم بن دارة؛ وهو الصواب. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: أنت الذي طلقت عام جعثا والبيت من عدة أبيات؛ يقولها الشاعر في مر بن واقع، وصوب بعضهم الشاهد هكذا: أنت الذي طلقت عام جعتا وهو من شواهد: التصريح: 2/ 164، والأشموني: "866/ 2/ 443، والعيني: ونسبه إلى الأحوص، والهمع: 1/ 174، والدرر: 1/ 151، ونوادر أبي زيد: 163 وأمالي ابن الشجري: 2/ 79، والإنصاف: 325، 682، وشرح المفصل: 1/ 127، 130 والمقرب: 37، والخزانة: 1/ 289، والعيني: 4/ 232. المفردات لغريبة: الأبجر: المنتفخ البطن. طلقت: فارقت حلائلك. عام جعتا؛ أي: في الوقت الذي وقعت في المجاعة. المعنى: يذم المخاطب بقوله: يا عظيم البطن وابن عظيمها، أنت الذي فارقت زوجاتك حين لم تجد ما تسد به رمقك وتملأ به كرشك، وأبيت السعي؛ لجلب رزقهن. الإعراب: يا: حرف نداء، لا محل له من الإعراب. أبجر: منادى مفرد علم مبني على الضم في حل نسب. ابن: صفة لـ "أبجر" وهو منصوب لوقوعه تابعًا لمحل المنادى؛ لأن محله النصب، وهو مضاف. أبجر: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة، وقد صرفه الشاعر ونونه؛ لضرورة الشعر. يا: حرف نداء، لا محل له من الإعراب. أنتا: منادى مبني على ضم مقدر على آخره، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة البناء الأصلي، والألف للإطلاق. أنت: ضمير رفع منفصل، في محل رفع مبتدأز الذي: اسم موصول في محل رفع خبر المبتدأ. طلقت: فعل ماضٍ مبني على السكون، والتاء في محل رفع فاعل؛ وجملة "طلقت": صلة للموصول، لا محل لها من الإعراب. "عام": متعلق بـ "طلق". جعتا: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: في محل رفع فاعل، والألف: للإطلاق. وجملة "جعت": في محل جر بالإضافة. موطن الشاهد: "يا أنتا". وجه الاستشهاد: نادى الضمير الذي يستعمل في مواطن الرفع وجيء بالضمير المنادى على صيغة الرفع؛ لأنه لما تعذر بناؤه على الضم عدلوا إلى ما هو قريب من البناء على الضم؛ وهو الإتيان به على الصيغة الموضوعة على الرفع. وقيل إن "يا" في البيت المذكور للتنبيه، و"أنت" الأولى مبتدأ والثانية توكيد، والموصول خبر، ولا شاهد فيه حينئذٍ.

واسم الله تعالى إذا لم يعوض في آخره الميم المشددة، وأجازه بعضهم وعليه قول أمية بن الصلت1: [الطويل] . 432- رضيت بك اللهم ربًّا فلن أرى ... أدين إلها غيرك الله ثانيا2

_ 1 مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا بيت من قصيدة طويلة في سيرة ابن هشام، لأمية بن أبي الصلت الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "آمن لسنه ولم يؤمن قلبه" وذلك أنه كان قد قرأ في الكتب عن مبعث نبي فظن نفسه أنه سيكون هذا النبي، وعندما بعث النبي صلى الله عليه وسلم حسده ولم يوفق إلى الإيمان به؛ وقيل: إنه هو الذي أنزل فيه قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 165، والعيني: 3/ 243، وليس في ديوانه. المفردات الغريبة: أدين: اتخذ دينا، من دان بالشيء، اتخذه دينا. المعنى: رضيت رضًا بك ربا يا الله، فلن أرى أن أتخذ إلها غيرك أعبده أو أدين له. الإعراب: رضيت: فعل ماضٍ مبني على السكون، والتاء: في محل رفع فاعل. "بك": متعلق بـ "رضي". اللهم: الله: منادى بحرف نداء محذوف؛ والتقدير: يا الله مبني على الضم في محل نصب على النداء، والميم المشددة عوض عن حرف النداء المحذوف. ربا: حال من لفظ الجلال منصوب؛ أو مفعول به لـ "رضي"، أو تمييز. فلن: الفاء تفريعية، لن: حرف نفي، ونصب، واستقبلا. أرى: فعل مضارع مبني للمجهول منصب بـ "لن" وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف، ونائب الفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره: أنا. أدين: فعل مضارع مرفوع؛ ارتفع بعد حذف الناصب؛ لأن التقدير: أن أدين؛ مثل "تسمع بالمعيدي"؛ والفعل أنا، وجملة "أدين": في محل نصب مفعول ثانيا "أرى" إن عدت علمية؛ أو في حل نصب على الحال؛ إن عدت بصرية. إلها: مفعول به منصوب لـ "أدين"؛ لأنه بمعنى أعبد غيرك: صفة لـ "إلها" منصوب، وهو مضاف، والكاف: في محل جر بالإضافة. الله: "لفظ الجلالة" منادى بحرف نداء محذوف، مبني على الضم في محل نصب على النداء. ثانيا: صفة لـ "إلها" منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره؛ وفي رواية التصريح "راضيا" بدل "ثانيا"؛ فهي حال من فاعل رضيت أو أدين؛ أو مفعول مطلق من "رضيت"؛ والأول أفضل. موطن الشاهد: "الله". وجه الاستشهاد: مجيء "الله" في عجز البيت منادى بحرف نداء محذوف ومن دون أن يعوض عنه بالميم المشددة؛ وذلك شاذ، ولا يقاس عليه، وعلمنا سابقا أنه يجب حذف حرف النداء متى لحقت الميم لفظ الجلالة؛ لأنه لا يجمع بين العوض والمعوض عنه؛ وما جاء مغايرا لذلك؛ فهو مخالف للقياس.

واسم الإشارة، واسم الجنس لمعين1" خلافا للكوفيين فيهما2، واحتجوا بقوله3: [الطويل] . 433- بمثلك هذا لوعة وغرام4

_ 1 المراد به: النكرة المقصودة المبنية على الضم عند ندائها. 2 يجوز نداء اسم الإشارة على قلة -شريطة أن لا تتصل به كاف الخطاب- إلا في الندبة فيصح؛ فإن اتصلت به الكاف ففي جواز خلاف والصحيح: المنع؛ لاستلزامه اجتماع النقيضين؛ لأن مدلول كاف الخطاب، يخالف مدلول المنادى. وكذلك، يجوز نداء اسم الجنس لمعين قليلا. واختلف الكوفيون والبصريون في اسم الإشارة، واسم الجنس لمعين، إذا نوديا هل يجب ذكر حرف النداء، أو يجوز ذكره وحذفه؟. فذهب البصريون إلى وجوب ذكر حرف النداء مع اسم الجنس لمعين، واسم الإشارة؛ ولا يجوز حذفه إلا في ضرورة الشعر. وذهب الكوفيون إلى جواز ذكر حرف النداء وجواز حذفه، واستدلوا على جواز الحذف بما ورد في السماع؛ وقد حملوا قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} ؛ فقدروا أن "هؤلاء" اسم إشارة منادى بحرف نداء محذوف؛ أي: ثم أنتم يا هؤلاء تقتلون أنفسكم؛ وجعلوا من نداء اسم الجنس بحرف نداء محذوف قوله عليه الصلاة والسلام حكايةً عن موسى عليه السلام: "ثوبي حجر"؛ أي: يا حجر. غير أن البصريين، زعموا: أن كل ما احتج به الكوفيون ضرورة. التصريح: 2/ 165، وحاشية الصبان: 3/ 136-137. 3 القائل: هو غيلان بن عقبة المعروف بذي الرمة، وقد مرت ترجمته. 4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: إذا هملت عيني لها قال صاحبي وهو من قصيدة مشهورة له؛ ومطلعها قوله: عليكن يا أطلال ميٍّ بشارع ... على ما مضى من عهدكن سلامُ والشاهد من شواهد: التصريح 2/ 165، والأشموني: 867/ 2/ 443 والعيني: 4/ 235، والهمع: 1/ 174، والدرر: 1/ 150، والمغني: "1090/ 840" وديوان ذي الرمة: 563؛ وفيه: "فتنة" بدل "لوعة".

وقولهم: "أطرِقْ كَرَا"1، و"افتدِ مخنوقُ"2، و"أصبِحْ ليلُ"3، وذلك عند

_ = المفردات الغريبة: هملت العين: فاض دمعها وسال. لوعة؛ اللوعة: حرقة في القلب من ألم الحب والهوى أو الحزن. غرام: ولوع وشدة رغبة. المعني: كلما بكى وانهمر دمعه -عند تذكر المحبوبة -قال له صاحبه: يا هذا، إنك شديد الحب لها والغرام بها؛ وهو لا يستطيع أن يعمل له شيئا يخفف من لوعته. الإعراب: إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه منصوب بجوابه مبني على السكون في حل نصب على الظرفية الزمانية. هملت: فعل ماض، والتاء للتأنيث. عيني: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قيل الياء، والياء في محل جر مضاف إليه؛ وجملة "هملت عيني": في محل جر بالإضافة "لها": متعلق بـ "همل". قال: فعل ماضٍ. صاحبي: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل الياء، والياء في محل جر مضاف إليه؛ وجملة "قال صاحبي": لا محل لها من الإعراب؛ لأنها جواب شرط غير جازم. "بمثلك": متعلق بمحذوف خبر مقدم، و"مثل" مضاف والكاف مضاف إليه. هذا: ها: للتنبيه، و"إذا" اسم إشارة منادى بحرف نداء محذوف؛ والتقدير: يا هذا؛ و"جملة النداء" اعتراضية، لا محل لها. لوعة: مبتدأ مؤخر مرفوع. وغرام: الواو عاطفة، غرام: اسم معطوف على مرفوع؛ فهو مرفوع مثله؛ وجملة "بمثلك لوعة وغرام": مقول القول في محل نصب مفعول به. موطن الشاهد: "هذا". وجه الاستشهاد: نادى الشاعر اسم الإشارة وحذف حرف النداء؛ على مذهب الكوفيين؛ الذين أجازوا حذف حرف النداء اسم إشارة؛ ومثل هذا البيت قول الشاعر: ذا، ارعواء، فليس بعد اشتغال الرأ ... س شيبا إلى الصبا من سبيل فالشاعر أراد يا هذا ارعوا رعواء؛ فحذف حرف النداء. 1 هذا جزء من مثل، وتمامه: "إن النعام في القرى"؛ وهو مثل يضرب لمن تكبر وقد تواضع من هو أشرف منه؛ أي اخفض يا كرا عنقك للصيد، فإن من هو أكبر وأطول عنقا منك -وهو النعام- قد صيد وجيء به من مكانه إلى القرى؛ وأصله: يا كروان، فرخم، بحذف النون والألف، ثم قلبت الواو ألفا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها. وشذوذه من وجهين؛ حذف حرف النداء، وترخيمه. والمثل من أمثال الميداني: 1/ 431. برقم 2273. 2 مثل يضرب لكل مضطرٍّ وقع في شدة وضيق؛ وهو يبخل بافتداء نفسه بماله؛ أي افْتَدِ نفسك يا مخنوق، وهو من أمثال الميداني: 2/ 78، برقم: 2765. 3 مثل يضرب لمن يظهر الكراهة والبغض للشيء؛ أي: ائت بالصبح، يا ليل. فقد حذف حرف النداء من هذه الأمثلة، مع أن المنادى اسم إشارة في المثال الأول، واسم جنس في الآخيرين؛ وهو من أمثال الميداني: 1/ 403 برقم: 2132.

البصريين، ضرورة وشذوذ. الفصل الثاني: أقسام المنادى وأحكامه: المنادى على أربعة أقسام: أحدها: ما يجب فيه أن يبنى على ما يرفع به لو كان معربا1؛ وهو ما اجتمع فيه أمران: أحدهما: التعريف؛ سواء كان ذلك التعريف سابقا على النداء؛ نحو: "يا زيد"2، أو عارضا في النداء بسبب القصد والإقبال؛ نحو: "يا رجل" تريد به معينا3. والثاني: الإفراد، ونعني به ألا يكون مضافا ولا شبيها به؛ فيدخل في ذلك المركب المزجي4، والمثني، والمجموع5؛ نحو: "يا معدي كرب" و"يا

_ 1 فيبنى على الضم الظاهر أو المقدر في: المفرد الحقيقي، وما يلحق به؛ كأسماء الإشارة، والأسماء الموصولة غير المبدوءة بـ "أل"، وفي جمع التكسير، وجمع المؤنث السالم. وعلى الألف في المثنى، وعلى الواو في جمع المذكر السالم، وعلل النحويون البناء بمشابهته الكاف الاسمية في نحو: "أدعوك" خطابا، وإفرادا، وتعريفا؛ وهذه تشبه الكاف الحرفية لفظا ومعنى؛ فهو مشبه للحرف بالواسطة. 2 فزَيْد مُعرَّفة بالعلمية قبل النداء، واستصحب ذلك التعريف بعد النداء؛ وهو مذهب ابن السراج، وتبعه الناظم. وقيل: سلب تعريف العلمية، وتعرَّف بالإقبال؛ وهو مذهب المبرد والفارسي، ورد بنداء اسم الله تعالى، واسم الإشارة؛ فإنهما لا يمكن سلب تعريفهما؛ لكونهما لا يقبلان التنكير. التصريح: 2/ 195-166. 3 أي: أن النكرة المقصودة تعرف عند النداء بسبب الإقبال والقصد؛ وإليه ذهب ابن الناظم، وذهب قوم إلى أنه يتعرف بـ "أل" محذوفة، وأن "يا" نابت عن أل. التصريح: 2/ 166. 4 وكذلك العددي؛ كخمسة عشر، والإسنادي؛ كفتح الله. ويبنى المزجي على ضم الجزء الثاني، وكذلك الإسنادي، والعددي على فتح الجزأين. 5 قال الصبان: الظاهر أن نحو: يا زيدان ويا زيدون من النكرة المقصودة؛ لا من العلم، وأن العلمية زالت؛ إذ لا يثنى العلم، ولا يجمع إلا بعد اعتبار تنكيره؛ ولهذا دخلت عليهما "أل"؛ فتعريفهما بالقصد والإقبال. حاشية الصبان على شرح الأشموني: 3/ 183.

زيدان"، و"يا زيدون" و"يا رجلان"، و"يا مسلمون"، و"يا هندان". وما كان مبنيا قبل النداء؛ كـ "سيبويه" و"حذام" في لغة أهل الحجاز قدرت فيه الضمة، ويظهر أثر ذلك في تابعه، فتقول: "يا سيبويه العالِمَُ" برفع "العالم" ونصبه1، كما تفعل في تابع ما تجدد بناؤه؛ نحو: "يا زيد الفاضل" والمحكي كالمبني2؛ تقول: "يا تأبط شرًّا المقدامُ" أو "المقدامَ". الثاني: ما يجب نصبه؛ وهو ثلاثة أنواع: أحدها: النكرة غير المقصودة3؛ كقول الواعظ: "يا غفلا والموت يطلبه"4 وقول الأعمى: "يا رجلا خذ بيدي"، وقول الشاعر5: [الطويل] .

_ 1 الرفع مراعاة للضم المقدر، والنصب مراعاة للمحل، ولا يجوز الجر مراعاة للكسر لأنها حركة بناء. ويقال في إعرابه: مبني على ضم مقدر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة البناء الأصلي في محل نصب، و"سيبويه" منادى مبني على ضم مقدر، منع منه اشتغال المحل بحركة البناء الأصلي في حل نصب. 2 أي: يبنى على ضم مقدر، منع من ظهوره حركة الحكاية، في محل نصب، ويرفع تابعه وينصب على النحو المبين في المبني. وإذا نودي المنقوص؛ كـ "قاضٍ" حذف تنوينه، ورجعت الياء، وبُنِيَ على ضم مقدر عليها. وإذا نودي: اثنا عشر، واثنتا عشرة -علمين- جاز أن يقال: يا إثنا عشر، ويا إثنتا عشرة؛ بالبناء على الألف، وتبقى عشر وعشرة مبنية على الفتح؛ لأنها بمنزلة نون المثنى؛ وهمزتهما للقطع ما داما علمين؛ ويجوز أن يقال: يا اثني عشر، ويا اثنتي عشرة بالنصب بالياء، واعتبار عشر وعشرة بمنزلة المضاف إليه صورة. الهمع: 1/ 172-173. والأشموني: 2/ 445. 3 أي: الباقية على إبهامها وشيوعها، ولا تدل على فرد معين مقصود بالمناداة؛ وتسمى: اسم الجنس غير المعين. 4 هذا إذا جعلت الواو استئنافية؛ فإن جعلت حالية، كان من أمثلة الشبيه بالمضاف؛ لعمله النصب في الجملة التي هي حال من ضمير "غافلا" المستتر فيه. 5 هو: عبد يغوث بن وقاص الحارثي؛ وقيل: ابن صلاءة، شاعر جاهلي من قحطان، وفارس معدود، وسيد قومه، أُسر يوم الكلاب؛ فخُيِّرَ كيف يرغب أن يموت؛ فاختار أن يقطع من عرق الأكحل وهو يشرب الخمر؛ فمات نزفا؛ وذلك سنة 40ق. هـ. الخزانة: 1/ 313، والمفضليات: 156، والأعلام: 4/ 187، والأغاني: 15/ 69.

434- فيا راكبا إما عرضت فبلغنْ1

_ 1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: نداماي من نجران أن لا تلاقيا والبيت من قصيده ينوح فيها على نفسه، عندما أسرته تيم الرباب في يوم الكلاب الثاني؛ ومطلعها: ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا ... فما لكما في اللوم خيرٌ ولا ليا والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 167، والأشموني: "872/ 2/ 445"، والشذور: "51/ 111"، وابن عقيل: "306/ 3/ 260، وسيبويه: "1/ 312"، والخصائص: 2/ 449، وشرح المفصل: 1/ 127، 129، والخزانة: 1/ 313، والعيني: 3/ 42، 4/ 206، والمفضليات: 156. المفردات الغريبة: عرضت: أي ظهرت، وقيل معناه: أتيت العروض؛ والعروض: اسم لمكة والمدينة وما حولهما. نداماي: جمع ندمان؛ وهو المؤنس في مجلس الشراب. نجران: بلد باليمن. المعنى: يندب الشاعر حظه، وينادي الركبان؛ وهو في الأسر؛ فيقول: إذا بلغتم العروض، فبلغوا نداماي ورفاقي وأهلي وأحبابي؛ أنه لا تلاقي بيننا؛ فنحن في الأسر، ولا ندري ما الله صانع بنا. الإعراب: يا: حرف نداء. راكبا: منادى نكرة غير مقصودة منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. إما: إن: شرطية مدغمة في "ما" الزائدة. عرضت: فعل ماضٍ -فعل الشرط- مبني على السكون؛ لاتصاله بالتاء المتحركة؛ والتاء في محل رفع فاعل؛ وهو في حل جزم فعل الشرط. فبلغن: الفاء واقعة في جواب الشرط، بلغن: فعل أمر مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، والنون؛ لا محل لها من الإعراب، والفعل ضمير مستتر وجوبا، تقديره: أنت. نداماي: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف، و"ندامى" مضاف، وياء المتكلم، في محل جر بالإضافة. "من نجران": متعلق بمحذوف حال من "نداماي"؛ و"نجران": ممنوع من الصرف؛ للعلمية والتأنيث. أن: مخففة من الثقيلة؛ واسمها ضمير الشأن المحذوف. لا: نافية للجنس، تعمل عمل إن. تلاقيا: اسم "لا" مبني على الفتح في محل نصب، والألف لإطلاق، وخبر "لا" محذوف والتقدير: لا تلاقي لنا؛ وجملة "لا تلاقي لنا": في محل رفع خبر "أن" المخففة من الثقيلة؛ والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": في محل نصب مفعول ثانٍ لـ "بلغن". موطن الشاهد: "يا راكبا". وجه الاستشهاد: وقوع "راكبا" منادى منصوبا؛ لأنه نكرة غير مقصودة؛ لأن الشاعر لا يقصد راكبا معينا؛ وفي هذا البيت وأمثاله رد على المازني الذي زعم استحالة وجود هذا النوع متذرعا بأن نداء غير المعين لا يمكن؛ وذهب إلى أن التنوين في ذلك المنادى شاذٌّ أو ضرورة؛ والبيت الشاهد حجة عليه.

وعن المازني1 أنه أحال وجود هذا القسم2. الثاني: المضاف3؛ سواء كانت الإضافة محضة؛ نحو: "ربنا اغفر لنا" أوغير محضة؛ نحو: "يا حسن الوجه"؛ عن ثعلب4 إجازة الضم في غير المحضة5. الثالث: الشبيه بالمضاف؛ وهو: ما اتصل به شيء؛ من تمام معناه6؛ نحو:

_ 1 مرت ترجمته. 2 ادعى المازني أن النداء معناه: طلب إقبال من تناديه عليك، وأن غير المعين لا يمكن فيه ذلك، وعلى هذا يكون التنوين في النكرة ضرورةً أو شاذًّا. التصريح: 2/ 167. 3 شرط أن تكون إضافته لغير ضمير المخاطب؛ فلا يصح أن يقال: يا غلامك؛ لأن النداء خطاب للمضاف، مع أن المضاف إليه ضمير المخاطب غير المضاف. 4 هو أحمد بن يحيى المعروف بثعلب، وقد مرت ترجمته. 5 حجته: أن الإضافة فيها في نية الانفصال، ورد بأن علة البناء مشابهة الضمير؛ وهي مفقودة هنا؛ لأن الصفة المضافة إلى معمولها، ليست بهذه المنزلة، ولم يسمع عن العرب ما يسيغ ذلك. وقد تفصل لام الجر الزائدة بين المنادى المضاف، والمضاف إليه في الضرورة الشعرية؛ كقول سعيد بن مالك: يا بؤسَ للحرب التي ... وضعت أراهط فاستراحوا 6 أي: جاء بعده معمول يتمم معناه؛ سواء كان هذا المعمول مرفوعا به، أم منصوبا أم مجرورا بالحرف، والجار ولمجرور متعلقان بالمنادى، أم معطوفا على المنادى قبل النداء، وقد مثل لهما المؤلف على التوالي. ومما ينبغي أن يعد من نوع التشبيه بالمضاف شيئان، لم يذكرهما المؤلف. الأول: الاسم المفرد المنكر الموصوف؛ نحو: يا رجلا فاضلا، ونحو: يا رجلا يجبر الكسير، إذا كنت قصدت به معينا، وكان النداء طارئا على الصفة والموصوف جميعا. الثاني: الوصف المقترن بجملة؛ نحو قوله صلى الله عليه وسلم في سجوده: "يا عظيمًا يرجى لكل عظيم"؛ لأنه قد اتصل به شيء يتمم معناه. انظر الأشموني: 2/ 445، والتصريح: 2/ 68، وحاشية الصبان: 3/ 140-141.

"يا حسنا وجهه" و"يا طالعا جبلا"، و"يا رفيقا بالعباد"، و"يا ثلاثة وثلاثين"؛ فيمن سميته بذلك1، ويمتنع إدخال "يا" على "ثلاثين"2؛ خلافا لبعضهم؛ إن ناديت جماعة هذه عدتها، فإن كانت غير معينة نصبتهما أيضا3، وإن كانت معينة؛ ضممت الأول، وعرفت الثاني بـ "أل"، ونصبته، أو رفعته، إلا إن أعيدت معه "يا"، فيجب ضمه؛ وتجريده من "أل"4، ومنع ابن خروف5 إعادة "يا" وتخيره في إلحاق "أل" مردود6: والثالث: ما يجوز ضمه وفتحه؛ وهو نوعان: أحدهما: أن يكون علما مفردا موصوفا بابن متصل به مضاف إلى علم7، نحو: "يا زيد بن سعيد"8، والمختار عند البصريين -غير المبرد- الفتح، ومنه

_ 1 أي: قبل النداء، وهذا مثال للمنادى المعطوف عليه قبل النداء، وإنما وجب نصبهما للطول؛ أما الأول فشبهه بالمضاف؛ لأن الثاني معمول له؛ لوقول التسمية بهما، وأما الثاني فالبعطف بالواو. 2 لأنه جزء علم؛ كشمس؛ من عبد شمس، وقيس؛ من عبد قيس؛ أما المخالف فقد نظر إلى الأصل. 3 الأول؛ لأنه نكرة غير مقصودة، والثاني؛ للعطف. 4 أما الضم؛ فلأنه نكرة مقصودة والمقصود بالضم: البناء على ما يرفع به. وأما تجريده من "أل"؛ فلأن "يا" لا تجامع أل إلا في مواضع ستأتي، وليس هذا منها. 5 مرت ترجمته. 6 وجه الرد على الشطر الأول: أن الثاني ليس بجزء علم حتى تمتنع معه "يا"؛ وعلى الشطر الثاني: أن اسم الجنس أريد به معين، فيجب تعريفه بـ "أل"، لا التخيير. 7 ظاهر هذه العبارة صالح لأن يشمل ما إذا كان العَلَم الذي أضيف "ابن" إليه مذكرًا؛ نحو: "يا زيد بن محمد" وما إذا كان مؤنثا؛ نحو: "يا عمرو بن هند"، والأول: متفق عليه بين النحاة؛ والثاني: محل خلاف بينهم. 8 فيجوز في "زيد" الضم على الأصل، والفتح إما على الإتباع لفتحة "ابن"؛ لأن الحاجز بينهما ساكن فهو غير حصين، أو فتح بناء على تركيب الصفة مع الموصوف، وجعلهما شيئا واحدا؛ كخمسة عشر، أو فتح إعراب على إقحام "ابن" وإضافة زيد إلى سعيد؛ لأن ابن الشخص، يجوز إضافته إليه؛ لأنه يلابسه. لتصريح: 2/ 169.

قوله1: [الرجز] 435- يا حَكَمَُ بن المنذر بن الجارود2

_ 1 ينسب هذا الرجز إلى رجل من بني الحرماز، ونسبه الجوهري إلى رؤبة بن العجاج؛ وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت من الرجز، في مدح الحكم بن المنذر أمير البصرة على عهد هشام بن عبد الملك؛ وعجزه قوله: سرادق المجد عليك ممدود وهو من شواهد: التصريح: 2/ 169، والأشموني: "873/ 2/ 446"، وسيبويه: 1/ 313، والمقتضب: 4/ 323، وشرح المفصل: 2/ 5، والعيني: 4/ 210 واللسان: "سردق"، وملحقات ديوان رؤبة: 172. المفردات الغريبة: الجارود: لقب لجد الممدوح؛ قيل لقب بذلك؛ لأنه أغار على قوم فاكتسح أموالهم، فشبهوه بالسيل الشديد الذي يجرف أمامه كل شيء. سرادق: هو ما يمد فوق صحن الدار. المجد: علو المنزلة وسمو القدر. المعنى: إن الممدوح ذو شرف وسيادة، وقد جعل المجد ذا سرادق منصوب عليه -على سبيل الاستعارة بالكناية. الإعراب: يا: حرف نداء. حكم: منادى مبني على الضم في محل نصب؛ أو مبني على الفتح للإتباع في محل نصب، والأول أفضل. ابن: صفة لـ "الحكم" باعتبار محله منصوب، وهو مضاف. المنذر: مضاف إليه/. ابن: صفة لـ "المنذر" مجرور، وو مضاف. الجارود: مضاف إليه، وسكن لضررة الشعر. سرادق: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. المجد: مضاف إليه مجرور. "عليك": متعلق بـ "ممدود" الآتي. ممدود: خبر مرفوع. موطن الشاهد: "يا حكم". وجه الاستشهاد: فتح "حكم" -وهو مختار البصريين- ويجوز فيه الضم -كما بيَّنَّا- وقد اشترط في جواز الوجهين؛ كون "الابن" صفة؛ فلو جعل بدلا؛ أو عطف بيان، أو منادى حذف منه حرف النداء، أو مفعولا بفعل محذوف، تقديره: أعني، ونحو ذلك، تعين الضم.

ويتعين الضم في نحو: "يا رجلُ ابنَ عمرو"، و"يا زيدُ ابنَ أخينا"؛ لانتفاء علمية المنادى في الأولى، وعلمية المضاف إليه في الثانية، وفي نحو: "يا زيدُ الفاضلَ ابن عمرو"؛ لوجود الفضل، وفي نحو: "يا زيد الفاضل"؛ لأن الصفة غير "ابن"، ولم يشترط ذلك1 الكوفيون، وأنشدوا2: [الوافر] . 436- بأجود منك يا عمرَُ الجوادا3

_ 1 أي: كون الوصف "ابنا"، وحجتهم: أن علة الفتح التركيب، وقد جاء في باب "لا" نحو: لا رجل ظريف -بفتحهما- فيجوز هنا. 2 هذا من قول جرير بن عطية الشعر المعروف، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: فما كعب بن مامة وابن سعدى وهو من قصيدة يمدح فيه عمر بن عبد العزيز؛ ومطلع هذه القصيدة قوله: أبت عيناك بالحسن الرقادا ... وأنكرت الأصادق والبلادا والشاهد: من شواهد: التصريح: 2/ 169، الأشموني: "874/ 2/ 447"، والهمع: 1/ 176، والدرر: 1/ 153. المفردات الغريبة: كعب بن مامة: هو كعب الأيادي الذي يضرب به المثل في الإيثار؛ لأنه آثر رفيقه في السفر بالماء حتى مات عطشا، ومامة: اسم أمه. ابن سعدى: هو أوس بن حارثة الطائي الجواد المشهور، وسعدى: اسم أمه؛ ويروى "ابن أروى" مكان ابن سعدى، ويعني بذلك أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه. المعنى: يمدح الشاعر عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- قائلا: ليس كعب بن مامة، ولا ابن أروى -المشهوران بالكرم والجود- بأكرم منك؛ لكثرة جودك، وعظيم عطاياك. الإعراب: ما: نافية حجازية -وهو الأرجح- تعمل عمل "ليس". كعب: اسم "ما" مرفوع، وهو مضاف. مامة: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف. بأجود: الباء حرف جر زائد، أجود: اسم مجرور لفظا منصوب محلا؛ على أنه خبر "ما" العاملة عمل "ليس"؛ وأجود ممنوع من الصرف. "منك": متعلق بـ "أجود". يا: حرف نداء. عمر: منادى مفرد علم مبني على الفتح؛ لأنه موصوف بالجواد المنصوب؛ أو مبني على الضم المقدر على آخره، منع من ظهوره فتح الإتباع. الجوادا: صفة لـ "عمر" على المحل، والألف للإطلاق.

بفتح "عمر"، والوصف بابنة؛ كالوصف بابن؛ نحو: "يا هندَُ ابنة عمرو"، ولا أثر للوصف ببنت؛ فنحو: "يا هندُ بنتَ عمرو" واجب الضم1. الثاني: أن يكرر2 مضافا؛ نحو: "يا سعدَُ سعدَ الأوس"؛ فالثاني واجب النصب؛ والوجهان في الأول؛ فإن ضممته3 فالثاني بيان، أو بدل أو بإضمار "يا" أو أعني4، وإن فتحته؛ فقال سيبويه: مضاف لما بعد الثاني، والثاني مقحم بينهما.

_ 1 ويمتنع الفتح لتعذر الإتباع؛ لأن بينهما حاجزا حصينا؛ وهو تحرك الباء. 2 أي المنادى المفرد المعرفة؛ سواء كان علما أم اسم جنس؛ وفي التمثيل بسعد سعد الأوس: وسعد بن عبادة؛ وهي: فإن يسلم السعدان يصبح محمدًا ... بمكة لا يخشى خلاف المخالفِ أيا سعدَُ سعدَ الأوس كن أنت ناصرًا ... ويا سعدَُ سعدَ الخزرجين الغطارفِ أجيبا إلى داعي الهدى، وتَمَنَّيَا ... على الله في الفردوس منية عارفِ ونظير الشاهد هنا قول جرير: يا تيم تيم عدي لا أبا لكم ... لا يلقينكم في سوأة عمر حاشية يس على التصريح: 2/ 171. 3 أي لأنه مفرد معرفة؛ يبنى على الضم في محل نصب. 4 إذا ضم الاسم الأول، فيحتمل في نصب الاسم الثاني خمسة أوجه: الأول: أن يكون توكيدا للاسم الأول، ولم ينون؛ لقصد المشاركة بين الاسمين. الثاني: أن يكون بدلا، والثالث: أن يكون عطف بيان عليه؛ وهو في هذه الأوجه الثلاثة تابع في إعرابه لمحل الاسم الأول المبني على الضم في محل نصب. والرابع: أنه مفعول به لفعل محذوف؛ تقديره: أعني؛ فهو كالنعت المتطوع إلى النصب. والخامس: أنه منادى مستأنف، وانتصب؛ لكونه مضافا. وقد اعترض أبو حيان على الوجه الأول؛ بأنه لا يجوز التوكيد؛ لاختلاف وجهي التعريف؛ لأن تعريف الأول: بالعلمية، أو بالنداء، والثاني: بالإضافة. هذا وقد اعترض أبو حيان على الوجه الأول بقوله: لا يجوز أن يكون الاسم الثاني توكيدا معنويا للاسم الأول؛ لأن التوكيد المعنوي له ألفاظ معينة محصورة، وليس هذا منها؛ كما لا يجوز أن يكون توكيدًا لفظيًّا؛ لأن مع الاسم الثاني زيادة هي المضاف إليه، ومع هذه الزيادة لا يتفقه التوكيد مع المؤكد في كمال المعنى؛ وقال ابن هشام في اعتراض هذا الوجه من وجه الإعراب: تعريف الاسم الأول إما بالعلمية السابقة على النداء، وإما بالإقبال عليه الحاصل بالنداء؛ وأما تعريف الاسم الثاني فبالإضافة؛ وباختلاف التعريفين لا يحصل التوكيد. انظر التصريح: 2/ 171.

