أنس الملا بوحش الفلا

محمد بن منكلي

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمد عبدٍ بخطئه معترف، ومن فيض فضل ربه مغترف، وأصلي وأسلم على أشرف الخلق، سيدنا محمد الرسول المختار، إمام المقربين والأبرار، وعلى آله وأصحابه السادة الأطهار، ما نزل ركبٌ ثم سار. أما بعد: فإنه لما استخرت الله تعالى لتأليف هذا الكتاب المسمى "أنس الملا بوحش الفلا" ضمنته كيفية الصيد وما يحل منه وما يحرم وما يتعلق بذلك جملةً وتفصيلاً، استخرجته من صدف الجواهر لمطالعة كل وجه زاهر، وفيه فوايد جمّة مخبوءة لكل ذي همة، واختصرته لئلا يسأم من طالعه. ويسلم ممن نازعه. ولعل لم يسبقني لهذا التأليف إلا السابق، فأكون إذن من مصلٍّ لاحق؛ فالله يجعل تأليفي له خالصاً، لوجهه الكريم، وأنا أبرأ من الحول والقوة، وأسأل الله من فضله المنة والمَنّة وهو حسبي ونعم الوكيل. ويفتتح الآن بذكر الأبواب، بعون الكريم التواب باب في بيان ما يحل من الصيد وما يحرم، وبيان شرط التذكية على مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله. قال الله تعالى: (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه) التفسير الطيبات: الذبائح، الجوارح، الكواسب: وهو ما يصطاد من الطير والكلب وغيرها، مكلبين، معلمين، وبفتح اللام، أصحاب الكلاب، وهي قراءة شاذة، تعلمونهن، تؤدبونهن. مما علمكم الله أي أدبكم الله، فكلوا مما أمسكن عليكم، أي مما أمسكن لكم، واذكروا اسم الله عليه أي حين الإرسال معاً، وحين الذكاة. وسبب نزول هذه الآية أن عدي بن حاتم، وزيد بن المهلل الطائين. آتيا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالا: يا رسول الله، إنا قومٌ نصيد بالكلاب والبزاة، وإن كلاب أبي زرع وآل أبي جرير تأخذ البقر والحمير والظباء والضب، فمنه ما يدرك ذكاته، ومن ما يقتل فلا يدرك ذكاته، وقد حرّم الله الميتة، فماذا يحل لنا منها؟ منزلت الآية، وما يحل أكله من الصيد وما لا يحل فهو المتوحش الممتنع بقوائمه أو بريشه، والمأكول 2 بمنه من أطيب الأرزاق ولحله شرائط، فالأول: تعليم مكلب متسلط عليه إن كان بالجوارح، وتعليم الكلب والفهد ونحوهما بأن يترك الأكل ثلاثاً عند أبي يوسف ومحمد والإمام في رواية، وفي أخرى فوّضه إلى الصائد الخبير، فإن غلب على ظنه أنه صار معلماً حكم بتعليمه وإلا فلا. وتعليم البازي بأن يرجع ويجيب إذا دعاه، ولا بأس بصيد كل معلم من ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير، ولا خير فيما سوى ذلك إلا أن يدرك ذكاته، واستثنى الشافعي غير ما اعتيد تعليمه، وأبو يوسف، الأسد والدب وبعضهم الحدأة والإجماع الخنزير. والثاني: الإمساك على صاحبه حتى لو أكل الكلب ونحوه قبل أن يأخذه مالكه (م) لم يؤكل، بخلاف البازي فإن شرب دمه لا غير أكل، فإن أدرك صيداً فقطع بعضه وأكله، ثم أدرك صيداً آخر فقتله، ولم يأكل منه لم يؤكل. بخلاف ما لو أخرّ أكل ذلك البعض، فإن انتهت منه قطعة بعدما أمسكه لصاحبه أكل، وبعد ما حكم بتعليمه لم يؤكل ما أكل منه، ولا ما يصيد بعده حتى يصير معلماً ثانياً، ولا ما صاده قبل ذلك إن كان في الفلاة أو أحرزه خلافاً لهما، فإن فرّ البازي فمكث حيناً، ولم يجب داعيه ثم صاد لم يؤكل.

والثالث: الإرسال على صيد عاينه أو ظنه بالحس مأكولا كان أو لا فأصاب مأكول اللحم

والثالث: الإرسال على صيد عاينه أو ظنه بالحس مأكولاً كان أو لا فأصاب مأكول اللحم أكل. وخص أبو يوسف الخنزير، وزفر ما لا يؤكل لحمه، فإن تبين أنه حس آدمي أو أهلي ونحوه لا يحل المصاب، فإن اشتبه وكان طائراً أحل الصيد لا إن اشتبه عليه أنه غير ناوٍ أو لا، فإن ظنه آدمي فإذا هو صيد قد أصابه حل. ولا يشترط تعيين الصيد بالإشارة حتى ولو أرسل كلبه على صيد فأخذه غيره حل. فإن أرسل فهداً فكمن حتى استمكن ثم أخذ الصيد فقتله أكل، وكذا إذا اعتاد الكلب عادته ولو أخذ صيوداً بإرسال واحد أكلت إلا إن جثم عن الأول طويلاً ثم مرّ به صيداً آخر فقتله، وكذا البازي إن وقع على شيء ثم اتبع الصيد فقتله أكل، إلا إن مكث طويلاً للاستراحة، فإن أخذ بازي معلم صيداً ولم 3 أيدر أرسل أم لا لم يؤكل، فإن أرسل المسلم كلب فأشلاه مجوسي أو مرتد أو محرم أو تارك التسمية عامداً فجدّ في طلبه فلا بأس بصيده، فإن كان بالعكس لم يؤكل (فإن لم يرسل فأشلاه مسلم وسمى فأخذ الصيد فلا بأس بأكله) ، فإن وقذه كلب مسلم وقتله كلب آخر أكل وهو الأول، وإن أدرك الصيد حياً وجبت تذكيته إن تمكن منها، حتى لو تركها ومات لم يؤكل، فإن لم يتمكن منها وفيه من الحياة ما فوق ما يكون في المذبوح لم يؤكل في الظاهر، وعن السيخين، (وهما أبو يوسف ومحمد) يؤكل، سواء كان التأخير لفقد آلة أو لضيق وقت. فإن لم يكن فيه حياة مستقرة عند الإدراك فذكاته الذبح عند الإمام وقالا: لا يحتاج إليه. والرابع: التسمية، فإذا سمى الله تعالى عند الإرسال أو لرمي أكل الصيد، فإن أرسل أو رمى ثم سمى لم يحل، فإن تعمّد تركها لم يؤكل بخلاف ما لو نسي. والخامس: أن لا يتوارى عن بصره أو لا يقعد عن طلبه، ويشتغل بعمل آخر حتى وضع السهم بالصيد، فتحامل حتى غاب عنه ولم يزل في طلبه، فأصابه أكل إلا إذا قعد عن طلبه ثم أصابه ميتاً، فإن وجد فيه جراحة بغير سهم لم يحل بخلاف نهش الهوام، وكذا في إرسال الكلب ونحوه، ويشترط أن يكون السهم جارحاً حتى لو أصاب المعراض بعرضه لم يؤكل، وإن جرح أكل. ولا يؤكل مصاب بندقة وحجر غير حاد وعصا لا تبضع إن مات بها. فإن كان الموت مضافاً إلى جرح حاداً كان ولا معتبر بالإدماء في الجرح، واشترطه بعضهم مطلقاً، وبعضهم في الجرح الصغير لا الكبير وكذا في الذبح، فإن أصاب السهم ظلف الصيد أو قرنه حل إن أدماه وإلا فلا، فإن رمى صيداً فوقع في الماء فاختنق أو على سطحٍ أو شجرةٍ أو جبلٍ ثم تردى فمات لم يؤكل، وكذا، إن وقع على محدد الخلاف ما لو وقع على الأرض ابتداءً، فإن كان الطير مايتاً، والجراحة لم تنغمس في الماء أُكل لا إن انغمست. ولا تؤكل النطيحة، ولا ما أكل السبع بعضه إلا إن ذكَي، ولا ما شارك المعلم فيه غيره أو كلب لم يذكر اسم الله عليه، فإن رمى صيداً فقطع عضواً منه أكل الصيد لا المبان سواء كان يداً أو رجلاً 3 بأو ثلثه مما يلي القوائم أو أقل من نصف الرأس، فإن لم يبن ذلك حل أن أمكن الالتيام وإلا فلا، فإن قدّة نصفين أو قطعه أثلاثاً والأكبر مما يلي العجز أو قطع نصف رأسه أو أكثر منه أكلاً.

ويشترط في الكلب السوق لوجوب الضمان، فإن أخذ بازي المرسل الأول الصيد وأمسكه

والصيد لمن أخرجه من حيز الامتناع فإن أثخنه واحدٌ، ولكن بمثابة ينجو وقتله آخر لم يؤكل، ويضمن قيمته للأول غير ما نقصته جراحته، وإن لم يثخنه الأول فهو لمن قتله ويؤكل، فإن كانت رمية الأول بحال لا يعيش منه الصيد حل، فإن كان فيه من الحياة ما يعيش يوماً لم يحرم عند أبي يوسف بالرمية الثانية خلافاً لمحمد، فإن علم أن الموت حصل من الجراحتين أو جهل ضمن الثاني ما نقصته جراحته ثم يضمن نصف قيمته مجروحاً ثم قيمته نصف لحمه، فإن رماه الأول ثانياً فهو في حكم الإباحة كغيره، وكذا في الإرسال إن كان الثاني سابقاً كلبه بعد الإرسال، فإن عقره كلب الثاني بدون السوق من جهة لم يضمن. والملك والحل يثبت بمجرد الإرسال بدون السوق، وإن أرسله الثاني قبل إصابة الأول فالصيد لأولهما إصابة ويحل، وإن أصابه الثاني بعد إصابة الأول، فإن أصابه الأول ولم يثخنه حتى أصابه الثاني وعقره فهو بينهما لاشتراكهما في الأخذ. فإن أدركه الأول في المسألة الأولى، "وعلى الثاني نقصان الجناح الثاني، فإن أدركه ولم يذبحه فهو ميتة"، وعلى الثاني نصف قيمته حياً مكسور الجناحين، وكذا إن لم يتمكن من ذبحه في ظاهر الرواية، فإن كانت رمية الأول بحال لا يعيش منها الصيد حل، فإن رميا معاً أو على التعاقب فأصابه أحدهما فأثخنه ثم أصاب الآخر فالصيد للأول (أي الذي أثخنه) سواء كان أولاً في الرمي أو آخراً ويحل. ولا ضمان على الثاني. وإن أصاباه معاً حل وهو لهما حل، وكذا في إرسال الكلب مطلقاً والبازي إلا إن أصابه الأول بدون السوق فإنه يضمن الثاني. ويشترط في الكلب السوق لوجوب الضمان، فإن أخذ بازي المرسل الأول الصيد وأمسكه بمخلبه ولم يثخنه، فأخذه بازي المرسل الثاني وقتله فهو للثاني، فإن رمى مسلم سهماً أو بندقية ونحوهما إلى صيد فدفع سهماً موضوعاً 4 أعلى حائط إلى صيد فقتله حلّ. فإن رميا فأمضا السهم الثاني الأول إلى الصيد وقتله جرحاً فهو للأول، إن علم أن سهمه كان بحيث يبلغ الصيد بدون الثاني، وإلا فللثاني ويحل إلا إن كان الثاني محرماً أو مجوسياً في الاستحسان. فائدة فإن رد سهم المجوسي سهم المسلم عن سننه فهو صيد المجوسي، وإلا فصيد المسلم، فإن اقتتل الصيد من سهم مجوسي أو كلبه فقتله مسلم بسهمه، أو كلبه طاب أكله إن كان بعد وقوع سهو المجوسي على الأرض أو رجوع كلبه عنه وإلا فيكره. فإن ضرب الريح سهماً رماه إلى صيد عن سننه يمنةً أو يسرةً فقتل صيداً آخر لم يؤكل. فإن أماله من غير أن يرده عن سننه فلا بأس به، وأما الصيود فيؤكل من ذوات الأربع ما ليس له ناب كالأرنب والحمار والبقر الوحشيين والظبي والغزال وغنم الجبل ومعزه. ومن الطير ما ليس له مخلب، كالدجاج والحجل واليمام والحمام والإوز والبط وغراب الزرع والعصافير ولا بأس بالخطاف والقمري والسوداني والزرزور والفاختة والجارد. وكره أبو يوسف العقعق ويكره الهدهد والحبارى والقنابر والصرّد والصوام والشقراق والطاوس. وإنما يحل من صيد البحر، طير الماء والسمك مطلقاً، وأحل الشافعي منه ما يحل نظيره في البر وله في الضفدع قولان، ومذهب أبي يوسف وأبي حنيفة، إن الصايد إذا قتل ولم يجرح فليس الصيد يذكى والشافعي يجيز ذلك. فإن ابتلعت سمكة أخرى أكلتا، فإن وجدت طافية على الماء أو كان فيه أقل من نصفها لم تؤكل، فإن وجدت على شاطئ نهر ألقيت في الماء، فإن طافت على ظهرها لم تؤكل، وإن طافت على وجهها أكلت، ويحرم كل ذي ناب من السباع كالأسد والنمر والسياهكوش والفهد والضبع والثعلب والكلب والسنور الأهلي والوحشي والفنك والسمور والدلق والدب والطبز والقرد والضب وابن آوى والفيل والخنزير والخفاش وكل ذي مخلب من الطير كالصقر والبازي والنسر والعقاب والباشق والشاهين ونحوها، والغراب والنعاب والحدأة والبوم، وكل الهوام كالفأرة والوزغة وسام أبرص والقنفذ والضفدع والسلحفاة 4 بوالسرطان والخنافس وكل ما ليس له دم سائل كالزنبور والقمل والبرغوث والذباب والبعوض والقراد والدود والحية والعقرب، وكل ما يأكل الجيف كالرخّم والغراب الأبقع والجلالة النتن لحمها. والذكاة شرط الحل، فيؤكل ذبيحة مسلم لم يعتمد ترك التسمية وتعلقهما. وكتابي كذلك ولو حربي ... وتغلبي لا يعلم الكتاب إلا أماني

باب

إلا أن أهله لغير الله لا مجوسي ومرتد ووثني ومحرم من صيد، والتسمية بسم الله والله أكبر، وكره بسم الله، محمد رسول الله، ومحمدٍ بالكسر، والذكاة ما بين اللّبة واللحيين، فيقطع الحلقوم والمرى والودجين واكتفيا بقطع أحدهما، والإمام بقطع أكثرهما عدداً وإفراداً في روايتهما، ويجوز بما ينهر الدم ولو بقرن وسن منزوعين، وكره التعذيب بقطع الرأس والنخاع والجر إلى المذبح، وكسر العنق والسلخ حالة الاضطراب والضرب على القفا، وذكاة المستأنس الذبح، والمتوحش من الغنم خارج المصر وغيره مطلقاً العقر. ويستحب في الإبل النحر والبقر والغنم الذبح، وكره تعليم البازي بطير حي لا مذبوح ويذبح مأكول قطع عضواً منه ولا يعالج وبالعكس في غير المأكول. باب في آداب القانص وما يعتمده ينبغي أن لا يركب القانص فرسه إلا على طهارة كاملة، وحين الصيد يتأدب مع من هو أسنّ منه أو أعلى رتبة دينية أو دنياوية كالأمراء، لأن حرمتهم من جزيئات حرمة الملك. وذلك بأن لا يطرد صيداً تعرض إليه كبير أو ركض خلفه فيزاحمه ويرمي الصيد قبل الكبير إلا اللهم إن أذن له الكبير لاحتمال كلال فرسه، ولئلا يفوت الصيد فحينئذٍ يتعين الركض خلف ذلك الصيد، ويتوقى حين الصيد حسم مادة السفهاء والفجار والمتشبهين بالشجعان، والفرق بين الفجرة والشجعان ظاهر يعلمه أصحاب التجارب والمتوسمين. قال الإمام فخر الدين الرازي في كتابه الفراسة: إذا علمنا في الإنسان كونه وقحاً، فعلم إنه لص نذل. أما اللصوصية فلأنها تابعة للقحة، وأما لنذالة فلأنها تابعة لعدم الحرية. والوقاحة دالة حلى حصولها، قال الشاعر يصف لشجعان: وجوهٌ كأكباد المحبينَ رقةً ... ولكنها يوم اللقاء صخورُ ومن هذا الباب، ما قاله أمير المؤمنين علي كرم اله وجهه: "من لانت أسافله صلبت أعاليه". هذا آخر كلام الشيخ فخر الدين رحمه الله. وخرج عن المقصود، فإن ذكرها ولا ظلمة في القلوب. قال محمد بن منكلي، ستره الله بستره في الدنيا والآخرة: ومن جملة آداب المتصيد إن رمى إنسان بسهم على صيد فلا يرمي معه إلا إذا فات سهمه ولم يصب الصيد. فقد سمع من فاجر قولاً قبيحاً إن رامٍ أصاب صيداً فنسبه (الفاجر) إلى نفسه، وكان السهم يشبه السهم في التريش والنصل. قال محمد بن منكلي: سمعت الشيخ رحمه الله يقول: ينبغي للجندي إذا كانت قوسه لينة أن يريش سهمه من ريش ذنب العقاب، وإذا كانت قوسه صلبة ريّش سهمه من ريش ذنب النسر، وهذه من النكت الظريفة. ومن آداب المتصيد أن يستصحب معه الملح والزناد والأشنان والخلال والسفود الحديد لشي اللحم، فلقد رأيت من أخذ من تركاشه سهماً وأبراه وشوى فيه اللحم، وأخطأ وبالله التوفيق. سمعت من الأمير بدر الدين أمير مسعود مشافهة، ونحن بالغور، أن بعض التركمان أصاب صيداً فأراد أن يشوي من لحمه فقطع قضيباً من الدّفلى وشوى اللحم وأكل فمات من سريان سميّة القضيب في اللحم، وذكر هذه الحكاية من النصائح. ومنهم من إذا أكل اللحم مسح يديه في خفه كالتتار، وهذا من أقبح ما يكون لو لم يكن تشبهاً بالمجوس. ومن الأدب اتخاذ المبرد والمطرقة لإصلاح نصال السهم، ورأيت في سرج لجندي لبق سنداناً صغيراً مؤبداً في أعلى قربوس سرجه ليصلح عليه سهامه بالتطريق فأعجبني ذلك منه، وشكرته. ومن آداب صاحب القنص اتخاذ سكينتين حادتين للذبح، وثالثة للسلخ. ومن فوائد اتخاذ السكينتين لربما ذبح صيده فانكسري السكين قبل إتمام الذكاة فتصير ذبيحته إذ ذاك ميتة، وطريقه في تحليل صيده إذا انكسرت سكينه أن يضع حرف يده مكان السكين المنكسرة ليؤتى بسكين غيرها، ويتم تذكيته. ومن أدبه أن يكون معه فطرقان غير ما في سرجه وثيقان لشد صيده إذا ذبحه يشده على كفل فرسه، ولا يتكل على فطرق الغلام وبضع الكبر، فإن كل جندي متكبر ناقص الهمة، ولن يصلح الكبر لعاقل، والكفار يذمون من تكبر منهم. ومن آداب الصائد، اتخاذ القوس الجيد والسهام الجيدة ويجتنب خشب القوق والصنوبر إلا ما غلظ فإن رق فلا خير فيه، خصوصاً في زمن الصيف وقوة القوس.

ومن آداب الجندي في الصيد اتخاذ قوسين أو ثلاثة بحسب المكنة لا عادةً أو إذا ارتخت قوسه تناول غيرها، ولا يستصحب وتر المصران ولا وتر الجلود فإنه رديء، والتتار وغيرهم يستعملونه للعدم ولا يخرج سهمه كما ينبغي. ويجب على المتصيد افتقاد أفواق سهامه قبل حركة الصيد، وافتقاد قوسه وجميع الآته. ومن أدبه، تعليمه إذا انكسرت قوسه إما من مقبضها أو من سيتها أو من أحد بينها بأن يكون كسرها قريب السية ومتى انكسرت بعيداً من السية فليس فيها حيلة أن يصلحها على تقدير نصف ساعة أو أقل من ذلك، ويركب فرسه ويرمي أسوة رفقته على الصيد، وإلا يصير بطالاً خجلاً، ويمكن ذلك أيضاً في الحرب إذا بعد عن المعركة، وتوارى وأصلح قوسه وركب فرسه وتقدم للمعركة وقاتل، وكأنّ قائلاً يقول: كيف يصلح قوسه في هذا الزمن اليسير ويرمي عنها؟ فالجواب عن ذلك، أن هذه النكتة يعرفها أصحابنا الأجناد الذين عم أجناد على الحقيقة المشتغلين بما هم بصدد ما يلزمهم من صناعتهم على الإطلاق، أثابهم الله، وهذه النكتة يعسر ذكرها ويطول ولا يكاد يفهم إلا ما مشافهة، وهي هينة. ومن الآداب المحتاج إليها الصائد، اتخاذ الفرس المتريض الجاري الخفيف، إذ الفرس هو عمدة الجندي. ومن آداب الجندي المتصيد اتخاذ فرسين أحدهما جارٍ للبعد، والآخر خفيف جارٍ للقرب إذ كل منهما له موطن يركض فيه، فالفرس الجاري للبعد فلطلب الحمر الوحشية والغزال الذي له النفس الطويل بحسب بلاده ووطنه كالمصريات، لأنها أشد عدواً أي جرياً، وقد ذكر أن غزال مصر ناقص ضلعاً عن غيره. ولحم غزال الشام أطيب لحماً لكثرة المراعي وما أشبهها، وأما الغزال المتعوب بطرد الكلاب والخيل والأماكن الرملة فكل فرس مستريح يأخذه ولا اعتبار بهذا الفرس، والفرس الحاد جيد للمسابقة والصولجان وطلب بقر الوحش والغزال الخانس إذا هو أثير، وما كل رامٍ يحسن أن يفوق سهمه حين خروج الفرس الحاد الشديد الجري، خصوصاً إذا كانت سرجه ضيقة قائمة المؤخرة، فبئس هذه السروج، وقد فشت في الديار المصرية استخرجها العجم، وأخطؤوا ولو علموا مفسدتها لم يعملوها وهي جيدة للخرج والمجاذبة على الخيل، ولعمري أن الفارس الجيد غني عنها، ولقد عددت فيها مساوئٍ عدة سبعة أذكرها منها: إتعاب المسافر، ومنها تعويق المستلقي حين وصول سنان رمح الخصم إليه، فإنه إذا استلقى قصر الرمح وردّه إما بمقرعته أو بيده أو بسيفه أو بخنجره، ومنها إذا عبر في مكان قصير كباب منعته الاستلقاء ومنها تشويش على الرامي إذا رمى وهو سابق، وكان سرجه ضيقاً، فإن الرامي إذا رمى وفرسه جارٍ فلابدّ وأن يتأخر في سرجه، ويقدم رجليه في الركاب هذا لابدّ منه، ومنها أنها تعوقه إذا نزل من خلف ذنب الفرس لتوقع أمور تحدث للفارس، وقد اتفق لي ذلك في وقت لكن كانت مؤخرة سرجي لاطية كسروج لقدماء، والسرج عندي الآن. ومنها إذا جاء فارس يطلب خصمه من خلفه، وكان سرج المطلوب منتصب المؤخرة فاستخرج رجله من الركاب وركزها في المؤخرة المنتصبة وجذب خصمه فإنه يستقلعه إذا كان غير درب. وفي الجملة فإنها تعين الجاذب إذا ركز رجله في مؤخرة خصمه المنتصبة، ومنها ربما يحتاج الفارس حين ركضه لرمي القبق أو طائر في الجو لاستلقائه حين الرمي لفوات الطير فيمنعه المؤخرة المنصوبة، ومنها تعويق الفارس إذا ركب فإنه يحتاج أن يرفع رجله اليمنى حتى يصير في السرج، ومنها أن الراكب إذا كان ممن عادته حين ركوبه مسك المؤخرة فإن كان حرف المؤخرة منتصباً فلا يتمكن كما ينبغي إلا إذا كانت المؤخرة لاطية، وأكثر الناس لا يمسكون حين الركوب سوى المؤخرة باليد اليمنى، ورأي القدماء ومن تأدب بأدبهم ومعرفتهم ليس لهم حين الركوب سوى إمساك القربوس باليد اليمنى، وفي ذلك فوائد كثيرة، والمملوك يعتمد ذلك، ذكرها الأستاذ ابن أبي خزام الختلي في كتابه المعروف بالفوائد الجليلة في علوم الفروسية والرماية وأمراض الخيل ومداواتها، ولا يجوز للجندي إذا كان يحسن المطالعة أن يعرج على غيره من الكتب، وكتابه الكبير جمع علوماً شتى، وأبي خزام هو بالخاء المنقوطة فوقها وبالزاي المنقوطة وتشديدها، وأكثر الناس يصفحونه ويقولون الخيلي والجبلي وهو غلط. وإنما هو الختلي بالخاء المنقوطة والتاء المثناة وتشديدها، ويقال إن ختل بلدة قرب بغداد، والله أعلم.

وصية يحتاج إليها المتصيد

واعلم أن أول الفروسية الصيد على الخيل بشرط اللباقة وصنيع الرماية، وحسن الثبات في ظهور الخيل، وكم من راكب وسابق ورامٍ لا يعد فارساً ولا عازماً بما هو بصدده. وعلم الصيد باب واسع، وعالمه في صناعته بارع. ومن أدب الصائد أن يتفقد فرسه قبل ركوبه للصيد والحرب وغير ذلك، فإذا كان ذا علم، نظر إلى وجه فرسه، فيعلم أنه متشوش أو به أمر، وقد جربنا ذلك. وصية يحتاج إليها المتصيد ينبغي أن لا يرخي لجام فرسه فيشوش عليه حين الركض بطرق الناعوس في سقف حلقه، وهذه مزلة في الجهّال، وكم من فرس جواد سبق بهذه القضية، بل ينبغي أن يكون اللجام مستوفياً فم الفرس وأن يرح الذناق والقلادة، ومن الخيل إذا كانت قلادته قصيرة فيختنق، وربما نقص جريه، وقد سبقت خيول جياد بسبب ذلك. ويحذر المتصيد والمحارب وصاحب الصولجان من اللجام الخفيف لفرسه، بل على المقدار، ومن غريب ما سمع أن بعض الملوك كانت له محظية طلبت الحضور معه في الصيد فأجابها إلى ما أرادت فبينما هو يتصيد إذ مرّ عليه سرب ظباء، وكان أرمى الناس، فقال لها: كيف تحبين أرمي هذه الظباء، فقالت: أريد أن تجعل ذكورها إناثاً وإناثها ذكوراً، فقدّر الملك أن تكون توهمت عليه العجز، وأن يتبين لها نقصه، فقال: ما سألت شططاً، ثم رمى التيوس من الظباء فحصد قرونها فصارت كالإناث، وجعل يرمي الإناث فيثبت النشاب في موضع القرن، فلما تمّ له ذلك على ما طلبت عطف فقتلها خوفاً من أن تسومه في وقت آخر ما يعجزه فتفضحه، ويقال أنها طالبته بالجمع بين ظلف الظبي وقرنه، فرماه ببندقية فأصاب أذنه فحكها الظبي بظلفه فرماه بنشابه فشكه. وما حكيت هذه الحكاية إلا لاسترفاع همة الرامي على الصيد، وأيضاً ليسلم من الإعجاب بنفسه، وهذه الحكاية من أكبر آداب المتصيد. قال المؤلف الفقير إلى الله محمد بن منكلي: أذكر لك أيها الولي المختار نكتة عجيبة لا يكاد يسمع بمثلها، والله عز وجل أعلم، وهي من جملة آداب الجندي المتصيد. وهي إذا ركضت يا سيدي فرسك المطواع وأردت أن تطلب الصيد فليكن سيفك سلساً، فإذا رميت الصيد وأخطأته فربما رجع إليك بسرعة ولم تستطع تفويق سهمك لرمية فاستعمل ضربة بالدبوس، فإن أخطأته فبالسيف، واحذر رجل فرسك، فإن كان مطلوبك غزالاً وضربته بالدبوس فعلى رأسه، وكذلك الحمار والبقر وكذلك الضبع، وإذا ضربت ذئباً أو ثعلباً بسيف فاقلب قبضة سيفك في كفك حين الضرب، فإنك إذا أصبته كان أنكى، وأسلم لرجل فرسك، هكذا أفادنا أشياخنا رحمهم الله، وهذا من جملة آداب الصائد، ولو استوعب ما يلزم المتصيد من الأدب ظاهراً وباطناً وشرعاً وعرفاً لطال الكتاب وكان ذلك الكتاب حجماً، وفي هذا كفاية لمن وفق لاستعمال الدراية، نسأل الله المنان بفضله التوفيق لما يحبه ويرضاه بمنه وكرمه. باب في ما يعتمده الملك لخاصته في وقت الصيد وفي سيره ونزوله العمدة الكبرى والعروة الوثقى أن لا يغرر بنفسه في انفراده لما في ذلك من الغرر والضرر، حكي عن بعض الخلفاء وهو هشام، وكان مغرماً بالصيد، فاتفق له أنه انفرد فصادف أعرابياً في بيت شعر، وعنده فرس مرتبط عند بيته، فتشاجر الأعرابي، فأغلظ الأعرابي على الخليفة فهمّ عليه الخليفة فوثب الأعرابي إلى فرسه، فركبه وضرب الخليفة بالرمح فشجّه وأدماه، فلحقه الأتباع ومسكوا الأعرابي وأتوا به المخيم، فاعتذر الأعرابي وأطلق. والحكاية فيها طول وهذا ملخصها. وقد شهر ما اتفق للملك الأشراف بن الملك المنصور قلاوون رحمهما الله، وذلك أن الأشراف خليل كان قد ركب اكديشاً وليس معه سيف، وبيده رقمة الطبل فاتفق ما قدر في اللوح المحفوظ بتروجة. قال لمؤلف: ولا يجوز شرعاً أن يغرر الملك بنفسه بانفراده، وأن يضيع حق الرتبة، ويتكل على المقادير، فإن اتفق ما اتفق فلا تنفعه المعاذير.

نكتة

قال علماؤنا: القضاء يؤمن به ولا يحتج به. وأما كيفية سيره إلى الصيد فلا يبعد عن أوطانه إلا إذا تحقق من خواصه الشفقة والنصيحة وأن يستصحب الثقاة من أكابر دولته ذوي المحبة، ولا يقدمّن صغيراً على كبير، فإن ذلك آفة على المملكة، ولا يمدحنّ صغيراً بحضرة كبير، فإن للنفوس حظوظاً وكمائن وعلاقات عرضية وعرضية فالحذر من ذلك. ولا يصلح للسلطان حين السير الامتلاء من الطعام والشراب ولا لغيره أيضاً، فإن السلطان كالرأس للبدن ولا ينبغي الدعاء عليه وإن جار، بل يدعى له بالصلاح ويهدى له كل نصيحة على تنوعاتها، فإن شئت قلت "والداً"، وإن شئت قلت "أستاذاً" وإن شئت قلت "أخاً في الله"، فمن حيث الجملة وجب نصحه وموالاته وإتحافه بكل ما يقدر عليه، اللهم أصلح سلطاننا ووفق أمراءنا وعلّم علماءنا، وارزقنا طاعتهم فيما تحبه وترضاه آمين. نكتة وقالوا إن أول الفروسية الصيد، وإنه أحوج ما يكون إليه الملك ومن دونه، فإن فيه عشر خصال، أولها: تمرين الخيل، الثانية: رياضة النفس، الثالثة: لذة في غير محرّم، الرابعة: اكتساب الشجاعة، الخامسة: معرفة ذوي الألباب، السادسة: أن ينكفّ عن الذنوب في وقت صيده، السابعة: أنه يستغني بالصيد عن أن يأكل في غير وقت الحاجة، الثامنة: أنه يداوي ما به من الغموم والهموم، التاسعة: إن الصيد يزيل عن الجسد بالحركات ما يولد من الأوجاع ومن الفضلات والرطوبات ما يحركه تعب الصيد من الملاذ، العاشرة: أنه يزيل الفكر ويحد النظر. وروى ابن عباس، رضي الله عنهما، أنه قال: إنما سمي أصحاب المسيح الحواريين لبياض ثيابهم وكانوا صيادين. وقال أرسطو طاليس: أول الصناعات الضرورية الصيد ثم البناء ثم الفلاحة. وقيل لبعض الملوك المدمنين على الصيد، إنك قد أدمنت على الصيد، وفيه مشغلة عن مهمّ الأمور ومراعاة الملك. فقال: إن للملك في مداومة الصيد حظوظاً كثيرة، أولها، تبينه في الصحاري مواقع العمارة في بلاده من الزيادة والنقصان. فإن رأى في ذلك ما يسره بعثه الاغتباط على الزيادة فيه، وإن رأى ما يكره جرد عنايته ولم يستتر عنه ذلك، فرأس الملك العمارة، ولم يخرج ملك قط لصيد إلا رجع بفائدة، أما جسمه فيروّضه، وإما أن يكون قد طويت عنه حالة مظلوم فيتمكن من السماع منه، ورفع ظلامته فيسلم من ماثمة وقد ورد عن بعض علماء الأكاسرة في سيرهم، وما كان من الانبساط والأريحية سيما مع الظفر وإدراك البغية يعني تحصيل الصيد، وإن المرء يكون في تلك الحال أطرب منه عند سماع شقائق الألحان، وربما قويت النفس حينئذٍ وانبسطت الحرارة الغريزية فعملت في كثير من العلل. قال عيسى الأسدي، وكان عالماً بأمور الصيد لم يكن مثله: إنه حدث عن من شاهد من غدا إلى الصيد، وكان به صداع مزمن، فركض فظفر بصيد، فلحقه الرعاف من ذلك الركض، فحلّل ما كان به من لصداع عند حركة الصيد. وآخر كانت به سَلْعة يجبن عن بطها، فلما ركض خلف الصيد قويت الطبيعة، فانفتحت السلعة وهو لا يعلم. وآخر كانت في يده خراجة مندملة على نصل سهم، فاحتدّ في الركض خلف الصيد، فبرز النصل عند تكامل احتداده. وأخبر عن بعض الأدباء حكاية ظريفة، أنه قصد بعض الأكابر فتعذر عليه ما أمله عنده وحجب عنه، وكان المقصود كثير الطرب بالصيد، مغرماً به، فعمد الشاعر إلى رقاع صغار، وكتب فيها مدحه، وصاد عشرة من الظباء والثعالب، وشد تلك الرقاع في أذنابها، ووقت خروجه إلى الصيد كمن الشاعر في مظانّة وأرسلها واحدة بعد واحدة، كلما صاد الملك شيئاً أرسل الشاعر بعده شيئاً آخر إلى أن صاد الملك الجميع، وقف على الرقاع، فسر وزاد طربه واستظرف ذلك، وطلب صاحب الرقاع، ففرح به ونال منه حاجته. والمقصود من حركات الملوك في الخروج إلى الصيد، أنهم لا يرجعون إلا عن إتمام معروف أو نصرة مظلوم، فهذه والله هي النتيجة الباقية والهمة العالية، ويتنزهون عن دوس الزروع إذ هممهم أمنع من الدروع. ولو بسط القول في ما وقع للملوك حين صيدهم من المآثر الجميلة والآثار الجسيمة لخرجنا عن المقصود.

