أنس المسجون وراحة المحزون

صفي الدين الحلبي

[تمهيد]

[تمهيد] {ياصاحِبَيِ اَلسِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اَللهُ اَلْواحِدُ اَلْقَهّارُ (39)} [يوسف:39] قال عمر بن الخطاب: إنّي لم أستعمل عليكم عمّالي ليضربوا أبشاركم وليشتموا أعراضكم ويأخذوا أموالكم، ولكنّي استعملتهم ليعلّموكم كتاب ربكم وسنّة نبيكم، فمن ظلمه عامله بمظلمة فلا إذن له عليه، ليرفعها إليّ حتّى أقصّه منه. فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين، أرأيت إن أدّب أمير رجلا من رعيته أتقصّه منه؟ فقال عمر: وما لي لا أقصّه منه وقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقصّ من نفسه. طبقات ابن سعد 3/ 188 إن كنت حبستهم بباطل فالحقّ يطلقهم، وإن كنت حبستهم بحقّ فالعفو يسعهم. الشعبي لابن هبيرة في سجين. العقد الفريد 2/ 188

[مقدمة التحقيق]

بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ وأفضل الصّلاة وأتمّ التّسليم على محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين [مقدمة التحقيق] الحمد لله كما أمر، وله الشكر على ما أنعم ووهب، وهو القائل بمحكم تنزيله: وَهُوَ اَلَّذِي فِي اَلسَّماءِ إِلهٌ وَفِي اَلْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ اَلْحَكِيمُ اَلْعَلِيمُ [الزخرف: 84] كل شيء عنده بمقدار، خلق الإنسان، ووضع الميزان؛ وقال عزّ من قائل: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ اَلنّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) [الزلزلة:6،7] سريع الحساب، أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدّين كلّه نذيرا وبشيرا، ليقيم الدّين، ويبشّر المخبتين، ويجاهد الكافرين، أرسله لإقامة شرعه، وإنفاذ حكمه. فلله الحكم وله الأمر، وضع الحدود، وجعل التعزير رأفة ورحمة لعباده في هذا الوجود. ومنذ تمّ أمر الله، وقامت دولة الإسلام، وتوطّدت أسسه وأركانه ظهرت الحاجة في كثير من الأحكام إلى ترشيد الزالّين عن الصراط، بتعويقهم وسجنهم، وقد ورد في القرآن الكريم أكثر من آية تأمر الحاكم بسجن الجناة، كقوله: إِنَّماجَزاءُ اَلَّذِينَ يُحارِبُونَ اَللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي اَلْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ اَلْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي اَلدُّنْياوَلَهُمْ فِي اَلْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (33) [المائدة:33] ومعنى يُنْفَوْا: يسجنوا لأن نفيهم حقيقة من الأرض لا يعقل، فإن أيّ مكان يرسلون إليه هو من الأرض. وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليّ الواجد يحلّ عرضه وعقوبته» (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري تعليقا 5/ 62 في الاستقراض، باب لصاحب الحق مقال، وأبو داود =

لم يكن السجن بدعا، وإنما هو قديم قدم الإنسان الأول، واليقين الذي لا شكّ فيه أن مؤسسة السجن هي من أولى المؤسسات التي ابتدعها الإنسان، ولا يتّفق الإسلام مع غيره من الأنظمة التي أخذت بنظام السجون إلا بالاسم فلم يكن السجن في الإسلام أداة قهر وتعذيب، ولا انتقام وتدمير بل هو أقرب ما يكون إلى المدرسة الاجتماعية، والمؤسسة الأخلاقية منه إلى السجن بل إننا نستطيع القول: إن السجن في النظام الإسلامي-أعني النظام الذي قام على شريعة الله تعالى، وسنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم-لم يكن سوى مستشفى للأمراض النفسية والعصبية والفكرية والسلوكية. وقد أوجد المسلمون دستورا لنظام الإصلاح الاجتماعي والأخلاقي لا نجده في أرقى دول العالم، كتب عمر بن عبد العزيز لأمراء الأجناد: «وانظر من في السجون ممّن قام عليه الحقّ، فلا تحبسنّه حتى تقيمه عليه، ومن أشكل أمره فاكتب إليّ فيه، واستوثق من أهل الدّعارات، فإن الحبس لهم نكال، ولا تعدّ في العقوبة، وتعاهد مريضهم ممّن لا أحد له ولا مال وإذا حبست قوما في دين فلا تجمع بينهم وبين أهل الدّعارات. . . . وانظر من تجعل على حبسك ممّن تثق به، ومن لا يرتشي، فإنّ من ارتشى صنع ما أمر به» (¬1). هذا هو النهج الذي خطّه عمر بن عبد العزيز، والذي ذكره دائما في ¬

= (3628) في الأقضية، باب في الحبس في الدين وغيره، والنسائي 7/ 316 في البيوع، باب مطل الغني، وابن ماجه (2427) في الصدقات، باب الحبس في الدّين. قال ابن الأثير في «جامع الأصول» 4/ 455: اللّيّ: المطل، والواجد القادر المليء، «يحل عرضه»: أي يجوز لصاحب الدين أن يعيبه، ويصفه بسوء القضاء، والمراد بالعرض: نفس الإنسان، و «عقوبته»: حبسه. (¬1) طبقات ابن سعد 5/ 356.

رسائله: «أما بعد، فاستوص بمن في سجونك وأرضك حتى لا تصيبهم ضيعة، وأقم لهم ما يصلحهم من الطعام والإدام (¬1)». وما زلنا نجد نفحات طيّبة من ذلك الأصل الزكي، فأحمد بن طولون كان يجري على المسجونين (500) دينار في كلّ شهر (¬2). وقد بلغت الحكومة الإسلامية منزلة لا تحلم بها اليوم أمّة من الأمم، وهي ليست رعاية المسجونين، بل رعاية التّوابين، فمن قضى مدّة سجنه، أو نال جزاء ما اقترفت يداه من إقامة حدّ، أو تنفيذ تعزير، ومن ثمّ صلح أمره، وغدا على الصراط المستقيم حاله، لا يدعه المجتمع غريبا وحيدا منبوذا، بل يعيده إلى صفوفه، ويرعاه حقّ رعايته، متمثلا بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ بني آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوابون (¬3)» فكان يجري عليه راتبا شهريا (¬4)، تأكيدا على وقوف المجتمع مع الفضيلة، ومنعا من انحرافه تحت وطأة العوز والفقر. هذه هي وظيفة السجن الحقيقية: العقوبة دون تعدّ، والإصلاح والتقويم دون إفراط ولا تفريط، فلا غرابة أن يكون أوّل من بنى السّجون في الإسلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وما زال السجن قائما بين أمرين، فإما أن يكون شعلة نور يهتدي بهديها المجتمع فيصحّح سلوك أبنائه، ويرشد الشّداة إلى الصراط المستقيم، وبين ¬

(¬1) طبقات ابن سعد 5/ 377. (¬2) التاريخ لابن خلدون 4/ 305. (¬3) أخرجه الترمذي (2501) في صفة القيامة، باب المؤمن يرى ذنبه كالجبل فوقه. وابن ماجه (4251) في الزهد، باب ذكر التوبة. والدارمي 2/ 303 في الرقاق، باب في التوبة. (¬4) مروج الذهب 5/ 154 (3295).

أن يكون أداة قمع وتعذيب وتنكيل بيد حاكم ظالم، ابتعد عن الإسلام وابتعد الإسلام عنه، فراح يعيث فسادا في الأمّة وفي أبنائها معتمدا على فقيه سوء وسجّان مجنون. ومن بديع حكمة الله تعالى وفضله أن يشمل أدبنا كلّ نواحي الحياة، فلم يدع بابا إلاّ طرقه، ولا بقعة مظلمة إلا أنارها، ونظرا لتداخل موضوع السجن بين السياسة والأدب، والفقه واللغة فقد تناول هذا الجانب كلّ حسب اختصاصه، وكان أولهم بسطا لهذا الموضوع كتب الفقه فنجد أبا يوسف يعقوب بن إبراهيم المتوفى سنة 182 هـ‍ قد جعل في كتابه «الخراج» فصلا في أهل الدّعارة والتّلصص والجنايات، وما يجب فيه من الحدود، تحدث عن الحبس وشروطه والسجان وما يجب أن يتحلّى به من خير وصلاح، وما يجري على السجناء من صدقة مال وكساء وأكل وغير ذلك. أما المكتبة الأدبية فقد أدرجت حديث السجن والمسجون في أثناء أبوابها وفصولها، ولم تخصّص للسجن بابا مفردا وربّما كان الجاحظ أبو عثمان بن بحر المتوفى سنة 255 هـ‍ أول من أفرد بابا عن الحبس في كتابه «المحاسن والأضداد» كذا نجد ابن قتيبة المتوفى سنة 276 هـ‍ في كتابه «عيون الأخبار» أفرد فصلا لطيفا عن السجن في كتاب السلطان، وإبراهيم بن البيهقي الذي كان حيّا زمن المقتدر بالله (295 - 320) في كتابه «المحاسن والمساوئ». وهنالك كتب صلبها عن السجن والسجّان، والضيق والكرب، ولكن الأخبار أتت منثورة لا يجمعها ناظم، ولا يلمّ شتاتها ضابط، ففي كتاب «الفرج بعد الشدّة» لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدّنيا المتوفى سنة 281 هـ‍ نرى أخبار السجن قد طغت على صفحات الكتاب، وكذلك الشأن في كتاب «الفرج بعد الشدة» للمحسّن بن علي التنوخي المتوفى سنة 384 هـ‍ يكاد يكون الجزء الأكبر من الكتاب حول السجن ابتداء من ارتكاب المخالفة

والجرم، ومن ثم طرق استجواب المتّهمين، وانتزاع الأدلة، ومن ثم قصص السجن وحوار أصحابها، والأحاديث التي تقال، ثم انفراج الضيق وسهولة الحزن بفضل من الله وكرمه. أما كتب التاريخ والرجال فأكاد أجزم بأنه لا يوجد كتاب في التاريخ إلا لو أفردت أخبار السجن فيه لكانت كراريس مطوّلة. وحتى كتب اللغة لم تغفل هذا الجانب، فالمعاجم قد أدرجت مفرادات السجون في موادّها، أما كتب المعاني فقد واكبت تطور المجتمع والدولة، فنجد في كتاب «المخصص» لابن سيده 12/ 93 عنوانات هي: الحبس في السجن، ما يحبس به، الحبس في غير السجن والمنع، الأسر والشدّة، باب العذاب، التنقذ والإطلاق، الضيق. وما زال السجن مؤديا وظيفته، ساميا بسمو الدولة، متّضعا بانحدارها إلى أن استقر به الحال منذ ضعف الدولة الإسلامية حتى يومنا فغدا الحاضر الغائب، المعرفة النكرة، قد غرس في ضمير الأمّة وفكر الفرد، قدرا محتّما كل الطرقات تؤدي إليه، لا فرق بين مفكّر وعيّار، ولا بين فقيه وقاطع طريق، فأمام السجن يقف الناس سواسية، لا فرق بين كبير وصغير، ورفيع ووضيع، وكأنّي بالحاكم لا يعرف إلا: وإن منكم إلا وارده. فقلّما نجد رجلا إلاّ دخله، ومن لم يدخله أصابه من غباره. وكم دلّلت أمتنا في تاريخنا المجيد على كرهها السجن عندما تنحرف الغاية منه، عندما يغدو رمزا للقهر والعدوان، فقد كسّرت الحبوس، وأخرجت المساجين كما ذكر الخطيب البغدادي في «تاريخه» 1/ 76 حادثة كسر الحبوس بمدينة المنصور سنة 307 هـ‍. وكما يذكر الطبري في «تاريخه» 9/ 262 أنّ العامّة ببغداد فتحوا سجن نصر بن مالك، وأخرجوا من فيه،

ونهبوا ديوان قصص المحبّسين، وقطعت الدفاتر. هذا هو السجن، وكذا فهمت الدولة الإسلامية-الإسلامية-وظيفة السجن الإصلاحية، وعندما انحرف هذا الفهم، واستبدل الأدنى بالذي هو خير أصبح السجن العبء الأعظم على الأمة، وأصبح رمزا للقهر والتسلط والبغي فما كان من الأمة إلا أن حطّمت هذا الرمز. وما زلنا نتلمّس رفض الأمة للسجن في نواح شتى، قد يكون أهمها ما درجت عليه الأمّة من الدعاء لهؤلاء المظلومين، حتى أضحى هذا الدعاء جزءا بل ركنا من أركان دعاء الجمعة: اللهم فكّ أسر المأسورين، وأحسن وعجّل خلاص المسجونين. وما زالت لغتنا تفرز بين الآونة والأخرى أدبا يمكن أن نسميه أدب السجون، مع العلم بأن المفرز لا يمكن أن يمثّل حالة السجن والقهر الذي يعيشه المسجون، فقد ألّف عباس محمود العقاد كتابا سماه «عالم القيود والسدود» ذكر فيه تجربته في سجن (قره ميدان) عام 1930 - 1931 (¬1)، وهذا أحمد صافي النجفي ينظم ديوان «حصاد السجن» عام 1941 م. ¬

(¬1) وهو في هذا الكتاب متأثر أشدّ التأثير بقصة دوستويفسكي: «ذكريات من منزل الأموات».

الكاتب

الكاتب هو الشيخ الفاضل العلاّمة صفيّ الدين، أبو الفتح عيسى بن البحتري الحلبي، هذا ما أثبت على غلاف المخطوط، وقد حاولت جاهدا أن أجد له ترجمة في كتب التاريخ والرجال دونما طائل (¬1). ولقد ورد في الكتاب صوى تشير إلى شخصه دون تحديده. أما الأولى فهي في المقدمة، وقد طمست بعض كلماتها، وهي تشير بمجملها إلى صورة عامّة لرجل قد تقاربت صروف الزمان به، وتآلفت المحن عليه، فقد نزلت به المصائب، وحلّت فيه البلايا من السجن والفقد والعدم. . . . . هذا ما نجده في مقدّمة الكتاب، وهذه المقدّمة لا تشير إلى الزمان ولا إلى المكان، وإنّما هي شاملة عامة تخبرنا عن دواعي تأليف الكتاب أكثر مما تشير إلى شخص صاحبها. أما الإشارة الثانية فيه فقد جاءت في الخبر (350) تحت قوله: «ولمولاي ركن الدين أحمد بن قرطاء. .» وهو أبو شجاع التركي الإربلي ¬

(¬1) جهالة مؤلف كتابنا هذا لا تقدح بالكتاب، فهناك كتب كثيرة ألّفت ولم يعلم شيء عن كاتبها، مع استفادة القاصي والداني منها، وأنصع مثالين هما: كتاب «الحماسة البصرية» التي تضاهي حماسة أبي تمام شهرة وذيوعا لصدر الدين بن أبي الفرج بن الحسين البصري المتوفّى سنة 659 هـ‍. فهو على علوّ شأنه وقربه من أكابر عصره وعلمائه وإهدائه حماسته إلى الملك صلاح الدين أبي المظفر لم يترجم له إنسان، أو يذكر مناقبه ومحاسنه. وكتاب «المحاسن والمساوئ» لإبراهيم بن محمد البيهقي، وكلّ ما يعرف عنه أنه كان حيّا زمن المقتدر بالله (295 - 320 هـ‍).

مولى السلطان مظفر صاحب إربل، وقد ولد سنة 598 هـ‍، غضب عليه أستاذه مظفر الدين فحبسه، وبعد موت مظفر الدين قدم حلب، وخدم الملك العزيز، ثم استوطن بغداد إلى أن توفي سنة 655 هـ‍. فمن موالاة مؤلف كتابنا عيسى لركن الدين أحمد نعلم بأنه من رجال القرن السّابع، ونجزم أنه كان حيّا سنة 625 هـ‍. والإشارة الثالثة وردت في الخبر (597) صفحة (225) والذي يصدره بقوله: حدّثني الشيخ الصالح أوحد الدين الكرماني وهو حامد بن أبي الفخر ولد بكرمان سنة 561 وساح ببلاد قونية وقيصرية، وبغداد وحلب ودمشق وكانت له صداقات مع الشيخ ابن عربي والذي ذكره في «فتوحاته» الجزء الثامن قائلا: «حدثني أوحد الدين حامد بن أبي الفخر الكرماني وفقه الله». كرّمه الخليفة المستنصر بالله وعمل له رباطا توفي سنة 635، وقد تأثر به كل من صدر الدين القونوي وجلال الدين الرومي، وكانت له مكانة عظيمة وترك أتباعا كثيرين. وقد ترك مجموعة آثار في اللغة العربية منها «ورد الأوراد» ونسب إليه كتاب «مصباح الأرواح» وليس له. . كتب ما يقارب من 1700 رباعية جلّها بالفارسية وهو ممن قال بوحدة الوجود، وقد طعن عليه شيخ الإسلام ابن تيمية عندما ذكر ابن عربي وابن الفارض وجرد أمضى أسلحته وأطلق فيهما لسانه وقلمه جامعا بينهما على الرغم من اختلافهما منزعا ومشربا ومنهجا في إطار واحد مع صدر الدين القونوي، وابن سبعين، والحسين بن منصور الحلاج، وعفيف الدين التلمساني وأوحد الدين الكرماني على أساس أنهم جميعا يقولون بالحلول والاتحاد (¬1). ¬

(¬1) انظر الفتوحات المكية 1/ 140، مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية 1/ 166، 167. . نفحات الأنس لجامي صفحة 538 (مخطوط فارسي) هدية العارفين 5/ 228 مجلة (المسلمون) انظر صفحة (263) المراجع الأجنبية.

ثقافته

والخبر يعزز لنا أن كاتب مؤلفنا كان حيا سنة 625، وأنه قد استوى مع الشيخ ابن عربي بالتلقي، فكلاهما قد أخذ عن أوحد الدين الكرماني. ثقافته 1 - نتلمّس من خلال الكتاب ثقافة رجل من أصحاب الدواوين جمّاعة لا بأس به، صاغ تجربته التي مرّت به فأجاد، واستفاد من مخزونه الثقافي فأحاط وأفاد، وتتبدّى لنا ثقافته في منحيين: الأول: حشد أخبار وأقوال عن السجن، وما يتعلّق به: الحاكم والأمير والزائر، حتى السامع. ولولا سعة اطلاعه وشمولية ثقافته لعجز عن هذا السّرد. الثاني: بناء الكتاب، صحيح أن الكتاب عن «أنس المسجون» ولكن الشطر الثاني من اسم الكتاب لم يكن غائبا «سلوة المحزون» وبهذا أعطى الكتاب شمولية لها بعدان: مكاني ونفسي، وبهذا أخرج الكتاب من أن يكون تخصّصيا، فهو من كتب الأدب العامة، أقامه على تسعة أبواب. عرف كيف يسوق الفصول مع الأبواب، كما عرف كيف يدفع الأخبار ويتنقي الأقوال. والكتاب على جودته وتفرّده لم يأت مبرّأ من العيب خاليا من الهنات، وأهم ما يؤخذ على صاحبه: 1 - تحريف كثير من الأسماء وتصحيفها، ولا أريد أن أرفق الكلام بجدول ولكن ما عليك إلا أن تراجع الأخبار (92،135،172. . .). 2 - كثيرا ما ينسب الخبر إلى غير قائله انظر الخبر (18). 3 - الخروج عن المنهج الذي خطّه لنفسه، ففي الفصل السادس: في القناعة واليأس مما بأيدي الناس يسوق الأخبار (507،. . . .512) ويستمر في الاسترسال بقصص وأخبار هي أقرب ما تكون إلى باب الحلم والجود، ثم

يصحو من استرساله، فيقول معقبا: ثم تمام باب القناعة واليأس. 4 - ربّما يستحسن خبرا، لكنه ينسى أسماء الشخصيات، فيسوق الخبر بمبهمات. انظر على سبيل المثال الخبر (62). 5 - وأخيرا نأخذ عليه شيئا بسيطا هو تكرار خبرين هما (289 و 319) وقد أعادهما تحت الرقمين (364 و 552). وأعود فأقول عن جمعه: إنه قد أجاد وأفاد، وانتقى مكارم الأخبار وعيون الأشعار. 2 - ثقافته من خلال أحكامه: ونتلمس في هذا الكتاب عدّة أحكام أصدرها مؤلف كتابنا هذا نستطيع أن نتبين من خلالها مشربه وثقافته بل وعقيدته وفكره وانتماءه: أ-الخبر (205) صفحة (80) عن الشيخ الرئيس أبي علي ابن سينا وأبياته التي أمر أن تغنّى له حتى تفارق روحه جسده، والتي آخرها: وبقيت لا شيئا أشاهده … إلا أقول بأنه ربّي وفي الأبيات ما فيها من فكرة وحدة الوجود، ثم يقول في آخر الخبر: ومات من وقته مقدّس الروح مطهّرا. ولا يكتفي بهذا بل يؤكد أنه على طريقته وفكره في البيتين اللذين يسوقهما بعد هذا الخبر وهما: فليرحم الله إخوانا لنا ذهبوا … أفناهم حدثان الدهر والأبد نمدّهم كلّ يوم من بقيتنا … ولا يؤوب إلينا منهم أحد ب-الخبر (597) صفحة (225) والذي يصدره بقوله: حدّثني الشيخ الصالح أوحد الدين الكرماني، ولقد سبق لنا التعريف بهذا الشيخ الصالح صفحة (14) وأنه من أصحاب ابن عربي، وله نفس المشرب والمصدر. وأقول: إن غياب ترجمة المؤلف عنّا دفعنا أن نتلمّس ملامحه الثقافية والتاريخية من خلال هذا الكتاب. وتبقى هذه الأحكام عرضة للتغيير والتبدل إذا

وجدنا ترجمة وافية له تحدّثنا عن الرجل وعقيدته، وتخبرنا عمّا مات عليه. ويبقى لنا جانب من جوانب ثقافته وهو شعره، فهو شاعر غير مطبوع، وشعره أقرب إلى شعر المؤدبين والعلماء، لا نجد فيه جذوة الشعر، ولا حرارة العبارة، ولا براعة التشبيه، وإنما هو شعر وجداني، أراد به أن يعبّر عن مأساته ومحنته فأتى بأبيات موزونة ذات روي واحد. وانظر إلى أشعاره في الأخبار ذات الأرقام: خبر ... صفحة 285 ... 117 304 ... 121 342 ... 133 345 ... 134 351 ... 137

الكتاب

الكتاب إن الكتاب على صغر حجمه، ودقة جرمه له أهميته ومنزلته في المكتبة العربية، وهذه المنزلة تتبدّى أولا بعنوانه، فهو أوّل كتاب يفرد في عنوانه «السجن» ويجعل منه علامة يتوقف عندها، ومنبرا يشدّ القارئ إليه، فانفراده وأوّليته-في هذا المضمار-في أدبنا العربي، وربّما يكون أوّل كتاب يوقف لدراسة هذه الظاهرة في الآداب العالمية، يدللّ على إنسانية أدبنا، وتعاطفه مع الإنسان في جميع حالاته: بسموّه وارتفاعه، بوسطيّته واعتداله، بانحرافه وضلاله، فيبقى الإنسان إنسانا، ويبقى الأصل: فِطْرَتَ اَللهِ اَلَّتِي فَطَرَ اَلنّاسَ عَلَيْها [الروم:30] وتبقى حالة التمرّد والعصيان هي الحالة الشاذة العابرة، واستطاع أدبنا أن يكون مع هذه الحالات الثلاث مع الإنسان وله. وتتبدّى أهمية الكتاب أيضا بنصوصه ومادّته، فإن كثيرا من نصوصه يكاد ينفرد بها، ويقف شاهدا على كتب فقدت من مكتبتنا، انظر على سبيل المثال الأخبار (252 انظر الصفحة 99 منه،412،513،602). والكتاب يعدّ من كتب الأدب العامة، ولئن كانت تسميته ب‍: «أنس المسجون وسلوة المحزون» فإنّما هو من باب تسمية الكلّ باسم الجزء. وعادة تسمية الكل باسم الجزء عادة متّبعة في تراثنا تستند لنفاسة هذا الجزء، أو لأنّ مدار الكتاب عليه، وفي القرآن الكريم سميت كثير من السور باسم آيات فيها: كسورة البقرة، سميت باسم البقرة لورود قصتها في آيات منها، وسورة هود، ومريم. . . ومن هذا الباب سمّى أبو تمام كتابه «الحماسة».

الكتاب تسعة فصول، الفصل الرابع فيه هو: «في السجن والتعويق ومن خرج من سعة إلى ضيق» وباقي فصوله الثمانية فصول لا ترتبط بالسجن إلا ارتباطا خفيا قد لا يدرك للوهلة الأولى فالإنسان ابتداء في أحسن تقويم والفضل والنعم قد جاءته تحبو، ولكن النعم سريعة الذهاب متقلّبة الأحوال فعليه أن يقيّدها بالشكر (الفصل الأول) ويوثقها بالحمد، أما إذا تولّت فما عليه إلا الصبر (الفصل الثاني) والتجلّد، والتسليم والرضا، فمآل الأمور إلى زوال، وأحوالها إلى تبدّل وتغيّر، ومهما كان البلاء جللا فمصيره إلى اضمحلال، وإلا فالموت (الفصل الثالث) خاتمة الأشياء وكأن هناك طرفا خفيا، ورابطة سرية ما بين الموت والسجن لهذا يبدأ (الفصل الرابع) في السجن والتعويق، وأول طلع من طلوع السجن انفضاض الأصحاب، ونفاق الإخوان (الفصل الخامس) وفي هذه الحالة عود على بدء، فما على صاحب هذه المحنّة إلا القناعة والزهد (الفصل السادس) وعليه أن يتحلّى بمكارم الأخلاق ومحاسن المناقب (الفصل السابع) وأن يكون أولا تقيّا، ذا أمانة وديانة (الفصل الثامن) ولا عليه ما جرى له بعدها، فحال الدنيا، وتقلّب أحوالها معروف، فلن يكون أوّل ولا آخر من فعلت به الدنيا فعلها (الفصل التاسع). ولا يفوتنا ونحن نتحدّث عن الكتاب أن نذكر أن مؤلفه أشار أحيانا إلى مصادره التي استقى منها مادة كتابه فيذكر التنوخي، والمسعودي و «مجالس ثعلب».

وصف المخطوطة

وصف المخطوطة تقع هذه النسخة في إحدى وسبعين ورقة، وهي محفوظة في المتحف البريطاني تحت رقم (19534). وقد ذكرها بروكلمان في «تاريخ الأدب العربي» 6/ 163. وفي الصفحة (19) سطرا، وقد تمّ نسخها في السادس والعشرين من ربيع الأول سنة (889) على يد أويس بن خليل بن علي المحمدي الأويراتي. وخطّها نسخي مقروء جميل، كتبت مع الشكل والتنقيط وهي نسخة مقابلة مقروءة. وعلى غلافها كتبت أشعار بخط فارسي، وهذا نصّها: لبعضهم: نمّ العذار بوجهه ثم انثنى … فكأنّه في وجنتيه مروّع ثمل يحاول فتل نقطة خاله … فتمسّه نار الخدود فيرجع لبعضهم: ووجه شفّ ماء الحسن فيه … فلو قبّلت صفحته لسالا يؤثر فيه لحظ العين حتى … تخال سوادها في الخدّ خالا ولبعضهم: ويرى له في الخدّ خال … كمسك فوق كافور نديّ تحيّر ناظري لمّا رآه … فقال الخال صلّ على النبيّ فقلت لقد بلغت نصاب حسن … فأدّ زكاة ذا الوجه [البهيّ]

فقال: أبو حنيفة لي إمام … يرى أن لا زكاة على الصّبيّ لبعضهم: ألا ربّما زرت الملاح وربّما … لمست بكفيّ البنان المخضّبا ودغدغت رمان النهود ولم أزل … أعضعض تفاح الخدود المكتبا لبعضهم: بصدر معذبي سطرت ضادا … مؤرخة لأيام السعود فقال اكتب حياتك قلت عيني … حياتي بين رمان النهود وبالإضافة إلى الأشعار هناك تملك للنسخة ونصّه: تملك العبد الحقير جرجس نعمة الله حسون. كما ذكرت على هامش الورقة الأخيرة: لقد كنت مثل اللّيث في زمن الصّبا … وحدّته أكلي بما قنصت كفّي وقد صرت مثل الهرّ أكلي سرقة … وإن قويت نفسي فأكلي بالخطفي وهنت إلى أن صرت كالفأر مأكلي … بقرض وربّ القرض منّي يستعفي وخوفي بعد الفأر أصبح نملة … فإني أرى الأحوال تمشي إلى خلفي وجاء في الهامش الأيسر على نفس الورقة ما نصّه: فائدة: الغسل قبل طعام لليدين غنى … والغسل من بعده حرز من الجذم بارك الله في عيش غسل له، وغسل منه. وكما ذكرت أن النسخة فيها كثير من الأخطاء والتحريفات، والناسخ يثبت الكلام بلهجته فغالبا ما تتحول الظاء إلى ضاد.

منهج التحقيق

منهج التحقيق لم آل جهدا في سبيل الحصول على نسخة ثانية لهذا المخطوط، فالنسخة الثانية غالبا ما تسدّ ثغرات النسخة الأولى، وتستر عوارها، وتقيم خللها، ولكن تجري الرياح بما لا يشتهى. وقد استعضت عن هذا بمحاولة تخريج كلّ أخبار الكتاب من أكثر من مصدر، ولكن المشكلة التي اعترضتني هي صحة نسبة الأقوال لأصحابها، فإن مررت بأخبار دون تخريج فهي إما لنفاسة هذا الكتاب وتفرّده بها، أو لعزو الأقوال إلى غير قائليها. ولقد رددت ما أعانني الله عليه من الأخبار إلى أصحابها، وبقي عدد غير قليل مردّه إلى ضعف بضاعتي وقلّة حيلتي. أما المقابلة بعد النسخ والضبط والتفصيل والترقيم، والتنصيص والشرح، والتعريف بالرجال والأماكن، فهو تحصيل حاصل لا أجد لذكره مسوغا. ولا يفوتني أن أتوجه بخالص الشكر والامتنان إلى الأخوة الأساتذة الكرام أبي خالد مأمون الصاغرجي، وأبي سميح إبراهيم صالح، والدكتور أبي عمار محمد حسان الطيان، الّذين استفدت من علمهم وآرائهم في إخراج هذا الكتاب. إلهي لك الحمد ولك الشكر على ما أوليت ولك النعمة والفضل على ما أعطيت ربّ بما أنعمت عليّ فلن أكون ظهيرا للمجرمين دمشق في غرّة ذي الحجة 1414 هـ‍ أيار 1994 م محمد أديب الجادر

صفحة العنوان

الصفحة الأولى من المخطوطة

الصفحة الأخيرة من المخطوطة

[متن الكتاب] كتاب أنس المسجون وراحة المحزون

[مقدمة]

[مقدمة] بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ اللهم صلّ على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما الحمد لله مولى الأنام. . . . . (¬1) والشكر والثناء، ومجلي النقم ومزيلها بالصبر والدعاء، الذي جعل النقم قصاصا وجزاء، ولم يجعل نقمة إلا بعد نعمة ذهل صاحبها عن أداء واجب الشكر، وغفل عن إقامة وظائف الحمد والذكر، فأسعد النعم طوالع، وأعذبها مشارع، وأكرمها مناقب، وأحمدها عواقب نعمة وقعت بعد محنة، وعطية حصلت بعد رزيّة، خلص صاحبها خلوص الإبريز، وصعد من مطرح الذّلّ إلى محطّ العزيز، وعرف وجوب شكر باريه، ولزم حمد خالقه ومنشيه، إذ الأثبت عقلا ودينا، والأوفر فضلا ويقينا من يتصدّى لما يولي الله من نعمه تصدّي الشاكر، ويتلقّى ما يبلى به من محنة تلقّي الصابر. ولمّا امتحنت بالمحن، وصرفت إلى صروف الزمن، واعتقل مخدومي الذي رضعت من لبون نعمه، ونشأت في حمى إحسانه وكرمه، وأصبت بوفاة الوالد والأخ، وحصلت بعدهما وبعد ذهاب المال في كفّة الحدثان والفخّ. بالمال طورا وبالأهلين آونة … ما أضيع المرء بعد الأهل والمال وتواترت عليّ محن تشيب الوليد، وتخلق ريعان كلّ جديد، أنفقت فيها شرخ الشباب، وسويداء القلب، وأفنيت معها ماء الحياة ولباب اللّب، فكان حالي كما قلت: ¬

(¬1) خرم أودى بكلمة.

.... (¬1) شرخ الشباب … وفي النائبات رماني الزمان ودوني كل ضعيف يباح … ومالي يصاب ونفسي تهان فيا ربّ قد طال وقع الأذى … أما لي من صرف دهري أمان وأصبح السّجن لي ربع أنس، والأشجان راحة قلب وقوت نفس. رأيت أن أجمع تذكرة تكون لي في حال النعم مذكرّة بالشكر، وفي حال النقم باعثة على العزاء والصبر، ووسمتها ب‍ «أنس المسجون وراحة المحزون» وجعلتها تسعة فصول، ومن الله أستمدّ العصمة والتأييد، وإليه أرغب في حسن المزيد. ذكر الفصول الفصل الأول: في الشكر واستدامته النعم، وصرفه المحن والنقم. الفصل الثاني: في الصبر والرضا، والتسليم والعزا. الفصل الثالث: في الموت وانقطاع الأسباب بين الأهلين والأصحاب. الفصل الرابع: في السجن والتعويق، ومن خرج إلى سعة من ضيق. الفصل الخامس: في نفاق الأصحاب والإخوان، وتغيّرهم مع تغيّر الزمان. الفصل السادس: في القناعة والياس، والزهادة فيما بأيدي الناس. الفصل السابع: في مكارم الأخلاق والكرم، ومحاسن المناقب والشيم. الفصل الثامن: في التقوى والأمانة، وقمع الهوى، والديانة. الفصل التاسع: في ذمّ الدنيا والزهادة فيها، وتقلّب أحوالها بأهاليها. وما قيل من تنبيه ووعظ، بأحسن إشارة وأفصح لفظ. ¬

(¬1) كلام مطموس في الأصل، لم استطع تبينه.

الفصل الأول في الشكر واستدامته النعم وصرفه المحن والنقم

الفصل الأول في الشكر واستدامته النعم وصرفه المحن والنقم 1 - قال بعض العلماء لابنه: يا بني، عليك بالشّكر، فإنّه يديم النّعمة ويزيل المحنة، وأكثر من الدّعاء؛ فإنّه يمحّص الذّنوب. 2 - وقيل: من صفة المؤمن أن يكون في الرّخاء شكورا، وفي البلاء صبورا. 3 - وقيل: الكمال في ثلاث: الشّكر مع الفقر، والصّبر عند المصيبة، وحسن التّدبير في المعيشة. 4 - وقال بعض الرّهبان: طوبى لمن شغل قلبه بشكر النّعم عن البطر بها. 5 - وقيل: قد عجز من لم يعدّ لكلّ بلاء صبرا، ولكلّ نعمة شكرا، ومن لم يعلم أن مع العسر يسرا. 6 - وقيل: النّعمة عروس مهرها الشّكر. 7 - وقال الجنيد (¬1): دخلت على السّريّ السّقطي (¬2)، فقال لي: ¬

(_7) حلية الأولياء 10/ 119، وشعب الإيمان 4/ 130 (4550). (¬1) الجنيد بن محمد بن الجنيد، صوفي مولده ومنشؤه العراق، ضبط مذهبه بقواعد الكتاب والسنة، توفي سنة 297. وفيات الأعيان 1/ 373. (¬2) السّري بن المغلس السّقطي، أول من تكلم في بغداد بلسان التوحيد وأحوال =

ما الشّكر يا غلام؟. فقلت: ألاّ نستعين بنعم الله على معاصيه. 8 - وقيل: علامة الشّكر دوام النّعمة. 9 - وقيل: تألّفوا النّعم بحسن مجاورتها، والتمسوا الزّيادة فيها بالشّكر عليها. 10 - وقيل: من شكر الباري فقد وجب عليه شكران: شكر النّعمة، وشكر (¬1) إذ وفّقه لشكره. وهذا شكر الشّكر. 11 - محمود الورّاق (¬2): إذا كان شكري نعمة الله نعمة … عليّ له في مثلها يجب الشّكر فكيف بلوغ الشّكر إلاّ بفضله … وإن طالت الأيام واتّسع العمر إذا عمّ بالسرّاء عمّ سرورها … وإن عمّ بالضرّاء أعقبها الأجر فما منهما إلاّ له فيه نعمة … تطول بها الأوهام والبرّ والبحر 12 - وقالت هند بنت المهلّب (¬3): إذا رأيتم النّعم مستدرّة فبادروا بالشّكر قبل حلول الزّوال. 13 - وقال الحسن البصري (¬4): نعم الله أكثر [من] ¬

= الصوفية، كان خال الجنيد وأستاذه، توفي سنة 253 هـ‍. طبقات الصوفية 48. (¬1) في الأصل: وشكرا. 11 - الديوان صفحة (121). (¬2) محمود بن الحسن الورّاق، من فضلاء الأدباء، أكثر شعره في المواعظ والحكم، مات نحو سنة (225) في عهد المعتصم. رغبة الآمل 4/ 104. 12 - الكامل 1/ 394، ومختصر تاريخ دمشق 27/ 195. (¬3) هند بنت المهلب بن أبي صفرة، زوج الحجاج بن يوسف، من ربّات الرأي والعقل والفصاحة. (¬4) الحسن البصري، حبر الأمة وإمام أهل البصرة، أحد العلماء الفقهاء =

أن تشكر إلاّ ما أعان عليه. وذنوب ابن آدم أكثر من أن يسلم منها إلاّ ما عفا عنها. 14 - وكان بعض النّسّاك يقول في دعائه: اللهمّ، اجعلني أواصل شكرك، وأكثر ذكرك، وأطيع أمرك؛ فإنني أعلم إذا واصلتك بالشّكر واصلتني بالإحسان، وإذا أكثرت ذكرك ذكرتني في شدّتي، وإذا أطعت أمرك جعلتني في الآخرة من الطائعين. 15 - وقال بعض الفضلاء: الشّكر تجارة رابحة، ومكسبة فاضلة جعله الله تعالى مفتاحا لخزائن رزقه، وبابا إلى مزيد فضله فأقيموا تجارة الشّكر تقم لكم أرباح المزيد. 16 - وقيل: من أعطي أربعا لم يعدم أربعا: من أعطي الشّكر لم يعدم المزيد، ومن أعطي التوبة لم يعدم القبول، ومن أعطي الاستخارة لم يعدم الخيرة، ومن أعطي المشورة لم يعدم الصّواب. 17 - وقيل: على قدر الشّكر يكون دوام النّعمة، وعلى قدر المؤنة تكون المعونة، وعلى قدر المصيبة يكون الصبر. 18 - وقال عمر بن الخطاب: قيّدوا النعم بالشكر، والعلم بالكتاب. 19 - العلم صيد والكتابة قيده … قيّد صيودك بالحبال الواثقهْ ¬

= الفصحاء، الشجعان، توفي سنة 110 هـ‍. حلية الأولياء 2/ 131، وفيات الأعيان 2/ 69، سير أعلام النبلاء 4/ 563. ما بين معقوفين زيادة يقتضيها النص. 18 - كذا في الأصل عمر بن الخطاب وهو في الكامل 1/ 394، والحلية 5/ 340، وشعب الإيمان 4/ 130 (4546) لعمر بن عبد العزيز.

فمن الحماقة أن تصيد غزالة … وتركتها مثل الحليلة طالقه (¬1) 20 - وقيل: لا زوال للنّعمة إذا شكرت، ولا دوام لها إذا كفرت. 21 - شعر: لو شكروا النّعمة زادتهم … لكنّه كفرهم غالها لئن شكرتم لأزيدنّكم … مقالة الله التي قالها (¬2) 22 - وقيل: ليس يخلو الإنسان من ذنب ومن نعمة، وليس يصلحه إلاّ الاستغفار من هذا والشّكر على هذه. 23 - وقيل: من أضاع الشّكر فقد خاطر بالنّعمة. 24 - وقيل: شكرك نعمة سالفة تقتضي لك نعمة مستأنفة. 25 - وقال المأمون لثمامة (¬3): أيّما أفضل الشّاكر أو المنعم؟ فقال: المنعم أمنّ فعلا، وأعلى في فعله فضلا، لأنّ الإنعام لقاح الشّكر وبه يستهلّ سبيل الشّاكر إلى جميل البشر؛ فجالب الشّكر أوكد سببا من الشّكر. فقال المأمون: ما علمت (¬4) شيئا، بل الشّكر أفضل والقول بتقديمه أعدل، لأنّ الشّكر يمتري (¬5) المزيد، ويحكم عقد النّعمة بالتوطيد، وموجب ¬

(¬1) هذان البيتان كتبا على الهامش وبخطّ مغاير عن خطّ ناسخ الأصل. (¬2) مضمنا قوله تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:7]. (¬3) ثمامة بن أشرس البصري المتكلّم، من رؤوس المعتزلة القائلين بخلق القرآن، كان أحد الفصحاء البلغاء، اتصل بالرشيد ثم المأمون، كان ذا نوادر وملح. ذكر ابن الجوزي أن الرشيد حبسه، كما ذكر خبرا عن حبسه صاحب «العقد الفريد» 6/ 145. وسير أعلام النبلاء 10/ 203، ولسان الميزان 2/ 83. (¬4) كذا الأصل. ولعلها: ما عملت. (¬5) يمتري: يستخرج. اللسان (مرا).

النّعمة أفضل من النّعمة [النعمة] (¬1) إلى نفاد، ويسير الشّكر (¬2) باق إلى المعاد. ومن فضله ندب الله عباده إليه، وحضّهم عليه، وأوجب لهم المزيد بإدامته. 26 - وقال الشاعر: فلو كان يستغني عن الشكر ماجد … لعزّة ملك وارتفاع مكان لما أمر الله العباد بشكره … فقال اشكروا لي أيّها الثّقلان 27 - وقيل: من أراد أن يكون أقوى النّاس فليتوكّل على الله تعالى، ومن أحبّ أن يكون أكرم النّاس فليثق بالله تعالى، ومن أحبّ أن يكون أغنى النّاس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يده، ومن أحبّ بقاء جميع ذلك فليشكر الله تعالى دائما. 28 - وقيل: الشّكر عصمة من النّقمة. 29 - وقيل: الشّكر قيد النّعمة؛ وأحسن كلّ حسن نعمة مشكورة. 30 - وقيل: لا راحة إلاّ في بدن صابر، ولسان ذاكر، وقلب شاكر. 31 - وقيل: الشّكر نعمة في الدنيا وشرف (¬3) في الآخرة. 32 - وقيل: أفضل الخصال: الشّكر عند النّعمة، والصبر عند البليّة. ¬

(¬1) ما بين معقوفين زيادة يقتضيها النص. (¬2) في الأصل: الشر. 26 - البيتان لمحمود الوراق وهما في ديوانه (196)، وانظر: عيون الأخبار 3/ 161. مع اختلاف في الرواية. والأمالي 4/ 213. والمحاسن والمساوئ 1/ 201، والمحاسن والأضداد 25، وفضيلة الشكر لله على نعمته 65. مع تغيير طفيف. (¬3) في الأصل: وشرفا.

33 - وقال الحسن البصريّ: الخير الذي لا شرّ فيه الصّبر مع النّازلة، والشّكر مع النّعمة. 34 - وقال الشاعر: لئن ساءني دهر لقد سرّني دهر … وإن مسّني عسر لقد مسّني يسر لكلّ من الأيام عندي عادة … فإن ساءني صبر، وإن سرّني شكر 35 - وقيل: من تلقّى أوائل النّعم بالشّكر ثمّ أمضاها في سبل البرّ فقد حصّنها من الزّوال، وحرسها من الانتقال. 36 - وقال إبراهيم بن هلال الصّابئ (¬1): إنّ للنعم من الشّكر شرطا (¬2) ما يريم (¬3) ما وجدته، ولا يقيم ما فقدته. 37 - وقيل: من كانت فيه ثلاث خلال رزقه الله التوفيق في الدّنيا والنعيم في الآخرة: إذا أعطى شكر، وإذا منع صبر، وإذا قدر غفر. 38 - وقال بعض الرّهبان: الصّلاة التامّة حمد الله وشكره والتّسليم لأمره. 39 - وأوصى بعض الحكماء ولده فقال: يا بني، كن كريم القدرة إذا قدرت، شريف الهمّة إذا ظفرت، صبورا إذا امتحنت؛ لا تردنّ حوض لئيم ¬

34 - تنسب الأبيات لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، انظر الديوان صفحة 44. (¬1) إبراهيم بن هلال الصابئ الأديب البليغ، صاحب الترسل البديع المشرك، حرصوا على إسلامه فأبى، وكان يصوم رمضان ويحفظ القرآن. كان كاتب الإنشاء ببغداد. سجنه عضد الدولة، ثم أطلقه سنة 371. كان مكثرا من الآداب، توفي سنة 384 هـ‍. معجم الأدباء 2/ 20، ووفيات الأعيان 1/ 52، وسير أعلام النبلاء:16/ 523. وفي الأصل «هليل». (¬2) في الأصل: شرط. (¬3) في الأصل: يريم.

لظمئك (¬1)، ولا تأتينّ دنيّة لضيق حالك، واستجلب النّعم بالشّكر، واستدفع البلاء بالصبر. 40 - وقيل: الشّكر مغنم، والكف [عنه] (¬2) مغرم. 41 - وقيل: ثمرة المعروف الشّكر، وثمرة الشّكر الرّضا. 42 - وقال بعض الصالحين: إنّي لأصاب بالمصيبة فأشكر الله تعالى عليها أربع مرار: شكرا إذ (¬3) لم تكن أعظم مما هي، وشكرا إذ رزقني الصّبر عليها، وشكرا لما أرجوه من زوالها، وشكرا إذ لم تكن في ديني. 43 - اشكر فإنّك واجد … أبدا مع الشّكر الزّياده لا تتّكل في الرّزق منك-م- … على التّصرف والجلاده 44 - وقيل: حقّ الله في العسر الرّضى والصبر، وفي اليسر البرّ والشّكر. 45 - وقيل: إذا أحببت نعمة وأحببت طول مجاورتها فتعهّدها بالحمد، واستدمها (¬4) بالشّكر. 46 - وقال بعض العلماء: ما رأيت أثبت أركانا، ولا أشرف بنيانا ولا أحدث لنعمة، ولا أصرف لنقمة من الشّكر لله تعالى. 47 - وقيل: ثلاثة يبلغ بها الإنسان ما يحبّ: حسن الظنّ بالله تعالى، والمكافأة على القبيح بالجميل، وشكر الله على الشدّة. ¬

(¬1) في الأصل: لضمئك. (¬2) زيادة يقتضيها النص. (¬3) في الأصل: إذا. (¬4) في الأصل: استديمها.

48 - وقال أبو الفرج الببّغاء (¬1): صبرت ولم أحمد على الصّبر شيمتي … لأنّ مآلي لو جزعت إلى الصّبر ولله في أثناء كلّ ملمّة … وإن آلمت لطف يحضّ على الشّكر 49 - وقيل: من أخلاق المؤمن الفضل في الغنى، والقنوع في الفاقة والصّبر في الشّدّة، والشّكر في الرّخاء. 50 - وقيل: من شكر النّعمة فليثق بالزيادة والدوام، ومن كفرها فليثق بالزوال والنّقصان. 51 - وقيل: إنّ الشّكر وإن قلّ ثمن لكلّ نوال وإن جلّ. 52 - وكان المأمون إذا رفع الطعام من بين يديه يقول: الحمد لله الذي جعل أرزاقنا أكثر من أقواتنا. 53 - وزعم الأصمعيّ (¬2) أنّ حربا كانت بالبادية، ثمّ اتّصلت بالبصرة، فتفاقم الأمر ثمّ مشي بين الناس بالصّلح، فاجتمعوا في المسجد الجامع. قال: فبعثت وأنا غلام إلى عبد الله بن عبد الرحمن العقفاني (¬3) فاستأذنت ¬

48 - الفرج بعد الشدّة 5/ 76. (¬1) عبد الواحد بن نصر، أبو الفرج الببغاء شاعر وقته، مدح سيف الدولة، ودخل بغداد، ونادم الملوك، لقّب بالببغاء لفصاحته، وقيل: بل للثغة في لسانه. توفي سنة 398 هـ‍. يتيمة الدهر للثعالبي 1/ 200، والمنتظم 7/ 241، ووفيات الأعيان 3/ 199، وسير أعلام النبلاء 17/ 91. 53 - الكامل 1/ 181، والمستجاد 208، وعيون الأخبار 1/ 332، وثمار القلوب 532. (¬2) في سنده نقص والأصمعي يروي الخبر عن شيخين أحدهما هارون الأعور عن قتيبة بن سليم وهو الذي ذهب إلى ضرار بن القعقاع. ثمار القلوب 2/ 767. (¬3) في المستجاد: القعقاع بن الضرار الدارمي، وفي ثمار القلوب: هزار بن القعقاع بن سعيد بن زرارة، والصواب ما ذكره ابن قتيبة في عيون الأخبار ضرار بن القعقاع بن معبد بن زرارة، وضرار هذا وفد على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مع أبيه =

عليه، فأذن لي، فدخلت فإذا هو في شملة (¬1) يخلط بزرا لعنز له حلوب، فخبّرته بمجتمع الناس، فأمهل حتى أكلت العنز، ثم غسل الصّحفة، وصاح: يا جارية، غدّينا. فأتته بزيت وتمر، قال: فدعاني، فقذرته أن آكل معه (¬2)، حتى إذا قضى من أكله، وثب إلى طين ملقى في الدار، فغسل به يده، ثم صاح: يا جارية، اسقيني ماء. فأتته بماء، فشربه، ومسح فضله على وجهه، ثمّ قال: الحمد لله ماء الفرات، بتمر البصرة، وزيت الشّام، متى نؤدّي شكر هذه النعمة! ثمّ قال: عليّ بردائي. فأتته برداء عدنيّ فارتدى به على تلك الشّملة. قال الأصمعي: فتجافيت عنه استقباحا لزيّه، فلمّا دخل المسجد صلّى ركعتين، ثمّ مشى إلى القوم، فلم تبق حبوة (¬3) إلاّ حلّت إعظاما له، ثمّ جلس فتحمّل جميع ما كان بين الأحياء (¬4) في ماله، وانصرف. 54 - وقال بعض الحكماء: إنّ عندنا من نعم الله ما لا نحصيه مع كثرة ما نعصيه، فما ندري ما نشكر له: جميل ما نشر، أم قبيح ما ستر، أم عظيم ما أبلى، أم كثير ما أعفى؟ ¬

= وهو صغير. انظر أسد الغابة 3/ 40. وكتب في الهامش: في نسخة القعقاع. (¬1) الشّملة: كساء دون القطيفة، أو مئزر من صوف وشعر يؤتزر به. اللسان (شمل). (¬2) في الهامش: وفي المستجاد: قال: فدعاني لآكل معه، فوافقته حتى قضى إربه من الأكل-وفي المطبوع من المستجاد 209: فدعاني لآكل معه فأكلت. وفي نسخة (ز) من المستجاد: فاستقذرته؛ فامتنعت. (¬3) احتبى بالثوب اشتمل، أو جمع بين ظهره وساقيه بعمامة ونحوها. (¬4) في الهامش كتب ما نصّه: بين الحيين من الديات، ونهض وهو سيد القوم لفعله.

55 - وقيل: احتمل ما تكره لما ترجو، أو دع ما تهوى لما تخشى، وكما تهادي أكفاءك فواس أتباعك، وكما تشكر لمن أنعم عليك فأنعم على من شكرك. 56 - وقال الشاعر: يد المعروف غنم حيث كانت … تحمّلها كفور (¬1) أم شكور فعند الشّاكرين لها جزاء … وعند الله ما كفر الكفور 57 - وقال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: لو كان الصّبر والشّكر بعيرين ما باليت أيّهما ركبت. 58 - وقيل: لا انقطاع للنعم مع الشّكر، ولا دوام لها مع الكفر. 59 - وسئل بعض الفضلاء: من أحق بالصّنيعة؟ فقال: الذي إذا أعطي شكر، وإذا منع عذر، وإذا موطل صبر. 60 - وقيل: إنّ بعض الرّهبان أصابته محنة، فقال: يا ربّ، ليت شعري، أيّ شيء عملت لك حتّى شكرتني عليه فأبليتني بما أرى حتى أدوم لك عليه. 61 - وقال الأحنف (¬2): كنت في إبل لي فاشتكيت بطني، فتمنّيت من ¬

56 - المحاسن والأضداد للجاحظ (25)، وشعب الإيمان 6/ 522، وهما لابن عائشة. قال البيهقي: وقد يروى هذان البيتان عن ابن المبارك أنه أنشدهما. (¬1) في الأصل: كفوا. 57 - كتاب التعازي 74، والبيان والتبيين 3/ 126، ومحاضرات الأدباء 2/ 226. 61 - الأخبار الموفقيات 170. وقد ورد الخبر مقلوبا في مخطوطة تاريخ ابن عساكر. تصوير دار البشير 8/ 433: عن المغيرة: شكا ابن أخي الأحنف بن قيس وجعا بضرسه، فقال الأحنف: لقد ذهبت عيني منذ ثلاثين سنة، فما ذكرتها لأحد. وبه عن المغيرة أيضا قال الأحنف: ذهبت عيني منذ أربعين سنة ما شكوتها. وذكر ابن حبيب في المحبر 303 أن العور أصاب الأحنف بسمرقند. (¬2) الأحنف بن قيس الأمير الكبير، العالم النبيل، أحد من يضرب بحلمه وسؤدده المثل، اسمه الضحاك وشهر بالأحنف لحنف رجليه، وهو العوج والميل، =

أشكو له علّتي، فمرّ بي عمّي (¬1) صعصعة بن معاوية يريد إبلا له، فركبت بعيرا لي وتبعته لأشكو إليه، وتفوّهت لأتكلّم فأسكتني، وقال: يا ابن أخي، إذا نزل بك أمر فلا تشكه (¬2) إلى مخلوق مثلك؛ فإنّه ما يقدر أن يدفع عن نفسه مثل الّذي نزل بك، بل اشكه (¬3) إلى الذي ابتلاك به، فهو يقدر على دفعه عنك، واعلم أنك تشكو إلى أحد رجلين: إمّا عدوّ فتسرّه، أو صديق فتسوءه، يا ابن أخي، أما ترى عيني هذه قد ذهبت مذ أربعين سنة ما أعلمت بها زوجتي (¬4) ولا أهلي ولا ولدي، وشكري لله بعد ذهابها يزيد على أيام سلامتها، لأنّه أدّبني تأديبا انتفعت به من حيث لم يكشفه لغيري، ولا أوقف (¬5) شيئا من أمري. 62 - وقيل: إنّ صوفيا خرج من بغداد مسافرا فلقيه صوفي (¬6) قد ورد من بلخ، فقال البلخيّ للبغداديّ: كيف خلّفت إخوانك ببغداد؟ فقال: إن أعطوا شكروا، وإن منعوا صبروا. فقال: كذا خلّفت الكلاب ببلخ. فقال: فكيف ¬

= كان سيد تميم، أسلم في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وفد على عمر، كان من قواد علي رضي الله عنه يوم صفين مات سنة 67 هـ‍ سير أعلام النبلاء 4/ 86. (¬1) في الأصل: خال صعصعة. والمثبت من الأخبار الموفقيات، وصعصعة بن معاوية عم الأحنف بن قيس بن معاوية، انظر المعارف 424، ومروج الذهب 3/ 306، وقد ذكر محققه 6/ 427: قيل: إنه خال الأحنف. (¬2) في الأصل: تشكوه. (¬3) في الأصل: اشكيه. (¬4) أهل الحجاز يضعون الزوج للمذكر والمؤنث وضعا واحدا، تقول المرأة: هذا زوجي، ويقول الرجل: هذه زوجي، وبنو تميم يقولون: هي زوجته. وانظر شواهده، وتتمة المسألة في اللسان (زوج). (¬5) كذا في الأصل، ووقّف الشيء بيّنه. اللسان (وقف). 62 - انظر الخبر في وفيات الأعيان 1/ 32، والمستطرف 97، وهو بين شقيق البلخي وإبراهيم بن أدهم. (¬6) في الأصل صوفيا.

خلّفت إخوانك ببلخ؟ فقال: إن أعطوا آثروا، وإن منعوا شكروا. 63 - وقال الحجّاج بن يوسف: ما سلبت نعمة إلاّ بكفرها، ولا تمّت إلاّ بشكرها. 64 - اشكر ولا تكفر تزد نعمة … واتل مقالا من حكيم مجيد لئن شكرتم لأزيدنّكم … وإن كفرتم إنّ عذابي شديد (¬1) 65 - وأوصى عبد الله بن شداد بن الهاد (¬2) ولده فقال: يا بني، إنّي أرى الموت لا يقلع، ومن مضى فليس يرجع، ومن بقي فإليه يسرع، وإنّي أوصيك بوصيّة فاحفظها: اتقّ الله، وليكن أولى الأمور بك الشّكر لله، وحسّن النيّة في السّرّ والعلانية، فإنّ الشّكر مزاد، والتقوى خير زاد. 66 - وقال بعض الرّهبان: الحزن على فقد الغنيات الدنياوية دليل على فقد غيرها؛ والشّكر والرّضا بفقدها دليل على سرعة خلفها. 67 - وقيل: الشّكر تميمة لتمام النّعمة. 68 - وقيل: كان الحسن بن سهل (¬3) إذا قلّل الشّيء، يقول: هو أعزّ من نعمة مشكورة. 69 - وقيل: هو أحلى في عيني من نعمة مشكورة. ¬

(¬1) كذا في الأصل، اقتباس وتضمين من قوله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7]. ولعل صوابه: وإن كفرتم فعذاب شديد. (¬2) عبد الله بن شداد الليثي الفقيه المدني ثم الكوفي، خرج مع ابن الأشعث، فقتل ليلة دجيل-نهر ببغداد-سنة اثنتين وثمانين. سير أعلام النبلاء 3/ 488. (¬3) الحسن بن سهل: وزير المأمون، جواد، تزوّج المأمون ابنته بوران، وما زال في رفعة إلى أن توفي سنة (236). تاريخ بغداد 7/ 319، وفيات الأعيان 2/ 120.

70 - وقيل: الشّكر أكثر من النّعمة؛ لأنّ النّعمة تفنى والشّكر يبقى. 71 - لا يغلونّ عليك الشّكر في ثمن … فليس شكر وإن أقصرت بالغالي الشّكر يبقى على الأيام ما بقيت … ويذهب الدّهر والأيّام بالمال 72 - وقيل: سمع ثلاثة أنفس كلاما بليغا، فقال أحدهم: حقّ هذا الكلام أن يكتب بالغوالي على خدود الغواني. وقال الآخر: حقّ هذا الكلام أن يكتب بأنامل الحور في ورق النّور. وقال الآخر: حقّ هذا الكلام [أن] يكتب بقلم الشّكر في ورق النّعم. 73 - وقال بعضهم: إنّ الشّكر من الله بأحسن المواضع، فازدد منه تزدد به، وحافظ عليه تحفظ له. 74 - وقيل: من أنعم الله عليه، وأنعم [هو] على الناس فقد شكر النّعمة وأمن من المحنة. 75 - وقيل: اشكر لمن أنعم عليك وأنعم على من شكرك. 76 - وقال الحسن البصري: لا زوال للنّعم إذا شكرتها، ولا إقامة لها إذا كفرتها، والشّكر زيادة في النّعم، وأمان من النّقم. 77 - منصور الفقيه (¬1): أعارك ما له لتقوم فيه … بطاعته وتعرف فضل حقّه فلم تشكر لنعمته ولكن … قويت على معاصيه برزقه ¬

(¬1) منصور بن إسماعيل التميمي العلاّمة، فقيه مصر الشافعي الضرير الشاعر، له مصنفات في المذهب، وله شعر جيد سائر. توفي سنة (306). وفيات الأعيان 5/ 289. والبيتان ليسا في ديوانه ضمن مجلة المجمع الهندي، المجلد الثاني، العدد المزدوج 1 - 2 سنة 1977 م.

78 - ولأبي إسحاق هلال الصابئ (¬1) ابتداء رسالة: أمّا بعد، فإنّ لله قضايا نافذة وأقدارا ماضية فيهنّ النّعم السّوابغ والنّقم الدّوامغ، فأمّا النّعم فإنه يؤتيها عباده أجمعين بادئة، ثمّ يجزي بها الشّاكرين عائدة؛ وأمّا النّقم فلا تقع سلفا وابتداء لكن قصاصا وجزاء بعد إمهال وإنظار، وتحذير وإنذار؛ وإذا حلّت بالقوم الظّالمين فقد طوي في إثباتها صنع لآخرين معتبرين. 79 - وقال عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه: الشّكر أمنة من الزّوال، وجنّة من الانتقال. 80 - وقيل: الشّكر يتمّ النّعم. 81 - وقال الصّابئ: الشّكر قيد النّعم وشكالها (¬2)، وحبسها وعقالها. 82 - وقال: موضع الشّكر من النّعمة موضع القرى من الضّيف، إن وجدته لم ترم، وإن فقدته لم تقم. 83 - وقال إسحاق الموصلي (¬3): العفاف زينة الفقر، والشّكر زينة ¬

(¬1) كذا في الأصل وأبو إسحاق هو إبراهيم بن هلال سبقت ترجمته صفحة (36) أما هلال بن المحسن بن إبراهيم بن هلال، أبو الحسن فهو حفيد أبي إسحاق. صاحب الرسائل المشهورة، أسلم في آخر عمره، وحسن إسلامه، قال عنه الخطيب البغدادي: كان ثقة صدوقا. تاريخ بغداد 14/ 76، ووفيات الأعيان 6/ 101، ومعجم الأدباء 19/ 294. (¬2) الشّكال: العقال والحبل. اللسان (شكل). (¬3) إسحاق بن إبراهيم النّديم الموصلي الإخباري، الإمام العلامة، صاحب الموسيقا والشعر الرائق والتصانيف الأدبية مع الفقه واللغة، وأيام الناس، والبصر بالحديث. قال المأمون: لولا شهرة إسحاق بالغناء، لوليته القضاء. سير أعلام النبلاء 11/ 118. .

الغنى. 84 - وشكا رجل إلى بشر بن الحارث (¬1) كثرة العيال، فقال: فرّغك فلم تشكره، فعاقبك بالشّغل. 85 - وكتب محمد بن عبد الملك (¬2) إلى عبد الله بن طاهر (¬3): لو لم يكن من فضل الشّكر إلاّ أنّه يرى بين نعمة عليه مقصورة أو زيادة منتظرة. فقال عبد الله لكاتبه: كيف تسمع هذه (¬4) الكلمتين؟ فقال: كلاهما قرطان بينهما وجه حسن. 86 - وقال الفضل بن سهل (¬5): من أحبّ الازدياد من النّعمة فليشكر، ومن أحبّ المنزلة عند سلطانه فليكفه، ومن أحبّ بقاء عزّه فليسقط الدّالة، ¬

(¬1) بشر بن الحارث: الإمام الزاهد الرّباني المشهور بالحافي، كان رأسا في الورع والإخلاص توفي سنة (227 هـ‍) سير أعلام النبلاء 10/ 469. 85 - جاء الخبر في العقد الفريد 4/ 233: لو لم يكن من فضل الشكر إلاّ أنك لا تراه إلاّ بين نعمة مقصورة عليك، أو زيادة منتظرة لها [لكفى]. ثم قال لمحمد بن إبراهيم بن زياد: كيف ترى؟ قال: كأنهما قرطان بينهما وجه حسن. (¬2) محمد بن عبد الملك الزيات، ساد بالأدب وفنونه، وبراعة النظم والنثر، وزر للمعتصم وللواثق، كان يقول بخلق القرآن، ويقول: ما رحمت أحدا قطّ؛ الرحمة خور في الطبيعة. سجنه الواثق في تنور من حديد أطرافه مسامير، كان قد أعدّه محمد بن عبد الملك لسجنائه، فكان يصيح: ارحموني، فيقولون: الرحمة خور في الطبيعة. مات بالسجن بعد أربعين يوما سنة (233) هـ‍ له ترسل بديع وبلاغة. وفيات الأعيان 4/ 94، وسير أعلام النبلاء 11/ 172. (¬3) عبد الله بن طاهر: الأمير العادل، حاكم خراسان وماوراء النهر، قلّده المأمون مصر وإفريقية وكان ملكا مطاعا سائسا مهيبا جوادا. مات سنة (230) هـ‍ سير أعلام النبلاء 11/ 685. (¬4) كذا في الأصل، والوجه: هاتين. (¬5) الفضل بن سهل الوزير، فوض إليه المأمون أموره كلها، وسماه ذا الرياستين لأنه تقلّد الوزارة والحرب، كان منجما، دسّ له المأمون من قتله في حمّام سرخس سنة (202) هـ‍ تاريخ بغداد 12/ 340، وسير أعلام النبلاء 10/ 99.