وقال المبرد: مضاف لمحذوف مماثل لما أضيف إلي الثاني1، وقال الفراء: الاسمان مضافان للمذكور2، وقال بعضهم: الاسمان مركبان تركيب خمسة عشر ثم أضيفا3. الرابع: ما يجوز ضمه ونصبه؛ وهو المنادى المستحق للضم إذا اضطر الشاعر إلى تنوينه؛ كقوله4: [الوافر] . 437- سلام الله يا مطر عليها5

_ 1 ويكون نصب الثاني حينئذ -على أحد الأوجه المذكورة عند ضم الأول؛ وهو أن يكون منادى، أو عطف بيان، أو بدل ... إلخ، والأصل: يا سعد الأسود سعد الأسود؛ فحذف من الأول؛ لدلالة الثاني عليه؛ وهو نظير قوله في نحو: قطع الله يد ورجل من قالها؛ وهو قليل في كلامه. 2 وهو رأي ضعيف؛ لأن فيه توارد عاملين على معمول واحد. 3 وتكون فتحة الثاني -على هذا- فتحة بناء. وإلى هذا النوع أشار ابن مالك بقوله: في نحو: "سعدَُ سعدَ الَاوْسٍ" ينتصِبْ ... ثانٍ وضم وافتح أوَّلًا تًصِبْ والمعنى: في مثل يا سعد سعد الأوس مما وقع فيه المنادى مفردا مكررا، والثاني مضافا، يجب نصب الثاني منهما؛ أما الأول: فيجوز فيه الضم والفتح -كما بَيَّنَ المؤلف- وأما إذا كان الاسم الثاني غير مضاف؛ نحو: يا محمد محمد، أو يا سعد سعد؛ جاز بناؤه على الضم على أنه منادى حذف قبله حرف النداء، أو بدل؛ وجاز رفعه ونصبه؛ باعتباره توكيدا لفظيا على اللفظ أو المحل. انظر حاشية الصبان: 3/ 154، والتصريح: 2/ 171. 4 القائل: هو: الأحوص؛ محمد بن عبد الله بن عاصم الأوسي، وقد مرت ترجمته. 5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: وليس عليك يا مطرُ السلام

وقوله1: [الوافر] . 438- أبعدا حل في شعبي غريبا2

_ = وهو من شواهد: التصريح: 2/ 171، والأشموني: "875/ 2/ 448"، وابن عقيل: "307/ 2 262"، والشذور: "53/ 113" وسيبويه: 1/ 313، والمقتضب: 4/ 214، 224 ومجالس ثعلب: 92، 239، 542، والأغاني: 14/ 61، والجمل للزجاجي: 166، وأمالي الزجاجي: 81، والمحتسب: 2/ 93، وأمالي ابن الشجري: 1/ 341، والإنصاف: 311، والخزانة: 1/ 294، والهمع: 2/ 80، والدرر: 2/ 105، والعيني: 1/ 108، 4/ 211، والمغني: "643/ 449"، والسيوطي: 260، وديوان الأحوص: 137. المعنى: واضح. الإعراب: سلام: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. الله: "لفظ الجلالة" مضاف إليه مجرور. يا: حرف نداء، لا محل له من الإعراب. مطر: منادى مفرد علم مبني على الضم، في محل نصب على النداء، ونُوِّنَ للضرورة الشعرية. "عليها": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ "سلام"؛ أو متعلق بـ "سلام" ويكون الخبر محذوفا؛ والتقدير: سلام الله عليها حاصل أو كائن مثلا. وليس: الواو عاطفة، ليس: فعل ماضٍ ناقص. "عليك": متعلق بالخبر المقدم المحذوف. يا: حرف نداء، لا محل له من الإعراب. مطر: منادى مبني على الضم في محل نصب على النداء؛ وجملة "يا مطر": اعتراضية، لا محل لها. السلام: اسم ليس مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. مواطن الشاهد: "يا مطر عليها". وجه الاستشهاد: مجيء "مطرا" الأول منونا؛ لضرورة الشعر؛ وهو مفرد علم واجب البناء على الضم؛ كما هو معلوم؛ وحكم تنوينه الجواز للضرورة الشعرية. 1 القائل: هو جرير بن عطية الخطفي. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: ألؤما لا أبا لك واغترابا وهو من كلمة يهجو فيها العباس بن يزيد الكندي؛ وأولها قوله: أخالدَ عاد وعدُكُمُ خِلابا ... ومُنَّيتِ المواعد والكذابا وقد مر تخريج هذا الشاهد في باب المفعول المطلق. موطن الشاهد: "أعبدا". وجه الاستشهاد: وقوع "عبدا" منادى نكرة مقصودة، وقد نصبه مع التنوين تشبيها له بالنكرة غير المقصودة، وذلك للضرورة؛ وقيل: يجوز نصبه؛ لأنه شبيه بالمضاف؛ لأنه نكرة موصوفة؛ وقيل: يجوز أن يكون "عبدا" حالا من فاعل محذوف؛ والتقدير: أتفخر عبدا؟؛ أي: وأنت عبد، ولا يليق الفخر بالعبيد. انظر ضياء السالك: 3/ 223.

واختار الخليل وسيبويه الضم، وأبو عمرو1 وعيسى2 النصب، ووافق الناظم والأعلم سيبويه في العلم، وأبا عمرو وعيسى في اسم الجنس3. [لا يجوز نداء ما فيه"أل"] : فصل: ولا يجوز نداء ما فيه "أل"4 إلا في أربع صور: إحداها: اسم الله تعالى5، أجمعوا على ذلك؛ تقول: "يا الله" بإثبات الألفين، و"يَللَّه" بحذفهما، و"يالله" بحذف الثانية فقط، والأكثر أن يحذف حرف النداء، ويعوض عنه الميم المشددة؛ فتقول: "اللهم" وقد يجمع بينهما في الضرورة النادرة؛ كقوله6: [الرجز] . 439- أقول يا اللهم يا اللهما7

_ 1 هو أبو عمرو بن العلاء، وقد مرت ترجمته، وترجمة الأعلم والخليل وسيبويه والناظم. 2 هو أبو عمرو؛ عيسى بن عمر الثقفي، مولى خالد بن الوليد المخزومي، كان إماما في النحو والعربية؛ أخذ عن ابن أبي إسحاق وأبي عمرو بن العلاء، روى عن الحسن البصري؛ وعنه أخذ الأصمعي والخليل وغيرهما؛ وكان عيسى يطعن على العرب، ويخطئ المشاهير منهم؛ كالنابغة في بعض أشعاره، كما كان صاحب تقعير في كلامه، واستعمال للغريب فيه؛ له مصنفات كثيرة؛ منها: الإكمال، والجامع، وقيل إن له سبعين مصنفا، مات سنة 149هـ. البلغة: 179، إنباه الرواة: 2/ 274، وبغية الوعاة: 2/ 237، والأعلام: 5/ 288. 3 أي: نصبه "كعبدا" في البيت السابق؛ وذلك لضعف شبهه بالضمير؛ وخيَّر الناظم بين الضم والنصب مع التنوين للضرورة. 4 لما فيه من الجمع بين معرفتين؛ النداء، وأل، وذلك ما لم يعهد في الأساليب العربية. 5 وذلك للزوج "أل" له حتى صارت كالجزء منه. 6 القائل: هو أبو خراش الهذلي، أو أمية بن أبي الصلت. 7 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: إني إذا ما حدث ألما وهو من شواهد: التصريح: 2/ 172، والأشموني: "880/ 2/ 449"، وابن عقيل: "310/ 3/ 265"، والعيني: 4/ 216، ونسبه إلى أمية بن أبي الصلت. ونوادر أبي زيد: 165، والمقتضب: 4/ 242، والمخصص: 1/ 137، والمحتسب: 2/ 238، والهمع: 1/ 168، والدرر.

الثانية: الجمل المحكية؛ نحو: "يا المنطلق زيد"؛ فيمن سمي بذلك، نصَّ

_ 1/ 155، وأمالي ابن الشجري: 2/ 103، والإنصاف: 341، واللسان "أله". المفردات الغريبة: جدث: حادث طارئ من مكاره الدنيا. ألما: نزل. المعنى: إذا نزل بي حادث من حوادث الدهر، وطرأ علي ما أحتاج فيه إلى المعونة، ألجأ إلى الله وأناديه، فإنه جلت قدرته هو المعين وحده. الإعراب: إني: إن حرف مشبه بالفعل، والياء: في محل نصب اسمه. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه. ما: زائد، لا محل لها. حدث: فاعل لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده؛ وجملة "الفعل المحذوف وفاعله": في محل جبر بالإضافة. ألما: فعل ماض، والألف: للإطلاق، والفاعل: شمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو؛ وجملة "ألما" تفسيرية، لا محل لها. أقول: فعل مضارع مرفوع والفاعل: أنا؛ وجملة "أقول": جواب شرط غير جازم، لا محل لها. وجملة "الشرط وجوابه": في محل رفع خبر "إن". يا اللهم: "يا" حرف نداء، اللهم: الله "لفظ الجلالة": منادى مبني على الضم في محل نصب على النداء. والميم: حرف أصلها عوض عن "يا" عند حذفها، وقد جمع هنا بينهما ضرورة؛ و"جملة النداء": في محل نصب مفعول به، مقول القول. يا اللهم: مثل الأولى. موطن الشاهد: "يا اللهم". وجه الاستشهاد: الجمع في "يا اللهم" بين حرف النداء، والميم المشددة؛ التي تأتي عوضا عن حرف النداء، وحكم هذا الجمع شاذ أو نادر؛ لأنه جمع بين العوض والمعوض عنه. هذا: وقد تحذف "أل" من اللهم؛ فيقال: "لاهم" وتكون كلمة "لاه" هي المنادى المبني على الضم؛ وهو كثير في الشعر؛ ومنه قول القائل: لاهُمَّ إن العبد يَمْـ ... ـنعُ رحله فامنع رحالك وقد تخرج اللهم عن النداء المحض؛ فتستعمل على وجهين: أ- أن تذكر تمكينا للجواب؛ كأن يقال: هل أنت مسافر؟ فتقول: اللهم نعم أو لا. ب- أن تدل على الندرة؛ نحو: سأزورك اللهم إذا لم تدعني؛ وهي حينئذ منادى صورة فتعرب كإعرابه. لتصريح: 2/ 172. الأشموني: 2/ 450.

على ذلك سيبويه، وزاد عليه المبرد ما سمي به من موصول مبدوء بأل1؛ نحو: الذي والتي، وصوبه الناظم. الثالثة: اسم الجنس المشبه به؛ كقولك: "يا الخليفة هيفة" نص على ذلك ابن سعدان2. الرابعة: ضرورة الشعر؛ كقوله3: 440- عباس يا الملك المتوج والذي4 ولا يجوز ذلك في النثر؛ خلافا للبغداديين.

_ 1 بشرط أن يكون مع صلته علما؛ نحو: "يا الذي سافر" في نداء من سمي بذلك؛ لأن الموصول مع صلته بمنزلة اسم واحد؛ أما الموصول وحده المسمى به فمتفق على منع ندائه. ومن نداء الاسم الموصول المقترن بـ "أل" مع صلته قول الشاعر: من اجلك يا التي تيمت قلبي ... وأنت بخيلة بالود عني 2 مرت ترجمته. 2 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: عرفت له بيتَ العُلا عدنانُ وهو من شواهد: التصريح: 2/ 173، والأشموني: "878/ 2/ 449" والعيني: 4/ 245 والهمع: 1/ 174، والدرر: 1/ 152. المفردات الغريبة: المتوج: الذي ألبس التاج. عرفت: اعترفت. العلا: الشرف. عدنان: المراد عدنان أبو العرب. المعنى: واضح. الإعراب: عباس: منادى بحرف محذوف، مبني على الضم في محل نصب. يا: حرف نداء، لا محل له من الإعراب. الملك: منادى مبني على الضم في محل نصب على النداء. المتوج: صفة لـ "الملك" يجوز فيها الرفع إتباعا على لفظ الموصوف؛ ويجوز فيها النصب إتباعا على محل الموصوف. والذي: الوو عاطفة، الذي: اسم موصول، مبني على السكون، معطوف على المتوَّج في حل رفع أو نصب. عرفت: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث. "له": متعلق بـ "عرف". بيت: مفعول به منصوب لـ "عرف"، وهو مضاف العلا: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف للتعذر. عدنان: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة؛ وجملة "عرفت له بيت العلا عدنان": صلة للموصول الأسمي، لا محل لها. موطن الشاهد: "يا الملك". وجه الاستشهاد: إدخال حرف النداء "يا" على المنادى المقترن بـ "أل"؛ وهو "الملك"؛ وحكم هذا الإدخال ضرورة عند البصريين؛ وجائز عند الكوفيين؛ بالقياس وبالسماع؛ فأما القياس؛ فما أباحه الجميع من مناداة لفظ الجلالة المقترن بـ "أل" وأما السماع: فهذا الشاهد ونحوه. انظر حاشية الصبان: 3/ 145.

الفصل الثالث: في أقسام تابع المنادى المبني وأحكامه1: وأقسامه أربعة: أحدها: ما يجب نصبه مراعاة لمحل المنادى؛ وهو ما اجتمع فيه أمران: أحدهما: أن يكون نعتا2 أو بيانا أو توكيدا. ثانيهما: أن يكون مضافا مجردا من "أل"3؛ نحو: "يا زيد صاحب عمرو".

_ 1 أما المنادى المنصوب اللفظ، إن كان تابعه نعتا أو عطف بيان أو توكيدا؛ وجب نصب التابع مرعاةً للفظ المتبوع؛ نحو: يا مجاهدا مخلصا لا تحجم عن لقاء العدو، يا عربا أهل اللغة الواحدة، أو كلكم أجيبوا داعي الوطن. وإن كان التابع بدلا، أو عطف نسق مجرَّدًا من "أل"؛ فالأحسن أن يكون منصوب اللفظ أيضا: نحو: بوركت يابن الخطاب عمر؛ أو بوركتما يابن الخطاب وعليا. وبعضهم يجعل ذلك في حكم المنادى المستقل. 2 بشرط ألا يكون منعوته -وهو المنادى- اسم إشارة، ولا كلمة "أي"، أو "أية"، وإلا وجب رفع النعت؛ كما في الحالة الثانية الآتية. 3 ويشترط أن تكون الإضافة في الثلاثة محضة على الراجح، وإلا جاز رفع التابع مرعاة للفظ المنادى؛ نحو: يا رجل ضارب محمد بالضم والنصب، ووجوب النصب بهذين الشرطين: مذهب جمهور النحاة؛ وحكي عن جماعة من الكوفيين ومعهم الكسائي لما كانت حادثة تحدث بدخول حرف النداء، وتزول بزواله أشبهت حركة الإعراب؛ فجاز مراعاتها. وحكوا ذلك في النعت والتوكيد، ولم يحكوه في عطف البين؛ لأنه قريب الشبه من البلد، وقد علمنا أن البدل إذ كان مضافا؛ وجب نصبه؛ لأنه كنداء مستقل؛ فما أشبهه يأخذ حكمه. التصريح: 2/ 174، الأشموني: 2/ 450.

و "يا زيدُ أبا عبد الله"، و"يا تميمُ كلَّهم، أو كلكم"1. والثاني: ما يجب رفعه مراعاة للفظ المنادى؛ وهو نعت "أي" و"أية"2 ونعت اسم الإشارة؛ إذا كان اسم الإشارة وصلة لندائه؛ نحو: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} 3، {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ} 4، وقولك "يا هذا الرجل"5، إن كان المراد أوَّلا نداء الرجل؛

_ 1 إذا كان تابع المنادى مشتملا علي ضمير؛ جاز أن يجيء به ضمير غيبة؛ وهو الأصل؛ وذلك باعتبار أن لفظ المنادى اسم ظاهر؛ والاسم الظاهر من قبيل الغيبة؛ وجاز أن يجيء به ضمير خطاب؛ وهذا يشمل توابع المنادى المنصوب اللفظ وغير المنصوب؛ إلا إذا كان التابع اسم إشارة؛ فلا يجوز أن تتَّصل بآخره علامة خطاب وقد اجتمع الاعتباران في قول الشاعر: فيا أيها المُهدِي الخنا من كلامه ... كأنك يضفو في إزارك خِرنِقُ فجاء بضمير الغيبة في قوله: "من كلامه؛ وبضمير الخطاب في قوله: "من إزارك"، وذهب الأخفش إلى وجوب كون الضمير المتصل بتابع المنادى ضمير غيبة؛ فإن جاء ضمير حضور؛ نحو: "يا تميم كلكم"؛ فن رفعت كلكم؛ فهو مبتدأ خبره محذوف؛ وإن نصبتهن فهو مفعول به لفعل محذوف. التصريح: 2/ 147 2 إنما وجب الرفع؛ لأن المقصود بالنداء هو التابع، وهو مفرد، أما "أي" و"أية" فكلاهما صلة لندائه، وهما مبنيان على الضم؛ لأن كلا منهما نكرة مقصودة. و"ها" حرف تنبيه زائد زيادة لازمة لا تفارقهما. 3 "2" سورة البقرة، الآية: 21. موطن الشاهد: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أي" منادى نكرة مقصودة مبنيا على الضم، و"ها" للتنبيه؛ والناس: بدل من "أي" مرفوع تبعا للفظ "أي"؛ وإنما جاز الرفع مع أن المتبوع مبني؛ لأنه مشبه للمعرب في حدوث ضمه بسبب الداخل عليه. انظر التصريح: 2/ 174. 4 "89" سورة الفجر، الآية: 27. موطن الشاهد: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ} . وجه الاستشهاد: مجيء "أية" مبنية على الضم؛ لكوها نكرة مقصودة، و"ها" للتنبيه لازمة للفظ "أية"، و"النفس": بدل من "أية" مرفوع على التبعية وجوبًا؛ مراعاةً للفظ "أية"؛ وإنما جاز الرفع مع أن المتبوع مبنى؛ لأنه مشبه للمعرب في حدوث ضمة بسبب الداخل عليه. 5 جوز النحاة على الاسم المحلى بـ "أل" بعد اسم الإشارة، أن يكون صفة لاسم الإشارة، أو

ولا يوصف اسم الإشارة أبدا إلا بما فيه أل، ولا توصف أي وأية في هذا الباب إلا بما فيه "أل"، أو باسم الإشارة، نحو: "يا أيهذا الرجل"1. والثالث: ما يجوز رفعه ونصبه؛ وهو نوعان: أحدهما: النعت المضاف المقرون بـ "أل"2؛ نحو: "يا زيدُ الحسنَُ الوجه"3. والثاني: ما كان مفردا من نعت، أو بيان، أو توكيد، أو كان معطوفا مقرونا بـ "أل"؛ نحو: "يا زيد الحسنُ" و"الحسنَ" و"يا غلام بشر" و"بشرا" و"يا تميم

_ = عطف بيان عليه، أو بدلا منه، واعترض ابن عصفور: بأن النعت يشترط فيه أن يكون مشتقا، أو مؤولا بالمشتق، وأن عطف البيان، ينبغي أن يكون جامدا، كما يشترط فيه أن يكون أعرف من المبين؛ في حين لا تكون الصفة أعرف من الموصوف فإذا قيل هذا الاسم صفة تضمن ذلك أنه مشتق أو في قوة المشتق، وأنه مساوٍ للموصوف لا أعرف منه؛ وإذا قيل: هذا الاسم عطف بيان؛ تضمن أنه جامد وأنه أعرف من المبين؛ فكيف يصح في الاسم الواحد أن يكون صفة، وأن يكون عطف بيان؛ وكل منهما يقتضي نقيض ما يقتضيه الآخر من وجهين. ورُدَّ على ابن عصفور بأن عطف البيان لا يشترط فيه أن يكون أعرف؛ لأنه مخالف لقول سيبوبه في "يا هذا ذا الجمَّة"؛ وأما الوجه الآخر: فإذا قدر صفة، جعل مؤولا بالمشتق، وإن قدر عطف بيان؛ فهو جامد على ظاهره، واللام على تقدير الصفة؛ للعهد، وعلي تقدير البيان؛ لتعريف الحضور أي للجنس. 1 توصف أي: وأية بواحدة من ثلاثة أشياء: الأول: الاسم المحلى بأل؛ نحو: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ} ، و {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} . الثاني: الاسم الموصول المقترن بأل؛ نحو: {يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ} ؛ ونحو: يا أيتها التي قامت. الثالث: اسم الإشارة الخالي من كاف الخطاب؛ كمثال المصنف؛ أما اسم الإشارة المقترن بكاف الخطاب، فلا يكون نعتا لـ "أي"؛ خلافا لابن كيسان. ومن هذا النوع قول ذي الرمة: ألا أيهذا الدارس الذي ... كأنك لم يعهد بك الحي عاهد التصريح: 2/ 175. 2 اقترانه بـ "أل" يستلزم أن تكون الإضافة غير محضة؛ لأنها هي التي تجتمع مع أل، وتكاد نحصر هذه الإضافة في تابع واحد؛ هو النعت؛ لأن الغالب عليه الاشتقاق حيث تشيع هذه الإضافة. 3 الرفع على الإتباع للفظ "زيد" في الصورة، تشبيها له بالمرفوع، والنصب على المحل.

أجمعون" و"أجمعين"، وقال الله تعالى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرُ} 1؛ قرأه السبعة بالنصب، واختاره أبو عمرو وعيسى، وقُرِئَ بالرفع؛ واختاره الخليل، وسيبويه، وقدروا2 النصب بالعطف على {فَضْلًا} 3 من قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا} ، وقال المبرد: إن كانت "أل" للتعريف مثلها في "الطير"؛ فالمختار النصب4، أو لغيره مثلها في "اليسع"؛: فالمختار الرفع5. والرابع: ما يعطى تابعًا ما يستحقه إذا كان منادى مستقلا؛ وهو البدل والمنسوق المجرد من "أل"؛ وذلك لأن البدل في نية تكرار العامل، والعاطف كالنائب عن العامل؛ تقول: "يا زيدُ بِشْرُ" بالضم، وكذلك "يا زيدُ وبِشْرُ"، وتقول: "يا زيد أبا عبد الله"، وكذلك: "يا زيد وأبا عبد الله" وهكذا حكمهما مع المنادى المنصوب. الفصل الرابع: في المنادى المضاف للياء: وهو أربعة أقسام:

_ 1 "34" سورة سبأ، الآية: 10. أوجه القراءات: انفرد ابن مهران، عن هبة الله بن جعفر، عن روح؛ برفع الراء من "والطير"؛ وهي رواية زيد عن يعقوب؛ ووردت عن عاصم، وأبي عمرو؛ وقرأ السبعة بالنصب. النشر: 2/ 335، وتفسير الطبري: 14/ 266، ومشكل إعراب القرآن: 2/ 204. موطن الشاهد: {يَا جِبَالُ ... وَالطَّيْرُ} . وجه الاستشهاد: قراءة الرفع في "الطير" بالعطف على لفظ الجبال"، وقراءة النصب فيها عطفا على محل الجبال؛ أو عطفا على "فضلا" في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا} ؛ والتقدير: وآتيناه الطير، وعلي هذا؛ فجملة النداء معترضة بين المتعاطفين. التصريح: 2/ 176، ومشكل إعراب القرآن 2/ 204. 2 أي: من اختاروا الرفع. 3 ووجه اختيار الرفع: مشاكلة الحركة وكثرته؛ كما يقول سيبويه. 4 لأن المعرف يشبه المضاف من حيث تأثر كلٍّ بالتعريف بما يتصل به. 5 لأن "أل" حينئذٍ وهي من بنية الكلمة كالمعدومة؛ فلا مانع من أن يلي ما هي فيه حرف النداء.

أحدها: ما فيه لغة واحدة؛ وهو المعتل؛ فإن ياءه واجبة الثبوت والفتح1؛ نحو: "يا فتاي"، و"يا قاضي"2. والثاني: ما فيه لغتان؛ وهو الوصف المشبه للفعل3؛ فإن ياءه ثابتة لا غير، وهي إما مفتوحة أو ساكنة؛ نحو: "يا مكرمي" و"يا ضاربي". الثالث: ما فيه ست لغات؛ وهو ما عدا ذلك4، وليس أَبًا ولا أمًّا؛ نحو: "يا غلامي"، فالأكثر حذف الياء والاكتفاء بالكسرة؛ نحو: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} 5، ثم ثبوتها ساكنة نحو: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُم} 6، أو مفتوحة؛ نحو: {يَا عِبَادِيَ

_ 1 أما علة الثبوت؛ فلأنها -لو حذفت؛ لحصل التباس بغير المضاف، وأما وجوب الفتح؛ فلأنها لو سكنت؛ التقى ساكنان؛ والتحريك بالمضم والكسر ثقيل على الياء. التصريف: 2/ 177. 2 قاضي: منادى منصوب بفتحة مقدرة على الياء المدغمة في ياء المتكلم؛ وهي مضافة إليها. ويلحق بالمعتل: المثنى وشبهه، وجمع المذكر السالم وشبهه، إذا أضيفا وحذفت نونهما للإضافة، وختم آخرهما بالعلامة الخاصة بكل منهما؛ تدغم الياء الساكنة في آخرهما في ياء المتكلم المبنية على الفتح؛ نحو: يا عيني جودا بالدمع؛ ومنه قول الشاعر: يا سابقيَّ إلى الغفران؛ مكرمة ... إن الكرام إلى الغفران تستبِقُ ويلحق كذلك بالمعتل: المختوم بياء مشددة، ليس تشديدها للإدغام؛ كعبقري وبني تصغير ابن؛ يقال: يا عبقري ويا بني؛ بحذف الياء المشددة الثانية؛ وإدغام الأولى في ياء المتكلم المفتوحة. ويجوز حذف ياء المتكلم وبقاء الياء المشددة قبلها مكسورة؛ تقول: يا عبقري، ويا بني. 3 أي: المضارع بإفادة معنى الحال، أو الاستقبال، أما الذي بمعنى الماضي؛ فإضافته محضة، وفيه اللغات الست الآتية. 4 ويشمل: الصحيح الآخر، وما يشبهه إذا كانت إضافتهما محضة. ويجب نصبه إذا كان المنادى مفردًا، أو جمع تكسير، أو جمع مؤنث سالما؛ نحو: يا أخي، يا أصدقائي، يا فتياتي. 5 "39" سورة الزمر، الآية: 16 موطن الشاهد: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} . وجه الاستشهاد: حذفت الياء من "عبادي" واكتفي بالكسر إجراء للمنفصل من كلمتين مجرى المتصل في كلمة واحدة؛ كما في قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} . 6 "43" سورة الزخرف، الآية: 68. موطن الشاهد: {يَا عِبَادِيَ} . وجه الاستشهاد: ثبوت الياء ساكنة في المنادى المضاف إلى الأصل.

الَّذِينَ أَسْرَفُوا} 1، ثم قلب الكسرة فتحة والياء ألفا: {يَا حَسْرَتَا} 2، وأجاز الأخفش حذف الألف والاجتزاء بالفتحة؛ كقوله3: [الوافر] 441- بلهفَ ولا بليت ولا لَوَ انِّي4

_ 1 "39" سورة الزمر، الآية: 53. موطن الشاهد: {يَا عِبَادِيَ} . وجه الاستشهاد: ثبوت الياء المفتوحة في المنادى المضاف؛ لخفة الفتح. 2 "39" سورة الزمر، الآية: 56. موطن الشاهد: {يَا حَسْرَتَا} . وجه الاستشهاد: ثبوت الياء المفتوحة، ثم قلبت الكسرة قبل الياء فتحة، ثم قلبت الياء ألفًا؛ لتحركها انفتاح ما قبلها؛ لأن الألف أخف من الياء؛ فالأصل: "يا حسرتِي" بكسر التاء وفتح الياء؛ ثم قيل: يا حسرتَى بفتحهما؛ ثم، قيل: يا حسرتا. ومثل هذه الآية قول الشاعر: بانت لتحزنا عفارةْ ... يا جارتا ما أنت جارةْ 3 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: ولست براجع ما فات مني وهو من شواهد: التصريح: 2/ 177، والأشموني: 2/ 456 عرضا، والخصائص: 3/ 135، والمحتسب: 1/ 277، 323، وأمالي ابن الشجري: 2/ 74، والإنصاف: 390، 449، 546 وا لمقرب: 38، 116، والهمع: 1/ 143، والدرر: 1/ 112. المفردات الغريبة: راجع: اسم فاعل من رجع؛ وهو أفصح من أرجع؛ وفي القرآن: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ} لهف: حزن وتحسر. وبلهف: كلمة يتحسر بها على فائت. المعنى: إن ما ذهب مني لا يعود بكلمة التلهف والحسرة، ولا بكلمة لاتمنى، وقولي: ليتني عملت كذا، ولا بقولي: لو أني كذا لكان كذا. الإعراب: لست: فعل ماضٍ ناقص مبني على السكون؛ لاتصاله بالتاء المتحركة، والتاء: في محل رفع اسمه. براجع: الباء حرف جر زائد، راجع: اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ليس؛ وفي راجع ضمير مستتر في محل رفع فاعل لاسم الفاعل. ما اسم موصول بمعنى الذي، في محل نصب مفعول به لـ "راجع". فات: فعل ماضي مبني على =

أصله: بقولي: يا لَهْفَا؛ ومنهم من يكتفي من الإضافة بنيتها، ويضم الاسم كما تضم المفردات، وإنما يفعل ذلك، فيما يكثر فيه، أن لا ينادى إلا مضافا؛ كقول بعضهم. "يا أمي لا تفعلي"، وقراءة آخر: {رَبُّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ} 1. الرابع: ما فيه عشر لغات؛ وهو الأب والأم؛ ففيهما مع اللغات الست: أن تعوّض تاء التأنيث عن ياء المتكلم؛ وتكسرها؛ وهو الأكثر؛ أو تفتحها وهو الأقيس؛ أو تضمها على التشبيه؛ بنحو: ثبة وهبة؛ وهو شاذ، وقد قرئ بهن2، وربما جمع

_ = الفتح، والفاعل: هو؛ وجملة "فات مني": صلة للموصول، لا محل لها. "مني": متعلق بـ "فات". بلهف: الباء حرف جر، والمجرور محذوف؛ والتقدير: بقولي يا لهف. وبقولي: متعلق بـ "راجع". لهف: منادى بحرف نداء محذوف؛ والتقدير: يا لهف، وجملة "النداء": في محل نصب للقول المحذوف المجرور بالباء.. ولا: الواو عاطفة، لا: زائدة لتأكيد النفي. بليت: الباء حرف جرن "ليت" قصد لفظه؛ فهو مجرور بالباء. ولا: الواو عاطفة، لا زائدة؛ لتأكيد النفي. لو أني: قصد لفظه معطوف على: "لا بليت". موطن الشاهد: "بلهف". وجه الاستشهاد: مجيء "لهف" منادى بحرف نداء محذوف؛ وهو مضاف إلى ياء المتكلم؛ المنقلبة ألفًا المحذوفة؛ والفتحة دليل عليها؛ والأصل يا لهفي. وقيل: أن "لهف" مجرور بالباء على الحكاية، وكذا ما بعده، لا على النداء؛ ولا شاهد فيه حينئذ؛ والأول أفضل. وانظر حاشية الصبان: 3/ 155. 1 "12" سورة يوسف، الآية: 33. أوجه القراءات: ذكر الألوسي قراءة رفع "رب" وكسر النون في "السجنِ" ولم ينسبها إلى أحد؛ وقرأ يعقوب وعثمان بن عفان والزهري وابن هرمز "رب السجنَ" بفتح السين. تفسير الألوسي: 12/ 235، وإتحاف الفضلاء: 264، إعراب النحاس: 2/ 140. موطن الشاهد: {رَبُّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ} . وجه الاستشهاد: ضم باء "رب" لأن الأم والأب الأكثر فيهما أن لا يناديا إلا مضافين للياء؛ فالأصل فيهما "يا أمي" و"يا ربي"؛ فحذفت الياء تخفيفا، وبنيا على الضم تشبيها بالنكرة المقصودة. التصريح: 2/ 178. 2 أي في نحو قوله تعالى: {يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} والمنادى في هذه الحالات الثلاث منصوب؛ لأنه مضاف للياء المحذوفة المعوض عنها تاء التأنيث ونصبه بفتحة مقدرة منع من ظهورها الفتحة التي جيء بها لمناسبة التاء؛ ويرى بعض المحدثين أن يقال: منصوب بالفتحة الظاهرة؛ لأن تاء التأنيث تستلزم فتح ما قبلها دائما إلا في النداء. انظر التصريح: 2/ 178.