قال محمد بن منكلي: وينبغي للملك وغيره أن يكون دأبه قبل الركوب بعد صلاة الصبح، ما يعتمده من قراءة القرآن والذكر والتسبيح والدعاء وطلب المعونة والتوفيق والسداد في الحركات والأحكام، وأن يتناول ما يصلح لمزاجه من مأكول يسير وشرب مباح، ولا يمتلئ من الطعام والشراب، فإن الصائد لا يصلح له ذلك خصوصاً الراكض فربما إذا ركض الممتلئ من الطعام والشراب فرسه أورثه البواسير وغيرها من الأدواء. ولا ينبغي للملك التصيد حين المطر ونزول الثلج، ففي ذلك عدم التذاذ وتبرم الحاشية كالشبان والغلمان الذين لا جلد لهم، ويتوقى الركض في الزلق والسباخ والوحل، وهذا لا يعد من الفروسية، بل فعل هذا جهل محض، ولا يجوز فعل ذلك في شرعنا، ولا في شرع غيرنا لما في ذلك من الضرر بزلق الفرس وكسر عضو من أعضاء الفارس أو الفرس أو كلاهما معاً. وقد رأيت من اتفق له مثل ذلك وكسرت رجله وسلم من الموت. وأما الصيد في وقت الغيم فلا بأس في ذلك. وقد أجمع العقلاء أن الضواري لا يجوز أن يلعب بها إلا الملوك ومن دون الملوك إلا من كان شجاعاً سخي النفس، ثابت العقل، يعلم ما ينفعها ويضرها فيدبره بعقله ورأيه، وأن يكون مكملاً في جميع آلة الصيد من الزرق والحلق والركوب والهمة العالية، وأن لا ينظر إلى ما يصل إلى أرباب الضواري والساسة لها والصّناع في أن يكثر عليه أو في عينه، فإن الله قسّم الأرزاق. وجعل الأسباب موصلة بينهم. وقد أجمع العقلاء على أن ألذّ ما وجد من الصناعات وأحلها وأجلها وأطيبها وأقربها إلى طبائع الإنسان مثل الصيد، وذلك أنه يميل إليه قلب كل أحد من سائر الخلق. وقد ذكر أن لحم الصيد أنفع ما يكون للمريض، وذلك أنه يزداد لحم الصيد بتعبه لذة لأنه يقلل تعب المعدة في هضمه لتعبه وحركته وتخبطه في كف الجارح أو في فك الفهد والكلب وغيره. وقد تقدم ذكر الغيم. ولم نذكر ما الفائدة في وقته فنذكر ذلك الآن؛ وذلك أن الملوك كانت تقسم أيامها، فتجعل يوم الغيم الذي لا مطر فيه للصيد، وهو اليوم المحمود للطيور الضواري وللصيد أيضاً، وذلك أن الضواري أفره ما يكون في يوم الغيم والصيد أشغل ما يكون في هذا اليوم بطلب المرعى والمداومة على الرعي، ومع الاشتغال فرصة للصياد، والضاري. ويجعلون يوم المطر المتتابع للخلوة والتلذذ مع من يحبون ويختارون، ويوم الصحو للقاء الناس، والانتصاب في المجالس لمقابلة العامة والنظر في مهمات الأمور ويغلس في التماس الطرائد لأنها تكون في ذلك الوقت قد هدأت وربضت للنوم فتثار، وفي عيونها سنة النوم. وأما الصيد في أي يوم من أيام الجمعة، فقد ذكر عن بعض من قسم الأيام من الأدباء أنه يوم السبت وقال في ذلك: لنعمَ اليوم يوم السبت حقاً ... لصيدِ إن أردت بلا امتراء وفي الأحد البناء لأن فيه ... تبدّى الله في خلق السماء وفي الاثنين إن سافرت تلقى ... عظيم النجح فيه والهناء وإن ترد الحجامة فالثلاثا ... ففي ساعاته نزف الدماء وإن تشرب لتنقية دواء ... فنعم اليوم يوم الأربعاء وفي يوم الخميس قضاء حاج ... ففيه الله يأذن بالقضاء ويوم الجمعة التزويج فيه ... ولذات الرجال مع النساء قال المؤلف غفر الله له: ولم أتعرض على صاحب هذا الكلام، إلا أنه ربما خرج المتصيد في وقت غير ملائم على رأي أصحاب الفلك، وأما الاختيار للصيد فهو كالاختيار في الحرب، وقد هجي متصيد خرج في وقت منحوس، فقيل فيه: ومدمن لهج بالصيد منهمك ... فيه ويرجع عنه وهو عريان لا يطلب الصيد إلا وقت منحسه ... وطالع حلّ فيه النحس كيوان فالطرف يشكوه والكلابُ تلعنه ... والوحش راضية والكلب غضبان وأما على مذهب الفقهاء ختم الله لهم بالحسنى. فلا اختيار لوقت دون وقت بعد الاستخارة الشرعية، ولو فصلنا القول على مذهب أهل الفلك لخرج بالكتاب عن المقصود، ولكن الأصول بحمد الله محفوظة مضبوطة. وقد ذكر قبل كيفية سير الملك للصيد فقد بسط القول فيه على سبيل الاختصار بحمد الله. وليبدأ الآن مختصراً كيفية نزوله عند فراغه ورجوعه من صيده.

قد تقدم أنه يجب عليه شرعاً وعقلاً التحفظ من كل ما ينبغي التحفظ منه، فإذا نزل فلا يسبق من يعتمد عليه، وليكن النزول كحال لرحيل بالانتظام السلطاني على عادة الملوك بل يختار ويتحرى ضوابط لم يكن سبق إليها مستحسنة للعقلاء وأصحاب الرأي. قال الله تعالى: (توجد آية) ، وهذا مطرد في حق كل حاكم مسئول، فإذا نزل استروح، ونظر في كل من هو مسئول عنه وكشف حال القاصدين له كشفاً شافياً وأقول: ولا ينبغي للملك أن يبعد عن مقرته في صيده، ويتفقد كل ساعة أحوال الكشافة الذين يقدمون من قلعته بكل خبر قلّ أو جل ولا يشتغل في نزوله بما لا فائدة فيه كلعب الشطرنج، وأقول: إن المبالغة في لعب الشطرنج لا يصلح للملوك أصلاً وقد هدت أركان بواسطة المبالغة في لعب الشطرنج وسببه ظاهر، فإن العوالي من الشطرنجية أكثرهم مقامر مرتكب محرّم لا محالة، ولم يزالوا يفشون أسرار الملوك والأكابر والسبب الداعي لإفشاء سر الملوك ظاهر، وذلك أن الملك الغاوي للشطرنج إذا لعب مع عالية، فلابدّ للعالية أن يهزأ بالملك ويسترخي له، فيظن الملك أنه غالب، وإنما هو مغلوب، فيفرح الملك بغلبه ظناً فيخرج منه كلام يقتضي السكوت عنه، فيتكلم به كحال السكران من الخمر، وحالة الفرح كحالة الغضب، فيجب على الملك وعلى كل عاقل أن يتحفظ في كلامه، فيسمع الشطرنجي كلاماً يقتضي السر فيفشيه فيفشى ذلك الكلام مع طلبة الشطرنج فينقل من واحدٍ إلى واحد فيحصل الضرر والعياذ بالله من الخائنين. وأقول: وليس لهم ذنب، بل الذنب لمن قربهم، إذ القرب لهم عار وانحطاط في الرتبة، وليعتبر بحال السلطان الملك المنصور لاجين تغمده الله برحمته، وما اتفق له بواسطة لعب الشطرنج بحضور ابن العسال رحمه الله. وقد حصل له ما فيه كفاية من الرعب الشديد، وكان ذلك تأديباً له كيف حضر أماكن اللعب بالشطرنج وسلم من الموت. قال محمد بن منكلي: يتعين على الملك حين نزوله أن يقرب إليه مع ثقاته أجرى خيله وأصبرهم، وكذلك يكونون بالقرب منه الخيول السبق حين سيره أرضاً، ولقد نازعني بعض الجند الجياد، وإن المطلوب من الفرس الطرقة فقلت: لا أسلم إنما المطلوب من الفرس الجري، وأقمت الدليل الشرعي والعقلي فانقطع وسلم واستفاد ذلك، وكأنك يا سيدي تقول، ما الدليل الشرعي والعقلي، أما الشرعي: فالرواية الصحيحة عن وهب بن منبه رضي الله عنه متصلاً، إن الله تبارك وتعالى، خلق الفرس العربي من ريح الجنوب، ثم قال له: وقد جعلتك للطلب والهرب، وسأجعل على ظهرك رجالاً يسبحونني ويحمدونني ويهللونني، تسبحين إذا سبحوا، وتحمدين إذا حمدوا، وتهللين إذا هللوا إلي، ففي ذلك بيان واضح بتفضيل الجري على الطرقة، فإذا حصلتا فبخ. بخ. والفرس الجاري منج من الهلكة وطلب الأعداء وبلوغ الإرادات وغير ذلك من استلحاق الصيد، خصوصاً الفرس الطويل النفس، وأحسن ما يكون من الخصال المحمودة الوهيبة أن يكون جريه أولاً وآخراً سواء بقوة، وهذا قليل في الخيل فمنهم من هو حاد، أول جلبته قوية وآخر جريه رديء ولهذا وظيفة تقدم ذكرها. ومنهم بالعكس، أي الذي جريه في أول وهلة بطيء، وكلما عرق وتقدم جريه فهو جيد، لكن فيه قضية فلربما طلب فلحقه الحاد في أول وهلة فمعر راكبه، وهذا التفصيل لم أسمع به وهو ظاهر.

فصل في كيفية العمل بآلة الصيد من رمي وزرق وطعن وضرب ورشق حذف

وأما الدليل العقلي فإن الفرس السابق ربما لا يحسن منظره ولو قوم عليه لم يكن إلا بثمن بخس، فإذا اختبر بالجري ووجد سابقاً وأعطي فيه ثمناً زائداً إلى الغاية ورغب فيه، ولم تزل الملوك وغيرهم من الأمراء والأجناد يبذلون المال في تحصيل الفرس السابق إذ بسببه نجاة من الموت أو القتل. ولقد جيء بفرس في أيام السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، وكان ذلك الفرس إذا قوم عليه لا يساوي ثمنه غير ثلاث مئة درهم، وكان حصاناً أحمر فاتفق أنه سوبق به، ويخيل سبق مذخرة عند السلطان، فسبق الجميع وكان صاحبه بدوياً، فأخذه السلطان واحتفل به غاية، وأمير أخر إذ ذاك أيدغمش، وقد اتفق مثل هذه الحكاية كثيراً ولا ينازع في ذلك إلا الجهال والعامة من الجند الذين لا يحل لهم تناول الإقطاعات، وترى الواحد منهم لا يحس أن يمد قوساً ولا يركب من الأرض فرساً. وذلك من لوازم الملك النظر في مثل ذلك إذ في مثله منقصة في المملكة، وأكثرهم يتناول من الإقطاع نحو العشرة آلاف درهم نقرة، والمستحقين لم يجدوا كفاية. وكأن قائلاً يقول: هذا نصيبهم، فلا حجة في ذلك، وهذا تحصيل الحاصل وتحصيل الحاصل محال، قال تعالى: (توجد آية) . وهذا متوجه من حيث المعنى، ولا يقول غير هذا إلا الأجنبي من العلم، وكل من أخذ مالاً يستحقه فحرام فعله. فصل في كيفية العمل بآلة الصيد من رمي وزرق وطعن وضرب ورشق حذف وذكر حسن الآلات المذكورة بعد قال محمد بن منكلي. لطف الله به. اعلم يا سيدي أن قوة الرماة تختلف عن الرمي بالقوس الصلبة والقوس اللينة. فصاحب القوس اللينة أسرع مداً وإطلاقاً، وأعدل لرمي الصيد خلا الرمي على الأسد، والرمي على الحصون، والرمي على اللابس المصفح، فإن الرمي على المصفح بالقوس اللينة يحتاج إلى دربة وفهم ثاقب. وليس هذا الكتاب يذكر فيه بيان ذلك، وقد ذكرت ذلك في تآليفي فلينظر هناك. وإذا خرجت يا سيدي إلى الصيد فاستصحب قسياً كثيرة إن أمكن فربما طال وقت الاصطياد وكثر الصيد، وطال الرمي فتلين قوسك خصوصاً في فصل الصيف، فإذا رميت بهذه القوس التي قد ارتخت قلت نكايتها، وأنا أذكر لك حيلة إذا ابتليت بهذه القوس الرخوة، وأنت طارد خلف صيدك إما غزال أو غيره، فادن منه إن أمكنك ذلك بأن يكون فرسك مستريحاً، وقد غيّرت الفرس الأول وركبت المستريح، فحينئذٍ تركض فرسك المستريح وتتناول القوس الرخوة التي ما معك غيرها لتفريطك أو لضعف حالك أو نسيانك أو لعذر من الأعذار مقبولة أو غير مقبولة، فادن الآن من صيدك إن أمكنك ذلك واستغرق سهمك وتأخر في سرجك الواسع اللاطي المؤخرة كما أعلمتك قبل هذا، وارم فإن تأخرت كما ذكرت لك وأصبت صيدك ربما اثر تأثيراً جيداً. وأما إن ركضت فرسك المتعوب، ورميت، بقوس قد ارتخت وبعدت عن طلبتك للصيد، ورميت صرت الآن مضحكة للعارفين بهذا الشأن فالحذر من ذلك، الله، الله. وإذا أحسست يا أخي من فرسك بتعب فلا تركضه أصلاً فيحرم عليك شرعاً، ولم تعد من العارفين بأمور الجندية. قال محمد بن منكلي: ويحرم إتعاب الفرس في الطرد خلف الصيد في زمن الصيف، وإذا تكرر على الفرس مثل ذلك فإنه ينقطع وينسل إلى أن يموت، وإن سلم من الموت فلا يحصل له الرجوع لحاله الأول إلا بعد ثلاث ربعات، هذا يعلمه أصحاب الخيل المجربين، وقد علم أن إضاعة المال غير جائزة شرعاً. وأما الملوك فلهم أمور وأحوال أخر، وأما الرمي عن القوس الصلبة على الصيد وغيره فله شرط، وهو إذا لم يستغرق السهم ويرمي وإلا فصاحب القوس اللينة أنكى سهماً وأبعد طرداً وأليق حين الرماية. وهذا معروف عن الرماة المجيدين وإذا لم يستغرق السهم في كلا القوسين الصلبة واللينة فلا اعتبار بهذا السهم وأكثر الجبلية لا يستغرقون سهامهم حين الرمي عن القسي لصلبة إذ أكثرهم يتعانون تلك القسي الصلبة وكذلك الإفرنج، خذلهم الله تعالى لا يستغرقون السهم حين الرمي عن القسي الصلبة، ولا يعرفون الرمي على الخيل سواء كانت واقفة أو راكضة.

قال محمد بن منكلي: وأنا أسامحك يا أخي في عدم استغراقك لسهمك حين الرمي عن القوسين الصلبة واللينة، وذلك في أوقات أذكر بعضها؛ منها إذا فاتك الصيد بقليل، وكنت قد رأيته قد وثب كالغزال، فارم الآن في قوائمه فإن أصبته ولم تكن قد استغرقت سهمك فقد عطلته أو قطعت عضواً من أعضائه. ومنها إذا قاربك عدوك برمح أو بغيره فارم عليه ولكن في وجهه، ولو كان ملبس فيشتغل عنك بحاله. وتكفيك هاتان الحيلتان وأخرى زائدة وهي ضرورية أوجب ذكرها لنصح كل مسلم يتعانى الرمي، وهي إذا سهوت أو غلبك فرسك القوي الجاري وفاتك التفويق في محله وأنت رامٍ على القبق أو الطائر المقصود بالرمي، فحينئذٍ أسامحك في عدم الاستغراق، لكن بشرط أن تكون قوسك صلبة أما القوس اللينة فلا يجوز فيها، وأنت على هذه الحالة، فيطلع سهمك باسترخاء، وربما لا يصل إلى القرعة وتصير مضحكة للحاضرين. وهذه الحيل لا يكاد يفهمها إلا الأذكياء من الجند. قال المؤلف: وضابط الأمر أن كل رامٍ يعرف ما يوافقه من لقسي لكن يحتاج إلى دربة، وأما القوس اللينة فلها فوائد، من جملتها؛ يسهل إيتارها على الملبس وهو راكض، ومنها التمكن حين لرمي وسرعة النفوذ بشرط حسن الصنيع من المدّ والإطلاق والتخليص على أنواعه، وفي أماكنه المطلوبة. وهذا الكلام لا يفهمه إلا الفقيه في الرماية. أما جهلة الأتراك فلا كلام معهم، والكلام مع العارفين منهم، ولا يجوز عند العقلاء إضاعة الحكم على تنوعاتها عند الجهال. ومن جملة فوائد القوس اللينة إذا كانت بحسب قوة الرامي أن صاحبها يتمكن من إيتارها وهو في الماء إذا اضطر إلى ذلك بحيث لا تبتل. ذكر ذلك الطبري رحمه الله، وذكر أيضاً كيفية الإيتار على تنوعاته، وذكر أيضاً كيفية الرماية من فوق الأسوار على العدو بحيث لا يرى الرامي فيرمى، وهذا لا يمكن عمله إلا بالقوس اللينة التي مقدارها ما بين العشرين رطلاً إلى خمس وعشرين. وكنت حال الشبيبة أتعانا ذلك والآن بقي بعض بقية بعون الله، وأنا ذاك في عشر السبعين، وهو معترك المنايا، فنسأل الله حسن لخاتمة بفضله وكرمه، وقد خرجنا عن المقصود، ومن طالع كتابي، المنهل العذب لورود أهل الحرب، انتفع به فإن فيه ضوابط حربية تحتاج إليها الأجناد، وأما حسن الرماية فلائقه للأتراك المجيدين للرمي لا كلهم، حتى كان كأن القوس في يد التركي قد صيغ له وصنع لأجله، مثل الرماح يحسن حملها للعرب، وإن كان كثير منهم لا يحسنون اللعب بها، فسبحان الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى. وليذكر الآن كيفية الزرق على الصيد: يتخذ مزراقاً من خشب الزان لثقله يسر حاد وإن كان بلطية صغيرة كان أجود، ولتكن جناحيها حادة كسنان رمح المحارب سواء، فإذا كانت حادة الأجنحة انتفع بها. وفي ذلك فوائد للمحارب والصائد، منها؛ إذا فاته الزرق شمل الصيد في قوائمه بجناح من مزراقه الحاد شملاً قوياً، فإن علم أنه قد أثرت فيه الشملة فليمسك عنان فرسه ويستوقف فرسه قليلاً قليلاً على عادة الفرسان خلافاً للمغاربة وبعض الجهلة من العرب، فإن أكثر خيول المغاربة عرج الأرجل إما اليمنى وإما اليسرى أو كلاهما معاً. وكذلك جهلة العرب، وسبب ذلك؛ أنهم يركضون الخيل ويسترجعونها يمنة أو يسرة في أثناء الجري، فيحصل لخيولهم ما يحصل وهم يحسبون أنهم على شيء فإذا استرجعت فرسك، فإن الصيد ير ويقف فتبرد الضربة ويتألم، فادن منه قليلاً قليلاً واقصده واصنع ما ألهمك الله تعالى فيه، إما بضربك على رأسه كالغزال إذا فاتك وإياك أن تطعن الحمار في رقبته فلن يمكن تحصيله إلا بعد تصفية دمه بعد حين. وقال العقلاء لن يرى اصبر من حمار على جراحه خصوصاً الوحشي فإنه أقوى نفساً. وأما كيفية ضرب الصيد بالسيف، فإذا رأيت الصيد فاستل سيفك قبل ركضك إذا كنت لا تحسن استلال السيف في وقت ركض الفرس الحاد، واطلب الصيد فإن كان غزالاً فاضربه على رأسه إن أمكنك، ولن تستطيع ذلك إلا إذا كان تعباناً من طرد الخيل له أو كان نائماً أو جريحاً من غيرك أو كان فرسك حاداً سابقاً، ويمكن قتله بضربك له على ظهره أو حيث أصيب.

باب

وأما الحمار فلا أرى أنا له مثل البعج بالسيف القلجوري وهو سيفنا. إذ السيف البداوي ليست له دبابة لتبعج بها، فأما إذا تمكنت البعجة بين أضلاعه فهو مقتول لا محالة لكن يتتبع كما تقدم، فسيتصفى دمه حينئذٍ وإن أمكن شمله على خرطومه فلا بأس بذلك فربما منع المرعى ومات. قال محمد بن منكلي: ولا أرى أن يتبع الحمار الوحشي إلا على فرس طويل النفس جار وهذا معروف عند الصيادين من الجند وغيرهم، وإن أمكن شمل الحمر الوحشية بالسيف أعني الحمر المتعبة بالطرد وجرح أرجلهم أو أيديهم، فقد عطلوا وأخذوا لكن يحتاج ذلك لباقة لئلا يخطئه فيصيب فرسه خصوصاً إذا اشتملت الأرنب والغزال النائمين. قال محمد بن منكلي: وليكن حين شملك للضربة، ضربك وجريدك حين الضرب معاً ورفعها لئلا تصيب دابتك، وكذلك فعلك مع نعاج الرمل، وتسميتها العرب نعاج الرمل وهي البقر الوحشية. قال ابن قتيبة: ولا يقال لغير البقر نعاج الرمل، وحركتها أقل من حركة الحمر وهي تبعد في المرعى وتحب الرمل. قال محمد بن منكلي: وإذا دنوت من الحمار والبقر وأنت صاحب سيف، فاشمل عرقوبها، فتؤخذ سريعاً إن شاء الله تعالى. وأما كيفية الرشق، فلا يسمى الرشق رشقاً إلا إذا كان بحجر، وقد يحتاج إلى استصحاب الأحجار في أماكن كثيرة حضراً وسفراً. أما اتخاذها في البيوت العالية فيتعين ذلك، وقد جاءني منسر سنة تسع وأربعين وسبع مائة فرشقتهم بحجارة كانت مذخرة عندي لذلك، وهي إذ ذاك أنفع من النشاب إذا قربوا إلى الجدر، واتفق أنني أصبت منهم جماعة فتهاربوا جميعهم بعون الله لا بقوتي، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله، ومن استعان بالله نصر ومن استعز بغير الله ذل، والذي أراه وأعتمده إذا ابتليت برشق على صيد فلا ينبغي أن أضربه إلا برشقي له على يافوخه مثل الحمار والبقر والغزال، بشرط رفع اليد ما أمكن، فإنه أنكى للمصاب، وكذلك رميك بالحجارة من أعلى الأسوار بحيث يكن إبطك مستوراً مانعاً للسهام وإلا فلا. وأما كيفية الحذف بالحذافة، وهي التي تسميها الأتراك كرلبي فمن حسن صنيع الحاذق لها أن يتأخر إلى خلف ويشد ركبته على سرجه قوياً، ويحذف بها ما أمكن حذفه في أرجل الصيد، ويمكن الضرب بها على رأس الغزال. وأما الحمار والبقر فلا يكاد يتأثر بالضرب بها بل يتألم. ولا ينبغي أن يضرب بها إلا إذا كانت طويلة العصاة أو الشماريخ وإلا فلا. ولتكن آلات الجندي من أليف ما يكون بحاله وأنفع وأنكى لعدوه. وإلا فهو عندنا ناقص المروءة دني الهمة خصوصاً عند اتخاذه الفرس الرديء مع إمكانه فلا يعذر، ونحن نؤثر خيولنا على أنفسنا بشهادة الله، وما أخبرني لو أمكنني. وينبغي للجندي اليقظ أن يعتمد على ما في هذه الأبيات في تربية فرسه، وهو ما قاله شاعر بني عامر: بني عامرٍ مالي أرى الخيل أصبحت ... بطاناً وبعض الضمّر للخيل أمثلَ بني عامرٍ إنّ الخيول وقايةً ... لأنفسكم والموت وقت مؤجلُ أهينوا لها ما تكرمون وباشروا ... صيانتها والصّون للخيل أجمل متى تكرموها يكرمُ المرء نفسه ... وكلُّ امرئٍ من قومه حيث ينزلُ وكل جندي اتكل على الغلام فقد أضاع فرسه، ومكّن الغلام من سرقة علفه خصوصاً في وقتنا هذا، فإن أكثر الغلمان لا يحسنون خدمة الخيل لعدم معرفة الأجناد الحذاق لصناعتهم، وأكثر سبب تحمير الخيول من نحس الغلمان يغسلون أيديهم من الزفر في السطل، ويسقون بعد ذلك الخيل، فتعاف الماء في زمن الصيف فيحمرون، فلا حول ولا قوة إلا بالله. ولنذكر الآن الضواري: فمن ذلك ما يختار من كلاب الصيد ذكورها وإناثها وحسن تربيتها وتدبير جراها وائتلافها على أصحابها. باب

باب

اعلم أرشدك الله أن فضل ذكور كلاب الصيد أعظمها أجساماً وأضخمها أذناباً وقوة احمرار أعينها كعيني الأسد، وما كن لون جسمه كله على خطمه، طويل الأنياب، معقب المخاليف، غليظ كثيف عريض الصدر، معتدل غليظ أصل البدن، دقيق طرفه، غليظ العنق عريض الشعر. وإن كان أجرد بعد أن يكون خلقه على هذه الصفات فلا بأس، وأما إناثها فما وافق نعت الذكور بعد أن يكون أطباؤها عظاماً، ووقت سفادها في آخر الربيع. ووقت ولادتها بعد أربعة أشهر. وأفضل ما أطعمت الكلبة خبز الشعير وألبان البقر فإن خبز الشعير أنفع لها وأزيد في قوتها من خبز البر، وينبغي لما كان من جراء الكلبة ضارياً أن يعزل عنها، ويختار من كل سبعة جراء ثلاثة جراء ومن كل أربعة جراء جروين، فإن ذلك أعظم وأفره وأشبع. ومما يرفق بجراء الكلبة أن يفرش تحتها شيئاً حين الولادة، وأنهم يفتحون أعينهم بعد عشرين ليلة، ليكونوا مع أمهم أربعة أشهر ثم ليقطعوا. وليعمد إلى لوز مدقوق ثم يجعل على الجراء لتسقط القردان. ومما يولف جراء الكلاب على أصحابها أن تطلى اليد بعسل وسمن ثم تدنى اليد من كلب أو جرو فيلحسها. وقيل في تأليف الكلاب بالخاصية أن يعمد إلى قصبة رطبة، ويقدر طولها ما بين ذنب الكلب إلى ما بين أذنيه، ويضرب بها ضربة واحدة موجعة فيألف ذلك الكلب صاحبه. وقيل يعمد إلى سلح كلب من قرية أخرى، فيجعل في خرقة ثم تدنى تلك الخرقة بما فيها من منخري كلب حتى يشمه، فيألف ذلك الكلب صاحبه. ودواء ما يعرض للكلاب من القردان والبراغيث أن يغسلوا بماء وملح مستنقع، ثم يؤخذ كمون فيدق ويخلط بدردي خل أو بماء أصول الحنظل أو عروقه فتدق ثم تجعل في ماء وتطلى به الكلاب فتنقى من القردان وغيره بإذن الله تعالى. والكلاب السلوقية منتسبة إلى سلوقية وهي بلدة بالسمن، والكلاب الزغارية منتسبة لزغور، وهي بلدة في أرض الروم في ملك طيطوق. باب في أسماء الظباء وأشكالها اعلم سددك الله أن الظّباء ثلاثة أصناف منها؛ الآرام، وهي ظباء بيض خالصة البياض يقال للواحدة منها ريم، وهي تسكن الرمل، ويقال هي ضأن الظباء لأنها أكثرها لحوماً وشحوماً. ومنها: العفر، وهي ظباء هنع أي قصار الأعناق، مطمينها يعلو بياض حمرة، ويقال ظبي أعفر إذا كان كذلك، وهي أضعف الظباء عدواً. ومنها: الأدم، وهي ظباء طوال الأعناق والقوائم، بيض البطون، سمر الظهور وتسمى العواهج، وهي أسرع الظباء عدواً ومساكنها الجبال وشعابها، وتقول العرب: هي إبل الظباء لأنها أغلظها لحوماً، ويقال: ظبي أدم وظبية أدماء والخشف وكذا الظبية وهي الطلي والغزال والشاذن واليعفور والوعل وهو تيس الجبل. في الخواص، يقال: إذا علق على الغزال خنفساء حية مات الغزال، وكذا إذا شرب من ماء جعل فيه قطران ربما مات، وسألت عن ذلك ممن يصيده من العرب، فقال: صحيح، فإذا ابتليت بالأدم من الغزلان المذكورة فلا تتعب فرسك في طلبها منفرداً، وهذه لا تصاد إلا بالكلاب واتساع الحلقة. ومن الأتراك من اعتاد حسن الرماية على الغزال، ولهم الصنيع في ذلك وقد ألفوه خلافاً للروم والإفرنج. وعرب المشرق ألبق، منهم: من يرمي الصيد، لكن ليس كالصنيع من الأتراك. وقد تقدم بيان القول في الفرق، ولكن على الإنصاف أن فرسان الإفرنج خذلهم الله أكثر حيلة وأحسن من فرسان التتار، وفرسان العجم أحسن من فرسان التتار. ويقاومون فرسان الإفرنج، وأعني بفرسان التتار هم الذين الآن في بلادهم. وأما التركي إذا تأدب في بلادنا وخدم الفرسان حصل منه المقصود، ولكن الكبر والإعجاب والغلظة والجفاء الغالب عليهم، وعدم الرغبة في العلم والحضارة من طباعهم، والميل إلى الظلم، والإخراب شنشنة لهم، ولأجل ذلك يخذلون، أصلحنا الله وإياهم. باب في كيفية الممانعة من السباع والتحفظ منها كلها، وكيفية قتلها فارساً وراجلاً الحيلة في ذلك من أسد وفيل ونمر وضبع وذئب وخنزير ولنبدأ بذكر أسماء الأسد وغيره، فمن ذلك؛ عنبس وساعدة وحيدرة وفرافصة، سمي بذلك لشدته وأسامة وهيصم والهرماس وضيغم والزبر والدلمهس، والليث والقسورة والضرغامة والرئبال، ويكنى بأبي الحارث وغير ذلك. ومن أسماء الفيل: كلثوم. ومن أسماء الذئب: أوس، ويسمى ذؤالة ونهشار والسيد وغير ذلك.

نكتة في كيفية رمي الأسد على الفرس المؤدب

وسمي ولد الأسد الشبل، وولد الفيل دغفل، ويسمى ولد الضبع الفرعل، فإن كان من ذئب سمي سمع، وسمي ولد الخنزير خنوص، وولد الأرنب خرنق، وولد الثعلب هجرس، وفراخ النعامة ريال (رأل) ، وولد الضب حسل، وسمي ولد اليربوع والفأرة درص. وأما كيفية الممانعة من الأسد فارساً أو راجلاً، فإذا ابتليت به وكان لابد من ذلك بشرط أن تعرف من نفسك ومن فرسك ما قد جربت من محاولة الأسد، فسمّ الله وإلا فلا تتعرض لذلك بالجملة الكافية فيحرم عليك ذلك، وهذا لا يتفق في بلادنا إلا بأرض الشام وفي حلق الصيد يقع ذلك. وقد تقدمت وصيتي لك بأنك لا تضربه بالسيف على رأسه وارمه بين عينيه، كما أعلمتك باستغراق سهمك وثبات جأشك والسلام. نكتة في كيفية رمي الأسد على الفرس المؤدب قال الختلي: ينبغي أن يكون ذنب الفرس محلولاً مسّرحاً فتقدم إليه، ولا تدنو منه، فإذا حمل عليك فرهقك فالق إليه شيئاً مثل قلنسوة أو غيرها فإنه يتشاغل عنك، ثم انظر إلى استواء الأرض، وأن يكون انصرافك عنه سهلاً إذا حمل، ثم مر عنه على قدر مائة ذراع أو أكثر محوّل مؤخر الدابة إليه، وأنت مولٍ عنه وارمه، فإن حمل عليك فامض أمامه بحفظ عنانك، وليكن ذهابك من بين يديه متلوياً متوارباً، فإنه يعسر عليه العطف ولا يكاد يتبعك، فإذا رجع عنك، فادن منه على قدر سبعين ذراعاً، وارمه في أماكن التعطيل، فإن رأيته يصحح الحمل عليك، فارجع إلى الرمي من الموضع الذي بدأته فيه حتى ترى الأسد قد كلّ فسر إليه على قدر خمسين ذراعاً، ثم ادن منه بعد كل حملة على قدر كلاله عنك حتى ترميه من قريب ولا تدن منه الدنو الشديد حتى تعلم أنك قد أثخنته. وقال بعضهم: إن السبع لا يحمل مادام رافعاً ذنبه، فإذا خفضه حمل. وقال بعض العقلاء: يتخذ له كباب من شعر وقطن وتطلى دبقاً، ويرمى بها إليه فإنه يأخذها بكفيه، فإذا تعلقت بكفيه فأقدم عليه بالسلاح، هذا آخر كلام الختلي، رحمه الله. قال محمد بن منكلي: ولا ينبغي أن تقدم على السبع إلا على فرس لا ينفر عن الأسد ويكون قد تعلم قبل ذلك على صورة أسد من طين أصفر بلا رأس خشية التحريم، لكن اجعل على موضع رأسه عمامة صفراء محوقة. وكان عندي حصان لا ينفر من الأسد، كنت علمته على هذه الصورة. وينبغي لمن يهذب فرسه على السبع أن يجعل هيئة سبع من خشب أو طين بلا رأس فيحمل ذلك التمثال إلى أرض مستوية، وتلف عليه العمامة كما تقدم. ويكون الناصب له قد أوثقه في الأرض كما يفعل بالشخص الخشب وأنا فلا أرى بتصوير ذلك الشخص لما فيه من النهي الشرعي، فإذا نصبت هيئة الأسد الخشب فارمه، وأنت سائق لفرسك واضربه بسوط حتى يأنس فرسك ذلك، ولا يكون الرمي عليه إلا بعد أن يألف ذلك الشخص الموضوع من الطين، ولكن يعمل له ذنب من خرق صفر على هيئة ذنب الأسد وتكون قد وضعته على شكل أكبر ما يكون من السباع، وليكن علف فرسك على ظهره بعد استئناسه، واجعل مع الشعير زبيباً أو قطعاً من الناطف من الحلوى الخرجية التي قيمتها نصف درهم الرطل. فإذا أنس ذلك فاعمد حينئذٍ إلى وضع الشكل من الخشب وادهنه بالزرنيخ الأصفر أو الطين الأصفر، وليكن له ذنباً، فإذا خرجت بالتمثال إلى الصحراء، وليكن من الخشب الخفيف مثل الصفصاف، واجعل ليديه ورجليه بكراً كباراً، واربط به حبلاً طويلاً يجره رجل قبالة الفرس قليلاً قليلاً، ثم يستوقف الفارس فرسه على تلك الصورة وليكن الجار لتلك الصورة يقف بها قليلاً ثم يجرها ويقف لئلا ينفر الفرس منها، هكذا أياماً حتى يجرها بقوة ويقدم على الفرس ويزأر ذلك الرجل كزئير الأسد، ويخشن صوته ما استطاع، وينبغي أن يكون جهوري الصوت جداً، وأن يستصحب معه بعد ذلك الرجل الجاذب قرقلة، ويكون يحسن التصويت بها، حتى يعتاد الفرس على زئير السباع واستماع صوت ارتفاع ذنب الأسد.