ومن أحبّ السّلامة فليلزم الحذر. 87 - وقال الحسن البصري لفرقد (¬1): بلغني يا أبا يعقوب أنّك لا تأكل الفالوذج. فقال: يا أبا سعيد، أخاف [أ] لاّ أؤدي شكره. فقال الحسن: يا لكع، فهل تؤدّي شكر الماء البارد؟!. 88 - وقال يحيى بن أكثم (¬2): كنت عند المأمون يوما وقد أتي برجل ترعد فرائصه، فلمّا مثل بين يديه، قال له: كفرت نعمتي، ولم تشكر معروفي. فقال: يا أمير المؤمنين، وأين يقع شكري في جنب ما أنعم الله بك (¬3) عليّ. فنظر المأمون، وأنشد متمثّلا ببيتين-تقدّم (¬4) ذكرهما-: فلو كان يستغني عن الشّكر ماجد وأطلق سبيله. 89 - وقيل: لو لم يعذّب الله على معصية، لكان ينبغي ألاّ يعصى في شكر نعمة. 90 - وكان يقال: احذروا ثلاثا (¬5): النّعمة تقول: يا ربّ، كفرت؛ ¬

(¬1) فرقد بن يعقوب السّبخي العابد، من إرمينيا، سكن البصرة، كان حائكا من عبّاد البصرة وقرّائهم، وكان فيه غفلة ورداءة حفظ مات سنة (131) هـ‍ الأنساب 7/ 28. 87 - طبقات ابن سعد 7/ 176. وفيات الأعيان 2/ 71 وما بين معقوفين منه. (¬2) يحيى بن أكثم قاضي القضاة، الفقيه العلامة، من أئمة الاجتهاد، صاحب تصانيف عديدة، له دعابات، توفي سنة (242) بالربذة منصرفه من الحج. سير أعلام النبلاء 12/ 5. (¬3) في الأصل: لك. (¬4) صفحة (35). 89 - شعب الإيمان 4/ 13 (4548). 90 - شعب الإيمان 4/ 102 (4422). (¬5) في الأصل: ثلاث.

والأمانة تقول: يا ربّ، أكلت، والرّحم تقول: يا ربّ، قطعت. 91 - وقال عمر بن عبد العزيز: تذاكر النّعمة شكر. 92 - وقال أبو حازم (¬1): إذا رأيت ربّك يتابع نعمة عليك، وأنت تعصيه، فاحذره. 93 - وقال الرّبيع بن خثيم (¬2): نظرت ما خير لا شرّ فيه فما وجدته إلاّ أن يعافى رجل فيشكر. 94 - وكان يقال: حسب من منعه عدم القدرة عن الجزاء أن يبسط خدّه للشّكر والثّناء. 95 - وقيل لأعرابي: إنّك لجيد الكدنة (¬3). قال: ذلك عنوان نعم الله عندي. 96 - وكان يقال: نعمة لا تشكر لسيئة. 97 - وكان يقال: الشّكر ثلاثة منازل منها: ضمير القلب، وثناء اللّسان، والمكافآت بالعقل، والضمير مع خفائه أعظم ذلك وأجدر أن يكمل بنفسه، ولا يكمل غيره إلاّ به، وفي الثّناء وفاء لا يطاق إلاّ باللّسان، والمكافآت غاية الشّكر. ¬

92 - الحلية 3/ 244، وشعب الإيمان 4/ 128 (4538)، وسير أعلام النبلاء 6/ 101. (¬1) في الأصل (ابن حازم)، وأبو حازم سلمة بن دينار، الإمام القدوة، شيخ المدينة النبوية الأعرج الأفزر (الأحدب) مات بعد سنة (133) هـ‍ سير أعلام النبلاء 6/ 96. (¬2) الإمام القدوة العابد الكوفي، أدرك زمان النبي صلّى الله عليه وسلّم توفي سنة (65) هـ‍ سير أعلام النبلاء 4/ 258. (¬3) الكدنة: كثرة الشحم واللحم. اللسان (كدن).

98 - وكان يقال: من كفر النّعمة استوجب السّلب، ومنع المزيد. 99 - وكتب رجل إلى أخيه: أمّا بعد، فليكن افتخارك بذكر الشّكر إذا ذكرته أعظم من استحيائك لذكره بخمول صاحبه؛ فإن الشّكر يرفعك إن كنت وضيعا، والكفر يضعك إن كنت شريفا. 100 - وعن أنس بن عياض (¬1) عن هشام (¬2) عن محمد بن كعب القرظي (¬3): أن نوحا عليه السلام كان إذا أكل قال: الحمد لله، وإذا شرب قال: الحمد لله. وإذا لبس قال: الحمد لله، فسمّاه الله: عَبْداً شَكُوراً (¬4). 101 - وكان العتابي (¬5) يقول: سبحان الله الذي جعل معرفة العارفين بالتّقصير عن شكره شكرا لهم، كما جعل علم العالمين بأنّهم لا يدركونه إيمانا به. ¬

100 - رواه البيهقي في «شعب الإيمان» 4/ 114 (4473)، وذكره ابن كثير في تفسيره 3/ 24. (¬1) أنس بن عياض المدني أبو ضمرة، الإمام المحدث الصدوق توفي سنة (200) وقد عمّر دهرا وتفرّد في زمانه. سير أعلام النبلاء 9/ 86. (¬2) هشام بن سعد المدني، صدوق له أوهام مات سنة 160 هـ‍، تقريب التهذيب (572). (¬3) محمد بن كعب القرظي، أبو حمزة، متعبد زاهد، تابعي، كان من أئمة التفسير، سقط عليه سقف المسجد في المدينة، فمات هو وجماعة بعد سنة (108) سير أعلام النبلاء 5/ 65. (¬4) قال الله تعالى: إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً الإسراء:3. (¬5) كلثوم بن عمرو العتابي من أهل قنسرين قرب حلب، من شعراء الدولة العباسية، كان يتجنب غشيان السلطان قناعة وتنزها، وصيانة وتعززا، كان يلبس الصوف، ويظهر الزهد، وصله المأمون بصلات جمّة. الأنساب 10/ 242.

102 - وقيل: للطّاعم الشّاكر أجر الصّائم القائم. 103 - وكان يقال: من بذل بعض عنايته لك فابذل له جميع شكرك. 104 - وكان الحسن (¬1) يقول: معرفة النّعمة [شكر (¬2)] والحمد زيادة. 105 - وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أهل الشّكر في مزيد من الله تعالى. **** ¬

(¬1) تقدمت ترجمته صفحة (32). (¬2) ما بين معقوفين زيادة يقتضيها النص.

الفصل الثاني في الصبر والرضا والتسليم والعزا

الفصل الثاني في الصّبر والرّضا والتّسليم والعزا 106 - قال عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه: عليكم بالصبر؛ فإنّه لا إيمان لمن لا صبر له. 107 - وكان يقال: أفضل الصّبر التّصبّر. 108 - وقيل: الكمال في ثلاث: الثّبات في الدّين، وإصلاح المال، والصّبر على النوائب. 109 - وقيل: كتب بزرجمهر (¬1) إلى أبرويز الملك (¬2) لما سخط عليه وحبسه: أمّا إذ كان معي الجدّ فقد كنت أنتفع بثمرة عقلي، وأمّا الآن إذ لا جدّ معي فقد أنتفع بثمرة الصّبر، وإن فقدت كثيرا من الخير لقد استرحت من كثير من الشّرّ. ¬

109 - الخبر وتتمته في مروج الذهب 1/ 318 (645). (¬1) بزرجمهر بن البختكان: حكيم من حكماء الفرس، وزير أبرويز والغالب عليه، والمدبّر لأمره، اتهمه أبرويز بالميل إلى الزنادقة، فأمر بحبسه، ثم قتله، وله حكم ومواعظ كثيرة في الزهد، مروج الذهب 1/ 318. (¬2) أبرويز، كسرى: ملك الفرس من دولة بني ساسان. وفي ملكه كان حرب ذي قار. مروج الذهب 1/ 319.

110 - وقيل: الصّبر مفتاح النّجاح. 111 - وقيل: من علامة حسن النّيّة الصّبر على الرّزيّة. 112 - وقال عليّ بن الجهم (¬1): سهّل على نفسك الأمورا … وكن على مرّها صبورا وإن ألمّت صروف دهر … فاستعن الواحد القديرا فكم رأينا أخا هموم … أعقب من بعدها سرورا وربّ عسر أتى بيسر … فصار معسوره يسيرا 113 - وقال بعض الرّهبان: من احتمل المحنة وصبر، ورضي بتدبير الله وشكر، كشف الله له عن منفعتها حتّى يقف على المستور عنه من مصلحتها. 114 - وكان يقال: لا تلقى العاقل إلاّ نافيا للهمّ عن قلبه بأحد أمرين منهما؛ إن كان لما أتاه من المكروه مدفع فاحتال له بعقل مشغول بحزن، وإن لم يكن لما أتاه مدفع كان الحيلة فيه الصّبر. 115 - وقيل: الصّبور يدرك أحمد الأمور، ومع العسر يكون اليسر، والصّبر على المصيبة مصيبة الشّامت بها. 116 - وقيل: من اتّبع الصّبر اتّبعه النّصر. ¬

112 - الأبيات ليست في ديوانه، ولا في التكملة، ولعلها من فوائت الديوان كما قال الأستاذ خليل مردم بك رحمه الله في مقدمة الديوان صفحة (47) ذاكرا التكملة: ولا أشك في أن ما فاتني أكثر مما اطلعت عليه. والأبيات في الفرج بعد الشدة 5/ 36 من غير عزو. ورواية الشطر الثاني من البيت الثاني: فلا تكن عندها ضجورا. (¬1) علي بن الجهم أحد الشعراء المجيدين من أهل بغداد، كان معاصرا لأبي تمام، نفاه المتوكل إلى خراسان فهجا المتوكل، فأمر الخليفة بسجنه، ثم أطلق، مات سنة (249) هـ‍ وفيات الأعيان 3/ 355.

حكمة

117 - وقال أحمد بن الليث الرقي (¬1): هي حالان شدّة وبلاء … وسجالان نعمة ورخاء والفتى الحازم اللبيب إذا ما … خانه الصّبر لم يخنه العزاء إن ألمّت ملمّة بي فإنّي … في الملمّات صخرة صمّاء صابر للبلاء طبّ (¬2) بأن لي‍ … س على أهله يدوم البلاء عالم أنّ كلّ خير وشرّ … لهما حدّ مدّة وانقضاء فالتداني يتلو التنائي والإعدا … م يأتي من بعده الإثراء وإذا ما الرّجاء أسقط بين … -م-النّاس فالنّاس كلّهم أكفاء حكمة 118 - وقيل: يتعزّى العاقل فيما ينزل به من المكروه بأمرين [الأول] منهما: السّرور بما يبقى له من الأجر، والآخر رجاء الفرج. ويجزع الجاهل فيما ينزل به لأمرين: خوف الشّماتة، وضيق الحال (¬3). [ويخاف التقي] فيما ينزل به بأمرين [الأول] منهما: في مصيبته استكباره ما أتى به، والآخر خوف ما هو أشدّ منه. 119 - وقيل: للمحن أوقات، ولأوقاتها غايات. 120 - عليّ بن الجهم: هي النّفس ما حمّلتها تتحمّل … وللدّهر أيام تجور وتعدل ¬

(¬1) لم أهتد إلى ترجمته في المصادر التي بين يدي. والأبيات الأربعة الأول تنسب لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، انظر الديوان المنسوب إليه صفحة (6). (¬2) طبّ: عالم. اللسان (طبب). (¬3) بعد كلمة الحال فراغ بقدر كلمتين. ولعلها تكون ما أضفته بين المعقوفين. وفي الفرج بعد الشدة 1/ 167. . . والجاهل يجزع في محنته بأمرين، أحدهما استكثار ما أدّى إليه، والآخر تخوّفه مما هو أشد منه. 120 - تكملة الديوان صفحة (162).

وعاقبة الصّبر الجميل جميلة … وأفضل أخلاق الرّجال التّفضّل ولا عار إن زالت عن المرء نعمة … ولكنّ عارا (¬1) أن يزول التّجمّل 121 - وقال عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه: إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور، وإن جزعت جرت عليك المقادير وأنت مأزور. 122 - وعزّى رجل المهديّ (¬2) عن ابنة له جزع عليها جزعا شديدا فقال: يا أمير المؤمنين، ما عند الله خير (¬3) لها مما عندك، وثواب الله خير لك منها. وإنّ أولى ما يجب أن تصبر عليه ما لا تستطيع ردّه. فتعزّى عنها. 123 - وكان يقال: إنّكم ما تدركون ما تأملون إلاّ بالصّبر على ما تكرهون. 124 - وقال عبد الله بن ثابت (¬4): الصّبر من كرم الطّبيعة … والمّنّ مفسدة الصّنيعه والحرّ أمنع جانبا … من ذروة الجبل المنيعه ¬

(¬1) في الأصل عار. 121 - التعازي صفحة 67، شرح نهج البلاغة 19/ 192 (297). (¬2) المهدي بن المنصور أبي جعفر الخليفة العباسي، أقام في الخلافة عشر سنين وشهرا، كان محمود العهد والسيرة، محببا إلى الرعية، حسن الخلق والخلق، جوادا، وكان يجلس للمظالم، قال عنه الذهبي: كان قصابا في الزنادقة، باحثا عنهم. الأعلام 6/ 221، سير أعلام النبلاء 7/ 400. (¬3) في الأصل خيرا. 124 - الأبيات منسوبة للإمام علي رضي الله عنه، انظر الديوان صفحة (62)، والبيت الأول والثالث في العقد الفريد 2/ 305 من غير عزو، وجاء في الحاشية: في (آ) و (ي): وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. والبيت الأخير في الصداقة والصديق (45) من غير عزو. (¬4) عبد الله بن ثابت القاضي المقرئ سكن بغداد، ومات بالرملة (308) هـ‍ تاريخ بغداد 9/ 426، وتاريخ دمشق جزء عبادة بن أوفى 469.

ترك التعاهد للصّدي‍ … ق يجرّ أسباب القطيعه 125 - وقيل: لن يبلغ المرء ما يأمل إلاّ بالصّبر على ما يكره. 126 - وقال المدائني (¬1) أخبرني شيخ من أهل البصرة، قال: شهدت امرأة من أهل البادية وبين يديها ابن يجود بنفسه، فلمّا خرجت نفسه، قامت إليه فغمّضت عينيه وعصّبته، وترّحمت عليه، ثمّ تنحّت عنه، وقالت: يا بني (¬2)، ما أحقّ من ألبس النّعمة، وأطيلت له النّظرة ألاّ يعجز عن التوفيق (¬3) لنفسه، والاستعداد ليوم ظعنه قبل نزول الموت بعقوته (¬4)، وحلوله بساحته وقبل أن يحال بينه وبين نفسه، فيندم حين لا تنفعه النّدامة. قال: وقال لها رجل من حيّها: إنّا كنّا نسمع أنّ الجزع للنّساء، ورأيتك قد حسن صبرك عن ابنك، وما أشبهت النّساء. فقالت: ما ميّز مميّز بين صبر وجزع إلاّ رأى بينهما منهجين متفاوتين، أمّا الصّبر فحسن العلانية، محمود العاقبة؛ وأمّا الجزع فغير معوض صاحبه عوضا مع الذي يكسبه من المأثم، ولو كانا رجلين في الصّورة لكان الصّبر أولاهما بغلبة في حسن الصّورة وكرم الطّبيعة لما في عاجله من الزّين، وفي آجله من الثّواب. ¬

126 - كتاب التعازي 65، و 66. والخبر بالمطبوع خبران لكل منهما سنده، وهو بنحوه في العقد الفريد 3/ 243، والأمالي 2/ 278. (¬1) المدائني علي بن محمد بن عبد الله أبو الحسن، كان عالما بأيام الناس كثير التصانيف صدوقا، صام ثلاثين سنة متتابعة، وهو بصري، انتقل إلى المدائن فنسب إليها، قال ابن تغري بردي: وتاريخه أحسن التواريخ، وعنه أخذ الناس تواريخهم، توفي بمكة سنة (224) هـ‍ الأنساب 11/ 196. الأعلام. (¬2) في كتاب التعازي: يا أبان. وهو أبان بن تغلب راوي الخبر الذي وقف على المرأة وفي الأمالي: يا ابن أخي. (¬3) في الأمالي: التّوثّق من نفسه. (¬4) عقوته: ما حول داره، ومحلّته. القاموس (عقو).

127 - وقيل: عدّة المكروه عدّتان: الصّبر على ما لا يدفع مثله إلاّ بالصبر. والصّبر على ما لا يجدي عليه الجزع. 128 - عثمان بن عفان رضي الله عنه: خليليّ لا والله ما من ملمّة … تدوم على حيّ وإن هي جلّت فإن نزلت يوما فلا تخضعن لها … ولا تكثر الشّكوى إذا النّعل زلّت 129 - وقال الأصمعيّ: رأيت امرأة تتبع ميتا على شرجع (¬1) وهي تقول: رحمك الله يا هيثم، فلقد كان مالك لغيرك، وأمرك لغير عرسك (¬2)، وكنت كما قال الشاعر: رحيب ذراع بالذي لا يشينه … وإن كانت الفحشاء ضاق بها ذرعا (¬3) فقلت: يا أمّ الهيثم، هل لك من الهيثم خلف؟ وأنا أعني ولد. فقالت: نعم، ثواب الله، وهو أجلّ العوض وأحسن الخلف. 130 - وقيل: انتظار الفرج بالصّبر عبادة. 131 - ونظر رجل إلى روح بن قبيصة بباب المنصور، فقال له: قد طال وقوفك في الشّمس. قال: ليطول جلوسي في الظّلّ. ¬

128 - الفرج بعد الشدة 5/ 6، وتنسب الأبيات للإمام علي رضي الله عنه، انظر الديوان صفحة (29) والبيت الأول في شعب الإيمان 7/ 225 (10096) لعلي بن محمد البيكندي، وهما في حل العقال 128 لعثمان بن عفان وانظر الخبر 268 صفحة 111 من كتابنا هذا. 129 - كتاب التعازي والمراثي 235،236، عيون الأخبار 2/ 316، العقد الفريد 3/ 243، الأمالي 2/ 278. (¬1) الشّرجع: السرير يحمل عليه الميّت. اللسان (شرجع). (¬2) في عيون الأخبار: والله ما كان مالك لعرسك، ولا همّك لنفسك. وفي العقد الفريد: والله ما كان ماله لبطنه، ولا أمره لعرسه. (¬3) البيت في الصداقة والصديق 303 لقس بن ساعدة.

132 - وحكي عن زوجة فتح الموصلي (¬1) بأنّها عثرت، فانقطع ظفرها فضحكت. فقيل لها: ويحك، أما تجدين ألم الوجع، وأنت تضحكين؟ فقالت: إنّ لذّة الثّواب أزالت عنيّ مرارة الوجع. رضي الله عنها. 133 - عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه: إنّي أقول لنفسي وهي ضيّقة … وقد أناخ عليها الدّهر بالعجب صبرا على شدّة الأيام إنّ لها … عقبى وما الصّبر إلاّ عند ذي حسب سيفتح الله عن قرب يعقّبه (¬2) … فيها لمثلك راحات من التّعب 134 - وقيل: إذا ما عرى خطب من الدّهر فاصطبر … فإنّ الليالي بالخطوب حوامل وكلّ الذي يأتي به الدّهر زائل … سريعا فلا تجزع لما هو زائل 135 - حدّث بعض تجّار المدينة قال: كنت أختلف إلى جعفر بن محمد (¬3) و [كنت] (¬4) له خليطا، وكان يعرفني بحسن الحال. فتغيّرت ¬

132 - ذكره ابن الجوزي في صفة الصفوة 4/ 191 عن فتح الموصلي قال: مرت بي امرأة متعبدة يقال لها موافقة. . . . (¬1) فتح الموصلي أحد الأولياء العباد، له أحوال ومقامات، وقدم راسخة في التقوى، مات سنة 220، وهو من أقران بشر الحافي. تاريخ بغداد 12/ 381. 133 - الديوان 25، الفرج بعد الشدة 5/ 6. (¬2) كذا في الأصل، ولعلها بعافية، وفي الديوان: بنافعة. 134 - تنسب للإمام علي رضي الله عنه، انظر الديوان صفحة (77). 135 - الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا 128 والأبيات منسوبة لجعفر، وفي شعب الإيمان 7/ 207 (10017)، منسوبة للإمام علي رضي الله عنه، انظر الديوان صفحة (77) وفي الفرج بعد الشدة 1/ 296 نسب هذا الشعر إلى الحسين بن علي رضي الله عنهما، وفي المستطرف صفحة (95) الأبيات من غير عزو. وهي في ديوان محمود الوراق صفحة 233. (¬3) جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين ريحانة النبي صلّى الله عليه وسلّم وسبطه ومحبوبه ابن علي أمير المؤمنين، من جلّة علماء المدينة، لقب بالصادق لصدقه، وفضله أشهر من أن يذكر، توفي في المدينة سنة (148) وفيات الأعيان 1/ 327، سير أعلام النبلاء 6/ 255 وفي الأصل: جعفر أبو محمد. (¬4) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، مستدرك من الفرج بعد الشدة 1/ 295.

حالي، فأتيته أشكو إليه سوء حالي، فرقّ لي، ثم أنشدني: ولا تجزع وإن أعسرت يوما … فقد أيسرت في الزّمن الطّويل ولا تيأس فإنّ اليأس كفر … لعلّ الله يغني عن قليل ولا تظنن بربّك ظنّ سوء … فإنّ الله أولى بالجميل قال: فخرجت من عنده وأنا أغنى النّاس. 136 - وقيل: إن وزيرا لملك نفاه لموجدة وجدها عليه، فاغتمّ لذلك غمّا شديدا، فبينما هو ذات ليلة في مسيره إذ لقيه رجل، فأنشده: أحسن الظّنّ بربّ عوّدك … حسنا أمس وسوّى أودك إنّ ربّا كان يكفيك الذي … كان منك الأمس يكفيك غدك 137 - وقيل: ما من مصيبة إلاّ ومعها أعظم منها: إن جزعت فالوزر، وإن صبرت فالأجر. 138 - وقيل: ثمرة القناعة الرّاحة، وثمرة التّواضع المحبّة، وثمرة الصّبر الظّفر. 139 - أما والذي لا خلد إلاّ لوجهه … ومن ليس في العزّ المبين له كفو لئن كان طعم الصّبر مرّ مذاقه … لقد يجتنى من غبّه (¬1) الثّمر الحلو ¬

136 - شعب الإيمان 7/ 208 (10020). الفرج بعد الشدة:1/ 275، والبيتان في أحسن ما سمعت (22). 139 - المستطرف 311 مع اختلاف بالرواية، حل العقال 43. (¬1) الغب: عاقبة الشيء. القاموس (غبّ).

140 - وكان ابن المقفّع (¬1) يقول: إذا نزل بك أمر مكروه إن كان لك حيلة فلا تجزع، وإن كان ممّا لا حيلة فيه فلا تجزع. 141 - لا تجزعنّ لصرف حادثة … حكمت عليك به يد الدّهر واصبر إذا نابتك نائبة … فالصّبر خير عواقب الأمر 142 - وقال بعض الحكماء: من شكا ضرّا نزل، فإنّما يكشو الله. 143 - وقال الحسن البصري: وجدت خير الدّنيا والآخرة صبر ساعة. 144 - وقال بعض الحكماء: بالصّبر على ما تكره تنال ما تحبّ، وبالصّبر عمّا تحبّ تنجو ممّا تكره. 145 - فلا جزع إن راب دهر بصرفه … وبدّل حال فالخطوب كذلك فما العيش إلاّ مدّة ثم تنقضي … وما المال إلاّ هالك في الهوالك 146 - واعتلّ ذو الرّيا ستين (¬2) بخراسان مدّة طويلة، ثم أبلّ واستقلّ، وجلس للنّاس، فدخلوا عليه وهنّوه بالعافية فأنصت لهم حتى انقضى كلامهم، ثم اندفع فقال: إنّ في العلل نعما لا ينبغي للعقلاء أن يجهلوها منها: تمحيص للذّنب، وتعريض (¬3) للثّواب ثواب الصبر، ¬

140 - الخبر في أمالي المرتضى 1/ 136 ونصّه: «إذا نزل بك أمر مهم فانظر، فإن كان ممّا له حيلة فلا تعجز، وإن كان مما لا حيلة فيه فلا تجزع». (¬1) عبد الله بن المقفّع، من أئمة الكتاب، وأول من عني في الإسلام بترجمة كتب المنطق، كان اسمه روزبه بن المبارك، فلما أسلم تسمّى بعبد الله، والمقفع لقب، اتهم بالزندقة فقتل في البصرة سنة (142) هـ‍ الأعلام. 146 - الفرج بعد الشدة 1/ 168. (¬2) وهو الفضل بن سهل. وقد تقدمت ترجمته في الصفحة (45). (¬3) في الفرج بعد الشدّة: تعرّض.

وإيقاظ (¬1) من الغفلة، وإذكار بالنّعمة في حال الصّحّة، واستدعاء للتوبة (¬2)، وحضّ على الصّدقة، وفي قضاء الله وقدره يعدّ الخيار (¬3). فانصرف النّاس بكلامه، ونسوا ما قال غيره. **** ¬

(¬1) في الأصل: إيقاض. (¬2) في الفرج: واستدعاء للمثوبة. (¬3) في الفرج: وفي نظر الله عز وجل وقضائه الخيار.

الفصل الثالث في الموت وانقطاع الأسباب بين الأهلين والأصحاب

الفصل الثالث في الموت وانقطاع الأسباب بين الأهلين والأصحاب 147 - وللنّفوس وإن كانت على وجل … من المنيّة آمال تقوّيها فالمرؤ يبسطها والدّهر يقبضها … والنّفس تنشرها والموت يطويها 148 - وقيل: إن الحسن نظر إلى رجل يجود بنفسه، فقال: إنّ أمرا هذا آخره لجدير أن يزهد في أوّله، وإنّ أمرا هذا أوّله لجدير أن يخاف من آخره. 149 - وقال بعض الرّهبان: من صوّر الموت بين عينيه كفاه الله مؤونة الاهتمام بالأرضيّات. 150 - وقيل: كفى بالتّجارب تأدبا، وبتقلّب الأيام عظة، وبذكر الموت زاجرا. 151 - وقال الحسن بن عليّ: ما رأيت يقينا لا شكّ فيه أشبه بشكّ لا يقين فيه من الموت. ¬

147 - البيتان ينسبان للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، انظر الديوان صفحة (102) ورواية الشطر الأول فيه: لكلّ نفس وإن كانت على وجل. 148 - إحياء علوم الدين 16/ 161 كتاب ذكر الموت وما بعده، بيان أقاويل جماعة من خصوص الصالحين. 151 - محاضرات الأدباء 2/ 217.

152 - وقالت الهند: لو علمت البهائم بالموت ما وجد فيها سمين. 153 - علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه. تراع لذكر الموت ساعة ذكره … وتعترض الدّنيا فتلهو وتلعب يقين كأنّ الشّكّ أغلب أمره … عليه وعرفان إلى الجهل ينسب وقد ذمّت الدّنيا إليّ صروفها … وخاطبني أعجامها (¬1) وهو معرب ولكننّي منها خلقت لغيرها … وما كنت منه فهو شيء محبّب (¬2) وفي كلّ يوم يفقد المرء بعضه … ولا شكّ أنّ الكلّ منه سيذهب 154 - وقال بعض الرّهبان: أبلغ العظات النّظر إلى محلّ الأموات. 155 - وقال أبو محرز: كفتك القبور مواعظ الأمم السّالفة. 156 - وقال المزني (¬3): دخلت على الشّافعي غداة وفاته، فقلت: كيف ¬

153 - لم تذكر الأبيات في ديوانه. وفي عيون الأخبار 2/ 329 روى البيتين الأول والرابع من غير عزو، وهما في العقد الفريد 3/ 176، وروايتهما فيهما: نراع لذكر الموت ساعة ذكره ... وتعترض الدنيا فنلهو ونلعب ونحن بنو الدنيا خلقنا لغيرها ... وما كنت منه فهو شيء محبب وهما في الحماسة المغربية 2/ 1432، والبيت الرابع في أحسن ما سمعت 89 لمحمد بن وهيب. والبيتان الأول والثاني في محاضرات الأدباء 2/ 217 معزوان لمحمد بن وهب، والبيت الرابع في شرح نهج البلاغة 19/ 209 (309). (¬1) في الأصل: أعجافها. (¬2) قال ابن عبد ربه عقب البيتين في العقد 3/ 176: فذكر أن الناس بنو الدنيا، وما كان الإنسان منه فهو محبب إليه. واعلم أن الإنسان لا يحبّ شيئا إلا أن يجانسه في بعض طبائعه، وأن الدنيا جانست الإنسان في طبائعه كلّها، فأحبّها بكل أطرافه. 156 - مروج الذهب 4/ 320 (2736)، إحياء علوم الدين 16/ 164 كتاب ذكر الموت بيان أقاويل جماعة من خصوص الصالحين. طبقات الشافعية الكبرى 1/ 295. (¬3) وهو إسماعيل بن يحيى المزني المصري تلميذ الشافعي، الإمام العلامة، فقيه-

أصبحت يا أبا عبد الله؟ فقال: أصبحت من الدنيا راحلا، ولإخواني مفارقا، [ولسوء أفعالي ملاقيا] (¬1) وبكأس المنيّة شاربا، ولا أدري إلى الجنّة تصير روحي فأهنّيها، أم إلى النّار فأعزّيها؟ ثم قال: ولمّا قسا قلبي وضاقت مذاهبي … جعلت الرّجا منّي لعفوك سلّما تعاظمني ذنبي فلمّا قرنته … بعفوك ربّي كان عفوك أعظما (¬2) 157 - وقيل: لما حضر بشر بن مروان (¬3) الموت فرح، فقيل له: أتسرّ بالموت؟ فقال: أتجعلون قدومي على خالق أرجوه كمقامي مع مخلوق أخافه؟ 158 - وقال سهل بن هارون (¬4): من طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى توفيه رزقه فيها (¬5)، ومن طلب الدنيا طلبه الموت حتى يخرجه منها. 159 - أبو العتاهية: نسيت الموت فيما قد نسيت … كأنّي لا أرى أحدا يموت أليس الموت غاية كلّ حيّ … فما لي لا أبادر ما يفوت 160 - وقيل لأبي بكر رضي الله عنه في مرضه الذي مات فيه: لو أرسلت إلى الطّبيب؟ قال: قد رآني. قيل له: فما قال لك؟ قال: إني فعّال لما أريد. ¬

3 - الملّة، به انتشر مذهب الشافعي في الآفاق، ألف كتبا كثيرة أشهرها «المختصر» توفي سنة (264) هـ‍ سير أعلام النبلاء 12/ 492. (¬1) ما بين معقوفين مستدرك من طبقات السبكي. (¬2) ديوان الشافعي صفحة 160. (¬3) بشر بن مروان بن الحكم الجواد، ولي إمرة العراقين لأخيه عبد الملك، وهو أول أمير مات بالبصرة وذلك سنة (74) خزانة الأدب 9/ 415. (¬4) سهل بن هارون بن راهيون اتصل بخدمة المأمون، وتولى خزانة الحكمة له، كان حكيما فصيحا شاعرا، فارسي الأصل، شعوبي المذهب، شديد التعصب على العرب، له مصنفات كثيرة، توفي سنة (215) هـ‍ فوات الوفيات 2/ 84. (¬5) في الأصل رزقها والتصويب من أمراء البيان صفحة (174). 159 - الديوان صفحة (55).

161 - وروي عن ابن عبّاس رضي الله عنه قال: دخلت على عمرو بن العاص وقد احتضر، فقلت له: يا أبا عبد الله، كنت تقول: أشتهي أرى رجلا عاقلا يموت حتّى أسأله كيف يجد، وقد نزل بك، فأخبرني كيف تجدك؟ فقال: أجد السّماء كأنّها مطبقة على الأرض وأنا بينهما وأراني كأنّما أتنفّس من خرت إبرة. ثم قال: اللهمّ، خذ منّي حتّى ترضى. ثم رفع يده، وقال: اللهمّ، أمرت فعصينا، ونهيت فركبنا، فلا بريء فأعتذر، ولا قويّ فأنتصر، ولكن مذنب أستغفر. 162 - وقال أبو بكر بن أبي الفرات: قرأت على قبر: يا من أبطرهم الغنى، وأسكرتهم شهوات الدنيا، استعدوا للسّفرة العظمى، فقد دنا نزولكم على أهل البلاء. 163 - لبعضهم: يوشك من فرّ من منيّته … في بعض غرّاته يوافقها من لا يمت عبطة يمت هرما … الموت كأس والمرء ذائقها (¬1) 164 - وقيل: لما مات المهديّ لبست جاريته حسنة (¬2) وغيرها من حشمه ¬

161 - كتاب التعازي والمراثي 228، والخبر فيه مرويّ عن عبد الله بن عمرو بن العاص باختلاف يسير وزيادة. وانظر خبر وفاة عمرو بن العاص في الاستيعاب 3/ 1189، مختصر تاريخ دمشق 19/ 253، العقد الثمين 6/ 404، وقد كانت وفاته بعد سنة (60) في خلافة يزيد. 163 - البيتان في الكامل 1/ 99 منسوبان لرجل من الخوارج قتله الحجاج، وهما في ديوان أمية بن أبي الصلت صفحة (420) قال الأستاذ الدكتور عبد الحفيظ السطلي: القصيدة من الشعر المتهم. (¬1) مات عبطة: شابا صحيحا. القاموس (عبط). 164 - الخبر في مروج الذهب 4/ 165، وفي الأغاني 4/ 102 وحكايته فيه مخالفة لهذه الحكاية. (¬2) جارية المهدي، يقال إنها جزّت عبيدها، ولبست المسوح بعد مولاها، ولم تزل كذلك حتى توفيت، وكانت أجمل النساء. البدء والتاريخ 6/ 98.

المسوح السّود جزعا عليه، فقال أبو العتاهية (¬1) في ذلك: رحن في الوشي وأصبح‍ … ن عليهنّ المسوح كلّ نطّاح وإن عا … ش له يوما نطوح (¬2) لست بالباقي ولو عمّر … ت ما عمّر نوح فعلى نفسك نح إن … كنت لا بدّ تنوح 165 - وقيل: اجتاز النّعمان (¬3) على مقبرة، فقال له عديّ بن زيد (¬4): أتدري ما يقولون؟ قال: لا. قال: إنّهم يقولون: أيّها الرّكب المخبّو … ن على الأرض مجدّون فكما أنتم كنّا … وكما نحن تكونون 166 - وقيل: وجد على قبر مكتوب: من أمّل البقاء وقد رأى مصارعنا فهو مغرور. 167 - وقيل لرجل من أشراف العجم في علّته التي مات فيها: ما بك؟ قال: فكر عجيب، وحسرة طويلة. فقيل: ممّ ذاك؟. فقال: ما ظنّكم بمن يقطع سفرا قفرا بلا زاد، ويسكن قبرا موحشا بلا مؤنس، ويقدم على حكم عدل بلا حجّة. ¬

(¬1) الديوان صفحة (97) والأبيات من قصيدة مطلعها: خانك الطرف الطموح ... أيّها القلب الجموح (¬2) في الديوان ومصادر الخبر: يوم. 165 - الأغاني 2/ 96، وديوان عدي 180. (¬3) النعمان بن المنذر الغساني من ملوك آل غسان في الجاهلية. (¬4) عدي بن زيد العبادي من أهل الحيرة، وهو أول من كتب بالعربية في ديوان كسرى، وكان ترجمانا له، تزوج هند بنت النعمان، وشى به أعداؤه إلى النعمان، فسجنه وقتله في سجنه. انظر مقدمة ديوانه.

168 - قسّ بن ساعدة (¬1): في الذّاهبين الأوّلي‍ … ن من القرون لنا بصائر لما رأيت مواردا … للموت ليس لها مصادر ورأيت قومي نحوها … يمضي الأكابر والأصاغر لا يرجع الماضي ولا … يبقى من الباقين غابر أيقنت أنّي لا محا … لة حيث صار القوم صائر 169 - وقال بعض الحكماء الذين حضروا وفاة الإسكندر (¬2): لقد حرّكنا بسكونه. 170 - أبو العتاهية: يا عليّ بن ثابت بان منّي … صاحب جلّ فقده يوم بنتا قد (¬3) لعمري حكيت لي غصص المو … ت وحرّكتني لها وسكنتا 171 - وروي عن الأصمعي قال: دخلت على الرّشيد ودموعه تنحدر على خدّيه، وهو ينظر في كتاب، فظللت قائما حتى سكن، فحانت منه التفاتة فقال: اجلس يا أصمعيّ. فجلست، فقال: أرأيت ما كان؟ فقلت: ¬

168 - الأبيات مع خطبته في العقد الفريد 4/ 128، وفي حماسة البحتري صفحة (99)، والحماسة المغربية 2/ 1400. (¬1) قس بن ساعدة الإيادي أحد حكماء العرب، ومن كبار خطبائهم، كان أسقف نجران، وكان كثيرا ما يفد على قيصر الروم، طالت حياته. الأعلام. (¬2) الإسكندر الأكبر 356 - 323 ق. م ملك مقدونيا تتلمذ على أرسطو، حارب الفرس، وحقق عليهم انتصارات كبيرة، وتوغل في الإمبراطورية الفارسية حتى البنجاب في الهند، بنى عدّة مدن أشهرها مدينة الإسكندرية بمصر. (الموسوعة العربية الميسرة). 170 - الديوان صفحة (70). وبداية الأبيات قال يرثي عليّ بن ثابت صاحبه. (¬3) في الأصل: لقد. والتصحيح من الديوان. 171 - الخبر في مروج الذهب 4/ 231، والهفوات النادرة 51، والمنازل والديار 2/ 105، أما الأبيات ففي الديوان صفحة (179) والقصيدة أولها: الخلق مختلف جواهره ... ولقل ما تزكو سرائره

نعم، يا أمير المؤمنين. فقال: أما إنه لو كان لأمر الدنيا ما رأيت هذا، ثمّ رمى بالقرطاس إليّ، فإذا فيه شعر لأبي العتاهية بخطّ جليل: هل [أنت] معتبر بمن خربت … منه غداة قضى دساكره (¬1) وبمن أذلّ الموت مصرعه … فتبرّأت منه عشائره وبمن خلت منه أسرّته … وبمن خلت منه منابره درست محاسن وجهه ونفى … عنه السّرور كرى يباشره (¬2) أين الملوك وأين عزّهم … صاروا مصيرا أنت صائره يا مؤثر الدّنيا بلذّته … والمستعدّ لمن يفاخره (¬3) نل ما بدا لك أن تنال من الدّ … نيا فإنّ الموت آخره ثم قال: كأنّي والله أنا المخاطب بذلك دون النّاس. ولم يلبث بعد ذلك إلاّ قليلا حتى مات. 172 - أبو حيّة النّميريّ (¬4): وإن تمس وحشا داره فلربّما … تناطح أفواجا بهنّ الرّكائب وما غائب من كان يرجى إيابه … ولكنّه من ضمّن القبر غائب ¬

(¬1) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مستدرك من الديوان. وفي المروج والهفوات بمن خليت، ومضى دساكره. (¬2) في الديوان: عنه النعيم فتلك ساتره. (¬3) في الديوان: يا مؤثر الدنيا وطالبها. 172 - ديوانه 115 من قصيدة في رثاء سلمة بن عياش. (¬4) أبو حيّة النميري الهيثم بن الربيع، شاعر مجيد، من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، مدح الخلفاء فيهما جميعا، وكان فصيحا راجزا، من ساكني البصرة، وكان أهوج جبانا بخيلا كذابا، من أكذب الناس. خزانة الأدب 10/ 217. وفي الأصل ابن حبة النمري والتصحيح من المؤتلف والمختلف للآمدي 145، والشعر والشعراء 749.

173 - وقيل: خرج عمر بن عبد العزيز مع جماعة من أصحابه، فمرّ بالمقبرة فقال: قفوا حتّى أرى قبور الأحبّة. فلمّا توسطها، وقف فسلّم، وتكلّم وانصرف إلى أصحابه، فقال: ألا تسألوني ماذا قلت، وماذا قيل لي؟ فقالوا: ماذا؟ فقال: مررت بقبور الأحبّة، فسلّمت فلم يردّوا، ودعوت فلم يجيبوا، فبينما أنا كذلك إذ نوديت: يا عمر، أتعرفني؟ أنا الذي غيّر محاسن وجوههم [أنا] التّراب (¬1)، ومزّقت الأكفان عن جلودهم، وقطعت أيديهم، وابتتتّ [أكفهم] (¬2) من سواعدهم. ثمّ بكى حتى كادت نفسه تطفأ. فو الله ما مضت الأيام حتّى لحق بهم. 174 - أبو العتاهية: وعظتك أجداث صمت … وبكتك ساكنة خفت وتكلّمت عن أعظم … تبلى وعن صور سبت وأرتك قبرك في القبو … ر وأنت حيّ لم تمت 175 - وحدّث الفضل بن الرّبيع (¬3) قال: كنت مع المنصور في السّفرة ¬

173 - الخبر في مروج الذهب 4/ 20 (2180). (¬1) في المروج: ناداني التراب: يا عمر أتعرفني؟ أنا الذي غيّرت محاسن وجوههم، ومزّقت. . . (¬2) ما بين معقوفين من المروج. 174 - رواية الديوان صفحة 78: وعظتك أجداث خفت ... فيهن أجساد سبت وتكلمت لك بالبلى ... منهن ألسنة صمت ورواية الأصل توافق رواية المسعودي في مروج الذهب 4/ 222 (2542)، وأدب الغرباء 56. (¬3) الفضل بن الربيع: وزير أديب حازم كان أبوه وزيرا للمنصور، واستحجبه المنصور، ولما آل الأمر إلى الرشيد واستوزر البرامكة كان الربيع من كبار خصومهم، وقيل: كانت نكبتهم على يديه، أقره الأمين على الوزارة، وعمل على مقاومة المأمون، ولما ظفر المأمون استتر الفضل، ثم عفا عنه المأمون، وأهمله، توفي سنة (208).

التي مات فيها، فنزل منزلا في بعض المواضع، فبعث إليّ وهو في قبته ووجهه إلى الحائط، فقال: ألم أنهكم [أن] تدعوا العامّة يدخلوا هذه المنازل فيكتبوا ما لا خير فيه؟ فقلت: وما هو يا أمير المؤمنين؟ فقال: ألا ترى ما على الحائط مكتوب: أبا جعفر جاءت عليك ونقّصت … سنوك وأمر الله لا بدّ نازل (¬1) أبا جعفر هل كاهن أو منجم … يردّ قضاء الله أم أنت جاهل (¬2) قال: فقلت: والله، ما أرى على الحائط شيئا، وإنّه لنقيّ أبيض. قال: آلله؟ قلت: آلله. قال: والله إنّها نفسي نعيت إليّ، الرّحيل، بادر بي إلى حرم ربّي وأمنه هاربا من ذنوبي، وإسرافي على نفسي. فرحلنا وقد ثقل حتّى بلغنا بئر ميمون (¬3). فقلت: هذه بئر ميمون وقد دخلت الحرم. فقال: الحمد لله. وقبض في يومه. رحمة الله عليه. 176 - فهبك ملكت أهل الأرض طرّا (¬4) … ودان لك العباد فكان ماذا أليس تصير في لحد عميق … ويحثو التّرب هذا ثمّ هذا ¬

(¬1) في مروج الذهب: أبا جعفر حانت وفاتك وانقضت ... سنوك وأمر الله لا بد نازل وفي تاريخ الطبري 8/ 107، وتاريخ ابن عساكر 38/ 242: أبا جعفر حانت وفاتك وانقضت ... سنوك وأمر الله لا بد واقع وفي البداية والنهاية 10/ 127 رواية البيت الثاني: أبا جعفر هل كاهن أو منجم ... لك اليوم من كرب المنية مانع (¬2) قال الإمام الذهبي في السير 7/ 88: وقد كان المنصور يصغي إلى أقوال المنجمين، وينفقون عليه، وهذا من هناته مع فضيلته. (¬3) بئر ميمون بمكة منسوبة إلى ميمون بن خالد بن عامر الحضرمي. 176 - عقلاء المجانين 70 والبيتان فيه لبهلول، وروض الرياحين الحكاية 20. (¬4) طرّا: جماعة.

177 - وقيل: نزل بدير الخنافس (¬1) أخوان من العراق، فمات أحدهما ودفن قريب الدّير، فقال أخوه لما سار عنه: بجنبك يا دير الخنافس حفرة … بها صاحب رحب الذّراع كريم فكن حافظا حقّ الجوار فإنّني … غدا راحل عنه وأنت مقيم 178 - وتوفّي ابن لعون بن عبد الله (¬2)، فكتب له عمر بن عبد العزيز: أمّا بعد، فإنّا أناس من أهل الآخرة أسكنّا الدّنيا، فنحن أموات وأبناء أموات، والعجب من ميت يعزّي (¬3) عن ميّت. 179 - وإذا قيل مات يوما فلان … راعنا ذاك ساعة ما نحير نذكر الموت عند ذاك وننسا … هـ إذا غيّبته [عنّا] القبور ¬

177 - الخبر في مسالك الأبصار في ممالك الأمصار لابن فضل الله العمري تحقيق أحمد زكي باشا صفحة (300). . . ولا أعرف فيه شعرا إلا ما قاله بعض بني عروة الشيباني يرثي أخا له مات عنده، فدفن إلى جانبه. ومنه: بقربك يا دير الخنافس حفرة ... بها ماجد رحب الذّراع كريم فيا دير أحسن ما استطعت جواره ... فإني غاد عنك وهو مقيم وانظر ذيل كتاب الديارات للشابشتي بقلم كوركيس عواد صفحة (360،361). (¬1) دير الخنافس دير صغير بالموصل على قلّة جبل شامخ يشرف على أنهار نينوى، وفيه طلّسم ظريف وهو أن في كل سنة ثلاثة أيام تسودّ حيطانه وسقوفه من الخنافس الصغار اللواتي كالنمل، فإذا انقضت تلك الأيام لا يوجد في تلك الأرض تلك الخنافس واحدة البتة. معجم البلدان 2/ 508. 178 - أسرار الحكماء صفحة 152. (¬2) عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي الكوفي كان في آدب أهل المدينة وأفقههم، خرج مع ابن الأشعث. توفي بعد سنة 110. السير 5/ 103. (¬3) في الأصل يعز. 179 - البيتان في عيون الأخبار 3/ 62، وما بين معقوفين مستدرك منه.

180 - وعزّى رجل عمر بن عبد العزيز لما مات ولده فقال: تعزّ أمير المؤمنين فإنّه … لما قد ترى يغذى الصّغير ويولد هل ابنك إلاّ من سلالة آدم … لكلّ على حوض المنيّة مورد 181 - وقيل: لما ثقل المأمون في غزوة الرّوم وبلغ الموت، قال: أخرجوني أشرف على عسكري، وأنظر إلى رجالي، وأتبيّن ملكي. وذلك ليلا، فأخرج، وأشرف على الجيش وانتشاره وما قد أوقد من النّيران، فقال: يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه. ثم ردّ إلى مرقده. وأجلس المعتصم رجلا يلقّنه الشّهادة، فرفع الرّجل صوته؛ ليقولها المأمون. فقال ابن ماسويه (¬1): لا تصح (¬2)، فو الله ما يفرّق الآن بين ربّه وبين ماني (¬3). ففتح المأمون عينيه وبهما من التّورّم والاحمرار ما بهما ما لم ير مثله، ورام ¬

180 - الخبر في عيون الأخبار 3/ 53، وكتاب التعازي 22، وكتاب التعازي والمراثي 47 وفي الحماسة الشجرية 1/ 272. 181 - مروج الذهب 4/ 342 (2783). (¬1) يوحنا بن ماسويه من علماء الأطباء، سرياني الأصل، عهد إليه الرشيد بترجمة ما وجد من كتب الطبّ القديمة، وجعله أمينا على الترجمة، ولم يقتصر عمله على خدمة العلم بل خدم الرشيد والمأمون ومن بعدهما إلى أيام المتوكل بمعالجتهم وتطبيب مرضاهم حتى كانوا لا يتناولون شيئا من الأطعمة إلا بحضرته وكان مجلسه ببغداد أعمر مجلس يجتمع الطبيب والمتفلسف والأديب والظريف، له نحو أربعين كتابا معظمها رسائل، توفي سنة (243). الأعلام. (¬2) في الأصل تصيح. (¬3) ماني بن فاتك الحكيم ظهر أيام شابور (القرن الثالث الميلادي) وقتله بهرام بن هرمز. أخذ دينا بين المجوسية والنصرانية، وزعم أن العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين أحدهما نور والآخر ظلمة، وأنهما أزليان لم يزالا ولن يزالا قوتين حساسين سميعين بصيرين، وهما مع ذلك في النفس والصورة والفعل والتدبير متضادان، وفي الخير متجاذبان. الملل والنحل للشهرستاني 2/ 81. وقد فرض على أتباعه جملة من الوصايا الأخلاقية، انتشر مذهبه في أنحاء الإمبراطورية الرومانية وآسيا. حاربتها النصرانية. الموسوعة العربية الميسرة.

البطش بابن ماسويه فعجز، ورمى بطرفه إلى السّماء، وقد امتلأت عيناه دموعا، وانطلق لسانه، وقال: يا من لا يموت ارحم من يموت. ثمّ قضى من ساعته، وكان كثيرا ما ينشد هذه: ومن لم يزل عرضا للمنو … ن يتركنه ذات يوم عميدا فإن هنّ أخطأنه مرّة … فيوشك مخطئها أن يعودا وبينا يحيد فيخطئنه … قصدن فأعجلنه أن يحيدا (¬1) 182 - وقيل: سافر رجل وولد له في حاجة له، فمات الرّجل فدفنه ولده في بعض الطّرقات، ومضى لقضاء حاجته، فلمّا عاد مرّ بقبر أبيه فلم يعج عليه، فسمع هاتفا من جانب القبر يقول: رأيتك تطوي الدّوم عمدا ولا ترى … عليك لثاوي الدّوم أن تتكلما (¬2) وبالقبر ثاو لو ثويت مكانه … ومرّ بأهل الدّوم عاج فسلّما 183 - وقيل: سار المأمون إلى أمّ الفضل بن سهل (¬3) ليعزّيها عنه فبكت، فقال لها: لا تبكي عليه، ولا تجزعي لفقده؛ فإنّ الله قد أخلف عليك منّي ولدا يقوم مقامه. فقالت: يا أمير المؤمنين، حقّ لولد أكسبني ولدا مثلك (¬4) أن يبكى عليه. 184 - أطاقت يد الدّهر انتزاعك من يدي … ولم يطق الموت انتزاعك من صدري ¬

(¬1) الأبيات في شرح نهج البلاغة 19/ 193. (¬2) الدّوم: ضخام الشجر. اللسان (دوم). 183 - الخبر بنحوه في العقد الفريد 3/ 309، وسير أعلام النبلاء 10/ 100. قال الذهبي عن أم الفضل: ثم عاشت وأدركت عرس بنت ابنها بوران على المأمون. (¬3) تقدّمت ترجمته صفحة. . . (¬4) في الأصل منك، والمثبت من العقد الفريد. 184 - الحماسة الشجرية 1/ 342 من غير عزو.

لأنك مخطوط المحاسن في الحشا … كما أنت ممحوّ المحاسن في القبر (¬1) فلا وصل إلاّ بين جفنيّ والبكا … ولا هجر إلاّ بين قلبي والصّبر 185 - صفية الباهليّة: كنّا غصينين في جرثومة نميا … حينا بأحسن ما ينمي له الشّجر (¬2) حتّى إذا قيل قد طالت فروعهما … وطاب ظلاّهما واستنظر الثّمر أخنى على واحدي ريب المنون وما … يبقي الزّمان على شيء ولا يذر (¬3) كنّا كأنجم ليل بيننا قمر … يجلو الدّجى فهوى من بيننا القمر 186 - وقيل: وقف سليمان بن عبد الملك ومعه يزيد بن المهلّب (¬4) على امرأة عند قبر تبكي، فجاء سليمان، فرفعت البرقع عن وجهها فجلت شمسا عن متون غمامة، فوقفا متعجّبين، فقال لها يزيد: يا أمة الله، هل لك في أمير المؤمنين بعلا؟ فقالت وهي تنظر إلى القبر: فإن تسألاني عن هواي فإنه … بحوماء هذا القبر يا فتيان (¬5) ¬

(¬1) رواية الحماسة: فإن تك ممحوّ المحاسن في الثرى ... فإنك محفوظ المحاسن في صدري 185 - عيون الأخبار 3/ 66، وفي العقد الفريد 3/ 277 منسوب لأعرابية ترثي زوجها. مع اختلاف ألفاظ كلتا الروايتين، والحماسة لأبي تمام 2/ 948، وفي حماسة البحتري 273 لطيبة الباهلية. في الأصل: صنعه البا. (¬2) الجرثومة: الأصل. (¬3) أخنى عليه: أهلكه. القاموس (خني). 186 - نهاية الأرب 3/ 242، وأخبار النساء:126. بين الأصمعي، والرشيد. (¬4) يزيد بن المهلب بن أبي صفرة من القادة الشجعان الأجواد ولي خراسان وعزله عبد الملك، حبسه الحجاج، فهرب إلى الشام. ولما أفضت الخلافة إلى سليمان بن عبد الملك ولاه العراق ثم خراسان، حبسه عمر بن عبد العزيز ولمّا توفي عمر بن عبد العزيز نشبت حروب بينه وبين ولاة بني أمية حتى قتل سنة (102) الأعلام. (¬5) رواية البيت في العقد الفريد: =

وإني لأستحييه والتّرب بيننا … كما كنت استحييه وهو يراني (¬1) 187 - وقيل: لما دفن سليمان بن عبد الملك سمع بعض كتّابه وهو يقول: وما سالم عمّا قليل بسالم … وإن كثرت أحراسه وكتائبه [ومن يك ذا باب شديد ومنعة … فعمّا قليل يهجر الباب حاجبه] (¬2) ويصبح بعد الحجب للنّاس مبغضا (¬3) … رهينة بيت لم تسرّ جوانبه (¬4) فما كان إلاّ الدّفن حتّى تفرّقت … إلى غيره أجناده وكتائبه وأصبح مسرورا به كلّ كاشح … وأسلمه أحبابه وأقاربه بنفسك فاكسبها السّعادة جاهدا … فكلّ امرئ رهن بما هو كاسبه 188 - وقال علي بن يقطين (¬5): كنت مع المهدي بماسبذان (¬6)، فقال لي يوما: أصبحت جائعا فأتني بأرغفة ولحم بارد. ففعلت، ثم دخل البهو فنام ونمنا في الرّواق، فانتبهنا لبكائه، وبادرنا إليه مسرعين، فقال: أما رأيتم ما رأيت؟ وقف عليّ رجل لو أنّه في ألف رجل ما خفي عليّ صوته ولا صورته ¬

= فإن تسألاني فيم حزني فإنني ... رهينة هذا القبر يا فتيان (¬1) في الأصل وهو يران وقد كتب أمامها: لعلها وكان، والبيت في طبقات الشعراء لابن المعتز 403. 187 - مروج الذهب 4/ 14،15 (2167). (¬2) ما بين المعقوفين مستدرك من مروج الذهب. (¬3) في المروج مفصيا، وفي حاشيته رقم (1) جاء ما نصه: م: مغضبا، ورواية عبد الحميد: مقصيا. (¬4) في المروج: رهينة باب لم تستّر جوانبه. 188 - تاريخ الطبري 8/ 170، ومروج الذهب 4/ 181 (2466)، والهفوات النادرة (52) والروايات مختلفة. ورواية المروج هي رواية الأصل. (¬5) علي بن يقطين: من أتباع موسى الكاظم، ولاّه المهدي على ديوان الأزمّة سنة 168، وكان في يده خاتم الخلافة أيام الهادي، لم يلبث مع ذلك أن قتل على الزندقة. مروج الذهب 7/ 520. (¬6) ماسبذان: هي أحد فروج الكوفة، وهي بالقرب من هيت. الروض المعطار (519).

فقال: كأنّي بهذا القصر قد باد ملكه … وأوحش منه ربعه ومنازله (¬1) وصار عميد الملك من بعد بهجة … وملك إلى قبر عليه جنادله (¬2) ولم يبق إلاّ ذكره وحديثه … تنادي عليه معولات حلائله فما أتت على المهدي بعد رؤياه هذه إلاّ عشرة أيام حتى مات. 189 - أبو العتاهية: ألا يا موت لم أر منك بدّا … أبيت فلا تحيف ولا تحابي كأنّك قد هجمت على مشيبي … كما هجم المشيب على شبابي 190 - ابن الرّومي: رأيت الدّهر يجرح ثمّ يأسو … يعرّض أن يسلّي أو ينسّي (¬3) أبت نفسي الهلوع لفقد شيء … كفى رزءا لنفسي فقد نفسي (¬4) 191 - وقيل: لمّا تأتّى الملك للمأمون كان يقول: هذا الملك لولا أنّ بعده الهلك، وهذا سرور لولا أنّ بعده غرور، وهذا يوم لو كان يؤمن غده. ¬

(¬1) في الهامش وأوحش منه أهله. (¬2) في مصادر الخبر: وصار عميد القوم. 189 - الديوان صفحة (33) من قصيدة مطلعها: لدوا للموت وابنوا للخراب ... فكلكم يصير إلى ذهاب والقصيدة في ديوان محمود الوراق 271 في باب ما نسب للوراق وغيره، ويرجح أنه ليس له. وفي المحبوب والمشموم 4/ 371 نسبت لدعبل. 190 - الديوان 3/ 1168 من قصيدة في سليمان بن عبد الله بن طاهر مطلعها: ترحّل من هويت وكلّ شمس ... ستكسف أو ستغرب جين تمسي (¬3) رواية الديوان: يؤسي أو يعوض أو ينسي. (¬4) رواية الديوان: أبت نفسي الهلاع لرزء شيء ... كفى شجوا لنفسي رزء نفسي

192 - محمد بن بشر (1): ويل لمن لم يرحم الله … ومن تكون النّار مثواه يا حسرتي [في] كلّ يوم مضى (¬1) … يذكرني الموت وأنساه من طال في الدّنيا به عمره … وعاش فالموت قصاراه 193 - وقيل لما مات أبو فراس بن حمدان (¬2) أنشد عند موته يقول: أبنيّتي لا تجزعي … كلّ الأنام إلى ذهاب أبنيّتي صبر جمي‍ … ل للجزيل من المصاب (¬3) نوحي عليّ وعددي … من خلف سترك والحجاب (¬4) قولي إذا ناديتني … فعييت عن ردّ الجواب زين الشّباب أبو فرا … س لم يمتّع بالشّباب 194 - وقيل: اجتمع ذات يوم عند الواثق جماعة من الفلاسفة والمتطبّبين وغيرهم، فجرى بحضرته أنواع من العلوم من الطّبيعيّات، وما بعد ذلك من الإلهيات، وأطالوا الكلام في كلّ فنّ، فقطع الواثق عليهم الكلام وأجاز سائر ¬

192 - الأبيات في العقد الفريد 3/ 248 خلا البيت الثالث لمحمد بن بشير. (¬1) ما بين معقوفين للوزن. 193 - الديوان صفحة (29). (¬2) أبو فراس، الحارث بن سعيد بن حمدان الشاعر المفلق الفارس الجواد الأديب صاحب غزوات، أسرته الروم جريحا وبقي في الأسر في خرشنة أولا ثم القسطنطينية سنوات حتى فداه ابن عمه سيف الدولة، قتل في نواحي تدمر سنة (357) وكان كلّ عمره سبعا وثلاثين سنة. وفيات الأعيان 2/ 58، سير أعلام النبلاء 16/ 196. (¬3) رواية الديوان: صبرا جميلا للجليل. (¬4) رواية الديوان: بكّي أباك واندبي‍ ... ـه وراء سترك والحجاب 194 - الخبر في مروج الذهب 4/ 377 (2857) و 4/ 381 (2867). ولم ينقل المؤلف خبر المجلس برمّته وإنما آخره.

من حضره منهم، ثمّ أمر الجميع أن يتكلّموا في الزّهد في هذا العالم الذي هو عالم الدّثور والفناء والغرور، فذكر كلّ واحد منهم ما سنح له من الأخبار عن الفلاسفة والمتقدّمين والحكماء اليونانيين كسقراط وذوجانس (¬1)، فقال الواثق: قد أكثرتم فيما ذكرتم، وأحسنتم الحكاية فيما وصفتم، فليخبرني مخبر منكم ما أحسن ما سمع من كلام الذين حضروا وفاة الإسكندر لما جعل في تابوت الذّهب؟ فقال بعض من حضره: كلّ يا أمير المؤمنين حسن فيما ذكره، وأحسن ما نطق به من حضر ذلك المشهد من الحكماء ذوجانس، وقد قيل إنّه لبعض (¬2) حكماء الهند فقال: إنّ الإسكندر أمس أنطق منه اليوم، وإنّه اليوم أوعظ منه أمس. وقد أخذ هذا أبو العتاهية (¬3) فقال: كفى حزنا بدفنك ثمّ إنّي … نفضت تراب قبرك من يديّا وكانت في حياتك لي عظات … فأنت اليوم أوعظ منك حيّا فاشتدّ بكاء الواثق، وعلا نحيبه، وبكى من حضره، ثمّ قام من فوره وأنشد: ¬

(¬1) وضعه القفطي في تاريخ الحكماء صفحة (182) في باب: حرف الذال المعجمة في أسماء الحكماء ذيوجانس. وعرّفه: ذيوجانس الكلابي مشهور في أرض يونان، وقد راض أصحابه برياضة فارق فيها اصطلاح أهل المدن في اطراح التكلّف الذي اقتضاه الاصطلاح، فكان أحدهم يتغوّط غير مستتر عن الناس، وينكح في الطريق. . . ويقول فيما يأتيه من ذلك: لا يخلو إما أن يكون ما تفعله قبيحا على الإطلاق فلا يحسن في موضع دون موضع، وعلى صورة دون صورة، وإن كان مما يحسن في موضع دون موضع وعلى صورة غير صورة فهذا أمر اصطلاحي لا ضروري فلا أقف معه، وزادوا على ذلك أنهم كانوا يحبون من قرب (زنى المحارم) ويكرهون من بعد، فقال أهل زمانهم. هذه الأفعال تشبه أفعال الكلاب، فسموهم بذلك. وقد جاء في الأصل ديوجانس بالدال المهملة. (¬2) في الأصل بعض والمثبت من المروج. (¬3) الديوان صفحة (679).

لصروف الدّهر في تغييره … خطّة (¬1) فيها ارتفاع وانحدار بينما النّاس على عليائها … إذ هووا في حطّة منها فغاروا إنّما متعة قوم ساعة … وحياة المرء ثوب مستعار 195 - وقيل: إنّ الرّشيد كان يتمثّل عند مرضه بهذه الأبيات: إنّ الطّبيب بطبّه ودوائه … لا يستطيع دفاع مكروه أتى (¬2) ما للطّبيب يموت بالداء الذي … قد كان يبرىء مثله فيما مضى (¬3) 196 - وقيل: كان نجدة بن الأسود موصوفا بالحسن في خلقه وخلقه وفعله، فمات فأقبلت زوجته دلفاء، وألقت نفسها على قبره وقالت: سئمت حياتي يوم فارقت نجدة … ورحت ودمع العين منهلّ هامله وقال نساء الحيّ قد مات قبله … رجال فلم تهتك عليه حلائله صدقتم لقد مات الرّجال وما أرى … لنجدة في أضرابهم من يعادله فتى لم يضق عن جسمه لحد قبره … ولم تسع الأرض الفضاء فضائله وزارته بعد مدّة فأكبّت على قبره، وقالت منشدة: يا قبر نجدة لم أهجرك قالية … ولا قطعتك من صبر ولا جلد لكن بكيتك حتّى لم أجد مددا … من الدّموع ولا عونا على الكمد وأيئستني جفوني من مدامعها … فقلت للعين فيضي من دم الكبد ولم أزل بدم أبكيك جاهدة … حتّى بقيت بلا روح ولا جسد والله يعلم لولا الله ما رضيت … روحي بذاك سوى قتلي لها بيدي ¬

(¬1) الخطّة: الأرض. اللسان (خطط). 195 - الخبر في مروج الذهب 4/ 230 (2554). (¬2) في المروج: دفاع محذور القضا. (¬3) البيتان لأبي العتاهية، وهما في ديوانه صفحة (18). والشطر الأخير فيه: قد كان يبرئ جرحه فيما مضى. وهما في شعب الإيمان 7/ 200 لمحمد بن أسلم.