بين التاء والألف، فقيل: "يا أبتا"1، و"يا أمتا" وهو كقوله: أقول يا اللهم يا اللهما2. وسبيل ذلك الشعر؛ ولا يجز تعويض تاء التأنيث عن ياء المتكلم إلا في النداء؛ فلا يجوز "جاءني أبت"، ولا: "رأيت أمَّت". والدليل على أن التاء في "يا أبت"، و"يا أمت" عوض من الياء أنهما لا يكادان يجتمعان، وعلى أنهما للتأنيث؛ أنه يجوز إبدالها في الوقف هاء3.

_ 1 ومن ذلك قول الشاعر: تقول بنتي: قد أنى أناكا ... يا أبتا علك أو عساكا ونظيره قول الآخر: يا أبتا أرقني القذانُ ... فالنوم لا تطعمه العينانُ أوضح المسالك: 4/ 38-39. 2 مر تخريج هذا الشاهد والتعليق عليه. موطن الشاهد: "يا اللهم، يا اللهم". وجه الاستشهاد: جمع الشاعر بين ياء النداء والميم المشددة التي تتبع المنادى عوضا عن حرف النداء، فجمع بين العوض والمعوض عنه؛ وحكم هذا الجمع شاذٌّ؛ وقد ذكر المؤلف البيت ليبين لنا أن في قولهم: "يا أبتا" جمعا بين العوض والمعوض منه؛ كما في هذا الشاهد، والذي ذهب إلى أنه جمع بين العوض "التاء" والمعوض منه."الألف المنقلبة عن ياء المتكلم"؛ وهو ابن جني؛ لأنه يرى: أن هذه الألف هي ياء المتكلم انقلبت ألفًا بعد فتح ما قبلها، وأما ابن مالك فيرى: أن هذه الألف، هي التي تلحق آخر الاسم المندوب، والمستغاث، والمنادى البعيد؛ وعليه فلا جمع بين العوض والمعوض منه؛ وبالتالي فلا مشابهة بين ما ذكر وبين الشاهد؛ غير أنه مع بين "الياء"، و"التاء" في قول الشاعر: أيا ابتي لا زلت فينا؛ فإنما ... لنا أمل في العيش ما دمت عائشا فذهب البصريون: إلى أنه ضرورة من ضرورات الشعر؛ لأن "التاء" عوض من "ياء المتكلم"، ولا يجوز الجمع بينهما، وذهب كثير من الكوفيين إلى أنه ليس ضرورة، وأنه يجوز لك في "السعة" أن تقول: يا أبتي. انظر التصريح: 2/ 178. 3 وكذلك في الخط؛ والغالب والأفضل جعلها تاء عند الكتابة والوقف.

[حكم المنادى المضاف إلى مضاف إلى الياء] : فصل: وإذا كان المنادى مضافًا إلى مضاف إلى الياء؛ فالياء ثابتة لا غير1؛ كقولك: "يا ابن أخي"، و"يا ابن خالي" إلا إن كان "ابن أمِّ" أو "ابن عمِّ"؛ فالأكثر الاجتزاء بالكسرة عن الياء؛ أو أن يفتحا للتركيب المزجي2؛ وقد قُرئ: {قَالَ ابْنَ أُمَّ} 3؛ بالوجهين، ولا يكادون يثبتون الياء والألف إلا في الضرورة؛ كقوله4: [الخفيف]

_ 1 أي: مع بنائها على السكون، أو الفتح، ما لم تحتّم الضرورة الشعرية الاقتصار على أحدهما. 2 فيصيران بمنزلة "خمسة عشر" مثلا؛ ويقال في إعراب: يابن أم ... إلخ. "يا": للنداء، و"ابن أم" منادى منصوب بفتحة مقدرة؛ منع من ظهورها حركة البناء التركيبي، وياء المتكلم المحذوفة: مضاف إليه؛ وهذا تخريج سيبويه والبصريين. وقيل: إن الأصل: يا بن أمَّا، ويا عما ... إلخ؛ بقلب الياء ألفا وحذفها؛ للتخفيف، وإبقاء الفتحة؛ دليلا عليها، ويكون الإعراب مقدرا، منع منه الفتحة التي جيء بها لمناسبة الألف المحذوفة؛ وهذا تخريج الكسائي والفراء وأبي عبيدة ويحكى عن الأخفش أيضا. ويجوز وجه ثالث؛ وهو: إهمال الياء المحذوفة واعتبار المنادى وما أضيف إليه بمنزلة الاسم الواحد المركب تركيبا مزجيا، ويعرب مبنيا على ضم مقدر، منع منه حركة البناء أيضا. التصريح: 2/ 179، والأشموني: 2/ 457. 3 "7" سورة الأعراف، الآية: 150. أوجه القراءات: قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف: "ابن أُمِّ"، وقرأ ابن السميفع "ابن أمي". البحر المحيط: 396، والقرطبي: 7/ 290، والكشاف: 2/ 95. موطن الشاهد: {ابن أمَِّ} . وجه الاستشهاد: قرئت بالوجهين؛ فأما قراءة الفتح: فالأصل: "أُمَّا" بقلب ياء المتكلم ألفا، ثم حذفت هذه الألف، وبقيت الفتحة دليلا عليها؛ وهذا قول الكسائي والفراء وأبي عبيدة؛ وحكي عن الأخفش؛ وقيل: أن يفتحا: "ابن، أم"؛ للتركيب المزجي، وهو رأي سيبويه والبصريين. 4 القائل: هو أبو زيد الطائي؛ واسمه حرملة بن المنذر، شاعر معمر عاش في الجاهلية والإسلام، وكان من زوار ملوك العجم، عالم بسيرها، وفد على عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقربه؛ له شعر جيد في وصف الأسد، وعينية مشهورة. مات سنة 62 هـ. الشعر والشعراء: 301، تجريد الأغاني: 1373، الجمجي: 593، الأعلام: 2/ 174، السمط: 118.

442- يا ابن أُمِّي ويا شُقَيِّقَ نفسي1 وقال2: [الرجز] 443- يا ابنة عمَّا لا تلُومِي واهجعي3

_ 1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: أنت خلفتني لدهر شديدِ والبيت من كلمة يرثي فيها أخاه؛ وأول هذه الكلمة قوله: إن طول الحياة غير سعودِ ... وضلال تأميل نيل الخلودِ والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 179، والأشموني: "888/ 2/ 457"، وسيبويه: 1/ 318، والجمل: 173، وأمالي ابن الشجري: 2/ 74، وشرح المفصل: 2/ 12، والعيني: 4/ 222، والهمع: 2/ 54، والدرر: 2/ 70، وجمهرة القرشي: 262، واللسان "شقق"، وديوان أبي زبيد "48". المفردات الغريبة: شقيق: تصغير شقيق. خلفتني: تركتني بعدك. لدهر شديد: لزمن تبعاته شديدة. المعنى: يا أخي في النسب ويا مَن نفسه كنفسي؛ لقد ذهبت وتركتني وحيدا أقاسي ويلات الزمن، وقد كنت ركنًا أستند إليه، وظهيرا اعتمد عليه. الإعراب: يا: حرف نداء مبني على السكون، لا محل له من الإعراب. ابن: منادى مضاف إليه مجرور، والياء: في محل جر بالإضافة. أنت: ضمير رفع منفصل في محل رفع مبتدأ. خلفتني: فعل ماضٍ مبني على السكون، والتاء: فاعل، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب مفعول به؛ وجملة "خلفتني": في محل رفع خبر المبتدأ. "لدهر": متعلق بقوله "خلف". شديد: صفة لـ "دهر" مجرورة. موطن الشاهد: "يابن أمي". وجه الاستشهاد: إثبات ياء المتكلم في "يابن أمي" للضرورة؛ والأصل إثبات الياء في المضاف إلى ياء المتكلم إذا نودي المضاف إلا في يابن أم ويابن عم؛ لكثرة الاستعمال فيهما. انظر شرح العيني بذيل حاشية الصبان: 3/ 157. 2 القائل: هو أبو النجم؛ الفضل بن قدامة العجلي، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت من الرجز، وعجزه قوله: لا يخرق اللوم حجاب مسمعي =

.........................................................................

_ = وهذا البيت من قصيدة مشهورة مطلعها: قد أصبحت أم الخيار تدعي ... على ذنبا كله لم أصنع وهو من شواهد: التصريح: 2/ 179، والأشموني: "889/ 2/ 457"، وسيبويه: 1/ 318، ونوادر أبي زيد: 19، والمقتضب: 4/ 252، والمحتسب: 2/ 238، والجمل: 172، وشرح المفصل: 12/ 12،13، والعيني: 4/ 224، والهمع: 2/ 54، والدرر: 2/ 70. المفردات الغريبة: لا تلومي: من اللوم؛ وهو كثرة العتاب. واهجعي: من الهجوع، وهو الرقاد بالليل؛ والمراد: ترك ما هي فيه من لوم وتعنيف. حجاب مسمعي: كناية عن الأذن. المعنى: دعي واتركي لومي وعتابي يا ابنة عمي، وخذي نفسك بالراحة ونامي؛ فإن لومك هذا لا يصل إلى سمعي، ولا استمع له. وكانت كثيرة اللوم له؛ لكبره وضعفه ولا سيما وقت النوم والراحة. الإعراب: يا: حرف نداء، لا محل له. ابنة: منادى مضاف منصوب، وهو مضاف عما: عم مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم المنقلبة ألفا منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، وعم مضاف، وياء المتكلم المنقلبة ألفا في محل جر بالإضافة. لا: ناهية لا محل لها من الإعراب. تلومي: فعل مضارع مجزوم بـ "لا"الناهية، وعلامة جزمه حذف النون، والياء: في محل رفع فاعل. واهجعي: الواو عاطفة، واهجعي: فعل أمر مبني على حذف النون؛ لاتصاله بياء المؤنثة المخاطبة، والياء: ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. موطن الشاهد: "يا ابنة عما". وجه الاستشهاد: إثبات الألف المنقلبة عن ياء المتكلم للضرورة.

باب في أسماء لازمت النداء

[باب في أسماء لازمت النداء1] : [فُلُ وفُلُة: معناهما وحكمهما] : منها "فُلُ" و"فلة" بمعنى رجل وامرأة2، وقال ابن مالك وجماعة: بمعنى زيد هند ونحوهما3؛ وهو وهم4، وإنما ذلك بمعنى فلان وفلانة5 وأما قوله6: [الرجز]

_ 1 أي: لا تستعمل إلا منادى، فلا تقع فاعله، ولا مفعوله، ولا مبتدأ، ولا خبرا، ولا اسما أو خبرا لناسخ، ولا مضافا إليها، ولا شيءا آخر غير المنادى. ومن الأسماء ما لا يصلح أن يكون منادى على الصحيح؛ كالاسم المضاف إلى ضمير المخاطب؛ نحو: يا أخاك، وكضمائر غير المخاطب، واسم الإشارة المتصل بكاف الخطاب نحو: يا ذاك، والاسم المبدوء "بأل" في غير المواضع المستثناة التي سبق ذكرها. 2 أي: فهما كنايتان عن نكرتين من جنس الإنسان مستقلتان عن فلان وفلانة؛ وأصل "فل": فلي؛ فحذفت الياء اعتباطا؛ وهذا مذهب سيبويه. 3 أي: من أعلام الأناسي؛ فهما كنايتان عن علم شخصي لمن يعقل. 4 أي: غلط. 5 أي: أن الذي بمعنى: زيد وهند ونحوهما- من كناية الأعلام- هو: فلان وفلانة؛ لا "فُلُ"، و"فُلُة". ويمكن دفع وهم ابن مالك بأن أصل "فُلُ" و"فُله"-عنده: فلان وفلانة؛ فحذفت الألف والنون تخفيفا؛ وهو مذهب الكوفيين. وخلاصة القول: فكل من "فُلُ"، و"فُلة" مبني على الضم دائما في محل نصب؛ سواء عُدَّا من المفرد العلم، أو النكرة المقصودة؛ واستعمالهما في غير النداء، أو منادى منصوبًا لا يكون إلا لضرورة الشعر. انظر حاشية الصبان: 3/ 161-162، التصريح: 2/ 179-180. 6 القائل: هو أبو النجم العجلي، قد مرت ترجمته.

444- في لجة أَمْسِكْ فُلانًا عن فُلُ1 فقال ابن مالك: هو فُلُ الخاص بالنداء استعمل مجرورا للضرورة؛ والصواب: أن أصل هذا "فلان" وأنه حذف منه الألف والنون للضرورة؛ كقوله2: [الكامل]

_ 1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت من الرجز، أو بيت من مشطوره، يصف إبلا قد أقبلت متزاحمة وأثارات غبارا وصدره قوله: تضل مني إبلي بالهوجل وهو من أرجوزة طويلة مشهورة مطلعها: الحمد لله العليِّ الأجلَلِ ... الواسع الفضل الوهوب المجزِلِ والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 180، والأشموني: "894/ 2/ 460"، وابن عقيل: "313/ 3/ 278"، وسيبويه: 1/ 233. 2/ 122، والمقتضب: 4/ 238، والجمل: 176، والسمط: 257 والمقرب: 38، والعيني: 4/ 228، والهمع: 1/ 177، والدرر: 154، والخزانة: 1/ 401، واللسان "لجج- فلن". المفردات الغريبة: الهوجل: المراد هنا: المفازة الواسعة التي لا أعلام بها، ويطلق على الرجل الأهوج. لجة: هي الجلبة واختلاط الأصوات في الحروب. المعنى: يصف الشاعر إبلًا أقبلت متزاحمة متدافعة تثير الغبار، فشبهها في هذه الحالة -وقد ارتفعت أصواتها في الفلاة- بقوم شيوخ في لجة يدفع بعضهم بعضا، فيقال فيهم: أمسك فلانا عن فلان؛ أي أحجز بينهما. وقيل: إن صدر البيت هو: تدافع الشيب ... ؛ لأن العجز يتلاءم معه من دون هذا التكلف. الإعراب: "في لجة": متعلق بقوله: "تضل" في بيت سابق. أمسك: فعل أمر، الفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنت فلانا: مفعول به منصوب لـ "أمسك". "عن فل": متعلق بـ "أمسك"؛ وجملة "أمسك فلانا عن فُلُ": في محل نصب مقول القول؛ لقول محذوف، يقع صفة لـ "لجة"؛ والتقدير: في لجة مقول في شأنها: أمسك فلانا عن فلان. موطن الشاهد: "عن فُلُ". وجه الاستشهاد: استعمال "فُلُ" في غير النداء، وجرها بحرف الجر ضرورة؛ على رأي ابن مالك، حيث قال: وجُرَّ في الشعر فل قيل: إن "فل" هنا أصله: "فلان"؛ فرخم. بحذف النون والألف. انظر حاشية الصبان: 3/ 161. 2 القائل: هو: لبيد بين ربيعة العامري، وقد مرت ترجمته.

445- درس المنا بمتالع فأبان1 أي: درس المنازل. [لؤمان، ونومان، وما كان على وزن فُعَل وفَعال] : ومنها: "لؤمان" بضم أوله وهمزة ساكنة ثانية؛ بمعنى كثير اللؤم2، و"نومان" بفتح أوله واو ساكنة ثانية؛ بمعنى كثير النوم، وفُعَل كغُدَر وفُسَق؛ سبا للمذكر.

_ 1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: فتقادمت بالحبس فالسوبان هو من شواهد: التصريح 2/ 180، والأشموني: "895/ 2/ 460"، والعيني: 4/ 246، والهمع: 2/ 156، والدرر: 2/ 208، والمحتسب: 1/ 80، والخصائص: 1/ 81، 2/ 437 وشرح شواهد الشافية للبغدادي: 397، وديوان لبيد: 138. المفردات الغريبة: درس: عفا وزال أثره. المنا: أي المنازل. متالع، وأبان، والحبس، والسوبان: أسماء أماكن معينة. المعنى: إن جميع المنازل التي كانت بهذه الأماكن- درست وزالت آثارها. الإعراب: درس: فعل ماضٍ مبني على الفتح. المنا: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على الحرف المحذوف ترخيما؛ أو علامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر؛ على لغة من لا ينتظر؛ وأصل المنا: المنازل. "بمتالع": متعلق بمحذوف حال من المنازل. فأبان: الفاء عاطفة، أبان: اسم معطوف على "متالع" مجرور مثله. فتقادمت: الفاء عاطفة، تقادمت: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء: حرف دالّ على تأنيث المسند إليه؛ والفاعل: هي؛ يعود إلى المنازل. "بالحبس": متعلق بمحذوف حال من فاعل تقادم. فالسوبان: الفاء عاطفة، السوبان: اسم معطوف على "الحبس" مجرور، وعلامة جره السكرة الظاهرة. موطن الشاهد: "المنا". وجه الاستشهاد: مجيء "المنا" مرخما في غير النداء؛ بحذف حرفين منه؛ وهما الزاي واللام، وهو حذف قبيح؛ للضرورة؛ وقيل: إن "المنا" بمعنى المحاذي، ولا ترخيم فيه، وكأن الشاعر قال: عفا المكان المحاذي لهذه الأماكن؛ وذهب العيني إلى الرأي الأول في شرحه لأبيات الألفية، وكذلك الأشموني في شرحه للألفية. انظر حاشية الصبان: 3/ 161-162. 2 ومثله في المعنى والحكم "ملأم" و"ملأمان" و"مخبثان".

واختار ابن عصفور كونه قياسيا، وابن مالك كونه سماعيا1؛ وفعال كفساق وخباث؛ سبًّا للمؤنث؛ وأما قوله2. [الوافر] . 446- إلى بيت قعيدته لَكَاع3

_ 1والمسموع منه: فسق، وغدر، وخبث، ولكع، معدولة عن فاسق وغادر وخبيث، وألكع. قيل: وقد يرد في غير النداء؛ كحديث: "لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس لكع ابن لكع". 2 المشهور أنه للحطيئة، ونسبه البعض إلى أبي الغريب النصري. 3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: أطوف ما أطوف ثم آوي وهو من شواهد التصريح: 2/ 180، والأشموني: "891/ 2/ 459"، والشذور: "37/ 133" والمقتضب: 4/ 238، والكامل: 147، والجمل: 176، والخزانة: 1/ 408، والعيني: 1/ 473،4/ 229، والهمع: 1/ 82،178، والدرر: 1/ 55،154، وأمالى ابن الشجري: 2/ 107، وديوان الحطيئة: 120. المفردات الغريبة: أطوف: من التطويف؛ أي أكثر الطواف والجولان في البلاد. آوي: أرجع وأعود. قعيدته: التي تلازم اقعود فيه، ويطلق على المرأة: "قعيدة البيت" لذلك. لكاع: لئيمة خبيثة. المعنى: أسير في الأرض وأكثر من الطواف والجولان والتنقل في نواحيها؛ لتحصيل القوت والبحث عن العيش، ثم أعود إلى منزلي فأجد فيه امرأة خبيثة لئيمة، لم تهيئ لي أسباب الراحة بعد هذا العناء، ويقصد بهذا زوجه. الإعراب: أطوف: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. ما مصدرية، لا محل لها من الإعراب: أطوف: فعل مضارع مرفوع، والفاعل مستتر وجوبا، تقديره: أنا. ثم: حرف عطف. آوي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنا. "إلى بيت": متعلق بـ "أوي". قعيدته: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، و"الهاء": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. لكاع: خبر مبني على الكسر، في محل رفع، وجملة "قعيدته لكاع": في محل جر صفة لـ "بيت". موطن الشاهد: "لكاع". وجه الاستشهاد: استعمال "لكاع" على وزن "فعال" في غير النداء؛ للضرورة؛ فهي خبر للمبتدأ، كما أعربنا؛ ويرى بعضهم: أن الخبر قول محذوف، والتقدير: قعيدته يقال لها: يا لكاع، وحينئذ؛ لا يكون خرج عن النداء. وذهب العيني إلى الرأي الأول. حاشية الصبان: 3/ 160.

[ما ينقاس فيه فعال] : فاستعمله خبرا ضرورة، وينقاس هذا وفعال بمعنى الأول كنزال من كل فعل ثلاثي، تام منصرف، فخرج نحو: دحرج، وكان، ونعم، وبئس، والمبرد لا يقيس فيهما.

باب الاستغاثة

[باب الاستغاثة 1] : هذا باب الاستغاثة: [الأشياء التي يتحقق بها أسلوب الاستغاثة] : إذ استغيث اسم منادى وجب كون الحرف "يا" وكونها مذكورة2، وغلب جره بلام واجبة الفتح3؛ كقول عمر4 رضي الله تعالى عنه: "يا لَلَّهِ"5 وقول الشاعر6. [الخفيف]

_ 1 الاستغاثة: مصدر قولك: "استغاث فلان بفلان"؛ إذا دعاه؛ ليدفع عنه مكروهًا، أو يعينه على مشقة، فمعنى الاستغاثة، نداء من يخلص من شدة أو يدفع مكروها أو يعين على احتمال مشقة؛ وفي القرآن الكريم: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ} ويجوز أن يكون كل من المستغاث له والمستغاث ضميرا، تقول: "يا لك لي"، تدعو المخاطب لنفسك، وأسلوب الاستغاثة: أحد أساليب النداء، ولا يتحقق إلا بثلاث أشياء: حرف النداء "يا" لا غير، وبعده غالبا المستغاث فيه؛ وهو الذي يطلب منه العون والمساعدة؛ وقد يسمى المستغاث، ثم المستغاث له؛ وهو الذي يطلب العون بسببه؛ ولكل من هذه الثلاث شروط، أو أحكام تتضح فيما يأتي. 2 هذان شرطان في حرف النداء. 3 هذا حكم من أحكام المستغاث، ووجود اللام ليس واجبًا؛ وإنما الواجب فتحها حين تذكر؛ لأنه واقع موقع كاف الخطاب ولام الجر تفتح معها؛ وليحصل الفرق بينها وبين لام المستغاث من أجله. 4 هو: عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى، أمير المؤمنين؛ أبو حفصة، أسلم في السنة السادسة للنبوة، وله سبع وعشرون سنة، ولد بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة، كان من أشراف قريش وسفيرهم في الجاهلية، ولي الخلافة بعد أبي بكر سنة ثلاث عشرة، قتله غلام مجوسي يدعى: أبا لؤلؤة؛ وله ثلاث وستون سنة، وذلك سنة 23هـ. تاريخ الخلفاء للسيوطي: 108-147- الأعلام: 5/ 45. 5 قال رضي الله- تعالى- عنه لما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي: "يا لَلَّهِ للمسلمين". 6 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

447- يا لَقومي ويا لَأمثال قومي1 [لام المستغاث له مكسورة دائما] : إلا أن كان معطوفا، ولم تعد معه "يا" فتكسر2، ولام المستغاث له مكسورة

_ 1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: لأناس عتوهم في ازدياد وهو من شواهد: التصريح: 2/ 181، والأشموني: "897/ 2/ 462". وال عيني: 4/ 256. المفردات الغريبة: عتوهم، العتو: الاستكبار، والطغيان. في ازدياد: أي يزيد- يوما بعد يوم. المعنى: استغيث بقومي وبأمثالهم في النجدة والشجاعة ليمنعوني من قوم يزدادون عُلُوًّا واستكبارًا عليَّ، ويظلمونني بغير سبب. الإعراب: يا: حرف نداء واستغاثة، لا محل له من الإعراب. لقومي: اللام المفتوحة، لام المستغاث به، وهي حرف جر، وقوم: اسم مجرور بها، وهو مضاف، وياء المتكلم: في محل جر بالإضافة. و"لقومي": متعلق بحرف النداء؛ لنيابته عن فعل أدعو، وقيل اللام: زائدة لا تتعلق بشيء؛ والمستغاث: منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة منع منها حرف الجر الزائد؛ وقيل غير ذلك. ويا: الواو عاطفة، يا: حرف نداء واستغاثة. لأمثال: اللام حرف جر، أمثال: اسم مجرور، وهو مضاف. قومي: مضاف إليه، وهو مضاف، والياء: في جر بالإضافة. لأناس: اللام حرف جر- وهي اللام الداخلة على المستغاث من أجله، وأناس: مجرور باللام؛ و"لأناس": متعلق بمحذوف؛ والتقدير: أدعوكم لأناس، عتوهم: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف؛ و"هم": مضاف إليه. "في ازدياد": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ؛ وجملة "المبتدأ وخبره": في محل جر صفة لـ "أناس". موطن الشاهد: "يا لقومي، ويا لأمثال". وجه الاستشهاد: جر المستغاث به في "لقومي" و"لأمثال" بلام واجبة الفتح؛ أما الأول: فسببه ظاهر، وأما الثاني: فسببه أنه تكرر مع إعادة "يا"؛ ومثل الشاهد السابق قول أبي حية النميري: يا لَمعد ويا لَلناس كلهم ... ويا لَغائبهم يوما ومن شهدا 2 هذا استثناء من وجوب بناء لام المستغاث على الفتح، وهو وجوب الكسر، إذا كان المستغاث غير مسبوق بـ "يا"، ولكنه معطوف على آخر مسبوق به، وكذلك يجب الكسر إذا كان المستغاث ياء المتكلم؛ نحو: يا لِي لِلغرباء على رأي ابن جني، ومن جواز كونه قد استغاث بنفسه؛ ويرى غيره: أن "يا لي" لا يكون إلا مستغاثا لأجله، والمستغاث به محذوف.

دائما، كقوله: "يا لَلَّهِ لِلمسلمين"1، وقول الشاعر2: [البسيط] 448- يا لَلكهول ولِلشبان لِلعجبِ3

_ 1 إنما يجب كسر لام المستغاث له؛ إذا لم يكن ضميرا غير ياء المتكلم، وإلا فتحت لامه نحو: يا لَلمخلص لَنا، ويا لَمحمد لَك. بخلاف يا لَلزائر لِي؛ لأن الضمير ياء المتكلم، وهذا حكم من أحكام المستغاث له. ويجب كذلك تأخيره عن المستغاث، كما أنه يجوز حذفه إذا علم، وأمن اللبس،؛ نحو: يا لَقومي من للندى والسماح؟ التصريح: 21/ 181، والأشموني: 2/ 462-463. 3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدر قوله: يبكيك ناء بعيد الدار مغترب وهو من شواهد: التصريح: 2/ 181، والأشموني: "898/ 2/ 462"، والعيني: 4/ 257، والمقتضب، 4/ 256، والجمل: 180، والمقرب: 38،والخزانة: 1/ 296، والهمع: 1/ 180 والدرر: 1/ 155. المفردات الغريبة: ناء: بعيد، وهو اسم فاعل من نأى ينأى بمعنى بعد. مغترب: غريب. الكهول: جمع كهل، وهو من جاوز الثلاثين، وقيل الأربعين. والشبان: جمع شاب، وهو من كانت سنه دون سن الكهل. المعنى: يبكيك ويحزن لفقدك وموتك الأباعد الغرباء، لما كانت تسدي إليهم من معروف وعون، وقد يسر الأقارب لما يرثونه منك بعد فقدك، فهيَّا معشر الكهول والشباب؛ لمشاركتنا في العجب من ذلك. الإعراب: يا: حرف نداء واستغاثة. للكهول: اللام حرف جر -لام المستغاث به المفتوحة- والكهول: اسم مجرور، و"للكهول": متعلق بـ "يا" أو بـ "أدعو". وللشبان: الواو عاطفة، "للشبان": معطوف على "الكهول"؛ كسرت اللام هنا؛ لعدم تكرر "يا" مع العاطف. "للعجب": متعلق بـ "يا"، أو بالفعل "أدعو" أو بمحذوف حال. واللام المكسورة، لام المستغاث من أجله. موطن الشاهد: "للشبان، للعجب". وجه الاستشهاد: كسر لام المستغاث به في "للشبان"؛ لكونه معطوفا من دون أن تتكرر مع "يا"؛ وفي البيت شاهد آخر على كسر لام المستغاث من أجله في "للعجب".

ويجوز أن لا يبدأ المستغاث باللام؛ فالأكثر حينئذٍ أن يختم بالألف1؛ كقوله2: [الخفيف] 449- يا يزيدًا لآملٍ نَيلَ عِزٍ3

_ 1 وتكون هذه الألف عوضًا عن اللام، ومن ثم لا يجتمعان، ويبقى المنادى دالا على الاستغاثة بالقرينة؛ ولكنه لا يكون في هذه الصورة ملحقا بالمنادى المضاف؛ بل يكون مبنيا على الضم المقدر في محل نصب، منع من ظهوره الفتحة الطارئة؛ لمناسبة الألف. ويجوز في تابعه الرفع مراعاة للفظه، والنصب مراعاة لمحله، ولا يجوز مراعاة الفتحة الطارئة لمناسبة الألف. وإذا وقف على المستغاث المختوم بالألف؛ فالأحسن مجيء "هاء" السكت الساكنة، تقول: يا شاعراه، وتحذف عند الوصل. 2 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: وغنىً بعد فاقة وهوان وهو من شواهد: الأشموني: "901/ 2/ 463" والتصريح: 2/ 181، والعيني: 4/ 262، والمغني: "696/ 486"، والسيوطي: 267 المفردات الغريبة: آمل: اسم فاعل من الأمل؛ وهو الرجاء والتوقع. نيل: حصول. فاقة: فقر وحاجة. هوان: مذلة واحتقار. المعنى: أستغيث بك يا يزيد، وأدعوك لمن يرجو الثراء والقوة بعد الفقر والمذلة. الإعراب: يا: حرف نداء واستغاثة. يزيدا: مستغاث به مبني على الضم المقدر على آخره، منع من ظهوره اشتغال المحل بالفتحة المأتي بها لمناسبة ألف الاستغاثة، في محل نصب، والألف: عوض عن لام الاستغاثة المفتوحة التي تلحق المستغاث به كما رأينا في الشاهدين السابقين. "لآمل": اللام المكسورة لام المستغاث من أجله، وهي حرف جر، وآمل: اسم مجرور، و"لآمل": متعلق بـ "يا" أو بالفعل المحذوف، أو بالحال المحذوف كما رأينا سابقا؛ وفي آمل: ضمير مستتر؛ تقديره: هو في محل رفع فاعل لاسم الفاعل "آمل". نيل: مفعول به لاسم ال فاعل منصوب، وهو مضاف. عز: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف المحذوفة؛ لتخلص من التقاء الساكنين. "بعد": متعلق بـ "نيل" أو "بآمل"، وهو مضاف. فاقة: مضاف إليه مجرور. وهوان: الواو عاطفة، هوان: معطوف على مجرور فهو مجرور مثله. موطن الشاهد: "يا يزيدا". وجه الاستشهاد: مجيء"يزيدا" مستغاثا به مختتما بالألف، لكونه لم يؤت معه باللام المفتوحة التي تدخل على المستغاث به.

وقد يخلو منها؛ كقوله1: [الوافر] 450- ألا يا قوم لِلْعَجَبِ العجيبِ2 [جواز نداء المتعجب منه] : ويجوز نداء المتعجب منه؛ فيعامل معاملة المستغاث؛ كقولهم: "يا لَلماء"

_ 1 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: وللغفلات تعرض للأريب وهو من شواهد: التصريح: 2/ 181، والأشموني: "902/ 2/ 463"، والعيني: 4/ 263. المفردات الغريبة: الغفلات: جمع غفلة؛ مصدر غفل عن الشيء، لم يلتفت إليه، ولم يُلْقِ إليه باله. تعرض له: تنزل به. الأريب: العالم بالأمور، البصير بالعواقب؟. الإعراب: ألا: حرف استفتاح وتنبيه، لا محل له من الإعراب. يا: حرف نداء واستغاثة. قوم: منادى مستغاث به، منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة؛ اجتزاءً بكسرة الميم قبله؛ ويجوز أن يكون مبنيا على الضم؛ إذا قدرنا قطعه عن الإضافة؛ والوجهان جائزان؛ وقوم: مضاف، و"ياء المتكلم" المدلول عليها بالكسرة مضاف إليه. "للعجب": اللام المكسورة لام المستغاث لاجله، و"للعجب": متعلق بـ "يا" أو بالفعل المحذوف الذي نابت عنه "يا"؛ وبحال محذوف. العجيب: صفة لـ "العجب" مجرورون وعلامة جره الكسرة الظاهرة. وللغفلات: الواو عاطفة، و"للغفلات": معطوف على "للعجب". تعرض: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة، والفاعل: هي، جملة "تعرض": في محل نصب على الحال من "الغفلات". "للأريب": متعلق بقوله: تعرض. موطن الشاهد: "يا قوم". وجه الاستشهاد: مجيء المستغاث به "قوم" خاليا من اللام المفتوحة في أوله، ومن الألف في آخره؛ وحكم مجيئه على هذه الحالة نادر، وخلاف المألوف.