ولنذكر نكتا من خواص الأسد

وهذه الرياضة للخيل على السباع لم أكن أسمع بها ولا رايتها في كتاب، ولكن هي من فضل ربي الذي ألهمني لذلك، فسبحان المان بفضله، وأما الإقدام على الأسد راجلاً، فلا يتقدم له إلا كل ثابت الجنان ويكن قد استصحب معه خنجرين، إحداهما مربوط في زنده الأيسر والآخر معارض على بطنه وقبضته مما يلي يمين الراجل وبالعكس إن كان أعسر، ويكون قد ربط على يديه عباءة مخيطة بخيط وثيق، وبيده اليسرى هيئة خازوق إما من خشب صلب، أو من حديد لكن يكون رأسه محدداً ثم بيمينه السيف، وليكن قلجوري للبعج، فإذا تقدم الأسد وفتح فيه استلقمه الرجل ذلك الخازق، وأقامه في حنكه، فينشب حينئذٍ الخازوق في سقف حلقه وبين لحييه، فإذا تمكن ذلك منه فأضربه حينئذٍ بسيفك على يديه أو على أحدهما، وتتأخر متوارياً بقوة ما استطعت، وإن أعطاك الله تعالى قوة وثباتاً وبعجت بسيفك إحدى عينيه، فأنت ذلك الرجل، وإن لبست على بدنك لباداً ثخيناً لكن بلا أكمام كما سأذكر بعد في كيفية قتل النمر، فإن رهبك ووثب عليك ووضعك تحته، فاستل الخنجر وابقر بطنه. وهكذا فعل الأمير الشهير بقتال السبع رحمه الله. وإن كانا رجلين قويي القلب مستعدين، فقتله أهون من قتل كلب، والترتيب في ذلك أ، يكون أحد الرجلين أحدهما أمامه والآخر خلفه، وليكن الذي وراءه متأخراً عنه، بحيث أن الأسد إذا استرجع لا يصل إليه، وليكن الرجل الذي وراءه منحرفاً عنه، فإذا اشتغل الأسد بالذي أمامه فلا يضربه الذي خلفه إلا على عرقوبيه أو على أحدهما، فإذا ضربه الذي وراءه وأحسّ بالضربة فإنه يرجع وقد لا يرجع لمن ورائه، وقلّ أن يرجع، وهذا خلقه، فإن لم يرجع فمكّن الضربة على عرقوبه الآخر، فإذا قطعت عرقوبيه فليتقدم الذي خلفه ويبعجه في أحد جنبيه، فإن كانت البعجة في الجانب الأيسر، فذاك أسرع لموته، فإن القلب في جانبه الأيسر ويشترط أن يكون الرجلان قويي الجنان، خفيفي الحركات، مستعدين بخناجرهم كما تقدم. فإن اتفق والعياذ بالله أن يخطف الأسد الذي أمامه فليتقدم الذي وراءه ويقلع عينيه بالسيف بعجاً، فإنه يشتغل لا محالة، فيقلع الأخرى ويفوز بقتل مؤذٍ وإعدامه وخلاص خلق الله تعالى منه. وكأنك يا سيدي تقول لشفقتك ورياستك ما كلف أحد بمثل هذا وربما عزّرا بأنفسهما، فيا سيدي ثم خلق خلقوا لمثل ذلك لشهامة خلقية مركبة من حيث النشأة والنصبة المحدبة الفلكية ولا تبديل لخلق الله. وثم ببلاد اليمن أناس مشهورون بأولاد أم عيسى، إذا رأوا الضبع يتوأمون إليه ولا يستطيع أحدهم مسك نفسه إذا رأى الضبع. قال بعض الأولياء من السادة العلماء، رضي الله عنه: رأيت من صلحائهم رجلاً، وهو الذي نقل لي ما تقدم من أمر أولئك القوم وإقدامهم على الضبع. أما المملوك الضعيف إذا رأيت ثعباناً تركبني حالة، ولا يمكنني التأخر عنه حتى يقدر الله في أمره ما يقدر، وقد قتل منهم على يدي عدة، وما ذاك إلا عن خصوصية تحتمل معانٍ. وكذلك إذا رأيت مكتوباً لفظ الحرب يتحرك في باطني أمرٌ وأجد قوة. ووالله لم أذكر ذلك لتفاخر أو تمدح، وإنما ذكرت الواقع التخصيصي، وبالله التوفيق ولا قوة إلا بالله، وهو حسبي، ونعم النصير. ولنذكر نكتاً من خواص الأسد فمن ذلك إذا شرب الإنسان مرارة أسد مستهل الشهر في بيضة، حل المعقود عن النساء. دماغه: من شرب منه حبتين في أوقية لبن بقرة لم يشب أبداً. قطعة من جلده: إذا علقت بشعره في عنق صاحب الصرع أبرأه، هذا قبل بلوغه، فإن أصابه الصرع بعد البلوغ لم ينفعه ذلك. شحمه: من طلى به جسده نفرت منه سائر السباع ولم ينله مكروه، وكذلك من طلي بمرارته لم يقربه أسد. وتؤخذه جلدة جبهته وشحمه ويذوب بدهن ورد، ويمسح به الوجه، فيهاب الملوك ذلك الإنسان وتخشاه جميع الناس. وإذا أسرج سراجان أحدهما بشحم أسد والآخر بشحم كبش، ووضعا متقابلين فإنهما يقتتلان، هكذا وجد في الخواص. وإذا طلي الكلف بشحم الأسد أزاله. ومن اكتحل بمرارة أسد حد بصره. مرارة الأسد، تغلى بعسل وتخلط وتلطخ بها داء الخنازير التي في العنق نخففها بإذن الله تعالى. وإن سحقت مرارة الأسد وذرت على ضربة السيف ألحمت الضربة، بإذن الله عز وجل وكذلك الجراحات والطعنات.

باب في صيد الفيل

خصيتا الأسد، إذا ملحت ببورق أبيض ومصصكا وتركتا حتى تنشفا في الظل ثم تسحق وتلين بدهن زنبق نفع جميع أوجاع المعدة والمغص والقولنج والرباح والبواسير والزحير ووجع الأرحام، ويشرب ذلك على الريق بماء حار. خصيته اليمنى: إذا صيرت في ثياب بعد تجفيفها لم يقربها سوس. والافتراش بجلد الأسد والجلوس عليه ينفع البواسير. دمه ودماغه: إذا خلطا مع دهن زنبق عتيق وقطر منه في الأذن التي تقلت حتى لا يسمع بها شيء، فإن السمع ينفتح ويسمع بها كما كانت بإذن الله تعالى. ومن الحيل في هروب الأسد أن الإنسان إذا قرب إليه فليخرج ذكره إليه ليراه فيهرب. هذا ما قاله أهل التجربة، وقالوا: إنه يهرب من صوت النفير، وكذلك يهرب من صوت الجرو أعني جرو الكلبة، وقيل: إنه يفر من صوت الديك، وقيل: إنه ينفر من رؤية المرأة إذا تعرت واستلقت، وهذا فلا يمكن فعله لما فيه من المخاطرة، وأما إسماعه صوت البوق خصوصاً إذا كانوا جملة فممكن فعله وهو متوجه، والذي يغلب على ظني أن هذا صحيح والله أعلم. وأقول: والله أعلم: إن رؤية النفط وسماع الصواريخ مثل المدفع تنفره جداً، هذا يشهد به العقل. وفي الخواص، من أراد أن تدين له السباع وتذل له ويركبها فإنه يلتطخ بشحم نمر. باب في صيد الفيل وأما الحيلة في صيد الفيل وقتله فليستصحب الرجل معه هراً، فإذا قرب منه افرك أذن الهر فإذا سمع صوته ولّى. ويقال إنه يفر من صوت الخنوص وهو فرخ الخنزير، ويؤذيه البق والجراد. وأما الحيلة في قتله بآلة الحديد فليبادر إلى مسك ذنبه ويتسور على ظهره كما تفعل العرب في الجمال، فإذا تسور على ظهره أمكنه قتله، بأن يكون معه عصا فيها محدد على هيئة الجوكان سواء ويبقر بطنه، وأنه إذا مد زلومته أمكنه ضربها بالسيف فإذا قطع من طرفها شيئاً فقلّ أن يعيش لورمها من الجراحة، وإن كان معه هيئة منقار حاد فسوف ينقب رأسه، وليكن معه فرخ هرة يعرك أذنها فإنه يتهيب ذلك الصوت منها إذا نوت، وهكذا مذكور في الخواص. وإذا سمع صوت خنوص ارتاع ونفر. حدثني العبد الصالح ناصر الدين محمد الفقيه أحد الأجناد الشهير بابن سلار أن والده حدثه عن ثقة أن في البلاد التي توجد فيها الفيلة أناس يقتلون الفيلة ومعهم سكاكين عراض طوال، يمسك أحدهم ذنب الفيل بحيلة، فإذا أمسك ذنبه مسكه بقوة ويبعج الفيل بتلك السكين في خاصرته. وكلما دار الفيل دار الرجل معه حتى يتصفى دمه والذي تخيله الفقير أولاً هو أولى وأقرب لقتله، بل أقول: ينبغي لراكب الفيل أن يكون معه نوار عريض أو شنبرى طويل جداً ليضعه على مكان جلوس الراكب وفيه هيئة الراكب من النوار ليستمسك الراكب إن شاء الله تعالى. وأما خواصه، فنشارة ناب الفيل إذا علق على الأبقار في أيام وبائهم نفعهم بإذن الله تعالى. وإذا بخر بعظم الفيل الكرم والزرع والشجر لم يقرب ذلك المكان دود. بوله: إذا رش به بيت هربت منه الفأر، وإذا شم الفيل رائحة السم امتنع من الطعام، ودخل عليه الغم. زبله: إذا تحملته المرأة منعها من الحبل، وإذا شربت المرأة نشارة العاج ثلاثة أيام حملت إذا كانت عاقراً بإذن الله. باب كيفية قتل النمر

خواص النمر

ينبغي لمن يصيد النمور أن يكون له ثوب من لباد له رأس منه، ويكون له أيضاً خفان لرجليه من أقدامه إلى أصول أفخاذه، ويكون له في الرأس ما ينظر إليه، ويكون له كمان إلى رؤوس الأصابع، ويكون له خشبة طولها ثلاثة أشبار ودورها ما يلتقي الأصابع عليها، وتكون من أشد الخشب وأقواه، وإذا كانت من أبنوس أو ما شاكل ذلك فهو أحسن، ثم يكون لها في رأسيه حلقتين في كل رأس حلقة قوية، ويكون في الحلقتين سير مطوي طاقين رأسه في الحلقتين، ويكون معه ثلاث سكاكين، واحدة من قدامه، وواحدة عن يمينه والثالثة عن شماله، ثم يطلب النمر في الأماكن والمواضع التي يكون فيها، فإذا ظفر به لم يزل يسير إليه بعد أن يلبس ذلك اللبد إلى أن يدنو منه، فإذا دنا منه، وعاين منه أنه يثب عليه يلاقيه بظهره وهو منحن له بحيث يركب على ظهره، ويعض النمر ذلك اللبد فحينئذٍ يرمي تلك الخشبة على ظهره، ويبسط ذراعيه بالسير، فإنه يقصف ظهره، فإن أخطأه بحيث يمكنه أن يرفع رأسه طرح نفسه إلى الأرض وأخذ أحد السكاكين وضربه، ولا يزال به إلى أن يقتله. وهكذا يقتله كل أحد إذا عرف كيفية الصنعة في ذلك. ويقتل أيضاً كما يقتل الأسد بالسهام في المواضع على الفرايس. ويحتال في قتله، بأن يكون مع الصائد له جمجمة إنسان إذا قابلته بها، ورآها انهزم وهو من الخواص. خواص النمر دماغه: يلطخ به على العين لكل عاهة في البصر، ويجعل يسيراً من دماغه في الأكحال فيحد البصر. ومن افترش جلد نمر أورثه داء أُبنة فليحذر. باب كيفية قتل الضبع وصيده اعلم أرشدك الله إن أردت صيد ضبع فتدخل عليها إذا كانت في بيتها، وأنت تقول: أم عامر نائمة وادن منها، ومعك حبل لتجعله في رجلها واخرج عنها واجذبها بعد ذلك خارج البيت. ومن أراد أن يدخل عليها أمر من معه أن يسد جميع الأماكن التي يدخل منها الضوء، فإنها مادامت في وكرها لا تنظر إلى من يدخل إليها، ولا تخاف ممن يكون فيه معها أبداً، ومتى يدخل إليها الضوء قتلت من يدخل إليها، ولا تقبل قولة "أم عامر نائمة"، وإن استصحب معه الداخل إليها عدة من الحبال فحسن، لأنه قد يجد في الوكر الخمسة والستة، وأكثر من ذلك. وتصاد أيضاً في البئر، وذلك أن يحضر لها بئراً عمقها خمسة أذرع ويدق فيها أوتاداً، كل وتد طوله نصف قامة، وتكون رؤوس تلك الأوتاد حادة، ويكون نزولها في الأرض بغيرها، وذلك أن يدق أولاً أوتاداً في الأرض، ثم تقلع تلك ويجعل مكانها من تلك الأوتاد، ثم تغطى راس البئر بالقضبان الدقاق أو بالقصب، ويجعل عليها من التراب القدر اليسير ما يواري القضيب، ويجعل قبالة التراب شيئاً من حشيش، ويجعل الرمة قبالة البئر ويجعل حولها حجارة إلا من جهة البئر حتى لا يبقى لها طريق إلا من صوب البئر، فإذا سقطت في البئر تكون حالتها شر حالة لما أصبتها من تحديد تلك الأوتاد وربما بقيت اليوم والعشرة فتؤخذ حينئذٍ، ويستراح من إفسادها وقتلها لبني آدم. قال محمد بن منكلي: وإذا استتبعت بالخيل فينبغي أن لا تتبع إلا من جهة الجانب الأيسر، فإن كان التابع لها رامياً وهو أيمن فليعارضها من جهة جانبها الأيسر ويرميها، وأما صاحب الرمح فله الخيار في طعنها حيثما شاء وكذلك حامل السيف. وقالوا إذا قصدك ضبع وأتاك من على جانبك الأيمن، فلا تمكنه من ذلك، فإن أتاك من قبل جانبك الأيسر فمكنه من ذلك، فإنك تتسلط عليه إن شاء الله. خواصه جلد الضبع: إذا لبسه إنسان لا تنبح عليه الكلاب. مخه: يؤخذ ثم يجعل في زبدية ويطحن الشعير ناعماً ولا يقربه ماء، ويعجن جيداً ويجعل أقراصاً صغاراً وتجفف في الظل أياماً حتى تنشف جيداً، فإذا صار كذلك يطعم منه المكلوب فإنه يبرأ بإذن الله تعالى. عينه اليمنى: إذا تركت في ظل سبعة أيام ثم أخرجت وجففت في الظل ثم جعلت تحت خاتم أمن لابسه من السحر والعين. لسانه: من علقه عليه في العضد كان جنة له من عض الكلاب. مرارته: من اكتحل بها قوي نظره وأزال الماء الذي في العين، وإن خلط مع مرارة الضبع وزنها من دهن الأقحوان وخلطا، وجعلا في صفحة من نحاس أحمر وتترك ثلاثة أيام وتطلى بها العين في كل شهر مرتين فلا تشتكي العين أبداً بإذن الله، وكلما عتق كان أجود، وإن طلي بهما الوجه الذي عليه النمش أزال نمشه ونقاه وبرقه.

باب في صيد الذئب

رأسه: إن ترك في برج حمام كثر حمامه. يده اليمنى: إذا صيرت تحت قدمي امرأة تعسرت ولادتها سهل عليها. أسنانه: تنفع إذا ربطت على العضد للنسيان. مخاليب يده اليمنى: تعلق على يدك اليسرى فكل من قصدته أحبك. خرؤه: يخلط بعد حرقه بدهن الآس وتدهن الموضع الذي تريد أن يذهب عنه الشعر يحلقه. دمه: إذا اكتحل به أزال الذي يرى الإنسان بين عينيه مثل الذباب والغشاوة. وإن خفت على امرأة من التعرض لها فخذ شارب ضبع وأشفار عينيه والشعر الذي تحت لحييه، ويكون الضبع ذكراً كبيراً فاحرق ذلك واسقها منه بحيث لا تعلم فإنك تطمئن عليها، ولا يتعرض لها أحد، ويحتمل ذلك لكن من هداه الله فهو المهتدي. وفي الخواص: إذا وثب كلب على حائط في ليلة مقمرة، فوطئ الضبع ظله سقط الكلب وله من الخواص ما يطول القول فيه. باب في صيد الذئب وأما كيفية صيد الذئب فليحفر له حفيرة ويخلى وسطها مثل العمود مقدار ما يشد عليه شاة، ويوسع ما حولها، ثم شد فوق ذلك العمود شاة أو جدياً أو ما شاء، وتغطى البئر كما ذكرنا في صيد الضبع، فيقع الذئب فيها ويقتل وينتفع بأجزائه. وأما طرده بالخيل فسوف أذكر لك نكتة ذكرها القدماء وجربوها، وهي إذا ركضت خلفه بفرسك، فصادف أن يمر فرسك على أثره فإن فرسك ينفطر فاحذر ذلك وتجانب عن أثره، والذئب إذا خفته طمع فيك، وإن قهرته ذل وخضع، هذا طبعه، وإذا سبقت رؤية الذئب رؤية الإنسان لم يقدر على الكلام أعني الآدمي حتى يصطك وربما سقط. ولا ينبغي أن يواجه وإنما يأتيه من ورائه. فإذا وجد الإنسان ما يسند ظهره إليه لا يقدر الذئب عليه، وإذا تبعك فارم له طرف عمامة أو حبل، هذا إن لم يكن معك سلاح، وأحسن ما يرشق بالأحجار، فإنه يخاف الحجارة، وأما صاحب النشاب فيرميه ويقتله. ومن أراد أن لا يقرب غنمه ذئب فليدر حولها بالليل ويقرأ من سورة يس (توجد آية) . ثلاث مرات، ويكون منتهى الآية في المكان الذي بدأ فيه، فإن الله تعالى يحرس غنمه من سائر الهوام، ومن اللص إلا ما خرج عن الصّيرة، وهي المكان الذي مر عليه تلاوة القرآن، فإنه يخرج عن الحصر. خواصه إن علق رأس ذئب على برج حمام يقربه شيء مما يؤذي. عينه اليمنى: إن علقت على طفل لم يفزع من نومه. عينه اليمنى: إذا شدّت في صدة وعلقت على إنسان لم يخف السباع. ولا من السباع مادامت معه. ولا من اللصوص مادامت معه. كعبه الأيمن: إذا علق على إنسان لا يحصل له مكروه ولا يعدى عليه. نابه: إذا جعل تحت جلد جمل وحزز عليه وعلق على إنسان فساق فرسه قوي جريها، هكذا قال أصحاب الخواص. على أن للخواص أموراً خارجه عن القياس. قضيبه: يطبخ في قدر بماء وملح، بعد أن يقطع ويكون معه قليل شبت ويأخذ الرجل من قطعة فيمضغها فإنها تهيج الباء شديداً. زبله الصحيح الأبيض: إذا كسر وجد به عظماً صغيراً وشعراً، يدق ذلك ويعجن بماء فاتر ويعطى لصاحب القولنج، فإن الطبيعة تنطلق من ساعتها. قال صاحب الجواهر: ورأيت من شرب هذا الزبل فلم يعاوده الوجع بعد ذلك وإن عرض له لم يكن بالشديد المؤذي. قال علي بن المديني في خواصه، وإن علق وبر ذئب على شيء من آلات الملاهي لم يسمع لها صوت، وكذلك إن علق جلده وجعل طبلاً لم يسمع له صوت. وإذا خرج من إنسان دم وشمه ذئب وأكل ذلك الدم، فإن ذلك الذئب يتسلط على ذلك الشخص تسليطاً شنيعاً، وقاتله قتالاً شديداً ولا يبعد هذا. رأسه: إذا دفن بموضع الغنم هلكت مادامت في ذلك المكان. قال محمد بن منكلي: وينبغي أن لا يكون في مراح الغنم حمار ذكر فإنه إذا نهق حصل لكلاب الغنم المغص ويتشوشون من ذلك، وهذا مشهور عند أصحاب التجربة. والذئب يقطع الغنم بلسانه ويبريه بري السيف ولا يسمع له صوت، ويقال إن أسنانه مطولة من أجزاء فكيه عظماً واحداً وكذلك الضبع. وتقول العرب: إن الذئب يسفد الكلبة فيسمى المتولد منها الديسم. باب في كيفية قتل الخنزير والتحيل في ذلك إعلم، وفقك الله لمرضاته أنه ليس لشيء من ذوات الأنياب ما للخنازير من القوة في نابه، حتى أنه يضرب بنابه صاحب السيف والرمح فيقطع ما لقي من جسده من عظم وعصب، وربما طالت ناباه حتى يلتقيان فيموت عند ذلك جوعاً لأنهما يمنعاه من الأكل وهو متى ما عض كلباً سقط شعر الكلب.

خواصه

قال محمد بن منكلي: وإذا ابتليت بالخنزير وأنت فارس فاحذر أن تدنو منه لئلا ينخشك بنابه، هذا إذا كان فرسك معتاداً على رؤيته فإنه لا ينفر منه، وأما إذا لم يكن رآه فربما ينفر منه وفي ذلك نفعك، وربما كان نفوره لخفة لجامه، وإذا رميته فارمه مواجهة ليقع نشابك في جبهته، ففي ذلك هلاكه إن شاء الله تعالى. وحيلة أخرى: إن كان في تركاشك ياسج خصوصاً إن كانت قوسك صلبة فارمه حينئذٍ بياسجك في قوائمه إن كنت لبقاً ورامٍ جيد فإنك إن عطلت قوائمه ولو واحدة تمكنت منه. وهاتان الحيلتان من جملة حيلي المجرّبة. وأما إن كنت راجلاً فاجعل حركتك دائماً إلى خلفه واحذر من أن يجعلك على أحد جانبيه، فإذا صرت خلفه فأبعج تحت ذنبه، وإياك أن تضربه على رجليه لئلا ينشب سيفك فتصير بلا سلاح، وإن أمكنك قطع عرقوبيه أو أحدهما فقد تسلطت عليه، وإن اتفق لك والعياذ بالله غلبة أو تعب من مجاولته فنم مستلقياً وسيفك ممدوداً بطولك لئلا يدوسه فينثلم، وإياك أن ترفع يدك لتضربه بسيفك فإنه ينخشك، لكن اختلسه بضربة في عرقوبه أو أبعجه تحت ذنبه، ولا تتعب نفسك في مجاولته لكن برفق، هذا إن كنت منفرداً أو معك رفيق جبان لا يتكل عليه كما قيل: وما أكثر الأخوان حين تعدهم ... ولكنهم في النائبات قليل ولأجل ذلك قال القدماء: من علق على عضده الأيمن رجل سرطان لم يقربه خنزير ما دامت عليه، وإن قلعت عين الخنزير مات سريعاً فاعلم ذلك. قال محمد بن عبد الله القوسري صاحب كتاب الجواهر في حرف الخاء: خانق النمر عشبة تقتل الكلب والذئب والنمر والفهد والسبع وأكثر الحيوان، ولم يذكر هيئة هذه العشبة ولا مكان منبتها، وهي في الخاصية كما قال، إذا طرحت على العقرب فإنها لا تطبق الحركة. خواصه عظم الخنزير: إذا حرق وحشي به الناسور أبراه وهو مجرب وإن علق عظمه على من به حمى الربع ذهبت عنه. شحمه: إذا أذيب ومسح به إنسان قدمه لم يجز عليه سحراً، ولم يصبه جنون وإن جففت مرارته ووضعت على البواسير قلعها من وقتها بإذن الله تعالى. عظم الخنزير: يحرق ويسحق وتحشى به البواسير تهدأ وتبرأ إن شاء الله تعالى. قيل ومن خاف السباع فليأخذ بيده أصلاً من أصول عنب الحية فإنها تهرب منه، وقيل عنب الحية هو عنب الثعلب. باب كيفية صيد الفهد وذكر معادنه إذا وجد في المعدن، وتدبيره وتأنيسه وحمله ومداراته وبالله التوفيق

قال أهل الخبرة: ينبغي لمن وجد الفهد أن لا يعجل عليه، وأن يجتهد في أن يناقله بحيث لا يخفي نفسه عنه، ثم لا يزال يناقله إن كان الصياد وحده، وإن كان معه آخر فزعوا عليه من جهتين بحيث أنه إذا غاب عن إحداهما حفظه الآخر إلى أن يبصراه وقد نام، فإذا رآه أحدهما وقد نام ضايقه حتى ينهض ثم يتبعه ويشد عليه إلى أن يتبعه فينام ثانية فيهجم عليه بحيث لا يقاربه إذا علم أن فيه منه يعني قوة، فإذا أثاره ثالثة لزّه لزاً متقارباً إلى أن يعاود النوم، فإذا نام ثالثة وانطرح على جنبه علم الصياد أن الفهد قد تعب التعب الذي يؤخذ به بادرة وخلع إحدى ثيابه ثم غطى به الرجل وجهه حيث لا يراه الفهد وأسرع المشي بحيث لا يخرج له صوت، وسارق النظر إليه من خلال الثوب بحيث لا يبدي وجهه، ثم يتقدم هكذا إليه فإن لبث الفهد على حاله نائماً طرح الثوب على الفهد، بحيث يلقيه على الفهد، ويكون إلقاؤه الثوب وهو مغطي رأسه ووجهه أعني الرجل ثم يلقي نفسه عليه من غير أن يتحلق ويكون من خلف ظهره ويعانق رقبة الفهد ولا يعصرها بل يجعل جنبه اليمين على رقبة الفهد بحيث يمنعه من رفع رأسه ويصده عن النهوض، ويطرح بعد ذلك فخذه الأيسر ووركه على وركي الفهد يعصر بها فخذيه لئلا يتحرك ثم يسرع بحبل وثيق يكون معه فيجعله في عنق الفهد من غير أن يضيقه ولا يوسعه بحيث يخرج من رأسه ويشده إلى شيء يكون إلى جانبه، فإن لم يجد شيئاً شده إلى الثوب الذي ألقاه على وجه الفهد، فإنه متى قام وخلص من تحته منعه الثوب أن ينجو، فإذا ملكه وكان معه معيناً أمره أن يشد رجليه ويديه، ويكون الشد فوق كفيه لأنه متى كان على العصب خشي عليه التلف فإذا استوثق منه دق له وتدين، وتد في حبل رجليه ووتد في الحبل الذي في يديه، ثم يتقدم إلى عند رأسه من تحت ذلك الثوب ويشده فيه بسير وثيق ثم يعمد إلى كفيه فيلبسهما قطعتي كساء، ويشد عليهما بحيث تكون الزوائد من داخل المشد، ويجتهد أن لا يحمله من مكانه حتى يقدم إليه فينفس ذلك المكان شيئاً من الجبن، فإنه إذا شم رائحة الجبن لعقه لوقته، فإذا لعقه أمن بعد ذلك منه ثم يطعمه بقدر الإبهام قطعة لحم يجعلها في فيه، وطالما يطعمه فلا يكشف له وجهه أصلاً. ثم يكشف وجه الفهد في ذلك اليوم، وهو على حاله مربوط، فإذا كشف وجه الفهد فيبقى وجهه مغطى، وينظر إلى الفهد من وراء ذلك الستر، فإن تكتم وستر وجهه كان أولى. يفعل ذلك ثلاثة أيام إلى أن يأكل الطعم، فإن رآه بعد ذلك يكثر الخوف من وجهه ستره. ويكثر الحديث حوله، فإذا أراد حمله من مكان إلى آخر حمله في كيس بين رجليه فإذا وصل إلى المكان المقصود أوثق الأوتاد وعمل له قماطاً على العادة، ويجعل تحت رأسه مخدة محشوة حشيشاً، ولا تزال الناس حوله والرجل قاعد من خلفه ورجله اليسرى على جنب الفهد إلى بين رجليه، وقطعة الجبن في يده يلقي بها في فم الفهد إذا رفع رأسه. فإذا أراد أن يطعمه عمد إلى قصعة حولها حلق حديد موثوقة على عادة المناسف بحلقة أو اثنتين، يجعل إصبعه في إحدى الحلق ويجعل اللحم فيها، ويحرك تلك القصعة بالحلق، ويصغر قطع اللحم ويطعمه ذلك على التأني. فإذا مضى عليه سبعة أيام قلع الوتد الذي على كتفيه حتى يرفع صدره. فإذا مضى عليه عشرة أيام قلع الوتد الذي يشد يديه ثم يقيد بقيد وثيق ويطلق يديه ورجليه إلا أن يكون القيد مضيقاً عليه لئلا. ويربط القيد الذي برجليه مع القيد الذي في يديه بخيط، وإن شاء جعل حبلين متخالفين لا يمنعانه من الوقوف على قوائمه. والجبن لا يخلى عنه أبداً، ولا يطعم إلا وهو قائم على قدميه، وقد يصبح عليه صياح من يستجيب إلى أن يأكل طعمه فيقطع عنه ذلك، ويكثر سهره في الليالي العشر المقدم ذكرها بحيث لا ينام فإن ذلك أسرع لذلته. وينبغي أن يتناوب عليه مرة بعد أخرى جميع الليل ولا بأس عليه أن ينقص مادام يأكل، فإن هو منع الأكل ترك حتى ينام، فلعله منع من القهر ولا تلقه أبداً لوجهك بل أعطه جنبك ومدّ إليه اليد اليمنى التي بها الجبن، وارفع الأخرى كأنك تريد أن تمسح بها رأسه، وانظر إليه بشق عينيك، فإذا تكلّب على الأكل في القصعة أخّرها عنه شبراً لا غير، وانظر إليه بعينيك جميعاً ثم حرك القصعة وكلمه مثل من يستجيب، فإذا فعلت ذلك فابعد عن الحاضرين، فإن هذا مبتدى، وكل مبتدى صعب.

باب ذكر معادن الفهود وأجناسها وألوانها

واعلم أنه وحش يظنك عدواً فلا يؤخذ إلا باللطف والمداراة. واعلم أن إجابة الوحش كإجابة البازي سواء، فإذا أمن ومشى إلى الطعم وهو غير خائف، أطعمه ثلاثة أيام قائماً بحيث يتكلف رفع صدره ورأسه إلى القصعة وكل ذلك وهو لا ينظر إلى وجهك إذا خاف منه. ثم تجعل له بعد ذلك دكة يكون ارتفاعها ذراع ونصف وتضع فوقها القطيفة التي ينام عليها والكساء الذي ينام عليه، ويجلس الذي يريد أن يطعمه خلف تلك الدكة، ويربط قصعة الطعم بخيط مرس، ويأخذ المرس بيده ويحرك تلك القصعة بالطعم، فإذا طلع إليه أي الدكة قطع عليه الطعم وأطعمه من خلفه مرة مرة، كل مرة لقمة واحدة من تحت إبطه ورقبة الفهد تحت جناحه الأيمن. فإذا كان اليوم الثاني رفع له الدكة نصف ذراع حتى يكمل ارتفاعها ذراعين ويفعل كذلك في اليوم الثالث إلى أن يرفع له ثلاثة أذرع. ولا يزال يطعمه على ذلك ستة أيام إلى أن يجيء إلى المرس من غير إنكار، فإذا كان اليوم السابع عمد إلى فرس وطي وشد عليه وجعل الرفادة كما يعلم، وألبسه ذلك الكساء أي لبس الفرس بحيث لا ينظر إلى هيئة الفرس، ثم يركب الصياد ويأخذ المرس بيده ويجعل القصعة على الرفادة من خلف ظهره ويحركها ليسمع الفهد صوت حلق القصعة ويجذب المرس بيده اليمنى من غير عنت إلى أن يطلع الفهد على ظهر الفرس فيعمد إلى القيد الذي برجليه ويديه ويفصل بعضه عن بعض بحيث يعود مثل شكال الفرس ثم يحرك الفرس فيمشي ويلازمه رجلان، أحدهما خلف ذنب الفهد ومؤخر الشكال، ولزم رجل آخر بمقدوم الشكال، والفرس ماش خطوات والفهد يأكل إلى أن يفرغ، فإذا فرغ مشى به خطوات وأطعم بعد ذلك. فإذا كان اليوم الثالث يركب ويمشي به بعد أن يطعمه لقمة أو لقمتين نصف ميدان، وإن تلعثم عليه وأنكر طعمه وهو يسير عليه، ولا يزال دأبه إلى أن يركب ويسير به نصف فرسخ ثم يطعمه بعد ذلك ثم يحطه إذا أمنه ويخلى عنه من يلازمه ليريضه، واليوم الثاني كذلك والثالث كذلك واليوم الرابع يخليه مائة خطوة ويدعوه إلى ظهر الفرس ويركبه ويكون طعمه بعد انقضاء سيره حتى يكون مشتغلاً أبداً بانتظار الطعم ولا يزال يفعل به ذلك إلى أن يثق منه الذي يريد. ثم يكسر له كسيرة ويجتهد في أن يكون غزالاً لطيفاً، فإذا صاد الفهد الغزال فليأت الغزال من قبل وجهه رويداً رويداً وهو يكلمه إلى أن يقبض رجلي الغزال ثم يركب على ظهر الفهد كما يعلم ويذبح الغزال من غير أن يقاوي الفهد في منازعته إياه على عادة المعلمين. قال محمد بن منكلي، غفر الله له: وينبغي للفهّاد أن يعرف معادن الفهود فإن كل جهة لفهودها أخلاق زعرة، وأقل من ذلك، وهذا في حق الفهاد ضروري ولعل مثل هذا لا يخفى على العارف. باب ذكر معادن الفهود وأجناسها وألوانها فالفهد موجود في أكثر الأراضي إلا بلاد الروم وبلاد العجم لقوة البرد، ويل لم يكثر بها غزال. وقال أهل المعرفة: إن الفهود لا توجد إلا في الإقليم الغربي ثم القبلي والشرقي، فالغربي مما يلي بلاد المغرب، والقبلي مما يلي الحجاز إلى اليمن وما يليها إلى بلاد العراق، والشرقي مما يلي بلاد الهند إلى بلاد تبت. وأما الإقليم الذي يعدم فيه هذا الجنس فهو إقليم الشمال مما يلي بلاد العجم إلى بلاد الترك إلى بلاد الكرج. قال ذلك الأستاذ أبو الروح عيسى الأسدي وكان عالماً بأمور الصيد متبصراً رحمه الله، وكان في زمن الأيوبية في سني شيء وخمسمائة، رأيت ذلك مؤرخاً. وذكر عيسى الأسدي أن في بلاد العجم بلاد واسعة تعرف عندهم بالعراق، وهي قليلة البرد والثلوج، فيها غزال كثير وفهود. قال أهل الخبرة: إن فهود سماوة هي خير الفهود في صيد الحلقة، والمصريات خير منها إلا أنها هي أحسن شعرة من المصريات، والمصريات أنبل وأطول ولكنها تصيد الأدمي والسماويات ملاح المنظر جداً وأكثرها بيض، قليلات النقط، وهي خفيفات الأجسام طويلات العظام. وذكر هذا الجنس خير من أنثاه، والأنثى أحسن شيء يكون ولا تمل من العدو أي الجري، ولعل منها ما يعدو يوماً كاملاً، وهي أيضاً طويلة الظهور طويلة الأذناب كأن رقابها لعب إذا تجلت، وكأن ظهورها حيات إذا تولت، وكأن أذنابها رماح إذا ارتفعت، وهذا الجنس أحسن الفهود وأنفعها وأحمدها.