197 - وكتب بعض الفضلاء عند وفاة بعض الأكابر: كان منزله مألف الأضياف، ومأنس الأشراف، ومنتجع الرّاكب، ومقصد الوافد، فاستبدل بالأنس وحشة، وبالنّضارة عبرة، وبالضّياء ظلمة، واعتاض من تزاحم الملوك تلادم (¬1) المآتم، ومن ضجيج النّداء والصّهيل عجيج البكاء والعويل. 198 - سأبكيك ما فاضت دموعي وإن تغض ... فحسبك منّي ما تجنّ الجوانح (¬2) لئن حسنت فيك المراثي وذكرها … لقد حسنت من قبل فيك المدائح 199 - ويحكى عن فاطمة الزّهراء كرّمها الله تعالى أنّها قالت ترثي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كنت السّواد لناظري … فبكى عليك النّاظر من شاء بعدك فليمت … فعليك كنت أحاذر ¬

(¬1) اللدم: ضرب المرأة صدرها ووجهها في النياحة. وفي الأصل: بلادم. 198 - البيتان رواهما القالي في أماليه 2/ 118 لأشجع بن عمرو السلمي، وفي شرح ديوان الحماسة للمرزوقي 2/ 896 لأشجع أيضا، وكذا في زهر الآداب 3/ 210. وفي العقد الفريد 3/ 287 لمنصور النمري. (¬2) قال المرزوقي: ضمن له دوام البكاء ما دامت الدموع تجيبه وتساعده، فإن عجزت ونقصت عن المراد وانقطعت أو ان الحاجة، فكافية منه ما تشتمل عليه جوانحه، ويتضمنه صدره وفؤاده، والجوانح الضلوع سميت بذلك لانحنائها، والجنوح الميل. 199 - الشعر في العقد الفريد 3/ 254 وهو لأعرابية ترثي ولدها، وكذا هو في المنازل والديار 48، وهما في ديوان إبراهيم الصولي في الطرائف الأدبية 169، والبيتان في معجم الأدباء 1/ 177 لإبراهيم بن العباس الصولي في ابن له، وكذلك هما لإبراهيم في وفيات الأعيان 1/ 47. وفي الحماسة البصرية 1/ 267 للفتح بن خاقان. وجاء في شرح نهج البلاغة 19/ 197: ومن الشعر المنسوب إلى علي عليه السلام، ويقال إنه قاله يوم مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والبيتان في ديوان علي رضي الله عنه صفحة (50).

200 - وقالت أيضا: ماذا على مشتمّ تربة أحمد … ألاّ يشمّ مدى الزّمان غواليا صبّت عليّ مصائب لو أنّها … صبّت على الأيام صرن لياليا 201 - علي بن أبي طالب: أين الألى جمعوا الأموال واحتشدوا … في الجمع لا عدد أغنى ولا عدد شادوا وقادوا وذادوا عن حريمهم … حتّى إذا اخترموا لم يحمهم أحد كانوا مصابيح للأبصار تتّقد … حتّى إذا ما انتهت أعمارهم خمدوا فلا ترى لهم عين ولا أثر … سرعان ما وجدوا سرعان ما فقدوا يا ويح للموت لا يبقي على أحد … لا والد منه ينجو له، ولا ولد كأنّه أسد ضار على رصد … وكلّهم نشبا أظفاره تقد هوّن عليك فكلّ للهوى رصد … يبلى ويفنى ويبقى الواحد الصّمد 202 - وقيل: وقف سليمان بن عبد الملك على قبر ولده أيوب (¬1)، فقال: اللهمّ، إنّي أرجوك له، وأخافك عليه فحقّق رجائي وآمن خوفي. 203 - الخنساء: ألا يا صخر لا أنساك حتّى … أفارق مهجتي وأزور رمسي (¬2) ¬

200 - الأبيات في ديوان علي بن أبي طالب رضي الله عنه صفحة (105). 201 - لم أجد الأبيات في ديوانه. 202 - مروج الذهب 4/ 14 (2167). (¬1) أيوب بن سليمان بن عبد الملك بن مروان، ولي غزوة الصائفة، وكان أبوه رشّحه لولاية العهد من بعده فمات في حياة أبيه. مختصر تاريخ دمشق 5/ 119. 203 - الديوان صفحة (84). (¬2) في الديوان: فلا والله لا أنساك. ويشقّ رمسي.

يذكّرني طلوع الشّمس صخرا … وأذكره بكلّ غروب شمس (¬1) ولولا كثرة الباكين حولي … على إخوانهم لقتلت نفسي وما يبكون مثل أخي ولكن … أعزّي النّفس عنه بالتّأسّي 204 - الحنظلي: لكلّ جديد لذّة غير أنّني … رأيت جديد الموت غير لذيذ 205 - قيل إنّ الرّئيس أبا عليّ بن سينا لما حضرته الوفاة قال له صهره أبو عليّ القرموي الصّوفي: اذكر ربّك. ففتح عينيه وقال: يا أبا علي، ومتى خلا قلبي من ذكر ربّي طرفة عين؟! ائتوني بسماع: أوتار وشبّابة. فاستدعوا لذلك، فقال: شدّوا طبقة لطيفة معتدلة وغنّوا بهذه الأبيات إلى أن تفارق روحي جسدي. وهي هذه: هبت نسيم وصالكم سحرا … بحدائق للشّوق في قلبي فاهتزّ غصن الوصل من طرب … وتناثرت درر من الحبّ وغدت خيول الهجر شاردة … مطرودة بعساكر القرب وبدت شموس الوصل خارقة … بشعاعها لسرادق الحجب وبقيت لا شيئا أشاهده … إلاّ أقول بأنّه ربّي فغنّوه وهو ملقى بين أيديهم، وروحه تشرئبّ إلى مفارقة جسده، ثم أصرف (¬2) أولاده ومن يصبو قلبه إليه، وبقي عنده صهره أبو عليّ فلمّا فارقت روحه جسده، قال عند ذلك: ربّ توفّني مؤمنا وألحقني بالصّالحين (¬3). ¬

(¬1) قال الأصمعي: أرادت بطلوع الشمس للغارة، وبمغيبها للقرى. 204 - البيت لضابئ بن الحارث البرجمى من بني تميم، جاء في الأغاني 2/ 196: ولما حضرت الحطيئة الوفاة قال: أبلغوا أهل صابئ أنه شاعر حيث قال: لكل جديد. . . (¬2) هكذا ولعلها صرف أو استصرف. (¬3) إشارة إلى قوله تعالى: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ اَلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ اَلْأَحادِيثِ فاطِرَ اَلسَّماواتِ وَاَلْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي اَلدُّنْياوَاَلْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي -

ومات من وقته مقدّس الرّوح مطهرا. 206 - [يا] رحم الله إخوانا لنا ذهبوا … أفناهم حدثان الدهر والأبد نمدّهم كلّ يوم من بقيّتنا … ولا يؤوب إلينا منهم أحد 207 - وقيل: قدم إلى ميّافارقين (¬1) رجل متصرّف من بغداد في أيام ناصر الدّولة ابن مروان (¬2) ليتصرّف بها فمات ودفن ظاهر ميّافارقين. فرأى ناصر الدولة في منامه كأنّ ذلك الميت قائم في قبره، ويشير إليه: أبا الحسن بن الفضل يممت نحوكم … طلوبا لصفو العيش لمّا تكدّرا أردت ثراء المال لما عدمته … ولم أدر أنّي قد نقلت إلى الثّرى فلا يغترر بالعيش بعدي شامت … فإنّ مصير الشّامتين كما ترى 208 - وقيل: لما مات عاصم بن عمر جزع عليه عبد الله (¬3) جزعا شديدا وقال منشدا: فإن يك أحزان وفائض عبرة … أثرن دما من داخل الجوف منقعا (¬4) ¬

3 - بِالصّالِحِينَ [يوسف:101]. (¬1) ميافارقين: أشهر مدينة بديار بكر، شمال غرب الموصل، بين الجزيرة وأرمينيا، فتحها عياض بن غنم. الروض المعطار 567، ومعجم البلدان 5/ 235. (¬2) ناصر الدولة بن مروان آخر أمراء ولاية بني مروان بن لكك في ميافارقين والتي دامت من سنة 380 حتى وفاة ناصر الدولة 486 بالجزيرة. تاريخ الفارقي (96). 208 - الكامل 1379، والتعازي والمراثي صفحة (60)، والتعازي صفحة (46) وتاريخ مدينة دمشق عاصم-عايذ صفحة (63): قتلت الخوارج عاصم بن عمر بن عبد العزيز سنة 127. (¬3) في التعازي للمدائني: يقال إن المرثي كان عاصم بن عمر بن الخطاب. (¬4) في الكامل: فإن يك حزن أو تجرّع غصّة ... أمارا نجيعا من دم الجوف منقعا

تجرّعتها من عاصم واحتسيتها … لأعظم منها ما احتسى وتجرّعا (¬1) فليت المنايا كنّ خلّفن عاصما … فعشنا جميعا أو ذهبن بنا معا 209 - وقال المنصور للرّبيع (¬2): يا ربيع، ما أطيب الدّنيا لولا الموت! فقال الرّبيع: يا أمير المؤمنين، ما طابت الدّنيا إلاّ بالموت. قال: وكيف ذلك؟ قال: لولا الموت لم تقعد في هذا الموضع الذي أنت فيه. قال: صدقت. 210 - لقد أفسد الموت الحياة وقد أتى … على يومه علق (¬3) إليّ حبيب أتى دون حلو العيش حتى أمرّه … نكوب على أثارهنّ نكوب 211 - وقيل لما احتضر معاذ بن جبل (¬4) رئي وقد دمعت عيناه، فقيل له: لم تبكي وقد حضرك من الله ما ترى؟ فقال: أمّا أنا فلا أبكي أسفا على دنياكم هذه، ولكنّي أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام الليل، وعلى مهبط طريق ¬

(¬1) من الأصل وأحستها فأعظم. والتصحيح من التعازي وتاريخ ابن عساكر. (¬2) الربيع بن يونس أبو الفضل من موالي بني العباس، وزير، من العقلاء الموصوفين بالحزم، اتخذه المنصور العباسي حاجبا، ثم استوزره، وكان مهيبا، محسنا إدارة الشؤون، عاش إلى خلافة المهدي، وحظي عنده، ثم صرفه عن الوزارة وأقرّه على دواوين الأزمّة. الأعلام. (¬3) العلق: النفيس من كل شيء. متن اللغة. 211 - انظر خبر وفاة معاذ بن جبل في الحلية 1/ 239، والاستيعاب 3/ 1405. (¬4) معاذ بن جبل أعلم الأمة بالحلال والحرام، أحد الستة الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أرسله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن قاضيا. توفي في طاعون عمواس في الأردن سنة 18 للهجرة، قيل عاش 28 سنة وقيل 33 سنة أو 34 سنة. الأعلام.

ما أدري إلى جنّة أم إلى نار. 212 - وذكر أنّ بعض الصّالحين مات له ابن فلم ير به جزع عليه. فقيل له في ذلك. فقال: هذا أمر كنّا نتوقّعه فلما وقع لم ننكره. 213 - خويلد بن خالد الهذلي (¬1): أودى بنيّ وأعقبوني حسرة … بعد الرّقاد وعبرة ما تقلع سبقوا هويّ وأعنقوا لهواهم … فتخرّموا ولكلّ جنب مصرع (¬2) وإذا المنيّة أنشبت أظفارها … ألفيت كلّ تميمة لا تنفع وتجلّدي للشّامتين أريهم … أنّي لريب الدّهر لا أتضعضع 214 - وقيل إنّ إبراهيم بن عبد الملك بكى في مرضه الذي مات فيه، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: قلّة الزّاد، وبعد السّفر، وصعود عقبة لا أدري هبطتي منها إلى جنّة أم إلى نار. 215 - ومات صديق (¬3) للمبرّد (¬4) فلم يمل سنة إلاّ المراثي والتّعازي، ¬

213 - الأبيات في شرح ديوان الهذليين 1/ 4 القصيدة الأولى، والمفضليات 421 القصيدة (126). وانظر تخريجها به. وسبب إنشاء القصيدة هو أنه هلك بنوه الخمسة في عام واحد، أصابهم الطاعون، وهي أشهر شعره ومطلعها: أمن المنون وريبها تتوجّع؟ ... والدهر ليس بمعتب من يجزع (¬1) خويلد بن خالد الهذلي، أبو ذؤيب، شاعر فحل مخضرم غزا إفريقية، مات بمصر نحو سنة (27). (¬2) هويّ: هواي بلغة هذيل. أي ماتوا قبلي، وكنت أحب أن أموت قبلهم. أعنقوا: أسرعوا. جعلهم كأنهم هو والذهاب، تخرموا: أخذوا واحدا واحدا. المفضليات. 215 - انظر كتاب المراثي والتعازي صفحة (300،301). (¬3) وهو القاضي إسماعيل بن إسحاق الأزدي، فقيه على مذهب الإمام مالك جليل التصانيف، كان قاضي القضاة ببغداد، ومن أجلّ أصدقاء المبرد، توفي ببغداد حرسها الله (282). (¬4) المبرد محمد بن يزيد، أبو العباس، إمام العربية ببغداد، وأحد أئمة-

ثم ختم كتابه بعد سنة بقول الشّاعر: إلى الحول ثم اسم السّلام (¬1) عليكما … ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر (¬2) 216 - الخنساء: وما كرّ إلاّ كان أوّل طاعن … وما أبصرته الخيل إلاّ اقشعرّت فيدرك ثأرا وهو لم تخطه القنا … فمثل أخي يوما به العين قرّت (¬3) ولست أرزّى بعده برزيّة … فأذكره إلاّ سلت وتجلّت 217 - وقال عبد العزيز بن مسلم العقيلي: مررت بقبر أبي محجن (¬4) بأرمينية (¬5) تحت شجرات من كرم، فذكرت أبياته، وعجبت من الاتفاق في ¬

4 - الأدب والأخبار من كتبه «الكامل». و «التعازي والمراثي» الذي قال في مقدمته: «دعانا إلى تأليف هذا الكتاب، واجتلاب محاسن من تكلّم في أسباب الموت من المواعظ والتعازي والمراثي. . . مصابنا برجل استخفّنا لذلك وبعثنا عليه وهو أبو إسحاق القاضي إسماعيل بن إسحاق». المراثي والتعازي صفحة (1). (¬1) في الأصل: أنتم سلام والتصحيح من الديوان صفحة (214). (¬2) البيت للبيد بن ربيعة العامري من قصيدة خاطب فيها ابنتيه لما حضرته الوفاة، ومطلعها: تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما ... وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر 216 - الديوان صفحة (18) من قصيدة مطلعها: لهفي على صخر فإني أرى له ... نوافل من معروفه قد تولّت (¬3) في الديوان: وهو لم يخطه الغنى. 217 - الخبر بنحوه في الأغاني 19/ 13، والاستيعاب.4/ 1750. (¬4) أبو محجن الثقفي فارس شاعر من الأبطال جلده عمر في الخمر مرّات، ونفاه إلى جزيرة في البحر، فهرب ولحق بسعد وهو يحارب الفرس فحبسه، توفي بأذربيجان أو جرجان سنة (30) للهجرة. خزانة الأدب 8/ 405. (¬5) في مصادر ترجمته لم يذكر بأنه دفن بأرمينية.

قوله: إذا متّ فادفنّي إلى جنب كرمة … تروّي عظامي بعد موتي عروقها ولا تدفننّي في الفلاة فإنّني … أخاف إذا ما متّ أن لا أذوقها 218 - ومات ابن لابن عبّاس في سفر، فأنشد يرثيه: حانت منيّته بتثوى غربة … والميت ثاو حيث حلّ غريب 219 - وقال الخريمي: يذكّرني شمس الضّحى نور وجهه … فلي لحظات نحوها حين تطلع ولو شئت أن أبكي دما لبكيته … عليه ولكن ساحة الصّبر أوسع وإنّي وإن أظهرت منّي جلادة … وصانعت أعدائي عليك لموجع (¬1) ملكت دموع العين حين رددتها … إلى ناظري إذ أعين القلب تدمع (¬2) وأعددته ذخرا لكلّ كريهة … وسهم المنايا بالذّخائر مولع 220 - وقيل: مرّت الخنساء على هند بنت عتبة بن شيبة (¬3) وهي تنشد مراثي في أهل بيتها، فقالت لها: على ما تبكين؟ قالت: أبكي سادات مضر. قالت: فأنشديني بعض ما قلت. فقالت: ¬

219 - الخريمي إسحاق بن حسان بن قوهي، أبو يعقوب، شاعر مطبوع، وصفة أبو حاتم السجستاني بأشعر المولدين، اتصل بعثمان بن عمارة بن خريم الناعم فلزمه حتى نسب إليه، كما اتصل بكاتب البرامكة محمد بن منصور، توفي سنة (212). قصيدته في الديوان صفحة (40) قالها يرثي خريم بن عمارة، ومطلعها: قضى وطرا منك الحبيب المودّع ... وحلّ الذي لا يستطاع فيدفع (¬1) الديوان: وإني وإن أظهرت صبرا وحسبة. (¬2) في الأصل فأعين. والتصحيح من الديوان. 220 - انظر الخبر بنحوه في ديوان الخنساء صفحة (43)، ومجمع الأمثال 2/ 275. (¬3) هند بنت عتبة بن شيبة أم معاوية بن أبي سفيان أسلمت عام الفتح، توفيت سنة (14) للهجرة.

أبكي عمود الأبطحين كليهما … ومانعها من كلّ باغ يريدها (¬1) أبي عتبة الفيّاض ويحك فاعلمي … وشيبة والحامي الدّيار وليدها (¬2) أولئك أهل العزّ من آل غالب … وللحرب يوم حين عدّ عديدها (¬3) فقالت الخنساء: مرعى ولا كالسّعدان (¬4)، وأنشدت تقول: أبكّي أبي عمرا (¬5) بعين غزيرة … قليل إذا تغفى العيون رقودها وصخرا ومن من مثل صخر إذا بدا … تساميه الأبطال قبّا يقودها (¬6) 221 - وحدّث أبو البراء ثمامة بن الوضين قال: رأيت باليمامة جارية تبكي عند قبر وتقول: كفى حزنا أنّي أروح بحسرة … وأغدو على قبر ومن فيه لا يدري فيا نفس شقّي جيب عمرك بعده … ولا تبخلي بالله يا نفس بالعمر فما كان يأبى أن يجود بنفسه … ليفديني لو كنت صاحبة القبر فسألتها عنه، فقالت: رفيقته منذ ثلاثين سنة، والله، لأبكينّه أو تلحق ¬

(¬1) في الديوان: عميد الأبطحين، والأبطح يضاف إلى مكة، وإلى منى لأن المسافة بينه وبينهما واحدة، وهو المحصّب. معجم البلدان 1/ 74. (¬2) في الديوان: والحامي الذمار. وكان قد قتل في معركة بدر كلّ من أبيها عتبة بن ربيعة، وعمّها شيبة بن ربيعة، وأخيها الوليد بن عتبة كفارا. (¬3) في الديوان: وفي العز منها حين ينمى عديدها. (¬4) المثل في: أمثال الضبي 127، ومجمع الأمثال 2/ 275 والمستقصى 2/ 344، قال الميداني في مجمع الأمثال: السعدان أخثر العشب لبنا، إذا خثر لبن الراعية كان أفضل ما يكون وأطيب وأدسم، ومنابت السعدان السهول، وهو من أنجع المراعي في المال، ولا تحسن على نبت حسنها عليه، وهو يضرب مثلا للشيء يفضل على أقرانه وأشكاله. (¬5) في الأصل أبكي أبا عمرو، والتصحيح من الديوان؛ فإن أباها عمرو بن الحارث بن الشريد. (¬6) القبّ: رئيس القوم وسيدهم، وفي الديوان: وصخرا ومن ذا مثل صخر إذا غدا ... بساحته الأبطال قزم يقودها

نفسي به. 222 - وقيل إنّ ليلى الأخيليّة (¬1) مرّت في ركب بقبر توبة بن الحميّر (¬2) فلم تقف عليه، فقيل لها: والله، ما وفيت له، هلاّ وقفت وسلّمت. فقالت: كرهت أن لا يردّ سلامي فأكذبه حيث يقول: ولو أنّ ليلى الأخيليّة سلّمت … عليّ ودوني تربة وصفائح لسلّمت تسليم البشاشة أو زقا … إليها صدى من جانب القبر صائح 223 - أبو الغطريف: قد زرت قبرك يا عليّ مسلّما … ولك الزّيارة من أقلّ الواجب ولو استطعت حملت عنك ترابه … فلطالما عنّي حملت نوائبي ودمي فلو أنّي علمت بأنّه … يروي ثراك سقاه صوب الصّائب لسفكته أسفا عليك وحسرة … وجعلت ذاك مكان دمعي السّاكب 224 - وحدّث عبد الله بن سكّين (¬3) قال: رأيت جارية بصحار (¬4) تبكي عند قبر، وتقول: ¬

222 - انظر الخبر بنحوه والأبيات في التعازي والمراثي صحفة (78)، والأمالي 1/ 197، والأغاني 11/ 244، وحماسة أبي تمام صفحة (1311) وسمط اللآلي (119). (¬1) ليلى بنت عبد الله بن الرحال الأخيلية، شاعرة فصيحة جميلة ذكية، ولها أخبار مع الحجاج وعبد الملك بن مروان اشتهرت بأخبارها مع توبة. (¬2) توبة بن الحميّر شاعر من عشاق العرب المشهورين، خطب ليلى فرده أبوها، فانطلق يقول الشعر مشببا بها، قتله بنو عوف بن عقيل سنة (85) للهجرة. (الأعلام). (¬3) كذا الأصل. (¬4) صحار: مدينة كبيرة بأرض عمان على ساحل البحر، مياهها من الآبار، أقدم مدن عمان وأكثرها أموالا، يقصدها ما لا يحصى من التجار، إليها تجلب جميع بضائع اليمن، ويتجهز منها بأنواع التجارات، بها كثير من الثمار الطيبة. عن الروض المعطار (354).

يا قريب المدى بعيد المآب … بأبي أنت يا سليب الشّباب لم تدع وجهك المنيّة حتّى … وهبت حسنه قبيح التّراب 225 - قيل: ماتت جارية للرّشيد كان مشغوفا بها، فقال للعبّاس (¬1): ارثها، فإنّها اختلست من يدي. فقال: علّمني يا أمير المؤمنين، كيف أقول فيها. فقال: اختلست ريحانتي من يدي … أبكي عليها آخر المسند (¬2) كانت هي الأنس إذا استوحشت … نفسي من الأقرب والأبعد وروضة لي لم تزل مرتعي … ومنهلا كان به موردي كانت يدي كانت بها قوّتي … فاختلس الدّهر يدي من يدي (¬3) 226 - وقال الرّقاشي (¬4) وقد انتهى إليه موت جعفر بن يحيى البرمكي: الآن استرحنا واستراح ركابنا … وأمسك من يحدي ومن كان يحتدي (¬5) ¬

(¬1) العباس بن الأحنف الشاعر، كان ظريفا حلوا مقبولا حسن الشعر، ولم يقل في المديح والهجاء إلا شيئا نزرا، وشعره في الغزل، وله أخبار كثيرة مع هارون الرشيد وغيره، توفي سنة (192). تاريخ بغداد 12/ 127. (¬2) المسند: الدهر. القاموس (سند). (¬3) الأبيات كما جاء في الخبر لهارون الرشيد، والبيت الأول والأخير للعباس بن الأحنف، وهما في ديوانه صفحة 107 وروايتهما فيه: ريحانتي واختلست من يدي ... أبكي عليها آخر المسند كانت يدا كانت بها قوتي ... فاختلس الدهر يدي من يدي وهما كما في الديوان في محاضرات الأدباء 2/ 237. 226 - انظر الخبر والأبيات في مروج الذهب 4/ 253 (2603) والأبيات منسوبة إلى أشجع السّلمي، وتاريخ الطبري 8/ 300: (قد ذكر هذا الشعر لأبي نواس) والهفوات صفحة (77)، ووفيات الأعيان 1/ 246. (¬4) الرقاشي الفضل بن عبد الصمد، أبو العباس، شاعر مجيد من أهل البصرة فارسي الأصل، مدح الخلفاء، انقطع إلى البرامكة ورثاهم بعد نكبتهم، كان متهتكا خليعا. الأعلام. (¬5) في مصادر الخبر كلها: واستراحت. ويجدي ومن كان يجتدي.

فقل للمطايا قد أمنت من السّرى … وطيّ الفيافي فدفدا (¬1) بعد فدفد وقل للعطايا بعد فضل تبدّدي … وقل للرّزايا كلّ يوم تجدّدي (¬2) وقل للمنايا قد ظفرت بجعفر … ولن تظفري من بعده بمسوّد 227 - وذكر المبرّد: أنّ يعقوب بن الرّبيع (¬3) أحبّ جارية، فطلبها سبع سنين، وبذل فيها جاهه وماله وإخوانه حتّى ملكها، فأقامت عنده ستّة أشهر ثم ماتت، فقال فيها أشعارا كثيرة، ولم يزل يرثيها حتّى مات. وذكر الصّولي أنّه أعطي فيها مئة ألف دينار [فلم يبعها] (¬4)، ومن أحسن ما قال فيها: رأيت ثياب النّاس في كلّ مأتم … إذا اختلفوا (¬5) زرق الثّياب وسودها وإنّي على ملك لبست ملاءة … من الحزن لا يبلي الزّمان جديدها وله فيها (¬6): يا ملك إن كنت تحت الأرض بالية … فإنّني فوقها بال من الحزن يا ملك لم تجدي مسّ البلى ولقد … وجدت مسّ البلى والضّرّ في بدني ¬

(¬1) الفدفد: الفلاة التي لا شيء بها، وقيل: هي الأرض الغليظة ذات الحصى، وقيل: المكان الصّلب. اللسان. (¬2) في مصادر الخبر كلها: بعد فضل تعطلّي. 227 - الكامل 3/ 1464. (¬3) يعقوب بن الربيع حاجب أبي جعفر المنصور، أخو الفضل بن الربيع، كان أحد الأدباء الشعراء، وكان ماجنا خليعا، استنفد شعره في رثاء جاريته ملك. مات سنة (190) للهجرة. تاريخ بغداد 14/ 267، معجم الأدباء لياقوت 20/ 53، ومعجم الشعراء للمرزباني صفحة (504). (¬4) ما بين معقوفين مستدرك من تاريخ بغداد ومعجم الأدباء. (¬5) في معجم الشعراء للمرزباني: إذا احتفلوا. (¬6) البيتان في معجم الشعراء للمرزباني صفحة (505).

228 - وعن [ابن] أبي فنن (¬1) قال: لم يقل في وصف ميّت أحسن من قول يعقوب بن الرّبيع يصف جاريته عند موتها: ظلّت تكلّمني كلاما مطمعا … لم أسترب منه بشيء مؤيس حتّى إذا فتر اللّسان (¬2) وأصبحت … للموت قد ذبلت ذبول النّرجس وتسهّلت منها محاسن (¬3) وجهها … وعلا الأنين تحثّه بتنفّس رجع اليقين مطامعي يأسا كما … رجع اليقين مطامع المتلمّس (¬4) 229 - وقيل: إنّ أبا المعالي بن عبد القاهر بن المنذر شرع في عمارة دار واهتمّ بها، فلما تمّ بناؤها مرض ومات، وعمل هذين البيتين عند موته بعد ما أوصى أن يدفن في الدّار: لهفي على غصن شباب ذوت … أوراقه من أوّل العرس ومنزل أمّلت عمرانه … أصبح في جانبه رمسي 230 - ومات ولد لشيخ من بني أسد فاشتدّ جزعه عليه، فقيل له: اصبر؛ فإنّه فرط أفرطته، وخير قدّمته، وذخر أحرزته. فقال مجيبا: ولد ¬

228 - الأبيات الثلاثة الأخيرة في الكامل 3/ 1465، وثمار القلوب 218. (¬1) في الأصل أبي فنن، وهو أحمد بن أبي فنن صالح، أبو عبد الله، مولى بني هاشم، شاعر مجود، نقي اللفظ، راوية، أكثر المدح للفتح بن خاقان، وكان أسود اللون. تاريخ بغداد 4/ 202، طبقات الشعراء 396. (¬2) في ثمار القلوب: حتى إذا احتبس اللسان. (¬3) في ثمار القلوب: وتكاءبت منها المحاسن. (¬4) المتلمس هو جرير بن عبد العزّى من بني ضبّة، شاعر جاهلي، من أهل البحرين، خال طرفة بن العبد كان ينادم عمرو بن هند فبلغه أن المتلمس وطرفة هجواه، فأراد عمرو قتله فكتب إلى عامله بالبحرين كتابين أوهمهما أنه أمر لهما فيهما بجائزة، وقد كان أمر بقتلهما، ففض المتلمس الصحيفة، وقرأ ما فيها، فقذفه بنهر الحيرة ونجا، أما طرفة، فقد ذهب إلى عامل عمرو في البحرين وقتل هناك.

دفنته، وثكل تعجّلته، وغيب وعدته، والله، إن لم أجزع من النّقص لم أفرح بالمزيد. 231 - وقال العتبي (¬1) يذكر ولدا له مات: أضحت بخدّي للدّموع رسوم … أسفا عليك وفي الفؤاد كلوم والصّبر يحمد في المصائب كلّها … إلاّ عليك فإنّه مذموم 232 - وأنشد سليمان بن عبد الملك (¬2) عند وفاة بعض ولده: إذا ما دعوت الصّبر بعدك والبكا … أجاب البكا طوعا ولم يجب الصّبر فإن ينقطع منك الرّجاء فإنّه … سيبقى عليك الحزن ما بقي الدّهر (¬3) 233 - وقيل لأعرابيّ مات أخوه: ما سبب موته؟ قال: كونه. 234 - وقيل لفيلسوف: من الذي لا عيب فيه؟ قال: الذي لا يموت. 235 - إذا نحن زرنا قبره ودموعنا … يكاثرها أفضاله وفضائله لزمنا له حكم الوقار كأنّما … تلوح لنا تحت التّراب شمائله ¬

231 - الكامل 2/ 555، والتعازي والمراثي (165)، والعقد الفريد 3/ 361، ووفيات الأعيان 4/ 399، والمستطرف 508. (¬1) العتبي محمد بن عبيد الله بن عمرو بصري علامة راوية للأدب والشعر، تتابعت عليه مصائب بالذكور من ولده في الطاعون الكائن بالبصرة فمات منهم ستة. توفي سنة (228). معجم الأدباء للمرزباني (420)، تاريخ بغداد 2/ 324، وفيات الأعيان 4/ 398. 232 - البيتان للعباس بن الأحنف ديوانه صفحة (137) والعقد الفريد 3/ 258 (قال أعرابي يرثي ابنه)، وشرح الحماسة للمرزوقي صفحة (900)، والحماسة الشجرية 1/ 344 من غير عزو، والمستطرف 507 العباس بن الأحنف. (¬2) كذا في الأصل، ولعل في الاسم تحريفا، أو أن سليمان بن عبد الملك هذا غير الخليفة الأموي. (¬3) رواية البيت في الديوان: فإن تقطعي منك. 233 - الأجوبة المسكتة 101، الحكمة الخالدة 160.

236 - ومات ابن (¬1) لعبيد الله بن الحسن (¬2) فعزّاه صالح المرّي (¬3) فقال: إن كانت مصيبتك في ابنك أحدثت لك عظة في نفسك فنعم المصيبة مصيبتك، وإن لم تكن أحدثت لك عظة في نفسك، فمصيبتك في نفسك أعظم من المصيبة في ميّتك. 237 - وقالوا رزقت الأجر يوم مصابه … فقلت لهم: يا ليتني فاتني الأجر أأبغي ثوابا في الّذي كلّ كربة … لها من معاليه إذا أظلمت فجر 238 - وعزّى سهل بن هارون لرجل فقال: مصيبة في غيرك لك أجرها خير من مصيبة فيك لغيرك ثوابها. 239 - وعزّى رجل أخاه عن ابن له فقال: ذهب أبوك وهو أصلك، وذهب ابنك وهو فرعك، فما حال الباقي بعد ذهاب أصله وفرعه؟ 240 - لكلّ أناس مقبر بفنائهم … فهم ينقصون والقبور تزيد ¬

236 - التعازي (27)، والتعازي والمراثي (71)، والعقد الفريد 3/ 304، وعيون الأخبار 3/ 53. (¬1) في التعازي والمراثي مات الحسن بن الحصين أبو عبيد الله بن الحسن. (¬2) عبيد الله بن الحسن بن الحصين من العلماء الفقهاء في الحديث، ولي قضاء البصرة وإمارتها. توفي سنة (168) هـ‍. (¬3) صالح بن بشر المري أحد رواة الحديث العباد كان قاضيا في البصرة، توفي سنة (172). 238 - أمراء البيان صفحة (174). 239 - التعازي والمراثي (206)، والعقد الفريد 3/ 307. 240 - الأبيات في عيون الأخبار 3/ 66، والعقد الفريد 3/ 236 منسوبة لزيد بن علي، وكتاب الوزراء والكتاب 163 منسوبة ليعقوب بن داود، وشرح الحماسة 2/ 891 منسوبة لعبد الله بن ثعلبة الحنفي.

وما إن تزال الدّار منهم قد اقفرت … وقبر لميت بالفناء جديد (¬1) هم جيرة الأحياء أمّا مزارهم … فدان وأمّا الملتقى فبعيد 241 - ولو كان في الدّنيا خلود لواحد … لكان رسول الله فيها المخلّدا ومن ذا الّذي يبقى من الدّين سالما … وسهم المنايا قد أصاب محمّدا (¬2) 242 - وقيل لأعرابية مات ولدها: ما أحسن عزاءك! فقالت: إنّ فقدي إيّاه أمّنني المصائب بعده، وفي ذلك يقول الشاعر (¬3): وكنت عليه أحذر الموت وحده … فلم يبق لي شيء عليه أحاذر 243 - وقال آخر: عش ما بدا لك أن تعيش فإنّما … طرف الحياة من الممات قريب 244 - وقيل: دخلت الخنساء على عائشة وعليها صدار من شعر وقد وضعت خمارها، فقالت لها عائشة: ألم ينه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن لبس الصّدار ووضع ¬

(¬1) في عيون الأخبار، والحماسة: وما إن يزال رسم دار قد اخلقت ... وبيت لميت بالفناء جديد وفي العقد: فما إن يزال دار حي قد أخربت. 241 - البيتان كتبا على الهامش بخط مغاير لخط الأصل. وقافيتاهما: المخلد ومحمد. (¬2) الدّين: الموت. قاموس المحيط (دين). 242 - عيون الأخبار 3/ 56، والخبر في العقد الفريد 3/ 254، والمنازل والديار صفحة (48) دون الأبيات هذه، وإنما ذيلت بالأبيات التي مطلعها: من شاء بعدك فليمت ... فعليك كنت أحاذر (¬3) البيت لأبي نواس الديوان:581 من قصيدة يرثي بها محمد الأمين مطلعها: طوى الموت ما بيني وبين محمّد ... وليس لما تطوي المنيّة ناشر 244 - الكامل 3/ 1396، والتعازي والمراثي 48، والتعازي 29، والعقد الفريد 3/ 266.

الخمار؟! فقالت: بلى، ولكنّ زوجي قامر فقمر (¬1) فأتيت أخي صخرا، فشاطرني ماله، وأتيت به زوجي، فقامر ثم قمر، فأتيت أخي صخرا فشاطرني ماله، فأتيت به زوجي، فقامر فقمر، فعدت إلى أخي فشاطرني ماله، فقالت له زوجته، أكلّ هذا تفعله مع هذه؟. فقال: نعم، لو فقدتني وضعت خمارها … واتخذت من شعر صدّارها فلمّا فقدته وضعت الخمار، ولبست الصّدار. 245 - وقال الأصمعيّ: حضر بعض العرب الموت فرأى جزع أخيه عليه، فقال له: هوّن عليك يا أخي، فيوشك أن تحدّث عنّي وأنت تضحك. 246 - وقد كنت أستعفي الإله إذا اشتكى … من الأجر لي فيه وإن سرّني الأجر وأجزع أن ينأى به بين ليلة … فكيف ببين صار موعده الحشر 247 - ولأعرابيّ: وما نحن إلاّ مثلهم غير أنّنا … أقمنا قليلا بعدهم وتقدّموا 248 - أبو نواس: سبقونا إلى الرّحيـ … ـل وإنّا على الأثر ¬

(¬1) في الكامل، والعقد: كان زوجي رجلا متلافا. 246 - عيون الأخبار 3/ 61. 247 - محاضرات الأدباء 2/ 224. 248 - الديوان صفحة (612) من قصيدة مطلعها: يا بني النقص والعبر ... وبني الضعف والخور

249 - وقيل: دخل عمر بن ذرّ (¬1) على ابنه ذرّ وهو يجود بنفسه، فقال: يا بنيّ، إنّه ما علينا غضاضة، ولا بنا إلى أحد سوى الله حاجة، فلمّا قضى وواراه، وقف على قبره، وقال: يا ذرّ، إنّه قد شغلنا الحزن لك على الحزن عليك، لأنّا لا ندري ما قلت ولا ما قيل لك، اللهمّ إني قد وهبت له ما قصّر فيه بما افترضته عليه من حقّي، فهب له ما قصّر فيه من حقّك، واجعل ثوابي عليه له، وهب لي من فضلك، إنّي إليك من الرّاغبين. 250 - وقال آخر لابنه: ومن عجب أن بتّ مستشعر الثّرى … وبتّ بما زوّدتني متمتعا ولو أنّني أنصفتك الودّ لم أقم … خلافك حتى ننطوي في الثّرى معا 251 - وذكر المسعوديّ قال: رأيت (¬2) ببلاد سرنديب-وهي جزيرة من جزائر البحر-إذا مات ملكهم صيّر على عجلة قريبة (¬3) من الأرض صغيرة البكر معدّة لهذا المعنى وشعرته تنجرّ على الأرض (¬4)، وامرأة بيدها مكنسة تحثو التّراب بها على رأسه، وتنادي بأعلى صوتها: يا أيّها النّاس هذا ملككم، ¬

249 - التعازي والمراثي صفحة (66)، والكامل 1/ 151، والبيان والتبيين 3/ 144، وتهذيب الكمال 21/ 338. (¬1) عمر بن ذر، يكنى أبا ذر، كان قاصا، مرجئا، مات سنة (153) طبقات ابن سعد 6/ 362. 250 - نهاية الأرب 5/ 179، وزهر الآداب 3/ 214. 251 - مروج الذهب 1/ 93 (175). (¬2) قال محقق كتاب مروج الذهب محشيا: «لم ير المسعودي شيئا من بلاد سرنديب، بل سرق ما قاله صاحب أخبار الصين والهند». والنص في أخبار الصين والهند لسليمان التاجر، وأبي زيد السيرافي ص 51 ط دائرة المعارف الهندية تحقيق إبراهيم الخوري. (¬3) في الأصل قريب، والتصحيح من المروج. (¬4) قال محقق كتاب المروج في الحاشية: كذا في نسخة (بم)، أما النسخة التي أثبتها المحقق [محيي الدين عبد الحميد] في المتن فنصّها: «صغيرة البكرة. . . وشعره ينجرّ».

[بالأمس قد ملككم] (¬1) وجاز فيكم أمره ونهيه، وقد صار إلى ما ترون، وقبض روحه ملك الملوك الحيّ الذي لا يموت، فلا تغترّوا بعده بالحياة؛ فالحياة في هذه الدّنيا متاع الغرور. 252 - وقال أبو الحسن المدائني (¬2): حدّثني عمرو بن مسعدة (¬3) قال: قال لي المأمون يوما: ألا أفيدك مصون الرّوم واليونانية من الحكمة؟ قلت: بلى يا أمير المؤمنين. قال: إنّي قرأت في صحف من كتبهم أنّ الإسكندر لمّا مرض مرضه الذي مات فيه أرسل إلى أرسطاطاليس (¬4) وكان معلمه الذي يصدر عن رأيه، ويعرف علمه وحقّ فضله، فقال له: أيّها الحكيم المؤتمن، خفف عن الطبيعة ما عليها من الثقل بكتاب تكتبه إلى الشّفيقة والدتي أرفية (¬5) تحضّها فيه على الصّبر، وتذكّرها فيه بمن سلف من الملوك خلّفوا ما خلّفت، وصرت إلى عرصاتهم وميدان حلبتهم، قد انقطعت أخبارهم، ودرست آثارهم، فعادت الحركة سكونا، والأجسام همودا، والأرواح خفوتا؛ واقرأه ¬

(¬1) ما بين معقوفين مستدرك من المروج. 252 - انظر خبر وفاة الإسكندر وأقوال الحكماء في موته في مروج الذهب 2/ 10 (675)، ونشوار المحاضرة 7/ 257، وذيل كتاب تجارب الأمم 3/ 76، ومختار الحكم ومحاسن الكلم 239، والمنتظم 7/ 117. وزهر الآداب 3/ 91. (¬2) تقدمت ترجمته صفحة (54). (¬3) عمرو بن مسعدة بن سعيد، أبو الفضل أحد كتاب المأمون، أسند الحديث عن المأمون أيضا توفي سنة (217) للهجرة. تاريخ بغداد 12/ 203. (¬4) أرسطاطالس أو أرسطوطالس أو أرسطو 384 - 322 ق. م مربي الإسكندر، فيلسوف يوناني، تأثر فلاسفة المسلمين بتآليفه التي نقلها إلى العربية إسحاق بن حنين. (المنجد). (¬5) هكذا الأصل، وفي مختار الحكم ومحاسن الكلم صفحة (239) روفيا وفي الحاشية: في ص، ح زوقيا. وفي كتاب الإسكندر المقدوني تأليف هارولد لامب أن أسمها: أولمبياس، وورد في المختار صفحة (250) في رسالة الإسكندر لأمه: احشري الناس من بلاد لوبيه وأورفيه. . .

عليّ قبل موتي. فكتب أرسطاطاليس كتابا هذه نسخته (¬1): من الإسكندر رفيق أهل الأرض بجسده قليلا، ورفيق أهل السّماء بروحه كثيرا إلى والدته أرفية الصّفيّة والحبيبة التي تحبّ التّمتّع بولدها في دار الغرّ الغرور، وتزهد في مجاورته غدا في دار النّشور. يا ذات الحلم الرّاجح، أسألك من قربي من قلبك أن تستمعي لقراءة كتابي هذا وتتفهّميه وترفعي نفسك عن شبه النّساء وضعفهنّ في الرّقة، كما لم يكن ابنك يرضى بشبه الرّجال في كثير من أمورهم، وانظري وتأمّلي في جميع ما أحاط به العالم. هل رأيت لشيء قرارا ثابتا، أو حالا دائما؟ ألم تري أنّ (¬2) الشّجرة كيف تهتزّ أغصانها، وتخرج ثمارها وتلتفّ ورقها، ثم إن يلبث أن ينهشم الغصن، ويتساقط الثّمر، ويتناثر الورق. أو لم ترى إلى النّهار المضيء النيّر البهي كيف تخلفه الظّلمة في مكانه؟، أو لم تري القمر أبهى ما يكون ليلة البدر يكسفه الكسوف فيذهب بنوره فيظلم ما ظهر من نوره وبهجته وحسنه، أو لم تري الكواكب الزّاهرة كيف يغشاها الطّموس فيخمد نورها؟ أو لم تري إلى شهب النّيران المتوقّدة ما أسرع ما يخبو ضوءها ولهبها؟ بل انظري إلى الماء العذب ما أسرع جريته إلى البحار المالحة التي تحوله إلى طبيعتها ومرارة ذوقها؟ وإلى هذا الخلق العجيب الذي ينافس في ¬

(¬1) جاء في «مختار الحكم» (239) بداية الرسالة فقط وفيها اختلاف «من العبد بن العبد الإسكندر رفيق أهل الأرض بجسده قليلا، ومجاور أهل الآخرة بروحه طويلا، إلى أمه روفيا الصفية الحبيبة، التي لم يتمتع بقربها في دار القرب، وهي مجاورته غدا في دار البعد. . .» إلى آخر الكتاب، وهو كتاب طويل. وقد ذكرته وغيره من كتبه في تاريخي الكبير على التمام. ا. هـ‍. وللإسكندر رسالة ثانية أيضا مختلفة إلى أمه كتبها بنفسه ولا تتوافق مع هذه الرسالة إلا بجمل مقتضبة، انظر مختار الحكم أيضا (249). (¬2) كذا في الأصل، ولعلها إلى.

الدنيا، ويحرص على عمارة ما يخلق آخره، ويدرس أثره؛ قد امتلأت به الآفاق، وشغلت به الأمكنة، وقد مالت إليه الحواس بكلّيتها فرجعت عن إدراكه كالّة حائرة. وإنهما شيئان اثنان شيء يولد فينمو وشيء ينبت فينمو وكلاهما مقرون به الهلاك. أو لم يبلغك أنه قيل لهذا الدار حين بنيت: يا والدة الموتى، ومرتجعة العطيّة، وناقضة كلّ مبروم، أو لم تري كلّ مخلوق يجري على ما ليس يدري؟ وأنّ كلّ مستقرّ منهم غير راض باستقراره، أم هل رأيتم معطيا لا يأخذ، ومقرضا لا يتقاضى، ومستودعا لا يردّ وديعته؟ ولئن يكن أحد حقيقا بالبكاء فلتبك السّماء على نجومها، ولتبك البحار على حيتانها، وليبك الجو على أجناس الطير المختلفة في الهواء، ولتبك الأرض على سكّانها، وليبك الإنسان على نفسه التي تموت في كلّ ساعة ولحظة وطرفة، وأجلها يطلبها، بل علام يبكي الباكي؟ لفقد من فقد من قبل أن يفارقه فأتاه ما لم يكن يحسب، وتوقّع ما لم يكن يحذر؛ فيحدث له البكاء والحزن. يا أمّاه، إنّ الموت والفناء لا يبقيان العزيز، ولا يتركان الذّليل. وقد عرفت سبيل المنهج والطّريق الواضح الذي ما عنه معدل، بل إليه كلّ يصير، ولا يتعبنّك الحزن والبكاء من بعدي؛ فإنّك لم تكوني جاهلة بأنّي من الذين يموتون. وقد كتبت كتابي هذا أرجو أن تتعزّي (¬1) به وأن يحسن منك موقعه، فلا تخلفي ظنّي، ولا تحزني روحي، فإنّي قد علمت يقينا أنّ الذي أذهب إليه خير (¬2) من المكان الذي كنت فيه، وأكرم وأطهر وأحسن من الحزن والنّصب والهمّ والألم، فاغتبطي بمذهبي واستعدّي للقائي. يا أمّاه أرفية، اذكري أنّ ذكري قد انقطع عن أهل الدنيا بما كنت أذكر من عزّ سلطاني وملكي فاجعلي لي من بعد ذكري صبرك على عظيم ما نزل بك من ¬

(¬1) في الأصل تتعزين. (¬2) في الأصل خيرا.

فقد ولدك. يا أماه، المقام في هذه الدار قليل زائل والمقام في دار الأبد دائم. فلما مات الإسكندر جعل جسده في تابوت من ذهب، وحمل إلى الإسكندرية إلى دار الملك، وجعل التابوت في وسط إيوانه الذي كان يجلس فيه على السّرير، وقيل لحكماء اليونانية والعظماء: ادنوا منه، وأحد قوا به، وتكلّموا على هذا الجسد السّاكن (¬1). فقال فلليمون الحكيم: هذا يوم عظيم العبر أقبل من شرّه ما كان مدبرا (¬2)، وأدبر من خيره ما كان مقبلا. فمن كان باكيا على زوال ملكه فليبك (¬3). وقال ميلاطوس الحكيم الأول: أيّها السّاعي المغتصب، ما خانك عند الاجتماع وودعك عند الاحتياج، فلا قرابة يزورك، ولا وزير يتفقّدك. وقال الحكيم الثاني: هذا الإسكندر قد ذهب زهرة بهجته كما أذهب الشّعاع من الشّمس نور النبات. وقال الحكيم الثالث: هذا الإسكندر صاحب الأسرى قد أصبح أسيرا. وقال الرّابع: انظروا إلى حلم النائم كيف انقضى، وإلى ظلّ الغمام كيف انجلى؟. ¬

(¬1) أقوال الحكماء في مروج الذهب 2/ 10 (676) وهي ثلاثون قولا، وفي نشوار المحاضرة 7/ 257 وهي عشرة أقوال، وهي كذلك في ذيل تجارب الأمم 3/ 76. وفي المنتظم 7/ 117، وفي زهر الآداب 3/ 91 أحد عشر قولا، وفي مختار الحكم (240) أربعة عشر قولا. وهنا (100) مئة قول. (¬2) في الأصل مدبر. (¬3) في مروج الذهب 2/ 11: فمن كان باكيا على زوال ملكه، فليبكك.

وقال الخامس: قد كان هذا الشّخص يسأل عمّا قبله وما يسأل عمّا بعده. وقال السّادس: هذا الجسد صدر وهو ناطق، وورد وهو صامت. قال السّابع: ما كان آمن هذا الجسد لما يستبقيه، وأشدّ حفظه لما يستودعه. قال الثامن: ما أرغبنا فيما فارقت، وأغفلنا عمّا عاينت. قال التّاسع: ما أبعد شبه مكانك الذي أنت فيه اليوم، من مكانك الذي كنت فيه أمس. قال العاشر: لم يقض هذا نهمته من الدّنيا حتى قضت نهمتها منه. قال الحادي عشر: أما ترون أيّها الحكماء إلى هذا الجسد كيف حرّكنا بسكونه. قال الثاني عشر: يا عظيم الشأن اضمحلّ سلطانك كما اضمحلّ السّحاب، وعفت آثار ملكك كما عفت آثار الرّباب. وقال آخر: [أيّها] (¬1) الشّخص، باد عرف طيبك كما باد الهبوب، وصرت منها خلوا كالأسير المحجوب. وقال آخر: أيّها السّاعي المغتصب، جمعت ما خذلك وولّى عنك، ولزمتك أوزاره وعاد على غيرك هناؤه. وقال آخر: إنّ الآمر في الذّهب قد ساوى الذّهب، فهل ترجو أن ينفذ لك بعد أمرك أمر (¬2)؟. ¬

(¬1) ما بين معقوفين زيادة يقتضيها النص. (¬2) في الأصل أمرا.

وقال آخر: يا من طالت عليه الأرض طولا، ليت شعري كيف حالك فيما احتوى عليك منها؟. وقال آخر: لا تعجبوا ممن لم يعظنا فصار موته لنا واعظا. وقال آخر: اعجبوا لمن كان هذا سبيله كيف شرهت نفسه لجمع الحطام الهامد، والهشيم البائد (¬1). وقال آخر: أيّها الجمع الحافل والملتقى الفاضل، لا ترغبوا فيما لا يدوم سروره، وينقطع لذيذه؛ فقد بان لكم الصّلاح والرّشاد من الغي والفساد. وقال آخر: قد كنّا أيّها الشّخص بالأمس نراك تقدر على الاستماع والقول، فهل تسمع منّا ما نقول؟ وقال آخر: هذا كان يعطي اليسير ممّا جمع، ليحمد، فقد خلّفه الآن على من لا يشكره. وقال آخر: قتل هذا الشّخص خلقا لئّلا يموت، ومات كيف لم يدفع الموت عن نفسه؟. وقال آخر (¬2): يا من كان غضبه الموت، هلاّ غضبت على الموت؟ وقال آخر: قد كان فيه صمم عن الحقّ وهو حيّ، كيف بصممه الآن وقد مات؟ وقال آخر: لو منعوا هذا الشّخص مما سفك من الدّماء لجمع الذهب، لكانوا قد أصابوا به من الحكمة. وقال آخر: لم يؤدّبنا الإسكندر بكلامه مثل ما أدّبنا بنفسه. ¬

(¬1) في الأصل الهيتم، والتصحيح من مروج الذهب 2/ 11. (¬2) في مروج الذهب 2/ 11: قال الثامن عشر وكان من حكماء الهند.

وقال الآخر: لو عرف هذا الشّخص ضعفه بالأمس كان اليوم مغبوطا. وقال آخر: إن هذا جمع الذّهب فلم ينفعه حيّا، فمات فلم ينفعه الآن وهو ميّت. وقال آخر: من رأى هذا الشّخص اليوم فليقنع ويمسك عن طلب الرّغائب؛ فإنّ عاجلها قاتلة وآجلها مهلكة. وقال آخر: يا من كان بالأمس تزهو النّفوس بالدنوّ منه، صرت اليوم يعاف القرب منك. وقال آخر: يا من فارق الظّالمين جهرا، أتزوّدت ما يبلّغك إلى الصّالحين سرّا؟. وقال آخر: يا من كانت الأعين له خاضعة، والألسن منه ساكنة، من الذي جرّأها فاجترأت؟ وقال آخر: من رأى هذا الشّخص، فليثق وليعلم أنّ الذّنوب هكذا يكون قضاؤها. وقال آخر: قد كان بالأمس طلعته إلينا حياة، فاليوم النّظر إليه سقم. وقال آخر: لو عني هذا الشّخص بعلم ما يكون بعده كسؤاله عمّا كان قبله لقلّل من سعيه. وقال آخر: قل للإسكندر: الآن يسدي إليك كلّ امرئ مما أوليت نصيبا. وقال آخر: هذا وقت ذهب عنك السّرار وبرز فيه الجهار، إن كنت تسمع. وقال آخر: أحسن بالإسكندر لو استعمل بعض هذا الحلم والصّمت في

حياته. وقال آخر: هذا المتعظّم الذي لم تسعه المدن العظام قد طوي في ذراعين من الأرض. وقال آخر: لا يعظم عندكم من يعلّم غيره، لكنّ العظيم من يعلّم نفسه. وقال الآخر: ما أزهد النّاس أيّها الملك فيك، وأرغبهم في تابوتك. وقال آخر: من اشتدّ جوعه وحرصه على الارتفاع، كذلك عظمت صرعته. وقال آخر: لو تيقّن حاله في هذا اليوم، لتواضع للنّاس بالأمس عن قدرة. وقال آخر: صدر عنّا الإسكندر ناطقا، وقدم صامتا. وقال آخر: هذه سفرة ما سافر الإسكندر مثلها بلا زاد ولا أعوان. وقال آخر: لو علم أنّه يزول ملكه، لكان للحكماء أطوع. وقال آخر: لو كان ذكيّا في حياته لكان مفلحا في موته. وقال آخر: لو علم أنّه يقبر لم ينصب نفسه لجميع ما تخلّف عنه. وقال آخر: إن كان قد أسف على حركته الآن فطالما تمنّي له السّكون. وقال آخر: خافتك حضرتك أيّها الشخص، وأمنت الحضور خائفتك. وقال آخر: ليس العجب من غروب الشّمس، العجب من شروقها. وقال آخر: ما أصدق الموت لأهله، غير أنّهم يكذبون أنفسهم ويصمّون آذانهم. وقال آخر: إن كان لا يبكى إلاّ عند جدّته، فالموت في كلّ يوم جديد.

وقال آخر: زالت الأمور عنك، وانقطعت منك، وأقبلت المكاره عليك إن كنت لا تعلم. وقال آخر: لئن كنت أمس رفيعا مغبوطا، لقد أصبحت اليوم مرحوما. وإن كنت أمس رفيعا قد أصبحت اليوم وضيعا. وقال آخر: يا من ساس الأمور وقهر، أليس قد ساويت الدّناة إصغارا؟ وقال آخر: يا ذا الذي عظم في العزّ حتى هلك، وأفرط في العلوّ حتى سقط. ما الذي زهّدك في الرّأفة وهذه غايتك؟ وقال آخر: عهدي بك وكنت ترغب بنفسك عن رحب البلاد، كيف صبرك الآن على ضيق المكان؟ وقال آخر: أيّها المرغوب بك، ما الذي أزهد فيك جندك، ورغّب عنك حرسك، وهتك عنك حجاب سترك؟ وقال آخر: إن الذي أحلّ بالإسكندر ما أرى لقويّ جدا. وقال آخر: قل للملوك (¬1): هذه الطريقة لا بدّ من سلوكها، فارغبوا في الباقية رغبتكم في الفانية. وقال آخر: كفى العامّة (¬2) بموت الملوك أسوة. وقال آخر: كفاك بهذه عبرة، إنّ الذّهب كان بالإمس كنزا للإسكندر، فقد أصبح اليوم فيه مكنوزا. وقال آخر: قل للملوك: ليس بعد الحياة إلاّ الموت، ولعلّ بعد الموت ¬

(¬1) في الأصل: لملوك. (¬2) في الأصل: بالعامة.

أشدّ من الموت. وقال آخر: يا للعجب، أنّ القويّ مغلوب مرتهن، والضعيف الأهون غارّ (¬1). وقال آخر: يا ويح الملوك، لو كانوا يحذرون المنايا، لقصّروا في طلب الأموال. وقال آخر: ما الحياة بباقية فيرجى غبّها، ولا الموت بعابر فيوثق منه. وقال آخر: تعالوا بنا الآن نطلب عزّا لا يذلّ؛ فإن الذي كنّا نعتزّ به قد أفل. وقال آخر: إن للرعيّة قبلك ديونا عليك، فكيف صبرك الآن على قضاء الدّيون؟. وقال آخر: ما كان أصلح الإسكندر لو بنى موضع الإسكندريّة كوخا. وقال آخر: لولا غشاوة اعترت الإسكندر، لكان أبصر رشده. وقال آخر: خرجنا إلى الدّنيا جاهلين، وأقمنا غافلين، ونخرج منها كارهين. وقال آخر: هذا الإسكندر طوى الدّنيا العريضة، وطوي منها في ذراعين. وقال آخر: قد كنت لنا واعظا، وما وعظتنا بوعظ أوعظ من وفاتك. وقال آخر: كانت حياة الإسكندر لله ووفاته لنفسه. ¬

(¬1) في الأصل: غازا. وجاء في مروج الذهب 2/ 10: من أعجب العجب أن القوي قد غلب عليه، والضعفاء لاهون مغتّرون.

وقال آخر: ما سافر الإسكندر سفرا بلا أعوان ولا آلة غير هذا. وقال آخر: هذا الإسكندر كان يحكم على الرعيّة، صارت الرعيّة تحكم عليه. وقال آخر: ربّ هائب لك كان يعبأ بك من ورائك، وهو اليوم لا يخافك بحضرتك. وقال آخر: ربّ حريص على سكوتك، وهو اليوم حريص على كلامك إذ لا تتكلّم. وقال آخر: كم من جسم أمات هذا الجسم لئلا يموت وقد مات. وقال آخر: لئن كان يحبّ الذّهب، لقد أصبح الذهب اليوم له معانقا. وقال آخر: نعم المضطجع هذا لمن كان يسعى لنفسه. وقال آخر: قد أباد هذا الميّت خلقا كثيرا لئلاّ يموت، ولو كان حريصا على حياتهم كحرصه على موتهم لم يمنعهم من أن يموتوا كما مات. وقال آخر: كان هذا واعظا بليغا، وما وعظنا قطّ موعظة أبلغ من موعظته بنفسه وسكونه. وقال آخر: كان حريصا على الارتفاع، ولم يعلم أنّ ذلك أشدّ لصرعته في المهواة. وقال آخر: كان الإسكندر يخافه من ينظر إليه، واليوم لا يهابه من يجترئ عليه. وقال آخر: كان الإسكندر بالأمس يشيّقنا إليه، وهو اليوم مشتاق إلى المعزّي إليه. وقال آخر: كان بالأمس يخافه عدوّه، فهو اليوم لا يرجوه صديقه.

وقال آخر: الذي كان يقود الجنود في دار عزّه، اليوم تشيّعه تلك الجنود إلى دار مذلّته. وقال آخر: هذا الذي قتل النّفوس يرجو الرّاحة، فاليوم يجدها أمامه تطلبه. وقال آخر: لئن كان المطلوب غفل، فما أغفل الطالب. وقال آخر: هذا الذي كان عدوّه يكره قربه، فخاصّته اليوم لقربه أكره. وقال آخر: هذا الذي يندم على ما فاته من الدّنيا، فهو اليوم على ما أدرك منها أندم. وقال آخر: هذا الذي تخلّفت عنه آثاره، ولحقت به أعماله. وقال آخر: ارفعوا أصواتكم أيّها الحكماء بالمواعظ؛ فإن الإسكندر لا يسمع، ولعلّ الصّمّ يقدرون أن يسمعوا. وقال آخر وهو رأس الحكماء: أيّها العزيز أمس، والذليل اليوم، كأنّك لست صاحبي أمس. أهلك صحبوك ظاعنا، وفارقوك مقيما. لئن كان الإسكندر نسوه، فما أصبح يذكرهم. بئس الورثة ورثتك، أخذوا مالك وتركوا الأثقال عليك والذّنوب. بئس الخلاّن خلاّنك، تبعوك سالبا، وفارقوك مسلوبا. بئس الجنود جنودك؛ نصروك آمنا وخذلوك خائفا، بئس الحصون حصونك بنيت لجندك، حصّنتها لمن تحتك وسهّلتها لمن فوقك. بئس الخزن خزّانك، ائتمنتهم على مالك وشهدوا به لغيرك لما قبضت، للعواري بدت عاريتك. كانت دنياك العريضة لا تملأ بطنك، وأنت اليوم في بطنها. هذا صارع الجبابرة أصبح مصروعا. لقد استبدلت بتاج الملك دار الفناء. كان تاجرا رابحا فأصبح اليوم قد خسر نفسه. ما أسرع ما هاجت الزّهرة ونضجت الثمرة.

وقال صاحب خزانته: قد كنت تأمرني أن لا أتباعد عنك، فأنا اليوم لا أقدر على الدّنوّ منك. وقالت زوجته بنت دارا (¬1): لئن كان هذا الكلام شماتة، لقد خلّف الكأس الذي شرب به لجماعتكم. وقالت أمّه: لئن فقدت من ابني أمره، فما (¬2) فقدت من ابني ذكره. وقد كان الإسكندر كتب إليها كتابا يأمرها فيه باتّخاذ وليمة (¬3) تستدعي فيها إلى طعامها من لم تلحقه مصيبة. فتقدّمت لذلك وبادرت لحضور الطّعام على الشّرط، فما صار إليها أحد صغير ولا كبير فعلمت أن ابنها أراد تعزيتها وتسليتها. ثم جعل التابوت على أيد حتى أودع حفرته. 253 - كلام من حكم عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه: قال عليه السّلام: أعجب ما في الإنسان قلبه، وله مواد من الحكمة وأضداد من خلافها، فإن سنح له الرّجاء أذلّه الطّمع، وإن هاج به الطّمع أهانه الحرص، وإن ملكه اليأس قتله الأسف، وإن عرض له الغيظ اشتدّ به الغضب، وإن أمتع بالرّجاء نسي التحفّظ، وإن ناله الخوف شغله الحذر، وإن اتّسع له الأمن سلبته الغرّة، وإن أصابته مصيبة فضحه العجز، وإن تجدّدت له نعمة أخذته العزّة، وإن نال مالا أطغاه الغنى، وإن عضّته الفاقة ¬

(¬1) في مروج الذهب 2/ 12: زوجته روشنك بنت دار بن دارا. (¬2) في الأصل لما، والنص يقتضي التصحيح، وفي مروج الذهب 2/ 12: فلم أفقد من قلبي ذكره. (¬3) خبر الوليمة في مروج الذهب 2/ 12 (677)، ومختار الحكم (242). 253 - شرح نهج البلاغة 19/ 271.

شغله البلاء، وإن جهده الجوع قعد به الضّعف، وإن أسرف في الشّبع لحظته البطنة، فكلّ تقصير به مضرّ، وكلّ إفراط له مفسد. 254 - ولبعضهم: تنكّر لي دهري ولم يدر أنّني … أعزّ وأكرام الزّمان يهون وبات يريني الهمّ كيف اعتداؤه … وبتّ أريه الصّبر كيف يكون (¬1) 255 - وقيل: الصّبر ثلاثة فنون. الأوّل: الصّبر بالعمل على طاعة الله عزّ وجل، والثّاني: الصّبر على ترك ما نهى الله تعالى عنه من المعاصي، والثّالث: الصّبر على المحن والمصائب، واحتمال المكاره والشّدائد، والرّضا بما تجري به المقادير. 256 - أبو فراس: أحمد الله على ما … سرّ من أمري وساء ربّ أمر لا يرى في‍ … ـه سوى الصّبر دواء (¬2) 257 - سعيد بن حميد الكاتب (¬3): لا تعتبنّ على النّوائب … فالدّهر يرغم كلّ عاتب واصبر على حدثانه … إنّ الأمور لها عواقب ¬

254 - إنباه الرواة 4/ 90، ووفيات الأعيان 6/ 137 من رسالة بعثها ياقوت الحموي إلى علي بن يوسف الشيباني وزير صاحب حلب. (¬1) في الإنباه والوفيات: وبات يريني الخطب. 256 - الديوان صفحة (16): قال في صديق له. ومطلعها: صاحب لما أساء ... أتبع الدلو الرشاء (¬2) رواية البيت في الديوان: رب داء لا أرى من‍ ... ـه سوى الصبر شفاء 257 - الفرج بعد الشدة 5/ 64. حل العقال 126. (¬3) سعيد بن حميد كاتب مترسل، من الشعراء، من أبناء الدهاقين، قلّده المستعين بالله العباسي ديوان رسائله، توفي سنة 250. الأعلام.

ما كلّ من أنكرته … ورأيت جفوته تعاتب فلكلّ صافية قذى … ولكلّ خالصة شوائب والدّهر أولى ما صبر … ت له على رنق (¬1) المشارب كم نعمة مطويّة … لك بين أبناء النوائب (¬2) ومسرّة قد أقبلت … من حيث تنتظر النّوائب 258 - آخر: أما علمت بأنّ العسر يتبعه … يسر كما الصّبر مقرون به الفرج 259 - وقال بعض الحكماء: يا بني، إن تغلبوا عن الظّفر، فلن تغلبوا عن الصّبر. 260 - آخر: فصبرا على حلو الزّمان ومرّه … فإنّ اعتياد الصّبر أدعى إلى الرّشد 261 - وقيل: الصّبر جنّة من الفاقة. 262 - وقيل: لكلّ شيء ثمن، وثمن الصّبر الظّفر. 263 - ولآخر: وخير الأمور خيرهنّ عواقبا … وكم قد أتاك النّفع من جانب الضّرّ ¬

(¬1) في الأصل ريق، ورنق الماء كدر. القاموس (رنق). (¬2) في الفرج بعد الشدة: بين أثناء، وفي حل العقال: بين أنياب. 258 - الفرج بعد الشدة 5/ 91. 260 - انظر تخريج الخبر التالي:263. 263 - الفرج بعد الشدة 5/ 65، قال التنوخي: ووجدت بخط أبي الحسين بن أبي البغل الكاتب، من أبيات، ولم أجده نسبه إلى نفسه: فصبرا على حلو القضاء ومرّه ... فإن اعتياد الصبر أدعى إلى اليسر ثم أورد البيتين الواردين هنا. وانظر الخبر رقم 260.