و"يا للدواهي"، إذا تعجبوا من كثرتهما1.

_ 1 قد يراد بأسلوب النداء: التعجب من شيء عظيم يتميز بذاته بكثرته، أو شدته أو غرابته، فينادي جنس ما رآه؛ نحو: يا للماء، أو من له صلة أو معرفة به، نحو: يا للعلماء. ويأتي على صورة الاستغاثة مشتملا على حرف النداء "يا"، وعلي منادى مجرور باللام المفتوحة، ولكن ليس هناك مستغاث، وذلك كأن ترى البدر فيبهرك جماله، تقول: يا للبدر؛ أو ترى الماء الكثير فتعجب من كثرته؛ فتقول: يا للماء. مثل هذا الأسلوب يقال فيه: إنه اسلوب نداء واستغاثة أريد به التعجب، فإنك تنادي البدر والماء، وتقول: أحضر ليتعجب منك، وعلي هذا ينبغي أن يعامل معاملة المستغاث؛ فيجر باللام الفمتوحة، وإذا حذفت جيء بالألف في آخره عوضا عنها، وتلحقه هاء السكت عند الوقف. وقد يأتي على صورة أخرى فلا يبدأ باللام، ولا يختم بالألف، تقول: يا عجب. ومن أمثلة ما يختم بالألف المعوض بها عن اللام قول امرئ القيس: ويوم عقرت للعذاري مطيتي ... فيا عجبًا من كورها المتحمل وقول الراجز: يا عجبًا من هذه الفليقة ... هل تذهبن القوباء الريقة هذا، وقد يجر المستغاث له "بمن" بدلا من اللام؛ إذا كان مستنصرا عليه؛ كقوله: يا للرجال ذوي الألباب من نفر فإن كان مستنصرا له تعين جره باللام؛ نحو: يا الله للمجاهدين. ويجوز الجمع بين "يا" و"ال" التي في صدر المستغاث، إذا كان مجرورا باللام كما مثلنا. همع الهوامع: 1/ 180.

باب الندبة

[باب الندبة] : هذا باب الندبة [حكم المندوب وشروطه] : حكم المندوب؛ وهو المتفجع عليه أو المتوجع منه1، حكم المنادى؛ فيضم في نحو: "وا زيدَا" وينصب في نحو: "وا أميرَ المؤمنين" إلا أنه لا يكون نكرة؛ كـ "رجل"2، ولا مبهما، كـ "أي"، واسم الإشارة والموصول3؛ إلا ما صلته

_ 1 الندبة لغة: مصدر ندب الميت إذ ناح عليه، وذكر خلاله الكريمة ومآثره الحميدة، واصطلاحا: نداء موجه للمتفجع عليه، أو المتوجع منه بلفظ: "وا" أو "يا" عند أمن اللبس. والتفجع: إظهار الحزن وقلة الصبر عند نزول المصيبة، وأكثر ما يكون عند النساء لضعفهن عن الاحتمال. والمتفجع عليه: من نزلت به الفجيعة، أو أصابته نازلة حقيقية؛ كالموت، وقد مثل له المصنف ببيت جرير في عمر بن عبد العزيز. أو أن المتفجع عليه نزل منزلة ذلك؛ كقول عمر رضي الله عنه؛ وقد أخبر يجدب أصاب بعض العرب: واعمراه. واعمراه. والمتوجع منه: الموضع والمكان الذي فيه الألم؛ كقولك: وارأساه؛ ومنه قول المجنون: فواكبدا من حب من لا يحبني ... ومن عبرات ما لهن فناءُ أو السبب الذي أدى إلى الألم؛ كقولك: "وامصيبتاه"؛ ومنه قول ابن الرقيات: تبكيهم الدهماء مُعوِلة ... وتقول سلمى: وارزِيَّتِيَه وقد يمسى هذا متوجعا له. والمنادى في ذلك كله يسمى: مندوبا. التصريح: 2/ 181، الهمع: 1/ 179. 2 هذا في المتفجع عليه؛ أما المتوجع منه فيجوز أن يكون نكرة؛ نحو: وامصيبتاه، في مصيبة غير معينة. وإنما لم تندب النكرة ولا المبهم؛ لأن القصد من الندبة الإعلام بعظمة المندوب وإظهار اهميته أو شدته؛ وذلك يستدعي أن يكون معروفا معينا. وزعم الرياسي: أنه يجوز أن تندب النكرة مستدلا على ذلك؛ بأنه قد ورد في الحديث: "واجبلاه"، وأنكر غيره ذلك، وقالوا: إن صح الحديث؛ فهو نادر. همع الهوامع: 1/ 179، التصريح: 2/ 182. 3 أجمع النحاة على أنه لا تجوز ندبة الموصول المقترن بـ "أل" كالذي والتي مطلقا. واختلفوا في جواز ندبة غير المقترن بأل؛ فذهب البصريون إلى أنه لا يجوز مطلقا أيضا، وذهب غيرههم: إلى جواز ندبة ما اشتهرت صلته؛ كما حكاه المؤلف. التصريح: 2/ 182.

مشهور فيندب؛ نحو: "وا من حفرة بئر زمزماه"؛ فإنه بمنزلة "واعبد المطلباه" إلا أن الغالب أن يختم بالألف1؛ كقوله: 340 وقمتَ فيه بأمر الله يا عمرا2 [بما يحذف لألف الندبة] : ويحذف لهذه الألف ما قبلها؛ نحو: "واموساه"3 أو تنوين4 في صلة نحو: "وا من حفر بئر زمزماه"، وفي مضاف إليه؛ نحو: "واغلام زيداه"، أو في محكي، نحو: "واقام زيداه"؛ فيمن اسمه قام زيد، ومن ضمه؛ نحو: "وازيداه"،

_ 1 أي: الزائدة، وذلك لمد الصوت، حتى يكون أقوى بنبرته على إعلان ما في النفس من حزن وأسى. 2 هذا عجز بيت، من كلام جرير في عمر بن عبد العزيز، وصدره قوله: حملت أمرا عظيما فاصطبرت له وقد تقدم تخريج هذا الشاهد في باب النداء. موطن الشاهد: "يا عمراه". وجه الاستشهاد: مجيء"عمرا" مختتما بألف الندبة، وثبوت هذه الألف دليل على أنه مندوب؛ لأنه لو كان منادى؛ لبني على الضم؛ لأنه مفرد علم؛ وهو هنا مبني على الضم المقدر، منع من ظهوره الفتحة المناسبة للألف، واستعملت "يا" للندبة في هذا البيت؛ لأمن اللبس، بوجود الألف؛ التي دلت على أنه مندوب، لا منادى. 3 أي: في "موسى".وعند إعرابه يقال: "موسى": منادى مبني على ضم مقدر للتعذر على الألف المحذوفة؛ لالتقاء الساكنين، والألف الموجودة زائدة للندبة، والهاء للسكت. 4 ما ذكره المؤلف من وجوب حذف التنوين لوصل الاسم المندوب بألف الندبة؛ وهو مذهب البصريين؛ وذهب الكوفيون إلى أنه يجوز في ندبة المنون وجهان؛ أولهما: حذف التنوين؛ كمذهب البصريين، والثاني: بقاء التنوين مع تحريكه؛ إما بالفتح لمناسبة التخلص من التقاء الساكنين؛ فيلزم قلب الألف ياء؛ لوقوعها بعد كسرة؛ فيقال "واغلام زيديه". وذهب الفراء إلى أنه يجوز حذف التنوين مع بقاء الكسرة التي تقتضيها الإضافة، فيلزم قلب الألف ياء؛ لما قلنا؛ فيقال "واغلام زيديه". التصريح: 2/ 183، الهمع: 1/ 179.

أو كسرة؛ نحو: "واعبد الملكاه"، و"واحذماه" فإن أوقع حذف الكسرة أو الضمة في لبس أبقيا؛ وجعلت الألف ياء بعد الكسرة؛ نحو: "واغلامكي" واوا بعد الضمة؛ نحو: "وا غلامهو" أو "واغلامكمو"، ولك في الوقف: زيادة هاء السكت بعد أحرف المد1. [ندبة المضاف إلى ياء المتكلم] : فصل: وإذا ندب المضاف للياء؛ فعلى لغة من قال: "يا عبد" بالكسر، أو "يا عبد": بالضم، أو "يا عبدا" بالألف، أو "يا عبدي" بالإسكان، يقال: "واعبدا"2 وعلى لغة من قال: "يا عبدي" بالفتح؛ أو "يا عبدي" بالإسكان؛ يقال: "واعبديا"3 بإبقاء الفتح على الأول، وباجتلابه على الثاني. وقد تبين أن لمن سكن الياء أن يحذفها أو يفتحها؛ والفتح رأي سيبويه، والحذف رأي المبرد.

_ 1 فتقول: واعمراه- وامصيبتاه ... ، وتحذف في الوصل؛ إلا في الضرورة الشعرية؛ فتبقى وتحرك بالكسر أو الضم، كقول المتنبي: واحر قلباه ممن قلبه شبم ... ومن بجسمي وحالي عنده سقم وقول المجنون: فناديت يا رباه أول سؤلتي ... لنفسي ليلى ثم أنت حسيها هذا، وإذا كان المندوب مثنى أو جمع مذكر سالما؛ فلا تحذف نونهما عند ألف الندبة؛ فيقال: وازيدانا- ويبنيان على الألف والواو كالمجرد. وإذا كان للمندوب تابع؛ فإن كان نعتا لفظه كلمة "ابن" المضافة لعلم، فإن الألف تدخل على المضاف إليه؛ تقول: وا إسماعيل بن إبراهيماه، وإن كان لفظا آخر، فالأحسن دخولها على المنعوت؛ أما البدل، وعطف البيان؛ والتوكيد المعنوي؛ فالأحسن الاكتفاء بدخولها على المتبوع. وفي عطف النسق تدخل على المعطوف عليه. وتدخل في التوكيد اللفظي عليهما. 2 أي: بحذف الياء؛ لالتقاء الساكنين، وهذا ونحو منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة، منع من ظهورهاه فتحة ألف الندبة وليس مبنيا لأنه مضاف. 3 أي: بزيادة ألف الندبة وفتح ما قبلها، ويكون منصوبا بفتحة مقدرة على الدال منع من ظهورها الكسرة العارضة لمناسبة الياء في محل نصب، والياء مضاف إليه مبني على سكون مقدر منع من ظهوره الفتحة التي جاءت لمناسبة الألف.

وإذا قيل: "ياغلام غلامي" لم يجز في الندبة حذف الياء؛ لأن المضاف إليها غير منادى1.

_ 1 فلا تسرى عليه أحكام المنادى المضاف للياء، ولما لم تحذف في النداء، لم تحذف في الندبة، ومع إثبات الياء يجوز زيادة ألف الندبة بعدها وعدم زيادتها.

باب الترخيم

[باب الترخيم] : هذا باب الترخيم1 [أقسام الترخيم وشروطه] : يجوز ترخيم المنادى، أي: حذف آخره تخفيفا، وذلك بشرط2 كونه معرفة3، غير مستغاث4، ولا مندوب، ولا ذي إضافة، ولا ذي

_ 1 الترخيم في اللغة: ترقيق الصوت وتليينه، يقال: صوت رخيم؛ أي رقيق لين، وكلام رخيم: لين سهل، ومنه قول الشاعر: لها بشر مثل الحرير ومنطق ... رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر وفي الاصطلاح: حذف آخر الكلمة في النداء بطريقة مخصوصة؛ للتخفيف غالبا، أو لداعٍ آخر كالتمليح والاستهزاء. وهو ثلاثة أنواع: ترخيم اللفظ للنداء، وترخيمه للضرورة الشرعية؛ وهما موضوع هذا الباب وترخيمه للتصغير، وقد تحدث عنه المؤلف في باب التصغير. التصريح: 2/ 184. ابن عقيل: 3/ 287، اللمع: 1/ 285. 2 هذه شروط عامة، لا بد منها لترخيم المنادى، سواء كان مختوما بتاء التأنيث، ومجردا منها. 3 أما بالعلمية، كالمفرد العلم، أو بالقصد والإقبال؛ كالنكرة المقصودة؛ ومنه قول الشاعر: يا ناقُ سيرى عنقا فسيحا ... إلى سليمان فنستريحا وإنما اختصت المعرفة بالترخيم؛ لأنها هي التي يكثر نداؤها، فلا يصح ترخيم النكرة غير المقصودة. 4 قد ورد في الشعر ترخيم المستغاث المقرون بلام الاستغاثة، وغير المقرون بها؛ فأما الأول ففي نحو قول الشاعر: كلما نادى مناد منهمُ: ... يا لتيم الله قُلنا: يا لَمَالِ فإنه أراد "يا لمالك" فرخمه بحذف آخره؛ وهو حرف الكاف، وهو مستغاث مقرون باللام، وأما ترخيم المستغاث غير المقرون باللام؛ فنحو قول أبي شريح الأحوص الكلابي =

إسناد1 فلا يرخم؛ نحو قول الأعمى: "يا إنسانا خذ بيدي"، وقولك: "يا لجعفر" و"واجعفراه" و"يا أمير المؤمنين"، و"يا تأبط شرا". [جواز ترخيم ذي الإضافة] : وعن الكوفيين: إجازة ترخيم ذي الإضافة؛ بحذف عجز المضاف إليه، تمسكا بنحو قوله2: [الطويل] 451- أبا عُروَ لا تبعد فكل ابن حرة3

_ تمناني ليقتلني لقيط ... أعام لك ابن صعصعة بن سعد وقد حمل العلماء ذلك على أنه ضرورة؛ وممن نص على أنه ضرورة ابن الصائغ، وذهب ابن عصفور: إلى أنه يجوز ترخيم المستغاث إذا لم يكن مقرونا بلام الاستغاثة؛ كالبيت الثاني، وفي البيت الثاني هذا شذوذ من جهتين عند الجمهور؛ إحداهما: استعمال الهمزة في نداء المستغاث؛ وثانيهما: ترخيمه. التصريح: 2/ 184. الهمع: 1/ 181، اللمع: 1/ 285. 1 أي: لا يكون مركبا تركيب إسناد. ويزاد على هذه الشروط: ألا يكون من الألفاظ المختصة بالنداء؛ كـ "فُلُ" و"فُله"، ولا مبنيا قبل النداء؛ كحذام، وخمسة عشر. 2 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: سيدعوه داعي ميتة فيجيب وهو من شواهد: التصريح: 2/ 184، والعيني: 4/ 287، والخزانة: 1/ 377، وأمالي ابن الشجري: 1/ 129، والإنصاف: 348، وشرح المفصل: 2/ 20. المفردات الغريبة: لا تبعد: لا تهلك، من البعد بمعنى: الذهاب بالموت والهلاك. ابن حرة: يكني بذلك عن الرجل الكريم. ويقال: ابن الأمة ما ألأمة!. ميتة: اسم هيئة من الموت. المعنى: لا تهلك نفسا أسى وحزنا على من مضى، فكل عظيم سيصيبه الموت بسببما من أسبابه الكثيرة؛ ولا يستطيع أن ينجو منه؛ فتلك سنة الله في الخلق. الإعراب: أبا: منادى مضاف بحرف نداء محذوف منصوب، وعلامة نصبه الألف؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف. عرو: مضاف إليه مجرور، وحذفت تاؤه ترخيما. لا: حرف دعاء، لا محل له. تبعد: فعل مضارع مجزوم بـ "لا" الدعائية، وعلامة جزمه السكون، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنت. فكل: الفاء تعليلية، كل: مبتدأ =

[زعم ابن مالك ترخيم ذي الإسناد] : وزعم ابن مالك: أنه قد يرخم ذو الإسناد1، وأن عمرا نقل ذلك؛ وعمرو هذا هو إمام النحويين رحمه الله، وسيبويه لقبه؛ وكنيته أبو بشر2. [جواز ترخيم المختوم بتاء التأنيث مطلقا] : ثم إن كان المنادى مختوما بتاء التأنيث؛ جاز ترخيمه مطلقا3؛ فتقول في هبة

_ = مرفوع، وهو مضاف. ابن: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف. حرة: مضاف إليه مجرور. سيدعوه: السين حرف استقبال، يدعو: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الواو للثقل، والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به. داعي: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل، وهو مضاف. ميتة: مضاف إليه مجرور؛ وجملة "يدعوه" في محل رفع خبر المبتدأ "كل". فيجيب: الفاء عاطفة، يجيب: فعل مضارع مرفوع، معطوف على "سيدعو"، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو. موطن الشاهد: "أبا عرو". وجه الاستشهاد: ترخيم عجز المنادى المركب المضاف؛ بحذف تائه؛ لأن الأصل: يا أبا عروة؛ وحكم هذا الترخيم الجواز عند الكوفيين؛ وأما البصريون فيمنعون ترخيم المنادى المركب المضاف محتجين بأن المضاف إليه9 بمنزلة التنوين مما قبله؛ فهو ليس بآخر المنادى حقيقة. ضياء السالك: 3/ 267. 1 فتقول في "تأبط شرا": يا تأبط، ونسب ابن مالك ذلك إلى سيبويه؛ حيث قال في ألفيته: والعَجُزُ احْذِفْ من مُرَكَّبٍ وقُلْ ... ترخيم جملة وذا عمرو نَقَلْ والمعنى: يجوز ترخيم المركب المزجي؛ نحو: بعلبك، سيبويه ... إلخ؛ ويكون ترخيمه بحذف عجزه؛ أما مركب الجملة -وهو المركب الإسنادي- فترخيمه قليل، وقد نقل سيبويه ذلك عن العرب؛ ولاشتهار المنع عند سيبويه في هذه المسألة نبه ابن مالك على أنه -أي: سيبويه- هو الذي نقل الجواز عن العرب. ويفهم من تنبيه ابن مالك أن "سيبويه" له رأيان مختلفان في ترخيم مثل "تأبط شرا"؛ أي التركيب الإسنادي. انظر تفصيل هذه المسألة في التصريح: 2/ 184-185، وحاشية الصبان: 3/ 179. 2 مرت ترجمته في الجزء الأول. 3 أي: سواء كان علما مثل: فاطمة، أو نكرة مقصودة مثل: جارية، وهبة، ويستوي في ذلك الثلاثي غير التاء، وما كان أقل من ثلاثة أحرف أو أكثر، ومثال ترخيم ذي التاء قول امرئ القيس: أفاطم مهلا بعض هذا التدلل ... وإن كننت قد أزمعت صرمي فأجملي ومثال ترخيم ذي التاء، وهو علم مذكر، قول عنترة: يد عون عنتر والرماح كأنها ... أشطان بئر في لبان الأدهم

علما: "يا هبَ"، وفي حارية لمعيَّنَةٍ: "يا جاريَ"؛ قال1: [الرجز] 452- جَارِيَ لا تستنكري عذيري2

_ 1 القائل: هو العجاج بن رؤبة، الراجز المشهور، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا بيت من مشطور الرجز، أو صدر بيت من الرجز؛ يخاطب فيه امرأته، عندما أنكرت عليه تأهبه للسفر؛ وعجزه قوله: سيرى وإشفاقي على بعيري وهو من شواهد: التصريح: 2/ 185، والأشموني: 909/ 2/ 468"، وسيبويه: 1/ 325،330، والمقتضب: 4/ 260، وأمالي ابن الشجري: 2/ 88، وشرح المفصل: 2/ 16، 330، والمقرب: 37، والخزانة: 1/ 283، والعيني: 4/ 277، واللسان "شقر، عذر، جرس" والصحاح "ع ذ ر" وديوان العجاج: 26. المفردات الغريبة: لا تستنكري: لا تعديه أمرا منكرا. عذيري، العذير: ما يعذر الإنسان في عمله فعلا كان أو تركا. والمراد هنا: الحال التي يزاولها، وعذير الرجل: من يعذره. المعنى: لا تنكري على يا جارية تأهبي لسفر والذهاب في الأرض للبحث عن العيش، وعطفي وإشفاقي على بعيري؛ فالسعي واجب على كل إنسان، والعطف على الحيوان من الإيمان. قيل: أنه كان يعمل حلسا لبعيره استعدادا لسفر فهزئت منه. الإعراب: جاري: منادى مرخم- بحرف نداء محذوف- والأصل: يا جارية؛ فرخم المنادى، وحذف حرف النداء؛ وهو نكرة مقصودة مبني على الضمة المقدرة على الياء؛ أو على التاء المحذوفة في محل نصب على النداء. لا: ناهية. تستنكري: فعل مضارع مجزوم بـ "لا" وعلامة جزمة حذف النون؛ والياء المؤنثة المخاطبة في محل رفع فاعل. عذيري: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، وهو مضاف، وياء المتكلم: مضاف إليه. موطن الشاهد: "جاري". وجه الاستشهاد: مجيء "جاري" منادى نكرة مقصودة مرخما بحذف التاء من آخره؛ كما حذف حرف النداء، ومعلوم أن "جارية" اسم جنس -بحسب أصله- ونداء اسم الجنس مع حذف حرف النداء مختلف في جوازه، فضلا عن ترخيمه؛ فمن النحاة من قال: ليس هو من الضرورات التي لا تجوز إلا للشعراء؛ وليس هو من الكثرة بحيث يجوز في كل حال؛ والراجح أنه قليل. وأما ترخيمه؛ فقد منعه أبو العباس المبرد؛ ولكن رأيه محجوج بورود السماع بترخيمه في الشعر والنثر. انظر حاشية الصبان: 3/ 172-173.

[شروط ترخيم المجرد من التاء] : وإذا كان مجردا من التاء، اشترط لجواز ترخيمه: كونه علما1، زائدا على ثلاثة2، كـ "جعفر"، و"سعاد"، ولا يجوز ذلك في نحو: إنسان لمعين، ولا في نحو: زيد، ولا في نحو: حكم، وقيل: يجوز في محرك الوسط دون ساكنة، وقيل: يجوز فيهما3.

_ 1 فلا يصح أن يكون نكرة مقصودة؛ لأن تعريفها بالقصد والإقبال. 2 فلا يصح ترخيم الثلاثي مطلقا، سواء كان ساكن الوسط أو متحركه، وقد أجازه بعض الكوفيين. فائدة: ذكر سيبويه أن ترخيم الأعلام الرباعية غير المختومة بالتاء جائز. وقد كثر في: "حارث ومالك وعامر"؛ وهي أسماء للرجال استعملت في الشعر كثيرا؛ كقول مهلهل بن ربيعة: يا حارِ لا تجهل على أشياخنا ... إنا ذوو السورات والأحلام وكقول امرئ القيس: أحارِ ترى برقا أريك وميضه ... كلمع اليدين في حبي مكلل وكقول النابغة في ترخيم عامر: فصالحونا جميعا أن بدا لكم ... ولا تقولوا لنا أمثالها عامِ فـ "عام" مرخم "عامر". وكقول الأنصاري في رجل؛ اسمه مالك: يا مالِ والحق عنده فقفوا ومثل هذا شائع كثير في الشعر. انظر في ذلك الأشموني: 2/ 469-470، وهمع الهوامع: 1/ 182. 3 القائل بجواز ترخيم الثلاثي المحرك الوسط هو الفراء، قال ذلك قياسا؛ لأنه رأى أن حركة الحرف قامت مقام حرف آخر في مواضع منها في باب منع الاسم من الصرف؛ فإنهم يفرقون بين "هند" و"سقر"؛ لأن الأول ساكن الوسط، والثاني متحركه؛ ومنها في باب النسب؛ فإنهم يفرقون بين "حبلى" و"مرطى"؛ لذلك السبب. وأما القول بجواز ترخيم الثلاثي مطلقا؛ فينسب إلى بعض الكوفيين والأخفش. التصريح: 2/ 185، الهمع: 1/ 182. الأشموني: 2/ 470.

[المحذوف للترخيم أما حرف, إما حرفان] : فصل: والمحذوف للترخيم إما حرف؛ وهو الغالب1؛ نحو: "يا سعا"، وقراءة بعضهم: "يا مَاِل"2 وإما حرفان؛ وذلك إذا كان الذي قبل الآخر من أحرف اللين، ساكنا3، زائدا، مكملا أربعة فصاعدا، وقبله حركة من جنسه لفظا أو تقديرا4؛ وذلك نحو: مروان، وسلمان، وأسماء، ومنصور ومسكين علما، قال: 5 [الكامل] 453- يا مرو إن مطيتي محبوسة6

_ 1 ولا يشترط فيه شيء غير ما تقدم. 2 "43" سورة الزخرف، الآية: 77. أوجه القراءات: قرأ علي وابن وثاب الأعمش وأبو الدرداء: "يَا مَالِ" ونسبها ابن خالويه في مختصره إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ أبو السرار؛ السوار الغنوي: "يَا مَالُ". البحر المحيط: 8/ 28، وإعراب القرآن، للنحاس: 3/ 102. موطن الشاهد: "يا مالِ". وجه الاستشهاد: حذف الكاف من "مالك" للترخيم؛ وذكر ابن جني أن هذا الترخيم لم يصدر من أهل النار للتكلف؛ بل من الضجر وضيق الحال؛ لأنهم في غنية عن الترخيم؛ وإنما لضعفهم عن إتمام الاسم. 3 اعلم أن الحروف "وَايْ" إن سكنت بعد حركة تجانسها؛ سميت حروف علة ولين ومد، وبعد حركة لا تجانسها؛ سميت حروف علة ولين فقط؛ كفرعَوْن، وخَيْر، وإن تحركت؛ فعلة فقط. فكل مد لين، وكل لين علة، ولا عكس؛ وبعد؛ فذكر المصنف السكون مع اللين للإيضاح. 4 لفظا؛ كمنصور ومسكين، وتقديرا؛ كمصطفون ومصطفين علمين. 5 القائل: هو الفرزدق، وقد مرت ترجمته. 6 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت يستجدي به مروانَ بنَ الحكم والي المدينة، وقد مدحه فأبطأت عليه جائزته، وعجزه: ترجز الحباء وربها لم ييأس وهو من شواهد: التصريح: 2/ 186، الأشموني: "921/ 2/ 472، وسيبويه: 1/ 337، والجمل: 185، وأمالي ابن الشجري: 2/ 187، وشرح المفصل: 2/ 22، والعيني: 4/ 292، وديوان الفرزدق: 482. =

وقال1: [البسيط] 454- يا أسمُ صبرًا على ما كان حدث2

_ = المفردات الغريبة: مطيتي؛ المطية: الراحلة؛ من المطو وهو الإسراع، أو من المطا وهو الظهر؛ لأن راكبها يقتعد ظهرها. محبوسة: يريد ممنوعة من العودة إلى منزل صاحبها. الحباء: العطاء بلا جزاء. ربها: صاحبها. لم ييأس: لم يقطع الأمل في العطاء. المعنى: يقول للممدوح إنني باقٍ هنا أنا ومطيتي لم أبرح رحابك انتظارًا لعطائك، ولم أقطع الأمل في أن يصل إلي، ولا يزال رجائي معقودا بك. الإعراب: يا: حرف نداء، لا محل له من الإعراب. مرو: منادى مرخم مبني على الضم في محل نصب على النداء. إن: حرف مشبه بالفعل. مطيتي: اسم "إن" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، وهو مضاف، وياء المتكلم: مضاف إليه. محبوسة: خبر "إن" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة ترجو: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الواو، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هي، يعود إلى المطية. الحباء: مفعول به منصوب؛ وجملة: "ترجو الحباء": في محل نصب على الحال. وربها: الواو حالية، رب: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، و"ها": في محل جر بالإضافة. لم: حرف نفي وجزم وقلب. ييأس: فعل مضارع مجزوم بـ "لم" وعلامة جزمه السكون وحرك بالكسر؛ لأجل الروي؛ والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو؛ وجملة "لم ييأس": في محل رفع خبر المبتدأ؛ وجملة "ربها لم ييأس": في محل نصب على الحال. موطن الشاهد: "يا مرو". وجه الاستشهاد: ترخيم المنادى: "مروان" بحذف النون والألف قبلها؛ وحكم هذا الترخيم الجواز؛ لاستيفائه الشروط المطلوبة؛ لجواز الترخيم. 1 القائل: هو لبيد بن ربيعة العامري، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: إن الحوادث ملقيٌّ ومنتظَرُ وينشد قبله: ترى الكثير قليلا حين تسأله ... ولا تخالجه المخلوجة الكثرُ وهو من شواهد: التصريح: 2/ 186، والأشموني: "920/ 2/ 472"، والعيني: 4/ 288، وسيبويه: 337، والجمل للزجاجي: 184، وأمالي ابن الشجري: 2/ 87 وليس في ديوان لبيد. =

بخلاف نحو: "شمأل" علما" فإن زائدة، وهو الهمزة، غير حرف لين؛ ونحو: "هَبَيَّخِ1، وقَنَوَّر"2 علمين؛ لتحرك حرف اللين؛ ونحو: "مختار، ومنقاد" علمين؛ لأصالة الألفين3؛ ونحو: "سعيد وثمود وعماد"؛ لأن السابق على حرف اللين اثنان4؛ وبخلاف نحو: "فِرْعَون وغُرْنَيْق" علما؛ لعدم مجانسة

_ = المفردات الغريبة: أسم: أصله أسماء. حدث: هو النازلة من نوازل الدهر، والجمع أحداث. ملقيٌّ: اسم مفعول من لقي. منتظَر: مرتقَب ومتوقَّع النزول. المعنى: اصبري يا أسماء على ما يطرأ من حوادث الدهر ونوازله؛ فإن حوادثه متتابعة محتومة؛ منها ما وقع وحصل، ومنها المنتظر وقوعه وحدوثه. الإعراب: يا: حرف نداء. اسم: منادى مرخم مبني على الضم في محل نصب على النداء؛ أو مبني على ضم الحرف المحذوف؛ للترخيم في محل نصب. صبرا: مفعول مطلق لفعل محذوف؛ والتقدير: اصبري صبرا. "على ما": متعلق بـ "صبرا" أو بالعامل المحذوف. كان: فعل ماضٍ تام بمعنى حصل، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، يعود إلى "ما". "من حدث": متعلق بمحذوف حال من "ما". إن: حرف مشبه بالفعل، لا محل له من الإعراب. الحوادث: اسم "إن" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. ملقي: خبر "إن" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. ومنتظر: الواو عاطفة، منتظر: اسم معطوف على "ملقي" مرفوع مثله. موطن الشاهد: "يا أسم". وجه الاستشهاد: ترخيم "أسماء" بحذف الهمزة والألف قبلها؛ ومعلوم أنه لا يصح في هذا النوع المستوفي للشروط الاقتصاد على حذف الآخر وحده، بل يجب أن يحذف معه الحرف الذي قبله؛ إلا المختوم بالتاء؛ فتحذف وحدها. 1 تقول في ترخيمه: يا هبيَّ -والهبيخ "بفتح الهاء والباء وتشديد الياء مفتوحة" بزنة سفرجل: الغلام السمين الممتلئ لحما؛ والأنثى هبيخة. 2 تقول في ترخيمه: يا قنوَّ -والقَنَوَّر "بفتحات مشدد الواو"، بزنة سفرجل: الضخم الرأس أو الصعب اليابس من كل شيء. 3 فإنهما منقلبان عن أصل؛ فتقول في ترخيمهما: يا مختا، ويا منقا- بحذف الآخر ليس غير. 4 فيقال في ترخيمهما: يا سعي، ويا ثمو، وعما، بحذف الدال فيها ليس غير، ولا يحذف ما قبلها من الياء والواو والألف وإن كان كل منها حرف لين زائد؛ ومن ذلك قول أوس بن حجر: تنكرت منا بعد معرفة لمي ... وبعد التصافي والشباب المكرم يريد "لميس"؛ فحذف السين، ووفر ما قبلها فأبقاه على حاله ومن ذلك قول يزيد بن محزم: فقلتم تعال يا يزي بن مُحَزَّمِ ... فقلت لكم إني حليف صداء الكتاب لسيبويه: 1/ 336.