والحجازيات أصبر منها في الأرض الوعرة، وهي في الشكل دون ذلك، إلا أن السماويات أطول نفساً وأعدى أي أجرى. والحجازيات أقوى على الحفاء والسماويات أصبر في الشام وغير الشام على البرد. أما الحجازيات أصبر على الحر من غيرها، وأكثر ألوان الحجازيات يضرب إلى الحمرة الصافية، والصفرة وذلك بحسب التربة، كما أن السماويات تميل إلى البياض وكذا يذكر عن غزال الهند إنه أسود على صبغة الأرض، وكذلك غزال المسك لونه أسود، وفهود اليمن تميل إلى السواد. ذكر فهود ثرثارة. وأرض الثرثار مما يلي سنجار عن شرقيها مسيرة يوم للفارس، وهي أرض كثيرة الماء نبعاً وهو غير طيب، وفيه الطيب، وهي كثيرة القصب ويوجد الفهد في تلك الأرض. وفيها الأسد وسائر الوحوش، فهدها متلون لا أحمر ولا أصفر، وهو فهد حسن طويل النفس. وقد جرب هذا الجنس من هذه الفهود في أرض الموصل قديماً على غزال يعرف عندهم بالجري الشديد، وهو أعدى ما يكون من الغزال، وقد ذكر عن هذه الفهود أنها تزيد عن غيرها من الفهود ضلعاً، وفي الطول عقداً. وهذا الغزال الجاري يوجد في أرض نينوى والمدينة تعرف باسم النبي يونس عليه السلام، وبأرض الموصل برية موحشة فيها الغزال والفهد، وهو فهد جيد صبور على الحفا والحر والبرد، ويجلب هذا الفهد إلى الموصل وإلى إربل ويصل إلى خلاط وإلى شهرزور. وأما الفهود الشامية فهي فهود حسنة معتمة الوجوه إذا وقف الفهد على الدابة خلف حامله كان أعلى من الفهاد. ومن فهود الشام نوع لطيف لكنه غير محمود، وهي التي تصيد الآدمي وتصيد البقر، ولا تراد هذه الفهود لخبثها، وهي حمر عراض الأذناب كبار الرؤوس، غلاظ الرقاب، كبار الآذان، غلاظ القوائم، وهي تتصل بفهود الساحل، إلا أن فهود الساحل تميل إلى السواد. وجلّ هذه الفهود من أنطاكية إلى عسقلان، إلا أن فهود الزرقاء ألطف وأحسن شعرة لوناً، وتصيد الآدمي. وفيها ما يضرب إلى البياض والحمرة، وهي أطول أنفاساً من الشامية. وأما الفهود الكركية فهي خير من جميع ما ذكر، إلا أن فيها شيئاً من السماويات في أحسن الخلق والخلقة والعمل وحسن الشعرة والفراهة، وفهدها إذا عدى يعرف بالنظر على أنه معروف مشهور عند العرب وفي سائر بلاد الشام وديار مصر. وإن الفهد إذا صاد مع البازي لا قيمة له، وفهود صدر خير من فهود مصر. والسماويات والكركيات في أخلاقها زعارة، وإن فهود صدر فيها الأبيض المليح والأحمر المليح والأصفر. والعرب تدلس فهود أرض صدر على أكثر الخلق بالفهد الكركي، وذلك أن الفهد الكركي يكتسي شعرة كثيفة تصل إلى الأرض، وفهد صدر أجرد قليل الشعرة جداً، خفيف اللحم، قليل الشحم. والفهود المصرية فهي مذكورة جيدة، مشهورة، غير حسنة المنظر، وأبيضها غير صادق وهي فهود خشنة، وحشة المنظر، رديئة الأخلاق، وأكثرها يصيد الآدمي. وفيها الزائدة الخشونة، تصيد ولد البقر وولد الحمر، وهي جيدة إذا مكنت من الصيد في الحلقة وليست بطائلة في الصيد المعتاد، وهي أصبر على الحفاء، وهي خير من فهود بلاد الإسكندرية. وفهود برقة تصيد الغزال الأبيض، وهي تميل إلى البياض وتلك أطول نفساً وأحسن. أما غزال مصر فهو أشد عدواً من غزال أرض الإسكندرية، وهي غزال لطيف يقال بأنه أنقص ضلعاً من غيره. وأما فهود بني سليم، وبنو سليم عرب كثيرو الأذية يجب على ولي الأمر أخذهم وتطهير الأرض منهم إذا لم يرجعوا ويتوبوا. وفي أرضهم الفهد وهم يجلبوه إلى الديار المصرية. وهم ملاح، فيها الأبيض والأحمر والأصفر، ولا يوجد منها أسود، وهي فهود جرد قليلة الشعر، والمصريات خير منها وأعدى، لكن هذه أحسن. إلا أنها لطاف، وهذا آخر ما انتهى من ذكر الفهود والله الموفق.

باب تغيير عادة الفهد إذا اعتاد الهروب

وكان المتوكل يهوى الصيد بالفهود، فخرج يوماً ومعه فهد، وكان قد هرب منه عدو، فوجد في الحلقة فأوتي به إليه، وكان ذلك العدو فيما يقال أنه يستوجب ما تؤاخذ به الملوك، فلما أوتي به إليه جرد المتوكل سيفه، وقصد ضرب عنقه، فأثيرت أرنب من بين ذلك الرجل الذي قصد المتوكل ضرب عنقه، فألقى المتوكل السيف من يده، وأرسل الفهد على تلك الأرنب، وركض خلفها حتى صيدت، فنزل وذبحها وجعل يطعم الفهد، ثم التفت إلى حاشيته، وقال: كنت أسر خلق الله بقتل عدوي هذا، وقد أزالت هذه الأرنب ما كان في قلبي عليه، ثم أمر أن يحضر بين يديه، فلما دنا منه تلا المتوكل قوله تعالى: "وفديناه بذبح عظيم". ثم عفا عنه وأحسن إليه وجعله من ندمائه إلى أن مات رحمه الله. وهذا من أعجب ما روي من أحوال الغواة في الصيد. وكان الرشيد أيضاً من الغواة في الصيد، والمعتصم أيضاً كذلك، وكان محمد الأمين أشد الناس انهماكاً على الصيد، ولو عددنا الخلفاء والملوك وغيرهم من المنهمكين على الصيد، لطال الأمر. وأما رياضة الفهود بعد ذلك مثل رد الفهد عن الصيد بخشوف من فراخ الغزال فقد علمه الرواض من الفهّادة، وأما ترغيب الفهد في صيد فحل الغزال مدوماً فاذكره إن شاء الله تعالى، يعمد الفهاد إلى فهده في الصيد إذا صاد الفحل أن يفتح له حتى يأكل الغاية كل ما صاد فحلاً، وإذا صاد العنز أو غير العنز يدفعه ولا يطعمه، وإن أحوجت الضرورة أن يطعم أطعم بعد أن يركب على ظهر الفرس، بفعل ذلك مراراً فإنه يعتاد الأكل من الفحل، يعرف ذلك فيجعله دأبه من القطيع ولا يريد سواه إن شاء الله تعالى. باب تغيير عادة الفهد إذا اعتاد الهروب فاعلم أن هذا مضروب وعلامة ذلك، أنه إذا وصل يلطم بكفيه الأرض، فإذا أبصر ذلك منه فليس دواء إلا تغيير الفهاد، فإن لم يجد ذلك منه، ودام الفهد على عادته، فيعمد الفهاد إلى طعم الفهد عند إرساله على الطريدة أن ينقص ثلث طعمه، فيجعله برسم الذواق، ثم يحك من الجبنة مثل الملح فيذره على ذلك الذواق، ويجعله مثل ثلث الذوق، ثم يقدره لقماً، فكل ما أرسله وأخطأ عمد إلى لقمة جيدة يطعمه إياها، يفعل ذلك ثلاثة أيام أو خمسة ولا يوفيه الطعم إلا ذواقاً من الطعم، فإنه إذا فعل ذلك لم يعد الفهد إلى ما كان يفعل إلا إن كان خوفه من الفهاد، أو خوف يلحقه من الفرس، فإن من لفهود ما يكون إذا نزل عن ظهر الفرس يجد بذلك راحة فلا يريد الرجوع إلى فهاده بغضاً للفرس، وهذا الأمر صعب إصلاحه. وقيل إن أول من حملها على الخيل يزيد بن معاوية. خواص خلق الفهد، من ذلك، قال أرسطو: إن السباع تشتهي رائحة الفهد، وتستدل بها على مكانه، وربما قرب بعضها من بعض، وهي يستخبي في الشجر، فإذا مرّ به أيل مفاجأة وثب عليه، وأنشب مخاليبه في أكتافه ويمص دمه حتى يضعف الأيل ويسقط، فتجتمع عليه الفهود وتأكله، فإن اجتاز به أسد نهض وترك الفريسة له تقرباً إليه. والفهد يعتريه داء يسمى خناقة الفهود ويلهم إذا اعتراه ذلك الداء أن يأكل العذرة فيبرأ. ومن طبعه، أنه يحب صوت الحسن ويصغي إليه. وربما كان ذلك سبباً في صيده، ومما ركب فيه أن ما عجز منه عن التكسب لهرم أو غيره تصيد له الأخر في كل يوم شبعة، فما أحسن هذه الموافاة من هذا الحيوان الوحشي. زبله: طرياً يطلى به مقود الفرس الذي يمضغ مقوده، فإنه إذا شم ذلك امتنع المضغ، وإن الفهد إذا أخطأ صيده رجع مغضباً، وربما قتل سائسه ذلك الوقت. ومن أخلاقه: أنه يأنس لمن أحسن إليه، ويقال أنه لص من لصوص السباع، ولم أر لأجزائه خاصية كغيره من الوحوش غير مرارته، فإنها إذا أذيبت وجعلت على الجرح انقطع جري الدم. ومرارته، سم قاتل وإذا خلطت مع الزنجار فإنها تفتح الأورام لطوخاً. باب صيد الأرنب بالفهد

باب في تعليم عناق الأرض

وأما صيد الأرنب بالفهد المبتدي جيد، لاسيما الفهد الربيب، فإنه لا ينبغي أن تصاد به إلا الأرنب حتى يتقلب عليها، ويعرف المراوغة، فإذا صاد به ثلاثة أطلاق أو أربعة، خرج به إلى المظنة للصيد ودور به وهو مغطى الوجه تارة، ومكشوفة أخرى إلى أن ينظر منه الحاجة، ويعرف ذلك من قلقه على الرفادة، فإذا نظر ذلك منه، أجلس أحداً يأمره أن يخلي ما معه من كسيرة ويجتهد أن يكون خشف من وراء ستارة، ثم يكشف بعد ذلك وجه الفهد، يفعل هذا مرتين أو ثلاثة ثم يخرج به إلى الصيد، وأصل هذه الصناعة حسن الخلق والمداراة وتقدير الطعم ومعرفة الإجابة ومعرفة ركوب الخيل والركض. باب في تعليم عناق الأرض قال صاحب حياة الحيوان: عناق الأرض هو التفه، نوع من السباع بقدر الكلب الصغير يشبه الفهد، صيده في غاية الملاحة ولا يأكل إلا اللحوم ويصيد الكراكي وربما واثب الإنسان وقيل إنه السّنور البري. ويسمى هذا الحيوان بلغة العجم ساه كوش ومعناه أسود الأذن، وقد ذكر في هذا الجنس أشياء عجيبة، قيل أنها التفه، سميت بذلك. ولم يعرف أول من لعب به من الفرس، وتسميه العرب عناق الأرض لشبه لونه بلون التراب، ويحكى عنه حكايات عجيبة، ومن صيده الكركي والحبرح والإوز وغير ذلك، وإنه يقتل الأسد إذا نازعه على فريسته، وذلك أنه إذا وثب عليه الأسد دخل بين رجليه فلا يقدر الأسد عليه، ثم يتعلق هو بالأسد في مكان لا يقدر الأسد الخلاص منه، ويجعل يديه في حلق الأسد معانقة وينهش بفيه في حلقه، ويكون ظهره وأوراكه بين يدي الأسد لاصقة لصدره ناشبة فيه بمخاليبه فلا يقدر أن يتخلص منه إلا إذا كان بقربه ماء فإنه ينزل ويغيب نفسه فيه ولا يظهر إلا مشفره فإنه يخلص منه وإلا فلا.. ويقتل في البرية جميع الدواعر الكبار إذا نازعته على الصيد. وإذا ربطه الصياد في بيت فيه فهود، فإن ذلك من ضعف رأي الفهاد وقلة معرفته، وللتفه صنّاع غير صناع الفهود، وخلقه أشد من خلق الفهد لما فيه من ضعف التركيب، وهو يشب إلى ما فوق عشرة أذرع إلى ما هو أقل، وأكثر ما يلعب به في بلاد العجم والموصل وفي بلاد الروم، وأصنع ما يكون فيها العجم، وهم أكثر الخلق معرفة في ترويض الضواري. ولنرجع إلى كيفية تعلم عناق الأرض، وذلك أنه يستجاب كالفهد وينبغي أن يوقف شيء من الطيور في الماء مثل الإوز والكركي ويجسره على أخذه في الماء ليعتاد على ذلك، وقيل أيضاً أنه إنما سمي عناق الأرض لأنه ينبع من الأرض عند وثوبه ولا يراه أحد قبل ذلك لمشابهة لونه بها. وله وثبة إذا طار الطائر منه تبلغ عشرين ذراعاً ارتفاعاً، وأربعين ذراعاً على وجه الأرض. وكل هذه الضواري لا تصيد بغير صانع، وينبغي للصانع أن يظهر صنعته لتراها الناس، ولولا ذلك لبطل الفضل بين الناس، فسبحان صانع كل شيء ومصوره ولم أذكر عناق الأرض في هذا الكتاب إلا تطرفاً لأنه لا يكون في بلادنا ولا يوجد إلا في بلاد العجم. باب تعليم الكلب ينبغي لمن يربي كلب الصيد أن يكون عارفاً بجميع أمراضه وما يصلح لمداواته، ومتى ما صار له من العمر شهرين تأمر صبياً أن شيد له في رأس خيط ذنب ثعلب أو قطعة من جلد الغنم أو غيرهما، ويكون طول الخيط نحو خمسة أذرع فيجر الخيط أمامه وينشطه ويجتهد في أن لا يسلم إليه ما في الخيط ليزداد بذلك حدةً وحنقاً، فإن ذلك يزيده جرأةً وحرصاً، فإذا صار له خمسة أشهر أخرج له فأراً كبيراً وهي الجردان التي تكون في الصحاري ولا يناوش بها، على عرس في مبدأ أمره فذلك يفسده، فإذا سار له سبعة أشهر مضى به إلى البرية القفرة التي يأوي إليها اليربوع، وهو يكون في الأرض المعتدلة ويعرف مكانه بسد باب حجرته بالتراب، فإذا عاين ذلك جعل في بابه خرقة مهيأة كهيئة كيس ويكون له في بابه طوق خشب أو حلقة حديد بحيث تدخل اليد فيه كالراووق لاحتمال دخول اليربوع في الكيس المذكور. وأما اليربوع فلا يصيده إلا الكلب الجيد، ويخلى على اليربوع الثلاثة من الكلاب والاثنين برسم الفرجة، ويبعث الثلاثة كلاب وأكثر ولا تأخذ اليربوع إلا عدة كلاب.

فإذا تعلم الكلب الكسرات والردات، أرسله على أرنب لطيفة ولا يرسله على الثعلب في مبدأ أمره، وإن حصل على أرنب لطيفة وشد على أعصابها وخلاها كان ذلك أولى وأحسن، فإذا فعل ذلك مراراً أرسله مع كلب آخر أعرف منه بالصيد، وهكذا ينبغي أن يفعل لمن أراد أن يضري الصيد ليخرج كلبه جواداً. وللناس في كل شيء مذاهب، وينبغي أن لا يطعم الكلب في النهار إلا مرة واحدة وخير ما أكل الكلب الخبز وحده، لمن أراد أن يجود عدوه، ولا يخلى على المزابل يأكل ما لقي فإن ذلك يفسده، وينبغي أن يضمر مثل تضمير الفرس، وأن يعرف مقدار طعمه كما يعرف مقدار طعم البازي وغيره ولا يطعم اللحم إلا من الصيد عند صيده إياه، فإن اللحم يسمن الكلب، وإذا سمن قل عدوه ولا بأس بأن يطعم مع الخبز دهن الأكارع بحيث يلوث الخبز ما لا يثرد فيه كما تفعله الجهلة برياضة الكلب ويسير في كل جمعة مرتين. قال محمد بن منكلي، ختم الله له بالحسنى: ويجب على المتصيد أن يتقي نجاسة الكلب، فإن النصوص الشرعية جاءت بالإعلام عن نجاسته خلافاً لبعضهم. والإمام مالك قرنه بالخنزير، ومن المعلوم أن في نجاسة عينه خلاف ولا يقتدى بمن يلبس كلاب الصيد إجلال الحرير، فإن ذلك بطر وبذخ وقلة فطنة ويسامح بإلباس كلاب الصيد الجلال من الخرق المصبوغة كالأصفر والأحمر. ومن الغواة للصيد من يترك الكلب لينام على فراشه ويجلس على وسادته ولا يفعل ذلك إلا كل قليل الاحتفال بدينه غير متحرٍ فيه، نسأل الله العفو، ولا يمنع تغطية الكلاب واستدفائها وغيرها إلا الحرير، وعلم إباحة ذلك لكن ذلك تبذير. فلا يقتدى بجهلة عرب البادية وعفاشتهم، وعدم توقيهم النجاسات حتى أن أحدهم قد ينام والكلب في حضنه وغير ذلك من القبائح المحرمة. وأجناس الكلاب خمسة منها: الصيدي المعروف بين الناس المرغوب فيه، والزغاري وهو النشاق والحبك وهو أصل آخر لا ينفع لشيء من الصيد، وهو ألطف ما يكون من هذه الأجناس ترغب فيه المكاريه في الإسطبلات، وتعلمه البغاددة فيقفز في الطار وهو مما يضحك عليه الصبيان. والمشّبة والدبيسي الذي يكون في الأسواق وفي القرى للحراسة للدروب والغنم، وهذه الكلاب هي التي نهى الشارع صلى الله عليه وسلم عن تربيتها إلا لذلك. قال مكحول الفقيه، رحمه الله تعالى: إذا أرسلت كلبك المعلم فأكل من طريدة فاضربه أسواطاً وأوقفه على جرمه، فإنك إن فعلت به ذلك لم يعد إليه إن شاء الله تعالى، ومدح بعضهم كلب صيد، فقال: ومؤدب الأنساب يمسك صيده ... متوقفاً عن أكله كالصايمِ طربٌ إذا ما صادَ عانق صيده ... طرب المقيم إلى عناق القادمِ وقد قيل في مثل ذلك كثيراً. والكلبة تحيض في كل سبعة أيام، وعلامة ذلك ورم أشفارها، وهي تحمل ستين يوماً، ومنها ما يحمل خمس السنة، ومنها ما يحمل ربعها، وما ولدته قبل الستين لا يعيش. وتضع جراها عمياء، فلا تفتح عيونها إلا بعد اثني عشر يوماً، ويظهر لبنها بعد حملها بثلاثين يوماً، وهي تعيش إلى عشرين سنة، وإذا هاجت ترى عليها كلاب عدة، أبيض وأسود وأبقع وأصفر، فتؤدي إلى كل سافد شبهه وشكله، والكلب يقظ في نومه جداً، ويقال إنه في حال نومه أسمع من فرس. ومن عجيب طباعه أنه يكرم الجلة من الناس، وأهل الوجاهة فلا ينبح عليهم وربما حاد لهم عن طريقه، ومن طباعه أيضاً أنه يأكل للقناعة لا للشبع، إن في هذا لعبرة للإنسان العاقل. والكلب يقبل التأديب والتعليم والتلقين، وهو أهدى من الفيل والدب والقرد. حتى لو وضع على رأسه مسرجة ورمي له قطعة لحم لم يلتفت إليها، فإذا أخذت عنه المسرجة عاد إلى اللحم، وهو يعيش على الجراح التي لا يعيش معها غيره. وقد ألهمه الله تعالى، إذا كان في بطنه دود وأكل السنبل ثم يتقيأه فيرمي معه ما في بطنه من الدود، ويطول الكلام لو أردنا الشرح مثل ذلك. ومن خواص أجزائه، نابه، إذا علق على من به يرقان ظاهر نفعه، وإن علق على من به عضته نفعه، وإن علق على صبي خرجت أسنانه بغير تعب وإن علق على من عادته التكلم في نومه لم يتكلم في منامه، وإن علق على إنسان لم يعضه كلب كلب، وإن طلي لبن كلبة على البطن لم ينبت به شعر أو حلقه مثل النورة، ومن أخذ يوم الأربعاء قبل طلوع الشمس التراب الذي يبول عليه الكلب وجبل وجعل بنادقاً وعلقت على المحموم سكنت الحمى.

باب في ذكر القط

دمه: ينفع لنهشته وينفع لسم السهام الأرمنية. قال صاحب كتاب الجواهر، رحمه الله: بوله إن تحملت به امرأة ليصل إلى الرحم أعانها على الحمل. قذره الجاف: إذا أحرق وأذيب بدهن آس ومرارة تيس وطلي به مكان القرح نبت فيه الشعر كما كان. مخ الكلب الميت: إذا طلي على الخنازير التي تكون في الحلق أذهبها. يده اليمنى: إذا أحرقت وأخذ رمادها ثم يسحق ناعماً ويذر على العروق التي يسيل منها الدم فإنه يجفف ذلك كله. لسان الكلب الأسود: من أمسكه بكفه لم تنبح عليه الكلاب ويقال أن اللصوص يفعلون ذلك، وأضربت عن الأشياء التي لا يجوز شرعاً استعمالها. باب في ذكر القط وأول من لعب بالقط، قال عيسى الأسدي: هو من جملة الضواري ويسمى في بلاد العراق الهر، وفي بغداد: السنور، وفي أواسط البصرة النوة، وفي بلاد طريق خراسان هذا الاسم أيضاً، وتسميه العجم الكربة. وأول من تصيد بها بنو خفاجة. وطبع القط في حركاته كلها طبع الفهد. وقيل إن الباشق بقية طينة البازي، والتهركة بقية طينة الشاهين، واليؤيؤ بقية طينة الصقر، والقط بقية طينة النمر، وهو يصيد الطيور مثل الدراج والطيهوج، وما الفرق بينه وبين الزغارى إلا الشم. باب ذكر الدبق وأول من دبق يقال أنه كان في زمان هارون الرشيد رجل اسمه إبراهيم، وكان من أرض البصرة يصيد جميع الطير، فمنها ما يصيده بالنبل، ومنها ما كان يأخذه بالضواري، وكان يلعب بالبازي والشواهين والصقر وجميع الضواري من فهد وكلب وما شاكل ذلك ثم الدفائن في الأرض والأشراك والشباك وغير ذلك من أمور الصيد، وله كتاب في البيزرة، وهو جيد مجرب غاية ولم يذكر فيه غير الأدوية لا غير، وكان مع إبراهيم هذا ثلاث قصبات لا غير يدبق بها العصفور زمان الفراغ ويدبق بها أفراخ الطير أيضاً من البساتين، وكان بها مجوداً. وكان يقول من يزعم أنه يلعب بالضواري ولا يدبق فإنه ناقص الهمة، وإنه صار عند هارون الرشيد بمنزلة لعلمه بهذه الصناعة وبالدبق. وتفرع التدبيق من إبراهيم البازيار رحمه الله، ودبق بعده بخمس قصبات وأكثر في زمن المأمون، رحمه الله. أما المنصور المدبق فإنه هو الذي علم السلطان مسعود. وكان أجود مدبق على وجه الأرض فيما يقال. وكان المستنجد بالله من المدبقين. ويقال أي شيء يكون أحسن من شخص قاعد في بستان وطعمه في كل طائر يدخل ذلك البستان وما يكون إلا إذا كان مدبقاً. وفي بلاد العراق من يدبق في السنة بين صقر إلى شاهين وعقاب خمسين قطعة. وفي الناس من إذا سافر على نية التدبيق أخذ معه حوائج الطعام والقدر ما خلا اللحم. وفي الشام إذا وصل المدبق إلى الطير جعل على كل عود من الشجر قضيباً، وهذا ليس عند أهل العراق، فإنهم يسمون المدبق المدبر. وأجزاء الدبق كندر وحب سبستان وحب عصفور، وإنما سمي حب عصفور لأنه من ذرق الطير يذرق على الغصن ويكون في ذرقه الحب أي حب كان فيعلق بالقضيب ويبقى في ذلك الغصن ويصير مثل عنب الثعلب إلا أنه يكون مكبباً، وهو يسوى في العراق الثمن الجيد، وأكثر ما يوجد في شجر الزيتون وأجزاؤه معروفة. ويبدأ بذكر الضواري من الطير باب ذكر العقبان وأجناسها ومعادنها وألوانها وأسمائها وأول من لعب بها والجيد منها والدون، والنادر واللطيف وما يستحب أن يؤخذ منها، ومن الذي يجوز أن يلعب بها والكامل منها وكيفية اللعب بها. وكم من جنس هي اعلم أن العقبان سبعة أجناس، لكل جنس منها لون، فهي سبعة ألوان أيضاً. منها العقاب المعروف بين الناس، ويسمى عقاب الصيد، مع أن جميع العقبان تصيد وتصلح للصيد، أما هذا العقاب فإنه أبرش الذنب، وهو أحسن العقبان وأطيرها وهو يقع في جميع البلاد القريبة من الجبال، وأكثر ما يكون في بلاد الشام، وفي أرض الموصل إلى الجزيرة وسنجار وبلاد نصيبين وماردين وديار بكر وسائر الأماكن التي يرغب بالصيد فيها وبها الصيد الكثير. ولهذا العقاب شأن عظيم وهو لا يصلح إلا للعارف به، الذكي القوي الصبور، فإنه متى دخل في صنعة العقاب بغير معرفة خشي عليه العطب. واعلم أنه مع الرجل الواحد الذي ليس معه رفيق عدو قوي.

حدثني ناصر الدين الكردي أن شخصاً من الغواة الصيادين كان معه عقاب فرماه على طريدة ففاتته، وكان صاحبه إذ ذاك فارساً، فطار العقاب وانقض على صاحبه فألقاه عن فرسه. وذلك أنه متى أرسله وأراد أن يخلصه إذا صاد فإنه إذا لم يحسن السياسة فيه قتله إن شدد عليه، فمتى صاد العقاب وأردت أن تخلصه فاعمد إليه إن كان معك راس طري الدم تلقيه أمامه يشتغل به، وهذا أهون ما يكون وهو السالك بين الناس، وأما غير ذلك فإنك إذا جئته فمد يدك إلى سيفه وتشكره، وتجعل الشكارة في وتد في الأرض خشية على أنه إن خلص، يأخذ رجليك، فإن فعل ذلك فاقبض بيدك على منسره بحيث تسد منافسه ولا تشد يدك فإنه يخلى الصيد، فخذه منه واحمله على دابتك، ثم تقدم إلى العقاب واحمله على يدك، وهذا أسهل ما يكون، فإن كان معك رفيق، فتقدم أنت إليه، واقبض السيور التي في رجليه، وطبق عليها اليد التي في الكفة ثم اقبض باليمين على منسره كما ذكر لك هذا إن أردت أن تدفعه الطلق والاثنين والثلاثة ومتى ما أردت أن تشبعه فإن أشبعته جيداً فإنه يخلي الطريدة ويتركها من ذاته ومن دون الوسائط المقدم ذكرها. وأطعم العقاب ما شئت من الصيد وإن أطعمته الكبد والقلب فهو جيد، إلا الرئة فإنه إذا أكلها دائماً فإنه يقل حيله، ونعت هذا العقاب في الصفة أن يكون عالي القمة، عريض الهامة واسع العينين، مستشرف الحاجبين، غليظ الساقين، كبير الكفين، ممتلئ الفخذين، وسيع الشفتين، طويل المنسر، مهول المنظر، حسن المخبر، طويل الذنب، قليل الشغب، شديد القلب يصيد الغزال والثعلب وابن آوى والأرنب، إذا دعي أجاب، وإذا رمي أصاب، منهم الشدق، بعيد الزرق، عريض الفرق، قليل الخطر، كثير الظفر، إذا ضرب كسر، وإذا قبض نسر، وإذا أعيد جسر، وخيرها الواسع المنخر، كبير الكف، قليل الكف، إذا ضرب قتل وإذا طلب حصل، وإن تبع وصل وإذا خلص أفصل وإذا شبك أنسل. فهذا الجنس هو عقاب الصيد. وأما ألوان العقبان فمنها، الصفر وهو خير الألوان في هذا النوع، والأحمر وهو أقواها، والأسود وهو أجزلها والأخضر وهو أرداها والأرمك وهو أدناها فهذه خمسة ألوان، وينبغي للكواخ إذا صاد عقاباً وهو وحده فلا يتغافل عنه لئلا يعطب الكواخ فليحذر كل الحذر، ويحكى أن كواخاً صاد عقاباً وكتّفه ووضعه في الكوخ وإذا بأسد دخل عليه بعد أن كسر قضبان الباب، فأيقن الكواخ بالهلاك وأخذ ثيابه وألقمها الأسد فأخذها منه ثم ناوله مخلاة فأخذها فأمسك الكواخ العقاب بجناحيه وقدمه لصدر الأسد وهو يظنه مكتوف الجناحين والرجلين، وكانت قد انحلت كفا العقاب فألقاه بخيشوم الأسد، فقبض العقاب بكفيه على خيشوم الأسد وجناحاه مكتوفة وجعل الأسد يتخبط وخرج الأسد من عند الكواخ والعقاب لازم لخيشوم الأسد ووجد بعد ذلك الأسد وهو ميت فسبحان العليم بأحوال خلقه. قال عيسى الأسدي: رئي بالموصل رجل مقطوع اليد وكان مولعاً بالعقبان وذاك أنه نام يوماً وقد ربط العقاب قريباً منه فمد يده وهو نائم في وهلة النوم فوصلت إلى العقاب فقبضها العقاب بكفيه إلى أن جرد لحمها، فلما أفاق الرجل قتل ذلك العقاب. ورئي بمدينة الموصل عقاباً قتل نمراً، فتعجب به كل من رآه، وبقي العقاب بعد ذلك ليالي ومات. ومن العجائب أن العقاب إذا رأى حماراً وحشياً، نظر إلى ما يكون بالقرب من ذاك الحمار، فإن كان ماءً ألقى نفسه في ذلك الماء ثم يخرج ويسط جناحيه على الرمل أو التراب ثم يطير إلى الحمار، والرمل في جناحيه، فيقبض وجه الحمار وينفض الرمل أو التراب في عينيه وأنكر الأسدي هذه الحكاية ولم يصب فقد يشاهد من هذا الحيوان ما هو أعجب من ذلك، ويرى من الطيور والنحل والذباب والحشرات أعجب ما يحكى. وقد قال الأسدي: كل ما لا يشاهد بالعين لا يجوز أن يؤخذ بالقبول وهذا كلام لا يليق والشرائع ترده، وكأنه ينكر عجائب مصنوعات الله ولا أعجبني ذلك منه، وكل ما أنكره العقل من حيث الجملة لا يحتج به. وإن فضلاء أهل المنطق حجبوا لتراكم نتائج العقل، وقد قيل شبه المنطق كالملح في الطعام على أن علم المنطق لا ينكر فإن أكثر المنطقية ينكرون الحقائق التي تكلم بها علماء الصوفية. واجتمعت بكبير منهم، عبد صالح معروف، وكان يعتقدني بمحبة فرايته ينكر بعض حقائق وقعت من الأولياء حجبه لا شك فيها العقل فلا حول ولا قوة إلا بالله.

باب في كيفية الصيد بالبازي وأدب الحمال والفرس

قال محمد بن منكلي: ولا ينبغي المبالغة في الاشتغال بعلم المنطق إلا لرجل زاهد متورع، عالم بالشرائع، وأما من قرأ الشمسية أو غيرها أو رسالات في المنطق مثلاً ولم يكن قد أتقن الفقه والحديث وتزهد ثم قرأ أصول الدين وأصول الفقه وتدرب في العلوم الشرعية فإنه يسلم من آفات المنطق كتجهيل غيره، فإذا لم يكن كذلك فلا يعول على ما قرأه من علم المنطق. ورأيت أكثرهم متكبرين معجبين، فلنعد إلى ما كنا فيه، وقد خرجنا عن المقصود. وقد تقدم أن اللعب بالعقاب لا يصلح لكل أحد، والذي يصلح أن يلعب بها يكون عارفاً ذكياً، وهو أحسن الملعوب. وقد تكره الملوك حمل العقاب على أيديهم إلا عند الحاجة للفرجة. وقد تجلب العقبان من المغرب، ومنها ما يوجد بالإسكندرية لكثرة الغزال في أرض تعرف بدير الزجاج وهو في مكان شرح قريب من البحر المالح يتوالد حوله الغزال وعنده الحباري والكروان والحبرج. وأسماء العقبان في كل بلد غير اسمه في بلد آخر. وأهل العراق يسمون العقاب شيلمانياً، وفي بلاد الشام الشعيري وهو يشبه لون الشعير، والشليماني نسبة إلى حب يسمى بهذا الاسم، وهو يكون في الشعير، ويسمى في الشام الخافور وهذا العقاب من أحسن صورة في الطير، ويسمى أيضاً في بلاد الشط مما يلي جعبر والرها وحران وسروج إلى الموصل، الأبيض، وليس بأبيض لكن له صورة عجيبة وهو كبير في العقبان، يصيد معهم الغزال ولكن وحده فلا. وهو أطير من كل عقاب وأخف وأحسن وألبق وأليق، ويسمى في بعض البلاد الفضي، وهو أحسن ما سمي به، ولونه أصفى من لون الكروان كثيراً. وقيل أول من لعب بها أهل المغرب، وهم الروم، ذكر ذلك في الكتب القديمة، وقيل أن قيصر أهدى إلى كسرى أنوشروان عقاباً وكتب إليه أنها تعمل أكثر مما يعمل الصقر. والعقاب أقل مونةً من سائر الضواري يأكل الكبد وغيرها. ويأكل لحم الكلب وغيره. ويبقى اليوم والخمسة لا يأكل ولا يخشى عليه وهذه عادته، وأكثر الخلق لا يرغب في العقاب إلا من أجل الغزال. والعقاب الأسود ويسمى بالعراق الزنبوري، وهو وقح عظيم، غير أنه ألطف العقبان وجسده كله يشبه جسد الزرزور ما خلا ريش الجناحين، والطويل منه فلهذا سمي الزنبوري لأنه ينزل كالزنبور ولا يرجع، وأكثر ما يراد من هذا العقاب حسن لونه والفرجة عليه. وأنثى العقاب اللقوة، وفرخه الهيثم. خواص العقاب: لسانه: من جفف لسانه وعلق عليه، ودخل على السلطان حاز مقبولاً عظيماً. دمه: إذا طلي به ثدي امرأة قد انقطع لبنها عن ورم فيه نفعه، ويجفف دمه ويخلط مع إهليلج أصفر ويسخنا وتكتحل بها العين الوارمة، وأيضاً يطلى به العين الجربة من الخارج. شحمه: يذاب بزيت وتدهن به المفاصل (ينفع لوجع) النقرس. دماغه: يذاب بماء الفجل ويشربه من به ذات الجنب بماء حار. مخه: يذاب بعسل ويصير على الجرح في الرأس يلحمه. ريشه: إذا شد في عنق إنسان وسافر فإنه يقهر كل من يريد به سوءاً. مخلبه: علقه عليك، فإن السباع والذئاب لا تقربك بإذن الله عز وجل. عينه اليمنى: إذا علقت على صبي فإنه لا يبكي ولا يفزع. عينه اليسرى: إذا علقت على من به حمى ربع أو مثلثة برئ منها. دماغه أيضاً: إن سقي منه صبي قدر عدسه خرج شجاعاً. ساقه: نافع للتعب تمسكه معك فلا تتعب. جناحه: من دفنه في بيت قد دفن فيه سحراً أبطله. مرارته: تحد البصر وتجلي الغشاوة، وتنفع من ابتداء نزول الماء في العين. دخنة ريشه: تنفع من اختناق الأرحام. زبله: يحلل الخنازير طلاءً عليها ويجلي الكلف والبثور اللينة بإذن الله تعالى. باب في كيفية الصيد بالبازي وأدب الحمال والفرس اعلم أن حمل البازي على اليد اليسرى على المعلوم من ذلك، ويكون الحمال إذا ركب يسلم البازي إلى غيره، ويركب لئلا يتخبط البازي على يده، فإن كان لا يثق بمن يسلمه إليه فيحطه من يده على الأرض، ويركب بعيداً عنه ثم يستوثبه على يده، فإن كان البازي زعر الأخلاق، حط في كفه جناحاً يشتغل به. وينبغي للحمال أن يكون على يسار صاحبه، ولا يناوله البازي إلا وهو على يساره ولا يأخذ البازي منه إلا وهو على يمينه.