ومن عصم الله: الرّضا بقضائه … ومن لطفه توفيقه العبد للصّبر 264 - ولآخر: ليس لما ليست له حيلة … موجودة خير من الصّبر الصّبر مرّ ليس يقوى به … غير رحيب الذّرع والصّدر فالق فضول الهمّ من جانب … قد فرغ الله من الأمر (¬1) 265 - وقيل: أربعة توصلك إلى أربعة: الصّبر إلى المحبوب، والجدّ إلى المطلوب، والزّهد إلى التّقى، والقناعة إلى الغنى. 266 - لبعضهم: الصّبر مفتاح ما ترجّي … فكلّ صعب به يهون (¬2) فاصبر وإن طالت اللّيالي … فربّما طاوع الحزون (¬3) وربّما نيل باصطبار … ما قيل هيهات أن يكون (¬4) 267 - وقال بزرجمهر: ما أحسن الصّبر لولا أنّ النّفقة عليه من العمر. 268 - آخر: فكم من كريم قد بلي بمصائب … فصابرها حتّى مضت واضمحلّت ¬

264 - الفرج بعد الشدة 5/ 66. (¬1) في الأصل: من جانب، وفي الفرج: عن جانب، وافزع إلى الله في الأمر. 266 - الفرج بعد الشدة 5/ 67، وحل العقال 127. (¬2) في الأصل: ما ترجو. والتصويب من الفرج بعد الشدة. (¬3) في الفرج بعد الشدة: الحرون. (¬4) في حل العقال: هيهات لا يكون. 268 - الأبيات الثلاثة الأخيرة منسوبة إلى عمرو بن معديكرب في الفرج بعد الشدة 5/ 63، وفي ديوانه صفحة (46) البيتان الثاني والثالث. وينسب البيتان الأول والثالث لعثمان بن عفان الفرج بعد الشدة 5/ 6. والبيت الرابع لكثير عزّة: ديوانه صفحة (97)، والبيت الأول إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه الديوان صفحة (29) وانظر الخبر 128 صفحة 55، والخبر 313 صفحة 123.

وكم محنة هاجت بأمواج محنة … تلقّيتها بالصّبر حتّى تجلّت وكانت على الأيام نفسي عزيزة … فلمّا رأت صبري على الذّل ذلّت فقلت لها يا عزّ كلّ مصيبة … إذا وطّنت (¬1) يوما لها النّفس ذلّت 269 - وقيل: الموفّق إذا امتحن آلت محنته إلى سعادة، وإذا غلط أدّت غلطته إلى إصابة. 270 - وقيل: من حسنت نيّته حسنت ديانته، ومن حسنت ديانته حسن صبره، ومن حسن صبره حسن توفيقه، ومن حسن توفيقه قلّ همّه وكثر صوابه. 271 - وقال بعض الرّهبان: من أيّد بالعزّ الرّوحانيّ على ما يلحقه من المحن فقد نجا من فخّ الشّيطان وكيده. 272 - لعبيد بن الأبرص (¬2): يا قليل العزاء في الأهوال … وكثير الهموم والأوجال (¬3) صبّر النّفس عند كلّ مهمّ … إنّ في الصّبر راحة المحتال ¬

(¬1) في الأصل: «أوطنت» والمثبت من ديوان كثير، والكامل 1/ 421. 272 - الفرج بعد الشدة 4/ 69 عن أعرابي والبيتان الثالث والرابع في اللسان (فرج) منسوبان إلى أمية بن أبي الصلت، وهما في ديوان أمية (444) نقلا عن اللسان، وفي غاية النهاية، في ترجمة أبي عمرو بن العلاء من غير عزو، والبيت الرابع في حماسة البحتري (223) لأمية، وهو في كتاب التعازي 76 منسوب لعمير الحنفي، وفي ديوان عبيد أتى الدكتور حسين نصار محققه بالأبيات الثلاثة الأخيرة (111) نقلا عن لويس شيخو في شعراء النصرانية (605) وفي الحماسة البصرية 2/ 77 لحنيف بن عمير اليشكري، وتروى لنهار ابن أخت مسيلمة الكذاب. (¬2) عبيد بن الأبرص الأسدي، من مضر، من دهاة الجاهلية وحكمائها، وهو أحد أصحاب «المجمهرات» المعدودة طبقة ثانية عن المعلقات. عمّر طويلا، وفد على النعمان في يوم بؤسه فقتله. الأعلام. (¬3) في الأصل الآجال، والتصحيح من الفرج بعد الشدة.

لا تضيقنّ في الأمور، فقد … يكشف غماؤها بغير احتيال ربّما تجزع النّفوس من الأمر … لها فرجة كحلّ العقال 273 - وقال عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه: عليكم بالصّبر، فإنّه به يأخذ العاقل، وإليه يرجع الجاهل. 274 - وأصيب جرير بن عبد الله البجلي (¬1) بمصيبة، فعزّي عنها فقال: ما وقع شيء بقلبي مما عزّيت به حتى دخل عليّ مجوسيّ، فقال: انظر إلى ما كنت تعزّي به النّاس فعزّ به نفسك، واحتسب. 275 - وأنشد عمر بن عبد العزيز: اصبر هديت فإنّ الصّبر مكرمة … وإن جزعت فحظّ الجازع الجزع 276 - وقال بعض الرّهبان: متى عدم الإنسان الصّبر والرّجاء، عدم السّكون والفرج. 277 - وقال الجاحظ: رأيت بهلول المجنون (¬2) بجامع الكوفة يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟ فقال: أنا جائع. فقلت: عليك بالصّبر. فقال منشدا: يقولون لي في الصّبر روح وراحة … ولا عهد لي بالصّبر مذ خلق الصّبر ولا شكّ أنّ الصّبر كالصّبر طعمه … وإنّي رأيت الصّبر ممتنع وعر ثم عطف وأنشد: الصّبر جارك فاحتفظ بجواره … عند الحوادث والملمّ النّازل ¬

(¬1) جرير بن عبد الله البجلي، من أعيان الصحابة، شهد القادسية، اعتزل الفتنة حتى توفي سنة (50) للهجرة. سير أعلام النبلاء 2/ 530. (¬2) بهلول بن عمرو أبو وهيب الصيرفي، من أهل الكوفة، وكان من عقلاء المجانين، له كلام مليح ونوادر وأشعار، استقدمه الرشيد أو غيره ليسمع كلامه، توفي في حدود التسعين والمئة. فوات الوفيات 1/ 228.

فلتعطينّ جزاءه متعجّلا … ولتحمدنّ ثوابه في الآجل 278 - وحكي عن أنوشروان العادل (¬1) أنّه قال: جميع مكاره الدّنيا تنقسم على قسمين وضربين: فضرب فيه حيلة والاضطراب دواؤه، وضرب لا حيلة فيه والصّبر شفاؤه. 279 - نصر بن الحسن (¬2): أحسن إلى النّاس ما واتتك مقدرة … واستصحب الصّبر يوما إن أسا عات فصبر قلبك مكف كلّ معضلة … ونصر ربّك آت بعد ساعات 280 - آخر: وعوّدت نفسي الصّبر حتّى ألفته … وأسلمني حسن العزاء إلى الصّبر (¬3) وصيّرني يأسي من اليأس واثقا … بحسن صنيع الله من حيث لا أدري (¬4) 281 - أعرابي: خلقان لا أرضى فعالهما … تيه الغنى ومذلّة الفقر ¬

(¬1) أنوشروان بن قباذ كسرى الأول ملك الفرس من دولة بني ساسان ملك من سنة 531 إلى سنة 579 ميلادية وهو كسرى الخير. مروج الذهب 7/ 595. 279 - في حل العقال 125: البيتان لأبي نواس ولم أجدهما في ديوانه: أحسن إلى الناس تستعطف قلوبهم ... واصبر إذا مسّ ضر أو أسا عاتي ولا تكن جازعا إن تعر معضلة ... فالنصر يأتي قريبا بعد ساعات (¬2) نصر بن الحسن الهيتي شاعر دمشقي نسبته إلى هيت من قرى حوران لقيه العماد الأصفهاني، ووقعت بيد العماد مسودات من شعره بخطه مات سنة 565 للهجرة. وأورد مختارات منها في خريديته. ولم يذكر البيتين الواردين هنا. الخريدة قسم شعراء الشام 230، معجم البلدان (هيت). الأعلام. 280 - عيون الأخبار 3/ 190، والفرج بعد الشدة،2/ 116 و 5/ 13. (¬3) في الأصل: تعودت بالصبر حتى ألفته. والتصحيح من الفرج. (¬4) في عيون الأخبار: وصيرني يأسي من الناس راجيا. 281 - الفرج بعد الشدة 5/ 100، وفي البداية والنهاية 11/ 146 البيتان (1 - 2) -

فإذا غنيت فلا تكن بطرا … وإذا افتقرت فته على الدّهر واصبر فلست بواجد خلفا … أدنى إلى فرج من الصّبر 282 - الشريف الرضي (¬1): إذا سيم ضرّا زاد صبرا كأنّه … هو المسك ما بين الصّلاية والفهر (¬2) لأنّ فتيت المسك يزداد طيبه … على السّحق والحرّ اصطبارا على الضّرّ 283 - وقيل: قدم عروة بن الزّبير (¬3) على الوليد بن عبد الملك ومعه ابنه محمّد (¬4)، فدخل محمد دار الدّوابّ فرمحه دابة فمات، ووقع بعد ذلك في رجل عروة الأكلة (¬5) -نسأل الله العافية منها-إلى ساقه. فقيل له: اقطعها وإلاّ انفسد جميع جسدك، فقطعها بمنشار، وهو شيخ كبير، ولم يمسكه أحد، ومع ذلك أجمع، لم ير به جزع، ولا قطع ورده تلك الليلة إلاّ أنّه قال: ¬

281 - لابي جعفر محمد بن جرير الطبري. وهما في شعب الإيمان له أيضا 4/ 154، حل العقال 136. وفي الفرج: بواجد خلقا. 282 - لم أجد البيتين في ديوانه. (¬1) الشريف الرضي محمد بن الحسين الشريف ذو الحسبين، ولي نقابة الطالبين مرارا، وكانت إليه إمارة الحج والمظالم، وهو أول طالبي جعل عليه السواد، وكان أوحد علماء عصره، له تصانيف كثيرة. توفي سنة 406 للهجرة. عن عمدة الطالب في مقدمة الديوان. (¬2) في الأصل شيم، والصلاية: مدقّ الطيب، قال أبو عمرو: الصلاية كل حجر عريض يدقّ عليه عطر. والفهر: الحجر. اللسان. 283 - كتاب التعازي 44، وكتاب التعازي والمراثي 54، وعيون الأخبار 3/ 64. (¬3) عروة بن الزبير بن العوام أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، كان عالما صالحا كريما لم يدخل في شيء من الفتن، وهو أخو عبد الله، توفي بالمدينة سنة 93 للهجرة. الأعلام. (¬4) محمد بن عروة كان بارع الجمال يدعى زين المواكب أو جمال المواكب، يضرب به المثل في الجمال والحسن، الوافي بالوفيات 4/ 94. بالوفيات 4/ 94. (¬5) الأكلة: داء يقع في العضو فيأتكل منه. اللسان (أكل).

لَقَدْ لَقِينامِنْ سَفَرِناهذانَصَباً [الكهف:62]. وقدم على الوليد في تلك الأيام قوم من عبس وفيهم رجل ضرير محطوم الوجه، فسأله الوليد عن حاله. فقال: بتّ ليلة في بطن واد وأنا لا أعلم أنّ في بني عبس رجلا أكثر مني مالا. فطرقنا سيل، فذهب بما كان لي من أهل ومال وولد، وما بقي لي غير بعير واحد وابن صغير، وكان البعير صعب القياد فندّ (¬1)، فأقعدت الصّبيّ وتبعت البعير لأردّه فما بعدت حتّى سمعت صياح الصّبيّ فانصرفت فإذا رأس الذّئب في بطنه وقد مات، فرجعت إلى البعير لآخذه فلمّا دنوت منه رمحني فأصاب وجهي فحطمه وذهب بعينيي (¬2)، فأصبحت ولا مال لي ولا أهل ولا ولد ولا بصر. فقال الوليد: انطلقوا بهذا الرّجل إلى عروة ليخبره بخبره، حتّى يعلم أنّ في الأرض من هو أعظم بلاء منه. فانطلقوا به وأخبره. ثم إنّ عروة شخص إلى المدينة، فأتته قريش والأنصار يعزّونه في ولده ورجله، فقال له عيسى بن طلحة (¬3): أبشر، فإنّ الله يعوّضك من ذلك أعظم الأجر وأجزل الثّواب (¬4). فقال عروة: كانوا أربعة -يعني بنيه-فأبقى الله ثلاثة، وأخذ واحدا. وكنّ أربعا-يعني يديه ورجليه- فأخذ واحدة وأبقى ثلاثا، فلئن أخذت يا ربّ لقد أبقيت، ولئن ابتليت لقد عافيت. ثم نظر إلى النّاس، وقال: إن كنتم تعدّونني للسّباق والصّراع فقد ¬

(¬1) ندّ البعير: شرد ونفر. القاموس (ندد). (¬2) في الأصل بعيناي. (¬3) عيسى بن طلحة بن عبيد الله، كان من الحلماء الأشراف، والعلماء الثقات، وفد على معاوية، وعاش إلى حدود سنة مئة. سير أعلام النبلاء 4/ 367. (¬4) من كتاب التعازي والمراثي (55) قول عيسى: أبشر يا أبا عبد الله، فقد صنع الله بك خيرا، والله ما بك حاجة إلى المشي. فقال عروة: ما أحسن ما صنع الله إلي، وهب لي سبعة بنين فمتّعني بهم ما شاء، ثم أخذ واحدا وترك ستة. ووهب لي ست جوارح فمتّعني بهن ما شاء، ثم أخذ واحدة، ثم ترك لي خمسا: يدين ورجلا وسمعا وبصرا.

فاتني ذلك، وإن كنتم تعدّونني للّسان والجاه فقد أبقى الله خيرا كثيرا. 284 - وأنشدوا: صبرا فكم مدركا بالصّبر بغيته … من حيث لم يحتسب أو حيث يحتسب ما دام خير ولا شرّ على أحد … يوما وللدّهر حالات ومنقلب 285 - ولمؤلفه عيسى بن البحتري عفا الله عنه: إنّي أقول لنفسي حين ألبسها … ريب الزّمان لباس الخوف والفرق صبرا على نكبة أوهتك شدّتها … وحادث حدث منه قوى الحرق 286 - قال بعض الرّهبان: عند حلول النّعمة اعمل الخير، واشكر الله وفي الإضافة واظب على الدّعاء والاستقالة (¬1). 287 - ولبعضهم: إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصدا … ندمت على التّفريط في زمن البذر إذا شئت أن تستقرض المال منفقا … على شهوات الدّهر في زمن العسر فسل نفسك الإقراض من ليس صبرها ... عليك وإنظارا إلى زمن اليسر فإن فعلت كنت الغنيّ وإن أبت … فكلّ منوع بعدها واسع العذر 288 - أبو تمام الطائي: خلقنا رجالا للتّجلّد والأسى … وتلك الغواني للبكا والمآتم (¬2) ¬

(¬1) الاستقالة: طلب الإقالة، يقال أقال الله فلانا عثرته بمعنى الصفح عنه. اللسان (قيل). 288 - ديوان أبي تمام 3/ 259 من قصيدة يمدح مالك بن طوق، ويعزّيه عن أخيه القاسم، ومطلعها: أمالك إن الحزن أحلام حالم ... ومهما يدم فالوجد ليس بدائم (¬2) في الأصل: رجال. وفي الديوان للتصبّر.

ومن قبله ما قد أصيب نبيّنا … أبو القاسم النّور المبين بقاسم (¬1) وقال عليّ في التّعازي لأشعث … وخاف عليه بعض تلك المآثم أتصبر للبلوى عزاء وحسبة … فتؤجر أم تسلو سلوّ البهائم 289 - أبو عبادة البحتري يخاطب محمد بن يوسف الثّغري (¬2): جعلت فداك الدّهر ليس بمنفكّ … من الحدث المشكوّ والنّازل المشكي (¬3) وما هذه الأيّام إلاّ منازل … فمن منزل رحب إلى منزل ضنك وقد هذّبتك الحادثات وإنّما … صفا الذّهب الإبريز قبلك بالسّبك أما في رسول الله يوسف أسوة … لمثلك محبوسا على الظّلم والإفك (¬4) أقام جميل الصّبر في السّجن برهة … فآل به الصّبر الجميل إلى الملك 290 - وقيل إنّ الإسكندر أصيب بمصيبة فحضره أرسطاطاليس معزّيا، فقال له: أيّها الملك، لم آتك معزّيا لكن متعلّما الصّبر منك لعلمي أنّ الصّبر على الملمات فضيلة، وطبيعتك منافية لكلّ رذيلة، فكيف تحضّ على عادتك، وتعلّم سنّتك؟. ¬

(¬1) في الأصل: ومن قبلنا. 289 - ديوان البحتري 3/ 1567. (¬2) محمد بن يوسف الثغري الطائي من قادة الجيوش عند المعتصم، وكانت أول هزيمة لأصحاب بابك على يده، عقدت له ولاية إرمينية وأذربيجان، ألحق هزائم عدّة بالروم، توفي فجأة سنة (236) وغلبت عليه نسبة الثغري لأن معظم حياته قضاها في ثغور الإسلام مجاهدا. جو القصيدة: قال التنوخي في الفرج بعد الشدّة 2/ 16: طولب أبو سعيد الثغري بمال بعد غزواته المشهورة، وسلّم إلى أبي الخير النصراني الجهبذ ليستخرج المال منه، فجعل يعذبه، فشق ذلك على المسلمين، وقالوا: يأخذ بثأر النصرانية. فقال البحتري -قصائد، فقرئ هذا الشعر على المتوكل، فأمر بإطلاق أبي سعيد وتوليته. (¬3) في الديوان الحادث. (¬4) في الأصل: محبوس.

291 - ولبعضهم: اصبر على مضض الزّما … ن وإن رمى بك في اللّجج (¬1) فلعلّ طرفك لا يعو … د إليك إلاّ بالفرج 292 - آخر: أيّها المغترّ (¬2) صبرا … إنّ بعد العسر يسرا كم رأينا اليوم حرّا … لم يكن بالأمس حرّا لزم الصّبر فأمسى … مالكا خيرا وشرّا 293 - آخر: اصبر لدهر نال من‍ … ـك فهكذا مضت الدّهور فرح وحزن واقع … لا الحزن دام ولا السّرور 294 - آخر: سأصبر للزّمان وإن رماني … بأحداث تضيق لها الصّدور وأعلم أنّ بعد العسر يسرا … يدور به القضاء ويستدير 295 - ابن التلميذ (¬3): ¬

291 - الفرج بعد الشدة 5/ 74، حل العقال 147. (¬1) في الأصل: اللهج. والتصويب من الفرج بعد الشدة. (¬2) في الأصل: المعزّ، ولعل الصواب ما أثبتناه. والبيت في الفرج بعد الشدة 5/ 54. وروايته: أيها الإنسان صبرا. 293 - تكملة ديوان أبي العتاهية صفحة (537) وهو في العقد الفريد 3/ 310 من غير عزو: وجد في حائط من حيطان تبّع مكتوب، وشعب الإيمان 7/ 226: قال عبد الملك بن هشام الذماري: أثاروا قبرا بذمار، فوجدوا حجرا مكتوبا فيه. . حل العقال 134. (¬3) ابن التلميذ: هو هبة الله بن صاعد أمين الدولة، حكيم عالم بالطب والأدب، له شعر كله ملح ولطائف وابتكارات في بيتين أو ثلاثة، وترسّل جميل، مولده =

لا تشكونّ من الخمول فربّما … كان الخمول إلى السّلامة سلّما واصبر ففي بعض الحوادث عصمة … فالعين يؤمنها من الرّمد العمى 296 - وآخر: رضينا بالخمول فما استرحنا … فهل بعد الخمول سبيل ذلّ ومع ذا ضيّقوا والله صدري … أيرضى مثلها بالله قل لي 297 - وقال بعضهم: السّلامة في الخمول خير من العطب في المعالي. 298 - وقيل: عزّى رجل كسرى فقال: أغناك الله عن الحاجة إلى الصّبر بحسن العزاء، ولا أنساك مصيبتك بأعظم منها، ولا أحرمك جزيل الثّواب عليها. 299 - ولأبي الحسن الأطروش المصري من أبيات: ما زلت أدفع شدّتي بتصبّري … حتّى استرحت من الأيادي والمنن فاصبر على نوب الزّمان تكرّما … فكأنّ ما قد كان منها لم يكن 300 - لا تقنطنّ وثق بالله [إنّ له] … لطفا يدقّ عن الأفهام وا [لفطن] يأتيك من لطفه ما ليس [تعرفه] … حتّى كأنّ الذي قد كان لم يكن ¬

= ووفاته ببغداد، عمر طويلا، وخدم الخلفاء من بني العباس، انتهت إليه رئاسة الأطباء في العراق، كان عارفا بالفارسية واليونانية والسريانية، تولى البيمارستان العضدي إلى أن توفي، وكان رئيس النصارى ببغداد وقسيسهم. توفي سنة 560 هـ‍ الأعلام، طبقات الأطباء (349)، وفيات الأعيان 6/ 69. معجم الأدباء 19/ 276. 299 - الفرج بعد الشدة 5/ 67. 300 - ما بين المعقوفين مخروم بالأصل. مستدرك من الدرر الكامنة لابن حجر 3/ 181، وكان ابن تيمية رحمه الله ينشدهما وهو في الاعتقال.

301 - وقيل إن إنسانا رأى في نومه علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه وهو ينشد أبياتا فانتبه، ولم يبق على خاطره من الأبيات إلاّ قوله: وحميد ما يرجوه ذو أمل … فرج (¬1) يعجّله له الصّبر 302 - أبو العتاهية: الدّهر لا يبقى على حالة … لا بدّ أن يقبل أو يدبرا (¬2) فإن تلقّاك بمكروهه … فاصبر فإنّ الدّهر لا يصبرا (¬3) 303 - آخر: ولله لطف يرتجى ولعلّه … سيعقبنا من كسر أيدي الأذى خيرا (¬4) 304 - ولمؤلفه: لا تجزعن من حادث إن عرا … واقن عزاء فهو عين الصّلاح واصبر وإن طالت ليالي الأذى … فالصّبر مفتاح لباب النّجاح 305 - آخر: والدّهر كالطّيف بؤساه وأنعمه … من غير قصد فلا تمدح ولا تذم لا يحمد الدّهر في بأساء يكشفها … فلو أردت دوام البؤس لم يدم ¬

301 - الفرج بعد الشدة 5/ 84. (¬1) في الأصل: فرجا. 302 - البيتان ليسا في الديوان، وهما في الفرج بعد الشدة 5/ 41،64 لأبي العتاهية وفي فوات الوفيات 4/ 80. منسوبان إلى محمود بن حسن الوراق. (¬2) في فوات الوفيات: لكنه يقبل أو يدبر. (¬3) في الأصل مكروهه والتصحيح من فوات الوفيات. 303 - الفرج بعد الشدة 5/ 72. (¬4) في الفرج بعد الشدة جبرا. 305 - حل العقال 137.

306 - قيل: كان ابن شبرمة (¬1) إذا نزلت به نازلة قال: سحابة صيف عن قليل تقشّع (¬2) 307 - وكان يقال: أربع من كنوز الجنّة: كتمان المصيبة، وكتمان الصّدقة، وكتمان الفاقة، وكتمان الوجع. 308 - ولصالح بن عبد القدوس: (¬3) إن يكن ما به أصيب جليلا … فذهاب العزاء عنه أجلّ (¬4) كلّ آت لا شكّ آت وذو الجه‍ … ـل معنّى والغمّ والحزن فضل 309 - علي بن أبي طالب: إن يكن نالني الزّمان ببلوى … عظمت شدّة عليّ وجلّت وأتت بعدها نوائب أخرى … خضعت دونها الرّقاب وذلّت وتلتها قوارع نازلات … سئمت عندها الحياة وملّت فاصطبر وانتظر بلوغ مداها … فالرّزايا إذا توالت تولّت 310 - وقيل: دخلت أمّ جعفر على المأمون عند قدومه بغداد، فقالت: الحمد لله الذي ادّخرك لي بعد ما أثكلني بولدي. فقال المأمون: ما ظننت أنّ ¬

(¬1) ابن شبرمة هو عبد الله، الإمام العلامة فقيه العراق، قاضي الكوفة كان شاعرا كريما جوادا، يشبه النسّاك. سير أعلام النبلاء 6/ 347. (¬2) عجز بيت لعمران بن حطان. وصدره: أراها وإن كانت تحب كأنها. عيون الأخبار 1/ 56، ثمار القلوب 2/ 929. 308 - ديوانه صفحة 118. الكامل 2/ 516. (¬3) صالح بن عبد القدوس شاعر حكيم متكلّم، يعظ الناس في البصرة، له مناظرات مع أبي الهذيل العلاف، شعره كله أمثال وحكم، اتهم عند المهدي بالزندقة فقتله ببغداد نحو سنة (160) للهجرة. الأعلام. (¬4) في الكامل أصبت. . . منه أجل. 309 - الأبيات لم أجدها في ديوانه، ولعلها لغيره، والأبيات في شعب الإيمان 7/ 225 (10098) في غير عزو، وكذا في حل العقال 122.

أحدا جبل على جلدها، وحسن عزائها، وصبرها. 311 - وأنشد الثّوريّ (¬1) يقول: يمثّل ذو العقل في نفسه … مصائبه قبل أن تنزلا فإن نزلت بغتة لم ترعه … لما كان في نفسه مثّلا وذو الجهل يأمن أيّامه … وينسى مصارع من قد خلا فإن نكبته صروف الزّمان … ببعض نوائبه أعولا ولو قدّم الحزم في أمره … لعلّمه الصّبر عند البلا (¬2) رأى الهمّ يفضي إلى آخر … فصيّر آخره أوّلا (¬3) 312 - وقال بعض الرّهبان: كلّ يوم لا يعرض فيه للعبد وجع أو غمّ فيقبله بالصّبر ويحمد الله عليه فلا يحسبه من أيّام حياته. 313 - ولأبي دلف (¬4): ¬

311 - الأبيات في الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا صفحة (114) لمحمود بن حسن الوراق، وكذلك هي في طبقات الشعراء لابن المعتز (368). وعيون الأخبار 3/ 53 لمحمود أيضا، وهي في ديوان محمود صفحة (228). وفي ديوان علي بن أبي طالب صفحة (79). (¬1) الثوري هو سفيان بن سعيد من بني ثور، أمير المؤمنين في الحديث، كان سيد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى، ولد ونشأ بالكوفة، ومات بالبصرة سنة (161) الأعلام. (¬2) في الفرج بعد الشدة لأبن أبي الدنيا: حسن البلا. (¬3) في الأصل: وأيّ أمر يفضي. والتصحيح من مصادر الخبر. وقد جاء ترتيب هذا البيت في مصادره الثالث. 313 - كتاب أدب الغرباء صفحة (55) من غير عزو، وفي الفرج بعد الشدة 5/ 63 منسوبان لعمرو بن معديكرب، وفي المحبوب والمشموم 4/ 369 لأبي نواس. وهما في ديوان علي بن أبي طالب صفحة (29) وانظر الخبر (128) صفحة (55) والخبر (268) صفحة (111). (¬4) القاسم بن عيسى، أبو دلف أمير الكرج، وسيد قومه، أحد الأمراء الأجواد =

صبرت عن اللّذّات حتّى تولّت … وألزمت نفسي صبرها فاستمرّت وما النّفس إلاّ حيث يجعلها الفتى … فإن أطمعت تاقت وإلاّ تسلّت 314 - وقيل: وقف عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه على قوم قد أصيبوا بمصيبة، فقال: إن تجزعوا فحقّ الرّحم بلغتم، وإن تصبروا فحقّ الله أدّيتم. 315 - ومن خطبه كرّم الله وجهه: يا قوم، الصّبر على طاعة الله خير من الصّبر على عذاب الله. 316 - ولمحمود الورّاق: صابر الصّبر على كرّ النوائب … من كنوز البرّ كتمان المصائب والبس الدّهر على علاّته … تجد الدّهر مليّا بالعجائب 317 - قال بعض الرّهبان: من لم يؤدّب في الدّنيا، وقع به الضّرر الوجيع في الآخرة. 318 - وقيل: الصّبر مفتاح الفرج. 319 - ولبعضهم: إنّي رأيت وفي الأيّام تجربة … للصّبر عاقبة محمودة الأثر وقلّ من جدّ في أمر يحاوله … واستصحب الصّبر إلاّ فاز بالظّفر ¬

= الشجعان، كان من قادة جيش المأمون، وكان سريا جوادا ممدحا ذا وقائع مشهورة له صنعة في الغناء توفي ببغداد سنة (226) وفيات الأعيان 4/ 73، والأعلام. 316 - الديوان صفحة (70). 318 - مجمع الأمثال 1/ 418. وهو من أمثال المولدين. 319 - الفرج بعد الشدة 5/ 59،60 والشعر منسوب لمحمد بن بشير مولى الأزد، وفيه أيضا 5/ 61 والشعر منسوب لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو في ديوان علي صفحة (44)، وحل العقال 124.

320 - وقيل: وصف مالك بن أسماء بن خارجة (¬1) بالحلم والصّبر، فأراد قوم من الشّام امتحانه، فكتبوا إليه على لسان بعض أهله: إنّ ولديك قد توفّيا. فأخذ الكتاب وهو محتب فقرأه ووضعه من يده، ولم يحلّ حبوته ولم يبين ذلك فيه. فقيل له: ما في هذا الكتاب؟ فقال: أخبرت أنّ ولديّ نزلا منزلا سبقاني إليه، وأنا لا بدّ نازله. ¬

(¬1) مالك بن أسماء بن خارجة الفزاري شاعر غزل ظريف من الولاة، تزوج الحجاج أخته، ووقع منه ما أوجب حبسه، توفي نحو سنة مئة للهجرة، الأغاني 17/ 230، الأعلام.

الفصل الرابع في السجن والتعويق ومن خرج إلى سعة من ضيق

الفصل الرّابع في السّجن والتّعويق ومن خرج إلى سعة من ضيق 321 - قيل: إنّ السّجن محكّ العقول، وتجربة المأمول، به يمتحن الصّبر من الأحرار، ويكشف مكنون العقل والوقار. 322 - وقيل: السّجن قبور الأحياء، ومنزل أهل البلوى، وشماتة الأعداء، وتجربة الصديق. 323 - ومما قيل فيه عن الشّيخ عمر ابن الشّحنة الموصلي (¬1): الحبس أصبح مثل النّار مضرمة … والحرّ فيه إذا فكّرت كالذّهب يصلى بنار هموم في جوانبه … تنفي المآثم من جدّ ومن لعب 324 - لإبراهيم ابن المدبّر (¬2): ¬

322 - المحاسن والمساوئ 2/ 317: كتب يوسف على باب السجن: هذه منازل البلوى وقبور الأحياء. . . وعيون الأخبار 1/ 79. (¬1) عمر بن محمد بن علي بن الشحنة الموصلي، عالم بالنحو واللغة، وقرأ بمستعمل القراءات وشواذها، كان خبيث اللسان هجاء سيئ العقيدة، كثير الاستهزاء بالأمور الدينية، متهما على شرب الخمر. لما ولي أبو الحارث أرسلان الموصل ولاّه بعض أعماله، لكنه هجاه، فحبسه إلى أن مات سنة 606. بغية الوعاة 363. (¬2) إبراهيم بن محمد بن المدبر كاتب شاعر مترسل تولى الولايات الجليلة، لما دخلت الزنج الأهواز سنة (256) هـ‍ حبسته في دار رجل منهم، استطاع الفرار سنة (257) وقد استوزره المعتمد العباسي، وتوفي ببغداد متقلدا ديوان الضياع. تاريخ الطبري =

تسلّ فليس طول الحبس عار … وفيه لنا من الله الخيار فلولا الحبس ما بلي اصطبار … ولولا اللّيل ما عرف النّهار فما الأيّام إلاّ معقبات … وما السّلطان إلاّ مستعار وعن قدر حبست فلا تراعي … فما يغني من القدر الحذار سيفرج ما ترى عمّا قليل … معقبه وإن طال الإسار 325 - وقيل: كتب أبو محمّد القاسم بن يحيى المريميّ إلى أبي البشر كاتب أبي الجيش ابن طولون (¬1)، وهو في الحبس: هي الأيّام من نعمى وبوس … وكرّات السّعود على النّحوس فلا تجزع فليس الحبس عارا … وهل عار بتأديب الرّئيس فبدر الأنبياء غدا عزيزا … عظيما ملكه بعد الحبوس 326 - لعمر ابن الشّحنة: لا عار في السّجن للأحرار إن سجنوا … بغير جرم ولكن سجنهم شرف كالسّيف والدّرّة الزّهراء سجنهما … خوفا وضنّا بها الأغماد والصّدف 327 - ولمؤلفه عيسى بن البحتري لما حبس مخدومه: إن يحجبوك عن الأبصار لا عجب … اللّؤلؤ الرّطب قد تكتنّه الصّدف أو يظلموك فصبرا وانتظار غد … فإن ربّ الورى لا شك ينتصف 328 - وقيل: وجد في صدر الحبس بالبصرة مكتوب: لا تيّأسنّ من الفرج … من كان قبلك قد خرج ¬

= 9/ 473،477، ومعجم الأدباء 1/ 226، والكامل 7/ 237،242،460، والأعلام. (¬1) أبو الجيش بن طولون هو خمارويه بن أحمد بن طولون أبو الجيش ثاني ملوك الدولة الطولونية بمصر، كان شجاعا حازما فيه ميل للهو والمجون، اتسع الملك في أيامه فكان له من الفرات إلى بلاد النوبة، قتله غلمانه في دمشق وهو مخمور سنة 282 وحمل تابوته إلى مصر، قال ابن عساكر: وقيل دفن بحوران قريبا من قبر أبي عبيد البسري، تزوج المعتضد العباسي ابنته قطر الندى. وفيات الأعيان 2/ 249 مختصر ابن عساكر 8/ 88، الأعلام.

329 - أبو الحسين بن أبي البغل (¬1): حزنت وذو الأحزان يحرج صدره … ألا ربّ حزن جاء من بعده الفرج كأنّك بالمحبوب قد لاح نجمه … وباليسر من بين المضائق قد خرج 330 - وقيل: حبس الحجّاج إبراهيم التّيمي (¬2) بواسط، فلمّا دخل السّجن وقف على مكان مشرف، ونادى بأعلى صوته: يا أهل بلاء الله في عافيته، ويا أهل عافية الله في بلائه، اصبروا. فنادوه جميعا: لبيك لبيك لبيك. 331 - وللأمير أحمد بن عضد الدولة (¬3) وهو يومئذ في الحبس: هل الدّهر أرضاني وأعتب صرفه ... وأعقب بالحسنى من القيد والأسر فمن لي بأيام الشّباب الذي مضت ... ومن لي بمن قد فات في الحبس من عمري (¬4) 332 - ولعلي بن الجهم الأبيات المشهورة: ¬

(¬1) في الأصل أبو الحسن بن أبو البغل. والتصحيح من الوافي بالوفيات 2/ 48، ونشوار المحاضرة 2/ 152. وهو أبو الحسين محمد بن أحمد بن يحيى بن أبي البغل الكاتب، من أعيان كتاب الدواوين وولي الجبل وأصبهان مدّة، سجن وصودرت أمواله، مات سنة (313) له نظم ونثر. 330 - الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا صفحة (82). (¬2) إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي، أبو أسماء الكوفي. كان من الثقات عابدا، يقال قتله الحجاج، وقيل بل مات في حبسه سنة 92 ولم يبلغ أربعين سنة. سير أعلام النبلاء 5/ 60. (¬3) وهو أبو الحسين أحمد تاج الدولة بن عضد الدولة ابن بويه. معجم الأنساب والأسرات الحاكمة (65) وفيات الأعيان 4/ 50. 332 - الديوان صفحة (41). (¬4) كذا الأصل، والوجه: التي مضت. . . بما فات.

قالوا (¬1): حبست. فقلت: ليس بضائري ... حبسي وأيّ مهنّد لا يغمد 333 - وقيل: إنّ أنو شروان حبس بزرجمهر بن البختكان الحكيم-وكان وزيره-عند غضبه عليه في بيت كالقبر ظلمة وضيقا، وصفّده بالحديد، وألبسه الخشن من الصّوف، وأمر أن لا يزاد كلّ يوم على قرصين خبزا شعيرا وكفّ ملح جريشا وشربة ماء، وأن تحصى ألفاظه فتنقل إليه. فأقام بزرجمهر شهورا لا يسمع له كلمة. فقال أنوشروان: أدخلوا إليه أصحابه ومروهم أن يسألوه، ويفاتحوه الكلام، واسمعوا ما يجري بينهم وعرّفونيه. فدخل إليه جماعة من المختصّين به، فقالوا: أيّها الحكيم، نراك في هذا الضّيق والحديد والصّوف والشّدة التي دفعت إليها، ومع هذا فإن سحنة (¬2) وجهك، وصحّة جسمك على حالهما لم يتغيّرا، فما السّبب في ذلك؟ فقال: إني عملت جوارش (¬3) من ستّة أخلاط [آخذ منه كلّ يوم شيئا] (¬4) فهو الذي أبقاني على ما ترون. قالوا: فصفه لنا، فعسى أن نبتلى بمثل بلواك أو أحد من إخواننا فنصفه له، أو نستعمله. قال: الخلط الأوّل: الثّقة بالله تعالى. الثاني: علمي بأنّ كلّ مقدور كائن. الثالث: الصّبر خير ما استعمله الممتحن. الرّابع: إن لم أصبر فأيّ شيء أعمل. الخامس: قد يمكن أن أكون في شرّ ممّا أنا فيه. السّادس: من ساعة إلى ساعة فرج. ¬

(¬1) في الديوان ومصادر تخريج القصيدة به (قالت). 333 - الفرج بعد الشدة 1/ 159. (¬2) في الأصل: سحيّة. وما أثبت من الفرج بعد الشدة. (¬3) في الأصل جوارشا. (¬4) ما بين معقوفين من الفرج بعد الشدة.

334 - المبرّد: إذا اشتملت على اليأس القلوب … وضاق لما به الصّدر الرّحيب وأوطنت المكاره واطمأنّت … وأرست في أماكنها الخطوب ولم تر لانكشاف الضّرّ وجها … وقد أعيا بحيلته الأريب (¬1) أتاك على قنوط منك غوث … يمنّ به اللّطيف المستجيب فكلّ الحادثات وإن تناهت … فمقرون بها فرج قريب (¬2) 335 - ولسلم بن قتيبة لمّا حبسه مصعب بن الزّبير من أبيات: تحدّث (¬3) من لاقيت أنّك عائذ … بل العائذ المظلوم في سجن عازم (¬4) فما ورق الدّنيا بباق لأهلها … ولا شدّة الدّنيا بضربة لازم (¬5) 336 - آخر: يضيق صدري بغمّ عند حادثة … وربّما خير لي في الغمّ أحيانا ¬

334 - الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا (114): أنشدني محمد بن إبراهيم. وفي الفرج بعد الشدة 5/ 46. سمعت أبا علي بن مقلة ينشد في نكبته، وفي الحماسة البصرية 2/ 1 قال علي بن أبي طالب، وتروى لحسان بن ثابت، ديوان علي بن أبي طالب (10). ديوان المعاني 2/ 243 المستطرف 316، حل العقال 120. (¬1) في الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا (أغفى) وفي الفرج بعد الشدة والحماسة البصرية (أغنى). (¬2) في مصادر الخبر كلها: فموصول بها. (¬3) في الديوان: تخبّر. (¬4) كذا في الأصل عازم وجاء في الكامل 3/ 1124، ومروج الذهب 3/ 274 (1941)، وديوان كثير عزة (224) ومعجم ما استعجم 3/ 911، ومعجم البلدان (عارم) أن عبد الله بن الزبير لمّا قام بالخلافة سمى نفسه العائذ وحبس محمد بن الحنفية (في المروج حبس الحسن بن محمد بن الحنفية) بحبس عارم، وهو حبس وحش مظلم-قال ياقوت: ولا أعرف موضعه وأظنه بالطائف، وقال البكري صاحب معجم ما استعجم: سجن بمكة-وأراد قتله، فعمل الحيلة حتى تخلّص من السجن، وفي ذلك يقول كثير. (¬5) جاء في حاشية الديوان: ورق الدنيا: رونقها وزهرتها، ضربة لازم: يريد ضرب لازب، واللازب الثابت.

وربّ يوم يكون الغمّ أوّله … وعند آخره روحا وريحانا ما ضقت ذرعا بغمّ عند حادثة … إلاّ ولي فرج قد حلّ أو حانا 337 - وقال الحسن بن يحيى الكاتب: لقيت محمّد بن العلوي الحمّاني بعد خلاصه من حبس الموفّق (¬1) فهنّأته بالسّلامة، وقلت: قد عدت إلى وطنك الذي تألفه، وإخوانك الذين تحبّهم. فقال: يا أبا علي، وكيف!؟ وقد ذهب الأتراب والأصحاب والشّباب، ثمّ أنشد: هبني بقيت على الأيّام والأبد … ونلت ما شئت من مال ومن ولد من لي برؤية من قد كنت آلفه … وبالشّباب الذي ولّى ولم يعد 338 - وقال الشّيخ عمر ابن الشّحنة: كنت آوي إلى كوخ أيّام محبسي بقلعة الموصل، فسمعت حمامة تهتف في أعلى ذلك الموضع، وعارضني عارض وجدت معه راحة بالبكاء، فقلت لله درّ غيلان (¬2) كأنّما أوحي إليه حيث يقول (¬3): لعلّ انحدار الدّمع يعقب راحة … من الوجد، أو يشفي نجيّ البلابل (¬4) ¬

(¬1) الموفق بالله طلحة بن جعفر المتوكل على الله بن المعتصم، أمير من رجال السياسة والإدارة والحزم، لم يل الخلافة اسما، ولكنه تولاّها فعلا، ابتدأت حياته العملية بتولي أخيه المعتمد على الله الخلافة سنة 256، وآلت إليه ولاية العهد، وظهر ضعف المعتمد عن القيام بأعباء الدولة فنهض بها الموفق. كان شجاعا موفقا عادلا عالما بالأدب والأنساب والقضاء، توفي في أيام المعتمد حوالي سنة 278 هـ‍. الأعلام. (¬2) غيلان بن عقبة، أبو الحارث المعروف بذي الرمة أحد عشاق العرب المشهورين بذلك، من فحول الطبقة الثانية في عصره، كان شديد القصر، دميما أكثر شعره تشبيب وبكاء أطلال، توفي سنة 117 هـ‍ وفيات الأعيان 4/ 11، الأعلام. (¬3) الديوان 2/ 1333، من قصيدة مطلعها: خليليّ عوجا من صدور الرّواحل ... بجمهور حزوى فابكيا في المنازل (¬4) قال شارح الديوان، النجيّ: ما يتحدّث به في نفسه. والبلابل: أن تجد حسّا في نفسك. وجاء في الهامش: في (ق): والبلابل: الهموم في الصدر.

ومثله: فقلت لها: إنّ البكاء لراحة … به يشتفي من ظنّ أن لا تلاقيا وعملت في الحال أبياتا، وكتبتها على حائط ذلك الموضع وهي: وحمائم غنّين في دار الضّحى … طربا فقلت مقالة المحزون غنّين فالوجد الذي تبدينه … وجدي المكتّم والشّجون شجوني ما جامدات الدّمع كالجاري ولا … حال الطّليق كحالة المسجون 339 - ولأبي فراس بن حمدان في أسره، وقد سمع حمامة تهتف على شجرة عالية: أقول وقد ناحت بقربي حمامة … أيا جارتي هل بات حالك حالي (¬1) معاذ الهوى ما ذقت طارقة النّوى … ولا خطرت منك الهموم ببال (¬2) أيحمل محزون الفؤاد قوادم … إلى غصن نائي المسافة عال (¬3) أيا جارتي ما أنصف الدّهر بيننا … تعالي أقاسمك الهموم تعالي تعالي تري روحا لديّ ضعيفة … تردّد في جسم يعذّب بال أيضحك مأسور وتبكي طليقة … ويسكت محزون ويندب سال لقد كنت أولى منك بالدّمع مقلة … ولكنّ دمعي في الحوادث غال 340 - ولبعضهم: ¬

339 - الديوان صفحة (246). (¬1) في الديوان جارتا. (¬2) في الأصل طارقة الهوى، والمثبت في الديوان. (¬3) القوادم: أربع أو عشر ريشات في مقدّم الجناح، الواحدة قادمة. القاموس (قدم). 340 - عيون الأخبار 1/ 81 من غير عزو؛ ومروج الذهب 4/ 256 (2609) منسوبة إلى الفضل بن يحيى، وفي أمالي المرتضى 1/ 145 ومعجم الأدباء 3/ 155، وإنباه الرواة 1/ 62 منسوبة لصالح بن عبد القدوس، وفي المحاسن والمساوئ 2/ 350 من غير عزو. وفي المحاسن والأضداد صفحة 47 نسبت لعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر.

إلى الله فيما نابنا نرفع الشّكوى … ففي يده كشف المصيبة والبلوى (¬1) خرجنا من الدّنيا ونحن من اهلها … فلسنا من الأموات فيها ولا الأحيا (¬2) إذا دخل السّجان يوما لحاجة … فرحنا وقلنا: جاء هذا من الدّنيا (¬3) 341 - آخر: ما يدخل السّجن إنسان فنسأله … ما بال سجنك؟ إلاّ قال: مظلوم 342 - لمؤلفه ابن البحتري: ما حلّ بالسّجن امرؤ ساعة … إلاّ وكانت بالأذى ألف عام ولا غدا ألفا أخو غبطة … إلاّ وكانت غبطة كالمنام 343 - وله: جزى الله ربع السّجن عني كرامة … وأخلى ببعدي عن حماه مكاني فإنّ له حقّا عليّ لأنّني … كشفت به أهلي وصحبي وإخواني ¬

(¬1) في الأصل: فيما بيننا، والتصحيح من مروج الذهب، والمحاسن والمساوئ، وفي عيون الأخبار ومعجم الأدباء: إلى الله أشكو إنه موضع الشكوى. (¬2) في الأصل فليس، والتصحيح من أمالي المرتضى، والمحاسن والمساوئ، وفي عيون الأخبار ومعجم الأدباء: فما نحن بالأحياء فيها ولا الموتى. (¬3) في إنباه الرواة: إذا ما أتانا زائر متفقّد. وتتمة الأبيات في أمالي المرتضى: ونفرح بالرّؤيا فجلّ حديثنا ... إذا نحن أصبحنا الحديث عن الرؤيا فإن حسنت لم تأت عجلى وأبطأت ... وإن قبحت لم تحتبس وأتت عجلى طوى دوننا الأخبار سجن ممنّع ... له حارس تهدا العيون ولا يهدا قبرنا ولم ندفن فنحن بمعزل ... من الناس لا نخشى فنغشى ولا نخشى ألا أحد يأوي لأهل محلّة ... مقيمين في الدنيا وقد فارقوا الدنيا 341 - عيون الأخبار 1/ 79، والبيان والتبيين 3/ 169. وروايته فيه: لم يخلق الله مسجونا تسائله ... ما بال سجنك إلا قال: مظلوم

344 - وقيل: دخل الفرزدق على يزيد بن المهلّب وهو في الحبس فأنشده: أصبح في قيدك السّماحة وال‍ … جود وحمل الدّيات والإفضال (¬1) فقال له: أتمدحني وأنا على هذه الحال؟ فقال: نعم، وجدتك رخيصا فأسلفتك. 345 - ولمؤلفه ابن البحتري: بكت حرقة لما رأتني مقيّدا … وقد قلّ مني جمعها وعديدها فقلت لها: لا تحزني ويك وانظري … إلى فرجة تؤدي ليحسن سعودها فإنّ خلاليل النّساء تزينها … وزينة سوق الأوفياء قيودها 346 - وقيل إن عبيد الله بن زياد (¬2) أتي برجل فشتمه، وقال: أحروريّ أنت (¬3)؟ فقال الرجل: لا والله، ما أنا بحرويّ. فقال: أما والله لأفعلنّ بك ¬

344 - الشعر والشعراء 452، والعقد الفريد 1/ 303، ووفيات الأعيان 6/ 300. (¬1) في وفيات الأعيان: أصبح في قيدك السماحة وال‍ ... جود وحمل الديات والحسب ورواية العقد الفريد: صحّ في قيدك السماحة والجو ... د وفك العناة والإفضال 346 - الخبر بنحوه في الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا صفحة (106)، والفرج بعد الشدة 4/ 119 ومحاضرات الأدباء 2/ 169. (¬2) عبيد الله بن زياد بن أبيه ابن مرجانة، أمير العراق، ولي البصرة وسنّه ثنتان وعشرون سنة، وهو أول عربي قطع جيحون، وافتتح بيكند، وكان جميل الصورة قبيح السريرة، شديد القسوة، جبانا، به لكنة فارسية سأل أحدهم: أهروري؟ يريد أحروري. قاتل الخوارج واشتد عليهم، كانت فاجعة كربلاء على يديه، قتله إبراهيم بن الأشتر سنة (67) ولم يبلغ الأربعين. سير أعلام النبلاء 3/ 545، البيان والتبيين 1/ 72، الأعلام. وفي الأصل عبد الله بن زياد. (¬3) الحرورية: نسبة إلى حروراء موضع بظاهر الكوفة نزل به الخوارج الذين خالفوا عليا رضي الله عنه، وبها كان أول تحكيمهم واجتماعهم. نسبوا إليها.

ولأصنعنّ، انطلقوا به إلى السّجن، فانطلقوا به، فلمّا ولّى سمعه ابن زياد وهو يهمس بشيء، فردّه وقال له: ماذا قلت؟ قال: عنّ لي بيتان من الشّعر. قال: إنّك لفارغ، أنت قلتهما أم شيء سمعته؟ قال: بل أنا قلتهما. قال: ما قلت؟ قال: عسى فرج يأتي به الله إنّه … له كلّ يوم في خليقته أمر إذا اشتدّ عسر فارج يسرا فإنّه … قضى الله أنّ العسر يتبعه يسر (¬1) قال: فسكت ابن زياد ساعة، ثم قال: قد أتاك الله عزّ وجلّ بالفرج، خلّوا سبيله. 347 - وللأعرابي: قلّ وجه يضيق إلاّ … ودونه مذهب فسيح من فرّج الله عنه هبّت … من كلّ وجه إليه ريح 348 - ولسعيد بن بيضاء الأسدي: فما نوب الحوادث باقيات … ولا البوسا تدوم ولا النّعيم كما يمضي سرورك وهو جمّ … كذلك ما يسؤوك لا يدوم فلا تهلك على ما فات وجدا … ولا تعروك بالأسف الهموم 349 - وقيل: كان المأمون غضب على فرج الرّخّجيّ (¬2)، وحبسه فكلمه ¬

(¬1) البيتان في حل العقال 127 والأرج في الفرج 183 منسوبان لابن النجار. 349 - الفرج بعد الشدة 2/ 159. (¬2) فرج بن زياد الرخجي، منسوب إلى رخّج مدينة في نواحي كابل، مولى حمدونة بنت الرشيد، كان أبوه من سبي معن بن زائدة، من عمّال الدولة العباسية ولي الأهواز للرشيد فظلم وسرق، وهو صاحب قصر فرج ببغداد. الهفوات النادرة 77، الوزراء والكتاب (270).

عبد الله بن طاهر (¬1)، ومسرور الخادم (¬2) في أمره وسألاه إطلاقه، فأمر بذلك. قال فرج: بتّ ليلتي تلك وأنا مفكّر، إذ أتاني آت في منامي فقال لي: لمّا أتى فرجا من ربّه فرج … جئنا إلى فرج نبغي به الفرجا فلمّا أصبحت لم أشعر إلاّ واللّواء عقد لي على الأهواز وفارس ولاية، وأطلق لي معونة خمس مئة ألف درهم، وإذا أبو الينبغيّ (¬3) الشّاعر قائم على باب داري، وقد كتب هذا البيت في رقعة ودفعها لي. فقلت له: متى قلت هذا البيت؟ فقال لي: في هذا الوقت الذي رضي عنك. فازددت بذلك تعجّبا، وأمرت له بعشرة آلاف (¬4) درهم. 350 - ولمولاي ركن الدّين أحمد بن قرطاء (¬5)، وهو يومئذ محبوس: ¬

(¬1) عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب المصعبي الخزاعي أمير خراسان ومن أشهر الولاة في العصر العباسي، كان سيدا نبيلا عالي الهمة أديبا فاضلا جوادا عالما بأخبار الناس، سميت داره بالحريم الطاهر لأن من لجأ إليها أمن، مات أميرا في نيسابور سنة (230) معجم الأدباء 6/ 96، الأعلام. (¬2) مسرور الخادم، أبو هاشم، خدم المهدي والرشيد، كان أثيرا عند الرشيد موضع سرّه ومنفذ أمره. واستمرت حرمته أيام الرشيد والمعتصم. ومات في أيامه. (¬3) أبو الينبغي، العباس بن طرخان شاعر محسن، ذو مزاح وهجو ومدح للخلفاء والقواد، خدم المنصور وله ثلاث عشرة سنة، وعاش إلى دولة المعتصم. سير أعلام النبلاء 10/ 615. الكتاب والوزاء 201. (¬4) في الأصل ألف. (¬5) في المنهل الصافي 2/ 62: أحمد بن قرطاي الأمير ركن الدين أبو شجاع التركي الإربلي، مولى السلطان المظفر صاحب الإربل ولد سنة (598) وحدث عن مسمار بن العويس، وكان له شعر جيد، غضب عليه أستاذه مظفر الدين فحبسه حتى مات، فلما توفي مظفر الدين قدم ابن قرطاي هذا وإخوته حلب، وخدم عند الملك العزيز صاحب حلب، ولما توفي العزيز عاد المذكور إلى بغداد، وزادت حرمته بها، واستوطنها إلى أن توفي فجأة سنة خمس وخمسين وست مئة. وانظر الوافي بالوفيات 7/ 296.

أأحبابنا ذاك المتيّم مالكم … على البعد والتّفريق لا تذكرونه تناسيتم مذ طال في السّجن عهده … كأنّكم ما كنتم تعرفونه لئن خنتم منه الوداد فإنّه … مقيم على العهد الذي تعرفونه 351 - ولمؤلفه: قالت حبيبة قلبي حين أحزنها … وقد رأت سجنا في السّجن مأسور في محبس لا يرى حيّا يلمّ به … من لم يعش فيه يوما فهو معذور في السّجن أوطنت أو في القبر؟ قلت لها ... سيّان عندي مسجون ومقبور إذ ساكن القبر قد حلّت سكينته … وساكن السّجن مرعوب ومذعور والنّاس في ترك من بالسّجن مسكنه … كترك من هو وسط القبر محصور وجاهل ظنّ سكنى السّجن عن زلل … قبحا له ذاك في المقدور مقدور غاض الوقار ومات الجود قاطبة … فالغدر متّبع والجود مهجور والخلّ في اليسر معك الدّهر منتظم … وفي الشّقاوة سلك الودّ منثور جرّب جميع الورى تحظى (¬1) بتجربة … فكلّ خلّ إذا جرّبته زور ولا تعرّج عن العلياء خوف ردى … فليس في الموت تقديم وتأخير والله في كلّ ما يجري القضاء به … إن ساء أو سرّ محمود ومشكور 352 - ولأبي فراس بن حمدان وهو مأسور: مصابي جليل والعزاء جزيل … وظنّي بأنّ الله سوف يديل (¬2) جراح تحاماها الأساة مخوفة … وسقمان باد منهما ودخيل (¬3) ¬

(¬1) في الأصل تحضى. ولم يجزم للوزن. 352 - الديوان صفحة (218). قال ابن خالويه: قال أبو فراس هذه القصيدة وقد ثقل من الجراح التي نالته، ويئس من نفسه وهو في الأسر، فكتب إلى والدته يعزيها. (¬2) في الديوان: والعزاء جميل. (¬3) في الأصل تحاماه الأساء. والأساة: مفردها آس وهو الطبيب، وكذلك في الأصل حجول، وما أثبته من الديوان.

وأسرا أقاسيه وليل نجومه … أرى كلّ شيء غيرهنّ يزول تطول به السّاعات وهي قصيرة … وفي كلّ دهر لا يسرّك طول (¬1) تجافاني الأصحاب إلاّ عصيبة … ستلحق بالأخرى غدا وتحول (¬2) ومن ذا الذي يبقى على العهد إنّهم … وإن كثرت دعواهم لقليل أقلّب طرفي لا أرى غير صاحب … يميل مع النّعماء حيث تميل فيا حسرتي من لي بخلّ موافق … أقول بشجوي مرّة ويقول (¬3) 353 - وذكر موسى بن عبد الملك (¬4) قال: رأيت وأنا في الحبس [كأنّ] (¬5) قائلا يقول لي: لا زلت تعلو بك الجدود … نعم وحفّت بك السّعود أبشر فقد آن ما تريد … يبيد أعداءك المبيد (¬6) لم يمهلوا ثم لم يقالوا … والله يقضي بما يريد فاصبر فصبر الفتى حميد … والشكر ففي شكرك المزيد قال: فما مضت عليّ تلك الأيام حتّى أطلقت. 354 - وحدّث خالد بن يزيد قال: حدثنا عبد الله بن يعقوب بن داود قال: ¬

(¬1) في الديوان: تطول بي. (¬2) في الديوان: تناساني. (¬3) في الديوان: فيا حسرتا. 353 - الفرج بعد الشدة 2/ 326. (¬4) موسى بن عبد الملك الأصبهاني، أبو عمران كان على ديوان الخراج في أيام المتوكل. طالبه المتوكل بضمان ضمنه له لم يستطع تسديده، مات سنة (245) للهجرة. تاريخ الطبري 9/ 214 وما بعدها. (¬5) ما بين معقوفين مستدرك من الفرج بعد الشدة. (¬6) في الفرج بعد الشدة: أبشر فقد نلت ما تريد. 354 - الفرج بعد الشدة 2/ 234.

قال أبي (¬1): لمّا حبسني المهديّ في بئر، وبنى عليّ قبّة، فمكثت فيها خمس عشرة (¬2) سنة حتّى مضى صدر من خلافة الرّشيد، وكان يدلّى لي في كلّ يوم رغيف وكوز ماء، وأوذن بأوقات الصّلاة، فلمّا كان في رأس ثلاث عشرة (¬3) حجّة أتاني آت في منامي فقال: حنا على يوسف ربّ فأخرجه … من قعر بئر وجبّ حوله غمم قال: فحمدت الله تعالى وقلت: أتى الفرج. قال: فمكثت حولا لا أرى شيئا، فلمّا كان في رأس الثاني أتاني ذلك الآتي فقال: عسى فرج يأتي به الله إنّه … له كلّ يوم في خليقته أمر (¬4) ثم أقمت حولا لا أرى شيئا، ثم أتاني ذلك الآتي في رأس الحول الثالث فقال: عسى الكرب الذي أمسيت فيه … يكون وراءه الفرج القريب فيأمن خائف ويفكّ عان … ويأتي أهله الرّجل الغريب (¬5) فلمّا أصبحت نوديت، فظننت أنّي أوذن للصّلاة، ودلّي لي حبل، فقيل: شدّ به وسطك. ففعلت ما قالوا، وأخرجوني من البئر، فلمّا تأمّلت ¬

(¬1) يعقوب بن داود بن عمر السلمي، من أكابر الوزراء تقرّب من المهدي، وعلت منزلته عنده حتى صدر مرسوم إلى الدواوين يقول: إن أمير المؤمنين المهدي قد آخى يعقوب بن داود. واستوزره، فغلب على الأمور كلها. كان ذا صلة بالعلويين مما أدى إلى سخط المهدي عليه فعزله وأمر بحبسه في المطبق وصادر أمواله، وقد ردّ عليه الرشيد ماله، وخيّره في الإقامة حيث يريد، فاختار مكة، وأقام بها إلى أن مات، وفيه قال بشار: بني أمية هبوا طال نومكم ... إن الخليفة يعقوب بن داود (¬2) في الأصل خمسة عشر. (¬3) في الأصل ثلاثة عشر. (¬4) تقدم البيت في الخبر (346) صفحة 135. (¬5) في الأصل: فيأمن خائفا. ورواية الفرج بعد الشدة: ويأتي أهله النائي. والبيتان لهدبة بن خشرم ديوانه صفحة 54.

الضّوء عشي بصري، فانطلقوا بي، فلمّا دخلت على الرّشيد، قيل لي: سلّم على أمير المؤمنين. فقلت: السّلام عليك يا أمير المؤمنين [ورحمة الله] (¬1) وبركاته، المهديّ. قال: من أمير المؤمنين؟ قلت: المهديّ. قال: لست به. فقلت: الهادي؟ قال: لست به. قلت: السلام عليك يا أمير المؤمنين [ورحمة الله] (1) وبركاته الرّشيد؟ فقال الرّشيد: يا يعقوب بن داود، إنّه والله ما شفع إليّ فيك أحد، غير أنّي حملت البارحة صبيّة لي على عنقي، فذكرت حملك إيّاي على عنقك فرثيت لك من المحلّ الذي كنت فيه فأخرجتك. قال: ثم أكرمني وقرّب مجلسي، فتنكر يحيى بن خالد (¬2) كأنّه خاف أن أغلب على الرّشيد دونه، فخفته، واستأذنت في الحجّ، فأذن ولم أزل مقيما بمكة. 355 - ولبعضهم: لا تيأسنّ فربّما … عظم البلاء وفرّجا قد ينسخ الخوف الأما … ن ويغلب اليأس الرجا 356 - لسعد بن محمد بن [علي المعروف ب‍] الوحيد (¬3): ¬

(¬1) ما بين معقوفين من الفرج بعد الشدة. (¬2) يحيى بن خالد بن برمك، أبو الفضل الوزير السري الجواد، سيد بني برمك وأفضلهم، وهو مؤدب الرشيد ومعلمه ومربيه، رضع الرشيد من زوجة يحيى مع الفضل فكان يدعوه: يا أبي، لما ولي هارون الرشيد الخلافة دفع خاتمه إلى يحيى، وقلده أمره، واشتهر يحيى بجوده وحسن سياسته، واستمر إلى أن نكب الرشيد البرامكة، فقبض عليه وسجنه في الرقة إلى أن مات سنة (190) هـ‍. الأعلام. 356 - حل العقال 131. (¬3) سعد بن محمد بن علي الأزدي، أبو طالب، المعروف بالوحيد البغدادي، كان عالما بالنحو واللغة والعروض بارعا بالأدب، له شرح ديوان المتنبي، مات سنة (385) معجم الأدباء 11/ 197، بغية الوعاة (253) وفي الأصل: سعيد بن محمد بن الوحيد والمثبت من مصادر ترجمته.

إن راعني منك الصّدود … فلعلّ أيامي تعود ولعلّ عهدك باللّوى (¬1) … يحيا فقد تحيا العهود فالعود ييبس تارة … وتراه مخضرّا يميد إنّي (¬2) لأرجو عطفة … يبكي لها الواشي الحسود فرجا تقرّ به العيون … فينجلي عنها السّهود 357 - وقال عبد الله بن المعتز (¬3): لما أمر المكتفي بحبسي في بغداد، نالني خوف عظيم، وبقيت محبوسا إلى أن قدم المكتفي إلى بغداد، وازداد خوفي بقدومه ولم أنم تلك الليلة خوفا وقلقا بوروده، فمرّت بي في السّحر طيور، فتمنّيت أن أكون مخلّى مثلها، لما يجري عليّ من النّكبات، ثمّ فكّرت في نعم الله تعالى، وما حازه لي من الإسلام، والقربة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وما أؤمّله من البقاء الدّائم في الآخرة. وقلت في الحال: يا نفس صبرا فإنّ الخير عقباك (¬4) … خانتك من بعد طول الأمن دنياك مرّت بنا سحرا طير فقلت لها … طوباك يا ليتني إيّاك طوباك لكن هو الدّهر فالقيه على حذر … فربّ مثلك تنزو تحت أشراك (¬5) فما أصبحت إلا قد سأل المكتفي عنيّ، وأمر باطلاقي، وأطلق لي مالا. ¬

(¬1) في الأصل «النوى» والمثبت من حل العقال. (¬2) في الأصل «لإني» والمثبت من حل العقال. 357 - الفرج بعد الشدة 2/ 10، وتاريخ بغداد 9/ 98، والبداية والنهاية 11/ 109، ومعاهد التنصيص 2/ 45. (¬3) عبد الله بن محمد المعتز، كان متقدما في الأدب، غزير العلم، بارع الفضل، حسن الشعر يقصد فصحاء العرب ويأخذ عنهم، صنف كتبا منها «البديع» و «طبقات الشعراء». آلت الخلافة إلى المقتدر، فاستصغره القواد وخلعوه، وأقبلوا على ابن المعتز وبايعوه على الخلافة، فأقام يوما وليلة وثب عليه غلمان المقتدر فخلعوه، وعاد المقتدر، وأمر بقتله سنة (296). تاريخ بغداد. الأعلام. (¬4) في الديوان 2/ 140، وفي الفرج بعد الشدة. لعل الخير. (¬5) في الديوان: لقياه، وفيه أيضا: فربّ حارس نفسي تحت.