الحركة1، ولا خلاف في نحو: "مصطفون"، و"مصطفين" علمين؛ لأن أصلهما "مصطفيون"، و"مصطفيين"؛ فالحركة المجانسة مقدرة. وإما كلمة برأسها؛ وذلك في المركب المزجي؛ تقول في معد يكرب: "يا معدي"2. وإما كلمة وحرف؛ وذلك في "اثنا عشر" تقول: "يا اثن"3؛ لأن عشر في موضع النون؛ فنزلت هي والألف منزلة الزيادة في "اثنان" علما. [في ترخيم من ينتظر المحذوف ومن لا ينتظره] : فصل: الأكثر أن يُنوى المحذوف، فلا يغير ما بقي4؛ تقول في جعفر: "يا

_ 1 فتقول في ترخيمهما: يا فرعَوْ، ويا غرنَى؛ بحذف الآخر فقط. ولا يشترط الجرمي والفراء المجانسة، فيقولان: يا فرع، ويا غرن؛ لبقاء الاسم على ثلاثة أحرف. وغرنيق: اسم لطائر طويل العنق من طيور الماء معروف. التصريح: 2/ 187. 2 وكذلك تفعل في "سيبويه"، و"خمسة عشر" ونحوهما -مسمى بهما، تقول: يا سيب- ويا خمسة، ولا بد من وجود قرينة قوية، تدل على الأصل. ومنع كثير من النحاة ترخيم المركب المزجي؛ لعدم سماعه عن العرب؛ وهو الأقرب للصواب. ومنع الفراء ترخيم المركب العددي. ومنع أكثر الكوفيين ترخيم المختوم بويه. التصريح: 2/ 187، والأشموني: 2/ 472. 3 وتقول في "اثنتا عشرة": يا أثنت، ولم يعرف الترخيم بحذف الآخر وحرف قبل في غير هذين اللفظين من المركبات العددية؛ بشرط أن يسمى بهما؛ لئلا يلتبسا بنداء المثنى، وهو: اثنان، واثنتان. الأشموني: 2/ 472. 4 بل يبقى على حاله قبل الحذف، من حركة، أو سكون، أو صحة، أو إعلال؛ لأن المحذوف في نية الملفوظ، ويستمر البناء على الضم واقعا على الحرف الأخير المحذوف؛ وتسمى هذه اللغة: لغة من ينتظر؛ وهي اللغة الفضلى؛ لأن المحذوف المنوي جدير بالمراعاة؛ وينبيغ الاقتصاد عليه في ترخيم المنادى المختوم بتاء التأنيث عند خوف اللبس. التصريح: 2/ 188.

جعفَ" بالفتح، وفي حارث: "يا حارِ"1 بالكسر، وفي منصور: "يا منصُ" بتلك الضمة؛ وفي هرقل "يا هرقْ" بالسكون، وفي ثمود، وعلاوة، وكروان2: "يا ثمو، ويا علا، ويا كَرَوَ". ويجوز أن لا يُنوَى فيجعل الباقي؛ كأنه آخر الاسم في أصل الوضع3؛ فتقول: "يا جعفُ، ويا حارُ، يا هرقُ" بالضم فيهِنَّ؛ وكذلك تقول: "يا منصُ" بضمة حادثة للبناء4؛ وتقول "يا ثمي" بإبدال الضمة كسرة، والواو ياء، كما تقول في جرو، ودلو: الأجرِي، والأدلِي5؛ لأنه ليس في العربية اسم معرب آخره واو لازمة مضموم ما قبلها، وخرج بالاسم الفعل نحو: "يدعو" وبالمعرب المبني نحو: "هو"، وبذكر الضم نحو: "دلو وغزو"، وباللزوم نحو: "هذا أبوك"6، وتقول: "يا علاء" بإبدال الواو همزة؛ لتطرفها بعد الف زائدة كما في كساء، وتقول: "يا كرأ" بإبدال الواو ألفا؛ لتحركها وانفتاح ما قبله، كما في العصا. [أحكام ما فيه تاء التأنيث] : فصل: يختصُّ ما فيه تاء التأنيث بأحكام: منها: أنه لا يشترط لترخيمه علمية؛ ولا زيادة على الثلاثة كما مر.

_ 1 ومنه قول المهلهل بن ربيعة: يا حارِ لا تجهل على أشياخنا ... إنا ذوو السورات والأحلام 2 العلاوة: ما يعلق على البعير بعد تمام الوقر. والكروان: طائر طويل العنق. 3 وعليه يقع البناء؛ لأن ما حذف اعتبر كأنه انفصل نهائيا. وتسمى هذه اللغة: لغة من لا ينتظر. 4 اختار الصبان أنه مبني على ضم مقدر، ويكون رفع التابع إتباعا للضم المقدر لا للضمة الملفوظ بها؛ وذلك خير من تكلف ذهاب ضمة أصلية وحدوث ضمة أخرى للبناء. حاشية الصبان: 3/ 181-182. 5 الأصل: الأجرو، والأدلو؛ فقلبت الضمة كسرة والواو ياء؛ لعدم التنظير. 6 فإن الواو فيه غير لازمة؛ لقلبها ألفا في النصب، وياء في الجر.

وإنه إذا حذفت منه التاء توفر من الحذف، ولم يستتبع حذفها حذف حرف قبلها؛ فتقول في عَقَنباة: "يا عقنبا. وأنه لا يرخم إلا على نية المحذوف؛ تقول في مسلمة، وحارثة، وحفصة: "يا مسلم، ويا حارث، ويا حفص" بالفتح؛ لئلا يلتبس بنداء مذكر لا ترخيم فيه؛ فإن لم يُخَفْ لَبْس جازَ، كما في نحو: همزة، ومسلمة2. ونداؤه مرخما أكثر من ندائه تاما، كقوله3: [الطويل] 455- أفاطم مهلا بعض هذا التدلل4

_ 1 أي: بالألف والاقتصار على حذف التاء. وعقنباة: صفة للعقاب؛ إحدى الطيور الجارحة. يقال: هذه عقاب عقنباة. أي: ذات مخالب قوية. 2 ومثلها: حمزة وطلحة؛ مما التاء فيه ليست للفرق بين المذكر والمؤنث. والهمزة: المغتاب: يستوي فيه المذكر والمؤنث؛ ومسلمة: علم رجل ومن ذلك مسلمة بن عبد الملك بن مروان. 3 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته. 4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت من معلقته المشهورة وعجزه قوله: وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي وهو من شواهد: التصريح: 2/ 189، والأشموني: "908/ 2/ 467"، والعيني: 4/ 289، والهمع: 1/ 172، والدرر: 1/ 147، وأمالي ابن الشجري: 2/ 84، والمغني: "3/ 17"؛ والسيوطي: 6؛ وديوان امرئ القيس: 174. المفردات الغريبة: مهلا: مصدر مهل في الشيء: عمِله برفق ولم يعجل به. التدلل: أن يثق الشخص بحب غيره له فيجرؤ عليه ثقة به، وإظهار المرأة الغضب والتمنع وليست بغضبى. أزمعت: عزمت ووطنت النفس. صرمي: هجري وقطيعتي. المعنى: ترفقي بي يا فاطمة، واتركي الدلال وإظهار الهجر، وإن كنت قد اعتزمت هجري حقًا، ووطنت نفسك عليه؛ فأحسني في ذلك، وكوني بي رفيقة. المعنى: ترفقي بي يا فاطمة، واتركي الدلال وإظهار الهجر، وإن كنت قد اعتزمت هجري حقا، ووطنت نفسك عليه؛ فأحسني في ذلك، وكوني بي رفيقة. الإعراب: أفاطم: الهمزة حرف نداء للقريب، لا محل له من الإعراب، وفاطم: منادى مرخم مبني على الضم في محل نصب على النداء؛ ومبني على ضم الحرف المحذوف مهلا: مفعول مطلق لفعل محذوف منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. بعض: مفعول به منصوب؛ لفعل محذوف؛ والتقدير: دعي بعض؛ أو نحو ذلك، و"بعض" مضاف. هذا: الهاء للتنبيه، وذا: اسم إشارة في محل جر بالإضافة. التدلل: بدل من اسم الإشارة =

لكن يشاركه في هذا مالك وعامر وحارث1 [جواز ترخيم غير المنادى بشروط] : فصل: ويجوز ترخيم غير المنادى بثلاثة شروط: أحدها: أن يكون ذلك في الضرورة. الثاني: أن يصلح الاسم للنداء؛ فلا يجوز في نحو: "الغلام"2.

_ = مبرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. وإن: الواو عاطفة، "إن" شرطية جازمة. كنت: فعل ماضٍ ناقص مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك؛ والتاء في محل رفع اسم "كان"، وفعل "كنت" في محل جزم فعل الشرط. قد: حرف تحقيق، لا محل له من الإعراب. أزمعت: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الكسر، في محل رفع فاعل. صرمي: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم؛ والياء: في محل جر بالإضافة؛ وجملة: "أزمعت صرمي": في محل نصب خبر "كان". فأجملي: الفاء واقعة في جواب الشرط. أجملي: فعل أمر مبني على حذف النون؛ لاتصاله بياء المؤنثة؛ والياء: في محل رفع فاعل؛ وجملة "أجملي": في حل جزم جواب الشرط؛ لاقترانها بالفاء. موطن الشاهد: "أفاطم". وجه الاستشهاد: وقوع "فاطم" منادى مرخما بعد النداء، بحذف التاء؛ وحكم هذا الترخيم كثير وشائع؛ بل مجيئه مرخما بعد النداء أكثر من مجيئه غير مرخم. 1 فإن ترخيمها أكثر من تركه؛ لكثرة استعمالها في الشعر العربي في النداء، وأسماء الرجال، وهذا ما نص عليه سيبويه: من أن هذه الأعلام الثلاثة أكثر الأعلام استعمالا بالترخيم. 2 أي: لمباشرة حرف النداء. ولا شك في أن الغلام لا يصلح لذلك بسبب وجود "أل"، وفي هذا يقول ابن مالك: ولاضطرار رخموا دون نِدَا ... ما للندا يصلح نحو: "أحمدا" والمعنى: أنهم رخموا للضرورة -في غير النداء- ما يصلح أن يكون منادى؛ نحو: "أحمد" ونص ابن مالك على شرطين؛ أن يكون الترخيم للضرورة، وأن يكون المرخم صالحا للنداء. وقد عرفت باقي الشروط سابقا، ولا يشترط للمرخم للضرورة أن يكون معرفة؛ فقد ترخم النكرة؛ كقول الشاعر: ليس حي على المنون بخالِ أي: "بخالد". انظر التصريح: 2/ 189-190، وحاشية الصبان 3/ 183-184.

الثالث: أن يكون إما زائدا على الثلاثة، أو بتاء التأنيث؛ كقوله1 [الطويل] 456- طريف بن مالٍ ليلة الجوع والخَصَرْ2

_ 1 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: لنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره ويروى بعده قوله: إذا البازل الكوماء راحت عشيَّةً ... تلاوذ من صوت المبسبس بالسَّحَرْ والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 190، والأشموني: 923/ 2/ 477"، وابن عقيل: "316/ 3/ 295" والعيني: 4/ 280، وسيبويه: 1/ 366، والهمع: 1/ 181، والدرر: 1/ 157، وديوان امرئ القيس: 142. المفردات الغريبة: الفتى: يراد به هنا الرجل الجواد. تعشو: تنظر إلى ناره من بعيد، من عشا النار رآها ليلا من بُعْد فقصدها مستضيئا. الخَصَر: شدة البرد. المعنى: نعم الرجل السخي الكريم طريف بن مالك؛ تقصده الناس من بعيد مستضيئة بناره في زمن الحاجة والمسغبة عند اشتداد البرد؛ وزمن الشتاء عند العرب؛ هو زمن الحاجة والمجاعة، وفيه يظهر الجواد والشحيح. الإعراب: لنعم: لنعم موطئة للقسم، نعم: فعل ماضٍ لإنشاء المدح مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب. الفتى: فاعل "نعم" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف؛ للتعذر. تعشو: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الواو للثقل، والفاعل: ضمير مستتر رجوبا؛ تقديره: أنت؛ وجملة "تعشو": في محل نصب على الحال من "الفتى"؛ وصفة له. "إلى ضوء": متعلق بـ "تعشو"، وضوء: مضاف. ناره: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، و"الهاء": في محل جر بالإضافة؛ وجملة: "نعم الفتى ... ": في محل رفع خبر مقدم. طريف: مبتدأ مؤخر؛ وبدل من "الفتى"؛ أو خبر لمبتدأ محذوف. ابن: صفة لـ "طريف"، وهو مضاف. مال: مضاف إليه مجرور؛ وأصله: مالك؛ ورخم في غير النداء اضطرارا. "ليلة": متعلق بـ "تشعو"، وهو مضاف. الجوع: مضاف إليه مجرور. والخصر: الواو عاطفة، الخصر: اسم معطوف على الجوع مجرور مثله. موطن الشاهد: "ابن مال". وجه الاستشهاد: وقوع "مال" مضافا إليه مرخما للضرورة، في غير النداء؛ لأن أصله مالك؛ ونون على لغة من لا ينتظر.

ولا يمتنع على لغة من ينتظر المحذوف؛ خلافا للمبرد1؛ بدليل2: [الوافر] وأضْحَتْ منك شاسعة أماما3

_ 1 مرت ترجمته. 2 قائل هذا البيت؛ هو جرير بن عطية، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: ألا أضحت حبالكم رماما وهو من شواهد: التصريح: 2/ 190، والأشموني: "924/ 2/ 477"، والعيني: 4/ 282، 302، وسيبويه: 1/ 343، والنوادر لأبي زيد: 31، والجمل: 189، وأمالي ابن الشجري: 1/ 126، 2/ 79،91، والإنصاف: 353، والخزانة: 1/ 389، وديوان جرير: 502. المفردات الغريبة: أضحت: معناها هنا صارت وتحولت. حبالكم: المراد، عهودكم وأواصر الألفة وروابط المحبة بيننا وبينكم. رماما: بالية ضعيفة، جمع رمة؛ وهي القطعة البالية من الحبل، شاسعة: بعيدة بُعدًا كبيرًا. المعنى: لقد تحول ما بيني وبينكم -أيها القوم- من أواصر الألفة وروابط المحبة، وصار ما بيننا من عهود الود وأسباب التواصل كأن لم يكن، وأصبحت محبوبتي "أمامة" بعيدة عني ليس في وصلها مطمع. الإعراب: ألا: حرف استفتاح وتنبيه، لا محل له من الإعراب. أضحت: فعل ماضٍ ناقص مبني على الفتح؛ المقدر على الألف المحذوفة؛ لالتقاء الساكنين، والتاء: للتأنيث. حبالكم: اسم أضحى" مرفوع، وهو مضا ف، و"كم": مضاف إليه. رماما: خبر "أضحى" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. وأضحت: الواو عاطفة، أضحى: فعل ماضٍ ناقص مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة؛ لالتقاء الساكنين، والتاء للتأنيث. "منك": متعلق بـ "شاسعة" الآتي. شاسعة: خبر "أضحى" تقدم على اسمه. أماما: اسم "أضحى" مؤخر عن خبرها مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الحرف المحذوف للترخيم؛ الواقع ضرورة، في غير النداء؛ والألف للإطلاق. موطن الشاهد: "أماما" وجه الاستشهاد: مجيء "أمامة" مرخما في غير النداء، بحذف التاء، على لغة من ينتظر؛ وحكم هذا الترخيم الضرورة؛ ولو رخم على لغة من لا ينتظر؛ لقال: إمام بالضم؛ وهو الوجه الذي أوجبه المبرد؛ حيث يجري حركات الإعراب على آخر ما بقي من الكلمة بعد ترخيمها؛ والبيت الشاهد حجة عليه. =

.........................................................................

_ = ومثل البيت الشاهد قول الشاعر: أبو حنش يؤرقني وطلق ... وعمار وآونة أَثَالا أراد: وآونة أثالة؛ فحذف التاء على لغة من ينتظر؛ لأنه أبقى اللام مفتوحة كما كانت قبل حذف التاء. فائدة: يرد لفظ "صاح" منادى؛ وأصله: صاحب؛ فنودي نداء ترخيم. بحذف الباء على القاعدة؛ وهذا أولى من قول من يقول: إن أصلها "صاحبي"؛ لأن فيه شذوذا بحذف ياء المتكلم والباء؛ وما لا شذوذ فيه أولى. ضياء السالك: 3/ 278. فائدة: ذكر الأشموني نقلا عن صاحب التسهيل: "لا يرخم في غير الضرورة منادى عارٍ من الشروط إلا ما شذ من "يا صاح، وأطرق كرا على الأشهر؛ إذ الأصل: صاحب، وكروان فرخما مع عدم العلمية شذوذا، وأشار بالأشهر إلى خلاف المبرد؛ فإنه زعم أنه ليس مرخما؛ وإن ذكر الكروان يقال له: كرا" حاشية الصبان: 3/ 185.

باب المنصوب على الاختصاص

[باب المنصوب على الاختصاص] : هذا باب المنصوب على الاختصاص1: [تعريف المنصوب على الاختصاص] : وهو اسم معمول لأخص واجب الحذف2.

_ 1 الاختصاص: مصدرا اختصصته بكذا، أي خصصته به وقصرته عليه؛ فهو لغة: قصر الحكم على بعض أفراد المذكور أولا. واصطلاحا: إصدار حكم على ضمير مبهم لغير الغائب بعده اسم ظاهر معرفة يوضحه ويختص بهذا الحكم. وهو معمول لـ "أخص" محذوفا وجوبا. ومثل أخص: أعني، أقصد، أريد، أو ما شاكل هذا، غير أن لفظ "أخص" هو المشهور؛ ومنه سمي الاختصاص. والكلام المشتمل على الاختصاص خيب استعمل في صورة الداء من باب التوسع ونظيره أنهم استعملوا صورة الأمر في الخبر قياسا في نحو: "أجمل بذي المروءةَ! "، وهو صيغة من صيغتي التعجب؛ كما استعملوا صيغة الخبر في الأمر والدعاء؛ كقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} أي: ليرضعن أولادهم. والباعث على الاختصاص: إرادة القصر والتخصيص؛ وقد يكون الفخر؛ نحو: أنا -العربي- أن لا استكين للمذلة؛ والتواضع نحو: إني -أيها الضعيف- قوي الإيمان؛ وقد يكون الغرض منه تفصيل وبيان ما يراه من الضمير؛ من جنس، أو نوع أو عدد، نحن -بني الإنسان- نخطئ ونصيب؛ ونحن- الجنود- قدوة في الكفاح، نحن -العشرة- أعضاء الاتحاد. التصريح: 2/ 190، الهمع: 1/ 170، وضياء السالك: 3/ 280. 2 وعليه: فيكون تقدير الفعل المحذوف: أخص أو أعني -كما قدره سيبويه- وقدره ابن الناظم في نحو قولهم: "اللهم اغفر لنا أيتها العصابة" على معنى: اللهم افر لنا مختصين من بين العصائب؛ وعلي هذا، تكون الجملة "من الفعل المحذوف والاسم المنصوب على الاختصاص": في محل نصب على الحال؛ ولكن ليس باطراد؛ لأنها قد تكون معترضة، كما سيأتي. حاشية يس على التصريح: 2/ 190-191. وحاشية الصبان: 2/ 186-187.

[حكم "أي" و"أية"] : فإن كان "أيها"، أو "أيتها"، استعملا كما يستعملان في النداء؛ فيضمان ويوصفان لزوما باسم لزم الرفع محلىً بـ "أل"؛ نحو: "أنا افعل كذا أيها الرجل" و"اللهم اغفر لنا أيتها العصابة"1

_ 1 ما ذهب إليه المؤلف، هو مذهب الجمهور، ويعني: أن الاختصاص، إذا كان بلفظ: "أيها" المستعمل في المذكر؛ مفردا أو مثنى أو جمعا -أو كان بلفظ: "أيتها"- المستعمل في المؤنث؛ مفردا أو مثنى أو جمعا -كان اللفظان مبنيين على الضم، في محل نصب؛ والناصب له: فعل محذوف وجوبا؛ تقديره: أخص أو أعني وما شابه ذلك؛ فهو على هذا: مفعول به؛ وجملة: "أخص أيها وأعني أيتها": قد تكون في محل نصب على الحال؛ وقد تكون اعتراضية، لا محل لها؛ كما في قولهم: "نحن المعلمين أكثر الناس عطاء"؛ فجملة "أخص المعلمين": لا محل لها؛ لأنها اعترضت بين المبتدأ "نحن"، وخبرة: أكثر الناس عطاء. انظر التصريح: 2/ 191. وحشاية الصبان: 3/ 186. فائدة أولى: ذهب الأخفش إلى أن "أيها وأيتها" في مثل قولك: "أنا -أيها العبد- فقير إلى عفو الله": منادى -بحرف نداء محذوف- وهو مبني على الضم، في محل نصب على النداء، وقال: لا ينكر أن ينادي الإنسان نفسه؛ ألا ترى إلى قول عمر رضي الله عنه: "كل الناس أفقه منك يا عمر". حاشية الصبان: 3/ 187. والتصريح: 2/ 191. فائدة ثانية: ذهب السيرافي إلى أن كلا من "أي، وأية" في الاختصاص اسم معرب مرفوع؛ وهو يحتمل وجهين من الإعراب. أحدهما: أن يكون خبرًا لمبتدأ محذوف؛ والتقدير في قولك؛ "أنا -أيها العبد- فقير إلى عفو الله": أنا هو أيها العبد. ثانيهما: أن يكون مبتدأ محذوف الخبر؛ والتقدير في المثال المذكور: أنا أيها العبد المخصوص.. ويلاحظ في هذا الرأي، وسابقه تكلف ظاهر وبعد عن سلامة السياق؛ مما يجعلهما رأيين غير مقررين، ولا يؤخذ بهما؛ والصواب: ما ذهب إليه جمهور النحاة. حاشية الصبان: 3/ 187. والتصريح: 2/ 190-191.

وإن كان غيرهما نصب1، نحو: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث"2 [ما يفارق فيه الاختصاص المنادى] : ويفارق المنادى في أحكام3: أحدهما: أنه ليس معه حرف نداء لا لفظا، ولا تقديرا. الثاني: أنه لا يقع في أول الكلام؛ بل في أثنائه؛ كالواقع بعد "نحن" في الحديث المتقدم، أو بعد تمامه؛ كالواقع بعد "أنا" و"نا" في المثالين قبله.

_ 1 أي: وجوبا؛ سواء كان معرفا بالإضافة، كما مثل المصنف، أو بـ "أل"، نحو: نحن العرب أسخى من بذل. أو كان علما غير مضاف، وذلك قليل؛ نحو: أنا الطبيب لا أتواني من إجابة الداعي، ومنه قول رؤبة: بنا تميما يشكف الضباب ضياء السالك: 3/ 280-281. 2 هذا جزء من حديث شريف، وتمامه: "ما تركناه صدقة" ما: اسم موصول مبتدأ. تركناه: الجملة صلة. صدقة: خبر المبتدأ. والحديث أخرجه: البخاري: 6/ 197، والبداية والنهاية لابن كثير: 4/ 203. موطن الشاهد: "نحن معاشر". وجه الاستشهاد: انتصاب "معاشر" على الاختصاص؛ لمعمول واجب الحذف. 3 ويوافق الاختصاص النداء في أمور هي: أ- أن كلا منهما يفيد الاختصاص، وهو في هذا الباب خاص بالمتكلم أو المخاطب، وفي باب النداء مقصور على المخاطب. ب- أن كلا منهما للحاضر -أي المتكلم أو المخاطب- وإن كان النداء لا يكون للمتكلم. ج- أن كلا منهما يرى معه الاسم -أحيانا- مبنيا على الضم في محل نصب في "أي" و"أية" مع وجود "ها" التنبيه، والنعت بعدهما، وتارة يكون منصوبا. د- أن الاختصاص يقصد به تقوية المعنى وتوكيده، وكذلك يكون النداء أحيانا فقولك لمن تحدثه وهو مصغٍ إليك: "قد كان كذا وكذا يا فلان"، وقعت فيه عبارة "يا فلان" موقع التوكيد؛ لأنك تطلب بها إقبال من هو مقبل عليك. التصريح: 2/ 191.

والثالث: أنه يشترط أن يكون المقدم عليه اسما بمعناه1؛ والغالب كونه ضمير تكلم؛ وقد يكون ضمير خطاب؛ كقول بعضهم: "بك -الله- نرجو الفضل"2. والرابع والخامس: أنه يقل كونه علما، وأنه ينتصب3 مع كونه مفردا، كما في هذا المثال. والسادس: أنه يكون بـ "أل" قياسا؛ كقولهم: "نحن العرب أقرى الناس للضيف".

_ 1 أي: بأن يكون المراد منهما شيء واحد. 2 بك: متعلق بـ "نرجو". "الله" لفظ الجلالة منصوب على الاختصاص، وهو علم. الفضل: مفعول نرجو؛ هذا ولا يقع المختص بعد ضمير غيبة، ولا بعد اسم ظاهر. 3 أي: لفظا لا محلا فقط، وهذا في غير "أي", و"أية"؛ فإن نصبهما محلا ليس غير؛ لأنهما مبنيان على الضم في محل نصب.

باب التحذير

[باب التحذير] : هذا باب التحذير [تعريف التحذير] : وهو: تنبيه المخاطب على أمر مكروه؛ ليجتنبه1. فإن ذكر المحذر بلفظ "إيا"؛ فالعامل محذوف لزوما2؛ سواء عطفت عليه؛ أم كررته؛ أم لم تعطف ولم تكرر3؛ تقول: "إياك والأسد" الأصل: "احذر تلاقي

_ 1 هذا التعريف شبه لغوي؛ لأن التحذير مصدر معناه التخويف، والمناسب للنحوي الذي يبحث عن أحوال الكلم إعرابا وبناء- أن يقال في التعريف: اسم منصوب معمول لفعل مضمر تقديره: أحذر ونحوه. والأصل في أسلوب التحذير: أن يشتمل على ثلاثة أشياء: المحذر: وهو المتكلم الذي يوجه التحذير لغيره. والمحذر: وهو الذي يتوجه إليه التنبيه والتحذير. والمحذر منه: وهو الشيء الذي يطلب تجنبه والبعد عنه، وقد يقتصر على بعض هذه الأمور كما سيأتي، ويكون التحذير بأمور كثيرة؛ كصورة الأمر، أو النهي، تقول: افعل كذا- ولا تفعله، ولكن المقصود في هذا الباب أساليب خاصة؛ تخضع لضوابط وقواعد وضعها النحاة ويكون بثلاثة طرق: أ- ذكر المحذور: وهو "إياك" وفروعه؛ أما بعطف المحذور منه على "إياك"؛ نحو: إياك والأسد؛ أو بخفضه بمن نحو: إياك من الإهمال. ب- ذكر المحل المخوف عليه؛ ويكون بذكره نائبا عن "إيَّا" مضافا إلى كاف خطاب للمحذر من غير عطف ولا تكرار. أو من العطف أو التكرار، مثل: يدك نفسك. أي: نفسك والأسد، أو نفسك نفسك. ج- ذكر المحذر فيه مكررا أو معطوفا عليه- أو بدونهما؛ نحو: البرد البرد- البرد والمطر، وسيأتي بيان لذلك. وانظر ضياء السالك: 3/ 283. 2 لأنه لما كثر التحذير بلفظ: "أيا"؛ جعلوه عوضًا عن اللفظ بالفعل والتزموا معه إضمار العامل، ولا يجمع بين العوض والمعوض؛ وهو منصوب باعتباره مفعولا به للمحذوف. ولا بد من أن يذكر بعده المحذر منه. 3 الأحسن: أنه إذا سبقت الاسم المذكور بعد "إياك" واو العطف: أن يُختار فعل يناسب المعطوف غير الفاعل الناصب لـ "إياك"؛ فيكون في الأسلوب فعلان محذوفان وجوبا مع مرفوعهما.

نفسك والأسد"1،ثم حذف الفعل وفاعله، ثم المضاف الأول، وأنيب عنه الثاني؛ فانتصب2، ثم الثاني، وأنيب عنه الثالث فانتصب وانفصل3. [عامل التحذير] : وتقول: "إياك من الأسد"4؛ والأصل: "باعد نفسك من الأسد"، ثم حذف باعد وفاعله والمضاف5؛ وقيل: التقدير "أحذرك من الأسد"، فنحو: "إياك الأسد" ممتنع على التقدير الأول، وهو قول الجمهور6، وجائز على الثاني، وهو رأي ابن الناظم 7، ولا خلاف في جواز: "إياك أن تفعل"8 لصلاحيته لتقدير من.

_ 1 بجر "نفس"، و"الأسد". 2 فصار: نفسك والأسد؛ بنصبهما. 3 أي بعد أن كان مجرورًا متصلا، وذلك لتعذر أتصاله؛ فصار: "إياك"، ويقال في أعرابه: "إياك" في محل نصب مفعول به بفعل محذوف وجوبا؛ تقديره: أحذر ونحوه؛ والكاف: حرف خطاب "والأسد" معطوف على "إياك". والأحسن: أن يكون منصوبا بفعل آخر مضمر وجوبا يناسب الكلام -كما أسلفنا- ويكون من عطف الجمل. 4 أي: بجر المحذر منه "بمن"؛ بدلا من العطف بالواو. 5 أي: وهو "نفس" فانفصل الضمير وانتصب، "فإياك" منصوب بـ "باعد" المحذوف، "ومن الأسد" متعلق به. 6 لأن "باعد" لا يتعدى بنفسه إلى مفعولين، ولا يجوز نصب "الأسد" بنزع الخافض وهو "من"؛ لأن ذلك سماعي في غير أن، وأن، وكي. 7 لأن "احذر" يتعدى إلى مفعولين بنفسه؛ قال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} ، وينبني على التقديرين: أن الكلام على تقدير الجمهور إنشائي، وعلى تقدير ابن الناظم خبري. والحق -كما رأي بعض المحققين: أنه لا يتعين تقدير: "باعد" ولا "أحذر" ولا غيرهما؛ بل الواجب تقدير ما يؤدي الغرض، ويناسب الحال؛ مثل: دع، اتق ... إلخ؛ لأن المقدر ليس أمرا متعبدا به لا يعدل عنه. وينبغي الأخذ بهذا الرأي عند تقدير المحذوف في كل ما يحتاج إلى تقدير. ضياء السالك: 3/ 284. 8 أي: مما فيه المحذر منه "أن" المصدرية وصلتها؛ لأن حذف الجر قبل "أن" جائز في سعة الكلام.

[لا تكون "إيا" لمتكلم] : ولا تكون "إيا" في هذا الباب لمتكلم1، وشذ قول عمر رضي الله عنه: "لِتُذَكّ لكم الأسلُ والرماحُ والسهامُ، وإياي وأن يحذف أحدُكُم الأرنبَ"2 وأصله: إياي باعدوا عن حذف الأرنب، وباعدوا أنفسكم أن يحذف أحدكم الأرنب3، ثم حذف من الأول المحذور4، ومن الثاني المحذر5. [لا يكون لغائب] : ولا يكون لغائب6، وشذ قول بعضهم: "إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشوَابِّ"7 والتقدير: فليحذر تلاقي نفسه وأنفس الشواب8؛ وفيه شذوذان؛ أحدهما: اجتماع حذف الفعل، وحذف حرف الأمر9؛ والثاني: إقامة الضمير، وهو "إيا" مقام الظاهر، وهو الأنفس؛ لأن المستحق للإضافة إلى الأسماء الظاهرة، إنما هو المظهر لا المضمر10.

_ 1 لأن المتكلم لا يحذر نفسه، ولم يلزم عليه من اتحاد المحذور والمحذر. 2 "لتذك" اللام لام الأمر، وتذك مضارع مجزوم بها؛ من التذكية وهي الذبح. الأسل؛ أصله: الشوك الطويل من شوك الشجر، المراد به هنا: مارق وأرهف من الحديد؛ كالسيف والسكين، ونحوهما، يأمر رضي الله عنه أن يكون الذبح بالأسل، والرماح، أو السهام عند الرمي بها، وينهى عن حذف الأرنب وغيره بنحو حجر؛ فإن ذلك لا يحله. التصريح: 2/ 194. 3 الصواب: أنهما تحذيران حذف من كل منهما نظير ما أثبته الآخر؛ وهو قول الجمهور والزجاج. 4 أي: وهو حذف الأرنب. 5 وهو: أنفسكم. 6 ذلك: لاختصاص التحذير المخاطب، والغائب لا يحذر. 7 قول سمع عن العرب؛ كما قال سيبويه. والشوابّ: جمع شابَّة، ويروى: السوءات جمع سوأة؛ ومعناه: إذا بلغ الرجل ستين سنة؛ فلا ينبغي له أن يولع بشابة، أو أن يفعل سوأة. 8 فقد حذف الفعل ما فاعله، ثم المضاف الأول؛ وهو "تلاقي" وأنيب عنه الثاني؛ وهو "نفس" ثُمَّ الثاني؛ فانفصل الضمير وانتصب، وأبدل أنفس بإيا. 9 ولام الأمر لا تحذف إلا في الضرورة. فحذفها مع مجزومها أشد. 10 ذلك؛ لأن الإضافة للتعريف، أو للتخصيص، والضمير في غنىً عن ذلك؛ لأنه أعرف المعارف، قال صاحب اللمع: ويجوز أن يكون المحذر منه ضميرا غائبا معطوفا على المحذر؛ كقول الشاعر: فلا تصحب أخا الجهل ... وإياك وإياه وعلى ذلك لا يكون التحذير بضميري الغائب والمتكلم شاذًّا؛ إلا إذا كان محذرا لا محذرا منه، وهذا وما قبله؛ هما الأسلوبان الثاني والثالث، من أساليب التحذير اللذان أشرنا إليهما سابقا. ضياء السالك: 3/ 286.