باب نعت البزاة وأجناسها وذكر ألوانها وبلادها

وينبغي أن يعلم بازه متى صاح صاحبه يا فلان أن يثب بازه إلى يده من غير أن يناوله إياه، وأن يكون هو الذي يتناوله من يده ليكون الأدب والاحترام إلى الصاحب وحده. وينبغي إذا تصيد به، وكان ثم نهر أن يكون جنبه اليمين إلى النهر الذي يتصيد عليه، وأن يرتب ذلك من أول ركوبه النهر، وإن كان النهر على يساره فيعبر إلى أن يخليه على يمينه. فإن كان النهر ممن يمنع العبر حمل البازي على يده اليمنى ليتمكن من رميه. وينبغي أن يكون فرسه فرساً عروفاً، وأن يكون لجامه بغير سلسلة ويغني عن السير ولا يزعق في وجه الصيد بحضور البازي، ولا يحمل البازي أبخر أصلاً، ويكون الحمال إذا حمله يقابله بالروائح الطيبة، ولا يطعمه اللحم البايت ولا لحم بقر ولا لحم جاموس ولا لحم جمل ولا لحم ماعز، ولا يداوم على إطعامه لحم الحمام ولا لحم الغنم، وإذا أطعمه أن يبل اللحم بالماء الفاتر ولحم العصافير الدويرية. وباقي العصافير رديئة أيضاً إلا لحم المطوق ولحم الغراب رديء، ولا بأس بلحم العقعق وأبو زريق. وينبغي أن لا يقرب البازي إلى النار، وأن يشد في بيت أو في خركاة، ويفتح له بالنهار الضوء، ويسد عنه في الليل، لئلا يدخل إليه البرد وأن يشد على عارضة في البيت قريبة من الأرض مقدار ذراع بحيث أنه إذا وثب يصل إلى الأرض، وأن لا تكون الأرض التي تحته مرخمة ولا الحائط مبلطاً، بل يكون جميعه طيناً، وأن يفرش تحته في الشتاء التبن الذي ليس فيه غبار فإنه يدفئ ويطيب الروائح ويمنع الذرق أن يغير الموضع، وكلما دخل البازيار إليه، شال ما يراه من الذرق ويجدد له التبن، ويكون له عارضة في الشمس طولها نحو قامة، وهكذا مداراة الباشق سواء، غير أن الباشق لا يتحمل لحم الدجاج، وينبغي أو يوقى الباز من الغبار بين الخيل ومن الدخان، ومن دخول الكلاب والسنانير إليه. باب نعت البزاة وأجناسها وذكر ألوانها وبلادها اعلم أن البزاة سبعة أجناس، فمنها، الكرجية وهي الشهب وهي معدومة في غير بلاد الكرج كثيرة الأثمان، وهي أحسن البزاة وأشدها وأعظمها صورة، ولا يصل إليها إلا جلّة الناس من السلاطين والملوك ولا تقع في غير تلك البلاد إلا في النادر وهو عجيب. وهي أطول البزاة أعماراً، وإنها لا تحمل أنفسها من مشقة في الصيد إلا ما تطيق، وقد يقدم الأشهب منها، وهو أفخرها وأكثرها ثمناً. ثم البزاة الرومية، وهي أكثر ما تكون حمراً لطيفة الأبدان، وهي قليلة البقاء لا يكاد الباز منها أن يسني، وهي قصيرة الأنفاس. وأما الإفرنجية، فإنها رديئة الإجابة، وهي أيضاً لطاف صغار الرؤوس، ولها هيكل يستحسن، وهي ملاح الأبدان والريش. وأما البزاة الدربندية والشرويني والأنجاري والجكوري وهي خير البزاة، فأما الدربندية فهي أندر البزاة وأحسنها كأن رؤوسها رؤوس الزمامج، طوال الأعناق، غائرات الأحداق كأن عيونها شعلتي نار. نعته (الجيد) عريض الأرياش، عريض خطه الصدر، عريض القامة، متشرف الحاجبين، طويل المنسر، وسيع الكتفين كأن على ساقيه قشور كقشور التمساح، وسيع ما بين المنكبين، طويل العنق، رحب لصدر، واسع المنخرين، أصدف الكفين يخاف النار، ويخاف منه على الصغار، طويل المطار يصيد الكبار ويصيد الصغار والكبار خروجه كالنار، وأكثر ما يقع هذا الجنس في بلاد العجم مما يلي بلاد همذان إلى الموصل وإلى مراغة. ولا يعرف هذه البزاة إلا القليل من الناس. وأما الشرويني فإنه يشابه الدربندي في العمل والصيد إلا أنه أحسن لوناً منه، وأجمل صورة وريشاً. وهذه البزاة لا تأبى شيئاً من الطير وقد قيل فيها: كأنّ فوق صدرها والهادي ... أثار مشي الذرّ في الرمادِ وأكثر ما تقع هذه الأجناس في بلاد الجزيرة إلى خلاط وبلاد هكارى تصيدها الأكراد وتربيها، وتبقى عندهم كثيراً وتتغير ألوانها من الدخاخين. باب ذكر البواشق وإصلاحها ومداراتها عليك بالباشق يا سيدي ... فإنه إن مات أمر قريب وهو إذا عاش بلا كلفة ... وفعله في الطير فعل عجيب أحسنها الأبيض وهو الذي ... فعاله في القلب فعل الحبيب فتارةً يولي إحسانه ... وتارةً يمرضُ حتى يجيب فلا تكن تحزن من أجله ... فإن ذا فعل كفعل اللبيب وكن كمن في الدهر يوماً له ... موافقاً فيه ويوماً مخيب

خواص البزاة والبواشق

يلذَّ مادام له يومه ... ولا يبالي فهو فيه يطيب ذكر الأصفر منها والأرقط وهو المسمى النيفق وما يحمد منه وما يذم: فالأصفر جيد إلا أنه سريع الانفراك والبرد يقتله، وإذا صحّ وأمن من العوارض وقح وصاد وهو أكثر ما يكون عريض القطب، شديد الكلب، طويل الذنب، كثير الهرب، وقد قيل فيه: لا تأمن الأصفر في سمنه ... فإنه يعذر حين المطار يريك من إحسانه مرةً ... وبعدها يسقيك كأس المرار وهكذا الأسود في فعله ... وأرقط النيفق أوفى نفار واعلم أن الباشق الأرقط النيفق هو أقوى البواشق وأجودها، ومنه ما يصيد الكبار من الطير، غير أنه لابدّ له من هذه الخصلة الرديئة وهي الغدر، وفيه تضرب الأمثال بين اللعاب فيقال: "أغدر من أرقط" والزروقي في بغداد من أجل البواشق وذلك لكثرة الدراج بها، فلهذا هو عندهم عزيز. خواص البزاة والبواشق خواص البازي: إذا طبخ البازي بدهن سوسن وطليت به العين أوقف الماء عنها وإن كان الماء نازلاً في العين فإنه ينشفه، وإن عجن ذرقة وطليت به العين نفع من الظلمة. مرارة الباشق: يسقى منه وزن نصف درهم تنفع من لخفقان السوداوي. باب ذكر الشواهين البحرية وهي خمسة: الأبيض وهو أحسنها وخيرها وأجلها وأفرهها على الطير وأطيرها وأحبها لطير الماء وسنذكر اللعاب بها في سائر البلاد، وكيفية لعب كل قوم. وأما الشاهين الأصفر فإنه جيد الطبع والدوران واللزوم، وما سوى هذا فليس مثله في الصيد والأصفر إذا تعلم الصيد صار له ديدناً وألفاً، وإنه لا يضيع إن ضاع توريطاً، ألا تراه إذا ضاع يتغير لونه فلو أنه وقع براجل يرمي بنفسه عليه. فهو أقرب الضواري رجوعاً إلى الآدمي إذا ضاع وأسرع رجوعه خاصةً هذا الجنس إذا صار كما ذكر في الفراهة والحفظ والملازمة. وأما الشاهين الأخضر فإن أكثر الناس تسمي الأسود أخضراً وهو عند العراقيين أسود مكلف بخضرة ونحن نسميه أخضر وهو أيضاً مشكور محمود الخصال إلا أن الأصفر خير منه. وللأصفر في أوليته طمخة ثم تزول، وهذا في أوليته لزم لأنه شاهين دليل. والأصفر يصيد الصرصر الذي يسميه الشاميون الصلصل وهو غلط، ولا يعرف من أسماء الطيور إلا الصرصر، وأكثر ما يرى في بلاد ملطية، ولا يصيده إلا الشاهين الجيد المفرط في الطيران، وإن هذا الشاهين الأخضر يحب هذا اللون ويرغب فيه، وكل الشواهين تريده، ولكن أكثرها ترجع عنه حين تحسه، ولأهل العراق طير يشبه هذا الصرصر، وهو أبلق الأجنحة بحمرة وبياض، وبه تظهر جودة الشواهين لأكثر الناس في العراق. وهو يوجد في الزرع، ولا يوجد في المياه إلا قليلاً. والشواهين تصيد منه كثيراً في واسط. والشاهين قليل القلق على اليد، وإذا غفل عنه البازيار يلحقه الخواء فيخشى عليه التلف. أما الأسود والأحمر فهما في الحالة سواء، ولا يكاد يكون الصغير منهم إلا القليل وإذا صعد ودار كان قليل لعمل. وإذا تعلم فإنه يصيد الإوز والأرنب والحبارى. وأكثر الناس تزعم أن الإفرنج والروم أعلم منا، إذ يلعبون بالكواهي، وهم يضرونها على الكركي، وهذا لا يقوله عارف، ولو كان للإفرنج والروم شواهين بحرية لرضينا. لكن البحرية تقطع البحر ولا تنزل الجزائر إلا عابرة سبيل، وهم يأخذون الكواهي من الأعشاش، ولا يهتدون إلى أن تصيد الشواهين، والبحرية خير من الكواهي، والروم يأخذون ثلاثة شواهين أو اثنين فيطعمونها ولا تصيد إلا بالكلب، فإن لم يكن معها كلاب لا تصيد، والنجاري تصيد من غير معين، وهي أسرع من الكواهي وأقوى، غير أن الأمراض تسرع إليها، وهي كثيراً ما تقتل أنفسها من شدتها في ممارسة الصيد والطرائد الكبار. باب ذكر الشواهين الكواهي وهي ألوان، أسود وأحمر وأخضر وأصفر وأبيض، والأسود أحسن الأجناس والحمر كبار، وأكثر أهل البحر لا ترغب في الحمر.

باب نعت السنقر وذكره وثمنه وبلاده

نعت جيد الشواهين، هو أن يكون قصير الساقين، قصير الفخذين، مكتنز اللحم، شديد لحم الصدر، واسع المنكبين، وإذا كان فرخاً تكون خطوط صدره عريضة كبيرة، فإذا تقرنص زاد سواده سواداً وبياضها بياضاً، قصير الرقبة بغلظ عريض الهامة، غائر العينين، منحدب الظهر، قصير الذنب، قليل الريش إذا أقبّ من على اليد تصفق جناحاه بعضها على بعض، أخضر الكفين مبسوطة، طويل الأصابع، شديد الكف إذا قبض ناعم الجلد، زائد سواد الخدين واسع العينين والمنخرين، شديد الظهر إذا زرق، يبعد ذنبه كأنه قدوم طويل الجناحين، إذا طار أذهل، وإذا ضرب أنزل لا يرتد عن طريدة إلا إذا علم أنها تقهره. له الفوز العظيم في الطيران، وواحدها كوهي، وهكذا يسمى في سائر الكتب وكل البلاد إلا الشام ومصر فإنهم يؤنثون، فيقولون كوهية، وهو غلط وعيب عند أهل العراق والأعاجم. وأما كواهي خراسان وبلاد الكرج وبلاد الروم فهذه الثلاثة كواهيها سواء غير أن كواهي بلاد العجم خير من كواهي الروم أي أقصره وطوقان وقونية وسيواس إلى أرض ملطية وديار بكر جميعها، وكواهي الروم جميعها جنس واحد في العمل. وأما الكراك فهي ذكور الكواهي البحرية، وذكور الكواهي رديئة لا تصلح لشيء إلا للقليل التجربة، وهي أيضاً مما يميت نفس الملاعب فلا حاجة في ذكرها. باب نعت السنقر وذكره وثمنه وبلاده أما نعته، فإنه يكون ناعم الريش قصير الذنب، طويل الجناح، أفطس الوجه، حاد الطيران كبير الكفين، عريض الريش، أنمر الظهر، عريض الصدر، كبير الرأس، قصير العنق، قصير الرجلين، غليظ الفخذين، كثير ريش الرقبة، إذا طار أطال وإذا رقّ أسرع، وإذا ضرب أوجع، وإذا انسر قطع، وإذا صاد أشبع، لا تحتاج في الأرنب معه إلى الكلب، شديد الجنب، إذا وثب على الأرنب يصيدها في البعد والقرب، له من البلاد بلاد الكرج، يخاف عليه من الصدمات ولا يجوز إرساله على الطرائد الصغار، لأنه يضرب شديداً، فلهذا لا ترسله الأعاجم على الطرائد الصغار، ولا يصلح أن يرسل لطير الماء، وثمنه ألف دينار إلى خمس مئة دينار وذلك إنه قليل الخروج من بلاد الكرج لقلته عندهم ولا يخرج إلا على سبيل الهدية للملوك أو سرقة أو في زمان الهدنة. وكذلك الباز الأشهب أيضاً ولا يجوز أن يدعى إلا بريش كركي أو ريش حبرج، وذلك أن تجمع له من أجنحة تلك الطيور، وتخيط بعضها إلى بعض ثم تدعوه وتوثبه عليها ليتعلم ويعتاد على صيدها. والكمّة له أصلح من أن يكون مطلق المنسر، وكونه يخرج من تحت الكمّة أشد شهوة الوثوب من أن يكون مطلق الرأس، وقد تموت شهوته للصيد كما تموت شهوة الفهد، وقد يعرض له أن تخلع كتفه من شدة الوثوب إذا كان مربوطاً. باب ذكر الصقر وموطنه وجنسه وجيده ورديئه وتسمى عند العجم البحرية، وهذه الصقور لا توجد إلا في وقت معلوم من السنة فإنها تقطع مجتازة في كل سنة مرتين. فأما المرة الأولى فيقال لها بلغة أهل العراق الطالع، يعنون بذلك لطالع من البحر، وهو إذا طلع كان من نصف شهر آب إلى آخر أيلول، وما قطع بعد هذه المدة يقال له المبتدر يعني المقيم وذكروا والله أعلم، يفرخ في الربع الخراب من الدنيا. وقال العقلاء: إنه يطير في السماء عشرة أو خمسة عشر يوماً بلياليها، لا يأكل ولا ينزل إلى الأرض، ومصداق ذلك أن من الضواري من يخرج من القرناص وهو سمين، فيبقى اليوم أو الخمسة وفيها ما يبقى العشرة أيام وأكثر من ذلك لا يأكل. مصداق ثانٍ، إن جميع الضواري يوجد له فرخ إلا الصقر واليؤيؤ، إنه لم يشاهد لها فرخ إلا لاحق بها، طائر معها، لأنها تفرخ في الصخور والجزائر التي بالبحر، ولعله إذا رأى مركباً سايراً في البحر تعلقت به. والصقور الأحرار المنعوتة هي سبعة ألوان، منها الجيد ومنها الدون وأهل الخبرة تعرف ذلك لكثرة الممارسة والمداومة. والعرب تختار الأسود وهو خيرها عندهم، وقد خطأ الفضلاء من أهل الخبرة البدوي لاختيار الأسود، وسلموا له أنه جيد لصيد الغزال لا للحبارى، لأن الحبارى لا تثبت له، وتخاف منه لسواده فتهرب قبل وثوبه عليها لكنها لا تهرب من الصقر الأبيض. ومنها الأصفر والأشقر والأحمر، فأما الأخضر فهو جنس من أجناس السود وكذلك المسكي وكذلك الآرامك، ويخشى من الصيد فيها من صيد الأبيض، فإنه إذا لم يصد فيحوم ولا ينزل.

وأما الأصفر والأشقر فإنه سريع الإجابة عندما تدعوه، والأسود والمسكي والأخضر هي من أوطى الجوارح من هذا الجنس، وإن الأسود من الصقور هو سيد الصقور وأشدها طلباً وأكرمها حسباً، وخير ما يكون إرسال هذا الجنس على ذي الوبر من الحيوان مثل الغزال وغيره. فإنه إذا أرسل على الغزال كان شديد القبض، عظيم النفض، قليل الرقص كأنه إذا وقع على رأس غزال بخيل وضع يده على مال، أو صاحب نزال قد ظفر بعد مطال، أو كأنه مع راس الغزال مخلوق أو له هناك حقوق، فلا يزال قابضاً عليه كفه لا يريد غير حتفه. وقد وصف فقيل فيه: شديد المراس قوي الأساس ... بعيد القياس قليل الفشل هو الموت للظبي في حاله ... إذا ما دنا كفه والأجل وهذا الجنس الأسود أكثر ما يموت على الغزال مكسوراً أو معضوضاً، وذلك أنه يترجل في المصرع، ويجوز مع الكلاب، ويواثر القبض إذا وقع على الأرض، يسرع العود إلى الطريدة، ويخشى عليه إذا وقع على الطريدة من الثعلب والأرنب أن يتقدم في الوعر والشجار، ونخشى عليه أن يدخل في الأوكار خلف الأرنب من حرصه عليها، ومتى ما كان الصقر مدور الهامة، يربوعي العين فهو المكمل الخلقة. وعلامة الصقر الجيد أن يكون رقيق الريش تكاد تنظر الريشة الواحدة منه عن التي تحتها لرقتها، وأن يكون ذنبه إحدى عشر نقطة أو اثنتي عشرة، وأن يكون طول الجناح من طرفه إلى رأس المنكب شبرين، والوافي شبرين وظفر. والقصير شبرين إلا ظفر بالشبر التام، وأن تضم المسبحة والوسطى والبنصر ثم تفتح الخنصر والإبهام، وتقصد صدر الصقر، فمتى ما كانت الإبهام على رأس الكتف الواحدة والخنصر على الكتف الآخر، كان هذا مقدار النادر وتعرف شدة الطيران من النظر إلى الريش، فإن كان أصل الريش وطرفه واحد فيعلم أنه غير طيار، وإن كان الريش كل ما بعد عن مغرسه امتشق فيعلم أنه جيد الطيران، وينظر أيضاً إلى ذنب الصقر إن كان مجموعاً منضماً إلى بعضه كريشة واحدة حينما يكون الصقر على اليد، فيعلم أنه يحسن الطيران، والصقر الأبيض ليس هو كالأسود في النصح والقبض كالأسود، ولكنه كثير المسح والضرب وسريع الطلوع والنزول، وهو إذا وقع سريع النهوض من الأرض، وإذا ركب نتش وإذا قام فرش، وإذا عاين رفيقاً كشّ، لأنه أغير الطيور على طريدته يريد إذا صاد أن يكون وحده ولا يظهر عند العمل جده لكنه يطول في العمل، فإذا كان معه العمال الناصح كان كالنار وهو أنصح على الأرنب والخشف إذا ضرب أترب. والأحمر من الصقور خيرٌ منه، وإنما قدمنا ذكر الأبيض لأنه أحسن ما يكون على صيد الغزال مع الأسود لكثرة طلوعه ونزوله، ولكنه لا يصلح للكركي ولا الإوز إلا القليل منه، وهو على البلشون أحسن، وأكثر المصريين يلعب به وهو سريع الرد عن الطريدة، وإذا رد وجهه عن الطريدة لا يعود إليها إلا بعد التعب، والأصفر مثله في هذا الأمر إلا أنه ألزم منه وأصبر على العمل. وهو أشد كلباً من الأبيض وأنصح إلا أنه خواراً ولا يحتمل البرد، وهما أقوى من الأسود، على النقض غير أن الأسود أكلب وأنصح وألزم. والصقر الأصفر يصلح للغزال، وذلك أن صقر الغزال يلزم أن يكون مطاولاً أكثر الأوقات، ولا يكون قباضاً ملازماً، فإنه يخشى عليه الكسر من ذلك، ومتى كان الصقر قليل القبض كان مسرعاً إذا قض، وهو أسلم للصقر وأبقى له وأدوم واسلم من الكلب والأصفر والأبيض فإنهما جنسان ذعران إذا قبض الصقر منهما ووكل الكلب أخلا خوفاً من الكلب، وترجل إذا صار الكلب عنه في المصرع، وهو مما يستحسن من صقر الغزال، وأما الأسود فلا ينفك بوصول الكلب إلا القليل منها، وأما الأحمر فإنه يخشى عليه من شدة كلبه أن يقبض الكلب أكثر الأوقات ويحسبه الغزال، وهو أيضاً سريع العطب، وقد جعلوا للغزال ثلاثة صقور للنوبة، يكون منها صقر شديد القبض والملازمة، شديد الحرص والعمل، ويكون الاثنان الآخران كثيرا النزول والصعود قويان في الفعل، إذا قبض أحدهما نتش ولا يداوم القبض، فإن الغزال إذا داوم قبضه الصقر، فتح بذلك عينه واهتدى، وإذا قبض واحد، وواحد يطلع وينزل حار الغزال، وقد قال الشاعر في ذم الأخضر والأرمك منها. لا بارك الله في خضر الصقور ورمكها ... فهي دون كل الطير مذمومة كم يتعب المرء فيما ليس يدركه ... منها وكم هو يسعى وهي محرومة

باب ذكر الشقوق ونعته وجيده ورديئه

والأرمك، فأهل الشام تسميه اللبدي، وتسميه أهل العراق الأرمك وتسميه أيضاً الأكدر، وهو من جنس الأخضر في الدّبر. باب ذكر الشقوق ونعته وجيده ورديئه وهو خمسة أجناس، الأسود وهو أحسنها وخيرها، والأحمر أقواها وأحسنها، والأبيض ألونها وأبهاها وأرجاها، والأخضر أندرها وأرداها، والأصفر ألطفها وأجراها، وهي تصيد الأرنب والكروان، وهي تشبه خلقة السناقر، وهي تعمل ما يعمله السنقر، وهي مرشوشات القفاء، كثيرات الوفاء، قليلات الجفاء. يقول الشاعر: صقورُ البلادِ صقورٌ جياد ... وأوفى الصقور صقر العجم غطاريفها فهي شبه القرود ... تصيد الكراكي وتعفو الرخم ولا فرق كركيها عندها ... إذا نظرته وليث الأجم تريد النعام إذا فاتها ... بذلك كركيها والنعم كثير الطراد قريب المعاد ... عديم السهاد قليل الندم شديد الكفوف قليل الوقوف ... يزين الألوف إذا ما التزم يصيد الكبير ويطوي الصغير ... ويشني الحقير ويبدي الكرم وهو كما وصف في هذا الجنس في بلاد العجم، وأكثر هذه الطيور تموت مما تصدم الأرض ولكنها إذا طارت كالسهم الطائح أو الشرر القادح أو البرق اللائح، وهذا الجنس إذا قدم إلى بلاد الشام أو إلى ديار مصر تسمى السقاوة، والسقاوة غير هذا الجنس، وجميع السقاوات عندهم سقاوات لا سما ما يروه مقرنصاً وهو عندهم سقاوة، وهو كل ما مال إلى البياض وصغرت النقطة التي في صدره، وأبيض صدره، فهو عندهم سقاوة، ولكن السقاوة جنس قليل الوقوع، ولا يوجد إلا في الأماكن الصعبة المنقطعة في شقفات الجبال، وهي معروفة عند أرباب المعرفة وهي تشبه بالصقر وتشبه الشاهين، وهي جنس من جنوس الصقور وهو السقاوة، ويسمى عند العجم مرخ شاهين، وهو الاسم الصحيح يريدون بذلك صقر شاهين يعنون جنس الصقر، وحنس الشاهين، وهذا هو السقاوة حقاً، وأما غيره فهو صقر وجميع ما يوجد في ديار مصر من هذا الجنس فهو صقر، وديار مصر لا يمكن أن يكون هذا الجنس فيها إلا أن يكون عابر سبيل، وقد يقع هذا الجنس في جزائر البحر وهو لطيف وألطف من الصقر، وأما الذكر فيكون مثل أصغر كرك من كراك الشواهين، وفي الناس من يسميها ذكر السنقر وفيها من يسميها شواهين من كواهي البحر، ولعلها تهدي من بلاد الإفرنج وهو السقاوة حقاً إلا أنه أسود اللون، صادق السواد، أسود الخدين، وهي تسمى الشواهد. وصفة هذا الجنس يكون طويل الذنب بعرض في عرض ذنب، وهو طويل الجناحين مدبح الذنب ولأن كل ما يكون في ذنب الجارح من نقط مدورة على هيئة الدينار فهو يقال له الواضح، وما كان بياضه طويلاً بعرض الريش فهو تدبيح، فكل ما كان هذه صفته فهو سقاوة، فهو لا يكون إلا أبيض أو أخضر أو أسود، فما كان منها في الجبال فهو أبيض، والفرخ يكون أسود وهو مما يلي البحر والجزائر. وهذه في الجهتين جنس من أجناس الشروق. باب في ذكر ذكور جميع الضواري مثل البازي والشاهين والصقر والسنقر واليؤيؤ والباشق والعقاب والزمّج والشروق والسّبر وما شاكل ذلك فإن الصغير الذكر، والزرق، ذكر الباز، في كل جنس من أجناس البزاة، والكرك ذكر الشاهين في البحري وهو الكوهي واللطيف من السناقر والزغري هو الذكير والمصريون يسمونه الزغري والشاميون يسمون الذكير، وذكر الباشق العفصي وذكر البطريق والشقوق الأبيض الأكتاف والذنب هو الذكر، والعراقيون يسمونه الآجامي يريدون بذلك ملازمة الأجام، وهي الشعرات، والمصريون والشاميون يسمونه الشقوف يريدون بذلك أنه يشقف الشيء إذا قاربه أو رآه. وذكر السبر الخاطف، والخاصف بلغة العراقيين، والمصريين والشاميين يسمون الجميع السبر. وأما الغراب الأسود الكبير الذي يسمى الغداق، وتسميه المصريون النوحي، يريدون بذلك طول العمر فإنه يسمى الكبير، والحدأة أيضاً تسمى الكبير. باب نعت الغراب الذي يصطاد به وهو النوحي

باب في ذكر البوم

ليس في سائر الغربان من يصيد سوى هذا الجنس، وقد أضري على الأرنب وفي بلاد العراق يلعب به على الأرنب وهو يعمر ما شاء الله، وهي في الصحراء تصيد إذا اتفق اثنان على الأرنب فتقتلها بغير تعب ويصيد الواحد منها البوم الوسطاني الذي يقال له مدبج وهذا غير منكور فإن عنده من الطمع ما هو أكثر من هذا فلا يستنكر هذا منه فإنه يقبض بكفيه أشد ما يكون وهو يدعى كما تدعى الصقور لأنه أطول نفساً من سائر الضواري لأنه يتبع ما يريد صيده يوماً كاملاً إلى أن يصيده ولا يكون كطول نفسه شيء أبداً. وقد ذكر عنه أنه من قوة ظهره يبك الأنثى وهو طائر وهي طائرة، فمن أراد أن يلعب به يخيطه ويحمله الحمل الذي يفتح فيه الوحشي مثل الصقر والشاهين وغيرهما، ولا يصر إلى اللحم، ويدعى على الجلد كما يدعى صقر الغزال أو على جناح الكركي إذا لم يجد جلد غزال أو أرنب، فإن كان لا يقدر على شيء يؤخذ بقر لطيف ويلبس بدهن بحيث يتغبر الشعر ثم يجعله مدعى له، ويدعى به ولا يطعم الغراب إلا على الأرنب فإنه أصلح ما يكون على الأرنب، وهو يستحب الطلوع والنزول وذلك عادته، وهو أوقح ما يكون من الضواري، فإنه لا يخاف من عقاب ولا من غيره وليس له إلا أن يحمل وحده، فإنه يشبع. ويحكى أن صياداً استوطن ديراً من الديورة الخالية من الإنس، وقد قطن به غرابان، ذكر فوجد بهما ذلك الصياد أنساً، وكان كل ما صاد شيئاً من الظباء يرمي لهما شيئاً يأكلانه فلزماه وقطنا الدير معه، وزاد أنسه بهما فأنشأ يقول: يا غرابَ الدير آنست وحشتي ... فآنسك الرحمن ما دمت باقيا يا غراب الدير متعت بالبقا ... ومتّع من تهواه ما عشت صافيا يا غراب الدير إلفك حاضر ... وإلفي بعيد الدار عني نائيا لقد شاقني ما أنت فيه ولا أرى ... عدوي وإني مستهام وباكيا إذا ما تفارقنا بكيت وإنني ... سأجعل هذا لدير فيه مقاميا قال: ولزم الصياد ذلك الدير، وتزهد فيه، وكان الخاطر يطرقه في كل قليل وهو يقوم بجميع من يقصده، وصار له شأن عظيم، وذكر بين الناس، وكان يعرف بعبد الله الديراني. وكان من أزهد أهل زمانه، وجعل الصيد دأباً له، فلا يأكل ولا يلبس إلا منه، وكان يتفضل على من يقصده بالخدمة فقيل له: يا شيخ إنك كبرت وقل بصرك، والناس يرون أن يتحفوك بما يغنيك عن الصيد، فقال: لا والله لا أفعل ولا أرضى، فلولا الصيد وملازمته لم اصل إلى ما أنا فيه من هذا الأمر وقد رزقني ربي الرزق الحلال والعمل الصالح، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "من بورك له في شيء فليلزمه"، وأنا في ذلك كما قال بعضهم: إذا ما كان عندي قوت يوم ... نفيت الهمَّ عني يا سعيد ولا تخطر هموم غدٍ ببالي ... لأن غداً له رزقٌ جديد وإن جار الزمان عليَّ يوماً ... ودعت ما أريد لما يريد ولم يزل عبد الله في ذلك الدير إلى أن مات، وولي مكانه من كان يتردد عليه لزيارته، فعاش ما شاء الله ثم مات ثم كان بعدهما آخر فعاش ما شاء الله ثم مات، والغربان في ذلك الدير مازالت على تلك الحالة. وهذا الدير موجود في بلاد العراق ويعرف بدير الغراب. باب في ذكر البوم وهو البوم المعروف بالمقرن، وقد علم أن البوم المقرن من الضواري، وهو يصيد في بلاد الجزائر الأرنب بالليل، ويصاد به السنجاب والسمور وما شاكل ذلك، وذلك أنه تكون فيه الجلاجل معلقة في رجليه وذنبه وليس له صيد إلا في الليل، وهو ينظر في الليل كما ينظر القط، ويحمل في طرفي النهار وطرفي الليل، ويشد وسط النهار فإنه ليله بالقياس، وفي الليل تخاف منه جميع الضواري، وأما اللعاب فوجدوا السبيل إلى إصلاحه بالليل، والتصيد به، وقيل إنها ملوك الطير من الضواري، وإنه ليس من الضواري الذي ينزل على الجيف إلا في الليل، ويجعل له في النهار البرقع، وإذا جعل له البرقع في الليل، فيكون ذلك على سبيل الاعتياد، ولا يحمل في الليل إلا عند أناس جلوس ويكثر فيما بينهم الحديث حتى تألف، ولا يطعم إلا بالليل، وإذا تكلب على اليد يفتح من عينه ما ينظر الناس، فإذا اعتاد بعد ذلك اليومين والثلاثة فتح نصف عينه، فإذا ألف بمن يمر ويجيء، وأكل طيباً، وتكلب فتح بقية عينه.