وأنشدت لمعاوية بن أبي سفيان متمثّلا بقوله: فلا تيأسن واستغن بالله إنّه … إذا شاء [يوما] حلّ عقد تيسرا (¬1) 358 - لأبي العتاهية: إنّما الدّنيا هبات … وعوار مستردّه (¬2) شدّة بعد رخاء … ورخاء بعد شدّه 359 - وروي عن أحمد بن أبي دواد قال: كنت بحضرة المعتصم، وقد أحضر تميم بن جميل الطّوسي (¬3) مصفّدا بالحديد، وقد بسط له النّطع وانتضي السّيف وأمر بضرب عنقه. وكان رجلا جسيما وسيما، فأحبّ المعتصم أن يستنطقه لينظر أين مخبره من منظره (¬4)، فقال له: تكلّم. فقال أما إذ أذن لي أمير المؤمنين في الكلام: فالحمد لله اَلَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، وَبَدَأَ خَلْقَ اَلْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ [السجدة:7] يا أمير المؤمنين، جبر الله بك صدع الدّين، ولمّ بك شعث المسلمين. إنّ الذّنوب تخرس الألسنة، وتخلع الأفئدة، وايم الله لقد عظمت الجريرة، وانقطعت الحجّة، وساء الظّنّ ولم يبق إلا عفوك وإبقاؤك (¬5). ثم قال: ¬

(¬1) ما بين معقوفين ليس من الأصل استدركته لإقامة الوزن. 358 - الديوان صفحة (524) من تكملة الديوان. (¬2) في الأصل: وعواري. 359 - العقد الفريد 2/ 158، المستجاد (117)، الفرج بعد الشدة 4/ 89، زهر الآداب 3/ 200، معجم البلدان (رحبة مالك) 3/ 34 والخبر فيه بين مالك بن طوق التغلبي والخليفة هارون الرشيد. وكذا هو في فوات الوفيات 3/ 231. والذي في زهر الآداب: كان تميم بن جميل بشاطئ الفرات، واجتمع إليه كثير من الأعراب، فعظم أمره، وبعد ذكره فكتب المعتصم إلى مالك بن طوق في النهوض إليه. (¬3) في المستجاد، وزهر الآداب: تميم بن جميل السدوسي الخارجي. (¬4) جاء في الحاشية: وفي نسخة: أين عقله في ذلك الوقت. فقال له: يا تميم، إن كان لك عذر فأت به. فقال: أما إذا أذن أمير المؤمنين في الكلام. (¬5) في مصادر الخبر: ولم يبق إلا عفوك أو انتقامك.

أرى الموت بين السّيف والنّطع كامنا … يلاحظني من حيث ما أتلفّت وأكبر ظنّي أنّك اليوم قاتلي … وأيّ امرىء ممّا قضى الله يفلت وأيّ امرىء يدلي بعذر وحجّة … وسيف المنايا بين عينيه مصلت وما جزعي أنّي أموت وإنّني … لأعلم أنّ الموت حقّ موقّت (¬1) ولكنّ خلفي صبية قد تركتهم … وأكبادهم من حسرة تتفتّت كأنّي أراهم حين أنعى إليهم … وقد خدشوا تلك الخدود وصوّتوا (¬2) فإن عشت عاشوا خافضين (¬3) بغبطة … أذود الرّدى عنهم وإن متّ موّتوا فاستعبر المعتصم، وقال: قد عفوت عن الهفوة، ووهبتك للصّبية، ثم أمر به ففكّ قيده، وخلع عليه، وعقد له على سقي الفرات (¬4) 360 - أبو العتاهية: هي الأيام والغير (¬5) … وأمر الله ينتظر أتيأس أن ترى فرجا … فأين الله والقدر 361 - وقيل: كان أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصّابئ (¬6) محبوسا فزاره أبو الفرج الببّغاء (¬7) في محبسه، وخفّف الزّورة عنده، فكتب أبو إسحاق من ¬

(¬1) في مصادر الخبر: شيء موقت. (¬2) في العقد الفريد وفوات الوفيات: وقد خمشوا. وفي المستجاد: وقد لطموا حرّ. (¬3) في الأصل خافظين على لهجة الناسخ. (¬4) في الفرج بعد الشدة: وعقد له ولاية على شاطئ الفرات، وفي زهر الآداب: وعقد له بشاطئ الفرات. 360 - الديوان صفحة (538) تكملة الديوان. وفي الأغاني 4/ 80 أن بكر بن المعتمر كتب إلى أبي العتاهية يشكو إليه ضيق القيد، وغمّ الحبس، فكتب إليه أبو العتاهية. (¬5) في الديوان، والأغاني: هي الأيام والعبر، ورواية الجهشياري في كتاب الوزراء والكتاب صفحة (275) موافقة للرواية في الأصل. 361 - يتيمة الدهر 1/ 215، وفيات الأعيان 3/ 200. (¬6) تقدمت ترجمته صفحة (36). (¬7) تقدمت ترجمته صفحة (38).

الحبس إليه (¬1): أبا الفرج (¬2) اسلم وابق وانعم ولا تزل … يزيدك صرف الدّهر حظّا إذا نقص مضت مدّة تستام ودّي غاليا (¬3) … فأرخصته والبيع غال ومرتخص وآنستني في محبسي بزيارة … شفت قرما من صاحب لك قد خلص (¬4) ولكنها كانت كحسوة طائر … فواقا كما يستفرص السّارق الفرص وأحسبك استوحشت من ضيق محبسي … وعادك عيد من تذكّرك القفص (¬5) كذا الكرّز اللمّاح ينجو بنفسه (¬6) … إذا عاين الأشراك تنصب للقنص فحوشيت يا قسّ الطّيور بلاغة … إذا ذكر المنظوم أو درس القصص من المنسر الأشغى ومن حزّة المدى … ومن بندق الرّامي ومن قصّة المقص (¬7) ومن صعدة فيها من الدّبق لهذم … لفرسانكم يوم الطّعان بها قعص فهذي دواهي الطّير وقّيت شرّها … إذا الدّهر من أحداثه جرّع الغصص فأجابه أبو الفرج الببغاء جواب رسالته (¬8): أيا ماجدا مذ يمّم الجود ما نكص (¬9) … وبدر تمام مذ تكمّل ما نقص ستخلص من هذا السّرار وأيّما … هلال توارى في السّرار وما خلص ¬

(¬1) في مصادر الخبر: فزاره في محبسه ثم انصرف عنه ولم يعاوده. (¬2) في الأصل: أبو الفرج. (¬3) في مصدر الخبر: مضى زمن تستام وصلي. (¬4) في يتيمة الدهر: شفت كمدا. وفي وفيات الأعيان: شفت كبدا. والقرم: شدّة شهوة اللحم، وكثر حتى قيل في الشوق إلى الحبيب. القاموس (قرم). (¬5) في الأصل: أظنك استوحشت. والعيد: بالكسر: ما اعتادك من همّ أو مرض أو حزن ونحوه. القاموس (عيد) وفي مصدري الخبر: وأوجست خوفا من تذكرك القفص. (¬6) في الأصل: اللماج. وما أثبتناه من مصدري الخبر. والكرز: البازي، اللسان (كرز). (¬7) المنسر: المنقار. الشغا: اختلاف الأسنان، والشغواء: العقاب. قيل لها ذلك لفضل في منقارها الأعلى على الأسفل. اللسان (شغا) وفي وفيات الأعيان: حدّة المدى. (¬8) في مصدري الخبر: فأجابه أبو الفرج في الحال مع رسوله. (¬9) في الأصل: من يمم. والتصحيح من مصدري الخبر. وفيهما: مذ تكامل.

بإقبال تاج الملّة الملك الذي (¬1) … بسؤدده في خطة المشتري حصص تقنّصت شكري بالجميل ولم أكن … علمت بأنّ الحرّ بالبرّ يقتنص وآنست أسنى فرصة فانتهزتها (¬2) … بلقياك إذ بالحزم تنتهز الفرص وإن كنت بالببغا قديما ملقّبا … فكم لقب بالجور لا العدل مخترص (¬3) وبعد فما أخشى تقنّص جارح … وقلبك لي وكر وصدرك لي قفص (¬4) قال: فلما سمع أمير المؤمنين بقصّتهما، فكانت خلاص الصّابئ (¬5). 362 - وقيل: سمع المأمون يوما إبراهيم بن مهدي (¬6) عمّه لمّا حبسه ينشد في محبسه بصوت طرب (¬7): ولو أنّ خدّا من وكوف مدامع (¬8) … يرى معشبا لا خضرّ خدّي وأعشبا على أنني لم أبك إلاّ مودّعا … بقيّة روح فارقتني لتذهبا قال: فرقّ له واستشار أحمد بن محمّد بن خالد (¬9) في أمره، فقال: إن ¬

(¬1) في المصدرين: برأفة تاج الملة. (¬2) في مصدري الخبر: وصادفت أدنى فرصة. (¬3) في مصدري الخبر: فإن كنت بالببغاء قدما. . . في الأصل: «لقبا». (¬4) في مصدري الخبر: ورأيك لي قفص. (¬5) في مصدري الخبر: فانتهى الابتداء والجواب إلى عضد الدولة، فأعجب بهما واستظرفهما، وكان ذلك أحد أسباب اطلاق أبي إسحاق. 362 - مختصر تاريخ دمشق 4/ 135. (¬6) إبراهيم بن محمد المهدي، أخو هارون الرشيد، ولاه الرشيد إمرة دمشق مرتين، دعا بالخلافة لنفسه، وبايعه أهل بغداد فطلبه المأمون فاستتر ست سنين وشهورا، حتى ظفر به المأمون فحبسه ستة أشهر ثم أطلقه، كان أسود حالك اللون عظيم الجثة، يعرف بالتنين وليس في أولاد الخلفاء قبله أفصح منه لسانا، ولا أجود شعرا، كان فاضلا حازما، حاذقا بصنعة الغناء. الأعلام. (¬7) كان إبراهيم إذا تنحنح، طرب من يسمعه، فإذا غنى، أصغت الوحوش. . . وكان إذا غنى لم يبق أحد إلا ذهل. سير أعلام النبلاء 10/ 560. (¬8) وكف الدمع: سال. انظر اللسان (وكف). (¬9) وهو أحمد بن أبي خالد الأحول، من الموالي، كان جليل القدر من عقلاء الرجال، -

عاقبت وجدت مثلك قد عاقب مثله كثيرا، وإن عفوت لم تجد مثلك عفا عن مثله. فعفا عنه، وأمر بإطلاقه. 363 - وقيل: لما ظفر المأمون بإبراهيم بن المهدي أحبّ أن يوبّخه على رؤوس الأشهاد، فأمر بإحضاره من محبسه فجيء به يحجل في قيوده، حتّى وقف على طرف الإيوان، وقال: السّلام عليك يا أمير المؤمنين. فقال المأمون: لا سلّم الله عليك، ولا رعاك ولا كلأك يا إبراهيم. فقال له إبراهيم: على رسلك يا أمير المؤمنين، فلقد أصبحت وليّ ثأري، والقدرة تذهب الحفيظة، ومن مدّ له الاغترار في الأمل هجمت به الأناة على التّلف. وقد أصبح ذنبي فوق كلّ ذي ذنب، كما أنّ عفوك فوق كلّ ذي عفو، فإن تعاقب فبحقّك، وإن تعف (¬1) فبفضلك. قال: فأطرق المأمون مليّا، ثم رفع رأسه وقال: إنّ هذين أشارا عليّ بقتلك وإذا المعتصم والعباس بن المأمون (¬2). فقال: يا أمير المؤمنين، أمّا حقيقة الرّأي في معظم تدبير الخلافة والسياسة فقد أشارا عليك به، وما غشّاك إذ كان منّي ما كان، ولكنّ الله عزّ وجلّ عوّدك من العفو عادة جريت عليها، دافعا مما تخاف بما ترجو، فكفاك الله. فتبسّم المأمون، وأقبل على ثمامة وقال: إنّ من الكلام ما يفوق الدّرّ، ويغلب السّحر، وإنّ كلام عمّي منه، أطلقوا عن عمّي حديده وردّوه ¬

9 - وكان كاتبا شديدا فصيحا لبيبا بصيرا بالأمور، استوزره المأمون، توفي سنة (210) الفخري:200. وقول أحمد بن محمد في الأغاني 10/ 118، ووفيات الأعيان 1/ 41. 363 - الأغاني 10/ 116، الفرج بعد الشدة 3/ 342، والخبر بنحوه في العقد الفريد 2/ 148. (¬1) في الأصل: تعفو. (¬2) العباس بن المأمون بن الرشيد، أمير عباسي، ولاه أبوه الجزيرة والثغور، لما ولي المعتصم امتنع كثير من القواد من مبايعته ونادوا باسم العباس بن المأمون، فدعاه المعتصم إليه وأخذ البيعة فسكن الناس، وأقام إلى أن خرج المعتصم إلى الثغور فاتفق مع بعض القواد على قتل المعتصم، فعلم المعتصم فقبض عليه وعلى أصحابه وعذبه وسجنه إلى أن مات بمنبج سنة (223) الأعلام.

لي مكرّما. فلمّا ردّ إليه قال: يا عمّي طب نفسا، وارجع إلى الأنس فلن ترى منيّ أبدا إلاّ ما تحبّ. 364 - ولأبي عبادة البحتريّ يخاطب محمد بن يوسف الثّغريّ وهو محبوس: جعلت فداك الدّهر ليس بمنفكّ … من الحدث المشكوّ والنّازل المشكي وما هذه الأيّام إلاّ منازل … فمن منزل رحب إلى (¬1) منزل ضنك وقد هذّبتك الحادثات وإنّما … صفا الذّهب الإبريز يظهر بالسّبك (¬2) أما في رسول الله يوسف أسوة … لمثلك محبوسا على الظّلم والإفك أقام جميل الصّبر في السّجن برهة … فآل به الصّبر الجميل إلى الملك 365 - وحبس الرّشيد رجلا فكتب إليه: إنّ كلّ يوم يمضي من ملكك يمضي من بؤسي مثله، والأمد قريب، والحكم لله. فأمر بإطلاقه. 366 - وحبس الرّشيد أبا العتاهية فكتب إليه من السّجن: تفديك نفسي من كلّ ما كرهت … نفسك إن كنت مذنبا فاغفر يا ليت قلبي مصّور لك ما … فيه لتستيقن الذي أضمر فلما وقف الرّشيد على ذلك أمر بإطلاقه. 367 - وحدّث محمد بن عبّاد قال: دخل حمزة بن بيض (¬3) على يزيد بن ¬

364 - تقدّم الخبر برقم (289) صفحة 118. (¬1) في الأصل: ومن منزل ضنك. (¬2) في الديوان (1568) قبلك بالسبك، وكذا هو في الخبر (289) صفحة 118. 366 - ديوان أبي العتاهية صفحة (556) تكملة الديوان. 367 - الأغاني 16/ 209. (¬3) حمزة بن بيض الحنفي شاعر أموي كوفي خليع ماجن من فحول طبقته، كان كالمنقطع إلى المهلب بن أبي صفرة وولده، اكتسب في الشعر مالا عظيما وله أخبار مع عبد الملك بن مروان. الأغاني 16/ 202، معجم الأدباء 1/ 280، فوات الوفيات 1/ 395.

المهلّب في السّجن فأنشده: أغلق دون السّماح والجود والن‍ … نجدة باب حديده أشب (¬1) ابن ثلاث وأربعين مضت … لا ورع واهن ولا نكب (¬2) لا بطر إن تتابعت نعم … وصابر في البلاء محتسب برّزت سبق الجواد في مهل … وقصّرت دون سعيك العرب فقال: والله، يا حمزة، لقد أسأت حين نوّهت باسمي في وقت غير تنويه. ثم رفع مقعدا تحته، فرمى إليه بخرقة مصرورة، وعنده صاحب خبر [واقف] (¬3). فقال: خذ هذا الدينار فو الله ما أملك ذهبا غيره. فأخذه حمزة، وأراد ردّه. فقال له سرّا: خذه، ولا تخدع عنه. قال حمزة: فعلمت أنّه غير ذهب، فلمّا خرجت، قال لي صاحب الخبر: ما أعطاك يزيد؟ فقلت: أعطاني دينارا، واستحييت أن أردّه. فلما صرت إلى منزلي حللت الصّرة وإذا فصّ ياقوت أحمر كأنه سقط زند، فقلت: والله، لئن عرضت هذا بالعراق ليعلمنّ أنّي أخذته من يزيد فيؤخذ مني. فخرجت به إلى خراسان فبعته من (¬4) رجل يهوديّ بثلاثين ألفا، فلمّا قبضت المال [وصار الفصّ في يده] (¬5)، قال لي: والله، لو أبيت إلاّ خمسين ألفا، لأخذته منك بها. فكأنّه قذف في قلبي جمرة، فلمّا رأى تغيّر وجهي قال: لست أشكّ أنّي قد غممتك. قلت: إي والله، وقتلتني. فأخرج إليّ مئة دينار وقال: أنفق هذه في طريقك؛ ليتوفّر عليك المال. ¬

(¬1) في الأصل: حديد. والأشب: الملتف. القاموس. (أشب). (¬2) ورع: جبان. القاموس (ورع). (¬3) ما بين معقوفين من الأغاني. (¬4) في الأصل على والتصويب من الأغاني. (¬5) ما بين معقوفين مستدرك من الأغاني.

368 - وقال القاضي التنوخي (¬1): من طريف ما شاهدناه: أنّ أبا تغلب (¬2) فضل الله بن ناصر الدّولة أبي محمد (¬3) استوحش من أخيه محمد (¬4) بعد موت أبيهما، فقبض عليه واستصفى ماله، ونعمته، وقبض عقاره وضيعه، وثقّله بالحديد، وأنفذه إلى القلعة المعروفة بأردمشت (¬5)، وهي مشهورة من أعمال الموصل حصينة، فحبسه فيها في مطمورة ووكّل بحفظه وإطعامه عجوزا جلدة ضابطة يقال لها نازيانوا (¬6) وأمرها أن لا توصل إليه أحدا (¬7)، ولا تعرّفه خبرا، وأن تخفي موضعه عن جميع شحنة (¬8) القلعة وحفظها. ففعلت ذلك، وأقام على حاله تلك نحو ثمان سنين. ¬

368 - الفرج بعد الشدة 2/ 184، حل العقال:81. (¬1) أبو علي المحسن بن علي البصري، من العلماء الأدباء الشعراء، ولد ونشأ في البصرة، ولي قضاء جزيرة ابن عمر وعسكر مكرم من كتبه: «الفرج بعد الشدة» و «نشوار المحاضرة» و «المستجاد من فعلات الأجواد» توفي ببغداد سنة (384 هـ‍) الأعلام. (¬2) في الأصل: ثعلب. والتصحيح من مصادر ترجمته. انظر سير أعلام النبلاء 16/ 306. (¬3) فضل الله الغضنفر بن الحسن ناصر الدولة أبي محمد بن عبد الله الحمداني التغلبي، أمير الموصل استولى على الإمارة من أبيه، وحارب عضد الدولة فخسر المعركة، وفرّ إلى الشام، ثم إلى فلسطين حيث أسر وقتل. الأعلام. (¬4) محمد بن ناصر الدولة أبو الفوارس، أمير حمداني شجاع، كان أسيرا عند الروم حتى أطلقه سيف الدولة مقابل أمير رومي، تولى نصيبين، خدعه أخوه واعتقله بقلعة أردمشت ثماني سنين حتى أطلقه عضد الدولة. عن حاشية الفرج بعد الشدة. (¬5) أردمشت قلعة حصينة قرب جزيرة ابن عمر، في شرقي دجلة الموصل، وقد خربّها المعتضد بالله، ثم أعاد بناءها ناصر الدولة أبو تغلب أحمد بن حمدان. معجم البلدان 1/ 146. (¬6) في الفرج بعد الشدة: نازبانو. قال محقق الكتاب: والاسم فارسي من كلمتين ناز: فخر، وبانو: السيدة الجليلة، فيكون الاسم بالعربية فخر النساء. (¬7) في الأصل: أحد. (¬8) الشّحنة في البلد: من فيه الكفاية لضبطها من جهة السلطان.

ثم اتّفق أن انحدر أبو تغلب معاونا لعزّ الدّولة أبي منصور بختيار بن معزّ الدولة (¬1) ومعهما العساكر يقصدان بغداد لمحاربة عضد الدولة (¬2) وقد خرج للقائهما فكانت بينهما الوقعة العظيمة المشهورة بقرب قصر الجصّ (¬3)، فقتل فيها عزّ الدولة، وانهزم أبو تغلب، فدخل الموصل وخاف أن يتخلّص محمد، فكتب إلى غلام له كانت القلعة مسلّمة له يقال له طاشتم (¬4): في أن يمكّن رئيسا من رؤوساء الأكراد يقال له صالح كان كالشّريك لطاشتم في حفظ القلعة من محمّد ليمضي فيه ما أمره به. وكتب إلى صالح يأمره بقتل محمّد أخيه. فمكّن طاشتم صالحا، فلما أراد الدّخول على محمد ليقتله، منعت نازيانوا من ذلك وقالت: لا أمكّن من هذا إلا بكتاب يرد عليّ من الأمير. وشارف عضد الدولة الموصل، فانجفل عنها أبو تغلب وكردته (¬5) العساكر فاشتدّ عليه الطّلب، وورد عليه كتاب صالح بما قالت نازيانوا. فإلى أن أجاب عنه أحاطت بعض عساكر عضد الدّولة بقلعة أردمشت ونازلوها فانقطعت الأخبار ما بينهما وبين أبي تغلب، ولم يصل له إليها كتاب، ثم فتحها عضد ¬

(¬1) بختيار بن الحسين معز الدّولة بن بويه الديلي، تولى الحكم في العراق بعد وفاة أبيه سنة 356، وكان سيء التدبير، فأفسد عليه جنده، كان منصرفا للهو توفي سنة 367. (¬2) عضد الدولة أبو شجاع فناخسرو بن أبي علي الحسن ركن الدولة بن بويه، أحد المتغلبين على الملك في عهد الدولة العباسية، تولى ملك فارس ثم الموصل وبلاد الجزيرة، كان مهيبا جبارا عسوفا عالما بالعربية، كان محبا للعمران. أنشأ البيمارستان العضدي ببغداد، وعمّر القناطر والجسور، توفي سنة 372. الأعلام. (¬3) قصر الجصّ: قصر عظيم قرب سامراء، بناه المعتصم للنزهة. معجم البلدان 4/ 110. (¬4) طاشتم من مماليك أبي تغلب، كان عاقلا أمينا دينا، أناط به سيده حفظ قلعة أردمشت شريكا لصالح بن بانويه، فلمّا حاصرها عضد الدولة، سلمها ابن بانويه إليهم وقبض على طاشتم وتسلمه عضد الدولة فبعث به إلى أبي تغلب فقتله. عن حاشية الفرج بعد الشدة. (¬5) في الأصل كدّته، وما أثبتناه من الفرج بعد الشدة: والكرد: الطرد: القاموس (كرد).

الدّولة بعد شهور، بأن واطأه صالح على قبض طاشتم وكتب إليه يعرّفه عمل (¬1)، ويستأذنه فيما يعمله. وكان لمحمد خادم خصيّ يلي أمر داره أسود يسمى ناصحا وكان بعد القبض على محمد قد وقع إلى عضد الدّولة وهو بفارس، فصار من وجوه خدمه، فلما ورد الخبر بفتح القلعة أذكره ناصح بوعد كان له عليه في إطلاق مولاه محمد إذا فتح القلعة. فكتب يطلبه في القلعة، فإن وجد حيّا أن يطلق عنه، وينفذ إليه مكرّما. فحين دخل صالح ومعه بعض من صعد إلى القلعة من أصحاب عضد الدّولة إلى محمد في محبسه جزع جزعا شديدا، ولم يشكّ أنّهم دخلوا بأمر أبي تغلب لقتله، فأخذ يتضرّع ويقول: ما يدعو أخي إلى قتلي؟. فقالوا له: لا خوف عليك. فإنّما أمرنا الملك أن نطلق عنك، وتمضي إليه مكرّما، فقد ملك هذه البلاد. فقال: أغلب ملك الرّوم على هذه النواحي، وفتحت له القلعة؟ قالوا: لا، ولكن الملك عضد الدولة. قال: الذي كان بشيراز؟ قالوا: نعم. قال محمد: فأين بختيار؟ قالوا: قتل. قال: فأين أبو تغلب؟ قالوا: انهزم ودخل بلد الرّوم. قال: فالملك عضد الدّولة أين هو؟ قالوا: بالموصل، وقد أمر أن نحملك إليه مكرّما. فسجد حينئذ، وبكى بكاء شديدا، وحمد الله تعالى كثيرا، وجاؤوا ليفكّوا قيده، فقال: لا أمكّن من ذلك إلا بعد أن يشاهد حالي الملك. فحمل إلى الموصل فرأيته وقد أصعد به مقيّدا من [المعبر الذي عبر فيه في] (¬2) دجلة إلى دار أبي تغلب التي نزلها عضد الدّولة، وأنا إذ ذاك أتولاها له، فرأيت محمدا يمشي في أقياده حتى دخل فقبّل الأرض بين يديه، ودعا له وأخرج إلى حجرة من الدّار، فأخذ حديده، وحمل على فرس فاره بمركب ¬

(¬1) كذا في الأصل، وفي الفرج بعد الشدة: يعرفه بما عمله. (¬2) ما بين معقوفين مستدرك من الفرج بعد الشدة.

ذهب، وقيّد بين يديه خمس (¬1) دوابّ بمراكب فضّة وخمس بجلالها، وثلاثون بغلا بوكفها (¬2) محمّلة مالا صامتا، ومن صنوف الثّياب الفاخرة وغيرها إلى دار قد فرّغت له، وفرشت، وملئت بجميع ما يحتاج إليه، ثم أقطعه بعد أيام إقطاعا بثلاث مئة ألف درهم، وولاّه إمارة بلد (¬3) وأعمالها. وهو ما كان يتولاه لأخيه أبي تغلب. 369 - قال (¬4): وقيل: كان موسى الهادي قد طالب أخاه الرّشيد أن يخلع نفسه من العهد ليصيّره لابنه بعده (¬5). ويخرج هارون [من الأمر] (¬6) فلم يجب إلى ذلك. فأحضر يحيى بن خالد البرمكي ولطف به وداراه، ووعده ومنّاه، وسأله أن يشير على هارون بالخلع، فلم يجب يحيى إلى ذلك، ودافعه عنه، فتهدّده وتوعّده، وجرت بينهما في ذلك خطوب عظيمة، وأشرف يحيى معه على الهلاك، وهو مقيم على مدافعته عن صاحبه إلى أن اعتلّ الهادي علّته التي مات فيها، واشتدّت به، فدعا يحيى وقال له: ليس ينفعني معك شيء (¬7)، وقد أفسدت أخي عليّ، وقوّيت نفسه حتى امتنع ممّا أريده، وو الله، لأقتلنّك، ثم دعا بالسّيف والنّطع، وأبرك يحيى ليضرب عنقه، فقال إبراهيم بن ذكوان الحرّاني (¬8): يا أمير المؤمنين، إن ليحيى عندي ¬

(¬1) في الأصل: خمسة. (¬2) في الأصل: «باكفّها» والوكاف يكون للبعير والحمار والبغل، والجمع وكف. اللسان (وكف). (¬3) بلد: مدينة قديمة على دجلة فوق الموصل. معجم البلدان. 369 - الفرج بعد الشدة 4/ 94. (¬4) القاضي التنوخي. (¬5) ابنه جعفر بن موسى الهادي، انظر الخبر في تاريخ الطبري 8/ 207. (¬6) ما بين معقوفين مستدرك من الفرج بعد الشدة. (¬7) في الأصل شيئا. (¬8) إبراهيم بن ذكوان من موالي المنصور، صحب الهادي وكان له ناصحا، ولما ولي الخلافة استوزره، قبض الرشيد أمواله وحبسه في دار يحيى البرمكي، ثم أذن له في-

يدا (¬1) أريد أن أكافئة عليها، وأحبّ أن تهبه لي الليلة، وأنت في غد أعلى عينا (¬2) وما تراه في أمره. فقال: وما فائدة حياة ليلة؟ فقال: إمّا أن يقود صاحبه إلى إرادتك، أو يعهد في أمر نفسه وولده. فأجابه إلى ذلك. قال يحيى: فأقمت من النّطع، وقد أيقنت بالموت، وأنه لم يبق لي من أجلي إلا بقيّة اللّيلة، فما اكتحلت غمضا إلى السّحر (¬3)، ثم سمعت صوت الأقفال. فلم أشكّ أنّ الهادي قد استدعاني للقتل لمّا [انصرف كاتبه. و] (¬4) انقضت اللّيلة، فإذا خادم قد دخل، فقال: أجب السّيدة. فقلت: مالي والسّيدة؟ فقال: قم. فقمت، وأتت الخيزران (¬5) فقالت: إنّ موسى قد مات، ونحن نساء، فادخل وأصلح شأنه. وأنفذ إلى هارون فجىء به. فدخلت فرأيته قد مات (¬6) فوق فراشه، فشددت لحيته، وحمدت الله على لطيف صنعه، وتفريجه ما كنت فيه، وبادرت إلى هارون فوجدته نائما، فأيقظته، فلما رآني عجب وقال: ما الخبر؟ فقلت: قم يا أمير المؤمنين، إلى دار الخلافة. فقال: مات موسى؟ قلت: نعم. فقال: الحمد لله، هاتوا ¬

8 - الانحدار إلى البصرة. الفخري (168) الطبري: انظر الفهرس. (¬1) في الأصل يدي. (¬2) في الفرج بعد الشدة: وأنت في غد تفعل به ما تحبّ. (¬3) جاء في هامش المخطوط: لا تخش من ظالم عنادا ... واصبر لكي تبلغ المرادا وانتظر اللّطف من إله ... بفضله يرحم العبادا ولا تخافنّ من وعيد ... كم جمرة أصبحت رمادا (¬4) ما بين معقوفين مستدرك من الفرج بعد الشدة. (¬5) الخيزران زوجة المهدي وأم ولديه الهادي والرشيد، ملكة حازمه فقيهة، كانت وراء ثبات ولاية العهد للرشيد، حجت وأنفقت أموالا في الصدقات وأبواب البر. ماتت ببغداد. الأعلام. (¬6) جاء في هامش المخطوط: وفي نسخة يا من إذا حاط البلى ... وتكاثرت محن الدّواهي فرّجتها بدقيقة ... من بعض لطفك يا إلهي

ثيابي، فإلى أن لبسها جاءني سرّا من عرّفني أنّه ولد له ابن من مراجل. فقلت: أقرّ الله عينك يا أمير المؤمنين بابن من مراجل. ولم يكن عرف الخبر. فحمد الله كثيرا، وسمّاه عبد الله وهو المأمون، وركب وأنا معه إلى دار الخلافة. 370 - قال (¬1): وحدّث أبو الحسن بن أبي طاهر محمّد بن الحسن الكاتب قال: قبض أبو جعفر محمد بن القاسم بن عبيد الله (¬2) في وزارته على أبي وعليّ معه فحبسنا في حجرة من داره ضيّقة وأجلسنا على التراب وشدّد علينا، وكان يخرجنا كلّ يوم فيطالب أبي بمال المصادرة، وأضرب بحضرته ولا يضرب هو، ولا قينا من ذلك شدائد صعبة، فلما كان بعد أيام قال أبي: إنّ هؤلاء الموكّلين بنا قد صارت لهم بنا حرمة فتوصّل (¬3) إلى مكاتبة أبي بكر الصّيرفي-وكان صديقه-لينفذ لنا ثلاثة آلاف درهم نفرّقها عليهم. ففعلت ذلك، وأنفذ الدراهم من يومه. فقلت للموكّلين في عشاء ذلك اليوم: قد وجبت لكم علينا حقوق فخذوا هذه الدّراهم فانتفعوا بها. فامتنعوا، فقلت: ما سبب امتناعكم؟ فورّوا (¬4) عن ذلك. فقلت: إمّا قبلتم (¬5) الدراهم، وإمّا عرّفونا السّبب. فقالوا: نشفق عليكم من ذكره، ونستحي. فقلت لأبي، فقال: قل لهم اذكروه على كلّ حال. فقلت لهم، فقالوا: قد عزم الوزير على أن يقتلكما ¬

370 - الفرج بعد الشدة 1/ 277. حل العقال 69. (¬1) ما زال القول مسندا للقاضي التنوخي. (¬2) محمد بن القاسم الحارثي، كان عاملا على جند قنسرين والعواصم، استوزره القاهر بالله، ثم قبض عليه بعد ثلاثة شهور، مات بعد اعتقاله بثلاثة أيام. وفي الأصل: ابن عبد الله، والتصحيح من الفرج بعد الشدة. (¬3) في الأصل: قد صارت لنا بهم حرمة فنتوصل. وما أثبتناه من الفرج بعد الشدة. (¬4) في الأصل فزووا. وما أثبتناه من الفرج بعد الشدة. (¬5) في الأصل قبلتوا. وما أثبتناه من الفرج بعد الشدة.

اللّيلة، ولا نستحسن أن نأخذ شيئا منكما مع هذا. فقلقت، ودخلت إلى أبي في غير تلك الصّورة، فقال: مالك؟ فأخبرته الخبر. فقال: اردد الدّارهم على أبي بكر. فدفعتها إلى من جاء بها فردّها عليه. وكان أبي يصوم تلك الأيّام كلّها، فلما غابت الشّمس تطهّر ولم يفطر، وصلّى المغرب، وصلّيت معه، ثم أقبل على الصّلاة والدّعاء إلى أن صلّى عشاء الآخرة، ثمّ دعاني، فقال لي: اجلس يا بني جاثيا على ركبتيك. ففعلت، وجلس هو كذلك، ثم رفع رأسه إلى السّماء فقال: يا ربّ، محمد بن القاسم ظلمني، وحبسني على ما ترى، وأنا بين يديك، وقد استعديت إليك، وأنت أحكم الحاكمين، فاحكم بيننا، فاحكم بيننا. لا يزيد عليها، ثم صاح بها إلى أن ارتفع صوته ولم يزل يكرّرها بصياح وبكاء، واستغاثة إلى أن ظننت أنّه قد مضى ربع الليل، فو الله ما قطعها حتّى سمعت صوت الباب يدقّ فذهب عليّ أمري، ولم أشكّ في أنّه القتل، وفتحت الأبواب (¬1)، ودخل قوم بشموع، فتأمّلت فإذا فيهم سابور (¬2) غلام القاهر بالله، فقال: أين أبو الطاهر؟ فقام أبي، وقال: ها أنا ذا. فقال: أين ابنك؟ فقال: هو ذا. فقال: انصرفا إلى منزلكما. فخرجنا وإذا هو قد قبض على الوزير محمد بن قاسم، وحدره إلى دار القاهر فانصرفنا. وعاش محمد بن القاسم في الاعتقال ثلاثة أيام، ثم مات. 371 - وقال الأصمعيّ: أتي عبد الملك بن مروان برجل قد قامت عليه ¬

(¬1) جاء في الهامش: نم قرير العين ممّن ... بات في ضرّك ساهرٌ وكل الباغي لباري ... وكفى بالله ناصر (¬2) سابور الخصي خادم القاهر بالله، كان أثيرا عنده، وكان يكلفه بالقبض على من يريد اعتقاله أو قتله. 371 - عيون الأخبار 1/ 99، الأجوبة المسكتة 111، العقد الفريد 2/ 167، الفرج بعد الشدة-

البيّنة بسرقة، فأمر بقطع يده، فقال الرّجل: يدي يا أمير المؤمنين أعيذها … بعفوك من عار عليها يشينها ولا خير في الدّنيا ولا في نعيمها … إذا ما شمال فارقتها يمينها (¬1) قال: هذا حدّ من حدود الله، ولا بدّ من إقامته. فقامت أمّه، وكانت عجوزا كبيرة فقالت: يا أمير المؤمنين، ولدي، وكادّي وكاسبي وواحدي. فقال: بئس الولد ولدك والكادّ والكاسب والواحد، يا غلام، اقطع يده. فقالت: يا أمير المؤمنين، أما لك ذنوب تستغفر الله عليها؟ قال: نعم. قالت: فهبه لي واجعله من الذّنوب التي تستغفر الله عليها. قال: خلّوه. فأطلق. 372 - وذكر أبو عبد الله الباقطائي (¬2) قال: سمعت عبيد الله بن سليمان (¬3) يحدّث في وزارته قال: [قال لي أبي] (¬4): أصبحت يوما وأنا في حبس محمد بن عبد الملك الزّيّات في خلافة الواثق آيس ما كنت من الفرج، وأشدّ محنة وغمّا، حتّى وردت عليّ ورقة أخي الحسن بن وهب (¬5) وفيها شعر بعد رسالة: ¬

371 - بعد الشدة 1/ 375 المستطرف 202. (¬1) في عيون الأخبار، والعقد الفريد: فلا خير في الدنيا وكانت حبيبة. 372 - الفرج بعد الشدة 1/ 186 وأبيات الحسن بن وهب في الأغاني 23/ 96، وفوات الوفيات 1/ 367، والخبر بنحوه في المستطرف (314)، والأرج من أدعية الفرج (181). (¬2) باقطائي نسبة إلى باقطايا، من قرى بغداد، معجم البلدان (باقطايا). (¬3) عبيد الله بن سليمان بن وهب الحارثي، أبو القاسم، وزير من أكابر الكتاب استوزره المعتمد العباسي، وأقرّه المعتضد بعده، استمرت وزارته عشر سنين إلى وفاته سنة (288). الأعلام. (¬4) ما بين معقوفين مستدرك من الفرج بعد الشدة، وأبو عبيد الله هو سليمان بن وهب بن سعيد الحارثي من كبار الكتاب، ولي الوزارة للواثق ثم للمهتدي ثم للمعتمد، ونقم عليه فحبسه، فمات في حبسه سنة (272) للهجرة. وهو أخو الحسن الشاعر. انظر مصادر ترجمة سليمان بن وهب: الأغاني 23/ 143، وسمط اللآلي 506، ووفيات الأعيان 2/ 415، والفخري 218. (¬5) الحسن بن وهب بن سعيد الكاتب أبو علي، كاتب من الشعراء، استكتبه الخلفاء وهو أخو سليمان، له أخبار مع أبي تمام، رثاه البحتري لما مات. الأغاني 23/ 95، -

خطب أبا أيّوب جلّ محلّه … فإذا جزعت من الخطوب فمن لها (¬1) إنّ الذي عقد الذي انعقدت به … عقد المكاره فيك يحسن حلّها فاصبر فإنّ الله يعقب راحة … ولعلّها أن تنجلي ولعلّها (¬2) وعسى تكون قريبة من حيث لا … ترجو ويمحو عزّ جدّك ذلّها (¬3) فكتبت إليه: صبّرتني ووعظتني وأنا لها … وستنجلي بل لا أقول لعلّها ويحلّها من كان صاحب حلّها … ثقة به إذ كان يحسن حلّها قال: فلم يكن العتمة من ذلك اليوم إلا وأنا في داري مطلقا. 373 - وذكر منارة صاحب الخلفاء قال: رفع إلى هارون الرّشيد أنّ رجلا بدمشق من بقايا بني أميّة، عظيم الجاه، واسع الدّنيا، كثير المال والأملاك، مطاعا في البلد، له جماعة مماليك وأولاد وموال يركبون الخيل، ويحملون السّلاح، ويغزون الرّوم، وأنّه سمح جواد كثير الضّيافة، وأنّه لا يؤمن منه فتق يتعذّر رتقه، فعظم ذلك على الرشيد. قال منارة: وكان وقوف الرشيد على هذا وهو بالكوفة في بعض خرجاته إلى الحجّ سنة ستّ وثمانين ومئة، وقد عاد من الموسم وبايع للأمين والمأمون ¬

5 - وفوات الوفيات 1/ 367، الأعلام. (¬1) في الفرج بعد الشدة: محن أبا أيوب أنت محلها، وفي فوات الوفيات: اصبر أبا أيوب صبرا يرتضى. (¬2) الشطر الأول في الأغاني: فاصبر لعل الصبر يفتق ما ترى، وفي فوات الوفيات: الله يفرّج بعد ضيق كربها. (¬3) في الفرج بعد الشدة: وتمحو عن جديدك ذلها. 373 - الفرج بعد الشدة 2/ 34، المستطرف (92) حل العقال (75).

والمؤتمن (¬1) أولاده، فدعاني وهو على حال (¬2)، فقال: إنّي دعوتك لأمر يهمني قد منعني النوم، فانظر كيف تعمل وتكون؟ ثمّ قصّ عليّ قصّة الأموي، وقال: اخرج الآن فقد أعددت لك الراحلة وأزحت علّتك في الزّاد والرّاحلة والنّفقة والآلات، وضمّ إليك مئة غلام فاسلك البريّة، وهذا كتابي إلى أمير دمشق، [وهذه قيود] (¬3) فادخل، فابدأ بالرجل، فإن سمع وأطاع، فقيّده بها وائتني به، وإلا فتوكّل به أنت ومن معك لئلا يهرب، وأنفذ الكتاب إلى أمير دمشق ليركب في جيشه، واقبضوا عليه، وتجيئني به، وقد أجّلتك لذهابك ستا ولعودك ستا، ويوما لمقامك، وهذا محمل تجعله في شقّة وأنت في الأخرى، ولا تكل حفظه إلى غيرك حتى تأتيني به في اليوم الثالث عشر، وإذا دخلت داره فتفقّدها وجميع ما فيها، وولده وأهله وحاشيته وغلمانه، وما يقولون، وقدّر النّعمة والحال والمحل، واحفظ ما يقوله الرّجل حرفا حرفا، وإيّاك أن يشكل عليك شيء من أمره. قال منارة: فودّعته وانصرفت وخرجت، فركبت الإبل، وسرت أطوي المنازل، وأسير الليل والنهار، ولا أنزل إلاّ للجمع بين الصّلاتين والبول وتنفيس (¬4) الناس قليلا، إلى أن وصلت دمشق في أوّل اللّيلة السّابعة، وأبواب البلد مغلقة، فكرهت طرقها، فنمت بظاهر البلد إلى أن فتح بابه من غد، فدخلت على هيئتي حتّى أتيت باب الرّجل، وعليه صفف (¬5) كثير عظيم، ¬

(¬1) المؤتمن وهو القاسم بن هارون الرشيد، كان أبوه بايع له بالخلافة بعد المأمون، أغزاه الرشيد أرض الروم، واستخلفه على الرقة، ولمّا ولي الأمين عزله عن الجزيرة وأبقاه على قنسرين والعواصم، ولما ولي المأمون خلعه من ولاية العهد، وترك الدعاء له على المنابر. وكان هذا العزل لطيش فيه وخفه وسوء تصرف، مات بحياة المأمون. تاريخ بغداد 12/ 403، الأعلام. (¬2) في الفرج بعد الشدة: فدعاني وهو خال. (¬3) ما بين معقوفين مستدرك من الفرج بعد الشدة. (¬4) في الأصل تنعيس، وما أثبتناه من الفرج بعد الشدة. (¬5) الصّفف: مفردها صفّة، وهي من البنيان شبه البهو الواسع الطويل السميك. اللسان-

وحاشية كثيرة، فلم أستأذن، ودخلت بغير إذن، فلما رأى القوم ذلك، سألوا بعض من كان معي عنّي، فقال: هذا منارة رسول أمير المؤمنين الرّشيد إلى صاحبكم. فأمسكوا فلما صرت في صحن الدّار نزلت ورأيت مجلسا فيه جماعة جلوسا، فظننت الرّجل فيهم، فقاموا إليّ ورحّبوا بي وأكرموني، فقلت: أفيكم فلان؟ قالوا: لا، نحن أولاده، وهو في الحمام، قلت: استعجلوه. فمضى بعضهم يستعجله، وأنا أتفقّد الدّار والأحوال والحاشية فوجدتها قد ماجت بأهلها موجا شديدا، فلم أزل كذلك حتى خرج الرّجل بعد أن أطال، واستربت به، واشتدّ قلقي وخوفي من أن يتوارى، إلى أن أقبل شيخا بزيّ (¬1) الحمّام، يمشي وحوله جماعة كهول وأحداث وصبيان هم أولاده وغلمان كثير فعلمت أنّه الرّجل، فجاء حتى جلس، وسلّم عليّ سلاما خفيفا، وسألني عن أمير المؤمنين، واستقامة أمر حضرته. فأخبرته بما وجب، وما قضى كلامه حتى جاؤوه بأطباق فاكهة، فقال لي: تقدّم يا منارة، فكل معنا. فقلت: ما بي إلى ذلك حاجة. فلم يعاودني، وأقبل يأكل هو والحاضرون عنده، ثم غسل يده، ودعا بالطعام، فجاؤوا بمائدة (¬2) حسنة عظيمة لم أر مثلها إلاّ للخليفة، فقال: تقدّم يا منارة، فساعدنا على الأكل. لا يزيدني على أن يدعوني باسمي، كما يدعوني الخليفة، فامتنعت، فلم يعاودني، وأكل هو وأولاده، وكانوا تسعة عددهم، وجماعة كثيرة من أصحابه وحاشيته، وجماعة من أولاد أولاده، وتأمّلت أكله من نفسه، فوجدته أكل الملوك، وذلك الاضطراب الذي في داره قد سكن، ورأيت جأشه رابطا (¬3) ووجدته لا يرفع من بين يديه شيء إلاّ ¬

5 - (صفف). (¬1) في الأصل: من بزيّ. (¬2) في الأصل: فجاؤوا به بمائدة. (¬3) في الأصل: رابضا.

نهب (¬1). وقد كانوا غلمانه (¬2) أخذوا لما نزلت الدّار الجمال وجميع الغلمان الذي معي، فعدلوا بهم إلى دار له فما طاقوا ممانعتهم، وبقيت وحدي ليس بين يدي إلاّ ستة غلمان وقوف على رأسي، فقلت في نفسي: هذا جبّار عنيد، وإن امتنع عليّ من الشّخوص لم أطق إشخاصه بنفسي ولا بمن معي، ولا حفظه، إلاّ أن يلحقني أمير البلد، وجزعت، ورابني منه تهاونه بي، واستخفافه، يدعوني باسمي، ولا يفكّر في امتناعي من الأكل، ولا يسألني فيما جئت له، ويأكل مطمئنا، وأنا أفكّر في ذلك حتّى فرغ من طعامه، وغسل يده، واستدعى بالبخور، فتبخّر، وقام إلى الصّلاة، فصلّى الظّهر وأكثر من الدّعاء والابتهال، ورأيت صلاة حسنة، فلما انفتل من المحراب أقبل عليّ، وقال: ما أقدمك يا منارة؟ فقلت: أمر لك من أمير المؤمنين. ودفعت إليه الكتاب ففضّه، وقرأه، فلما استتمّ قراءته، دعا أولاده وحاشيته فاجتمع منهم خلق عظيم، فلم أشكّ أنّه يريد أن يوقع بي، فلما تكاملوا ابتدأ فحلف أيمانا عظيمة فيها الطّلاق والعتاق والحجّ والصّدقة والوقف والحبس إن اجتمع منهم اثنان في موضع، وأن ينصرفوا فيدخلوا منازلهم، فلا يظهر منهم أحد إلى أن يظهر له أمر يعمل عليه. وقال: هذا كتاب أمير المؤمنين يأمرني بالمسير إلى بابه، ولست أقيم بعد نظري فيه لحظة واحدة، فاستوصوا بمن ورائي من الحرم خيرا، وما بي حاجة أن يصحبني غلام، هات أقيادك يا منارة. فدعوت بها وكانت في سفط، وأحضرت حدادا، ومدّ ساقيه فقيّدته، ¬

(¬1) في نسخة من الفرج بعد الشدة: إلا وهب، وفي نسخ: نهب. (¬2) على لغة أكلوني البراغيث. انظر مجلة مجمع اللغة العربية: المجلد 68 الجزء الثالث صفحة 399.

وأمرت غلماني بحمله حتى حصل في المحمل، وركبت في الشّق الآخر. وسرت من وقتي لم ألق أمير البلد ولا غيره، وسرت بالرّجل ليس معه أحد إلى أن صرنا بظاهر دمشق، فابتدأ يحدّثني بانبساط إلى أن أتينا إلى بستان حسن في الغوطة، فقال: ترى هذا؟ قلت: نعم. فقال: إنّه لي، وفيه غرائب من الأشجار. ثم انتهينا إلى آخر، فقال لي مثل ما قال في الأوّل ثم انتهينا إلى مزارع حسان وقرى سريّة، فأقبل يقول: هذا لي. ويصف لي كلّ شيء من ذلك، فاشتدّ غيظي منه، وقلت: أعلمت أنّي شديد التّعجّب منك؟ قال: ولم تعجب؟ قلت: أولم تعلم أنّ أمير المؤمنين قد أهمّه أمرك، حتى أرسل إليك من انتزعك من بين أهلك وولدك ومالك، وأخرجك عن جميع حالك وحيدا فريدا مقيّدا لا تدري إلى ما تصير إليه، ولا كيف تكون، وأنت فارغ البال، تصف بساتينك وضياعك، هذا بعد أن رأيتك وقد جئت وأنت لا تعلم فيم جئت. وأنت ساكن القلب، ولقد كنت عندي شيخا فاضلا. فقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، أخطأت فراستي فيك، ظننت أنّك رجل كامل العقل، وأنّك ما حللت من الخلفاء بذا المحلّ إلاّ بعد أن عرفوك بذلك، فإذا عقلك وكلامك يشبه عقل العوام وكلامهم، الله المستعان، أمّا قولك في أمير المؤمنين وإزعاجه لي وإخراجه إيّاي على صورتي هذه، فإنّي على ثقة بالله عزّ وجلّ الذي بيده ناصية أمير المؤمنين، ولا يملك لنفسه معه ضرّا ولا نفعا إلاّ بإذن الله ومشيئته، ولا ذنب لي عند أمير المؤمنين أخافه، وبعد ذا إذا عرف أمري وعلم سلامتي وصلاح ناحيتي، وأنّ الحسدة والأعداء رموني (¬1) بما لست من طريقه، وتقوّلوا عليّ الأباطيل الكاذبة، لم يستحلّ دمي، وتحرّج من إيذائي وإزعاجي يردّني مكرّما، أو أقامني ببابه معظّما، وإن كان سبق في علم الله تعالى أنّه تبدر إليّ منه بادرة سوء، وقد حضر أجلي، وحان سفك ¬

(¬1) في الأصل: ارموني.

دمي على يده، فلو اجتمع أهل الأرض والسّماء على صرف ذلك عنّي لما استطاعوه، فلم أتعجّل الهمّ والغمّ وأتسلّف الفكر فيما قد فرغ الله منه؟ وإنّي حسن الظنّ بالله الذي خلق ورزق، وأمات وأحيا، وفطر وجبل، وأحسن وأجمل، وأين الصّبر والرّضا، والتّفويض والتّسليم إلى من يملك الدّنيا والآخرة؟ وقد كنت أحسب أنّك تعرف هذا، فإذا قد عرفت مبلغ فهمك فإنّي لا أكلّمك كلمة حتى تفرّق بيننا حضرة أمير المؤمنين قريبا إن شاء الله. ثم أعرض عنّي فما سمعت له لفظة بغير القرآن والتّسبيح إلاّ أن يطلب ماء أو حاجة تجري مجراه، حتى شارفنا الكوفة في اليوم الثالث عشر بعد الظّهر وإذا النّجب قد استقبلتني على فراسخ من الكوفة يتحسّسون خبري، فلما رأوني رجعوا متقدّمين بالخبر إلى الرّشيد، فانتهيت إلى الباب في آخر النهار، وحططت. ودخلت على الرّشيد، فقبّلت الأرض بين يديه ووقفت، فقال: هات ما عندك، وإيّاك أن تغفل منه لفظة واحدة. فسقت الحديث من أوّله إلى آخره حتى انتهيت من فراغ الأموي من الفاكهة والطّعام والغسل والطّهور والبخور والصّلاة، وما حدّثت به نفسي من امتناعه. والغضب في وجه أمير المؤمنين يتزايد حتى انتهيت إلى فراغه من الصلاة، وانفتاله إليّ، ومسألته عن سبب قدومي، ودفعي الكتاب إليه، ومبادرته إلى إحضار ولده وأسبابه، وحلفه ألاّ يتبعه أحد منهم، وصرفه إيّاهم، ومدّ رجليه حتّى قيّدته. فما زال وجه الرّشيد يسفر حتى انتهيت إلى ما خاطبني به عند توبيخي إيّاه. فقال: صدق والله، صدق، ما هذا إلاّ رجل محسود على النّعمة، مكذوب عليه؛ لتزول نعمته. ولعمري، لقد آذيناه وأزعجناه وروّعناه ورعّبنا أهله. فبادر بنزع قيوده عنه، وائتني به. فخرجت، فنزعت قيوده، وأدخلته فما هو إلاّ أن رآه حتّى رأيت ماء

الحياء يجول في وجهه ووجه الرشيد. فدنا الأمويّ، وسلّم بالخلافة، فردّ عليه الرّشيد ردّا جميلا، وأمره بالجلوس، فجلس، وأقبل عليه الرّشيد يسائله عن حاله، ثم قال له: بلغنا عنك فضل هيئة، وأمور أحببنا معها أن نراك، ونسمع كلامك، ونحسن إليك، فاذكر حاجتك. فأجاب الأموي جوابا جميلا وشكر ودعا وقال: مالي إلاّ حاجة واحدة. فقال: مقضيّة، فما هي؟ فقال: يا أمير المؤمنين، تردّني إلى بلدي وأهلي وولدي. قال: نحن نفعل ذلك، ولكن سل ما تحتاج إليه من مصالح جاهك ومعاشك؛ فإنّ مثلك لا يخلو أن يحتاج إلى شيء من هذا. فقال: عمّال أمير المؤمنين منصفون، وقد استغنيت بعدله عن مسألته من ماله، وأموري مستقيمة، وأحوالي منتظمة، وكذلك أحوال أهل بلدي بالعدل الشّامل في ظلّ دولة أمير المؤمنين، وما أغتنم ماله. فقال الرشيد: انصرف محفوظا إلى بلدك، واكتب إلينا بأمر إن عنّ لك. فودّعه الأمويّ. فلما ولّى خارجا، قال الرّشيد: يا منارة، احمله من وقتك وسر به راجعا حتى إذا أوصلته إلى المجلس الذي أخذته منه، فدعه فيه وانصرف. ففعلت ما أمر به. 374 - قال: وقيل: كان الأفشين (¬1) نقم على أبي دلف العجلي (¬2)، وهو مضموم إليه في حرب بابك (¬3) أشياء، فلما ظفر ببابك، وقدم من سرّ من رأى ¬

374 - الفرج بعد الشدة 2/ 70. والخبر بنحوه في الأغاني 8/ 250، ووفيات الأعيان 1/ 82. (¬1) الأفشين-بكسر الهمزة وفتحها-أبو الحسن واسمه خيذر-بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء المثناة من تحتها، وفتح الذال المعجمة-بن كاوس، من أعظم قواد الدولة العباسية، قضى على حركة بابك الخرمي التي استمرت عشرين سنة، أخذه المعتصم وسجنه، ومنع من الطعام حتى مات أو خنق، اتهم بالزندقة، وأعدت له محكمة لتبرير قتله، مات سنة (226) وفيات الأعيان 5/ 123، والعبر 1/ 395، وتاريخ الطبري 9/ 104 وما بعدها. (¬2) دلف: بضم الدال المهملة، وفتح اللام، وبعدها فاء، وهو اسم علم لا ينصرف لاجتماع العلمية والعدل، فإنه معدول عن دالف. وفيات الأعيان 4/ 78. (¬3) بابك الخرّمي: أظهر مذهب الباطنية في أذربيجان، وحارب الدولة العباسية عشرين-

شكاه إلى المعتصم بالله ليأمر بحبسه، فأمر بحبسه والتضييق عليه، ثم سأله أن يطلق يده عليه، فلم يفعل، وكان أحمد بن أبي دواد (¬1) متعصّبا لأبي دلف، يقول للمعتصم: إنّ الإفشين ظالم له، وإنّه إنّما نقم عليه نصيحته (¬2) في محاربة بابك، ودفعه ما كان الإفشين يذهب إليه من مطاولة الأيّام، وإنفاق الأموال، وانبساط اليد في الأعمال، وتركه متابعته على ذلك، فألحّ الإفشين على المعتصم في إطلاق يده عليه، وكان للإفشين قدر جليل عند المعتصم يدخل إليه بغير إذن. قال أحمد بن أبي دواد: ودخلت على المعتصم يوما فقال لي: يا أبا عبد الله، لم يدعني اليوم أبو (¬3) الحسن الإفشين حتى أطلقت يده على القاسم بن عيسى، فقمت من بين يديه وما أبصر شيئا جزعا على أبي دلف، ودخلني أمر عظيم، وخرجت، فركبت دابتي، وخرجت أسير أشدّ سير (¬4) من الجوسق (¬5) إلى دار الإفشين أؤمّل أن أدرك أبا دلف قبل أن يحدث عليه الإفشين حادثة. ¬

3 - سنة، احتوى خلالها على المدن والحصون، وهزم جيوش المأمون والمعتصم، قتله المعتصم بعد أن أسره الأفشين، وإنما قيل له الخرمي؛ لأنه دعا الناس إلى مقالة الخرمية وهو لفظ أعجمي ينبئ عن الشيء المستطاب المستلذ، لأنهم يعتقدون إباحة الأشياء، وهذا راجع إلى عدم التكليف. الوافي بالوفيات 10/ 62. (¬1) أحمد بن أبي دواد الإيادي أحد القضاة المشهورين من المعتزلة، ورأس فتنة القول بخلق القرآن، كان عارفا بالأخبار والأنساب، فاضلا، شديد الدهاء، محبا للخير اتصل بالمأمون ثم المعتصم الذي جعله قاضي قضاته. قال الذهبي: حمل الخلفاء على امتحان الناس بخلق القرآن، ولولا ذلك لاجتمعت الألسنة عليه. الأعلام. (¬2) في الأصل: تصحيحه. وقد كتب في الهامش: لعلها نصيحته. وهو ما جاء في الفرج بعد الشدة. (¬3) في الأصل: أبي. (¬4) في الأصل: سيرا. (¬5) الجوسق: القصر. القاموس (الجوسق).

فلما وقفت ببابه كرهت أن أستأذن، فيعلم أنّي حضرت بسبب أبي دلف فيعجّل عليه، فدخلت على دابتي إلى الموضع الذي كنت أنزل فيه، وأوهمت حاجبه أنّي جئت برسالة المعتصم. ثمّ نزلت ورفع السّتر، فدخلت فوجدت الإفشين في مجلسه، وأبو دلف بين يديه مصفّدا بالحديد، في نطع. وهو يقرّعه، ويخاطبه بأشدّ غضب وأغلظ مخاطبة. فحين قربت منه أمسك، فسلّمت وأخذت مجلسي، ثم قلت: قد عرفت حرمتي من أمير المؤمنين، ومكاني منه، وخدمتي إيّاه وموضعي عنده، وتفرّده بالصّنيعة عندي والإحسان، وعلمت أيضا ميلي إليك ومحبّتي لك، وقد رغبت [إليك] فيما يرغب [فيه] (¬1) مثلي إلى مثلك ممّن قد رفع الله قدره، وأجلّ خطره، وأعلى همّته. فقال: كلّ ما قلت كما قلت، وكلّ ما أردت منيّ فهو مبذول لك خلا هذا الجالس، وإنّي لا أشفّعك فيه أبدا. فقلت: ما جئتك إلاّ في أمره، ولا ألتمس منك غيره، ولولا شدّة غضبك وما تتوعّده (¬2) به من القتل لكان في جميل عفوك ما أغنى عن كلامك، ولكنّي لما عرفت غيظك وما تنقمه عليه احتجت-مع موقعه مني-إلى كلامك في أمره، واستيهاب عظيم جرمه؛ إذ مثلك في جلالتك إنّما يسأل جلائل الأمور. فقال: يا أبا عبد الله، هذا رجل طلب دمي فلم يقنعه إزالة نعمتي، فلا سبيل إلى تشفيعك فيه، ولكن هذا بيت مالي، وهذه ضياعي وكلّ ما أملك بين يديك، فخذ من ذلك كلّه ما أردت. فقلت: بارك الله لك في أموالك وضياعك وثمرها، لم آتك في هذا، وإنّما أتيتك في مكرمة يبقى فضلها وحسن أحدوثتها، وتعتقد بها منّة (¬3) في عنقي لا أزال مرتهنا بشكرها. فقال: ما عندي في هذا شيء البتّة. فقلت: القاسم بن عيسى فارس العرب وشريفها، فاستبقه وأنعم عليه، فإن لم تره ¬

(¬1) ما بين معقوفين مستدرك من الفرج بعد الشدة. (¬2) في الأصل: تتواعده. (¬3) في الأصل: منيّة. والتصحيح من الفرج بعد الشدة.

لهذا أهلا فهبه للعرب كلّها، فأنت تعلم أنّ ملوك العجم لم تزل تفضل على ملوك العرب، ومن ذلك ما كان من كسرى إلى النّعمان حتى ملّكه، وأنت اليوم نقيّة (¬1) العجم وشريفها، والقاسم شريف العرب فكن اليوم شريفا من العجم أنعم على شريف من العرب وعفا عنه. فقال: ما عندي في هذا جواب إلاّ ما سمعته مني. وتنكّر وتبيّنت الشرّ في وجهه، فقلت في نفسي: أنصرف، وأدع هذا يقتل، لا والله، ولكنّي أمثل بين يديه قائما [وأكلّمه] (¬2) فلعلّه يستحي. فقمت، وتوهّمني أريد الانصراف فتحفّز لي. فقلت: لست أريد الانصراف، وإنّما مثلت بين يديك قائما طالبا ضارعا سائلا مستوهبا هذا الرّجل منك. وكان جوابه أغلظّ فتحيّرت، وقلت في نفسي، أقبّل رأس هذا الأقلف (¬3) لا يكون هذا أبدا. ثم راجعتني الشّفقة على أبي دلف، فقبّلت رأسه وضرعت إليه، فلم يجبني، فأخذت فيما قدم وحدث (¬4)، وعدت فجلست، وقلت: يا أبا الحسن، قد طلبت إليك وضرعت ووضعت خدّي لك ومثلت بين يديك وقبّلت رأسك، فشفّعني، واصرفني شاكرا فهو أجمل بك. فقال: لا والله، ما عندي إلاّ ما قلت لك. فقلت: فإنّي رسول أمير المؤمنين إليك، وهو يقول لك: لا تحدثنّ في القاسم بن عيسى حدثا، فإنّك إن قتلته، قتلت به. فقال: أمير المؤمنين يقول هذا بعد أن أطلق يدي عليه؟ قلت: نعم، أنا رسول أمير المؤمنين إليك بما قلته لك، فإن تكن في الطّاعة فاسمع وأطع، وإن كنت قد خلعت، فقل: لا طاعة، ونفضت في وجهه يدي، وقمت. فاضطرب حتى إنّه لا يقدر أن يدعو إليّ دابتي (¬5)، وركبت وأغذذت السّير إلى ¬

(¬1) في الفرج بعد الشدة: بقيّة. (¬2) ما بين معقوفين من الفرج بعد الشدة. (¬3) الأقلف: من لم يختن. القاموس (قلف) وكانت هذه من أدلّة خصومه على زندقته!! ومن ثمّ الإطاحة برأسه. وانظر الخبر في تاريخ الطبري 9/ 110 و 113. (¬4) في الفرج بعد الشدة: فأخذني فيما قدّم وما حدث. (¬5) في الفرج بعد الشدة: لي بدابتي.