وإن ذكر المحذر بغير لفظ "إيا"، أو اقتُصِرَ على ذكر المحذر منه، فإنما يجب الحذف إن كررت أو عطفت، فالأول نحو: "نفسك نفسك" والثاني نحو: "الأسد الأسد" و: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} 1، وفي غير ذلك يجوز الإظهار؛ كقوله2: [البسيط] 458- خل الطريق لمن يبنِي المنار به3

_ 1 "91" سورة الشمس، الآية: 13. موطن الشاهد: {نَاقَةَ اللَّهِ} . وجه الاستشهاد: انتصاب "ناقة" بفعل مضمر وجوبا على التحذير، ولفظ الجلالة مضاف إليه، وسقياها: معطوف على "الناقة"؛ والتقدير: ذروا ناقة الله وسقياها: فلا تمنعوها عنها؛ فعطفت الواو محذرا منه على مثله، ويجوز أن تكون الواو للمعية؛ وحينئذ يجوز إظهار العامل لعدم العطف. 2 القائل: هو: جرير بن عطية الشاعر الأموي وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت في هجاء عمر بن لجأ، وعجزه قوله: وابرز ببرزة حيث اضطرك القدرُ وهو من شواهد: التصريح: 2/ 195، والأشموني: "982/ 3/ 481"، والعيني: 4/ 307، وسيبويه: 1/ 128، وأمالي ابن الشجري: 1/ 342، وشرح المفصل: 2/ 30، وديوان جرير. المفردات الغريبة: خل: أمر من التخلية، أي اترك ودع، الطريق المراد هنا: سبيل المجد والشرف. المنار: علامات توضع في الطريق؛ ليهتدي بها السالكون. المعنى: اترك طريق المجد وسبيل العظمة والشرف لمن يعمل له، ويأخذ في أسبابه، فلست له أهلا. واسلك مع أمك طريق الغي والضلال؛ حيث ألجأك القدر الذي لا يغالب. وقيل: إن المراد ببرزة: الأرض الواسعة، والباء فيه للظرفية بمعنى "في". =

.........................................................................

_ = الإعراب: خل: فعل أمر مبني على حذف حرف العلة والفاعل: أنت. الطريق: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. "لمن": متعلق بـ "خل". يبني: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، يعود إلى "من" الموصولة. المنار: مفعول به منصوب لـ "يبني". "به": متعلق بـ "يبني"؛ وجملة "يبني": صلة للموصول، لا محل لها. وابرز: الواو عاطفة، ابرز: فعل أمر مبني على السكون، والفاعل: أنت. "ببرزة": متعلق بـ "ابرز" و"برزة" ممنوع من الصرف. حيث: ظرف مكان مبني على الضم في محل نصب متعلق بـ "ابرز". اضطرك: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والكاف: ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعولٍ به. القدر: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة؛ وجملة: "اضطرك القدر": في محل جر بالإضافة. موطن الشاهد: "خلِّ الطريق". وجه الاستشهاد: إظهار العامل "خلِّ" في التحذير؛ لكون المحذر منه "الطريق" غير مكرر، ولا معطوف عليه. خلاصة وتوجيه: إذا كان التحذير بـ "أيا" وفروعها؛ وجب نصب هذا الضمير بعامل محذوف مع مرفوعه وجوبا؛ سواء كان الضمير مكررا أو لا؛ معطوفا عليه، أو لا؛ ولك أن تخفض المحذر منه بمن؛ فتقول: إياك من الإهمال، أو أن تنصبه بغير عطف؛ فتقول: إياك الأسد. وإن كان التحذير بغير ذلك؛ وجب نصب الاسم بعامل محذوف مع مرفوعه وجواب؛ بشرط العطف والتكرار؛ فإن لم يوجد عطف ولا تكرار؛ كان النصب بعالم محذوف جوازا. ويجوز ضبط الاسم بغير النصب ولا يتعين الأسلوب للتحذير حينئذٍ. انظر التصريح: 2/ 195. وضياء السالك: 3/ 287.

باب الإغراء

[باب الإغراء 1] : هذا باب الإغراء [تعريف الإغراء وحكمه] : وهو: تنبيه المخاطب على أمر محمود ليفعله2. وحكم الاسم فيه حكم التحذير الذي لم يذكر فيه "أيا"؛ فلا يلزم حذف عامله إلا في عطف أو تكرار؛ كقولك: "المروءة والنجدة"؛ بتقدير: الزم، وقوله3: [الطويل] 459- أخاك أخاك إن من لا أخا له4

_ 1 الإغراء: مصدر أغريت فلانا بكذا: حببته إليه، وحملته على فعله. 2 يقال في هذا التعريف ما قيل في التحذير؛ والفعل المقدر هنا: الزم ونحوه؛ وأسلوب الإغراء يشمل: المغرِي؛ وهو المتكلم، والمغرَى؛ وهو المخاطب؛ والمغرَى به؛ وهو الأمر المحبوب. 3 القائل: هو مسكين الدارمي، ربيعة بن عامر بن أنيف الدارمي التميمي؛ شاعر عراقي شجاع، ومن أشراف تميم، لقب بمسكين لأبيات قالها؛ له أخبار مع معاوية بن أبي سفيان، وزياد بن أبيه. توفي سنة 89هـ. الشعر والشعراء: 1/ 544، تجريد الأغاني: 2108، الأعلام: 3/ 16، الخزانة: 1/ 467، السمط: 186. 4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاحِ والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 195، والأشموني: "929/ 2/ 482"، والعيني: 4/ 305، وسيبويه: 1/ 129، والخصائص: 2/ 480، والخزانة: 1/ 465، والهمع: 1/ 170، 2/ 225 والدرر: 1/ 146،2/ 158، والشذور: "106/ 293"، ونسبه الأعلم: 1/ 429 إلى إبراهيم بن هرمة القرشي، وملحقات ديوان إبراهيم بن هرمة: 263، وديوان مسكن الدرامي: 29. المفردات الغريبة: الهيجا: الحرب، وهي تمد وتقصر.

ويقال: "الصلاةَ جامعةً"؛ فتنصب "الصلاة" بتقدير احضروا، و"جامعة"1 على الحال؛ ولو صرح بالعامل لجاز2.

_ = المعنى: الزم أخاك ولا تفارقه، واحرص عليه؛ فالشخص الذي ليس له أخٌ يعينه ويعضده؛ كمن يذهب إلى الحرب، وليس معه عدتها ولا أداتها. الإعراب: أخاك: اسم منصوب على الإغراء بفعل محذوف وجوبا؛ والتقدير: الزم أخاك، وهو مضاف، وضمير المخاطب: مضاف إليه. أخاك: توكيد لفظي للأول. إن: حرف مشبه بالفعل، لا محل له من الإعراب. من: اسم موصول بمعنى الذي، في محل نصب اسم "إن". لا: نافية للجنس، تعمل عمل "إن". أخا: اسم "إن" مبني على الفتح المقدر على الألف في محل نصب. "له": متعلق بالخبر المحذوف؛ على رأي أبي على الفارسي وابن الطراوة؛ خلافا لجمهرة النحاة. ويجوز أن يكون خبر "لا" محذوفا؛ و"أخا": مضاف إلى ضمير "له" واللام الزائدة؛ والتقدير: إن الذي لا أخاه موجود؛ وجملة "لا أخا له": صلة للموصول، لا محل لها. "كساع": متعلق بمحذوف خبر "إن". "إلى الهيجا": متعلق بـ "ساعٍ". "بغير": متعلق بـ "ساعٍ". أيضا؛ و"غير": مضاف، سلاح: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. موطن الشاهد: "أخاك أخاك". وجه الاستشهاد: انتصاب "أخاك" بعامل محذوف؛ وحكم حذف العامل هنا الوجوب؛ لأن لفظ أخاك مكرر كما رأينا، وهو توكيد للأول. 1 أوجه إعراب هذه العبارة: 1- نصب الاسمين؛ وهو أحسنها، وقد بينه المؤلف. 2- رفع الاسمين، على أن يكون الأول مبتدأ والثاني خبرا عنه. 3- رفع الأول: على أنه مبتدأ حذف خبره، ونصب الثاني: على أنه حال من الضمير المستتر في الخبر المحذوف؛ وكأنك قلت: الصلاة مطلوبة حال كونها جامعة. 4- نصب الاسم الأول، ورفع الاسم الثاني؛ أما نصب الأول فعلى الإغراء، نعني أنه مفعول به لفعل محذوف؛ وأما رفع الاسم الثاني فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف. وكأنك قد قلت: احضروا الصلاة وهي جامعة. 2 أي لعدم العطف والتكرار. توجيهات: 1- الغالب في أساليب الإغراء والتحذير: أن تكون إنشائية طلبية تبعا لعاملها الدال على الطلب. 2- يلحق بالتحذير والإغراء في التزام إضمار الناصب: المثل، وشبهه؛ نحو: "الكلاب

..........................................................................

_ = على البقرة"؛ مثل معناه: خل الناس خيرهم وشرهم، واغتنم أنت طريق السلامة. "أحشفا وسوء كيلة": مثل يضرب لمن يظلم الناس من وجهين. "مرحبا أهلا وسهلا" "من أنت وزيدا": مثل يضرب لمن يذكر عظيما بسوء. وتقدير المضمر في هذا كله على الترتيب: أرسل، أتبيع؟، أصبت، وأتيت، ووطئت. كتاب سيبويه: 1/ 253. 3 الواو في الإغراء لا يتحتم أن تكون عاطفة، فقد تكون للمعية؛ نحو: الاستذكار والفهم كي تنتفع بما تقرأ. وقد تكون للعطف وحده، فيراعي ما يقتضيه المقام.

هذا باب أسماء الأفعال

[هذا باب أسماء الأفعال1] : هذا باب أسماء الأفعال [تعريف اسم الفعل] : اسم الفعل: ما ناب عن الفعل معنى واستعمالا؛ كـ "شتان"، و"صه" و"أوه"2.

_ 1 اسم الفعل هو: اسم ينوب عن فعل معين، ويتضمن معناه، وزمنه، ويعمل عمله من غير أن يقبل علامته ويتأثر بالعوامل، ويمتاز عن الفعل الذي هو بمعناه بأنه أقوى منه في الدلالة على أداء المعنى وإبرازه كاملا مع إيجاز في اللفظ أحيانا؛ لالتزامه صورة واحدة، لا تتغير غالبا مع الإفراد والتذكير وفروعهما. 2 ذهب النحاة في بيان ما تدل عليه أسماء الأفعال مذاهب كثيرة؛ منها: أ- أنها -أي أسماء الأفعال- تدل على الألفاظ المكونة من الحروف الهجائية؛ وهذه الألفاظ تدل على لفظ الأفعال؛ فـ "شتان" مثلا: اسم للفظ المبدوء بالشين والمنتهي بالنون؛ وهذا الاسم يدل على لفظ "افترق" الدال على الحدث؛ وهو الافتراق، والزمان الذي هو الماضي؛ وهذا رأي جمهور البصريين. ب- أنها تدل على الألفاظ المكونة هي منها؛ وهذه الألفاظ، تدل على معاني الأفعال؛ وهي الأحداث والأزمنة؛ وهذا الرأي، ينسب إلى سيبويه ومتابعيه، وارتضاه صاحب البسيط؛ وهو الظاهر من كلام المؤلف. ج- أنها نائبة عن المصادر؛ والمصادر نائبة عن الأ فعال؛ وهذا رأي جماعة من البصريين؛ وهو مردود لأمرين. أحدهما: لأن المصادر، لم توضع للدلالة على الزمان، فلو كان اسم الفعل، قد وضع للدلالة على المصدر، لم يكن دالًا على الزمان، ولم يكن منه الماضي، والمضارع، والأمر. ثانيهما: لأن المصادر النائبة عن الأفعال معربة؛ وأسماء الأفعال مبنية. د- أنها أفعال حقيقية؛ لأنها تدل على ما يدل عليه الفعل من الحدث والزمان؛ وهو رأي الكوفيين؛ وهذا فاسد للأسباب التالية: 1- لأنها ليست على صيغ الأفعال المعروفة في العربية.

والمراد بالاستعمال: كونه عاملا غير معمول1، فخرجت المصادر والصفات في نحو: "ضربًا زيدًا"، و"أقائم الزيدان"؛ فإن العوامل تدخل عليها2. [معاني أسماء الأفعال] : ووروده بمعنى الأمر كثير؛ كـ "صه"، و"مه"، و"آمين" بمعنى: اسكت، وانكفف، واستجب، ونزال، وبابه3؛ وبمعنى الماضي والمضارع قليل؛

_ 2- لأن منها ما ينون؛ ومعلوم أن الفعل لا ينون بحال. 3- لأن منها ما وضع على حرفين أصالة؛ نحو: مه، وصه؛ ومعلوم أنه لا يوجد في العربية فعل وضع على حرفين أصلا. 4- لأنها لا تتصل بها ضمائر الرفع البارزة؛ والضمائر تتصل بالأفعال كما هو معلوم. 5- لأن الدال على الأمر منها لا يتصل به نون التوكيد؛ وهي تتصل بالفعل. وذهب الأخفش: إلى أن أسماء الأفعال لا محل لها من الإعراب، ووافقه ابن مالك وجماعة. وذهب المازني إلى أنها في محل نصب بفعل محذوف؛ بناء على أنها نائبة عن المصادر. وذهب المازني إلى أنها في محل نصب بفعل محذوف؛ بناء على أنها نائبة عن المصادر. وذهب آخرون إلى أنها في محل رفع بالابتداء، والاسم بعدها: فاعل سد مسد الخبر والصواب: ما ذهب إليه الأخفش وابن مالك ومن وافقهما. انظر تفصيل ذلك في: الأشموني: 2/ 484-485، والتصريح: 2/ 195، وحاشية الصبان: 3/ 195؛196. 1 أي: العامل يقتضي الفاعلية والمفعولية، فلا يُرَدُّ أنَّه يكون معمولا للحروف الناصبة، أو الجازمة. 2 فضربا منصوب بما ناب عنه وهو أضرب، وقائم مرفوع بالابتداء. 3 ذهب المبرد إلى أن اسم الفعل لا ينقاس في شيء أصلا، وأنه يجب الاقتصار منه على ما سمع من العرب؛ وقياسه ابتداع لما لم يسمع عن العرب من الأسماء. وذهب غير المبرد إلى أن اسم الفعل من باب "نزال" قياسي؛ ووجهه أنه باب واحد كثر استعمال العرب له على منهج واحد، ولذا، لا يمنع قياس ما لم يرد، على نهج ما ورد عنهم منه؛ وأصحاب هذا المذهب، رأوا القياس في كل فعل ثلاثي تام متصرف، وما ورد خلاف ذلك؛ فهو شاذٌّ. وأما الفعل الرباعي؛ أو الثلاثي المزيد فيه؛ فلا ينبني منه؛ وعليه، فقد شذَّ قول الراجز: قالت له ريح الصبا قرقار لأن "قرقار" من فعل "قرقر"، وشذ قولهم: "دراك" من "أدرك" الرباعي؛ خلافا لابن طلحة الذي أجاز بناءه من "أفعل" الرباعي، وجعل "دراك" قياسيا. وذهب الأخفش إلى =

كـ "شتان"، و"هيهات"، بمعنى افترق وبعد، و"أوه" و"أف": بمعنى أتوجه واتضجر، و"وا"، "وي"، و"واها" بمعنى: أعجب؛ كقوله تعالى: {وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} 1؛ أي: أعجب لعدم فلاح الكافرين؛ وقول الشاعر2: [الرجز] 460- وا بأبي أنت وفوك الأشنبُ3

_ = جواز بنائه من نحو: "دحرج"، وجعل "قرقار" قياسيا، وكذا، دحراج، وقرطاس. وأما إن كان الفعل جامدا؛ نحو: "نعم وبئس"، أو غير تام التصرف؛ نحو: "هب" و"دع" لم يُبْنَ منه، فلا يقال: نعام، ولا وهاب ولا وداع. وكذلك إذا كان ناقصا، فلا يبني منه؛ "كان" وأخواتها. وأما بالنسبة إلى بناء أسماء الأفعال -في هذا الباب-؛ فلأنها أشبهت الحروف شبها استعماليا، وأما كون بنائها على حركة؛ فللتخلص من التقاء الساكنين؛ لأن قبل آخرها ألفا؛ وهي ساكنة؛ وأما كون الحركة الكسر؛ فلأنها الأصل في التخلص من التقاء الساكنين، وبنو أسد، يفتحون آخرها اتباعا لحركة ما قبل الألف، وتخفيفا. انظر التصريح: 2/ 196. وحاشية الصبان: 3/ 201. 1 "28" سورة القصص، الآية: 82. موطن الشاهد: "ويكأنه". وجه الاستشهاد: مجيء "وي" اسم فعل مضارع بمعنى "أعجب"، وهو مبني على السكون، لا محل له من الإعراب، والفاعل: أنا. كأنه: الكاف حرف مشبه بالفعل -وهو الأفضل- والهاء: اسمه، وجملة: "لا يفلح الكافرون": في محل رفع خبر "كأن". وي: اسم فعل مضارع بمعنى أعجب مبني على السكون، لا محل له. وفاعله أنا. كأنه: الكاف حرف تعليل وجر، وأن مدخولها في تأويل مصدر مجرور بالكاف، وقيل: كأن: بتمامها رفة تشبيه ونصب، والهاء اسمها، وجملة "لا يفلح الكافرون" خبرها. 2 ينسب هذا الرجز إلى رجل من بني تميم. 3 تخريج الشاهد: يروى بعد الشاهد قوله: كأنما ذر عليه الزرنبُ ... أو زنجبيل، وهو عندي أطيبُ والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 197، والأشموني: "934/ 2/ 486"، والعيني: 4/ 310، والهمع: 2/ 106، والدرر: 2/ 139، والمغني: "684/ 483"، والسيوطي: 2669، واللسان "زرنب"، والقطر 115/ 257". المفردات الغربية: فوك: فمك. الأشنب: من الشنب. وهو عذوبة ماء الفم من رقة الأسنان. ذر: فرق ورش. الزرنب: نبت من نبات البادية طيب الرائحة. الزنجبيل: نبت معروف. =

وقول الآخر1: [الرجز] 461- واهًا لسلمى ثم واهًا واها2

_ = المعنى: يعجب الراجز من جمال محبوبته، ويقول لها: أفديك بأبي، ويصف فمها بالعذوبة ورقة الأسنان والرائحة الطيبة المنبعثة منها. الإعراب: وا: اسم فعل مضارع بمعنى أعجب، مبني على السكون، لا محل له من الإعراب، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنا. "بأبي": متعلق بمحذوف خبر مقدم، وهو مضاف، وياء المتكلم: مضاف إليه. أنت: ضمير رفع منفصل في محل رفع مبتدأ مؤخر. وفوك: الواو عاطفة، فوك: اسم معطوف على أنه مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف، والكاف: مضاف إليه. الأشنب: صفة لـ "فوك" مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. ويجوز أن تكون الواو في "وفوك" استئنافية، و"فوك" مبتدأ، ومضاف إليه؛ وهذا الوجه ارتضاه العيني، وتبعه الشيخ خالد في التصريح. كأنما: كافة ومكفوفة لا عمل لها. ذر: فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على الفتح. "عليه": متعلق بـ "ذر". الزرنب: نائب فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وجملة "ذر عليه الزرنب": في محل رفع خبر المبتدأ "فوك" على الوجه الذي ارتضاه العيني والشيخ خالد في التصريح. نظر حاشية الصبان: 3/ 198، والتصريح: 2/ 197. موطن الشاهد: "وا". وجه الاستشهاد: مجيء "وا" اسم فعل مضارع بمعنى أعجب، وذلك شائع في اللغة. 1ينسب هذا الرجز إلى رؤبة بن العجاج، وينسب إلى أبي النجم الفضل بن قدامة العجلي. 2 تخريج الشاهد: يروى بعد الشاهد قوله: .................. ... هي المنى لو أننا نلناها يا ليت عيناها لنا وفاها ... بثمن نُرضِي به أباها إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 197، والأشموني: "728/ 2/ 363"، والعيني: 3/ 436. والقطر: "116/ 348" ومجالس ثعلب: 275، وشرح المفصل: 4/ 72، والمغني: "685/ 483"، والسيوطي: 266. المفردات الغريبة: المنى: ما يتمناه الإنسان، جمع منية، نلناها: ظفرنا بها، والنيل: الظفر والمراد. المعنى: يعجب لحسن محبوبته سلمى، ويؤكد عجبه بذلك ويقول: إنها كل ما يتمناه ويرجوه لو ظفر بها. الأعراب: واها: اسم فعل مضارع بمعنى أعجب، لا محل له من الإعراب، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره: أنا. "لسلمى": متعلق بـ "واها". ثم: حرف عطف. واها: اسم فعل مضارع، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنا، وجملة "واها" معطوفة على الجملة السابقة؛ لإفادة التوكيد. واها: توكيد لاسم الفعل السابق. موطن الشاهد: "واها". وجه الاستشهاد: استعمال "واها" اسم فعل مضارع بمعنى أعجب في المواضع الثلاثة، وقد عمل عمل فعله.

[اسم الفعل ضربان] : فصل: اسم الفعل ضربان1: أحدهما: ما وضع من أول الأمر كذلك2؛ كـ "شتان وصه ووي"3. الثاني: ما نقل من غيره إليه4؛ وهو نوعان: منقول من ظرف أو جار ومجرور؛ نحو: "عليك" بمعنى الزم؛ ومنه: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} 5؛ أي: الزموا.

_ = الأعراب: واها: اسم فعل مضارع بمعنى أعجب، لا محل له من الإعراب، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره: أنا. "لسلمى": متعلق بـ "واها". ثم: حرف عطف. واها: اسم فعل مضارع، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنا، وجملة "واها" معطوفة على الجملة السابقة؛ لإفادة التوكيد. واها: توكيد لاسم الفعل السابق. موطن الشاهد: "واها". وجه الاستشهاد: استعمال "واها" اسم فعل مضارع بمعنى أعجب في المواضع الثلاثة، وقد عمل عمل فعله. 1 هذا التقسيم من حيث الوضع والأصالة في الدلالة على الفعل. 2 أي: أنه لم يستعمل في غيره من قبل؛ ولذلك يسمى: المرتجل. 3 وذكروا من أسماء الأفعال: "وشكان": بمعنى قرب، وفي المثل "وشكان ذا خروجا" وذكروا أيضا: "سرعان" بمعنى سرع، وفي المثل: "سرعان ذا إهالة" وذكروا منه أيضا: "هيت": في نحو قوله تعالى: {قَالَتْ هَيْتَ لَكَ} : بمعنى تهيت. وذكروا منه أيضا: "لعا" بمعنى انتعش وارتفع. حاشية يس على التصريح: 2/ 197. 4 أي: وضع أول الأمر لمعنى آخر، ثم انتقل منه اسم الفعل؛ ولهذا يسمى: المنقول. 5 "5" سورة المائدة، الآية: 105. موطن الشاهد: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} . وجه الاستشهاد: وقوع "عليكم" اسم فعل أمر مبني على السكون؛ وهو منقول عن "الجار والمجرور"؛ والفاعل: أنتم، و"أنفسكم": مفعول به لاسم الفعل على تقدير حذف مضاف؛ والتقدير: الزموا شأن أنفسكم؛ واختلف في "الكاف" المتصلة بـ "على"؛ فقيل: حرف خطاب، لا محل له من الإعراب؛ وقيل: ضمير في محل رفع على الفاعلية، وفي محل نصب على المفعولية؛ أو في محل جر؛ إما بـ "على"، أو بالإضافة؛ لأن "على" اسم للمصدر: "اللزوم"، وقد يتعدى "عليك" بالباء؛ نحو: "عليك بذات الدين تربت يداك" فيقدر فعل مناسب؛ نحو: تمسك ونحوه؛ وكثيرا ما تزاد الباء في مفعول أسماء الأفعال؛ لضعفها في العمل. شرح التصريح: 2/ 198.

شأن أنفسكم1، و"دونك زيدا" بمعنى خذه، و"مكانك" بمعنى أثبت، و"أمامك"، بمعنى: تقدم، و"وراءك"، بمعنى: تأخر، و"إليك"؛ بمعنى: تنحَّ2؛ ومنقول من مصدر؛ وهو نوعان: مصدر استعمل فعله، ومصدر أُهمِل فعله؛ فالأول نحو: "رويد زيدًا" فإنهم قالوا: أروده إروادا؛ بمعنى أمهله إمهالا؛ ثم صغروا الإرواد تصغير الترخيم3، وأقاموا مقام مفعله، واستعملوه تارة مضافا إلى مفعوله، فقالوا: "رويد زيد"، وتارة منوَّنًا ناصبا للمفعول؛ فقالوا: "رويدا زيدا"، ثم إنهم نقوله وسموا به فعله؛ فقالوا: "رويد زيدا"4، والدليل على أن هذا اسم فعل: كونه مبنيا، والدليل

_ 1 وقد يتعدى "عليك" بحرف الجر، وهو الباء؛ نحو: عليك بذات الدين، فيقدر فعل مناسب، أي: تمسك مثلا. 2 أي ابتعد. وقال الأشموني: ولا يقاس على هذه الظروف المبهمة، ولا على ما سمع ممن الجار والمجرور وغيرها؛ مما لم يسمع. وأجاز الكسائي قياس ما لم يسمع على ما سمع. ولا يستعمل هذا النوع إلا متصلا بضمير المخاطب؛ وشذ قولهم: "عليه رجلا غيري" -أي: ليلزمه، و"علي" الشيء- أي: أولنيه، ولألزمه. وأما قوله عليه الصلاة والسلام: "ومن لم يستطع فعليه بالصوم"؛ فقد حسنه ما قبله من الخطاب في قوله: " يا معشر الشباب ... إلخ"، وقيل: "عليه" خبر مقدم، و"بالصوم": مبتدأ مؤخر على زيادة الباء؛ واختلف في موضع الضمير المتصل بعليك ونحوه: فقيل: رفع على الفاعلية واستعير ضمير غير الرفع له، وقيل: نصب على المفعولية، والصحيح: أن موضعه جر بالإضافة مع الظروف، كدونك ونحوه- وبالحرف مع المنقول من الحروف؛ كـ "عليك" وأمثاله. وقد نظر في ذلك إلى الأصل قبل النقل؛ لأن اسم الفعل لا يضاف ولا يعمل الجر. وفي كل واحد من الأسماء ضمير مستتر مرفوع الموضع على الفاعلية؛ فإذا جئت بتوكيد فقلت: عليكم كلكم محمداً؛ جاز رفع "كل" على أنه توكيد للضمير المستتر المرفوع، وجاز جره على التوكيد للمجرور الموجود. ومن هذا يتبين أن اسم الفعل وهو الجار لا غير، والفاعل مستتر فيه، والكاف كلمة مستقلة. الأشموني: 2/ 487-488. 3 فحذفوا زيادتيه، وهما: الهمزة والألف، وأوقعوا التصغير على أصوله فصار رويد. 4 "رويد" فيهما مصدر نائب عن فعل الأمر المحذوف؛ وهو "ارود" وفاعله مستتر فيه وجوبا. وكلمة "زيد" مفعول به، مجرور في الأول، منصوب في الثاني. وقد يستعمل منونا غير ناصب مفعوله نحو: "رويدا يا سائق"، فيكون نائبا عن فعل الأمر المحذوف أيضا، ويستعمل مصدرا منونا غير نائب عن فعل الأمر فينصب؛ إما على الحال؛ نحو: قرت الكتاب رويدا- أي مرودا: بمعنى متمهلا؛ أو نعتا لمذكور، أو محذوف على التأويل بالمشتق؛ نحو: سارت الوفود سيرا رويدا؛ أي متمهلا فيه، وساروا رويدا؛ أي: مرودين. وإذا قلت: رويدك زيدًا؛ فإن قدرت "رويدا" اسم فعل؛ فالكاف حرف خطاب، وإن قدرته مصدرا؛ فالكاف اسم مضاف إليه في ملح رفع على الفاعلية؛ ومثل"رويد زيدا" قول الشاعر: رويد عليا، جد ما ثدي أمهم ... إلينا، ولكن بغضهم متيامنُ التصريح: 2/ 198، والأشموني: 2/ 488، كتاب سيبويه: 241.

على بنائه: كونه غير منون؛ والثاني قولهم: "بله زيدا"، فإنه في الأصل. مصدر فعل مهمل مرادف لـ "دع" و"اترك"؛ يقال: "بله زيد" بالإضافة إلى المفعول؛ كما يقال: "ترك زيد"، ثم قيل: "بله زيدا"1، بنصب المفعول وبناء "بله" على أنه اسم فعل2. [عمل اسم الفعل] : فصل: يعمل اسم الفعل عمل مسماه3؛ تقول "هيهات نجد"، كما تقول: "بعدت نجد" قال4: 462- فهيهات هيهات العقيق ومن به 5

_ 1 من كلام العرب الذي جاء فيه هذا الاستعمال: قول كعب بن مالك في إحدى روايتيه: تذر الجماجم ضاحيا هاماتها ... بله الأكف كأنها لم تخلق 2 إذا كان الاسم بعد "بله" منصوبا منونا؛ جاز أن تكون مصدرا عاملا معربا؛ وجاز أن تكون فعل أمر مبنيا بمعنى: اترك، والقرائن: هي التي تعين أحد الوجهين. وإن كان الاسم بعدها مجرورا؛ وجب أن تكون مصدرا مضافا إلى ما بعدها. وكذلك الحال في "رويدا". التصريح: 2/ 199، والأشموني: 2/ 488. 3 أي عمل الفعل الذي يدل عليه، فيرفع الفاعل مثله حتما، ويسايره في التعدي واللزوم غالبا، وباقي المكملات، فإن كان فعله متعديا، ولازما؛ فهو مثله، وإن تعدى بحرف جر معين؛ فهو مثله أيضا، وإن كان مسماه ما لا يكتفي بمرفوع واحد؛ كان اسم فعله مثله، ومن غير الغالب أن يخالفه في ذلك مثل: "آمني" فإنه لازم، وفعله الذي بمعناه -وهو استجب- قد يأتي متعديا ولازما، و"إية" فإنه لازم، وفعله وهو "زد" متعدٍّ ... إلخ. التصريح: "2/ 199". 4 القائل: هو جرير بن عطية الشاعر الأموي، وقد مرت ترجمته. 5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: وهيهات خِلٌّ بالعقيق نواصله =

وتقول: "شتان زيد وعمرو"، كما تقول: "افترق زيد وعمرو" و"تراك زيدا"، كما تقول: "اترك زيدا". وقد يكون اسم الفعل مشتركا بين أفعال سميت به؛ فيستعمل على أوجه باعتبارها1؛ قالوا "حيهل الثريد"؛ بمعنى: ائت الثريد، و"حيهل على الخير"؛ بمعنى: أقبل على الخير، وقالوا: "إذا ذكر الصالحون فحيهل بعمر"2؛ أي: أسرعوا بذكره.