خواصه

وأكثر الناس يتطير بالبوم، وهذا ليس بشيء، وقد ذكر أنه كان أحب الطير لسليمان عليه السلام. وفي الناس من يسميه زاهد الطير، ولبعضهم: يا بومة القفر بل يا بليل الدمن ... أصبت بالزهد في الأوطان والسكن ويا مثيرة وجدي كلما هتفت ... بالليل توقظ أقواماً من الوسن لأنتِ أزهد طير في الفلا هتفت ... ومنك يؤخذ رهبانية الزمن لما علمت بأن الشمل منصرم ... وعن قليل كأن الدهر لم يكن رضيت بالقفر داراً والفلا سكناً ... وأطيب العيش ما يخلو من الغبن خواصه وإن البوم يبيض بيضتان إذا طلي بإحداهما على الموضع الذي لا شعر عليه أنبته، والأخرى إذا طليت على الشعر قلعته، وإذا أردت بهما فخذ ريشه وأجعلها في واحدة منها، إن سقط عنها الريش كانت تلك هي البيضة التي تسقط الشعر. عيناه، الواحدة تنوّم والأخرى تسهّر، فالقهما في الماء، فالتي ترسب هي المنومة والتي تطفو هي المسهّرة. باب في إجابة الزّمجّ قال أصحاب التجربة: هي من جنس البازي، ويدل على ذلك صفرة عينيها، وقصر نفسها في الطيران على الطريدة، وينبغي أن يكون حامل الزمج حاذقاً بحملها، عارفاً جميع ما يؤلم الزمج وما ينفعها، ولا يزعق في وجهها ولا يبصق عليها، ويكثر في وجهها العبث بلحيته، من غير أن ينظر إليها لئلا يقرب وجهه من وجهها فيخاف منه هذا في مبدأ أمرها، وأما إن صادت فاللاعب بها أعرف بما قد أكسبها من الأدب. فإذا أراد تعليمها فليختل بها بحيث لا يراهما أحد، ويكون معه من يساعده ثم يأخذ دجاجة بيده اليمنى ويحركها في وجه الزمج، فإن رآها شديدة الرغبة فيها يسلم الزمج إلى أن من معه برفق، كأنه يسرق شيئاً، وهي لا تدري إلى أن تصير على يد الآخر. ثم ينتف من ريش الدجاجة ويرمي بها غليها، فإن رآها شديدة الطلب أخرج الدجاجة إلى نحوها قابضاً على رجلي الدجاجة ويكون ظهره إلى من على يد الزمج ناظراً غليه بعينه اليمنى ولا يتعلم الزمج إلا على دجاجة كما يفعل بالبازي، ولا يستجاب بالحمام فإنه يخشى من أن نخطفه الزمج من يد من يعلمها. وإذا صادت ينبغي أن يستجاب بصورة ما تصيد إن كان كركيا فبجناحي كركي وإن كان إوز فبجناحي إوز وتغني جناحي الكركي عن الإوز. وينبغي لحامل الزمج أن يكون معه برقع إذا سار يغطي به رأس الزمج لئلا يثب من على يده لغير حاجة فيخشى عليه الضرر من ذلك الوثوب، ولا ينبغي أن يرسله على الطرائد من المكان البعيد لئلا ينقطع نفسه عن الحاجة، فلا يقوى على أخذ الطريدة ولعلها تطير قبل أن يصل إليها. وقد جعلوا البراقع ستراً لها، وحفظاً من الوثوب لئلا تنطلق على الطريدة قبل وقت الحاجة فتخور قواها والبرقع لها بمنزلة الغمد للسيف، فإنه يصونه من لصدأ، ولا تجرده إلا وقت استعماله. أما الباز فإنه يخرج دون برقع وليس البرقع إلا للصقر والشاهين والعقاب والزمج. أما الشواهين الكواهي فإنها أقوى الطير على التعب وأصبرها على الحر، ويلاقي المتصيد بها عند رميها على الطرائد ما لا يراه في شيء من الطيور ذوات المخلب، فقد يتفق أن الشاهين يرمى على عشرين وعلى ثلاثين طريدة فيصيد منها كثيراً، ولعله يصيدها كلها. باب في ذكر السّبر وهو نوع من البازي إلا أنه طويل الجناح جداً، وهو مع ذلك أطول نفساً من البازي لطول جناحه، وهو أيضاً سريع النهوض من الأرض خلف الطريدة لقصر ظهره وطول ذنبه وطول رجليه إلا أنه يجوز مع الطريدة في النحل الصعب فيخفى عن صاحبه إذا لم يكن فيه الجلجل، فلا ينبغي أن لا يكون إلا فيه جلجل، وهو أجود ما يكون على السمان وعلى الدراج والحجل وجنسه. والذكور أطير من الإناث، ولعل الذكر يكون قدر الأنثى، وإصلاحها إصلاح البازي، وهو من أهون الطير، وأسهلها حفظاً وتربية إذا ما هربت أو ضاعت. ولم نذكر اسمه في هذا الكتاب واسم غيره مما يندر وجوده، ويستغرب جنسه إلا ليحيط به القارئ علماً والله أعلم. باب ذكر البطريق

باب ذكر النص

وأما البطريق والسبر فلأنهما قليل الذكر بين الناس. وأما البطريق فإصلاحه كإصلاح الزمج سواء وإجابته كذلك، وهذا يطعم على الأرنب ويصيد الحبارى والكروان، ويصيد إذا أرضي الغرنوق وهو الكركي، والبطريق ألطف من الزمج كبير إلا أنه جنس مثل الزمج، وهو أبيض وأسود، وهو يشبه الزمج في طيرانه وأفعاله وله في القطا فعل ليس ذلك لسائر الضواري، وهو جنسان لا غير أبيض وأسود. والأبيض خير من الأسود، وهو يشبه الزمج إلا جناحيه فإنهما طويلان، وهو أطول نفساً من الزمج وأدون من الشاهين، وإذا طار على الطريدة لا يبصر لشدة طيرانه، وهو يصيد الحبارى والكروان والغرنوق والدّراج والحجل، وهو أوقح الضواري لأنه يأخذ من العقاب اسلب، وكذلك يأخذ من الزمج، ولا يأخذ منه شيئاً سلباً، ولا يكاد يفارق الطريدة، وأوقح هذين الجنسين الأبيض، وكثير من الناس تعجز أن تضريه، وهو شكيس الأخلاق يتعب الحمال كثيراً، ولعله إذا حمل عند قدومه من عند الصياد لا يقعد على اليد، ويتدلى ويبقى ذلك دأبه يومين وثلاثة، وينبغي لحامله أن يدعه على الأرض، ويكثر عليه الكلام ولا يخشى عليه إذا لم يأكل، فإنه يبقى اليومين والخمسة والعشرة وأقل وأكثر، فإذا اعتاد أن يأكل وهو في الأرض، فإنه يأمن إلى أ، يقعد على اليد، فحينئذٍ يحمل في الأسواق على اليد، ولا تفتح عينيه إلى أن يصير له عشرون يوماً، وإذا ما تريض صاد الأرنب والثعلب لا يرجع عن طريدة ولا يخاف مكيدة. باب ذكر النّصّ اعلم أرشدك الله للصواب: إن النص أشبه الضواري بالصقر في المطار والجنس، ويسمى في بلاد العراق البذحان، ويسمى في الموصل فرخ البذحان، ويسمى في ديار بكر وحرّان والرها السافد وفي مواضع أخرى أبو الريح. وفي الشام ومصر النص، وهو أجناس كأجناس الصقور، فيه الأسود والأبيض والأحمر والأصفر والأخضر، وفيها أيضاً ما يسمى بلغة الكواخين الأطلس، وذلك أن ظهره وأكتافه يشبه الأطلس أحمر لا يخالطه شيء من نعت الريش كسائر الطير وهو الذكر منها، وهكذا كل ذكور النص إذا تقرنص في البرية يصير أطلساً. وأما الفرخ فإنه تكون له علامات يعرف بها أنه هو الذكر، وهي صغر رأسه، وسعة عينيه وحمرة أفخاذه، وأحسنها الأسود والأحمر والأصفر، وهو يدعى كما تدعى الصقور وإن كانا اثنين، فيستحب أن يكون أسود وأبيض وأحمر وأصفر، وتلعب بها الصبيان في بلاد العراق كثيراً، وهو يصيد السمان والسلوى، ويقال أنه في صعوده ونزوله على الصيد يضحك من رآه، ولا يصلح إلا للصبيان، وما ذكرت من أمره إلا ليحاط به علم. باب نعت الشقوف هو من طبع الباز، أصفر العين، طويل الرجلين، واسع الكف، لكنه طويل الذنب، طويل الجناح، والفرخ أحمر الصدر بغير تنقيط إلا أحمر وأصفر، لا يغادره لون آخر وظهره أسود، وهو يدعى كما يدعى البازي إلا أن نفس هذا أطول من البازي، وهو يتبع الطريدة إلى أن يصيدها. وهكذا أيضاً الآجامي لأنه لا يزال يتصيد في المواضع المقصبة المحدقة بالشجر، ويسمى في العراق الأجم فلهذا سميت آجامي. والسبر لمن رغب فيه جيد حسن الأخلاق، وله ذكر يقال له الخاطف، وسمي بهذا الاسم لأنه يطير شديداً ويخطف في طيرانه. قال محمد بن منكلي: إن الأعاجم ذكروا إن من الضواري أجناساً معدومة، ولا رؤيت وهي لاشك موجودة في الدنيا، ولها معادن، والله يهدي من يشاء لما يشاء، لا ربّ غيره ولا معبود سواه. قال محمد بن منكلي: والفقير يذكر ما جاء في التواريخ من الأوليات في من لعب أولاً، وتصيد في كل نوع من الضواري إن شاء الله تعالى، ومنه استمد المعونة بفضله وكرمه. باب فيه ذكر أول من تصيد بالبازي

فقال: هذا ملك الطير، قال، وعرف بذلك جميع البزاة ومعادنها، فحينئذ فحصت الحكماء

يحكى والله تعالى أعلم، أن بعض الملوك الفرس خرج يوماً يريد الفرجة، واللعب على الخيل، فجاء إلى نهر، وعليه أشجار محدقة، وكان ذلك المكان من أنزه الأماكن، فنصبت فيه الخيام، وأتي بالطعام وسائر ما يحتاج إليه من ملاذ، فبينما هو كذلك إذ نظر إلى طائر قد أقبل وحوله الطيور تطير لمطاره وتهج عند اقترابه، وتشيعه من بعيد إلى أن أقبل إلى بعض الشجر، فقعد في باطن الشجرة فتفرق ما كان حول ذلك المكان من الطيور وفروا هاربين، فقعد قعود الملك إلى أن استغفل طائراً فكسره ثم حمله إلى تحت بعض الشجر بحيث استتر، وجلس عليه ينتفه إلى أن لم يدع على ذلك الطائر من الريش شيئاً ثم أكل من كفايته، وتقدم بعد ذلك، إلى النهر فنزل وسبح فيه وشرب وطار وجلس إلى غصن من أغصان تلك الشجرة، فلما كان آخر النهار فعل كذلك. فقال الملك لأرباب دولته: (لقد كانت مملكتي ناقصة) ، فرأيت من هذا الطائر ما حير عقلي من عظم رياسته، وإن الطير تخافه، وتجلس بعيداً عنه وهو لا يخافهم، وهم يخافوه. ورأيت من شدة احتمله، وكبر نفسه وطول صبره وجلالة قدره، وإذا قعد فتش، وإذا ذرق أبعد وإذا انتفض أرعد، وإذا قبض شدد، الرياسة تشهد له. ثم قال: أريد التحيل في تحصيله فلم يزالوا به إلى أن قبضوا عليه وأتوا به إلى الملك، ففرح به فرحاً شديداً، ثم أمر أن يشد ويجعل بين يديه ففعلوا به ذلك فلم يقر ولم يهدأ. فقال الملك: زال طربه وكثر شغبه، فمن يداري هذا، فأقبل بعض الحكماء ينظر إليه ورأى أنه كان إذا فتح عينيه خاف وإن أغمض عينيه أمن. ورأى انطباق عينيه بعضها على بعض كأنها مخيطة. فقال الحكيم: لو خيطت هذه كما يفعل لما كان يخاف، ففعل به ذلك فآمن وقعد، ولم يزل بين يدي الملك ينظر إليه إلى أن انفتحت عينيه لنفسه وأمن مما كان يخاف. فقال: هذا ملك الطير، قال، وعرف بذلك جميع البزاة ومعادنها، فحينئذٍ فحصت الحكماء في الأخبار والتواريخ، فوجدت اسم الباز، إنه طائر يصيد ويفرض 37 بفقالوا لا يمكن أن يكون الباز المذكور إلا هذا، وأمر الملك أن يحمل إليه كل طير يصيد مثل ذلك الجنس وغيره حتى يحصل ذلك الجنس، قيل: وحسن أمر ذلك الملك وسلطانه بما نظر من ذلك الباز بعدما كان شديد البطش، قليل الحرمة بين جنده. ثم قال الملك: إن هذا الطائر علمني كيفية المملكة، وكيفية السخط والرضى ولزوم الحرمة، والاستتار من أوباش الناس، وغضّ الرف لدوام لهيبة ودوام الصمت للخديعة، ولكثرة العقل لقطع الشنعة والسرعة في البطش لتخويف الأعداء، وطول الأكل للاستمراء وتصغير اللقم للأمن من العض، وتشمير الثوب للنظافة، ولقد جمع هذا الطائر جميع الأدب بالعقل الكامل. وذكر حكماء الروم، أو أول من لعب بالبازي الروم. قال محمد بن منكلي: والذي يترجح، والله أعلم، أن أول من لعب بالبازي العجم، وقصة حكماء لروم لم أجد لها دليلاً قطعياً، ولم تترجح في مخيلتي، فلم أذكرها إذ لا فائدة من ذكرها. وقد اختلف في زمان وقعته على صيده إذا كسر، وزمان وقعة الفهد إذا وثب أيهما أسرع. وزعم بعض العلماء أنهما أسرع من السهم في ذلك لأن هذين يتحركان في حالتيهما حركة روحانية متلازمة، والسهم ليس كذلك. وزعم حكيم أن كسرى أنوشروان أتي بباز قد انكسر جناحه، فوضع بين يديه فنظر إليه طويلاً ثم قال للذي جاء به: لم كسرت جناحه، فقال: هو كسر جناحه أيها الملك. فقال: إنه نزل على طائر أكبر منه فعالجه وقتله، فأقبلت إليه لآخذ منه الطائر، فرأيته مكسور الجناح. قال: فكيف رأيت طيرانه. قال: إذا علا صفّ، وإذا نزل دف، وإذا ضرب رفّ، وإذا وثب ذرق، وإذا عاين سرق، فقال: هذا جبار لا يبقى إذا قدر، ولا يؤمن إذا اشتهر. ثم سلمه إلى ولده داد بن كسرى، فكان يلعب به، وبسائر الأجناس من الطيور. وهو الذي سميت بغداد ببغداد، معناها في لغة العجم، بغ يراد بها البستان، وكان اسم ابن كسرى داد، وكانت الزوراء بستاناً، قدر الله سبحانه وتعالى بعمارة المكان فسميت بغداد ويقال ذاذ بذالين معجمتين وبالعكس، ويقال أن الأولى معجمة والثانية مهملة وبالعكس.

باب ذكر أول من لعب بالشاهين

ويروى في الأخبار الصحاح أن أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، اجتاز على بغداد وهي أجمة تأوي فيها السباع والوحوش، فوقف ينظر إليها، ثم قال: إيه يا زوراء كأني بك وأنت عالية القباب، سليطة القحاب، كثيرة الكلاب وكم له من كشف خار، وقتل منافق مارق رضي الله عنه وعن سائر الصحابة. وداد بن كسرى هو أول من صنع القفاز للباز، وأول من سنّ ركوب الرهاويل للصيد بالبازي. وأول من أظهر الطبل للبازي، وأول من اختار الدستبان واخترعه، وأول من أدب البازي للإجابة، وأول من حمل البازي على الفرس ورفع قدره عن أن يحمل على يد رجل، ومدح باز: أيا صاح بازيَّ بازيَّ إنّه ... من البؤس والفقر في الدهر جنّه باب ذكر أول من لعب بالشاهين قال القدماء: أول من لعب بالشاهين قسطنطين ملك عمورية، كان إذا ركب سارت الشواهين طائرةً على رأسه حتى ينزل، فاحتال عليها وأضراها. وقيل: إن ملك يقال له الرديق ركب يوماً فثار بين يديه طائر من الأرض، فنزل عليه بعض شواهين، فأخذهم الملك، وأضرى منهم، وأمر بعد ذلك أن يحفظ ما يوجد من هذا الجنس فعرف بين الناس. وأما تسميته بالشاهين فإنما سمي بذلك من أجل لزومه الدوران على رأس صاحبه أو على رأس الموكب. وقيل إن بعض الحكماء سماه بذلك قايسه إلى الشاهين الذين يوزن به، قيس بالشاهين الذي يصاد به، وقيل إن أسماء جميع الطير سماها إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. وقيل إن أول من لعب بالشاهين خاقان ملك الترك. باب ذكر أول من تصيد بالصقر قيل: إن أول من تصيد بالصقر الحارث بن معاوية بن ثور بن كندة فإنه وقف يوماً يصطاد، وقد نصب للعصافير شبكة؛ فانقض شاهين على عصفور منها قد علق فأكله، والملك يعجب منه، فأتى به وقد أندق جناحه فرماه في كسر البيت فرآه بعد أيام وقد صح ولا يبرح ولا ينفر، وإذا رمي له طعماً يأكله، وإذا رأى لحماً نهض إليه حتى دعي فأجاب وأطعم على اليد. فأمر الملك باتخاذها والتصيد بها، فبينما هو يسير يوماً، وهو معه غذ انفتحت أرنب فطار الصقر إليها فأخذها، فطلب حينئذٍ الطير والأرنب. وأخذته العرب من بعده. وقال القدماء: إن أول من تصيد به المنذر، فقيل له، وما الذي رأيت أيها الملك من هذا الطائر. فقال: جميع ما ترون في هذه الأرض من ذوات المخلب عايلة على هذا الطائر، وذلك أنه كلما صاد شيئاً نزل إليه بعض هذه الطيور تركه ومضى إلى آخر يصيده، فإذا صاده نزل إليه آخر فسلمه إليه فكان ذلك دأبه يومه. فقيل: فما الدليل على كرمه. فقال: الدليل عليه أنه يصيد ولا يأكل من الذي يصطاده، فإذا نزل عليه شيء من الطيور تركه ومضى، ولا يلتفت إلى ما ورائه، فإن المتأسف على الشيء الذاهب منه لا يزال يلتفت إليه، وهذا يدل على كرمه وشجاعته وسرعته في المطار. قال: فبينما هو كذلك وقد صاد طريدة وقعد ليأكلها فجاء عقاب فأخذها منه والملك وأصحابه ينظرون. فقال الملك: دخل عليّ الضيمّ من أجل هذا الطائر. قال: ثم طار وارتفع في السماء وعلا في الهواء إلى أن غيب نفسه ثم نزل على العقاب فضربه ضربةً واحدةً فقتله، وأخذ ما كان مع العقاب وأكله. والملك ينظر إليه. فقال الملك: لله در هذا الطير ما أشجعه، لم يزل يتكلم إلى أن رأى الضيم، فأزاله بقدرته. ثم أمر أن يصاد له ذلك الطائر فنصبت له الأشراك وقبض وحمل إلى الملك وصاد به جميع الطير، وأول ما أضراه على الظبي وصاد به الأرنب. باب في ذكر أول من لعب بالزمّج يقال أول من لعب بهذا الفرس أخذوها من جنس البازي وهو كما زعموا وذلك أن بلادهم تحتمل أن يلعب فيها بسائر أجناس البزاة، وهم يذمون من لا يلعب بالزمج، ويقولون: ناقص اللعب.

وذكر بعض الحكماء من العجم أن أحد الملوك كان يسمى بأردشير نظر يوما إلى صورة

وذكر بعض الحكماء من العجم أن أحد الملوك كان يسمى بأردشير نظر يوماً إلى صورة البازي وإلى الزمج فأخذها بالشبه، وإنه ما شاركه في إصلاحها أحد، وكان يقول: هو الخفير النافع وأنها قليلة المؤنة، أي شيء أطعمتها أكلته، وعلى أي شيء أرسلتها صادت، وفيها منافع كثيرة، أنها تصيد جميع ما يصيده البازي، وإذا ألقيت في البرية تتصيد شيئاً من الطيور التي توحش قلوب الضواري مثل المحردة وغيرها، فإنها ترسل عليها فلا تخلي منها في تلك 39 أالأرض شيئاً، وهي تصيد الكركي وطير الماء والحبرج والإوز والأرنب والثعلب، وكان أردشير يختارها كما يختار البازي، والزمج مثال الحرد اسم طير يقال له بالفارسية بوازدان. باب ذكر أول من لعب بالعقاب قيل: أول من تصيد بالعقاب من الملوك، ملوك الموصل وأصحابها، ومنهم بدأ لعب العقاب، وقد لعب به المعتضد وكان به مغرماً شديد الإرادة، وكان أيضاً يحب اللعب بالفهود، وكان يقتل الأسد بنفسه ولا يشركه فيه أحد، ولم ير مثل مذهبه في الصيد، وكان مشهوراً بالفهود والعقبان، وكان يقول هما سبعا الضواري، وكان يباشرهما بنفسه. وقيل: أول من لعب بالعقاب رجل بالموصل، كان يصيد الغزال بالفخاخ في موضع يقال له: بلد الفرح وهو كثير الصيد، كثير الغزال. فاتفق أن الصياد وقع له عقاب فحمله إلى داره وخيطه، وإذا هو قد استغفل الصياد وأكل كلباً له كان يتصيد به، واتفق أيضاً أنه قتل ابنة الصياد، وكان سنها فيما يقال عشر سنين، وكان هذا العقاب قد ضري على الغزال، والعقاب كثير في بلاد الموصل وسنجار وحران. باب كيفية حمل ضواري الطير وأدبه قال أصحاب التجربة: إن يد الحامل تصلح وتفسد وهي في القياس كالميزان، ينبغي لحامل الباز أن يكون نظيف الثوب، طيب الروائح، طيب الخلاق، عارفاً في حمل البازي، وأن يكون يعتمد في حمله تسريح لحيته بالما ورد فإن البازي يحب الروائح العطرة، ولا يحمله أبخر، فإن البازي إذا حمله أبخر كسر شهوته، وإنه إذا حمله الأبخر يومين ثلاثة، فإنه يعرفه ويهرب منه وعلامته متى ما حمله الأبخر على يده، فإنه لا يزال البازي يميل برأسه عنه، ولا يزال خلقه متوحشاً أبداً، إذا وثب وثب هارباً، وذلك أنه إذا وثب صرصر، وصرصر بمعنى زق زق، ولا يقال في اللغة إلا صرصر، وعلامة البازي إذا كان حماله طيب الرائحة يكون أبداً البازي يلصق بنفسه إلى جانب الحمال، أعني البازيار، ويولع أبداً بمنسره في لحيته، وإذا دعاه البازيار أجابه قبل أن يدعيه ويقعد على يده أو على رأسه أو بين يديه أو على ظهره، فهذه العلامة في الباز كما ذكر وبالله التوفيق. وقد يكون البازي سيئ الأخلاق من يد حامله عند سوء حمله، وذلك أن يده هي التي توحش أخلاقه وتوحش أيضاً أخلاق البازي سوء أخلاق الحمال وسوء أخلاق من تصيد به وأيضاً وداده الرمي على الصيد، وعند ذبح الطريدة في كفه إذا نازعه البازي الطريدة، وفيهم من ينازع في تناول القطعة اللحم أو الفخذ، فإنه يعسر في تركه الطريدة من كفه، وهذا كثير ما يوجد في اصفر العين، وأما غيره فلا يكون، هكذا قال المجربون. فإذا نازع الباز البازيار ولم يطلع على يده قبض على كفيه وقلعه عن الطريدة، فإنه متى سلم من أن يفك إحدى كفيه لم يسلم من أن ينزع إحدى مخاليبه، فإن سلم من هذا ومن هذا لم يسلم من أن يخلع إحدى أوراكه، وإن سلم من جميع ما ذكر بردت شهوته عند الصيد. ويتولد ما يفعل به مرة بعد مرة النهيج الذي يلحقه ويظنه البازيار من المرض، لا ولكنه يولد المرض والنقص، ويرخي البازي ويعود ذلك عليه مرضاً حقاً. وتعتبر ملاحة البازي وحسن ريشه من حسن السياسة وحسن الحمل.

ولقد سئل الشيخ عيسى الأسدي عن ترتيب الحمل لجميع الضواري، فقال له: إن كيف حمل

ولقد سئل الشيخ عيسى الأسدي عن ترتيب الحمل لجميع الضواري، فقال له: إن كيف حمل البازي غير حمل الضواري، وإن يد حامل البازي تكون مثل الميزان. وذلك أن يكون راس البازي مقابل أذن الحمال، وأن تكون يده خارجة عن جسده بحيث لا يصل إلى البازي شيء من كتف الحمال، بل يكون كأن في جنبه دمل وأن في سائر أحواله لا يغفل عن بازه، ولا يحط يده إلى الأرض ليأخذ شيئاً، فإن أمن ذلك فلا يعطي الحاجة إلا من خلفه، ولا يقف على يساره أحد من الناس، ولا يمشي مع أحد إلا أن يكون الباز على يسار من يماشيه، ولا يغفل عن البازي من كلب يأتيه من ورائه، وهو لا يعلم ولا ينقله من يد إلى يد إلا بطعم إلا ساعة الصيد في تلك الساعة وإذا سلمه إلى الذي يتصيد به، وهو راجل والذي يتصيد به راكب فحسن، ولا يسلم الباز إلا على هذه الصورة، ولهم في ذلك طرق معروفة، وإذا أفرغ من الطعم أمض به إلى الماء إلى أصلح الأماكن وأطيبها، فإن لم ينزل الماء وإلا ارم في الماء حصى صغاراً، بحيث تحرك الماء حتى يراه، فإن ذلك يطيب للبازي والبازي يحب القعود في الماء، فإذا شرب وخرج فخذه 40 أإلى يدك فإنه غير محتاج إلى الماء، وإن كان يستحم فلا تقربه إلى أن يخرج عن الماء بنفسه، ثم أقم له يدك ليطلع عليها، واحمله عن الماء خطوات ثم شده على القفاز، واجلس قريباً منه حتى تعلم أنه قد نشف وتمشق وتدهن وتنفض، ولم تره يولع بجسمه، فخذه على يدك وسر حيث شئت، ولا يكلف حمال الباشق في الحمل إلى ما كلف حمال البازي في أن يجعل يده معلقة عن جنبه بل يكون عكسه لاصقاً بجنبه، ويكون جنب الباشق إليه، وأن يقوم يده بحيث أنها تكون قائمة في جنبه كأنها مخلوقة لذلك. وأنه متى ما وثب باشقة يلين يده مع وثبة الباشق قليلاً ثم يدير يده إلى ورائه بمقدار ما يحسن الباشق، فإنه يرجع، والباز كذلك إلا أنه يشد يده بمقدار قوة الباز ولا يجاذب الباز، فإن ذلك وبالاً عليه، وليس من طبع البازي ذلك ولا غيره. ولكن منها ما هو أقوى في الجذب، وليس في ظهره قوة الرجوع، وهذا طبع الشاهين والصقر، وذلك من رخاوة ظهره وقصر رجليه وطول جناحيه، وليس أصفر العين كذلك، ولا يجوز أن يرد هذا رد الباز ولا يرد البازي رد هذا. باب ما يشد عليه البازي في السفر وما يشد عليه في الحضر قال أصحاب التجربة: إن البازي لا يصلح له من الأشياء إلا القفاز، وهو مما استقرحه العجم، ولم يكن للبازي غيره، وأما في الحضر فإنه لا يصلح له ذلك إلا في الأوقات التي يشد فيها على الماء وأما ما يشد عليه الصقر والشاهين في السفر الموقع، ومتى ما شدّ الباز على الموقع تكسر ريش ذنبه وهلك وتغير تفريسه. وفي البيوت تصلح للباز الكندرة، وقد تقدم ذكرها وتربيتها وقياسها، وأن يكون عن الأرض ارتفاع ذراع وأطول وتسمى الكندرة المشمسة، وفي العراق يقال لها: الهردي، وللعّاب اصطلاحات في بناء الكنادر في البيوت، يطول الكلام عليها، ولا فائدة في ذكرها إذ قد علمت. قال محمد بن منكلي، ستره الله: ولا ينبغي أن تحمل الضواري وحاملها جنب ولا سكران، فإنه إذا سكر ربما صاح في وجهها فأفسدها، ولا يصلح للبازيار شرب المسكر ولا لغيره والمجنون مثاب، وصاحب الشراب مأثوم، نسأل الله الحفظ، ولا يجامع بحضرتها وهي تراه، فلعله يحدث عندها شيء، ولعله قد ذكر النهي عن ذلك في كتب القدماء من حيث الخاصية لا من حيث الضوابط الشرعية، وسوف أكشف عن ذلك كشفاً شافياً إن شاء الله تعالى. وأما الذي تقتضيه الضوابط الشرعية أن النهي ورد بكراهة ذكاة الجنب، وأيضاً ذكر العلماء أنه ينبغي للجنب إذا أكل ولابد فإن يغسل فمه. أما الجواز فلا نزاع فيه. حدثني بعض العلماء أن والده خرج من بيته لشراء حاجة موجودة من دكان العطار، فقيل له ما هي عندي، فتوجه إلى غيره، فقال كالأول، فجاء إلى ثالث، فقال: كالثاني، فجاء إلى رابع، فقال كذلك، فقال: سبحان الله هذه الحاجة موجودة ولا قيمة لها، فكيف هذا الأمر، فرجع واغتسل وخرج فطلبها فوجدها عند بعض من قال له من تلك العطارين. فقال العطار: أنت قلت من ساعة ما هي عندي. فقال له: لعلك كنت جنباً، قال: نعم، وهذه حكاية غريبة.

باب كيفية إرسال الصقور على النعام والحيلة في صيدها

وأما من ذكر من العلماء رحمهم الله تعالى في كراهة نوم الجنب فكثير والجواز معلوم، ولو ذكر التفصيل في ذلك، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم فيه ليخرج عن ما الكتاب بصدده، ومن الله تعالى يسأل التوفيق والتوبة. باب كيفية إرسال الصقور على النعام والحيلة في صيدها قد علم أن النعام من حيث تنظر الشخص أو الفارس لا تزال تعدو إلى أن تواري نفسها، وهي تعدو الفرسخ والفرسخين، فإذا عاينه من يرسل عليه، كشف رؤوس الصقور، وأرسل وركض هو وأرسل الكلب المستريح، وأقل ما يرسل عليها خمسة منها، واحد للرأس ولوسط الرقبة وللركبتين صقران والكلب والأكثر ستة، ثلاثة للرقبة صقران لكتفين وصقر للركبة مع الكلب المستريح، والكلب لعله يأتي لمكان الخلو، وهو أحد الركبتين. وينبغي أن يكون الكلب طويل النفس، مجنس ما بين السلوقي والزغواني، وقد تقدم ذكر الكلاب ونسبتها، فإن الصقور إذا واصلت إلى النعام تعلقت في رقبتها أو رأسها لحق الكلب، وهذا أهون ما يكون على الصقور، لولا أنها تجعل من بعيد. وأما الحيلة في صيدها، فمن أهون ما يكون إن شاء الله تعالى. قال أصحاب التجارب: يحتاج من التمس النعام إلى أن يعلم أن أشد ما يكون عدوه وأسرعه إذا استقبل الريح، وكلما كانت الريح أعصف كان حصر النعام أسرع، ومن عرف هذا احتال لانقطاعها عنه وأخذ الريح عليها حتى يظفر بها، وهي أشد الوحوش نفاراً، وتصاد بالخرق السود تعلق في مواضعه، فإذا أحست بالخرق السود وزال ذعرها، لبس القانص ثوباً اسود وانتصب له قائماً، فإنه لا يستوحش منه، فيصيده، وتكون الخرق معلقة مربوطة بقوة على خشب أطول من القامة قليلاً، والخشب مؤبدة في الأرض. قال محمد بن منكلي: ولا بأس أن يوضع حول تلك الأخشاب ما تكون النعام تلتقطه وتستطيبه، وربما ترسل الصور والكلب والحالة هذه وتصاد في زمن الصيف لانسحاق خفها، وتساقط ريشها، وكثرة لحمها وسمنها، وتدركه الرجالة فتصيده. ومما جرب أن الحديد الذي يبتلعه النعام ويخرج، يعمل منه سكين أو سيف لم يكل، ولم يقم له شيء. عظمه: أكله يورثه السل. مرازله سم، وإن عمل من جلدها سمكة وجعلت في جام فيه خل سبحت فيه. قال الفقيه محمد بن منكلي، غفر الله له: أردت أن لا أخلي هذا التأليف من ذكر النسر والحدأة والرخمة، وذكر خواصهم، لأنهم من جنس الضواري. قال أهل التجربة: إن الحدأة تبيض بيضتين، وربما باضت ثلاثة، يخرج منها ثلاثة أفراخ وهي تحضن عشرين يوماً، وإن الحدأة لا تصيد وإنما تخطف، وفي طبعها أنها تقف في الطيران، وليس ذلك لغيرها. قال ابن وحشية: إن العقاب والحدأة يتبدلان فيصير الحدأة عقاباً، والعقاب حدأة. ويقال إن الحدأة أحسن الطير مجاورة لما جاورها من الطيران، ولو ماتت جوعاً لا تعدو على أفراخ جيرانها ويروي في الأخبار، أن الحدأة كانت من جوارح نبي الله، سليمان بن داود، عليهما السلام، وإنما امتنعت من أن تألف أو تملك، لأنها من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده، ولو كانت مما يصاد بها لما كان في الكواسر أحسن صيداً منها، ولا أجل ثمناً. وفي طبعها أنها لا تخطف إلا من يمين من يخطف منه دون شماله، حتى يقال أنها عسرى وليس فيها لحم، وإنما هي عظام وعصب وجلد وريش. خواص الحدأة: إذا سحقت مرارة الحدأة وذرت في موضع فيه حيات يموتون، وإذا جففت هذه المرارة وسحقت، واكتحل بها من لسعه العقرب في الجانب الذي لسعت فيه، فإن الوجع يسكن، وكذلك يفعل في لسعة الزنبور. دمها: إذا سحق بخل ودهن وطلي به على الجذام والبرص أزال ذلك. وإن شوي قلب الحدأة، وأطعم لصبي هرج شجاعاً قوي القلب، وإن بخر بشيء من جناحها في بيت فيه سراج وفيه جماعة لم ينظر بعضهم بعضاً وأظلم البيت، وإذا صلبت في بيت ذهب منه الحيات والعقارب، قاله ابن زهر في خواصه. وإذا سحقت مرارة حدأة، وجعلت في سلة الحاوي، قتلت ما فيها من الحيات.