المعتصم لأخبره بالخبر، وبما اضطررت إليه من تأدية رسالة باطلة عنه، لأنّي علمت أنّه لم يقل لي ما قاله إلاّ وهو يحبّ استبقاء أبي دلف. فانتهيت إلى الجوسق في وقت حار، والحجّاب جميعا نيام، والدار خالية، فدخلت حتى انتهيت إلى ستر الدّار التي فيها المعتصم، وجلست وقلت: إن جاء الإفشين دخلت معه وتكلّمت، وإن سهل الوصول أخبرت أمير المؤمنين بالخبر كلّه. فبينا أنا كذلك إذ خرج خادم صغير من وراء السّتر، ثم دخل وخرج، فقال: ادخل. فدخلت، وقلت: يا أمير المؤمنين، ما لي حرمة؟! مالي ذمام؟! أمالي حقّ؟! أما في فضل أمير المؤمنين ونعمته عليّ ما تجب رعايته؟! فقال: مالك يا أبا عبد الله، ما قصّتك؟ اجلس اجلس. فجلست. ثم قلت: يا أمير المؤمنين، قلت اليوم لي في القاسم بن عيسى قولا علمت معه أنّك أردت استبقاءه، وحقن دمه، فمضيت من فوري إلى أبي الحسن الإفشين، ثم قصصت عليه القصّة إلى أوّل الرسالة التي أدّيتها عنه، وهو في كلّ ذلك يتغيّظ، ويفتل سباله حتى [إذا] (¬1) أردت أن أعرّفه الرّسالة، قطع عليّ، وقال: يمضي قاضيّ، وصنيعتي أحمد بن أبي دواد إلى خيذر فيخضع له، ويقف بين يديه، ويقبّل رأسه فلا يشفّعه، قتلني الله إن لم أقتله. يكرّرها فما استوفى كلامه حتّى رفع السّتر، ودخل الإفشين فلقيه بأكبر اللّين واللّقاء، وقال: في هذا الوقت الحارّ يا أبا الحسن؟ فقال: يا أمير المؤمنين، رجل عرفت ما نالني منه، وأنّه طلب دمي، وقد أطلقت يدي عليه، يجيء هذا ويقول: إنّك بعثت إليّ تأمرني أن لا أحدث فيه حدثا، وإنّي إن قتلته قتلت به. قال فغضب المعتصم، وقال: نعم، أنا أرسلته إليك فلا تحدث على القاسم حدثا. فنهض الإفشين مغضبا يدمدم. واتّبعته لأتلافاه، فصاح بي ¬

(¬1) ما بين معقوفين مستدرك من الفرج بعد الشدة.

المعتصم: ارجع، يا أبا عبد الله. فرجعت وقلت: يا أمير المؤمنين، إنّه كان بقي شيء قطعتني بكلامك عن ذكره لك. قال: تعني الرّسالة؟ قلت: نعم. قال: قد فهمتها، والقاسم يوافيك العشيّة، فاحذر أن تتفوّه بكلمة ممّا جرى. ومضى الإفشين، فأطلق القاسم وخلع عليه، وجاءني القاسم من عشيّة، وما أخبرت بالحديث حتى قتل الإفشين، ومات المعتصم. 375 - ولأبي دلف يشكر أحمد بن أبي دواد على استنقاذه من القتل: ما زلت في غمرات الموت مطّرحا … قد غاب عني وجوه الأمن والحيل فلم تزل دائبا تسعى بجهدك لي … حتّى اختلست حياتي من يدي أجلي 376 - وقيل: إنّ عاملا كان للمنصور على فلسطين كتب إليه: أنّ بعض أهلها وثب عليه، واستغوى جماعة، وعاث في العمل. فكتب إليه المنصور: دمك مرتهن به إن لم توجّه به إليّ. فصمد له العامل، وأخذه ووجّه به إليه. فلمّا مثل بين يديه، قال له: أنت المتوثّب (¬1) على أمير المؤمنين؟! لأنثرنّ من لحمك أكثر ممّا يبقى على عظمك. قال: وكان شيخا ضئيل الصوت (¬2) فقال بين يديه: أتروض عرسك (¬3) بعد ما هرمت … ومن العناء رياضة الهرم (¬4) فلم يفهم المنصور ما قال، فقال: يا ربيع (¬5)، ما يقول؟ قال: إنّه يقول: ¬

376 - الكتاب والوزراء:134،135، والفرج بعد الشدة 1/ 376، وتاريخ الطبري 8/ 97، والهفوات النادرة:95، ومجمع الأمثال:2/ 301، والفخري 154. (¬1) في الأصل الموثوب: وما أثبتناه من مصادر الخبر. (¬2) في الأصل: السوط. والتصحيح من مصادر الخبر. (¬3) في الأصل: غرسك. (¬4) البيت في العقد الفريد 2/ 435، وسمط اللآلي 1/ 106 من غير عزو. (¬5) الربيع بن يونس بن محمد، تقدمت ترجمته صفحة 82.

العبد عبدكم والمال مالكم … فهل عذابك عنّي اليوم مصروف (¬1) فقال المنصور: يا ربيع، قد عفوت عنه؛ فخلّ سبيله، واحتفظ به، وأحسن إليه. **** ¬

(¬1) نسبه الجهشياري في الكتاب والوزراء لعبد بني الحسحاس وهو في ديوانه ص 62، والبيت في الأغاني 8/ 238 منسوب لعنترة وهو في ديوانه ص 270.

الفصل الخامس في نفاق الأصحاب والإخوان وتغيرهم مع تغير الزمان

الفصل الخامس في نفاق الأصحاب والإخوان وتغيّرهم مع تغيّر الزمان 377 - قال بعضهم: اعرف أخاك عند نائبة تنوبك، أو نعمة تتجدّد له؛ فهما الحالتان اللّتان يمتحن بهما الإخوان، فيكشف خيارهم عن النّصرة والتّواضع، وشرارهم عن الجفوة والتكبّر. 378 - أبو هفّان (¬1): ألا إنّ إخوان الصّفاء قليل … فهل لي إلى ذاك القليل سبيل (¬2) قس النّاس تعرف غثّهم وسمينهم … فكلّ عليه شاهد ودليل (¬3) 379 - وقال محمّد بن عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه: لا يكون الصّديق صديقا حتى يحفظ صديقه في نكبته، وفي غيبته، وبعد وفاته. 380 - وقال بزرجمهر: من تغيّر عليك في مودّته، فدعه حيث كان قبل معرفته. ¬

378 - البيتان في الصداقة والصديق 145، وهما منسوبان لليزيدي. (¬1) أبو هفان، عبد الله بن أحمد بن حرب المهزمي العبدي، راوية عالم بالشعر والغريب، وشعره جيد إلا أنه مقلّ، كان متهتكا فقيرا. سمط اللآلي 335، والأعلام. (¬2) في الأصل: فهل بي. وما أثبتناه من الصداقة والصديق. (¬3) في الصداقة والصديق: من سمينهم.

381 - [محمد بن] أحمد بن حمدان الخبّاز البلدي (¬1): ألا إنّ إخواني الذين عهدتهم … أفاعي رمال لا تقصّر في لسعي ظننت بهم خيرا فلمّا بلوتهم … نزلت بواد منهم غير ذي زرع 382 - وقيل: لا يكون الجواد جوادا حتّى يجود على إخوانه في شدّتهم، ويكفيهم في غيبتهم، وبعد وفاتهم. 383 - عبد الله بن محمد المصري: ما سمعنا باسم الصّديق فطالب‍ … نا بمعناه فاكتسبنا صديقا أتراه في الأرض يوجد لكن … نحن لا نهتدي إليه طريقا أم ترى قولهم «صديق» مجاز … لا ترى تحت لفظه تحقيقا 384 - وقيل لبعض العلماء: ما أشدّ ما بليت به؟ قال: تجربة الصّديق، والحاجة إلى لئيم. قال: قيل: فأيّ أخلاق الرّجال أوضع؟ قال: كثرة الكلام، وإضاعة الأسرار. 385 - هي توبة من أن أظنّ جميلا … أو أن أعدّ مصاحبا وخليلا كشفت لي الأيّام كلّ خبيئة … فرأيت إخوان الصّفاء قليلا والنّاس سلم ما رأوك مسلّما … ورأوا نوالك فيهم مبذولا وإذا افتقرت إليهم ألفيتهم … سيفا عليك مع الزّمان صقيلا ¬

381 - البيتان في يتيمة الدهر 2/ 189، والوافي بالوفيات 2/ 58، وهما في أحسن ما سمعت (41) من غير عزو. (¬1) وهو محمد بن أحمد بن حمدان المعروف بالخباز البلدي، نسبة إلى بلد وهي مدينة بالجزيرة التي منها الموصل، كان أميّا، وكان حافظا للقرآن يقتبس منه. يتيمة الدهر 2/ 189، والوافي بالوفيات 2/ 57. وما بين معقوفين مستدرك منهما. 383 - الأبيات في الصداقة والصديق (387) من غير عزو.

386 - وقيل: خير إخوانك من واساك، وخير منه من كفاك؛ وخير مالك ما أغناك، وخير منه ما وقاك. 387 - وقال أبو العتاهية: إنّ أخاك الصّدق من يسعى معك … ومن يضرّ نفسه لينفعك ومن إذا ريب الزّمان صدعك … شتّت شمل نفسه ليجمعك 388 - وقيل لخالد بن صفوان (¬1): أيّ إخوانك أحبّ إليك؟ قال: الذي يسدّ خلّتي، ويغفر زلّتي، ويقيل عثرتي. 389 - ولبعضهم: إذا ما خليل لم يدم لي وصاله … ويكتم أسراري ويحسن صحبتي فبعدا وسحقا من خليل موارب … فلست ببذّال لذاك مودّتي 390 - وقال العتابي: إذا كان لك أخ تحبّه، فلا تفسدنّ حبّه بإدخال الدنيا بينك وبينه، وإذا أردت أن تصفو لك مودّة الأصحاب والإخوان فاحذر أن تكون لهم عليك نعمة. 391 - الرّقاشي: وليس صدّ لذات الخال يمرضني … لكنّما الموت عندي صدّ إخواني (¬2) ¬

387 - الديوان صفحة 274، وهي في مروج الذهب 4/ 178 (2457)، وفي عيون الأخبار 3/ 4 من غير عزو، والمستطرف (85) وهي من أقوال المأمون، وصفحة (140) من غير عزو، وفي إحياء علوم الدين منسوبة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وفي شعب الإيمان 6/ 335 لأبي بكر بن داود. 388 - عيون الأخبار 3/ 17، والكامل 2/ 696، المستطرف 141. (¬1) خالد بن صفوان بن عبد الله بن عمرو بن الأهتم التميمي المنقري، من فصحاء العرب المشهورين كان يجالس عمر بن عبد العزيز، وهشام بن عبد الملك، له كلمات سائرة، أدرك خلافة السفاح وحظي عنده، كان يرمى بالبخل، وكف بصره. (الأعلام). 391 - الأبيات في الصداقة والصديق (211) قال: أنشدني ابن السكيت. (¬2) في الأصل: وليس صدود ذات، والمثبت ما ناسب الوزن. وفي الصداقة والصديق: وما صدود ذوات الدّلّ أرمضني ... لكنّما الهجر عندي هجر إخواني

إذا رأيت ازورارا من أخي ثقة … ضاقت عليّ برحب الأرض أوطاني فإن صددت بوجهي كي أكافئه … فالعين غضبى وقلبي غير غضبان 392 - وقال عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه: ثلاثة لا يعرفون إلاّ في ثلاثة مواطن: لا يعرف الشّجاع إلاّ في الحرب، ولا الحليم إلاّ عند الغضب، ولا الصّديق إلاّ عند الحاجة. 393 - لبعضهم: وآخ إذا آخيت ذا الدّين والتّقى … ففي من ترى ذئب وآخر ثعلب صديقك من أحببت في الله مخلصا … ولكنّ إخوان المصافاة غيّب 394 - وقال محمد بن يحيى: لما ولي يحيى بن علي الوزارة في الدّفعة الثّانية دخلت إليه والناس يهنّئونه، فحين رآني أنشد: ما النّاس إلاّ مع الدّنيا وصاحبها … فحيث ما انقلبت يوما به انقلبوا يعظّمون أخا الدّنيا فإن وثبت … يوما عليه بما لا يشتهوا (¬1) وثبوا 395 - وقال بزرجمهر: آخ ذا كرم، واسترسل إليه، وإيّاك ومفارقته، ولا عليك أن تصحب إلاّ العاقل، وإن لم يكن كريما، فتنفعه بكرمك، وتنتفع بعقله، واهرب كلّ الهرب من اللئيم الأحمق. 396 - وإذا صاحبت فاصحب صاحبا … ذا حياء وعفاف وكرم (¬2) ¬

394 - محاضرات الأدباء 2/ 8 وفيه: ولما نكب علي بن عيسى لم يطر بناحيته أحد، فلما ردّت إليه الوزارة، رأى الناس حوله، فأنشد. . . والخبر في المستطرف (143) لعلي بن عيسى أيضا. وقد ولي علي بن عيسى الوزارة غير مرّة للمقتدر وللقاهر. سير أعلام النبلاء 15/ 298. (¬1) في المستطرف: بما لا يشتهي. 396 - الحماسية البصرية 2/ 67 من غير عزو، والصداقة والصديق 122 والبيتان أنشدهما محمد بن النضر في حلية الأولياء 8/ 222. (¬2) في مصادر الخبر: فاصحب ماجدا.

قوله للشيء «لا» إن قلت «لا» … وإذا قلت «نعم» قال «نعم» 397 - آخر: إذا ما خليل باع ودّك مرّة … فبعه ولو طرحا بحبّة خردل أهنه، أهان الله مثواه والتمس … لنفسك حرّا ليس بالمتنقّل 398 - وقال جعفر بن محمد: إذا آخيت أخا فهب له نفسك ومالك، ولا تخدعنّ أحدا بصحبتك؛ فإنّ الخيانة في كلّ شيء قبيحة، وأقبح الخيانات خيانة الأخ في ماله ومودّته وأهله. 399 - عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه: أغمّض عيني عن صديقي تعاميا … كأنّي بما يأتي من القبح جاهل وما بي جهل غير أنّ خليقتي … تطيق احتمال الكره فيما أحاول وإن أقطع الإخوان في كلّ عثرة … بقيت وحيدا لم أجد من أواصل متى ما يربني مفصل لي قطعته … بقيت ومالي في النّهوض مفاصل ولكن أداريه فإن صحّ سرّني … وإن هو أعيى كان منّي التّحامل 400 - وقيل: من كان له صديق ولم ينتفع به، فليصوّر مثله على الحائط، ويبصق عليه. 401 - وقيل: الصّديق من صفا في مودّته، وأصفى خلّه خالص خلّته. 402 - أخوك الذي إن سرّك الأمرّ سرّه … وإن غبت يوما ظلّ وهو حزين يقرّب من قرّبت من ذي مودّة … ويقصي إذا أقصيته ويهين 403 - وقيل: حقيقة الإخاء: المواساة في الشدّة والرّخاء. ¬

399 - لم أجده في ديوانه كرّم الله وجهه، وهو في شعب الإيمان 6/ 329 (8375) للسميدع بن مكرم.

404 - ابن الرّومي: تخذتكم ترسا ودرعا لتدفعوا … سهام العدا عنّي فكنتم نصالها وقد كنت أرجو منكم خير ناصر … على حين خذلان اليمين شمالها إذا كنتم لا تدفعون ملمّة … عن النّفس كونوا لا عليها ولا لها (¬1) 405 - الصّولي: من رأى في الأنام مثل أخ لي … كان أنسي في كلّ حال وخلّي (¬2) رفعته حال فحاول حطّي (¬3) … وأبى أن يعزّ إلاّ بذلّي 406 - وقيل: أفضل الإخوان: أحضرهم معونة على الشدّة. 407 - وقيل: أحقّ من شركك في النّعم شركاؤك في المكاره. 408 - إبراهيم بن العبّاس الكاتب: ¬

404 - الديوان 5/ 1911، وفيه: وقال في آل وهب. (¬1) في الديوان: فإن أنتم لم تحفظوا لمودّتي ... ذماما فكونوا لا عليها ولا لها 405 - ديوان الصولي 163 وهو ضمن كتاب الطرائف الأدبية، وأحسن ما سمعت 38. ومعجم الأدباء 1/ 185. قال: ومما كتب إبراهيم بن العباس إلى ابن الزيات. (¬2) في معجم الأدباء: كان عوني على الزمان وخلي. (¬3) في معجم الأدباء: رفعت حاله. 407 - عيون الأخبار 3/ 20، ومحاضرات الأدباء 2/ 6، والقول لأكثم بن صيفي. 408 - الديوان 177، وهما في ديوان دعبل الخزاعي صفحة 357، في الشعر الذي نسب إلى دعبل وليس له، وهما في مروج الذهب 5/ 26 (2928)، ووفيات الأعيان 1/ 46، ومعجم الأدباء 1/ 192 لإبراهيم، وفي عيون الأخبار 3/ 20، والحماسة البصرية 2/ 3 لدعبل بن رزين الخزاعي، وقد روى الراغب الأصفهاني البيت الثاني فقط في المحاضرات وعزاه لأبي تمام، والبيتان في ديوان أبي تمام 255 الذي قدم له عبد الحميد يونس وعبد الفتاح مصطفى من قصيدة يمدح بها علي بن مرّة مطلعها: أراك أكبرت ادماني على الدمن ... وحملي الشوق من باد ومكتمن وعدد أبياتها 35 بيتا. أما ديوان أبي تمام الذي حققه الأستاذ محمد عبده عزام فقد اقتصر على عشرين بيتا من القصيدة فقط دون أية إشارة، ومن الأبيات التي أسقطها هذان البيتان، والبيتان في العقد الفريد 2/ 305 من غير عزو.

أولى البريّة طرّا أن تواسيه … عند السّرور الذي وافاك في الحزن (¬1) إنّ الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا … من كان يألفهم في المنزل الخشن (¬2) 409 - وقال المأمون: الإخوان ثلاث طبقات: طبقة كالغذاء لا يستغنى عنه، وطبقة كالدّواء يحتاج إليه أحيانا، وطبقة كالدّاء لا يحتاج إليه. 410 - لبعضهم: إنّ الكريم الذي تبقى مودّته … ويحفظ الودّ إن صافى وإن صرما ليس الكريم الذي إن زلّ صاحبه … بثّ الذي كان من أسراره علما 411 - وقيل لرجل: أيّما أحبّ إليك صديقك أم أخوك؟ قال: أخي إذا كان صديقي. 412 - لأبي الشّيص (¬3): لعمري لقد كنت لي صاحبا … أسرّ به أيّما صاحب وكنت وكنّا وأيامنا … نقطّعها بالهوى الغالب ¬

(¬1) في عيون الأخبار والحماسة: وإن أولى البرايا أن تواسيه ... عند السرور لمن آساك في الحزن وفي مصادر الخبر كلها: واساك. (¬2) في الأصل: الكرام الذي، وما أثبت من مصادر الخبر. 409 - عيون الأخبار 3/ 3، ومحاضرات الأدباء 2/ 3. 410 - شعب الإيمان 7/ 66. 411 - عيون الأخبار 3/ 6، وفيه قيل لبزرجمهر. وفي قوت القلوب 4/ 122: قيل لحكيم بن مرة. . . 412 - لم أجد الأبيات في كتاب أشعار أبي الشيص التي جمعها وحققها عبد الله الجبوري. (¬3) أبو الشيص محمد بن علي بن عبد الله بن رزين الخزاعي، شاعر مطبوع، سريع الخاطر رقيق الألفاظ، غلبه على الشهرة معاصراه صريع الغواني وأبو نواس، انقطع إلى أمير الرقة عقبة بن جعفر الخزاعي، وهو ابن عم دعبل الخزاعي، عمي في آخر عمره، قتله غلام لعقبة سنة (196) الأعلام.

تعظّم حقّي وتعبا به … وما كان حقّي بالواجب فلمّا استقامت لك التّرهات … قذفت بحبلي على غاربي فإن كنت تنكر ما قلته … وأنزلتني منزل الكاذب فما بال عينك مطروفة … إذا ما نظرت إلى جانبي 413 - آخر: إذا رأيت امرأ في حال عسرته … مصافيا لك ما في ودّه دغل (¬1) فلا تمنّ له أن يستفيد غنى … فإنّه بانتقال الحال ينتقل 414 - وقيل: شرط الصّديق أن لا يضنّ بماله عليك، وإن ضنّ بماله فهو بنفسه أضنّ (¬2)، ومن ضنّ بنفسه وماله فلبعد معرفة لا صداقة، وما أكثر في التصاوير مثله. 415 - المهلبي لنفسه (¬3): عاشر أخاك على ما كان من خلق … واحفظ مودّته بالغيب ما وصلا فأطول النّاس غمّا من يريد أخا … ذا خلّة لا يرى في ودّه خللا 416 - وسئل بعض الحكماء: أيّ الكنوز خير؟ فقال: بعد تقوى الله الأخ الصّالح. ¬

413 - في عيون الأخبار 3/ 74، والصداقة والصديق 340 من غير عزو، وفي محاضرات الأدباء 2/ 7، ومعجم الأدباء 19/ 188 لمنصور بن إسماعيل الفقيه. وفي زهر الآداب 3/ 242 للصاحب بن عباد. (¬1) الدغل: الفساد، مثل الدّخل، اللسان (دغل) وفي عيون الأخبار: ما في ودّه خلل، وفي الصداقة والصديق: دخل. وفي معجم الأدباء: في حال عشرته. (¬2) في الأصل: أظن، وكذا الكلمات قبلها، وهذا من الناسخ كثير. أيّ قلب الضاد ظاء. 415 - الصداقة والصديق (198) من غير عزو. (¬3) جاء في الهامش قرب بيتي المهلبي: اصحب النّاس على ما ... كان فيهم وتوخّا كلّ ذي عقل ودين ... فاتّخذه لك أخّا

417 - طلبت امرأ محضا صحيحا مسلّما … نقيّا من الآفات في كلّ موسم (¬1) لأمنحه ودّي فلم أدرك الذي … طلبت ومن لي بالصّحيح المسلّم فلما بدا لي أنّني لست مبتلى … من النّاس إلا بالمريض المسقّم صبرت ومن يصبر يجد غبّ صبره … ألذّ وأحلى من جنى النّحل في الفم ومن لا يطب نفسا ويستبق صاحبا … ويغفر لأهل الودّ يصرم ويصرم 418 - وقيل: إنّ بزرجمهر رأى رجلين لا يفترقان، فسأل عنهما، فقيل له: إنّهما صديقان. فقال: فما بال أحدهما غني والآخر فقير. 419 - جحظة (¬2): قعدت عن الإخوان من غير ما قلى … وإنّ عجيبا ما أتيت على عمد وجهد الفتى أن يستر البيت حاله … إذا لم يجد حرّا يعين على الجهد 420 - آخر بلوت وجرّبت الزّمان وأهله … وأدّبني منهم مسيء ومحسن من الحزم أن تحتاط فيما وليته … وتحكم ما تخشاه والأمر يمكن 421 - وسأل الإسكندر ذيوجانس قال: بم يعرف الصّديق؟ قال: عند ¬

417 - الصداقة والصديق 468، منسوبة لعبد الله بن طاهر. (¬1) في الأصل (فضا) وما أثبت من الصداقة والصديق. (¬2) جحطة هو جعفر بن موسى بن يحيى بن خالد بن برمك البرمكي، كان في عينيه نتوء فلقبه ابن المعتز بجحظة، كان ذا فنون ونوادر وأدب، ملح الشعر، حاضر النادرة، كان رأسا في التنجيم، مقدما في لعب النرد، وقد بلغ الثمانين ولم يدخل في رواية الحديث، ولم يكن أحد يتقدّمه في صناعة الغناء، قال فيه ابن الرومي: وارحمتا لمنادمية تحمّلوا ... ألم العيون للذه الآذان وفيات الأعيان 1/ 133، سير أعلام النبلاء 15/ 221، الأعلام.

الشدّة، فكلّ النّاس في الرّخاء صديق. 422 - ولبعضهم: أهل ودّي ومن عليه اعتمادي … لم تجنّبتم وخنتم عهدي ألذنب فعلته أم تبعتم … فعل دهر في حكمه متعدّي 423 - أبو العتاهية: كلّ من أحوجك الدّهر إليه … فتعرّضت له هنت عليه فدع المخلوق لا تسألنه (¬1) … واسأل الخالق ممّا في يديه 424 - وافتقد عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (¬2) صديقا له من مجلسه، ثم جاءه فقال: أين كانت غيبتك؟ فقال: خرجت إلى عرض من أعراض المدينة مع صديق لي. فقال: إن لم تجد بدّا من صحبة الرّجال، فعليك بصحبة من إن صحبته زانك. 425 - آخر: اتّق الأحمق لا تصحبه (¬3) … إنّما الأحمق كالثّوب الخلق كلّما رقّعت منه جانبا … عاد فيه الرّيح طورا فانخرق 426 - ابن المعتز: إذا نائبات الدّهر يسّرن للفتى … ثلاث خلال قلّ ما يتيسّر كفاف يصون المرء عن بذل وجهه … فيضحي ويمسي وهو حرّ موقّر ¬

423 - لم أجد هذين البيتين في ديوانه، ولا في تكملة الديوان. (¬1) في الأصل: لا تسأله، والمثبت ما أراه الأنسب للوزن. (¬2) عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، أبو جعفر القرشي الهاشمي، ولد بالحبشة لما هاجر أبواه إليها، له صحبة ورواية، عداده في صغار الصحابة، له وفادة على معاوية وعلى عبد الملك، كان كبير الشأن كريما جوادا، يصلح للإمامة، كثير التنعم، وممن يستمع الغناء، كان أحد الأمراء في جيش علي يوم صفين. سير أعلام النبلاء 3/ 456. (¬3) الوجه أن يجزم الفعل، وحرّك للضرورة الشعرية، وربما كانت رواية البيت: أن تصحبه. 426 - لم أجد الأبيات في ديوانه المطبوع.

وكأس تسلّيه إذا الهمّ ضاقه … ومسمعة أسماعها ليس تنكر ورابعة عزّت وقلّ وجودها … صديق على الأيّام لا يتغيّر 427 - الرّضيّ: من كشّف النّاس لا يسلم له أحد … النّاس داء فخلّ الدّاء مستورا 428 - آخر: إذا أنكرت أخلاق الصّديق … فلست من التّغيّر في مضيق طريق كنت تسلكه زمانا … تغيّر فاجتنبه إلى طريق (¬1) 429 - آخر: إذا ما صديقي أسا مرّة … وقد كان في ما مضى مجملا ذكرت المقدّم من فعله … ولم يفسد الآخر الأوّلا 430 - أبو بكر الخوارزمي (¬2): إن شئت أن تعرف يا صاحبي … مالك في قلبي من الواجب فانظر إلى فعلك لي أوّلا … وقس على الشّاهد بالغائب 431 - آخر: ما من أخ يحنو عليكا … إلا لشيء في يديكا ¬

427 - ديوان الشريف الرضي 1/ 403 من قصيدة مطلعها: في كلّ يوم مودّات مطلّقة ... قد كان أنكحنيها الدهر مغرورا 428 - الصداقة والصديق (38). (¬1) في الصداقة والصديق: فأسبع فاجتنبه. أي كثرت فيه السباع. 429 - العقد الفريد 2/ 277 لطاهر بن عبد العزيز. (¬2) أبو بكر الخوارزمي، محمد بن العباس من أئمة الكتاب، وأحد الشعراء العلماء كان ثقة في اللغة ومعرفة الأنساب، كانت أمه من طبرستان وأبوه خوارزميا فركّب من الاسمين نسبة (طبرخزي) سكن الشام، وأقام بحلب وكان مشارا إليه في عصره، مات بنيسابور سنة 383. سير أعلام النبلاء 16/ 526، والأعلام. وفي الأصل أبو بكر بن الخوارزمي.

وأخوك نظرته إليكا … بقدر رغبته إليكا فإن اتّسعت فلن يهمّ‍ … ك من يطيف بجانبيكا (¬1) والناس إخوة نعمة … لله ما دامت عليكا (¬2) 432 - منصور الفقيه: من يغب وهو حافظ العهد وافي … هو خير من حاضر وهو جافي ربّ دان بقلبه وهو ناء … ومقيم وقلبه في انصراف 433 - ابن الخازن (¬3): يا إخوة الدّهر في أخلاقه نسبا … ينمي إلى كلّ واهي العهد محلول إن لان لنتم وإن أبدى تهجّمه … كشرتم عن نيوب الأسد في الغيل لم اختصرتم سلاما كنت أعهده … في غاية الطّيب بل في غاية الطّول أكلّ من نال مالا مال جانبه … وكان معتدل الأعطاف كالميل أشكو من النّيل والدّنيا بأجمعها … إذا تأمّلتها سوداء كالنّيل 434 - آخر: ويئست حتّى لو بصرت بنارهم … للضّيف تبدو قلت: نار حريق لا يضحك الأيّام سوء مطامعي … إلا إذا طالبتها بصديق 435 - وقيل: إذا انقطع رجاؤك من صديقك، فألحقه بعدوّك. 436 - لبعضهم: ¬

(¬1) في الأصل يظيف. (¬2) في الأصل: الله. (¬3) ابن الخازن: أحمد بن محمد بن الفضل، الكاتب الشاعر الدينوري الأصل البغدادي المولد والوفاة، كان فاضلا نادرة في الخط أوحد وقته فيه، توفي سنة 518، وذكر ابن الجوزي وفاته في المنتظم 512. وفيات الأعيان 1/ 149، والمنتظم 9/ 204. 436 - يتيمة الدهر 3/ 370، والوافي بالوفيات 7/ 279، وهما لأحمد بن فارس اللغوي.

اسمع مقالة ناصح … جمع النصيحة والمقه (¬1) إيّاك واحذر أن تكو … ن من الثّقات على ثقه 437 - آخر: في سعة الأرض وفي أهلها … مستبدل بالخلّ والجار فمن دنا منك فأهلا به … ومن تولّى فإلى النّار 438 - آخر: برمت بالنّاس وأخلاقهم … فصرت أستأنس بالوحده ما أكثر النّاس لعمري وما … أقلّهم في موضع الشّدّه 439 - وقيل: إنّ أبا مسلم الخراساني (¬2) رحمه الله أهدى له بعض أصحاب الأطراف فرسا سابقا متكامل الصّفة، فقال لجلسائه: لماذا يصلح هذا الفرس؟ فقال أحدهم: للأمير، أطال الله بقاءه، يدرك عليه ما يرومه، ويبعد ممّا يكرهه. وقال آخر: بل يتحف به الأمير الخليفة، فلا يكون عنده مثله، ولا يقدر أحد على ما هو خير منه. فقال: ما قصدتما مرادي. فقالا: الأمير أعلم بالرأي. فقال: يركب ويهرب عليه من الجار السّوء ¬

(¬1) في الأصل: وانمقه تصحيف، والمقة: المحبة. 438 - ديوان أبي العتاهية 468، وفيه: ولمّا أطلقه الرشيد من الحبس، لزم بيته وقطع الناس، فذكر ذلك للرشيد، فقال: قولوا له: صرت زير نساء وحلس بيت، فكتب إليه أبو العتاهية. . . . وهو في هامش صفحة 134 من الديوان وفيه: شاور بعضهم أبا العتاهية فيما ينقشه على خاتمه، فقال: انقش لا بارك الله في الناس، وأنشد. 439 - حياة الحيوان 1/ 185 وفيه: حكى صاحب «ابتلاء الأخيار بالنساء الأشرار» أنه عرض على أبي مسلم الخراساني صاحب الدعوة جواد لم ير مثله، فقال لقواده: لماذا يصلح هذا الجواد؟ قالوا: للغزو في سبيل الله. قال: لا. قالوا: فيطلب عليه العدو. قال: لا. قالوا: فلماذا يصلح؟ أصلح الله الأمير. قال: ليركبه الرجل، ويفرّ به من المرأة السوء، والجار السوء. (¬2) أبو مسلم الخراساني، عبد الرحمن بن مسلم مؤسس الدولة العباسية، وهازم جيوش الدولة الأموية، من أكبر الملوك في الإسلام، قتله المنصور سنة (137) كان داهية حازما، رواية للشعر، فصيحا. سير أعلام النبلاء 6/ 48.

والخلّ المنافق. 440 - لبعضهم: وليس خليلي بالملول ولا الذي … إذا غبت عنه باعني بخليل ولكن خليلي من يدوم وفاؤه … ويحفظ سرّي عند كلّ دخيل 441 - ابن ناقيا (¬1): وجرّبت بالغيب ودّ الصّديق … فلم أره بالوفي الأمين فقد قام عندي بغدر (¬2) العدو … إذا هو مثل الصّديق الخؤون 442 - ابن خلف: وإذا ما الصّديق أعرض عنّي … قاطعا حبل وصله بالتجنّي لم أكن نادما على تركه الوص‍ … ل ولا قارعا على الهجر سنّي 443 - لأبي عليّ بن الشّبل (¬3): لله درّ الفقر من منصف … مؤلّف بين خليلين ولا رعى الله الغنى إنّه … مزيل ما بين الصفيّين كم من صديق لي في فقره … كالرّوح كنّا بين جسمين أبطره تيه الغنى فانثنى … يقسمني باللّحظ شطرين ¬

440 - شعب الإيمان 7/ 67، وهما منسوبان به لأحمد بن يحيى. (¬1) ابن ناقيا، عبد الله بن محمد بن الحسين، شاعر مترسل لغوي من أهل بغداد، كثير المجون، ينسب إلى مذهب المعطلة، ويتهم بالطعن على الشريعة توفي سنة (485). الأعلام. (¬2) في الأصل: بعذر. (¬3) هو محمد بن الحسين بن عبد الله بن أحمد بن الشبل، أبو علي، شاعر العصر، من أهل بغداد، أقرأ علوم الفلسفة والأدب، كان ظريفا نديما، ونظمه في الذّروة، ومن شعره القصيدة الرائية التي نسبت لابن سينا: بربك أيها الفلك المدار ... أقصد ذا المسير أم اضطرار توفي في بغداد سنة (473). سير أعلام النبلاء 18/ 430، طبقات الأطباء 333، الأعلام.

يكسر مني العين من كبره … وكنت منه موضع العين 444 - نفطويه (¬1): وما النّاس بالنّاس الذين عهدتهم … وما الدّار بالدّار التي كنت تعرف ولا كلّ من صافيته الودّ مخلص … ولا كلّ من صاحبته لك منصف 445 - أبو العتاهية: إنّ للمعروف أهلا … وقليل فاعلوه أفضل المعروف ما لم … تبتذل فيه الوجوه ربّ محبوب لقوم … غاب عنهم فنسوه (¬2) وأبو الأبناء لا يب‍ … قى ولا يبقى بنوه أنت ما استغنيت عن صا … حبك الدّهر أخوه (¬3) وإذا احتجت إليه … ساعة مجّك فوه لو رأى التّرك نبيا … سائلا ما وصلوه (¬4) بل همو لو طمعوا في … زاد كلب أكلوه (¬5) ¬

(¬1) هو إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي الإمام الحافظ النحوي العلامة الإخباري، كان رأسا في مذهب داود الظاهري، كان متضلعا في العلوم ينكر الاشتقاق، وكان ذا سنّة ودين وفتوة ومروءة وحسن خلق وكيس، له نظم ونثر، لقب نفطويه لدمامته وأدمته تشبيها له بالنفط، وهذا اللقب على مثال سيبويه لأنه كان ينسب في النحو إليه، ويجري على طريقته ويدرس كلامه، كان على جلالة قدره تغلب عليه سذاجة الملابس، توفي ببغداد سنة (323) وفيات الأعيان 1/ 47، وسير أعلام النبلاء 15/ 75، والأعلام. 445 - القصيدة في الديوان صفحة 421 إلا البيت الأول والأخير، ومطلعها فيه: يسلم المرء أخوه ... للمنايا وأبوه (¬2) في الأصل فتشوه، والمثبت من الديوان. وفي الديوان: ربّ مذكور. (¬3) في الأصل: صاحب الدهر، والمثبت من الديوان. (¬4) في الديوان: لو رأى الناس. (¬5) رواية الديوان: وهم لو طمعوا في.

نحن في دهر على المع‍ … ـدم لا يجدي أبوه 446 - أبو فراس: بمن يثق الإنسان فيما ينوبه … ومن أين للحرّ الكريم صحاب وقد صار هذا الناس إلا أقلّهم … ذئابا على أجسادهنّ ثياب 447 - وقيل: اثنتان قد أعوزا وعزّا، درهم حلال، وأخ في الله. 448 - المتنبي: إذا ما النّاس جرّبهم لبيب … فإنّي قد أكلتهم وذاقا (¬1) فلم أر ودّهم إلا خداعا … ولم أر دينهم إلا نفاقا 449 - ابن المعتز: بلوت أخلاّء هذا الزّمان … فأقللت بالهجر منهم نصيبي فكلّهم إن تأمّلتهم … صديق العيان عدوّ المغيب (¬2) 450 - امرؤ القيس: ¬

446 - الديوان (39) من قصيدة مطلعها: أما لجميل عندكنّ ثواب ... ولا لمسيء عندكنّ متاب 447 - جاء في عيون الأخبار 3/ 3: قال يونس: اثنان ما في الأرض أقلّ منهما، ولا يزدادان إلا قلّة: درهم يوضع في حقّ، وأخ يسكن إليه في الله. 448 - الديوان 3/ 47، من قصيدة مطلعها: أيدري الربع أيّ دم أراقا ... وأيّ قلوب هذا الرّكب شاقا (¬1) ذاقه: اختبر طعمه القاموس (ذوق). قال شارح الديوان: يقول: إنّي أعرف المجربين الألباء بأحوال الناس، لأن غيري إذا كان قد ذاقهم فإني قد ذقت وذقت حتى صرت كالآكل، والآكل أعرف بالمأكول من الذائق. 449 - الديوان 2/ 4، الباب الرابع في الهجاء والذم. (¬2) في الديوان: إن تصفحتهم. 450 - الديوان (69) من قصيدة مطلعها: سما لك شوق بعدما كان أقصرا ... وحلّت سليمى بطن قوّ فعرعرا

إذا قلت هذا صاحب قد رضيته … وقرّت به عيني تبدّلت آخرا (¬1) وذاك لأنّي لا أصاحب صاحبا … من النّاس إلا خانني وتنكّرا (¬2) 451 - السّريّ الرّفّاء (¬3): وأخ رخصت عليه حتّى ملّني … والشّيء مملول إذا ما يرخص يا ليته إذ باع ودّي باعه … فيمن يزيد عليه لا من ينقص ما في زمانك ما يعزّ وجوده … إن رمته إلا صديق مخلص 452 - آخر: عفاء على هذا الزّمان فإنّه … زمان عقوق لا زمان حقوق فكلّ رفيق فيه غير موافق … وكلّ صديق فيه غير صدوق 453 - أبو فراس: أقلّب طرفي لا أرى غير صاحب … يميل مع النّعماء حيث تميل ¬

(¬1) في الديوان: وقرّت به العينان بدّلت آخرا. (¬2) في الديوان: كذلك جدّي ما أصاحب صاحبا من الناس إلا خانني وتغيّرا 451 - الأبيات ليست للسري الرفاء، وإنما هي لمحمد بن هاشم الخالدي انظر ديوان الخالديين 65، والبيتان الأول والثالث في نهاية الأرب 3/ 107 ولعل تداخل العلاقة فيما بينه وبين الخالديين كان وراء هذا العزو. (¬3) السري بن أحمد بن السري الكندي، شاعر أديب، كان في صباه يرفو ويطرّز فعرف بالرفاء، مدح سيف الدولة ثم انتقل إلى بغداد ومدح جماعة من الوزراء والأعيان ونفق شعره إلى أن تصدي له الخالديان (محمد وسعيد ابنا هاشم) وكانت بينه وبينهما مهاجاة فآذياه حتى اضطر للعمل في الوراقة، ثم نسخ لغيره بالأجرة، ومات ببغداد على تلك الحال سنة (366) الأعلام. 452 - البيتان لأبي الفتح البستي الديوان صفحة 137 - 138. 453 - الديوان (218) من قصيدة مطلعها. مصابي جليل والعزاء جميل ... وظنّي بأن الله سوف يديل

454 - منصور الفقيه: كلّ من أصبح من ده‍ … ـرك ممّن قد تراه هو من خلفك مقرا … ض وفي الوجه مراه (¬1) 455 - آخر: ألفت انفرادي عن بني الدّهر غيرة … على حسبي من أن أكون لهم إلفا وجرّبت أهليه فكل وجدته … سقاني كؤوس الغدر مترعة صرفا 456 - العتبي من أول شعره: وصاحب لي أبنيه ويهدمني … لا يستوي هادم يوما وبنّاء 457 - وقال بعض الحكماء: لا أعرف ضرّا أوصل إلى نياط القلب من الحاجة إلى من لا تثق بمودّته ولا ترضاه، ولا تأمن ردّه. وأعظم المصائب فقد كلّ خليل لا عوض منه. وكان يقال: شرّ الإخوان: الواصل في الرّخاء، الخاذل عند البلاء. وكان يقال: من لم يرض [من] صديقه إلا بإيثاره إيّاه على نفسه دام سخطه، ومن عاتب على كلّ ذنب كثر عدوّه، ومن لم يؤاخ من الإخوان إلا من لا عيب فيه قلّ صديقه. وكان يقال: الصّفح عن الإخوان مكرمة، ومكافأتهم على الذّنوب دناءة. 458 - إبراهيم بن العباس الكاتب: نعم الزّمان زماني … الشّأن في الخلان ومن ذخرت لنفسي … فعاد ذخر الزّمان لو قيل لي خذ أمانا … من أعظم الحدثان لما أخذت أمانا … إلا من الإخوان ¬

454 - ديوانه ضمن مجلة المجمع الهندي المجلد الثاني سنة 1977 صفحة 188، نهاية الأرب 3/ 102. (¬1) في الأصل: هو خلفك، والتصويب من نهاية الأرب. 456 - الصداقة والصديق (40). 458 - الديوان (166) (في الطرائف الأدبية)، والأبيات في الأغاني 10/ 67، ومروج الذهب 5/ 25.

الفصل السادس في القناعة والياس مما بأيدي الناس

الفصل السّادس في القناعة والياس ممّا بأيدي النّاس 459 - أصيب حجر بإرمينية مكتوب فيه: اليأس عمّا بأيدي النّاس نافلة … والمال يعجز والأخلاق تتّسع لا تجزعنّ على ما فات مطلبه … هذا جزعت فماذا أحدث الجزع إنّ السّعادة يأس إن ظفرت به … فدونك اليأس إن الشّقوة الطّمع 460 - وقيل: لا ينبل الرّجل حتّى تكون فيه خصلتان: الاستغناء عمّا في أيدي النّاس، والتّجاوز عمّا يكون منهم. 461 - وأنشد بعضهم: إنّ التّنزّه عمّا خسّ مطلبه … للمرء عزّ وقد يزري به الطّمع 462 - وقال أفلاطون: الاستغناء عن الشّيء خير من الاستغناء به. 463 - بعضهم: إذا لم يكن للمرء جدي (¬1) يناله … ولا تحف فيما تحوز الموائد ¬

(¬1) كتب في الهامش: لعلها جود.

وكان له خبز وملح ففيهما … له مقنع حتّى تجيء الفوائد فما هي إلاّ جوعة قد سددتها … وكلّ طعام بين جنبيّ واحد 464 - آخر: لا تغبطنّ أخا الدّنيا بمقدرة … فيها وإن كان ذا عزّ وسلطان إنّ اللّيالي لم تحسن إلى أحد … إلا أساءت إليه بعد إحسان 465 - وقيل: إنّ عمر بن عبد العزيز أمسى في خلافته صائما، فاشترى بدانقين عنبا، وأكل هو وزوجته فاطمة بنت عبد الملك بن مروان (¬1)، وقال لها: يا فاطمة، كان يأتي إلى أهلي وأهلك من هذا وقار البغال فلم يكن ينالنا منه إلاّ ما نالنا من هذين الدّانقين. 466 - وقيل: من عفّ وقنع عزّ واستغنى، ومن شره وطمع ذلّ وافتقر. 467 - وأحسن للفتى من يوم عار … ينال به الغنى كرم وجوع 468 - وقيل لبعض الصّالحين: ما يمنعك من التزويج؟ قال: مكابدة العفّة أيسر من الاحتيال لمصلحة العيال. 469 - وقال بعضهم: العري القادح خير من الزّيّ الفاضح. 470 - وقيل: من ملك الملوك؟ قال: من ملك شهواته. 471 - لعمرو بن كلثوم: ¬

464 - البيت الثاني في محاضرات الأدباء 2/ 165. (¬1) فاطمة بنت عبد الملك حكت عن زوجها، وروي عنها، ولدت لعمر: إسحاق ويعقوب ثم خلف عليها بعد موت عمر بن عبد العزيز سليمان بن داود الأعور. 471 - الديوان (42) وهما في الأشباه والنظائر للخالديين 2/ 207، وفي البيان والتبيين 1/ 120 لكلثوم بن عمرو العتابي.

وكنت امرأ لو شئت أن تبلغ المدى (¬1) … بلغت بأدنى نعمة تستديمها ولكن فطام النّفس أثقل محملا … من الصّخرة الصّماء حين ترومها 472 - وقيل لرجل كان يعمل في المعادن: كيف اخترت هذه الصّناعة؟ فقال: استخراج الدّرهم من الحجارة أيسر من استخراجه من أيدي الناس. 473 - ولبعضهم: لا ينبغي أن أرى بعيني … مكان من لا يرى مكاني ولي إلى أن أموت رزق … لو جهد (¬2) الخلق ما عداني الحرّ حرّ ولو تعدّت … عليه يوما يد الزّمان رضيت بالقوت من زماني … وصنت عرضي عن الهوان خوفا على أن يقال يوما … فضل فلان على فلان 475 - آخر: وإنّك إن أعطيت بطنك سؤله … وفرجك نالا منتهى الذّمّ أجمعا 476 - وكان يقال: سخاء النّفس عمّا بأيدي النّاس أكثر من السّخاء بالبذل، ومروءة الرّضا خير من مروءة الإعطاء. 477 - وقال الأصمعيّ: مررت بكنّاف وهو ينشد: أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا … ليوم كريهة وسداد ثغري (¬3) ¬

(¬1) في الأصل: تبلغ الذي، والمثبت من الديوان، وفي الأشباه والنظائر الندى. (¬2) في الأصل جهدوا. 475 - البيت لحاتم طي الديوان (100) وروايته فيه: وإنك مهما تعط بطنك، والبيت في عيون الأخبار 1/ 37 برواية الأصل. 477 - الأغاني 1/ 415 أخبار العرجي. (¬3) البيت للعرجي انظر ديوانه صفحة (34).

فقلت: أمّا سداد الكنف فأنت أحرى به، وأمّا الثّغر فلا علم لنا بك، فكيف أنت فيه؟ قال: فانعطف عليّ وأنشد: وأكرم نفسي إنّني إن أهنتها … وحقّك لم تكرم على أحد بعدي فقلت: يا هذا، والله ما يكون من الهوان شيء أكثر ممّا بذلتها له. فقال: بلى، من الهوان لشر ممّا أنا فيه. فقلت: وما هو؟ فقال: الحاجة إلى مثلك وأمثالك. فانصرفت عنه خجلا. 478 - ومن أمثال العرب: أقلل طعاما تحمد مناما. 479 - وقيل: القناعة راحة الأبدان. 480 - وقيل: الحرص من سبل المتالف. 481 - إبراهيم بن المهدي: قد شاب رأسي، ورأس الحرص لم يشب ... إنّ الحريص من الدّنيا لفي تعب قد يرزق المرء لم تنصب (¬1) رواحله ... ويحرم الرّزق من لم يؤت من طلب 482 - وقال بعض الرّهبان: من أراد الحياة الهنيّة قنع ولم يستكثر. 483 - وقيل: القناعة رأس مال لا ينفد. 484 - وقيل: اليأس حرّ، والرّجاء عبد. ¬

478 - المستقصى في الأمثال 1/ 286. 480 - مجمع الأمثال 1/ 374 وروايته: شدّة الحرص من سبل المتالف. يضرب في الشهوان الحريص على الطعام وغيره. 481 - ثمار القلوب 1/ 494. وتاريخ بغداد 6/ 147. (¬1) النصب: التعب.

485 - وقيل: برد اليأس خير من حرّ الطّمع. 486 - وقال عبد الله بن المعتز عفا الله عنه: ومن شرّ أيام الفتى بذل وجهه (1) … إلى غير من حفّت إليه الصّنائع متى يدرك الإحسان من لم يكن له … إلى طلب الإحسان نفس تنازع 487 - وقيل: إذا طالبتك نفسك برزق غد، فاطلب منها كفيلا بحياة اليوم. 488 - وشكى رجل إلى الشّبلي (¬1) كثرة عياله، فقال: ارجع إلى بيتك، ومن لم يكن رزقه على الله؛ فأخرجه منه. 489 - وقيل: لو قسمت الأرزاق على قدر العقول ما عاشت البهائم. 490 - أبو تمّام الطّائي: ينال الفتى من عيشه وهو جاهل … ويكدي الفتى من دهره وهو عالم ولو كانت الأرزاق تجري على الحجا … هلكن إذا من جهلهنّ البهائم 491 - وقيل: أحرص الحيوان الذّباب، وأقنعه العنكبوت؛ لا يطلب الرّزق وإنّما ينتظره ليقصده في بيته؛ وقد جعل الله أحرصها رزقا لأقنعها. 492 - وقيل: القناعة سيف لا ينبو. ¬

486 - لم أجد هذين البيتين في ديوانه. (¬1) دلف بن جحدر الشبلي، ناسك كان في مبدأ أمره واليا في دنباوند (من نواحي رستاق الري) وولي الحجابة للموفق العباسي، وكان أبوه حاجب الحجاب، ثم ترك الولاية وعكف على العبادة، فاشتهر بالصلاح، له شعر جيد، سلك به مسالك المتصوفة. أصله من خراسان، ونسبته إلى قرية شبلة من قرى ما وراء النهر، ومولده بسر من رأى، ووفاته ببغداد سنة 334 للهجرة. الأعلام. 490 - الديوان 3/ 178، من قصيدة يمدح بها أحمد بن أبي دؤاد مطلعها: ألم يأن أن تروى الظماء الحوائم ... وأن ينظم الشمل المشتت ناظم

493 - وقيل: من عدم القناعة لم يزده المال غنى. 494 - الرّزق يأتيك وإن لم تطلبه (¬1) … مالك من حرصك إلاّ تعبه 495 - وقيل: من كثرت شهواته دامت حسراته. 496 - وقال أبو تمّام الطّائي: لمّا دخلت خراسان لم أفرح بها كفرحي ببيت سمعته (¬2) بها وهو: لو لم تكن لله متّهما … لم تمس محتاجا إلى أحد (¬3) 497 - وقال بزرجمهر: لا شرف إلاّ شرف العقل، ولا غنى إلاّ غنى النّفس. 498 - أبو فراس بن حمدان: غنى النّفس لمن يعق‍ … ـل خير من غنى المال وفضل النّاس في الأنف‍ … س ليس الفضل في الحال 499 - وقيل: الطّامع في وثاق الذّل. 500 - ربّ معرّق (¬4) قد خاب، ومقتصد قد فاد. ¬

(¬1) الوجه بالجزم «تطلبه» ورفع لضرورة الشعر. (¬2) في الأصل: سمعتها به. (¬3) البيت لأبي نواس من قصيدة مطلعها: يا نفس خافي الله واتّئدي ... واسعي لنفسك سعي مجتهد الديوان صفحة 193 المطبعة العمومية 1898 باعتناء محمود أفندي واصف وهذه القصيدة وغيرها أسقطها محقق ديوان أبي نواس الأستاذ أحمد عبد المجيد الغزالي معللا ذلك بقوله: «ويحسن أن ننبه إلى أن بعض الشعر الذي لم نثبته للحسن في ديوانه كان واضح الضعف والتفكك. . .»!!؟ وكان الأجدر به لو سمّى كتابه هذا بمختارات. . وفي الأصل: بالله. 497 - المستطرف (42) من غير عزو. 498 - الديوان (248). (¬4) في الأصل مغرق. والمعرّق: من عرّق فيه أعمامه وأخواله في الكرم أو في اللؤم.

501 - وقيل: عبد الشّهوة أذلّ من عبد الرّقّ. 502 - هشام بن إبراهيم البصري: وكم ملك جانبته عن كراهة … لإغلاق باب أو لتشديد حاجب ولي في غنى نفسي مراد ومذهب … إذا انصرفت عنّي وجوه المذاهب 503 - وروي أنّ شاعرا أتى أبا البختريّ وهب بن وهب (¬1)، وكان من أجود النّاس، وكان إذا سمع مدح المادح ضحك وسرى السّرور في جوانحه، فأتاه هذا الشاعر وأنشده (¬2): لكلّ أخي فضل فعال من العلا … ورأس العلا طرّا عقيد النّدى وهب وما ضرّ وهبا عيب من جحد العلا … كما لا يضرّ البدر ينبحه كلب فثنى له الوسادة وهشّ إليه ورفده، وحمله وأضافه، فلمّا أراد الرّحلة لم يخدمه أحد من غلمان أبي البختريّ ولا عقد ولا حلّ. فأنكر ذلك مع جميل ما فعل به، وأنّه قد تجوّز به أمله، فعاتب بعضهم، فقال الغلام: إنّما نعين النّازل على الإقامة، ولا نعين الرّاحل على الفراق. فبلغ هذا الكلام رجلا من القرشيّين فقال: لفعل هذا العبيد [على] (¬3) هذا القصد أحسن من رفد سيّدهم. 504 - وقال الحسن والحسين لعبد الله بن جعفر: إنّك قد أسرفت في ¬

503 - الكامل 2/ 673، نهاية الأرب 3/ 213. (¬1) وهب بن وهب، أبو البختري كان فقيها أخباريا جوادا، ولد بالمدينة، تولى قضاء عسكر المهدي، ثم قضاء المدينة، ثم عزل عنها، وعاد لبغداد وتوفي فيها سنة 200 للهجرة، كان متروك الحديث مشهورا بوضعه، صنف كتبا منها: «فضائل الأنصار». وفيات الأعيان 6/ 37، الأعلام. (¬2) قال ابن خلكان في «وفيات الأعيان» 6/ 39 ناسبا الأبيات: هي لأبي عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن عطية العطوي الشاعر، وهو من البصرة من موالي بني ليث بن بكر، وكان معتزليا. (¬3) ما بين حاصرتين من الكامل. 504 - الكامل 1/ 180، والعقد الفريد 1/ 225، والخبر بنحوه في تاريخ دمشق تراجم حرف العين «عبد الله بن جابر-عبد الله بن زيد» صفحة 64، والعقد الثمين 5/ 121.

بذل المال. فقال: بأبي أنتما وأمّي، إنّ الله قد عوّدني أن يفضل (¬1) عليّ، وعوّدته أن أفضل (¬2) على عباده، فأخاف أن أقطع العادة، فيقطع عنّي المادّة. 505 - قال رجل لإبراهيم بن هرمة الشّاعر (¬3): بأيّ شيء استحقّ منك عبد الواحد بن سليمان أن تقول فيه: أعبد الواحد المأمول إنّي … أغصّ حذار سخطك بالقراح (¬4) وجدنا غالبا كانت جناحا … وكان أبوك قادمة الجناح (¬5) قال: إن ذهبت أعدد صنائعه التي استحقّ بها طال القول منّي وأطلت، ولكنّي أخبركم بأصغر صنيعة له عندي: كنت منقطعا إليه بالمدينة أيّام كان يتولاّها، فأغناني عمّن سواه، ثم عزل فظننت أن من يلي يكون مثله، فأقمت بالمدينة أغدو وأروح إلى الوالي طمعا فيه إلى أن لم يبق لي شيء، فقلت لأختي: ويحك، أما ترين ما أنا فيه من الشّدّة، وتعذّر القوت؟ فقالت: هذا أيسر اختيارك (¬6). قلت: فبم تشيرين عليّ؟ قالت: ما أعرف لك غير عبد الواحد بن سليمان. قلت: ومن لي به، وهو بدمشق، وأنا بالمدينة؟ قالت: أنا أعينك (¬7)، وأحسن صحبتك. قلت: افعلي. فباعت حليّا كان ¬

(¬1) في الهامش: في نسخة يتفضل. (¬2) في الهامش: في نسخة أتفضل. 505 - الفرج بعد الشدة 3/ 16، وهو بنحوه في البصائر والذخائر م 3/ 1/225، ومختصر تاريخ دمشق 4/ 88. (¬3) هو إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر بن هرمة الكناني القرشي، شاعر من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، مدح الوليد بن يزيد، ووفد على المنصور العباسي، انقطع إلى الطالبيين وله شعر فيهم، وهو آخر الشعراء الذين يحتج بشعرهم. كان مولعا بالشراب، جلده صاحب شرطة المدينة. توفي سنة 176 للهجرة. الأعلام. (¬4) القراح: الماء الصافي البارد. (¬5) البيتان في الديوان صفحة 90، من قصيدة مطلعها: صرمت حبائلا من حبّ سلمى ... لهند ما عمدت لمستراح (¬6) في الفرج بعد الشدة: قالت: بسوء اختيارك. (¬7) في الأصل: أعوانك. وكتب بالهامش لعلها أعينك.

لها، واشترت لي راحلة، وزوّدتني. فسرت عليها إلى دمشق فوافيتها بعد اثنتي عشرة (¬1) ليلة، وأنخت عشيّا على باب عبد الواحد، وعقلت ناقتي، ودخلت المسجد فحططت رحلى فيه، فلما أذّن المؤذن، خرج عبد الواحد فتطوّع ثم أقيمت الصّلاة، فصلّى ثم جلس يسبّح، ثم حوّل وجهه إلى جلسائه يحدّثهم فلمح النّاقة والرّحل فقال: من هذا؟ فوثبت، وقبّلت يده، وقلت: أنا يا سيدي عبدك ابن هرمة. فقال: أبا إسحاق، كيف خبرك؟ قلت: بشرّ خبر بعدك أيّها الأمير، تلاعبت بي المحن، وجفاني الصّديق، ونبا بي الوطن، فلم أجد معوّلا إلاّ عليك. فو الله، ما بادرني إلاّ بدموعه، ثم قال: ويحك، بلغ بك الجهد إلى ما ذكرت؟ فقلت: إي والله أيّها الأمير، وما أخفيته أكثر. فقال: اسكن، ولا ترع. ثم نظر إلى فتية بين يديه جلوس كأنّهم الصّقور فوثبوا، ثم استدعى أحدهم، وهمس إليه بشيء، فمضى مسرعا ثم أومأ إلى الثاني فهمس إليه، ومضى، وفعل كذلك بالثالث. ثم أقبل الأوّل ومعه خادم في يده كيس، فصبّه في حجري، فقال له أبوه: كم هذا؟ فقال: ألف وسبع مئة دينار، والله، ما كان في بيت مالك غيرها. ثم أقبل الثاني وبين يديه عبد على كتفه مثل الكاره (¬2)، فصبّها بين يدي فإذا هو حليّ مختلع من حليّ بناته ونسائه، وقال لأبيه: والله، ما أبقيت لهما (¬3) حليّا غير ما ترى. وأقبل الثالث ومعه غلامان معهما كارتان من فاخر ثيابه، فوضع ذلك بين يدي، ثم قال: يا ابن هرمة، أنا أعتذر إليك من قلّة ما حبوتك به، مع بعد هذه الشّقّة، وطول العهد، وسعة الأمل، ولكنّك جئتنا في آخر السّنة، وقد تقسّمت أموالنا الحقوق، ونسفتها (¬4) أيدي المؤمّلين، فلن يبقى ¬

(¬1) في الأصل: اثني عشر. (¬2) الكارة: ما يحمل على الظهر من الثياب، تكور في ثوب واحد. متن اللغة. (كور). (¬3) كذا في الأصل، والصواب: لهنّ. (¬4) في الفرج بعد الشدة: ونهبتنا. . . فلم يبق.

لنا غير هذه الصّبابة، فآثرناك بها على أنفسنا، واستللناها لك من أفواهنا، ولو بعثت (¬1) إليّ لأنفذت إليك منها ما يكفيك، فأتاك عفوا ولم تتجشّم إلينا سفرا ولا مشقّة، ولم تحتج إلى سوانا، وذلك لك مني أبدا ما بقيت. فأقسمت عليك لما أصبحت [إلا] (¬2) على ظهر ناقتك، وتداركت أهلك فخلّصتهم من هذه المحنة. فقمت إلى ناقتي فإذا هي قد ضعفت فقال: ما أرى في ناقتك فضلا، يا غلام، ناقتي الفلانية. فجاء بها برحلها فكانت والله أحبّ إليّ من كلّ ما ساقه إليّ، ثم دعا بناقتين فأوقرهما بالمال والثياب وزاد يكفيني لطريقي، ووهب لي عبدين، وقال: هما يسقيان لك، ويرعيان إلى أن ترد، فإن شئت ترتبطهما وإن شئت تبيعهما. أفألام أن أغصّ حذار سخط هذا بريقي فضلا عن الماء القراح؟ 506 - مرّ يزيد بن المهلّب بأعرابيّة في خروجه من سجن عمر بن عبد العزيز فقرته عنزا، فقبلها، ثم قال لابنه معاوية: ما معك من النّفقة؟ فقال: ثمان مئة دينار. فقال: ادفعها إليها. فقال: يا أبه، إنّك تريد الرّجال ولا يكون الرجال إلاّ بالمال، وبعد فهذه يرضيها اليسير، وهي لا تعرفك. فقال: إن كانت ترضى باليسير فأنا لا أرضى إلاّ بالكثير، وإن كانت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي. ادفع إليها المال. 507 - وذكر العتبي قال: أشرف عمر بن هبيرة الفزاري (¬3) من قصره يوما ¬

(¬1) في الأصل ما صورته: بعدثت. ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) ما بين المعقوفين مستدرك من الفرج بعد الشدة. 506 - الكامل 1/ 180، والعقد الفريد 1/ 306، ونهاية الأرب 3/ 211. 507 - المستجاد 236، والمستطرف 179، وفيات الأعيان 5/ 248. واختلف في الأمير الذي يدور عليه الخبر ففي المستجاد: خالد بن عبد الله القسري، وفي وفيات الأعيان: معن بن زائدة. (¬3) عمر بن هبيرة بن سعد الفزاري، أبو المثنى، أمير من الدهاة الشجعان، كان رجل أهل الشام، وهو بدوي أمي، ولاه عمر بن عبد العزيز الجزيرة فغزا الروم وأسر منهم-

فإذا هو بأعرابيّ يقصد نحو قصره، فقال لحاجبه: إن قصدني هذا، فأوصله إليّ. فلما دنا سأله، قال: قصدت الأمير. فأدخله عليه، فلمّا مثل بين يديه قال له عمر بن هبيرة: ما خطبك؟ فقال: أصلحك الله قلّ ما بيدي … فما أطيق العيال إذ كثروا ألحّ دهر رمى بكلكله (¬1) … فأرسلوني إليك وانتظروا قال: فأخذت عمر الأريحيّة، وجعل يهتزّ في مجلسه، ثم قال: أرسلوك إليّ وانتظروا؟ إذن والله، لا تجلس حتّى تعود إليهم غانما. وأمر له بألف دينار، وأعاده على بعيره لوقته. 508 - وذكر رجل من الأعراب قال: نزلت برجل من طيّئ فنحر لي ناقة فأكلت منها، فلما كان الغد نحر أخرى، فقلت له: إنّ عندك من اللّحم ما يكفي ويغني. فقال: والله، إنّي لا أطعم ضيفي إلاّ لحما عبيطا (¬2) قال: وفعل ذلك في اليوم الثّالث. وفي كلّ ذلك آكل شيئا، ويأكل الطائي أكل جماعة، ثم يؤتى باللّبن فأشرب شيئا، ويشرب هو غاية الوطب (¬3). فلمّا كان في اليوم الثّالث ارتقبت غفلته، فاضطجع فلما امتلأ نوما استقت قطيعا من إبله، وأقبلت به الفجّ، فانتبه واحتظر عليّ الطريق حتّى وقف لي في مضيق منه، وألقم وتره فوق سهمه (¬4)، ثم ناداني: أتطيب نفسك عنها؟ قال: فقلت له: أرني آية. قال: انظر إلى ذلك الضّبّ، إني واضع سهمي في مغرز ذنبه. ورماه، فأندر ذنبه. قلت له: زدني. فقال: انظر إلى أعلى ¬

3 - خلقا عظيما، ثم تولى إمارة العراق وخراسان توفي نحو سنة 110 للهجرة. الأعلام. (¬1) في الأصل: دهرا حتى بكلكله. والتصويب من المستجاد، ووفيات الأعيان، وفي المستطرف: أناخ دهري عليّ كلكله. (¬2) العبيط: الطري. القاموس (عبط). (¬3) الوطب: سقاء اللبن. لسان العرب (وطب). (¬4) الفوق: موضع الوتر من السهم. متن اللغة (فوق).