_ = وهو من شواهد: التصريح: 1/ 318، 2/ 199، والهمع: 2/ 11، والدرر: 2/ 145، والخصائص: 3/ 42 والنقائض: 632، وشرح المفصل: 4/ 35 والمقرب: 26، والعيني: 3/ 7، 4/ 311 والشذور: "212/ 525"، والقطر: 114/ 347" وديوان جرير: 479. المفردات الغريبة: العقيق: موضع بجهات كثيرة؛ بالمدينة، وباليمامة، وبالطائف. المعنى: بَعُدَ هذا الموضع، وبَعُدَ من به من الأصدقاء والأحبة، وهيهات خليل وحبيب نواصله، ولا نريد هجره وقطيعته. الإعراب: هيهات: اسم فعل ماضٍ بمعنى بَعُدَ مبنيٌّ على الفتح، لا محل له من الإعراب. هيهات: توكيد للأول. العقيق: فاعل لـ "هيهات" الأول مرفوع وعلامة رفعه الضمة. ومن: الواو حرف عطف، من: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع؛ لأنه معطوف على "العقيق". "به": متعلق بمحذوف صلة الموصول. وهيهات: الواو حرف عطف، هيهات: اسم فعل ماضٍ بمعنى بعُد. خل: فاعل لـ "هيهات" مرفوع. "بالعقيق": متعلق بمحذوف صفة لـ "خل"؛ أو في محل نصب على الحال منه؛ لأنه تخصص بالوصف بـ الجار والمجرور"، في قوله "بالعقيق". موطن الشاهد: "هيهات العقيق، هيهات خل". وجه الاستشهاد: وقوع "هيهات" اسم فعل ماضٍ بمعنى بعد، وقد عمل عمل الفعل الذي بمعناه. 1 بمعنى أن يساير في التعدي واللزوم الفعل الذي يؤدي معناه. 2 قول يروى عن ابن مسعود -رضي الله عنه- يراد به سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

[لا يجوز تقديم معمول اسم الفعل عليه] : ولا يجوز تقديم معمول اسم الفعل عليه1؛ خلافًا للكسائي2، وأما: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} 3، وقوله4: [الرجز] 463- يا أيها المائح دلوي دونكا5

_ 1 وذلك؛ لضعفه بعدم التصرف؛ ففي مثل: عليك نفسك؛ لا يصح في الغالب أن يقال: نفسك عليك، وفي عملها عمل الفعل الذي تنوب عنه، وفي أن معمولاتها لا تقدم عليها؛ ويقول ابن مالك: وما لما تنوب عنه من عملْ ... لها، وأخِّر ما الذي فيه العملْ 2 مرت ترجمته. 3 "4" سورة النساء، الآية: 24. موطن الشاهد: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} . وجه الاستشهاد: وقوع: "كتاب" مصدرا منصوبا بفعل محذوف، وهو مؤكد لنفسه؛ لأن قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} يدل على أن ذلك مكتوب؛ و"عليكم" متعلق بالفعل الحذوف؛ أو بـ طتاب"؛ والتقدير: كتب الله علكيم ذلك كتابا؛ فحذف الفعل وأضيف المصدر إلى فاعله. التصريح: 2/ 200. 4 ينسب هذا الرجز إلى راجز جاهلي من بني أسيد بن عمرو بن تميم. 5 تخريج الشاهد: ونسبة بعضهم إلى جارية من بني مازن، تخاطب فيه ناجية بن جندب الأسلمي -رضي الله عنه- صاحب بدن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يميح على الناس في القليب. وبعد الشاهد قوله: إني رأيت الناس يحمدونكا ... يثنون خيرا ويبعدونكا خذها إليك اشغل بها يمينكا والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 200، والأشموني: "983/ 2/ 491" والشذور: "217/ 530"، وأمالي القالي: 2/ 244، والعقد الفريد: 5/ 211، وأمالي الزجاجي: 237، والإنصاف: 228، وشرح الفصل: 1/ 117، والمقرب: 27، والخزانة: 3/ 15، والعيني: 4/ 311، والهمع: 2/ 105، والدرر: 2/ 138، واللسان والتاج والمقاييس "ميج". المفردات الغريبة: المائح: الذي ينزل البئر؛ ليملأ الدلاء عند قلة مائها؛ أما الذي يقف على شفير البئر، ويستخرج الدلاء: فهو ماتح: دونكا: خذ. المعنى: يا أيها المائح خذ دلوي فاملأه؛ فإني رأيت الناس يثنون عليك لمروءتك. =

فمؤولان1. [المنون وغير المنون من أسماء الأفعال] : فصل: وما نون من هذه الأسماء؛ فهو نكرة2، وقد التزم ذلك في "واهًا"

_ = الإعراب: يا: حرف نداء. أيها: أي: منادى نكرة مقصودة مبني على الضم في محل نصب على النداء، "ها": للتنبيه. المائح: صفة لـ "أي" مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره. دلوي: مفعول به لفعل محذوف يفسره اسم الفعل المذكور بعده؛ والتقدير: خذ دلوي؛ ومبتدأ مرفوع، والياء مضاف إليه. دونك: اسم فعل أمر بمعنى خذ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره: أنت، وجملة "دونك": في محل رفع خبر المبتدأ على التقدير الثاني، وعليه ففي "دونك" مفعول به محذوف يربطه بالمبتدأ؛ والتقدير: دونكه، وأما على التقدير الأول، فجملة "دونك" تفسيرية، لا محل لها من الإعراب. موطن الشاهد: "دلوي دونك". وجه الاستشهاد: استشهد الكسائي بهذا البيت على أن "دلوي" مفعول به منصوب باسم الفعل المذكور بعده؛ وادعى أن اسم الفعل يعمل متأخرا، كما يعمل متقدما؛ وهذا غير صحيح -عند جمهور النحاة- لأن "دلوي" إما أن يكون مفعولا لفعل محذوف، أو مبتدأ؛ كما بينا في الإعراب. 1 قيل في تأويل الآية: "كتاب" مصدر منصوب بفعل محذوف؛ وهو مؤكد لنفسه؛ لأن قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} يدل على أن ذلك مكتوب. "عليكم" متعلق به؛ وبالفعل المحذوف؛ لا اسم فعل؛ والتقدير: كتب الله عليكم ذلك كتابا. فحذف الفعل، وأضيف المصدر إلى فاعله؛ أما تأويل البيت: "فدلوي" مبتدأ لا مفعول مقدم. "دونكا": اسم فعل أمر، وفاعله مستتر فيه. و"الجملة": خبر المبتدأ، والعائد محذوف؛ أي: دلوي دونكه. ووقوع خبر المبتدأ جملةً طلبية سائغ عند الجمهور. هذا؛ واسم الفعل لا يعمل محذوفا على الاصح؛ خلافًا لابن مالك. ولا تلحقه نون التوكيد مطلقا. وفاعل اسم الفعل الماضي يكون في الغالب اسما ظاهرا؛ وضميرًا للغائب مستترا جوازا. أما اسم الفعل المضارع والأمر؛ ففاعلهما في الغالب: ضمير للمخاطب مستتر وجوبًا. ولا يكون الفاعل في هذا الباب ضميرا بارزا. انظر: قطر الندى: "تحقيق عبد الحميد: 258"، والتصريح: 2/ 200، والدرر اللوامع: 2/ 138-0139. 2 التنكير خاص بالمرتجل من أسماء الأفعال؛ أما المنقولة، فلا تنون لاستصحابه الأصل؛ وهو غير منون. اعلم: أن التنكير راجع إلى المصدر الذي هو أصل ذلك الفعل -لا إلي اسم الفعل- لأن الفعل لا يحكم عليه بتعريف ولا بتنكير؛ فـ "صه" بمعنى: اسكت -منونا- يراد به طلب السكوت عن كل الكلام. و"صه" مجردا من التنوين: معناه اسكت عن هذا الموضوع الخاص المعروف لنا، مع جواز التكلم في غيره.

و "ويها"، كما التزم تنكير نحو: أحد وعريب وديار1. وما لم ينون منها؛ فهو معرفة، وقد التزم ذلك في "نزال"، و"تراك" وبإيهما؛ كما التزم التعريف في المضمرات والإشارات والموصولات2. وما استعمل بالوجهين: فعلى معنيين3، وقد جاء على ذلك: صه ومه وإيه، وألفاظ أخر، كما جاء التعريف والتنكير في نحو: كتاب، ورجل، وفرس.

_ 1 "عريب" و"ديارا" بمعنى: أحدا؛ ومثال عريب، قول عبدي بن الابرص: ليس بها منهُمُ عَرِيبُ ومثال "ديَّار" قول الله تعالى: {لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} . ولـ "أحد" استعمالات معها: 1- أن يكون مرادفا للأول؛ وهذا هو الذي يستعمل في العدد حين تقول: "أحد عشر"، و"أحد وعشرون". 2- أن يكون مرادفا للواحد بمعنى المنفرد نحو: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} . 3- أن يكون مرادفا لإنسان؛ نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} . 4- ويكون اسما لمن يعقل؛ نحو: {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} ؛ وفي هذه الحالة، لا يستعمل إلا منفيا، ويلازم التنكير فلا يعرف إلا شذوذًا. 2 يذكر هنا: أن أسماء الأفعال جميعها مبنية، وليس لها محل من الإعراب؛ وبناؤها على لفظها المسموع؛ فمنها ما بناؤه على الفتح؛ كـ "شتان". ومنها المبنى على الكسر؛ كـ "أية". 3 ينكر عند تنوينه، ويعرف عند عدم التنوين؛ وذلك راجع إلى المصدر. 4 فهذه وأمثالها مع التنوين نكرات، وبدونه مع "أل" أو الإضافة معارف.

باب أسماء الأصوات

[باب أسماء الأصوات 1] : هذا باب أسماء الأصوات. [تعريف أسماء الأصوات وأنواعها] : [بعض أسماء الأصوات] : وهي نوعان؛ أحدهما: ما خوطب به ما لا يعقل، مما يشبه اسم الفعل2، كقولهم في دعاء الإبل لتشرب: "جئ جئ" مهموزين3؛ وفي دعاء الضأن: "حاحا"4، والمعز "عاعا" غير مهموزين، والفعل منهما: حاحيت وعاعيت؛ والمصدر حيحاء وعيعاء، قال5: [الرجز] 464- يا عنز هذا شجر وماء ... عاعيت لو ينفعني العيعاء6

_ 1 هي ألفاظ، يفهم المقصود منها؛ بمجرد النطق بها وسماعها. وقد وضع ت لخطاب ما لا يعقل من الحيوان الأعجم؛ أو ما هو في حكمه من صغار الآدميين، وقد يراد بها حكاية صوت من الأصوات. الأشموني: 2/ 492. 2 أي: الاكتفاء به، وعدم احتياجه في إفادة المراد إلى شيء آخر بحسب الظاهر؛ وإن كان اسم الفعل في الحقيقة مركبا مع فاعله، واسم الصوت مفردًا لا ضمير فيه. 3 ومنه الفعل: جأجأت الإبل؛ إذا دعوتها؛ لتشرب، ثم لما كثر ذلك سمو الشراب جيئا. قال الراجز: وما كان على الهيءِ ... ولا الجيء امتداحيكا يريد لم يكن على الطعام ولا الشراب مدحي إياك. التصريح: 2/ 201. 4 قال الجوهري: "حاء: زجر الإبل، بني على الكسر؛ لالتقاء الساكنين، وقد يقصر؛ فإن أردت التنكير؛ نونت فقلت: حاء وعاء، قال أبو زيد، يقال للمعز خاصة: حاحيت بها حيحاء وحيحاءة؛ إذ دعوتها". 5 لم ينسب هذا الرجز إلى قائل معين. 6 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز، أو بيتان من مشطوره ذكرهما صاحب التصريح: 2/ 202.

وفي زجر البغل: "عدس: قال: عدس ما لعباد عليك إمارة1 وقولنا: "مما يشبه اسم الفعل" احترازًا من نحو قوله2: [البسيط] 465- يا دار مية بالعلياء فالسند3

_ = المفردات الغريبة: عاعيت: صحت وقلت: عاعا. المعنى: واضح. الإعراب: يا: حرف نداء. عنز: منادى مبني على الضم في محل نصب على النداء؛ وقد أنزل "عنز" منزلة العاقل. هذا: الهاء للتنبيه، "ذا": اسم إشارة في محل رفع مبتدأ. شجر: خبر مرفوع. وماء: الواو حرف عطف، ماء: اسم معطوف على مرفوع؛ فهو مرفوع مثله. عاعيت: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل. لو: حرف تَمَنٍّ، لا محل له من الإعراب. ينفعني: فعل مضارع مرفوع، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب مفعول به. العيعاء: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره. فائدة: يجوز أن تكون "لو" في البيت شرطية، وجملة "ينفعني": شرطها ويكون جوابها محذوفا؛ والتقدير: لو ينفعني العيعاء؛ لاستكثرت منه، أو لعاعيت؛ وهذا الوجه أفضل من الأول؛ لدلالة السياق عليه. موطن الشاهد: "عاعيت". وجه الاستشهاد: استعمال فعل" عاعيت" من اسم الصوت "عاعا" وكذلك استعمل منه المصدر عيعاء. 1 مر تخريج هذا الشاهد والتعليق عليه في باب الموصول. موطن الشاهد: "عدس". وجه الاستشهاد: استعمل الشاعر "عدس" اسم صوت لزجر الفرس، وقال بعضهم: إنه اسم للفرس نفسه؛ بدليل قول الشاعر: إذا حملت بزتي على عدس فقد استعمل "عدس" اسما، ودليل ذلك دخول حرف الجر عليه، ومعلوم أن اسم الصوت لا يعمل في شيء ولا يعمل فيه الشيء. 2 القائل: هو النابغة الذبياني، وقد مرت ترجمته. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: أقوت وطال عليها سالف الأَمَدِ وهو مطلع قصيدته المشهورة؛ التي تعد من المعلقات؛ وهي في مدح النعمان بن المنذر. =

وقوله1: [الطويل] 466- ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي2

_ = وهو من شواهد: التصريح: 2/ 202، والأشموني: "940/ 2/ 493"، ومجالس العلماء للزجاجي: 260، وديوان النابغة الذبياني: 22. المفردات الغريبة: العلياء: ما ارتفع من الأرض. السند: المرتفع من الجبل الذي يسند ويصعد فيه، وقيل: هما اسما موضعين. أقوت: خلت وأصبحت قواء، أي خالية من الأنيس. سالف الأمد: الزمان الماضي. المعنى: ينادي ويخاطب دار محبوبته بهذا المكان، ويتوجع؛ لأنها أصبحت خالية خاوية ليس بها أنيس، وقد طال عليها الزمن. الإعراب: يا: حرف نداء. دار: منادى مضاف منصوب، وهو مضاف. مية: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف؛ للعلمية والتأنيث. "بالعلياء": متعلق بمحذوف حال من "دار مية". فالسند: الفاء عاطفة، السند: معطوف على "علياء" مجرور مثله. أقوت: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة؛ لالتقاء الساكنين؛ والتاء: لا محل لها من الإعراب، والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هي؛ وجملة "أقوت": في محل نصب على الحال بتقدير: قد، وطال: الواو عاطفة، طال: فعل ماضٍ. "عليها": متعلق بـ "طال". سالف: فاعل مرفوع، وهو مضاف. الأمد: مضاف إليه، وجملة "طال عليها سالف الأمد": معطوفة على جملة "أقوت" في محل نصب. موطن الشاهد: "يا دار مية". وجه الاستشهاد: خاطب الشاعر ونادى بـ "يا" ما لا يعقل؛ وهو الدار؛ وهو ليس اسم صوت؛ لكونه لا يشبه اسم الفعل كما وضح سابقا. 1 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت من معلقته المشهورة، وعجزه قوله: بصبح؛ وما الإصباح منك بأمثل وهومن شواهد: التصريح: 2/ 202، والأشموني: "941/ 2/ 493"، والعيني: 4/ 318 وأمالي ابن الشجري: 1/ 275، ومعاهد التنصيص: 1/ 89. وديوان امرئ القيس: 147. المفردات الغريبة: انْجَلِ: انكشِفْ من الانجلاء وهو الانكشاف. بأمثل: بأحسن وأفضل حالا، من المثالة وهي الفضل. المعنى: ينادي الشاعر الليل، ويشكو طوله ويطلب زواله بالصبح، لما يلاقيه فيه من =

الثاني: ما حُكي به صوت؛ كـ "غاق"؛ لحكاية صوت الغراب، و"طاق"؛ لصوت الضرب، و"طق"؛ لصوت وقع الحجارة، و"قب"؛ لصوت وقع السيف على الضريبة. والنوعان مبنيان؛ لشبههما بالحروف المهملة في أنها لا عاملة، ولا معمولة؛ كما أن أسماء الأفعال بنيت؛ لشبهها بالحروف المهملة في أنها عاملة غير معمولة، وقد مضى ذلك في أوائل الكتاب1.

_ = آلام، ثم رجع، وقال: ليس الصبح بأفضل منك يا ليل؛ لأني أقاسي فيه أيضا آلاما وأشجانا. الإعراب: ألا: حرف استفتاح وتنبيه، لا محل له من الإعراب. أيها: منادى نكرة مقصودة بحرف نداء محذوف مبني على الضم في محل نصب على النداء، و"ها" للتنبيه. الليل: صفة لـ "أي" مرفوع تبعا لفظها. الطويل: صفة لـ "ليل" مرفوع مثله. ألا: توكيد للأول. انجلِ: فعل أمر مبني على حذف الياء، والياء الموجودة؛ لإشباع كسرة اللام؛ لضرورة الشعر، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنت. "بصبح": متعلق بـ "انجل". وما: الواو حالية، ما: نافية مهملة؛ أو عاملة عمل ليس؛ وهو الأرجح؛ لدخول الباء الزائدة على الخبر. الإصباح: اسم "ما" النافية، أو مبتدأ على الوجه الأول. "منك": متعلق بـ "أمثل" الآتي. "بأمثل": الباء حرف جر زائد، أمثل: اسم مجرور لفظا، نصوب محلا على أنه خبر "ما"، أو مرفوع محلا على أنه خبر المبتدأ على الوجه الأول. موطن الشاهد: "أيها الليل". وجه الاستشهاد: مخاطبة الشاعر لليل؛ وهو خطاب لغير العاقل، وهو ليس اسم صوت؛ لكونه لا يشبه اسم الفعل، كما في المثال السابق. 1 أي: في باب المعرب والمبني، عند بيان شبه لحرف في سبب البناء. فائدة: تجري على الألسنة عبارة: "وهلم جرا" وقد توقف أن هشام في عربية هذا التعبير، ثم قال في توجيهه ما ملخصه: "هلم" اسم فعل بمعنى: "أقبِلْ وائْتِ" وليس المراد الإقبال والمجيء الحسيين؛ وإنما المقصود: الاستمرار على الشيء وملازمته، كما أنه ليس المراد الطلب؛ وإنما هو خبر في صورة الطلب؛ مثل قوله تعالى: {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} ، وأما كلمة "جرا" فهي مصدر جره يجره جرًّا؛ إذا سحبه؛ وليس المراد كذلك: الجر الحسي؛ بل المقصود التعميم الذي يشمله وغيره؛ فإذا قيل "مثلًا" حدث ذلك الأمر يوم كذا وكذا، وهلم جرا؛ فكأنه قيل: واستمر ذلك في بقية الأيام استمرارا، أو استمر مستمرا على الحال المؤكدة.

باب نوني التوكيد

[باب نوني التوكيد 1] : هذا باب نوني التوكيد. [نونا التوكيد] : لتوكيد الفعل نونان: ثقيلة، وخفيفة؛ نحو: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا} 2. [توكيد الأمر] : ويؤكد بهما الأمر مطلقا3، ولا يؤكد بهما الماضي مطلقا4.

_ 1 ذهب جمهور البصريين: إلى أن كل واحد منهما أصل وليس أحدهما فرعًا من الآخر؛ وذلك لتخالف بعض أحكامهما؛ كإبدال الخفيفة ألفًا؛ في نحو: {وَلْيَكُونًا} ، وحذفها؛ كما في قول الأضبط بين قريع: "لا تهين الفقير ... " وكلاهما ممتنع في الثقيلة؛ قاله سيبويه وعورض بأن الفرع، قد يختص بما ليس للأصل أحيانا؛ وقد قال سيبويه نفسه؛ في "أن" المفتوحة: إنها فرع المكسورة؛ ولها إذا خففت أحكام تخصها؛ ومذهب الكوفيين: أن الخفيفة فرع الثقيلة. وذكر الخليل: أن التوكيد بالثقيلة أشد من التوكيد بالخفيفة؛ ويدل له قوله تعالى: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا} ؛ فإن امرأة العزيز؛ كانت أشد حرصا على سجنه من كينونته صاغرا. التصريح: 2/ 203، والمغني: 443، والجنى الداني: 141، ورصف المباني: 334. 2 "12" سورة يوسف، الآية: 32. موطن الشاهد: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا} . وجه الاستشهاد: اجتماع النونين؛ الثقيلة والمخففة في هذه الآية؛ وقد جاءت النون المؤكدة مشددة في "ليسجنن"؛ لأن امرأة العزيز كانت أشد حرصا على سجنه، من كينونته صاغرا. التصريح: 2/ 203. 3 أي: من غير شرط؛ سواء كان بالصيغة أم بلام الأمر؛ نحو: ليقومن؛ لأنه مستقبل يدل على الطلب دائما. وسواء كان باقيا على معنى الأمر الخالص؛ أم خرج إلى غرض آخر؛ كالدعاء مثلا مع بقاء صيغته على حالها. 4 أي: ولو كان بمعنى الاستقبال؛ ذلك لأنهما يخلصان مدخولهما للاستقبال؛ وذلك ينافي المضي، فيكون هناك تناقض؛ وأما قول الشاعر: دامنَّ سعدك إن رحمت متيما ... لولاكِ لم يك للصبابة جانحا فضرورة؛ سهلها أن الفعل مستقبل معنى؛ لأن الدعاء إنما يتحقق في الاستقبال. التصريح: 2/ 203، والدرر اللوامع: 2/ 99، والمغني: 444.

[حالات توكيد المضارع] : وأما المضارع؛ فله حالات: إحداها: أن يكون توكيده بهم واجبا، وذلك إذا كان: مثبتا، مستقبلا؛ جوابا لقسم غير مفصول من لامه بفاصل1؛ نحو: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} 2، ولا يجوز توكيده بهما إن كان منفيًّا؛ نحو: {تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ} 3؛ إذ التقدير: لا تفتأ، وكان حالا؛ كقراءة ابن كثير4: {لا أُُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} 5؛ وقول الشاعر6: [المتقارب]

_ 1 قيل: إنما وجب التوكيد في هذه الحالة؛ للفرق بين لام القسم ولام الابتداء. ولا بد من توكيده باللام والنون عند البصريين. وأجاز الكوفيون الاكتفاء بأحدهما. 2 "21" سورة الأنبياء، الآية: 57. موطن الشاهد: {تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ} . وجه الاستشهاد: وقوع فعل "أكيدن" مؤكدا بنون التوكيد الثقيلة؛ وحكم هذا التأكيد واجب؛ لكونه مثبتا، مستقبلا، وقع جوابا للقسم، مقترنا باللام الواقعة في جواب القسم. 3 "12" سورة يوسف، الآية: 85. موطن الشاهد: {تَاللَّهِ تَفْتَؤٌا} . وجه الاستشهاد: مجيء فعل "تفتأ" غير مؤكد مع وقوعه جوابا للقسم؛ لكونه منفيا تقديرا بـ "لا" محذوفة؛ إذ التقدير: تالله لا تفتأ؛ وحذف "لا" في جواب القسم مطرد. 4 مرت ترجمته. 5 "75" سورة القيامة، الآية: 1. أوجه القراءات: قرأ ابن كثير: "لَأُقْسِمُ بيوم القيامة". التصريح: 2/ 203. موطن الشاهد: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} . وجه الاستشهاد: عدم توكيد الفعل المضارع -على هذه القراءة- حيث اللام للقسم؛ لأن لام جواب القسم الداخلة على المضارع؛ تخلص زمنه للحال عند فريق من النحاة؛ فالإقسام موجود عند المتكلم، ونون التوكيد تخلصه للمستقبل؛ فيتعارض الحال مع المستقبل ولذلك امتنع التوكيد. 6 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

476- يمينا لأُبْغِضَ كلَّ امرئٍ1 وكان مفصولا من اللام2؛ مثل: {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} 3؛ ونحو: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} 4.

_ 1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: يزخرف قولا ولا يفعلُ وهو من شواهد: التصريح: 2/ 203، والأشموني: "955/ 2/ 496، والعيني: 4/ 338. المفردات الغريبة: أبغض: أكره؛ مضارع، وماضيه أَبْغَضَ-كأكرم؛ وقولهم: ما أبغضه لي شاذ. يزخرف: يزين ويحسن. المعنى: أقسم أني أبغض وأمقت، ولا أحب كل إنسان يقول قولا مزخرفا مملوءًا بالمواعد والأفعال الكريمة، ولكنه لا ينفذ شيئا مما يقول. الإعراب: يمينا: مفعول مطلق لفعل محذوف من معناه؛ والتقدير: أقسم يمينا. لأبغض: اللام واقعة في جواب القسم، أبغض: فعل مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره: أنا؛ وجملة "أبغض" جواب القسم لا محل لها من الإعراب. كل: مفعول به منصوب، وهو مضاف. امرئ: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. يزخرف: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو؛ وجملة "يزخرف": في محل جر صفة لـ "امرئ". قول: مفعول به لـ "يزخرف". ولا: الواو عاطفة، لا: نافية. يفعل: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو وجملة "يفعل": معطوفة على جملة "يزخرف"، في محل جر. موطن الشاهد: "لأبغض". وجه الاستشهاد: عدم توكيد الفعل بالنون، مع أنه فعل مضارع مثبت ومقترن بـ "لام جواب القسم"، ومتصل بها؛ وسبب ذلك: أن الفعل ليس بمعنى الاستقبال، بل يراد به الحال؛ لأن البغض واقع أو حاصل عند التكلم. فائدة: لا يؤكد الفعل المضارع، المراد به الحال بنون التوكيد؛ لأنها تخلص الفعل المضارع للاستقبال، فلو أننا أكدنا هذا الفعل لوقعنا في التناقض. 2 ذلك؛ لأن الفصل يدل على الاهتمام بالفعل، وهذا ينافي التوكيد، سواء كان الفصل بمعمول الجواب، أو بغيره، وقد مثل لهما المصنف. 3 "3" سورة آل عمران، الآية: 158. موطن الشاهد: {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} . وجه الاستشهاد: امتناع تأكيد الفعل المضارع "تحشرون"؛ لأنه فصل عن اللام بمعموله "إلى الله"، والأصل فيها: لئن متم أو قلتم لتحشرون إلى الله. 4 "93" سورة الضحى، الآية: 5 موطن الشاهد: {لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} . وجه الاستشهاد: امتناع تأكيد "يعطيك" المعطوف على جواب القسم: "ما ودعك"، والمعطوف على الجواب له حكم الجواب؛ لأنه الآن فصل بينه وبين اللام بـ "سوف"؛ ومثل الفصل بـ "سوف" الفصل بـ "السين، أو بـ "قد". ومثل هذه الآية قول الشاعر: فوربي لسوف يجزي الذي أسـ ... ـلفه المرء سيئًا أو جميا

والثانية: أن يكون قريبا من الواجب؛ وذلك إذا كان شرطا؛ لأن المؤكدة بما 1؛ نحو: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ} 2، {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ} 3، {فَإِمَّا تَرَيِنَّ} 4. ومن ترك توكيده؛ قوله5: [البسيط] 468- يا صاح إما تَجِدْنِي غير ذي جدة 6

_ 1 أي: إذا كان المضارع فعل شرط لـ "إن" الشرطية المدغمة فيها "ما" الزائدة للتوكيد ويرى المبرد والزجاج: أن التوكيد في هذه الحالة واجب؛ إلا في ضرورة الشعر. 3 "8" سورة الأنفال، الآية: 58. موطن الشاهد: {إِمَّا تَخَافَنَّ} . وجه الاستشهاد: وقوع "إن" شرطية مدغمة في "ما" الزائدة، وتخافن: فعل مضارع وقع فعلا للشرط، وقد أكد بالنون، وحكم توكيده واجب؛ إلا في ضرورة الشعر على رأي المبرد والزجاج وهو قريب من الواجب عند الجمهور. 3 "47" سورة الزخرف، الآية: 41. موطن الشاهد: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ} . وجه الاستشهاد: مجيء فعل "تذهبن" مؤكدا؛ لكونه شرطا لـ "عن" المؤكدة بـ "ما" الزائدة، وحكم توكيده واجب، أو قريب من الواجب، كما في الآية السابقة. 4 "19" سورة مريم، الآية: 26. موطن الشاهد: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ} . وجه الاستشهاد: مجيء فعل "ترين" مؤكدا؛ لكونه شرطا؛ لـ "إن" المؤكدة بـ "ما" الزائدة؛ وحكم توكيده واجب، أو قريب من الواجب؛ كما في الآية السابقة. 5 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 6 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: فما التخلي عن الخلان من شيمي

وهو قليل؛ وقيل: يختص بالضرورة1. الثالثة: أن يكون كثيرًا؛ وذلك إذا وقع بعد أداة طلب2؛ كقوله تعالى:

_ = وهو من شواهد: التصريح: 2/ 204، والأشموني: "957/ 2/ 497"، والعيني: 4/ 339. المفردات الغريبة: جدة: غنى وسعة في المال. الخلان: جمع خليل. شيمي: طبيعتي وخلقي. المعنى: يقول الشاعر لصاحبه؛ أو صديقه: إن كنت لست في سعة من المال، ولا أستطيع مساعدة إخواني بمالي؛ فلا أستطيع التخلي عنهم ونصرتهم بنفسي؛ لأن ذلك ليس من خلقي، ولا من شيمتي. الإعراب: يا: حرف نداء. صاح: منادى مرخم "صاحب". إما: إن شرطية جازمة، ما: زائدة، لا محل لها. تجدني: فعل الشرط مجزوم، علامة جزمه السكون، والفاعل ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنت، والنون للوقاية، والياء: في محل نصب مفعول به أول. غير: مفعول به ثانٍ، لـ "تجد"، وهو مضاف. ذي: مضاف إليه، وهو مضاف جدة: مضاف إليه. فما: الفاء واقعة في جواب الشرط، ما: نافية مهملة، أو عاملة عمل ليس. التخلي: مبتدأ، أو اسم "ما" النافية. "عن الإخوان": متعلق بـ "التخلي". "من شيمي": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، أو بخبر "ما" النافية؛ وجملة "ما التخلي ... ": في محل جزم جواب الشرط. موطن الشاهد: "تجدني". وجه الاستشهاد: عدم تأكيد فعل "تجدني" الواقع شرطا لـ "إن" الشرطية المؤكدة بـ "إما" الزائدة؛ وحكم عدم تأكيده هنا القلة، أو أنه ضرورة من ضرورات الشعر. 1 مذهب سيبويه، أنه ليس بلازم؛ ولكنه أحسن؛ ولهذا لم يقع في القرآن إلا كذلك؛ وإليه ذهب الفارسي وأكثر المتأخرين؛ وهو الصحيح؛ ومن مجيء الفعل بعد "إما" غير مؤكد قول الشاعر. فإما تَرَيْنِي كابنة الرمل ضاحيا ... على رقة أحفى ولا أتنعل وقول الآخر: فإما تَرَيْنِي ولي لمة ... فإن الحوادث أودى بها الأشموني: 2/ 497. 2 أي: حقيقي؛ وهو: الأمر والنهي، والدعاء، والعرض، والتحضيض، والتمني، والاستفهام؛ أما الخبر المراد به الطلب مجازا؛ كقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} ؛ لأن معناه: الأمر، وكقولك للعاطس: يرحمك الله؛ فلا يؤكد. وإنما كان التوكيد بعد الطلب كثيرا؛ لأن عناية الطالب بالمطلوب، واهتمامه به يستدعي تأكيده.

{وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا} 1؛ وقول الشاعر2: [البسيط] 469- هلا تَمُنِّنْ بوعد غير مخلفة3

_ 1 "14" سورة إبراهييم، الآية: 42. موطن الشاهد: {لَا تَحْسَبَنَّ} . وجه الاستشهاد: وقوع فعل "تحسبن" مؤكدا بعد "لا" الناهية الطلبية؛ وحكم هذا التوكيد كثير وشائع؛ لأن عناية الطالب بالمطلوب واهتمامه به، يستدعي تأكيده. 2 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: كما عهدتك في أيام ذي سلم هو من شواهد: التصريح: 2/ 204، والأشموني: "948/ 2/ 495"، والعيني: 4/ 232 والهمع: 2/ 78، والدرر: 2/ 96. المفردات الغريبة: مخلفة: اسم فاعل مؤنث من الإخلاف؛ وهو عدم الوفاء بالوعد. ذي سلم: اسم موضع بالحجاز وبالشام. المعنى: يطلب الشاعر إلى محبوبته بشدة وحث أن تشفق عليه وتفي بوعدها ولا تخلفه؛ كما عهدها موفية أيام كانوا مربعين بذي سلم. الإعراب: هلا: حرف تحضيض، يفيد الحث على الفعل بعنف وشدة. تمنن: فعل مضارع مرفوضع، وعلامة رف عه النون المحذوفة؛ لتوالي الأمثال، وياء المخاطبة المحذوفة؛ لالتقاء الساكنين في محل رفع فاعل، والنون المذكورة للتوكيد؛ وحذفت نون الرفع -هنا- مع نون التوكيد الخفيفة، حملا على الثقيلة؛ وأصل الفعل: تمنينين. "بعد": متعلق بـ "تمنن". غير: حال منصوب من ياء المخاطبة المحذوفة، وهو مضاف. مختلفة: مضاف إليه مجرور. كما: الكاف حرف جر وتشبيه، وما: مصدرية؛ والمصدر المؤول من "ما المصدرية وما دخلت عليه": مجرور بالكاف؛ و"كما" متعلق بـ "تمنن". عهدتك: فعل ماضٍ مبني على السكون والتاء في محل رفع فاعل، والكاف في محل نصب مفعولا به. "في أيام": متعلق بـ "عهدتك"، وأيام: مضاف. ذي: مضاف إليه، وهو مضاف. سلم: مضاف إليه مجرورا؛ وجملة "عهدتك ... " صله للموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب. موطن الشاهد: "تَمُنِّنْ". وجه الاستشهاد: تأكيد فعل "تمنن"؛ لكونه فعلا مضارعا واقعا بعد حرف التحضيض: "هلا".