باب ذكر النسر وخواصه وطباعه

مرارة الحدأة: إذا ذبحت وأخذت مرارتها وجففت في ظل، ويختم عليها في قارورة بحيث لا يقربها جنب ولا ضامت، فمن أصيب بأفعى أو عقرب أو أي ذوات السموم، كان على اختلاف أنواعها، فيحك من المرارة بماء عذب على صدفة، ويكتحل في العين المخالفة للجانب المصاب ثلاثة أميال، برئ في المكان، ويسعط محكوكاً بالماء لمن عضه كلب كلِبَ يبرأ بإذن الله. ويكتحل بها للبياض في العين المظلمة أيضاً. ويروى أن حدأة شكت زوجها لسليمان بن داود عليهما السلام، فقالت: يا نبي الله إن زوجي لا يقربني، فقال: يا نبي الله كذبت، فقال له نبي الله: إن أنت واقعتها فصح فهو من ذلك الوقت وإلى الآن إذا أسفد صاح. باب ذكر النسر وخواصه وطباعه اعلم حفظك الله، إن النسر ليس بذي مخلب، وإنما أظفار حداد كالمخاليب، لأن المخلب ما قبض به صاحبه كقبض الصقر والبازي، وهو يسفد كالديك. وزعم المجربون أن الأنثى تبيض الذكر إليها، فتجري حركة الشهوة للسفاد منها مجرى السفاد، فتلذ بذلك، وهي لا تحضن، وإنما تبيض في الأماكن العالية الضاحية للشمس، فيقوم حر الشمس مقام الحضن، وينسب النسر إلى قلة المعرفة والكيس والفطنة، ويوصف بحدة حاسة البصر حتى أنه يرى الجيفة فيما يقال من أربع مائة فرسخ، وكذلك حاسة الشم إلا أنه إذا شم الطيب مات. وهو أشد الطير طيراناً وأقواها جناحاً، يقال إنه يطير ما بين المشرق والمغرب في يوم واحد، وتخافه كل لجوارح، ولا يقوم له شيء منها وهو شره. فإذا سقط على الجيفة وامتلأ منها لم يستطع الطيران، حتى يثب وثبات إلى أن يدخل تحت الريح، وكل من أصابه بعد امتلائه ضربة إن شاء بعصا أو 42 أبغيرها، فربما صاده الضعيف من الناس، وفي طبعها أن الأنثى تخاف على بيضها من الخنافس فتلهم إلى أن تفرش في عشها ورق الدّلب لتنفر منه الخنافس، وهو مثل اليمام إذا فقدت الأنثى الذكر امتنعت عن المطعم والحركة أياماً، وتلزم العيش، وربما قتلها الحزن عليه، وهو أطول الطير عمراً، يقال إنه يعيش ألف سنة وهو ألوان، منها: السود البهيم والرمادي، وذكر أن طائراً يسمى البلح يصيد كل طائر، ولا يقرب جيفة ولا ميتة، والنسر أعلم الطير بعد البلح. خواص النسر مرارته: إذا اكتحل بها من فد نزل الماء في عينه سبع مرات بماء بارد، وطلي حول العين منها نفعه ذلك بقدرة الله تعالى. دماغه: يذاب بشيء من قطران خالص وزيت ويسعط به صاحب الجذام الذي قد تنثر الحاجب منه يبرأ بإذن الله تعالى. مرارته أيضاً ودماغه: يؤخذ منها وزن دانق، ويذاب بثلاثة قراريط قطران، وأربعة قراريط قار ويسعط به للمرة السوداء التي قد خالطت الدماغ ينفعه ذلك جداً. والمرارة: إذا اكتحل بها قطعت الدمعة من العين. شحمه: يذاب ويصير في الأذن فاتراً يمنع من الصمم وثقل السمع. لحمه: يطبخ ويخلط معه ورس وملح وكمون أبيض وعسل، ويرفع في إناء ينفع للسع الدبيب والهوام فإنه عجيب. قلبه: إذا جفف وشد على يد فإنه جاه. عينه: تشد على العضد تكون أماناً من الجن. باب ذكر الرّخمة وطباعها وخواصها وتسميه العرب الأنوق، وتضرب المثل بامتناع بيضها على من رامه، فيقولون "أعز من بيض الأنوق" وفي طباعه، أنه لا يرضى من الجبال إلا بالوحشي منها، ومن الأماكن إلا بأسحقها، ويقال أن الأنثى منه لا تمكن من نفسها غير ذكرها، وأنها تبيض بيضة واحدة، ويقال: إنها لا تبيض عن سفاد بل بالمذافة. ومن عادتها إنها تحمي بيضها وتحمي فراخها. خواصها، ريش الرخمة: إذا بخر به بيت طرد الهوام، وأما عظم رأسها، فإنه إن علق على من به وجع الرأس، نفعه بإذن الله تعالى. وأما كبدها إذا شد على جلد خروف وعلق على مجذوم نفعه. وأما مرارتها، إذا علقت على عين رمدة برئت، وأما دماغها إذا أخذ منه مجذوم سبعة أيام متوالية نفعه ووافقه بإذن الله تعالى، بطنها إذا جفف وخلط 42 ببملح داراني وشرب ومسح به الذكر نفع من سلس البول، وأما عظم صدغيها الأيمن: يعلق به على صاحب الصداع في الجانب الأيمن يبرأ بإذن الله. وكذلك يفعل في الجانب الأيسر للأيسر. عينها اليمنى: توضع في خرقة وتعلق على العضد، وهي قبول للسلطان. باب ذكر جناح الطير

باب تضحيك الملوك

قال أهل التجربة: الجناح عشر ريشات، يقال لها الأولة، وأول ريشة في الجناح تعرف بالسكين وأما الشاميون، يقولون النيم وهي السكين بلغة أهل العراق، والنيم أيضاً لغة لعجم، وكل مصيب، فأما العراقيون فقاسوها بالسكين إذ تشبه من نصفها لشلف السكين، والباقي كالنصاب، وأما العجم جعلوها نيماً لأنها مثل نصف التي تليها وهي الثانية، وقياس العراقيين أبلغ، والنيم ليست إلا للبازي فقط، وباقي الضواري لا تشف عن الثانية إلا قليلاً، وإن قيل أنها في سائر أصفر العين، فصحيح. وأما الجناح، فيقال له السكين، إلى التاسعة، والفارقة هي التي تفرق الجناح من الخوافي، ولا يقال العاشرة إلا في الحمام، وهي لغة أهل الحمام، وما سميت الفارقة إلا أنها تفرق الجناح من الخوافي، ولو سموها لعاب الحمام. الفارقة لما أخطوا. وقال لعاب الضواري: قد علمنا إنها عاشرة الجناح غير أننا إذا قلنا عاشرة الجناح قد جعلنا أن الجناح أكثر من العشرة، وقد سبقت القدماء بذكر كل نوع منها بذاته. وقيل إن القوادم هي التي تحمل الطير جميعاً، ويحمل الجميع الذي خلق كل شيء لا إله إلا هو اعلم أن الجناح غير الخوافي، والخوافي غير الجناح، وصح أن الجناح هو ما يمكن أن يطار به ونظر في جميع الريش إذا سقط منه شيء ما تقل بسقوطه منه الطيران من اللواتي لا يسقط كالغير، فوجد في جميع الريش إذا سقط منه شيء ما ثقل الخوافي جميعها إذا سقطت لم يزل الطائر يطير، وإذا سقطت من الجناح فهي القوادم من السكين، وهي أول الجناح إلى الفارقة وهي التي تفرق الجناح من الخوافي وأقصاها ثلاث ريشات، فإذا زالت لم يقدر الطيران الطائر وقد يزول ذنب الطائر بكماله وهو يطير. باب تضحيك الملوك إذا أريد ذلك يعلم الصقر على هيئة من يختار من غلمان الملك: يحكى أنه كان في بلاد الحلة في زمان دبيس بن مزيد ملك العرب وزير له يسمى ابن طراد، وقيل اسمه طيب وكان لقبه جمال الدين، وكانت جامكيات الحاشية عليه وكان في جملة البازيارية رجل يسمى حميد الشهير بالمواليا، كانت جامكيتة على الوزير، وهو يدافعه بنعم إلى أن بلغ منه وأضجره، فأخذ حميد البازيار خمسة صقور وأضراها على صورة جمال الدين الوزير إلى أن كملت، وهو مع الملك في الميدان، فتقدم واستأذن الملك أن ترسل عليه تلك الصقور، فأذن له على سبيل الاستهزاء، فمضى وأرسل الصقور الخمسة وهو قريب الملك، فأقبلت الصقور على الوزير، فبدره منها صقر ورمى عمامته عن رأسه، وانتشب الأخرى في عنقه فتردى عن بغلته. فقال الملك: لا يخلصه إلا حميد البازيار، فنزل، حميد غليه، وكل صقر في طرف من أطرافه، فقال الوزير لحميد: خلصني ولك عندي جميع ما تريد، فخلصه، فأقبل إلى داره ونفذ إلى الملك أن يقيله من الوزارة، فأبى الملك ذلك. وقال له: إن كنت تريد حميدأً، فاصنع به ما شئت، فأبى ذلك، وطلب الوزير حميد، وأعطاه جميع ما عليه وأعطاه البغلة وخمسين ديناراً، وقال له: لك علي كل سنة هكذا حين حكمني الملك فيك، وهذا لا يجوز أن يعمل إلا بأوباش الناس، وهذا العمل ليس بعيب، فقد فعل مثل ذلك خلق كثير بين يدي الملوك مثل أصحاب الموصل وفي بغداد وفي بلاد العجم، وهذا مستفاد من بين الملوك، ومن عمل عليه هذه الصقور، فليعمل على رأسه ورقبته ما يستره من المخاليب، وإذا وقع فليقع على وجهه خوفاً على عينه. حدثني الأخ سيف الدين تمربغا الأحمدي تغمده الله تعالى برحمته أن ببلاد التتار من يعلم طيور الجارح على ما يختاروه مثل الأيل وغيره، فسألته عن الكيفية، فقال: يعلموهم على أعين الحيوان المطلوب، يوضع على أعينها قطع اللحم. باب الصيد بالشرك لسائر الوحش والطير عرضاً على المسامع المصونة ما قاله الأستاذ عيسى الأسدي رحمه الله تعالى

باب صيد الأرنب بالشرك والفخ

قال يصاد الغزال والأرنب بالشبك، وكل شركة معروفة، ولها قدر، فأما شرك الغزال فإنه يكون من العقب، ويكون له في حبل واحد، المائة عين والمائتان وأكثر تنصب في المراعي، وفي الطرقات وعلى المشارع، ولا تنصب إلا في الأماكن المعشبة حتى يخفى الشرك بالعشب وإن كانت الأرض تربة تغطى بالتراب، ويثقل في كل ثلاث باعات أو أربعة بحجر لئلا ينكب إذا جذبه الغزال، ولا يثقل بحيث لا يقدر الغزال أن يجذبها بل إذا حصل الغزال في شيء من الأعين جذب الجميع من أماكنها، بحيث يكون في الجميع خمسة أرطال يعني الرطل المصري، والشرك خمسة أرطال إلى ما هو أكثر من ذلك، وكلما كان في الشرك ثقلاً أخف الحجر، وينقل من مكان إلى مكان لئلا ينكره الغزال. وصيد الغزال بالفخ، فأما صيده في الطرقات فهو أن ينصب الفخ في الطريق الذي له كما ينبغي، فهو أن يخفي الأثر ويستر الفخ بما استطاع، ويكون الفخ بما يثق به من أن يلين فلا يرجع السهم الذي فيه إلا أن يكون الشرك الذي له سمك الإصبع إما كتان أو قطن أو شعر، وإن كان حريراً لا بأس، ولكن يكون أدق من الجميع، ثم يكون في طوله باعاً منه الدائر على كفة الفخ شبرين ونصف، يعلق على رأس السهم بعروة من خيط دقيق عن مقدار شبرين ونصف، فإذا قام السهم جذب ذلك المقدار معه من على رأس الكفة جذبة شديدة، بحيث يحفظ على رجل الغزال، وباقي الشرك في أسفله طول شبر وعقد، يحفر لها حفيرة في الأرض تحت الفخ طول ذراع. ضيقة الرأس، وسيعة الأسفل، فإذا صاد غزالاً وذبحه وأخذ دمه في شيء، وأخذ عند شق بطنه الروث في آنية، وقلب عليها الدم وخلطهما، ثم مضى به الصياد إلى مظنة الغزال، وجعله على أي مكان اختار من الأرض، ونصب عليه الفخ والفخين بالقرب منه عن ذراع أو أكثر، فإن الغزال يشم ذلك ويقصده ويخور عليه مثل البقر، وهذه حيلة جيدة. وأما صيد الغزال على البعر، فإن الغزال إذا عاين مكاناً فيه بعر، يعبر عليه، ويكثر الشم منه، فإذا نصب عليه الفخ صيده عليه، وكذلك يصاد في المرايغ والمشارع، وينصب المنجل مثل ما ينصب الفخ إلا أن المنجل يكون شركه أرق، لأنه يتبع الغزال، ويكون مقدار طول الشركة التي تدور على الكفة شبرين ونصف، ومنها مقدار نصف ذراع أو أقل مشدوداً في المنجل، ومقدار طول المنجل شبر وأربع أصابع، يعمل لها مثل القبضة خشبة قوية والمنجل خارج الطرفين من تلك الخشبة والشركة مربوطة في تلك الخشبة، وتكون الكفة التي تدور عليها الشركة في دور كفة الفخ إلا أن هذه خلاف تلك الكفة، وذلك أنه يعمد إلى خيط ليف فيعمل منه حلقة وسعها شبر وينحت له خلالات دقاق الرؤوس، غلاظ الأسافل على هيئة الأوتاد إلا أنها أخلة ويكون من أصلب الخشب، طول كل خلال منها ما إذا أجاز منها في تلك الحلقة خلالاً، وأجاز مقابلته آخر النقب الرأسان بحيث يجيز فيها ما دار حبل الحلقة الملوي من هذه الأخلة خلال بجانب خلال والجميع تلتقي رؤوسها بعضها إلى بعض ما لا يجوز بينها رأس الإصبع، بحيث إذا وضعت على رأس حفيرة، وجعل عليها تراباً خفيفاً ما يخفيها عن أن ترى وتكبس بالإصبع مقدار وطية الغزال وما هو أخف من الغزال، فتنزل رؤوس الأخلة، ويعبر ذلك برأس الإصبع، فإذا نزلت رأس الإصبع، وقبضت رؤوس الأخلة على الإصبع، واشتالت الكفة، ولم تقع على الإصبع إلا بعد أن تنخرط تلك الزيقة التي هي دائرة عليها، فإذا تمكنت الزيقة وقعت الكفة، ولا يكون مع المنجل شيء آخر غيرها، بحيث إذا قفز الغزال من خوف المنجل ضرب المنجل رجليه وجنبه فيعطب، وغزال المنجل وغزال الفخ عاطب أبداً، وغزال المصائد، وهي التي تبني في الجبال تسمى الصير، وغزال الشرك سالم، قال بعض الشعراء: قد أغتدي قبل وجوب الفرض ... والجفن قد ودّع طيب الغمض طارقها في قلق ونفض ... يضرب بعض ريشه ببعض باب صيد الأرنب بالشرك والفخ

باب صيد الغزال بالشبك

قال الأستاذ: إذا أرت أن تصيد الأرنب بالشبكة، فأكثر لها العلف في زمان يباس الخضرة من الأرض، فاخلط الشعير في التبن ووطيه في المكان الذي تريد أن تنصب فيه الشبكة، وتكثر فيه الشعير والحمص، فإن الأرنب يعتاد ذلك، ويكثر التردد إليه، فإذا علمت أن الأرنب كثر عليهم فانصب عليه الشبكة وادفنها في التبن، وينبغي أن تكون الشبكة واسعة العين بحيث لا يخرج رأس الأرنب منه، فإن الأرنب إذا خرج رأسه من مكان جاز جميعه فيه، فإن أكثر الأرنب اقلب الشبكة عليه، وشد الجذب في بعض الأوتاد ليتجنب الخوف من أن يرتفع الحبل الذي عليه قيام الشبكة، وينبغي أن تكون الشبكة كثيرة العرض حتى يكون على ما تحتها فضلة، وكلما كانت رخوة كان الصياد آمن من أن يخرج ما تحتها، وأما من أراد أن يصيد الأرنب بالفخ فله أن يعمل في المواضع التي يطرقها الأرنب في الرعي، ويقطع عليه الطرق بالشرك، ويخلي له أبواب بمقدار ما يجوز الأرنب فقط، وفخ الأرنب مثل فخ الجمل والدراج إلا أن هذه تكون الخراطة أقوى. باب صيد الغزال بالشبك قال أصحاب التاريخ: إن أول من تصيد بالشبكة المتوكل، وقيل للمعتصم، وكان للمستنجد بالله شبكة ولا يصلح أن تكون الشبكة إلا لسلطان، ولا يزيد ما تحمل عليه الشبكة إلا بكلفة أنها تكون عشرين حملاً، وأكثر من ذلك، وكان المستنجد بالله يتصيد بها في أرض يقال لها الأحمرية لأنها كثيرة الغزال، وهذه الشبكة تقوم على أعمدة كما تقوم سقاق الخيمة، ويكون لها زاوية طويلة. إذا انتهى الغزال دخل في تلك الزاوية، ويكون في تلك الزاوية أكمام إذا دخل الغزال فيها لا يقدر على الخروج إذا نطح الشبكة، ويكون لها جناحان كلما جاءت أبعدت بعضها عن بعض إلى أن تأخذ من الأرض مد البصر، والخيل تحوي الغزال من كل جهة، حتى إذا وجد الغزال له السبيل في وسط الشبكة، وهو الباب المفتوح، دخل الجميع فيها، أمرت الرجال الذين معهم طرفا الشبكة بأن يميلوا إلى الوسط، وتكون أول الشبكة على بغلين عليهما غلامان عند الرأسين، وفي كل جوكة من الجوكات التي يسار بها رجال ركبان، كل رجل معه جوكة يمشي وراءه ببكرة إلى أن تلتقي الرأسان، فإذا التقت الرأسان دقت خلف الجوك الأوتاد وخليت قائمة، ودخل من يريد أن يتفرج هو ومن أراد فيصيد جميع ما فيها إن شاء، وإن شاء قبض، وهذا لا يفعله أحد إلا صاحب همة. ومبدأ، هذا من العراق، وقيل أول من عمل المصائد والصير لصيد الغزال، ملك كان قد جمع الوحش في مضيق فلزّ الغزال فيه، وكان هناك مكان منخسف كالبئر، فصار الغزال يقفز ذلك المكان، فيقع في تلك البئر إلى أن صار فيه غزال كثير، فقال الملك: لو عملنا مثل هذا لوقع فيه الغزال، فأمر من يعمل له مثل ذلك من الصير والزوايا، فحفرت فيه الآبار، ورفعت حيطان وهي المصائد. قال محمد بن منكلي: أما الشباك المذكورة والمصائد فإن عملها في زماننا ممتنع، وما ذكرت في هذا التأليف المختصر إلا لتذكر في هذا التأليف، ويقرأ القارئ ذكرها والله الموفق بفضله. باب قتل المؤذيات من سبع وغيره قالوا: ومن أراد قتل المؤذيات من السباع فلينصب له قوسين على باب صيرة، ويجعل في تلك الصيرة رمة مربوطة وثيقة، ثم ينصب قوسين من أقواس الرمي كالقوس في حد من حدود تلك الصيرة، مفتوح في كبده سهم مفوق، وللسهم مجرى يجري فيه، حتى لا يخطئ ذلك السهم، ويجعل الوتر في عصفورة كما يفعل بقوس الجرخ، ويجعل بفتح العصفورة خيط يعمل في العصفورة من تحت القالب، ويكون رأس الخيط في القوس الآخر بمقدار ما تعمل السهمان، تلتقي إذا فقس القوسان، ويجعل الخيط في الباب، ويجعل قدام البيت حجارة مبنية إلى صدر الأسد، والخيط قدام ذلك بذراع واحد، بحيث أنه إذا وصل السد، وقفز تلك الحجارة جاء بحدته، فأخذ الخيط في طريقه فانفقست القوسان عند جذبه الخيط، وكان فيها هلاكه إن شاء الله تعالى. وقد ذكرت في هذا طرق وحيل الصيد كثيرة. باب في كيفية الزجر حين الخروج إلى الصيد قال المؤلف: وقد علم بحمد الله أن الزجر لم يكن له أصل من جهة شرعياً، وإنما هو أمر قد اعتمده القدماء.

باب الزجر على الثلج

وأردت أن أذكر فيه ما اعتمد عليه الأولون، ليكون تأليفي غير خالٍ مما ذكر حتى قالوا: يعتمد على ذلك من جهة مباشرات الحواس البصرية والسمعية لرؤية الأشخاص الفلكية والحيوانات الأرضية، ومن جهة مباشرات الحواس السمعية للأصوات المسموعة من المزجور عليها ليكون ذلك أدل مما يحاول في هذا الضد، حتى أنهم قالوا في الزجر على الكواكب في وقت الأشخاص للمتصيدات استعمال اليقظة والنظر علواً وسفلاً، فمتى رأى كوكباً متقدماً أو متأخراً، وهو كالسانح. ثم رأى بعد ذلك عائداً إلى ناحية الشمال دل على قلة الصيد، وإن نيل منه شيء فنزر وإن رأى بعد ذلك عند الدنو من المتصيدات كوكباً سانحاً كان ذلك دليلاً على كثرة الصيد والظفر به، فيكون نزراً، وإن كان الأمر على خلاف ذلك كان المنال منه كثيراً. باب الزجر على الثلج ومتى رأى الثلج مستقبلاً ومستدبراً وساقطاً من جهة الشمال، فدليل على وجود الصيد، وينال منه نزر يسير والله تعالى أعلم. باب الزجر على العقبان إذا رأى عند الدنو من المتصيدات عقاباً نازحاً أو واقعاً من ناحية الشمال، أو كان نازحاً ثم عاد بعد ذلك إلى ناحية اليمين، فدليل على وجود الصيد، فإذا رأى عقاباً سائحاً فدليل أيضاً على سهولة الصيد. وقد يزجر على كثير من الجوارح الوحشية حسب ما يزجر على العقبان. باب ما يزجر على الغراب الأبقع قالوا: إذا رأى عند الدنو من الصيد غراباً ساقطاً من ناحية الشمال، فدليل على الظفر، بالصيد إلا أنه نزر يسير وقد يقع على سائر الغربان ما يقع على الغراب الأبقع. باب في الزجر على الكلاب قالوا: وإذا رأى عند الدنو من الصيد كلباً مجتازاً من ناحية الشمال دل على الظفر بالصيد والسرور به، وإن كان الكلب أحمر اللون، كان أجود الألوان في الزجر. باب في الزجر على الثعالب قالوا: وإن رأى ثعلباً عند الدنو من الصيد مستقبلاً سائحاً أو نازحاً مستدبراً، وهو يصيح، ثم رأى عائداً إلى ناحية الشمال أو رأى ثعلبين مستقبلين أو مستدبرين من ناحية اليمين أو الشمال أو هما مدمني النظر إلى كلاب الصيد، فدليل على قلة الصيد والظفر به والله أعلم. باب في الزجر على الظباء قالوا: وإذا رأى عند الدنو من المتصيدات ظبياً مقبلاً أو سانحاً يعني معترضاً أو مستدبراً أو رابضاً في الناحية اليمنى أو مقبلاً نازحاً بمعنى بعيداً ثم رآه عائداً إلى ناحية الشمال، أو رأى ظبيين قائمين مستقبلين برأسيهما أو مستدبرين بذنبيهما يميناً أو شمالاً، فإن ذلك دليل على جودة الصيد والظفر به، إن شاء الله تعالى. فهذه جملة ما وقعت الأوائل عليها من حيث التجربة وبالله التوفيق. باب في الأسماء التي يتفاءل بها الصياديون وقد قيل: إن من الناس من يرغب في هذا كثير، مما يتفاءل في الأسماء الصالحة الموافقة، ولا سيما أهل المصائد والطرائد. ومن عادة الصياد إذا خرج إلى الصيد أن يتسمع من يصيح من ورائه بالاسم الذي يرضيه وهو ن 46 أيقال يا صالح، يا صلاح، يا مصلح، يا مفلح، يا نجاح، يا منجح، يا فلاح، يا مسعود، يا سعيد، يا سعادة، يا مساعد، يا معاضد، يا عاضد، يا منصور، يا نصر، يا ناصر، يا مقبل، يا عون، يا معين، يا مبارك، يا مباركة، يا سعيدة، يا راشد، وما شاكل ذلك، وقد قيل في المعنى: الفأل مقترن باليمن طائره والنحس منصرفٌ وليس بضائر. وأرى سعوداً قد أتتك سريعةً ... فابشر بإقبالٍ وعزٍ ظاهر وقد وردت آيات وأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تفاءلوا ولا تطيروا"، وقال: "الفأل موكل بالمنطق"، وقال: إياكم وذوي العاهات. وقال: من سمى ولده وأحسن اسمه فقد حببه إلى الناس، وقال: حسنوا أسماء أولادكم. وقال خالد بن صفوان: خرجت يوماً مع السفاح إلى الصيد، وكان كثير الولوع بالضواري، وكان تلك الليلة قد شكا إليّ من كثرة إحرام ضواريه في الصيد، وإنه طلب التصيد والتفرد. وقل: يا خالد آمر أن ينادى في لناس أن لا يتبعني أحد، فإنني أخجل من قلة عمل الضواري، فنودي في العسكر، أن ارجعوا فرجعوا إلا من اختاره السفاح، فسرنا غير بعيد.

باب في طرد المؤذيات من الأماكن والكروم وبالله عز وجل المستعان

فقال: إن سررنا في هذا اليوم بالصيد تصدقت لله تعالى بكذا وكذا، وكان قد اختار من ضواريه القليل، وترك الباقي في المخيم، وإذا بأعرابي ينادي بجارية به مع إبله: يا سعادة، يا سعادة، يا سعادة، فرأيت السفاح، والله كأنه أطلق من سجن، وقد فرح وتهلل وجهه، ثم قال: ويلك يا خالد قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: إني قد سررت بهذا الاسم، وإن ظني قد اتضح له أن الضواري تصيد في هذا اليوم جميعها. ثم قال لبعض الغلمان: امض وآتِ بباقي الضواري ولا تخلي في المخيم منها شيئاً، فقلت: يا أمير المؤمنين، إن هذا لعجب، كنت تشكو إليّ من الضواري وإحرامها، ثم أنت قد استبشرت بهذا الاسم، وغلب ظنك أن النجاح في هذا اليوم فقال: نعم، ستجد ما أقول لك. فوصلنا إلى لمتصيد وجيء بما تبقى من الضواري فتصيدنا إلى أن مللنا الصيد، وحلف أنه تصيد بشيء من الضواري لم تكن قبل ذلك اليوم صادت شيئاً، فتعجبت من ذلك. وخرج يوماً إلى التصيد فرأى غلاماً بدوياً صبيح الوجه، فقال له: ما اسمك، قال: مسعود، قال: دلنا على مكان الصيد، فدلنا، فصدنا ما شاء الله أن نصيده، ثم عدنا إلى المخيم، فأنعم على الأعرابي بما كان غناؤه فيه. وخرج يوماً إلى الصيد، وإذ منادٍ ينادي: يا سعيد مرتين أو ثلاثة، ثم نادى: يا شقي، فقال السفاح: يومنا هذا أوله طيب وآخره رديء، فكان كذلك، لما وجدنا في آخر النهار من التعب وقلة الصيد ورداوة الضواري. قال الأستاذ عيسى الأسدي، رحمه الله: إن بعض الناس حدثه ببغداد، قال: كنت مع صاحب لي فخرجت إلى الصيد، وكنت أتطير بهذه الأسماء والألوان، وهو بالضد مني ويهزأ بي، وأنا أحمل من ذلك الغيظ، قال: فوصلنا إلى بعض الطريق غذ مر بنا رجل أعور العين اليمنى يعرج برجله اليسرى، وعينه الصحيحة حولاء، فنظرت إليه ونظر إليه صاحبي، فتغير لوني وحركت رأسي، فقال لي صديقي: ما تقول يا فلان، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، هذه صفة ما رأيتها من عمري، فقال: سر ولا تهذِ، فسرنا غير بعيد، وقد ثارت ضبع، فركض عليها الغلمان، فوقع بعضهم فمات، فقلت: بالله ألا ما رجعت، قال: سر بنا ودعنا من هذا، فسرنا فوا الله لقد مر علينا أنحس يوم يكون حتى لقد ضاعت من الضواري خيرها، وهو يلح في الصيد، ولم يزل إلى أن رمى به فرسه فاندقت يده ورجله، ولم يفق إلا بعد حين. ومن التفاؤل بالسماء التي أولها: كلاحق وملاحق ولازم وملازم، وفي الأشعار ما كان أول البيت: ولازال سيفي مغمد في جماجم ... لأعدائهم والرمح في اللهوات وكقوله: لا والذي تسجد الجباه له ... مالي بما تحت ذيلها خبر ولا بفيها ولا هممت بها ... ما كان إلا الحديث والنظر باب في طرد المؤذيات من الأماكن والكروم وبالله عز وجل المستعان والمؤذيات المطرودة هي كل داعر من خنزير وضبع وذئب وثعلب وابن آوى وغزال وأرنب.

باب طرد الغربان عن الزرع

فمن أراد طردهن من مكانه أو كرمه أو قصبه أو زرعه، فليستعن بالله عز وجل وليأخذ قدراً كبيراً من خزف ويخرق أسفلها حيث يدخل إليها يداه في دفعة واحدة، ويجعل سفلها بوسع رأسها وتكون القدر كبيرة لها جون وسيع ثم يرقم رأسها بجلد شديد، ويشد كما يشد رقم الطبل ويدعه إلى أن يجف، ثم يخرق وسط الرقم بشفا يعني مخرز غليظ، ويجيز من ذلك الخرم شيئاً من شعر فرس أطول شيء وأخشن شيء يكون من الرقم إلى جوف القدر ما يفضل عن القدر إلى خارج القدر من أسفلها، ويكون مقدار سمك الشعر خمسين شعرة إلى ستين، هذا المقدار لا غير ويعمل في أسفل الشعر ما يمنعه أن يجوز عن الرقم إذا جذب ذلك الشعر من داخل مربوط بحبل قوي ثم لا ينتهزه بالنهر لئلا يراه أحد أو يسمعه إلا في وقت حاجته إليه. وهو إذا انتصف الليل خرج إلى المكان الذي يريد أن يطرد عنه الوحش يجلس في وسط المكان سواء، ولف على كفيه ومسبحتيه خرقاً مبلولة، وكلما نشفت بلها، وأدخل يده في القدر من أسفلها، وقبض على تلك الخصلة الشعر، ويشد القدر برجليه الزوج، ويجر لك الشعر إلى منتهى الشعر، فإذا انتهت بيده أجاز يده الأخرى، وقبض قبل انتهاء اليد الأولى، وفعل مثل ما فعل بتلك اليد الأولى، بعد أن يكون قد خلاه من يده الأولى عند الانتهاء، واعتبار ذلك إذاً قل الشوط، فإنه متى فعل ذلك ثلاث ليال متواليات في نصف الليل وفي آخر الليل لم يدخل إلى كرمه أو أرضه شيء من المؤذيات بقوة الله تعالى، والسبب الداعي في تنفير هذه المؤذيات هو الصوت الذي يخرج من القذر المذكور لأنه يشبه أزيز الأسد، وهو أشد ما يكون، وإن أزيز الأسد يصل في الليل دون الفرسخ ويزيد مع العارف به ما يفعله في ترتيب الصوت الخارج من القدر. ولا ينبغي أن يطنب به في كل ليلة غير تلك الليالي الأول، ولا يزيد على أكثر من ثلاث ليال والصواب فيه أن يكون ما يفعله يخرج أول الليل وآخره، وهو إذا مضى من الليل النصف الأول وآخر الليل الصباح الأول، وشرطه الكتمان وقليل فاعله، ومتى ما لعب به فسد الأمر وانكشف، ولا يفيد بعد. والقنُّ يذكر نكتاً في الكتمان، قال نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام: ليكن أصدقاؤك كثيراً، ويكون صاحب سرك واحداً من ألف. وقيل: إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه، فصدر الذي يستودع السر أضيق. أما في وقتنا هذا، فيعسر كتمان الأسرار خصوصاً عند أصحاب القهوة، فإنه لا يجوز أن يستودعوا سراً بالجملة الكافية. وأقول أيضاً: كل من له صبوة بصورة فمن المحال أن يكتم ممن يحبه سره، وقلة الثقة بالناس من أكبر السياسات كما قيل، رجل يساوي ألف رجل، وألف رجل لا يساوي رجلاً. وكقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الناس كإبل مائة ما توجد فيها راحلة" كل ذلك يريد أن الفضل قليل والنقص كثير، نسأل الله الرشد والتوفيق والحفظ بمنه وكرمه. والقنّ يمدح هذا الرجل الذي يكتم الأسرار بهذا البيت، وأكرره في العقول ليكون ذخيرة المأمول: عذراً إليه فإننا من عجزنا ... وقصورنا عن مدحه نستغفر ويرجع إلى ما استخير في تأليفه. باب طرد الغربان عن الزرع تؤخذ دجاجة سوداء لا بياض فيها، صادقة السواد، وتشد بخيط طويل وله مائتي ذراع، ترمى في الزرع، وتلزم طرف الخيط، وتجر في ذلك الزرع، فإن الغربان يخرجون من الزرع. وينبغي أن تكون الدجاجة صياحة. باب في ترحيل الجراد عن الزرع قال أهل الفضيلة: من دخل في زرعه أو كرمه جراد، فليأت إلى وسط الجراد ويزعق بأعلى صوته "جند الله"، فإن شاء أرسله نعمة، وإن شاء أرسله نقمة، ثم يزعق: "أيها الجند المطيع لله سألتك بأم الكتاب، وبمن هزم الأحزاب، وبمن أخرج الحبة من التراب، أسألك باسم الله الرحمن الرحيم بحم حم القرآن العظيم ألا رحلت عن أرضي وزرعي، فإنه يرحل بأمر الله تعالى، قيل في نعت جرادة: وطيارة تمشي بساق كأنها ... عروس تجلت في عطاف معنبر غدت في عداد الطير وهي منوطة ... بوجه حصان فيه شدق غضنفر وقد رزقت بطن الشجاع وأعطيت ... قفا كجريان القميص المزور حوت صوراً شتى قلله درهما ... لقد تيمت عقلي بأحسن منظر باب طرد الفأر عن الزرع إذا أخذت مرائر البقر ونقعت في ماء ثم يبل بذلك الماء ذلك البذر لم يقربه فأر.