فقاره (¬1). ورماه، فأثبت سهمه في الموضع، ثم قال لي: الثّالثة والله في كبدك. فقال: فقلت: شأنك إبلك. فقال: كلاّ، حتى تسوقها إلى حيث كانت. فلما انتهيت بها، قال: إنّي فكّرت في أمرك، فلم أجد لك عندي ترة تطالبني بها، وما أحسب الذي حملك على أخذ إبلي إلاّ الحاجة. فقلت: هو والله ذاك. قال: فاعمد إلى عشرين من خيارها فخذها. فقلت: إذن والله لا أفعل حتّى تسمع مدحك: والله، ما رأيت رجلا أكرم ضيافة، ولا أهدى لسبيل، ولا أرمى كفّا، ولا أوسع صدرا، ولا أرغب خوفا، ولا أكرم عفوا منك. فاستحيا، وصرف وجهه عني، ثم قال: انصرف بالقطيع مباركا لك فيه. 509 - وقال المازنيّ (¬2): دخلت على الواثق، فقال لي: با اسمك؟ -وهي لغة للحارث بن كعب-فقلت: بكر. قال: هل لك من ولد؟ قلت: أخيّة تحلّ منّي محلّ الولد. قال: فما كان من قولها لك عند رحيلك إلينا؟ قلت: قالت قول الأعشى (¬3): تقول ابنتي حين جدّ الرّحيل … أرانا سواء ومن قد يتم أبانا فلا رمت من عندنا … فإنّا بخير إذا لم ترم ترانا إذا أضمرتك البلا … د نجفى وتقطع منّا الرّحم فقال: والله، لقد ذكّرتك بنفسها، فأحسنت، فبماذا أجبتها؟ قال: قلت: ¬

(¬1) في الأصل قفاره. 509 - العقد الفريد 2/ 101. (¬2) بكر بن محمد بن حبيب بن بقية، أبو عثمان المازني، أحد الأئمة في النحو من أهل البصرة، ووفاته فيها، الأعلام. (¬3) من قصيدة للأعشى ميمون بن قيس يمدح قيس بن معديكرب، الديوان صفحة 41 مطلعها: أتهجر غانية أم تلم ... أم الحبل واه بها منجذم

ثقي بالله ليس له شريك … ومن عند الخليفة بالنّجاح (¬1) فقال: والله، لقد أحسنت، ثق بالله ثم بالنّجاح، يا غلام، أنجحه بألف دينار. فأخذتها وانصرفت. 510 - وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: حضرت يوما بباب الرّشيد فقيل لي: هو نائم. فلقيني جعفر بن يحيى، وقال: ما الخبر؟ قلت: أمير المؤمنين نائم. فقال: قف مكانك. ومضى إلى دار الخليفة، وخرج الحاجب فأعلمه أنّه نائم، ورجع فقال: سر بنا إلى دارنا حتّى نخلو بقيّة يومنا ونأخذ في شأننا من وقتنا. فقلت: نعم. وسرنا (¬2) إلى داره، ونزعنا ثيابنا، ودعي بالطعام فأكلنا وأمر بإخراج الجواري، وقال: لتبرزن، فليس عندنا من نحتشمه. فلما وضع الشّراب دعا بقميص جديد فلبسه، ودعا بخلوق (¬3) فتخلّق به، ودعا لي بمثل ذلك، وجعل يغنّيني وأغنّيه، ثم دعا بالحاجب فتقدّم إليه وأمره أن لا يأذن لأحد من النّاس كافّة، وإن جاء رسول أمير المؤمنين أعلمه أنّه مشغول، واحتاط في ذلك، وتقدّم فيه إلى جميع الحجّاب والخدم. ثم قال: إن جاء عبد الملك ائذنوا له-يعني رجلا كان يأنس به ويمازحه ويحضر خلواته-ثمّ أخذنا في شأننا. فو الله إننا على حال سارّة عجيبة إذ رفع السّتر فإذا عبد الملك بن صالح الهاشمي (¬4) قد أقبل، وغلط الحاجب ¬

(¬1) البيت لجرير من قصيدة في ديوانه 1/ 87 مطلعها: أتصحو بل فؤادك غير صاح ... عشية همّ صحبك بالرواح 510 - المستجاد 153، والفرج بعد الشدة 1/ 362، ووفيات الأعيان 1/ 330، والمستطرف 338، وسير أعلام النبلاء 9/ 67. (¬2) في الأصل كتبت كلمة «سرنا» ووضع فوقها من دون أن يضرب عليها «صرنا» وكذلك قبل سطر فوق كلمة «سربنا». (¬3) الخلوق: طيب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب، وتغلب عليه الحمرة والصفرة. اللسان (خلق). (¬4) عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس، أمير من بني العباس، ولاه الهادي إمرة الموصل، ثم ولاه الرشيد المدينة والصوائف، ثم ولاه دمشق، وبلغه-

ولم يفرّق بين عبد الملك الذي عناه جعفر وبينه، وكان من جلالة القدر والتقشّف والامتناع من منادمة الرشيد على أمر جليل، وكان الرّشيد قد اجتهد أن يشرب قدحا معه فلم يقدر ولم يفعل رفعا لسبقه (¬1). فلما رأيناه مقبلا، أقبل كلّ واحد منّا ينظر لصاحبه، وكاد جعفر أن ينشقّ غيظا. وفهم الرّجل حالنا، فأقبل نحونا حتّى إذا صار إلى الرّواق الذي نحن فيه نزع قلنسوته فرمى بها مع طيلسانه جانبا، ثم قال: أطعمونا شيئا. فدعا جعفر بالطعام، وهو منتفخ غيظا وغضبا، فطعم ثم دعا برطل فشربه ثم أقبل إلى المجلس الذي نحن فيه، وأخذ بعضادتي الباب (¬2)، وقال: أشركونا فيما أنتم فيه. فقال له جعفر: ادخل. فدخل، ثم دعا بقميص جديد، وخلوق، فلبس وتخلّق، ثم دعا برطل فشربه ورطل حتّى شرب عدّة أرطال، ثم اندفع فغنّى، فكان والله أحسننا جميعا غناء، فلما طابت نفسه ونفس جعفر وسرّي عنه ما كان به التفت إليه، وقال له: ارفع حوائجك. فقال: ليس هذا موضع حوائج. فقال: لتفعلنّ. ولم يزل يلحّ عليه حتى قال: أمير المؤمنين عليّ واجد، وأريد أن تترضاه. قال: فإنّ أمير المؤمنين قد رضي عنك، فهات حوائجك كما أقول. قال: عليّ دين فادح. قال: هذه أربعة آلاف ألف درهم، فإن أحببت أن تقبضها من مالي السّاعة فاقبضها، فإنّه ما يمنعني إعطاءك إيّاها إلاّ أن قدرك يجلّ أن يصله مثلي، ولكنّي ضامن لك إيّاها من مال أمير المؤمنين غدا، فسل أيضا. قال: أحبّ أن تكلّم أمير المؤمنين بولدي لينوّه باسمه. فقال: قد ولاّه أمير المؤمنين مصر، وزوّجه الغالية ابنته، ¬

4 - أنه يطلب الخلافة، فحبسه ببغداد، ولما مات الرشيد أطلقه الأمين وولاه الشام والجزيرة، فأقام بالرقة إلى أن توفي سنة 196 هـ‍. كان من أفصح الناس وأخطبهم، له مهابة وجلالة. الأعلام. (¬1) كذا في الأصل ولعلها: لنفسه وفي الفرج بعد الشدة: ترفعا. (¬2) عضادتا الباب: الخشبتان المنصوبتان المثبّتتان في الحائط على جانبيه. القاموس المدرسي (عضد).

وأمهرها عنه ألفي ألف درهم. قال إسحاق: فقلت في نفسي: قد سكر الرّجل-أعني جعفرا- فلما أصبحت لم يكن لي همّة إلاّ حضور دار الرشيد، فلما دخلتها رأيت في الدار جلبة، وإذا أبو يوسف القاضي (¬1) ونظراؤه قد دعي بهم، ودعي بعبد الملك بن صالح وابنه وأدخلا على الرّشيد، فقال لعبد الملك: إنّ أمير المؤمنين كان عليك واجدا وقد رضي عنك، وأمر لك بأربعة آلاف ألف درهم، فاقبضها من جعفر بن يحيى السّاعة، ثم دعا بابنه، فقال: اشهدوا أنّي زوّجته الغالية ابنة أمير المؤمنين وأمهرتها عنه من مالي ألفي ألف درهم، وولّيته مصر. قال: فلما خرج جعفر بن يحيى سألته عن الخبر. قال: بكرت إلى أمير المؤمنين، وحكيت له جميع ما جرى وما كنّا فيه حرفا حرفا ووصفت له دخول عبد الملك وما صنع، فعجب لذلك، وسرّ به فقلت له: قد ضمنت له عن أمير المؤمنين ضمانا. فقال: وما هو؟ فأعلمته، فقال: أحضره لتفي بضمانك. وأمر بإحضاره فكان ما رأيت. 511 - قال: وقيل: كان بالجزيرة رجل يقال له خزيمة بن بشر الأسدي وكان ربّ نعمة يفضل على إخوانه ومن يقصده، فلم يزل به ذلك حتّى أنفد ماله، واحتاج إلى إخوانه فواسوه حينا ثمّ ملّوه. فلما ظهرت له منهم ملالة، قال لزوجته: إنّي رأيت من إخواني تغيّرا، وظهرت لي منهم جفوة، وقد رأيت أن ألزم بيتي، وأغلق بابي حتّى يأتي الله برزق، أو أموت. قالت: ¬

(¬1) أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي صاحب الإمام أبي حنيفة، وتلميذه، وأول من نشر المذهب، كان فقيها علامة، من حفاظ الحديث، غلب عليه الرأي، ولي القضاء ببغداد أيام المهدي والهادي والرشيد، وهو أول من دعي «قاضي القضاة» وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة كان واسع العلم بالتفسير والمغازي وأيام العرب، توفي سنة 182 هـ‍. الأعلام. 511 - المستجاد 26 وثمرات الأوراق 248.

وفّقك الله. فلزم بيته وجعل ينفق ممّا في يده. وولي الجزيرة رجل يقال له عكرمة الفياض من ربيعة، وصادف يوم دخوله الجزيرة نفاد ما كان يتقوّت به خزيمة بن بشر فعند ذلك ذكر (¬1) عكرمة ابن بشر في مجلسه، وقال: ما فعل خزيمة بن بشر الأسدي؟ فقيل له: قد صار من سوء الحال إلى ما لا يوصف. قال: فما وجد له من إخوانه كافيا ولا مواسيا؟ فقيل له: واساه بعضهم ثمّ ملّوه. فقال: واسوأتاه لهذه الأخلاق. ثم دعا خادما له يثق به، وأمره أن يتعرّف منزل خزيمة، ففعل ذلك، ثم أحضر قهرمانه وأمره أن يأتيه بأربعة آلاف دينار. ففعل ذلك، فلما كان بعد هدأة من الليل دعا بذلك الخادم، وأمره أن يحمل ذلك الكيس بين يديه. وركب دابّته بغير ضوء ولا سراج، وليس معه غير الخادم، وقصدا دار خزيمة حتى أوقفه الخادم على بابها، فأخذ الكيس ووضعه على قربوس (¬2) سرجه، وأمر أن يبعد عنه الخادم، ثم قرع الباب على خزيمة، ففتح وخرج إليه، فقال له عكرمة: أنت خزيمة بن بشر؟ قال: نعم، أصلحك الله. قال: خذ هذا فأصلح به من شأنك. فتناول منه الكيس، وقال له: من أنت جعلت فداك؟ فقال: ما جئتك في ذا الوقت وأنا أريد أن تعلم من أنا. فأخذ بعنان فرسه وقال: ما كنت لأقبل معروف من لم أعرفه. فأبى عكرمة، وألحّ عليه خزيمة، فقال: أمّا إذ أبيت فأنا جابر عثرات الكرام. قال: زدني، جعلت فداك. قال: ما عندي غير ذلك. وجذب عنان فرسه، وانصرف ودخل خزيمة منزله، فقالت له زوجته: ما وراءك؟ فقال لها: قد أتانا الله بخير عظيم، فإن كان فلوسا فهي كثيرة، فهل من سبيل إلى سراج؟ فقالت: لا والله، مالي إليه من سبيل، ولا أقدر عليه. فحلّ الكيس، ولمس خشونة ¬

(¬1) في الأصل: ذكره. (¬2) القربوس: حنو السرج.

الدّنانير، فلم يصدق لكثرتها، وبات بليلة طويلة. ورجع عكرمة إلى منزله، وقد سألت عنه زوجته وهي ابنة عمّه، فأخبرت أنّه ركب وليس معه أحد بغير ضوء ولا سراج. فقالت: أمير الجزيرة يركب في مثل هذا الوقت على مثل هذه الحالة؟! والله ما ركب إلاّ لجارية اشتراها، أو امرأة تزوّجها، وبكت وشقّت ثوبها، ولطمت وجهها. فدخل عليها عكرمة، وقال: ما وراءك؟ فقالت: أمير الجزيرة يركب في مثل هذا الوقت على مثل هذه الحالة؟! والله، ما ركبت إلاّ لجارية اشتريتها أو امرأة تزوجتها. فقال: والله، ما كان ركوبي لشيء ظننتيه. فقالت: والله، لا أزال على هذا أو تخبرني بما ركبت له. فأخبرها، فقالت: قد وقع لي أنّ الأمر كذلك كان. وسكتت. ثم أصبح خزيمة وقد رأى ما أتاه به من الرّزق، فعمد إلى السّوق واشترى الكسوة والخدم والدّوابّ والفرش، وتجهّز للمسير إلى سليمان بن عبد الملك وهو يومئذ خليفة، وكانت له به حرمة متقدّمة فوصل إليه وهو بفلسطين فلما وقف ببابه استأذن عليه، فأذن له. فلمّا رآه قال: خزيمة بن بشر؟! قال: نعم، خزيمة يا أمير المؤمنين. قال: ما الذي أبطأ بك عنّا؟ قال: سوء الحال. قال: فكيف قدرت الآن على الوصول؟ فأخبره بالقصّة، فقال له: فما عرفت الرّجل؟ فقال: لا والله، يا أمير المؤمنين. فقال: والله، لو عرفنا من هو لجبرنا منه أضعاف ما جبر منك. ثم دعا بقناة، وعقد له على الجزيرة، وأمره بالخروج إليها. فقيل لعكرمة: قد ولي خزيمة بن بشر البلد. فقال: بارك الله له فيها. فلما قرب من البلد خرج النّاس للقائه، وخرج عكرمة فيمن خرج. فلما دخل تقدّم إلى حاجبه أن يمنع عكرمة من الانصراف إلى منزله. ففعل به ذلك باقي يومه، ثم دعا به من الغد وأمر بمحاسبته، فوجد عليه مالا كثيرا فقال: أدّ هذا المال. فقال: ما هو عندي، أصلح الله الأمير، ولا أقدر عليه. فقال:

لا بدّ من ذلك. فقال: والله، ما أنا ممّن يصون ماله بعرضه ونفسه. فأمر به إلى الحبس وثقّله بالحديد، وضيّق عليه في محبسه، فأقام في ذلك حتى أجهده الأمر وبلغ منه الضّرّ (¬1). واتّصل خبره بابنة عمّه فدعت مولدة (¬2) لها ذات عقل وأدب وقالت لها: امضي إلى باب الأمير، وقولي للحاجب: عندي نصيحة للأمير تسرّه. وإذا سألك عنها فقولي: ما أخبر بها إلاّ الأمير. فإذا دخلت إليه فقولي: هذا جزاء جابر عثرات الكرام منك؟ فبئس ما جزيته وكافيته بالحبس والضّيق والحديد. قال: فلمّا فعلت ذلك وقصّت عليه القصّة، فلمّا سمع ذلك قال: وا سوأتاه، وكأنّه هو (¬3)؟ قالت: إي والله. فأمر من وقته بدابّته فأسرجت، وبعث إلى وجوه أهل البلد فجمعهم، وأتى بهم إلى باب السّجن، ففتح ودخل عليه هو ومن معه، وإذا بعكرمة في قاع السّجن متغيّرا، وقد أضناه الضّرّ. فلمّا نظر إليه عكرمة وإلى الناس معه احتشمه، ونكس رأسه، وجعل يبكي. وأقبل خزيمة على رجليه يقبّلها (¬4)، وهو يبكي، وأقبل يقول: وا سوأتاه من الله ومن الناس. فقال عكرمة: وما سبب هذا منك؟ قال خزيمة: كريم فعلك، وسوء مكافأتي. فقال عكرمة: يغفر الله لنا ولك. ثم أمر الحدّاد ففكّ القيد من رجله، وأخذ خزيمة يضع القيد في رجله، فقال عكرمة: أقسم بالله لا تفعل. فخرجا جميعا إلى دار خزيمة، فودّعه عكرمة وأراد الانصراف فلم يفعل خزيمة. وأمر بالحمّام فأخليت، ودخلا جميعا وخرجا، فخلع عليه وحمله إلى منزله، وحمل إليه مالا كثيرا، ثم سار معه إلى داره، واستأذنه في الاعتذار من ابنة عمّه، واعتذر إليها وتذمّم من ذلك، ¬

(¬1) في المستجاد: فأضناه ذلك وأضرّ به. (¬2) في المستجاد: مولاة. (¬3) كذا في الأصل، وفي المستجاد: وإنّه لهو؟ (¬4) في المستجاد: أكب على رأسه فقبّله.

ثمّ إنّ خزيمة سأله أن يسير معه إلى الخليفة وكان بالرّملة، فسارا جميعا حتّى قدما على سليمان فدخل الحاجب، فأعلمه بقدوم خزيمة فراعه ذلك، وقال: والي الجزيرة يقدم بغير إذن، ما هذا إلاّ لحادث عظيم. فلما دخل عليه قال له سليمان قبل أن يسلّم عليه: ما وراءك يا خزيمة؟ قال: خير يا أمير المؤمنين. قال: فما الذي أقدمك علينا؟ قال: ظفرت بجابر عثرات الكرام، فأحببت أن يسرّك لما رأيت من تلهّفك وشوقك إليه. قال: ومن هو؟ قال: عكرمة الفيّاض. فأذن له بالدّخول، فدخل وسلّم، وأدناه ورحّب به، فقال: يا عكرمة، ما كان إحسانك إليه إلاّ وبالا عليك. فقال: لا والله يا أمير المؤمنين، أليس كان السّبب إلى النّظر إلى وجهك؟ فقال: اكتب لنا بجميع حوائجك. ففعل، فأمر سليمان بقضاء ذلك كلّه، وأمر له بعشرة آلاف دينار وسفطين (¬1) [من] ثياب، ثم أمر بإحضار قناة وعقد له على الجزيرة وإرمينية وأذربيجان، وقال: أمر خزيمة إليك إن شئت أن تبقيه، وإن شئت أن تعزله. قال: بل أردّه على (¬2) عمله. ثم انصرفا فلم يزالا عاملين مدّة خلافة سليمان بن عبد الملك. ثم تمام باب القناعة واليأس. 512 - للشّافعيّ: ألا يا نفس إن ترضي بقوت … فأنت عزيزة أبدا غنيّه دعي عنك المطامع والأماني … فكم أمنيّة جلبت منيّه 513 - الخريميّ: ¬

(¬1) السفط محركة كالجوالق أو كالقفة. القاموس (سفط) وما بين معقوفين من المستجاد. (¬2) في المستجاد: أرده إلى. 513 - في الديوان صفحة 26 البيت الأول فقط.

العيش لا عيش إلاّ ما قنعت به … قد يكثر المال والإنسان مفتقر يا حبّذا لذّة الدّنيا وزهرتها … لولا السّقام ولولا الموت والكبر 514 - البستي (¬1): دعوني ورسمي في عفافي فإنّني … جعلت عفافي في حياتي ديدني فأعظم من وقع اليدين على الفتى … صنيعة برّ نالها من يدي دني (¬2) 515 - آخر: أعزّ النّاس نفسا من تراه … يعزّ النّفس عن ذلّ السّؤال ويقنع بالكفاف ولا يبالي … بفضل فات من جدة ومال فكم شقّت ودقّت واسترقّت … فضول العيش أعناق الرّجال 516 - وقيل: خير الغنى القنوع، وشرّ الفقر الخضوع. 517 - أبو الفتح البستي: يا آمري باقتناء المال مجتهدا … كيما أعيش بمالي في غد رغدا هبني بجهدي قد حصّلت رزق غد (¬3) ... فمن ضميني بتحصيل الحياة غدا 518 - وقال عليّ بن أبي طالب: من قنع بالرّزق استغنى عن الخلق، ومن رضي بالمقدور قنع بالميسور. ¬

514 - الديوان صفحة (205). (¬1) البستي علي بن محمد بن الحسين أبو الفتح، شاعر عصره وكاتبه ولد في بست قرب سجستان وإليها نسبته، وكان من كتاب الدولة السامانية في خراسان، وارتفعت مكانته عند الأمير سبكتكين وخدم ابنه يمين الدولة محمود، ثم خرج إلى ما وراء النهر فمات غريبا سنة 400 للهجرة (الأعلام). (¬2) في الديوان: وأعظم من قطع اليمين. 517 - الديوان صفحة 62. (¬3) في الديوان: هبني بجهدي قد أصلحت أمر غد

519 - بعضهم أتظنّ رزقك تحتويه بقوّة … هيهات أنت بباطل مشغوف رعت النّسور بقوّة جيف الفلا … ورعى الذّباب الشّهد وهو ضعيف 520 - آخر: هوّن عليك بكون ما هو كائن … قضي القضاء وجفّت الأقلام ما الرّزق من عجز ولا بجلادة … لكن بما سبقت به الأقسام 521 - آخر: هي القناعة لا تطلب بها بدلا … لو لم ينلك سوى التّرفيه في البدن وانظر إلى من حوى الدّنيا بأجمعها … هل راح منها بغير القطن والكفن 522 - وقال أردشير: إصلاح الشّيم بالقناعة، ونموّ الفضل بالعلم. 523 - وسئل بزرجمهر عن الرّزق فقال: إن كان قسم فلا تعجل، وإن لم يكن قد قسم فلا تتعب. 524 - الرّزق يبغيك كما تبغيه وأنت ميت حين تستوفيه والدّهر فيه أبدا وفيه من لم يكن يغنيه ما يكفيه فكلّ ما في الأرض لا يغنيه 525 - وقال أرسطاطاليس في وصيّته للإسكندر وعهده إليه: إذا أردت ¬

519 - عزاه الدميري في حياة الحيوان 1/ 297 إلى أبي العلاء المعري، ولم أجده في كتبه. 521 - انظر المستطرف 97. 525 - الحكمة الخالدة ص 221 وهي ضمن وصية أرسطوطاليس للإسكندر لما اشتدت علة أبيه فيلفس وتقرر الأمر للإسكندر ابنه.

الغنى، فاطلبه في القناعة؛ فإنّه من لم يكن له قناعة فليس المال مكفيه وإن كثر. وقد قال أوميرس (¬1) الشاعر: لا مال يكفي عند ترك القناعة ولا خير في المرء إذا لم يكن قنوعا. 526 - ومن وصيّة أكثم بن صيفي (¬2): من قنع بما هو فيه قرّت عينه. 527 - وقال بعض الحكماء الذين حضروا وفاة الإسكندر: من رأى هذا الشّخص فليقنع ويمسك عن طلب الرّغائب، فإنّ عاجلها قاتل، وآجلها مهلك. 528 - وقيل: أقلّ ما في القناعة الرّاحة. 529 - أبو ذؤيب (¬3): ¬

(¬1) أوميرس أو هوميروس أقدم شعراء اليونانيين، وأرفعهم منزلة، له حكم كثيرة وقصائد حسنة، وجميع شعرائهم الذين أتوا بعده على مثاله احتذوا، وصفه نقاد اليونان بأنه البداية والنهاية وأنه معلمهم وباعث نهضتهم، أوجد منهم أمة قوية تؤمن بدين واحد، وتتخذ لغة واحدة، نظم الإلياذة والأوديسا باللهجة الأيونية، ويرجح أنه عاش في القرن الثامن قبل الميلاد في آسيا. ويعدّ أشدّ الشعراء تأثيرا في أدباء الغرب جميعا في مختلف العصور. مختار الحكم ومحاسن الكلم صفحة 29، والموسوعة العربية الميسرة. (¬2) أكثم بن صيفي حكيم العرب في الجاهلية، وأحد المعمرين، أدرك الإسلام وقصد المدينة في مئة من قومه يريدون الإسلام، فمات في الطريق، وهو المعني بالآية وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اَللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ اَلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اَللهِ [النساء:100]. الأعلام. 529 - ديوان الهذليين صفحة 3. والبيت قاله أبو ذؤيب ضمن قصيدة وقد هلك له خمسة بنين في عام واحد أصابهم الطاعون، وفي رواية: وكان له سبعة بنين شربوا من لبن شربت منه حيّة ثم ماتت فيه فهلكوا في يوم واحد، مطلعها: أمن المنون وريبها تتوجع ... والدهر ليس بمعتب من يجزع (¬3) أبو ذؤيب خويلد بن خالد، من بني هذيل بن مدركة، شاعر فحل مخضرم، سكن المدينة واشترك في الغزو والفتوح، وعاش إلى أيام عثمان فخرج إلى إفريقية-

والنفس راغبة إذا رغّبتها … وإذا تردّ إلى قليل تقنع 530 - ويقال: العبد حرّ إذا قنع … والحرّ عبد إذا طمع 531 - منصور الفقيه المقرئ: إذا القوت تأتّى ل‍ … ـك والصّحة والأمن وأصبحت أخا حزن … فلا فارقك الحزن 532 - وقيل: سأل عبد الملك بن مروان الهيثم بن الأسود (¬1): [ما] (¬2) مالك؟ فقال: القوام من العيش، والغنى عن النّاس. 533 - وقال بشر بن الحارث: خرج فتى في طلب الرّزق فبينما هو يمشي إذ أعيا، فأوى إلى خراب يستريح فيه، فبينما هو يدير بصره، إذا وقعت عينه على بناء فيه كتاب: إنّي رأيتك قاعدا مستقبلي … فعلمت أنّك للهموم قرين هوّن عليك وكن بربّك واثقا … وأخو التّوكّل شأنه التّهوين ¬

3 - مجاهدا، فشهد فتحها وعاد يحمل البشرى فلما كان بمصر مات فيها سنة 27. الأعلام. 530 - المستطرف (94) والبيت معزو فيه للكندي. 531 - ديوانه صفحة 167، وزهر الآداب 3/ 242. 532 - تهذيب الكمال 30/ 363، وجاء في حلية الأولياء 3/ 232، وعيون الأخبار 2/ 360: قيل لأبي حازم: ما مالك؟ فقال: الثقة بما في يد الله، واليأس مما في أيدي الناس. (¬1) الهيثم بن الأسود النخعي خطيب شاعر، من ذوي الشرف والمكانة في الكوفة، من المعمرين، أدرك عليا، ظلّ الهيثم مواليا لعبد الملك بن مروان معروفا في الكوفة بطاعته للمروانيين، لما قام عبد الله بن الزبير بثورته وأرسل أخاه مصعبا أميرا على العراق. غزا القسطنطينية سنة (98) مع مسلمة ومات نحو سنة (100) للهجرة. الأعلام. (¬2) ما بين معقوفين مستدرك من تهذيب الكمال. 533 - البصائر والذخائر المجلد الثالث/641، والهفوات النادرة (138)، والمستطرف 94.

طرح الأذى عن نفسه في رزقه (¬1) … لما تيقّن أنّه مضمون قال: فرجع الفتى إلى منزله، وقال: اللهمّ، أدّبنا أنت. 534 - وقال أبو حازم: ثلاث من كنّ فيه كمل عقله: من عرف نفسه، وملك لسانه، وقنع بما رزقه ربّه. 535 - ومن أمثال التّرك: انتقم من الحرص بالقناعة كما تنتقم من العدوّ بالقصاص. 536 - ووجد في كتاب لجعفر بن يحيى أربعة أسطر مكتوبة بالذهب: الرّزق مقسوم، والحريص محروم، والحسود مغموم (¬2). 537 - وقال سعيد بن المسيّب: من استغنى بالله احتاج إليه الخلق. 538 - وكان يقال: ما قلّ وكفى خير ممّا كثر وألهى. 539 - وقال الحسن البصري: الحريص الجاهد، والقانع الزّاهد كلاهما مستوف أكله غير منتقص شيئا قدّر، فعلام التّهافت في النّار؟. 540 - وقيل: ما استرقّ الرّجل بأمر يشبه الطّمع. 541 - وكان يقال: أصل العفاف القناعة، وثمرتها الأحزان. 542 - وكان يقال: من قنع مات فقره، والّذي يقنط يموت وروحه في بدنه. 543 - وقال بعض الحكماء: اليأس حرّ، والرّجاء عبد. 544 - وقال: ما الحرص بأذهب بعقول الرّجال من الطّمع. ¬

(¬1) في الأصل: طرح الأذى في نفسه عن زرقه. وما أثبتّه من مصادر الخبر. (¬2) كتب في الهامش ما نصّه: لعل الرابعة والأجل محتوم.

545 - وقال بعض الحكماء: الغنى والعزّ خرجا فلقيا القناعة فاستترا. 546 - وقال مجاهد (¬1): كان يقال: عزّ المؤمن استغناؤه عن النّاس. 547 - وقال إبراهيم بن أدهم (¬2): لا تجعل بينك وبين الله منعما، واعدد النّعم منهم عليك مغرما. 548 - وخطب يوما عمر بن الخطاب، فقال: أيّها الناس، من يئس من شيء استغنى عنه. 549 - ويقال: الاستكثار من الدّنيا بعد البلغة هو الحرص. 550 - ولبعضهم: إذا كنت تأتي المرء تعرف حقّه … ويجهل منك الحقّ فالتّرك أجمل وفي الأرض منجاة، وفي الصّبر راحة ... وفي اليأس عمّن لا يوافيك مرحل (¬3) 551 - وقيل: من رضي بالقليل من الرّزق، رضي منه بالقليل من العمل. ¬

(¬1) مجاهد بن جبر، أبو الحجاج تابعي مفسر من أهل مكة، شيخ القراء والمفسرين، أخذ التفسير عن ابن عباس، قرأه عليه ثلاث مرات، يقف عند كل آية يسأله فيم نزلت، وكيف كانت؟ توفي سنة 104 للهجرة. الأعلام. (¬2) إبراهيم بن أدهم التميمي البلخي أبو إسحاق زاهد معروف، كان أبوه من أهل الغنى فتفقه ورحل إلى بغداد وجال في العراق والشام، وأخذ عن العلماء، وكان يعيش من العمل بالحصاد وحفظ البساتين والحمل والطحن، ويشترك مع الغزاة في قتال الروم، كان ينطق بالعربية الفصحى لا يلحن. توفي سنة 161 للهجرة. الأعلام. 550 - عيون الأخبار 3/ 19. (¬3) رواية عيون الأخبار: وفي العيش منجاة وفي الهجر راحة ... وفي الأرض عمّن لا يؤاتيك مرحل وجاء في حاشيتة: «المرحل»: المكان الذي يرتحل إليه، ويحتمل أن يكون «مزجل» بالزاي، والمزجل: المكان الذي ينتقل إليه.

552 - إنّي رأيت وفي الأيّام تجربة … للصّبر عاقبة محمودة الأثر وقل من جدّ في أمر يطالبه … واستصحب الصّبر إلاّ فاز بالظّفر **** ¬

552 - تقدم البيتان في الخبر 319، وانظر التعليق عليه.

الفصل السابع في مكارم الأخلاق والكرم ومحاسن الأخلاق والشيم

الفصل السابع في مكارم الأخلاق والكرم ومحاسن الأخلاق والشّيم 553 - قال عبد الملك بن مروان لأسماء بن خارجة الفزاري (¬1): بلغني عنك أخلاق شريفة، فصفها لي. فقال: يا أمير المؤمنين، هي من غيري أحسن. فقال: أقسمت عليك لتفعلنّ. فقال: يا أمير المؤمنين، ما قدّمت ركبتي أمام جليسي قطّ؛ كراهة أن يظنّ ذلك تطاولا منّي عليه، ولا دعوت أحدا إلى طعامي إلا لم أزل بفضله عارفا، ولا بذل رجل لي وجهه في حاجة فرأيت أنّ شيئا من الدّنيا صغيرا أو كبيرا عوضا عن بذل وجهه، ولا شتمني أحد أو سفه عليّ إلا حملته: إمّا أن يكون لئيما فلا أساويه، أو كريما زلّ فأنا أحقّ باحتماله، أو نظيرا فأفضل عليه بحلمي عنه. فضرب عبد الملك بيده على ¬

553 - المنتقى من كتاب مكارم الأخلاق (41)، والحماسة الشجرية 1/ 384، ومختصر تاريخ دمشق 4/ 379، وفوات الوفيات 1/ 168. (¬1) أسماء بن خارجة بن حصن الفزاري، أحد الأجواد من الطبقة الأولى من التابعين من الكوفة، ساد الناس بمكارم أخلاقه. توفي سنة 66 للهجرة، فوات الوفيات 1/ 168.

فخذه، وقال: حقّ لك أن تكون سيّدا. 554 - سألزم نفسي الصّفح عن كلّ مذنب … وإن عظمت منه عليّ الجرائم وما النّاس إلاّ واحد من ثلاثة … شريف ومشروف ومثل مقاوم فأمّا الذي فوقي فأعرف فضله … وألزم نفسي ظلمه وهو ظالم (¬1) وأمّا الذي مثلي فإن زلّ أو هفا … تفضّلت إنّ الفضل بالعزّ حاكم (¬2) وأمّا الذي دوني فإن قال منكرا … أجانبه عرضي وإن لام لائم (¬3) 555 - أبو بكر العروضي: إذا لم يكن للمرء فضل ولم يكن … يدافع عن أقوامه لم يسوّد وكيف يسود القوم من هو مثلهم … بلا منّة منه عليهم ولا يد 556 - وقيل: لما هرب يزيد بن المهلّب من الحجّاج حيث عزله عن خراسان، وغرّمه ستّة آلاف ألف درهم، وقيّده وطالبه بها، وعذّبه، فهرب ليلا وكان أعدّ دوابّا ضمّرا في مواضع من الطريق، فكان كلّما وقفت به فرس استقبلته أخرى حتّى قدم فلسطين، فنزل على سليمان بن عبد الملك، فكتب سليمان إلى أخيه الوليد يعرّفه قدومه عليه، واستجارته به، ويسأله أن يؤمّنه، وكتب: إن بعثت به إليك، قدمت معه عليك، فأنشدك الله أن تفضحني أو تحقرني (¬4). فكتب إليه الوليد: لو قدمت معه لم أؤمّنه، فابعثه في وثاق. ¬

554 - الأبيات في العقد الفريد 2/ 283 من غير عزو، وفي المناقب والمثالب ورقة 9/ب لمحمود الوراق. (¬1) الشطر في العقد الفريد: وأتبع فيه الحقّ والحقّ قائم. (¬2) في العقد: إن الفضل للحرّ لازم. (¬3) في العقد: وأما الذي دوني فإن قال. صنت عن إجابته نفسي وإن لام لائم 556 - تاريخ الطبري 6/ 448، والمستطرف 154،155. (¬4) في تاريخ الطبري 6/ 451: تخفرني.

فقال يزيد لسليمان: ابعث بي إليه، والطف في الكتاب، فلست أحبّ أن أوقع بينك وبين أخيك حربا. فبعث به إليه مع ابنه في سلسلة، فلمّا دخلا على الوليد ونظر إلى ابن أخيه في الوثاق، فقال: والله، لقد أبلغنا من سليمان. فقال الغلام: نفسي فداؤك، لا تخفرنّ ذمّة أبي، فإنّك أحقّ من منعها، ولا تقطع [منّا] رجاء من رجا السّلامة بجوارنا لمكاننا منك، ولا تذلّنّ من أمّل العزّ في انقطاعه إلينا بك. ثم دفع إليه كتاب أبيه، فلما وقف عليه، قال: لقد أشفقنا على سليمان. وتكلّم يزيد فأمّنه، وأجلسه. 557 - لخليلي عليّ منّي ثلاث … واجبات أبيحها إخواني حفظه في المغيب إن غاب عنّي … ولقاه بالبشر إن لاقاني ثم بذلي لما حوته يميني … مسعدا (¬1) في الخطوب أنّى دعاني هذه عادة الصّديق فإن خان … فعندي عوائد الإحسان 558 - وقيل: من مكارم الأخلاق: الصّون للعرض، والقيام بالفرض، والأخذ بالفضل، والوفاء بالعهد، والإنجاز بالوعد. 559 - وقيل: في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق. 560 - وقال الأصمعي: سمعت [سيّدا] (¬2) من قيس يقول لقومه: إنّما أنا رجل منكم، ليس لي فضل عليكم، ولكن أبسط لكم وجهي، وأبذل لكم مالي، وأحفظ حريمكم، وأقضي حقوقكم، وأعود مرضاكم، وأتبع جنائزكم، فمن فعل هذا فهو مثلي، ومن زاد عليه فهو خير منّي، ومن قصّر عنه فأنا خير منه. قيل له: فما حملك على هذا؟ قال: أبعثكم على مكارم الأخلاق. ¬

(¬1) في الأصل: مسعد. 560 - الخبر بنحوه في محاضرات الأدباء 1/ 75. (¬2) ما بين معقوفين زيادة يقتضيها النص.

561 - وقال بزرجمهر: خير النّاس أكرمهم عند الضّيق (¬1)، وأعدلهم عند الغضب، وأبعدهم من الظّلم إذا قدروا، وأرحمهم إذا سلّطوا، وأبسطهم وجها عند المسألة، وأشكرهم على النّعمة، وأصبرهم على الشدّة. 562 - وقيل لأنوشروان العادل: من أطول النّاس عمرا؟ قال: من كثر معروفه فشرف به عقبه، ومن كثرت معرفته فيتأدّب به غيره. 563 - وقيل أيضا لأنوشروان: من أشكر النّاس؟ قال: من حمد على كلّ حال، ورضي به. 564 - وقال عبد الملك لقومه: يا بني مروان، كفّوا أذاكم، وابذلوا نداكم، واعفوا إذا قدرتم، ولا تخلفوا إذا وعدتم. 565 - وجاء قوم إلى سلم (¬2) بن قتيبة، فقالوا: جئناك فيما لا يشقّ عليك. قال: هذه أبغض الحوائج إليّ. 566 - وروي عن الواقدي قال: كان لي صديقان أحدهما هاشميّ [والآخر نبطيّ] (¬3)، وكنّا كنفس واحدة، فنالتني ضائقة شديدة، وحضر العيد فقالت لي امرأتي: يا هذا، أمّا نحن فنصبر على البؤس والشدّة، وأمّا صبياننا فقد قطّعوا قلبي رحمة لهم، لأنّهم يرون (¬4) صبيان جيرانهم قد تزيّنوا في عيدهم، وأصلحوا من شأنهم، وهم على هذه الحال، فلو احتلت في شيء ¬

(¬1) في الأصل: الطليق. (¬2) في الأصل: سليمان. وسلم بن قتيبة بن مسلم ولي البصرة زمن مروان بن محمد ثم وليها أيام أبي جعفر المنصور فكان من الموثوق بهم في الدولتين الأموية والعباسية، وكان من عقلاء الأمراء عادلا، حسنت سيرته، مات بالري سنة 145، الأعلام. 566 - مروج الذهب 4/ 330 (2759)، والمستجاد 110، والفرج بعد الشدة 2/ 332، وتاريخ بغداد 3/ 19، ووفيات الأعيان 4/ 349. (¬3) ما بين معقوفين مستدرك من المستجاد. (¬4) في الأصل: يروا.

نصرفه في كسوتهم. قال: فكتبت إلى صديقي الهاشمي أسأله التّوسعة عليّ بما حضر. فوّجه إليّ كيسا مختوما، وذكر أنّ فيه ألف درهم. فما استقرّ قراره عندي حتى كتب إليّ الصّديق الآخر يشكو إليّ مثل ما شكوت إلى صاحبي. فوجّهت إليه بالكيس كهيئته، وخرجت إلى المسجد، فأقمت ليلتي مستحيا من امرأتي، فلما دخلت عليها استحسنت ما كان منّي، ولم تعنّفني عليه، فبينما أنا كذلك إذا وافى صديقي الهاشمي ومعه الكيس بحاله، وقال: اصدقني عمّا [فعلته فيما] (¬1) وجهت به إليك. فعرّفته الخبر على جهته (¬2)، فقال: إنّك وجّهت إليّ وما أملك على وجه الأرض غير الذي بعثت به إليك، وكتبت إلى صديقنا أسأله المواساة، فوجّه إليّ بالكيس وهو بختمي. قال: فتواسينا الألف درهم فيما بيننا أثلاثا بعد أن أخرجنا للمرأة مئة درهم. ونما خبرنا إلى المأمون، فأمر لنا بسبعة آلاف دينار، لكلّ منّا ألفا (¬3) دينار، وللمرأة ألف دينار. 567 - قال: وسأل معاوية خالد بن قيس عن الأحنف (¬4)، فقال خالد: إن شئت أخبرناك به ثلاثة، وإن شئت اثنتين، وإن شئت واحدة. قال: هات الثّلاثة. قال: كان لا يشره، ولا يحسد، ولا يمنع. قال: هات الاثنتين. قال: كان موفقا للخير، معصوما عن الشّرّ. قال: فهات الواحدة. قال: كان أقوى الناس سلطانا على نفسه. 568 - وقال ثمامة بن أبي ثمامة: كنت في موكب يحيى بن خالد يوما إذ عرض له رجل فسبّه وذمّه، فتبادرت إليه الحجّاب ليوقعوا به. فقال لهم ¬

(¬1) ما بين المعقوفين مستدرك من مروج الذهب والمستجاد. (¬2) في المستجاد: على جليته. (¬3) في الأصل: ألفي. 567 - العقد الفريد 2/ 278. (¬4) في العقد: وقال هشام بن عبد الملك لخالد بن صفوان: بم بلغ فيكم الأحنف. . . .

يحيى: دعوه، وكفّوا عنه. ثم دعا به، وقال: أتعلم أنّي قادر على الإساءة عليك؟ قال: نعم. قال: قدرتي تمنعني عنك. 569 - وقال بعض أهل الفضل: إنه يعرض الإنسان (¬1) إليّ حاجة، فأبادر إلى قضائها مخافة أن يستغني عنها، فتذهب حلاوة الكرم. 570 - وقال معاوية لعرابة بن أوس (¬2): بم سدت على قومك؟ قال: بإعراضي عن جاهلهم، وإعطائي سائلهم، وإسراعي في حوائجهم. 571 - وقال بعض العقلاء: ما ذللت إلا لأحد رجلين: رجل له عندي صنيعة، ورجل لي عنده صنيعة، فأمّا الذي له عندي صنيعة فيذلّني له الشّكر، وأمّا الذي لي عنده صنيعة فيذلّني الخوف من فسادها. 572 - وقال عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه: إذا أقبلت الدّنيا عليك فأنفق، فإنّه لا يفنى، وإذا أدبرت، فأنفق فإنّه لا يبقى. وأخذ هذا المعنى شاعر فقال: أنفق ولا تخش إقلالا فقد قسمت … بين العباد مع الآجال أرزاق لا ينفع البخل مع دنيا مولّية … ولا يضرّ مع الإقبال إنفاق 573 - وقال المأمون: بلوت رعيّتي بالكرم والسّيف، فكان الكرم أنجع ¬

569 - في عيون الأخبار 3/ 175: قال جعفر بن محمد: إن الحاجة تعرض للرجل قبلي، فأبادر بقضائها مخافة أن يستغني عنها، أو تأتيه وقد استبطأها فلا يكون لها عنده موقع. (¬1) في الأصل: للإنسان. 570 - انظر الكامل 1/ 166، والعقد الفريد 2/ 288، ومحاضرات الأدباء 1/ 75. (¬2) عرابة بن أوس بن قيظي الأوسي الأنصاري، من سادات المدينة الأجواد المشهورين، أدرك حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم وأسلم صغيرا، قدم الشام في أيام معاوية وله أخبار معه، توفي بالمدينة نحو سنة 60. الأعلام. 572 - الخبر في عيون الأخبار 3/ 179، والعقد الفريد 1/ 228، ونهاية الأرب 3/ 206 عن بزرجمهر.

فيهم من السّيف. 574 - وقيل: ما استعبد الكريم بمثل الإكرام. 575 - وسئل بعض مشايخ العرب: أيّ الأعمال أحبّ إلى الله تعالى؟ قال: إدخال السّرور على قلوب النّاس. قيل: فما بقي من لذّاتك؛ قال: التّفضّل على الإخوان. 576 - وأوصى رجل بنيه، فقال: يا بنيّ، اقصدوا العدل وما هو خير منه. قالوا: وما هو الذي خير من العدل؟ قال: التّفضّل. 577 - وقال الأصمعيّ: نزلت على رجل من جعدة في سنة مجاعة فقدّم لي كسيرات وتميرات، وأقبل يعتذر ويقول: إن الله عزّ وجلّ يقول في كتابه: ما كلّف الله نفسا فوق طاقتها … ولا تجود يد إلا بما تجد (¬1) فقلت: يا هذا، ليس هذا من كتاب الله، فقال: إنه حسن فألصقوه به. 578 - إبراهيم بن هرمة: قوم لهم شرف الدّنيا وسؤددها … صفوا على النّاس لم يخلط بهم رنق (¬2) إن حاربوا وضعوا أو سالموا رفعوا … أو عاقدوا ضمنوا أو حدّثوا صدقوا 579 - وقال: أيّها النّاس، لا تملّوا المعروف؛ فإنّ صاحبه يعوّض خيرا: إمّا شكرا في الدّنيا، أو ثوابا في الآخرة. 580 - وقال بعض أهل الكرم: ما أصبحت ذا صباح قطّ ولم أر ببابي أحدا يطلب حاجة أو يستعين بي على أمر إلا وكان ذلك عليّ من المصائب التي ¬

(¬1) البيت في العقد الفريد 1/ 236 لجعفر بن أبي طالب. وهو في الحماسة المغربية 2/ 1224. 578 - الديوان صفحة (239) وفيه: قال ابن هرمة، أو طريح بن إسماعيل الثقفي. (¬2) في الأصل: به رنق، والمثبت من الديوان.

أسأل الله العون عليها. 581 - وقال بعض أهل الكرم: أيّها النّاس، لا يعدّنّ أحدكم المعروف معروفا إذا لم يخرج عنه وهو في إخراجه مسرور، والله لو رأيتم المعروف لرأيتموه حسنا جميلا، ولو رأيتم البخل لرأيتموه قبيحا دميما، وأنشد: ولم أر كالمعروف أمّا مذاقه … فحلو وأمّا وجهه فجميل 582 - وسأل معاوية الأحنف بن قيس، فقال له: أنت سيّد قومك؟ فقال: ألجأهم الدّهر إليّ. فقال معاوية: هكذا تكون مخادعة الكريم وأهل الشّرف. 583 - وقيل: إنّ أخت شرف الدّولة بن حمدان (¬1) خرجت من بلد قاصدة إلى الموصل في هودج ومعها إماؤها وخدمها، فلقيها الصّيّاد الشّاعر البلدي في بعض الطّريق، فأنشدها: ته كيف شئت وسر على مهل … كلّ الجمال عليك يا جمل وعليّ أن لا تشتكي كللا … ما دام فوقك هذه الكلل فألقت إليه جميع ما عليها من الحليّ والحلل، وكان ينيف على ثلاثة آلاف دينار. فلما وصلت إلى الموصل وأخبر شرف الدّولة بذلك عاتبها على فعلها، وقال: الكرم في الرّجال محمود، وفي النّساء مذموم. قالت: صدقت، بأعجازهنّ لا بأموالهن. فلم يحر جوابا. 584 - ووصف بعض العرب صديقا له، قال: بلغ من كرمه على قومه أنّه كان يعتذر إليهم إذا جاد عليهم، ويشكرهم (¬2) إذا سلم منهم. 585 - وقيل لبعض الحكماء: بأيّ خلّة نكبت عدوّك؟ قال: بأن أزداد ¬

(¬1) كذا الأصل ولعله ابن بدران وهو مسلم بن قريش وانظر الحاشية رقم (4) صفحة 230. (¬2) كذا الأصل، ولعل الصواب: ويشكوهم.

فضلا في نفسي، وتفضّلا على غيري. 586 - وقيل إن رجلا زوّر عن الحسن بن سهل كتابا إلى بعض أصحابه وأوصله إليه. وشكّ فيه، وأنفذه إلى صاحبه الحسن فكتب إليه وهو يعلم أنّ الكتاب مزور: أمّا بعد، أما كان في كثرة نعمائنا عليك ما تصدّق به مخيلة من توسّل بنا إليك وإن كان مبطلا، فكيف وهو محقّ؟ فلما وقف الرّجل على الكتاب أحسن إلى موصله، وقضى حوائجه وصرفه مسرورا. 587 - وكان مخلد بن يزيد (¬1) من أجود أهل زمانه، فقال لأبيه: ما الجود؟ فقال له أبوه: العطيّة لمن سأل. فقال: هذا ثمن السّؤال. فقال له أبوه: فما الجود يا بني؟ قال: العطيّة قبل السّؤال. 588 - أبو فراس بن حمدان: ليس جودا عطيّة بسؤال … قد يهزّ السّؤال غير الجواد إنّما الجود ما أتاك ابتداء … لم تذق فيه ذلّة التّرداد 589 - وقيل: سأل رجل عبد الملك بن مروان الخلوة معه، فلما أخليا ابتدأ الرّجل يكلّمه، فقال عبد الملك: إيّاك أن تمدحني، فإنّي أعرف بنفسي منك، أو تكذبني فإنّي لا أرى الكذب، أو تسعى إليّ بأحد فإن السّعاية عندي كاسدة، وإن شئت إقالتك أقلتك. قال: أقلني. قال: امض راشدا. 590 - ووشى واش برجل إلى الإسكندر، فقال: أتحبّ أن أقبل منك ¬

586 - الخبر بنحوه في وفيات الأعيان 2/ 122. (¬1) مخلد بن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة، من بيت رئاسة، كان مع أبيه في أكثر وقائعه استخلف على خراسان، وقام بشؤونها، لمّا سجن أبوه في دمشق زمن عمر بن عبد العزيز جاء مخلد دمشق يلتمس الإفراج عن أبيه، وقد ناظره عمر ورأى من عقله ما أعجبه حتى قال: هذا فتى العرب، ولم يعش بعدها غير أيام. الأعلام. 588 - الديوان صفحة (104). 590 - الأجوبة المسكتة 35، ومختار الحكم 204 والخبر بين أرسطو وتلميذ له.

فيه على أن أقبل منه فيك؟ قال: لا. قال: فكفّ عن الشّرّ يكفّ عنك. 591 - وقيل: قدّم رجل رجلا في حكومة إلى زياد بن أبيه، فقال: يا زياد، خصمي هذا يدلّ بخاصّة منك. فقال زياد: صدق، وسأخبرك بما ينفعه باختصاصه منّي، إن يكن الحقّ له عليك، أخذتك به أخذا عنيفا، وإن يكن الحقّ لك عليه قضيت لك عليه، ثم قضيت عنه. 592 - وقيل: ولي محمّد بن عليّ إرمينية، فاجتمع يوما إلى كاتبه جماعة وقالوا: إن هاهنا ضياعا قد انقطعت، وحقوقا قد بطلت، وأموالا قد احتجنت. فكتب رقعة بما ذكره القوم إلى محمد بن عليّ، فقرأها ووقّع على ظهرها: قرأت هذه الرّقعة المذمومة وأنكرتها، وأنا أنهاك إلى مثلها، لأنّ سوق السّعاية عندنا كاسدة، وتجائرها بائرة، وألسنتهم في أيامنا معقولة. فذمّ (¬1) التّكشّف والتّتبّع؛ فإنّهما يعقبان ذمّا وإثما، وأجر الناس على عوائدهم وقوانينهم، وسهّل رسومهم التي جرت عادتهم بها؛ فإنا لم نرد إلى ناحية لإحياء الرّسوم العافية، والنّظر في السّنن الخالية، فإنّما هي أيّام تمضي ومدّة تنقضي، فإمّا ذكر جميل أو جزاء طويل، وإيّاك وقول جرير (¬2): وكنت إذا حللت بدار قوم … رحلت بخزية وكشفت عارا (¬3) فأجهر الدّعاء لنا ولا علينا، والسّلام. 593 - وقيل: شتم رجل الشّعبيّ، فقال: إن كنت صادقا فغفر الله لي، وإن كنت كاذبا فغفر الله لك. ¬

592 - الخبر بنحوه في محاضرات الأدباء 1/ 80. (¬1) كذا الأصل ولعلها تحريف فدع. (¬2) البيت في ديوانه 2/ 887 من قصيدة لجرير يهجو بها الفرزدق. مطلعها: ألا حيّ الديار بسعد إنّي ... أحبّ لحبّ فاطمة الديارا (¬3) رواية الديوان: وتركت عارا. 593 - العقد الفريد 2/ 276.

594 - وقيل: دعا عليّ بن أبي طالب خادما له فلم يجبه، وهو يسمع، فلما أتاه، قال: ما لك لم تجب دعوتي؟ قال: لأنّي أمنت عقوبتك. فقال: الحمد لله الذي جعلني مأمن (¬1) عقوبتي. 595 - وقال الرّشيد لمعن بن زائدة: أعطيت على بيت من الشّعر عشرين ألف درهم (¬2)؟ قال: نعم، يا أمير المؤمنين، نالتني يدك فأحببت أن أريها النّاس كثير شكرها فيك، ويبقى ذكرها لك. فقال الرّشيد: أعطوه على هذا الكلام ما أعطى على البيت. 596 - وقيل: دخلت ابنة زهير على عائشة وعندها ابنة هرم (¬3) تسأل عائشة، فقالت ابنة هرم لابنة زهير: أوما أعطى أبي أباك ما أغناه، وأغناك عن المسألة؟! فقالت ابنة زهير: إنّ أباك أعطى أبي ما يفنى، وأبي أعطى أباك ما يبقى، ثم قالت: فإنّك إن ذوّقتني ثمن الغنى … حمدت الذي أوليك من ثمن الشّكر (¬4) ¬

(¬1) كذا الأصل، ولعلها مأمون العقوبة. (¬2) وكان معن بن زائدة قد أعطى مروان بن أبي حفصة ألف دينار على بيته فيه: معن بن زائدة الذي زيدت به ... فخرا إلى فخر بنو شيبان انظر الأغاني 10/ 86، و 91، والعقد الفريد 2/ 166، ووفيات الأعيان 5/ 247 والحوار فيها بين المنصور ومعن، وفي سياق الخبر خلاف. 596 - انظر الأغاني 10/ 304،305. (¬3) هرم بن سنان بن أبي حارثة المريّ، من أجواد العرب في الجاهلية، يضرب به المثل. اشتهر هو وابن عمه الحارث بن عوف بدخولهما في الإصلاح بين عبس وذبيان وفيهما قال زهير قصيدته: أمن أمّ أوفى دمنة لم تكلم ... بحومانة الدراج فالمتثلّم وكان هرم قد حلف ألا يمدحه زهير إلا أعطاه، ولا يسأله إلا أعطاه، ولا يسلم عليه إلا أعطاه، فاستحيا زهير مما كان يقبل منه، فكان إذا رآه في ملأ قال: عموا صباحا غير هرم، وخيركم استثنيت. الأغاني 10/ 288، الأعلام. (¬4) الديوان صفحة (36) ورواية البيت فيه: -

وإن يفن ما تعطيه في اليوم أو غد … فإنّ الذي أعطيك يبقى على الدّهر 597 - حدثني الشيخ الصالح أوحد الدين الكرماني (¬1) قال: كان بهراة (¬2) رجل (¬3) قد خصّه الله بتشبيه الخطوط، وحكاية خطّ من شاء، قال: فكتب هذا الرّجل توقيعا عن السّلطان شهاب الدّين الغوريّ (¬4)، صاحب هراة إلى النّواب بها بمبلغ خمس مئة دينار لنفسه، وحكى خطّ الكاتب، وتوقيع السّلطان، وأحضره إلى النّواب، فلمّا وقف النائب عليه قبّله وقبله بالسّمع والطّاعة، وهمّ ليوصله المبلغ في وقته، فتناول النّاظر التّوقيع ليشاهده، وكان يعرف الرّجل بالتّزوير، فلما شاهده شكّ فيه، وتقدّم إلى النّائب، وقال له مسرّا: المصلحة تأخير المبلغ إلى حيث معاودة السّلطان في ذلك، فإنّ هذا الرّجل معروف بالتّزوير. وكان السّلطان منتزحا عن هراة في بعض حروبه، فقال له النّائب: تؤخّرنا أياما إلى حين تحصيل المبلغ. فعلم الرّجل أنّه قد علم بحاله، فقام وهو لا يعلم أين يهتدي، وركب لوقته وقصد السّلطان، فلمّا وصل مخيّمه طلب الإذن في الحضور، فلمّا أذن له، طلب الخلوة، فلمّا خلا الموضع، قال: يا مولانا، قد فعلت كيت وكيت، وذكر قصّة التّوقيع، وقد حضرت مقرّا بذنبي، فإن قتلتني فحقّ لك، وإن عفوت عنّي فبفضلك. ¬

4 - وإنك إن أعطيتني ثمن الغنى ... حمدت الذي أعطيك من ثمن الشكر (¬1) تقدمت ترجمته صفحة (14). (¬2) هراة: مدينة عظيمة مشهورة من أمهات مدن خراسان. معجم البلدان. (¬3) جاء في البداية والنهاية 13/ 43 في وفيات سنة (601): أبو غالب بن كمنونة اليهودي الكاتب كان يزوّر على خط ابن مقلة من قوة خطّه، توفي لعنه الله بمطمورة واسط. . فلعله هو. (¬4) شهاب الدين الغوري، أبو المظفر محمد بن سام صاحب غزنة، وكان ملكا جليلا مجاهدا، واسع الممالك حسن السيرة، وهو الذي حضر عنده فخر الدين الرازي وقال: يا سلطان، لا سلطانك يبقى ولا الرازي يبقى وإن مردنا إلى الله. فانتحب السلطان يبكي، قتلته الإسماعيلية بعد قفوله من غزوة الهند سنة (602). الكامل 12/ 212، والعبر 5/ 4، والبداية والنهاية 13/ 43.

فأطرق شهاب الدين مليّا، وقال: اخرج؛ لأفكّر في أمرك. فلما خرج أحضر الكاتب وقال: اكتب كتابا للنّواب بهراة، وقل لهم: نكتب توقيعا بخمس مئة دينار تماطلوه بها، كيف جسرتم على فعل ذلك؟ ومرهم أن يعطوه المبلغ لوقته. فحين كتب الكاتب التوقيع وقّع عليه، وتركه بين يديه، وأمر أن يعطى الرّجل خلعة سنيّة، وبغلة بسرجها ولجامها، فلمّا أعطي ذلك أحضره بين يديه، وقال له: ذنبك عظيم، والعفو عن مثلك من مكارم الأخلاق، ولكنّي لو أظهرت العفو عن جرمك لكان سمة عليك وعلى عقبك إلى يوم القيامة، وأصعب من القتل، فيقال: هذا الذي زوّر عن السّلطان وعفا عنه، فتتّسم بذلك مدى الأيام، ولكن خذ التوقيع، وامض خذ المبلغ في كلّ سنة لك علينا بمثله. وكلّما احتجت إلى شيء فعرّفنا نوصله إليك، ولا تعاود فعل شيء ممّا كان منك. فقبّل الرّجل الأرض بين يديه، ودعا له بالبقاء، وأخذ التّوقيع وعاد إلى هراة، وأوصله إلى النّائب، فلمّا وقف عليه أوصله المبلغ وصرفه مسرورا. 598 - وقيل: أخذ مصعب بن الزّبير رجلا من أصحاب المختار (¬1)، فأمر بضرب عنقه، فقال: أيها الأمير، ما أقبح بك أن أقوم يوم القيامة إلى صورتك هذه الحسنة، ووجهك هذا الجميل الذي يستضاء به فأتعلّق بك، ثم ¬

598 - الفرج بعد الشدة 4/ 20، والعقد الفريد 2/ 173. (¬1) المختار بن أبي عبيد الثقفي ولد عام الهجرة وليس له صحبة، كان مشهورا بالفضل والعلم والخير، وكان ذلك منه بخلاف ما يبطنه، مكث بالمدينة منقطعا إلى بني هاشم، ولما قتل الحسين رضي الله عنه أرسله عبد الله بن الزبير إلى الكوفة ليدعو الناس إلى طاعته، وكان همه قتل قتلة الحسين رضي الله عنه، ثم فارق عبد الله بن الزبير وطلب الإمارة، وأظهر ما كان يبطن من فساد الرأي والعقيدة والهوى إلى أن ظهر منه أسباب كثيرة تخالف الدين ولم يزل كذلك إلى أن قتل سنة 67 في إمارة مصعب بن الزبير في الكوفة. جامع الأصول 15/ 302، سير أعلام النبلاء 3/ 538.

أقول: يا ربّ، سل مصعبا فيم قتلني؟ فقال مصعب: قد عفوت عنك. فقال: أيّها الأمير، اجعل ما وهبت لي من حياتي في خفض، فإنّه لا عيش للفقير. فقال: ردّوا عليه عطاءه، وأعطوه مئة ألف درهم. فقال: أشهد الله أنّي قد جعلت نصفها لابن قيس الرّقيات (¬1). قال: ولم ذلك؟ قال: لقوله فيك (¬2): إنّما مصعب شهاب من اللّ‍ … ـه تجلّت عن وجهه الظّلماء ملكه ملك رحمة ليس فيه … جبروت ولا به كبرياء (¬3) يتّقي الله في الأمور وقد أف‍ … لح من كان همّه الاتّقاء (¬4) فضحك مصعب وقال: إنّي أرى فيك موضعا للصنيعة. وجعله في جملة ندمائه، وأحسن صلته. 599 - وقيل: كان داود كاتب أمّ جعفر (¬5) قد حبس وكيلا لها وجب لها عليه مئتا ألف درهم، فكتب الوكيل إلى عيسى بن هلال (¬6)، وسهل بن ¬

(¬1) عبيد الله بن قيس الرقيات شاعر قريش في العصر الأموي، خرج مع مصعب بن الزبير على عبد الملك بن مروان، ثم انصرف إلى الكوفة بعد مقتل عبد الله ومصعب ابني الزبير، وقصد الشام ولجأ إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، فسأل عبد الملك في أمره، فأمّنه، لقب بابن قيس الرقيات لأنه كان يتغزل بثلاث نسوة، اسم كل واحدة منهن رقية. توفي سنة (85) للهجرة. الأعلام. (¬2) ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات (91) من قصيدة يمدح بها مصعبا، ويفتخر بقريش مطلعها: أقفرت بعد عبد شمس كداء ... فكديّ فالرّكن فالبطحاء (¬3) في الأصل: جبروت لا ولا كبرياء، والمثبت من الديوان. (¬4) في الأصل: يتقي في الأمور. 599 - الوزراء والكتاب 165، والفرج بعد الشدة 2/ 120، والفخري 164. (¬5) أم جعفر أمة العزيز بنت جعفر بن المنصور لقّبها جدها المنصور زبيدة لبياضها ونعومتها، تزوج بها هارون الرشيد، وولدت له الأمين. كانت وافرة العقل والغنى فصيحة. لها خيرات ومبرّات توفيت سنة (216) الأعلام. (¬6) في الوزراء والكتاب عيسى بن داود، وفي الفرج بعد الشدة عيسى بن فلان.

الصّباح وكانا له صديقين، ليسألهما الرّكوب إلى داود في أمره. فركبا فلقيهما الفيض بن أبي صالح (¬1)، فسألهما عن خبرهما، فأخبراه، فقال: أتحبّان أن أكون معكما؟ فقالا: نعم. وصاروا إلى داود وكلّموه في إطلاق الرّجل، فقال: أنا أكتب إلى أمّ جعفر. وكتب إليها يعلمها حضور القوم ومسألتهم. فكتبت في الرّقعة: أن تعرّفهم ما وجب لنا من المال عليه، وتعلمهم أنّه لا سبيل إلى إطلاقه دون المال. فأقرأهم التوقيع، واعتذر إليهم. فقال عيسى وسهل: قد قضينا حقّ الرّجل، وقد أبت أمّ جعفر أن تطلقه إلا بالمال، فقوموا ننصرف. فقال لهما الفيض: كأنّا إنّما (¬2) جئنا لنؤكّد حبس الرّجل!؟ قالا له: فماذا نصنع؟ قال: نؤدّي عنه المال. ثم أخذ الدّواة، وكتب إلى وكيله بحمل المال عن الرّجل، ودفع الكتاب إلى داود، وقال له: قد أزحنا العلّة في المال، فادفع إلينا الرّجل. فقال: لا سبيل إلى ذلك حتى أعرّفها الخبر. وكتب إليها بذلك فوقّعت: أنا أولى بهذه المكرمة من الفيض، فاردد عليه كتابه بالمال، وادفع إليه الرّجل، وقل له: لا يعاود إلى مثل ما كان منه. قال: ولم يكن الفيض يعرف الرّجل، وإنّما ساعد عيسى وسهلا على الكلام في أمره. 600 - أراك تؤمّل حسن الثّناء … ولم يرزق الله ذاك البخيلا وكيف يسود أخو بطنة … يمنّ كثيرا ويعطي قليلا 601 - قال أرسطو: الأخلاق ثمان، وهي: من النّاس من يفعل الخير ¬

(¬1) الفيض بن أبي صالح، أبو جعفر: من أهل نيسابور، كان أهله نصارى، أسلموا، تأدب وبرع في ظل الدولة العباسية، وكان سخيا مفضالا متخرقا في ماله، جوادا عزيز النفس، كبير الهمة، كثير الكبر والتيه، ولاه المهدي وزارته، بقي إلى أيام الرشيد. وفيات الأعيان 7/ 26، الفخري 163. (¬2) في الأصل: كأنما إنا، والمثبت في الكتاب والوزراء، والفرج بعد الشدة.