وقول الأخر1: [الطويل] 470- فليتك يوم الملتقى تَرَيِنَّنِي2 وقوله3: [الكامل] 471- أفبعد كندة تمدحنَّ قبيلا 4

_ 1 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: لكي تعلمي أني امرؤ بك هائمُ وهو من شواهد: التصريح: 2/ 204، والأشموني: "949/ 2/ 4956". المفردات الغريبة: يوم الملتقى: يريد يوم الحرب التي يلتقي فيها الأقران. هائم: غارق في الحب. المعنى: يتمنى أن تراه في هذا اليوم؛ حيث ينشط الأبطال فيه نشاطا تاما، ويذكر كل منهم أحب الناس إليه؛ ليكون ذلك أبعث على نشاطه، وأشد إثارة لشجاعته؛ حتى تعلم أنه بها مغرم متيم؛ لأنه يذكرها وحدها في ذلك الوقت. الإعراب: ليتك: ليت: حرف مشبه بالفعل، والكاف في محل نصب اسمه. "يوم": متعلق بـ "ترينني"، وهو مضاف. الملتقى: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة، على الألف؛ منع من ظهورها التعذر. ترينني: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه النون المحذوفة؛ لتوالي الأمثال، وياء المخاطبة المحذوفة؛ لالتقاء الساكنين في محل رفع فاعل، والنون المشددة نون التوكيد لا محل لها من الإعراب، والنون الثانية؛ للوقاية؛ والياء في محل نصب مفعول به؛ وجملة "ترينني": في محل رفع خبر "ليت". لكي: اللام للتعليل، لكي: مصدرية وناصبة. تعلمي: فعل مضارع منصوب بـ "كي"، وعلامة نصبه حذف النون؛ والياء ضمير متصل، في محل رفع فاعل؛ وجملة "تعلمي ... ": صلة للموصول الحرفي، لا محل لها من الإعراب. أني: أن: حرف مشبه بالفعل، والياء ضمير متصل في محل نصب اسمه. امرؤ: خبر "أن" مرفوع. "بك": متعلق بـ "هائم" الآتي. هائم: صفة لخبر "أن"، ويجوز أن يكون خبرا ثانيا لـ "أن"؛ والمصدر المؤول من "أن واسمها وخبرها": سد مسد مفعولي "تعلمي". موطن الشاهد: "ترينَّني". وجه الاستشهاد: تأكيد فعل "ترينني"؛ لوقوعه بعد "ليت" التي تفيد التمني. 3 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته. 4 تخريج الشاهد: هذا عجز البيت وصدره قوله: قالت فطيمة: حَلِّ شِعْرَك مدحه =

الرابعة: أن يكون قليلا؛ وذلك بعد "لا" النافية، أو "ما" الزائدة التي لم تسبق بـ "إن"؛ كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} 1؛

_ = وهو من شواهد: التصريح: 2/ 204، والأشموني: "951/ 2/ 495"، وسيبويه: 2/ 151، والخزانة: 4/ 558، والهمع: 2/ 87، والدرر: 2/ 96. المفردات الغريبة: فطيمة: تصغير فاطمة تصغير ترخيم. حل: فعل أمر من حلأه عن الماء؛ أي: منعه وطرده وأصله حلئ، فقلبت الهمزة ياء؛ لسكونها إثر كسر، ثم حذفت تخفيفا. كندة: اسم قبيلة امرئ القيس. قبيلا: أي: قبيلة، ورخم للضرورة. المعنى: إن محبوبته فاطمة، قالت له: تجنب المدح في شعرك؛ لأنه ليس هناك من يستحق المدح بعد قبيلتك. الأعراب: قالت: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث. فطيمة: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. حل: فعل أمر مبني على حذف الياء؛ والفاعل: ضمير مستتر وجواب؛ تقديره: أنت. شعرك: مفعول به منصوب، وهو مضاف، والكاف: مضاف إليه. مدحه: منصوب على نزع الخافض؛ لأن التقدير: "حل شعرك بمدحه"، والهاء: في محل جر بالإضافة. أفبعد: الهمزة حرف الاستفهام، والفاء عاطفة على محذوف؛ والتقدير: أتعتد بقبيل، فبعد كندة تمدحن. و"بعد": متعلق بقوله "تمدحن"، وهو مضاف. كندة: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة؛ لكونه ممنوعا من الصرف. تمدحن: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة؛ ونون التوكيد لا محل لها من الإعراب. قبيلا: مفعول به منصوب؛ وهو مرخم قبيلة كما ذكرنا. موطن الشاهد: "تمدحن". وجه الاستشهاد: تأكيد الفعل المضارع "تمدح"؛ لوقوعه بعد همزة الاستفهام؛ وحكم هذا التأكيد الجواز. فائدة: لم يذكر المؤلف أمثلة عن أنواع الطلب الأخرى، فمثال توكيد الفعل المضارع بعد لام الأمر؛ نحو: لتدرسن كثيرا؛ لتضمن النجاح، وبعد العرض: ألا تسافرنَّ، في رحلة ممتعة معنا؟ وبعد الدعاء: لا يبعدن أصدقائي المخلصون ضياء السالك: 3/ 39. 1 "8" سورة الأنفال، الآية: 24. موطن الشاهد: {لَا تُصِيبَنَّ} . وجه الاستشهاد: تأكيد فعل "تصيبن" بعد "لا" النافية؛ تشبيهًا لها بـ "لا" الناهية صورة؛ وعلي هذا؛ فجملة "لا تصيبن": في محل نصب صفة لـ "فتنة"، فتكون الإصابة عامة للظالمين وغيرهم؛ لا خاصة بالظالمين؛ لأنها قد وصفت بأنها تصيب الظالمين خاصة، فكيف تكون مع هذا خاصة بهم؟؛ وقيل: إن "لا" ناهية وأقيم المسبب مقام السبب؛ والأصل: لا تتعرضوا للفتنة فتصيبكم، ثم عدل عن النهي عن التعرض إلى النهي عن الإصابة؛ لأن الإصابة مسببة عن التعرض، وأسند المسبب إلى فاعله، فالإصابة خاصة بالمتعرضين، وعلي هذا؛ لا يكون التوكيد هنا قليلا؛ بل كثيرا ولكن وقوع الطلب صفة للنكرة ممتنع؛ فوجب إضمار القول؛ أي: واتقوا فتنة مقولا فيها ذلك. انظر التصريح: 2/ 204-205.

وكقولهم1: [الطويل] 472- وَمن عِضَةٍ ما يَنْبُتَنَّ شَكِيرُهَا2

_ 1 هذا مثل من أمثال العرب يضرب للفرع الذي ينشأ كأصله، وقد جاء عجز بيت لشاعر لم يذكر اسمه، وصدره قوله: إذا مات منهم ميت سرق ابنه ووقع صدر بيت آخر، وعجزه قوله: قديما، ويقتط الزناد من الزند 2 تخريج الشاهد: البيت بالرواية الأولى، من شواهد: التصريح: 2/ 205، والأشموني: "959/ 2/ 497" وسيبويه: 2/ 153، وشرح المفصل: 7/ 103، 9/ 5، 42، والمقرب: 171، والخزانة: 1/ 83، 4/ 489، 566، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: 1092. والمغني: "638/ 444"، والسيوطي: 258. المفردات الغريبة: عضة: شجرة ذات شوك، من أشجار البادية؛ والجمع: عضاه. شكيره؛ الشكير: ما ينبت حول الشجرة من أصلها. المعنى: إذا مات من هؤلاء القوم شخص سرق ابنه صفاته وخلاله، وأصبح مثله؛ وإنما يجيء الفرع وفق أصله. الإعراب: إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية، متعلق بـ "سرق". مات: فعل ماضٍ مبني على الفتح. "منهم": متعلق بحال مذحوفة من قول "ميت" الآتي. ميت: فاعل مات مرفوع؛ وجملة "مات منهم ميت": في محل جر بالإضافة. سرق: فعل ماضٍ مبني على الفتح. ابنه: فاعل مرفوع، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه؛ وجملة "سرق ابنه": جواب شرط غير جازم، لا محل له، ومن: الواو استئنافية، من: حرف جر، عضة: اسم مجرور، و"من عضة": متعلق بـ "ينبتن" الآتية. ما: زائدة، لا محل لها. ينبتن: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، والنون: لا محل لها من الإعراب؛ والفعل في محل رفع؛ لكونه مجردا من الجازم أو الناصب. شكيرها: فاعل مرفوع، وهو مضاف، و"ها": في محل جر بالإضافة. موطن الشاهد: "ما ينبتَنَّ". وجه الاستشهاد: مجيء فعل "ينبتن" مؤكدًا بالنون الثقيلة؛ لوقوعه بعد "ما" الزائدة، وغير المسبوقة بـ "إن" الشرطية؛ وحكم هذا التوكيد القلة.

وقال1: [الطويل] 473- قليلا به ما يحمدنك وارث2

_ 1 القائل: هو حاتم الطائي، الجواد المشهور، وقد مرت ترجمته. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: إذا نال مما كنت تجمع مغنما ويروى قبله: أهِنْ للذي يهوى التلاد؛ فإنه ... إذا مت كان المال نهبا مقسما والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 205، والأشموني: "960/ 2/ 497" والعيني: 4/ 328، والهمع: 2/ 78،والدرر: 2/ 99، وديوان حاتم: 108. المفردات الغريبة: مغنما: غنيمة، وهي الحصول على الشيء بلا مشقة. المعنى: قلما يحمد الوارث من ورثه، مع أنه يستولي على ما جمعه من المال، وأفنى عمره في الحصول عليه، فلينظر الإنسان في خير ما ينفق فيه ماله. الإعراب: قليلا: صفة لموصوف محذوف؛ يقع مفعولا مطلقا لفعل محذوف يدل عليه قوله: "يحمدنك" الآتي؛ لأن مفعول الفعل المؤكد لا يتقدم عليه. "به": متعلق بـ "يحمد: "الآتي. ما: زائدة، لا محل لها من الإعراب. يحمدنك: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، والنون: لا محل لها من الإعراب، والكاف: في محل نصب مفعول به لـ "يحمد". وارث: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. إذا: متعلق بـ "يحمد" مبني على السكون، في محل نصب. نال: فعل ماض، والفاعل: هو، يعود إلى وارث. "ما": متعلق بـ "نال". كنت: فعل ماضٍ ناقص مبني على السكون، والتاء: في محل رفع اسمه؛ وجملة "كنت تجمع" صلة للموصول، لا محل لها. تجمع: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنت؛ وجملة "تجمع": في محل نصب خبر "كان". مغنما: مفعول به منصوب لفعل "نال". موطن الشاهد: "ما يحمدنك". وجه الاستشهاد: توكيد الفعل المضارع: "يحمد" بالنون الثقيلة بعد "ما" الزائدة؛ التي جاءت بمعنى النفي؛ حكم هذا التوكيد أنه قليل؛ غير أن الدماميني قال: "لا أدري الوجه الذي عين ذلك"، وليس المراد بكون توكيد المضارع المسبوق بـ "ما" الزائدة غير المصاحبة لـ "إن" قليلا أنه قليل في ذاته؛ فإنه كثير؛ بل قيل: إنه مطَّرد. ويجوز عند سيبويه توكيد المضارع الواقع بعد "ربما"؛ كما في قول الشاعر: ربما أوفيت في علم ... ترفعن ثوبي شِمالاتُ انظر شرح التصريح: 2/ 206. وضياء السالك: 3/ 311.

الخامسة: أن يكون أقل؛ وذلك عرضا، وابن عقيل: "بعد "لم" وبعد أداة جزاء غير "إما"؛ كقوله1: [الرجز] 474- يحسبه الجاهل ما لم يعلما2

_ 1 القائل: هو مساور بن هند العبسي، شاعر معمر، ولد أيام داحس والغبراء، وعاش إلى أيام الحجاج، كان أعور العين، وهو من المتقدمين في الإسلام، وكان يهاجي المرار الفقعسي، يعرف: بأنه، وأبيه، وجده من أشراف عبس وشعرائهم وفرسانهم، مات سنة 75 هـ. الشعر والشعراء: 1/ 348، الأغاني: 9/ 11، الخزانة: 4/ 573، الأعلام: 7/ 214. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت من الرجز، وعجزه قوله: شيخا على كرسيه معمما وفيه يصف وطب -أي سقاء- لبن. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 205، ونسبة إلى ابي حيان الفقعسي، وقال: هو في وصف جبل عَمَّهُ الخصب وحفه النبات، وتبع في ذلك العيني، والأعلم. والأشموني: 2/ 2/ 498 عرضا، وابن عقيل: "317/ 3/ 310، وسيبويه: 2/ 152، والنوادر لأبي زيد: 13، وأمالي ابن الشجري: 1/ 384، والإنصاف: 653، والخزانة: 4/ 569، وشرح المفصل: 9/ 42، والمقرب: 86، والعيني: 4/ 329، والهمع: 2/ 78، والدرر: 2/ 98، وحاشية الدمنهوري: 89. المفردات الغريبة: يحسبه: يخاله ويظنه. معمَّمًا: لابسا عمامة. المعنى: يصف الشاعر قعب لبن عَلَتْهُ رغوة حتى امتلأ، يظنه الجاهل الذي لا يعلم الحقيقة شيخا لابس عمامته، وقد جلس وتربع فوق كرسيه. وقيل إنه يصف جبلا عمه الصخب، وحفه النبات، والأجود ما قلنا كما عليه الأكثرون. انظر ضياء السالك: 3/ 311. الإعراب: يحسبه: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به أول. الجاهل: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. ما لم: "ما" مصدرية ظرفية، و"لم": حرف جزم ونفي وقلب. يعلما. فعل مضارع مبني على الفتح، لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا؛ =

وكقوله1: [الكامل] 475- من نثقفنْ منهم فليس بآئب2

_ = للوقف، في محل جزم بـ "لم"؛ والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو؛ ونون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا، لا محل لها من الإعراب. شيخا: مفعول به ثانٍ لـ "يحسب". "على كرسيه": متعلق بمحذوف صفة لـ "شيخا"، وكرسي: مضاف، والهاء: مضاف إليه، معمما: صفة ثانية لـ "شيخا". موطن الشاهد: "لم يعلما". وجه الاستشهاد: توكيد الفعل المضارع "يعلم" بالنون الخفيفة المنقلبة ألفا بعد حرف النفي "لم"؛ وحكم هذا التوكيد أنه نادر ومثل هذا الشاهد قول بعض الأعراب: ألم تعلمنْ يا ربُّ أنْ رُبَّ دعوة ... دعوتك فيها مخلصا لو أجابها 1 القائل: هي ابنة مرة بن عاهان الحارثي من ربيعة بن كعب إحدى قبائل اليمن وكان عاهان شريفا عظيما بينهم، ويقال له: هاعان أيضا؛ وهو جاهلي قديم. الخزانة: 11/ 403. 2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قولها: أبدًا، وقتل بني قتيبة شافي والبيت أحد ثلاثة ابيات، ترثي فيها أباها الذي قتلته باهلة، والأبيات هي: إنا وباهلة بن أعصر بيننا ... داء الضرائر بغضة وتقافي من نثقفن...... ... ...... البيت ذهبت قتيبة في اللقاء بفارس ... لا طائش رعش ولا وقافِ والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 205، والأشموني: "962/ 2/ 500"، وابن عقيل: "318/ 3/ 311"، وسيبويه: 2/ 152، والمقتضب: 3/ 14، والمقرب: 86، والخزانة: 4/ 565، والعيني: 4/ 330، والهمع: 2/ 79، والدرر: 2/ 100. المفردات الغريبة: يثقفن: يوجدن، من ثقفته: وجدته، ويروى بتاء الخطاب، وبنون المتكلم مبنيا للفاعل، أي: تجدن أو نجدن. آئب: اسم فاعل من آب يؤوب؛ أي: رجع يرجع. بني قتيبة: فرع من باهلة. المعنى: من يوجد من بني قتيبة، فسيقتل حتما، ولن يرجع أبدا إلى قومه؛ فإن قتلهم يشفي الغلة، ويطفي جذوة الغضب، بسبب ما سفكوا من دماء. الإعراب: من: اسم شرط جازم مبني على السكون، في محل رفع مبتدأ. نثقفن: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، وفي محل جزم فعل الشرط؛ والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: نحن، والنون لا محل لها من الإعراب. "متعلق بـ "نثقفن".فليس: الفاء واقعة في جواب الشرط، ليس: فعل ماضٍ ناقص =

[في حكم آخر المؤكد] : اعلم أن هنا أصلين يستثنى من كل منهما مسألة: الأصل الأول: أن آخر المؤكد يفتح1؛ تقول: "لتضربن" و"اضربن". ويستثنى من ذلك أن يكون مسندا إلى ضمير ذي لين؛ فإنه يحرك آخره -حينئذ- بحركة تجانس ذلك اللين؛ كما نشرحه. والأصل الثاني: أن ذلك اللين يجب حذفه؛ إن كان ياء أو واوا؛ تقول: "اضربُنَّ يا قوم" بضم الباء، و"اضربِنَّ يا هند" بكسرها؛ والأصل: اضربونَّ، واضربينَّ، ثم حذفت الواو والياء؛ لالتقاء الساكنين. ويستثنى من ذلك أن يكون آخر الفعل ألفا؛ كـ "يخشى"؛ فإنك تحذف آخر الفعل، وتثبت الواو مضمومة، والياء مكسورة؛ فتقول: "يا قوم اخشوُنَّ" و"يا هند

_ = واسمه: ضمير مستتر جوازا، تقديره: هو، يعود إلى اسم الشرط. بآئب: الباء حرف جر زائد، آئب: اسم مجرور لظفا منصوب محلا على أنه خبر ليس؛ وجملة "ليس بآئب": في محل جزم جواب الشرط؛ وجملة "الشرط وجوابه": في محل رفع خبر المبتدأ "من". موطن الشاهد: "نثقفن". وجه الاسشهاد: تأكيد الفعل المضارع؛ كما مثل المصنف. هذا، وقد اختلف في الفتحة، التي قبل نون التوكيد، المؤكد بها الفعل المضارع، فذهب المبرد والفارسي وابن السراج: إلى أن هذه الفتحة فتحة البناء، والفعل عندهما مبني على الفتح؛ وذلك لتركبه مع النون تركيب "خمسة عشر". وذهب السيرافي، وسيبويه، والزجاج: إلى أن الفعل -مضارعا كان أو أمرا- مبني مع نون التوكيد على السكون؛ لأنه الأصل في البناء؛ ثم حرك آخر الفعل؛ للتخلص من التقاء الساكنين؛ وهما آخر الفعل والنون، وكانت الحركة هي الفتحة؛ لأنها أخف الحركات؛ وعلى هذا يقال في "لا تلعبن": مبني على سكون مقدر على آخره، منع من ظهوره الفتحة العارضة؛ لأجل التخلص من التقاء الساكنين، مع طلب التخفيف. التصريح: 2/ 206. الهمع: 3/ 79.

اخشيِنَّ"1؛ فإنه أسند هذا الفعل إلى غير الواو والياء2 لم تحذف آخره؛ بل تقلبه ياء؛ فتقول: "لِيَخْشَين زيد"، و"لتخشيَنَّ يا زيد"، و"لتخشيَانِّ يا يزيدان" و"لتخشينَانِّ يا هندات"3.

_ 1 أصلها: اخشيون، واخشيين، حذفت الضمة والكسرة؛ للثقل على حروف العلة، ثم حذفت الياء للساكنين، وحركت الواو والياء بما يناسبهما. 2 وذلك هو: الاسم الظاهر، والضمير المستتر، والألف، ونون النسوة. 3 إيضاح ما ذكره المصنف: أن الفعل الذي يراد توكيده يتبع فيه ما يأتي: أ- إن كان مسندا إلى اسم ظاهر، أو إلى ضمير الواحد المذكر، بني آخره على الفتح؛ لمباشرة النون، خفيفة كانت، أو ثقيلة؛ ولم يحذف منه شيء؛ سواء أكان صحيحا أم معتلا. وترد لام المعتل إلى أصلها؛ إن كانت قد حذفت، وإن كانت ألفا؛ قلبت ياء لتقبل الفتحة، تقول: لتجتهدن، لتدعون، لترضين. ب- وإن كان مسندا إلى ألف اثنين فكذلك الحكم، غير أنه يجب حذف نون الرفع. إن كانت موجودة؛ للجازم، أو لتوالي الأمثال؛ وتكسر نون التوكيد؛ تشبيهًا بنون الرفع، ولا تكون النون بعد الألف إلا مشددة؛ تقول: لتنصران. لتدعوان، لترضيان. والفعل معرب مرفوع بالنون المحذوفة، والألف فاعل، والنون المذكورة المشددة حرفٌ للتوكيد. ج- وإذا أسند لنون النسوة، فكما تقدم أيضا؛ وتزاد ألف فارقة بين نون النسوة ونون التوكيد؛ لأنها سم، تقول: لتنصرنَّانّ -لترمينَّانّ- لتدعونَّانّ. والفعل مبني على السكون ونون النسوة فاعل، والألف زائدة للفصل، ونون التوكيد المشددة حرف، لا محل له. د- وإذا أسند لواو الجماعة أو ياء المخاطبة؛ فإن كان صحيحا؛ حذفت نون الرفع؛ لما تقدم، وحذفت واو الجماعة، أو ياء المخاطبة؛ لالتقاء الساكنين مع بقاء الضمة قبل واو الجماعة؛ لتدل عليها، والكسرة قبل ياء المخاطبة لذلك". تقول: لتجتهدُنَّ يا أبنائي ولتجلسِنَّ يا هند، وإن كان معتلا؛ حذف آخر الفعل مطلقا، ثم إن كان معتلا بالألف؛ حذفت نون الرفع أيضا، فيلتقي ساكنان، ولا يمكن الاستغناء عن أحدهما، فحرك واو الجماعة بالضم، وياء المخاطبة بالكسر؛ مع فتح ما قبلهما؛ تقول: لترضوُنَّ يا قوم، ولترضيِنَّ. وتقول في إعرابه: مضارع مرفوع بالنون المحذوفة، وواو الجماعة، أو ياء المخاطبة: فاعل، ونون التوكيد: حرف، لا محل له من الإعراب، وإن كان معتلا بالواو، أو بالياء؛ حذفت مع الآخر واو المعية، أو ياء المخاطبة؛ مع بقاء الضمة، قبل الواو المحذوفة، والكسرة قبل الياء؛ لتدل على المحذوف؛ تقول: لتدعن، لترجن، لتدعن، لترجن. ويكون الفعل مرفوعا بالنون المحذوفة، واو الجماعة، أو ياء المخاطبة المحذوفة فاعل، والنون المذكورة للتوكيد.

[أحكام النون الخفيفة] : فصل: تنفرد النون الخفيفة بأربعة أحكام: أحدها: أنها لا تقع بعد الألف1؛ نحو: "قُومَا"، و"اقعدا"؛ لئلا يلتقي ساكنان2؛ وعن يونس3 والكوفيين إجازته4، ثم صرح الفارسي في الحجة5: بأن يونس يبقي النون ساكنة، ونظَّر ذلك، بقراءة نافع6: "ومحيايْ"7 وذكر

_ 1 سواء أكانت الألف اسما؛ أي: ضمير الاثنين، بأن أسند إليهما الفعل، أو حرفا بأن كان الفعل مسندا إلى ظاهر -على لغة- كيضربان المحمدان، أو كانت زائدة؛ وهي التالية لنون النسوة للفصل بينهما وبين نون التوكيد؛ نحو: أضربتنَّانّ. وهذا مذهب عامة البصريين. 2 هما: الألف التي قبل النون، ونون التوكيد الخفيفة الساكنة؛ فأما نون الرفع فإنها محذوفة؛ لأن الأمر يبني حينئذ على حذفها حينئذ؛ للفرار من اجتماع الأمثال. 3 يونس بن حبيب، مرت ترجمته. 4 احتج الكوفيون ويونس؛ لوقوع نون التوكيد الخفيفة الساكنة بعد الألف؛ سواء أكانت الألف ضمير الاثنين، أم كانت التقاء الساكنين؛ وليس ثانيهما مدغما في مثله؛ وقد وجدنا العرب لا يرون بهذا بأسا؛ حيث نقل عنهم: "حلقتا البطان" مع إبقائهم الألف ساكنة، مع سكون ما يليها؛ وهو سكون لام التعريف، كما في قول أوس بن حجر: وازدحمت حلقتا البطان بأقـ ... ـوام وجاشت نفوسم جزعا وقاسوا عليها قراءة: "محيايْ ومماتِيْ" بسكون ياء المتكلم مع سكون الألف قبلها في الوصل والوقف. انظر التصريح مع حاشية الصبان: 2/ 207. 5 كتاب جليل الشأن في تعليل قراءات الأئمة القراء؛ وقد تناول فيه الفارسي كثيرا من المسائل النحوية والصرفية والبلاغية، والتفسير، والحديث، وبعض العلوم الأخرى، وقدمه إلى عضد الدولة. 6 مرت ترجمته. 7 "6" سورة الأنعام، الآية: 162. أوجه القراءات: قرأ نافع، وورش؛ وقالون، وأبو جعفر: "محيايْ" بتسكين الياء، وقرأ عيسي بن عمر، والجحدري: "محيي"، وقرأ الجمهور: "محيايَ". انظر البحر المحيط: 4/ 262، وإعراب القرآن، للنحاس: 1/ 596. موطن الشاهد: "محياي".

الناظم: أنه يكسر النون، وحمل على ذلك قراءة بعضهم: "فَدَمِّرَانِهَم تَدْمِيرًا"1، وجوزه في قراءة ابن ذكوان2: "وَلا تَتَّبِعَانِ"3؛ بتخفيف النون. وأما الشديدة فتقع بعدها اتفاقا؛ ويجب كسرها؛ كقراءة باقي السبعة: {وَلا تَتَّبِعَانِّ} 3.

_ 1 "25" سورة الفرقان، الآية: 36. أوجه القراءات: قرأ علي بن أبي طالب، ومسلمة بن محارب: "فدمرانِّهم"؛ وقرأ على أيضا: "فدمرا بهم" بالباء، وقرأ: "فدَمِرْنَاهم"؛ وقرأ على والحسن وملسمة: "فدَمِّرَاهم"، وقرأ على: "فدمَّرَتهم"، بالتاء؛ وفي قرءة غير منسوبة: "فدمرانهم"؛ بتخفيف نون التوكيد بعد ألف التثنية. انظر الكشاف: 3/ 92، تفسير الألوسي: 19/ 18، والمحتسب: 2/ 12، والبحر المحيط: 6/ 498. موطن الشاهد: "فدمرانِهم". وجه الاستشهاد: مجيء كسرة النون الخفيفة -على هذه القراءة- بعد الألف الساكنة؛ حملا على جواز كسر نون التوكيد الخفيفة بعد الألف الساكنة؛ وحكم كسرها هنا الجواز على قلة. 2 هو عبد الرحمن بن أحمد بن بشر بن ذكوان، من أصحاب ابن عامر، كان شيخ القراء بالشام، وإمام الجامع الأموي. قال الحافظ الدمشقي: لم يكن بالعراق، ولا بالحجاز ولا بالشام، ولا بمصر، ولا بخراسان في زمان ابن ذكوان أقرأ منه عندي. توفي سنة: 202هـ. وقيل: 242هـ. غاية النهاية: 1/ 404،. تهذيب التهذيب: 5/ 104- الأعلام: 4/ 65. 3 "10" سورة يونس، الآية: 89. أوجه القراءات: قرأ ابن ذكوان: "تتَّبعانِ"، وقرأ ابن عامر وابن عباس وابن ذكوان: "تَتْبَعانِّ"، وقرأ ابن عامر: "تَتْبَعان"، وقرأ السبعة: {وَلا تَتَّبِعَانِّ} . انظر إتحاف الفضلاء: 253، والبحر المحيط: 2/ 18. موطن الشاهد: {وَلا تَتَّبِعَانِّ} . وجه الاستشهاد: مجيء نون فعل "تتبعان" -على هذه القراءة- مكسورة مخففة؛ وتخريجها: على أن الواو عاطفة، و"لا": ناهية؛ والألف: ضمير للاثنين، في محل رفع فاعل؛ ونون الرفع: محذوفة للجزم؛ والنون المذكورة: مؤكدة مكسورة؛ ويجوز أن تكون الواو: للحال، و"لا": نافية؛ والنون الموجودة: علامة الرفع؛ وجملة "لا تتبعان": خبر مبتدأ محذوف؛ وجملة "المبتدأ والخبر": في محل نصب على الحال.

الثاني: أنها لا تؤكد الفعل المسند إلى نون الإناث؛ وذلك لأن الفعل المذكور، يجب أن يؤتى بعد فاعله بألف فاصلة بين النونين؛ قصدا للتخفيف؛ فيقال: "اضربنَانِّ"، وقد مضى أن الخفيفة لا تقع بعد الألف، ومن أجاز ذلك فيما تقدم؛ أجازه هنا بشرط كسرها. الثالث: أنها تحذف قبل الساكن؛ كقوله1: [المنسرح] 476 - لا تهين الفقير عَلَّكَ أن تَرْ ... كَعَ يوما والدهر قد رفعه2

_ 1 القائل هو: الأضبط بن قريع السعدي، من عوف بن كعب، من رهط الزبرقان بن بدر، ورهط أنف الناقة، جاهلي قديم؛ له أخبار مع قومه مذكورة، في كتب الأدب. الخزانة: 11/ 455-الشعر والشعراء: 1/ 382. 2 تخريج الشاهد: البيت من كلمة مطلعها: لكل هم من الهموم سعهْ ... والمسي والصبح لا فلاح معهْ والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 208، والأشموني: "968/ 2/ 504"، وابن عقيل: "319/ 3/ 318" والبيان والتبيين: 3/ 341، وفيه "لا تحقرن الفقير ... " والمعمرين: 8، وأمالي القالي: 1/ 108، وفيه: "لا تعاد"، وأمالي ابن الشجري: 1/ 385، والإنصاف: 221، وشرح المفصل: 9/ 43، والمقرب: 74، والخزانة: 4/ 588، وشرح شواهد الشافية: 960، والعيني: 4/ 334، والهمع: 1/ 134، 2/ 79، والدرر: 1/ 111، 2/ 102، والمغني: "279/ 206" "1094/ 842"، والسيوطي: 155. المفردات الغريبة: تهين: مضارع من الإهانة؛ وهي الاحتقار والازدراء. علَّك: لغة في لعلك. تركع: أصله الركوع؛ وهو الانخفاض، من أعلى إلى أسفل، والمراد هنا: انحطاط: الحال، وتبدل الحال الحسنة بأخرى مغايرة لها. المعنى: لا تحتقر الفقير، ولا تهنه، ولا تستخف به، فبما يتبدل الحال -والدهر قلب- فيخفضك الزمان ويرفعه عليك. الإعراب: لا نهاية جازمة، لا محل لها من الإعراب. تهين: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة؛ المحذوفة؛ للتخلص من التقاء الساكنين، في محل جزم بـ "لا" الناهية، الفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنت. الفقير: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. علَّك: حرف مشبه بالفعل، والكاف: ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب اسم "لعل". أن: حرف مصدري ونصب. تركع: فعل مضارع منصوب، وعلامة نصبه الفتحة، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنت؛ وجملة؛ "تركع": صلة للموصول الحرفي، لا محل لها. والمصدر المؤول من "أن =

أصله: "لا تهينَنْ". الرابع: أنها تعطى في الوقف حكم التنوين؛ فإن وقعت بعد فتحة؛ قلبت ألفا؛ كقوله تعالى: {لَنَسْفَعًا} 1، {وَلَيَكُونًا} 2؛ وقول الشاعر3: [الطويل] 477- ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا4

_ = وما بعدها": في محل رفع خبر "لعل"؛ التقدير: لعلك راكع يوما؛ وهو الأفضل. "يوما": متعلق بـ "تركع" منصوب. والدهر: الواو حالية، الدهر: مبتدأ مرفوع. قد: حرف تحقيق. رفعه: فعل ماض، والفاعل: هو، والهاء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به؛ وجملة "قد رفعه": في محل رفع خبر المبتدأ؛ وجملة "الدهر قد رفعه": في محل نصب على الحال. موطن الشاهد: "لا تهين". وجه الاستشهاد: حذف نون التوكيد الخفيفة؛ لتخلص من التقاء الساكنين؛ نون التوكيد، ولا الفقير؛ لأن ألف الوصل، لا حركة لها عند الوصل؛ والفتحة على آخر الفعل دليل على النون المحذوفة؛ وبقاء الياء آخر الفعل المضارع مع وجود الجازم دليل على أن الفعل مؤكد. 1 "96" سورة العلق، الآية: 15. موطن الشاهد: {لَنَسْفَعَنْ} . وجه الاستشهاد: انقلاب نون التوكيد الخفيفة ألفا؛ لوقوعها بعد فتحة للوقف عليها؛ لأنها تعطى في الوقف حكم التنوين. 2 "12" سورة يوسف، الآية: 32. موطن الشاهد: {وَلَيَكُونًا} . وجه الاستشهاد: انقلاب نون التوكيد الخفيفة ألفًا؛ لوقوعها بعد فتحة للوقف عليها؛ لأنها تعطى في الوقف حكم التنوين. 3 الشاعر: هو الأعشى ميمون بن قيس، وقد مرت ترجمته. 4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: وإياك والميتات لا تقربنها وهو من قصيدة في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان قدم إليه؛ لينشدها بين يديه، فمنعته قريش؛ ومنها قوله: له نافلات ما يغب نوالُها ... وليس عطاء اليوم مانعه غدا والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 208، والأشموني: "969/ 2/ 504" والمغني.

§1/1