باب في طرد فأر البيت

وفي نجاة الدجاج من سنانير البر أنه إذا علق في باطن أجنحة الدجاج شيئاً من سذاب أو يطلي ظاهر أجنحتهن ورؤوسهن بماء السذاب نجت بقدرة الله من سنانير البر. باب في طرد فأر البيت قال أهل الحكمة: من سحق مرداسنج وهو المرتك بدقيق خشكار وجعله حرابل وأطعم لفأر البيت، فإنه إذا أكله يموت، وإذا أخذ رماد حطب البلوط ويطرح في أحجرتهن، فإذا وجدت ريحه أكلن بعضهن بعضا، وأيضاً إذا خلط تراب الحديد بعجين وطرح للفأر وأكله مات. باب ترحيل النمل قال الحكماء: من أخذ كراويا فدقت وصبت في أحجرة النمل، ويكتب في شيء ويعلق في زوايا الدار بسم الله الرحمن الرحيم، "إن كنتم تؤمنون بالله وباليوم الآخر، وبياسين وبما أنزل فيها، وأنشدكم بحق الله وحق نبينا ونبيكم، وما أنزل عليهما ألا تحولتم عن مساكننا". باب في الاستعداد لدفع شر الحيّات قال أضعف خلق الله تعالى: مؤلف هذا الكتاب محمد بن منكلي، عامله الله تعالى بلطفه: قصدت أن لا أخلي تأليفي هذا من ذكر ما لا يجوز للإنسان إلقاء نفسه لما يضره، وذلك أن الحيات بمنزلة السباع، إذ هي أكلة اللحم، وهذا لا شكّ فيه، وما فيها من العداوة للإنسان بالطبع وهي من ذوات الأنياب. قال محمد بن إبراهيم بن يحيى الشهير بالوراق في كتابه مباهج الفكر مناهج العبر: وإنما سميت الحية حية لأنها تحوت أي اجتمعت، وتطلق على الذكر والأنثى، وهي أصناف كثيرة لا تحصى وشرها الأفاعي ومساكنها الرمال والجبال ويضرب المثل فيها بأفعى سجستان. ومن التهويل في أمرها ما حكاه ابن شبرمة أن أفعى نهشت غلاماً في رجله فانصدعت جبهته. ويحكى أن شبيباً دخل على المنصور، فقال: يا شبيب دخلت على سجستان، قال: نعم، قال: فصف لي أفاعيها، فقال: يا أمير المؤمنين، هي دقاق الأعناق، صغار الأذناب، مفلطحة الرؤوس رقش برش كبارهن حتوف، وصغارهن سيوف. قال المؤلف: وقد قتلت من صغارهن ما أرجو به الثواب عند الله تعالى. وقيل: إن من الأفاعي من يتسافد بأفواهها، فإذا أعطي الذكر الأنثى وقع كالمغشي عليه فتعمد الأنثى إلى موضع مذاكيره فتقطعها نهشاً فيموت من ساعته، فيبقى في بطنها حتى تخرج الأولاد وتموت الأم من ساعتها، فيكون طلبها للولد هلاكاً لها وللذكر. وذكرها يسمى الأفعوان يأتيها أيام الصراف فيصوت بها فتأتيه، وبيضها مستطيل أكدر اللون وأخضر وأصفر وأسود وأبيض وأرقط وفي بعضه نمش ولمع، وأما داخله فاسمج من الصديد. والحية مشقوقة اللسان ولذلك يظن أن لها لسانين وتوصف بالنهم والشره لأنها تبلع الفراخ من غير مضغ كما يفعل الأسد، ومن عادتها أنها إذا نهشت انقلبت فيتوهم أنها فعلت ذلك لنزع سمها وليس الأمر كذلك، وإنما في نابها عضل، فإذا عضت استغرق إدخال الناب كله، وقيل أن لها ثلاثين ضلعاً ومن الخواص: إذا ضربت بالقصب الفارسي ضربة ماتت، وإن ضربت بسوط قد مسه عرق الخيل ماتت. وليس في الأرض شيء مثل جسم الحية إلا والحية أقوى بدناً منه. وتعيش في البر بعد ما صارت مدة في الماء. ومن طبعها أنها لا تطلب الماء ولا تريده لغلبة الأرضية عليها، وفي طبعها أنها إذا لم تجد طعاماً تعيش بالنسيم وتقتات به الزمن الطويل. وإن عينها إذا قلعت عادت وكذلك نابها يطلع بعد ثلاثة أيام، وكذلك ذنبها إذا قطع. وفي طبعها أنها تهرب من الرجل العريان. قال المؤلف: وهو المراد للاستعانة على قتلها، وقد قتلت ببيسان أصلة عظيمة كبيرة الرأس جداً وأنها لا يأتيها الرجل إلا منحرفاً عنها قليلاً لا مسامت لها، وينبغي أن لا يهمل أمرها حين المراوغة ورميت مرة سهام على شجاع منهم رقه رق الإصبع، ويكون طوله أطول من الذراع، وهو وثاب فرميت عليه خمسة أسهم اتقاءً لشره، وأنا أحترس منه، فأصيب في رأسه بسادس سهم، ورأسه صغيرة جداً قدر البندقية الصغيرة، فرأيته يروغ عن السهم كالرجال الحاذق، وقيل إنها ما تموت ومن أصنافها ما هو أزعر، وقتلت واحدة ببرية الفيوم، إذ فيها حيات كثيرة مؤذيات. ومنها ما هو الأحمر، ومنها ما يسمى السود، ولم أر أجرى منه، وقد ركضت خلفه في حال صباي، وأنا على فرس قوي الجري، وبيدي سيف، فلم ألحقه إلى أن توارى بحجر ففاتني، واشر ما يوجد هذا الصنف في أرض مصر في أرض الزرع. وهذا الصنف يعظم جداً.

وذرا وبرأ وأمر صلى الله عليه وسلم في الصحيح، أن تستأذن حيات الدور بخلاف حيات

وإذا رأى الإنسان قصده، فإذا كان في الإنسان يقظة أخذ حذره منه، وقاتله إن كان معه سلاح، وهو يراوغ في قتاله كالمحتال أو لاعب الشطرنج يقصد من مقابلة وجهه، فإذا رآه قد اشتغل عنه بحفظها منه نهشه في غيرها، فاحذره ولا تتعرض له إلا إذا كنت قد مارست الأمر قبل ذلك، فإن نهشته والكفن. فإذا تقدمت إليه فلابد من لبس خفك في رجلك وهو كالمتآقف، فارم عليه بالضرب كالحمائلي، واخلف عليه المضارب، وأقدم عليه بمطرق طويل أو بسيف واستعن بالله في كل أمورك، وإياك والإعجاب بعلم أو عمل، فليس ذلك من أخلاق الرجال ذوي الهمم. ومن أصنافها ما يسمى أصلة، وهو عظيم جداً، وله وجه كوجه الإنسان، ويقال أنه يصير كذلك إذا مرت عليه ألوف من السنين فيقتل بالنظر، وقالوا بالمسامته. قال محمد بن منكلي: ومن حنان نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته أن علمهم التعويذات لتكون حرزاً لهم حرزاً من المؤذيات، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق". وذرا وبرأ وأمر صلى الله عليه وسلم في الصحيح، أن تستأذن حيات الدور بخلاف حيات البراري، فإن لم تروح وإلا قتلت، وجاء عنه وصح أنه قال: من نزل منزلاً ثم قال: بسم الله أعوذ بكلمات الله كلها 49 أمن شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله، وقد جرب ذلك قديماً وحديثاً. وحكي عن سلمان الفارسي، رضي الله عنه أنه كان ليلة ينظر إلى بنات نعش إلى النجم الأوسط من الثلاثة، فيها نجم لطيف ملاصق النجم الوسطاني تسميه العامة السّها ويسمى أصلم، فكان إذا نظر إليه قال: اللهم رب أصلم صل على محمد وعلى آل محمد، وسلمنا ثلاث مرات، فسئل عن ذلك، فقال من قال ذلك أمن في ليلته من العقرب. باب ذكر الطاووس وطباعه قال المؤلف: قصدت أن أذكر الطاووس وطباعه لئلا يقال لم لا أذكره لأنه من جنس الطير، ولعل ذلك أن يحاط بما يذكر علمه، فمن الطاووس ما هو أخضر وأرقط وأبيض ويوجد في كلها التخيل، ولا تعرف هذه الألوان إلا في بلاد الزابج، وما عداها، وهو في طباعه كالفرس في الدواب عزاً وحسناً، غير أن الناس يتطيرون به ويكرهونه كونه في دورهم. وفي طبعه العفة وحب الزهو بنفسه ولا تبيض أنثاه حتى يأتي عليها من العمر ثلاث سنين والأنثى تبيض في السنة مرتين كل مرة اثنتي عشر بيضة وأقل وأكثر ولا تبيض متتابعة، ويسفد في أول الربيع ويلقي الريش في أول الخريف، وهو كثير العبث بالأنثى إذا حضنت، وربما كسر البيض، ولهذه العلة يحضن بيضه تحت الدجاج، والدجاجة لا تقوى على أكثر من بيضتين منها، والفرخ الذي يخرج من تحت الدجاجة، قليل الحسن، ناقص الخلقة. قال بعض الفضلاء: يغلب عبث الطاووس بأنثاه أوان حضنها غيرةً منه أن يخرج من البيضة ما يشبهه في حسن ريشه وبهاء خلقته. قال أرسطو: إن الطاووس يعمر خمساً وعشرين سنة. قال أبو الصلت بن عبد العزيز الأندلسي يصف الطاووس: أبدى لنا الطاووس عن منظرٍ ... لم تر عيني مثله منظرا في كل عضو ذهبٌ مفرغٌ ... في سندسٍ من ريشه أخضرا خواصه إذا رأى طعاماً فيه سم فرح ونفض جناحيه ورقص وبان السرور عليه، وإن طلي زبله على التآليل قلعتها. وإن سقي المبطون من مرارته بالسكنجبين والماء الحار برئ بإذن الله تعالى. باب ذكر طير الليل أما الخفاش، فإنه يلد ما بين الثلاثة إلى السبعة، وكثير ما يسفد وهو طائر في الهواء، كما أن الظباء قد تتسافد في أهمى عدوها، وأسرع حضرها. ويقال أن له بين جناحية شيء مثل الكيس في ظهره يحمل فيه من الثمر شيئاً كثيراً وليس 49 ب في الحيوان، يحمل ولده غيره والقرد والإنسان وفي طبعه أنه متى أصابه شجر الدلب خدر ولم يطر. والكروان، من طير الليل، وفي طبعه الإدلاج والصياح بالأسحار والإشراف على مواضع العساكر ويوصف بالحمق، ومن حمقه يقال أنه إذا قيل له: أطرق كرا فيلتصق في الأرض حتى يرمى، وتقول العرب أطرق كراً، "إن النعام في القرى". خواصه لحم الكروان: إذا أكل زاد في الباه. دماغه: يعجن بسمن بقري وعسل ثم يرفع في برينة ويؤخذ منه مقدار ملعقة عند النوم فيكثر الاتعاظ، وأما طير الليل فلعله يكثر في أرض دون أرض، هكذا ظهر في مخيلتي والله أعلم.

باب ذكر البراغيث وطباعها

باب ذكر البراغيث وطباعها قال المؤلف: وإنما ذكر من ذي الجناح لأنه من الحيوان الذي له الوثوب، وقد حكى الجاحظ، أن البرغوث من الخلق الذي يعرض له الطيران كما يعرض للنمل. والبرغوث مشاءً وثّاب. والوثاب من البراغيث لا يمشي وهو يطيل السفاد وتبيض ويفرخ، وهو يتولد من التراب لا سيما في المواضع المظلمة، ولا يوجد منه شيء منه في البلاد الحارة مثل صعيد مصر، ولا في البلاد الباردة الشديدة البرد، وقيل أذى البراغيث إذا البرى غيث، وقيل إذا نقع اسفيذاج الرصاص في الماء ورش في بيت امتنع منه البراغيث وأنشد: ما للبراغيث أفنى الله عدتها ... من يلقى منهم ما لاقيت لم ينم ذودهن بكف غير غافلة ... عن منكبي وعن جنبي وعن قدم قال أضعف خلق الله تعالى مؤلفه: قصدت أن اذكر شيئاً في تأليفي من طبائع حيوان البحر ليكون تذكرة. باب في ذكر التمساح وخواصه وطباعه وهو أيضاً من المؤذيات فلأجل ذلك بدئ بذكره وهو لا يكون إلا في نيل مصر، وزعم قوم أنه بنهر في السند، لزعمهم أنه من النيل، وهو شديد البطش، ولا يقتل إلا من تحت إبطيه لأن السيوف لا تعمل في جلده، ويعظم إلى أن يكون طوله عشرون ذراعاً في عرض ذراعين ويفترس الفرس والإنسان وحركته في الرقراق، وإذا أراد السفاد خرج والأنثى إلى البر فيقلبها على ظهرها ويستبطنها، فإذا فرغ قلبها لأنها لا تتمكن من الانقلاب لقصر يديها ورجليها، وهي تبيض في البر، فما وقع في الماء صار تمساحاً، وما بقى في البر صار سقنقوراً. ويقال إنه ليس له مخرج، وإذا امتلأ بطنه خرج إلى البر، ويفتح فمه، فيأتي طائر فلا يزال ينقر 50 أبمنقاره حتى يأتي عليه أو على بعضه، فيكون ذلك غذاء الطائر وراحة التمساح، ويقال أن للتمساح ستاً وستين عرقاً، ويسفد ستين مرة، ويبيض ويعيش ستين سنة، ويوجد في سطحية جلده مما يلي بظنه سلعه كالبيضة دموية كنافجة المسك لا يغادر من رائحة المسك شيئاً إلا أنها تنقطع رائحتها بعد أشهر. قال بعضهم: أضمرت للنيل هجراناً ومثلبة ... مذ قيل أن التمساح في النبل خواصه: شحمه: إذا عجن بشمع وعمل فتيلة وأسرجت في نهر لم تصح الضفادع مادامت الفتيلة. وقيل: إنه إذا طيف بجلد تمساح حول قرية ثم علق على دهليزها لم يقع البرد في تلك القرية، وإذا عض التمساح الإنسان فوضع على العضة شحم تمساح برئ لساعته. زبله: يزيل البياض الحادث والقديم، ورائحته مثل المسك، والقبط يقولون إنه المسك، وإن قلعت عينه وهو حي، وعلقت على من به جذام أوقفه بإذن الله تعالى، وإن علق شيء من أسنانه من الجانب الأيمن على رجل زاد في جماعه. عينه اليسرى: لمن يشتكي عينه اليمنى وبالعكس، وإن مسح بشحم تمساح كبش نطّاح هربت منه الكباش وإن تعسر شحم تمساح فيؤخذ بدله شحم كلب بحري. سقنقور: إذا عض إنساناً ولم يغتسل بالماء مات لوقته، فإن استحم الإنسان مات السقنقور. ومن عجائب البحر لدلفين، يقذفه البحر المالح إلى النيل وهيئته كالزّق المنفوخ، وله رأس صغير جداً، ويقال: ليس في دواب البحر من لا له رئة غيره، فلذلك يسمع له التنفيس والنفخ، وهو إذا ظفر بالغريق كان أقوى السباب في نجاته، فلا يزال يدفعه إلى البر حتى ينجيه، وهو من أقوى الدواب المائية، ور يؤذي ولا يأكل إلا السمك خاصة، وربما ظهر على وجه الماء كأنه ميت. وهو يلد ويرضع وأولاده تتبعه، ولا يلد إلا في الصيف. وفي طبعه الدعة والاستيناس بالناس. وخاصةً بالصبيان، وإذا صيد جاءت الدلافين لقتال صائده، فإذا أطلقه لها انصرفت والكبير منها تتبعه الصغار ليحفظها، وهو إذا رام صيد السمك صار إلى الغمق في طرفة عين، وإذا لبث في الغمق حيناً حبس نفسه ويصعد بعد ذلك مسرعاً مثل السهم لطلب التنفس، وإن كانت بين يديه سفينة وثب وثبة يتجاوز بها إلى الناحية الأخرى ولا يرى ذكر إلا مع أنثى. باب في ذكر السقنقور وطباعه يسمى الحرذون البحري، ويقال له: ورل مائي، ومنه ما هو مصري، ومنه ما هو هندي، ويتولد في بلاد الحبشة، وأنثاه تبيض عشرون بيضة وتدفنها في الرمل، فيكون ذلك حضاناً لها، وجلده في غاية الحسن لما من التدبيج بالسواد والصفرة. وقال التميمي في كتابه المرشد: لأنثاه فرجان ولذكره إحليلين وبينه وبين الحية عداوة.

باب ذكر السلحفاة واللجأة

باب ذكر السلحفاة واللجأة اللجأة تبيض في البر، فما أقام فيه سمي سلحفاة، وتتوالد تلك السلاحف وتعظم اللجأة حتى لا يكاد الحمار أن يحملها، وهي تبيض أربع مائة بيضة. والسلحفاة تحضن بيضها بالنظر إليه والرصد لا غير، وهي تبيض تسعة تسعون بيضة وأما الفرس البحري، فلا يوجد إلا في نيل مصر، وخلقته خلقة الفرس إلا أن وجهها أوسع، وله ظلفان كالبقر، وذنبه مثل ذنب الخنزير وصهيله يشبه صهيل الفرس، وجوفه كذلك وقوائمه قصيرة جداً، وهو أعظم من الجاموس وجلده مثل جلده، وله أنياب غلاظ طوال يكسر بها السفن المحكمة، وأسنانه صفان، ويخرج ويرعى الزرع، وهو يقتل التمساح. وأهل ريف مصر إذا رأوا أثر حافره كان ذلك دليلاً على توفر زيادة النيل، وكثرة الخصب. وأما الجند بادستر، فإنه يسمى كلب الماء ويسمى السمور (القندر) ويقال أنه على هيئة الثعلب، أحمر اللون لا يدان له، وله رجلان وذنب طويل، ورأسه كراس الإنسان، ووجهه مدور، وهو يمشي مكباً على صدره، وله أربع خصى، اثنان ظاهرتان واثنتان باطنتان، وفيه من أسرار الطبيعة، أنه إذا رأى الصيادين له لأجل الجند بادستر وهو الموجود في خصوبته الظاهرتين فيقطعهما بفيه ويرمي بها اليهم، فغن لم بصرهما الصيادين، وداموا في الجد في طلبه استلقى على ظهره حتى يريهم الدم، فيعلمون أنه قطعهما، فينصرفون عنه، وهو إذا قطع الظاهرتين برزت الباطنتان مكانهما والجند بادستر بالفارسية كند بادستر فعرب وتفسيره الخصية، ويمكنه أن يلبث في الماء في القعر زماناً طويلاً لا يخرج إلى الهواء. باب في ذكر القندس وطباعه قال أصحاب الحكمة: إن الله تعالى شرف هذا الحيوان إذ جعل الملوك يتخذون منه التيجان. ويطوقون منه الأطواق والأذيال والأكمام. وقيل أن في طباع هذا الحيوان منهم السادة والعبيد، وأنه يتخذ مساكن مرتبه كترتيب مساكن الناس والأحرار منهم، يتخذون في بيوتهم صففاً يكونون عليها، وفي أسفلها مواضع للعبيد، ولبيوتهم أبواب إلى البر وأبواب إلى البحر، ويغير بعضهم على بعض، والحر لا يتكسب، وإنما يتكسب العبد له ولسيده، ويعرف حال السيد من حال العبد، ويعرف أيضاً جلد السيد من جلد العبد بحسن اللون وبصيصه وأهل بلادهم يسلخون خراطيم هذا الحيوان، وخراطيم السمور، ويتعاملون بها كما يتعامل بالدراهم، وعليها سكة الملك وأما القماقم، فإنه يشبه السنجاب وهو أبيض ويجلب من البحر الخزري، ويشبه جلده جلد الفنك. باب في ذكر السرطان وطباعه اعلم، أرشدك الله، أن السرطان سريع العدو، وذو فكين وأظفار حداد، وعيناه على كتفه، وفمه في صدره وفكاه مشقوقتان، وله ثماني أ {جل، وهو يسلخ جلده في كل سنة ست مرات، يتخذ لجحره بابين أحدهما شارع في الماء، والآخر إلى اليبس، فإذا سلخ جلده سد عليه الباب الذي يلي الماء خوفاً على نفسه من السمك، وترك ما يلي اليبس مفتوحاً ليصل إليه الربح، فتجف رطوبته ويشتد، فإذا اشتد فتح ما يلي الماء وطلب معاشه فيه، وهذا دأبه فسبحان الملهم لا ربّ سواه. باب صيد السمك بالشبكة والقالة والدواه والوهار والطين قال الأستاذ عيسى رحمه الله: أما صيد السمك بالشبكة فهو نوعان: أحدهما يصاد بالشبكة المدورة التي ترمي من اليد في الأماكن والجداول والأدوية والغدران التي يظن أن فيها السمك. والنوع الآخر الشبكة الطويلة التي طولها مائتي ذراع، وهي لا يعمل بها إلا جماعة من الناس، ويكون لها مركب لطيف يدور حولها، وهذه لا ترمي إلا مرة أو مرتين لا غير. وفي ديار مصر شبكة كهيئة الكيس لها خرطوم طويل، يكون طولها عشرون ذراعاً، وأكثر تجعل في مجاري الماء. وهذه تكون في الماء الحاد الشديد الجريان إذا كان الماء واقفاً، وأما في غير الماء الواقف فلا يصح ذلك، ومن ذلك شبكة يقال لها الجاروفة طولها سبعون ذراعاً تصلح للبحر الملح، وقد قيل في وصفها: كأن يدي الصياد إذا ظفرت به ... مجردة منها سناناً مفضضا وقد قيل في اختيار الصيادين: يا رب نهر متأقٍ ملآن ... حم المدود معمر معانِ من كل مختار من الحيتان ... الزجر والشبوط والبنانِ كالطلع مجنياً من الجنان ... أو كقدود أذرع الغوانِ مكسوة من صنعة الرحمن ... مثل دروع السادة الفرسانِ وقيل في وصف شبكة السمك:

وجدول بين حديقتين ... مطّردٍ مثل حسام القينِ كسوته واسعة القطرين ... تنظر في الماء بألفِ عينِ وأما القالة: فهي من جملة آلة الصيد، وهي لا تعرف إلا في بلاد العراق، وهي مثل الكف، منها ما يكون أربعة وثلاثة، وهي حديد، كل إصبع وحده، وبجمع الجميع الكف في كل إصبع منها مثل الكلاب خارج، بحيث إذا ضرب بها شيء لا يخرج منها، وهي التي ذكرها أبو فراس ابن حمدان في قصيدته الشهيرة بالطردية المشهورة بالصيد والطرد، يذكر فيها القالة حين عاين الأرنب في مرقدها، وهي بيتان لقصيده: ثم أخذتُ عقب قالة كانت معي ... ودورت دورين ولم أوسّع وقال: حتى تمكنتُ ولم أخطر الكلب ... لكلّ حتفٍ سبب من السببِ وهذ تصلح أن تكون مع جميع الصيادين لصيد لسمك وغير السمك، وتكون لمن يصيد الغزال بالليل. الدالوية: وهو صيد الجلجل والسراج يكون في راس قناة مع غلام لهذا الفن يصاد بها في المخايل الأرنب والغزال والطير جميعه ما دق وما جلّ ومن البر ومن البحر، والدالوية هي الجلجل، قد تفردت به بلاد إربل وشهرزور وبلاد الموصل، قال ذلك الأستاذ. أما الأرنب: فإنها إذا وجدت راقدة، والغزال أيضاً إذا وجد نائماً، ولطير الماء إذا كسره البازي ووقع في الماء ولم يقدر عليه، وكذلك الحجل إذا صار في المكان الضيق من جحر وغيره ويشال أيضاً لها الحوائج إذا سقطت، ولم يوصل إليها. وأما الدّوا: فهو شجر يعرف بالضيمر، يكون في البرية، وهي شجرة ذات ورد أصفر كثير ولها رائحة كريهة، وهي في الذوق مرة شديدة المرارة، ترفع عن الأرض القامة، وأكثر من القامة، وأكثر ما تكون بين الزرع، وتوجد في المفوز والفلوات، وتكون على الأنهار، وينشد عندها بيتان فيتساقط من شجرتها زهرها، وهي هذه البيتان: يا نازلاً بالبلد البلقع ... ويا ديار الظاعنين اسمعي ما هي بأطلالي ولكنها ... ديار أحبابي فنوحي معي وأما الأستاذ عيسى رحمه الله فلم يصحح هذا، وأنكر على من يصدق ذلك واستضعف عقله. قال محمد بن منكلي: أما الأستاذ فلا يعترض عليه من وجوه، أحدها، إنه قال ذلك شفقة على الصبيان وذوي العقول الناقصة لئلا تعرفهم الشياطين من المتنبلين بمثل ذلك ويخرجونهم من أمر إلى أمر، مثل صبغ ظاهر الآنك بلون الذهب، وصبغ ظاهر الشبه بلون الفضة يخرجونهم من حق إلى باطل. الأمر الثاني: إن الشيخ في باطن الأمر لا ينكر مثل ذلك. الثالث: ما الذي ينبني على ذلك، وما الفائدة فيه، فثم أمور يعجز العقل أن يصدقها كما في الخواص. وأيضاً ثم كلام مؤثر في أسماع الحيوان، مثل ما ذك قبل ذلك في أمر الكروان إذا قيل له أطرق كذا مراراً فإنه يلتصق في الأرض، حتى يرمي مثل هذا كثير. حدثني والدي، تغمده الله برحمته: إن في بلاد الترك غذ جاءهم المسمى يك يقرأون "صراط فإنهم ينهزمون والنسوان عندنا إذا سمعوا صوت الوزغ يقولون حمص، فإنه يسكت، ولعل معترض يقول: هذه حيوانات تسمع، فكيف تسمع الشجر، فلا يلتفت لهذا بجواب أصلاً وقد خرج بنا عن المقصود، فنطلب الصدر من كل فتى مقصود وصياد السمك يأخذون ورق هذه الشجرة فتدق، وهي في الشجرة. فإذا وجدوا الماء الواقف لا مادة له، وفيه اسمك، ولم يقدر عليه بشبكة ولا بترول وأعياه ذلك فينزل إلى الماء، وذلك معه، ولا يزال يضرب به الماء إلى أن يتغير طعم الماء منه، ويحرك ذلك الماء حتى يصل إلى القعر، فإن كل سمكة وصل إليها رائحة ذلك الورق طفت على وجه الماء بحيث أنه لا يبقى على الماء شيء إلا صار ظاهراً، فيصاد حينئذٍ إما بالشباك وإما بالمقبلان، وهو شيء يكون في راس عود وطوله خمسة أذرع وأكثر وأقل، ويسمى قم خذ صيدك ويسمة الكلاّب ويسمى المغيت والمعين والمشهل وخصم القاضي. ولبعض الصيادين قصيدة مشهورة أنشدت على شرف الدولة، رحمه الله، بمدينة الموصل، وقد صاد الصياد سمكة كبيرة بالمقبلان وجاء بها بين يديه فأنشده. وأعطاه جائزة، وكان شرف الدولة يهوى بعض سراريه، فأنشد الصياد في ذلك لمعنى، شعراً: دقيقة الخصر تحكي الغصن في الحركة ... ريّانة الجسم لكن ردفها تنكه (بتكة) لما رأت حلقي حتى رأت صلفي ... وحلية المرء قد تثني عن الملكة وقال يسمى الكلاّب في شعره، وهي قصيدة طويلة:

باب مستدرك في ما يتحيل به من يريد الصيد عند فقد آلة الصيد من سهم عذار، وبه يتم

وأومى بكلاب له نحو صيده ... يقرّبه كالخصم صادفه خصم وقيل في المقبلان: وقبلتها بالمقبلان فأقبلت ... ذلولاً وكانت قبل ذلك لي نحفا وقيل في المغيث: ولما دنا منها المغيث رأيتها تط ... يع وكانت قبل ذلك مفصل وقيل في المحيّر في قصيدة طويلة: وأومأت إليها بالمحير فأقبلت ... كإقبال مخشوش يلاعبه طفل وقيل في المعين من قصيدة طويلة: أخذت معيني في يدي وجذبته ... إليّ به جذب الحريص من الحذرِ وعدت إلى صحبي أكبر بعدها ... وقد أيقنت نفسي هنالك بالظفر تسمية المسهل: إذا سهل الرحمن صار مسهلي ... إلى جنبها كالخصم يعلق في الخصم وقيل في تسمية خصم القاضي: وقالت لقاضٍ أنفذ الخصم نحوها ... أتيتك نحِ الخصم عني وشيلني أطعتك فيما تبتغيه وإنني ... إلى ما مضى غيري أبيت محلني فقلت لها لا تطمعي لست بعدها ... بعائدة يا رزق ويحك طيعني وأما الوهار: فهي سلة تعمل في بلاد العراق طويلة من العيدان الدقاق، طولها إلى صدر الرجل ورأسها مفتوح، دور الطبق الواسع، وهو الرأس الذي يكون أبداً في الماء حال الصيد بها، ورأس الفوقاني، وهو الذي تجوز منه اليد إذا حصل منها شيء بمقدار ما تجوز فيها اليد. فإذا نزل الماء جعل يده اليسرى في جنبها، وقبض بيده اليمنى على سقتها ثم يمشي قليلاً قليلاً، ويطرح بها الماء، وهذه لا تكون إلا في الماء الراكد، وينبغي أن يكون معه مقبلان طوله شبرين حتى يتمكن به من أخذ السمك الحاصل في الوهار ولبعضهم في الوهار: يا رب لا تحرمها وهادي ... وارزق الغير على آثاري وأما الطين: فإنه إذا كان الماء راكداً ولا مادة له فينزل إليه ويطرقه بالطين إلى أن يتكدر ويرمي إليه بالتراب، ويضربه حتى يتكدر، فإن السمك يعمى به، ويقف على رأس الماء، فيصاد حينئذٍ. ويصاد أيضاً في البحر الملح وغيره من البحار، فيجعل ضوء في مركب، ويأخذ الضوء بيده اليسرى ولا يتكلم ولا يتحرك ولا يكون معه من يشعله، وقف بالنار على رأس الماء، فيخرج السمك إلى ذلك الضوء فإذا عاينه ضربه بالمقبلان أو غرفه بالغرافة. ومن الناس من يعمل له المصايد بأن يحفر حفيرة غميقة، ويلقي فيها العلف لتجتمع فيها السمك فإذا علم أنها قد امتلأت سد باب الحفيرة بلوح يكون قبل ذلك معد لذلك ثم يصاد بما شاء ثم يعلف بعد ذلك أياماً حتى يألف سمك آخر، فإن السمك يجيء موطنه كالطير وبالله التوفيق. قال محمد بن منكلي، ختم له بالحسنى: وقد سمي هذا الكتاب "أنس الملا بوحش الفلا" فاقتضى أن صياد السمك يكون في الفلا، ويغيب عن أهله الأيام في البحر الملح وغيره، ويأنس بالصيد، وأيضاً فلا يخلو الكتاب من ذكر الصيد للحيوان البحري، وتبركت بقوله عز وجل: "أحل لكم صيد البحر وطعامه"، فصيد البحر وطعامه ما نضب عنه الماء. وقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم" تناله أيديكم أي بيض النعام، ولو بسط الكلام لوقع الملام، وقد اشترط أولاً اختصار كتاب الأقلام، ومنه تعالى يستمد الإكرام وهي حسبي ونعم الوكيل. باب مستدرك في ما يتحيل به من يريد الصيد عند فقد آلة الصيد من سهم عذار، وبه يتم الكتاب إن شاء الله تعالى قال المؤلف: ينبغي لمن أراد أن يحتال على الطير ليصيده فليأخذ شيكران ويذيبه بالماء، ويضاف إليه قدر الماء من عسل، ثم انقع فيه براً يوماً وليلة ثم القِ ذلك البر للطير فإنه يغشى عليه، فتأخذه خلاصة يسقى ما فيه سمن. وأما صيد طير الماء فيوضع لهن في شط الماء الذي يتقربن منه خمراً في إماء قد وضع فيه بنج فيؤخذوا ودردي الخمر يفعل ذلك من البنج. وأما كيفية صيد الحجل فليعمد إلى دقيق بر غير منخول يعجن بخمر ثم يطرح للحجل في موقع نهر، فإذا أكلوا ذاك أخذوا. وكذلك تفعل بالكركي.

ومما يصلح للمتصيد أن يفعله عند خروجه إلى الصيد أن يستخبر الله تعالى قبل كل شيء

وأما الحيلة في صيد الغزال بغير آلة، فيؤخذ قطران يجعل في ماء في إناء كبير، ولو كان جلد هيئة نطع يوضع على حفرة، ويجعل الماء الذي فيه القطران فيها، كما فعل العرب عند الأثماد للسقي، فمن شرب من ذلك الماء من الغزلان فيسقط فيبادر إليه بالذبح وهو مجرب عند العرب المجربين. وقد تخيلت لو خلط القطران بالقمح أو الشعير وأكله الغزال فربما فعل ذلك والله أعلم. ومما يستعين به المتصيد ويتحفظ به في البرية إذا نزل ونام فليخط بإصبعه في الأرض في الجهة القبلية يس والقرآن، وفي الجهة الشرقية ص والقرآن، وفي الجهة البحرية ق والقرآن، وفي الجهة الغربية ن والقلم والله من ورائهم محيط إلى آخر السورة. ومما يصلح للمتصيد أن يفعله عند خروجه إلى الصيد أن يستخبر الله تعالى قبل كل شيء قبل خروجه بصلاة الاستخارة بصلاة 53 بالركعتين ودعاء الاستخارة وهو مشهور صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وتعليمه، ولا بأس أن تختار من الساعات التي خلقها الله عز وجل وهي الساعة الثانية والسادسة من يوم الأحد، يوم الاثنين: السابعة والعاشرة، يوم الثلاثاء: السابعة، يوم الأربعاء: عند الشروق، يوم الخميس: بعد طلوع الشمس، يوم الجمعة: الأولى والثانية والخامسة والسادسة والحادية عشر، يوم السبت: الرابعة والسابعة، ذلك تقدير العزيز العليم. ومما يستعين به المتغرب في صيده إذا اختشى الاحتلام خصوصاً في الشتاء أو في عدم الماء قالوا: أن تكتب في داخل فخذه اليمن هذه الحروف ع م أ. وأخبرني العبد الصالح الفاضل محمد الشامي، حفظه الله: أنه جرب إذا كتب على الذكر بالتريق هذه الأحرف ود آر ر. قال محمد بن منكلي: الصحيح عندنا أن طبع هذه الحروف كلها رطبة ما خلا الألف، وإن الألف قد صار طبعها رطباً كأولئك، وهذا لا نزاع فيه عند أهل التبصرة، وقد توهم أن طبعها غير ذلك وغلطوا وأقول، كما قيل لكنهم باحوا فزدت تكتماً. ومما ينفع المتغرب في طلب الصيد البري أو البحري أن يكون معه صمغ شجر السماق، فإنه يلصق الجراحات الطرية بدمها، وهو عجيب في ذلك، فإن لم يوجد هذا الصمغ وإلا فليستصحب ذروراً مركبة جزء وعفص أخضر زاج أربعة أجزاء، يماني ثمن جزء يسحق الجميع ثم ينخل من خرقة ويدخر، فإذا احتيج إليه ذر منه على الجرح، فإنه جيد إن شاء الله تعالى. وهو نافع لعقر الفرس إذا كان العقر طرياً. وأيضاً صمغ الجوز نافع إذا ذر على الجراحات منع انبعاث الدم ويسمى باليونانية سادوران. ويصبغ به العود وماء الورد عوضاً عن المسك فيغشون به العطارين، وكان الأولى في ذكر هذه المنافع أن تكون أول الكتاب في باب آداب المتصيد. لكن الوحدة وعدم المساعد أوجب ذلك والفقير يعتذر في ذلك لكل سيد فاضل مالك. والحمد لله على الوحدة من عدم القرين السوء، وهي من أجل النعم وأسناها. وهذا آخر ما انتهى غليه الوارد، وهو إن شاء الله تعالى أشرف المقاصد. كتبه مؤلفه العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن منكلي غفر الله له ولوالديه ولأصحاب الحقوق عليه وذلك لأجل من يقال فيه: ولازالت الأمة في شكره قاضية دين ... وإحسانه متجدداً أبداً على الجديدين فالله تعالى يديم بهجة الدنيا بامتداد ظله ... ويلهم أهلها ما يستوجبون به سبوغ عدله فرغ من كتابة هذا الكتاب المبارك نصف شهر صفر الخير عام ثلاث وسبعين وسبع مائة أحسن الله تقضيها بخير آمين، وصلى الله على سيد الأوائل والأواخر سيدنا محمد المؤرخ بهجرته المختتم بدعوته وعلى آله وعترته وحسبنا الله ونعم الوكيل. وكان الفراغ من تعليق هذا الكتاب المبارك من خط مؤلفه يوم الأربعاء الرابع عشر من شهر رمضان المعظم سنة ثلاثة وعشرين وتسعمائة، أحسن الله عاقبتها بخير آمين. غفر الله تعالى لكاتبه وللناظرين فيه وللمترحم عليه.

§1/1