طبعا وهي خلق الأحرار، ومنهم من يحسن إلى من أحسن إليه وهو خلق الشّاكرين، ومنهم من ينكر المحسن إحسانه وهو خلق كافري النّعمة، ومنهم من يسيء إلى من أحسن إليه وهو خلق الأنذال، ومنهم من يقترف الشّرّ طبعا وهو خلق الحيوان السمي، ومنهم من يسيء إلى من أساء إليه وهو خلق ذوي الحقد، ومنهم من يصبر وإن أسيء إليه وهو خلق ذوي العقول، ومنهم من يحسن إلى من أساء إليه وذلك خلق الملائكة العلويّين. 602 - من «أمالي ثعلب»: همّته في كلّ حالاته … معونة الجار وفكّ العناه (¬1) يحسن حتّى يتمنّى الذي … أمسى مطيعا أنّه في عماه 603 - وأخبرت أنّ الملك الناصر صلاح الدين يوسف تغمّده الله برحمته كان نازلا بحلب، ووصله كتاب نائبه بمصر يذكر فيه أنّ أحد المعاملين عنده تخلّف عليه في حسابه نيف وعشرون (¬2) ألف دينار، وأنّه هرب، ويسأل تطلّبه من بلاد الشام وغيرها، والبحث عنه. ولم يستتمّ قراءة الكتاب حتّى دخل بعض الحجاب، وقال: يا مولانا، فلان المبقى عليه المال بالباب. فقال صلاح الدّين: النائب بمصر قد يتطلّبه، فليتوار (¬3) عنه، ولا يتوقّع في يده. ولم يتعرض له. 604 - وقيل: إنّ ابن حيّوس (¬4) الشّاعر قصد حلب، ومالكها يومئذ ابن ¬

602 - لم أجده في المطبوع من مجالس ثعلب-ويسمى أيضا «أمالي ثعلب» كما يذكر البغدادي في «الخزانة» والسيوطي في «المزهر» -ولعله من الزيادات المقتبسة من «أمالي ثعلب» والتي لم ترد في النسخة المخطوطة التي حققها الأستاذ عبد السلام هارون رحمه الله تعالى، وهي نسخة وحيدة وصفها محققها بأنها مشوهة سقيمة. (¬1) العناه: جمع عاني، وهو الأسير. القاموس (عنو). 603 - انظر الروضتين 2/ 26. (¬2) في الأصل: عشرين. (¬3) في الأصل: فليتوارى. (¬4) ابن حيوس، محمد بن سلطان بن محمد بن حيوس، الأمير أبو الفتيان، شاعر الشام في عصره يلقب بالإمارة، وكان أبوه من أمراء العرب، ولد ونشأ في دمشق، وأكثر من-

صالح (¬1) فأقام بها مدّة، ولم يتهّيأ له مدح ابن صالح ولا الاجتماع به، فقفل عن حلب، فلمّا سار عنها أخبر ابن صالح به، فأنفذ من ردّه، وتقدّم إلى القاصد أن يستعلم ما عنده من حمد أو ذمّ، فلّما لحقه القاصد سأله عن صناعته، قال: أقول الشّعر والأدب. فقال له: لم لا مدحت الأمير مع محبّته للأدب؟ قال: لم أجد لي عنده وجها. قال: فهلاّ هجوته؟ قال: لم يسىء فأذمّه، ولا أحسن فأشكره، وإنّما أنا صاحب سلعة إن نفقت عنده وإلا نفقت عند غيره. ثم أعاده واجتمع بابن صالح، ومدحه بقصيدة أثابه عليها ألف دينار (¬2)، وأقطعه أقطاعا تغلّ في كلّ سنة جملة، وأقام في خدمته، ثم درات دوائر الدّهر، وتقلّبت صروف الزّمان، وانقرض ملك آل صالح (¬3). وملك حلب شرف الدّولة (¬4)، وطلب ابن حيّوس الحضور بين يديه وامتداحه، فقيل لشرف الدولة: هذا لا ينشد شعره إلا وهو جالس، والأمير ملك عن كثب، ولا بدّ من إقامة الحرمة. قال: فما الحيلة؟ قال: يفرش ¬

4 - مدح أمراء الفاطميين معرضا بخصومهم، نائلا منهم وبخاصة من آل مرداس، والعباسيين، ولمّا اخّتل أمرهم رحل إلى حلب سنة 464 هـ‍ وانقطع إلى بني مرداس فمدحهم بعد الاعتذار، وعاش في كنفهم إلى أن مات سنة 473 هـ‍ الأعلام، وانظر وفيات الأعيان 4/ 438، والوافي بالوفيات 3/ 118. وسير أعلام النبلاء 18/ 413، ومقدمة الديوان. (¬1) وهو محمود بن نصر بن صالح المرداسي كان شجاعا حازما توفي سنة 467 هـ‍. (¬2) وهذه القصيدة اعتذار ومدح مطلعها: قفوا في القلى حيث انتهيتم تذمّما ... ولا تقتفوا من جار لمّا تحكّما (¬3) وهم بنو مرداس، وكان ابن حيّوس قد عاش في ظل محمود وابنه نصر بن محمود وأخيه سابق بن محمود. وله مدائح فيهم، وكان انقراض دولتهم سنة (473). (¬4) شرف الدولة، مسلم بن قريش بن بدران العقيلي، كان صاحب الموصل وربيعة ومضر استولى على قلعة حلب، وأخذ الجزية من بلاد الروم، رام الاستيلاء على بغداد بعد طغرلبك، فقتل في المعركة بأرض أنطاكية سنة 478 هـ‍، كان شجاعا جوادا نافذ السلطان، عمّ بلاده الأمن في أيامه. الأعلام.

للأمير بساط (¬1) لا يفضل عنه، وإذا حضر ولم ير له ما يجلس عليه ينشد قائما. فلما حضر ابن حيّوس ورأى ذلك علم أنّه قد عمل لأجله، فوقف قائما وأنشد (¬2): ما أدرك العزمات مثل مصمّم … إن أحجمت أعداؤه لم يحجم فلما بلغ إلى قوله: أنت الذي نفق الثّناء بسوقه … وجرى النّدى بعروقه قبل الدّم اهتزّ شرف الدولة، وحرّكته الأريحيّة العربية، فأوسع له في البساط، وأجلسه إلى جانبه، وتمم إنشاده القصيدة، ثمّ سأل شرف الدّولة عمّا أعطاه ابن صالح، فقيل له: ألف دينار. فقال: ابن صالح مع بخله يعطيه ألف دينار! أعطوه ألفي دينار. وضاعف أقطاعه، وأقام في خدمته، ثم توفّي ابن حيّوس وخلّف مالا كثيرا ولم يكن له وارث. فأشار بعض أصحاب شرف الدّولة عليه بحمله إلى خزانته، فقال له: يا ويلك، أتشير عليّ أن أعمد إلى مال قد سمحت به أكفّ الكرم، وجمع من فضلات عطاياهم، فأحمله إلى خزانتي، اغرب عنّي، لا حاجة لي في خدمتك. ثمّ أمر بحرز المال فبقي مدّة محروزا، ثمّ بلغ شرف الدّولة أنّ له ببلد الجزيرة بنت بنت أخت (¬3) وهي غير مستحقّة للميراث، فأمر بدفع المال إليها. ¬

(¬1) في الأصل: بساطا. (¬2) الديوان 2/ 569. وقد قالها لمّا فتح شرف الدولة حلب في سنة (473). قال الأستاذ خليل مردم بك محقق الديوان: لعلّ هذه القصيدة آخر ما قال ابن حيّوس من الشعر، وهي من أجود شعره. ورواية البيت في الديوان: ما أدرك الطلبات مثل مصمم ... إن أقدمت أعداؤه لم يحجم (¬3) جاء في «زبدة الحلب من تاريخ حلب» 2/ 74: فوجدوا له من ذوي الأرحام بنت أخ، فأعطاها ماله جميعه، وهي بنت أخيه أبي المكارم محمد بن سلطان بن حيّوس.

الفصل الثامن في التقوى والأمانة وقمع الهوى والديانة

الفصل الثامن في التقوى والأمانة وقمع الهوى والديانة 605 - قيل: أوصى بعض ملوك اليمن ولده، فقال: يا بنيّ، أوصيك بتقوى الله، فإنّك إذا اتّقيته رضي عنك، وإذا رضي عنك أرضاك. 606 - وقيل لأبي هريرة رضي الله عنه: ما التّقوى؟ قال: هل مشيت في أرض فيها شوك؟ قال: نعم، قال: فكيف صنعت؟ قال: توقّيته بجهدي. قال: فتوقّ الخطايا بجهدك. 607 - وقيل: الشّرف في ثلاث: التّقوى والتّواضع والكرم. 608 - وقيل: من جعل التّقوى زاده حل. . . . الدنيا (¬1) حيث تحبّ الخطيئة. ¬

606 - محاضرات الأدباء 2/ 170. (¬1) في الأصل بياض بمقدار كلمتين.

609 - ولست أرى السّعادة جمع مال … ولكنّ التّقيّ هو السّعيد وتقوى الله خير الزّاد ذخرا … وعند الله للأتقى مزيد وما لا بدّ أن يأتي قريب … ولكنّ الذي يمضي بعيد 610 - وقيل: من ترك الدّنيا، وطلب الآخرة أعطاه الله خير الدّنيا، ونعيم الآخرة. 611 - وقال لقمان لابنه: يا بنيّ، اتخذ طاعة الله تجارة تأتك (¬1) الأرباح من غير بضاعة. 612 - وقيل لبعض النّسّاك: على ماذا عوّلت في نسكك من الخصال الحميدة؟ قال: على أربع. قيل: وما هنّ؟ قال: علمت أنّ لي ربّا لا يدعني بلا رزق فوثقت به، وعلمت أن لي أجلا فأنا أتوقعه، وعلمت أنّ عليّ فرضا فأنا أشتغل به، وعلمت أنّ عين الله تراني حيثما كنت فأنا أستحي أن أفعل ما يكره. 613 - وقيل: أوصى أسلم بن أفصى (¬2) بنيه فقال: يا بنيّ، اتقوا ربّكم في الليل إذا [أ] دجى (¬3)، وفي النهار إذا أضحى يكفكم كلّ ما يخاف ويتّقى، وإيّاكم ومعصيته فإنّه ليس وراءه لكم وزر (¬4)، ولا دونه معتصم. ¬

(¬1) في الأصل تأتيك. (¬2) أسلم بن أفصى بن عامر، من بني إلياس بن مضر جدّ جاهلي دخل بنوه في خزاعة. الأعلام. (¬3) في الأصل: دجى، ولعل الصواب ما أثبتناه للسجعة ودجا الليل وأدجى: عمت ظلمته فهما بمعنى واحد. (¬4) الوزر: الجبل المنيع وكلّ معقل، والملجأ والمعتصم. القاموس (وزر) ومنه قوله تعالى: كَلاّ لا وَزَرَ القيامة 13.

614 - قال عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه في خطبة: أيّها النّاس، اتّقوا الله اللّطيف الخبير، الذي إن قلتم سمع، وإن أضمرتم علم، وبادروا الموت الذي إن هربتم منه أدرككم، وإن أقمتم أخذكم. 615 - وقال محمد بن عبد الرّحمن الهاشمي صاحب صلاة الكوفة: دخلت على والدتي يوم نحر، فوجدت عندها امرأة متكلّمة برزة (¬1) في أثواب رثّة، فقالت لي والدتي: أتعرف هذه؟ هذه عتّابة بنة [محمّد أمّ جعفر] (¬2) بن يحيى. فأقبلت عليها بوجهي، وأعظمتها وتحادثنا مليّا، ثم قلت لها: حدّثينا أعجب ما رأيت. فقالت: يا بني، لقد أتى عليّ عيد مثل هذا وإنّ على رأسي أربع مئة وصيفة، ولقد أتى عليّ هذا العيد وما منامي إلا على جلد شاتين أفترش بالواحدة، وألتحف الأخرى (¬3). قال: فدفعت لها خمس مئة درهم، فكادت تموت فرحا، ولم تزل تختلف إلينا حتّى فرّق الموت بيننا. 616 - وقيل: حجّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فلما كان بضجنان (¬4) قال: لا إله إلا الله العليّ العظيم، المعطي ما شاء لمن شاء، كنت أرعى إبل ¬

615 - كتاب الوزراء والكتاب 241، ومروج الذهب 4/ 256 (2611)، ووفيات الأعيان 1/ 341. (¬1) امرأة برزة: بارزة المحاسن، أو متجاهرة كهلة جليلة، تبرز للقوم، يجلسون إليها ويتحدثون، وهي عفيفة. القاموس (برز). (¬2) في الأصل بياض، وما بين حاصرتين مستدرك في مصادر الخبر، وهي فاطمة بنت محمد بن الحسين، أم جعفر بن يحيى البرمكي، وقيل عتابة بنت محمد، كانت ذات رأي ومشورة ونفوذ وسلطان، واحترام وإجلال، أرضعت هارون الرشيد مع ابنها، كانت توقع على حواشي الكتب وأسافلها أجود التوقيعات، توفيت في الرقة فاشتري لها أرض لتدفن فيها، وبني عليها قبة عرفت بقبة البرمكية. أعلام النساء 1/ 196. (¬3) في مروج الذهب، ووفيات الأعيان: وما مناي إلا جلد شاتين أفترش أحدهما وألتحف الآخر. 616 - المختار من مناقب الأخيار لابن الأثير ترجمة عمر بن الخطاب (مخطوط) 9/ب. (¬4) ضجنان: بفتح أوله وإسكان ثانيه جبل بناحية مكّة على طريق المدينة. معجم ما استعجم 3/ 856. وقد ضبطه ياقوت بالتحريك.

الخطّاب في هذا الوادي في مدرعة صوف، وكان فظّا يتعبني إذا [عملت]، ويضربني إذا [قصّرت] (¬1)، وقد أمسيت أمير المؤمنين (¬2). **** ¬

(¬1) ما بين معقوفين بياض في الأصل، مستدرك من المختار. (¬2) في المختار: وقد أمسيت وما بيني وبين الله أحد، وفي معجم ما استعجم: فأصبحت والناس بجنبتي، ليس فوقي أحد.

الفصل التاسع في ذم الدنيا والزهادة فيها وتقلب أحوالها بأهاليها وما قيل من تنبيه ووعظ

الفصل التاسع في ذمّ الدنيا والزهادة فيها وتقلّب أحوالها بأهاليها وما قيل من تنبيه ووعظ 617 - قيل لأعرابيّ: صف الدّنيا. فقال: جمّة المصائب، سريعة النوائب، كثيرة العجائب. 618 - وذكر المدائنيّ قال: كتب مطرّف إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: أمّا بعد، فإنّ الدّنيا دار عقوبة، لها يجمع من لا عقل له، وبها يغترّ من لا علم له، فكن فيها كالمداوي جرحه، واصبر على شدّة [الدّواء] (¬1)، ¬

618 - مروج الذهب 4/ 20 (2181). (¬1) ما بين حاصرتين من مروج الذهب.

لما تخاف من عاقبة الداء. 619 - وقيل للحسن البصريّ: كيف ترى الدّنيا؟ قال: شغلني توقّع بلائها عن الفرح برخائها. 620 - وقال رجل لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه، وهو يخطب: صف الدّنيا. فقال: ما أصف من دار أوّلها عناء، وآخرها فناء، في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب. من صحّ منها أمن، ومن مرض فيها ندم، ومن استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن. 621 - أبو الفرج السّاويّ: هي الدّنيا تقول بملء فيها … حذار حذار من بطشي وفتكي فلا يغرركم حسن ابتسامي … فقولي مضحك والفعل مبكي 622 - وقيل: كتب [الإسكندر] (¬1) ملك الشّرق والغرب لأرسطاطاليس: اكتب لي بعظة موجزة تنفع وتردع. فكتب إليه: إذا استولت (¬2) عليك السّلامة فجدّد ذكر العطب، وإذا أهنأتك العافية فحدّث نفسك بالبلاء، وإذا اطمأنّ بك الأمن فاستشعر الخوف، وإذا بلغت نهاية الأمل فاذكر الموت، وإذا أحببت نفسك فلا تجعل لها في الدّنيا نصيبا. ¬

620 - العقد الفريد 3/ 172، ومحاضرات الأدباء 2/ 165. 621 - أحسن ما سمعت 89، ويتيمة الدهر 3/ 361، قال أبو منصور الثعالبي فيه: أشهر كتّاب الصاحب بحسن الخط مع أخذه من البلاغة بأوفر الحظ. . . وأما شعره فمن أمثل شعر الكتاب كقوله في مرثية فخر الدولة. . . انتهى. والسّاوي نسبة إلى ساوه بلدة بين الري وهمذان. 622 - محاضرات الأدباء 2/ 166. (¬1) ما بين معقوفين بياض في الأصل، مستدرك من محاضرات الأدباء. (¬2) في محاضرات الأدباء: استوت.

623 - ابن الرّومي: لما تؤذن الدّنيا به من صروفها … يكون بكاء الطّفل ساعة يولد وإلاّ فما يبكيه منها وإنّها … لأفسح ممّا كان فيه وأرغد 624 - لغيره: أرى طالب الدّنيا وإن طال عمره … ونال من الدّنيا سرورا وأنعما كبان بنى بيتا له فأتمّه … فلما استوى ما قد بناه تهدّما 625 - وقيل: باع عبد الله بن العباس أرضا بثمانين ألفا، فقيل له: لو اتخذت لولدك من هذا المال ذخرا. فقال: أنا أجعل هذا المال ذخرا عند الله، وأجعل الله ذخرا لولدي، وقسّم المال، وتصدّق به. 626 - وقيل: دخل عمرو بن عبيد (¬1) على المنصور، وكان إذا دخل أرسل إلى المهديّ ليسمع كلامه. فتكلّم عنده إلى أن خرج إلى ذكر الشّعر، فقال له المنصور: أنشدني أبياتا حسانا. فقال (¬2): يا أيّهذا الذي قد غرّه الأمل … ودون ما تأمل التّنغيص والأجل (¬3) أما ترى إنّما الدّنيا وزينتها … كمنزل الحيّ دارا نمت فارتحلوا (¬4) حتوفها رصد وعيشها نكد … وصفوها كدر وملكها دول تظلّ تقرع بالرّوعات ساكنها … فما يسوغ لهم لين ولا جدل ¬

623 - الديوان 2/ 586 من قصيدة يمدح بها صاعد بن مخلد مطلعها: أبين ضلوعي جمرة تتوقد ... على ما مضى أم حسرة تتجدّد (¬1) في الأصل عبد، وعمرو بن عبيد بن باب التيمي بالولاء، أبو عثمان الحيري، شيخ المعتزلة ومفتيها، وأحد الزهاد المشهورين، وله أخبار مع المنصور العباسي، توفي قرب مكة بمرّان سنة 144 هـ‍. ورثاه المنصور بأبيات. انظر تاريخ بغداد 12/ 166، ووفيات الأعيان 3/ 460، والأعلام. (¬2) الأبيات في تاريخ بغداد 12/ 166، ومروج الذهب 4/ 158 (2419). (¬3) في الأصل: فأنت ما تأمل. والمثبت من تاريخ بغداد، ومروج الذهب. (¬4) في تاريخ بغداد، ومروج الذهب: كمنزل الركب حلوا ثمّت ارتحلوا.

كأنّها للمنايا والرّدى رصد … تظلّ فيها بنات الدّهر تنتضل (¬1) يديره ما أدارته دوائرها … منها المصيب ومنها المخطئ الزّلل والمرؤ يسعى وما يسعى لوارثه (¬2) … والقبر وارث ما يسعى به الرّجل قال: فرأيت وجهه قد تغيّر، وقال: هكذا الدّنيا. ومرض المنصور ثم برئ، وإذا هاتف يهتف جوف الليل: أتطمع أن تبقى وتترك سالما … وهيهات ما للمرء في ذاك مطمع ألم تر عادا كيف أضحت ديارها … ومن بعد عاد كيف دمّر تبّع 627 - وقيل: لبس سليمان بن عبد الملك في يوم جمعة من ولايته لباسا تشهّر به (¬3)، وتعطّر، ودعا بتخت (¬4) فيه عمائم، وبيده مرآة فلم يزل يتعمّم بواحدة بعد أخرى حتى رضي بواحدة منها، وأرخى سدولها، وأخذ بيده مخصرة، وعلا منبره (¬5) ناظرا في عطفيه، وجمع حشمه، وخطب خطبته التي أرادها، فأعجبته نفسه، وقال: أنا الملك الوهّاب الكريم المجاب (¬6). فتمثّلت له جارية من جواريه، وكان يتحظّاها، فقال لها: كيف ترين أمير المؤمنين؟ قال: أراه منى النّفس، وقرّة العين لولا ما قال الشّاعر. قال: وما قال؟ قالت: قال (¬7): أنت نعم البقاء لو كنت تبقى (¬8) … غير أن لا بقاء للإنسان ¬

(¬1) في تاريخ بغداد، ومروج الذهب: كأنه للمنايا والردى غرض. وتنتضل: تتبارى في الرمي. انظر القاموس (نضل). (¬2) في تاريخ بغداد (بما) وفي مروج الذهب (لما يسعى). 627 - مروج الذهب 4/ 8 (2157)، والهفوات النادرة 36. ومختصر تاريخ دمشق 10/ 175. (¬3) في مروج الذهب: لباسا تستريّا. (¬4) التّخت: وعاء يصان فيه الثياب. القاموس (تخت). (¬5) في الأصل: متنزها. والمثبت من مروج الذهب. (¬6) في الأصل: الحجاب. وفي مروج الذهب: أنا الملك الشاب، السيد المجاب، الكريم الوهاب. (¬7) البيتان لموسى شهوات، وهما في الأغاني 3/ 360. (¬8) في مختصر تاريخ دمشق: أنت نعم المتاع.

ليس أنّا يريبنا فيك عيب … علم الله غير أنّك فان (¬1) فدمعت عيناه، وخرج إلى النّاس، فلمّا عاد دعا (¬2) بالجارية، فقال: ألا ما قلت لأمير المؤمنين؟ فقالت: ما رأيت أمير المؤمنين، ولا دخلت عليه. فأكبر ذلك، ودعا بقيّة جواريه فصدّقنها في قولها. فراع ذلك سليمان، ولم يمكث بعدها قليلا حتى مات. 628 - وقال هشام لأبي حازم: عظني. قال: آمرك بكلمتين ولك الجنّة. فكان متّكئا فاستوى جالسا، قال: احتمال ما تكره فيما يحبّ الله، واجتناب ما تحبّ فيما يكره الله. 629 - وقيل: دخل أبو حازم الأعرج على سليمان بن عبد الملك، فقال له سليمان: ما لنا نكره الموت؟ قال: لأنّكم عمّرتم دنياكم، وأخربتم آخرتكم، فأنتم تكرهون النّقلة من العمران إلى الخراب. قال: فأخبرني كيف القدوم؟ قال: أمّا المحسن فالغائب أتى أهله مسرورا، وأمّا المسيء فالعبد الآبق يأتي مولاه محزونا. قال: فأيّ الأعمال أفرض؟ قال: أداء الفرائض مع اجتناب المحارم. قال: فأيّ القول أعدل؟ قال: كلمة حقّ عند من تخاف وترجو. قال: فأيّ النّاس أعقل؟. قال: من عمل بطاعة الله. قال: فأيّ النّاس أجهل؟ قال من باع آخرته بدنيا غيره. قال عظني وأوجز. قال: يا أمير المؤمنين، احذر (¬3) ربّك أن يراك حيث نهاك، أو يفقدك حيث ¬

(¬1) لهذا البيت روايات مختلفة. ففي مروج الذهب: يريبنا منك شيء. وفي الهفوات: أنت خلو من العيوب ومما ... يكره الناس إلا أنّك فان (¬2) في مروج الذهب: فلما فرغ من خطبته وصلاته دعا بالجارية. والعبارة في الأصل: فلما عاد عاد بالجارية. 628 - انظر الحلية 3/ 241. 629 - حلية الأولياء 3/ 234، وبعض الخبر في عيون الأخبار 2/ 370، والأجوبة المسكتة 48. (¬3) كتبت كلمة (احذر) قريبا من الهامش، وفوقها كلمة (لعلها).

أمرك. فبكى سليمان بكاء شديدا، فلما خرج أبو حازم، أنفذ له بمال، فردّه، وقال للرسول: قل له: ما لا أرضاه لك كيف أرضاه لنفسي!؟ 630 - ابن الجوزي الواعظ (¬1): دار سوء أعطشت أحبابها … وبحار الرّيّ فيها قد طمت أرضعت أبناءها حتّى إذا … ما حلا الإرضاع منها فطمت قبلت خاطبها حتّى إذا … عقد العقد عليها لطمت 631 - وقيل: سعي إلى المتوكّل بأبي الحسن عليّ بن محمّد (¬2) أنّ في منزله سلاحا وكتبا وغيرها من أهل قم وغيرهم من شيعته والقائلين بإمامته، وأنّه قد عزم بالخروج والوثوب بالدّولة في دار الملك. فوجّه المتوكل إليه ليلا بعدّة من الأتراك وغيرهم ممّن هجم عليه في منزله على غفلة، فوجد في بيت مغلق عليه وحده، وعليه مدرعة صوف من الشّعر، ولا بساط في البيت إلا الرّمل والحصى، وعلى رأسه ملحفة من الصّوف، وهو متوجّه إلى ربّه يتلو آيات الله تعالى في الوعد والوعيد فأخذ كهيئة ما وجد عليه، وحمل إلى المتوكّل في جوف الليل، والمتوكّل يشرب، وفي يده كأس، فلما رآه أعظمه وأجلسه إلى جانبه، ولم يكن وجد في منزله شيء ممّا قيل عنه، ولا حالة يتعلّق بها عليه (¬3). فناوله المتوكّل الكأس ¬

(¬1) عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي القرشي البغدادي، أبو الفرج، علامة عصره في التاريخ والحديث، كثير التصانيف، مولده ووفاته في بغداد، ونسبته إلى «مشرعة الجوز» من محالها، له نحو ثلاث مئة مصنف. توفي سنة 597 هـ‍. الأعلام. 631 - مروج الذهب 5/ 12 (2890) وفيات الأعيان 3/ 272. (¬2) علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو الحسن العسكري عاشر الأئمة الاثني عشر عند الإمامية، وأحد الأتقياء الصلحاء، ولد بالمدينة ووشي به إلى المتوكل فاستقدمه بغداد وأنزله في سامراء، وكانت تسمى مدينة العسكر، لأن المعتصم لما بناها انتقل إليها بعسكره فنسب إليها، وتوفي بسامراء سنة 254 للهجرة. الأعلام. (¬3) في مروج الذهب: ولا حالة يتعلّل عليه بها.

الذي كان في يده. فقال: يا أمير المؤمنين، ما خامر لحمي ودمي قطّ فاعفني. فأعفاه، ثم قال: أنشدني شعرا. فقال: إنّي لقليل الرّواية للأشعار. فقال: لا بدّ. فأنشده (¬1): باتوا على قلل الأجبال تحرسهم … غلب الرّجال فلم تنفعهم القلل واستنزلوا بعد عزّ من أماكنهم … وأودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا ناداهم صارخ من بعد ما قبروا … أين الأسرّة والتّيجان والحلل (¬2) أين الوجوه التي كانت منعّمة … من دونها تضرب الأستار والكلل (¬3) فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم … تلك الوجوه عليها الدّود تقتتل قد طالما أكلوا دهرا وما شربوا … فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا قال: فأشفق من حضر على عليّ بن محمد، وظنّوا أنّ بادرة ستبدر إليه من المتوكّل، فو الله لقد بكى المتوكّل بكاء طويلا حتى بلّ لحيته بدموعه، وبكى من حضره، وأمر برفع الشّراب، وقال: يا أبا الحسن، لقد ليّنت منّا قلوبا قاسية، وذكّرتنا ما أنساناه النّعم، فأقسم بالله عليك، أعليك دين؟ فقال: نعم، أربعة آلاف درهم. فأمر بدفعها إليه، وأمر بردّه إلى منزله من ساعته مكرما. 632 - عديّ بن زيد العبادي: ¬

(¬1) جاء في عيون الأخبار 2/ 303: بلغني أنه قرئ على قبر في الشام. وفي المستطرف (513) قال وهب بن منبه: أصبت على قصر غمدان، وهو قصر سيف بن ذي يزن بأرض صنعاء اليمن، وكان من الملوك الأجلّة، مكتوبا بالقلم المسندي فترجم بالعربي، فإذا هي أبيات جليلة، وموعظة عظيمة جميلة، وهي هذه الأبيات:. . . والأبيات في الحماسة المغربية 2/ 1407. (¬2) في الأصل: والكلل. والمثبت من مصادر الخبر. (¬3) في الأصل: والحلل. والمثبت من مصادر الخبر. والكلل: جمع كلّة وهي الستر الرقيق يتوقى به البعوض، ويسمّى الناموسيّة. متن اللغة (كلل). 632 - الديوان صفحة 87، من قصيدة مطلعها: أرواح مودّع أم بكور ... لك فاعلم لأي حال تصير قالها في السجن مستعطفا النعمان بن المنذر.

أيّها الشّامت المعيّر بالد … هر أأنت المبرّأ الموفور أم لديك العهد الوثيق من ال‍ … أيّام أم أنت جاهل مغرور من رأيت المنون أخلدن أم من … ذا عليه [من] أن يضام خفير (¬1) أين كسرى الملوك أنوشروا … ن أم أين قبله سابور وبنو الأصفر الكرام ملوك الر … وم لم يبق منهم مذكور وأخو الحصن إذ بناه وإذ دج‍ … لة تجبى إليه والخابور شاده مرمرا وخلّله كل‍ … سا فللطّير في ذراه وكور (¬2) لم يهبه ريب المنون فباد ال‍ … ملك عنه فبابه مهجور وتذكّر ربّ الخورنق (¬3) إذ أش‍ … رف يوما وللهدى تفكير سرّه ماله وكثرة ما يم‍ … لك والبحر معرض والسّدير (¬4) فارعوى قلبه [وقال] (¬5) وما غب‍ … طة حيّ إلى الممات يصير ثمّ بعد الحياة والملك والإم‍ … مة وارتهم هناك القبور (¬6) ثم ساروا كأنّهم ورق جفّ م … فألوت به الصّبا والدّبور (¬7) 633 - وقيل: بينما عيسى بن موسى (¬8) يساير أبا مسلم صاحب الدّولة في ¬

(¬1) ما بين حاصرتين مستدرك من الديوان. (¬2) في الأصل: جلّله، والمثبت من الديوان. (¬3) الخورنق: قصر للنعمان بظهر الحيرة. (¬4) في الديوان معرضا. والسدير: أحد قصور النعمان في الحيرة. (¬5) ما بين معقوفين مستدرك من الديوان. (¬6) في الهامش: وفي نسخة: ثم بعد الفلاح والأمن. والإمّة: النعمة. القاموس (أمم). (¬7) الصبا والدبور: ريح. 633 - الهفوات النادرة 9، وأخبار الحمقى والمغفلين 48. (¬8) عيسى بن موسى بن محمد العباسي، أبو موسى، أمير من الولاة القادة، وهو ابن أخي السفاح كان من فحول أهله وذوي النجدة والرأي، ولاه عمه الكوفة وجعله ولي عهد المنصور، فاستنزله المنصور عن ولاية عهده سنة 147 وعزله عن الكوفة وأرضاه بمال وفير، وجعل ولاية العهد لابنه المهدي، فلما ولي المهدي خلعه سنة 160 بعد تهديد ووعيد وكان ولي العهد لا يخلع ما لم يخلع نفسه ويشهد الناس عليه، -

مقدمه على المنصور، إذ أنشد عيسى (¬1): لينهك (¬2) ما أفنى القرون التي مضت … وما حلّ في أكناف عاد وجرهم ومن كان أنأى منك عزّا ورفعة … وأنهد بالجيش اللهام العرمرم (¬3) قال له أبو (¬4) مسلم: على ما أعطيتني عهدا لله يا أبا موسى؟ فقال: أعتق ما يملك إن كان أرادك بما قال (¬5)، وإنّما هو خاطر جرى على لساني. فقال: ذكر شرّ يعظهم. 634 - يا أيّها النّاس إنّ الدّهر ذو دول … يحلو قليلا ويأتي بالمرارات لا تسرفوا إن رزقتم فيه مقدرة … واخشوا تقلّب أيّام وساعات 635 - وقيل: دخل مسلمة بن عبد الملك على عمر بن عبد العزيز في مرضته التي مات فيها، فقال: ألا توصي يا أمير المؤمنين؟ قال: فيما أوصي، فو الله أنّى لي من مال (¬6). قال: فهذه مئة ألف دينار فمر فيها بما ¬

8 - فأقام بالكوفة إلى أن توفي سنة 167. الأعلام. (¬1) البيتان في أشعار أولاد الخلفاء (318)، وقبلهما: أبا مسلم إن كنت عاصي أمرنا ... وباغينا سوءا فلست بمسلم (¬2) في أشعار أولاد الخلفاء: سيفنيك، وفي الهفوات وأخبار الحمقى: سيأتيك. (¬3) اللهام: الجيش الكثير، كأنه يلتهم كلّ شيء. اللسان (لهم) وفي أشعار أولاد الخلفاء: وأنهض بالجيش الهمام العرمرم. (¬4) في الأصل: أبي. (¬5) كذا في الأصل، وكأن المعنى: إن كان أرادك لساني بما قال. وعبارة الهفوات بعد الشعر ما نصّه: فقال أبو مسلم: هذا مع الأمان الذي أعطيت؟ فقال عيسى: أعتقت ما أملك إن كان هذا الشيء من أمرك أضمرته، أو في الفكر أجلته، بل خاطر أبداه لساني. فقال له: بئس الخاطر. والله أبدى. ودخل على المنصور فأتاه ما أتى. 635 - الكامل 1/ 310، والتعازي والمراثي 62، وكتاب التعازي 80، والمستجاد 183، 184. (¬6) في التعازي والمراثي: وهل لي مال أوصي فيه؟

أحببت. قال: أو تقبل مني؟ قال: نعم. قال: فردّها على من أخذتها منه ظلما. فبكى مسلمة، ثم قال: يرحمك الله، لقد ألنت منّا قلوبا قاسية، وأبقيت لنا في الصّالحين ذكرا 636 - ألم تر أنّ الدّهر يهدم ما بنى … ويأخذ ما أعطى ويفسد ما أسدى فمن سرّه ألا يرى ما يسوءه … فلا يتّخذ شيئا يخاف له فقدا 637 - وقيل: إنّ المنصور كان جالسا بمدينته التي بناها، إذ جاء سهم فوقع بين يديه، فذعر منه ذعرا شديدا ثم أخذه فجعل يقلّبه وإذا مكتوب بين الرّيشتين: أتطمع في الحياة إلى التنادي … وتحسب أنّ مالك من معاد ستسأل عن ذنوبك والخطايا … وتسأل بعد ذاك عن العباد ثم قرأ عند الثانية (¬1): أحسنت ظنّك بالأيّام إذ حسنت … ولم تخف سوء ما يأتي به القدر وساعدتك (¬2) الليالي فاغتررت بها … وعند صفو الليالي يحدث الكدر ثم في الثالثة (¬3): هي المقادير تجري في أعنّتها … فاصبر فليس لها صبر على حال ¬

636 - ثمار القلوب (693) والبيتان فيه لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر. (¬1) محاضرات الأدباء 2/ 166 قال الأصمعي: وجدت لبعض العرب بيتين كأنهما أخذا من قوله تعالى: حَتّى إِذافَرِحُوا بِماأُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً [الأنعام:44] وهما قول سعيد بن وهب، وفي شرح نهج البلاغة 19/ 178: كان محمد بن عبد الله بن طاهر أمير بغداد في قصره على دجلة يوما، وإذا بحشيش على وجه الماء، في وسطه قصبة عليها رقعة، فأمر بأخذها، فإذا فيها أبيات، وقبل هذين البيتين: تاه الأعيرج واستولى به البطر ... فقل له: خير ما استعملته الحذر (¬2) في المحاضرات، وشرح نهج البلاغة (سالمتك). (¬3) شرح نهج البلاغة 19/ 179 والبيتان فيه لإسحاق بن إبراهيم الموصلي، والحماسة البصرية 2/ 6، والمستطرف 316: أنشد إسحاق الموصلي إبراهيم بن المهدي حين حبس.

يوما تريك خسيس الحال ترفعه … إلى السّماء ويوما تخفض العالي (¬1) وإذا على جانب السّهم مكتوب: همذانيّ رجل متهم (¬2) مظلوم في حبسك. فبعث من فوره بعدّة من خواصّه، ففتشوا الحبس، والمطبق (¬3) فوجدوا شيخا في بيت من الحبس فيه سراج تسرج، وعلى بابه بارية (¬4) مسبلة، وهو موثق بالحديد متوجّة نحو القبلة يردّد هذه الآية وَسَيَعْلَمُ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [الشعراء: 227] فسئل عن بلده، فقال: همذان. فحمل إلى بين يدي المنصور، فسأله عن حاله، فذكر أنّه رجل من أبناء مدينة همذان وأرباب نعمها، وأنّ عاملك دخل بلدنا ولي ضيعة تساوي ألف ألف درهم، فأراد أخذها فامتنعت، فكبّلني بالحديد، وحملني إلى هنا، وكتب أنّي عاص. فقال له المنصور منذكم؟ قال: منذ أربع (¬5) سنين. فأمر بفكّ قيوده عنه، والإحسان إليه، وأنزله أحسن منزل، وردّه إليه، وقال: يا شيخ، قد رددنا إليك ضيعتك بخراجها ما عشت وعشنا، وأمّا مدينتك فقد ولّيناك عليها، وأمّا الوالي فقد حكّمناك فيه، وجعلنا أمره إليك. فجزاه الشّيخ خيرا، ودعا له بالبقاء، وقال: أمّا الضّيعة فقد قبلتها، وأمّا الولاية فلا أصلح لها، وأمّا الوالي فقد عفوت عنه. فأمر له المنصور بمال جزيل، واستحلّه وأعاده إلى بلده بعدما صرف الوالي وعاقبه على فعله. 638 - وقيل: نزل النّعمان بن المنذر تحت شجرة مؤنقة ليلهو هناك ¬

(¬1) في شرح نهج البلاغة والحماسة البصرية: يوما تريش. (¬2) في الأصل: (متهما). (¬3) المطبق سجن كبير بناه المنصور، في بغداد بين طريق باب البصرة، وطريق باب الكوفة، وكان المطبق متين البناء قوي الأساس بني تحت الأرض، شديد الظلمة، وقد ظل قائما إلى ما بعد عهد المقتدر. دليل خارطة بغداد (52). وقد ورد في الأصل المطابق. (¬4) البارية: الحصير المنسوج. متن اللغة (بري). (¬5) في الأصل: أربعة. 638 - الأغاني 2/ 96،134، الكامل 2/ 616.

فتمايلت، وتحرّكت أغصانها، فقال له عديّ: أيّها الملك، أبيت اللّعن، أتدري ما تقول هذه الشّجرة؟ قال: وما تقول؟ قال: تقول (¬1): ربّ شرّاب أناخوا حولنا … يمزجون الخمر بالماء الزّلال والأباريق عليها فدم (¬2) … وعتاق الخيل تردي بالجلال ثمّ أضحوا عصف الدّهر بهم … وكذاك الدّهر حال بعد حال (¬3) قال: فبكى النّعمان وتنغّص عليه يومه. 639 - وقيل: لما حجّ الرّشيد، بينما هو سائر وهو على هودجه إذ وقعت عينه على بهلول مع المشاة، فاستدعى به، وقال: يا بهلول، تشهّى وتمنّى. فقال: على من؟ قال: عليّ. قال: تغفر لي؟ قال: لا قدرة لي على ذلك، ولا هو في وسعي، ولا في طوقي. قال: فهب لي العافية. قال: ولا قدرة لي على ذلك. قال بهلول: ما في الآخرة شيء أفضل من المغفرة، ولا في الدّنيا شيء أفضل من العافية، ولا أجلّ، وإذا لم تقدر عليهما فأيّ شيء أتمنّى؟ قال: تمنّ أن أعطيك وأقطعك. قال: كلانا في خرابة واحدة. وتركه وانصرف. 640 - وقال جبرائيل لآدم: قل اللهمّ هب لي العافية كي تهنّئني بالمعيشة، واختم لي بالمغفرة حتّى لا تضرّني الذّنوب. 641 - وقيل: صار المغيرة بن شعبة وهو والي الكوفة إلى دير هند بنت النّعمان بن المنذر (¬4) وهي عمياء مترهّبة، فاستأذن عليها، فقيل: أمير هذه ¬

(¬1) ديوان عدي بن زيد العبادي (82) من قصيدة مطلعها: من رآنا فليحدّث نفسه ... أنّه موف على قرن زوال (¬2) فدم: جمع فدام، وهو ما يوضع في فم الإبريق لتصفية ما فيه من شراب. (¬3) في مصادر الخبر: حالا. 641 - الكامل 2/ 584، وانظر الخبر بنحوه في مسالك الأبصار 1/ 325، والأغاني 2/ 131، والديارات 158. (¬4) دير هند بالحيرة، ذكر ياقوت في معجم البلدان 2/ 541 أن كسرى قد غضب على-

المدرة (¬1) بالباب. قالت: فقولوا: من أولاد جبلة بن الأيهم أنت؟ قال: لا. قالت: أفمن أولاد المنذر بن ماء السّماء؟ قال: لا. قالت: فمن أنت؟ قال: أنا المغيرة بن شعبة الثّقفيّ. قالت: فما حاجتك؟ قال: جئتك خاطبا. قالت: لو كنت جئتني لكمال أو جمال لأطلبتك ولكنّك أردت أن تتشّرف بي في محافل العرب، وتقول: نكحت بنت النّعمان، وإلا فأيّ خير في اجتماع أعور وعمياء؟ فبعث إليها: كيف كان أمركم؟ قالت: سأختصر الجواب، أمسينا مساء وليس في الأرض عربيّ إلا وهو يرغب إلينا فيرهبنا، وأصبحنا وليس في الأرض عربيّ إلاّ ونحن نرهبه ونرغب إليه. 642 - لا يغرّنك عشاء ساكن … قد يوافي بالمنيّات السّحر 643 - وقال عليّ بن الهيثم: رأيت من تقلّب الزّمان، وتصاريف الدّهر ما لم أر مثله ولا أعجب منه: رأيت ثقل (¬2) الفضل بن الرّبيع على ألف بعير، ثم رأيت جميع ما يملك في زنبيل، ونحن مستترون، وفيه أدوية له، ورأيت الحسن بن سهل وكلّ ما يملك في زنبيل، ثم رأيت ثقله على ألف بعير. 644 - هذا الزّمان على ما فيه من كدر … يحكي انقلاب لياليه بأهليه غدير ماء تراءى في أسافله … أشخاص قوم قيام في أعاليه ¬

4 - النعمان فحبسه، فأعطت بنته عهدا لله إن ردّه الله إلى ملكه أن تبني ديرا تسكنه حتى تموت. وانظر سبب بناء هذا الدير في محاضرات الأدباء 2/ 124. (¬1) في الهامش: وفي نسخة: المدينة. 642 - البيت في كتاب التعازي (19)، قاله عمر متمثلا به بعد موت ابنه عبد الملك، وفي محاضرات الأدباء 2/ 165، وروايته فيه لا يغرنك عيش ساكن ... قد توالى بالمنيات السحر 643 - الفرج بعد الشدة 3/ 218. (¬2) الثقل: محركة: متاع المسافر، وحشمه، وكل شيء نفيس مصون. القاموس (ثقل).

645 - وقال عبد الملك بن عمر اللّيثيّ: رأيت من تقلّب أحوال الدّنيا ما لم أر أعجب منه: دخلت على عبد الملك بن مروان بالكوفة وهو جالس في بهو على سرير، وبين يديه رأس مصعب بن الزّبير، فلما رأيته قلت متعجّبا: لا إله إلا الله، رأيت من الزّمان عجبا، تذكّرت به عجيبا. فقال: وما ذاك؟ قلت: رأيت عبيد الله بن زياد في هذا البهو جالسا على هذا السّرير وبين يديه رأس الحسين بن عليّ صلوات الله عليهما، ثم دخلت بعد ذلك على المختار وهو جالس في هذا البهو على هذا السّرير، وبين يديه رأس عبيد الله بن زياد، ثم دخلت على مصعب في هذا البهو على هذا السّرير، وبين يديه رأس المختار، وقد دخلت عليك يا أمير المؤمنين، في هذا البهو على هذا السّرير، وبين يديك رأس مصعب بن الزّبير. فقال: لا إله إلا الله، لا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم، إنّا لله وإنّا إليه راجعون. وقام مبادرا، ونزل عن السّرير، وخرج من البهو، وأمر بهدمه لوقته. 646 - لبعضهم: ما جاءت الدّنيا إلى أحد … تركته ملتفتا إلى أحد إن عرّست في السّبت مقبلة … فطلاقها في ليلة الأحد **** ¬

645 - انظر المعجم الكبير للطبراني 3/ 125، والإصابة 6/ 200 (8539)، والمستطرف 306.

تمّ الكتاب بحمد الله وعونه وحسن توفيقه على يدي أقلّ عباد الله، وأحوجهم إلى رحمة الله تعالى، الرّاجي رحمة ربّه ومغفرته أويس بن خليل بن علي بن محمد بن إبراهيم بن حسن بن صالح المحمدي الأويراتي (¬1) عامله الله بألطافه الخفيّة، وبلّغه في الدّارين غاية الأمنيّة، وغفر له ولوالديه ولإخوانه ولأحبابه ولمشايخه وجميع المسلمين بمنّه وسعة رحمته، وذلك بتاريخ نهار الخميس المبارك سادس عشرين شهر ربيع الأول الأنور عام سنة تسع وثمانين وثمان مئة، والحمد لله وحده، وصلّى الله على سيدنا محمّد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذرّيته وسلّم تسليما كثيرا، وأسألك اللهمّ بجاههم عندك عجائب لطفك في أمورنا، وأن تنجينا ببركتهم من كلّ ظالم وسوء ومحنة، وممّا نخافه ونحذره برحمتك يا أرحم الرّاحمين إنّك على كلّ شيء قدير، وبالإجابة جدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم، يا فتّاح يا رزّاق يا ودود. ¬

(¬1) جاء في الهامش: نسبة إلى طائفة من تركمان بلاد الشرق. انتهى. قال المقريزي في خططه 3/ 34 ما خلاصته: الأويراتية طائفة من المغول، خافوا الملك غازان محمود وفرّوا عن بلاده إلى نواحي بغداد، ثم قطعوا الفرات بعد أن استأذنوا نائب حلب، وتفرقوا في البلاد، وحلّ جمع منهم مصر. وصفوا بالزعارة والشجاعة والجمال، وكان يقال لهم البدورة.

مصادر التحقيق

مصادر التحقيق - أبو العتاهية أشعاره وأخباره. تحقيق د. شكري فيصل. مطبعة جامعة دمشق 1384 - 1965. -الأجوبة المسكته: ابن أبي عون. تحقيق د. محمد عبد القادر أحمد. مكتبة النهضة المصرية. -الأخبار الموفقيات: الزبير بن بكار. تحقيق د. سامي مكي العاني. رئاسة ديوان الأوقاف الجمهورية العراقية. -أحسن ما سمعت: أبو منصور الثعالبي. صححه محمد صادق عنبر. مطبعة الجمهور 1324. -إحياء علوم الدين: أبو حامد الغزالي. مطبعة لجنة نشر الثقافة الإسلامية 1356. -أدب الغرباء: أبو الفرج الأصبهاني. تحقيق د. صلاح الدين المنجد. دار الكتاب الجديد 1972. -الأرج في الفرج: جلال الدين السيوطي. المطبعة الأدبية. -الاستيعاب في معرفة الأصحاب: ابن عبد البر. تحقيق علي محمد البجاوي. مكتبة نهضة مصر. -أسد الغابة في معرفة الصحابة: ابن الأثير. المطبعة الوهبية.128. -أسرار الحكماء: ياقوت بن عبد الله المستعصمي. تحقيق سميح صالح. دار البشائر 1994. -الإسكندر المكدوني: هارولد لامب. ترجمة الدكتور عبد الجبار المطلبي، ومحمد ناصر الصانع. المكتبة الأهلية. بغداد 1965.

-أشعار أبي الشيص الخزاعي. جمع وتحقيق عبد الله الجبوري 1387 - 1967. -أشعار أولاد الخلفاء: محمد بن يحيى الصولي. نشر ج هيورت. دن. مطبعة الصاوي 1355 - 1936. -الإصابة في تمييز الصحابة: ابن حجر. مطبعة السعادة 1323. -الأعلام: خير الدين الزركلي. دار العلم للملايين. الطبعة الخامسة. 1980. -أعلام النساء: عمر رضا كحالة. المطبعة الهاشمية.1379 - 1959. -الأغاني: أبو الفرج الأصبهاني. مطبعة دار الكتب المصرية 1345 - 1927. -الأمالي: إسماعيل بن القاسم القالي. مطبعة دار الكتب المصرية 1344 - 1926. -أمالي المرتضى: تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. دار إحياء الكتب العربية 1373 - 1954. -الإمتاع والمؤانسة: أبو حيان التوحيدي. صححه وضبطه أحمد أمين، وأحمد الزين. مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر 1939. -الأمثال: أبو عكرمة الضبي. تحقيق د. رمضان عبد التواب. مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق 1394 - 1974. -أمراء البيان: محمد كرد علي. مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر 1355 - 1937. -إنباه الرواة على أنباه النحاه: علي بن يوسف القفطي. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. مطبعة دار الكتب المصرية 1369 - 1950. -الأنساب: عبد الكريم بن محمد السمعاني. تحقيق عبد الرحمن المعلمي اليماني وغيره. الناشر محمد أمين دمج 1400 - 1980.

-البدء والتاريخ: أحمد بن سهل البلخي. تحقيق كلمان هوار. باريس 1899. -البداية والنهاية: ابن كثير. مكتبة المعارف ومكتبة النصر 1966. -البصائر والذخائر: أبو حيان التوحيدي. تحقيق د. إبراهيم الكيلاني. مكتبة أطلس، ومطبعة الإنشاء. -بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: عبد الرحمن السيوطي. مطبعة السعادة 1326. -البيان والتبيين: عمرو بن بحر الجاحظ. تحقيق عبد السلام هارون. مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر 1367 - 1948. -تاريخ بغداد: أحمد بن علي الخطيب البغدادي. طبع مكتبة الخانجي، والعربية والسعادة 1349 - 1931. -تاريخ الحكماء: علي بن يوسف القفطي. ليبسك 1320. -تاريخ الطبري: محمد بن جعفر الطبري. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. دار المعارف 1960. -تاريخ الفارقي: أحمد بن يوسف بن الأزرق الفارقي. مراجعة الدكتور حسن الزين. دار الفكر الحديث 1408 - 1988. -تجارب الأمم: أحمد بن محمد مسكويه. مطبعة التمدن الصناعية بمصر 1332 - 1914. -التعازي: علي بن محمد المدائني. تحقيق ابتسام الصفار، وبدري فهد. مطبعة النعمان بغداد 1391 - 1971. -التعازي والمراثي: محمد بن يزيد المبرد. تحقيق محمد الديباجي. مطبوعات مجمع اللغة العربية دمشق 1396 - 1976. -تفسير القرآن العظيم: إسماعيل بن كثير. دار إحياء الكتب العربية.

-تقريب التهذيب: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. تحقيق محمد عوامة. دار الرشيد 1408 - 1988. -تهذيب الكمال في أسماء الرجال: الحافظ أبو الحجاج المزي. تحقيق د. بشار عواد. مؤسسة الرسالة. -ثمار القلوب في المضاف والمنسوب: عبد الملك الثعالبي. -تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. دار النهضة مصر 1384 - 1965. -تحقيق إبراهيم صالح دار البشائر 1414 - 1994. -الحكمة الخالدة: أحمد بن محمد مسكويه. تحقيق عبد الرحمن بدوي. مكتبة النهضة المصرية 1952. -حل العقال: عبد الله محمد الحجازي الحلبي المعروف بابن قضيب البان. المطبعة الأدبية. -الحماسة: الوليد بن عبيد البحتري. تحقيق لويس شيخو. دار الكتاب العربي 1387 - 1967. -الحماسة البصرية: صدر الدين بن الحسين البصري. تحقيق د. مختار الدين أحمد. مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد الدكن 1383 - 1964. -الحماسة الشجرية: ابن الشجري. تحقيق عبد المعين الملوحي، أسماء الحمصي. وزارة الثقافة والإرشاد القومي 1970. -حياة الحيوان الكبرى: كمال الدين الدميري. المطبعة الشرفية 1321. -خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب: عبد القادر بن عمر البغدادي. تحقيق عبد السلام هارون. مكتبة الخانجي. الطبعة الثانية. -الديارات: علي بن محمد الشابشتي. تحقيق كوركيس عواد. مطبعة المعارف بغداد 1951.

-ديوان ابن الرومي: تحقيق د. حسين نصار. الهيئة المصرية العامة للكتاب 1393 - 1973. -ديوان ابن المعتز: وقف على طبعة عزيز زند. المطبعة المحروسة 1891. -ديوان أبي تمام: تحقيق محمد عبده عزام. دار المعارف 1964. -ديوان أبي تمام: تقديم عبد الحميد يونس، وعبد الفتاح مصطفى. مكتبة محمد علي صبيح.1362 - 1942. -ديوان أبي فراس الحمداني. تحقيق د. محمد التونجي. منشورات المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بدمشق 1408 - 1987. -ديوان أبي الفتح البستي. تحقيق درية الخطيب، ولطفي الصقال. مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق.1410 - 1989. -ديوان أبي نواس. تحقيق أحمد عبد المجيد الغزالي. دار الكتاب العربي. -ديوان الأعشى الكبير ميمون بن قيس: شرح وتعليق د. محمد محمد حسين. مكتبة الآداب بالجماميز. -ديوان الإمام علي: منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات. -ديوان امرئ القيس: تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. دار المعارف. الطبعة الثانية 1964. -ديوان أمية بن أبي الصلت: صنعة الدكتور عبد الحفيظ السطلي. -ديوان البحتري: تحقيق حسن كامل الصيرفي. دار المعارف 1963. -ديوان جرير: تحقيق د. نعمان محمد أمين طه. دار المعارف. -ديوان حاتم الطائي: تحقيق كرم البستاني. مكتبة صادر 1953. -ديوان الخالديين: جمع وتحقيق د. سامي الدهان. مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق 1388 - 1969. -ديوان الخريمي: إسحاق بن حسان: جمع وتحقيق علي جواد الطاهر، ومحمد جبار المعيبد. دار الكتاب الجديد 1971.

-ديوان الخنساء: دار صادر 1383 - 1963. -ديوان ذي الرمة: تحقيق د. عبد القدوس أبو صالح. مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق 1392 - 1972. -ديوان الشريف الرضي: المطبعة الأدبية 1307. -ديوان العباس بن الأحنف: تحقيق عاتكة الخزرجي. مطبعة دار الكتب المصرية 1373 - 1954. -ديوان عدي بن زيد العبادي: جمع وتحقيق محمد جبار المعيبد. وزارة الثقافة العراقية 1965. -ديوان العرجي: شرح وتحقيق خضر الطائي، ورشيد العبيدي. الشركة الإسلامية بغداد 1375 - 1956. -ديوان علي بن الجهم: تحقيق خليل مردم بك. مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق 1369 - 1949. -ديوان عمرو بن معديكرب: صنعه هاشم الطعان. وزارة الثقافة بغداد. -ديوان كثير عزّة: تحقيق د. إحسان عباس. دار الثقافة. بيروت 1391 - 1971. -ديوان محمود الورّاق: جمع وتحقيق د. وليد قصاب. الطبعة الأولى 1412 - 1991. -ديوان المعاني: أبو هلال العسكري. تصحيح كرنكو. مكتبة القدسي 1952. -رغبة الآمل من كتاب الكامل. سيد علي المرصفي. مكتبة دار البيان بغداد 1389 - 1969. -الروض المعطار في خبر الأقطار: محمد بن عبد المنعم الحميري. تحقيق د. إحسان عباس. مؤسسة ناصر الثقافية 1980. -زبدة الحلب من تاريخ حلب: عمر بن أحمد بن العديم. تحقيق سامي

الدهان. المعهد الفرنسي بدمشق للدراسات العربية 1370 - 1951. -زهر الآداب وثمر اللباب: أبو إسحاق الحصري القيرواني تحقيق. د. زكي مبارك المكتبة التجارية الكبرى. -سمط اللآلي: أبو عبيد البكري. -سير أعلام النبلاء: محمد بن أحمد الذهبي. تحقيق جماعة من الأساتذة بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط. مؤسسة الرسالة. الطبعة الأولى 1401 - 1981. -شرح أشعار الهذليين: الحسن بن الحسين السّكري. تحقيق عبد الستار فرّاج. مكتبة دار العروبة. -شرح ديوان الحماسة: أحمد بن محمد المرزوقي. تحقيق محمد أمين، وعبد السلام هارون مطبعة لجنة التأليف والترجمة 1370 - 1951. -شرح نهج البلاغة: ابن أبي حديد. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. دار إحياء الكتب العربية 1378 - 1959. -شعب الإيمان: أحمد بن الحسين البيهقي. تحقيق محمد السعيد بن بسيوني. دار الكتب العلمية 1410 - 1990. -شعر إبراهيم بن هرمة: تحقيق محمد نفاع، وحسين عطوان. مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق. -الشعر والشعراء: ابن قتيبة. تحقيق أحمد محمد شاكر. دار إحياء الكتب العربية 1364. -الصداقة والصديق: أبو حيان التوحيدي. تحقيق د. إبراهيم الكيلاني. دار الفكر 1964. -طبقات الشافعية الكبرى: عبد الوهاب السبكي. تحقيق محمود الطناحي، وعبد الفتاح الحلو. مطبعة عيسى البابي الحلبي 1383 - 1964. -طبقات الشعراء: ابن المعتز. تحقيق عبد الستار فرّاج. دار المعارف.

-طبقات الصوفية: أبو عبد الرحمن السّلمي. تحقيق نور الدين شريبة. نشر جماعة الأزهر 1372 - 1953. -الطبقات الكبرى: ابن سعد. دار صادر. -الطرائف الأدبية: تحقيق عبد العزيز الميمني. مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر 1937. -العبر في خبر من غبر: الذهبي. تحقيق صلاح الدين المنجد. التراث العربي 1960. -العزلة: حمد بن محمد البستي. تحقيق ياسين سواس. دار ابن كثير 1990. -العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين: محمد بن أحمد الحسني الفاسي المكي. تحقيق حامد الفقي. مؤسسة الرسالة 1406 - 1986. -العقد الفريد: أحمد بن محمد بن عبد ربه. تحقيق أحمد أمين، وأحمد الزين، وإبراهيم الإبياري مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر 1367 - 1948. -عقلاء المجانين: الحسن بن محمد النيسابوري. علّق عليه وجيه فارس الكيلاني. الطبعة الأولى. -عيون الأخبار: عبد الله بن مسلم بن قتيبة. مطبعة دار الكتب المصرية 1343 - 1925. -عيون الأنباء في طبقات الأطباء: أحمد بن القاسم بن أبي أصيبعة. تحقيق د. نزار رضا. منشوارت دار مكتبة الحياة بيروت. -الفتوحات المكية: ابن عربي. -الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية. محمد بن علي بن طباطبا. راجعه محمد عوض إبراهيم، وعلي الجارم. مطبعة المعارف، الطبعة الثانية.

-الفرج بعد الشدة: عبد الله بن أبي الدنيا. تحقيق ياسين السواس. دار البشائر 1992. -الفرج بعد الشدة: المحسن بن علي التنوخي. تحقيق عبود الشالجي. دار صادر 1398 - 1978. -فوات الوفيات: محمد بن شاكر الكتبي. تحقيق د. إحسان عباس. دار صادر. -قوت القلوب: أبو طالب المكي. -الكامل: محمد بن يزيد المبرد. تحقيق د. محمد الدالي. مؤسسة الرسالة الطبعة الأولى 1406 - 1986. -لسان العرب: ابن منظور. دار صادر. -لسان الميزان: ابن حجر العسقلاني. مطبعة مجلس دائرة المعارف بحيدر أباد الدكن 1330. -مجالس ثعلب: أحمد بن يحيى ثعلب. تحقيق عبد السلام هارون. دار المعارف. الطبعة الثانية. -مجمع الأمثال: الميداني. تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد. منشورات دار النصر. دمشق. -محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء: الراغب الأصفهاني. المطبعة الشرفية 1326. -المحاسن والأضداد: عمرو بن بحر الجاحظ. مكتبة العرفان. -المحاسن والمساوئ: إبراهيم بن محمد البيهقي. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. مكتبة نهضة مصر. -المحب والمحبوب والمشموم والمشروب: السّريّ الرفاء. تحقيق مصباح غلاونجي، وماجد الذهبي. مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق 1470 - 1986.

-المحبّر: محمد بن حبيب. اعتناء إيلزه ليختن شتير. طبع جمعية دائرة المعارف العثمانية. حيدر أباد الدكن 1361 - 1942. -مختصر تاريخ دمشق: ابن منظور. تحقيق جماعة من الأساتذة، دار الفكر 1404 - 1984. -مختار الحكم ومحاسن الكلم: المبشر بن فاتك. تحقيق عبد الرحمن بدوي. المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1980. -مروج الذهب ومعادن الجوهر: المسعودي. تحقيق شارل بيلا. منشورات الجامعة اللبنانية 1966. -مسالك الأبصار في ممالك الأمصار: ابن فضل الله العمري. تحقيق أحمد زكي باشا. -المستجاد من فعلات الأجواد: المحسن بن علي التنوخي. تحقيق محمد كرد علي. مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق 1365 - 1946. -المستطرف في كل فنّ مستظرف: الأبشيهي. تحقيق د. عبد الله الطباع. دار القلم. -المستقصى في أمثال العرب: محمود بن عمر الزمخشري. دار الكتب العلمية 1397 - 1977. -المعارف: عبد الله بن قتيبة تحقيق ثروت عكاشة. مطبعة دار الكتب 1960. -معاهد التنصيص على شواهد التلخيص: عبد الرحيم بن أحمد العباسي. تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد. مطبعة السعادة بمصر 1367 - 1947. -معجم الأدباء: ياقوت الحموي. مطبوعات دار المأمون. -معجم الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي: زامباور. مطبعة جامعة فؤاد الأول 1951.

-معجم البلدان. ياقوت الحموي. دار صادر 1374 - 1955. -معجم الشعراء: المرزباني. تحقيق ف. كرنكو. مكتبة القدسي 1354. -معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع: عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي. تحقيق مصطفى السقا. المعهد الخليفي للأبحاث المغربية 1364 - 1945. -مجموعة الرسائل والمسائل: ابن تيمية. -المفضليات: تحقيق أحمد محمد شاكر، وعبد السلام هارون. دار المعارف 1964. -الملل والنحل: الشهرستاني. تحقيق محمد سيد كيلاني. دار المعرفة بيروت 1400 - 1980. -المنازل والديار: أسامة بن منقذ. المكتب الإسلامي 1385 - 1965. -المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: ابن الجوزي. مصورة دار صادر عن طبعة دار المعارف العثمانية 1358. -المنتقى من كتاب مكارم الأخلاق ومحمود طرائقها. محمد بن جعفر الخرائطي. تحقيق محمد مطيع الحافظ، وغزوة بدير. دار الفكر 1406 - 1986. -المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي: ابن تغري بردي. تحقيق د. محمد محمد أمين. الهيئة المصرية العامة للكتاب 1984. -المؤتلف والمختلف: الحسن بن بشر الآمدي. تحقيق ف. كرنكو. مكتبة القدسي 1354. -الموسوعة العربية الميسرة: بإشراف محمد شفيق غربال. دار القلم، ومؤسسة فرنكلين. -النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: ابن تغري بردي. مصورة عن طبعة دار الكتب.

-نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة: المحسّن بن علي التنوخي. تحقيق عبود الشالجي 1391 - 1971. -نهاية الأرب في فنون الأدب: أحمد بن عبد الوهاب النويري. نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب. -الهفوات النادرة: محمد بن هلال الصابئ. تحقيق د. صالح الأشتر. مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق 1387 - 1967. -الوافي بالوفيات: خليل بن آيبك الصفدي. النشريات الإسلامية لجمعية المستشرقين الألمانية 1931. -الوزراء والكتاب: الجهشياري. تحقيق: السقا، والإبياري، وشلبي، مطبعة البابي الحلبي 1357 - 1938. -وفيات الأعيان وأنباء أنباء الزمان: أحمد بن محمد بن خلكان. تحقيق د. إحسان عباس. دار صادر. -يتيمة الدهر: أبو منصور عبد الملك الثعالبي. مطبعة الصاوي 1353 - 1934.

الدوريات والمجلات

الدوريات والمجلات - مجلة مجمع اللغة العربية المجلد 68 الجزء الثالث. -مجلة المجمع الهندي. المجلد الثاني. سنة 1377. المخطوطات 1 - المختار من مناقب الأبرار: ابن الأثير الجزري. 2 - المناقب والمثالب: ريحان بن عبد الواحد الخوارزمي. 3 - نفحات الأنس: جامي (مخطوط فارسي). المراجع الأجنبية Bernd Manuel Weischer: Auhadu-duddin Kirmant und seinc Vierzeiler, DER ISLAM, BAND 56 HEFTl, BERLIN 1979

§1/1